مجالس رمضانية
تقديم ومراجعة
الشيخ محمد الحمود النجدي
إعداد
أحمد عبد الرحمن الكوس
Alkous66@hotmail.com
المبرة الخيرية لعلوم القرآن والسنة
(الكويت)
تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين وبعد ...
فإن أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على هذه الأمة هي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن الكريم عليه لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور, وتبصيرهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
فالقرآن كلام الله تعالى حروفه ومعانيه, قال عز وجل : (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) الشعراء/ 192-195 .
وقال سبحانه :(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) الفرقان/1.
وقد ابتدأ الله تعالى إنزال القرآن في هذا الشهر المبارك شهر رمضان فقال سبحانه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة/ 185.
فوصفه الله تعالى بأنه هدى للناس, كما وصفه في أول السورة بقوله : (الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) البقرة/1-5.
فهو هدى للمتقين بمعنى أنهم ينتفعون به ويستفيدون منه ويستضيئون بنوره ويعملون بأحكامه بخلاف غيرهم, نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
وقد قرأت ما كتبه الأخ الشيخ / أحمد الكوس من مجالس رمضانية نفع الله تعالى بها كاتبها وقارئها, وهدى المسلمين جميعاً إلى الاستفادة من أوقات صومهم وتعطير مجالسهم بذكر الله تعالى : (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد/28.
اللهم وفقنا لما تحب من الأعمال والأقوال النافعة, وجنبنا الزلل والخلل في القول والعمل, يا مجيب الدعاء ...(1/1)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه / محمد الحمود النجدي
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
أما بعد ,,,
فإن شهر رمضان المبارك نعمة عظيمة من نعم الله تعالى تفضل بها ربنا جل وعلا على عبادة المؤمنين فطوبى لمن جد واجتهد في هذا الشهر المبارك في قيام الليل وبذل الصدقة وصلة الأرحام وقراءة القرآن واستغل أيامه في مختلف أنواع العبادات والأعمال الصالحة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له, ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع 3510).
وتجد أخي القارئ في هذا الكتاب والذي أسميته (مجالس رمضانية) مختصر أحكام شهر رمضان المبارك وحرصت على إضافة أهم الأعمال الصالحة التي يحرص عليها المسلم في هذا الشهر لتزيد من إيمانه بالله تعالى وتقويه.
وأسال الله تعالى أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يرزقني الأجر والمثوبة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أحمد عبد الرحمن الكوس
المجلس الأول
موعظة في بلوغ شهر رمضان
قال معلى بن الفضل : كانوا (السلف) يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان, ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير : كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان, وسلم لي رمضان, وتسلمه مني متقبلاً.
بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه, ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم, ثم مات الثالث على فراشه بعدهما, فرؤي في المنام سابقاً لهما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"أليس قد مكث هذا بعده سنة فأدرك رمضان فصامه وصلى كذا وكذا سجدة في السنة ؟ فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض" رواه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/281 رقم (1316).(1/2)
من رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم, ومن حُرم خيره فهو المحروم, ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم.
أتى رمضان مزرعة العباد ……لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا …وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها …تأوه نادما يوم الحصاد
يا من طالت غيبته عنا, قد قربت أيام المصالحة, يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة, من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح ؟ من لم يقرب فيه من مولاة فهو على بعده لا يبرح.
أناس أعرضوا عنا ……بلا جرم ولا معنى
أساءوا ظنهم فينا ……فهلا أحسنوا الظنا
فإن عادوا لنا عدنا … وأن خانوا فما خنا
فإن كانوا قد استغنوا …فإنا عنهم أغنا
كما ينادي : حي على الفلاح وأنت خاسر ؟
كم تُدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر ؟!
إذا رمضان أتى مقبلاً …فأقبل فبالخير يستقبل
لعلك تخطئه قابلاً ……وتأتي بعذر فلا يقبل
كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله, فصار قبله إلى ظلمة القبر. كم من مستقبل يوماً لا يستكمله, ومؤمل غدا لا يدركه. إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره, لأبغضتم الأمل وغروره.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها, فقال فيها : إنكم لم تخلقوا عبثا, ولن تتركوا سدى, وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده, فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحُرم جنة عرضها السماوات والأرض.(1/3)
ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين, وسيرثها بعدكم الباقون ؟ كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين. وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه, وانقضى أجله, فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد, قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب, وواجه الحساب, غنياً عما خلف, فقيراً إلى ما أسلف, فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته, وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي, ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق, ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه :
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب …حتى عصى الله في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما …فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا ……فإنه شهر تسبيح وقرآن
واحمل على جسد ترجو النجاة له ……فسوف تضرم أجساد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف …من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً ……فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطعها……فأصبحت في غد أثواب أكفان
حتى متى يُعمر الإنسان مسكنه ……مصير مسكنه قبر لإنسان
(بتصرف من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص 281-282)
المجلس الثاني
فضائل رمضان والصيام
حمدا لله تعالى الكريم المنان العظيم صاحب الفضائل والنعم الكثيرة والآلاء العظيمة, حمداً لله تعالى المتفضل علينا بهذا الشهر الكريم الذي فيه تصفد الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنان, حمدا لله تعالى الذي بلغنا شهر رمضان شهر القرآن وشهر التقوى والإيمان.
أحبتي في الله هذا هو شهر رمضان نزل بساحتكم شهر كريم وموسم عظيم خصه الله تعالي بالتشريف والتكريم ففرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام شهر إجابة الدعوات ومضاعفة الحسنات وشهر العتق من النيران.(1/4)
شهر الخير والبركات قال تعالي { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان } ( البقرة / 185 ) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ( أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) (صحيح رواه أحمد 9/225 ( الفتح الرباني ) والنسائي 4/129 وصححه الألباني في الترغيب 1/490).
ففي هذا الحديث بشارة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعباد الله الصالحين بقدوم شهر رمضان المبارك. لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر الصحابة رضي الله عنهم بقدومه وليس هذا إخبارا مجردا بل معناه : بشارتهم بموسم عظيم يقدره حق قدره الصالحون المشمرون حيث بين فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) ما هيأ الله لعباده من أسباب المغفرة والرضوان فمن فاتته المغفرة في رمضان فهو محرم أشد الحرمان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وفي رواية ( أبواب الجنة ) وفي رواية ( أبواب الرحمة ) وغلقت أبواب جنهم وسلسلت الشياطين ) " أخرج البخاري 4/112 ومسلم 1079".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغُلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) " رواه الترمذي 3/359 وابن ماجة 1642 وهو حسن".(1/5)
فكفى شرفاً وفضلاً لهذا الشهر الكريم أنه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وذلك لكثرة الخير في رمضان وزيادة الإقبال على أسباب المغفرة والرضوان فيقل الشر في الأرض حيث تصفد مردة الشياطين بالسلاسل والأغلال والأصفاد فيتهيأ للمسلمين الانشغال بالصيام وتلاوة القرآن وذكر الله تعالي. وقال القرطبي كما نقل عنه الحافظ في الفتح 4/114 (فإن قيل كيف نري الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك ؟
فالجواب، أنها إنما تقل عند الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات أو المقصود تقليل الشرور فيه ويضيف أيضاً لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية). فلذلك إنه من فضل الله تعالى أن يتوب العُصاة ويرجعون إلي ربهم ويحرصون على الطاعة وينخرطون في صفوف الجماعة في المساجد.
وهذه فرصة عظيمة ينبغي أن يستغلها الأئمة والخطباء في توجيه وإرشاد العُصاة إلي أهمية هذا الشهر الكريم ووجوب التوبة والعودة إلي الله تعالي .
ومن فضائل هذا الشهر المبارك غفران الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له " ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه فلم يدخلاه الجنة"
( صحيح رواه الترمذي وأحمد صحيح الجامع 3510 ).
وعنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "
( أخرجه البخاري 3/59 ومسلم 1/524 رقم 175 ).(1/6)
فهذه بشارات تزيد من نشاط المسلم وإقباله على الطاعة وعلى المسلم أن يجيب هذا النداء مسارعاً إلي فعل الخيرات والطاعات منظماً وقته ومستفيداً من موسم الطاعة ومتجنباً المعاصي والكبائر في هذا الشهر وليكن شعارنا يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
فضائل الصوم :-
من فضائل الصيام أنه سبب المغفرة وتكفير السيئات ففي الصحيحين ( البخاري 1/92 ومسلم 759 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" يعني إيمانا بالله ورضا بفرضية الصوم واحتسابا لثوابه وأجره فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه. وفي صحيح مسلم ( 233 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : " الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
ومن فضائل الصوم أن ثوابه لا يتقيد بعدد معين بل يعطي الصائم أجره بغير حساب ففي الصحيحين ( البخاري 4/103 ومسلم 2/802 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : قال الله تعالي " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به, والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه".
وفي رواية لمسلم (2/807) :" كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف قال تعالي :" إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ". فتكفل الله تعالي بمجازاة الصائم على صيامه وذلك لأن الصيام عبادة بين العبد وربه وما يتعلق بها من إخلاص واستجابة لله ونصب وتعب لا يطلع على قدره إلا الله تعالي فلذلك كل عمل له أجر محدود يضاعف حتى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإن أجره دون حساب.(1/7)
فلذلك على الصائم أن يدرك أن الصيام وقاية من النار وحاجز عن ارتكاب المعاصي والأثام فيدرب نفسه ويؤدبها على الطاعة وقال العلماء هناك شبه بين الصيام والصبر كما قال تعالي { إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب } ( سورة الزمر / 10 ).
ومن فضائل الصوم أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة فعن ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان " رواه أحمد 2/174 والطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/411 رقم 973 ).
المجلس الثالث
من أحكام الصيام
المسألة الأولي: النية
ينبغي للمسلم أن يبيت النية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر وذلك إذا ثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال أو إعلان البلد به .
لقوله تعالي : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" (البينة /5).
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه البخاري 1/9 ومسلم 1907).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له " ( أخرجه النسائي والبيهقي / صحيح ).
ولقوله صلي الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " ( أخرجه أو داود 7/122 وابن خزيمة 1933 والنسائي 4/196 صحيح ).
فهذه الأدلة تبين أن الصيام لا بد له نية كسائر العبادات كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه :" اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية ".
والنية محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها لأنها بدعة ومن خطر بباله أنه سوف يصوم غداً فقد نوي وكذلك من تسحر للصيام فهذا من دلائل الصيام والنية تعتبر الفيصل الحقيقي بين العبادة والعادة.(1/8)
وتبييت النية مخصوص بصيام الفريضة وأما النفل فيجزي بنية من النهار وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي عائشة رضي الله عنها في غير رمضان فيقول: " هل عندكم غداء ؟ وإلا فإني صائم " أخرجه مسلم / ( 1154 ).
المسألة الثانية : الإمساك عن المفطرات
وذلك من طلوع الفجر إلي غروب الشمس، لقوله تعالي :{ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل } ( البقرة : 187).
فأباح الله تعالي الأكل والشرب إلي طلوع الفجر الثاني ثم أمر بإتمام الصيام إلي الليل.
والمراد بالأكل والشرب إيصال الطعام أو الشراب من طريق الفم أو الأنف أو السعوط في الأنف كالأكل والشرب وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " ( صحيح أبي داود للألباني 2/450 ).
وينبغي للمسلم أن يعلم أن الفجر فجران : الكاذب والصادق, والصادق هو الذي يحرم عليه الطعام والشراب وعليه الإمساك.
والفجر الكاذب : هو البياض المستطيل الساطع، وأما الصادق فهو الأحمر المستطير المعترض على رؤوس الجبال والمنتشر في الطرق والسكك والبيوت وعن سمرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم آذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير " ( أخرجه مسلم / 1094).
وإذا تبين للصائم ذلك فليمسك عن الأكل والشراب، وإذا كان في يده كأس من ماء فيجوز له أن يشربه لأنها رخصة من الله تعالي ولو سمع الأذان.
لقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه" ( صحيح أبو داود للألباني 2/447 ورواه الحاكم وأحمد).
والمقصود بالنداء آذان الفجر الثاني للفجر الصادق بدليل الزيادة التي رواها أحمد وابن جرير عقب الحديث :" وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر".
بدعة الإمساكية :(1/9)
وأعلم أيها المسلم أن ما يسمي بالإمساك الاحتياطي قبل الأذان بربع ساعة بدعة وقد نبه عليه الحافظ ابن حجر في الفتح ( 4/199 ).
قلت : وهذا منتشر في عصرنا فيما يسمي الإمساكية فعلي أصحاب الجمعيات الخيرية والمؤسسات والشركات التنبه لذلك، وعدم نشر هذه البدعة التي لا أساس ولا دليل عليها.
المجلس الرابع
مباحات الصيام ومفسداته
من فضل الله تعالي على عبادة الصائمين أنه أباح لهم عدة أمور ورفع عنهم الحرج، وهذا مما لا شك فيه أن الله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، والمسلم يتقي الله تعالي ما استطاع إليه سبيلا .
1- السواك للصائم :
يجوز للصائم أن يستاك في نهار رمضان لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " ( أخرجه البخاري 847 ومسلم 252 وفي رواية ) عند كل وضوء " أخرجها النسائي وابن خزيمة وصلاه عن مالك انظر الإرواء للألباني 1/109 ).
فلم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم من غيره هو عام يشمل السواك عند كل صلاة للمفطر والصائم.
