مشروع إصلاح ونهضة الأمة الإسلامية وتحرير البلاد والعباد
بقلم محمد بن جمعة السعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل الحل والعقد في الشريعة الإسلامية تعريفها : إن جماعة أهل الحل والعقد لا تعد حزبا بل هم يديرون أمور الأمة وفقا لما تقتضيه الشريعة الإسلامية التي تهيمن على الوجود السياسي تأسيسا وحركة ومقصدا وعلى قمتهم رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية
شروط أهل الحل والعقد : الإسلام والعقل والذكورة والحرية والعدالة والعلم والرأي والحكمة والقوة والأمانة والأخلاق . وهم حكام وأمراء الأمة وعلماء المسلمين والفقهاء المجتهدون وأهل الاختصاص والخبراء والفنيون وقادة المجاهدين وقادة الجند والمستشارون والنصحاء وأهل الاختيار , يضاف إليهم الآن جميع حملة شهادة الدكتوراه من كافة الاختصاصات (ذكورا وإناثا ) أما حاكم المسلمين فمهمته إجمالا حراسة الدين وسياسة الدنيا فيه وحماية مصالح المسلمين وأرضهم .
الشروط الواجب توفرها في الحاكم :
1- أن يكون هو وزوجته وأصولهما مسلمين .
2- العدالة والأمانة على شروطها الجامعة والشدة والحزم والقوة في قول الحق .
3ـ العلم بأحكام الشريعة المؤدية إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام وأن يحمل الشهادة الجامعية كحد أدنى وأن يتمتع بالخبرة السياسية
3- والحربية والإدارية والقوة الجسمية والنفسية قدر الإمكان والمستطاع .
4- سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معه مباشرة ما يدرك بها بشكل لايؤثر في الرأي والعمل .
5ـ أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاما ولا يزيد عن ستين عاما حين انتخابه أو اختياره أو ترشيحه .
6ـ سلامة الأعضاء من نقص وعطلة يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض .
7- الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية الدين وأرض المسلمين وجهاد العدو مقداما جسورا غير ضعيف.
8- الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح وحمايتها وان يكون جيد الفهم والتصور والذكاء .(1/1)
9 ـ الكفاية والذكورة فلا تنعقد الإمامة لامرأة وان اتصفت بجميع صفات الكمال وخصال الاستقلال لورود النص القاطع المانع عن رسول الله (ما افلح قوم ولّوا عليهم امرأة ) وعدم جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة .
10ـ أن تكون مدة ولايته محددة بمدة زمنية أو فترة انتخابية معينة ، وأن يتم اختياره بشكل سري وخطي تحت إشراف القضاء من بين عدة مرشحين ، ويجوز أن يفتح باب الترشيح لكل من يجد بنفسه القدرة وتحمل مسؤولية المسلمين وتتم الانتخابات على عدة مراحل كما يفضل أن يتم اختياره بالتناوب بين الأقاليم فمرة من السعودية ومرة من أندونيسيا ومرة من إيران وهكذا من بقية بلاد المسلمين دون استثناء وهذا اجتهاد البعض سيأتي بعد قليل الرأي الفقهي
مفهوم الأحزاب في الفقه الإسلامي :
قال تعالى : (أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )وقال عز وجل :(فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون) وقال جل وعلا (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) . وقال سبحانه ( بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) وقال (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ) . صدق الله العظيم .(1/2)
إن الرؤية الإسلامية ترفض مفهوم الحزب سواء كان سياسياً أو دينيا وهو التعلق بالسعي للوصول إلى السلطة من خلال المنافسة والصراع السياسي فالنصوص صريحة في المنع ، فمن سأل الإمارة والسلطة وحرص عليها تسد عليه أبوابها قال صلى الله عليه وسلم ( إنا لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ، ولا أحداً حرص عليه ) هذا المنع من طلب الإمارة هو في حقيقته رفض للصراع من أجل السلطة . هذا الصراع يؤدي إلى نتائج لها خطرها على الأمة فالآليات الحزبية كما هي في واقع الممارسة ترفضها الرؤية الإسلامية وإن الحرص على الإمارة دليل اعتبارها امتيازاً وسلطة وسيطرة وتمتعاً ، وهي مفاهيم رفضها الإسلام لأنه يضع الإمارة موضع الواجب والعبء الثقيل والمسؤولية أمام الله ثم أمام الأمة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة بين اثنين يقف كل منهما من الآخر موقف المساواة لا يفصل أي منهما عن الآخر أي عقبات اجتماعية أو نظامية وإن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في توجهه للحاكم ومحاسبته على تجاوزه إذ أن واجب كل فرد في الأمة أن يقوم به مباشرة دون وسيط ، وإن رفض الحاكم لتنفيذ مقتضى هذا الواجب خروج عن الشرعية ونهى الإسلام عن أن يحتجب الحاكم عن رعيته أو يغلق بابه دون الرعية .(1/3)
نظام الحكم في الإسلام : جاء في الصفحة (44) من كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للعلامة الفقيه مصطفى الزرقا عضو مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وأستاذ جامعي رحمه الله ما يلي ( إن الحكم في دولة الإسلام يجب أن يقوم على أساس الشورى وهذا مبدأ تضمنه القرآن الكريم وطبقه الرسول طوال حياته وأوصى أصحابه به ، فلا يجوز أن يكون الحكم استبدادياً لا انتخابات فيه أوملكياً وراثياً ، فالشريعة الإسلامية تتنافى مع مبدأ وراثة الحكم ، بل على الأمة أن تختار دائماً الأكثر كفاءة للسلطة العليا كل فترة وأخرى وعليه فإن النظام الملكي الو راثي والاستبدادي محرم وباطل وغير شرعي ، وقد بين الرسول لأصحابه أن فساد نظام الحكم في الدولة الإسلامية يكون عندما يتحول عن طريق الخلافة والشورى فيصبح ملكاً عضوضاً أي يعض على الأمة عضا ويفرض عليها فرضاً كما أوجبت الشريعة الإسلامية الشعور بالمسؤولية عن انحراف الحكام ولزوم مراقبتهم ، فقرر الرسول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقال (لا طاعة إلا في المعروف ). وقال خليفته : ( إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) وقرر الأئمة الأربعة بعدم جواز توريث الحكم أو الخلافة وبطلان ذلك شرعاً لمخالفته القرآن والسنة النبوية كالنظام الملكي الوراثي وإن مال الخزينة هو من الأمة وإليها ، مرصود لمصالحها فقط وليس للحاكم حق فيه أو في ثروات الأمة الباطنية إلا مرتبه فقط المقرر لمعيشته بصورة معتدلة دون بذخ أو ترف ) .(1/4)
المعارضة في الفقه الإسلامي : جوهرها التصدي للانحراف عن النموذج الإسلامي الأمثل لنظام الحكم وقواعد الممارسة السياسية كما أرستها الشريعة الإسلامية فالمعارضة سلوك لا يرتبط بشكل معين للحياة السياسية ولا تحتاج إلى تنظيم حزبي لأنه يجب أن يقوم به الفرد دون اشتراط انتمائه أو عضويته في تنظيم معين ، ومن ناحية أخرى فإن المعارضة لا تقوم على حق مستمر من الإرادات الشعبية التي أوصلت شخصاً ما أو حزباً ما إلى الحكم ولكنها واجب تكليفي بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن ثم لا يعنيها الوصول إلى السلطة بقدر ما يعنيها تصحيح الخطأ ووقف المنكر الذي قامت لتعارضه .
