تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
دروس أكاديمية المجد الإسلامية المفتوحة
مادة العقيدة/المستوى الأول
شرح: مجمل أصول أهل السنةوالجماعة
الشيخ : أ.د/ ناصر العقل
تم تحميل الدروس من موقع (الأكاديمية الإسلاميةالمفتوحة)على الشبكة العنكبوتية
بواسطة أبو الليث العدني(الشريف الرفاعي)
اليمن ـ عدن
لاتنسونا من خالص دعائكم
للتنبيه حول ترتيب الدروس أو النواقص والأخطاء في التحميل أرجو التواصل شاكراًعلى بريدي الإلكتروني وهو :
Ghassanshareef123alsharef@yahoo
أهمية العقيدة
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين وبعد :(1/1)
فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وإن أعظم الفقه في الدين هو الفقه الأكبر كما سماه السلف الصالح أعني فقه العقيدة والأصول والمسلمات والثوابت التي يقوم عليها الدين لاسيما وأن المتأمل لحال المسلمين اليوم يجد أن حاجتهم إلي تثبيت الأصول إلي تثبيت العقيدة وأصول الدين حاجة ملحة بل ضرورية لأنها اختلت عند الكثيرين وجهلها كثيرون، لأن العقيدة هي التي تحكم علاقة المسلم بربه عز وجل وعلقته بالخلق على منهج سليم يرضي الله سبحانه وتعالي ويحقق السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة والنجاة ثم أصول الدين والمسلمات وهي العقيدة هي الرابط الأبقى والأقوى بين المسلمين في كل زمان إلي قيام الساعة كما أنها أيضا هي الرابط فيما بينهم وبين الأمم الأخرى والبشرية جمعاء وهي الرابط السليم بين عالم الشهادة وبين عالم الغيب جاءت من لدن حكيم خبير ، من هنا تأكدت ضرورة تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين ومن هذا المنطلق تبنت هذه القناة المباركة قناة المجد هذا الدرس وغيره من الدروس في هذا الأمر من أجل الإسهام في نشر العقيدة وغرسها بين أجيال الأمة ومن هذا المنطلق أيضا كان لابد على علماء الأمة بخاصة وطلب العلم بعامة من أن تتضافر جهودهم عبر جميع وسائل الإعلام على القيام بهذا الواجب ونظرا لأنه في بداية كل علم لابد من الوقوف على مصطلحاته فلابد أن نستهل هذا الدرس بالتعريف بأهم مصطلحات الموضوع أو مصطلحات العقيدة وما يرادفها فأولا يحسن أن نعرف بالعقيدة لغة:
(1/1)
---(1/2)
فالعقيدة لغة مأخوذة من العقد وهو الشد والربط بإحكام ولذلك يعني مما هو جارى على ألسنة الناس تسمية كل أمر ذي بال بأنه عقد فإجراء النكاح عقد ، إجراء البيع عقد وهكذا سائر العقود والعهود تسمي عقد مما يدل على أهميتها إذا فالعقيدة سميت عقيدة لأنها تنبني على اليقين والعقد الذي يستقر في القلب ويسلم به العقل ويحكم المشاعر والعواطف .
أما من حيث الاصطلاح فإن العقيدة لها معنيان ، معني عام يشمل كل عقيدة حق أو العقيدة الباطلة عند أهل الباطل وهي تعني اصطلاحا الإيمان واليقين الجازم لدى المعتقد أي الذي لا يتطرق إليه شك ، أما العقيدة الإسلامية فهي تعني اليقين والتسليم والإيمان الجازم بالله عز وجل وما يجب له من التوحيد والعبادة والطاعة ثم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وسائر أصول الإيمان ثم أركان الإسلام والقطعيات الأخرى وهي كثيرة كالشفاعة والرؤية والأمور العملية أيضا التي هي من قطعيات الدين كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحب في الله والبغض في الله ونحو ذلك مما يندرج في الواجبات حتى في العلاقات بين المسلمين كحب الصحابة رضي الله عنهم وحب السلف الصالح وحب العلماء وحب الصالحين ونحو ذلك مما هو مندرج في أصول الاعتقاد وثوابته .
وعلى هذا فأن أمور العقيدة هي كل ما ثبت به الشرع،فسائر ما ثبت من أمور الغيب هو من أصول العقيدة ،الأخبار التي جاءت في كتاب الله وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من العقيدة.
الثوابت والمسلمات العلمية أو العملية هي أيضا داخلة في أصول الاعتقاد ومن ذلك التزام شرع الله عز وجل في الجملة والتزام أصول الفضائل والأخلاق الحميدة ونفي ما يضادها كل هذا داخل في مسمى الأصول والقطعيات التي هي في مجموعها تسمي العقيدة .
(1/2)
---(1/3)
إذا الخلاصة: أن العقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين الأسس الاعتقادية والعلمية والعملية الأسس التي يقوم عليها الدين اعتقادية وعلمية وعملية وهي بمثابة الأسس للبناء ولذلك جاء وصفها في الشرع للأركان فأسس الإيمان تسمى أركان وهي من أسس الدين والعقيدة أركان أسس الإسلام تسمي أركان وكذلك بقية الأصول .
إذا فهذه الأسس ليست محصورة في أركان الإيمان وأركان الإسلام بل حتى أن أركان الإيمان وأركان الإسلام لها أيضا قواعد متفرعة عنها هي من قطعيات الدين وأضرب لهذا مثالا :
الإيمان بالملائكة هو مبدأ قد يقر به الكثيرون لكن قد يوجد مثلا عند بعض الجاهلين أو بعض أصحاب الشبهات أو الأهواء من ينكر ملكا من الملائكة كما كان من بعض الأمة التي كانت أو تنكرت لجبريل عليه السلام فبهذا ينتقض الإيمان مع أن الفرد قد يقول بأني أومن بالملائكة لكن إذا خل بأصل من أصل الإيمان بالملائكة اختل أصل الإيمان واختلت العقيدة .
فهكذا إذن العقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين وهي الركائز الكبرى وتسمى ثوابت وتسمى مسلمات وتسمى قطعيات وتسمى أصول وغير ذلك من المعاني المرادفة التي يفهم منها أنها أي العقيدة هي أصول الدين العظمى التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة .
ثم من التعاريف التي سنحتاج إلي تطرقها لأنها ستتكرر عندنا كثيراً .
(1/3)
---(1/4)
من العبارات التي يلزم استعمالها وارتباطها في ذهن المسلم وهي من المصطلحات المهمة في تاريخ العقيدة كلمة السلف ، السلف المقصود بهم القدوة لهذه الأمة الذين هم الرواد الذين رسموا لنا منهج العقيدة على ضوء الكتاب والسنة لأن منهج العقيد علمي عملي وهذا لا يمكن أن يكون واضح وبين إلا بقدوة لأن الإسلام ليس مجرد نظريات ، أو علوم الإسلام منهج حياة يتمثل بأمة بأفرادها على رأسها العلماء ومن دونهم فنظرا لأن القدوة أساس في رسم معالم العقيدة وبيان مسلماتها فلابد أن نتعرف على أول قدوة وهم السلف ، السلف الصالح ، السلف الصالح هم صدر هذه الأمة أول ما ينطلق كلمة السلف لأن السلف معناها في اللغة الذين سلفوا وقدوا من القدوات . فسلف الأمة هم صدر هذه الأمة أو سلف صدر هذه الأمة من الصحابة التابعين وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة وعلى هذا يطلق هذا الوصف أيضا من باب التوسع في الوصف كما هو معروف عندما تقرر الاصطلاحات يطلق هذا الوصف على كل من التزم هذا المنهج وإن كان معاصرا فهو السلفي بمعني أنه على نهج السلف .
إذا فالسلف عندنا لها معنيان معنى خاص وهو خيار هذه الأمة ابتداء من أصل الصحابة إلي يومنا هذا والمعني الآخر هو من كان على هذا النهج وإن كان من المعاصرين .
السلام عليكم يا شيخ ، السؤال الأول حكم من أنكر أصل من أصول الدين ؟ السؤال الثاني : حكم من أنكر الرؤية ؟ جزاك الله خير .
(1/4)
---(1/5)
أحسنت الأصل في إنكار أو القاعدة إنكار أي أصل من أصول الدين أنه ينقض الإيمان وينقض الإسلام ويخرج به المسلم من مقتضى الإسلام هذا الأصل لكن كما هو معروف في جميع نواقض الدين والكفريات لابد في الحكم فيها على المعين من تطبيق شروط التكفير بمعني أن الذي ينكر أصلا من أصول الدين قد يكون جاهل فيعذر بجهله قد يكون متأولا فيكون التبس عليه الأمر قد يكون مكره ، قد يكون عنده شيء من الاشتباه فهكذا وكذا هناك صوارف كثيرة تعتري الخلق تمنعنا من أن نحكم على المعين إذا صدر منه ما يقتضيه إنكار أصل من الأصول .
أما الحكم المجرد فلا شك أن من أنكر أصلا من الأصول فإن هذا كفر لكن يبقي حكم المجرد تطبيقه على العيان لابد فيه من شروط .
أما المثال الذي ضربته وهو إنكار الرؤية ، الرؤية المقصود بها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة نسأل الله أن يجعلنا جميعا ومشاهدينا المستمعين منهم - اللهم آمين - رؤية المؤمنين لربهم في الجنة أصل ثابت في قطعيات النصوص في القرآن والسنة وبتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم عندما فسر آيات الرؤية(إنكم سترون ربكم عيان) فعلى هذا تعتبر الرؤية بهذا المفهوم أصل قطعي من أصول الدين يبقي من أنكرها، من أنكر الرؤية يحكم فيه بالحكم السابق لكم مع ذلك نظرا لأن مسألة الرؤية من المسائل التي لا تستبين لكثير من عامة المسلمين ولا يعرفون معانيها على وجه التفصيل فإن من ينكر الرؤية لابد أن تقام عليه الحجة وبين له وجه الدليل فيحكم بكفره أول وهلة لكن إذا تبين له وجه الدليل وتبين له وجه الحق واستبان له وعاند وكابر فإنه يكون أنكر أصل من أصول الدين فحكمه ما ذكرته قبل قليل .
سلام الله عليكم،أحسن الله إليك،يعني ما ظهر لي من هذه المقدمة أن الحكم على الفعل ليس هو كالحكم على الفاعل؟
(1/5)
---(1/6)
لاشك هذه يعني من ثوابت الاجتهاد عند السلف بل هي أصل من أصول الأحكام على الناس أن نفرق بين الاعتقاد والقول والفعل وبين من صدر عنه ذلك بمعني أنه كما أنه يمكن أن يقول المسلم قولا كفريا أو يفعل فعلا كفريا ويعتقد اعتقادا كفريا ثم يظهر لنا فإن هذا لا يعني ذلك أن نحكم عليه بالكفر حتى ينطبق عليه شروط التكفير وتنتفي عنه الموانع ويطبق ذلك أهل الرسوخ في العلم لأن هذه من المصالح العظمي من القضايا الكبرى التي لا تتاح الحكم فيها لأفراد الأمة ولا حتى سائر طلاب العلم فالغالب أن هذه لا يحكم بها إلا الراسخون في العلم لأنها حكم على العباد بحكم الله عز وجل وهو أمر خطير قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال الرجل فيما صح عنه في البخاري وغيره (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر لقد باء بها أحدهم) فالأمر خطير جدا هذا أمر الأمر الآخر في يستتبع هذا السؤال أنه أيضا كذلك بالعكس المسلم المنافق إذا ظهر منه ما يقتضي يعني الردة أو ما يقتضيه فإنا لا نستطيع كذلك أن نحكم لأن النفاق الخالص قلبي لا يعلمه إلا الله عز وجل وهكذا .
عندنا أيضا من المصطلحات المهمة في هذا الباب السنة والجماعة أو أهل السنة والجماعة وهذه مسألة من المسائل المستفيضة عند كثير من الناس ويسمع بها أغلب المسلمون لكن قد لا يفهم حقيقتها الكثيرون نحتاج أن تقف إلي معناها أولا من هم أهل السنة والجماعة ؟ أهل السنة والجماعة هم كل من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وأئمة الهدي .فمن كان على السنة ، من كان على السنة فهو من أهل السنة لماذا سموا بأهل السنة ؟ لاعتبارات شرعية :
(1/6)
---(1/7)
أولا : لاستمساكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنهم أخذوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الأهواء والافتراق قال: (فعليكم بسنتي) فسموا أهل السنة لأنهم أخذوا بهذه الوصية وكذلك لاتباعهم نهج السنة على جهة العموم وكذلك وصف الجماعة لأن هناك عبارة أخرى غالبا تقرن بالسنة يقال السنة والجماعة ، هل السنة هي الجماعة ؟ لا إنما السنة منهج والجماعة كيان ، السنة منهج والجماعة كيان فالمنهج ما ذكرته لكم ، الكيان الجماعة هم الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم أي جماعة المسلمين الذين استمسكوا بالسنة وأخذوا بوصية النبي صلي اله عليه وسلم واتبعوا السنة وعلى هذا فإنهم وصفوا بالجماعة لأنهم أخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بالجماعة وعليكم بالجماعة) إلي آخره ولأنهم اجتمعوا على الحق وأجمعوا عليه واجتمعوا على الأصول الكبرى والمعاني العظمي من مسلمات الدين وثوابتها وعلى مصالح الأمة العظمي كبيعة إمام ، الاتصال والطاعة للوالي بالمعروف وغير ذلك من المصالح العظمي فهم يجتمعون عليها اجتمعوا على المصالح واتبعوا واجتمعوا على ما عليه سلف الأمة والتزموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة وعلى هذا وهذا أمر مهم أرجو أن تنتبهوا إليه وعلى هذا فإن وصف السنة والجماعة ليس شعار ولا حزب ولا مذهب بل هو وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أعجب ولا ينقضي عجبي من أولئك الذين يدعون العلم والتعالم ثم يطعنون في مسمى السنة والجماعة ويزعمون أن هذا تحزب ويظنون أن هذا من صنع العلماء أو من صنع السلف وأنهم اخترعوه ليميزوا أنفسهم عن غيرهم وهذا خطأ فادح فالحق أن وصف السنة والجماعة أو أهل السنة والجماعة وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . كيف ؟
(1/7)
---(1/8)
أولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الافتراق حذر منها وذكر الفتن والاختلاف قال إن من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا قال فعليكم بسنتي . متي ؟ إذا وجد الخلاف . إذاً مع الاختلاف الذين استمسكوا بالسنة هم أهل السنة الذين أخذوا بالوصية فإذاً هذا وصف شرعي أيضا كذلك الجماعة لما ذكر الاختلاف والفرقة قال عليكم بالجماعة فعليكم بالجماعة ، وقال : إن يد الله مع الجماعة . فالجماعة إذا وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا الوصف بمجمله أهل السنة والجماعة أو السنة والجماعة منهج شرعي يمثل الإسلام بمصادره ومنهجه وليس فرقة ولا طائفة .