ولحديث زياد بن جرير قال :" ما رأيت أحداً أدوم سواكاً وهو صائم من عمر بن الخطاب "( رواه ابن أبي شيبه 3/35 بإسناد صحيح وعن نافع عن ابن عمر : " أنه لم يكن يري بأساً بالسواك للصائم " ( رواه ابن أبي شيبه 3/35 بإسناد صحيح).
قال ابن تيميه رحمة الله : ولم يقم على كراهة السواك بعد الزوال دليل شرعي يصلح أن يخصص عمومات نصوص السواك ( مجموع الفتاوى 25/266 ).
2- الصائم يصبح جنباً:
حيث كان من فعله صلى الله عليه وسلم أنه يدركه الفجر وهو جنب فيغتسل بعد الفجر ويصوم.
فعن عائشة وأم مسلمة رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم : ( أخرجه البخاري 4/143 ومسلم 1109 ).
فدل الحديث على أن الصائم إذا أصبح جنباً بأن طلع الفجر عليه وهو جنب من جماع أو احتلام فصومه صحيح.(1/10)
وكذلك الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ورأت الطهر قبل الفجر فإنها تصوم مع الناس ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وعليها أن تبادر بالغسل لتصلي صلاة في وقتها.
3- المباشرة والقبلة للصائم :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه " ( رواه البخاري 4/149 ومسلم 1106 ).
وينبغي للصائم أن يتحرز مما يفسد صومه إذا كان لا يملك نفسه فيترك القبلة والمباشرة سداً للذريعة وحفظاً للصيام من إفساده.
4- المضمضة والاستنشاق :
حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ( صحيح أبو داود للألباني 2/450 ).
فدل على جواز المضمضة ولكن بشرط عدم المبالغة لئلا ينزل الماء في جوفه .
5- تذوق الطعام لحاجة :
ولكن بشرط عدم دخول الحلق لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : " لا باس أن يذوق الخل أو لشيء ما لم يدخل حلقة وهو صائم " ( رواه البخاري معلقاً ووصله ابن أبي شيبه 3/47 وسنده حسن ).
6- الكحل والقطرة في العين :
وهذه الأمور لا تفطر حيث نص عليها شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في رسالته حقيقة الصيام.
وذلك عن أنس : " أنه كان يكتحل وهو صائم " ( صحيح أبو داود 2/452 وقال الألباني حسن موقف وأخرجه ابن أبي شيبه 3/47 ).
7- تحليل الدم وضرب الإبر :
فلا تفطر الصائم ولكن بشرط أن لا تكون هذه الإبر مغذية كالجلوكوز، ولكن لو كانت إبرة عادية حقنة دواء فلا بأس بها.
8- الأكل والشرب ناسياً :
لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " ( متفق عليه - البخاري 4/155 ومسلم 1155 ).
مفسدات الصيام :
1-2 ) الأكل والشرب عمداً :(1/11)
فإن أكل أو شرب ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً فلا قضاء عليه ولا كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم : "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " (البخاري 3/40 ومسلم 2/809 رقم 171 ).
3- القيء عمدا :
فإن غلبة القيء، فلا قضاء عليه ولا كفارة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض " ( رواه أحمد وأبو داود ).
4-5 ) الحيض والنفاس :
ولو في اللحظة الأخيرة قبل غروب الشمس.
6 ) الاستمناء :
سواء كان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه أو كان باليد فهذا يبطل الصوم ويوجب القضاء.
7) الجماع ممن يلزمه الصوم :
وهو يوجب القضاء والكفارة لقوله تعالي : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل ( سورة البقرة / 187 ) والكفارة هي عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا (انظر فقه السنة بتصرف 1/586-588).
المجلس الخامس
من يباح لهم الفطر وأحكام القضاء
من رحمة الله تعالي علينا أن دين الإسلام دين يسر لا عسر فلم يكلف الله تعالي النفوس ما لا طاقة لها به .
قال تعالي: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ( سورة الحج / 78 ) وقال تعالي:
{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ( سورة البقرة / 185 ).
فلذلك أباح الله تعالي الفطر بشروط ( للمرضي والمسافرين ) وهؤلاء إن أفطروا فعليهم قضاء ما أفطروا في أيام أخر لقوله تعالي : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( البقرة / 184 ).(1/12)
وفي ذلك رفع للحرج والمشقة التي تصاحب المسافر والمريض، ويرخص للشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه الفطر إذا كان الصيام يرهقهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة وعليهم الفدية، وهي طعام مسكين لقوله تعالي: {وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}( سورة البقرة / 184 ).
ويطعم المسكين من غالب قوت البلد وله الخيار بين تفريقه حباً على المساكين وبين أن يصنعه ويطعمهم إياه، قال الشيخ عبد الله البسام، ( قدر إطعام المسكين هو مد من البر ( الحنطة ) ونصف صاع من غيره.
والصاع النبوي أربعة أمداد كل مد هو ( 625 ) غرام فالصاع النبوي ( 2500 ) غرامات ( انظر توضيح الأحكام من بلوغ المرام 3/186 ).
ويحرم على الحائض والنفساء الصوم وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم عن المرأة " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " ( رواه البخاري 1/405 ومسلم 79 ).
ومتي حاضت المرأة ولو قبيل غروب الشمس بدقائق لزمها قضاء ذلك اليوم ولم يصح صومها فيه.
وإذا طهرت أثناء النهار لم يلزمها الإمساك على الراجح من كلام أهل العلم إذ لا معني لصيامها بعض النهار وقد أفطرت بعضه.
والنفساء تأخذ حكم الحائض وعليهما القضاء بقدر الأيام التي يفطرانها ولو طهرت الحائض أو النفساء قبيل طلوع الفجر لزمها الصيام ولو لم تغتسل.
ويجوز للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما من الصوم فإنهما تفطران وتقضيان وقال أهل العلم أن المرضع والحامل إذا خافتا على نفسيهما فيجب عليهما القضاء فقط وإذا خافتا على ولديهما فيجب عليهما القضاء والفدية.
ومن أفطر بعذر كحيض أو نفاس أو مرض أو سفر وتكاسل في القضاء حتى دخل عليه رمضان الثاني من دون عذر فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم مع المبادرة إلي التوبة والاستغفار بسبب تأخيره للقضاء.
أما إن كان تأخيره للقضاء بعذر كاستمرار سفره أو مرضه فلا حرج عليه وليس عليه إلا القضاء ولو بعد رمضان الثاني.(1/13)
المجلس السادس
صلاة التراويح والقيام
صلاة التراويح والقيام والتهجد لها طعم ومذاق خاص يعرفه الصالحون وهي من أهم العبادات التي شرع للمسلم أن يحرص عليهما في شهر رمضان .
فضلها:
حثنا الله تعالى على قيام الليل زيادة في التطوع والأجر العظيم تفضلاً من الرب جل وعلا قال تعالي {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} ( الفرقان / 64 ). وقال تعالي {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} ( سورة السجدة / 16-17 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " ( رواه الترمذي وصححه الألباني صحيح الترغيب 1/253 رقم 612 ).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( رواه البخاري 4/250 ومسلم 759 ) وزاد مسلم في أوله : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمته ثم يقول : " من قام رمضان .... " ( زيادة عند مسلم 759 صحيح الترمذي للألباني 1/243 ).
وعن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قُضاعة فقال : يا رسول الله : أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وصمت الشهر، وقمت رمضان وأتيت الزكاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " ( أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وغيرهما بسند صحيح - راجع تعليق الشيخ الألباني على ابن خزيمة 3/340/2262. وصحيح الترغيب 1/419 ).
مشروعية الجماعة في القيام :(1/14)
قال الشيخ الألباني رحمه الله :" وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه وبيانه لفضلها بقوله كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر، حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت: يا رسول الله ! لو نفلتنا قيام هذه الليلة : فقال :" إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونسائه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح.
قال: قلت : ما الفلاح ؟ قال : السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر: ( قيام رمضان للألباني وقال صحيح أخرجه أصحاب السنن راجع صحيح أبي داود 1245 والإرواء 447 ).
عدد ركعاتها :
رجح الشيخ الألباني ( قيام رمضان ص 22 ) عدد ركعات صلاة القيام إحدى عشر ركعة، وقال ونختار أن لا يزيد عليها اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟
فقالت : "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً"( أخرجه البخاري 3/1 ومسلم 716 وصحيح أبي داود 1212 )، وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح 4/ 54 : " هذا مع كونها أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلا من غيرها ".
القيام مع الإمام يكتب له قنوت ليلة :
عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا صلي مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة " ( سنده صحيح رواه أبو داود 1375 والترمذي 3/520 والنسائي 3/202- انظر صلاة التراويح للألباني ص 15 ).(1/15)
قال الألباني : " الشاهد قوله :" من قام مع الإمام .. " فإنه ظاهر الدلالة علي فضيلة قيام رمضان مع الإمام ".
وقال الشيخ محمد بن عثيمين ( مجالس رمضان ص 19 ) : ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد إذا أمنت الفتنة منهن وبهن ولكن يجب أن تأتي متسترة متحجبة غير متبرجة ولا متطيبة ولا رافعة صوتا ولا مبدية زينة.
الدعاء بعد الوتر :
وإذا سلم من الوتر قال : سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس سبحان الملك القدوس ( ثلاثا ) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة ( صحيح أبي داود 1284 والنسائي 3/244 وأحمد 5/123 ).
المجلس السابع
فضل قراءة القرآن
رمضان شهر القرآن فينبغي على المسلم أن يحرص على قراءة كتاب الله وختمه أكثر من مرة مع تدبره والاستفادة منه. عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزلت صحف إبراهيم أو ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت مع رمضان "( رواه أحمد 4/107 وحسنة الألباني في الصحيحة 4/104 رقم 1575 ).(1/16)
قال تعالي : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان } ( البقرة 185 )، وقال تعالي : {إنا أنزلناه في ليلة القدر} (القدر / 1) وقال تعالي : {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} ( الدخان / 3 ). قال ابن جرير الطبري: "نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلي محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه". قال تعالي : {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ( الإسراء / 82 ) فالقرآن شفاء ورحمة وطمأنينة وأمان وشفاء من الحيرة والقلق والحزن والنكد والوسوسة قال تعالي : {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } ( فاطر / 29-30 ). قال صلى الله عليه وسلم : " أوصيك بتقوى الله تعالي، فإنه رأس كل شئ وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله تعالي وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض " ( حسن - رواه أحمد عن أبي سعيد وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3543 ).(1/17)
وقال صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ( رواه البخاري 6/108 وأبو داود 1/226 وابن ماجه 1/92 ) . وقال صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف "( حسن رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 6289 ). وقال صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ( ألم ) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " ( رواه البخاري في التاريخ والترمذي والحاكم عن ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6469 ). قال ابن رجب : " كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها". كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة " ( الحلية 2/388 لطائف 191 ).
"وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث"
( لطائف 191 ). والشافعي قال عنه ربيع بن سليمان : "كان محمد بن أدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمه ما منها شئ إلا في صلاة " قال ابن عبد الحم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل علي تلاوة القرآن.
رمضان والشفاعة :
لأنه شهر الصيام والقرآن وهما يشفعان للعبد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : " القران شافع مشفع وما حل مصدق ( أي شاهد ) من جعله أمامه قاده إلي الجنة. ومن جعله خلفه ساقه إلي النار " ( رواه ابن حبان وابن ماجه عن جابر والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 4443 ).(1/18)
وقال صلى الله عليه وسلم : " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " ( رواه أحمد ومسلم 804 عن أبي أمامة )
وقال صلى الله عليه وسلم : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام، أي رب إني منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفان "( صحيح رواه أحمد والطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/411 رقم 973 ). قال ابن رجب ( اللطائف 192 ) : " فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أولا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ويقول يا رب منعته شهواته فشفعني فيه. فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه في شهواته فإما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له : ضيعك الله كما ضيعتني.
المجلس الثامن
آداب قراءة القرآن
على الصائم أن يتأدب بآداب التلاوة لكتاب الله تعالى ومنها:
أولا: إخلاص النية لله تعالي لأن أي عمل من الأعمال لا يقبله الله ما لم يكن خالصاً له وحده، يقول تعالي : {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} ( غافر / 14 )، ويقول تعالي ، {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصي له الدين حنفاء} ( البينة / 5 ).
ثانيا : أن يقرأ بقلب حاضر منصرف إلي السماع ويتدبر كل ما يقرؤه ويحاول الفهم قدر استطاعته وأما أولئك الذين يهذون القرآن هذا ولا يتدبرون معانيه ولا يخشعون عند وعده ووعيده فقلوبهم مشغولة بغير القراءة من متاع الدنيا وعرضها الزائل.(1/19)
ثالثاً: أن يقرأ على طهارة كاملة، لأن هذا من تعظيم كلام الله واحترامه ولا حرج عليه لو كان مضطرا للقراءة ولا يجد وسيلة لبلوغ الماء كمن يرقد على السرير أو في سيارة لا يملك إيقافها أو في طائرة أو في سجن وما أشبه ذلك فهؤلاء قد يكونون معذورين وهم علي غير طهارة شريطة أن يتطهروا من الحدث الأكبر والله أعلم.
رابعاً: إلا يقرأ في أماكن مستقذرة كدورات المياه وأماكن المنكرات والمعاصي أو في مجتمع لا ينصت له كمجتمع البيع والشراء أو مجتمع الرياضة أو مجتمع لعب الورق غير ذلك من المجتمعات المشغولة لأن القراءة في هذه الأماكن إهانة لكتاب الله.
خامساً : أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند بدء القراءة سواء كان من أول السورة أو من وسطها لقول الله تعالي : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ( النحل / 98 ).
