مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي (1/1)
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين خطبة الكتاب
الحمد لله المضل الهاد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تضمن الإسعاد يوم يقوم الأشهاد
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الرشاد
صلى الله عليه و سلم على آله وأصحابه الذين قمعوا أهل العناد وحكموا سيوفهم في رقاب أهل الفساد فلم يجسر أحد في زمانهم على إلحاد بتمثيل أو تعطيل أو حلول أو اتحاد أبعدنا الله من ذلك أيما إبعاد وحمانا منه على مر الدهور والآباد
وبعد فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي المنسوب إلى التصوف الموسوم عند أهل الحق بالوحدة ولم أر من شفى القلب في ترجمته وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهرا حتى يعلم حاله فيهجر مقاله ويعتقد انحلاله وكفره وضلاله وأنه إلى الهاوية مآبه ومآله امتثالا لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن (1/18)
لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وفي رواية عن عبد الله بن مسعود وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل وما أحضر إلى النسخة التي نقلت ما تراه منها إلا شخص من كبار معتقديه وأتباعه ومحبيه
عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام
وينبغي أن يعلم أولا أن كلامه دائر على الوحدة المطلقة وهي أنه لا شيء سوى هذا العالم وأن الإله أمر كلي لا وجود له إلا في ضمن جزئياته
ثم إنه يسعى في إبطال الدين من أصله بما يحل به عقائد أهله بأن كل أحد على صراط مستقيم وأن الوعيد لا يقع منه شيء وعلى تقدير وقوعه فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم وعذوبة ونحو ذلك
وإن حصل لأهله ألم فهو لا ينافي السعادة والرضى كما لم ينافها ما يحصل من الآلام في الدنيا وهذا يحط عند من له وعي على اعتقاد أنه لا إله أصلا وأنه ماثم إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما وراء ذلك شيء
منهاج الصوفية في الكيد بدعوتهم
وكل ما في كلامه من غير هذا المهيع فهو تستر وتلبيس على من ينتقد عليه ولا يلقىزمام انقياده إليه فإنه علم أنه إن صرح بالتعطيل ابتداء بعد كل سامع من قبوله فأظهر لأهل الدين أنه منهم ووقف لهم في أودية اعتقادهم ثم استدرجهم عند المضائق واستغواهم في أماكن الاشتباه وهو أصنع الناس في التلبيس (1/19)
فإنه يذكر أحاديث صحاحا ويحرفها على أوجه غريبة ومناح عجيبة فإذا تدرج معه من أراد الله والعياذ به ضلاله وصل ولا بد إلى مراده من الانحلال من كل شرعة والمباعدة لكل ملة
وخواص أهل هذه النحلة يتسترون بإظهار شعائر الإسلام وإقامة الصلاة والصيام وتمويه الإلحاد بزي التنسك والتقشف وتزويق الزندقة بتسميتها بعلم التصوف فهو ممن أشار إليه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
وقد أصل لهم غويهم هذا كما صرح به في النص النوحي أن الدعوة إلى الله مكر ونسب ذلك إلى الأنبياء عليهم السلام فقال ادعوا إلى الله فهذا عين المكر إلى آخر كلامه
وهذا هو السر في تنسكهم
على أنهم قد استغنوا في هذا الزمان عن التنسك لانقياد أهله بغير ذلك وقد يستدرجهم الله وأمثالهم ممن يريد ضلاله بإظهار شيء من الخوارق على أيديهم كما يظهره الله على يد الدجال وأيدي بعض الرهبان ليتبين الموقن من المرتاب
مثالهم في زندقتهم
وقد ضربوا لتصحيح زندقتهم مثالا مكروا فيه بمن لم ترسخ قدمه في الإسلام ولا خالط أنفاس النبوة حتى صار يدفع الشبه
حاصل ذلك المثال أنهم يصلون إلى الله بغير واسطة المبعوث بالشرع فتم لهم المكر (1/20)
وتبعهم في ذلك أكثر الرعاع ولم يبالوا بخرق الإجماع وذلك المثال أن ملكا أقام على بابه سيافا وقال له من دخل بغير إذنك فاقتله وقال لغيره أذنت لك في الدخول متى شئت فإذا دخل الغير فقد أصاب
وإن قتله السياف فقد أصاب وعنوا بالسياف الشارع
فما أفادهم مثالهم مع زندقتهم به شيئا
فإنهم اعترفوا فيه بإباحة دمائهم وهو قصد أهل الشريعة ومن يعتقد أن لأحد من الخلق طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه و سلم فهو كافر من أولياء الشيطان بالإجماع فإن رسالته صلى الله عليه و سلم عامة ودعوته شاملة
احتجاج الصوفية بقصة الخضر
ولا حجة لهم في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام للفرق بخصوص تلك الرسالة مع أن الخبر بعلم الخضر جاء من الله تعالى إلى موسى عليه السلام (1/21)
فأين هي من دعاويهم ولا شبهة عليها فضلا عن دليل بل هي مصادمة للقواطع ومن صادم القواطع انقطعت عنقه ولو بلغ في الزهد والعبادة أقصى الغايات 88 : 42 وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية الآيات
ولو وقعت منهم الخوارق فإنها شيطانية قال الله تعالى 43 : 36 ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 6 : 121 وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون
القول في صرف الكلام عن ظاهره
وسميت هذه الأوراق تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي وإن شئت فسمها النصوص من كفر 4 الفصوص لأني لم أستشهد على كفره وقبيح أمره إلا بما لا ينفع معه التأويل من كلامه فإنه ليس كل كلام يقبل تأويله وصرفه عن ظاهره
وذلك يرجع إلى قاعدة الإقرار بشيء وتعقيبه بما يرفع شيئا ما من معناه ولا خلاف عند الشافعية في أنه إن كان مفصولا لا يقبل وأما إذا كان موصولا ففيه خلاف
ومن صورة ما لا ينفع فيه الصرف عن الظاهر (1/22)
كما لو أقر ببيع أو هبة ثم قال كان ذلك فاسدا فأقررت بظني الصحة فإنه لا يصدق في ذلك
حكم من ينطق بكلمة ردة
ونقل الشيخ سراج الدين بن الملقن في العمدة على المنهاج والزركشي في التكملة عن إمام الحرمين أنه قال في أوائل الإيمان قال الأصوليون لو نطق بكلمة الردة وزعم أنه أضمر تورية كفر ظاهرا وباطنا قال الإمام الغزالي في البسيط بعد حكايته أيضا عن الأصوليين لحصول التهاون منه وهذا المعنى يعني التهاون لا يتحقق في الطلاق فاحتمل قبول التأويل بإطلاقه
وسيأتي ما يشهد لذلك من نقل شيخ الإسلام الشيخ زين الدين العراقي عن العلامة علاء الدين القونوي محسنا له على أن بعض العلماء غلب جانب الحرمة لله ولرسله فمنع التأويل مطلقا
قال القاضي أبو الفضل عياض المالكي في كتابه (1/23)
الشفاء وهو الذي تلقته الأمة بالقبول وتدارسوه في الارتحال والحلول في القسم الرابع منه فصل الوجه الرابع أن يأتي من الكلام بمجمل ويلفظ من القول بمشكل يمكن حمله على النبي صلى الله عليه و سلم أو غيره أو يتردد في المراد به من سلامته من المكروه أو شره فههنا متردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقفة استبراء المقلدين 8 : 43 ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة فمنهم من غلب حرمة النبي صلى الله عليه و سلم وحمى حمى عرضه فجسر على القتل ومنهم من عظم حرمة الدم
بيان ما هو من المقالات كفر
وقال في فصل بيان ما هو من المقالات كفر كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر كمقالة الدهرية وسائر فرق أصحاب الإثنين من الديصانية (1/24)
والمنانية وأشباههم من الصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا (1/25)
بعبادة الأوثان أو الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله
ثم قال وكذلك من أقر بالوحدانية وصحة النبوة ونبوة نبينا صلى الله عليه و سلم ولكن جوز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به
ادعى في ذلك المصلحة بزعمه أو لم يدعها فهو كافر بإجماع كالمتفلسفين وبعض الباطنية والروافض وغلاة المتصوفة وأصحاب الإباحة فإن هؤلاء (1/26)
زعموا أن ظواهر الشريعة 5 وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار ليس منها شيء على مقتضى لفظها ومفهوم خطابها وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة المصلحة إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم فمضمن مقالاتهم إبطال الشرائع وتعطيل الأوامر والنواهي وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به
وكذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن في كل جنس من الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود ويحتج بقوله تعالى 35 : 24 وإن من أمة إلا خلا فيها نذير إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس (1/27)
بصفاتهم المذمومة وفيه من الإزراء على هذا المنصب المنيف ما فيه مع إجماع المسلمين على خلافه وتكذيب قائله انتهى
قلت فكيف بمن يدعي أن الإله عين كل شيء من ذلك
وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب أو خص حديثا مجمعا على نقله مقطوعا به مجمعا على حمله على ظاهره كتكفير الخوارج بإبطال الرجم ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو توقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر مع ذلك
الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك انتهى قلت فكيف بمن يقول إن جميع الخلق من أهل الملل وغيرها على صراط مستقيم وأن فرعون مات طاهرا مطهرا بعد النص القطعي على أنه (1/28)
من أهل النار بقوله 10 : 83 وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين وقوله تعالى 4 : 43 وأن المسرفين هم أصحاب النار
وقال إن كل عابد شيئا فهو عابد لله وحرف ما أخبر به عن عذاب قوم نوح وهود ونحوهم بما سيأتي من أن ما حل بهم أعقبهم راحة وعذوبة وأن الله تعالى كان ناصرهم على أنبيائه فإن العداوة ما كانت إلا بينهم وبينهم
قال وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ثم قال وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول وقوله أنا الحق مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ولم يقبلوا توبته وكذلك حكموا في ابن أبي الغرافيد (1/29)
وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين ابن أبي عمر المالكي انتهى
قلت فكيف بمن يقول صريحا إن الخلق هو الحق والحق هو الخلق
والحق هو الإنسان الكبير وهو حقيقة العالم وهويته
وقال شيخ الإسلام الشيخ محيى الدين النووي الشافعي في كتاب الردة الروضة مختصر الرافعي قال المتولي من اعتقد قدم العالم أو حدوث 6 الصانع إلى أن قال أو أثبت له الانفصال أو الاتصال كان كافرا انتهى (1/30)
قلت فيكف بمن يصرح بأنه عين كل شيء قال والرضى بالكفر كفر قلت فكيف بمن يصوب كل كفر وينسب ذلك التصويب إلى نقل الله تعالى له عن نبيه هود عليه السلام
ويقول إن الضلال أهدى من الهدى لأن الضال حائر والحائر دائر (1/31)
حول القطب والمهتدي سالك في طريق مستطيل فهو بعيد عن القطب وسترى ذلك كله في عباراته صريحا
ثم نقل الشيخ محيى الدين النووي عن الحنفية مرتضيا له قائلا إن إطلاق أصحابنا يقتضي الموافقة عليه
أنه إذا سخر بوعد الله تعالى أو بوعيده كفر ولو قال لا أخاف القيامة كفر انتهى
قلت فكيف بمن يقول إنه ليس لوعيد الله عين تعاين وأن الآخرة موضع السعادة لكل أحد والمعذب منعم بعذابه
ثم نقل الشيخ عن القاضي عياض مرتضيا له أن من لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في تكفيرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده قال وكذا نقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة
ثم قال في الباب الثاني في أحكام الردة إن حكمها إهدار دم المرتد فيجب قتله إن لم يتب سواء كان الكفر الذي ارتد إليه كفرا ظاهرا أو غيره ككفر الباطنية انتهى (1/32)
وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري في مختصر الروضة فمن اعتقد قدم العالم إلى أن قال أو شك في تكفير اليهود والنصارى وطائفة ابن عربي كفر لا إن جهل لقرب لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين انتهى
الباطنية
قال الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل وإنما لزمهم يعني الباطنية هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه على لسان قوم قوم فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية وبخراسان التعليمية والملحدة وهم يقولون نحن إسماعيلية لأنا نميز عن فرق الشيعة بهذا الاسم وهذا (1/33)
الشخص يعني إسماعيل بن جعفر ثم إن الباطنية القديمة خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة وصنفوا كتبهم على ذلك المنهاج فقالوا في الباري تعالى إنا لا نقول هو موجود ولا لا موجود ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز وكذلك في جميع الصفات فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات في الجهة التي أطلقناها عليه وذلك تشبيه فلم يمكن الحكم بالإثبات المطلق والنفي المطلق بل هو إله المتقابلين وخالق الخصمين والحاكم بين المتضادين ونقلوا في هذا نصا عن محمد بن علي الباقر 7 أنه قال لما وهب العلم للعالمين قيل هو عالم ولما وهب القدرة للقادرين قيل هو قادر فهو عالم قادر بمعنى أنه وهب العلم والقدرة لا بمعنى أنه قائم به العلم والقدرة أو وصف بالعلم والقدرة فقيل فيهم إنهم نفاة الصفات حقيقة معطلة الذات عن (1/34)
جميع الصفات قالوا وكذلك نقول في القدم إنه ليس بقديم ولا محدث بل القديم أمره وكلمته والمحدث خلقه وفطرته انتهى
وقول ابن عربي في الجمع بين التشبيه والتنزيه أشنع من هذا وأبشع وأقبح وأفظع
من هو الزنديق
قال الشيخ محي الدين النووي وسواء كان ظاهر الكفر أو زنديقا يظهر الإسلام ويبطن الكفر كذا فسر الزنديق في باب الردة في كتاب الفرائض وضعفه الأئمة
قال ابن الملقن في العمدة وقال في كتاب اللعان في الكلام على التغليظ إنه الذي لا ينتحل دينا قال وهذا أقرب لأن الأول هو المنافق وقد غايروا بينه وبين الزنديق
قال وقال الغزالي في الأصول الزنديق ضربان
زنديق مطلق
وهو الذي ينكر أصل المعاد حسا وعقلا وينكر الصانع وزنديق مقيد وهو الذي يثبت المعاد بنوع عقل مع نفي الآلام واللذات الحسية الجسمية وإثبات الصانع مع نفي علمه فهذه زندقة مقيدة بنوع اعتراف بتصديق الأنبياء انتهى
وسيأتي في آخر هذا الكتاب عن العلامة علاء الدين البخاري تحقيق معنى الزنديق وغيره من أسماء الكفرة (1/35)
على أن قتل المعتقد لمثل هذا لا بد منه ولو توقفنا في تسميته
قال القاضي عياض وما رواه عن عمر بن عبد العزيز وجده وعمه من قولهم في القدرية يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وقال عيسى عن أبي القسم في أهل الأهواء من الأباضية والقدرية وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب الله تعالى يستتابون أيضا أظهروا ذلك أو أسروه فإن تابوا وإلا قتلوا وميراثهم لوثتهم وقال مثله ابن القسم في كتاب محمد في أهل القدر وقد انتهى بنا المقال الدال على كفر من اعتقد ما قاله من الضلال وهذا حين الشروع في سوق كلامه الموضح لفساد طويته وقبح مرامه (1/36)
إفك وبهتان
وأعظم الأمر أنه نسب كفره إلى إذن رسول الله صلى الله عليه و سلم الماحي لجميع الإشراك المخلص لمتبعيه من حبائل سائر الأشراك فقال في الخطبة
أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده كتاب فقال لي هذا كتاب فصوص الحكم
خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله وأولى الأمر منا كما أمرنا فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و سلم 8 من غير زيادة ولا نقصان
فمن الله فاسمعوا وإلى الله فارجعوا انتهى
دفع ما افتراه على الرسول
ولا شك أن النوم والرؤيا في حد ذاتهما في حيز الممكن لكن ما أصله من مذهبه الباطل ألزمه أن يكون ذلك محالا وذلك أن عنده أن وجود الكائنات هو الله فإذن الكل هو الله لا غير فلا نبي ولا رسول ولا مرسل ولا مرسل إليه فلا خفاء في امتناع النوم على الواجب وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام فمن هنا يعلم أنه لا يتحاشى من التناقض لهدم الدين بنوع مما ألفه أهله
نبه على ذلك الإمام علاء الدين البخاري في كتابه فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين (1/37)
إيمانه بأن الله إنسان كبير
ثم قال ابن عربي في فص حكمة إلهية في كلمة آدمية لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى [ التي لا يبلغها الإحصاء ] أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر [ كله ] لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره إليه فإن رؤية الشيء [ نفسه ] بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة
ثم قال فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير
ثم قال فسمى هذا المذكور إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم (1/38)
نشأته وحصره الحقائق كلها وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي
ثم قال ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفه ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه
ثم قال فوصف نفسه لنا بنا فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا وإذا شهدنا شهد نفسه ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد
آدم عند الصوفية
ثم قال فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا ولهذا قال لإبليس (1/39)
: 35 ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وما هو إلا عين جمعه [ الصورتين ] صورة العالم وصورة الحق [ وهما يدا الحق ]
ثم قال فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى
ولذلك قال فيه كنت سمعه وبصره ما قال كنت عينه وأذنه
زعمه أن الحق مفتقر إلى الخلق
ثم قال ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان 9 للعالم وجود كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده شعر
فالكل مفتقر ما الكل مستغني ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني (1/40)
التنزيه والتشبيه
ثم قال في فص حكمه سبوحية في كلمة نوحية اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب ولكن إذا أطلقاه وقالا به
فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان (1/41)
بم يعرف الله عند الصوفية
فإن للحق في كل خلق ظهورا فهو الظاهر في كل مفهوم وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته وهو الإسم الظاهر كما أنه بالمعنى روح ما ظهر فهو الباطن فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره وكذلك كل محدود
فالحق محدود بكل حد وصور العالم لا تنضبط ولا يحاط بها ولا تعلم حدود كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته فلذلك يجهل حد الحق فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة
وهذا محال حصوله فحد الحق محال وكذلك من شبهه وما نزهه فقد قيده وحدده وما عرفه ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه ووصفه بالوصفين (1/42)
على الإجمال لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور فقد عرفه [ مجملا ] لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل ولذلك ربط النبي صلى الله عليه و سلم معرفة الحق بمعرفة النفس فقال من عرف نفسه فقد عرف ربه وقال الله تعالى 41 : 53 سنريهم آياتنا فى الآفاق وهو ما خرج عنك وفى أنفسهم وهو عينك حتى يتبين لهم أي للناظر أنه الحق أي من حيث أنك صورته وهو روحك فأنت له كالصورة الجسمية لك وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك والحد يشمل الظاهر والباطن منك فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا ولكن يقال فيها إنها صورة تشبه صورة الإنسان فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة وصور العالم لا يمكن زوال 10 الحق عنها أصلا فحد الألوهية له بالحقيقة (1/43)
لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثنى بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها كذلك جعل الله تعالى صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا فقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق ولذلك قال الحمد لله رب العالمين أي إليه ترجع عواقب الثناء فهو المثني والمثنى عليه شعر
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا (1/44)
قال الله تعالى [ 42 : 11 ليس كمثله شيء فنزه وهو السميع البصير ] فشبه وقال تعالى ليس كمثله شيء فشبه وثنى وهو السميع البصير فنزه وأفرد (1/45)
تكفير الصوفية لنوح
لو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا ثم قال لهم 71 : 10 استغفروا ربكم إنه كان غفارا وقال 71 : 5 6 إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان والأمر قرآن لا فرقان ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وإن كان فيه فإن القرآن يتضمن (1/46)
الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمدA وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ف ليس كمثله شيء يجمع الأمرين في أمر واحد فلو أن نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا أجابوه فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل في نصف آية ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم وما جمع في الدعوة مثل ليس كمثله شيء فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان [ فزادهم ] فرارا ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه صلى الله عليه و سلم لذلك جعلوا أصابعهم في (1/47)
آذانهم واستغشوا ثيابهم وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك ففي ليس كمثله شيء إثبات المثل ونفيه وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه و سلم أنه أوتي جوامع الكلم فما دعا محمد قومه ليلا ونهارا بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل فقال نوح في حكمته لقومه 71 : 11 يرسل السماء عليكم مدرارا وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري ويمددكم بأموال أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم 11 صورتكم (1/48)
فيه فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر إلا خسارا فما ربحت تجارتهم فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم وهو في المحمديين 57 : 7 وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه وفي نوح 71 : 2 أن لا تتخذوا من دوني وكيلا فأثبت الملك لهم والوكالة لله فيهم فهم مستخلفون فيه فالملك لله وهو وكيلهم فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله
الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية
ومكروا مكرا كبارا لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه (1/49)
ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية 12 : 108 أدعو إلى الله فهذا عين المكر
قلت فهذا وأشكال من قوله كما يأتي في ال2فص اليوسفي يدندن به على تصحيح قول الكفار إن القرآن سحر
ولا يقدر على التصريح به ولقد أخبرني من أثق به أن بعض أتباعهم قال له القرآن أساطير الأولين
ثم قال ابن عربي [ مفسرا قول رب العالمين ] 12 : 108 على بصيرة فنبه على أن الأمر له كله فأجابوه مكرا كما دعاهم فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال 19 : 86 يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فجاء بحرف الغاية وقرنها بالإسم فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة إسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين (1/50)
فقالوا في مكرهم 71 : 23 لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله في المحمديين 17 : 23 وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه أي حكم فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله (1/51)
في كل معبود
تكفير العراقي لابن عربي
وقال شيخ شيوخنا الإمام القدوة العارف شيخ الإسلام حافظ عصره الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في كراسة أجاب فيها سؤال من سأله عن بعض كلام ابن عربي هذا وقوله في قوم نوح لا تذرن آلهتكم إلى آخره كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلا يفوت عليهم من الحق بقدر ما تركوا انتهى
قلت يا ليت شعري من قال هذا القول في هذا العدد اليسير من الأصنام ماذا يقول فيما روى في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول 17 : 18 جاء الحق وزهق الباطل (1/52)
وفي السير أنها كانت 12 مثبتة في الأرض بالرصاص فما أشار بذلك العود إلى صنم منها إلا انقلب إن أشار إلى قفاه انكب على وجهه وإن أشار إلى وجهه انقلب على قفاه وكان في جزيرة العرب من الأصنام ما يتعسر حصره فما أبقى لشيء منها باقية وما استباح قتالهم ونهب أموالهم وقتل رجالهم ومزق أبطالهم وركب من دون ذلك الأهوال العظام وقاطع الأخوال والأعمام إلا على ذلك فتبا لمن أنكره أو رأى شيئا أكمل منه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين انتهى
كل شيء عندهم رب وإله
