بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا نريد من شباب الصحوة ؟؟
فضيلة الشيخ سعيد ابن مبارك الزعير
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
بسم الله والحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فنحمد الله الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان المبارك.
سألينه جلت قدرته أن يجعل اجتماعنا اجتماعا مرحوما، وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقا معصوما، وأن لا يجعل فينا ولا من بيننا ولا من حولنا شقيا ولا محروما.
ونسأله أن يوفقني لحسن القول وأن يوفقكم لحسن الاستفادة.
أما موضوعنا في هذه الليلة وهو المعلن منذ أسبوع:
ماذا نريد من شباب الصحوة.
نسأل الله أن يكون موضوعا مفيدا نافعا مهتديا بهدي كتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن يعيذني فيه من الزلل، فما جاء فيه من توفيق فهو من الله، وما فيه من خطئ فهو من نفسي ومن الشيطان واستغفر الله وأتوب إليه.
ابتداء في ماذا نريد من شباب الصحوة نحدد مفردات هذا الموضوع حتى نكون على بينة مما نريد الحديث فيه فقد اعتدنا في دروسنا أن نحدد مفردات العنوان.
وفي تحديد مفردات العنوان فوائد حيث يستطيع الحاضر والسامع ابتداء أن يعرف أين يدور الحديث، وما المرد منه. فنبتدأ بتحديد مفردات عنوان هذا الدرس.
شباب الصحوة ! من نعني ؟ من شباب الصحوة ؟
هل المقصود الشباب الملتزم بالسنة في مظهره بإطالة لحيته أو تقصير ثوبه.
هل هؤلاء هم شباب الصحوة ؟
أم أن المقصود الشباب القائم بالالتزام بالدعوة والأمر بالمعروف مع الالتزام بالسنة ؟
أم أن المقصود بالشباب هم طلبة العلم الشرعي ؟
أم أن المقصود بشباب الصحوة هم شباب العلم الإسلامي طولا وعرضا ؟
أي هؤلاء يعنيهم لفظ شباب الصحوة ؟
من المقصود ؟
إن شباب الصحوة قد تعني إحدى هذه المجموعات، وقد تعنيهم جميعا.
وفي حديثنا في هذه الليلة أعني بشباب الصحوة كل هؤلاء، بل غيرهم من فئات الشباب في الأمة.(1/1)
إني أعتبر الصحوة التي نعيشها بفضل من الله ومنذ فترة أعتبرها وعاء زمني ينبغي أن يضاف إليه كل شباب الأمة المسلمة الذين يعيشون هذه الفترة الزمنية فترة الصحوة شاملا ذلك العلماء من الشباب.
وأخص الشباب لأن علماءنا الكبار أساتذة الصحوة وموجهوها وربابنة مسيرتها وليسو في حاجة إلى توجيه من مثلي.
إذا أعني العلماء من الشباب
وأعني أيضا فئة أخرى هي الدعاة من الشباب.
وأعني أيضا الشباب المتعاون في مجال الأمر بالمعروف والني عن المنكر.
وأعني فئة أخرى الشباب في الجامعات وما قبلها من مراحل التعليم.
وأعني أيضا شباب الأمة في مجالات العمل المختلفة وفي سائر القطاعات المدنية والعسكرية.
كل هؤلاء من جيل الشباب أعنيهم بالحديث لأنهم يعيشون زمن الصحوة ويسعدون بها ولأن الصحوة قامت وستستمر بمجهوداتهم الراشدة الموفقة المسددة بأذن الله.
إذا هذا من أعنيه بشباب الصحوة.
اللفظ الآخر ماذا نريد ؟
ما للمقصود بلفظ ماذا نريد التي وردت في العنوان ؟
إن الكتابات عن الصحوة الإسلامية كثيرة جدا، كتب عنها المحب، وكتب عنها المبغض، وكتب عنها المشفق، وكتب عنها الكاره.
بل إن دوائر الاستخبارات العالمية قد رصدت الميزانيات الضخمة للقيام بأبحاث ودراسات لرصد الصحوة الإسلامية للتعرف على توجهاتها، بل ولمحاولة التأثير على مسيرتها إما باختلاق الأحداث أو باستغلالها وتوجيهها.
ولذا فإن المقصود بماذا نريد من شباب الصحوة هو وضع تصور لما أحب أن أجعله مطلوبا من شباب الصحوة وفق هدي القرآن ووفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذا التصور الذي أحسبه مطلوب للشباب إذا تحقق فإنه يحصل منه فوائد كثيرة.
لأنه يحدد للشباب التصور العام.
ويحدد لهم العلم المطلوب.
ويحدد لهم السلوك الطبيعي المهتدي.
ويحدد أيضا العمل الصالح.
وإذا استطعنا أن نضع مثل هذا التصور فإنه يحقق بأذن الله كثيرا من الفوائد المهمة أذكر بعضها:(1/2)
أولا: إن شباب الصحوة أنفسهم يستطيعون السير على هدي وعلى بصيرة من ذلك التصور.
لأنها حُددت لهم الأهداف، ورُسمت لهم السبل، ووضعت لهم العلامات على الطريق، فأول فوائد تحديد التصور هو أن الشباب نفسه يستطيع أن يسير على هدى وعلى بصيرة، وهذه فائدة أولى.
ثانيا: أن من يريد أن يقوم عمل الصحوة والحكم عليها.
ينبغي أن ينظر أولا في منهجها ليقارن بين التصور والتطبيق، فإن من أولويات ومن أبجديات التقويم أن يتم الحكم على العمل في ظل التصور الذي رسم له ابتداء.
وإذا لم يكن ذلك فإن التقويم سيتحول إلى وجهات نظر شخصية بعيدة عن الحكم الموضوعي.