فالمعارضة في نظرية السياسة الغربية مختلفة عن مفهومها في الفقه السياسي الإسلامي من الوجوه الآتية :
الشريعة بأوامرها ونواهيها موجهة إلى الحاكم والمحكوم على السواء ، ومن ثم فإن ذلك التصور الغربي لمصطلح المعارضة الذي يقوم على انقسام الحياة السياسة من طرفين : أحدهما يقوم بدور الحكومة والآخر يقوم بدور المعارضة ، يواجهه التصور الإسلامي الذي يصير فيه الفرد حاكماً ومحكوماً في أن واحد حيث أن كل فرد راع وكل فرد مسؤول عن رعيته ، ومن ثم المعارضة ليست دوراً بقدر ما هي موقف يتخذه الفرد بغض النظر عن كونه حاكماً أو محكوماً متى ظهرت دواعيه الشرعية المتمثلة أساساً في القيام بالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . النظرة العضوية التكاملية المسيطرة على التصور الإسلامي للوجود السياسي والاجتماعي والتي من أهم آثارها .(1/5)
أن يكون لكل عضو في هذا الجسد دوره ولديه الصفات والمؤهلات الكفيلة بتمام تأديتها ومن ثم فإن الاتجاه نحو وضع الشرائط والصفات على النحو السابق هو أهم ضامن لتمام تأدية العضو لوظيفته وبحيث يصبح فقد هذه الشرائط بمثابة فقدان للأهلية والصلاحية التي تكفل للعضو البقاء في وظيفته ، ومن ثم فإن هذا الجسد السياسي الإسلامي إن كان يعرف توزيع الأدوار بين حكومة مرة ومعارضة مرة أخرى، فكل دور له أهله الذين لديهم الصفات والشرائط الكفيلة بتمام تأديته لهذا الدور ومن ثم فلا يمكن تصور تبادل الأدوار إلا إذا تم تصور إمكانية تبادل الصفات والشرائط المطلوبة لتمام تأدية الدور ومن ثم فإن شرعية المعارضة تعتمد على اتصافها بصفات معينة هي صفات القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث إذا فقدت هذه الصفات فقدت المعارضة شرعيتها وأصبحت معارضة المعارضة نهياً عن المنكر واجباً .
والفرد في قيامه بالمعارضة ( في الرؤية الإسلامية ) إنما يقوم بهذا عن ولاية مباشرة بما عليه من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالمسلم ولي المسلمين ونائبهم ويمثلهم جميعاً في كل ما يتعلق بتطبيق الشريعة بماله من هذه الولاية وتتمثل فيما يملكه الفرد المسلم من رفع دعوى دون أن يقال لا مصلحة شخصية لك ولا صفة ، بعكس الدعوى في النظم العلمانية والقوانين الوضعية حيث لا مصلحة ولا صفة فلا دعوى .(1/6)
إن الفكر السياسي الغربي ينظر إلى المعارضة من خلال مبدأ الحرية الذي يصير تعبيراً عن حرية الفرد في أن يقرر بنفسه الطريقة والأسلوب الذي يعيش وفق حريته ولو خالفت الجماعة ، أما الرؤية الإسلامية ترفض ذلك ، فالإسلام كل متكامل لا يقبل التجزؤ أوالتبعيض ، ومن ثم فهو يؤخذ كله أو يترك كله ، والحرية تقتصر على الدخول تحت مظلة الشريعة ولا تتعداه إلى جهة الإنسان ( لا إكراه في الدين ) . ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) أما بعد قبول الدخول تحت مظلته فعليه الالتزام بالخضوع الكامل للقواعد الآمرة والناهية المنزلة ولا يعني ذلك أن حرية الإنسان منقوصة ، بل إن كمالها يتمثل في العبودية لله وحده وهذا يحمل معنى تحرره من كافة أنواع العبودية ، وتجعل الهيمنة العليا للإرادة الإلهية على كل من الحاكم والمحكوم ، وبهذا يقف كلاهما على قدم المساواة أمام القانون الإلهي ، وهذا يعني أن السلطة مقيدة بالأحكام الشرعية والخلاصة أن أهل الحل والعقد مكلفون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعبيراً عن المعارضة لكل ما يخالف الشرع باعتبارهم جماعة قادرة على ذلك ، وإن هذا لا يعفي الأفراد من القيام بأداء هذا الواجب ولا سيما حين يقصر أهل الحل والعقد عن القيام بها لسبب ما والقيام بهذا الواجب لا يتوقف على الانتماء إلى تنظيم معين أو انطلاقاً من الإرادة الشعبية التي تتمثل في الهيئة الناخبة . والأحزاب السياسية أفرزتها الخبرة الغربية ، وبالنظر إلى هذا الوجه فإنه رغم أن نشأتها كانت على أساس ديني وبسبب خلافات دينية ومن أجل مصالح وأهداف دينية إلا أن ازدهار فكرة الفصل بين الدين والسياسة وتبني مبدأ العلمانية في النظم السياسية الغربية جعل هذا الفصل بين الدين والسياسة ، وتبنى مبدأ العلمانية في النظم السياسية الغربية جعل هذا الفصل يمتد إلى النظام الحزبي بحيث تصير الأحزاب من حيث طبيعتها تعبيراً عن العلمانية . ودلالة هذا فيما نحن بصدده(1/7)
ألا يتعدى طرف على اختصاصات الآخر ، وقيام جماعة دينية بنشاط سياسي فيه خروج على هذا المفهوم ،لأن العمل السياسي والتنظيمات السياسية اختصاص أصيل للدولة طبقاً للمبدأ . ولذلك كان طبيعياً أن يشجب الداعون لمبدأ الفصل بين الدين والدولة كل محاولة لقيام جماعة دينيةذات صبغة سياسية وهذا ما تؤمن به الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية الحديثة القومية النزعة والعلمانية المذهب أما الرؤية الإسلامية ترفض هذا الفصل بين الدين والسياسة حيث أن الإسلام. عقيدة وشريعة والسياسة جزء من أحكامه ، وبمعنى آخر فإن الدين يحتوي على السياسة والسياسة فرع من فروع الدين مما سبق نخلص إلى أنه لا يمكن بحال اعتبار جماعة أهل الحل والعقد تنظيماً سياسياً بالمعنى الحزبي لأن الرؤية الإسلامية ترفض الحزب السياسي تعريفاً ووظيفة وموقفاً من الدين ، أما أهل الحل والعقد فهي جماعة تدير شؤون الأمة وتنطلق من الشريعة وتستهدفها .
