ماذا بعد رمضان؟!
نصيحة وتذكير
تأليف
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
ijk
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) " (1)
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني المسلمين ثبتني الله وإياكم للحق ، بعد أن منَّ الله علينا بصوم رمضان وقيامه، بقي علينا أن نعرف، ماذا علينا بعد رمضان؟ وهل ينفع الصوم بدون الصلاة ؟ ، وهل ينفع أن نصوم ونصلي ونعبد الله تعالى في رمضان ونترك بقية الشهور ؟ فنحن المسلمين نحمد الله تعالى أن هدانا للحق، ووفقنا لصوم شهر رمضان ، ويسر لنا قيامه، فعلينا أن لا نفتر أو ننقطع عن العبادة بعد رمضان من صلاة وصيام وصدقة، وكل طاعة تقربنا من رحمة الله تعالى ، وتبعدنا عن عذابه ، قيل لبشر رحمه الله تعالى إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان ، فقال : بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنةكلها .
سئل الشلبي رحمه الله أيما أفضل رجب أو شعبان ؟ فقال : كن ربانياً ولا تكن شعبانياً كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عملة ديمة وسئلت عائشة رضي الله عنها هل كان يخص يوماً من الأيام ؟ فقالت : لا ، كان عمله ديمة وقالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة .
__________
(1) سورة آل عمران .(1/1)
عن سفيان قال رأى وهيب قوما يضحكون يوم الفطر فقال : إن كان هؤلاء تقبل عنهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين و إن كان هؤلاء لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين". (1)
واعلم أخي أن ترك الصلاة كفر ، وأن الله لا يقبل الأعمال دون الصلاة ، قال تعالى : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) } (2)
قوله تعالى: { ما سلككم في سقر } قال القرطبي : "أي أدخلكم { فِي سَقَرَ } كما تقول: سلكت الخيط في كذا أي أدخلته فيه. قال الكلبيّ: فيَسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه، فيقول له: يا فلان وفي قراءة عبد الله بن الزبير "يا فلانُ ما سَلَكَك فِي سَقَرَ"؟ وعنه قال: قرأ عمر بن الخطاب "يا فلانُ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ" وهي قراءة على التفسير، لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن؛ قاله أبو بكر بن الأنباري. وقيل: إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكة المشركين فيقولون لهم: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } . قال الفراء: في هذا ما يقوي أن أصحاب اليَمِينِ الوِلدان؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب. { قَالُواْ } يعني أهل النار { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } أي المؤمنين الذين يصلون. { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) } أي لم نك نتصدق. { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ tûüإزح !$sƒّ:$# (45) } أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم .اهـ. (3)
__________
(1) شعب الإيمان رقم (3727)
(2) سورة المدثر .
(3) تفسير القرطبي (19-83-84).(1/2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، و إن انتقص من فريضة قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ". (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة". (3)
وفي رواية : "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة". (4)
قال النووي: ومعنى بينه وبين الشرك ترك الصلاة أن الذي يمنع مِنْ كفره كونه لم يترك الصلاة، فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل بل دخل فيه، ثم إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك، والله أعلم. (5)
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/290 و 425)و(4/60 و 103) و (5/72 و 377)، وأبو داود(864) و(413)والنسائي (1/232)وابن ماجة (1425) و (1426)والترمذي(411)وابن أبي عاصم في الأوائل رقم (35)، وصححه في صحيح الجامع حديث رقم (2020).
(2) أخرجه أحمد في المسند (5/346)، والترمذي في السنن برقم (2623)، والنسائي المجتبى (1/231)، والحاكم (1/6-7) ، وابن أبي شيبة في الإيمان برقم (46).
(3) رواه مسلم برقم (82)، وأبو داود في السنة (4678) والترمذي برقم (2622).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (318)، (باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة)، والنسائي برقم (462) ، والترمذي برقم (2686) ، وأبو داود برقم (4670)، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة .
(5) شرح النووي على مسلم .(1/3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمه الله". (1)
وعن أبي قِلاَبَةَ، عن أبي الملِيحِ قال: كنّا معَ بُرَيْدَةَ في غَزوةٍ، في يومٍ ذي غَيمٍ، فقال: بَكِّرُوا بصلاةِ العصرِ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من فاتته صلاة العصر حبط عمله". (2)
انظر أخي إذا كان ترك صلاة واحدة يحبط العمل فما بالك بمن ترك الصلاة بالكلية .