فإذا أرادت جهة علمية أو جهة أمنية تقويم الصحوة فإنها مطالبة بالنظر في ما وضع من تصور لمسيرة الصحوة لتسترشد به، وحتى لا تكون الأخطاء الفردية لآحاد شباب الصحوة - وكلنا معرض للخطأ -، حتى لا تكون الأخطاء الفردية إن وجدت حكما عاما يحكم به على شباب الصحوة كلهم.
ثالثا: أننا نستطيع من خلال المقارنة بين التصور لمنهج الصحوة وبين الكتابات الكثيرة عن الصحوة والتي كتبتها فئات من الناس من محب ومن مبغض ومن كاره وجاهل حاقد، بل ومن عدو متربص بالصحوة بل وبالأمة كلها.
نستطيع أن نكتشف الكثير من الدس ونستطيع أن نكتشف سوء التقدير، بل وتعمد الإساءة والإثارة والتشكيك بين فئات الأمة الإسلامية.
فإذا وجدنا من يقول:
إن شباب الصحوة يريدون إثارة الفتن أو أنهم يريدون الوصول إلى الحكم.
نظرنا في منهج الصحوة وفي أقوال علمائها لنكتشف أن ذلك دس رخيص لا يراد به الخير لا لصحوة ولا للأمة.
والملاحظ أن معظم الكتابات الحاقدة ضد الصحوة تخرج من مصدرين أساسين؛
الأول المجموعات القومية اليسارية واليمينية المفلسة.
والتي لفضتها الأمة الإسلامية واكتشفت دجلها ومتاجرتها بالشعارات، فتلك الفئات تشكك بالصحوة لأنها وجدت القبول لدى كافة فئات الأمة.(1/3)
والمصدر الثاني للكتابات المشككة في الصحوة هو دوائر الاستخبارات العالمية.
وحقدها على الإسلام وعلى أهل الإسلام معروف من قبل تلك الكتابات ومن بعدها.
وقبل البدء في الحديث عن النقاط المحددة مما نريد من شباب الصحوة، أنبه إلى حقيقة زمنية نعيشها الآن وهي:
أن المتغيرات الكبرى التي حصلت في العالم من حولنا ابتداء من سقوط الشيوعية.
وابتداء من محاولات إقامة نظام عالمي جديد على أساس من الوفاق الدولي.
إن تلك المتغيرات الكبرى تجعل الأمة الإسلامية كلها مطالبة بالقيام بمسئوليتها التاريخية.
فالأمة الآن على مفترق طرق:
إما أن يظهر جيل من أدعياء الإسلام يتزعمون الأمة في مسيرة ضالة تلوي أعناق الأدلة لتساير بها الضلال العلمي.
أو أن تسيطر العلمانية على العالم الإسلامي لتساير الوفاق الدولي.
أو أن تتسلط الدكتاتوريات مرة أحرى.
وهذه الاحتمالات أو البدائل السيئة مهيأة للظهور إن تأخرت الأمة عن القيام بواجبها.
وإن تحقق شئ من هذه البدائل السيئة فإنها مرتبطة بأسبابها الموضوعية، وستستمر هذه البدائل السيئة حتى يقوم أهل الإسلام، فإذا جاء الحق وظهر فإن الباطل سيسقط لا محالة.
(سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا).
ماذا نريد من شباب الصحوة ؟
أول ما نريد من شباب الصحوة الارتباط الوثيق بعلماء الأمة.
وأخص كبار العلماء لما عرف عنهم من علم غزير، ولما لهم من تجربة طويلة، ولما لهم من رجاحة عقل تحول بينهم وبين التعجل في الأمور.
وهذا ركن ركين من المنهج الذي ينبغي أن يستمر ويضطرد في كل وقت وحين مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال في المنشط وفي المكره، ولا يمكن للصحوة أن تسير على هدى بدون ذلك.(1/4)
أول مطلب نريده من شباب الصحوة الارتباط الوثيق بكبار علماء الأمة، فكلما توثقت صلة شباب الصحوة بالعلماء، وصدروا عن رأيهم والتزموا بتوجيهاتهم كلما أمنت الصحوة من الزلل ومن الانحراف. وما أكثر المنزلقات ولانحرافات في طريق الدعوة.
ويرد هنا إشكال حقيقي، هل يستطيع كبار العلماء استقبال كل شباب الصحوة؟
هذا أمر غير ممكن، ويكفي للدلالة على استحالته النظر إلى تلك المشاهد المبهجة عندما نرى الزحام حول سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز (رحمه الله)، أو سماحة الشيخ محمد العثيمين (رحمه الله).
الزحام من قبل طلابهم، إن نظرة مثل هذه تعطي دلالة قاطعة أنه يستحيل أن يتصل كل شباب الصحوة بكبار العلماء.
ولكن ما العمل؟ إن الوسائل الأخرى كثيرة:
إن الاستماع لأشرطة كبار العلماء.
الاتصال الهاتفي بهم.
قراءة كتبهم، ورسائلهم.
الاستماع إلى فتاواهم في الإذاعة.
وهناك وسيلة أخرى وهي الاتصال بمن يتصل بهم من العلماء ومن الدعاة، فإن مما يسر أنه على مدار الأسبوع لا يمر يوم واحد دون أن يلتقي العلماء والدعاة بمشايخهم الكبار ليصدروا عن رأيهم وتوجيههم، ثم يتصل العلماء والدعاة بالشباب من خلال المحاضرات، من خلال الندوات، أو الاتصال الشخصي وهكذا.
إن استمرار هذه الصلة الوثيقة بين شباب الصحوة وعلماء الأمة ركن أساس في استقامة مسيرة الصحوة وبعدها عن الإفراط أو التفريط.