كذلك لأهل السنة والجماعة أوصاف في حق أوصاف إما أن تكون أوصاف حقيقية انطبقت عليهم اللغة لغة أو أوصاف شرعية جاءت في السنة أو أنها أوصاف أثرت عن أثر السلف الصالح ولا بأس في استعمال هذه الأوصاف إذا لم تقتضي تعصب مثل : أهل الحديث . أهل السنة أهل الحديث . بعض الناس قد يفهم من أهل الحديث أنهم رواة حديث لا ، نعم من أعظم خصائص أهل السنة أنهم رواة الحديث لكن لا يقف وصفهم على هذا فهم أهل الحديث العاملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية والحديث يرادف السنة لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأن الحديث هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله وفعله وتقريره فهو مرادف لكلمة السنة إذا يرجع هذا الوصف إلي وصف بأهل السنة إذا هذا وصف .
الوصف الآخر أيضا : هم أهل الأثر من أوصافهم أنهم أهل الأثر . لماذا ؟ لأنهم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثر السلف الصالح ، من أوصافهم أنهم السلف ، من أوصافهم أنهم أهل الاتباع ، من أوصافهم أنهم الطائفة المنصورة ، المنصورة بمعني أن الله عز وجل تكفل بنصرها إذا أخذت بأسباب النصر وكذلك الفرقة الناجية ، من عداها من أهل الافتراق الذين ما خرجوا عن الملة وهذه مسألة أرجو أن تنتبهوا إليها جيدا وهي :
(1/8)
---(1/9)
أن من عدى أهل السنة والجماعة هل هم خرجوا من مسمي الإسلام ؟ لا ، الذين اتبعوا السبل ما لم يخرجوا من الملة وهم أكثر فرق الأمة ومن فرق الثنتين والسبعين التي خرجت عن السنة هم من المسلمين هم مسلمون لكنهم خرجوا عن السبيل اتبعوا السبل خرجوا عن السنة فيسمون أهل الأهواء يسمون أهل الافتراق يسمون أهل البدع يسمون الفرق المفارقة لأنهم اتبعوا السبل التي نهى الله عنها ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يخرجون من مسمى الإسلام لكنهم لا يسمون أهل السنة والجماعة ولا يستحقون هذا الوصف لأنهم خالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم يالاستمساك بالسنة .
من الأمور التي يجب أن نقف عندها في هذه المقدمة في التأصيل هي خصائص عقيدة السلف :
إذا قلنا أن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف هي العقيدة الحق كيف نتعرف عليها كيف نعرف سماتها كيف نفهم الركائز التي تنبني عليها أو تعرف بها وهذه سمونها وخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه تشقيق العلوم وعنصرتها أو ممكن نصفه بتعليب العلوم ، الناس كما علبت لهم المعلومات الآن يحتاجون أيضا إلي تعليب أو ما يشبه تعليب العلوم أي تيسيرها وتسهيلها وبيان صفات المناهج والأصول والمفردات لهذه المنهج ، لذا نحتاج إلي أننا نتعرف على خصائص هذا المنهج الذي نقول أنه المنهج الحق الذي هو الإسلام بمصادره وبمناهجه الذي هو منهج أهل السنة والجماعة يتميز بخصائص كثيرة وركائز وسمات ستأتي إن شاء الله من خلال الدروس القادمة على جهة التفصيل لكن الآن سأعرضها بإجمال .
(1/9)
---(1/10)
فأولا أبرز سمة وأهم صفة السمة هي الكمال والشمول لأنه دين الله ودين الله كامل وشامل لكل زمان ولكل مكان ولكل بيئة ولكل مجتمع ولكل دولة وهذه مسألة هي حقيقة لكن إن تخلفت في بعض الأزمان والأمكنة فهذا بسبب تقصير المسلمين وإلا فإن أبرز سمة للدين كله والذي تمثله السنة والجماعة هو الكمال والشمول لأنه ربانية تنزيل من حكيم حميد وهو سبحانه العليم الخبير لمصالح العباد .
الأمر الثاني : النقاء نقاء المصادر وسلامة المصادر وأعني بذلك أن مصادر السنة هي مصادر الدين النقية بخلاف ما وقع فيه أهل البدع والافتراق فإنهم تعكرت مصادرهم ابتدعوا في الدين أخذوا من مصادر غير صافية إما آراء الرجال وإما الأهواء وإما الابتداع وإما أمور سنذكرها إن شاء الله في ثنايا الدروس .
النقاء : فمصدرها القرآن وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية والتقريرية أي ما ثبت من ذلك ما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدر الدين .
الإجماع هل هو مصدره ولا لا هذا سيأتي الإجماع طبعا هو مبني عن الكتاب والسنة لكن سأفصل فيه فيما بعد .
أيضا من خصائص منهج أهل السنة والجماعة البقاء والحفظ لأنه هو الدين الحق والدين قد تكفل الله بحفظه وقال عز وجل ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر:9] والله عز وجل كما تكفل بحفظ القرآن بحروفه وبمعانيه حفظا كاملا كذلك تكفل بحفظ السنة فالكفالة ليست للقرآن فقط لكن القرآن له خصائص أنه تكفل الله بحفظه بمعانيه وحروفه بحيث لا يزيد ولا ينقص ولا يمكن التعرض له بأي تحريف ولا نقص .
السنة : قد تروى بعضها بمعاني وقد تروى بالسلوك والقدوة ومع ذلك السنة محفوظة لأنها مصدر الدين ، البقاء والحفظ .
(1/10)
---(1/11)
غير أهل السنة والجماعة قد يقول قائل : أليس عندهم مصادر محفوظة نقول نعم فيما أخذوا به من القرآن والسنة محفوظ لكنهم اعترتهم مصادر أخرى يعتريها جميع أنواع الاعتلال ، الاعتلال التي تعتري البشر من النسيان ومن النقص والخلل والفناء اللي هي نتاج البشر الذي أدخلوه وجعلوه باسم الدين هذا لاشك أنه أولا ناقص وثانيا أنه ليس مصدر فمن هنا لا تتوفر صفات الثبات والبقاء والحفظ والنقاء إلا لأصول أهل السنة والجماعة .
يا شيخ بارك الله فيكم هل يشترط للجماعة أن تكون هي الأغلبية لأن هذا اللفظ يلتبس على كثير من الناس ويستدلون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالجماعة فالأشاعرة مثلا هم أكثر أعيان المسلمين فهم إذن علي الصواب ؟
نعم هذا سؤال جيد ،جزاك الله خير، أولا ليس من شرط البقاء على الحق الأكثرية بل إن قطعيات النصوص تدل على عكس ذلك خاصة في بعض الأزمان وبعض الأحوال ، ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحق أنهم في بعض الأحوال أنهم غرباء حينما يكثر الفساد ويبقي الصالحون قلة هذا أمر .
الأمر الآخر تشير النصوص إلي أن أهل السنة ضمن فرق المسلمين فرقة من العديد من الفرق كما جاء في حديث الافتراق وعدد الفرق بين ثلاث وسبعين فرقة وقعت في الافتراق والأهواء فالواحدة من ثلاث وسبعين قليلة وإن كان هذا لا يتعلق بالعدد لكن في مؤشر على أنهم أي أهل الحق يقلون خاصة في بعض الأزمان وبعض الظروف .
(1/11)
---(1/12)
الأمر الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الافتراق واتباع السنن خاطب المجموع مما يدل على أن الأكثرية ستقع في مما وقعت فيه الأمم من الافتراق والأهواء والاختلاف في الدين كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ) شوف الخطاب الخطاب إيش لعموم الأمة ولا يعني ذلك كلها إنما الأغلب ، الحديث يدل على أن الأغلب وإلا فهذا العموم مستثنى بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلي أن تقوم الساعة ) ولذلك ينبغي دائما أن تجمع النصوص ، ويرد بعضها إلى بعض و نأخذ النص العام ولا نخصصه بما يخصصه فنقع في الهلكة أو الاعتقاد الخاطئ والتصور الآخر الخاطئ عن الناس ونخطيء جميع الناس لا إذن هذه الأدلة بمجموعها والواقع أيضا وهو واقع ظاهر يدل على أن أهل الحق قد يقلون ، بل وقد أحيانا يتشتتون في بعض البلاد ، قد تجد في بعض الأماكن وبعض البلاد أهل السنة قلة قد تجد في بعض الأرياف والقرى البعيدة التي هيمنت عليها البدع قد تجد واحد سني صاحب سنة والبقية يكونون قد وقعوا في البدع والأهواء والله أعلم .
نعم لا شك قاعدة في كل زمان وفي كل مكان ، المعيار هو الحق كما قال أحد السلف عبارة جميلة "ولو كنت أحبي"
مسألة التكفير خطيرة جدا وذكرتم من موانع التكفير للمعين ما هي لو تفضلتم يا شيخ ؟
نعم موانع التكفير كثيرة أهمها :
أولا : الجهل .
وثانيا ا: لإكراه .
وثالثا : التأول .
ورابعا : الاشتباه .
هذه أصول أو أغلب قواعد الأعذار ومع ذلك الأعذار لا تتناها أحيانا الإنسان يكون له ظرف معين يلتبس بأحوال يعذر بهذا الحال بعذر عادل غير هذه الأعذار الكبرى.
(1/12)
---(1/13)
أيضا من خصائص السنة والجماعة الوضوح منهج أهل السنة والجماعة يتميز بالوضوح والنقاء ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيضاء يقول في الحديث الصحيح (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) ويقول صلى الله عليه وسلم (جئتكم بها بيضاء)بيضاء نقية ، بيضاء نقية لا يعتريها أي غبش وهذا يصحب يعني أصول السنة إلي قيام الساعة لأنه لا يعقل أن يعتري السنة شيء من الغبش لأن هذا يقتضي النقص في الدين وحاجة الناس إلي الوحي وقد انقطع الوحي بنبينا صلى الله عليه وسلم وانقطعت النبوة ، تكفل الله بحفظ الدين وهذا يقتضي البقاء والنقاء والوضوح لكل من أعطاه الله بصيرة والوضوح أمر نسبي الوضوح لمن وفقه الله للهدي وإلا فأهل الأهواء والنفاق هم عليهم عمى قد تعمي عليهم الواضحات نسأل الله العافية إنما هو واضح لمن الجد في تحصيل الحق لمن صدق في البحث عن الحقيقة واضح لمن وفقه الله وهداه ولمن سلك وسائل وأسباب الهداية عن تجرد وإخلاص فإنه يجدها واضحة نقية كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم أيضا من سمات السنة والجماعة الاعتدال والوسطية في كل شيء ولذلك تجد أهل السنة والجماعة دائما في أصول الدين وسط بي طرفين بين طرف أهل الغلو وبين طرف أهل التساهل والإعراض في سائر أمور الدين في أركان الإيمان وأركان الإسلام في مسائل النظر إلي الغيبيات في الأحكام على العباد في تطبيق الشرع والعمل به في العبادات نعم على سبيل المثال :
(1/13)
---(1/14)
في مسألة الوعد والوعيد هو وسط بين المرجئة الذين لا يعتبرون أي اعتبار للوعيد وبين الخوارج الذين لا يضعون أي اعتبار للوعد فالخوارج يأخذون بنصوص الوعيد على أشد ما يمكن أن يحملوه على أشد محامله و المرجئة يأخذون بنصوص الوعد على أشد محاملها فأهل السنة بين هذا وذاك يؤمنون بالوعد وأنه صدق وحق ويؤمنون بالوعيد ويردون هذا إلي هذا لأن نصوص الشرع لابد أن تتكامل لا سيما أن نصوص الوعيد فيها الكثير مما يقصد به الزجر وله استثناءات وله نصوص أخري تفسره فعلى هذا أهل السنة في جميع أمور الدين الاعتقادية والقولية والعملية هم وسط هم منهج الاعتدال ونجد هذا ظاهر في أحداث اليوم وإن كانت كثيرا من مواقف أهل السنة والجماعة لا تزال يعني تعتريها وسائل أو يعتريها النقص في وسائل النشر إلي أنها وسائل مباركة ومع ذلك إلا أن قصدي أنها العقيدة مباركة تبلغ الناس حتى بالوسائل البدائية فأقول : حتى في الأحداث المعاصرة نجد مواقف أهل الاعتدال مشايخنا الكبار العلماء الدعاة الذين استقاموا على السنة نجد أن منهجهم هو منهج الاعتدال إذاء يعني طائفتين من الأمة طائفة الغلو الذين سلكوا مسالك التكفير والفساد في الأرض والتفجيرات وغيرها وطائفة الإعراض والتساهل من الذين تميعوا في الدين وأضاعوا حقائق الدين الولاء والبراء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يكادون يجعلون الدين معالم فهم وسط بين هذا وذاك .