الطبيعة العقدية للبيعة واختيار الحاكم : إن العقد والبيعة تقتضي عاقداً أو مبايعاً وهم أهل الحل والعقد ومعقوداً عليه وهو الخليفة أو الإمام أو الحاكم . والعقد ذو مضمون إسلامي يحدد التزامات طرفي العقد وهي لا تنعقد إذا لم تكن قائمة على الرضا والاختيار الحر لا يدخله إكراه ولا أجبار فالعقد ليس بيعة ذات طبيعة شكلية من قبيل تصفيق الأيدي وإنما من حيث جوهرها تعني الرضا ثم الانقياد ، وهناك التزامات متبادلة بين الطرفين فالبيعة هي العهد على الطاعة ، مادام الحاكم مطيعاً لله مطبقاً شرعه المتجلى ذلك في قول الخليفة أبي بكر: ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ) وقول الرسول الكريم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .(1/8)
أما طريقة تعيين ولي العهد أو الاستخلاف فهي سوابق تاريخية وهي بمثابة ترشيح لهذا المنصب لا أكثر ولم يدخل كل من عمر وعثمان في الخلافة إلا بعد مبايعة المسلمين لهم مبايعة انعقاد عن رضا واختيار وهي إجراءات اجتهادية غير ملزمة . وإن ما حدث في السقيفة من ترشيح أبي بكر وما اتخذه أبو بكر في شأن العهد إلى عمر ( ترشيحه ) بالخلافة من بعده ، أو ما فعله عمر في جعلها شورى بين أهل الشورى الستة هذه كلها من قبيل الإجراءات الاجتهادية المتعلقة بطرق الترشيح لرئاسة الدولة والتي لم يرد بخصوصها نص ملزم من القرآن الكريم أو السنة وإنما هذه إجراءات تقع في منطقة العفو المتروكة لاجتهاد الناس حسب مقتضيات ظروفهم ومستوى تطورهم الحضاري والنظمي على وجه الخصوص ، بدليل أن اجتهاد عمر في السقيفة بمبايعة أبي بكر اختلف عن اجتهاده وهو خليفة بالعهد إلى أهل الشورى وهو في هذا وذلك يختلف عن اجتهاد أبي بكر في عهده إلى عمر ، فهي كلها طرق وإجراءات اجتهادية في كيفية الترشيح وذلك بخلاف البيعة التي بموجبها تتم المبايعة للخليفة مبايعة انعقاد .ويمكن اعتماد آليات الديمقراطية مثل انتخاب الحاكم والمسؤلين والمجالس . أما المبايع له ( الحاكم ) فيلتزم بالحكم بالعدل وتدبير أمور الأمة ومصالحها على مقتضى النظر الشرعي وقد أوجب الله الوفاء بالعقود . قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .(1/9)
وقد اتفق جميع علماء المسلمين أن للأمة أو أحد مجالسها التشريعية أو القضائية أو التنفيذية خلع الخليفة أو الحاكم لسبب يوجبه وإن أدى ذلك إلى الفتنة ( احتمل أدنى المضرتين ) دون أن يكون للحاكم الحق في حل المجلس أو فرض أوامره وقراراته عليه أو سجن المعارضين لرأيه. وإن أول أساس ارتكز عليه نظام الحكم هو أن واضع أصول الأحكام هو الله وحده فليس لبشر أن يشرع أصولاً قانونية غير التي سنها الله ، أما في القضايا التي لم يرد فيها نص فقد فوضت الشريعة مهمة سن قوانينها إلى أولى الأمر من العلماء الذين هم أهل للاجتهاد والدليل على اختصاص الله بالتشريع قوله سبحانه ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) . ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) . وأمر الله تعالى بإتباع أحكام الشريعة ونهى عن إتباع ما يخالفها ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تتذكرون ) ويحرم الله تحريماً قاطعاً الخروج على نصوص الشريعة فحذر من رفض التحاكم بها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، الظالمون ، الفاسقون ) . والمؤمن الذي يختار من الأحكام غير ما أختاره الله ورسوله محمد فهو ضال ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) .(1/10)
وقد جاء في كتاب كنوز الإسلام للدكتور محمد فائز المط ص 270 ما يلي : ( جعل الإسلام الإمارة انتخاباً لا إرثاً ، يُنتخب الحاكم من أفضل الناس وأعلمهم في كافة مجالات الحياة ووضع الإسلام بين يدي الحاكم دستوراً كاملاً مثالياً لا يحتاج إلى تبديل أو تعديل وهو القرآن والسنة وفرض عليه أن ينفذه بحذافيره وأوجب على الشعب طاعته ما طبق هذا الدستور) . لذلك إذا أخلَّ أحد طرفي العقد بالتزاماته اختلت الشرعية الإسلامية ووجب تدخل الوظيفة الرقابية انطلاقاً من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء في مواجهة الرعية العاصية أو الحاكم الجائر حتى تصل إلى عزله من سدة الحكم ، وهي فكرة عزل الإمام حيث أن العقد قام على أساس اختيار الحاكم في مركزه رئيساً للدولة والذي يتغير به حاله فيخرج به عن الإمامة شيئان رئيسيان : جرح في عدالته أو أن يطرأ على بدنه نقص سواء في الحواس أو الأعضاء أو التصرف (العقل) أو غير ذلك من شروط الترشيح للحاكم كما أن الخليفة أو الحاكم يكون مسؤولا مسؤولية سياسية تقتضي منه أن يكون تصرفه على الرعية منوطاً بالمصلحة وأن يلتزم بالقيم الإسلامية في ممارسته وسلوكه السياسي ، ومسؤلا مسؤولية جنائية عن تصرفاته التي تخل بعدالته ، فإن ذلك يقتضي عزل الخليفة أو الحاكم أو الإمام أو الملك .