فإلى مزيد من الصلة وإلى مزيد من الارتباط بالعلماء، وإلى المزيد من الاسترشاد بآرائهم في كل شأن من شؤوننا.
هذه النقطة الأولى التي ينبغي أن لا تغيب عن شباب الصحوة، وهو الارتباط والصلة الوثيقة المتوثقة بعلماء الأمة.
ونريد من شباب الصحوة أيضا أن يرتفع مستوى وعيهم بالأحداث حولهم.
الأحداث القريبة والبعيدة، وهذا الوعي ينبغي أن يكون وفق ترتيب لأهمية الأحداث، فلا ننشغل بحدث مهم ونترك الأحداث الأهم فإن هذا نقص في العقل.
وظيفة العقل أن تُرتب به الأمور أهمية.(1/5)
فينبغي أن يرتفع وعي الشباب بالأحداث، وأن ترتب تلك الأحداث وفق أهميتها.
ولن يتحقق الوعي إلا بعلم صحيح.
فالمطلب أن يعتني شباب الصحوة بالعلم الصحيح، والعلم الصحيح ليس كمية من المعلومات الصحيحة فقط، بل مع ذلك لابد من منهج في فهم تلك المعلومات، وفي التنسيق بينها، وفي الصدور برأي راشد مهتدٍ من تلك المعلومات.
وليس ذلك متيسر لكل فرد، ولذا جاءت الحاجة إلى التعاون في طلب العلم والتكامل فيه ومدارسته ومذاكرته والضراعة إلى الله في تيسيره، والبعد عن معصية الله الحائلة بين الإنسان وبين العلم فنور الله لا يهدى لعاصي. كما جاء من كبار علماءنا.
إن النية الصالحة في طلب العلم ضرورية ابتداء واستمرارا، فعلى شباب الصحوة خاصة، خاصة من هم في سني الطلب أن يتعهدوا نياتهم في طلب العلم وأن يجعلوها خالصة لوجه الله ولرفعة دينهم، ولرفعة أمة الإسلام.
وهم بهذا القصد الحسن وبهذه النية الصحيحة يحققون التوحيد، ويحققون النجاح، ويحققون الأجر ولن يخسروا من مقاصدهم الأخرى بسبب هذه النية الصالحة شيئا.
إذا رفع الوعي وأساسه العلم الصحيح، العلم بالمعلومات الصحيحة وبالمنهج الذي يوظف تلك المعلومات وينسق بينها.
ومما نريد من شباب الصحوة أيضا وهي النقطة الثالثة وهي من أهم النقط وأكثرها حساسية:
نريد من شباب الصحوة السلوك السوي المنضبط.
المتحلي بالرفق واللين، البعيد عن التوترات والانفعالات والتجاوزات، إننا معشر شباب الصحوة ندعو الأمة إلى الالتزام بالسلوك الإسلامي الراشد السوي ، ندعو الأمة إلى السكينة، ندعو الأمة إلى الطمأنينة، ندعو الأمة إلى السعادة بالإسلام.
فكيف ينشر السكينة شاب متوتر ؟
وكيف ينشر السكينة شاب منفعل؟
إن في المجتمع المسلم كثير من المخالفات الشرعية التي تثير الشباب المسلم وتوتر انفعالاته غضبا لله، لكن التحلي بالصبر وكبح جماح النفس والتحلي بحسن الخُلق والتعامل السوي مع الناس من أفضل الوسائل لفتح قلوبهم للحق.(1/6)
إن من شباب الصحوة من يتجاوز حدوده، ويتصرف تصرفات غير منضبطة بضوابط الشرع، وهم وإن كانوا قلة وفي حكم النادر إذا ما قورنوا بالأعداد الهائلة من شباب الدعوة الملتزم بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن المعاملة.
إلا أن المصارحة تُلزمنا بإيضاح أن الانفعال والتوتر والتجاوز ليس من منهج الدعوة، وأن واجب شباب الصحوة التناصح في هذا والبعد كلية عن مثل هذا السلوك.
لقد عايش الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين في مكة، واليهود والمنافقين في المدينة، بل ووقع بعض الصحابة في المعصية ومنها كبائر.
وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة مع هؤلاء وأقام الحدود على من وجبت عليه ولم تنقل لنا السنة الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم انفعالا أو توترا أو سلوكا غير منضبطا مع أنه صلى الله عليه وسلم تمر عليه حالات من الهم ومن الحزن على حال أمته وعلى إعراضهم يصفه القرآن بعبارات لا مزيد عليها.
يقول تعالى:
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا).
(لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين).
فتصل الهموم بالمصطفى صلى الله عليه وسلم أسفا على الأمة إلى ما هو قريب من الهلاك، ومع ذلك لم ينقل عنه تصرف فيه توتر أو تجاوز.
إن شباب الصحوة مطالب وبإلحاح خاصة من ينشطون في الدعوة، وفي الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر، إني أطالبهم بالابتعاد عن كل سلوك منفعل، عن كل سلوك متوتر لأن ذلك ليس من السنة أولا، ولأن ذلك ليس من مصلحة الدعوة ثانيا.
وإذا كان الشاب لم يستطع ضبط أعصابه في مثل هذه المواقف فعليه أن يروض نفسه، يروضها على حسن التعامل، فإن لم يستطع فليبحث عن مجال آخر من مجالات الدعوة التي تناسبه فإن ذلك أصلح له وأصلح للدعوة.
وآسف للإطالة هنا، ولكن والله إنه لأمر مزعج ومقلق وآمل أن يجد آذن صاغية.