(1/14)
---(1/15)
ثم إنها توقيفية أصول أهل السنة والجماعة منهج أهل السنة والجماعة توقيفي بمعني توقيفي لا مجال للاختراع فيه ولا زيادة ولا نقص موقوف على ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأشياء المهمة التي يحسن التنبيه عليها بهذه المناسبة في هذا المقام أن أصول الاعتقاد الأصول المسلمات الثوابت ليست مجال للاجتهاد وهذا معني كلها ثابتة لو كانت مجال الاجتهاد ما استقرت لو كانت فيها مجال لإدخال العقل والعواطف والأهواء والرغبات والأمزجة لما وجد فيها كمال ولا نقاء ولا سلامة ولا بقاء ولا وضوح ولا اعتدال ولا توقيفية لكن نظرا لأن العقيدة هي الأصول والثوابت فهي محل إجماع عند السلف إن خالف فيها المخالفون فهذا لا يعني إنها اعتراها النقص ، النقص في من خالفوا وليس فيها إذا هي توقيفية موقوفة على ثوابت القرآن والسنة موقوفة على ما أجمع عليه السلف ومن هنا فلا مجال الاجتهاد فيها .
نعم الاجتهاد ، الاجتهاد في مسائل الأحكام أي في مسائل الأحكام في الفقه والأمور الأخرى بل حتى في الفرعيات التي تتفرع عن مسائل العقيدة التي لم تثبت أدلتها في مسائل تشكل على بعض طلاب العلم تدخل في بحوث العقيدة هي محل خلاف عند أهل العلم ويظن بعض الناس إنها في العقيدة ومن هنا ظنوا أن الخلاف فيها خلاف في العقيدة وهذا خطأ هي مسائل تفرعت عن مسائل العقيدة وليست من أساسيات العقيدة على سبيل المثال :
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إلي ربة في المعراج هذه ثابتة لكن هل هي عينينة أو قلبية هذا محل خلاف وكونه محل خلاف ، العيني والقلبي لا يعني أصل الرؤية غير ثابت وهكذا هذا من أجل توضيح الأمر لألا يكون فيه لبس ثم أخيار في خصائص وليس آخرا لأن خصائص العقيدة لا تنتهي لكن المهم منها .
(1/15)
---(1/16)
أن عقيدة السلف الصالح للسنة والجماعة نظرا لأنها تمثل الإسلام بمصادره ومنهجه الإسلام الحق فهي التي تحقق الأمن والسعادة في الدارين لأفراد الأمة ومجموعاتها الله عز وجل يقول (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] الأمن ليس فقط يا أخوان الأمن الظاهري وإن كان مقصود شرعا لكن أيضا الأمن الباطني وهو مرتكز الأمن أمن القلوب أمن النفوس أمن العقول ولذلك جاء الدين بحفظ الضرورات الخمس التي لا يمكن تحفظ إلا بالأمن جاء بحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ النفس وحفظ العقل وهذه الأمور لا يمكن تقوم إلا على أساس الدين تحقيق الأمن والسعادة في الدارين ولذلك مما ينبغي أن ننبه المسلمين جميعاً له اليوم إنه في ظل هذه الظروف القاسية التي تعيشها الأمة في ظل هذه الأحداث المؤلمة وما تعيش الأمة من حالة الوهن والضعف والتفلت والفرقة يجب أن نذكر المسلمين بأنه لا يمكن أن يستقيم لهم أمر ولا يعتزوا وينتصروا ولا يجتمع شملهم ولا يخذل عدوهم إلا باستقامة العقيدة هذه حتمية نعم بل لا يمكن أن تزدهر لهم مدنية وحضارة على وجه كامل إلا باستقامة العقيدة، نعم الأمم الأخرى قد يعطيهم الله الحياة الدنيا أي أمة من الأمم غير المسلمة قد تزدهر دنياها قد تملك حضارة مدنية حتى ولو لم تلتزم شرع الله لأن الله عز وجل تكفل للكفار أن يعطيهم حظهم من الحياة الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب ، لكنَّ المسلمين لا عزهم اجتماعهم نصرهم أيضا وحدتهم لا يمكن أن تكون إلا بالاجتماع على المعتقد الذي جعله الله عز وجل أصل الاجتماع وهو المعتقد السليم .
(1/16)
---(1/17)
الخلاصة في هذا المقام أن السنة والجماعة كالإسلام ، السنة والجماعة تعني الإسلام نفسه في مصادره وأصوله وقواعده وأحكامه فليست كما قلت السنة والجماعة ليست فرقة ولا مذهب ولا حزب بل هي الدين الذي ارتضاه الله لعباده ولذلك يجب التنبيه على ما يقع فيه بعض الجهلة من المنتسبين للسنة من رفع السنة شعاراً أو انتماءات يكون عليها تعصب أو ولاء وبراء على أمور خلافية وهذا مما تسبب في تشويه صورة السنة والجماعة عند كثير من الناس من المسلمين وغير المسلمين أعني وجود طائفة من لا يعرفون هذا الأصل قد يتحزبون وقد يتكتلون تكتلات غير مشروعة تحت شعار السنة والجماعة ، والسنة والجماعة إنما هي منهج ، منهج أمة يسلكه وينتمي إليه كل من سلكه دون أن يكون هناك تعصب لأفراد ولا لأصول يصنعها الناس ولا لتنظيمات ولا لتجمعات فهي الدين الحق ، والدين الحق يشمل كل من اعتنقه بدون أي وسيط من أنظمة أو أفراد .
يفهم من كلامكم أن وصف أهل السنة والجماعة ينطبق على جميع المسلمين في الوقت الحاضر ؟
لا ، لا ينطبق على جميع المسلمين في الوقت الحاضر ، السنة والجماعة هم الذين التزموا نهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من المسلمين ، بقية الفرق تبقي تحت مسمي الإسلام ومسمي المسلمين لا يعني الإسلام ينقسم لكن لأن المسلمين انقسموا على الإسلام ، انقسموا حوله الإسلام لا ينقسم ولأن الذين خرجوا عن السنة خروجهم ليس خروج ردة فبقوا تحت مسمي الإسلام لكنهم بأوصاف أخري يعني الفرق معروفة وصفت قديما وحديثا وغير الفرق أيضا يصفون بأنهم ، أو المجموع سواء من انتمي لفرقة خرجت عن السنة والجماعة أو لم ينتمي كل يشمله الوصف العام أهل الأهواء أهل البدع أهل الافتراق يكونون تحت مسمي المسلمين وعلى هذا ليس كل المسلمين على السنة إلا من التزم هذا المنهج لكن أحب أن أشير بهذه المناسبة إلي أمر هو :
(1/17)
---(1/18)
أن أغلب عوام المسلمين ، عوام المسلمين وهم أكثرية أغلب عوام المسلمين الذين لم يتلبسوا ببدع ولم يكن عندهم اعتقادات باطلة بقوا على الفطرة والسلامة فالأصل فيهم أنهم من أهل السنة والجماعة حتى لو لم يعرفوا ذلك ولو لم يعلنوا ذلك أو حتى ولو انتموا لبعض الفرق مجرد انتماء نعم انتماء بدعة ولكنها ذلة هي مذلة لا تخرج الإنسان من السنة ، فهذه مسألة مهمة وتحتاج إلي أن تتوافر لدينا الدراسات والإحصائيات الدقيقة لعلنا نكتشف وهذا ما يعني يبدوا لي لعلنا نكتشف بالإحصائيات أن أغلبية عوام المسلمين نظرا لأنهم ليسوا أهل بدع في اعتقاداتهم ولا عندهم أيضا تأصيل للبدع تبعيتهم تبعية غير بصيرة وأيضا لا يمارسون البدع العملية الكثيرة وأغلبيتهم إن شاء الله يدخلون في مسمى السنة والجماعة .
نعم من الأمور المهمة ما يتعلق بقواعد وأصول التلقي والاستدلال هذه من المصطلحات الحديثة لكنها مصطلحات صحيحة التلقي والاستدلال أو منهج التلقي والاستدلال مصطلح معاصر لكنه صحيح يعني معناه مصادر الدين وكيف نستمد الدين منها فمصادر الدين هي مصادر التلقي وكيف نستمد هذا يسمى منهج الاستدلال ، إذاً ينشأ على هذا سؤال به يتقرر الأصول التي تتعلق بقواعد وأصول التلقي والاستدلال هذا السؤال هو ، ممن نستمد الدين ، وكيف نستمده ؟ نقول نستمد الدين من مصادره ، ما هي مصادره ؟ مصادره نعم تفضل
مصادر الدين هي الكتاب والسنة والإجماع.
طيب إذا قلنا هذا الاستمداد هل هو مجرد الاستمداد الدين من المصادر هل بمجرد أن يتناول أي إنسان يقرأ نص يتناول الأحكام كما يحلوا له ؟ نعم ما رأيك ؟
لا ليس بذاك .
إذاً ما الذي نحتاجه ؟
نحتاج إلي المهارة والدربة في معرفة كيفية الاستدلال والفقه فيها ، الشيخ : والأصول الشرعية ، أحسنت .
(1/18)
---(1/19)
الشيخ : يعني عندما نقول مصادر الدين قد يتفق معنا أغلبية المسلمين حتى الذين وقعوا في الأهواء والبدع والافتراق على أن المصادر الكتاب والسنة وكلٌ يدعي وصلاً لليلى بل لا تجد فرقة إلا تدعي أنها تلتزم بالكتاب والسنة لكن كل دعوى ولها حقيقة لابد أن نميز الأمور بأصول شرعية أين الحقيقة أنا ما أفرضها على الآخرين ولا يفرضها عليَّ الآخرون ، حقيقة تحرير مصادر التلقي مصادر الدين وكيف نستمد منها ، حقيقة لها أصول شرعية رسمها النبي صلى الله عليه وسلم ورسمها الصحابه هذه الحقيقة هي تسمي منهج التلقي والاستدلال وتتركز في الأصول التالية :
(1/19)
---(1/20)
الأصل الأول : مصدر الدين عموماً والعقيدة على وجه الخصوص هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة قلنا الصحيحة لأنه ما لم يصح لم يستمد منه الدين لا يأتي بمصدر للدين لأنه يتكلم عن الدين بأصوله وثوابته ومسلماته لا الاجتهاديات مع أن الاجتهاديات ترتكز على الدليل لكن أحياناً في الأمور الاجتهادية في مسألة الأخلاق والفضائل مثلا قد يستمد العالم بدليل ليس بثابت لكنه أيضا ليس بموضوع يعتقد أنه دليل ضعيف لكن فيه حكمة فيقول على الأقل أنا أعتبره حكمة ، هذا بالنسبة للأمور الاجتهادية أما في أمور قطعيات الدين العقيدة الثوابت المسلمات لا يمكن أن يرد مصدر غير الكتاب والسنة ، والإجماع وهو مصدر لابد أن يرتكز عليه الكتاب والسنة ولذلك بحمد الله لا يوجد إجماع عند السلف ليس له مرتكز من النصوص لأن الإجماع مبناه على الحق والحق مصدره مصادر الحق الوحي المعصوم في القرآن والسنة ومصادر الحق لابد أن تتضمن بعض الأصول التي تحتاج إلي استنباط فهناك أشياء اجمع عليها ، أجمع عليها السلف لأنها إما أن تنبني على قاعدة جاءت بنص أو قاعدة جاءت بمجموعة نصوص أو منهج علمي وعملي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ورسمه الصحابة في سنة الخلفاء الراشدين فصار هذا المنهج العملي إجماع لأنه راجع إلي تطبيق الدين ، وهذا يسمي منهج ، فإذا قلنا مصادر الدين الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح قد يرد تسائل وأنا أسأل الطلاب الآن عن هذا السؤال العقل أليس مصدر نعم العقل نعمة من نعم الله عز وجل كرم الله بها العباد وجعلها مناط التكليف أليست مصدر ها ما رأيكم ؟
العقل لا يعتبر مصدر ، لكن العقل الصريح أو الصحيح لا يخالف النقل الصريح .