قال ابن عبدالبر: ويحتمل أن يلحق بالعصر باقي الصلوات ويكون نبه بالعصر على غيرها، وإنما خصها بالذكر لأنها تأتي وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم، وفيما قاله نظر لأن الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم، وإنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها والله أعلم. (3)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الفتن (4034) والبخاري في الأدب المفرد برقم (18)، وتلخيص الحبير (2/148)، الإرواء (7/89-91).
(2) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (553)، باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْر .
(3) شرح النووي على مسلم .(1/4)
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام نفيس في هذه المسألة أحببت أن أنقله هنا لأهميته ولكي تتم الفائدة لأحبتنا القراء حيث قال : ومن أحب الأعمال إلى الله وأعظم الفرائض عنده الصلوات الخمس في مواقيتها ، وهى أول ما يحاسب عليها العبد من عمله يوم القيامة ، وهى التي فرضها الله تعالى بنفسه ليلة الإسراء والمعراج لم يجعل فيها بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - واسطة وهي عمود الإسلام الذي لا يقوم إلا به ، وهى أهم أمر الدين كما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يكتب إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" .
وقال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ، فمن لم يعتقد وجوبها على كل عاقل بالغ غير حائض ونفساء فهو كافر مرتد بإتفاق أئمة المسلمين ، وإن اعتقد أنها عمل صالح وأن الله يحبها ويثيب عليها وصلى مع ذلك وقام الليل وصام النهار وهو مع ذلك لا يعتقد وجوبها على كل بالغ فهو أيضا كافر مرتد حتى يعتقد أنها فرض واجب على كل بالغ عاقل " . (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/ 433) .(1/5)
ثم قال رحمه الله تعالى : "ومن اعتقد أنها تسقط عن بعض الشيوخ العارفين والمكاشفين والواصلين أو أن لله خواصا لا تجب عليهم الصلاة بل قد سقطت عنهم لوصولهم إلى حضرة القدس أو لإستغنائهم عنها بما هو أهم منها أو أولى أو أن المقصود حضور القلب مع الرب أو أن الصلاة فيها تفرقة فإذا كان العبد في جمعيته مع الله فلا يحتاج إلى الصلاة بل المقصود من الصلاة هي المعرفة ، فإذا حصلت لم يحتج إلى الصلاة فإن المقصود أن يحصل لك خرق عادة كالطيران في الهواء والمشي على الماء أو ملء الأوعية ماء من الهواء أو تغوير المياه واستخراج ما تحتها من الكنوز وقتل من يبغضه بالأحوال الشيطانية فمتى حصل له ذلك استغنى عن الصلاة ونحو ذلك ، أو أن لله رجالا خواصا لا يحتاجون إلى متابعة محمد بل استغنوا عنه كما استغنى الخضر عن موسى ، أو أن كل من كاشف وطار في الهواء أو مشى على الماء فهو ولى سواء صلى أو لم يصل ، أو اعتقد أن الصلاة تقبل من غير طهارة أو أن المولهين والمتولهين والمجانين الذين يكونون في المقابر والمزابل والطهارات والخانات والقمامين وغير ذلك من البقاع وهم لا يتوضئون ولا يصلون الصلوات المفروضات ، فمن اعتقد أن هؤلاء أولياء الله فهو كافر مرتد عن الإسلام بإتفاق أئمة الإسلام ولو كان في نفسه زاهدا عابدا فالرهبان أزهد وأعبد وقد آمنوا بكثير مما جاء به الرسول وجمهورهم يعظمون الرسول ويعظمون أتباعه ولكنهم لم يؤمنوا بجميع ما جاء به بل آمنوا ببعض وكفروا ببعض فصاروا بذلك كافرين كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ(1/6)
وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) } . سورة النساء ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى . (1)
وفي فتوى اللجنة الدائمة عن حكم ترك الصلاة فأجابت:
الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلت على الحكم بكفره ولم تفرق بين من يتركها تهاوناً ومن تركها جاحداً لوجوبها. أ.هـ. (2)
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من ترك الصلاة فقد كفر .
قال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".أ.هـ.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن : "لا تُشرك بالله شيئا وإن قُطعت أو حرقت ، ولا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً ، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذِّمة ، ولا تشرب الخمر ، فإنها مفتاح كل شرّ " . (3)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/435) ، والفتاوى الكبرى (2/263) .
(2) فتاوى اللجنة الدائمة (1/37) .