سادسا: أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع إلي ذلك سبيلا لما روي عن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أذن الله لشيء ( أي ما استمع لشيء ) كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ( رواه البخاري 6/236 ومسلم 2/193 )
والجهر بالقراءة أولي إلا إذا كان حوله من يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي فإنه حينئذ يجهر جهرا خفيفا يسمعه هو ولا يسمعه من حوله.
سابعا: ومن آداب تلاوة القرآن أن يسجد عند تلاوة الآيات التي فيها سجود سواء كان الوقت وقت نهي أو غيره.
موعظة :
يقول ابن رجب :
( يا من ضيع عمره في غير الطاعة يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة).
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ(1/20)
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وقائم حظه من قيامه السهر كل قيام لا ينهي عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدا وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.
يا قوم أين آثار الصيام ؟ أين أنوار القيام ؟
إن كنت تنوح يا حمام البان ………للبين فأين شاهد الأحزان
أجفانك للدموع أم أجفاني ………لا يقبل مدع بلا برهان
هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يُتلى فيه بين أظهركم ويسمع وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع ومع هذا فلا قلب يخشع ولا عين تدمع.
المجلس التاسع
عمرة في رمضان تعدل حجة
ينبغي للمسلم أن يحرص على فضائل الأعمال والعبادات في شهر رمضان المبارك ويتذكر أن مضاعفة الأجر والأعمال تكون لشرف المكان كالحرم الذي تضاعف الصلاة في مسجدي مكة والمدينة ومنها شرف الزمان كشهر رمضان وعشر ذي الحجة.
كذلك أحرص أخي المسلم على أداء العمرة في رمضان وهي فريضة عظيمة يضاعف أجر العمرة فيها وتصل إلي أن تعدل ثواب حجة فعن عطاء رحمة الله عن أبن عباس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها: ما منعك أن تحجي معنا ؟ قالت كان لنا ناضح فركبة أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحاً ننضح عليه قال : " فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة" ( رواه البخاري 3/603 ومسلم 1256 ).
قال المناوي ( 4/361 ) أي تقابلها وتماثلها في الثواب لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت ولا تقوم مقامها في إسقاط الفرض بالإجماع".
ولا شك أن هذا من فضل الله تعالى على عباده حيث صارت العمرة بمنزلة الحج في الثواب بسبب شهر رمضان المبارك.
وهذا دليل على أن الثواب يزيد بزيادة شرف الوقت.(1/21)
وعلى المسلم أن يحرص على كثرة الجلوس في الحرم ويجتهد في قراءة القرآن وصلاة التراويح أو القيام ويقبل على الله تعالي بالذكر والدعاء والتسبيح والتهليل والصدقة حافظاً أوقاته مبتعداً عن الدنيا وعن الأسواق حتى لا يضيع وقته بما لا ينفعه.
ويتذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" ( رواه البخاري 3/63 ومسلم 1394 ).
وعلى المسلم أن يتأدب ويتخلق بأخلاق الإسلام فلا يزاحم ولا يؤذي المسلمين خصوصاً في الطواف والسعي وليكن ذو حلم وصبر حتى لا ينقص أجره.
وعليه أن يكون هيناً ليناً يفسح المجال لا خوانه المسلمين ويغض بصره عن الحرام ويساعد المحتاجين من الفقراء والمساكين.
المجلس العاشر
فضل الجود في رمضان
في شهر رمضان موسم عظيم للصدقة والإحسان وإيصال البر إلي الفقراء والمحتاجين والمساكين فهو فرصة سانحة للباذلين والمعطين.
والله تعالى يقول: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} (البقرة / 261).
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ".
وقال ابن حجر أجود الناس : أكثر الناس جوداً والجود الكرم وهو من الصفات المحمودة وقوله أجود بالخير من الريح المرسلة أي المطلقة يعني في الإسراع بالجود أسرع من الريح وعبر بالمرسلة إشارة إلي دوام هبوبها بالرحمة وإلي عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ( فتح الباري- 1/30 ).
وفي رواية للإمام أحمد زيادة عن الحديث السابق : "ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا ".(1/22)
وفي صحيح الترمذي 1-209 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "ينادي فيه مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة".
وقال ابن رجب الحنبلي : وكان جودُه أي صلى الله عليه وسلم بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالي في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم ( لطائف المعارف ص 306 ).
وفي صحيح مسلم "ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلي قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ".
وقال ابن رجب : وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضاً، فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة وكان على ذلك من قبل البعثة.
وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فوائد كثيرة منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه .
ومنها : إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم كما أن من جهز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله فقد غزا.
وفي الحديث "من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً " ( صحيح الترمذي 1/243 للألباني وابن ماجه 1746 ).
ومنها : أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث على رضي الله عنه قال : "إن في الجنة غرفاً يري ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها " قالوا : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " لمن طيب الكلام وأطعم الطعام. وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " ( رواه الترمذي بإسناد حسن ).
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهي فيه الصائم عن اللغو والرفث.(1/23)
ومنها : أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير.
ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل ونقص وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.
ختاما : تذكر أيها الصائم أن رمضان يدعوك للبذل والعطاء ورحمة الفقراء والمساكين وتذكر أن الأموال والكنوز والقصور مالها إلي الزوال والضياع وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقصت صدقة من مال (مختصر صحيح مسلم 1790).
المجلس الحادي عشر
رمضان شهر الدعاء
من فضائل هذا الشهر المبارك أن الدعاء مستجاب فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر والإمام العادل، ودعوة المظلوم " ( صحيح رواه الترمذي وابن ماجه 1752 ).
فالصائم حين يصوم يصبح منكسر القلب ضعيف النفس ويذل جموحه ويقترب من ربه تعالي ويترك الطعام والشراب طاعة لله تعالى ويكف عن الشهوات استجابة لرب الأرض والسموات.
وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " ( رواه أحمد والترمذي وأبو داود صحيح الجامع 3407 ).
قال الله عز وجل : {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلم يرشدون} ( البقرة 186 ).
فالدعاء عبادة لأنه تذلل وخضوع إلي الله تبارك وتعالي فهو حبل متين وعروة وثقى وصلة ربانية.
والله تعالي يطلب منا أن ندعوه لأن المسلم بحاجة إلي الله تبارك وتعالي قال تعالي : {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} ( سورة الأعراف/ 55 ) وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } ( سورة غافر / 60 ).(1/24)
وشهر رمضان هو شهر الدعاء وشهر الإجابة وشهر التوبة والقبول وينبغي على المسلم عندما يدعو أن يكون علي حال من الانكسار والاضطرار والإخبات والانقطاع من الأمل في غير الله وإلا يكون دعاؤه على سبيل التجربة غير الواثقة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه"
( رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح الجامع 245 ).
ومن الآداب الثناء على الله تعالي والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء وأن يحرص الداعي على الالتزام بآداب الدعاء من وضوء واستقبال للقبلة ورفع اليدين وان يتوسل إلي الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وإلا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.
وأن يبتعد عن الأمور التي تمنع إجابة الدعاء منها : أكل الحرام سواء عن طريق الربا أو الغش أو غيره.
ففي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلي السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يُستجاب لذلك.
ولا تنسى أخي المسلم أن تختار الزمان الفاضل وذلك في وقت السحر وفي أدبار الصلوات المكتوبات بعد التشهد وقبل السلام وما بين الأذان والإقامة وفي الساعة الأخيرة من يوم الجمعة وعند دخول الإمام إلي أن تنقضي صلاة الجمعة.
وأخيرا فلا تنسى وقت الإجابة عندما تفطر فإن دعوة الصائم عند فطره مستجابة.
وأعلم أخي المسلم أن ترك الدعاء والغفلة عنه يدل على التكبر وهو مدعاة لغضب الله تعالي قال تعالي : { قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعائكم } ( سورة الفرقان / 77 ).
المجلس الثاني عشر
لماذا نصلي !!
أخي الصائم أحرص على أداء الصلاة، وإذا كنت متكاسلا عن أدائها فهذه فرصة عظيمة في هذا الشهر المبارك بأن تعقد العزم على أدائها جماعة في المسجد وتستمر عليها طوال العام.(1/25)
ولا شك أن الشيطان يزين لفئة من الناس ترك الصلاة والبعض يراها عبئا ثقيلا والبعض يعتذر بالانشغال بالعمل أو أنه يكون على غير طهارة وأنه سوف يصلي إذا عاد إلي البيت وهناك من يجاهر بالعصيان فيردد " الله يهدينا " ثم يزعم هؤلاء أنهم مسلمون {فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} ( سورة المدثر / 49-51 ).
فتعال أخي المسلم نعالج مواقف هؤلاء لترك الصلاة ..هل الصلاة غرامة يؤديها الإنسان؟ أو هي مبدأ إلزامي يُكره عليه الإنسان ..؟ أو هي تقييد للحرية ؟ أو هي مضيعة للوقت؟ !! وهل الله عز وجل بحاجة إلي صلاتنا ؟ !!.
أولا: الصلاة ليست غرامة تؤدى بل هي أمانة يؤديها المسلم كل يوم خمس مرات جماعة فيشهد له بالوفاء والصدق والإخلاص.
فهي دليل على صفاء النفس والإفصاح عما ينطوي عليه القلب من محبة الله تعالي وتقدير فهي اعتراف بحق وشكر أرأيت أيها الإنسان لو قدم لك أحد قطعة حلوى أو هدية أو أسدى لك معروفا إلا تحترمه إلا تتمنى أن تكافئه فكيف بالخالق المنعم عليك بالعقل والحواس والرزق والصحة والعافية.. إلا يستحق الشكر على هذه النعم، ويكون ذلك بوضع الجبهة على الأرض إقرارا بالربوبية والألوهية.
ثانيا: الصلاة ليست مضيعة للوقت فعندما ينسل الإنسان من ضوضاء العمل وصخب الرائحين والغادين فيقف في مصلاه فسوف تهدأ نفسه ويطمئن قلبه ويستريح جسمه وينطفئ غضبه {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ( سورة الرعد / 18 ). فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد منهك القوة من قتال الأعداء قال : يا بلال أرحنا بها أي بالصلاة.
ثالثا: ليست الصلاة أمراً مباحاً كأمور المعيشة أو اختيارا بل هي أمر جازم لها وقت محدد وهيئة خاصة.(1/26)
رابعاً: الصلاة حاجة ضرورية تستدعيها الحياة كالطعام والشراب قوام الجسم والصلاة قوام الروح ومادة الطمأنينة ترفع صاحبها عند ربه بعيداً عن سفاسف الأمور فيستقيم في شئون حياته وهي الحد الفاصل بين الكفر والإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم : "بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك" ( رواه الطبراني انظر صحيح الترغيب للألباني 1/227 رقم 565 ) وفي رواية : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" ( رواه أحمد صحيح الترغيب 1/ 226 رقم 563 ).
فالصلاة تهذب أخلاقه وتحول بينه وبين الفساد والزيغ والفحشاء والمنكر.
وكيف يرتكب المنكر وهو يعلم أنه سوف يقف بين يدي ربه وليعلم أن الله ليس بحاجة إلي صلاتنا بل نحن بحاجة إلي الصلاة قال تعالي : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد} ( سورة فاطر / 15 ).
لقد خلق الله عباده عراة ضعاف الجسم فغذاهم وقواهم وأمدهم بالصحة والعقل والجسم وبيده ملكوت السموات والأرض .. فهل هو بحاجة إلي صلاتنا جل وعلا ؟.
أخي المسلم : صل ترض الرحمن.. وتسخط الشيطان الصلاة نور تزيل ظلام الزيغ والباطل وأعلم أن الصلاة هي أكبر عامل في صدك عن المعاصي لتنجو بنفسك من العذاب الأليم.
بتصرف واختصار من كتاب لماذا أصلي ؟ للشيخ عبد الرؤوف الحناوي .
المجلس الثالث عشر
عقوبة المفطرين في الآخرة
لا شك أن صيام رمضان أحد أركان الإسلام الذي فرضه الله تعالي قال تعالي : {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} ( سورة البقرة / 183 ).
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" ( البخاري 1/49 - مسلم 16 ).(1/27)
ومن ترك صيام رمضان بغير عذر فلا يخلو إما أن يتركه جحودا والعياذ بالله وإما أن يتركه كسلا، فإن تركه جحودا بأن جحد وجوبه فقال، إن الصيام ليس بواجب في الشرع فهذا كافر مرتد لأنه أنكر أمراً مجمعاً معلوماً من الدين بالضرورة وركناً من أركان الإسلام وأما من تركه كسلاً فالوعيد الشديد ينتظره.
فلذلك يتساهل البعض بتعمد الإفطار في رمضان بل وأن بعضهم لا يعرف حرمه لرمضان فهو فاطر شهر رمضان بأكمله ولا كرامة وتجده في صحة وعافية ولكن نفسه ضعيفة وشيطانه أقوي منه. والأخطر من ذلك من يجاهر بالإفطار في رمضان فتجده يتحدى مشاعر المسلمين الصائمين فيدخن ويأكل ويشرب في العمل أو في الشارع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل أمتي معافى إلا المجاهرون" ( رواه البخاري ومسلم ).
ونصيحتي إلي كل مسلم يتساهل بالإفطار أن يتذكر أن الله تعالي مطلع على السرائر علام الغيوب.
قال تعالي: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} ( غافر / 19 ) وقال تعالي: {إن الله لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء} ( أل عمران / 5 ).
فاتق الله تعالي واقبل على هذا الشهر المبارك بنفحاته ورحمته وأخلص صيامك لوجه الله تعالي وتحمل هذه المشقة والتعب في سبيل الله تعالي.