(1/20)
---(1/21)
أي نعم العقل السليم لا يمكن أن يخالف الشرع لأن هذا خلق الله وهذا أمره ولا يمكن أن يتعارض خلق الله وأمره ، هذا الجواب يعني مقارب ، الجواب بالتفصيل إن العقل وسيلة لا يستقل بتقرير الدين نعم ، نعم العقل وسيلة وهو مناط التكريم مناط التكليف وهو وسيلة الاجتهاد ولولا أن الله أعطانا عقول ما عرفنا الهدي الذي يسره الله لنا وإن كان هذا بتوفيق الله لكن من توفيق الله أن أعطي البشر عقولاً يهتدون بها فهو إذا وسيلة وليس مصدر إلا بالإجماليات وهذا يعني عند التحرير ، ماذا نقصد بالإجماليات ، نقصد بالإجماليات أن العقل السليم يدرك المجملات التي لا تغني عند الله عز وجل ولا توصل إلي المنهج الكامل وتفصيلات الأصول وتفصيلات الشرائع يعني مثلاً العقل السليم يدرك ضرورة التزام الصدق ، والدين جاء بوجوب الصدق يدرك خطورة الكذب والدين جاء بتحريم الكذب العقل أيضا بعض العقول المتميزة المرهفة قد يدرك ضرورة الباحث لأنه لما يري حياة الناس وما فيها من تفاوت وما فيها من ظلم وما فيها من مشاكل ولأواء يدرك بعقله أنه لابد من حياة يكون فيها إنصاف وعدل أخري هذا الإدراك الإجمالي للعقل هل يمكن أن يدرك به صاحبه البعث والنشور والصراط والميزان والحوض ، هل يمكن ؟ هذه أمور غيبية . العقل لا يدركها على جهة التفصيل. فبذلك العقل أحالنا على النص فما دام أحالنا على النص أصبح العقل وسيلة وليس مصدر نعم العقل من مصادر العلوم الإنسانية العلوم التجريبية الله عز وجل أعطي العقل من التكاليف ما ينوءوا به ، لا يستطيع ، عقول البشر التي كدت وكلت في البحث عن أسرار الكون إلي الآن ما انتهت إلا إلي جزء يسير جدا من أسرار هذا الكون .
شيخ سؤال الله يحفظك ، ما الطريقة السليمة للتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الزمن يا شيخ أو في هذه الفتن التي تعج فيها البلاد ؟
(1/21)
---(1/22)
كأنه يسأل السائل الأول الطريقة السليمة لنشر السنة هذا السؤال مهم أهل السنة والجماعة يجب أن يبذلوا كل وسيلة مشروعة لنشر السنة لا مجرد تكثير الناس وهذا مطلب شرعي فكلما يهتدي الناس على أيدينا فهذا مطلب شرعي لكن لأن الله ما أوجب ذلك أوجب علينا الدعوة إلي الحق والنصح للأمة فمن مقتضى نصيح الأمة أن يسعى أهل السنة والجماعة إلي تحصيل كل وسيلة مشروعة لنصر السنة وكلها تنبني على الأسس التالية :
أولا : الدعوة بالقدوة أنا أعتقد أن أهل السنة خاصة الشباب الدعاة المتحمسين ركزوا على وجود القدوة في تعاملهم مع الله عز وجل وتعاملهم مع الخلق وإظهار السنة على سلوكياتهم لكان هذا كافياً عن كثير مما نقوله من محاضرات وندوات ووسائل ، ولذلك نجد أكبر مؤثر في نشر السنة بل وفي نشر الإسلام أيضاً عبر التاريخ هو القدوة ، القدوة بالسنة هذا أمر ، الأمر الآخر ما يمكن أن يكون أو ما نسميه بضرورة تحقيق الاجتماع الذي أمر الله به والاجتماع يأخذ مراحل يعني كثير من أهل السنة يطمح لجمع الأمة وهذا مطمح كبير جيد لكنه ينبغي أن يتدرج بأن يجمع جهود أهل السنة للقيام بالنصيحة لباقي الأمة .
وكيف يكون ذلك ؟
بأن تتضافر الجهود لتطبيق السنة بين أهل السنة ثم القدوة ثم وسائل النشر تتكاتف الجهود وتتضافر بالوسائل المتاحة .
الأمر الثالث : أن نشر السنة ينبني على النصيحة وأعني بذلك أن يبتعد دعاة السنة مما يقع فيه بعضهم مع الأسف من القسوة والتشهير والعنف في الكلمة وفي التعامل ونأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم الرسول صلي اله عليه وسلم يقول ( ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ) ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث أصرح من هذا في هذا الباب يقول : ( إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف ).
أبغي سؤال عن اعتقاد أهل الشيعة الحاضرة والفرق الضالة هل هم مساوين في اعتقادهم لاعتقاد أهل السنة والجماعة ؟
(1/22)
---(1/23)
كيف يمكن للمسلم أن يحافظ على ما يكون من أهل السنة والجماعة في هذا الزمان الذي اختلف عن زمان أهلنا ؟
المحافظة على السنة يسيرة ولله الحمد لأن الله عز وجل جعلها نقية بينة ظاهرة وسهلة أيضاً لأنها تحتاج إلي بذل أسباب الصدق أولاً ينبني على التزام السنة الصدق مع الله عز وجل والصدق في البحث عن الحق هذا أولا ، ثانيا تأسيس السنة والجماعة من حيث المعتقد ومنهج بالتعلم معلوم أن أهل السنة والجماعة خاصة عوامهم الذين أخذوا السنة والجماعة بالتبعية للآباء والأجداد ما ثَبَّتُوا لا تنبت أصول السنة في قلوبهم عن طريق التعلم ويحتاج من يريد أن يثبت على السنة أن يتعلم الأصول الضرورية ما أقصد أن يكون عالم في العقيدة لا يتعلم بداهيات ومسلمات الدين التي ينبني عليها عقيدة أهل السنة والجماعة الأمر الآخر القدوة النظر إلي القدوة العلماء الذين يمثلون السنة والجماعة يجب أن يكونوا هم مرجعية فهم السنة بل يجب أن يكونوا مرجعية الأمة كلها لكن هذا من أسباب البقاء على السنة أن يكون العالم هو قدوتك ومرجعيتك الأمر الآخر مما يظهر لذلك تهيئة الجو جو المخالطة والمجالسة لأن المرء من جليسه يحرص المسلم والمسلمة على أن تكون مخالطته ومعايشته لمن حوله مع من يلتزمون السنة ليسلم من غوائل الخلطة بأهل الأهواء .
يا شيخ بالنسبة للبدعة هل تعتبر في حقيقتها كفرا ، وتقسيم البدعة إلي مكفرة أو محرمة وما شابه ذلك هل هذا التقسيم صحيح ؟
لا البدعة من حيث التقسيم تنقسم إلي ثلاثة أقسام :
بدعة مكفرة هذه كفر وليست محل الحديث الآن يعني تُخرج من الملة كالشرك بالله عز وجل دعاء غير الله هذا شرك يعني يدخل في منظومة البدع بالمفهوم العام لكنه بدعة شركية يعني مخرج من الملة هذا في العموم ومع ذلك إخراج الفرد يحتاج إلي تطبيق الشروط التي سبق ذكرتها .
(1/23)
---(1/24)
النوع الثاني: البدع التي لا تخرج من الملة نوعان بدع مغلظة هي كبائر ، بدع منهجية كبري أو المغلظة بمعني أنها ورد فيها الوعيد وبدع صغري مثل بعض أنواع التوسل البدعي بعض أنواع التبرك البدعي التي هي محل نزاع أو بدع إضافية فالبدع الكبرى والبدع الصغرى لا تخرج من الملة ويبقي صاحبها صاحب بدعة ويقال أنه من أهل البدع هذا إذا تكاثرت عنده .
ومن هنا الإجابة على كثير مما ورد في الأسئلة أن متي نحكم على الشخص أنه مبتدع أولا لا نحكم على المسلم بأنه خارج من الملة ببدعته إلا بتطبيق الشروط الأمر الثاني إذا وقع في البدع متي نقول هذا مبتدع ومن أهل الأهواء والبدع ما نقوله إلا بشروط أهمها ، أو تجتمع هذه الشروط في شرطين أو في وصفين ، الوصف الأول إذا كان على نهج فرقة من الفرق يعني يلتزم نهجها ويدين بها ويعتقد ما تقوله في الجملة ولو لم يكن يعرف التفاصيل إذا انتمي إلي فرقة وتسلم بنهجها فهو مبتدع فرقة مبتدعة يعني حكم عليها بالابتداع .
الوصف الثاني: إذا كان صاحب البدعة تكاثرت عنده البدع حتى أصبح هديه وسمته وسلوكه سلوك أهل البدع إذا تكاثرت عنده يسمي مبتدع أما إذا عمل ببدعة صغيرة جزئية بدعة واحدة وبقية أموره على السنة فهذه زلة لا يقال صاحبها مبتدع لألا يُنَّفَر من السنة والزلة تقع من مسلم وهي من باب الخطأ.
بعض الناس في شبهه يقول أن جميع الفرق تقول أنهم من أهل السنة والجماعة ، الصوفية تقول أنها مع أهل السنة والجماعة والخوارج يقولون أنها أهل السنة والجماعة فكيف نرد هذه الشبهة وكلهم يدعون أنهم يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعون كتاب الله عز وجل فكيف نرد عليهم ؟
بعض الجماعات المعاصرة الآن يرون أنه لا ينبغي تسمي بأهل السنة والجماعة وإنما يتسمون بأهل الحديث قالوا لأن الآشاعرة تسموا بالوصف الأول .
(1/24)
---(1/25)
على الحال هذا من الأوصاف المترادفة يعني أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والطائفة المنصورة والفرقة الناجية وأهل الأثر وأهل الاتباع أو سبيل المؤمنين أو الصراط المستقيم ونحو ذلك هذه أوصاف شرعية معتبرة بقي متي يتسمى صاحب السنة ومتي لا يتسمي أنا في تقديري أن هذا راجع إلي ظروف المسلم أو صاحب السنة في المكان اللي هو فيه فمثلا عندنا في المملكة العربية السعودية وفي عيون جزيرة العرب في اليمن في الخليج الغالبية على السنة فلا نحتاج إلي أننا نأتي بتمييزٍ آخر لكن نجد مثلا في البلاد الأخرى في بقية بلاد المسلمين قد تتسمي بعض الفرق بأهل السنة والجماعة وتكون أكثرية أو كثيرة فيقع الخلط واللبس فالأهل السنة أن يتميزوا بوصف شرعي صحيح من دون تعصب حتى السلفية يعني مثلا قد يكون بعض البيئات يحتاج إلي أنه يقول فلان سلفي ونحن على السلفية وإن كنت عندي تحفظ على الإطلاق هذا لأن فيه من التشويش والحرج الشيء الكثير لكن مع ذلك قد نعذر بعض الذين يضطرون لاستعمال هذا الوصف إذا كان الوصف الآخر يلتبس فمتى التبس وصف من الأوصاف الشرعية يلجأ إلي وصف آخر والله أعلم .
طيب يا شيخ أخونا الحبيب من دولة المغرب يقول هل وقع خلاف بين الصحابة يا شيخ في العقيدة ؟
(1/25)
---(1/26)
الشيخ : لا الصحابة ما وقع عندهم فرقة ولا ابتداع لكن قد يقع من بعض أفراد الصحابة بعض الذلات التي تندرج تحت مفردات البدعة لكنها تكون عن تأول واجتهاد خاطئ وهي بمثابة ذلة العالم لكن القاعدة المجمع عليها والحقيقية من الواقع أنه لم يكن أحد من الصحابة وقع في الافتراق والأهواء والبدع على الإطلاق أما الذلة فنعم لأنه ليس معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لا يوجد صحابي عنده منهج في الابتداع أبدا إنما الذلات قد تصنف أنها من نوع البدع كما حصل من بن عمر رضي الله عنه لأن بالمثال يتضح المقصود كما حصل من بن عمر رضي الله عنه بالغ في تتبع بعد آثار النبي صلى الله عليه وسلم على وجه لم يرد عن كبار الصحابة الآخرين فهذه ذلة عالم .
أنكم قلتم الفرق ثلاث وسبعين فرقة أو شعبة لا تخرج من دائرة الإسلام فكيف توفقون وتجمعون بين هذا الحديث وبين حديث كلها في النار إلا واحدة وهل يحكم على عيان هذه الفرق والمذاهب بأنهم أهل الأهواء .
نعم سؤال جيد الحديث هو نفسه يحكم بأنهم من أهل الملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين والنصارى على ثنتين وسبعين وقال ستفترق هذه الأمة أمة الإجابة أمة الإسلام على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة . في النار يعني من أهل الوعيد كما أنها الكبائر في النار الزاني يعني إذا مات على كبيرته آكل الربا إلي آخر أصحاب الكبائر إذا ماتوا إذا لم يتغمدهم الله برحمته أليسوا من أهل النار حتى يتطهروا فيها ثم يخرجوا منها فهذا معني كون أهل الافتراق الثنتين والسبعين من أهل النار يعني من أهل الوعيد من أهل الكبائر لأن بدعهم كبائر فالأمر بَيِّن والحمد لله ولذلك ذكر شيخ الإسلام بن تيميه أن هذا مما اتفق عليه سلف الأمة أنهم اتفقوا على أن اثنتين والسبعين لا تخرج من الملة وإذا خرجت فرقة من الملة لم تعد من الثنتين والسبعين رجعت إلي أهل الردة نسأل الله العافية .(1/27)
(1/26)
---
الفرق يا شيخ بين التوحيد والعقيدة أوليس العقيدة متضمنة للتوحيد ؟
بلى التوحيد هو أعظم مباني العقيدة التوحيد يقصد به توحيد الله عز وجل وتعظيمه بأسمائه وصفاته وأفعاله وتوحيده بالعبادة وهذا المبنى هو تاج العقيدة هو رأسها هو الإطار الذي تدور عليه العقيدة فنظرا لأنه هو أصل العقيدة التوحيد أحيانا تسمي العقيدة كلها بالتوحيد ولا مشاح في الاصطلاح لكن مسمي العقيدة اشمل ، أشمل وأوثق .