الجهة التي لها حق عزل الحاكم : إن الجهة التي عقدت العقد هي التي تملك حله والخليفة متى زاغ عن العدالة وخرج عن شرع الله كانت الأمة عياراً عليه في العدول إلى غيره وهم :
1- أهل الحل والعقد وهم مجالس الوزراء والشورى (العلماء )والشعب أو الأمة (البرلمان) ومجلس القضاء الأعلى(1/11)
2ـ المحكمة الدستورية العليا التي تحكم بكتاب الله وسنة رسوله . قال تعالى ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله ) . وتفصل المحكمة النزاع بالرد إلى الأصول الشرعية فإن انتهت إلى حكم بالعزل وجبت الطاعة من قبل الحاكم ويحق لأي شخص من هذه المجالس رفع قضية العزل إلى المحكمة أو إلى المجلس ذاته .ويدخل في مفهوم أهل الحل والعقد أيضا :
1- الفقهاء المجتهدون(أهل الاجتهاد) وهم العلماء المتخصصون في دراسة الشريعة الإسلامية وحازوا مستوى من المعرفة والعلم بها يؤهلهم أو يوفر لهم ملكة الاجتهاد والتمكن من استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية
2- أهل الاختصاص من الخبراء والفنيين والعلميين وأرباب المهارات والكفاءات العلمية والإدارية . قادة المجاهدين وأمراء الجند بحيث تظل القوة العسكرية محكومة بضوابط العقيدة في استخدامها وتظل تؤدي دور الوسيلة المساندة للعقيدة
3 - الإسلامية فقط وليس للحاكم تجاوز هذه الحدود فتصير حينئذ طغياناً غير شرعي .
4ـ المستشارون والنصحاء و( أهل الشورى ) وهم الذين يملكون صلاحية أو أهلية تقديم الرأي والنصيحة في أوسع المعاني في أمر من الأمور وهم أصحاب الشهادات والاختصاصات العالية من كافة نواحي النشاط البشري .
5ـ أهل الاختيار وهم الذين يناط بهم اختيار الأصلح للمراكز التمثيلية من بين المرشحين لها .
ويتوجب على أهل الحل والعقد كل جلسة فصل واحد أو أكثر من المجلس إذا تبين فساده أو خيانته بالاقتراع السري الخطي وموافقة ثلثي الأعضاء .ويكون لهذا المجلس التشريعي مهمة كشف الأخطاء واقتراح الحلول للحكومة والأمة بشكل عام ومراقبة المسؤولين وإبطال قراراتهم الغير شرعية ومنها التبعية للغرب أوالسماح بوضع قواعد عسكرية أجنبية أواعطائهم امتيازات لسرقة البترول والمعادن لأنها من حق الأمة .
أما مؤسسات الحل والعقد في النموذج الإسلامي لنظام الحكم فهي :(1/12)
المؤسسة التنفيذية التي تقوم على الحركة بموجب الحكم الشرعي قصداً إلى تحقيق مصالح الأمة الدينية والدنيوية وهذه تضم مؤسسة الخلافة( رئاسة الدولة) والوزارة والإمارة على الأقاليم ومؤسسة الاجتهاد التشريعي ومؤسسة القضاء والرقابة ( المظالم والحسبة ) ومؤسسة الدعوة والهداية . وبناء عليه فإن دور أهل الحل والعقد أوسع نطاقاً من دور الصفوة السياسية فهو شامل لشؤون الدين والدنيا والآخرة ( عبادات ومعاملات ) ويمتد ليشمل في غايته الضرورات الخمس( حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال) بحيث يجمع في توازن مقصود بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة في أطار المفهوم الشرعي للمصلحتين كذلك فإنه يجمع في شموله بين المصلحة الدينية والمصلحة الدنيوية على المستوى الجماعي وبين مطالب الروح والجسد على المستوى الفردي . وقصده جلب المنافع ودفع المضار التي قصدها الشارع وهدفهم النهائي الأساسي هو ( تعبيد الناس لإله الناس ) من خلال تحقيق منهج الله في صورته التطبيقية التي تجعل الإنسان ينشىء ويعمر ، ويغير ويطور ، ويصلح وينمي تحقيقاً لعمارة الأرض ، قال تعالى : ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) . وفي النهاية نخلص إلى أن الدعوة والمناداة بإقامة نظام الحكم الإسلامي بمقاصده وأبعاده الوظيفية والمؤسسية والعقيدية الذي قوامه أهل الحل والعقد ليست عودة إلى أدراج الماضي نحو نمط أو تصور تاريخي بعينه للخلافة كما قد يتصور البعض وليست أيضاً دعوة إلى نظام تيوقراطي تتسلط فيه طبقة من رجال الدين وتدعي احتكارها للحقيقة الدينية وتلقيها عن الله ، وإنما هي دعوة واقعية لنظام فعّال قادر على أن يلبي حاجات الأمة ومصالحها المحددة نحو الغاية التي من أجلها استخلفها الله في هذه الأرض ألا وهي تعبيد الناس لرب الناس ، ملك الناس إله الناس فإذا لم يطبق الخليفة الشريعة أو أفسد في الأرض خُلع تلقائياً ولا طاعة له فالوالي غير الصالح ليس أهلاً للولاية ،(1/13)
ونظراً لانحياز الأمم المتحدة إلى إسرائيل يفضل الانسحاب منها وتفعيل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تمهيداً للوحدة الشاملة إن شاء الله .
قواعد الإصلاح والتجديد في فكر الإمام الغزالي:
الأساس في وجود الأمة المسلمة هو إخراجها لحمل رسالة الإسلام إلى العالم كله وحين قعد المسلمون عن تبليغ الرسالة امتلأت الأرض بالفتنة والفساد الكبير وأصبح المسلمون وغيرهم ضحايا هذا القعود . وما دام المسلمون مسؤولين عن حمل رسالة الإصلاح إلى العالم ، وما داموا قاعدين عن حمل هذه الرسالة ، فإنه من الواجب أن يجري البحث في أسباب القعود من داخل المسلمين أنفسهم . وما دامت الحاجة ماسة إلى تلمس أسباب القعود فإن الغاية من هذا التلمس يجب أن تستهدف التشخيص وتقديم العلاج لا مجرد توترات سلبية تقوم على التلاوم وتبادل الاتهام . لذلك لا بد من اعتماد النقد الذاتي وعدم إلقاء المسؤولية على القوى الأجنبية الاستعمارية المهاجمة التي جذبتها عوامل الضعف الداخلي وقابلية الهزيمة من خارج . وهذا منهج يتفق مع المبدأ الإسلامي القائل ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) الشورى . والقائل كذلك ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) الأنفال .
فلابد من معالجة قابلية الهزيمة بدل التباكي على مظاهر الهزيمة أي البحث في القابلية للاستعمار بدل توجيه اللوم إلى الاستعمار فالمشكلة كل المشكلة في فساد المحتويات الفكرية والنفسية عند المسلمين في أمور العقيدة والاجتماع وما سوى ذلك هي مضاعفات تزول بزوال المرض الأساسي .