وأحذر كل الحذر من الإفطار في رمضان فقد ورد من السنة ما يرهب المسلم من إفطار رمضان متعمدا. فعن أبي أمامه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا، اصعد فقلت: إني لا أطيقه، فقالا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات ؟ قالوا: هذه عواء أهل النار ثم انطلق بي.(1/28)
فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قال، قلت من هؤلاء ؟ قيل، الذين يفطرون قبل تحله صومهم " ( رواه النسائي في الكبرى 2/246 وابن حيان والحاكم 1/43. والبيهقي 4/216 وانظر صحيح الترغيب للألباني 1/9492 ). وهذا الحديث دليل على عظم ذنب من أفطر في نهار رمضان عمدا من غير عذر وعذابهم أنهم يرون في أقبح صورة وأبشع هيئة معلقين بعراقيبهم كما يعلق الجزار الذبيحة وقد شقت أشداقهم والدم يسيل منها.
فهل يتعظ المفطرون الذين ينتهكون حرمة شهر رمضان المبارك وقد عده الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه من الكبائر ( الكبائر للذهبي ص 64 ) يقول : ( الكبيرة العاشرة إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة ) وقال الذهبي: " وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم شهر رمضان بلا مرض ولا غرض أنه شر من الزاني والمكاس ومدمن الخمر بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال.
قال القفال :"ومن أفطر في رمضان بغير جماع من غير عذر وجب عليه القضاء و إمساك بقية نهاره ولا كفارة عليه وعزره السلطان وبه قال أحمد وداود " ( حلية العلماء 3/198 ).
بل إن بعض العلماء ذهبوا على أنه لا قضاء عليه ولا كفارة لأنه اقترف كبيرة من الكبائر كما جاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيميه ص 109 يقول : " ولا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ولا تصح منه ) وهذا القول مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم .
يقول الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان ( أحاديث الصيام ص 57 ) : وعلى من اقترف هذه المعصية العظيمة أن يتوب إلي الله تعالى ويصوم ويخشى عقاب الله لأن الإفطار في رمضان دليل على فساد القلب وقبح السريرة والاستهانة بالشرع ).
ختاما : اقبل أيها المسلم على هذه الطاعة العظيمة وجرب الصيام مع قراءة القرآن وصلاة القيام وسائر العبادات الأخرى فستجد لذة في قلبك تنسيك التعب والنصب نسأل الله تعالى أن يهدينا إلي سواء السبيل.(1/29)
المجلس الرابع عشر
كيف يصوم اللسان
اللسان من أهم الجوارح وأخطرها وهو الجارحة التي تنطق بكلمة الإيمان أو الكفر وتعمر أو تدمر وتصلح أو تفسد.
فاللسان يوردك الجنة أو يقذف بك في النار فلذلك للسان صيام خاص في رمضان وغيره ولكنه في رمضان يتأدب ويتهذب ويجب على المسلم أن يربي نفسه على الكلام الطيب ويجتنب سيئ الكلام.
وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال لمعاذ :" كف عليك هذا، وأشار إلي لسانه فقال معاذ، أو أنا المؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"
( رواه أحمد 5/231 وصححه الألباني في الصحيحة 3/115 رقم 1122 ).
يقول الشاعر :
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
…………… …فكلك عورات وللناس ألسن
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول للسانه يا لسان قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم رحم الله مسلما حبس لسانه عن الخنا وقيده عن الغيبة ومنعه من اللغو وحبسه عن الحرام.
فحاول أيها الصائم في هذا الشهر المبارك أن تربي نفسك على طيب الكلام فتحاسب ألفاظك وتؤدب منطقك وتوزن كلامك لأنك محاسب على كل كلمة تصدر منك سواء أكان ذلك في رمضان أم في غيره يقول تعالي {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ( سورة ق / 18 ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة " ( رواه البخاري ).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه والله ما في الأرض أحق بطول حبس من لسان " يريد الصالحون الكلام فيذكرون تبعاته وعقوباته ونتائجه فيصمتون.
فهل صام من أكل لحوم البشر ونهش أعراضهم وأفسد فيما بينهم ؟ هل صام من كان مجالسه عامرة بأذية المسلمين وهتك محارمهم ونشر الرذيلة بينهم ؟ هل صام من أطلق لسانه بالقيل والقال وقذف الأبرياء وشوه سمعة الأتقياء ؟(1/30)
وكيف يصوم من كذب واغتاب وأكثر الشتم والسباب ونسي يوم الحساب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ( رواه مسلم ) هذا هو الإسلام عمل وتطبيق ومنهج وانقياد وسلوك وامتثال.
قال تعالي : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم } ( سورة الإسراء /53 ).
فاحرص أخي الصائم على اجتناب آفات وعيوب اللسان وهي الكذب والغيبة والنميمة والبذاءة والسب والفحش والزور واللعن والسخرية والاستهزاء وغيرها.
واجعل لسانك طريقا إلي الخير بذكر الله تعالي وتسبيحه وتحميده استغفاره وشكره.
المجلس الخامس عشر
من أخطاء الصائمين
1- يقع كثير من الصائمين في أخطاء جسيمة نتيجة عدم التفقه في دين الله تعالي فالبعض لا يعرف مفطرات الصوم ولا يفرق بين مباحاته وما يحرم فعله أو يجرح صومه والله عز وجل يقول : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ( سورة النحل / 43 ).
فينبغي على المسلم أن يعبد الله على بصيرة فيسأل عما يجهله ويحرص على التفقه في دين الله تعالي.
2- كذلك يقع بعض الصائمين في المعاصي التي تفسد عليهم صيامهم وتضيع عليهم قيامهم فيشغلون أوقاتهم بمطالعة الأفلام التي لا فائدة منها أو التسكع في الأسواق.
3- ومن الأخطاء الإسراف في موائد الإفطار والسحور فأنواع كثيرة من الأطعمة والأشربة لا يؤكل منها إلا القليل والبقية ترمي مع النفايات.
والله سبحانه وتعالي يقول : {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ( سورة الأعراف / 31 ). فكل ما زاد على حاجة الإنسان فهو إسراف مذموم ولا يرضى به الله تعالي.
4- مع أن من حكم الصيام أن نتحسس الفقراء ونشعر بهم فهناك من يموت جوعا ويفترش الأرض ويلتحف السماء، وعلى العكس هنا تجد أسراً قد أصابتها التخمة من كثرة الإسراف.(1/31)
5- ومن الصائمين من يسهر الليل سهرا ضائعاً لا منفعة فيه ولا أجر، وأما نهاره فهو نوم متواصل مما يؤدي إلي ضياع أداء الصلوات المفروضة في وقتها ولا يستيقظ إلا على أذان المغرب، فهذا قطع نهاره بالغفلة وأمضي ليله بالسهر وهذا مخالف للفطرة لقوله تعالي: {وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا} ( سورة النبأ / 9-10 ).
6- ومن الصائمين من ترك صلاة التراويح وتكاسل عنها ولسان حاله يقول تكفيني الفريضة وهو لا يكتفي من الدنيا بالقليل بل يحرص على الكماليات منها حرصه على الضروريات.
7- ومن الصائمين من اتعب أهله بصنع كثير من الأطعمة والأشربة حتى أشغلهم عن القرآن الكريم والسنة وعن ذكر الله والعبادة ولو اقتصر على الضروري لوجد أهله وقتا واسعا للتزود من طاعة الله عز وجل .
8- تجمع الشباب في الديوانيات ولعب الورق أو على الأرصفة أو الطرقات حتى قبيل السحور.
9- من الأخطاء أكل الثوم والبصل قبيل صلاة التراويح فتتأذى الملائكة والمصلين من تلك الرائحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بني آدم " ( رواه مسلم 564 ).
المجلس السادس عشر
الوقت في رمضان
الأيام تمضي سريعا وهي لا تعود وكل يوم يمر على المسلم هو خلق جديد وعلى عمله وإذا مضى فلن يرجع ويعود. والوقت كما يقال كالسيف إن لم تقطعه قطعك وعلى المسلم أن يحاسب نفسه على أوقاته التي تضيع سدى, وينبغي للمسلم أن يضع نصب عينيه أن يعمل في دنياه لطاعة الله تعالى بل أن كل خطواته وحركاته وسكناته كما قال تعالى :{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} ( الأنعام / 162-163 ).(1/32)
فالمسلم مسئول عن عمره الذي يعيشه هل قضاه في الخير وطاعة الله أم في الشر وطاعة الشيطان لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قد ما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وماذا عمل فيما علم" ( صحيح الجامع رواه الترمذي 2/67 وأبو يعلي وصححه الألباني في السلسلة 2/666 رقم 946 ).
وصدق الشاعر :
دقات قلب المرء قائلة له ………إن الحياة دقائق وثواني
وليسأل المسلم نفسه في كل يوم وفي بداية شهر رمضان في كل عام ماذا عمل لله تبارك وتعالى من أعمال وبماذا استغل أوقاته فكم يقصر المسلم في جنب الله تعالى وكم يفرط ولكنه يستمر في غيه ومعصيته لله تعالى وهذا لا شك أنه من قسوة القلوب.
وقد وصف الله تعالى المفرطين واللاهين في الدنيا يوم القيامة بقوله تعالى : {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} ( سورة المؤمنون 112-116 ).
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " ( رواه البخاري 11/229 ).
قال ابن حجر في الفتح 11/229: ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون قال أحد الصالحين : "العمر قصير فلا تقصره بالغفلة " . فلذلك العجب كل العجب أن نسمع من البعض أنهم يعيشون في فراغ قاتل ولا يعرفون أين يذهبون وماذا يفعلون.(1/33)
أخي الصائم احرص على ما تبقي من أيام شهر رمضان المبارك واجتهد فيه بالأعمال الصالحة والحرص على أداء الصلوات جماعة في المسجد واحرص على أداء النوافل والصدقات وبذل المعروف والإحسان واجعل لك وردا يومياً وليكن جزءاً أو جزأين من كتاب الله تعالى فهو خير معين على استثمار وقتك وفي تلاوته الأجر العظيم وكان السلف يختمون القرآن عدة مرات.
واحرص على قراءة كتب أهل العلم النافعة لتزيد من علمك وتفقهك في دين الله تعالى خصوصاً كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها.
وكذلك احرص على ذكر الله تعالي وتسبيحه وتحميده كما قال تعالى : {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } ( الأحزاب: 35 ).
وكذلك الحرص على الندوات والدروس اليومية في مختلف المساجد وسؤال أهل العلم فيما تجهله وكذلك صلة الأرحام الواجبة عليك لقول الله تعالى :{واتقوا الله الذي تساءلون والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} ( النساء / 1) وأيضا زيارة الديوانيات التي تزيد من أواصر الأخوة والمحبة ويستغلها المسلم في الدعوة إلي الله تبارك وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا شك أن رمضان مدرسة لتنظيم وقت المسلم واستثماره في طاعة الله عز وجل فليحرص كل مسلم على هذه الأوقات وإلا يضيعها في النوم والسهر أو اللعب.
المجلس السابع عشر
بركة السحور
على المسلم أن يهتدي ويقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ويتأدب بآداب الصيام حتى يكون صيامه وفق السنة، والسحور : بفتح السين ما يؤكل في وقت السحر وهو آخر الليل وبضم السين :أكل السحور.وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ( رواه البخاري 4/139 ومسلم 1095 ).(1/34)
فلذلك ينبغي على الصائم أن يحرص على السحور لأن فيه خيراً وبركة عظيمة في الدنيا والآخرة ومن فوائد وحكم السحور هو التقوى على العبادة والاستعانة على طاعة الله تعالي أثناء النهار وتحمل المشقة من جوع وعطش وحتى لا يكسل الصائم عن العبادة من صلاة وقراءة للقرآن. وكون السحور بركة ظاهرة لأنه اتباع للسنة ويقوي على الصيام وفيه مخالفة لأهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون لقوله صلى الله عليه وسلم : " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكله السحور " ( رواه مسلم 1096 ).
ومن بركة السحور أن الإنسان يقوم آخر الليل للذكر والدعاء والصلاة وذلك مظنة الإجابة ووقت صلاة الله والملائكة على المتسحرين. ويحل السحور بأي شئ يتناوله الإنسان من مأكول ومشروب وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعم سحور المؤمن التمر" ( صحيح أخرجه أبو داود 6/470 والبيهقي 4/237 ).
حيث أن التمر له قيمة غذائية عالية وهو خفيف على المعدة سهل الهضم ومن السنة تأخير السحور لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال : " تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلي الصلاة قلت : كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين أية " ( رواه البخاري 2/54 ومسلم 1097 ). فهذا دليل على استحباب تأخير السحور إلي قبيل الفجر وعلى المسلم أن يستغل وقت السحر بالدعاء والسؤال والاستغفار لقوله تعالى في الثناء على المستغفرين بالأسحار {وبالأسحار هم يستغفرون} ( الذاريات / 18 ).
ولا شك أن في هذه الليلة المباركة تزداد فرصة ساعة الإجابة بالإضافة إلي النزول الإلهي وشرف الزمان وهو رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك كل ليلة " ( رواه مسلم 757 ).
المجلس الثامن عشر
دور الأسرة في صوم الأبناء(1/35)
ينبغي للمسلم أن يعود أبنائه على صيام شهر رمضان المبارك فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر وهناك بعض الكبار لا يستطيعون أن يصوموا شهر رمضان المبارك والسبب أن آبائهم وأولياء أمورهم كانوا يتساهلون معهم في إفطار شهر رمضان ولا يحثونهم على الصيام ولا يحاسبونهم حينما يرونهم مفطرين.
فلذلك عندما كبروا صعب عليهم الصيام ووجدوا مشقة وصعوبة في الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلي غروب الشمس.