من عادى أهل السنة والجماعة من الروافض والصوفية وغيرهما هل يخرج من الملة ؟
هذا يتدرج يعني مجرد العداوة عن هوى وعن جهل هذه كبيرة من كبائر الزمان ، إما إذا كانت العداوة عداوة الدين فهذا يكون كفر في العموم لكن يبقي ونحترز جميعا في مثل هذه المسائل لأنه كثر الخلط فيها واللبس أقول لو قلنا أنه بارز أهل السنة والجماعة واعتبر مظهر للحق الذي فلا يعني ذلك تكفير المعين قد يكون جاهل قد يكون متأول قد يكون يعني مكره قد يكون الأمر عليه ملتبس أما إذا كان بغضبهم لأهل الحق ينصرف إلي الحق الذي معهم فهذا كفر .
حديث لا تجتمع الأمة على باطل،هل يصح؟
(1/27)
---(1/28)
على ضلالة نعم النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه بألفاظ عديدة أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة وهذا هو الحق هذا هو الحاصل لأنه إذا اتفقت الفرق على البدع خالفوا عمل السنة في كل شيء بقي أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع ومع ذلك في أمور كثيرة من أمور الدين يتفق فيها أهل البدع مع أهل السنة مثلا إقامة شعائر الإسلام الصلاة الزكاة غالب الفرق يقرون بها أركان الإيمان الستة غالب أهل الأهواء والفرق يقرون بها فنحن نجتمع أهل السنة نجتمع مع أهل الأهواء والفرق في أصول كثيرة لكن إذا خالفوا أصول السنة أو خالف بعضهم بقي على الحق طائفة وهم أهل السنة فانعقد الأمر بأنه لا تُجْمَعُ الأمةُ على ضلالة ، لابد أن تبقى الطائفة التي يقول النبي صلى الله عليه وسلم (على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من عاداهم ) فبظهورهم يظهر الحق وعلى هذا لا ينعقد الإجماع على باطل بحمد لله .
ما هو الفرق بين المذاهب والفرق مع الفرق بين العالم والشيخ ؟
الفِرَق غالبا تطلق على المخالفين في الأصول والمسلمات والعقيدة والثوابت ، والمذاهب غالبا تطلق على الاختلاف في الاجتهاديات التي ليست (كلمة غير مفهومة) فلذلك تسمي الاجتهادات العلماء في الفقه مذاهب تسمي المذاهب الأربعة وتنسب إلي الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد تسمي المذاهب الأربعة لأن المذاهب اجتهادية لكنها متفقة على أصول الدين فهي في أصول الدين ليست مذاهب ولذلك المذاهب الأربعة هي مذاهب في الاجتهاديات وتتفق ويُجْمِعُ أصحابُها على الأصول والمسلمات ، ومع ذلك اصطلح المتأخرون على تسمية البدع الناشئة الأفكار الحديثة التي تخالف الإسلام اصطلحوا على تسميتها مذاهب معاصرة هذا فيه تجاوز لكن لا مشاحة في الاصطلاح لكن لا يقصدون به المذاهب الاجتهادية يقصدون بها المذاهب التي انحرفت عن الحق في الأفكار والمناهج وتسمي مذاهب معاصرة .
(1/28)
---(1/29)
هل من سبب للشيخ بتسمية كتابه مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة ؟
نعم الكتاب الذي ندرسه فعلاً هو مجمل أصول أهل السنة والجماعة لأنه قُصد به القواعد والمسائل الإجمالية وقُصد به الضوابط والمنهجيات ولم يقصد به التفاصيل حتى في الأدلة ليس فيه أدلة كثيرة فمن هنا سُمي مجمل لأن العقيدة فيها إجمال وتفصيل فنستطيع أحيانا أن نقول العقيدة كلها تندرج تحت شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله كل العقيدة نستطيع أن نتوسع ونقول : العقيدة هي أركان الإيمان وأركان الإسلام نستطيع أن نتوسع ونقول أن العقيدة هي كل ثوابت الدين والأحكام القطعية نستطيع أن نقول العقيدة هي كل الدين حتى من سمي بالأحكام مثل حديث السواك داخل في العقيدة كيف ؟ من يجيبني .
شيء ثابت من الدين
أحسنت ما ثبت به الدليل دخل في العقيدة ولذلك أعود لما قلت قبل قليل العقيدة وصف شامل للدين كله فعلى هذا نقول أنه الأمر يرجع إلي الاصطلاح وإلي المفاهيم الشرعية التي تقتضيها النصوص أو يتفق عليها المتخصصون نهم.
بقول لفضيلة الشيخ حكم من قدم العقل على النص ؟
(1/29)
---(1/30)
مسألة تقديم العقل والنص هذه حقيقة نزعة فلسفية أصلها ناشئة من خصوم الأنبياء قبل حتى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم تجدهم يعترضون على النبوة وعلى الوحي وعلى مقررات الدين بالعقول ، طبعا العقول لها مدارك محددة إذا خرجت عن مداركها المحددة وقعت في زيغ ، العقول إذا أقحمناها في تفاصيل الغيب ، العقول إذا أقحمناها في دين الله عز وجل في أمره ونهيه وما يرضي الله عز وجل ، إذا أقحمناها ها في عالم الآخرة فإنها تقع في الخبط والخلط ولا عندها إلا تخرصات فمنشأ تقديس العقول واقحامها في الدين ناتج عن الخراسين الذين قال الله فيهم عز وجل ? قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ? [الذريات:11] فتقديم العقل على النص ناتج عن الغرور والكبرياء من خصوم الأنبياء ثم دخلت هذه النزعة على بعض الفرق الإسلامية بشبهة زعموا فيها أنَّ العقل مادام خوطب إذاً هو الذي يقرر أن العقل مادام هو الذي عَوَّل عليه الشرع في أمور كثيرة هو يميز بين الحق والباطل في الجملة ، ويميز بين الضار والنافع ، إذاً هو الذي يقرر الدين ، وهذا فيه قلب للحقائق قلب تماما نحن نقول نعم العقل له احترامه وتقريره لكن الدين دين الله والذي يقرره هو الرب عز وجل والمعصوم صلى الله عليه وسلم هو الذي يقرر الدين يبقي العقل وظيفته أن يصدق بالحق وأن يؤيده وأن يجتهد في ما كَلَّفَه به الشرع فعلى هذا يعني يستحيل عقلا – العقل المنصف - أن يقدم العقل على الشرع ، ولو كان للعقل لسان لحاكم أولئك الذين اقحموه في الدين لأن يقول أحرجتموني ، أحرجتموني أمام ربي عز وجل كيف توقعوني في أمرٍ الله عز وجل هو الذي تكفل به وهو الحكيم الخبير وهو العالم وأنا العقل ناقص محدود الطاقة محدود القدرات تعتريه الهوى والضعف ويعتريه الخطأ والنسيان بل والفناء ، إذا كيف يقال العقل يقدم على الشرع .
(1/30)
---(1/31)
جميع الفرق تقول: لا إله إلا الله، فلماذا لا يطلق عليه وصف الإسلام ووصف أهل السنة والجماعة ؟
أما وصف الإسلام، فنعم ، أما وصف السنة والجماعة، فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميز بين أتباع السبل، وبين أهل السنة والجماعة، ما هو بنص تاريخي ولا بتحكم العلماء حتى وإن كان العلماء مرجعية، لكن أقول أصلا تقسيم المسلمين إلي أهل السنة، وغير أهل السنة تقسيم شرعي جاءت به النصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الافتراق وأنه سيحدث، ونهى عن السبل، وأيضا أمر باتباع السنة والجماعة، فكان أهل السنة والجماعة هم أهل الحق، هم الذين بقوا على السنة، بخلاف أهل الهوى والافتراق.
ومع ذلك نرجع إلي أول السؤال، نعم من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله يشهد له بالإسلام، وإذا ارتكب بدعًا، وسلك مسلك أهل البدع والافتراق والأهواء خرج من السنة، ولم يخرج من الإسلام، فهو متوعد ولم يخرج من الإسلام والله أعلم .
القبوريون بغير علم -أي خصصوا بغير علم- هل يعدون من أصحاب البدع المكفرة -يا شيخ- ؟
(1/31)
---(1/32)
القبور لها أصناف، كثيرًا ما أقول لا أدري؛ لأن هذا يحتاج استقراء، والعبارات الشرعية لازم أن تكون دقيقة، كثير من القبوريين -ويقصد بالقبورين الذين يعملون البدع عند القبور، سواء كانت بدع كفرية شركية مغلظة وغير مغلظة- كثير من القبورين لا يمارسون الشركيات، فكيف نحكم عليهم؟! بعضهم يأتي لمجرد التبرك، وبعضهم يأتي –مثلا- ليهدي ثواب الأعمال الصالحة عند القبر إلى الأموات، ليهدي ثواب قراءة القرآن –بزعمهم- إليهم، وهذه الأمور بدع، لكنها لا تعني أنها مخرجة، فإذن الحكم على القبوريين بمجرد أن يوجد من بعضهم شركيات هذا لا يجوز، فلا بد أن نفصل، وكل يحكم عليه بعمله، ومع ذلك يبقي الحكم العام، ويكون بغير الحكم على الأعيان، وأنا أضرب لكم مثال شاهدناه، وشاهده كثير ممن يسافرون لبعض البلاد التي تُعمل فيها من قبل الجهلة بعض الشركيات، تجد –مثلا- الزوار الذين يزورون بعض القبور التي يطوف بها الناس، الزائر السائح الجاهل يظن أن هذا الطواف مجرد دوران من أجل التفرد والاستطلاع، ما هي ضمن العبادة؛ فيدور معهم، وأنا أذكر أننا مرة دخلنا قبر من باب النصيحة والاستطلاع، يطوف حوله الناس فعكسنا الاتجاه فقال لنا سادن القبر عكس يا حاج ، عكس يا حاج، فهو جاء يفر لا يدري أن هؤلاء يطوفون طواف عبادة وهو شرك، ما نستطيع نحكم عليه، إنسان مثلا تذكر نعمة من نعم الله عز وجل فسجد شكرا عند القبر، ما سجد القبر سجد لله شكرا، أليس هذا محتمل ؟ إذن ما نحكم على العباد حتى نتبين أمرهم .
أحسن الله إليك ، هل يعتبر عدم الرجوع إلي العلماء هو من أسباب الافتراق ؟
(1/32)
---(1/33)
لا شك إن عدم الرجوع إلي العلماء، وعدم اعتبار المرجعية سبب الافتراق؛ لأن الله عز وجل يقول: ?فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ?[النحل:الآية43] بل في هذه القضية بالذات -قضية ما يختلف عليه الناس- خاصة فيما يروج بين الأمة الآن من أمر مريج في أحوالهم، وعلاقاتهم، والمصائب الكبرى التي أصابتهم حينما ألغوا المرجعية أو (كلمة غير مفهومة) المرجعية للعلماء، خاصة عند بعض الأجيال الناشئة عندما (كلمة غير مفهومة) المرجعية؛ وقعوا في هذه الكوارث، وهذا خلاف وصية الله عز وجل، الله عز وجل يقول في مثل الأحداث التي نعيشها اليوم (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )(النساء: من الآية83) من الذين يستنبطونه؟ العلماء، فلا شك من أعظم أسباب الفرقة والشتات هو عدم الخضوع لمرجعية العلماء التي هي وصية الله، وهي صمام الأمان بإذن الله، والأسباب كثيرة ليس هذا هو السبب الوحيد .
الأخت جيهان من مصر يا شيخ تقول من هم أهل الوعد ؟
أقصد بأهل الوعد الذين أخذوا بالوعد ولا يعولون عن الوعيدوهم المرجئة، وغلات الجهمية، وطوائف كثيرة من الأمة، وكذلك المتساهلين من بعض الذين عندهم نفاق، وعندهم فجور، و الذين يعملون الفجور، ويقولون: إن الله غفور رحيم لا يتقون الله، ولا يذكرون أن الله شديد العقاب (كلمة غير مفهومة) بنصوص الرحمن ونصوص الوعد ولا يهتمون بخشية الله والخوف منه والاعتبار الوعيد في معاصرهم وغيرها هؤلاء يعتبرون أهل الوعد يعني بمعني أنهم ما يأخذون بالوعد والوعيد .