ومنهج الإصلاح يبدأ بالإصلاح الفكري والنفسي أولاً وهذا مبدأ قرآني واضح ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد . وكذلك الإصلاح السياسي والعسكري وغير ذلك من الإصلاحات .(1/14)
وتطبيق واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطهير المجتمع الإسلامي من الأمراض التي تفترسه من الداخل وضرورة إعداد المسلمين لاستئناف الجهاد وحمل رسالة الإسلام حتى تبلغ الدعوة أقصى العالم وتتوطد دعائم الإيمان والسلام فيه . وهذا لن يتم إلا بعد المصالحة بين المذاهب والطوائف والقوميات الإسلامية وتوحيد الجهود والأفكار والتخلص من علماء الدنيا علماء السوء الذي قصدهم من العلم التقرب إلى السلطان و المسؤولين السياسين والتنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها وبالتالي فساد رسالة العلماء وانتشار الشكلية الدينية في المجتمع الإسلامي ـ البعد عن قضايا المجتمع والاشتغال بقضايا هامشية لا طائل تحتها والتعصب المذهبي واختفاء الفضائل العلمية . وتفتيت وحدة الأمة وظهور الجماعات والمذاهب وانتشار التدين السطحي والفئات التي مثلته .(1/15)
لذلك لا بد من العمل على إيجاد جيل جديد من العلماء والمربين ووضع منهاج جديد للتربية والتعليم وإحياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب نقد السلاطين الظلمة وتحريم التعامل معهم ومع حاشيتهم والمسؤولين التابعين لهم ولا بد أيضاً من محاربة المادية الجارفة والسلبية الدينية وتصحيح التصور السائد عن الدنيا والآخرة . والدعوة للعدالة الاجتماعية ومحاربة التيارات الفكرية المنحرفة والإسراع في الإعداد العقائدي للجهاد والحرص على تنمية ولاء الجندي لله سبحانه وتعالى وبذل نفسه في سبيله وتكريس طاقاته له مع الحذر الشديد من شرك الولاء لقائد أو سلطان أو حاكم ، فهذا كله شرك يفسد الجهاد ويحبطه وإعادة بناء الجيش والقوات المسلحة بحيث نرفع من معنويات العسكري والامتناع عن إهانته أو شتمه أو توبيخه وزرع حب الشهادة في سبيل الله بنفسه لأنها الطريق للنصر في المعركة والفوز بالجنة ، وإعداد الشعب إعداداً إسلامياً وتطهير الحياة الدينية والثقافية من التيارات الفكرية المنحرفة كالباطنية وآثار الفلسفة اليونانية والممارسات الفاطمية للعبادات والشعائر وضرورة صبغ الإدارة بالصبغة الإسلامية وتطبيق العدل وسيادة القانون على الجميع حكاماً ومحكومين وتحقيق التكافل الاجتماعي ونبذ الخصومات القومية والطائفية والمذهبية وتعبئة القوى الإسلامية وتنسيق جهودها ضمن منهاج عمل موحد وقيادة متكاملة متعاونة وإقامة المنشآت العلمية والاقتصادية والمرافق العامة وبناء القوة العسكرية والعناية بالصناعات الحربية والثقيلة . والقضاء على الدويلات المتناثرة في الوطن العربي وتحقيق الوحدة الإسلامية ، واختيار خليفة للمسلمين حتى ولو اقتصرت على الوطن العربي كخطوة أولى ، مع المحافظة على الأقليات غير الإسلامية وعدم المساس بشعائرها الدينية طالما هي موالية للأنظمة الإسلامية فهم أهل الذمة وقد أوصانا الرسول بهم خيراً مع تشجيعهم بالدخول إلى الإسلام دون(1/16)
إكراه . ولابد من التخلص من الاستبداد والملك العضوض والانتقال إلى تطبيق الشورى والتداول السلمي للسلطات .
وإن المبادئ الأساسية هي :
1ـ أن يبدأ التغيير في محتويات الأنفس أي الإصلاح الفكري والنفسي في الميادين الاجتماعية والسياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والتربوية والقضائية وسائر ميادين الحياة الخارجية
2ـ إن التغيير لا يحدث إلا إذا قام القوم مجتمعين وليس الأفراد بتغيير ما بأنفسهم
3ـ أن تتم الإحاطة الكاملة بحلقات السلوك الذي يفرز الظواهر الاجتماعية والرسوخ بتفاصيلها وتركيبها .
4 ـ إن فترات القوة والمنعة في التاريخ الإسلامي إنما ولدت حين تزاوج عنصران هما الإخلاص في الإرادة والصواب في التفكير والعمل فإن غاب أحدهما أو كلاهما أو طلّق أحدهما الآخر فلا فائدة من الجهود التي تبذل والتضحيات التي تقدم .
5ـ إن التاريخ كله ـ الإسلامي وغير الإسلامي ـ برهن على أنه حين تقوم شبكة العلاقات الاجتماعية على أساس الولاء الشامل لأفكار الرسالة التي تتبناها الأمة وتعيش من أجلها فإن كل فرد في المجتمع يصبح مصاناً ومحترماً سواءً كان حياً أو ميتاً ومهما اختلفت آراؤه مع الآخرين ويوجه الصراع إلى خارج المجتمع وتتوحد الجهود وتثمر . أما عندما تتشكل شبكة العلاقات طبقاً لمحاور الولاء الفردي أو العشائري أو المذهبي أو الطائفي أو الإقليمي أو الحزبي وطبقاً للدوران في فلك الأشخاص والأشياء فإن الإنسان يصبح أرخص شيء داخل المجتمع وخارجه ويدور الصراع داخل المجتمع نفسه ويمزقه إلى شيع يذيق بعضها بأس بعض ثم يكون من نتائج ذلك أن تجذب روائح الضعف الطامعين من خارج .(1/17)
والله يغير ما بقوم من أحوال سيئة إذا تغيرت القيادة الفاسدة المستبدة بالحكم خاصة علماء الدنيا وفقهاء السلطان في العالم الإسلامي وبالتالي يغير الناس ما بأنفسهم من معتقدات وتصورات وقيم وتقاليد وعادات متخلفة . قال تعالى على لسان سيدنا شعيب عليه السلام : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) . أخيرا أقول إن فلسطين سقطت بيد الصهاينة بعد سقوط الخلافة الإسلامية في القسطنطينية ولن تعود إلى أهلها إلا بعودة الخلافة الإسلامية مجددا إن شاء الله والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والله ثم الوطن من وراء القصد.
المراجع :
1- دور أهل الحل والعقد للدكتور الفقيه فوزي خليل من جمهورية مصر العربية الاسلامية .