قال ابن عربي فالأدنى من تخيل فيه أي في كل معبود الألوهية فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره ولهذا قال 13 : 33 قل سموهم فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله ولا الإله والأعلى ما تخيل بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر فالأدنى صاحب التخيل يقول 3 : 39 ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا والأعلى العالم يقول 34 : 32 فإلهكم إله واحد (1/53)
فله أسلموا وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة
قلت وعلى هذا يحوم ابن الفارض بقوله فالعلماء شهدوا فيه أنه من أهل الاتحاد
الرأي في ابن الفارض وتائيته
وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير إنه نظم التائية على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد وقال وقد تكلم فيه غير واحد من مشايخنا بسبب قصيدته المشار إليها وقال في سنة سبع وسبعين وستمائة في ترجمة محمد بن إسرائيل وكان أديبا ولكن في كلامه ما يشير إلى الحلول والاتحاد (1/54)
على طريقة ابن الفارض وابن عربي
وقال الشيخ مدين وهو كان رأس الصوفية زماننا إن التائية هي الفصوص لا فرق بينهما ومن قال ان السراج عمر بن إسحاق الهندي عزر الشهاب أحمد بن يحيى بن أبي حجلة لأجل كلامه في ابن الفارض وجعل ذلك دليلا على ولايته أجيب بأن شيخنا حافظ العصر أحمد بن حجر ذكر في ترجمته في أول تاريخه في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أن السراج الهندي كان يتعصب للصوفية الاتحادية وأنه شرح التائية فسقط كلامه والاعتبار به وعلى كل تقدير فتعزيره له غير واقع في محله بوجه فإنه لا شيء على من كفر مسلما بتأويل بلا خلاف (1/55)
نعلمه بين العلماء
والحجة فيه قصة عمر وحاطب رضي الله عنهما وغير ذلك مما وقع بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم في وقائع عدة على أن التعزير يحتمل أمورا عدة لا يتعين شيء منها إلا بدليل فسقط الاستدلال به
وقال العلامة علاء الدين البخاري وكان عين العلماء والصوفية قبل الشيخ مدين لشخص حنفي لا فرق بين التائية والفصوص إلا بكونه نثرا وكونها نظما كما أنه لا فرق بين منظومة 13 النسفي والقدوري إلا بذلك
وقال الشافعي مثل ذلك ومثل بالبهجة نظم الحاوي وبالحاوي
وقال العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل وهو من أعيان صوفية اليمن وفقهائهم واعلم أن ابن الفارض من رءوس أهل الاتحاد واستشهد على (1/56)
بشراح التائية من أتباعه مثل سعيد الفرغاني وداود القيصري ومحمود الأنزاوي
شواهد من تائية ابن الفارض
وإياك والإعراض عن كل صورة ... مموهة أو حالة مستحيلة
فطيف خيال الظل يبدي إليك في ... كرى اللهو ما عنه الستائر شقت
ترى صور الأشياء تجلى عليك من ... وراء حجاب اللبس في كل خلعة
تجمعت الأضداد فيها لحكمه ... وأشكالها تبدو على كل هيئة
صوامت تبدي النطق وهي سواكن ... تحرك تهدي النور غير ضوية
ثم ذكر أنواعا من الأضداد في نيف وعشرين بيتا ثم قال
وكل الذي شاهدته فعل واحد ... بمفرده لكن بحجب الأكنة
إذا ما أزال الستر لم تر غيره ... ولم يبق بالأشكال إشكال ريبة
ويجمعنا في المظهرين تشابه ... وليست لحالي حاله بشبيهة (1/57)
فأشكاله كانت مظاهر فعله ... بستر تلاشت إذ تجلى وولت
وكانت له بالفعل نفسي شبيهة ... وحسي كالأشكال واللبس سترتي
تمجيد الصوفية لعبادة الأصنام
وقال في الفص النوحي أيضا 71 : 23 وقد أضلوا كثيرا أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب ولا تزد الظالمين لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب فهمأول الثلاثة فقدمه على المقتصد والسابق (1/58)
إلا ضلالا إلا حيرة المحمدي زدني فيك تحيرا 2 : 20 كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرج منه وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته فله من وإلى وما بينهما وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه من ولا غاية له (1/59)
فتحكم عليه إلى فله الوجود الأتم وهو المؤتي جوامع الكلم والحكم مما خطيئاتهم فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهو الحيرة فأدخلوا نارا في عين الماء في المحمديين 81 : 6 وإذا البحار سجرت سجرت التنور إذا أوقدته فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد فلو أخرجهم إلى السيف سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة وإن كان الكل لله وبالله
بل هو الله
قال نوح رب ما قال إلهي فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم هو في شأن فأراد بالرب ثبوت التكوين إذ لا يصح إلا هو (1/60)
لا تذر على الأرض يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها المحمدي ولو دليتم بحبل لهبط على الله له ما في السماوات وما في الأرض وإذا دفنت فيها [ فأنت فيها ] وهي ظرفك 55 : 20 وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى 14 لاختلاف الوجوه من الكافرين الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم طلبا للستر لأنه دعاهم ليغفر لهم
والغفر الستر
ديارا أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة إنك إن تذرهم أي تدعهم وتتركهم يضلوا عبادك إلى الخير فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا فهم العبيد الأرباب ولا يلدوا أي ما ينتجون ولا يظهرون إلا فاجرا أي مظهرا ما ستر كفارا أي ستارا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر ثم يسترونه بعد ظهوره فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر (1/61)
في كفره والشخص واحد رب اغفر لي استرني واستر من أجلي فيجهل مقامي وقدري كما جهل قدرك في قولك 67 : 39 وما قدروا الله حق قدره ولوالدي من كنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة ولمن دخل بيتي أي قلبي مؤمنا أي مصدقا لما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهو ما حدثت به أنفسها وللمؤمنين من العقول وللمؤمنات من النفوس ولا تزد الظالمين من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية إلا تبارا أي هلاكا فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين 88 : 28 كل شيء هالك إلا وجهه والتبار الهلاك
الحق عين الخلق عند الصوفية
ثم قال في فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما ثم إلا هو فهو العلي لذاته أو عن ماذا وما هو (1/62)
إلا هو فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو
فهو العلي لا علو إضافة لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الوجود فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع فوجود الكثرة في الأسماء وهي النسب وهي أمور عدمية وليس إلا العين الذي هو الذات فهو العلي لنفسه لا بالإضافة فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة لكن الوجوه الوجودية متفاضلة فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة لذلك نقول فيه هو لا هو
أنت لا أنت
قال الخراز (1/63)
وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من يبطن عنه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من [ أسماء ] المحدثات
قلت وقال ابن الفارض
أممت إمامي في الحقيقة فالورى ... ورائي وكانت حيث وجهت وجهتي
يراها أمامي في صلاتي ناظري ... ويشهدني قلبي إمام أئمتي
ولا غرو أن صلى الأنام إلى أن ... ثوت بفؤادي وهي قبلة قبلتي
لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
إلى كم أواخي الستر ها قد هتكته ... وحل أواخي الحجب في عقد بيعتي
أفاد اتخاذي حبها لاتحادنا ... نوادر عن عاد المحبين شذت (1/64)
وفي الصحو بعد المحو لم أك غيرها ... وذاتي بذاتي إذ تحلت تجلت
فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفها ... وهيئتها إذ واحد نحن هيئتي
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادي أجابت من دعاني ولبت
وإن نطقت كنت المناجي كذاك إن ... قصصت حديثا إنما هي قصت
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
فجاهد تشاهد فيك منك وراء ما ... وصفت سكوتا عن وجود سكينة (1/65)
فمن بعد ما جاهدت شاهدت مشهدي ... وهادى لي إياي بل بي قدوتي
فبي موقفي لا بل إلي توجهي ... كذاك صلاتي لي ومني كعبتي
الوحدة المطلقة دين ابن عربي
قال الإمام زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور وأما قوله فهو عين ما ظهر وعين ما بطن فهو كلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة وأن جميع مخلوقاته هي عينه ويدل على إرادته لذلك صريحا قوله بعد ذلك وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات وكذا قوله بعد ذلك والمتكلم واحد وهو عين السامع وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء
لا يعتذر عن الصوفية بالتأويل
ثم قال ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ولا نؤول له كلامه ولا كرامة
ولقد أحسن بعض من عاصرناه من العلماء العارفين وهو الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي حيث سئل عن شيء من هذا
فقال إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع بين كلاميه لعدم (1/66)
جواز الخطأ عليه وأما من لم تثبت عصمته فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر فنؤاخذه بظاهر كلامه ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله أو مما يخالف الظاهر وهذا هو الحق انتهى
خطر صرف الكلام عن ظاهره
وكذا قال في عدم التأويل لغير المعصوم الإمام نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي وقد حقق هذه المسألة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في أول الإحياء في كتاب العلم بما حاصله أن الكلام إن كان ظاهرا في الكفر بالاتحاد فقتل واحد ممن يقول به أفضل من إحياء عشرة أنفس وإن كان فهمه مشكلا فلا يحل ذكره
وقال إن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام بنقل عن صاحب الشرع وبغير ضرورة تدعو إلى ذلك من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ
ثم قال والباطن لا ضبط (1/67)
له بل تتعارض فيه الخواطر ثم قال وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة
وسيأتي تأييد ذلك عن الشيخ زين الدين العراقي وولده الحافظ أبي زرعة 16 وحكاية ابن خليل السكوني الإجماع على ذلك
صلة الخلق بالحق عند الصوفية
ثم قال ابن عربي في الفص الإدريسي أيضا وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود والمعدود منه عدم ومنه وجود فقد يعدم الشيء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل فلا بد من عدد ومن معدود ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه فإن كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة [ إلى أدنى وإلى أكثر إلى غير نهاية ] ما هي مجموع ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد
ثم قال ومن عرف ما قررناه في الأعداد وأن نفيها عين إثباتها (1/68)
علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه وإن كان قد تميز الخلق من الخالق فالأمر الخالق المخلوق والأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة [ لا ] بل هو (1/69)
العين الواحدة وهو العيون الكثيرة
الطبيعة هي الله عند الصوفية
ثم قال وخلق منها زوجها [ فما نكح سوى نفسه فمنه الصاحبة والولد والأمر واحد في العدد ] فمن الطبيعة ومن الظاهر منها وما رأيناها نقصت بما ظهر منها ولا زادت بعدم ما ظهر وما الذي ظهر غيرها وما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها فهذا بارد يابس وهذا حار يابس فجمع باليبس وأبان بغير ذلك والجامع الطبيعة [ لا ] بل العين الطبيعة فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة لا
بل صورة واحدة في [ مرايا ] مختلفة فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر ومن عرف ما قلناه لم يحر وإن كان في مزيد علم فليس إلا من حكم المحل والمحل عين العين الثابتة فيها يتنوع الحق في (1/70)
المجلى فتتنوع الأحكام عليه فيقبل كل حكم وما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه وما ثم إلا هذا شعر
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا ... وليس خلقا بذاك الوجه فادكروا
من يدر ما قال لم تخذل بصيرته ... وليس يدريه إلا من له بصر
جمع وفرق فإن العين واحدة ... وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر
دين ابن الفارض
قلت وهذا مراد ابن الفارض بقوله
وجل في فنون الاتحاد ولا تحد ... إلى فئة في غيره العمر أفنت
فواحده الجم الغفير ومن عداه ... شرذمة في غيره العمر أفنت
فمت بمعناه وعش فيه أو فمت ... معناه واتبع أمة فيه أمت
فأنت بهذا المجد أجدر من أخي اجتهاد ... مجد عن رجاء وخيفة
فألغ الكنى عني ولا تلغ ألكنا ... بها فهي من آثار صيغة صنعتي (1/71)
وأي بلاد الله حلت بها فما ... أراها وفي عيني حلت غير مكة
وأي مكان ضمها حرم كذا ... أرى كل دار أوطنت دار هجرة
وما سكنته فهو بيت مقدس ... بقرة عيني فيه أحشاي قرت
ومسجدي الأقصى مساحب بردها ... وطيبي ثرى أرض عليها تمشت
وشكري لي والبر مني واصل ... إلي ونفسي باتحادي استبدت
وثم أمور تم لي كشف سترها ... بصحو مفيق عن سواي تغطت
بها لم يبح من لم يبح دمه ... وفي الإشارة معنى ما العبارة حدت
وقلبي بيت فيه أسكن دونه ... ظهور صفاتي عنه من حجبيتي
ومنها يميني في ركن مقبل ... ومن قبلتي للحكم في في قبلتي
وحولي بالمعنى طوافي حقيقة ... 17 وسعيي لوجهي من صفائي لمروتي
وفي حرم من باطني أمن ظاهري ... ومن حوله يخشى تخطف جيرتي (1/72)
وشفع وجودي في شهودي ظل في اتحادي وترا في تيقظ غفوتي
ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري ... ولم أنس بالناسوت مظهر حكمتي
وقد جاءني مني رسول عليه ما ... عنت عزيز بي حريص لرأفة
ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري ... إلى دار بعث قبل إنذار بعثة
إلي رسولا كنت مني مرسلا ... وذاتي بآياتي علي استدلت (1/73)
العبد عين الرب عند الصوفية
ثم قال في فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية والعبد من كان عند ربه مرضيا وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقى عليه ربوبيته فهو عنده مرضي فهو سعيد ثم قال شعر
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد
فرضى الله عن عبيده فهم مرضيون ورضوا عنه فهو مرضي فتقابلت الحضرتان تقابل الأمثال والأمثال أضداد لأن المثلين حقيقة لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل فما في الوجود مثل فما في الوجود ضد فإن الوجود حقيقة واحدة والشئ لا يضاد نفسه (1/74)
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول وما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين
النار عين الجنة عند الصوفية
ثم قال الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد [ والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز ] 47 : 14 فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله لم يقل ووعيده بل قال ونتجاوز عن سيئاتهم مع أنه توعد على ذلك فأثنى على إسماعيل عليه الصلاة و السلام بأنه كان صادق الوعد
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... وبينها عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة لفظه ... وذاك لكالقشر والقشر صائن (1/75)
مثل من تفسير ابن عربي للقرآن
ثم قال في فص حكمة نورية في كلمة يوسفية بعد أن قرر أن الشيء قد يرى على خلاف ما هو عليه لبعد أو ظلام ونحوة فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال ويجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي كان عند ذلك الظل فما حيث هو ظل له يعلم ومن حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه يجهل من الحق فلذلك نقول إن [ الحق ] معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه 25 : 45 ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا أي يكون فيه بالقوة
يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود 25 : 45 ثم جعلنا الشمس عليه دليلا وهو إسمه النور الذي قلنا ويشهد له الحس فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور 25 : 46 ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا
وإنما قبضه إليه لأنه ظله فمنه ظهر وإليه يرجع الأمر كله فهو هو لا غيره وجود الحق عين
وجود الخلق عند الصوفية
فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات فمن حيث هوية الحق (1/76)
هو وجوده ومن حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل كذلك لا يزول عنه 18 باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق لأنه الواحد الأحد ومن حيث كثرة الصور هو العالم فتفطن وتحقق ما أوضحته لك فإذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ماله وجود حقيقي وهذا معنى الخيال أي خيل إليك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر
ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه يستحيل [ عليه ] الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشيء الانفكاك عن ذاته وهذا وما شاكله من قوله كما تقدم في الفص النوحي مشير إلى تصحيح قول الكفار في القرآن إنه سحر لا حقيقة له إشارة تكاد أن تكون صريحة وإلى مثل هذا المحال لوح ابن الفارض والأمر فيه أوضح مما في الفصوص
وها دحية وافى الأمين نبينا ... بصورته في بدء وحي النبوة
أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا ... لمهدي الهدى في هيئة بشريه
وفي علمه عن حاضريه مزية ... بماهية المرئي من غير مرية
يرى ملكا يوحى إليه وغيره ... يرى رجلا يرعى لديه بصحبة (1/77)
ولى من أتم الرؤيتين إشارة ... تنزه عن دعوى الحلول عقيدتي
وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة
يعني قوله تعالى 6 : 9 ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون هذا ما كان ظهر لي ثم تبين أن المراد أقبح من هذا بقول شراح التائية الفرغاني وغيره وسيأتي نقله عنه آنفا
رد علاء الدين البخاري
قال الإمام علاء الدين البخاري ما ذكرتم في نفي ثبوت الأشياء معارض بالمثل إذ لا خفاء أنه من أعيان الأكوان غير أنه من الأعراض فيكون ما ذكرتم أيضا خيالا وسرابا لا حقيقة له فلا يمكن به إثبات مذهبكم الباطل وإذا لم يبق في قوس المكابرة منزع ولا لما لزمهم من شنيع المحالات والضلالات مدفع التجأوا إلى دعوى الكشف على ما هو دأب قدماء الفلاسفة حين عجزوا عن إقامة البرهان وأنت خبير بأن الكشف إنما يظهر الحقائق لا أنه يهدم الشرائع وينفي الحقائق فإن ذلك زندقة وقد غلط هؤلاء كغلط (1/78)
النصارى لما رأوا إشراق نور الله تعالى وقد تلألأ في عيسى عليه السلام فقالوا هو الإله وهؤلاء لما رأوا الوجود فائضا من الحضرة الإلهية على الموجودات فلم يفرقوا بين الفيض والمفيض فقالوا الوجود هو الله سبحانه وتعالى ا ه
رأي العضد والجرجاني
وقال الشريف الجرجاني في شرح المواقف للعضد واعلم أن المخالف في هذين الأصلين يعني عدم الاتحاد وعدم الحلول طوائف ثلاث الأولى (1/79)
النصارى ثم ذكر مذاهبهم ثم قال الثانية النصيرية والإسحاقية من غلاة الشيعة قالوا ظهور الروحاني بالجسماني لا ينكر ففي طرف الشر كالشياطين فإنه 19 كثيرا ما يتصور الشيطان بصورة الإنسان ليعلمه الشر ويكلمه بلسانه وفي طرف الخير كالملائكة فإن جبريل صلى الله عليه و سلمكان يظهر بصورة دحية الكلبي [ والأعرابي ] فلا يمتنع [ حينئذ ] أن يظهر الله تعالى في صورة بعض [ الكاملين وأولى الخلق بذلك أشرفهم وأكملهم وهو العترة الطاهرة وهو من يظهر فيه العلم التام والقدرة التامة من الأئمة من تلك العترة ولم يتحاشوا عن إطلاق الآلهة على أئمتهم وهذه ضلالة بينة
الطائفة ] الثالثة [ بعض ] المتصوفة وكل منهم مختبط بين الحلول والاتحاد ثم قال العضد ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ويقول لا حلول ولا اتحاد إذ ذاك يشعر بالغيرية ونحن لا نقول بها بل نقول ليس في ذات الوجود غيره وهذا العذر أشد قبحا وبطلانا من ذلك الجرم إذ يلزم ذلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ولا مميز أدنى تمييز (1/80)
رأي السعد التفتازاني
وهذا المعنى الأخير هو الذي أراده الشيخ سعد الدين التفتازاني بالمذهب الثاني من قوله في شرح المقاصد وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول والاتحاد وليسا منه في شيء
الأول أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله تعالى في الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله وهو الذي يسمونه الفناء في التوحيد وإليه يشير الإلهي إن العبد لا يزال يتقرب إلي حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وحينئذ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو بالاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال وبعد الكشف عنها بالمثال ونحن على ساحل التمني نعترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان والله الموفق (1/81)
الثاني أن الواجب هو الوجود المطلق وهو واحد لا كثرة فيه أصلا وإنما الكثرة بالإضافات والتعينات التي هي بمنزلة الخيال والسراب إذ الكل في الحقيقة واحد يتكرر على مظاهر لا بطريق المخالطة ويتكرر في النواظر لا بطريق الانقسام فلا حلول منا ولا اتحاد لعدم الإثنينية والغيرية وكلامهم في (1/82)
ذلك طويل خارج عن طريق العقل والشرع أشرنا في بحث الوجود إلى بطلانه لكن من يضلل الله فما له من هاد انتهى كلام الشيخ سعد الدين رحمه الله
زعم أن الحق يتلبس بصور الخلق
وقال سعيد الفرغاني وهو من أكابر أتباعهم في شرحه للتائية وتنزه تلك الإشارة عقيدتي عن رأي الحلول فإنه لما جاز ووقع أن يكون لملك مخلوق قدرة التلبس بأي صورة شاء بلا معنى الحلول فيه يصح أن يتلبس الحق تعالى بصورتي بفناء أنانيتي بالكلية وإن تعللت بعدم جواز تلبسه بالصورة وعللت بتنزيهه عن ذلك التلبس منعناك ورددنا تعليلك بالكتاب والسنة
ثم قال في شرح البيت الذي فيه استشهاده بالكتاب والسنة وفي الذكر أي 20 القرآن آي القرآن 20 ذكر اللبس أي تلبس الحق بالصورة ليس بمردود بل هو ثابت مذكور معروف موضعه من القرآن ولم أتجاوز في تقريري حكمي الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى 8 : 27 نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يعني من أن يكون منحصرا ظهوره حالتئذ وقبله وبعده في ذلك التلبس وفي غيره من الصور وغير ما وقوله تعالى 28 : 30 نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (1/83)
الآية وإذا جاز تلبسه بصورة الجماد فبصورة الإنسان أجمع وأولى عند فنائه عن تعينه وتشخصه وأما السنة فقوله صلى الله عليه و سلم حكاية عنه تعالى كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وقوله أيضا فإن الله تعالى قال (1/84)
على لسان عبده سمع الله لمن حمده ثم حديث القيامة في الإتيان في الصورة (1/85)
ثم قال فالحديث أولا وآخرا معلم أنه يتلبس بأي لباس صورة شاء مما يعرف ومما ينكر من غير حلول فكان ظهوره بصورتي أيضا جائزا من غير حلول فصح بهذا دعوى اتحادي مع الحلول
أمر ابن الفارض باتباع شريعته
ثم قال في شرح قوله
منحتك علما إن ترد كشفه فرد ... سبيلي واشرع في اتباع شريعتي
قال يحتمل أن يكون إضافة الشريعة من الناظم إلى نفسه بلسان الجمع والترجمانية ويريد بقوله فرد سبيلي ما أريد به في قوله تعالى 12 : 108 قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة وبقوله شريعتي شريعة النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال
فمنبع صدا من شراب نقيعه ... لدي فدعني من سراب بقيعة (1/86)
صدا ماء للعرب يضرب المثل به لعذوبته والنقيع البئر الكثيرة الماء يقول معللا البيت السابق الذي حاصله أمره باتباع شريعته والورود في سبيل هداه وطريقته ونهى عن متابعة غيره ممن يدعي التحقيق في العلم والمعرفة الحقيقية نحو علماء الظاهر من الأصوليين والفلاسفة أن المورد العذب الهنئ النافع عندي ويختص بمشربي وهو المفهوم المطابق من الكتاب والسنة وإشاراتهما الغامضة بلا تأويل عقلي وتقليد بل على ما هو الأمر عليه فإن استطعت أن تخوص فيه وتشرب منه وإلا فدعني من سراب علوم علماء الظاهر وتأويلاتهم ومفهوماتهم التي ظاهرها لأجل الفصاحة وتركيب الدلائل تظهر وتغر السامع الغر فيحسبها شيئا نافعا له فإذا فتش عن حقيقتها لم يجد شيئا ولا تحقيق ولا معرفة فيها ولا طائل تحتها وكذلك دلائل الفلسفة في المسائل الإلهية تغر ولا تقر ولا تذكر عندي مذاهبهم ومقالاتهم ودلائلهم ولا تلتفت إلى ذلك تفز فوزا عظيما
هكذا كلام الفرغاني الذي يثنى ابن بنت ابن الفارض في مقدمة 21 الديوان عليه وشهد له أنه على نفس جده وهكذا يفعل في كل الأبيات مهما وجد شيئا من المتشابه في الكتاب أو السنة أجراه على ظاهره وجعله حجة في (1/87)