وقد يعترض معترض لماذا تتحدث عن شؤون الشباب وعن استثارتهم وعن توتراتهم، ولا تشير إلى الذين يستثيرونهم ؟(1/7)
وهذا في الواقع حقيقة ومحل اعتبار، ولكن الحديث الليلة للشباب، أما الحديث عمن يثيرون ويستثيرون فإنها سّنة ماضية للصراع بين الحق والباطل ولكيد إبليس ولعله يأتي مناسبة أخرى يكون الحديث فيها موجه إلى أولئك.
ومما نريده من شباب الصحوة في مجال السلوك أيضا، وهو من النقطة الثالثة:
البعد عن تبديد الطاقات في غير مجالها.
نريد من شباب الصحوة الحفاظ على الطاقات، وعدم تبديدها في غير مجالها الصالح النافع للأمة كالانشغال في الجدل أو في بناء الأحكام المتسرعة على الأشخاص أو على الهيئات بناء على الشائعات، أو المسارعة إلى نزعة الفرقة والاختلاف بين الأمة.
إن مثل هذه الأمثلة وغيرها مما لا يتسع له المجال، أو لا يتسع له التفصيل مسلك غير راشد تفجر فيه الطاقات وتبعثر فيه الجهود دون كبير فائدة، بل ربما بما يعود على الأمة بالضرر.
وكان الأولى بشباب الصحوة أن ينشغل بدلا من هذا في مجال الدعوة في منهجها الصحيح، وبفعل الخير في مجالاته الواسعة التي تعاني الأمة من قلة السالكين لها.
وقد حث القرآن كثيرا على هذا المسلك.
يقول تعالى:(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)
بعد هذه الصفات للمؤمنين ختم بوصف شامل:
(أولئك يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون)
ولم تكتفي الآية بالمسارعة بل لابد من السبق في فعل الخيرات، وكأن هذه سنة ماضية حتى في الأمم قبلنا.
من الأمم السابقة، المهتدون منهم خاصة كانوا يسارعون في الخيرات.
قال تعالى:
(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين).
إننا مطالبون بالمسارعة في الخيرات.
قال في ختم الآية: ( أولئك من الصالحين).(1/8)
فكأن هذا صراط دائم أن أهل الخير وأهل الصلاح يسارعون لفعل الخير، فندعو شباب الصحوة إلى ترك الجدل وإلى ترك الخلاف وإلى ترك النزاع وإلى مزيد من فعل الخير، إلى مزيد من الخير وفعله فهو أولى وهو أجدى للشباب وأنفع للأمة وأهدى سبيلا.
وإن بقي من الشباب من يرفض الاستجابة لترك الاختلاف وإثارة الشقاق وإثارة الفرقة وإصدار الأحكام على الأشخاص والجماعات فلنتركهم، لنتركهم ولا ننشغل بهم ولا نضيع شيئا من أعمارنا في إهدارها في الحديث معهم.
ونسأل الله صادقين مخلصين لهم الهداية، ونسأل الله لهم العودة للحق، ونسأل الله لهم بصدق في صلواتنا وفي سجودنا أن يريهم الله الحق حقا ويرزقهم اتباعه.
ومما ندعو شباب الصحوة إليه ونريده منهم، وهذه النقطة الرابعة.:
نريد من شباب الصحوة لإتقان والتفوق العلمي والتطبيقي.
نريد من شباب الصحوة الإتقان والتفوق في مجال العلم، وفي مجال التطبيق، إن عزة أمة الإسلام مرتبطة بنهضة المسلمين وبقوتهم.
ولن تتحقق النهضة والقوة إلا بالإتقان وبالتفوق العلمي والتطبيقي.
إن من مظاهر التخلف التي يعيشها المتخلفون في العالم، وفي عالم المسلمين أيضا الإعراض عن العمل، أو الأداء الرديء كما وكيفا.
إن التحدي الحضاري الغربي الذي تقف الأمة أمامه ذليلة اليوم، ما هو في حقيقته إلا إتقان للعمل، أتقن أولئك ولم نتقن، الإتقان للأداء الجيد في المجالات الحياتية كلها:
في البحث العلمي.
في الإدارة في الاقتصاد.
في التجارة والصناعة والزراعة.
في التعليم في الإعلام في الخدمات المختلفة.
إن ذلك التفوق في العمل هو الذي مكنهم من الانتصار في معركة التحدي الحضاري.
إنهم لم يهزمونا بعقيدتهم، فعقيدتنا هي الحق.
ولم يهزمونا بقيمهم ولا بأخلاقهم، فقيمنا وأخلاقنا أحق.
ولكنهم تفوقوا علينا في مجال العمل والإتقان في الأداء، فأصبح لديهم بذلك التفوق من القوة ما يرهبون به أعدائهم، إننا أولى بهذا وقد أمرنا ربنا به.(1/9)
قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)
إن شباب الصحوة مطالب ونريد منه كل في مجال تخصصه، وفي ميدان عمله أن يتفوق وأن يتقن، إن شباب الأمة الإسلامية ينبغي أن يعتبروا أنفسهم من شباب الصحوة، وهذا ما أشرت إليه في الحديث أولا في تعريف من شباب الصحوة.
إن شباب الأمة كله من شباب الصحوة وينبغي أن يعمل على رفعة الأمة، عليهم أن يعتبروا أنفسهم جميعا من شباب الصحوة، وعليهم أن ينصروا الأمة كل في مجاله.
إن الطبيب المسلم من شباب الصحوة وهو مطالب بالإتقان، وليس اليهودي ولا النصراني ولا البوذي أولى منه بالإتقان. إي والله ليس هؤلاء بأولى من الطبيب المسلم بالإتقان، وليسوا أولى منه بالتفوق.