2ـ المدخل إلى الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد للعلامة الفقيه مصطفى الزرقا الأستاذ الجامعي في كليتي الشريعة والحقوق بجامعة دمشق والمستشار لدى حكومة المملكة العربية السعودية عضو مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة
3ـ الأحكام السلطانية لأبي الحسن الماوردي
4- روح الدين الإسلامي للعلامة عفيف عبد الفتاح طبارة ـ لبنان
5ـ كتب الإمام أبي حامد الغزالي
عوامل النهضة والنصر لدى الشيخ عبد القادر الكيلاني والدكتور ماجد عرسان الكيلاني :(1/18)
يقول ابن تيمية ( إنَّ أهم آثار السنة الإلهية في العدل أن الملك والإسلام مع الظلم لا يدوم ، وأن الملك والكفر مع العدل يدوم . والأمة التي تتفوق في المعرفة تتفوق في القوة ) . لذلك فإن الجيوش الغربية الغازية للدول الإسلامية تهدف إلى تنفيذ المخططات الهادفة إلى نشر الثقافة المسيحية المتصهينة والقضاء على الثقافة الإسلامية ، ونهب خيرات الشعوب العربية المتخلفة بعد أن أقامت دول الطوائف على أنقاض الدولة العثمانية طبقاً لمعاهدة سايكس ـ بيكو ومثيلاتها واستمرت مِزَقُ الأمة تفتخر بالانتماء إلى هذه الدول الممزقة وتدافع عنها ، لتتبين أن يد الله أ أي عونه وعطاءه ـ إنما هي مع الجماعة وأن الوحدة سنة وجود تنظيم عوالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد. ويقول الفقيه العلامه الشيخ عبد القادر الكيلاني :(1/19)
إن الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق قانون إلهي من قوانين النصر والفلاح في كل مواجهة والمواجهة الحقيقية التي يحتاجها العالم العربي والإسلامي هي التي تجري على مرحلتين الأولى مواجهة مع الذات يقوم بها العلماء والساسة وعامة الأمة بغية تحريرها من التبعية الثقافية الغربية والاعتماد الفعلي على الغير وتمكينها من اكتشاف الهوية وتحقيق الانتماء إلى ماضي الازدهار والمنعة وتحليل الحاضر واستشراف مسارات المستقبل ودروبه . فإذا انتصرت الأمة في هذه المواجهة فستكون مؤهلة لبدء المواجهة الثانية مع الغير المعتدي بثقة واستقلالية وجدارة ، ولسوف تنتهي بها المعركة إلى النصر المادي والفتح الاجتماعي . أما الفرقة الناجية فهي التي تسلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو : أن لا يترك الدنيا بالكلية ولايقمع الشهوات بالكلية . أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد . وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل ولا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة . بل يتبع العدل ولايترك كل شيء من الدنيا ولا يطلب كل شيء من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده . فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة ومن المسكن ما يحفظه عن اللصوص والحر والبرد ومن الكسوة كذلك . حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بهمة واشتغل بالذكر والفكر والعلم وبناء الأرض طول العمر ، ويظل محافظاً على حد الاعتدال والتوسط في الشهوات حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى .(1/20)
واعتمد الشيخ الكيلاني أسلوباً يقوم على أمرين الأول اعتماد التعليم المنظم والتربية الروحية والثاني الوعظ والدعوة بين الجماهير ويعتبر السبب الأساسي للفساد الذي ضرب المجتمع الإسلامي ألا وهو دوران الشريعة في فلك السياسة وخضوع العلماء والفقهاء للحكام وشهوات الدنيا . وعن هذا المرض تفرعت مضاعفات وأمراض أخرى تفشت في ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها ، كما شن حملة شديدة على العلماء واعتبرهم تجاراً يتاجرون بالدين ويساهمون في ارتكاب المحظورات ويعيب عليهم تقربهم من السلاطين والمسؤولين وطمعهم بما في أيديهم ومن مواعظه وخطبه في انتقاد العلماء قوله ( يا سلاّبين الدنيا بطريق الآخرة من أيدي أربابها يا جهالاً بالحق ، أنتم أحق بالتوبة من هؤلاء العوام ، أنتم أحق بالاعتراف بالذنوب من هؤلاء ، لاخير فيكم ، لو كان عندكم ثمرة العلم لما سعيتم إلى أبواب السلاطين والمسؤولين في حظوظ نفسك وشهواتها ، ياخونة في العلم والعمل يا أعداء الله ورسوله يا قاطعي عباد الله عز وجل أنتم في ظلم ظاهر ونفاق ظاهر . هذا النفاق إلى متى ؟ يا علماء كم تنافقون الملوك والسلاطين حتى تأخذوا رضاهم وتنالوا حطام الدنيا وشهواتها ولذاتها ؟ أنتم وأكثر الملوك في هذا الزمان ظلمة خونة في مال الله عز وجل وفي عباده . يا عباد الله المسلمين هؤلاء علماء الدنيا ، الذين يُفرحون نفوسكم ويذلون للملوك ويصيرون بين أيديهم كالذر لا يأمروهم بأمره ولاينهونهم عن نهيه . وإن فعوا كان قولهم نفاقاً وتكلفاً ، طهَّر الله الأرض منهم ومن كل منافق أو يهديهم إلى بابه . يا خُطّاب المساجد لابارك الله فيكم يا منافقون ليس لكم صنعة البناء ولا آلته ، أنسيتم أن الأنبياء كانوا يعملون بأيديهم ولهم صنعة يشاركون بها في بناء الأرض ، إن من يعظم الحكام كمن يعبد الأصنام . أنسيتم قوله تعالى ( إنما المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) وانتقد الحكام وحذر الناس من(1/21)