الاتحاد واستحسان الأفعال القبيحة من المكلفين فإن عجز بكون الشرع نص على قباحتها يقول إن فيها حسنا وقبحا من بعض الوجوه ولعل ذلك الوجه يقود أصحاب تلك المقالة إلى الخير ويسعى كل السعي في إسقاط الإنكار على أحد في فعل من الأفعال وكذا نقل البدر بن الأهدل عن شرحها للأبزاري وغيره والله المستعان
تكذيب صريح للقرآن
وقال في فص حكمة أحدية في كلمة هودية 11 : 56 وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فكل ماش [ فعلى ] صراط الرب المستقيم فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون فكما كان الضلال عارضا فكذلك الغضب الإلهي عارض والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شئ (1/88)
إفك على الله
ثم قال اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة فإن الله تعالى يقول كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها فذكر أن هويته [ هي ] عين الجوارح التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح مختلفة ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع
قلت وعلى هذا الضلال عول ابن الفارض فقال
وجاء حديث في اتحادي ثابت ... روايته في النقل غير ضعيفة
مشيرا بحب الحق بعد تقرب ... إليه بنقل أو أداء فريضة
وموضع تنبيه الإشارة ظاهر ... بكنت له سمعا كنور الظهيرة
فكلي لكلي طالب متوجه ... وبعضي لبعضي جاذب بالأعنة
ومني بدالي ما علي لبسته ... وعني البوادي بي إلي أعيدت (1/89)
وفي شهدت الساجدين لمظهري ... فحققت أني كنت آدم سجدتي
تعانقت الأطراف عندي4 وانطوى ... بساط السوى عدلا بحكم السوية (1/90)
وليس ألست الأمس غيرا لمن غدا ... وجنحي غدا صبحى ويومي ليلتي
وسر بلى لله مرآة كشفها ... وإثبات معنى الجمع نفي المعية
ظهور صفاتي عن أسامي جوارحي ... مجازا بها للحكم نفسي تسمت
رقوم علوم في ستور هياكل ... على ما وراء الحس في النفس ورت (1/91)
وأسماء ذاتي عن صفات جوانحي ... جوازا الأسرار بها الروح سرت
مظاهر لي بدوت فيها ولم أكن ... علي بخاف قبل موطن برزني 22
ولما شعبت الصدع والتامت فطور ... شمل بفرق الوصف غير مشتت
تحققت أنا في الحقيقة واحد ... وأثبت صحو الجمع محو التشتت
وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
تمجيد الصوفية للمجرمين
ثم قال في الفص الهودي أيضا فنسوق المجرمين وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم [ بها ] فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم وهي عين الأهواء التي كانوا عليها إلى جهنم (1/92)
وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جنهم في حقهم ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب 56 : 85 ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون
زعمهم أن هوية الحق عين أعضاء العبد وقواه
ثم قال فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق (1/93)
متوهم فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود فهم بمنزلة الملح الأجاج والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه فالناس على قسمين من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه على صراط مستقيم ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة
تفسيرهم لما عذب الله به قوم هود
ثم قال ألا ترى عادا قوم هود كيف قالوا 46 : 24 هذا عارض ممطرنا فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ (1/94)
الأرض وسقي الحب فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم 26 : 24 بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم
فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم لغرقة المألوف انتهى ما قاله مكذبا لصريح الذكر الحكيم في قوم قال فيهم أصدق القائلين سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون 23 علوا كبيرا 7 : 71 قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب 72 : 7 فكذبوه فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين 11 : 59 60 وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود ابن عربي يزعم أنه اجتمع بالأنبياء
ثم ادعى في هذا الفص أنه رأى الأنبياء عليهم السلام في مشهد واحد سنة ست وثمانين وخمسمائة وأنه ما كلمه منهم إلا هود وقال رأيته لطيف (1/95)
المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها ودليلي على كشفه لها قوله ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن
ظن الصوفية بالله سبحانه
ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه و سلم بما أخبر به عن الحق أنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان أي هو عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا وترجم رسول الله صلى الله عليه و سلم [ عن الله ] مقالته بشرى فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم 49 : 47 وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم ونفاسة وظلما وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه أولها العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فكان الحق فيه قfل أن يخلق الخلق ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضا تحديد ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه (1/96)
معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا (1/97)
بالحد وقوله 43 : 11 ليس كمثله شئ حد أيضا إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود فالإطلاق عن التقييد تقييد والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه وإن أخذنا ليس كمثله شيء على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها فهو محدود بحد كل محدود فما يحد شئ إلا وهو حد الحق فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود فهو عين الوجود فهو على كل [ شئ ] حفيظ ولا يؤوده حفظ شئ فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشئ غير صورته 24 ولا يصح إلا هذا فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير هذا لفظه هنا وتقدم في الفص الآدمي أن العالم يعبر عنه في اصطلاحهم بالإنسان الكبير فراجعه تعرف صراحة كفر الخبيث
الكون هو رب الصوفية
ثم قال فقل في الكون ما شئت إن شئت قلت هو الخلق وإن شئت [ قلت ] هو الحق وإن شئت قلت هو الحق الخلق وإن شئت قلت (1/98)
لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب ولولا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه
فلا تنظر العين إلا إليه ... ولا يقع الحكم إلا عليه
ثم قال وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها [ فإذا تجلى له الحق فيها عرفه وأقر به وإن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه ] فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه فالإله في الاعتقادات بالجعل فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها
لم يقول الصوفية بوحدة الأديان
فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه فكن في نفسك هيولي لصور المعتقدات (1/99)
كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم [ من ] أن يحصره عقد دون عقد فإنه يقول 2 : 115 فأينما تولوا فثم وجه الله
ثم قال فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة وما ثم إلا الاعتقادات فالكل مصيب وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عنه وإن شقى زمانا ما في الدار الآخرة فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء وأهل حق في الحياة الدنيا
الوحدة عند ابن الفارض
وإلى هذه الجهالة والضلالة رمز ابن الفارض في هذه المقالة
فلا تك مفتونا بحسك معجبا ... بنفسك موقوفا على لبس غرة
وفارق ضلال الفرق فالجمع منتج ... هدى فرقة بالاتحاد تحدت
وصرح بإطلاق الجمال ولا تقل ... بتقييده ميلا لزخرف زينة
فكل مليح حسنه من جمالها ... معار له أو حسن كل مليحة (1/100)
بها قيس لبنى هام بل كل عاشق ... كمجنون ليلى أو كثير عزة
فكل صبا منهم إلى وصف لبسها ... لصورة حسن لاح في حسن صورة
وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر ... فظنوا سواها وهي فيها تجلت
بدت باحتجاب واختفت بمظاهر ... على صبغ التلوين في كل برزة
ففي النشأة الأولى تراءت لآدم ... بمظهر حوا قبل حكم الأمومة
فهام بها كيما يصير بها أبا ... ويظهر بالزوجين حكم البنوة
وما برحت تبدو وتخفى لعلة ... على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال حسن بديعة
ففي مرة لبنى وأخرى بثينة ... 25 وآونة تدعى بعزة عزت
ولسن سواها لا ولا كن غيرها ... وما إن لها في حسنها من شريكة
كذاك بحكم الاتحاد بحسنها ... كمالي بدت في غيرها وتزيت
بدوت لها في كل صب متيم ... بأي بديع حسنة وبأيت (1/101)
وليسوا بغيري في الهوى لتقدم ... علي لسبق في الليالي القديمة
وما القوم غيري في هواها وإنما ... ظهرت [ لهم ] للبس في كل هيئة
ففي مرة قيسا وأخرى كثيرا ... وآونة أبدو جميل بثينة
تجليت فيهم ظاهرا واحتجبت باطنا ... بهم فاعجب لكشف بسترة
أسام بها كنت المسمي حقيقة ... وكنت لي البادي بنفس تخفت
وما زلت إياها وإياي لم تزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت (1/102)
وليس معي في الكون شئ سواي ... والمعية لم تخطر على ألمعيتي
الكثرة عين الوحدة
ثم قال ابن عربي في فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية وإن اختلفت حقائقها وكثرت أنها عين واحدة فهذه كثرة معقولة في واحد العين فيكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة كما أن الهيولي تؤخذ في حد كل صورة [ وهي ] مع كثرة الصور [ واختلافها ] ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد هو هيولاها فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورة خلقه بل هو عين هويته وحقيقته (1/103)
قلت وإلى هذا المحال أشار ابن الفارض فقال
رجعت لأعمال العبادة عادة ... وأعددت أحوال الإرادة عدتي
وعد جملة من أفعال البر في أبيات ثم قال
ودققت فكري في الحلال تورعا ... وراعيت في إصلاح قوتي وقوتي
متى حلت عن قولي أنا هي أو أقل ... وحاشا لمثلي أنها في حلت
وهذا مثل ما يقال خاب فلان وخسر وكان مثل إبليس إن كان منه كذا فعل العبد عين
فعل الرب عند الصوفية
وقال ابن عربي في فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
فإنا أعبد حقا ... وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ... إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ... فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وقال في فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية والعمل مقسم على ثمانية (1/104)
أعضاء من الإنسان وقد أخبر الحق تعالى أنه هوية كل عضو منها فلم يكن العامل غير الحق والصورة للعبد والهوية مدرجة فيه أي في اسمه لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر
ما الخلق
ثم قال فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنه هويتنا لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه فما خرجت الرحمة عنه فعلى من 26 امتن وما ثم إلا (1/105)
هو إلا أنه لا بد من حكم لسان التفصيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم حتى يقال إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين
زعمه أن التفاضل لا يستلزم التغاير
ثم قال فكل جزء من العالم أي هو قابل لحقائق متفرقات العالم كله فلا يقدح قولنا إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو وتكون في عمرو أكمل [ وأعلم منه في زيد ] كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر وهو هو ليس غيره فلا تعلمه هنا يا ولي وتجهله (1/106)
هنا وتثبته هنا وتنفيه هنا إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال ليس كمثله شيء فنفى وهو السميع البصير فأثبت بصفة تعم كل سامع بصير (1/107)
من حيوان وما ثم إلا حيوان إلا أنه بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس وظهر في الآخرة لكل الناس فإنها الدار الحيوان وكذلك الدنيا إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد الله بما يدركونه من حقائق العالم فمن عم إدراكه كان الحق أظهر في الحكم ممن ليس له ذلك العموم فلا تحجب بالتفاضل وتقول لا يصح كلام من يقول إن الخلق هوية الحق بعد ما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت أنها [ هي ] الحق ومدلولها المسمى بها وليس إلا الله
الضال مهتد والكافر مؤمن
ثم قال نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه لكون نواصينا في يده وتستحيل مفارقتنا إياه فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح فإنه قال 57 : 4 وهو معكم أينما كنتم ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم
ثم قال في فص حكمة وجودية في كلمة داودية 21 : 22 لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وإن اتفقنا فنحن نعلم أنهما لو اختلفا تقديرا لنفذ حكم أحدهما فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة والذي لم ينفذ حكمه ليس بإله ومن هنا تعلم أن كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنه حكم الله وإن خالف الحكم المقرر في الظاهر المسمى شرعا إذ لا ينفذ حكم إلا لله في نفس الأمر لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة (1/108)
لن يعذب كافر عند الصوفية
ثم قال ولما كان الأمر [ في نفسه ] على ما قررناه لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء وأنها سبقت الغضب الإلهي والسابق متقدم فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذا لم يكن غيرها سبق فهذا معنى سبقت رحمته غضبه لتحكم على من وصل 27 إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومغادرة الغضب فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها
فمن يك ذا فهم يشاهد ما قلنا ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن في الحال فيه كما كنا
فمنه إليه ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا
وقال في فص حكمة نفسية في كلمة يونسية وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ولكن في النار إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها وهذا نعيمهم فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقى في النار فإنه عليه السلام تعذب برؤيتها وبما تعود في علمه وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان وما علم مراد الله فيها ومنها في حقه فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما مع شهود الصورة اللونية في حقه وهي نار في عيون الناس فالشئ الواحد يتنوع في عيون الناظرين
هكذا هو التجلي الإلهي (1/109)
وقال في فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب وبالصفات والرضا مزيل للغضب والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو عنه راض فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل وإنما قلنا هذا لأجل من يرى أن أهل النار لا يزال غضب الله عليهم دائما أبدا في زعمه فمآلهم حكم الرضا من [ الله ] فصح المقصود فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار فذلك رضا فزال الغضب لزوال الآلام إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت فمن غضب فقد تأذى فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ومنه وهو قوله 11 : 123 وإليه يرجع الأمر كله حقيقة وكشفا فاعبده وتوكل عليه حجابا وسترا فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة (1/110)
الرحمن أوجده الله تعالى أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية فنحن صورته الظاهرة وهويته روح هذه الصورة المدبرة لها فما كان التدبير إلا فيه [ كما لم يكن إلا منه ] فهو الأول بالمعنى والآخر بالصورة وهو الظاهر 28 بتغير الأحكام والأحوال والباطن بالتدبير وهو بكل شيء عليم فهو على كل شيء شهيد
الحق عندهم سار في عناصر الطبيعة
وقال في فص حكمة إبناسية في كلمة إلياسية وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل [ المسمى ] لبنان عن فرس من نار فلما [ رآه ] ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية فكان الحق فيه منزها فكان على النصف من المعرفة بالله فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته بالله ] عن التنزيه لا على التشبيه وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله فنزه في موضع وشبه في موضع ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها
رد العراقي على وحدة الأديان
قال الإمام زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور قبل بتوحيد (1/111)
إلياس عليه السلام بعثت الرسل كلها لأن الملل كلها وما جاءت به الرسل لم يختلفوا في التوحيد والإقرار به وقد نزه الله تعالى نفسه عن الشبه بقوله تعالى ليس كمثله شيء وليت شعري ما الفائدة لبعثة الرسل إذا كان من عبد شيئا من المخلوقات عابدا لله تعالى وليت شعري ماذا يقول هذا القائل في نبينا محمد صلى الله عليه و سلم في نهيهم عن عبادة الأوثان وكسرها هل يقول كانوا بعبادتها مصيبين عابدين لله وأنه ما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم اتساع فأنكر عليهم كما قال في حق هارون عليه السلام ولا شك أن الرسل كلهم متفقون في التوحيد وكأنه إنما سكت عن ذلك خيفة من السيوف المحمدية فإن هذه المؤلفات التي كان يسرها إلى أصحابه ويسرها أصحابه إلى أصحابهم ولو كان حقا لأظهروه على رؤوس الأشهاد انتهى
الشرائع أوهام عند الصوفية
ثم قال ابن عربي فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت شبهت في التنزيه بالوهم ونزهت في التشبيه بالعقل فارتبط الكل بالكل فلم يمكن أن يخلو تنزيه عن تشبيه ولا تشبيه عن تنزيه قال الله تعالى ليس كمثله شيء فنزه وشبه وهو السميع البصير فشبه وهي أعظم آية تنزيه نزلت ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف فهو أعلم العلماء بنفسه وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه
ليس لله وجود عند الصوفية
ثم قال في مثل ضربه للتشبيه في التنزيه والتنزيه في التشبيه مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وأنه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم ثم بعد ذلك يعبر أي (1/112)
يجاز عنها إلى أمر آخر يقتضي التنزيه عقلا فإن كان الذي يعبرها ذا كشف وإيمان فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط بل يعطيها 29 حقها في التنزيه ومما ظهرت فيه فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة
الداعي عين المجيب
ثم قال ومن ذلك قوله تعالى 40 : 60 ادعوني أستجب لكم قال الله 2 : 186 وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه وإن كان عين الداعي عين المجيب فلا خلاف في اختلاف الصور فهما صورتان بلا شك وتلك الصور كالأعضاء لزيد فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية وأن يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه فهو الكثير بالصور الواحد بالعين كالإنسان بالعين واحد بلا شك ولا نشك أن عمروا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا فهو وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف ثم يتحول في صورة فينكر ثم يتحول عنها في صورة فيعرف وهو هو المتجلي ليس (1/113)
غيره في كل صورة ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه وأقر به وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره كما يرى في المرآة عين صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه
ثم قال فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن فقد أوتي خيرا كثيرا
قلت وإلى هذا أومأ ابن الفارض بقوله
ولا تحسبن الأمر عني خارجا ... فما ساد إلا داخل في عبودتي
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ... شهود ولم تعهد عهود بذمة
وفي عالم التركيب في كل صورة ... ظهرت بمعنى عنه بالحسن زينتي
وضربي لك الأمثال مني منة ... عليك بشأني مرة بعد مرة
تأمل مقامات السروجي واعتبر ... بتلوينه تحمل قبول مشورتي
وتدر التباس النفس بالحس باطنا ... بمظهرها في كل شكل وصورة
وشاهد إذا استجليت نفسك ما ترى ... بغير مراء في المرائي الصقيلة (1/114)
أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر ... إليك بها عند انعكاس الأشعة
وأصغ لرجع الصوت عند انقطاعه ... إليك بأكناف القصور المشيدة
أهل كان من ناجاك ثم سواك أم ... سمعت خطابا عن صداك للصوت
وقل لي من ألقى إليك علومه ... وقد ركدت منك الحواس بغفلة
وما كنت تدري قبل يومك ما جرى ... بأمسك أو ما سوف يجري بغدوة
فأصبحت ذا علم بأخبار منى مضى ... 30 وأسرار من يأتي مدلا بخبرة
أتحسب من جاراك في سنة الكرى ... سواك بأنواع العلوم الجليلة
وما هي إلا النفس عند اشتغالها ... بعالمها عن مظهر البشرية
تجلت لها بالغيب في شكل عالم ... هداها إلى فهم المعاني الغريبة
ولا تك ممن طيشته دروسه ... بحيث استقلت عقله واستفزت
فثم وراء النقل علم يدق عن ... مدارك غايات العقول السليمة (1/115)
تلقيته مني وعني أخذته ... ونفسي كانت من عطائي ممدتي
ولا تك باللاهي عن اللهو جملة ... فهزل الملاهي جد نفس مجدة
الحق عين كل معلوم عند الصوفية
ثم قال في فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية بعد أن ذكر أن من حكمته الملفوظة أنها إن تك مثقال حبة من خردل الآية وأن من حكمته المسكوبة عموم المؤتى إليه لأنه لم يقل يأت بها الله إليك أو إلى غيرك قال فنبه لقمان بما تكلم به وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم لأن المعلوم أعم [ من الشيء ] فهو أنكر النكرات ثم تمم الحكمة واستوفاها (1/116)
لتكون النشأة كاملة فيها فقال إن الله لطيف فمن لطافته ولطفه أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح فيقال هذا سماء وأرض وصخرة وشجرة وحيوان وملك ورزق وطعام والعين واحدة من كل شيء (1/117)
وفيه كما تقول الأشاعرة إن العالم كله متماثل بالجوهر فهو جوهر واحد فهو عين قولنا [ العين واحدة ] ثم قالت ويختلف بالأعراض وهو عين قولنا (1/118)
ويختلف ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه كيف شئت فقل وهذا عين هذا من حيث جوهره ولهذا تؤخذ عين الجوهر في حد كل صورة أو مزاج فنقول نحن إنه ليس سوى الحق ويظن المتكلم أن مسمى الجوهر الفرد وإن كان حقا ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي فهذا حكمة كونه لطيفا ثم نعت فقال خبيرا أي عالما عن اختبار وهو قوله ولنبلونكم حتى نعلم وهذا هو علم الأذواق فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الآمر عليه مستفيدا علما ولا نقدر على إنكار ما نص الحق عليه [ في حق نفسه ] ففرق تعالى بين علم الذوق والعلم المطلق فعلم الذوق مقيد بالقوى وقد قال عن نفسه إنه عين قوى عبده في قوله كنت سمعه
وهو قوة من قوى العبد
وبصره وهو قوة من قوى العبد ولسانه وهو عضو من أعضاء العبد ورجله ويده فما اقتصر في التعريف على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء وليس العبد بغير لهذه الأعضاء والقوى فعين مسمى العبد هو الحق لا عين العبد هو السيد فإن النسب متميزة لذاتها وليس المنسوب إليه متميزا [ 31 ] فإنه ليس ثم سوى عينه في جميع النسب فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في (1/119)
هذه الآية من هذين الإسمين الإلهيين
وقال في فص حكمة إمامية في كلمة هارونية اعلم أن وجود هارون كان من حضرة الرحموت ثم ذكر غضب موسى عليه السلام وأخذه بلحيته ثم قال وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يده فلو نظر فيها نظرة تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة فالهدى بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما [ هو ] هارون برئ منه والرحمة بأخيه فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه مع كبره وأنه أسن منه
تمجيد الصوفية لعبادة العجل
ثم قال وكان موسى عليه السلام أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قد قضى ألا نعبد إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع [ الأمر ] في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شئ بل يراه عين كل شيء (1/120)
بعض ما كفر به العراقي ابن عربي
قال الشيخ زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور هذا الكلام كفر من قائله من وجوه
أحدها أنه نسب موسى عليكم إلى رضاه بعبادة قومه للعجل
الثاني استدلاله بقوله تعالى 17 : 23 وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه على أنه قدر أن لا يعبد إلا هو وأن عابد الصنم عابد له الثالث أن موسى (1/121)