ومن المعلوم أن الصغير الذي لم يبلغ الحلم غير واجب عليه الصيام لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : "رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يعقل وعن الصبي حتى يحلم" (صحيح رواه أبو داود 4403 وابن ماجه 2041 والبخاري تعليقا 12/120 ).
ولكن يؤمر الصغير ويعلم الصيام ويرغب به إذا كان يتحمل الصوم وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم وهم صغار ويجعلون لهم اللعبة من العهن (الصوف) فإذا بكوا من فقد الطعام أعطوهم إياها يتلهون بها حتى يتموا صومهم ( انظر البخاري 4/200 ومسلم حديث 1136 ).
وعلى ولي الأمر أن لا يتساهل في إفطار أبنائه إذا بلغوا الحلم سواء من الأولاد أو البنات وهذا كما بينا يستدعي من ولي الأمر أن يتدرج في ترغيب أبنائه بالصيام قبل البلوغ حتى يعتادوا عليه.
وكما قال الشاعر :
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
فلذلك ينبغي للوالد أن يكون قدوة حسنة في أخلاقه وسلوكه لأن الأبناء يتأثرون ويقتدون به وعلى الوالد أن يستغل هذا الشهر المبارك ويأخذ أبنائه إلي المسجد ويشهدون معه صلاة الجماعة وخطبة الجمعة وصلاة التراويح والقيام ويجوز للمرأة أن تحضر صلاة التراويح والقيام.(1/36)
وعلى أولياء الأمور أن يعودوا أبنائهم على ختم القرآن وقراءته وحفظه ويكافؤنهم على ذلك بالهدايا والجوائز، ويوجهونهم إلي العلم النافع والجد فيه والإخلاص في طلبه وتعظيم أمر الله عز وجل ودينه في قلب أبنائهم وكل ما له علاقة بالدين ويجلبون لهم القصص الإسلامية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأنبياء عليهم السلام ليتعودوا على القراءة النافعة.
وعلى الأب والأم أن يدعوا لأبنائهم كل صلاة أن يبارك ويصلح أبنائهم كما قال تعالي :{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}
( الفرقان / 74 ).
المجلس التاسع عشر
عذاب القبر لمن كان له أهلا
الموت أمر حتم لازم لا مفر منه لكل من في الدنيا قال تعالي : {كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ( الرحمن / 27 ).
وللموت وقت محدد لا يستطيع أحد أن يتجاوز الأجل الذي ضربه الله {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ( الأعراف / 34 ).
فلذلك إذا نزل الموت بالإنسان تمني العودة إلي الدنيا فإن كان كافرا لعله يسلم وإن كان عاصيا فلعله يتوب {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنما كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون} ( المؤمنون / 99/100 ).
كان السلف الصالح رضي الله عنهم وفي مقدمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدون العدة لسؤال القبر ويخشون ما يمكن أن يكون فيه من الابتلاء والامتحان كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام إن هذه الأمة تفتن في قبورها.
وكانوا رحمهم الله على عظيم فضلهم وتقواهم يبكون ويطيلون البكاء إذا ذكر القبر وما فيه لأنه المنزل الأول، كما قال تعالي :{يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية}
( سورة الحاقة / 18 ).(1/37)
قال ابن القيم: عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة قال تعالي : {ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون} ( المؤمنون / 100 ).
ففي الترمذي عن هانئ مولي عثمان بن عفان رضي الله عنه بإسناد حسن أنه قال : كان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه.
قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه " ( صحيح الجامع للألباني قال سنده حسن 2/85 ). فصنيع عثمان يدل على عميق تأثره بالقبر فالنجاة منه عنوان النجاة وعدم النجاة منه عنوان الخسران يوم القيامة فلذلك وردت نصوص السنة تحمل تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من عذاب القبر وفتنة عذاب القبر وتوجيه المؤمنين إلي أن يستعيذوا من ذلك بعد أن يكونوا قد قدموا من العمل الصالح في طاعة الله ما يقيهم الشدائد ويجعل نورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم يوم الحساب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استعيذوا بالله من عذاب القبر" ( أخرجه ابن حبان 787 وصححه الألباني في السلسلة 1444 ).
وجاء في الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه : "سئل رحمه الله هل يتكلم الميت في قبره أم لا ؟ فأجاب : يتكلم وقد يسمع أيضا من كلمه "كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أنهم يسمعون قرع نعالهم".
وثبت عنه في الصحيح أن الميت يسأل في قبره فيقال له من ربك وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيثبت الله المؤمن بالقول الثابت فيقول : الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي، ويقال له :
ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول المؤمن : هو عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدي فآمنا به واتبعناه.(1/38)
قال شيخ الإسلام: وهذا تأويل قوله تعالي : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ( سورة إبراهيم / 27 ). وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت في عذاب القبر.
وفي البخاري أيضاً عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال : لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصبح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين ( أي الإنس والجن ) فنسأل الله تعالى أن يعيذنا من عذاب القبر ويجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
فلذلك علي المرء لمسلم أن يستعد لهذا اليوم بالعمل الصالح والاستجابة لأوامر الله تعالي والابتعاد عن زخرف الحياة الدنيا وشهواتها وملذاتها قال تعالي : {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} ( الأنعام / 32 ).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقي واحد: يتبعه أهله وما له وعمله فيرجع أهله وما له ويبقي علمه " ( رواه البخاري 6514 ومسلم 2960 ).
المجلس العشرون
للصائمات فقط
1) احرصي أختي المسلمة على وقتك إذا كان لديك فراغ من الوقت, يقول الله تعالى :"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (سورة الإسراء / 36), وعليك باستغلال هذا الشهر المبارك بطاعة الله تعالى والحرص على أذكار الصباح والمساء, كما قال تعالى "والذاكرين الله كثيرا والذاكرات" (سورة الأحزاب/35). وأيضاً سماع أشرطة القرآن والمحاضرات والفتاوى وقراءة الكتب الإسلامية والمجلات الإسلامية, بدلاً من المجلات التي لا فائدة منها, ورؤية الفضائيات والمسلسلات التي تجرح الصيام وتنقص الأجر.(1/39)
2) احرصي على حسن الخلق واحذري السب والشتم أو اللعن وكوني قدوة لأهلك وأبنائك وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق الصائم :"فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" (رواه البخاري 4/118), واعلمي أن الصيام من أسباب الاستجابة, فلا تدعي على أحد من أبنائك أو أخواتك أو إخوانك.
3) أختي المسلمة :
احذري من كثرة الخروج إلى الأسواق متبرجة في ليالي رمضان خصوصاً العشر الأواخر, حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله كما في الصحيحين من حديث عائشة.
واعلمي أن ليالي رمضان ليالي اجتهاد في العبادات والطاعات والقيام والدعاء, وليست ليالي مرح وسهر وحفلات وضياع للأوقات في الأسواق والأماكن العامة.
4) وعلى الأخت المسلمة ألا تخرج للأسواق إلى على قدر الحاجة, ولا تضيع وقتها فيما لا ينفعها في الدنيا ولا في الآخرة, وأن تخرج متسترة غير متعطرة ولا متجملة.
5) أختي المسلمة :
لماذا لا تستجيبين لأمر ربك جل وعلا وتلبسين الحجاب وتغطين شعرك وتتسترين بالحجاب حتى تفوزي بالجنة وبرضا الله تعالى.
6) واعلمي أن لكل أمة اجل وقد يكون رمضان هذا آخر رمضان لك هذه السنة, فالأعمار بيد الله تعالى, وأنها لفرصة ثمينة أن تكون هذه الاستجابة والتوبة والإنابة والمغفرة في شهر رمضان المبارك.
7) أختي المسلمة :
لشهر رمضان حكم وفوائد كثيرة منها التربية على تحمل الجوع والعطش والشعور بحال الفقراء,وتطهير النفوس وتهذيب الأخلاق, فاحذري من الإسراف في الطعام والتفنن في المآكل والمشارب فوق الحاجة مما يستدعي رميها في سلة المهملات ويضيع الوقت وينتهي رمضان ولم تختمي القرآن ولم تستغليه الاستغلال الأمثل.
8) أختي المسلمة :(1/40)
ساهمي في أحد مشاريع الخير عن طريق اللجان الخيرية في مساعدة المحتاجين والفقراء أو كفالة الأيتام وعودي يدك على الإنفاق في سبيل الله وتذكري كم تنفقين من الأموال على الساعات الثمينة والأحذية والذهب والملابس الثمينة, وتذكري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان, ولو أن تتصدقي بشيء من حُليك كما كان سلفك من الصحابيات رضي الله عنهن لتجدي ذخرها في الآخرة.
9) أختي المسلمة :
احرصي على بر الوالدين وزيارة الأقارب وصلة الأرحام واستغليها بالنصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحذري الغيبة والنميمة.
10) واحرصي على طاعة زوجك والقيام بحاجاته وتحقيقها وتجنبي الخلاف مع زوجك واحرصي على القيام بشئون البيت كاملة غير منقوصة, وحذاري أن تتساهلي وتقصري بعمل ما من أعمال المنزل, فأنت سيدة البيت وراعيته ومسئوليته.
11) احرصي على تربية أبنائك التربية الإسلامية الصحيحة والحرص على ما ينفع الأولاد ويهذب أخلاقهم ويعودهم على الكلمة الطيبة والقول والعمل الحسن والصالح وحببي لهم الخير وحثيهم على الصدق والالتزام بالوعد وعد إيذاء الجيران أو الآخرين. وأرضعيهم التوحيد والعقيدة منذ الصغر ليشبوا على أخلاق التوحيد والإسلام, ولا تكوني ممن يهتم بأكل ومشرب أولادها على حساب أخلاقهم وتربيتهم.
المجلس الحادي والعشرون
فضل العشر الأواخر
تزداد هذه الأيام العشر الأخيرة من رمضان فضلا كبيرا عند الله تعالى ومن المؤسف أن يفتر المسلمون عن العبادة في هذه الأيام المباركة وتقل عبادتهم ونشاطهم في الثلث الأخير من شهر رمضان فعليك أيها المسلم أن تحرص على هذه الأيام المباركة فتكثر من الأعمال الصالحة وتتعرض لنفحات المولى عز وجل ورحمته، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر.(1/41)
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" ( رواه البخاري 4/269 ومسلم 1174).
وذكر الشيخ / محمد صالح بن عثيمين حفظه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيه (أي الليالي العشر) أكثر مما يجتهد في غيره وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد مئزره يعني يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والذكر.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي ليله بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه لشرف هذه الليالي وطلبا لليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ويضيف الشيخ ابن عثيمين بقوله: ومما يدل علي فضل العشر الأواخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة بما هي جديرة به من العبادة فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل.
فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، وأنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن تري كثيرا من المسلمين يمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم يسهرون معظم الليل في اللهو ويقول الشيخ / عبد الله الطيار في كتابه فيض الرحيم الرحمن في أحكام رمضان ( ص 156 ) : لا حظوا الفرق بين واقعنا وواقع سلفنا الصالح كانوا يقضون نهارهم بالصيام وتلاوة القرآن وليلهم بالركوع والسجود والتسبيح والتهليل ويقض الكثيرون منا نهارهم بالنوم وليلهم واللعب الحرام وشرب الدخان ولعب الورق وغيرها مما يعود علي المسلم بضرر في عاجله وأجله.
ومما يقع فيه شبابنا لعب كرة القدم بعد صلاة العصر أو ليلا مما يضيع أوقات الشباب ويفوت عليهم أجر العبادة في هذا الشهر المبارك.(1/42)
ونقل ابن رجب الحنبلي ( لطائف المعارف :341) عن سفيان الثوري قال : أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما :
" إلا تقومان فتصليان ".
وذكر ابن حجر في الفتح 4/270 فائدة من حديث إذا دخل العشر.. قال : (وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في الشعر الأخيرة إشارة إلي الحث على تجويد الخاتمة ختمها الله لنا بخير آمين).
المجلس الثاني والعشرون
أحكام الاعتكاف
الاعتكاف لغة :
قال ابن منظور (لسان العرب 2/853) عكف على الشيء يعكف عكفاً وعكوفاً : أقبل عليه مواظبا لا يصرف عنه وجهه.
وعكف عكوفا: لزم المكان والعكوف الإقامة في المسجد والاعتكاف الاحتباس.
وقال الأزهري: عكفه: أي حبسه ووقفه ومنه قوله تعالي : {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} ( الفتح / 25 ).
وقال ابن حجر في ( فتح الباري 4/271 ) الاعتكاف لغة : لزوم الشيء وحبس النفس عليه .
شرعا : قال الراغب ( غريب القرآن ص 343) هو الاحتباس في المسجد على سبيل القربة وقال ابن حجر ( الفتح 4/271 ) المقام في المسجد من شخص مخصوص علي صفة مخصوصه.
مشروعيته :
قال تعالي : {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} ( البقرة: 187 ). وعن عائشة رضي الله عنهما قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه بعده" ( رواه البخاري الفتح 4/71).
حكمه :
أنه سنة كما قال ابن المنذر وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا فيجب عليه.
فضل الاعتكاف:
قال الشيخ / حاى الحاى في كتابه الإتحاف ( ص14-15 ) لم يرد دليل صريح في فضل الاعتكاف ولكن مشروعيته في قوله تعالي {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}
( البقرة / 187 ) دليل علي فضله عند الله عز وجل.(1/43)
ثم أن الناظر إلي هذه العبادة بعين البصيرة يجد أن فيها تجتمع أكثر العبادات كالصيام وذكر الله من قراءة القرآن والصبر وعدم الاشتغال في لهو الدنيا وقيام رمضان ومنها اغتنام القيام في ليلة القدر لأن المعتكف لا شك أنه أقرب من غيره في هذه العبادات ومن المعلوم أن هذه العبادات من أفضل ما يتقرب به العبد إلي ربه جل وعلا .