نصيحتكم لأهل السنة الذين انشغلوا بإخوانهم من أهل السنة ؟
(1/33)
---(1/34)
الشيخ : نعم الحقيقة هذه الظاهرة ليست غريبة، بمعني أنها هي ضمن الأخطاء والتحاوزات أن يوجد من أهل السنة من أهل الحق من يسيء إلي الحق بأسلوبه المنهجي، أو بتعامله مع الآخرين هذا أمر طبيعي، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن يحسب الناس سلوكيات هؤلاء الخاطئة على السنة والجماعة، هم يعلمون أن ما من مبدأ في الدنيا، ولا منهج، ولا ديانة إلا يوجد من بين أتباعها من يخطئ، فهل نحسب أخطاء وتجاوزات أتباع الديانات التي تخالف أصول مناهجهم ودياناتهم نحسبها على الديانات أو المبادئ؟ وكذلك في الإسلام أن تحسب تصرفات بعض المسلمين على الإسلام وعلى المسلمين هذا أيضا خطأ فادح، ويخالف بدهيات التعامل بين البشر، وكذلك بوجه أخص، وهو موطن السؤال ما يحدث من بعض المنتسبين للسنة من قسوة وتعجل -وهم قلة والحمد لله قلة- وما يحدث من بعض الإساءة في التعامل مع الآخرين، هذه تصرفات هم يحاسبون عليها، وتنسب إليهم لا تنسب إلي السنة والجماعة ، إن السنة والجماعة منهج ينبغي أن يكون هو مرتكز التحاكم وهو مرتكز الحكم على أفعالنا وتصرفاتنا، فإذن نقول يجب أن نتقي الله في ما نعمل وما نقول سواء ممن يسيء إلي السنة والجماعة، أو من يحكم علينا من تصرفات بعض أفرادهم، فهذه سنة الله في خلقة فيجب أن نصبر ونتناصح، وأن نبين للناس وجه الحق، وأيضا نخطئ المخطئ منا وإن كان من أهل السنة والجماعة .
هل الآشاعرة والمعتزلة هم من أهل السنة ، ولماذا أطلق لفظ أهل السنة على الآشاعرة في بداية الأمر يا شيخ ؟
(1/34)
---(1/35)
المعتزلة ليسوا من أهل السنة ولا رضوا أن يكونوا من أهل السنة أصلا وهذا واضح من قراراتهم ومن منهجهم، وأما الآشاعرة فالكلام فيه يحتاج إلي شيء من التفصيل، لعلى اجيزه في قواعد محدودة ، أولا الآشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعرى الذي ظهر مذهبه في القرن الرابع الهجري، وكان مذهبه مذهب أهل السنة والجماعة في الجملة وكثير من التفاصيل، ثم دخلته النزعة الكلامية: أي تقرير الدين بالعقول، وبمسائل كلامية؛ فانحرف المسار الأشعري إلي الكلاميات، ثم إلي التصوف بعد القشيري، فدخلهم علم الكلام والتصوف؛ فأصبح الأشاعرة أصناف منهم أهل الحديث والعلماء والفقهاء، فعلا في جملتهم على السنة والجماعة: كالنووي، وابن حجر إن صح انتسابه للأشاعرة وغيرهم، وكالبيهقي، والخطابي هؤلاء من أهل السنة والجماعة، وانتسابهم إلي الأشاعرة خطأ يغفر الله لنا ولهم، ومثلهم كثير من علماء الأشاعرة إلي يومنا هذا، أناس ينتسبون إلي الأشاعرة مجرد الانتساب لكن تجدهم على منهج أهل الحديث من السنة والجماعة هؤلاء من السنة والجماعة .
(1/35)
---
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
منهج تلقي الدين
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله حمداً كثيراً طبياً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:
فبعون الله وتوفيقه نستأنف الحلقة الثانية من هذا الدرس، ونبقى على صلة بالمسائل الأولى المهمة في الدرس السابق، ونستأذن الأخوة المشاهدين المستمعين في أن نقرأ نص الدرس السابق لنقرنه بالدرس الحالي ويتفضل الأخ بقراءة النص.
بسم الله الرحمن الرحيم يقول المؤلف في كتابه مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة يقول حفظه الله:(1/36)
( تمهيد، العقيدة لغة : من العقد، والتوثيق، والإحكام، والربط بقوة.
اصطلاحاً: الإيمان الجازم بالذي لا يتطرق إليه شك لدى معتَقِده.
فالعقيدة الإسلامية تعني :
الإيمان الجازم بالله -تعالى-وما يجب له من التوحيد والطاعة- وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، والأخبار، والأصول، علمية كانت أو عملية .
السلف : هم صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة المفضلة، ويطلق على كل من اقتدى بهؤلاء وسار على نهجهم في سائر العصور، سلفي نسبة إليهم .
أهل السنة والجماعة : هم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وسموا أهل السنة: لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وسموا الجماعة: لأنهم الذين اجتمعواعلى الحق، ولم يتفرقوا في الدين، واجتمعوا على أئمة الحق، ولم يخرجوا عليهم، واتبعوا ما أجمع عليه سلف الأمة .
(2/1)
---
ولما كانوا هم المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتفين للأثر، سموا " أهل الحديث " و " أهل الأثر " و " أهل الاتباع " ويسمَّون " الطائفة المنصورة " و " الفرقة الناجية.
أولاً :
قواعد وأصول في منهج التلقي والاستدلال :
1) مصدر العقيدة : هو كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وإجماع السلف الصالح .
2) كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجب قبوله والعمل به، وإن كان آحاداً في العقائد وغيرها.
أحسنت وبارك الله فيك .
في الدرس الماضي وقفنا على هذه القواعد وأخذنا قاعدتين:
القاعدة الأولى: أن مصدر الدين هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة أو ما ثبت منها وإجماع السلف الصالح وهذا الإجماع مبني على الكتاب والسنة كما سبق تكريره .(1/37)
أما القاعدة الثانية: أن كل ما صح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله والعمل به وإن كان آحاداً في العقائد وغيرها ونعني بذلك أن كل ما ثبت من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله وتكراراته وسيرته كل ما ثبت فهو الدين فهو المصدر ويجب قبوله والتسليم به، أما التقييد وإن كان آحاداً فهو راجع إلى أن بعض أهل الأهواء والبدع خاصة الذين عولوا على مصادر أخرى غير الكتاب والسنة وجدوا أن مبادئهم وأصولهم التى تقوم على التأويل والتعطيل تتصادم أحياناً مع بعض النصوص، فكان من حيلهم أن زعموا أن كثيراً من النصوص التي تصادم أصولهم أحاديث آحاد.
والمقصود بأحاديث الآحاد هي التي يكون في سندها رجل واحد كحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) .
(2/2)
---
ومن المعلوم أن هذا التقييد تقييد باطل، لأن الدين جاء على أساس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغ الصحابة وكلهم ثقات، وأنهم بلغوا الدين وقد فضلهم الله يعني رضى عنهم، وبين أنهم عدول، وشهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعدالة بل حمَّلهم أمانة نقل الدين، فمن هنا لابد حتماً أن نأخذ روايتهم، وإن كانت روايتهم آحاد ما دامت صحت عن الثقات، ولذلك نجد أن أغلب الدين كان مروي بالآحاد، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام الحجة على الأمم كلها غالباً بآحاد يعني بأفراد، ولعل من أوضح الشواهد عند المستمعين أن الصحابة - رضي الله عنهم - لما بلغهم عن طريق واحد أن القبلة صرفت من بيت المقدس إلى الكعبة انصرفوا جميعاً مع أن الذي بلغهم واحد، انصرفوا إلى الكعبة فأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك إذاً الدين هو ما صح بصرف النظر عن كون الراوي واحد أو أكثر من واحد خاصة إذا كان الراوي في أعلى الإسناد .(1/38)
( المرجع في فهم الكتاب والسنة : هو النصوص المبينة لها، وفهم السلف الصالح، ومن سار على منهجهم من الأئمة، ولا يعارض ما ثبت من ذلك بمجرد احتمالات لغوية ) .
نعم هذه القاعدة الثالثة فيما قلنا أنه منهج التلقي أو مصادر الدين كيف نستدل بها ممن يستمد الدين وكيف نستمد الدين من مصادره .
القاعدة الثالثة: ولعلها أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها هي المنهج في تلقي الدين الذي رسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي رسمه الخلفاء الراشدون والذي عليه سلف الأمة وسبيلهم هو سبيل المؤمنين، هو أن المرجع في فهم نصوص القرآن وفهم السنة قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو حالاً أو سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي على الدرجات التالية :
(2/3)
---
أولاً : تفسير القرآن بالقرآن ونحن نعلم كما هو نهج السلف في الاستدلال أن كثيراً من آيات القرآن فسرتها آيات أخرى إما بتخصيص وإما ببيان وإما بتفسير وإما بأي نوع من أنواع التفسير والبيان، أو تفسير القرآن بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله أو فعله أو تقريره أو إقراره، ثم تفسير القرآن والسنة بآثار أو بفهوم الصحابة - رضي الله عنهم - لأنهم هم الذين تلقوا الدين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحملوا أمانة البلاغ والذين طبقوا كثيراً من أحكام الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
على هذا فإن هذا النهج هو نهج المؤمنين وسار عليه أئمة الإسلام التابعون وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعليه علماء الأمة، علماء السلف الآن في عصرنا هذا هو أنهم يأخذون بالفهوم على فهم النصوص وعلى هذا التدرج .(1/39)
ومن يعارض من ثبت من تفسير النصوص على نحو القواعد التي ذكرتها ما يعارض بمجرد الاحتمالات ولو عارض بمجرد ما يضعه الناس من مقررات خاصة بعد انتشار الأهواء، والقول بالرأي في الدين وبعد انتشار التحزبات والتفرقات فإنه لا يجب ألا نبالي بما يضعه الناس من احتمالات للنصوص سواء على سبيل التأويل، أو على سبيل التحريف، أو على سبيل التكلف أو حتى على سبيل الاستدلال المباشر إذا لم يكن على قواعد الاستدلال؛ لأن النصوص لابد فيها من أخذ هذه بمجموعها على قواعد الاجتهاد الذي عليه سلف الأمة.
كذلك لا تؤخذ النصوص بمجرد اللغوية نعم اللغة هي اللسان المبين الذي نزل به كلام ربنا - عزّ وجلّ - وهو لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح الخلق أجمعين لكن ومع ذلك فإن الدلالة اللغوية يرتبط بعضها ببعض، وترتبط بالمصطلحات الشرعية التى وضعت للدلالات اللغوية معاني مخصصة أو معاني عامة .
وأعني بذلك أن الشرع خاصة في جانب العقيدة، جاء باستعمال اللغة نواحي معنية أحياناً الدلالة الشرعية تخصص المعنى اللغوي وأحيانا، تعممه .
(2/4)
---
فعلى سبيل المثال الصلاة، الصلاة في اللغة هي الصلة أو هي مجرد صلة القلب بالله - عزّ وجلّ - أو صلة الجوارح بالله، لكن الصلاة في الاصطلاح الشرعي خصصت بهذه العبادة التى جاءت على هيئة أركان وواجبات وأفعال حددها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
إذاً الصلاة هنا تخصص معنى الشرع وكذلك الزكاة, الزكاة بمعنى النماء والزيادة، فأي نماء أو زيادة يسمى زكاة .
لكن إذا نظرنا إلى المفهوم الشرعي وجدنا أن الشرع حدد الزكاة بشرط جزء من المال حدده الشرع على سبيل الوجوب والفرض كما أمر الله - عزّ وجلّ - هذا الجزء يسمى زكاة إذاً هذا مثال على أن الشرع أحياناً يخصص وأحياناً يعمم.
إذاً لابد في فهم نصوص الكتاب والسنة أن نرجع إلى المصطلحات الشرعية ولا نبالي بالاحتمالات اللغوية التي أحياناً تخرج المعنى عن المقصود الشرعي .(1/40)
( أصول الدين كلها : قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين).
نعم هذه أيضاً قاعدة مهمة وهي تتعلق بكمال الدين الذي بينه الله - عزّ وجلّ - وجعله من سمات هذا الدين الخاتم، آخر الديانات وخاتمها، وجعل هذا من خصائص ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - الكمال فلا يعتريه النقص ولا الزيادة ولا التحريف ولا النسخ ولا التبديل، ولذلك حفظه الله - عزّ وجلّ - وتكفل بحفظه ولذلك ختم الله النبوة فلا يحتاج الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - نبوة ولا وحي؛ لأن الدين كامل، والكمال من جميع الوجوه.
كمال في العقيدة ، كمال في التشريع ، كمال في الأخلاق ، كمال في المعاملات، كمال في صلاحيته لكل زمان، وكمال في صلاحيته لكل مكان، وإذا تخلف المسلمون عن إدراك هذا الكمال أو تطبيقه، فالعيب في المسلمين لا في الإسلام .
(2/5)
---
ولذلك نقول معتقدين جازمين أنه متى جد المسلمون في تطبيق الإسلام ككل: عقيدة، وشريعة؛ فسيجدون فيه الكمال المطلق في صلاحيته لأحوالهم، وعلاج مشكلاتهم وعلاقتهم مع بعضهم ومع البشرية جمعاء على منهج سليم قويم .
إذاً أمور الدين كلها قد بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سبق تفصيله، يدخل فيها الأصول والعقائد والمسلمات والثوابت، ويدخل فيها الأحكام، سواء الأحكام بقواعدها أو الأحكام بمفرداتها كل ذلك مما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً شاملاً كاملاً إنما البشر أحياناً يقصرون عن إدراك هذا، وعلى هذا إذا كنا قد قلنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين الدين كله إذاً ليس لأحد أن يحدث شيئاً مهماً كان، ثم يزعم أنه من الدين صغيرًا أو كبيرًا في العقيدة، أو في الأحكام، أوفي القواعد، أو في الفروع، كل ذلك لا يمكن أن يرد بمعنى أنه لا يجوز على الإطلاق أن نتلقى من أحد شيئاً من أمور الدين مما لم يرد في الكتاب والسنة.
أما ما وافق الكتاب والسنة فأصله الوحي .(1/41)
( التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم : ظاهراً، وباطناً، فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس، ولا ذوق، ولا كشف ولا قول شيخ، ولا إمام، ونحو ذلك ).