عليه السلام عتب على أخيه هرون عليهما السلام إنكاره لما وقع وهذا كذب على موسى عليه السلام وتكذيب لله فيما أخبر به عن موسى من غضبه لعبادتهم العجل الرابع أن العارف يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء فجعل العجل عين الإله المعبود فليعجب السامع لمثل هذه الجرأة التي تصدر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان
آيات تشهد بكفر ابن عربي
ثم ساق من الآيات التي كذب بها في هذه المقالة قوله تعالى 20 : 92 93 ما منعك إذا رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن وقوله بئسما خلفتموني من بعدي وقوله واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين وقوله إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين وقوله (1/122)
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين
شرك الصوفية أخبث الشرك
ثم قال فجاء هذا المخالف لله ولرسوله ولجميع المؤمنين فصوب فعلهم وصرح بأنهم من العارفين بقوله إن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء ولا شك أن شرك قائل هذا أشد من شرك اليهود والنصارى فإن أولئك عبدوا عبدا من عباد الله المقربين وهذا يرى أن عبادة العجل والصنم عين عبادة الله بل يؤدي كلامه إلى أن يرى الحق عين الكلب والخنزير وعين العذرة وقد أخبرني بعض الصادقين من فضلاء أهل 32 العلم أنه رأى شخصا ممن ينتحل هذه المقالة القبيحة بثغر الإسكندرية وأن ذلك الشخص قال له إن الله تعالى هو عين كل شئ فمر بهما حمار فقال وهذا الحمار فقال وهذا الحمار فروث الحمار من دبره فقال له وهذا الروث فقال وهذا الروث فنسأل الله السلامة والتوفيق (1/123)
تعليلهم لإنكار موسى على السامري
قال ابن عربي وكان موسى يربي هرون عليهما السلام تربية علم وإن كان أصغر منه في السن ولذلك لما قال له هرون ما قال رجع إلى السامري فقال له فما خطبك يا سامري يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص وصنعك هذا الشبح من حلى القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم وليس للصور بقاء فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا وقال له أنظر إلى إلهك فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم لما علم أنه بعض المجالي الإلهية لأحرقنه فإن حيوانية الإنسان لها التصرف من حيوانية الحيوان لكون الله سخرها للإنسان ولا سيما وأصله ليس من حيون فكان أعظم في التسخير (1/124)
ثم قرر أمر التسخير وان منه ما هو بالمآل ومنه ما هو بالحال وأن ما هو بالحال مثل تسخير الطفل لأبيه بالقيام في مصالحه وتسخير الرعايا للملك بقيامه في مصالحهم قال وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون في ذلك مليكهم ويسمى على الحقيقة تسخير المرتبة فالمرتبة حكمت عليه بذلك فالعالم كله يسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه إسم مسخر
قال الله تعالى كل يوم هو في شأن فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعيد في كل صورة وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله وإما عبادة تسخير فلا بد من ذلك لمن عقل وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة فكثر الدرجات في عين واحدة فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها
الهوى رب الصوفية الأعظم
وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال 23 : 45 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شئ إلا بالله ولا يعبد هو إلا بذاته ثم قال والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد (1/125)
فيه ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو ملك أو كوكب
وحدة الأديان عند ابن الفارض
قلت وإلى هذا 32 أشار ابن الفارض بقوله
فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ... ولي حانة الخمار عين طليعة
وما عقد الزنار حكما سوى يدي ... وإن حل بالإقرار بي فهي حلت
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد ... فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه ... يناجي بها الأحبار في كل ليلة
وإن خر للأحجار في البد عاكف ... فلا تعد بالإنكار بالعصبية
فما زاغت الأبصار من كل ملة ... وما راغت الأفكار من كل نحلة
وما احتار من للشمس عن غرة صبا ... وإشراقها من نور إسفار غرني
وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار في ألف حجة (1/126)
فما عبدوا غيري وإن كان قصدهم ... سواي وإن لم يعقدوا عقد نيتي
رأوا ضوء ناري مرة فتوهموه ... نارا فضلوا في الهدى بالأشعة
الإله الصوفي مجلى صور العالم
وقال في فص حكمة علوية في كلمة موسوية وجود الحق كانت الكثرة له وتعداد الأسماء أنه كذا وكذا بما ظهر عنه من العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهية فثبت به وبخالقه أحدية الكثرة وقد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته كذلك الحق بما ظهر منه من صور التجلي فكان مجلى صور العالم مع الأحدية المعقولة
حكم ابن عربي بإيمان فرعون ونجاته
ثم ذكر أخذ فرعون لتابوت موسى عليه السلام وأنه أراد قتله وأن امرأته رضي الله عنها قالت قرة عين لي ولك فبه قرت عينها بالكمال الذي (1/127)
حصل لها كما قلنا
قال وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شئ من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله وجعله آية على عنايته سبحانه وتعالى بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (1/128)
رد هذه الفرية
هذا نصه بحروفه مع العلم الضروري لكل من شم رائحة العلم من المسلمين وغيرهم أن فرعون ما نطق بالإيمان إلا عند رؤية البأس وتصريح الله تعالى في غير آية من كتابه العزيز العزيز بأنه لا ينفع أحدا إيمانه عند ذلك وأن ذلك سنة الله التي قد خلت ولن تجد لسنة الله تحويلا وقوله في دعاء موسى عليه السلام فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم مع قوله تعالى 89 : 10 قد أجيبت دعوتكما وقوله تعالى منكرا عليه 91 : 10 الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين وقوله 48 : 23 فكذبوهما فكانوا من المهلكين 34 وقوله تعالى 83 : 10 وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين 43 : 40 وأن المسرفين هم أصحاب النار المنتج قطعا أن فرعون من أصحاب النار وأما السنة فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت (1/129)
له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف قال الحافظ المنذري رواه رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني في الكبير والأوسط وابن ماجه في صحيحه وقال الإمام أبو العباس ابن تيمية في الفتوى التي أجاب فيها الشيخ سيف الدين بن عبد المطلب بن بليان السعودي ويكفيك معرفة بكفرهم يعني ابن عربي وأتباعه أن أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمنا وقد علم بالاضطرار عن دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن فرعون من أكفر الخلق بالله
سؤال فرعون وجواب موسى
ثم قال ابن عربي وهنا سر كبير فإنه أي موسى عليه السلام أجاب بالفعل لمن سألوه عن الحد الذاتي أي بقوله وما رب العالمين فجعل الحد (1/130)
الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم أو ما ظهر فيه من صور العالم فكأنه قال في جواب قوله وما رب العالمين قال الذي تظهر فيه صورة (1/131)
العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض إن كنتم موقنين
فرعون عند الصوفية رب موسى وسيده
ثم قال فلما جعل موسى المسئول عنه عين صور العالم خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون فقال له 29 : 26 لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين والسين في السجن من حروف الزوائد أي لأسترنك فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول
فإن قلت لي فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي والعين واحدة فكيف فرقت فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين
ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة
ثم قال ولما كان فرعون في منصب التحكم (1/132)
صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال 24 : 79 أنا ربكم الأعلى أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك فقالوا له 72 : 20 فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فالدولة لك فصح قوله أنا ربكم الأعلى وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون فقطع الأيدي والأرجل 35 وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله وليس كلمات الله سوى أعيان الموجودات فينسب إليها القديم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم (1/133)
عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل الحدوث
حكم من ينسب ربوبية إلى فرعون
قال الشيخ زين الدين العراقي قوله في قول فرعون أنا ربكم الأعلى أنه صح قوله ذلك مستدلا عليه بأن السحرة صدقوه كذب وافتراء على السحرة فلقد كذبوه وخالفوه ودعواه كاذبة وبها أخذ الله فرعون وأهلكه فقال تعالى حكاية عنه فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ثم قال ولا شك أن من صح أنه قال هذا واعتقده مع وجود عقله وهو غيره مكره ولا مجبر الإجبار المجوز للكفر فهو كافر ولا يقبل منه تأويلها على ما أراد ولا كرامة كما قدمنا ذكره وهذا ما لا نعلم فيه خلافا بين العلماء بعلوم الشريعة المطهرة في مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد والصحيح والله أعلم
وهذا كما ترى مبطل لما يقوله بعضهم من الخرافات في تأويله ستر الكفر وأن المراد به فرعون النفس لأنه نزل قوله على جل آيات القرآن جملة جملة ومن المقطوع به أن الله تعالى ما أنزل هذه الآيات إلا في فرعون موسى
تحريم التأويل
ولهذا قال الغزالي في الطامات من كتاب العلم من الإحياء بعد تحريم التأويل بما لا تسبق الأفهام إليه ما نصه وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانه قطعا كتنزيل فرعون على القلب فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا وجوده ودعوة موسى عليه السلام له كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفار (1/134)
وليس من جنس الشياطين والملائكة وما يدرك بالحس حتى يتطرق التأويل إلى ألفاظه انتهى
رأي ولد العراقي في الفصوص والتائية
وقال الإمام ولي الدين أحمد العراقي ابن الشيخ زين الدين المذكور في المسألة الحادية والعشرين من فتاويه المكية ما نصه لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه وكذلك فتوحاته المكية فإن صح صدور ذلك عنه واستمر إلى وفاته فهو كافر مخلد في النار بلا شك وقد صح عندي عن الحافظ المزي أنه نقل من خطه في تفسير قوله تعالى 6 : 2 إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون كلاما ينبو عنه السمع ويقتضي الكفر وبعض كلماته لا يمكن تأويلها (1/135)
والذي يمكن تأويله منها كيف يصار إليها مع مرجوحية التأويل وأن الحكم إنما يترتب على الظاهر وقد بلغني عن الشيخ علاء الدين القونوي وأدركت أصحابه أنه قال في مثل ذلك إنما يؤول كلام المعصومين وهو كما قال
ثم ذكر كلام الذهبي فيه وساق الأسانيد إلى ابن عبد السلام بما يأتي عنه من تكفيره ثم قال وأما ابن الفارض فالاتحاد في شعره وأمرنا أن نحكم بالظاهر وإنما نؤول كلام المعصومين لكن علماء عصره من أهل الحديث رووا عنه في معاجمهم ولم يترجموه بشيء من ذلك فقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري في معجمه الشافعي الأديب سمع من (1/136)
أبي القاسم ابن عساكر وحدث سمعت شيئا من شعره وقال الحافظ رشيد الدين العطار في معجمه الشيخ الفاضل الأديب كان حسن النظم متوقد الخاطر وكان يسلك طريق التصوف وينتحل مذهب الشافعي وأقام في مكة مدة وصحب جماعة من المشايخ
وقال الحافظ أبو بكر بن مسدى برع في الأدب فكان رقيق الطبع عذب النبع فصيح العبارة دقيق الإشارة سلس القيادة نبيل الإصدار والإيراد وتصرف فتصوف فكان كالروض المفوف وتخلق بالزي وتزيا بالخلق وجمع كرم النفس كل مفترق انتهى كلام الشيخ ولي الدين
وما قاله هؤلاء الأئمة ليس فيه مناقضة لكلامه أولا في الحكم عليه بالاتحاد فإنهم لم يقضوا على التائية ونحوها وأما قوله إن صح ذلك عنه فهو على طريق من يعتبر في الكتب المشهورة إسنادا خاصا وهي طريقة غير مرضية والصحيح أنها لا تحتاج إلى ذلك بل الشهرة كافية والله الموفق
رأى السكوتي
وقال الإمام أبو علي ابن خليل السكوتي في كتابه تحت العوام فيما يتعلق (1/137)
بعلم الكلام
بعد أن حذر من ابن عربي وأتباعه فقال وليحترز من مواضع كثيرة من كلام ابن عربي الطائي في فصوصه وفتوحاته المكية وغيرهما وليحترز أيضا من مواضع كثيرة من كلام ابن الفارض الشاعر وأمثاله مما يشيرون بظاهره إلى القول بالحلول والاتحاد لأنه باطل بالبراهين القطعية ثم قال وكل كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع فأحرى وأولى بطلانه إذا كان صريحا في الباطل فإن قالوا لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الاتحاد والحلول وإنما قصدنا أمرا آخر يفهم عنا قلنا لهم الله أعلم بما في الضمائر وما يخفى في السرائر وإنما اعترضنا نحن الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد والحلول والاتحاد انتهى
حكم من يؤول للصوفية كلامهم
والفيصل في قطع التأويل من أصله أن محقق زمانه وصالحه علاء الدين محمد البخاري الحنفي ذكر عنده ابن عربي هذا فقال قاضي المالكية إذ ذاك شمس (1/138)
الدين محمد البساطي يمكن تأويل كلامه فقال له البخاري كفرت
وسلم له أهل عصره ممن كان في مجلسه ومن غيرهم وما طعن أحد منهم فيه بكلمة واحدة وقد كان منهم حافظ العصر قاضي الشافعية بها شهاب الدين أحمد بن 37 حجر وقاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني وقاضي القضاة محمود العيني الحنفي والشيخ يحيى السيرامي الحنفي وقاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي وزيد الدين أبو بكر القمني الشافعي وبدر الدين محمد بن الأمانة الشافعي وشهاب الدين أحمد بن تقي المالكي وغيرهم من العلماء والرؤساء وما خلص البساطي من ذلك إلا بالبراءة من اعتقاد الاتحاد ومن طائفة الاتحادية وتكفيره لمن يقول بقولهم (1/139)
أوهام الصوفية في الحكم بإيمان فرعون
ثم قال ابن عربي وأما قوله 85 : 40 فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده إلا قوم يونس فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلا قوم يونس فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ثم قال فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى 92 : 10 فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو فقد عمته النجاة حسا ومعنى ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف
هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى الله لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك يستندون إليه انتهى وقد تقدم النص المنتج قطعا بديهة أنه من أهل النار ثم
قال ثم لتعلم أنه (1/140)
ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية أعني من المحتضرين ولهذا يكره الموت الفجاءة وقتل الغفلة ثم قال وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى فتجلى له في مطلوبه ثم قال كنار موسى رآها حين حاجته وهو الإله ولكن ليس يدريه
افتراء على الرسول صلى الله عليه و سلم
وقال في فص حكمة فردية في كلمة محمدية وإنما حبب إليه النساء فحن إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه فأبان بذلك عن الأمر (1/141)
في نفسه من جانب الحق في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية ونفخت فيه من روحي
ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين يا داود إني أشد شوقا إليهم
التثليث عند الصوفية
ثم ذكر العبد المؤمن وأنه لا يرى ربه إلا بعد الموت فاشتاق الحق لوجود هذه النسبة يعني رؤية المؤمن له تعالى بالموت ثم قال فلما أبان أنه نفخ فيه من روحه فما اشتاق إلا إلى نفسه ألا تراه خلقه على صورته لأنه من روحه ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة 38 في جسده أخلاطا حدث عن نفخة اشتعال بما في جسده من الرطوبة فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته ولهذا ما كلم الله تعالى موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها فلو كانت نشأته طبيعية لكان روحه نارا وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا فبطن نفس الرحمن فيما كان (1/142)
به الإنسان إنسانا ثم اشتق له منه شخصا على صورته سماه امرأة فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه فحببت إليه النساء فإن الله أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم ومنزلتهم وعلو نشأتهم الطبيعية فمن هناك وقعت المناسبة والصورة أعظم مناسبة وأجلها وأكملها فإنها زوج أي شفعت وجود الحق كما أن هناك المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا فظهرت الثلاثة حق ورجل وامرأة
فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه فحبب إليه ربه النساء كما أحب الله من هو على صورته انتهى وقد علم من هنا قطعا أنه يريد بالصورة في خلق آدم على صورته معناها المتعارف
رب الصوفية امرأة
ثم قال فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما كان شهودا في منفعل عن الحق بلا واسطة فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل (1/143)
منفعل ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة فلهذا أحب صلى الله عليه و سلم النساء لكمال شهود الحق فيهن إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا فإن الله بالذات غني عن العالمين وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا (1/144)
ولم تكن الشهادة إلا في مادة فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله وأعظم الوصلة النكاح وهو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه نفسه فسواه وعدله ونفخ فيه من روحه الذي هو نفسه فظاهره خلق وباطنه حق
وهذا يدلك على أن الإله عنده كالكلي الطبيعي لا وجود له إلا في ضمن جزئياته والله الموفق
ثم قال فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة فكان صورة بلا روح عنده وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح ولكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته أو لأنثى حيث كانت لمجرد الالتذاذ ولكن لا يدري لمن فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم كما قال بعضهم
صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعرفوا عشقي لمن
كذلك هذا
أحب الالتذاذ فأحب 39 المحل الذي يكون فيه وهو المرأة ولكن غاب عنه روح المسألة فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملا وكما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله 288 : 2 (1/145)
وللرجال عليهن درجة نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته فبتلك الدرجة التي تميز عنه بها كان غنيا عن العالمين وفاعلا أولا فإن الصورة فاعل ثان فماله الأولية التي للحق فتميزت الأعيان بالمراتب فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف فلهذا كان حب النساء لمحمد صلى الله عليه و سلم عن تحبب إلهي وأن الله أعطى كل شئ خلقه وهو عين حقه فما أعطاه إلا باستحقاق استحقه بمسماه أي بذات ذلك المستحق وإنما قدم النساء أي في قوله صلى الله عليه و سلم حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة لأنهن محل الانفعال كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني فإن فيه انفتحت صورة العالم أعلاه وأسفله
الأنوثة صفة الإله الصوفي
ثم قال إنه صلى الله عليه و سلم غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء فقال ثلاث ولم يقل ثلاثة بالهاء الذي هو لعدد الذكران إذ فيها ذكر الطيب وهو منكر وعادة العرب أن تغلب التذكير (1/146)
على التأنيث ثم قال ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر فبدأ بالنساء وختم بالصلاة وكلتاهما تأنيث والطيب بينهما كهو في وجوده فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه فهو بين مؤنثين تأنيث ذات وتأنيث حقيقي كذلك النساء تأنيث حقيقي والصلاة تأنيث غير حقيقي والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود هو عنها وبين حواء الموجودة عنه وإن شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا فكن على أي مذهب شئت فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم والعلة مؤنثة
الإله الصوفي بين التقييد والإطلاق
ثم قال وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله 44 : 17 وإن من شئ إلا يسبح بحمده أي بحمد ذلك الشيء فالضمير الذي في (1/147)
قوله بحمده يعود على الشيء أي بالثناء الذي يكون عليه كما قلنا في المعتقد أنه إنما يثنى على الإله الذي في معتقده وربط به نفسه وما كان من عمله فهو راجع إليه فما أثنى إلا على نفسه فإنه من مدح الصنعة فإنما مدح الصانع بلا شك فإن حسنها وعدم حسنها راجع إلى صانعها وإله المعتقد مصنوع للناظر فيه فهو صنعه فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه ولهذا يذم معتقد غيره ولو أنصف لم يكن له ذلك إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك في ذلك لاعتراضه 40 على غيره فيما اعتقده في الله إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده وعرف الله في كل صورة وكل معتقد فهو ظان ليس بعالم ولذلك قال أنا عند ظن عبدي بي
أي لا أظهر له إلا في صورة معتقده فإن شاء أطلق وإن شاء قيد فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده فإن الإله المطلق لا يسعه شئ لأنه عين الأشياء وعين نفسه (1/148)
والشيء ولا يقال فيه يسع نفسه لا يسعها فافهم
قلت وهذا أراد ابن الفارض بقوله
فلو أنني وحدت ألحدت وانسلخت ... من آي جمعي مشركا بي صنعتي
دعاء ومباهلة
هذا آخر الكتاب المباعد للصواب المراد للشك والارتياب لعنة الله على معتقده ورحمة الله على منتقده قد تم ولله الحمد ما أردت انتقاده منه مترجما بسوء السيرة وقبح السريرة عنه وانتهى ما وقع انتقادي عليه وأداني اجتهادي إليه من واضح كفره ودقيق مكره وجلي شره أعاذنا الله بحوله وقوته من شكوكه وعصمنا من زيغ طريقه وباعدنا من سلوكه ورأيت أن أختم ذلك بحكاية طالما حدثنا بها شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر قاضي القضاة أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني الأصل المصري الشافعي
ثم رأيتها منقولة عن كتاب الحافظ تقي الدين الفاسي في تكفير ابن عربي وقد أصلح شيخنا بعضها بخطه قال كان في أيام الظاهر برقوق شخص يقال له ابن الأمين شديد التعصب لابن عربي صاحب هذا الفصوص وكنت أنا كثير البيان لعواره والإظهار لعاره وعثاره (1/149)
وكان بمصر شيخ يقال له الشيخ صفا وكان مقربا عند الظاهر فهددني المذكور بأنه يعرفه بي ليذكر للسلطان أن بمصر جماعة أنا منهم يذكرون الصالحين بالسوء ونحو ذلك
وكانت تلك الأيام شديدة المظالم والمصائب والمغارم وكنت ذا مأل فخفت عاقبته وخشيت غائلته فقلت إن هنا ما هو أقرب مما تريد وهو أن بعض الحفاظ قال إنه وقع الاستقراء بأنه ما تباهل اثنان على شئ فحال الحول على المبطل منهما فهلم فلنتباهل ليعلم المحق منا من المبطل فتباهلت أنا وهو فقلت له قل اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعني بلعنتك فقاله فقلت أنا اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا وكان يسكن الروضة فاستضافه شخص من أبناء الجند جميل الصورة ثم بدا له أن يتركهم فخرج في أول الليل فخرجوا يشيعونه فأحس بشيء مر على رجله فقال لأصحابه مر على رجله شئ ناعم فانظروا ما هو فنظروا 41 فلم يجدوا شيئا فذهب فما وصل إلى منزله إلا وقد عمى ولم يصبح إلا وهو ميت وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة وكانت المباهلة في رمضان منها قال وكنت عند وقوع المباهلة عرفت من حضر أن من كان مبطلا في المباهلة لا تمضي عليه السنة فكان ولله الحمد ذلك واسترحت من شره وأمنت من عاقبة مكره
المكفرون لابن عربي
وقد صرح بكفر هذا الرجل ومن نحا نحوه في مثل هذه الأقوال الظاهرة (1/150)
في الضلال جماعة من العلماء الأعلام مشايخ الإسلام كما نقل عنهم الإمام شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني الحنفي في كتابه الذي صنفه في ذلك وكذا نقل بعض ذلك الإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي الصوفي في جزء نقله عنه أحمد بن أقش الحراني قال وقد كتب كل من راقب الله تعالى وخشيه وامتنع كل من التبسه مخافة غيره وغشيه فالذي كتب قام لله تعالى بلوازم فرضه والذي امتيح فهو المسئول عن ذلك في يوم عرضه فإن زعم أنه ترك خوف الفتنة من المخالفين فتلك محنة في الدين بما وجب على كل عالم من التبيين