وقد جاءت أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضل الاعتكاف ( رجع سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/10 رقم 518 ).
وذكر حديث النبي القدسي :
قال الله تعالي : "إذا تقرب إلي عبدي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة" ( رواه البخاري 13/ 384 ومسلم 2067 ). وقد كان السلف يتعجبون لمن يترك الاعتكاف كما نقل الحافظ في الفتح 4/285 عن ابن شهاب إذ يقول : "عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله".
شروط صحة الاعتكاف :
1- يشترط لصحة الاعتكاف الصوم لحديث عائشة رضي الله عنهما : "من اعتكف فعليه الصوم" رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 8037 ) بإسناد صحيح.
وروى عن عروة بن الزبير بن العوام قال : "لا اعتكاف إلا بصوم" ( رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 8041 ) بإسناد صحيح )، وقال ابن القيم ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط.
2- لا بد أن يكون في مسجد بنية التقرب إلي الله تعالى وأن يمكث فيه فلو لم يمكث فيه لما كان اعتكاف للآية {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} ( سورة البقرة / 187 )
( أحكام الصوم لابن سريع عبد الهادي-ص 197 ).
أما النية فلقوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} ( البينة / 4) ولقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى" وقال ابن حجر: وفيه أن المسجد شرط للاعتكاف ( الفتح 4/277).(1/44)
وذهب صاحب المغني أنه لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه قال ابن قدامه : يعني تقام الجماعة فيه وإنما اشترط ذلك لأن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلي أحد أمرين أمر ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر منه ذلك كثيرا مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكف والإقامة علي طاعة الله.
3- متي يدخل المعتكف :
عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له فناء فيصلي الصبح ثم يدخله " ( رواه البخاري 4/275)، قال الحافظ : واستدل بهذا على أن مبدأ الاعتكاف من أول النهار ( الفتح 4/275 )، ورجع ذلك الخطابي والترمذي وكذلك ابن القيم في زاد المعاد 2/ 89.
ما يستحب للمعتكف :
يستحب له أن يشتغل بالنوافل كالصلاة وقراءة القرآن والذكر والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء.
ويتجنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه ويتجنب الجدال والسباب والفحش فإن ذلك مكروه.
مبطلات الاعتكاف :
1- الخروج من المسجد بغير حاجة عمدا.
2- الردة لأنها تنافي العبادة.
3- الجنون لأن القلم مرفوع عنه لذهاب عقله الذي هو ضابط التكاليف كذلك السكر.
4- الحيض والنفاس.
5- الوطء في الفرج للآية السابقة ( فقه الصوم ص 205 ).
ما يباح فعله للمعتكف :
1- خروجه لقضاء الحاجة من تغوط وبول.
2- ترجيل الشعر وتسريحه ولو سرحته زوجته جاز.
3- استعمال الطيب والغسل والتنظف والحلق.
4- اتخاذ السرير أو الفراش والخيمة في المسجد.
(الاتحاف ص 55-85 بتصرف)
المجلس الثالث والعشرون
أحاديث ضعيفة وموضوعة في رمضان
ينبغي للمسلم أن يتأكد من رواية الحديث فيحرص علي صحة الحديث ويبتعد عن الحديث الضعيف والموضوع والمكذوب، وقد أحسن علماء الحديث في تبيين درجة الحديث الصحيح من الضعيف.(1/45)
وفي رمضان تشتهر أحاديث ضعيفة غير صحيحة بين الدعاة والخطباء وبين عامة الناس فلذلك يجب أن نتنبه لهذه الأحاديث ومنها:
1- حديث " صوموا تصحوا "
ضعيف : قال العراقي في تخريج الإحياء ( 3/75 ) رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.
قال الألباني: " ولا ينافيه قول المنذري في الترغيب ( 2/60 ) والهيثمي في المجمع ( 3/179 )، ورجاله ثقات لأنه لا ينفي أن يكون في السند مع ثقة رجاله علة تقتضي ضعفه كما لا يخفي على العارف بقواعد هذا العلم ولعل الصغاني قد بالغ حين قال ( ص7) : " وهذا الحديث موضوع ".
2- عن سلمان الفارسي قال :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر يوم من شعبان فقال : "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائما فيه كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقض من أجره شئ قالوا : يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال يعطي هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة، أو شرب من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمه ووسطه مغفرة، وأخره عتق من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم وخصلتان لا غني بكم عنهما أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غني بكم عنهما فتسألون الجنة، وتعوذون من النار".(1/46)
منكر : " فيه علي بن زيد بن جدعان فإنه ضعيف كما قال أحمد وقال الإمام ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه، ولذلك لما روي هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله : " إن صح الخبر "، وأقره المنذري في الترغيب ( 2/76 ). ( الألباني في الضعيفة رقم 871ج1/263 ).
3- " إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا علي ما حرم الله عز وجل عليهما، جلست إحداهما إلي الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس " ( رواه أحمد عن رجل عن عبيد مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الطيالسي عن أنس الضعيفة للألباني رقم 519ج2/ 10-11 ).
ضعيف : سنده بسبب الرجل الذي لم يسم وقال الحافظ العراقي إنه مجهول. وعند الطيالسي فيه الربيع بن صبيح ضعيف ويزيد الرقاشي متروك
4- " كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
ضعيف رواه البزار في مسنده والطبراني في الأوسط والبيهقي في فضائل الأوقات عن أنس وضعفه ابن حجر في تبين العجب ( 30/32 ). فيه زائدة بن أبي الرقاد: قال فيه أبو حاتم يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة فلا يدري منه أو من زياد.
وقال البخاري : منكر الحديث وقال النسائي في السنن: لا أدري من هو وقال ابن حبان، لا يحتج بخبره.
5) "من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له, لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه".
ضعيف: رواه أحمد, والترمذي, وأبو داود, وابن ماجه, والدارمي عن أبي هريرة, وقال الترمذي : سمعت محمداً- يعني البخاري - يقول : أبو المطوس الراوي لا أعرف له غير هذا الحديث. وذكر البخاري تعليقاً بصيغة التمريض.
قال المناوي في فيض القدير (6/78) : قال القرطبي : حديث ضعيف لا يحتج بمثله, وقال الدميري : ضعيف وإن علقة البخاري وسكت عليه أبو داود, وممن جزم بضعفه البغوي, وقال ابن حجر فيه اضطراب, قال الذهبي في الكبائر هذا لم يثبت. وضعفه الألباني (ضعيف الجامع الصغير رقم 5471, وتخريج المشكاة 2013).(1/47)
6) "لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها, فقال رجل من خزاعة : يا نبي الله حدثنا, فقال: "إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول, فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقر أعيننا بهم, وتقر أعينهم بنا, قال فما من عبد يصوم يوماً من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مما نعت الله "حور مقصورات في الخيام" (سورة الرحمن /72) على كل امرأة سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى, تعطي سبعين من الطيب, ليس منه لون على ريح الآخر, لكل امرأة منهم سبعون ألف وصيفة لحاجتها, وسبعون ألف وصيف, مع كل وصيف صحفة من ذهب, فيها لون طعام تجد لآخر لقمة منها لذة لا تجد لأوله, لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوته حمراء, على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من إستبرق, فوق كل فراش سبعون أريكة, ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر, موشح بالدر عليه سواران من ذهب, هذا بكل يوم صامه من رمضان, سوى ما عمل من الحسنات".
موضوع : رواه ابن خزيمة في صحيحه 3/190 رقم 1886, وأبو يعلي من حديث أبو مسعود الغفاري وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة إسناده ضعيف بل موضوع.
وقال المنذري في الترغيب لوائح الوضع ظاهرة على الحديث.
7) "نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح, وعمله مضاعف, ودعاؤه مستجاب, وذنبه مغفور" رواه ابن منده والبيهقي وضعفه العراقي في إحياء علوم الدين (وانظر ضعيف الجامع (5972) ص 861).
8) "من أفطر يوماً في رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر كله وإن صامه" رواه الترمذي وأي داود وهو ضعيف وذكر ابن حجر في فتح الباري 4/161 أن هذا الحديث فيه ثلاث علل.(1/48)
هذه جملة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة لا ينبغي للمسلم إذا عرف ضعفها وعدم صحتها أن ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها تعتبر من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
المجلس الرابع والعشرون
رمضان ومنكرات وسائل الإعلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء" وفي رواية"أبواب الجنة" وفي رواية "أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين" (أخرجه البخاري ومسلم).
فينبغي على كل مسلم أن يراعي حرمة هذا الشهر الفضيل وكل ما يخدش صومه.
فلذلك على مسئولي وسائل الإعلام أن يتقوا الله تعالى في عبادة الصائمين, فبينما يستقبل المسلمون شهر رمضان بقراءة القرآن والذكر والعبادة والقيان تستقبله وسائل الإعلام وبالأخص الفضائيات بفوازير رمضان ومسلسلات فاسدة تبطل صيام المسلم لكثرة ما يعرض فيه من رقص وغناء وأفلام تتعارض مع خلق الإسلام ولا شك أن الغناء والرقص والتبرج محرم والأخطر هو الاستهزاء بدين الله تعالى وجرح مشاعر المسلمين من خلال الأفلام والمسرحيات الساقطة وخطر التشبه بعادات الكفار على أبناء المسلمين ...
ولا شك أن هذه الفوازير والمسلسلات هي مناقضة ومخالفة لديننا الحنيف فنرجو من المسئولين أن يتقوا الله تعالى ويكثفوا البرامج الدينية والدروس الفقهية والندوات والبرامج التربوية الهادفة بعيداً عن الإسفاف. ويقول الشيخ صالح بن فوزان (في كتابه الفتاوى 1/166 - 167) : (المشروع للمسلم رجلاً كان أو امرأة احترام شهر رمضان وشغله بالطاعات وتجنب المعاصي والسيئات في كل وقت وفي رمضان آكد لحرمة الزمان).(1/49)
والسهر لمشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تعرض في التلفاز أو الفيديو أو بواسطة الدش أو استماع الملاهي والأغاني كل ذلك محرم ومعصية في رمضان وفي غيره لكنه في رمضان أشد إثماً. وإذا انضاف إلى هذا السمر المحرم إضاعة الواجبات والنوم في النهار عن أداء الصلوات فهذه معاص آخر, وهكذا المعاصي يجر بعضها بعضاً ويدعوها البعض إلى البعض.أقول من المؤسف أن يعتكف الصائمون حول هذه البرامج والأفلام ليلاً ونهاراً في حين يتخلفون عن صلاة الجماعة وصلاة القيام والتراويح.
فأحذر أيها المسلم من فتن هذه المنكرات وراقب أبنائك ولا تغفل عنهم حتى لا تتسلل سموم هذه الأفلام ومنكراتها إلى أسرتك ويؤثر في أخلاقهم ونفوسهم وكيف ونحن في شهر الصيام شهر القرآن.
المجلس الخامس والعشرون
فضائل ليلة القدر
منزلتها :
من نعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن جعل لها مواسم يتضاعف فيها العمل ومن أخص هذه الأزمنة شهر رمضان لأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أي ما يزيد على ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر.
وصفها الله بأنها ليلة مباركة وشرفها على سائر الليالي وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن قيامها سبب لمغفرة ذنوب العبد فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه البخاري 4/255 ومسلم 759) وقال تعالى :"إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم" (سورة الدخان 3 -4).(1/50)
فوصف الله تعالى هذه الليلة بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها وفضلها ومن بركتها أن هذا القرآن انزل فيها ووصفها سبحانه وتعالى بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم يعني يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتب ما هو كائن من أمر الله سبحانه وتعالى في تلك السنة فتقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق على العام, فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون, والسعداء والأشقياء وغير ذلك من كل أمر حكيم من أوامر الله المحكمة المتقنة.
وأنزل الله تعالى سورة كاملة سماها سورة القدر حيث يقول تعالى عن هذه الليلة العظيمة :"إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي مطلع الفجر" (سورة القدر).
معنى القدر :
القدر بمعنى الشرف والتعظيم وذلك لعظم قدر ليلة القدر ويقدر الله فيها ما يكون في السنة ويقضيه من أموره الحكيمة وقيل : لأن المقادير تُقدر وتُكتب فيها.
وقال الخليل بن أحمد : إنما سميت ليلة القدر, لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة من (القدر) وهو التضييق.
"وما أدراك ما ليلة القدر" قال ابن جرير : قال بعضهم معنى ذلك العمل في ليلة القدر بما يرضي الله, خير من العمل في غيرها ألف شهر.
"ليلة القدر خير من ألف شهر" يعني في الفضل والشرف وكثرة الثواب والأجر فلذلك من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
"تنزل الملائكة" عباد من عباد الله قائمون بعبادته ليلاً ونهاراً يتنزلون في ليلة القدر إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة.
"سلام هي حتى مطلع الفجر" أي أن ليلة القدر سلام للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يعتق من النار ويسلم من عذابها, وقال قتادة : هي خير كلها إلى مطلع الفجر (تفسير الطبري 12/261).
فضائلها :
1- أن الله تعالى أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.(1/51)
2- أنها خير من ألف شهر عن أنس رضي الله عنه قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الشهر قد حضركم, وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم" (حسن رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1/418).
3- أن الملائكة تنزل فيها وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
4- أنها سلام لكثرة السلام فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل.
5- أن الله تعالى أنزل فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة.