الانصياع لهم بما يخالف الشريعة فكان يقول( صارت الملوك لكثير من الناس آلهة يعظمونهم ، وحكمهم حكم من يعظم الأصنام ويعبدها ) وحرص عبد القادر أن يبقى بعيداً عن موطن الشبهات أو التقرب للحكام ، وعرف عنه أنه ما ألم بباب حاكم أو والي قط وأنه كان يرفض هداياهم ويوزع تبرعاتهم على الفقراء قبل أن تتناولها يده ) وتصدى للتطرف الباطني والتيارات الفكرية المنحرفة كالروافض . وحمل أيضاً على المتطرفين من الصوفية وانتقد ما شاع بينهم من حكايات الصالحين وتحريك الأصابع واللسان فقط بالشكر والتسبيح والتهليل وإنما التصوف الصحيح صفاء وصدق معامله وعمل صالح وبناء الأرض وطلب العلم تنفيذاً لقوله تعالى ( اعملوا آل داوود شكراً ) فالكلام بدون عمل يصدقه لا قيمة له والإيمان له مضمونان فكري ـ وجداني لا يتوقف عند الاعتقاد النظري إنما يشترط أمرين آخرين هما العمل والإخلاص فبالعمل ينتفي النفاق وبالإخلاص ينتفي الرياء ، والإخلاص المقصود هو التوجه بالعمل لله وحده . والمضمون الثاني اجتماعي ـ فلا يصح إيمان عبد جاره جائع . وجعل العدل الاجتماعي وتوزيع الثروات توزيعاً عادلاً هو المقياس الحقيقي للتدين والإيمان ، كما أن وظيفة الحاكم المسلم إذا كان مؤمناً حقاً ـ هي نشر دعوة التوحيد وحماية الدين والسهر على تحقيق العدل . خاصة في مجال الاقتصاد وتوزيع ثروات الأمة وأن لا يخص الحاكم نفسه أكثر من أدنى فرد في الأمة . وعليه تأسيس جماعات لحمل رسالة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا بد من تحليل الأصول الاجتماعية ـ الاقتصادية وإبراز خطورة الظلم وكبت الحريات وتهيئة المناخ لظهور المؤسسات التربوية العلمية الإدارية الحضارية التي تعيد العدل واحترام الإنسان مكانهما في محور نظام القيم وممارسات الحياة القائمة . فالمجتمعات التي لا تتيح للأفكار أن تعبّر عن نفسها في عالم الظاهر أي الواقع ، ترتد فيها الأفكار إلى عالم الباطن(1/22)
والميتافيزيقا أي الغيب الذي لا وجود له وتلون ثقافتها وقيمها بالأساطير والأوهام التي تتحدث عن عدل موهوم ورخاء متخيل . نعم لقد أدرك ذلك سيدنا عمر بن الخطاب ببصيرته وتجرده هذه التفاعلات الفكرية المفسدة التي يفرزها الظلم والحرمان والقهر وكم الأفواه وكبت الحريات وإقصاء الآخرين فكان يقول لولاته الذين يرسلهم إلى الأمصار : ( ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم .. ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ) أما حفيد الشيخ عبد القادر كيلاني الدكتور ماجد عرسان الكيلاني فيقول في كتابه القيم (هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس ) في التاريخ قوانين تحكم الأحداث والظواهر وتوجهها الوجهة التي يقتضيها منطق القانون . والذين يتقنون فقه هذه القوانين وتطبيقها هم الذين يستمرون في الحياة ويتفوقون في ميادينها . وهذا يعني أن الأمة التي يتولى أمورها حكام وفقهاء يفقهون بناء المجتمعات وانهيارها ويحسنون تطبيق هذه القوانين فإنهم يقودون أممهم إلى التقدم والنصر لا محالة . أما الأمة التي يتولى زمام أمورها حكام وخطباء صنعتهم الكلام فقط يحسنون التلاعب بالمشاعر والعواطف فإنها تظل تتلهى بالأماني التي يحركها هؤلاء الحكام والخطباء حتى إذا جابهت التحديات لم يفقهوا ما يصنعون وآل أمرهم إلى الفشل وأحلوا قومهم دار البوار . إن صحة المجتمعات ومرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه ويكون المجتمع في أعلى درجات الصحة حين يكون الولاء للأفكار هو المحور الذي يتمركز حوله سلوك الأفراد وعلاقاتهم وسياسات المجتمع بينما يدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار . في هذه الحالة يتسلم مركز القيادة الأذكياء العلماء الذي يحسنون فقه التحديات واتخاذ القرارات . وحين يكون الولاء للأشخاص هو المحور وتدور الأفكار والأشياء في فلك الأشخاص وهم القادة السياسيون ورجال الدين فإن السمة الغالبة للمجتمع تصبح هيمنة محبي الجاه والنفوذ وأصحاب القوة ويسخرون الأفكار والأشياء(1/23)
لمصالحهم الشخصية أو لعشائرهم أو لطوائفهم أو لأحزابهم . أما حين يصبح الولاء للأشياء هو المحور ويدور الأفكار والأشخاص في فلك الأشياء فإن الهيمنة في المجتمع تكون لأرباب المال والتجارات وصانعي الشهوات وتسود ثقافة الترف والاستهلاك وتتمزق شبكة العلاقات الاجتماعية . ففي عهد الرسول والصحابة كان الولاء للفكرة ثم انتقل في العهد الأموي والعباسي إلى الولاء للأشخاص حين بدأ رجال القوة العصبية من طلقاء مكة الذي أسلموا بعد فتح مكة وعفا عنهم الرسول وبرزت الصراعات الأسرية من أجل الخلافة . ثم انتقل التطور الآن إلى محور الولاء للأشياء وتنافس الناس في جمع الثروات وتكديس الممتلكات .لذلك حين تفشل جميع محاولات الإصلاح وتتحول الجهود المبذولة على سلسلة من الاحباطات والانتكاسات المتلاحقة فإن المطلوب هو القيام بمراجعة تربوية سياسية شاملة جريئة وصريحة وفاعله ، يكون من نتائجها إعادة النظر في كل الموروثات الثقافية التي تلي نصوص القرآن والحديث الصحيح ، وإعادة النظر في كل العملية التربوية والسياسية والإدارية ، وبالتالي فإن القوانين التي أنزلها الله المتمثلة بالشريعة الإسلامية هي العلاج إلى صحة المجتمعات وقيام الراقي من الحضارات ، إلا أن الإسلام لا يؤدي هذا الدور الحضاري إلا إذا تولى قيادته السياسية وفقهه أولو الألباب النيرة والإرادات العازمة النبيلة والعلماء الملتزمون بهذه الشريعة المطالبة بإقامة الشورى والعدل والحرية والمساواة وبناء الحضارة .(1/24)
ويجب التعرف على المواد الخام من البشر الصالحين ليكونوا أنصاراً للدعوات وجنداً للرسالات وأفضل العناصر لذلك هي جماهير العامة في المدن وأهل الريف والبادية خاصة كونهم على الفطرة . وبذلك تتحقق قوة المجتمعات من خلال نضج وتكامل عناصر القوة كلها في دائرة فاعلة وتناسق صحيح ، وهذه العناصر هي المعرفة والثروة والقدرة القتالية ، وقد حذرنا رسول الله من خطورة الانشقاق بين هذه العناصر فقال : (( ألا إن الكتاب ( المتمثل بالشرع والعلم النافع ) والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب )) . لذلك وحتى تنجح العملية والتجربة يجب أن يدور الحكام والأمراء في فلك العلماء المصلحون وليس العكس كما هو الآن أي حين تتبع وتدور كافة القيادات الاقتصادية والعسكرية والإدارية والسياسية في فلك القيادة الفكرية فسيكون النجاح المصير المحتوم . لذلك بعدما فتح القائد صلاح الدين الأيوبي القدس جاء الناس يهنؤوه بالنصر فقال لهم : " ادعوا الله لهؤلاء مجلس الشورى وهم العلماء الجالسون بجانبي أمثال موفق الدين ومحمد ابنا قدامه وابن نجار وغيرهم كثير " فهم الموجهون الحقيقيون والمستشارون الفكريون للسلطان .(1/25)