وكذلك نقل الفتاوى العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل شيخ أبيات حسين ببلاد اليمن في تصنيفه المسمى كشف الغطا عن حقائق التوحيد فالمنكرون منهم سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم السلمي الشافعي كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام تقي الدين محمد بن دقيق العيد قال الحافظ شمس الدين محمد الذهبي فيمعجمه حدثني محمد المفيد حدثنا أبو الفتح اليعمري سمعت أبا الفتح محمد بن علي القشيري سمعت شيخنا ابن عبد السلام يقول وجرى ذكر ابن العربي الطائي فقال هو شيخ سوء كذاب وقال الصلاح خليل الصفدي في تاريخه سمعت أبا الفتح بن سيد الناس يقول سمعت ابن دقيق العيد يقول سألت ابن عبد السلام (1/151)
عن ابن عربي فقال هو شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا وقال شيخنا العلامة محمد بن محمد بن علي بن يوسف ويعرف بابن الجرزي الشافعي في جواب أجاب فيه بكفره كما حكاه عنه ابن الأهدل ولقد حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الذي لم تر عيناي مثله عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير من لفظه غير مرة حدثني شيخ الإسلام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي حدثنا الشيخ العلامة شيخ الشيوخ قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد القائل في آخر عمره لي أربعون 42 سنة ما تكلمت بكلمة إلا أعددت لها جوابا بين يدي الله تعالى قال سألت شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي عن ابن عربي فقال شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا انتهى
وقال ابن تيمية في جواب السيف (1/152)
السعودي فكفره الفقيه أبو محمد بذلك ولم يكن بعد ظهر من قوله إن العالم هو الله والعالم صورة الله وهوية الله قال السيف المذكور ثم تابعه في الإنكار الشيخ الإمام بركة الإسلام قطب الدين ابن القسطلاني وحذر الناس من تصديقه وبين في مصنفاته فساد قاعدته وضلال طريقه في كتاب سماه بالارتباط ذكر فيه جماعة من هؤلاء الأنماط ومنهم قاضي القضاة قدوة أهل التصوف إمام الشافعية بدر الدين محمد بن جماعة قال وحاشا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأذن في المنام فيما يخالف أو يضاد قواعد الإسلام بل ذلك من وساوس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته وأما إنكاره يعني ابن عربي ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد فهو كافر به عند علماء التوحيد وكذلك قوله في نوح وهود عليهما السلام قول لغو باطل مردود والقدوة العارف عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي وقال إنه علق في ذم هذه الطائفة ثلاث كراريس الأول سماه البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد الثاني لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد والثالث أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص كل ذلك ليبقى المؤمنون منهم على بصيرة يحذرون من طرقهم وزندقتهم وحاصل ذلك كله بكلام وجيز مختصر (1/153)
أن هؤلاء جميع ما يبدونه من الكلام الحسن في مصنفاتهم إنما هو ربط واستجلاب فإن الدعاة إلى البدعة إن لم يكونوا ذوي بصيرة يستدرجون الخلق في دعوتهم حتى يحلوهم عن أديانهم لا يستجاب لهم
هذا ابن عربي عنده في أصوله أنه يجعل المعدومات أشياء ثابتة علويها وسفلها قبل وجودها فهي عنده ثابتة في القدم لكن ليس لها وجود ثم أفاض الحق عليها من وجوده الذاتي فقبل كل موجود من وجود عين الحق بحسب استعداده فظهر الكون بعين وجود الحق فكان الظاهر هو الحق فعنده أنه لا وجود إلا للحق ويستحيل عنده أن يكون ثم وجود محدث كما يقوله أهل الحق فإنهم يقولون وجود قديم ووجود حادث وهذا عنده وعند أصحابه أنه ليس بوجود حادث وليس ثم إلا وجود الحق الذاتي وهو الذي فاض على الأعيان والممكنات (1/154)
فهو موجود بعينه ومن شك أن هذا اعتقاده فليراجع كتبه الفصوص وغيرها وعنده أنه لما فاض على الأكوان عين وجود الحق كان هو الظاهر فيها بحكم الوجود وكانت هي الظاهر فيه بحكم الأسماء فإنها كثيرة متعددة وعنده أن الكون افتقر إلى الحق بسبب إفاضة الوجود وأن الحق أيضا افتقر إلى الكون لظهور أسمائه وكل منهما يعبد الآخر
فتوى الجزري
ومنهم العلامة شمس الدين محمد بن يوسف ابن الجزري جد شيخنا العلامة شمس الدين قال وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر وقوله إن الحق المنزه هو الخلق المشبه كلام باطل متناقض وهو كفر وقوله في قوم هود وحصلوا في عين القرب افتراء على الله تعالى ورد لقوله فيهم وقوله زال البعد وصيرورة جهنم في حقهم نعيما كذب وتكذيب للشرائع وأما من يصدقه فيما قال فحكمه كحكمه في التضليل والتكفير إن كان عالما وإن كان ممن لا علم له فإن قال ذلك جهلا عرف بحقيقة ذلك ويجب تعليمه وردعه عنه مهما أمكن ومنهم الإمام القدوة برهان الدين إبراهيم بن معضاد الجعبري ومنهم العلامة زين الدين عمر ابن أبي الحرم الكتناني الشافعي (1/155)
ومن جوابه وقوله في قوم هود كفر لأن الله تعالى أخبر في القرآن العظيم عن عاد أنهم كفروا بربهم والكفار ليسوا على صراط مستقيم فالقول بأنهم كانوا عليه مكذب لصريح القرآن ويأثم من سمعه ولم ينكره إذا كان مكلفا وإن رضي به كفر
رأي أبي حيان
والإمام أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي ذكر ذلك في تفسير سورة المائدة عند قوله تعالى 17 : 5 لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم الآية في أوائلها ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض وأتباع هؤلاء كابن سبعين وعد جماعة ثم قال (1/156)
وإنما سردت هؤلاء نصحا لدين الله يعلم الله ذلك وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله
رأي التقي السبكي والفاسي والزواوي
والعلامة قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي فقال ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء قال ذلك في باب الوصية من شرح 44 المنهاج ونقله الكمال الدميري والتقي الحصني وقال الحافظ تقي الدين الفاسي في كتابه فيه وقد أحرقت كتب ابن عربي غير مرة وممن صنع ذلك من العلماء المعتبرين الشيخ بهاء الدين السبكي والعلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزواوي المالكي شارح صحيح مسلم فقال وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل فيمن صدق بذلك أو اعتقد صحته (1/157)
كان كافرا ملحدا صادا عن سبيل الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ملحدا في آيات الله مبدلا لكلماته فإن أظهر ذلك وناظر عليه كان كافرا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن أخفى ذلك وأسره كان زنديقا فيقتل متى ظهر عليه ولا تقبل توبته إن تاب لأن توبته لا تعرف فقد كان قبل أن يظهر عليه يقول بخلاف ما يبطن فعلم بالظهور عليه خبث باطنه وهؤلاء قوم يسمون الباطنية لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا في الأمة معروفين بالخروج من الملة يقتلون متى ظهر عليهم وينفون من الأرض وعادتهم التمصلح والتدين وادعاء التحقيق وهم على أسوأ طريق فالحذر كل الحذر منهم فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه ولا رب يعبدونه وواجب على كل من ظهر على أحد منهم أن ينهي أمره إلى ولاة المسلمين ليحكموا فيه بحكم الله تعالى ويجب على من ولي الأمر إذا سمع بهذا التصنيف البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به على قدر قوة التهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه
رأي البكري
ومنهم الشيخ الإمام المحقق الزاهد القدوة العارف نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي قال وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال ويكون المراد بها ظاهرها فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك بل هو (1/158)
كاذب فاجر كافر في القول والاعتقاد ظاهرا وباطنا وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله ولا يعذر في تأويله لتلك الألفاظ إلا أن يكون جاهلا بالأحكام جهلا تاما عاما ولا يعذر في جهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل ومتبعيهم أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله بل كلها كذلك وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه
وأما دلائل ذلك فهي مذكورة في تصانيف العلماء وفيما ألفته أيضا في بعض المسائل وليست هذه الورقة مما تسع الكلام على أقوال هذا المصنف لفظة لفظة
مسألة الوعيد
لكن مسألة الوعيد يعني التي قال فيها ابن عربي وما لوعيد الحق عين تعاين لا بد فيها من نبذة لطيفة للضرورة
اعلم 45 أنه ثبت بالدلائل العقلية والسمعية وإجماع المسلمين أن قول الله حق وخبره صدق وذلك واجب له لذاته سبحانه وتعالى ومن أنكر أن خبر الله حق أو أن وعده ووعيده صدق فهو كافر بإجماع المسلمين وإنما قال بعض الناس من الأصوليين إنه لا يجب وقوع الوعيد بتأويل مقرر في الأصول وحقيقته ترجع إلى أن كلام الله تعالى منزل على عادة العرب في تخاطبها وعادتها إذا أوعدت بالعقوبة وإن كانت (1/159)
صورتها الوعيد الجازم فإنما تريد إذا لم تعف وأصرت على الانتقام وادعى أن ذلك مركوز في طباعها وأن حقيقة اللفظ الحمل عليه سواء أراده حالة التخاطب أو لم يرده
وقال فيه آخرون إن الرب سبحانه وتعالى علق الأشياء بمشيئته في غير موضع وأن الوعد المطلق مقيد بالمشيئة فجوز أن يقع الوعيد بشيء فلا يحصل المتوعد إما لأن حقيقة اللفظ مقيدة بعدم العفو وإما لأن مطلق اللفظ مقيد بنصوص أخر مع أمور أخرى يحتملها اللفظ مطلقا من غير دليل خاص من تقييد المطلق وتخصيص العام واحتمال الإضمار والمجاز
وجوز أن يضع الله تعالى اللفظ وضعا جديدا لمعنى آخر لا تفهمه العرب عند بعض الناس إلى غير ذلك
ومع هذا كله فإنما هو كلام في أصل الوعيد من حيث الجملة
وأما خصوص مسألة وعيد الكافرين فلا خلاف أن المراد به قد علم وأن من ادعى أن الكفار لا يعذبون أصلا فهو كافر إلا أن يكون ممن لم تبلغهم الدعوة أو في معناه
والمراد في وعيد الكافرين المعلوم هو أنهم يعذبون في النار العذاب الشديد ولا يغفر كفرهم المغفرة المزيلة للعقوبة بعد بلوغ الدعوة على الوجه الذي تقوم به الحجة
والعلم بالمراد في هذه القضية متلقي بوجهين أحدهما أخبار التواتر
الثاني فهم الصحابة لذلك عن المعصوم فهما قطعيا منقولا إلينا بالتواتر المعنوي وإنما تكلموا في مسألة الخلود دون أصل (1/160)
التعذيب فمن حاك الخلاف عن السلف ومن حاك الإجماع ففيها نظر والله أعلم
فتوى البالسي وابن النقاش
ومنهم العلامة نجم الدين محمد بن عقيل البالسي الشافعي فقال من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافرا بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها بلسانه بل يجب عليه منع قائلها بالضرب إن لم ينزجر باللسان فإن عجز 46 عن الإنكار بلسانه أو بيده وجب عليه إنكار ذلك بقلبه وذلك أضعف الإيمان
ومنهم نادرة زمانه العلامة أبو أمامة محمد بن علي بن النقاش المصري الشافعي في تفسيره وأجاد جدا في تقرير مذهبهم وبيان عواره فقال وقد ظهرت أمة ضعيفة العقل نزرة العلم اشتغلوا بهذه الحروف وجعلوا لها دلالات واشتقوا منها ألفاظا واستدلوا منها على مدد وسموا أنفسهم بعلماء الحروف ثم جاءهم شيخ وقح من جهلة العالم يقال له (1/161)
البوني ألف فيها مؤلفات وأتى فيها بطامات ومن الحروف دخلوا للباطن وأن للقرآن باطنا غير ظاهر بل وللشرائع باطنا غير ظاهرها ومن ذلك تدرجوا إلى وحدة الوجود وهو مذهب الملحدين كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ممن يجعل الوجود الخالق هو الوجود المخلوق وقد لا يرضى هؤلاء بلفظ الاتحاد بل يقولون بالوحدة لأن الاتحاد يكون افتعالا بين شيئين وهم يقولون الوجود واحد لا تعدد فيه ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ولكن ليس وجود هذا وجود هذا
والقدر المشترك هو كلي والكلي المطلق لا يوجد كليا مطلقا إلا في الأذهان لا في الأعيان بل كل موجود من المخلوقات له وصف يختص به لا يشاركه فيه غيره في الخارج وأنقص المراتب عند هؤلاء مرتبة أهل الشريعة ثم قال وهم متأهلون للخيال معظمون له ولا سيما ابن عربي منهم ويسميه أرض الحقيقة ولهذا يقولون بجواز الجمع بين النقيضين وهو من الخيال الباطل وقد علم المعتنون بحالهم من علماء الإسلام كالشيخ عز الدين ابن عبد السلام (1/162)
وابن الحاجب وغيرهما أن الجن والشياطين تمثلت لهم وألفت كلاما يسمعونه وأنوارا يرونها فيظنون ذلك كرامات وإنما هي أحوال شيطانية لا رحمانية وهي من جنس السحر
ولقدولقد حكى سعيد الفرغاني في شرح قصيدة ابن الفارض أن رجلا نزل دجلة ليغتسل لصلاة الجمعة فخرج من النيل فأقام بمصر عدة سنين وتزوج وولد له هناك ثم نزل ليغتسل لصلاة الجمعة فخرج من دجلة فرأى غلامه ودابته والناس لم يصلوا بعد الجمعة ومن المعلوم لكل ذي حس أن يوم الجمعة ببغداد ليس بينه وبين يوم الجمعة بمصر يوم فضلا عن أكثر منه ولا الشمس توقفت عدة أعوام في السماء وإنما هو الخيال فيظنونه لجهلهم في (1/163)
الخارج ثم قال وحقيقة قولهم إن ما ثم وجودا 47 إلا هذا العالم لا غير كما قاله فرعون لكن هم يقولون إن العالم هو الله وفرعون أنكر وجود الله ثم قال قيل لبعض أكابرهم ما الفرق بينكم وبين النصارى قال النصارى خصصوا وهذا موجود في كلام ابن عربي وغيره ينكرون على المشركين تخصيصهم عبادة بعض والعارف عندهم يعبد كل شيء ثم قال ومن المعتقدين الحلول الخاص طائفة من أتباع العبيدية الباطنية الذين ادعوا أنهم علويون ثم قال وقد اعتقدت طائفة منهم الإلهية في الحاكم كالدريزية (1/164)
أتباع شهنكير الدرزي الذي كان من موالي الحاكم وأضل أقواما بالشام في وادي تيم الله بن ثعلبة انتهى
رأي ابن هشام وابن خلدون
ومنهم العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام صاحب المغنى وغيره من المصنفات البديعة وكتب على نسخة من كتاب الفصوص
هذا الذي بضلاله ... ضلت أوائل مع أواخر
من ظن فيه غير ذا ... فلينأ عني فهو كافر
هذا كتاب فصوص الظلم ونقيض الحكم وضلال الأمم كتاب يعجز الذم عن وصفه قد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه لقد ضل مؤلفه ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته انتهى
وقال العلامة قاضي القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون إن طريق المتصوفة منحصر في طريقين الأولى وهي (1/165)
طريقة السنة طريقة سلفهم الجارية على الكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين والطريقة الثانية وهي مشوبة البدع وهي (1/166)
طريقة قوم من المتأخرين يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها ومن هؤلاء المتصوفة ابن عربي وابن سبعين وابن برجان وأتباعهم ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم ولهم تواليف كثيرة يتداولونها مشحونة بصريح الكفر ومستهجن البدع وتأويل الظاهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها في الشريعة وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة ولو بلغ المثنى ما عسى أن يبلغ من الفضل لأن الكتاب والسنة أبلغ فضلا أو شهادة من كل أحد
وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي والبد لابن سبعين وخلع النعلين لابن قسي وعين اليقين لابن برجان وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض فالحكم في هذه (1/167)
الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب لما في ذلك من المصلحة العامة 48 في الدين بمحو العقائد المختلفة فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة ويتعين على من كانت عنده التمكين منها للإحراق
رأي الشمس العيزري
ومنهم العلامة شمس الدين محمد العيزري الشافعي في كتاب سماه الفتاوي المنتشرة قال عن الفصوص قال العلماء جميع ما فيه كفر لأنه دائر مع عقيدة الاتحاد وهو من غلاة الصوفية المحذر من طرائقهم وهم شعبان شعب حلولية يعتقدون حلول الخالق في المخلوق وشعب اتحادية لا يعتقدون تعددا في الوجود في زعمهم أن العالم هو الله وكل فريق منهم يكفر الآخر وأهل الحق يكفرون الفريقين
ثم قال
ومنهم ابن الفارض صاحب الديوان وعد جماعة معه ثم قال ذكر هؤلاء بالحلول والاتحاد جماعة من علماء الشريعة المتأخرين كالشيخ عز الدين بن عبد السلام وأبي عمرو بن الصلاح وابن دقيق العيد وشيخ الفقهاء الزين الكتناثي وقاضي القضاة الشيخ تقي الدين السبكي وحكم بتكفيرهم القضاة الأربعة البدر بن جماعة والزين الحنفي والشرف الزواوي والسعد الحنبلي ثم ذكر كلام الشيخ أبي حيان فيهم (1/168)
من تفسيره البحر إلى أن قال وقد انتدب بعض المغالطين من أهل العلم ممن يحسن الظن ببعضهم ولا صواب معه وصنف تأويلات لنظم السلوك وتعسف بما لا يصح الأخذ به لقوة ظواهر الألفاظ الخارقة جزما لسياج عصمة الديانة وانتهاك حرمة الربوبية ثم قال ويحوم بظاهر كلامه على أنه هو الله وأن الله هو وهذا بهتان قبيح وكفر صريح ثم قال وكان ابن الفارض يقول إنما قتل الحلاج لأنه باح بسره إذ شرط هذا التوحيد الكتم
رأي لسان الدين ابن الخطيب والموصلي
ومنهم العلامة لسان الدين محب بن الخطيب الأندلسي المالكي في كتابه روضة التعريف بالحب الشريف وأجاد في تقرير مذهبهم ورد ما شاء فقال الفرع الخامس فيرأي أهل الوحدة المطلقة ثم قال وحاصله أن الباري جل وعلا هو مجموع ما ظهر وما بطن وأنه لا شيء خلاف ذلك وأن تعدد هذه الحقيقة المطلقة والآنية الجامعة التي هي عين كل آنية والهوية التي هي (1/169)
عين كل هوية إنما وقع بالأوهام من الزمان والمكان والخلاف والغيبة والظهور والألم واللذة والوجود والعدم
قالوا وهذه إذا حققت إنما هي أوهام راجعة إلى أخبار الضمير وليس في الخارج شيء منها فإذا سقطت الأوهام صار مجموع العالم بأسره وما فيه واحدا وذلك الواحد هو الحق وإنما العبد مؤلف من طرفي حق وباطل فإذا سقط الباطل وهو اللازم بالأوهام لم يبق إلا الحق وصرحت بذلك أقوال شيوخهم فمنه قول ابن أحلى حق أقام باطلا ببعض صفاته وقال الحلاج وابن العربي وقد تعرض لما به وقع التعدد وأنه وهم فالكل واحد وإن كان متفرقا
فسبحان من هو الكل ولا شيء سواه الواحد بنفسه المتعدد بنفسه
ومنهم الحافظ الرحلة شمس الدين أبو عبد الله محمد الموصلي الشافعي نزيل دار الحديث بدمشق
فقال وفي كلام ابن عربي من الكفر الصريح الذي لا يمكن تأويله شيء كثير يضيق هذا الوقت من وصفه ومنه تفسير اسمه العلي بأن قال العلي على من وما ثم إلا هو وهو المسمى أبا سيعد الخراز
رأي البساطي
ومنهم شيخنا علامة زمانه قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي قاضي مصر قال في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة في حدوث العالم وخالفنا في ذلك طوائف الأولى الدهرية والثانية (1/170)
متأخرو الفلاسفة كأرسطو ومن تبعهم من ضلال المسلمين كابن سينا والفارابي ومن حلي كلامه وزخرفه بشعار الصالحين كابن عربي وابن سبعين ثم قال في الكتاب الثاني في المسألة السادسة في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة المسلمين نشأوا في الابتداء على الزهد والخلوة والعبادة فلما حصلوا من ذلك على شيء صفت أرواحهم وتجردت نفوسهم وتقدست أسرارهم وانكشف لهم ما كانت الشواغل الشهوانية مانعة من انكشافه وقد كانت طرق أسماعهم من (1/171)
خرافات النصارى أنه إذا حل روح القدس في شيء نطق بالحكمة وظهر له أسرار ما في هذا العالم مع تشوف النفوس إلى المناصب العلية فذهبوا إلى هذه المقالة السخيفة فمنهم من صرح بالاتحاد على المعنى الذي قالته النصارى وزادوا عليه أنهم لم يقصروه على المسيح كما ذهب إليه الغلاة من الروافض في علي رضي الله عنه وكذا ما ذهب إليه جماعة في خاتم الأولياء عندهم من (1/172)
الحلول ولهم في ذلك كلمات يعسر تأويل كلها لمن يريد الاعتذار عنهم بل منها مالا يقبل التأويل ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا أن يقربوا من المعقول ازدادوا بعدا حتى أنهم استنبطوا قضية حلت لهم الراحة وقنعوا في مغالطة الضرورة بها بالمغيب وهي وهي أن ما هم فيه ويزعمونه وراء العقل وأنه بالوجدان يحصل ومن نازعهم محجوب مطرود عن الأسرار الإلهية وفي هذا كفاية والله أعلم انتهى
البساطي وشرحه للتائية
وقد قام في زماننا ناس حدثان الأسنان سفهاء الأحلام أرادوا 50 إظهار هذا المذهب ثم أخزاهم الله تعالى فقلقلوا كل مقلقل وكان مما قالوه إن الشمس البساطي هذا منهم وأنه شرح تائية ابن الفارض فاستبعد هذا منه
وإن كان ما قالوه صحيحا فقد قضى على نفسه في كلامه هذا بأنه خرج من دائرة العقل
ثم يسر الله وله الحمد الاطلاع على الشرح المنسوب إليه فإذا هو بريء مما فرقوه به كما كنت أظن فرأيته قال في أوله أما بعد فهذا كتاب شرح قصيدة ابن الفارض ولباب فتح وصيد لحن ابن الفارض على وجه أنا نبين مراده من كلامه بقدر فهمنا لمقصوده منه ولا يلزمنا صحة ما قاله في العربية لفظا أو في الشريعة معنى أو استحسانا عقلا أو شرعا أو عرفا ثم تكلم على الأبيات على وجه يظهر منها حملها على موافقة الشرع ما أمكنه فإذا عجز صرح في ذلك الموضع بما يليق به من الحكم عليه من غير (1/174)
ثم قرر أمر التسخير وأن منه ما هو بالمآل ومنه ما هو بالحال وأن ما هو بالحال مثل تسخير الطفل لأبيه بالقيام في مصالحه وتسخير الرعايا الملك بقيامه في مصالحهم قال وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون في ذلك مليكهم ويسمى على الحقيقة تسخير المرتبة فالمرتبة حكمت عليه بذلك فالعالم كله يسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخر
قال الله تعالى كل يوم هو في شأن فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى عليه حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعيد في كل صورة وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله وإما عبادة تسخير فلا بد من ذلك لمن عقل وما عبد شئ من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة فكثر الدرجات في عين واحدة فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها
الهوى رب الصوفية الأعظم
وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال 23 : 45 أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شئ إلا بالله ولا يعبد هو إلا بذاته ثم قال والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد (1/175)
وما قبله وما بعده مما ادعى فيه أن الله يتحد به ويتجلى بصورته من غير حلول ما نصه ولكن دعوى تجلي الله بصورة ما مكفر بها شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به وإن لم يكن حلولا
رأي ابن حجر والبلقيني وغيرهما
ومنهم شيخنا شيخ الإسلام حافظ عصره قاضي القضاة أبو الفضل بن حجر وشيخه شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني فقال في ترجمة عمر بن الفارض في لسان الميزان بعد أن ذكر ترجمة الذهبي له بأنه شيخ الاتحادية وأنه ينعق بالاتحاد الصريح في شعره وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن العربي فبادر بالجواب بأنه كافر فسألته عن ابن الفارض فقال لا أحب التكلم فيه فقلت فما الفرق بينهما والمهيع واحد وأنشدته من التائية 51 فقطع علي بعد إنشاد عدة أبيات بقوله هذا كفر هذا كفر
ومنهم الشيخ ولي الدين العراقي وأبوه كما تقدم في الفص الموسوي وغيره ومنهم العلامة برهان الدين السفاقيني صاحب الإعراب ونظم قصيدة طويلة يتحرق فيها ويندب أهل الإسلام لهؤلاء الضلال فقال فيها
فشيخهم الطائي في ذاك قدوة ... يرى كل شيء في الوجود هو الحقا (1/176)
وكم من غوي كابن سبعين مثله ... وكلهم بالكفر قد طوقوا طوقا
وكالششتري القونوي وابن فارض ... فلا برد الله ثراهم ولا أسقى
ومن كفر ابن الفارض بصريح اسمه شيخنا محقق عصره قاضي القضاة شيخ الإسلام محمد بن علي الغاياتي الشافعي
أخبرني عنه بذلك الثقة من غير وجه وأخبرني الثقة عن الشيخ مدين أنه قال التائية هي الفصوص لا فرق بينهما وقد كان المذكور رأس صوفية عصرنا
مقتل الحلاج
ومنهم الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي وقال هؤلاء كلهم يقتفون في مسالكهم هذه طريقة الحسين بن الحلاج الذي أجمع الفقهاء في زمانه على كفره وقتله قاله الإمام أبو بكر المازري الفقيه المالكي قلت وما قاله القاضي عياض كما تقدم نقله عنه في مقدمة هذا الكتاب
والله الموفق
قال وقد بسطت سيرته في التاريخ بعد الثلاثمائة وذكرت صفة قتله واجتماع الكلمة على تكفيره من العلماء والصوفية العباد سوى ابن عطاء وابن خفيف حتى أنشدهما بعضهم من شعره قائلا ما تقولان في قول بعض الشعراء
سبحان من أظهرنا شوته ... سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب (1/177)
حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة الحاجب بالحاجب
فقالا هذا شعر الزنادقة فقال هذا شعر الحسين بن منصور الحلاج فلعنا الحلاج ورجعنا عنه انتهى
رأي الذهبي