هذه القاعدة تتعلق بأساس الاعتقاد في قلب المسلم وفى مشاعره وفى جوارحه، وأقصد بذلك أن الدين كله جملة وتفصيلا مبدأه يقوم على التسليم، تسليم القلب والجوارح، إذعان القلب والجوارح، تصديق القلب وظهور ثمار هذا التصديق على سلوكيات الإنسان وأعماله .
(2/6)
---
أولاً في علاقته بربه - عزّ وجلّ - فيجب على المسلم أن يكون في علاقته بربه على كمال التسليم أي التصديق، أي الإذعان والرضا، و المحبة لله - عزّ وجلّ - والخوف والرجاء؛ لأن التسليم لله تعالى لابد أن يبدأ من القلب، ثم تتبين آثاره بالضرورة على الجوارح على اللسان على الأعمال، أعمال في الفرائض، الأعمال في العبادات ، الأعمال في الأخلاق ، الأعمال في التعامل، كل هذه مسائل لابد أن تنطلق من التسليم ولذلك سمي الإسلام.
الإسلام سمي إسلامًا؛ لأن مبناه على التسليم لله - عزّ وجلّ - بالطاعة والتسليم لله، بالمحبة والانقياد له بالطاعة، ونظراً لأن التسليم يبدأ بالقلب، فإن قاعدة التسليم الأساسية المحبة: محبة الله - عزّ وجلّ - المحبة الحقيقة، ثم الرجاء والخوف والخشية، ولذلك يجب أن نذكر المسلمين وخاصة طلاب العلم إنهم عندما يتعلمون العقيدة ينبغي أن يفهموا جيداً أن المقصود بتعلم العقيدة التسليم لله - عزّ وجلّ - أولاً، ثم إذعان القلب وتوجه إلى الله - عزّ وجلّ - بالتأله وهذا معنى لا إله إلا الله: أن يتأله القلب بعد الإذعان والرضا أن يتأله لله محبة وانجذاباً وحباً لما يرضي الله - عزّ وجلّ - وابتعاد عما يغضب الله .(1/42)
فإذا التسليم هو الاستسلام استسلام القلب ولا شك أنه لابد أن ينبني على استسلام القلب استسلام الجوارح ، ولذلك من يدعي أنه مسلم لله بقلبه، ثم جوارحه لم تستسلم لم يقم الفرائض، لم يعمل بواجبات، لم ينتهِ عن المنهيات، فدعواه كاذبة ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ?[آل عمران:31] .
من هنا يجب أن نستشعر دائماً عندما نقرأ العقيدة وندرسها ونتعلمها أنا نقصد بذلك تعظيم الله - عزّ وجلّ - نقصد بذلك أن تظهر المعاني الإيمانية في القلب والسلوك، وإلا يكون الأمر مجرد الدعوى .
(2/7)
---
ثم يبني بالضرورة على التسليم لله - عزّ وجلّ - التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - والتسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - له لوازم ومقتضيات ضرورية، مَن لم يعمل بها فهو كاذب، أول ذلك محبته -محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - المحبة الكاملة التي يجب أن تكون درجتها إلى أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى المسلم من نفسه ومن ولده ومن ماله ومن الناس أجمعين، هذه الدرجة لابد منها لماذا ؟ لأمور كثيرة لعل من أبرزها وأذكر به الأخوة المشاهدين المستمعين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بعلاقتك به -أيها المسلم- أنه سبب هدايتك، ولو وكل الله ووكلك الله إلى نفسك وجهدك هلكت، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو سبب الهداية ولذلك تقدمه على نفسك، ثم يستلزم من ذلك التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد محبة الطاعة، فطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إضافة إلى أنها أولاً استجابة لأمر الله؛ لأن الله أمر بطاعته فهي كذلك مقتضى المحبة؛ لأنك إذا أحببت شيئاً تعلقت به وسعيت إلى ما يرضيه فكيف بمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - التى هي دين .(1/43)
فإنك إذا ما دمت أحببت النبي - صلى الله عليه وسلم - وادعيت ذلك فلابد من مصداقية للدعوة، وأن تكون تبعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، حريصاً على تطبيق ما يقول وما يفعل وما يرشد به قدر الاستطاعة، الأمور القلبية في حق الله تعالى، وفى حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعذر بها أحد كل مسلم يجب أن يحب الله وأن يحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن الأعمال هي التي تغلب الطاعة، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
(2/8)
---
إذاًَ معنى التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه تتبعه قدر ما تستطيع، وأن تعمل بسنته، وأن تسعى لما يرضيه، وأن تحب ما يحبه، وأن تحب من يحبهم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يحب فضائل الأعمال، ويكره وباء الأعمال، ويحب الصحابة والصالحين، فيجب على المسلم تسليمه للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعمل بذلك .
قال ( ظاهراً وباطناً ) يعني أن يكون التسليم قلبي وظاهري، تسليم الإذعان واليقين والتصديق والمحبة، هذا هو الباطن، وظاهراً بمعنى أن يظهر دلالات التسليم على أعمالك كلها، في أداء الفرائض ووالواجبات والسنن والنوافل وفى السيرة والسلوك في تعاملك مع ربك - عزّ وجلّ - في تعاملك مع حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعاملك مع صالح الأمة من الصحابة والتابعين، وسلف الأمة، في تعاملك مع العلماء، ثم تعاملك مع الولاة ومن لهم حق الولاية، في تعاملك مع والديك مع الآخرين، مع جميع الناس مع البشرية جمعاء .
لابد أن يظهر مصداق التسليم في التعامل الظاهر، ولابد أن يجتمع هذا وذاك، فلو أن إنسان ظاهره على الإسلام والتسليم لكن باطنه ليس كذلك فهو ينفاق .
والعكس كذلك من ادعى أنه في الباطن مسلم لله - عزّ وجلّ - ولم يظهر ذلك على أعماله فهو زنديق، يعني خارج من مقتضى الإسلام، لأن الإسلام ليس دعوة، الإسلام حقيقة علمية وعملية عقدية ومنهجية، فلابد أن يكون ذلك ظاهراً وباطناً .(1/44)
( فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة في قياس ) هذه مسألة مهمة جداً.
ما معنى القياس الموجود هنا، نحن نعلم أن القياس في الأمور الاجتهادية وارد بل هو من وسائل المجتهدين في قياس بعض المسائل على بعض أو إلحاق بعض المسائل على نصوص معينة من باب القياس .
هذا بالنسبة لاجتهاد المجتهدين، لكن نحن الآن نتكلم عن العقيدة التي هي ثوابت ومسلمات ليس فيها زيادة ولا نقص .
(2/9)
---
إذاً ما يرد فيها القياس لأنها توقيفية، القياس في العقيدة غير وراد ، وفى الأحكام يرد؛ لأن العقيدة ثوابت، وغيب، ولا يجوز أن يكون في الغيب قياس، لأننا إذا قسنا عالم الغيب على الشهادة لابد أن نقع في الخطأ؛ ولأن الغيب سمي غيب؛ لأنه غائب عن العقول والمدركات والحواس، وهذا معنى الغيب ولذلك كما امتدح الله المؤمنين بالغيب؛ لأنهم سلموا لله - عزّ وجلّ - في العقيدة وأخبار الغيب حكم أنه مغيب عنهم، فمن هنا مدحوا وعلى هذا لا يأتي القياس؛ لأنه كيف تقيس أمر غائب عنك، غير مدرك، تقيس أمر ليس من إدراك عقلك ولا عواطفك ولا تجارب البشر ولا حواسهم، كيف تقيسه على أمر مشهود معلوم.
فمن هنا نقول منع القياس هنا في أمور العقيدة وأصول الدين ينبني على حفظ الدين وعلى الإشفاق على البشر من أن يعتقدوا من أوهام ووساوس وخطرات، على مبدأ القياس الفاسد .(1/45)
ثم قال ( ولا ذوق ) هذا إشارة إلى أن هناك من أهل الأهواء والبدع من يزعمون أن بعض الأولياء أو بعض الصالحين إذا تذوقوا شيئًا أو مالت نفوسهم فإنه يعتبر حق وشرع، وهذا غير صحيح، لأنه لا معصوم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا الذوق غير وارد، لأن المقصود بالذوق، هو التشهي وميل النفس، والدين أو ذأو لا يبنى على التشهي وميل النفس، وإنما يبنى على الخضوع والاستجابة لله - عزّ وجلّ - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا ليس للذوق أي دور في التشريع ولا يمكن أن يكون إلقاء الذوق مقياس في القبول أو الرد، إلا إذا كان الذوق يوافق الكتاب والسنة، وهذا لا يعني أننا أخذنا الدليل من الذوق، بل من الكتاب والسنة، وكون الذوق ذوق الإنسان الصالح أو الرجل المسلم التقي النقي يوافق ذلك الكتاب والسنة، فهذا دليل على أنه وفق، ليس دليلاً على أنه الذي اخترع هذا الأصل أو الحكم .
إذاً ما يتذوقه الناس، هذا أمر يرجع إلى مدراكهم هم، فالدين لا يقرر بمدارك البشر .
(2/10)
---
كذلك قوله (ولا كشف) لأن هناك من أهل البدع من يزعمون أن من الصالحين وغيرهم من ينكشف له شيء من أمر الغيب، أو من أحكام الحلال والحرام دون تقيد بالكتاب والسنة وهذا باطل؛ لأنه مدخل للشيطان، فيقصدون بالكشف دعوى انكشاف أمر غيبي أو حكم شرعي، بأحد من الناس، بلا دليل مهما بلغ هذا الأحد ولي، صالح، إلى أي درجة كان عند الناس إمام ما لم يكن معصوم وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنما ما ينكشف له يعرض على الكتاب والسنة، فإن كان ما ينكشف له من الأمور والحدس، والفراسة، والكرامات يوافق الكتاب والسنة، فبها ونعمت ونحمد الله على ذلك، وإذا لم يوافق الكتاب والسنة فهذا كشف مردود .
إذاً الكشف ليس مصدر من مصادر الدين .(1/46)
كذلك ( ولا قول شيخ ) هذا ما معناه ؟ يعني معنى لا نقدم قول الشيوخ والعلماء والأئمة وكل من لهم اعتبار عند طوائف الأمة لا نقدم أقوالهم على الكتاب والسنة، ولا نعرض الكتاب والسنة على أقوالهم، بل العكس مقتضى التسليم لله - عزّ وجلّ - والتسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن نعرض جميع أقوال الناس مهما بلغوا من العلم وأحوالهم وآرائهم ومواقفهم نعرضها على الدين وقواعده على نصوص الدين وقواعده .
بمنطق الراسخين باجتهاد الراسخين فإن وافق قول ذلك الشيخ هذه الأصول الشرعية أخذنا به وإن لم يوافق فإما أن يكون زلة عالم وإما أن يكون خطأ وإما أن يكون على أي وجه يكون يخرج من مقتضى الحق.
ثم قال ( ولا إمام ) أيضاً كذلك داخل في مفهوم الشيخ، يرجع هذا إلى تنويع المصدرية عند الناس أو التلقي بعضهم الناس يأخذ عمن يسميهم أئمة وبعض الناس يأخذ عمن يسميهم شيوخ وبعضهم يسميهم أولياء، بعضهم يسميهم علماء إلى آخره، لا عبرة بالتسميات، كل هؤلاء كلامهم ومواقفهم وأقوالهم وأحكامهم معروضة على مقتضى الكتاب والسنة فما وافق الكتاب وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله أخذنا، ما خالف فهو مردود على أي وجه من وجوه الرد .
(2/11)
---
ومن هنا يجب على المسلم دائماً أن يكون حذر من أن تنحرف عقيدته بسبب هذه المسالك.
ثم قال ( ونحو ذلك ) أي نحو ذلك مما يعتبره الناس من التعلق بالعصبيات والحزبيات والتيارات والمذهبيات كل هذه مهما كانت يعني مقالات أصحابها أو أقوالهم أو مناهجهم فإنها لا يمكن أن تكون مصدر للدين ومن جعلها مصدر فقد اختل تسليمه لله وتسليمه للرسول - صلى الله عليه وسلم - كل ما يصدره الناس من هذه المناهج والأقوال والحزبيات والاتجاهات فهو معروض على الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يجعل مصدره هذه الأمور التي اخترعها الناس.
( سادساً:العقل الصريح: موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض قطعيان منهما أبداً، وعند توهم التعارض يقدم النقل ).(1/47)
أحسنت هذه أيضاً قاعدة يعني تقتضيها النصوص ويقتضيها العقل السليم، تقتضيها الفطرة، وأعني بذلك أن كل إنسان بل كل مسلم يعني ينشئ على الفطرة المستقيمة السليمة بعيدًا عن المؤثرات الخارجية التى تحرف الناس والوساوس والأوهام مدرك أن النقل الذي هو كلام الله - عزّ وجلّ - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم أنه هو مصدر ،هذه بديهية، فعلى هذا لا يجوز أن يقدم أي مصدر آخر عليه بل الحق الذي عليه كل صاحب فطرة: أن العقل السليم لابد أن يكون موافق للشرع لماذا ؟
(2/12)
---
لأن العقل السليم الذي فطر على الفطرة الصحيحة السليمة لابد أن يخضع لله - عزّ وجلّ - ويستجيب، والعقل السليم لابد أن يسلم بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وكمال دينه، والعقل السليم لابد أن يخضع ويسلم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفى بالدين فإذا سلم فلا يمكن أن يتقدم على الله ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمعنى أن يضع لنفسه قواعد أو مسلمات ثم يقول قدمها على الشرع، وهذه محاكمة فطرية عقلية من أن يقدمون العقول أو مقتضيات العقول والآراء على الدين، نقول لهم أولاً كيف عرفتم أن الدين حق ؟ قالوا بعقولنا، نقول عقولكم هذه التى عرفتكم أن الدين حق هل تعتبر الدين كامل ووفي؟ يقولون نعم ، لأنها أدركت هذا من خلال واقع الدين .