وإن الاقتصادي المسلم من شباب الصحوة وهو مطالب بالإتقان والتفوق في مجاله، وما هزمت الأمة في ميدان الاقتصاد إلا عندما غاب الإتقان وعندما غاب التفوق، عندما غاب عنا في مجالات العلم، وفي مجالات التطبيق الاقتصادي.
إن رجالات الاقتصاد المسلمين مطالبون بالبحث الجاد والسير الحثيث لتطوير مجالات الإنتاج ، ولتطوير مجالات الاستثمار على أصول إسلامية صحيحة حتى تتحر الأمة من التبعية الاقتصادية للغرب.
إن ذلك تحدي حقيقي لشباب الصحوة أن يثبتوا نجاحهم في مجال الاقتصاد حتى نتحرر من التبعية الغربية في مجال الاقتصاد.
إن الجندي والمزارع والعامل والطالب والأب والأم كل واحد من هؤلاء مطالب بالإتقان مطالب بالتفوق في مجاله وبذلك تنهض الأمة وتقبل التحدي الحضاري، وتثبت جدارتها مرة أخرى بقيادة البشرية وتوجيهها وإنقاذها من الضلال الذي تردت فيه.
إن البشرية اليوم تتردى وتتخبط في ضلال، ولا منقذ لها إلا الإسلام، ولكنه يريد شبابه أن يحملوه،، أن يحملوه حملا قويا متقنا.
يقول تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(1/10)
إن من مقتضيات الإيمان بالله امتثال أوامره وإظهار دينه.
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)
نعم إن ظهور الدين لن يتحقق إلا عندما تحمله أيد قوية مؤمنة تستطيع التحدي، وتبذل إمكاناتها في سبيل نشره وإظهاره.
إن بعض المخدوعين أو الضالين من أبناء الأمة الذين أخذوا بمناهج وأساليب النهضة الغربية، أخذوا بمناهج غريبة عن ثقافة الأمة.
وغريبة عن عقيدة الأمة يحاولون اليوم حصر مفهوم شباب الصحوة في فئة محدودة من شباب الأمة ليصوروا عبر وسائل الإعلام، وعبر وسائل النشر الأخرى.
ومن خلال كتاباتهم ومن خلال مؤلفاتهم.
يصوروا أن أهل الصحوة فئة محدودة من الشباب أما بقية الأمة فلا شأن لها بالصحوة ولا شأن لها بالعودة إلى الدين.
لكن الله كذّب هؤلاء، كذّبهم وخيب ظنهم ورد كيدهم في نحورهم عندما رأينا الصحوة تشمل الجميع وتدخل المجتمعات دون استثنى فالحمد لله الذي أقر أعين المؤمنين.
عندما رأى أولئك المخدوعين ذلك الانتشار للصحوة والعودة الحثيثة للتمسك بالدين أسقط في أيديهم ولم يبقى معهم إلا المكابرة والكيد للصحوة ولأهلها.
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
في نهاية الفصل الدراسي الماضي، وفي بداية هذا الفصل قمت بزيارات لبعض مناطق المملكة، وأحسب نفسي ممن لهم صلة وعلم بأخبار الصحوة، أحسب نفس أني وثيق الصلة وأعرف أحوال الصحوة، ولكن والله فجئت بما يسر كل محب للخير.
لم أفاجئ فقط بكثرة إقبال الشباب وحبهم للخير، ولكن فجئت بمستوى الوعي لديهم في حال الأمة، وجدت والله ما يسر من ارتفاع مستوى وعي رجال الأمة وشبابها.
الشعور العام بضرورة العمل على نهضة الأمة.
الشعور العام بضرورة العمل لبناء قوة الأمة المستقلة من الغرب ومن الشرق.
مثل ذلك الشعور غمرني والله بمزيد من الغبطة وبمزيد من السرور.
نعم قابلت من عُلية القوم وقابلت من كبار المسؤولين وسمعت والله ما يسر ويثلج الصدر، ويبشر بخير مقبل للأمة.(1/11)
وأقول هنا وبكل صراحة إننا في هذا البلد، في هذا البلد في الذات، ومن خلال ما لمست من تلاحم بين العلماء وولاة الأمور من جهة.
ومن تلاحم بين العلماء وشباب الصحوة من جهة أخرى، والقناعة الحقيقة التامة لدى الغالبية من أفراد الأمة أنه لا صلاح للأمة إلا بالإسلام.
إن هذا الشعور أوجد عندي شعورا آخر وهو أننا مقبلون على خير كثير، وعلى بناء قوي حقيقي للأمة أساسه التلاحم بين الجميع على أساس من الإسلام الصحيح.
ودور الشباب شباب الصحوة في هذه القوة هو دور أساس، فهم وقود هذه القوة، وهم طاقة هذه القوة، وهم وسيلة هذه القوة وهم غاية هذه النهضة.
فإلى مزيد من البذل، وإلى مزيد من الثقة بالله، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
النقطة الخامسة والأخيرة، ومما ندعو شباب الصحوة إليه، ونريده منهم ، والأمة مقبلة على التصحيح والنهوض على أساس من الإسلام، وهي مقبلة على ذلك.
نطالب شباب الصحوة أن يعدو أنفسهم للبذل.
أن يعدو أنفسهم للبذل والتضحية إعدادا جسميا ونفسيا للبذل في سبيل الله في مجالات العمل كلها، لابد من الأعداد.
إننا نطالب شباب الصحوة للإعداد قبل البذل، ونطالب شباب الصحوة للإعداد للبذل لأنهم إذا تأخروا، وإذا لم يستعدوا نفسيا وجسميا استمر تخلف الأمة، استمر الغافلون والمخدوعون والضالون يمسكون بزمام الأمة.