وقتها :
في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (متفق عليه).
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع وتكون آكد في السبع الأواخر لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أرى رؤياكم قد توطأت (يعني اتفقت) في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" (متفق عليه).
وعن أبي كعب رضي الله عنه قال :(والله إني لأعلم أي ليلة هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرون) (رواه مسلم 762).
والراجح كما بين ابن حجر (في الفتح 4/260) أن ليلة القدر تنتقل كل سنة في ليلة من الوتر في العشر الأواخر وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى" (أخرجه البخاري).
السر في إخفائها :(1/52)
أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزداد قربة من الله وثواباً وأخفاها اختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها ممن كان كسلاناً متهاوناً ولا شك أن هذا ينطبق في هذه الأيام على بعض المصلين بينما تكاد تخلو المساجد في بقية الأيام.
الدعاء فيها :
يستحب الدعاء فيها والإكثار منه فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت " قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال :"قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (رواه أحمد 6/171 والترمذي 9/495 وابن ماجه 3850 وهو صحيح).
علامات ليلة القدر :
وصف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليعرف المسلم هذه الليلة :
العلامة الأولى : ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها.
العلامة الثانية : ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة 3/331 ورواه الطيالسي في مسنده 1/201 وسنده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ليلة القدر ليلة طلقة, لا حارة ولا باردة, تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة".
العلامة الثالثة : ثبت عند الطبراني 22/59 بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ليلة القدر ليلة بلجة (مضيئة), لا حارة ولا باردة لا يُرمى فيها بنجم".
فاحرص أخي المسلم على قيام العشر الأواخر لعلك توافق ليلة القدر التي فيها التجارة الرابحة وفيها تنزل الملائكة وتجاب فيها الدعوات.
المجلس السادس والعشرون
زكاة الفطر
في ختام شهر رمضان ينبغي على المسلم أن يودعه بأداء زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
حكمها :(1/53)
فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما :"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر (من رمضان على الناس)" (رواه البخاري 3/291 ومسلم 984 والزيادة له).
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما :"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" (رواه أبو داود 1622, والنسائي 5/50 ويشهد له ما قبله).
على من تجب :
تجب زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين.
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوع بها فلا بأس, فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل.
ويجب إخراجها عن نفسه, وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب.
حكمتها :
يقول الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله : وأما حكمتها فظاهرة جداً ففيها إحسان إلى الفقراء وكف لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به ويكون عيداً للجميع, وفيها الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة, وفيها تطهير الصائم مما يحصُل في صيامه من نقص ولغو وإثم, وفيها إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه (انظر مجالس رمضان ص137).
أصناف زكاة الفطر :
تخرج زكاة الفطر صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط أو سلت لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :"كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب" (أخرجه البخاري 3/294, ومسلم 985).
مقدارها :
الواجب إخراجها صاعاً من غالب قوت أهل البلد من الأطعمة المذكورة سابقاً, وذكر الشيخ عبد الله البسام تقدير الصاع عنده أنه يعادل كيلوين ونصف (2500) غرام (انظر توضيح الأحكام 3/78).
جهة إخراجها :(1/54)
ينبغي أن تدفع لمستحقيها فقط من الفقراء والمساكين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين, ورجح شيخ الإسلام ابن تيميه ذلك كما في مجموع الفتاوى (25/71-78) وتلميذه ابن القيم في زاد المعاد (2/44), وليس هناك دليل على ما ذكره بعض أهل العلم من جواز صرف زكاة الفطر للأصناف الثمانية.
وقتها :
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة العيد لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان وزمن دفعها له وقتان وقت فضيلة ووقت جواز. فوقت الفضيلة قبل صلاة العيد صباحاً وأما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين كما ثبت عن ابن عمر ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (رواه أبو داود 5/3, والنسائي 5/50 وحسنه الألباني في الإرواء 3/332) بلا عذر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني في الإرواء 3/332).
هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً ؟
لا يجزئ إخراج قيمة الطعام لأن ذلك خلاف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد", وفي رواية من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (رواه مسلم).
ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين.
ولأن إخراج القيمة تُخرج الفطرة عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية فإن إخراجها صاعاً من طعام يجعلها ظاهرة بين المسلمين معلومة للصغير والكبير يشاهدون كيلها وتوزيعها ويتعارفوها بينهم بخلاف ما لو كانت دراهم يُخرجها الإنسان خفية بينه وبين الآخذ (مجالس رمضان ص 138).
المجلس السابع والعشرون(1/55)
فتاوى رمضان (1)
حكم من تسحر أثناء الآذان
* سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك أعاده الله على الجميع بالخير, أننا لم نستيقظ للسحور إلا قبل الآذان بعدة دقائق, فلما جهزنا السحور وإذا بالمؤذن يؤذن لصلاة الفجر, وأكلت وشربت والمؤذن يؤذن حتى قارب الآذان على النهاية, وأنا آكل.
حيث سؤالي هو : هل عليِ إثم حينما أكلت أثناء الآذان, أم عليِ قضاء هذا اليوم ؟ وسمعت من بعض المحدثين أنه يأكل حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود, ويقولون لا عليك حاجة والله أعلم, أرجو إفادتي والله يحفظكم ؟
فأجابت : إذا كان الواقع كما ذكر, ولم تعلم بطلوع الفجر, فالصوم صحيح, لأن الأصل بقاء الليل, لكن يُشرع لك مستقبلاً أن يكون سحورك قبل الآذان احتياطاً لدينك,وحرصاً على سلامة صومك, وبالله التوفيق وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
الأكل أثناء الآذان أو بعده
* وسئل أيضاً فضيلة الشيخ / محمد صالح العثيمين حفظه الله
(الفتاوى لابن عثيمين - كتاب الدعوة -1/156-157).
بعض الأشخاص يأكلون والآذان الثاني يؤذن في الفجر لشهر رمضان, فما هو صحة صومهم ؟
فأجاب : إذا كان المؤذن يؤذن على طلوع الفجر يقيناً فإنه يجب الإمساك من حين أن يسمع المؤذن فلا يأكل ولا يشرب.
أما إذا كان يؤذن عند طلوع الفجر ظناً لا يقيناً كما هو الواقع في هذه الأيام فإنه له أن يأكل ويشرب إلى أن ينتهي المؤذن من آذانه.
فاقد الذاكرة والمعتوه والصبي والمجنون هل يجب عليهم الصوم ؟
* وسئل أيضاً فضيلة الشيخ / محمد صالح العثيمين حفظه الله
(الفتاوى لابن عثيمين - كتاب الدعوة -1/490-491).
فاقد الذاكرة هل يجب عليه الصوم, والمعتوه والصبي والمجنون ؟(1/56)
فأجاب : أن الله سبحانه وتعالى أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب بأن يكون ذا عقل يُدرك به الأشياء, وأما من لا عقل له, فإنه لا تلزمه العبادات, وبهذا لا تلزم المجنون, ولا تلزم الصغير الذي لا يميز, وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ومثله المعتوه الذي أصيب بعقله على وجه لم يبلغ حد الجنون. ومثله أيضاً : الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة كما قال هذا السائل, فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة, لأن فاق الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يُميز, فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة, ولا يلزم بصلاة ولا يُلزم أيضاً بصيام.
إذا طهرت الحائض أثناء نهار رمضان
* وسئلت أيضاً اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : لي خالة طهرت في رمضان قبل طلوع الفجر فصامت ذلك اليوم, ثم قامت الظهر لتصلي فرأت صُفرة, هل صومها صحيح ؟
فأجابت : إذا كان الطُهر حصل قبل طلوع الفجر ثم صامت فصيامها صحيح ولا أثر للصُفرة بعد رؤية الطُهر, لقول أم عطية رضي الله عنها :"كُنا لا نعد الكدرة والصُفرة بعد الطهر شيئاً" وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
وسئل سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
(مجموع فتاوى الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- 3/213)
ما الحكم إذا طهُرت الحائض في أثناء نهار رمضان ؟
فأجاب : عليها الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال العُذر الشرعي وعليها قضاء ذلك اليوم كما لو ثبت رؤية رمضان نهاراً, فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم, ويقضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم.
ومثلها المسافر : إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده, فإن عليه الإمساك في أصح قولي العلماء, لزوال حُكم السفر مع قضاء ذلك اليوم, والله ولي التوفيق.
مريض السكر والصيام(1/57)
* وسئل فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان بن عبد الله حفظه الله
(المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان-3/142- 143) :
سائل يقول : إنه مصاب بمرض السكر منذ ثلاثة أعوام, وكان يصوم شهر رمضان ولكن بمشقة, فهل يجوز له الإفطار في هذه السنة ؟ وماذا عليه لو أفطر, ومع ذلك المرض دائماً يحس بالجوع والعطش, حتى لو كان الجو معتدلاً ؟
فأجاب : صيام شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام, قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" إلى قوله تعالى :"فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة :183 :185).
فالمسلم يجب عليه أن يصوم, إلا إذا كان معذورا, فإنه يفطر من أجل العذر الشرعي, ويقضي من أيام أخر. والذي يعذر في ترك الصيام في رمضان هو المسافر أو المريض, قال تعالى :"فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة "185).
فالمريض يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها من أيام أخر. فلك أن تفطر إذا كان الصيام يشق عليك, أو كان الصيام يزيد في المرض ويضاعف المرض, فإنك تفطر عملاً برخصة الله سبحانه وتعالى. ثم إذا قدرت على القضاء في المستقبل, فإنه يجب عليك أن تقضي الأيام التي أفطرتها, لقوله تعالى :"فعدة من أيام أخر" (البقرة :184).(1/58)
وإذا كنت لا تقدر على القضاء لكون المرض مزمناً ومرضاً لا يُرجى شفاؤه, فإنه يتعين عليك أن تُطعم عن كل يوم مسكينا, وذلك بمقدار كيلو ونصف الكيلو من الطعام تقريباً, تخرج عن كل يوم كيلو ونصف من الطعان, هذا إذا كنت لا تقدر على القضاء, لأن المرض مستمر معك, فالمريض مرضاً مزمناً والشيخ الكبير الهرم, يفطران ويطعمان, وليس عليهما قضاء.أما إذا كان بمقدورك أو بانتظارك أن يزول هذا المرض أو يخف, بأن يكون له وقت في السنة مثلاً يخفف عنك وتستطيع الصيام, فإنك تؤجل القضاء إلى ذلك الوقت, أما إذا لم يكن شيء من ذلك, فإنك تُطعم عن كل يوم مسكينا, ويكفيك هذا, لقوله تعالى :"وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" (البقرة :184).
ومنهم المريض الذي لا يُرجى شفاء مرضه, والله أعلم.
المجلس الثامن والعشرون
فتاوى رمضان (2)
صيام الحامل والمرضع
* وسئل سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله (تحفة الإخوان بأجوبة تتعلق بأركان الإسلام لسماحة الشيخ ابن باز ص 171) :
هل يباح الفطر للمرأة الحامل والمرضع وهل يجب عليهما القضاء أم هناك كفارة عن فطرهما ؟
فأجاب : الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض, إذا شق عليهما الصوم شُرع لهما الفطر, وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك, كالمريض, وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام, عن كل يوم, إطعام مسكين, وهو قول ضعيف مرجوح, والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض, لقول الله عز وجل :"فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر" (البقرة :184), وقد دل على ذلك أيضاً حديث أنس ابن مالك الكعبي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة, وعن الحبلى والمُرضع الصوم" (رواه الخمسة).
استعمال الإبر في الوريد وفي العضل هل يُفطر الصائم ؟(1/59)
* وسئل سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله (تحفة الإخوان بأجوبة تتعلق بأركان الإسلام لسماحة الشيخ ابن باز ص 175) :
ما حُكم استعمال الإبر التي في الوريد والإبر التي في العضل .. وما الفرق بينهما وذلك للصائم ؟
فأجاب : الصحيح أنهما لا تُفطران, وإنما التي تُفطر هي إبر التغذية خاصة, وهكذا أخذ الدم للتحليل لا يُفطر به الصائم لأنه ليس مثل الحجامة, أما الحجامة فيُفطر بها الحاجم والمحجوم في أصح أقوال العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"أفطر الحاجم والمحجوم".
حكم استعمال معجون الأسنان
* وسئل أيضاً سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله (الفتاوى لابن باز- كتاب الدعوة 2/163- 164) :
هل يجوز للصائم أن يستعمل معجون الأسنان وهو صائم في نهار رمضان ؟
فأجاب : لا حرج في ذلك مع التحفظ عن ابتلاع شيء منه, كما يُشرع استعمال السواك للصائم في أول النهار وآخره.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة السواك بعد الزوال, وهو قول مرجوح والصواب عدم الكراهة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :"السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" (أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها).
ولقوله صلى الله عليه وسلم :"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (متفق عليه), وهذا يشمل صلاة الظهر والعصر وهما بعد الزوال والله ولي التوفيق.
بخاخ الربو لا يُفطر
* وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله (الفتاوى لابن عثيمين - كتب الدعوة 1/169-170) :
في بعض الصيدليات بخاخ يستعمله بعض مرضى الربو, فهل يجوز للصائم استعماله في نهار رمضان ؟(1/60)
فأجاب : استعمال هذا البخاخ جائز للصائم سواء كان صيامه في رمضان أم في غير رمضان .. وذلك لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة وإنما يصل إلى القصبات الهوائية فتنفتح لما فيه من خاصية ويتنفس الإنسان تنفساً عادياً بعد ذلك, فليس هو بمعنى الأكل ولا الشرب, ولا أكلاً ولا شُرباً يصل إلى المعدة, ومعلوم أن الأصل صحة الصوم حتى يوجد دليل على الفساد من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح.