وممن صرح بكفره وأحسن في بيان أمره حافظ عصره شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي فقال في كتابه تاريخ الإسلام بعد خط الحافظ سيف الدين بن المجد علي الحريري المتصوف فكيف لو رأى الشيخ كلام ابن عربي الذي هو محض الكفر والزندقة لقال هذا الدجال المنتظر ولكن كان ابن العربي منقطعا عن الناس إنما يجتمع به آحاد الاتحادية ولا يصرح بأمره لكل أحد ولم تشتهر كتبه إلا بعد موته ولهذا تمادى أمره فلما كان على رأس السبعمائة جدد الله لهذه الأمة دينها بهتكه وفضيحته ودار بين العلماء كتابه الفصوص وقد خط عليه الشيخ القدوة الصالح إبراهيم بن معضاد الجعبري فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية عن التاج 52 البارنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن عربي كان يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا وحكى عنه ابن تيمية أنه قال لما اجتمع بابن عربي رأيت شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله (1/178)
رأي ابن تيمية وغيره من العلماء
وقال الإمام أبو العباس أحمد بن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وقد صنف بعضهم أي أهل الاتحاد كتبا وقصائد على مذهبه مثل قصيدة ابن الفارض المسماة بنظم السلوك يقول فيها وذكر منها عدة أبيات ثم قال إلى مثل هذا الكلام أي الدال على الاتحاد ولهذا كان عند الموت ينشد
إن كان منزلتي في الحب عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي
أمنية ظفرت روحي بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام
فإنه كان يظن أنه هو الله فلما حضرت ملائكة الله لقبض روحه تبين له بطلان ما كان يظنه وقال في إفتائه الذي استفتاه فيه الشيخ سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي بعد أن حكى جملة من أقوال ابن عربي صريحة في الكفر فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله مثل صاحبه القونوي يعني صدر الدين والتلمساني وابن سبعين والششتري وابن الفارض وأتباعهم مذهبهم الذي هم عليه أن الوجود واحد ويسمون أهل وحدة الوجود ويدعون التحقيق والعرفان وهم يجعلون وجود (1/179)
الخالق عين وجود المخلوقات فكل ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم عين الخالق وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم لأنه ما عندهم له غير وأما العلامة ابن دقيق العيد فذكر أنه سمع عز الدين بن عبد السلام يقول في ابن عربي شيخ سوء كذاب وممن حط عليه وحذر منه الشيخ القدوة إبراهيم الرقي ثم ذكر جماعة ممن تقدم ذكرهم في إفتائهم بأن كتابه الفصوص فيه الكفر الأكبر وقد ذكر ابن أبي حجلة أيضا عن غير هؤلاء ممن كفر هذه الطائفة من علماء الإسلام وذكر في كلام كل منهم في إبطال هذا المذهب ما لا لبس فيه وفيما ذكرته مقنع وذكر الحافظ تقي الدين الفاسي في كتابه فيه ممن كفره الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الحضري ابن خلدون قاضي المالكية بمصر وقال في فتوى ذكرها فيه وفي أضرابه فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة (1/180)
ومما ذكره الفاسي أيضا من مكفريه الإمامان رضي الدين أبو بكر بن محمد بن صالح 53 الجبلي المعروف بابن الخياط الشافعي مدرس المعينية بتعز ومفتي تلك النواحي والقاضي شهاب الدين أحمد بن علي الناشري الشافعي مفتي زبيد وفاضل اليمن شرف الدين إسماعيل ابن أبي بكر المقري الشافعي قال وبين من حال ابن عربي ما لم يبينه غيره وقال وأما من أثنى على ابن عربي فلفضله وزهده وإيثاره واجتهاده في العبادة ولم يعرفوا ما في كلامه من المنكرات لاشتغالهم عنها بالعبادات وقال الفاسي أيضا وبعض المثنين عليه يعرفون ما في كلامه من المنكرات ولكنهم يزعمون أن (1/181)
لها تأويلات وحملهم على ذلك كونهم تابعين لابن عربي في طريقته فثناؤهم على ابن عربي مطروح لتزكيتهم معتقدهم
رأي علاء الدين البخاري
وممن كفر أهل هذا المذهب شيخ مشايخنا نادرة زمانه علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري الحنفي وصنف فيهم رسالة سماها فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين وبين أن وحدتهم الوحدة التي قرر أصلها بعض الفلاسفة لا التي يسميها أهل الله الفناء ونقل عن القاضي عضد الدين تكفيرهم فإنه قال في وصفه لابن عربي يحكى عنه أنه كان كذابا حشاشا كأوغاد الأوباش فقد صح عن صاحب كتاب المواقف عضد الملة والدين أعلى الله درجته في عليين أنه لما سئل عن كتاب الفتوحات لصاحب الفصوص حين وصل هنالك قال أفتطمعون من مغربي يابس المزاج بحر مكة ويأكل الحشيش شيئا غير ذلك وقد تبعه أي ابن عربي في ذلك ابن الفارض حيث يقول أمرني النبي صلى الله عليه و سلم بتسمية التائية نظم السلوك إذ لا يخفى على العاقل أن ذلك من الخيالات المتناقضة الحاصلة من الحشيش إذ عندهم أن وجود الكائنات هو الله تعالى فإذن الكل هو الله لا غير فلا نبي ولا رسول ولا مرسل إليه ولا خفاء في امتناع النوم على الواجب وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام لكن لما كان لكل ساقطة لاقطة ترى طائفة من الجهال ذلت أعناقهم لها خاضعين أفرادا وأزواجا (1/182)
وشرذمة من الضلال يدخلون في فسوق الكفر بعد الإيمان زمرا وأفواجا مع أنهم يرون أنه اتخذ آيات الله وما أنذروا به هزوا وأشرك جميع الممكنات حتى الخبائث والقاذورات بمن لم يكن له كفوا أحد
تحقيق معنى الكافر والملحد والزنديق والمنافق
وقال في آخر رسالته إنهم يسمون كفرة وملاحدة وزنادقة وذلك أن الكافر اسم لمن لا إيمان له فإن أظهر الإيمان من غير اعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم خص باسم المنافق دون الزنديق لأن الله تعالى لم يسم الذين نافقوا 54 في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم زنادقة فدروز الشام على ما تشهد به كتبهم الملعونة إنما يظهرون الإيمان ولا يعترفون بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم فهم مباحيون منافقون لا زنادقة على ما يتوهم ذلك لعدم التفرقة بين المنافق والزنديق وإن طرأ كفره بعد الإيمان خص باسم المرتد لرجوعه عن الإيمان وإن قال بإلهين أو أكثر خص باسم المشرك لإثباته الشريك في الألوهية وإن كان متدينا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خص باسم الكتابي كاليهودي والنصراني وإن كان يقول بقدم الدهر واستناد الحوادث خص باسم الدهري وإن كان لا يثبت الصانع خص باسم المعطل وإن كان مع اعترافه بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم وإظهار شعائر الإسلام يتبطن عقائد هي كفر بالاتفاق خص باسم الزنديق وهو في الأصل منسوب (1/183)
إلى زند اسم كتاب أظهره مزدك في أيام قباذ وزعم أنه تأويل كتاب المجوسي الذي جاء به زرادشت الذي يزعم أنه نبيهم وإن كان مع تبطن تلك العقائد الباطلة يستحل الفروج وسائر المحرمات بتأويلات فاسدة كما يزعم الباطنية والوجودية خص باسم الملحد والزنديق في عرف الشرع اسم لما عرفت لا لكل من صدر عنه فعل أو قول يوجب الكفر على ما هو (1/184)
متعارف أهل عصرنا وقد يتوهم بناء على عدم الشعور بمعنى الحلول والاتحاد أن الوجودية حلولية أواتحادية وليس كذلك إذ الحلول والاتحاد إنما يكون بين موجودين متغايرين في الأصل والوجودية يجعلون الله تعالى عين وجود الممكنات فلا مغايرة بينهما ولا اثنينية فلا يتصور ههنا الاتحاد والحلول (1/185)
بل زندقة أخرى أنجس منهما باطلة ببديهة العقل إذ القائلون بها يجعلون الله تعالى أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج
بعض مصطلحات الصوفية
وقال إن الملاحدة عبروا عن ضلالتهم بعبارات العارفين بالله يتسترون بها في زندقتهم فينبغي الحذر من ذلك فأرادوا بالفناء نفي حقائق الأشياء وجعلوها خيالا وسرابا على ما هو مذهب السوفسطائية وبالبقاء ملاحظة الوجود المطلق وبالوحدة المطلقة كون ما سوى الوجود من الأشياء خيالا وسرابا وكون وجود جميع الأشياء حتى وجود الخبائث والقاذورات إلها وذلك (1/186)
غير ما أراده العارفون فإنهم أرادوا بها معاني يصدقها الشرع وهم مصرحون بأن كل حقيقة يردها الشرع فهي زندقة وأنه ليس في أسرار المعرفة شئ يناقض ظاهر الشرع بل باطن الشريعة يتم بظاهره وسره يكمل صريحه 55 ولهذا إذا انكشفت على أهل الحقيقة أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى الألفاظ الواردة في الشرع فما وافق ما شاهدوه قرروه وما خالف أولوه بما يطابق الشرع كالآيات المتشابهة ولا يستبعد وقوع المتشابه في الكشف ابتلاء (1/187)
لقلوب العارفين كما أن وقوع المتشابه في الشرع ابتلاء لقلوب الراسخين فأراد بالبقاء التخلق بالأخلاق الإلهية والتنصل عن كدورات الصفات البشرية والفناء عندهم عبارة عن اضمحلال الكائنات في نظرهم مع وجودها وعن الغيبة عن نسبة أفعالهم إليهم وكذا الوحدة المطلقة عبارة عن مشاهدة الله لا غير من بين الموجودات لاضمحلالها مع تحققها ووجودها عند ظهور أنوار التجليات كاضمحلال الكواكب مع وجودها عند ظهور نور الشمس في النهار فإن كان العارف في هذه الحال يرى نفسه فذلك هو الفناء في التوحيد وهو مرتبة الخواص وهو مشوب بكدورة وقصور وإن غاب مع ذلك عن مشاهدة نفسه (1/188)
وعن أحواله الظاهرة والباطنة وعن ذلك الفناء بحيث لا يشاهد شيئا غير الله كما لا يشاهد في النهار من الكواكب غير الشمس فذلك هو فناء الفناء في التوحيد وهو درجة خواص الخواص فيصير لهم معنى قوله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه ذوقا وحالا كما أن حظ غيرهم من المؤمنين منه يكون علما وإيمانا فالذوق نيل عين تلك الحال بالحصول الاتصافي والعلم معرفة ذلك بالبرهان ومأخذه القياس بأن ينظر إلى اضمحلال تلك الكواكب عند إشراق الشمس فيقاس به اضمحلال وجود الكائنات عند إشراق أنوار التجليات والإيمان قبوله بالتسامع والإذعان له ولا يخالف هذا قولهم إن الطريق إلى المعلوم بالكشف إنما هو العيان دون البرهان لأن المراد منا إقامة البرهان على تحقق الكشف لا على إثبات المعلوم فقد عرفت أن معنى الوحدة المطلقة عند العارفين بعيد عما يريد به الكفرة الوجودية من الفلاسفة ومن تبعهم ممن يدعي الإسلام ليتمكن من هدمه عند الضعفاء (1/189)
أسطورة الكشف
ويروجون تلك السفسطة بإحالتها على الكشف ويتفيهقون بأن مرتبة (1/190)
الكشف وراء طور العقل وأنت خبير بأن مرتبة الكشف نيل ما ليس له العقل ينال لا نيل ما هو ببديهة العقل محال وذلك أن الله تعالى خلق العباد وبين لهم سبيل الرشاد وزينهم بالعقل نورا يهتدون به إلى معرفته وحجة توصلهم إلى محجته بالاستدلال على وجود الصانع بالمصنوعات والنظر فيما يجوز ويستحيل 56 عليه من الأفعال والصفات وأن إرسال الرسل من أفعاله الجائزة وأنه قادر على تعريف صدقهم بالمعجزة وعند ذلك ينتهي تصرف العقل لعدم استقلاله بمعرفة المعاد وبما يحصل السعادة والشقاوة هنالك للعباد وإنما يستقل بمعرفة الله تعالى وصدق الرسول ثم يعزل نفسه ويتلقى من النبي صلى الله عليه و سلم ما يقول في أحكام الدنيا والآخرة بالقبول إذ لا ينطق (1/191)
بما يحيل العقل بالبديهة والبرهان لامتناع ثبوت ما تحكم حجة الله عليه بالبطلان فلا مجال في مورد الشرع ولا في طور الولاية والكشف لما يحكم العقل عليه بأنه محال بل يجب أن يكون كل منهما في حيز الإمكان والاحتمال غير أن الشرع يرد بما لا يدركه العقل بالاستقلال وبالكشف يظهر ما ليس له العقل ينال لأن الطريق إليه الكشف والعيان دون بديهة العقل والبرهان لكن إذا عرض عليه لا يحكم عليه بالبطلان لكونه في حيز الإمكان ولا ينبغي متوهم أن ما يتستر به الوجودية من دعوى الكشف من قبيل ما ليس له العقل ينال بل هو مستحيل وللعقل في إبطاله تمكن ومجال إذ الطريق إليه التصور ثم التصديق بالبطلان وذلك وظيفة العقل بالبديهة أو البرهان وأما الأمور الممكنة الكسبية فيجعلها العقل في حظيرة الإمكان ولا يحكم عليها بالبطلان ثم إن ما يناله الكشف ولا يناله العقل الممكن الذي الطريق إليه العيان دون البرهان لا المحال الممتنع الوجود في الأعيان إذ الكشف لا يجعل الممتنع متصفا بالإمكان موجودا في الأعيان لأن قلب الحقائق بين الامتناع والبطلان فلو تخايل حصول المحال بالكشف ككون الوجود المطلق واحدا شخصيا وموجودا خارجيا وكون الواحد الشخصي منبسطا في المظاهر متكررا عليها (1/192)
بلا مخالطته متكثرا مع النواظر بلا انقسام فذلك شعوذة الخيال وخديعة الشيطان وقال بعد ذلك إنهم صرحوا بأن التكثر في الموجودات ليس بتكثر وجوداتها بل تكثر الإضافات والتعينات والتعينات ثم قال فقالوا معنى قولنا الواجب موجود أنه وجود ومعنى قولنا الإنسان أو الفرس موجود أنه ذو وجود بمعنى أن له نسبة إلى الوجود لا أنه متصف بالوجود على ما هو معنى الوجود لغة وعرفا وشرعا احترازا عن شناعة التصريح بكون الواجب صفة الممكن وأنت خبير بأن جواز الإطلاق فرع صحة الاشتقاق ولو سلم فما ذكروا في بيان معناه في الواجب والممكن ليس معناه لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ومنشأ الغلط فيما يكشفه الشرع بما يقصر عنه العقل وما يدعيه هؤلاء مما يحيله 57 عدم التفرقة بين ما أحاله العقل كهذه المذكورات وبين ما لا يناله العقل كاضمحلال وجود الكائنات عند سطوع أنوار التجليات وإنما ينال ذلك بجذبة الإلهية أو رياضة في متابعة الحضرة النبوية في الوظائف العلمية والعملية (1/193)
والنيل هو الحصول الاتصافي والعلم هو الحصول الإدراكي ثم إن كلا مما لا يدركه العقل بالاستقلال وما ليس له العقل ينال لما كان مستوقفا على الإعلام والإرشاد من رب العالمين بعث الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لبيان الأول وهو علم الشريعة صريحا والإشارة إلى الثاني وهو علم الحقيقة رمزا وتلويحا كما يلوح من القرآن المجيد 28 : 88 كل شيء هالك إلا وجهه إلى درجة الفناء في الفناء في التوحيد (1/194)
انتهى ما نقلته من رسالة الشيخ علاء الدين البخاري لكني تصرفت فيه بالتقديم والتأخير وقد وضح بذلك محالهم وتبين به ضلالهم والله الموفق
عود إلى من كفروا ابن عربي
وعن الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكي في كتابه تحذير النبيه والغبي من الافتتان بابن عربي أنه قال وقد سئل عنه وعن شيء من كلامه (1/195)
شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمي التونسي عالم إفريقية فقال ما معناه إن من نسب إليه هذا الكلام لا يشك مسلم منصف في فسقه وضلاله وزندقته انتهى
ومنهم شيخنا العلامة إمام القراء شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي نزيل بلاد الروم ثم العجم قال ومما يجب على ملوك الإسلام ومن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يعدموا الكتب المخالفة لظاهر الشرع المطهر من كتب المذكور وغيره ولا يلتفت إلى قول من قال هذا الكلام المخالف للظاهر ينبغي أن يؤول فإنه غلط من قائله
إنما يؤول كلام المعصوم ولو فتح باب تأويل كل كلام ظاهره الكفر لم يكن في الأرض كافر ومنهم العلامة نادرة زمانه علما وعملا بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الحسيني نسبا وبلدا وصنف في ابن عربي وابن الفارض كتابا كبيرا نافعا جدا وذكر فيه أنه كان في اليمن شخص من أكابر أتباعه يقال له الكرماني حصلت به في اليمن فتن كبيرة وحصل بينه وبين ابن المقري خطوب وصنف في الرد على ابن المقري كتابا قال فيه عن نفسه وأهل مذهبه ما لفظه إنا حيث قلنا المخلوق فمرادنا الخالق وحيث قلنا الحجر فمرادنا الله انتهى (1/196)
من مكر الصوفية
ومن مكر هذه الطائفة كما شرعه لهم شيخهم من أن الدعوة إلى الله مكر أن يخيلوا كل من ظنوا أنه مال عنهم بأنه يصاب في نفسه أو ماله ويقولون ما تكلم أحد فيهم إلا أصيب ويباهتون 58 بأشياء هي كذب ظاهر ولا عليهم وأكثر الناس صبيان العقول مرضى الأفكار تجد أحدهم إذا سمع هذا نفر منك نفرة النعام الشارد ثم يكون أحسنهم خلالا الذي يقول التسليم أسلم ولا يتأمل أن الشك في الكفر بعد البيان كفر وهو مع كونه كذبا بمن أنكر عليهم من أكابر العلماء الذين لا يحصون كثرة وماتوا على أحسن الأحوال تشبه باليهود في قولهم في الإسلام لما مات أبو أمامة أسعد (1/197)
ابن زرارة الأنصاري رضي الله عنه فإنهم شرعوا يقولون تخييلا لبعض الضعفاء لو كان نبيا ما مات صاحبه فكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول بئس الميت أبو أمامة ليهود يقولون كذا ووالله ما أملك لنفسي ولا لصاحبي شيئا وتسنن بالكفرة في قولهم وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ونحو ذلك من الآيات ومتى مال الإنسان نحو تخييلهم كان كمن قال الله تعالى فيه ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين
من آيات ثبات الإيمان في القلب
مع أن الكتاب والسنة ناطقان بأن علامة صحة الإسلام في القلب المصائب قال الله تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآيتين وقال الله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء (1/198)
وزلزلوا الآية إلى غير ذلك من آيات الكتاب الناطق بالصواب وقال شخص للنبي إني أحبك قال فأعد للبلاء تجفافا وقال صلى الله عليه و سلم من يرد الله به خيرا يصب منه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه إلى أمثال ذلك وهو كثير جدا وأعجب من ذلك أن البيعة على الإسلام كانت ليلة العقبة على الصبر على المصائب فإن العباس بن نضلة رضي الله عنه قال لقومه قبل المبايعة يثبتهم على البيعة إن كنتم ترون أنه إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم فتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه على هذا كانت (1/199)
المبايعة وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ولقد شرع لنا 59 رسول الله صلى الله عليه و سلم سنن الهدى وتركنا على بيضاء نقية ليلها كنهارها ولم يتغير دينه بعده ولم يتبدل ولم يزدد إلا شدة
وأخبرنا صلى الله عليه و سلم أن الدين بدأ غريبا وأنه سيعود كما بدأ وقال فيا طوبى للغرباء فلا يهتم الإنسان بقلة الموافق فإن الله معه ومن كان الله معه كان كثيرا ولا بكثرة المخالف المشاقق فإنهم أعداء الله فليس معهم ومن لم يكن الله معه كان قليلا 39 : 3637 أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام
هوان الدين عند الأكثرية
ومما ينبغي أن يكون نصب العين معيارا يعرف به هوان الدين عند أكثر الناس وهو أن أحدهم لو كان مشرفا على الموت من الجوع ووجد (1/200)
طعاما شهيا فقال له أحد إنه مسموم لم يقربه بعد ذلك ثم لا يبالي بقول هؤلاء العلماء الذين هم القدوة في الدين أن كلام هؤلاء الاتحادية سم حاسم للدين من أصله ذابح للإيمان بسيفه ونصله فإنا لله وإنا إليه راجعون
من هم الأولياء
هذه نبذة من ذم أهل الحق له وهم الأولياء حقيقة لما شاع لهم من الأنوار التي ملأت الأقطار بمصنفاتهم التي أحيوا بها الدين وأيدوا سنة سيد المرسلين فقد قال الشيخ محيي الدين النووي في مقدمة شرح المهذب فصل في النهي الأكيد والوعيد الشديد لمن يؤذي أو يبغض الفقهاء والمتفقهين
وروى الخطيب البغدادي عن الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما أنهما قالا إن لم يكن الفقهاء أولياء لله فليس لله ولي وعن ابن عباس رضي الله (1/201)
عنهما من آذى فقيها فقد آذى رسول صلى الله عليه و سلم ومن آذى رسول صلى الله عليه و سلم فقد آذى الله عز و جل انتهى
ومن نابذ كلامهم فقد عاداهم
وقال النبي صلى الله عليه و سلم قال الله من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ومن رد أقوالهم لأجل توهم أن من حكموا بكفره ولى لشهرة باطلة وكلام مزوق يراد به الإضلال والغرور فمن كمن أصابه داء فوصف له الأطباء العارفون دواء فقال له عامي لا تسمع منهم وخذ هذا فقد قال لي فلان وفلان وعد جماعة مثله أنه نافع فاعتمد على مجرب ولا تعتمد على طبيب
وأمثال هذا من الخرافات فقبل كلامه لكونه قريب الطبع من طبعه فأعطاه سما فتحساه فهلك إلى لعنة الله فإنه لا عبرة بشهرة أصلا إلا شهرة كانت بين أهل العلم 60 الموثوق بهم لأن الاستفاضة والشهرة من العامة لا يوثق بها وقد يكون أصلها التلبيس وأما التواتر فلا يفيد العلم إذا لم ينتبه إلى معلوم محسوس وأما من مدحه فهو أحد رجلين كما مضى عن الفاسي وغيره رجل بلغه زهده وانقطاعه عن الناس ولم يبلغه ما في كلامه من المصائب فالجرح مقدم على ثنائه أو رجل كان يعتقده في الباطن فهو يناضل (1/202)
عن نفسه فلا عبرة به
رأى ابن أيوب في الحلاج وابن عربي
وحدثني الفاضل جمال الدين عبد الله بن الشيخ القدوة زاهد زمانه والمشار إليه بالصلاح والمعارف والورع وحفظ اللسان في أوانه بدمشق الشيخ علي بن أيوب أن أباه الشيخ عليا المذكور كان يجلس في الجامع مطرقا يقيم إحدى رجليه هيئة المستوفز ويضع ذقنه على ركبته فلا يكلم لهيئته فإذا رفع رأسه علم أنه أذن في الكلام فسأله من أراد عما شاء ففعل ذلك يوما فلما رفع رأسه سأله شخص عن ابن عربي هذا فأطرق زمانا طويلا ثم رفع رأسه فقال إنه كفر كفرا ما وافق فيه كفر ملة من الملل بل خرق بكفره إجماع الملل وزاد عليهم
قال الشيخ جمال الدين فحكيت ذلك لبعض من يشار إليه بالعلم والميل إلى ابن عربي فقال والله لو سمع ابن عربي هذا الكلام لقال ما عرفني أحد غير هذا الرجل
قال وسئل والدي أيضا عن الحلاج فقال لا شك أن الحجاج قتل من العلماء خلائق يتعسر حصرهم وشتت شملهم (1/203)
وأبادهم وقتل سعيد بن جبير وأهل الأرض محتاجون إلى علمه وخلعه العلماء وخرجوا عليه وقاتلوه ومع هذا كله لم يقل أحد منهم إنه كافر بل قالوا إنه من عصاة المسلمين لا تحل امرأته لذلك
والحلاج ما تعرض لأحد من أهل العلم بأذى في دنياه وأجمع جميع أهل زمانه منهم على كفره واستباحة دمه فلو كان العلماء يقولون بالهوى لقالوا في الحجاج الذي ما ترك نوعا من الأذى حتى رماهم به فثبت أنهم لا يقولون بالهوى فوجب على الناس اتباعهم وقبول كلامهم وهذا غاية في البيان والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال الشيخ الإمام العلامة الحافظ الضابط المتقن المتفنن أستاذ المفسرين نادرة المحدثين برهان دين العالمين أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط ابن علي ابن أبي بكر البقاعي الشافعي نزيل القاهرة المحروسة فرغت من مسودة هذا الكتاب بحمد الهادي للصواب في شوال سنة أربع وستين وثمانمائة والحمد لله وحده
وفرغ من نسخ هذه النسخة المباركة في وقت العصر من يوم الأربعاء من شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وأربعين وتسعمائة (1/204)
تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/205)
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الهاد لأركان الجبابرة الشداد القامع لأهل الإلحاد بسيوف السنة الحداد
وأشهد أن لا إله إلا الله المفضل الهاد وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي لسائر العباد إلى سبيل الرشاد صلى الله عليه و سلم وعلى آله الخيرة الأمجاد وصحابته الأبطال الأنجاد وسلم تسليما يغلب التعداد ويبقى على مر الآباد
وبعد فهذه رسالة سمتيها تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد أنفذتها إلى العباد في جميع البلاد الراغبين في الاستعداد ليوم المعاد بموالاة أهل الوداد وملاواة الأشقياء الأضداد الضالين بنحلة الاتحاد أرجو أن تكون ضامنة للاسعاد يوم التناد فقلت اعلموا أيها الإخوان الذين هم على البر أعوان حفظكم الله ورعاكم وصانكم من كل سوء وحماكم أنه لا يقدم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا من جعل نفسه هدفا للحتوف وتجرع من مر الكلام ما هو أمر من السهام فإن الناهي عن المنكر يعاني الهوان الأكبر بمعاداة كل شيطان من الإنس والجان يقوم عليه الجيلان ويرشقه بسهام الأذى القبيلان شياطين الإنس ظاهرا بالمقال والفعال وشياطين الجن باطنا بما يوحون إليهم من الضلال (1/207)
آيات سلى الله بها نبيه
ولصعوبة المقام وما فيه من الأخطار والآلام سلى الله نبيه صلى الله عليه و سلم فقال تعالى ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وقال الله تعالى قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وقال تعالى كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون وقال تعالى ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون وقال تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك 63 زين للكافرين ما كانوا يعملون وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون إلى غير ذلك من الآيات والدلالات الواضحات ففي الأنبياء الذين هم أشرف الخلق عليهم أفضل صلى الله عليه و سلم مسلاة لأتباعهم واعتبار بأحوالهم واعتصام وما أتى أحد قط أحدا بمخالفة هواه إلا ساءه وأذاه إلا من عصم الله 87 : 2 أفكلما جاءكم (1/208)
رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وهؤلاء الذين اتسموا بسمة الاتحاد وقد ألفهم الطغام من الأنام لما غروهم به من إظهار التصوف ليأخذوهم من المأمن وما دروا أن الصوفية أشد الناس تحذيرا منهم وتنفيرا للعباد عنهم
الرأي في سلف الصوفية