وما انتكست الأمة إلا عندما تولى أمورها من خُذل إما بأمانته أو قوته.
(إن خير من استأجرت القوي الأمين).
القوة بالإتقان والأمانة بالدين، إن واحدا منهما لا يكفي، فالتدين المنقوص الذي ليس معه قوة علم وإتقان لن ينهض بالأمة، وإن القوة في العلم والتطبيق والإتقان المنقوص من جانب الدين لن ينهض بالأمة.
لن تنهض الأمة بجانح واحد، فالمتدين الذي لم يتقن في تخصصه لن ينهض بالأمة، والذي أتقن تخصه وجانب دين الله لن ينهض بالأمة.(1/12)
إن الأمة مطالبة وخاصة الشباب مطالبون بالاستعداد النفسي والجسمي للبذل، مزيدا من البذل ولن تنهض الأمة بقليل من البذل.
إننا في حاجة إلى تقديم مصلحة الأمة على المصالح الفردية الخاصة
فنحن حملة الرسالة ولنا في جيل الصحابة أسوة، لنا في جيل محمد صلى الله عليه وسلم أسوة، فعندما بشر رسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بنصرة الدين وبانتشار الدين وبعزة الأمة وبقوة الأمة لم يكن استعداد الصحابة للمكاسب.
أي والله لم يستعدوا للمكاسب وإنما استعدوا للتضحيات وللبذل في سبيل هذا الدين.
كان استعدادهم للعطاء وللتضحية وعندما أراد بعض الصحابة الالتفات لشؤونهم الخاصة وترك الجهاد جاء قول الله تعالى:
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
نعم إن ترك التضحية للدين، ترك الاستعداد للتضحية من أجل الإسلام، ترك الاستعداد للبذل في سبيل الله وفي نصرة دين الله، إن ترك التضحية لذلك وعدم البذل والتهاون بمجاهدة النفس وإجبارها على تحمل المسؤولية، إن ذلك هلاك عاجل للأمة وللأفراد.
إنما نحن فيه الآن من تردي وانحطاط وذلة وانهزام سببه أننا نريد أن نأخذ أكثر مما نعطي.
إن شباب الأمة لم يعد نفسه لهذا، سباب الصحوة مطالب بوعي هذه الحقيقة إن الذلة والمسكنة والهوان الذي جعل الأمة في هذا المكان المتدني سببه أننا غير منتجين.
إن مثل هذا الاستعداد النفسي الواعي لتحمل التبعات مع العوامل الأخرى التي ذكرت في الفقرات السابقة هو الذي سيهيئ الأمة لتحمل دورها الحضاري.
ودورنا الحضاري معشر الشباب ليس جزئيات، دورنا الحضاري هو كل، عندما تكون الأمة بكاملها أمة قوية، هذه القوة تريد الاستعداد.
والوعي ولا يكون إلا بذلك العلم الصحيح، نتعلم، نتقن المعرفة، نعرف حقائق الأمور.
لما تسلط اليهود ؟
لما تسلط النصارى؟
لما ضعفت الأمة، لما ؟
(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير)(1/13)
هذا الكلام موجه لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عندما أصيبت الأمة في أحد، عندما هُزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم تحت قيادته.
عندما هُزموا استغرب الصحابة كيف نُهزم ونحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟
كيف نهزم ونحن أتباع رسول الله ؟
كيف نُهزم من المشركين والله معنا ؟ كيف ؟
صحح القرآن هذا المفهوم:
(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها)
قد انتصرتم في بدر ثم انتكستم في أحد، عندما احتج الصحابة قال لهم القرآن:
(قل هو من عند أنفسكم).
نعم إن ما نحن فيه من عند أنفسنا.
من عند أنفسنا عندما رضيت الأمة بهذا الخمود.
عندما وطاشت أعمال شبابها.
عندما عاشت في الرفاهية وفي الترف.
عندما لم تلتفت لقول علمائها.
عندما لم تستجب للناصحين من أبنائها.
عندما عاشت كما يعيش غيرها للترف للرفاهية.
ورأيتم كيف كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعدون للتضحية، يعدون للجهاد، يعدون للبذل، وعندما فكر بعض أصحاب محمد الله صلى الله عليه وسلم وقالوا:
إن الله قد نصر الدين، إن الإسلام قد انتصر وسوف نعود لمزارعنا لنصلح من شأننا.
يعني عندما أرادوا أن يلتفتوا لأمورهم الخاصة وترك أمور الأمة جاء التحذير الشديد من القرآن بقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
نعم والله إن انشغال الأمة بشؤونها الخاصة وترك الشأن العام هو الهلاك.
ورد تفسير لهذه الآية من أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته:
ففي أحد الفتوح قام أحد الشباب المجاهد في سبيل الله في مواجهة العدو فتقحم في فرسه ودخل في جيش الكافرين المقابل مفردا يضرب يمينا ويسارا.
فقال بعض الحاضرين ألقى بيده إلى التهلكة. إنه انتحار، يعني يريد أن يموت.
فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه:
نحن أعلم بتفسير هذه الآية منكم، إنها نزلت فينا معشر الأنصار عندما أعز الله الدين وظهر الإسلام، فقلنا في ما بيننا:(1/14)
إن الله قد نصر الإسلام ونصر رسوله وأعز الدين، فلماذا لا نعود لمزارعنا لنصلح من شأن دنيانا، أنزل الله قوله تعالى:
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
نعم إن الأمة قد ألقت بيدها إلى التهلكة، الأمة كلها إلا من عصم الله وقليل ما هم قد القوا بأيديهم إلى التهلكة، إن التهلكة التي نعيشها الآن قد القينا بأيدينا نحن إليها.
نوع تحصيلنا.
نوع تعليمنا.