(3) .صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (7339)، وإرواء الغليل برقم (2026)، وصحيح الترغيب برقم (567).(1/7)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقال: يا رسول الله! علمني عملاً إذا أنا عملته دخلت الجنة. فقال: "لا تشرك بالله شيئاً وإن قُتلت وحُرِّقت، ولا تعُقَّن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً؛ فإنَّ من ترك صلاة مكتوبة متعمداً؛ فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربنَّ خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإن بالمعصية حلَّ سخط الله، وإياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موت فاثبُت، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله". (1)
وعن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قوله: { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أيّنا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟
قال: ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت. (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له . (3)
__________
(1) صحيح الترغيب (570)، إرواء الغليل (7/89-91).
(2) حسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (576).
(3) قال الألباني: صحيح موقوف، صحيح الترغيب رقم (575).(1/8)
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أن - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". (1)
__________
(1) رواه البخاري برقم (25)، باب فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، ورواه مسلم برقم (21)، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها ووكلت سريرته إلى الله تعالى وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام واهتمام الإمام بشعائر الإسلام) .(1/9)
قال النووي: "قال الخطابي رحمه الله: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون: لا اله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف، قال: ومعنى "وحسابه على الله" أي فيما يستسرون به ويخفونه دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة، قال: ففيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر قبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء. وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل. ويحكى ذلك أيضاً عن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما، هذا كلام الخطابي. وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه وأوضحه فقال: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا اله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركوا العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله: لا اله إلا الله، إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر: "وأني رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة" هذا كلام القاضي. قلت: ولا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة هي مذكورة في الكتاب: "حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" والله أعلم.اهـ. شرح النووي
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال : يا رسول الله!اتق الله فقال : "ويلك ألست أحق أهل الأرض أن أتقي الله ؟! فقال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - : ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ فقال: " لا لعله أن يكون يصلي". (1)
__________
(1) رواه البخاري برقم (4351)، ورواه مسلم برقم (1064).(1/10)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من لم يحافظ على الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي جهل وأبي بن خلف". (1)
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يَرونَ شيئاً من الأعمال تركُه كُفر، غيرَ الصلاة". (2)
وعن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يُكثرُ أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا" فيقصُ عليه ما شاءَ الله أن يُقصّ، وإنه قال لنا ذات غداة: "إنه أتاني الليلة" اثنان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فَيَتدهده الحجر، فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق..."الحديث.
"أما الرجل الأولَ الذي أتيتَ عليه يثلغُ رأسه بالحجر،فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه،وينام عن الصلاة المكتوبة" . (3)
قوله: "يثلغُ رأسه" أي : يشدخ .
وقوله : "فيتدهده" أي : فيتدحرج .
__________
(1) أخرجه أحمد (2/169)، والدارمي(2/301)، وابن حبان(254)، وقال الهيثمي (1/292) ونسبه إلى الطبراني في الكبيروالأوسط، قال: رجال أحمد ثقات، وقال المنذري في الترغيب والترهيب(1/386)إسناده جيد .
(2) رواه الترمذي برقم (2690)، باب في رد الإرجاء، والحاكم (1/1) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (565) . قال أبو عِيسَى: سمعت ابا مصعبٍ المدني يقول: من قال: الإِيمان قولٌ يُستتابُ فإِن تَاب وإِلاَّ ضُرِبت عُنُقُهُ.
(3) أخرجه البخاري برقم (7047) .(1/11)
قال أبو محمد بن حزم: وقد جاء عن عُمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة،وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا. أ.هـ. (1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وقول الإمام أحمد : بتكفير تارك الصلاة كسلاً ، هو القول الراجح ، مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (1/190 و 191) وانظر (الإنصاف) (1/401 و 402).
والأدلة تدل عليه من كتاب الله، وسنة الرسول، وأقوال السلف، والنظر الصحيح. أ.هـ. (2)
- - -
النهي عن ترك حضور الجماعة لغير عذر
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سَمِعَ النداءَ فلم يُجبْ ، فلا صلاة له إلا من عُذر". (3) والعذر هو الخوف أو المرض .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حُزَماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة، فأحرِّقَها عليهم".
فقيل ليزيد - هو ابن الأصم - الجمعة عنى أو غيرها؟ قال : صُمَّت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما ذكر جمعة ولا غيرها. (4)
__________
(1) المحلى (2/242).
(2) الشرح الممتع (2/26) .
(3) رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في السنن ، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (426)، وصحيح الجامع (6300) .