فإن المحققين منهم والمحققين بنوا طريقهم على الاقتداء بالكتاب والسنة كما نقل القاضي عياض في أوائل القسم الثاني من الشفاء فيما يجب من حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم عن الحسن رحمه الله أنه قال إن أقواما قالوا يا رسول الله إنا نحب الله فأنزل الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله وعنه أنه قال عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة وعن أبي عثمان الحيري أنه قال من أمر على نفسه السنة قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة وقال سهل ابن عبد الله التستري أصول مذهبنا ثلاثة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في الأخلاق والأفعال والأكل من الحلال وإخلاص النية في جميع (1/209)
الأعمال وفي كتب القوم كالرسالةوالعوارف من ذلك شيء كثير والشهادة على من قال الحقيقة خلاف الشريعة بالزندقة وأن الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه و سلم قاله الجنيد وقال أبو عثمان الحيري خلاف السنة في الظاهر علامة رياء في الباطن وقال النووي من ادعى حالا يخرجه من حد العلم الشرعي فلا تقربن منه وقال الخراز كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل وقال القشيري حكم الوقت فيما ليس لله فيه أمر إذ التضييع لما أمرت به والإحالة على التقدير وعدم المبالاة بما يحصل من التقصير خروج عن الدين وقال السهروردي في قوم تسموا (1/210)
بالملامتية إنهم في غرور يزعمون أن الارتسام بالشريعة رتبة العوام وهذا عين الإلحاد وكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة وكذا قال الشيخ 64 عبد القادر الكيلاني وقال القشيري من كان سكره بحظ مشوبا كان صحوه بحظ صحيح مصحوبا ومن كان محقا في حاله كان محفوظا في سكره والعبد في حال سكره يشاهد الحال وفي حال صحوه يشاهد العلم إلا أنه في حال سكره محفوظ لا بتكلفه وفي حال صحوه متحفظ بتصرفه ومن شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما وإنما نقلت هذه النبذة الماضية من الشفاء ليعلم أن طريق (1/211)
الفقهاء هي طريق الصوفية هذا ما بنى عليه الصوفية أمرهم وأما هؤلاء الذين تشبهوا بهم ونبه العلماء حتى الصوفية على أنهم ليسوا منهم ودلسوا على الناس ولبسوا أحوالهم ليقطعوا الطريق على أهل الله وهم يظهرون أنهم منهم
منابذة الصوفية للعقل والشرع
فأول ما بنوا عليه أمرهم ترك العقل الذي بنى الله أمر هذا الوجود على حكمه بشرط استناده إلى النقل الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام لئلا يزل العقل بما يغلبه من الفتور والشهوات والحظوظ وجعل العقل حاكما لا يعزل بوجه من الوجوه في وقت من الأوقات في ملة من الملل وضموا إلى ذلك الداهية الدهياء وهي ترك ما عطر الله ورسوله صلى الله عليه و سلم الكون بمدحه وملأ الوجود بذكر مناقبه وفضائله وهو العلم والشرع (1/212)
وحذروا من اتباع شيء من ذلك غاية التحذير فكانوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وذلك بين جدا في فصوص ابن عربي ونظم تائية ابن الفارض اللذين قصد بهما هدم الشريعة وكل منهما ثابت عمن نسب إليه عند أهله ثبوتا رافعا للريب والتائية متصلة بابن الفارض بالآحاد والتواتر
موقف العلماء من ابن عربي وابن الفارض
وقد كفرهما العلماء بسبب ما نقل عن حالهما وما صدق ذلك من كلامهما
أما ابن عربي فالمتكلمون فيه كثير جدا وكان له علم كثير في فنون كثيرة وله خداع كبير غر به خلقا فأثنى عليه لأجل ذلك ناس من المؤرخين ممن (1/213)
خفي عليهم أمره أطبق العلماء على تكفيره وصار أمرا إجماعيا وأما ابن الفارض فأمره أسهل وذلك أنه لم يوجد لأحد من أهل عصره الخبيرين بحاله ثناء عليه بعدالة ولا ولاية ولا ظهر عنه علم من العلوم الدينية ولا مدح النبي صلى الله عليه و سلم بقصيدة واحدة على كثرة شعره فدل ذلك على سوء طويته ونقل القدح فيه نقلا قطعيا عن محبيه ومبغضيه فقد قال شراح تائية التابعون لطريقته والمنتقدون عليه من أهل السنة إن أهل زمانه كلهم من أهل الشريعة وأرباب الطريقة رموه بالفسق والإباحة والزندقة 65 على الإجمال
المكفرون لابن الفارض
وأما التفصيل والتعيين فقد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالما وهم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا فمن أهل عصره سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام الشافعي والحافظ الفقيه الأصول تقي الدين ابن الصلاح الشافعي والإمام الفقيه المحدث الصوفي قطب الدين القسطلاني الشافعي والإمام نجم الدين أحمد بن حمدان الحنبلي وشرح التائية وبين (1/214)
عواره فيها بيتا بيتا وأبو علي عمر بن خليل السكوني المالكي والشيخ جمال الدين ابن الحاجب المالكي
وممن يليهم قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد الصوفي الشافعي وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز الشافعي وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي والشرف عيسى الزواوي المالكي والسعد الحارثي الحنبلي والإمام أبو حيان الشافعي وأبو أمامة ابن النقاش الشافعي والحافظ شمس الدين الموصلي الشافعي وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي الشافعي وشيخ الفقهاء الزين الكتناني الشافعي والشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي
وممن يليهم الكمال جعفر الأدفوي الشافعي ونقل ذم التائية عن العلماء والبرهان إبراهيم السفاقسي المالكي والشهاب أحمد بن أبي حجلة الحنفي والحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي والحافظ عماد الدين ابن كثير الشافعي
وممن يليهم العلامة شمس الدين محمد العيزري الشافعي وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي وعلامة زمانه علاء الدين محمد البخاري الحنفي الصوفي وكفر بعض من قال بحضرته إن ذلك يؤول وما أنكر عليه أحد ممن كان حاضره من العلماء تكفيره له ولا غيرهم من أهل زمانه من مذهب من المذاهب وما وسع المكفر إلا البراءة من الاتحادية ومذهبهم
وممن يليهم قاضي القضاة ولي الدين العراقي وقاضي القضاة حافظ عصره (1/215)
شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعي وقاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي وقاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي وعلامة اليمن بدر الدين حسين ابن الأهدل الشريف الشافعي الصوفي كما شهد بهذا النقل عنهم نحو عشرين كتابا من مصنفاتهم ومصنفات غيرهم من العلماء وهي شرح التائية لابن حمدان وديباجة ديوان ابن الفارض و لحن العوام لابن خليل وتفسير أبي حيان البحر والنهر والفرقان لابن تيمية وقصيدة السفاقسي التي يقول فيها
وكالششتري القونوي ابن فارض ... فلا برد الله ثراهم ولا أسقى
والقونوي الذي ذكره
صدر الدين 66 صاحب ابن عربي وكتاب ابن أبي حجلة والميزان ولسانه لابن حجر والتاريخ لابن كثير بخطه وناصحة الموحدين للعلاء البخاري والفتاوي المكية للعراقي وتاريخ العينى وشرح التائية للبساطي وكشف الغطاء لابن الأهدل فهذه ستة عشر كتابا وقصيدة شهدت بكفره من بضع وعشرين عالما هم أعيان كل عصر
موقف شيوخ المذاهب من ابن الفارض
وممن كفره قاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي وقاضي القضاة محقق زمانه شمس الدين القاياتي ونادرة وقته عز الدين بن عبد السلام القدسي الشافعي والعلامة علاء الدين القلقشندي الشافعي والشيخ يحيى العجيسي المالكي والعلامة (1/216)
شمس الدين البلاطنيسي الشافعي شيخ الشاميين في وقته وشيخ الإسلام عبد الأول السمرقندي الحنفي ابن صاحب الهداية والعلامة الصوفي كمال الدين ابن إمام الكاملية الشافعي والعلامة شهاب الدين ابن قر الشافعي والعلامة أبو القاسم النويري المالكي كما شهد بذلك الثقات من أصحابهم
فهؤلاء أعيان العلماء في عصر ابن الفارض وفي كل عصر أتى بعده طبقة بعد طبقة إلى وقتنا هذا وقد اجتمع فيهم أهل المذاهب الأربعة التي هي عمدة الإسلام فشهادة هؤلاء العلماء الموثوق بهم حجة على من قال بكفره أما من لم ندركه فبشهادة الكتب الموثوق بصحة نسبتها إلى قائليها وأما من أدركناه فبشهادة الكتب في بعضهم وشهادة الثقاة في باقيهم هذا إلى ما شهدت به شروح التأئية كما يأتي
تواتر نسبة ابن الفارض إلى الكفر
فقد صارت نسبة العلماء له إلى الكفر متواترة تواترا معنويا وقد علم بهذا عذر من كفره لو لم يكن له سند غير هذا فكيف وقد تأيد هذا بما في كلامه وكلام ابن عربي من الطامات التي منها منابذة العقل والشرع كما مضى (1/217)
الضلال عند الصوفية خير من الهدى
أما ما في الفصوص من ذلك فقد قال في الفص النوحي في أثناء تحريفه لسورة نوح عليه السلام التحريف الذي يكفر الإنسان بأدنى شيء فيه وقد أضلوا كثيرا أي حيروهم في تعداد الواحد ولا تزد الظالمين المصطفين الذين أورثوا الكتاب فهم أول الثلاثة إلا ضلالا إلا حيرة فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته وله من و إلى وما بينهما وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه من ولا غاية له فيحكم عليه إلى فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم وقال 22 : 71 ومكروا مكرا كبارا لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ادعوا إلى الله فهذا 67 عين المكر
رب ابن الفارض أنثى
وأما ما في التائية من ذلك فقال فيها مخاطبا لله تعالى كما أجمع عليه شراحه بضمير المؤنث من أولها إلى آخرها وهي نحو سبعمائة بيت ولو خاطب أحد من أهل الزمان غيره بمثل ذلك قاتله لكن الناس لا يحلمون إلا عند حقوق مولاهم سبحانه وأما في حقوقهم فهم في غاية الحدة والمشاححة والله الهادي (1/218)
تفضيل الزنديق نفسه على الرسل
قال
وحزني ما يعقوب بث أقله ... وكل بلا أيوب بعض بليتي
فضله الشارع على من ذكر في البيت كما هو ظاهر العبارة وعلل ذلك بقوله لقوة استعداده فسار في خطوة واحدة مالا يستطيعه غيره إلا في أزمنة طوال
وقال القاضي عياض في أواخر الشفاء من قال صبرت كصبر أيوب إن دريء عنه القتل لم يسلم من عظيم النكال وأقول فكيف إذا فضل نفسه وكذب نحو قوله صلى الله عليه و سلم أشد الناس بلاء الأنبياء
الخلاعة سنة ابن الفارض
قال
وخلع عذارى فيك فرضي وإن أبى اقترابي ... قومي والخلاعة سنتي
وليسوا بقومي ما استعابوا تهتكي ... فأبدوا قلى واستحسنوا فيك جفوتي
وأهلي في دين الهوى أهله وقد ... رضوا لي عاري واستطابوا فضيحتي
فمن شاء فليغضب سواك فلا أذى ... إذا رضيت عني كرام عشيرتي (1/219)
ذللت بها في الحي حتى وجدتني ... وأدنى منال عندهم فوق همتي
وأخملني وهنا خضوعي لهم فلم ... يروني هوانا بي محلا لخدمتي
ومن درجات العز أمسيت مخلدا ... إلى دركات الذل من بعد نخوتي
فلا باب لي يغشى ولا جاه يرتجى ... ولا جار لي يحمي لفقد حميتي
كأن لم أكن فيهم خطيرا ولم أزل ... لديهم حقيرا في رخائي وشدتي
فحالي بها حال بعقل مدلة ... وصحة مجهود وعز مذلة
أسرت تمني وصلها النفس حيث لا ... رقيب حجا سرا لسري وخصت
يغالط بعض عنه بعضي صيانة ... وميني في إخفائه صدق لهجتي
أجمع شراح التائية على أن المراد بالأبيات التسعة الأولى أن طريقة هتك أستار الحرمة والخرق في بعض النواميس الإلهية وتخليته الناس مع ربهم من غير أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ورضاه بكل ما يقع منهم لشهوده الأفعال (1/220)
كلها الواحد الحقيقي الظاهر في صور الكثرات وعدم الالتفات إلى المترسمين من الزهاد العباد وكسر نواميسهم والرد عليهم وعدم التقييد بظواهر العلوم والاعتقادات فحملهم ذلك على أن رموه بالفسق والبدعة والكفر والإباحة والزندقة والخروج عن طريقهم فذل بين حي أهل الشريعة والطريقة وأجمعوا على أن المراد من الثلاثة 68 الأخرى أن نفسه أسرت تمني الوصل وتحققها بحقيقته حتى غاب عنها رقيب العقل خوفا من اطلاعه على ذلك فيغلب عليه حكم التنزيه فيقوم بالمنع والتشنيع فيقول ما للراب ورب الأرباب وأنه بالغ في الإخفاء خوفا من أن يتنبه العقل فيقوم يشنع وينكر فصار كل واحد من الصفات يغالط الآخر وكذبه في هذا صدق لهجته
وقال بعد ذلك بكثير
ولا استيقظت عين الرقيب ولم تزل ... علي بها في الحب عيني رقيبتي
قال التلمساني يعني لما سكرت روحي ونامت عين الرقيب وهو الشرع والعقل أقمت عيني رقيبة علي لرعاية آداب حضرة المحبوبة
ذمه للرسل وللشرائع
وقال في ذم الشرع أيضا (1/221)
منحتك علما إن ترد كشفه فرد ... سبيلي واشرع في اتباع شريعتي
فنبع صداء من شراب نقيعه ... لدي فدعني من سراب بقيعة
ودونك بحرا خضته وقف الأولى ... بساحله صونا لموضع حرمتي
قال الشراح إن معنى ذلك أنه منح أتباعه علما كماء صداء وهو ماء يضرب به المثل في الغزارة والعذوبة ونهى عن متابعة غيره من علماء الظاهر من الأصوليين والفلاسفة والفقهاء وغيرهم من أهل العلوم الفكرية فإنها تغر السامع وهي كسراب بقيعة ليست شيئا وأنه خاض بحر التوحيد وأخرج منه ما لم ينله أحد من السابقين من الأنبياء والأولياء لوقوفهم في ساحل ذلك البحر لأجل حفظ حرمته ثم خادعوا بأن قالوا قال هذا على لسان الحضرة المحمدية إذ كمال التوحيد مختص بمقام جمعه والكمل والتابعين إياه انتهى
وقد وقع من شرحه بذلك مع الحيدة عما لا محيد عنه في الكفر من (1/222)
جهة أخرى وهي أنه يلزم منه تفضيل أتباع النبيA على الأنبياء الماضين عليهم السلام
يفضل أتباعه على الرسل وزندقته على شرعة الله
ومن نمطه لكونه لا ينفك عن كفر قوله عقبه
وأصغر أتباعي على عين قلبه ... عرائس أبكار المعارف زفت
فإن سيل عن معنى أتي بغرائب ... من الفهم جلت أو عن الوهم دقت
فإنه لا يصح على لسانه ولا لسان غيره
ثم قال في ذم الشرع والعلم
ولاتك ممن طيشته دروسه ... بحيث استقلت عقله واستفزت
فثم وراء النقل علم يدق عن ... مدارك غايات العقول السليمة
تلقيته مني وعني أخذته ... ونفسي كانت من عطائي ممدتي (1/223)
قالوا في معناه لا يستخفنك كثرة دروس العلوم النقلية فوراءها علم مكنون أخذت ظاهره من حسي وباطنه من عقلي وسره من روحي ومكنونه من سري من حيث أن كل واحد منها عيني وذاتي ولا وصف ولا نعت زائد علي حاكم بمغايرتي وغيريتي إياها فكنت المعطي وكنت المعطى وكنت الممد وكنت المستمد والفاعل والقابل
هذا أمرهم 69 في الانسلاخ من العقل
الصلة بين التصوف والنصرانية
وقد شهد عليهم العلماء بذلك قال العلامة قاضي القضاة شمس الدين البساطي في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة من الكتاب الثاني في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة من المسلمين نشأوا في الابتداء على الزهد والعبادة إلى أن قال ولهم في ذلك أي الاتحاد بالمعنى الذي قالته النصارى كلمات يعسر تأويلها بل منها ما لا يقبل التأويل ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا أن يقربوا من المعقول ازدادوا بعدا حتى أنهم استنبطوا قضية حلت لهم الراحة وقنعوا في مغالطة الضرورة بها بالمغيب وهي أن ما هم فيه ويزعمونه وراء طور العقل وأنه بالوجدان يحصل ومن نازعهم محجوب مطرود عن الأسرار الإلهية وهكذا قال الشيخ سعد الدين في شرح المقاصد والشريف في شرح المواقف
ادعاؤه الربوبية
ولما تمهد له في زعمه ادعى أنه الله عنادا لقوله تعالى 17 : 5 لقد كفر (1/224)
الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقوله تعالى 31 : 9 اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وقوله تعالى 31 : 19 هل تعلم له سميا ولأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتاله لكل من سمى شيئا غير الله إلها فقال شعر
فبي دارت الأفلاك فأعجب لقطبها ... المحيط بها والقطب مركز نقطتي (1/225)
فمن قال أو من طال أو صال إنما ... يمن بإمدادي له برقيقة
وما سار فوق الماء أو طار في الهوا ... أو اخترق النيران إلا بهمتي
وعني من أمددته برقيقة ... تصرف عن مجموعة في دقيقة
ومني لو قامت بميت لطيفة ... لردت إليه نفسه وأعيدت
ولا تحسبن الأمر عني خارجا ... فما ساد إلا داخل في عبودتي
فلا حي إلا عن حياتي حياته ... وطوع مرادي كل نفس مريدة
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ... شهود ولم تعهد عهود بذمة
ولا قائل إلا بلفظي محدث ... ولا ناظر إلا بناظر مقلتي
هذا لا يصح كونه عنه ولا عن الله
زعمه أن صفات الله عين صفاته
ويقول أيضا أن الله يتحد به بحيث يصير الذاتان ذاتا واحدة فمن ذلك قوله
ولا منصت إلا بسمعي سامع ... ولا باطش إلا بأزلي وشدتي
ولا ناطق غيري ولا ناظر ولا ... سميع سوائي من جميع الخليقة (1/226)
وهأنا أبدي في اتحادي مبدئي ... وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي
جلت في تجليها الوجود لناظري ... ففي كل مرئي أراها برؤية
وأشهدت غيبي إذ بدت فوجدتني ... هنالك إياها بجلوة خلوتي
فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفها ... وهيئتها إذ واحد نحن هيئتي (1/227)
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادى أجابت من دعاني ولبت
وإن نطقت كنت المناجى كذاك إن ... قصصت حديثا إنما هي قصت
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
فإن لم يجوز رؤية اثنين واحدا ... حجاك ولم يثبت لبعد تثبت
سأجلو إشارات عليك خفية ... بها كعبارات لديك جلية
وأثبت بالبرهان قولي ضاربا ... مثال محق والحقيقة عمدتي
بمتبوعة ينبيك في الصرع غيرها ... على فمها في مسها حين جنت
ومن لغة تبدو بغير لسانها ... عليه براهين الأدلة صحت
وفي العلم حقا أن مبدي غريب ما ... سمعت سواها وهي في الحس أبدت (1/228)
قال الإمام شمس الدين البساطي في شرح هذه الأبيات ومن ظن هذا برهانا فجنونه أعظم من جنون المتبوعة وقال قبل ذلك
زعمه أن الله سبحانه يصلي له
ولا غرو أن صلى الأنام إلى أن ... ثوت بفؤادي وهي قبلة قبلتي
لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
ثم قال بعد ذلك وفارق ضلال الفرق فالجمع منتج ... هدى فرقة بالاتحاد تحدت (1/229)
رب الصوفية في صور العاشقات
وصرح بإطلاق الجمال ولا تقل ... بتقييده ميلا لزخرف زينة
بها قيس لبنى هام بل كل عاشق ... كمجنون ليلى أو كثير عزة
فكل صبا منهم إلى وصف لبسها ... بصورة حسن لاح في حسن صورة
وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر ... فظنوا سواها وهي فيها تجلت
ففي النشأة الأولى تراءت لآدم ... بمظهر حوا قبل حكم الأمومة
فهام بها كيما يصير بها أبا ... ويظهر بالزوجين سر النبوة
انظر إلى هذا التجاسر مع الكفر على صفي الله آدم عليه السلام في وصفه (1/230)
بالهيام بالذات الأقدمين كما لا يخفى ولما لا يخفى
وما برحت تبدو وتخفى لعله ... على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال حسن بديعة
ففي مرة لبنى وأخرى بثينة ... وأونة تدعى بعزة عزت
ولسن سواها لا ولا كن غيرها ... وما إن لها في حسنها من شريكة
كذاك بحكم الاتحاد لحسنها ... كما لي بدت في غيرها وتزيت
بدوت لها في كل صب متيم ... بأي بديع حسنه وبأيت
وليسوا بغيري في الهوى لتقدم ... علي بسبق في الليالي القديمة
وما القوم غيري في هواي وإنما ... ظهرت بهم للبس في كل هيئة (1/231)
ففي مرة قيسا وأخرى كثيرا ... وآونة أبدو جميل بثينة 71
تجليت فيهم ظاهرا واحتجبت ... باطنا بهم فاعجب لكشف بسترة
وهن وهم لا وهن وهم مظاهر ... لنا بتجلينا بحب ونضرة
فكل فتى حب أنا هو وهي ... حب كل فتى والكل أسماء لبسة
أسام بها كنت المسمى حقيقة ... وكنت لي البادي بنفس تخضت
وما زلت إياها وإياي لم تزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
وليس معي في الملك شئ سواي ... والمعية لم تخطر على ألمعيتي (1/232)
فهذا ظاهر في إرادة الاتحاد بحيث أن الذاتين تكونان ذاتا واحدة لا شبهة فيه أصلا
ثباته على اعتقاد الوحدة
ثم قال في إثباته ونفي الحلول
رجعت لأعمال العبادة عادة ... وأعددت أحوال الإرادة عدتي
وعذت بنسكي بعد هتكي وعدت من ... خلاعة بسطي لانقباض بعفتي
وصمت نهاري رغبة في مثوبة ... وأحييت ليلي رهبة من عقوبة
وعمرت أوقاتي بورد لوارد ... وصمت لسمت واعتكاف لحرمة
وبنت عن الأوطان هجران قاطع ... مواصلة الأحباب واخترت عزلتي
ودققت فكري في الحلال تورعا ... وراعيت في إصلاح قوتي وقوتي
وأنفقت من يسر القناعة راضيا ... من العيش في الدنيا بأيسر بلغة
وهذبت نفسي بالرياضة ذاهبا ... إلى كشف ما حجب العوائد غطت
وجردت في التجريد عزمي تزهدا ... وآثرت في نسكي استجابة دعوتي
متى حلت عن قولي أنا هي أو أقل ... وحاشا لمثلي أنها في حلت
جميع هذه الأفعال التي هي محاسن الشريعة جعلها نقائض ودعا على نفسه بها إن ادعى الحلول أو حال عن دعوى الاتحاد (1/233)
استدلاله على زندقته
ثم قال بعد هذا بكثير في أواخر القصيدة دالا على مذهبه فيما زعم
وجاء حديث في اتحادي ثابت ... روايته في النقل غير ضعيفة
يشير بحب الحق بعد تقرب ... إليه بنفل أو أداء فريضة
وموضع تنبيه الإشارة ظاهر ... بكنت له سمعا كنور الظهيرة
قال شارحه إن الحب ميل باطني أثره رفع امتياز المحب والمحبوب ورفع ما بينهما والمحب عين الحضرة الإلهية والمحبوب ظهور كماله الذاتي والأسمائي ولن يصح لقبول هذا الظهور المحبوب منصة إلا الحقيقة الإنسانية صورة ومعنى لكمال جمعيتها وتتميمها دائرة الأزلية والأبدية والحديث المشير بهذا الاتحاد لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ولسانا ورجلا وعبارة التلمساني في مقدمة شرحه نص (1/234)
في المراد وهي فالسمع والبصر وغيرهما من الصفات في أي موصوف كان هو الله حقيقة وسيأتي كلام القشيري 72 والسهروردي أن هذا زندقة وساق ابن الفارض بعد الأبيات الماضية ما زعم أنه يدل على دعواه الاتحاد وأنه إذا دل على ذلك انتفى الحلول فقال
ولست على غيب أحيلك لا ولا ... على مستحيل موجب سلب حليتي
وكيف وباسم الحق ظل تحققي ... تكون أراجيف الضلال مخيفتي
وها دحية وافى الأمين نبينا ... بصورته في بدء وحي النبوة (1/235)
أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا ... لمهدي الهدى في هيئة بشرية
وفي علمه عن حاضريه مزية ... بماهية المرئي من غير مرية
يرى ملكا يوحى إليه وغيره ... يرى رجلا يرعى لديه لصحبة
ولي من أصح الرؤيتين إشارة ... تنزه عن رأي الحلول عقيدتي
يدين بتلبس الله بصورة خلقه
قالوا إن المراد كما هو ظاهر جدا أن جبريل عليه السلام ظهر في صورة دحية من غير حلول فيه ولأجل ظهوره كذلك ادعى أن الله تعالى تجلى بصورة الناظم لم يدع حلوله فيه (1/236)
قال البساطي لكن دعوى تجلى الله بصورة ما مكفر بها شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به وإن لم يكن حلولا
ثم قال دالا على أن ما قاله بزعمه في الكتاب والسنة
وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة
وشرحه الشراح كلهم بقوله تعالى في الكتاب العزيز 30 : 28 نودى من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله (1/237)
وقوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (1/238)
وقوله تعالى يد الله فوق أيديهم وفي السنة حديث الإتيان في الصورة التي تنكر يوم القيامة ثم في الصورة التي تعرف
ثم قال فعلم أنه تعالى يتلبس بأي لباس صورة شاء مما يعرف ومما ينكر من غير حلول فكان ظهوره بصورتي جائزا من غير حلول فصح بهذا دعوى اتحادي مع نفي الحلول
انتهى وليس وراءه تصريح بالكفر
نسأل الله العافية
وقالوا في شرح البيت الثاني إن الحق من أسماء الذات ومن اتصف بأسماء (1/239)
الذات أعلى ممن اتصف بأسماء الصفات وقد أخبر عن اتصافه باسم الحق وهو الثابت بذاته المثبت لغيره فلا يمكن أن يتغير عما ذهب إليه
رأى القشيري والسهروردي
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في شرحه للأسماء الحسنى إن العبد لا يجوز أن يتصف بصفات ذات الحق كما زعم بعضهم أن العبد يكون باقيا ببقاء الحق سميعا بسمعه بصيرا ببصره وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية وهذه البدعة أشنع من قول النصارى إن الكلمة القديمة اتحدت بذات عيسى عليه السلام وهي توازي قوله 73 الحلولية
وقال السهروردي في الباب الحادي والستين من عوارفه في الكلام على المحبة ما حاصله إن المحبة التخلق بأخلاق الله ومن ظن من الوصول غير ما ذكرنا أو تخايل له غير هذا القدر فهو متعرض لمذهب النصارى في اللاهوت والناسوت وقال علم البقاء والفناء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة
وحدة الأديان عند ابن الفارض
وعلى هذا الأصل المخبث الخبيث وهو الاتحاد بين جميع الكائنات (1/240)
وأنه لا غير ولا غيريه في شئ من الوجود فرع صحة كل دين لأن الفاعل عنده إنما هو الله فأبطل دين الإسلام القائل بأن كل ما عداه باطل فصار المحامي له خاذلا لمن ينصره فإن من كفر ابن الفارض ساع جهده في نصر دين الإسلام وتأييد النبي صلى الله عليه و سلم وأغلب المحامين له يعتقدون أن دين الإسلام القائل بضلال ما عداه هو الحق ويسعون في نصر من يصوب كل ملة ويصحح كل نحلة وهم لا يشعرون أنه قال في تصويب جميع الأباطيل شعر
شعره في وحدة الأديان
وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار من ألف حجة