نوع إعدادنا لأبنائنا.
نوع إتقاننا لعلومنا.
نوع إتقاننا لأعمالنا.
نوع أبحاثنا، نوع اهتمامات جامعاتنا.
نوع اهتمامات الأمة بكاملها.
هل هي لأعلا دين الله ؟
هل هي لأعلا شرع الله ؟
هل هي لتكون كلمة الله هي العليا ؟
هل هي لينتشر الإسلام، ويكون مهيمنا على الدين كله ؟
لا والله، نكذب على أنفسنا، ونكذب على التاريخ إن قلنا أن الأمة تسخر إمكاناتها لدين الله.
إننا نعطي لدين الله قليل، أما أكثر ما نبذل فهو لأمورنا الخاصة باستئثار وبطمع وببخل في جانب البذل في سبيل الله .
أقول إن الاستعداد النفسي والتهيئة النفسية لشباب الصحوة، وإعداد أنفسهم جسميا وعلميا هو الذي سيهيئ للأمة أن ترتقي من ذلك التخلف إلى التقدم.
سوف يهيئ الأمة لتحمل دورها الحضاري لقيادة البشرية بفكرها المهتدي بنور الله بعد أن أفلست النظريات وسقطت النظم التي تحاد الله ورسوله0.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
بقي أن أقول أن هذه الآمال الكبار ، والأماني العراض لنهضة الأمة ستبقى كلاما، وستبقى حديثا وأصداء، ستبقى مرهونة بالتحول الذي يحدثه شباب الصحوة في أنفسهم .
سوف تبقى مرهونة بالتحول الذي يحدثه الشباب فعلا في أنفسهم، والاستعداد الذي يبذلونه في ذلك، فالشباب مطالب بالتعرف تفصيلا على ما يراد منه في ضوء ما ذكر.
فيعد نفسه علميا ويعد نفسه سلوكيا ويعد نفسه للعمل بعلمه في ضوء الأولويات التي ذُكرت وفي أحد التخصصات التي تريدها الأمة، التي تحتاجها الأمة.(1/15)
يعد نفسه في ذلك كله بمستوى رفيع من الإتقان والتفوق.
وبعد ذلك التحول في النفوس تنهض الأمة وتقبل التحدي.
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
عندما نعلم علما يقينيا أن التحول يجب أن يكون بالنفوس أولا، وهذا ليس من عند الباحثين، ولا من عند الدارسين، ولا من عند المحدثين، وإنما من عند المتعمقين في فهم آيات القرآن، وفي فهم سنن الله في الكون.
عندما يقول تبارك وتعالى:
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
القوم هنا نكرة تشمل كل الأقوام، ليست خاصة بالمسلمين.
يقول رب العالمين بشأن اليهود:
(ضربت عليهم الذلة)
وعندما غيروا الذلة في أنفسهم لم تبقى معهم ذلة.
عندما جبنوا مع موسى ولم يدخلوا لفتح فلسطين وهي بلاد لم تكن لهم فضربت عليهم الذلة فأعدو أربعين عاما في الصحراء ليكون رجال صالحين لتحمل تبعات التضحيات والجهاد.
أما نحن فإن ما نحن فيه، ووقعنا، واقع الأمة المسلمة لا أريد الحديث عنه فأنتم تعرفونه، أنتم تعرفون واقعنا:
الأمة منهزمة.
الأمة مهزومة.
الأمة ذليلة هذا واقعها.
ولن يغير هذا الواقع الذي بهذه الأقوام حتى يغير ما بالنفوس.
وهذه سنة مؤكدة في قرأن رب العالمين
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
فهل الأمة ممثلة بشباب الصحوة الذين عادوا إلى الله بعد أن أفلست كل التجارب، إن شباب الصحوة ما عاد إلى الإسلام زرافات ووحدانا، ما عادوا ابتداء.
لا، إن شباب الأمة عاد إلى الإسلام من جديد بعد أن أفلست كل التجارب.
لنعلم هذه الحقيقة عباد الله.
إن من بيننا من الشباب من عاد غريبا، من صحا الآن وهو لا يعرف تاريخ الصحوة، ولا يعرف ماذا سبق على الصحوة، ولا يعرف تجارب الأمة في النهضة.
إن الأمة قد شعرت قديما وليس اليوم، وليس قبل عشر سنين بل منذ قرون عدة شعرت بالضعف بعد أن سقطت دولة الخلافة، بل إن سقوط دولة الخلافة ما جاء إلا ثمرة لضعف الأمة.(1/16)
إن الضعف متقدم وشعرت به الأمة وحاولت محاولات عديدة وشتى وكثيرة.
حاولت الأمة كثيرا أن تنهض، ولكنها تجارب فاشلة، تجارب منهزمة، تجارب أدت إلى انحطاط بعد انحطاط ، وأدت إلى ضعف بعد ضعف.
ومكنت أعداء الإسلام من رقاب المسلمين في كل حين.
نعم، ولكن وبعد أن قصمت الشعرة ظهر البعير (كما تقول الأمثال)، بعد أن اقتنعت الأمة بفشل كل المحاولات للنهضة، بعد أن اقتنع غالبية المسلمين بأنه لا مجال للنهوض إلا بالإسلام ركضت الصحوة وأسرعت الصحوة.
متى قصمت الشعرة ظهر البعير ؟
إنه في هزيمة العرب في حرب 1967م، ولا أقول المسلمين لأن الإسلام لم يدخل المعركة.
قبل 67 لا تسمع بين المسلمين إلا القليل من دعاة عقيدة السلف، من دعاة المنهج الصحيح وهم قلة وفي أماكن محدودة.
لم يكن الصوت قبلها يسمع قويا بضرورة نهضة الأمة على أصول الإسلام.