(4) رواه مسلم (651)،وابو داود في سننه (549)،وابن ماجة والترمذي مختصراً.(1/12)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلُ أعمى ، فقال : يا رسول الله لِلَّهِ ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخِّص له فيصلي في بيته ، فرخَّص له، فلما ولَّى دعاه ، فقال : "هل تسمعُ النداء بالصلاة ؟" فقال : نعم . قال : "فأجب". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من سمع "حي على الفلاح" فلم يُجب ، فقد ترك سنة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
وعنه ، أنه سئل عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يصلي في جماعة ولا يجمع فقال : إن مات هذا فهو في النار". (3)
لا يجمع : أي لا يصلي الجمع .
وعن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" . (4)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من ثلاثة في قريةٍ ولا بدوٍ، لا تقام فيهم الصلاةُ، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكلُ الذئبُ من الغنم القاصية". (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (653)، والنسائي وغيرهما.
(2) صحيح الترغيب (432).
(3) رواه الترمذي .
(4) رواه مسلم .
(5) قال الألباني : حسن صحيح ، صحيح الترغيب رقم (427).(1/13)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سمع النداء فارغاً صحيحاً فلم يُجب ، فلا صلاةَ له". (1)
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينتهين رجالٌ عن ترك الجماعة ، أولا حرّقن بيوتهم" (2) .
- - -
النهي عن ترك صلاة العصر بغير عذر
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك صلاة العصر، فقد حَبط عمله". (3)
"حبط عمله" أي : بطل عمله .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي
تفوته صلاةُ العصر، وُتِر أهله وماله". (4)
وزاد ابن خزيمة في آخره : "قال مالك : تفسيره ذهاب الوقت".
وعن نوفل بن معاوية - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من فاتته صلاةٌ فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".
وفي رواية: قال نوفل: "صلاة من فاتته فكأنما وُتِر أهلَهُ ومالَهُ".
قال ابن عمر: قال - صلى الله عليه وسلم - : "هي العصر". (5)
ورواه البخاري ومسلم بلفظ: "من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله".
فعليك يارعاك الله بالمداومة بالصلاة وبالعبادة والطاعة ، ولا تدع مجالاً للشيطان وجنوده ، ولا تقول شيطاني قوي بل هو ضعيف .
فاستعن بالله وتوكل عليه ولا تكسل ، لأن وراءك جنة أو نار .
واغتنم صحتك قبل مرضك ، وفراغك قبل شغلك ، قبل أن تندم.
فعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" . (6)
__________
(1) رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (434).
(2) صحيح الترغيب رقم (433).
(3) رواه البخاري برقم (594).
(4) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (552)،ومسلم في المساجد برقم(626).
(5) صحيح الترغيب (481).
(6) رواه البخاري برقم (6049) .(1/14)
قال بن بطال : معنى الحديث إن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن ، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما انعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، فمن فرط في ذلك فهو المغبون ، اهـ . (1)
وقال بن الجوزي : قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش ، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا ، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون ، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل :
يسر الفتى طول السلامة والبقا
فكيف ترى طول السلامة يفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة
ينوء إذا رام القيام ويحمل .
وقال الطيبي:فالصحة والفراغ رأس المال ، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس ليربح خيري الدنيا والآخرة ، وقريب منه قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) } . (2) وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح . اهـ . (3)
فاجتهد أخي في الطاعة ، ومجاهدة النفس والشيطان ، ولا تكن كمن قال الله تعالى عنه : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) } . (4)
__________
(1) فتح الباري (11/230) .
(2) سورة الصف .
(3) فتح الباري (11/230) .
(4) سورة المؤمنون .(1/15)
يقول ربي أرجعني كي أعبدك ، أرجعني كي أتوب ، كي أصلي ، ولو ركعتين ، ولو تسبيحة ، ولو تكبيرة ... هيهات هيهات ، فات الوقت ولا ينفع الندم ، يأتيه الجواب : { كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ $ygè=ح !$s% وَمِنْ Nخgح !#u'ur بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) } . (1) فعليك بالتوبة والمداومة على تجديدها، والاستمرار على فعل الطاعات ، فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، بل قد تخرج من بيتك ولا تعود إليه ، بل قد يخرج نفَسُك ولا يعود لك مرة ثانية ،فبادر أخي بالتوبة النصوح لله تعالى واستمر على الأعمال الصالحة ، فتذكر كلماتي هذه ، فإني ناصح لك ، حريص عليك ، { لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } . (2)
اللهم تقبل أعمالنا إنك أنت السميع العليم..
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح في ذريتي إني تبت إليك وإنني من المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
وكتب/ ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
25/رمضان/1430هـ .
الموافق 15/9/2009م
__________
(1) سورة المؤمنون .
(2) سورة الإنسان آية (9) .(1/16)