لا إثم ولا قضاء على من شرب جاهلاً بطلوع الفجر
* وسئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله (الفتاوى لابن عثيمين - كتب الدعوة 1/162-163) :
قُمت لتناول طعام السحور ولم أكن أعلم أن الوقت قد دخل, وتناولت كأساً من الماء فتبينت دخول الفجر بمدة زمنية ليست بيسيرة, فهل يبطل صومي بهذا العمل أم لا ؟ علماً أن الصوم كان نافلة وليس فرضاً ؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب : إذا كان أكلك وشربك بعد طلوع الفجر جاهلاً بطلوع الفجر فإنه لا إثم عليك ولا قضاء لعموم الأدلة الدالة على أن الإنسان لا يُؤاخذ بجهله ونسيانه.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قال :"أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس" ولم يُؤمروا بقضاء, ولو كان القضاء واجباً لبلغه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته, ولنُقل إلينا, فإنه يكون حينئذ من شريعة الله, وشريعة الله تعالى محفوظة ولابد أن تُنقل وتُفهم.
كذلك لو أكل الإنسان وهو صائم ناسياً فإنه لا قضاء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" (رواه البخاري 4/155 ومسلم 1155).
أكمل صوم رمضان أولاً ثم الست من شوال
* وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - فتوى رقم 2244) :(1/61)
هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان, حيث قد أفطر من شهر رمضان عشر أيام بعذر شرعي, هل يثبُت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستاً من شوال, وكان كمن صام الدهر كله ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجابت : تقدير ثواب الأعمال التي يعملها العباد لله هو من اختصاص الله جل وعلا, والعبد إذا التمس الأجر من الله جل وعلا واجتهد في طاعته فإنه لا يضيع أجره.
كما قال تعالى :"إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (الكهف :30), والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولاً ثم يصوم ستة أيام من شوال, لأنه لا يتحقق له إتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه, وبالله التوفيق وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
هل يُشرع قيام النصف من شعبان وصيام الخامس عشر منه
* وسئل أيضاً فضيلة الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان بن عبد الله حفظه الله
(المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان-3/151- 152) :
هل يُشرع قيام النصف من شعبان وصيام الخامس عشر منه ؟
فأجاب : لم يثبُت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقيام ليلة النصف من شعبان بخصوصها ولا بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه, لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يُعتمد عليه.
فليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي, إن كان له عادة القيام في الليل, فإنه يقوم فيها كما يقوم في غيرها, دون أن يكون لها ميزة, لأن تخصيص وقت لعبادة من العبادات لابد من دليل صحيح, فإذا لم يكن هناك دليل صحيح, فإن ذلك يكون بدعة, وكل بدعة ضلالة.
المجلس التاسع والعشرون
وداع رمضان بين الرحيل والقبول(1/62)
أحمد الله تعالى الرحيم صاحب الفضائل الكبير المتعال الذي وفقنا لصيام شهر رمضان المبارك, وانتهى بأجوائه الروحية وتنوع عباداته التي أسعدتنا وأسعدت كل مسلم وشرحت صدورنا فكانت دورة تدريبية لكل مسلم القصد منها إعداد النفس والجسد للعمل الصالح المستمر إذ هي وسيلة إصلاح وتهذيب, فعلينا أن نستفيد من دروس شهر رمضان وأن نضع نصب أعيننا عظاتها وخبراتها التجريبية.
فعلى العبد أن يلازم طاعة الله ويعود نفسه على فعل الخير فإن الله تعالى مُطلع على السرائر علام الغيوب.
واستقامة المسلم بعد رمضان وصاح أقواله وأفعاله دليل على استفادته من رمضان ورغبته في الطاعة وهذا عنوان القبول وعلامة الفلاح.
والأهم من ذلك هو أن يتقبل الله منا صيامنا وسائر أعمالنا في شهر رمضان المبارك وورد عن السلف أنهم كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان فإذا جاء رمضان وصاموه دعوا الله تعالى ستة أشهر الأخرى أن يتقبل صيامهم.
وأثر عن علي رضي الله عنه :"كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ألم تسمعوا الله عز وجل يقول "إنما يتقبل الله من المتقين" (المائدة /27).
يقول الشاعر :
فيا رمضان والأيام ………كالأعمار تستبق
إلى غايتها والغيب ………مسودة مؤتلق
ونأمل أن يكون لنا ………وراء الستر منطلق
حقاً إنها أيام حلوة وجميلة تلك أيام رمضان المبارك, من صيام وقيام وقراءة قرآن وصدقة وزكاة وصلة الأرحام وزيارة الأخوة والأقارب.
يحدثني أحد الأخوة الذين اعتمروا, يقول رأيت رجلاً يرفع يده إلى السماء عند الكعبة وهو يقول يا رب اجعل السنة كلها رمضان, يا له من شعور إيماني جميل دفع بهذا الرجل أن يتمنى أن تكون السنة كلها رمضان.
يقول الشاعر :
ولو أني استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديدني الصيام
ختاماً :(1/63)
أحذر أيها المسلم من العودة إلى المعاصي وإلى الغفلة والانتكاسة بعد الهداية والاعوجاج بعد الاستقامة, يقول تعالى :"ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" (النحل /92).
يقول الشاعر :
يا شهر مفترض الصوم الذي خلصت
فيه الضمائر والإخلاص للعمل.
أرمضت يا رمضان السيئات لنا
بشر بنا للتقى علا على نهل
وليت شهرك حول غير منقطع
صوم وبرونسك فيه متصل.
اللهم أعد علينا رمضان مرات عديدة وكرات مديدة, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجلس الثلاثون
أحكام العيد
من أحكام العيد :
1- التجمل في العيد :
عن أبن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ عمر جٌبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هذه لباس من لا خلاق له ". فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها عمر فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إنك قلت :" إنما هذه لباس من لا خلاق له " وأرسلت إلي بهذه الجبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تبيعها أو تصيب بها حاجتك " ( رواه البخاري 886 ومسلم 2068 وأبو داود 1076 ).
قال الإمام السندي : منه علم أن التجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها، النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم بقاؤها ( حاشية السندي على النسائي 3/181 ).
وقال الحافظ ابن حجر، روي ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلي ابن عمر: أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين ( فتح الباري 2/439 ).
2- الخروج إلي المصلي :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلي المصلي فأول شئ يبدأ به الصلاة.. " رواه البخاري 956 ومسلم 889 والنسائي 3/187 ).
3- الذهاب والإياب إلي المصلى :(1/64)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" ( رواه البخاري 986 ).
قال الإمام ابن القيم الجوزية : وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجع في آخر فقيل: ليسلم على أهل الطريقين وقيل: لينال بركته الفريقان وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما وقيل ليظهر شعائر الإسلام .. وقيل وهو الأصح إنه لذلك كله ولغيرة من الحكم التي لا يخلو فعله صلى الله عليه وسلم ( زاد المعاد 1/449 ).
وقال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ذكر الأقوال السابقة وإذا لم يعلم السبب استحب التأسي قطعا.
4- التكبير في العيدين :
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلي، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضي الصلاة قطع التكبير ".
وكان ابن عمر إذا غدا يوم الفطر، ويوم الأضحى, يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلي, ثم يكبر حتى يأتي الإمام (رواه الدارقطني وابن أبي شيبة وغيرهم, بإسناد صحيح، وانظر الغليل 650 ).
كان ابن مسعود يقول : الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
( رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ).
5- متى يأكل في العيدين ؟
عن أنس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات " ( رواه البخاري 953 والترمذي 543 ).
قال الإمام المهلب: الحكمة في الأكل قبل الصلاة : أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة ( فتح الباري 2/447 ).
" وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر: لا يأكل حتى يرجع فيأكل من نسيكته " ( رواه الترمذي 542 ).
6- الغسل قبل العيد :
عن نافع : أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلي المصلي ( رواه مالك 1/177 والشافعي 73 وسنده صحيح ).(1/65)
وقال الإمام سعيد بن المسيب : سنة الفطر ثلاث : المشي إلي المصلي، والأكل قبل الخروج، والاغتسال ( رواه الفريابي 127/1و2 بإسناد صحيح، وانظر إرواء الغليل 2/104 ).
7- هل يصلي قبل صلاة العيد أو بعدها؟
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلي يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها.. ( رواه البخاري 989 والترمذي 537 ).
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 2/443: ولم يكن هو صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلي المصلى قبل الصلاة ولا بعدها.
8- حكم صلاة العيدين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان، كقول أبي حنيفة وغيره، وهو أحد أقوال الشافعي، وأحد القولين في مذهب أحمد، وقول من قال: لا تجب، في غاية البعد فإنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير، وقول من قال: هي فرض على الكفاية، لا ينضبط .. ( مجموع الفتاوي 23/161 ).
9- وقت صلاة العيد :
عن عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج مع الناس يوم فطر أو أضحي، فأنكر إبطاء الإمام، وقال : أنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح ( أي، وقت صلاة النافلة، وذلك إذا مضي وقت الكراهة، وانظر فتح الباري 2/457 والنهاية 2/331 ).
قال ابن القيم : ( وكان صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة- لا يخرج حتى تطلع الشمس ) ( زاد المعاد 1/442 ).
وقال صديق حسن خان : وقتهما بعد ارتفاع الشمس قيد رمح إلي الزوال، وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث-وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة-وأما آخر وقتها، فزوال الشمس ( الموعظة الحسنة 43، 44 ).(1/66)
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري: ووقتها: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلي الزوال والأفضل أن تصلي الأضحى في أول الوقت ليتمكن الناس من ذبح أضاحيهم وأن تؤخر صلاة الفطر ليتمكن الناس من إخراج صدقاتهم ( منهاج مسلم 278 ).
10- لا أذان ولا إقامة للعيدين :
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة، ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة ( رواه مسلم 887 وأبو داود 1148 والترمذي 532 ).
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهي إلي المصلي أخذ في الصلاة من غير أذان، ولا إقامة، ولا قوم الصلاة جامعة، والسنة أنه لا يفعل شئ من ذلك ( زاد المعاد 1/442 ).
11- صفة صلاة العيد :
أولا : هي ركعتان، لرواية عمر رضي الله عنه : " صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، تمام غير قصر، علي لسان محمد صلى الله عليه وسلم " ( أخرجه أحمد 1/37 والنسائي 3/183 والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/421 والبيهقي 3/200 وسنده صحيح ).
ثانيا: تبدأ الركعة الأولي-كسائر الصلوات بتكبيرة الإحرام ثم يكبر فيها سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات سوي تكبيرة الانتقال.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى : في الأولي سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا سوي تكبيرتي الركوع ( رواه أبو داود 1150 وابن ماجه 1280 ).
قال الإمام البغوي: وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم أنه يكبر في صلاة العيد في الأولى سبعا سوي تكبيرة الافتتاح وفي الثانية خمسا سوي تكبيرة القيام قبل القراءة روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي.. ( ونقل أسماء القائلين بذلك كما في شرح السنة 4/309 ).
ثالثا: التكبير ورفع اليدين :(1/67)
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه مع تكبيرات العيد (انظر إرواء الغليل 3/112-114) لكن قال ابن القيم : وكان ابن عمر- مع تحريه للأتباع- يرفع يديه مع كل تكبيرة (زاد المعاد 1/441).
رابعاً : فإذا أتم التكبير, أخذ في القراءة بفاتحة الكتاب, ثم يقرأ بعدها "ق. والقرآن المجيد" (سورة ق/1) في إحدى الركعتين, وفي الأخرى :"اقتربت الساعة وانشق القمر" (سورة القمر/1)- رواه مسلم 891 والنسائي 3/84), وكان ربما قرأ فيهما :"سبح اسم ربك الأعلى" (سورة الأعلى /1) و : "هل أتاك حديث الغاشية" (سورة الغاشية /1) - (رواه مسلم 878 والترمذي 533).
12- الخطبة بعد الصلاة :
والسنة في خطبة العيد أن تكون بعد الصلاة وبوب البخاري في "صحيحه" "باب الخطبة بعد العيد" (انظر فتح الباري 2/453), عن ابن عباس قال "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة" (رواه البخاري 962 ومسلم 884).
13- التهنئة بالعيد :
سُئل شيخ الإسلام ابن تيميه عن التهنئة فأجاب : أما التهنئة يوم العيد, بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبل الله منا ومنكم, وأحال الله عليكم, ونحو ذلك, فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه, ورخص فيه الأئمة, كأحمد وغيره, لكن قال أحمد : أنا لا أبتدئ أحدا, فإن ابتدأني أحد أجبته, وذلك لأن جواب التحية واجب, وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها, ولا هو أيضاً مما نهي عنه, فمن فعله فله قدوة ومن تركه فله قدوة, والله أعلم.
خاتمة
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. فاحرص أخي المسلم على هذه الفضائل والأعمال الصالحة والتي ذكرناها في هذا الكتاب وتعرض لنفحات هذا الشهر لعل الله تعالى يجعل لك من أعمالك الصالحة والخالصة لوجهه الكريم حجاباً وعتقاً من النار.(1/68)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولله عتقاء من النار في كل ليلة" (رواه الترمذي 3/359 وابن ماجه 1642 وهو حسن).
نسأل الله تعالى ن يجعلنا وإياكم من عتقاء النار وأن يرحمنا ويغفر لنا وان يعيد علينا رمضان مرات عديدة وكرات مديدة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(1/69)