ولكن بعد أن انقصم ظهر البعير وبعد أن تبينت الأمة أن تجربة اليسار واليمين والعلمانيين والقومية والشيوعية والبعثية وكل محاولات النهوض كلها فشلت.
يأست وهنا بدأ الدعاة يتحركون، وبدأ الناس يسرعون ويقبلون حتى ذهل العالم
ما الذي أصاب العرب ؟
ما الذي أصاب المسلمين ؟
وما هذه العودة ؟
وهم يتصورون أن ذلك راجحة عقل، ولا أريد أن اتهم العقول لأن راجحة العقل أن نلتزم بالإسلام ابتداء وقبل أن تأتينا الضربات من الأمام ومن الخلف، وتأتينا على الوجوه.
رجاحة العقل أن تكون العودة قبل تجارب النهضة القومية أو النهضة العربية المبكرة ، وقبل تجارب الشيوعية وقبل تجارب الناصرية وقبل تجارب البعثية وقبل تجارب العلمانية.
لو أن الأمة استفادت من رجاحة عقلها ومن علم علمائها كان الأولى العودة ليس بعد 67، بل كان مبكرا.
قال الناس ما الذي أصاب الأمة، وما الذي عاد بهم ؟
وفعلا ذهلوا من هذه العودة، وحتى هذه العودة كان الدعاة خلالها يدعون على استحياء.(1/17)
بعضهم يقول عبارة مشهورة محفوظة لعدد من الدعاة، يدعو للعودة للإسلام على استحياء فيقول:
(يا قوم، يا ناس لقد جربنا كل النظم ولم نفلح، فشلنا في كل تجربة، فجربوا هذه المرة الإسلام).
نعم عادت الأمة، وبعضها عاد فقط للتجربة، ولسنا في حاجة لأن نقول أن التجربة نجحت، بل هي ناجحة قبل تجربتنا.
قبل أن نجرب نحن هي ناجحة، طبقها المصطفى صلى الله عليه وسلم ونجحت.
وطبقها أبو بكر ونجحت.
وطبقها عمر ونجحت.
وأستمر التطبيق بنجاحات، وكل فشل محدود في التجربة كان بسبب خلل فينا نحن.
(حتى يغيروا ما بأنفسهم).
إصابات في نفوسنا، بل إن تلك التجارب المحدودة التي تفشل، أو الدروس المحدودة التي تمثل أخطاء جاءت مبكرة من عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما هزمنا في أحد، عندما قال المسلمون كيف نهزم؟
فهذه درس حتى لا يعتقد الناس أنه ما دمنا أهل القرآن.
وما دمنا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله لن ينصر النصارى علينا، ولن ينصر اليهود علينا، ولن ينصر المشركين علينا.
لا. لا، إن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا التمسك بالقرآن والسنة، فمن تمسك بهما أفلح.
قال صلى الله عليه وسلم:
(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ..)
أما إن تركنا فلا، لا و الله.
يقول القرآن:
(وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)
وقد مرت التجربة، تُرك العرب فترة، وحكم دولة الخلافة غير العرب، تولى الحكم في بغداد من غير العرب، وأعني بغداد عندما كانت دار الخلافة.
وتولى الحكم في القاهرة عندما كان فيها خلافة غير العرب.
وتولها في دمشق غير العرب.
وتولها خارج العالم العربي أناس من خارج العالم الإسلامي أولا ثم أصبحوا منه، بل أصبحوا قيادة عندما تولى الأكراد، بل وعندما تولت دول إسلامية في الهند، وفي بلاد ما بين النهرين تلك البلاد التي تمثل الآن جنوب الاتحاد السوفيتي سابقا وشمال إيران وأفغستان كانت فيها خلافة وفيها إسلام وفيها دعوة.(1/18)
إنه ليس بين الله وبين أحد نسب.
من أخذ بأسباب القوة قواه الله، ومن أخذ بأسباب الضعف أذله الله، وقد أخذنا الآن بأسباب الذلة.
فإن تركناه كما أشرت أولا، ونحن كما بشرت وكما تفاءلت، وأقولها ثانية مقبلون على نهضة، مقبلون على صحوة، مقبلون على قناعة تامة بأنه لا عز إلا بالإسلام، ولكن دور الشباب الاستعداد.
دور الشباب الاستعداد وبذل الجهد، بذله والتضحية من أجل هذا الدين.
إن الكلام، إن الخطب، إن العواطف لن تنهض بالأمة.
إن الأمة تحتاج إلى علم صحيح، وإلى سلوك مهتدي، وإلى إتقان للعلوم، وإلى إتقان للتقنيات، وإلى استعداد نفسي وجسمي للبذل من أجل الله ومن أجل دين الله.
ينبغي أن يعي شباب الصحوة هذا، فإذا وعوه فليبشروا وليأملوا.
وما ذلك إلا من عند الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
أخي الحبيب – رعاك الله
لا نقصد من نشر هذه المادة القرأة فقط أو حفظها في جهاز الحاسب، بل نآمل منك تفاعلا أكثر من خلال
- نشر هذه المادة في مواقع أخرى على الشبكة.
- مراجعتها ومن ثم طباعتها وتغليفها بطريقة جذابة كهدية للأحباب والأصحاب.
- الأستاذان من الشيخ لتبني طباعتها ككتيب يكون صدقة جارية لك إلى قيام الساعة.
أخي الحبيب لا تحرمنا من دعوة صالحة في ظهر الغيب.
من خلال اقتراحاتك وتوجيهاتك لأخيك يمكن أن تساهم في هذا العمل الجليل.
اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم. للتواصل:
أخوكم البوراق / anaheho@maktoob.com(1/19)