فما عبدوا غيرية وإن كان قصدهم ... سواي وإن لم يعقدوا عقد نيتي
رأوا ضوء نورى مرة فتوهموه ... نارا فضلوا في الهدى بالأشعة
وإن خر للأحجار في البد عاكف ... فلا وجه للإنكار بالعصبية
فقد عبد الدينار معنى منزه ... عن العار بالإشراك بالوثنية (1/241)
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد ... فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه ... يناجي بها الأحبار في كل ليلة
وما احتار من للشمس عن غرة صبا ... وإشراقها من نور إسفار غرتي
وقد بلغ الإنذار عني من بغى ... وقامت بي الأعذار في كل فرقة
فما زاغت الأبصار من كل ملة ... ولا راغت الأفكار في كل نحلة
قال شراحه إنه مهد في هذه الأبيات أعذار كل فرقة وأن كل صاحب ملة ونحلة وإن بطل سعيه على نصيب من الهدى فعباد النار غير مؤاخذين من جميع الوجوه بل من وجه دون وجه ولا لوم على أحد بل لكل واحد وجه ومحمل خير يحمل عليه فكل يعمل على شاكلته وكذا عابد الأصنام
قالوا لا تنكر عليه فإن أنكرت لم يكن إنكارك إلا تعصبا لأنك لا تنكر على المقبل على الدنيا مع أنه أقوى شركا من عابد الصنم وقالوا كما أن القرآن نور المساجد فكذلك الإنجيل نور المعابد وقالوا نحو هذا في التوراة وفي عابد الشمس إنه بإثباته عين الألوهية لم يكن ناقصا فقام له عذر من وجه من الوجوه وذلك كاف للكريم ولا يقول بشئ من هذا مسلم
معاندته للتوحيد الحق
وقد عاند التوحيد الحق في قوله (1/242)
ولو أنني وحدت ألحدت وانسلخت ... من آي جمعي مشركا بي صنعتي
قالوا في شرحه لو أنني أثبت وحدة الذات الحق المطلوب المحبوب ونفيت كثرة نسبه عنه كما أثبتت ونفت المنزهة وبعض الفلاسفة لكنت مائلا عن سنن الاستقامة لأني أثبت لنفسي وغيري وجودا يقابل وجود الحق وهذا عين الإلحاد والشرك فليس وراء هذا كفر فإن كان هذا مما يفهمه المنازع كما يفهم الذاب عن الشارع فقد علم منابذته لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم وإن كان لا يفهمه ويدعي أن له معنى حسنا فيكفيه أنه يخوض بالجهل فيما هو أخطر الأشياء وهو أصول الدين الذي في الزلة فيه ذهاب الروح والدين وهو معاند بمنازعته لقوله تعالى 66 : 3 هأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 : 7 قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها (1/243)
وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 36 : 17 ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا
ويكون تابعا لمجرد العصبية وحمية الجاهلية مع أنك لا تجد من يحامي عنه إلا منهمكا في الفسوق والبغي والعقوق أو قريبا منه تبعا له في قوله
دعوته إلى المجون
وينبيك عن شأني الوليد وإن نشأ ... بليدا بإلهام كوحي وفطنة
ويعرب عن حال السماع بحاله ... فيثبت للرقص انتفاء النقيصة
ولا تك باللاهي عن اللهو جملة ... فهزل الملاهي جد نفس مجدة
وإياك والإعراض عن كل صورة ... مموهة أو حالة مستحيلة
قالوا في شرحه إن الطفل يبين بحاله من الإصغاء إلى المناغي عن حال أهل السماع والرقص فيثبت بهذا انتفاء النقص خلافا لما قاله المحجوبون ولما كان سماع الطفل ورقصه بريا عن الشهوة والرئاء كان معربا عن صحة حال سماع الواجدين ورقصهم وهزل الملاهي جد نفس مجدة فلا تكن غافلا (1/244)
عنه فإنه فائض من الأسماء الإلهية وما يفيض عن الحق إلا ما هو حق لا باطل
الباطل إله الصوفية
ولذلك قال ابن عربي لا تنكر الباطل في طوره فإنه بعض ظهوراته فقد أفاد هذا أنهم يعتقدون أن الباطل هو الله ولو لم يكن في هذا إلا أنه يدعو إلى البطالة والخلاعة والضلالة لكان كافيا في استهجانه 75 ومنابذته للدين
وقد نقل شيخنا حافظ العصر ابن حجر في لسان الميزان أنه كان لهذا الناظم جوار في البهنسة موظفات للغناء والضرب بآلات الملاهي وكلما ماتت واحدة منهن اشترى بدلها أخرى وكان يذهب إليهن في بعض الأوقات فيسمعهن ويرقص على غنائهن ويرجع
المناضل عن ابن الفارض
فالمناضل عنه مسارع إلى شكله ومضارع لمن كان فعله كفعله كما قال علي (1/245)
رضي الله عنه بعد قدومه الكوفة بثلاثة أيام قد عرفنا خياركم من شراركم قالوا كيف ومالك عندنا إلا ثلاثة أيام قال كان معنا خيار وشرار فانضم خيارنا إلى خياركم وشرارنا إلى شراركم وحديث الأرواح جنود مجندة الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أعدل شاهد لذلك ويتعين على كل مسلم إنكار ما أنكره الشرع من مثل هذا
قوله يوجب إراقة دمه
وقد اعترف هو أن ما قاله موجب لإراقة الدم وأنه قاله في الصحو والإفاقة لا في السكر والجذبة فقال
وثم أمور تم لي كشف سترها ... بصحو مفيق عن سواي تغطت
بها لم يبح من لم يبح دمه وفي الإشارة ... معنى ما العبارة حدت
قالوا في شرحه أي انكشفت لي أمور وأسرار بواسطة الصحو الذي حصل لي بعد السكر والإفاقة وهي متغطية عن غيري من المحجوبين ولم يظهر تلك الأسرار إلا من أباح دمه للمحجوبين فإنهم يقتلون العارفين الذين باحوا بأسرار التوحيد وصرح بأن ما بقوله حقيقة لا مجاز فقال
عليها مجازي سلامي فإنما ... حقيقته مني علي تحيتي (1/246)
قال الشراح أي على حضرة المحبوبة سلامي في قولي التحيات إلى آخره مجاز لأنها عيني لا غيري فحقيقة السلام مني وإلي وقد مثلوا كون التشخص مجازيا والإطلاق حقيقيا بأن الروح الكلي الذي هو الإله عندهم كالبحر والأشخاص الناشئة منه مثل البخار الصاعد من صورته البخارية ثم في صورة السحابية ثم يرجع إلى الماء ويختلط بالبحر فيصير إياه وهو بخار وسحاب حقيقة وتلك الصورة العارضة مجاز
فأين هذا الانهماك في اللذة قولا وفعلا والانقياد للهوى عقدا وحلا من رتبة الولاية التي يدعيها المتعصبون له التي من شرطها الإعراض عن الانهماك في اللذات الدنيوية ومن رتبة الولاية التي يدعيها هو (1/247)
ومن هنا تعلم أنهم لا أرضوه ولا أرضوا الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ولا أحدا من المؤمنين فإنه هو لا يرضى إلا أن يكون خليعا وهم يقولون متقيد وهو يقول إن ما قاله مبيح للدم وهم يقولون لا يبيحه وهو يقول إنه عاقل صاح وهم يقولون مجنون 76 سكران وهو يقول إن ما قاله حقيقة وهم يقولون مجازا ولا يقدرون على تخريجه على المجاز وهو لا يرضى إلا أن يكون هو الله وينهى عن ذكره بغير لماذا يزجر عن تكنيته بكنية أو تلقيبه بلقب
وألغ الكنى عني ولا تلغ ألكنا ... بها فهي من آثار صيغة صنعتي
وعن لقبي بالعارف ارجع فإن ترى ... التنابذ بالألقاب في الذكر تمقت
قال شراحها أي أسقط الكنى عني ولا تستعمل اللغو في إطلاقها على حال كونك عييا عن الكلام في تعريف مقامي فإنها من آثار مصنوعاتي إذ الإنسان صاغها وهو من جملة مصنوعاتي التي أوجدتها وارجع عن إطلاقك علي اسم العارف لاتحادي بذات من لا يطلق عليه هذا الاسم
فلم يدع جهدا في زجرهم عن تسميته بالعارف ولم يدع النبي صلى الله عليه و سلم لبسا في أمرهم بتكفيره وهم يعصون كلا من الأمرين (1/248)
ولا يرجعون عن شئ من المنهيين فيا خسارتهم بما ضروا به أنفسهم فيما لا ينفعهم كما قال تعالى فيمن يعبد الله على حرف يدعو من دون الله مالا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير
زعمه أنه عرج إلى السماء
وادعى العروج إلى الله والوصول إلى مقام أو أدنى فقال ومن أنا إياها إلى حيث لا إلى ... عرجت وعطرت الوجود برجعتي قالوا في شرحه عرجت من مقام أنا إياها وهو ابتداء الاتحاد ومن قولهم أنا الحق ولا إله إلا أنا فاعبدني إلى أن وصلت إلى مقام لا نهاية فيه وعطر الوجود برجوعه لاتصافه بصفات الرحمن واتحاده بذات الملك الديان (1/249)
والبيت الذي بعده أشد كفرا ثم قال
ولى عن مفيض الجمع عند سلامه ... علي بأو أدنى إشارة نسبة
قالوا في شرحه إنه لما فنى في النبي صلى الله عليه و سلم ثم بقي به حصة بمشاركته في قبول عين السلام من حيث عين ذلك المقام وهو مقام أو أدنى (1/250)
فإنه جل جناب هذا المقام من أن يطلع عليه إلا واحد بعد واحد فالواحد السابق هو صلى الله عليه و سلم والواحد اللاحق به أنا إن شاء الله تعالى من جهة غرقي في لجيته انتهى
وقال عياض في أواخر الشفاء وكذلك أي يكفر من ادعى مجالسة الله تعالى والعروج إليه ومكالمته أوحلوله في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة
لا شئ على من يكفر ابن الفارض
وأما من أنكر عليه لأمثال ما رأيته من الألفاظ الصريحة بالنص في الكفر فلا شئ عليه بإجماع المسلمين بقاعدة من كفر مسلما متأولا فلا أضل ممن ترك طريقا مضمون السلامة واتبع طريقا أخف أحواله أنه مظنون العطب والملامة 77 ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح على تقدير تسليم أن يكون لهم فيما هم فيه مصلحة وليس فيه والله مصلحة بوجه فقد اعترف كل من يحامي له أن ظاهر كلامه منابذ للكتاب والسنة وإلا لما احتاجوا إلى ادعاء تأويله مع أن الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ما سلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم ومنع منه رضي الله عنه وأرضاه وأهلك كل (1/251)
من خالفه وأرداه وبسيف الشرع قتله وأخزاه فقال فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من صحيحه إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شئ والله يحاسبه في سريرته
ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة
وقد أخذ هذا الأثر الصوفية وأصلوا عليه طريقهم
منهم صاحب العوارف استشهد به في عوارفه وجعله من أعظم معارفه فمن خالف الفاروق رضي الله عنه كان أخف أحواله أن يكون رافضيا خبيثا وأثقلها أن يكون كفارا عنيدا وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه ظاهرا هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح وهو ما قابل النص والكناية والتعريض وقد تبع الفاروق رضي الله على ذلك بعد الصوفية سائر العلماء لم يخالف منهم أحد كما نقله إمام الحرمين عن الأصوليين كافة وتبعه الغزالي وتبعهما الناس
وقال الحافظ زين الدين العراقي أنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح وكذا قال الإمام أبو عمر وابن عبد البر في التمهيدوأصله إمامنا الشافعي رضي الله عنه في كتاب (1/252)
الرسالة لقول النبي صلى الله عليه و سلم إنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته فأقضي له الحديث رواه الستة عن أم سلمة رضي الله عنها في أمثال كثيرة وقال الأصوليون كافة التأويل إن كان لغير دليل كان لعبا وما ينسب إلى بعض المذاهب من تأويل ما هو ظاهر في الكفر فكذب أو غلط منشؤه سوء الفهم كما بينت ذلك بيانا شافيا في غير هذه الرسالة وإنما أولنا كلام المعصوم لأنه لا يجوز عليه الخطأ وأما غيره فيجوز عليه الخطأ سهوا وعمدا
المتوقف في تكفير الصوفية
ولا يسع أحدا أن يقول أنا واقف أو ساكت لا أثبت ولا أنفي لأن ذلك يقتضي الكفر لأن الكافر من أنكر ما علم من الدين بالضرورة
ومن شك في كفر مثل هذا كفر 78 ولهذا قال ابن المقري في مختصر الروضة من شك في اليهود والنصارى وطائفة ابن عربي فهو كافر
وحكى القاضي عياض في الباب الثاني من القسم الرابع من الشفاء الإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى واليهود وكل من فارق (1/253)
دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك قال القاضي أبو بكر لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم فمن وقف في ذلك فقد كذب النص أو التوقيف أو شك فيه والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر انتهى
وقال الإمام حافظ الدين النسفي في كتابه العمدة في أصول الدين التوقف باطل لاقتضائه الشك والشك فيما يفترض اعتقاده كالإنكار ومن العجب أنهم يعاندوننا لأننا لا نؤول لمن يجوز عليه الزلل وينصرون من يتعصبون له وهو لا يؤول المتشابه من كلام المعصوم بل يجريه على ظاهره خلافا لإجماع الأمة مع تأدية ذلك إلى إبطال الشرع ويدعون (1/254)
الإسلام فما أحقهم بقوله تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل له فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء إلى هذا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم وكلام حملة شريعته من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم دعونا 22 : 41 ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين
الرأي في شعر ابن الفارض
وأما المحامون له فإنهم داعون إلى شاعر لم يؤثر عنه قط شئ غير ديوان شعر لم يمدح النبي صلى الله عليه و سلم فيه بقصيدة واحدة بل هو كفر وضلالة وخلاعة وبطالة وقد علم ذم الله وذم رسوله صلى الله عليه و سلم للشعر والشعراء إذا كان حالهم مثل هذا كما قال تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وقال النبي صلى الله عليه و سلم كما رواه الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا وذلك إذا انفرد بالشعر (1/255)
كهذا الرجل فإنه ليس له شئ ينفع الدين أصلا وليس له من الشعر إلا ما عادى به الإسلام وأهله وأذاهم غاية الأذى وأوقع به بينهم العداوة والبغضاء لأنه ملأه كفرا وخلاعة وصدا عن الدين وشناعة فقد حاد به الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وقد قال تعالى 22 : 58 لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله 79 ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشريتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه
فنحن في غاية السلامة إن شاء الله تعالى لما قدمت
وأما من يحامي عنه فهو دائر بين اعتقاد ما تضمنه كلامه وذلك هو الكفر الموجب للسيف في الدنيا والخلود في النار في الأخرى وبين الذب عنه مع الجهل لما قال وذلك موجب لموادة من حاد الله ورسوله صلى الله عليه و سلم الموجبة لعداوتهما الجارة إلى كل شقاء (1/256)
تواتر الخبر بتكفير العلماء له
هذا مستندنا وهو قطعي من جميع وجوهه تواتر لنا تواترا معنويا نسبة العلماء له إلى الكفر وتواترا حقيقيا أن التائية نظمه ونحن على القطع بأنها صريحة في القول بالاتحاد بالذات والصفات وما يتبع ذلك من تصويب جميع الملل والنحل إن لم يكن نصا فيه وعلى القطع بأن ذلك كفر والقائل به كافر وقد انتقيت من التائية ما يقارب أربعمائة وخمسين بيتا شهد شراحها البررة والكفرة أن مراده منها صريح الاتحاد وما تفرع عليه من تصويب جميع الأباطيل في مجلد سميته الفارض (1/257)
لا عبرة بقول حفيد ابن الفارض
ولا مستند لمن ينابذنا إلا ما أثبته ابن بنته في ديباجة الديوان من الزور والبهتان وهو نكرة لا يعرف ولو أنه شهد على أحدهم بدينار لم تقبل شهادته حتى يعدله العدول الموثوق بهم ولا معدل له ولا لجده ممن هو خبير بحالهما أصلا فصار المحامون له لا مستند لهم إلا سند قريش في منابذة النبي صلى الله عليه و سلم في التوحيد حين قالوا 32 : 45 إن نظن إلا ظنا وما نخن بمستيقنين 7 : 38 ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق 22 : 43 إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون 104 : 5 وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون 30 : 7 إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون
وكل من هكذا يوشك أن يقول عند سؤال الملكين في قبره ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المنافق أو المرتاب هاه هاه لا أدري سمعت (1/258)
الناس يقولون شيئا فقلته على أنه لو ثبت ما في ديباجة الديوان لم يفد ولاية فإن العلماء قسموا الخوارق إلى معجزة وكرامة ومعونة وإهانة
وأشار إلى ذلك الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر انظر إلى ما ورد للدجال من الخوارق وهو أكفر الكفرة
بم يكون الإنسان وليا
إنما يفيد الولاية بذل المجهود في متابعة النبي صلى الله عليه و سلم فمن بذل جهده في 80 اتباع السنة قلنا إنه ولي فإن خيل بعض المحلولين منهم أحدا ممن ظهر له الحق بقوله التسليم أسلم فليقل له هذا خلاف ما أمر به صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم في الكتاب والسنة من جهاد أعداء الله والبغض في الله من ذلك حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتفق عليه في تسليته عن التخلف عن أصحابه بمكة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون على أن التسليم لأهل الشريعة وأهل الطريقة المجمع عليهم الذين رموا هذا الرجل بالكفر ورأسهم الفاروق رضي الله عنه بمنعه من التأويل أجدر بإيجاب السلامة وقد قال الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما (1/259)
إن لم تكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي نقله عنهما النووي في تبيانه عن الخطيب البغدادي ودليله إنما يخشى الله من عباده العلماء ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون فقد أرشد الله تعالى إلى أن الولي هو العالم وأن العالم هو العامل بعلمه
دفاع وادعاء
وإن قالوا أنت تبغض الصوفية فقل هذه مباهتة إنما أبغض من كفره من أجمعنا على أنهم صوفية مثل الجنيد وسري وأبي يزيد (1/260)
وأبي سعيد الخراز والأستاذ أبي القاسم القشيري والشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ شهاب الدين عمر السهروردي صاحب العوارف فإن بعضهم قال طريقنا مشبك بالكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا وبعضهم جعل أثر عمر رضي الله عنه أصلا وبنى عليه طريقهم وبعضهم قال من قال إن الشريعة خلاف الحقيقة فهو زنديق ومن قال إن المراد بمحبة الله تعالى ووصوله إليه غير كمال المتابعة للكتاب والسنة أو بمحبة الله غير إكرامه بحسن الثواب فهو زنديق إلى غير ذلك مما حدوه فتعداه من عاديتمونا بسببهم (1/261)
بل أنتم بعد بغضكم للصوفية نابذتم رسول الله صلى الله عليه و سلم بموالاتكم من نابذ شريعته ونحن نذب عنها وأنتم تناضلون عمن يهدمها من غير فائدة في ذلك وتقولون إنهم أرادوا بكلامهم الذي ظاهره قبيح غير ظاهره ولو قال أحد من الناس لأحد منكم كلمة توهم نقصا كالعلق الذي قال أهل اللغة أن معناه الشئ النفيس عاداه وإن حلف له أنه ما قصد ذما وإن كرر ذلك كانت القاصمة فتحرر بذلك أن نابذتم أهل الدين من الفقهاء والصوفية المجمع (1/262)
عليهم بالتأويل في جانب الله تعالى ومنعتم مثله في حقكم فأف لهذا عقلا فكيف بالنظر إلى الدين
وجوب الكشف عن زندقة الصوفية وبيانها
وإن قالوا لا تجرب بالإنكار عليه في نفسك فليقل وإن تركت الإنكار عليه كنت أيضا مجربا في نفسي بمنابذة رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله صلى الله عليه و سلم الذي رواه مسلم عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وفي حديث آخر لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وقد صرح العلماء بأن من خاف (1/263)
على أحد أنه يقع في هلكة يجب عليه إنذاره ولو كان في الصلاة 41 : 29 مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون
الجاهلية في الصوفية
على أنهم تابعون في هذا التحريف سنة الجاهلية في قولهم لنوح صلى الله عليه و سلم ما أجابهم عنه بما حكاه تعالى عنه في قوله 71 : 10 فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ثم قولهم لهود عليه السلام وقوله لهم ما حكاه تعالى بقوله إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ثم قولهم لإبراهيم عليه السلام كذلك وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله (1/264)
وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم
وقال كفار قريش لزنيرة الرومية رضي الله عنها لما أسلمت فعميت ما أعماها إلا اللات والعزى فرد الله عليها بصرها وقالت ثقيف والله لا يستطيع أحد أن يخرب اللات فلما أخربوها قالوا والله ليغضبن الأساس وقال اليهود لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة رضي الله عنه لو كان نبيا ما مات صاحبه إلى أمثال هذه الترهات
دفع اعتراض
وإن قالوا استخفافا لضعفاء العقول إن هذا الرجل له ما يزيد على مائتي سنة ميتا فما للناس يقلقونه في قبره تلك أمة قد خلت فقل بعد التأسي بفعل الله بفرعون وأضرابه هذا الكلام لنا عليكم فإنه (1/265)
لو كان حيا لظن أن الكلام فيه لعداوة أو حظ من الحظوظ الدنيوية وحيث انتفت التهم كلها كان الكلام بسبب ما خلفه من كلامه الذي أقر الذابون عنه أن ظاهره خبيث حتى احتاجوا إلى تأويله فلو تركوا كلامه تركنا الكلام فيه فمن غض منه علمنا أنه ما غض مع معاداة أكثر الناس إلا ذبا عن حمى الشريعة خوفا على الضعفاء من الاغترار بهذه الظواهر ومن حامى عنه كان ذلك قرينة دالة على أنه يعتقد ما ظهر من كلامه وإن قالوا لا تذكروا موتاكم إلا بخير رواه النسائي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا قيل حتى يكون من موتانا وإن قالوا لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا رواه البخاري عنها أيضا مرفوعا قيل هذا إذا كان في أمرهم شك بدليل تبت يدا أبي لهب ونحن لم نسبه بل أخبرنا بما وصفه به العلماء الذين ثبتت ولايتهم تحذيرا من كلامه واتباعا لحديث البخاري عن أنس (1/266)
رضي الله عنه رفعه مروا بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال وجبت واتباعا لإجماع الأمة في جرح من يستحق الجرح هذا من فوائد قولنا فليذكر الخصم للدفع عنه فائدة واحدة لنفعه أو لنفع الدين أو أحد من المسلمين وإن قالوا ما لأهل زمانه ما أنكروا عليه قيل قد أنكروا عليه كما مضى بيانه وإن قالوا ما لهم ما قتلوه قيل منعهم اختلاف الأغراض كما منع ذلك في الباجريقي وكما ترى الآن من هذا التجاذب على أن القتل أيضا لا يفيد قطع التعنت من المتعنتين فقد أجمع أهل زمان الحلاج الذي هو رأس هذه الطائفة الاتحادية بعد فرعون وهم أتباع طريقته على قتله على الزندقة كما نقله القاضي عياض في آخر كتابه الشفاء الذي هو من أشهر الكتب وأعظمها ونقل الأستاذ أبو القاسم القشيري رأس الصوفية في زمانه في الرسالة عن أحد مشايخنا عمرو ابن عثمان المكي تكفيره للحلاج وذلك في باب حفظ قلوب المشايخ وقتل بسيف الشرع وأنت تجد الآن هذه الطائفة وأتباعهم من (1/267)
العامة يعتقدون فيه اعتقادا عظيما وينابذون أهل الشريعة وذلك يدل على أنهم إنما يقولون نؤول تقية وخوفا من السيوف المحمدية وأنهم يعتقدون الكلام على ظاهره فاستوى حينئذ القتل على الزندقة وعدمه 33 : 40 ومن يضلل الله فما له من هاد نصيحة
ولا تهتموا أيها الإخوان بكثرة كلام أتباع الشيطان وهجائهم لنا بالإثم والعدوان فهم إنما يقولون ذلك في الغيبة ولهم عليه الإثم والخيبة فإن الله تعالى قد ضمن النصرة وإن كان مع المبطل الكثرة
روى 83 الشيخان عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون وحتى يقاتل بقيتهم الدجال وفي رواية وهم بالشام وقال تعالى 82 : 6 الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (1/268)
وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم إلى أن قال وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين
وقد قلت في حالنا وحالهم
نصرنا سنة المختار حقا ... فهاجينا لذاك الأكافر
وراموا نصر شاعرهم فخابوا ... وضلل سعيهم في نصر شاعر
ولتعلمن نبأه بعد حين 29 : 8 إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا 40 : 22 ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
قال منشؤها سيدنا الشيخ الإمام العامل العلامة أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي الشافعي نفع الله المسلمين بعلومه إني فرغت من هذه الرسالة (1/269)
في مقدار يوم وكان فراغي منها ليلة الأحد ثامن عشرين شهر رجب الفرد الحرام سنة ثمان وسبعين وثمانمائة في مسجد دلر رجمه العبد بالقاهرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
وفرغ من كتابتها الفقير إلى رحمة ربه سليمان بن عبد الرحيم في شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وأربعين وتسعمائة الهجرة النبوية
زاد الناسخ أو غيره بعد هذا
وممن يقول بكفر ابن عربي غير مصنف هذه الرسالة أيضا من العلماء الشيخ إبراهيم ابن داود الآمدي والشيخ أبو بكر بن قاسم الكناني والشيخ الفاضل سليمان بن يوسف الياسوفي الدمشقي والإمام الجليل علي بن عبد الله الأردبيلي والعلامة محمد بن خليل عز الدين الحاضري الحلبي الحنفي الفاضل محمد بن علي الدكالي ثم المصري والشيخ الصالح موسى بن محمد الأنصاري الشافعي قاضي حلب وكلهم ذكر الشيخ برهان الدين إبراهيم البقاعي عن شيخه شهاب الدين أحمد بن حجر في تراجمهم ما فيه الكفاية من فضلهم وحذقهم وعلمهم وزهدهم وورعهم وإنما أردت ذكر أسمائهم ليعلم أن من قال بكفر (1/270)
هذا الضال جماعة من العلماء غير واحد ليحذر من مذهبه من لا يعرفه تحقيقا ويعلم أن جماعة من العلماء لا يتفقون على ضلالة وهؤلاء من المتأخرين دون من لم يذكرهم من المتقدمين كالشيخ عز الدين بن عبد السلام وصاحب المواقف وغيرهما وكذلك الشيخ الجليل أفضل المتأخرين علامة زمانه الشيخ علاء الدين البخاري وقد عمل في الرد على ابن عربي غبي وبيان كفره رسالة شافعية مسماة بفاضحة الملحدين وناصحة الموحدين
ومن أراد البحث والرد على هذه الطائفة فليطالعها صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين (1/271)