أما في العصر الحديث فنجد السر في قوة الدول الكبرى هو تكامل المعرفة والقدرة القتالية والثروة واعتماد صانعي القرار ورجال التخطيط التنفيذ في دوائر الاقتصادية والعسكرية محل ما يقدمه لهم رجال الفكر والخبراء والعلماء العاملون في مراكز البحوث والدراسات ففي الولايات المتحدة حوالي عشرة آلاف مركز بحوث ودراسات متخصصة في بحث الشؤون السياسية والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية والعلوم العسكرية والقضاء والتجارة وشؤون الأقليات والأقطار الأخرى وهؤلاء ينتقون من الأوائل في صفوفهم منذ الدراسة الابتدائية حتى تخرجوا من أعلى مراتب الدراسات الجامعية بتقدير A أي بعلامة مئة بالمئة أو قريب منها . وكذلك الأمر في إسرائيل يتكامل ممثلو المعرفة والقدرة القتالية والثروة بشكل محكم ورائع .(1/26)
أما الدول العربية فقد وصلت منذ زمن طويل إلى ما حذر منه رسول الله حين قال ( في آخر الزمن يكثر في أمتي الخطباء ويقل الفقهاء والعلماء ) .. والسلطات الحاكمة المستبدة افتقرت إلى النضج السياسي بسبب افتقارها إلى مراكز المعرفة وهذا أدى إلى إفراز نتائج سلبية هي : النتيجة الأولى لجوء السلطات الحاكمة إلى إقامة المؤسسات البوليسية كالأمن والمخابرات والمؤسسات الإعلامية , حيث ترصد حركات جماعة وأحزاب الإصلاح وتعتقل الناشطين من أعضائها , وتلحق بهم وبأسرهم ألوان الأذى النفسي والجسدي والضرر المعيشي بينما تقوم الثانية بتتبع عورات حركات الإصلاح والتشهير بمساقطها , والتشكيك بمقاصدها وتشويه سمعة أعضائها والنتيجة الثانية نشوء بيئة عامة مشحونة بالقلق والتوتر وانتفاء الأمن وعدم الثقة وشيوع الخوف , وانعكست آثارها السلبية على الأخلاق العامة وصار الطابع المميز لشبكة العلاقات العامة هو انتشار النفاق وفساد الذمم والانتهازية وانتقاص إنسانية الإنسان في جميع المواقف والميادين والنتيجة الثالثة حيرة الجماهير ودهشتها أمام الصراع الجاري بين السلطة وحركات الإصلاح والنتيجة الرابعة حذر الخيرِّين من ممثلي الثروة وترددهم عن التعاون مع حركات الإصلاح والخوف من مفاجآت السلطة وانفعالاتها ولذلك لم يتجاوبوا مع سياستها ووعودها . والنتيجة الخامسة هي انقسام جماعات الإصلاح إلى قسمين : قسم مال إلى مهادنة السلطة وتملقها ورضي بالا عطيات التي تجود بها تحت ستار التعددية والديمقراطية , وقسم اختار السلبية التي تصاعدت وانتهت إلى التطرف والصدام المسلح مع السلطات الرسمية الحاكمة مما أدى إلى تجريم مسارات الإصلاح وسلبها شعبيتها وقتل فاعليتها . ثم كانت المحصلة النهائية لتفاعل هذه النتائج الخمسة هي استنزاف المقدرات وتبديد الطاقات وتوجيه عناصر القوة الأربعة عناصر المعرفة والثروة والمهارات السياسية والقدرة القتالية إلى نحور أهلها وجعلهم(1/27)
يخربون بيوتهم بأيديهم , وتظل الحاجة الملحة قائمة إلى الاستراتيجية الصافية التي تنتقي الألوف من أولي الألباب ممن يكونون أوائل الصفوف الدراسية ويحصلون على ما يزيد عن تسعين بالمئة في امتحان الثانوية ثم يجري إعدادهم وتربيتهم ليكونوا فريقين : فريق يتسلم القيادة الفكرية وتتجمع في مراكز الدراسات والبحوث ليتفكروا في مشكلات العالم الإسلامي ويبصروا قوانين الله في بناء المجتمعات وهدمها . وفريق يتسلم القيادة السياسية ويحول هذه القوانين إلى سياسات وخطط واستراتيجيات وبذلك تتكامل الطاقات والمؤسسات ويظهر جيل العلم والإيمان جيل صلاح الدين الجديد وتعود القدس للمسلمين وينتشر الإسلام في العالم ونبني حضارة إسلامية روحية تفوق حضارة الغرب المادية ، وبذلك نكسب الدنيا والآخرة ونرضي الله سبحانه الذي كلف الأمة الإسلامية أن تنشر الدعوة في أرجاء الأرض فكان لهذا التكليف حكمة معينة في تقدير الله وكانت له كذلك مقتضيات ، فأما الحكمة فهي كون الرسول هو خاتم الأنبياء وقد أرسل إلى البشرية كافة وإلى آخر الزمان ، وإن أمته تحمل رسالته من بعده بخصوصيتها هاتين أنها للبشر كافة وللزمن المقبل كله ، وأما ما يترتب على ذلك فهو فرض الجهاد على هذه الأمة لتوصيل الدعوة إلى آفاق الأرض ، ولم يكن الجهاد من أجل فرض العقيدة على الناس إذ لا إكراه في الدين ، إنما كان الجهاد من أجل أمر آخر هو إزالة العقبات التي تحول بين الناس وبين الاستماع إلى الحق كما هو على حقيقته متمثلة تلك العقبات في نظم جاهلية تحميها جيوش جاهلية ، فإذا أزيلت هذه العقبات فالناس أحرار يختارون لأنفسهم ما يقتنعون به بغير إكراه فالإسلام بهذا هو أكبر حركة تحريرية في تاريخ البشرية تحرر الإنسان من العبوديات الزائفة كلها مثل العبودية للأصنام والعبودية للقبيلة والعبودية للآباء والأجداد والعبودية للهوى والشهوات والعبودية للطواغيت ، فالإسلام هو الوجه المقابل للجهل بحقيقة(1/28)
الله الواحد الصمد المقصود بقضاء حوائج الكائنات كلها ، وبالله المستعان على ما يصفون والحمد لله رب العالمين .
ـ المرجع كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس للعلامة الدكتور ماجد عرسان الكيلاني
??
??
??
??
17(1/29)