إذاً ما دامت اقتنعت العقول بوفاء الدين وكماله إذا كيف تضيف إليها وتزيد وتنقص؟
وهناك أمر يلتبس على كثير من الناس وأنهم يزعمون أن الله - عزّ وجلّ - جعل العقل مناط التكليف، يعني العقل هو الذي كلف بأن ينظر في النصوص، كلف بأن يجتهد، هو الذي كلف بأن يتعظ وينظر في علل الشرع وعبر الدين، نقول صح كلف، لكن هل كلف بأن يضع دين مع دين الله ؟ نعم الله - عزّ وجلّ - كرم العقل وجعله مناط التكليف لكنه أشفق عليه من أن يدخل في أمور الدين التي هي من حق الله - عزّ وجلّ - ومن حق رسوله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم.
(2/13)
---(1/48)
إذاً العقل السليم المفطور لابد أن يوافق النقل الصحيح ، يوافق الكتاب القرآن وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن العقل خلق الله والدين أمره فلا يمكن أن يتعاض الخلق والأمر، لأن كلاهما من الله - عزّ وجلّ - وكلاهما على الكمال والحق ، ثم إن النقل الصحيح وافي لا يحتاج إلى مزيد أو نقص أو يحتاج إلى تدخل، وعلى هذا (لا يتعارض قطعيان منهما أبد) يعني إذا قلنا أن العقل قطع بأمر من الأمور مثل هذه العلمية لنفرض أنه أمر رياضي بدهي كأن نقول: 1+1=2، أليست هذه بدهية علمية عقلية رياضية ؟
هل يمكن أن يأتي الشرع بما يخالف هذا ؟ والعكس كذلك إذا جاء الدين بحقيقة مسلمة وهو أن اليوم الآخر ضرورة من ضرورات وحق لازم، هل يمكن أن يدعي عاقل أن عقله عنده دليل على نفي البعث واليوم الآخر ؟ يستحيل هذا ، فعلى هذا لا يتعارض قطعيان، إنما التعارض يكون وهم عند بعض الناس .
وهذا وهم ينبغي ألا يسلط على الدين، كون بعض الناس يتوهم ،يبدو له أن المسألة الشرعية الفلانية غير معقولة، فماذا سيتهم هل يتهم عقله أو يتهم دين الله ؟
(2/14)
---(1/49)
الأولى أن يتهم عقله؛ لأن العقل محدود يعتريه الفناء والنقص، والضعف والنسيان والخلل ومع ذلك العقل في تدبيره الأمور أحيانا يبني على المعلومات الوافدة، ينبي على التجارب، يبني على التخيلات أحياناً والأوهام، قد يعقل أن هذه الأمور يعني ثابتة في الشرع أو مقدمة عليه أو تتعارض حقائقها مع الشرع، أما الأوهام والوساوس والخطرات فينبغي من باب أولى ألا نجعلها محكمة في الدين، وعند توهم التعارض، يعني لماذا توهم التعارض ؟ معناه أن الإنسان حين بدله أو توهم أن مسألة من مسائل الدين لا يستوعبها عقله، فالإنسان يتوهم التعارض، يعني حقيقة من حقائق الدين الثابتة الضرورية، يجد أن عقله يستوعبها، هنا يكون الخلل أين ؟ أين يكون الخلل هنا ؟ في العقل، لماذا ؟ لأن الحقيقة الشرعية جاءت عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - فيستحيل أن يعتريها خلل أو نقص إذاً يتهم العقل؛ لأننا نعلم قصوره، فالعقلاء يعلمون أن عقولهم محدودة وأنها قاصرة؛ لأنه يعتريها جميع عوارض النقص، وكذلك الفناء من الحقائق الشرعية لا يعتريها نقص أبداً وهي أبدية .
فمن هنا إذا جاء التوهم بمعنى أن الناظر أو المسلم إذا تأمل بعض الأمور وتوهم أو بدا له أو وسوس أو اشتبه عليه أمر فلا ينبغي ألا يسلط الاشتباه على الناس أو على لحقيقة الشرعية، بل ينبغي أن يتهم العقل أولا، ثم ليبحث إن كان يريد أن يستزيد أدلة اليقين لا حرج كما طالب إبراهيم - عليه السلام - من ربه أن يعطيه من أدلة اليقين مع أنه لا يشك لكن يريد الزيادة في الأدلة هذا لا مانع منه، والمسلم له أن يبحث عن أدلة اليقين قدر ما يستطيع لكن لا يكون ذلك على حساب التشكيك في الدين ودعوى عصمة العقل.
( يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية : في العقيدة، وتجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس، والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد ).
(2/15)
---(1/50)
هذه من القواعد التي نسميها الصغيرة لكنها مهمة أمثلتها قليلة لكنها أيضاً مهمة، أعني بذلك أنه يجب على المسلم دائماً عندما يعبر عن الأصول والثوابت والأركان وقضايا الدين الكبرى أو عن السنن القطعية أو نحوها يجب عليه أن يعبر بالمصطلحات الشرعية، وفى الألفاظ الشرعية .
فيسمى الصلاة الصلاة، ما يسميها مثلاً بغير اسمها، يسمى الزكاة زكاة لا يقول نماء أو تطهير أو ضريبة مثلا، والناس يأخذهم مجاراة الثقافة العامة عند الناس، فيذهب وكان يريد أن يبسط للناس المفاهيم فيسمى الزكاة ضريبة، وهذا " خطأ " .
أو يسمي الحج القصد أو نحو ذلك هذا خروج بالأصول الشرعية عن لوازمها، فمن لوازم الألفاظ الشرعية المعاني الشرعية أن يلتزم ألفاظها، وكذا بقية الأمور التي تنبني عليها العقيدة أو ثوابت الأحكام، يعني مثل الحلال القطعي والحرام القطعي أصول الأخلاق ونحوها هذه نسميها باسمها فنسمي مثلاً الصدق باسمه ونسمى الربا باسمه وهكذا، كذلك ألفاظ العقيدة الخاصة بالتعلق مثلاً - عز وجل - وهو أعظم ما يجب أن يعنى به المسلم، أن يتعلق بالله - سبحانه وتعالى - .
فنحن ندرس أن يتعلق بالله في ذاته وأسمائه وصفاته؛ لنعظم الله، لأن نغرس في قلوبنا محبة الله وخوفه ورجاءه، وهذا لا يؤدي دوره على المعنى الكامل إلا بالتزام الألفاظ الشرعية في أسماء الله وصفاته .
(2/16)
---(1/51)
ولذلك قال السلف: أسماء الله توقيفية في ألفاظها، و توقيفية بمعنى أن نقف على ألفاظه الشرعية، لا نأتي بألفاظ أدبية أو فلسفية أو معاني عامة فضفاضة متميعة فنعبر بها عن حق الله - عز وجل - كما يعبر بعض الفلاسفة عن الله بأنه قوة، هل هو مجرد قوة ؟ هناك وصف الله بالقدير بالعليم الغني إلخ، ما يغني عن مثل هذه اللفظة، ويؤدي المعنى على أكمل وجه في القلب والعقل والجوارح والوجدان والمشاعر فإن هذه الأمور أي ما يختلج في الإنسان من مشاعر لا تنمو نمواً دينيا شرعياً إلا باستعمال المصطلحات الشرعية التي هي كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبلسان عربي مبين .
كذلك المعاني الأخرى فيما يتعلق بالله - عز وجل - مثل بعض أسمائه وصفاته، الاستواء يبنغي أن يعبر عن الله أنه مستوٍ على عرشه هكذا ، دون خروج عن مقتضى النص؛ لأن كلمة الاستواء لفظ شرعي وهو أفضل تعبير عن حقيقة الرب - عز وجل - الغيبية تتعلق بهذا الفعل، أفضل تعبير وأكمل تعبير عن حقيقة الاستواء كما يليق بجلال الله - عز وجل - فهي هذه اللفظة .
فلا نصرفها إلى معاني محتملة وإلى تؤيلات؛ لأن هذا يفرغ الكلمة عن محتواها الحقيقي الذي ينمي في القلب الإيمان بالله - عز وجل - على الوجه الشرعي الصحيح .
كذلك العلوم ونحوها وما يتعلق بالله - عز وجل - .
أيضاً حتى في مجملات الدين ، ينبغي أن نعبر عن مجملات الدين بالمعاني الشرعية التي تغرس في المسلم حب التدين على وجه صحيح، التي تغرس في المسلم الولاء للشرع على وجه صحيح .
فمثلاً لا يجوز أن نسمى الدين تقاليد أو موروثات، فإن التقاليد لها معنى يشمل ما يخترعه الناس وما يتبعونه، ويشمل العوائد الباطلة، ويشمل أمور أخرى كثيرة فيه حق وباطل ، فلا يجوز التعبير عن الدين بأنه تقاليد على سبيل المثال ولا موروثات .
(2/17)
---(1/52)
إذاً هذا معناه أنه يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية، يجب على المسلم أن يعود نفسه دائماً- ويعود أبناؤه -ويجب علينا جميعاً في تربية الأجيال أن نربيهم- على هذه المسلمات وأن تتعود ألسنتهم على استعمال الألفاظ الشرعية بمعانيها، فإن هذا هو الذي ينمي حقيقة الإيمان في القلوب، وهو الذي ينمي حقيقة التقوى في القلوب، وينمي في الإنسان خشية الله وخوفه ورجاءه، وينمي في الإنسان رقابة الله وتقواه، ولذلك نجد أن من أعظم أسباب ضعف المعاني القلبية في قلوب المسلمين أنهم بدءوا يخرجون عن استعمال المصطلحات الشرعية إلى مصطلحات أخرى فضفاضة لا تؤدي إلى المعاني الشرعية، بل غالباً تحرف المسلم عن التصور الحقيقي والمعني الشرعي، الذي يجب أن يثبت في قلبه ويغرس في قلبه الإيمان وفى عقله ووجدانه ومشاعره وعلاقته وتعاملاته مع الآخرين .
نعم، الفضل مجمل محتمل للخطأ والصواب يستفسر عن معناها فمن كان حقاً أثبت بلفظ شرعي وما كان باطلا رد، يعني نأخذ مثال .
لعل من أبرز الأمثلة ، يعني تعبير الناس أو تعبير بعض الناس عن علو الله - عز وجل - سبحانه بالجهة ، بعض الناس حينما نقول له: لماذا تنفي العلو ؟ لماذا تنفي الاستواء، يقول: لأنه يقصد الجهة، تعالى الله عما يقولون، نقول لهم ماذا تريدون بالجهة؟ يعني أستفسر، نحن لا نرد كلمة جهة مطلقاً ولا نقبلها مطلقاً نستفسر على النحو التالي ، نقول: ماذا تريد بالجهة التي تنفيها أو تثبتها إن أردت بالجهة علو الله - عز وجل - فلا شك أن الله هو العلي لكن لا نسمي هذا جهة أخذنا المعنى الحقيقي فرغناه من الكلمة فرغناه من المعنى الحقيقي، وأرجعناه إلى اللفظ الشرعي وهو العلو واسم الله العلي ، الله - عز وجل - من أسمائه العلي سبحانه وله العلو المطلق، ومن صفاته العلو والاستواء .
فنقول: إذًا المعنى الصحيح من الجهة لكن كلمة جهة هذه نظراً؛ لأنها مختلفة لسنا بحاجة إلى استعمالها لماذا نستعملها ؟
(2/18)
---(1/53)
أما إن أردت بالجهة المكان الذي يحوي، فالله - عز وجل - سبحانه منزه عن أن يحويه مكان وهو - سبحانه وتعالى - خالق الأزمنة والأمكنة وخالق الكون كله، فلا ينبغي أن يرد هذا أن يأتي به أحد بل ينبغي أن نبين وننصح من يقول مثل هذه الكلمات؛ لأنه سوء أدب مع الله، وإذا وردت فعلى ألا يقولها إلا لأهل العلم فمثل هذه الأمور لا تقال في حق الله - عز وجل - .
ولذلك لما سئل الإمام مالك عن بعض الأمور التي تتعلق بالاستواء في حق الله - عز وجل - سؤال غريب، سؤال منكر ، لم يعرفه السلف، يعني من خشية الله - عز وجل - أصابه العرق ، وكاد أن يغمى عليه ، وتصبب عرقه تعظيماً لله ، لأنه سمع كلاماً عظيماً مع أنه مجرد سؤال .
ثم أجاب بجواب شرعي وأراد أن يؤدب السائل بتأدب الأمة في ذلك الوقت لم تنتشر ولم يشتهر استعمال مصطلحات البدعية .
إذاً هذه القاعدة واضحة، اللفظ الذي يحدثه الناس ننظر في معناه المعنى الصحيح نأخذه ونرجعه إلى اللفظ الشرعي، والمعنى الفاسد نرده ونرد الكلمة معه .
فضيلة الشيخ المتلفظ بالألفاظ الشرعية ما الضابط له؟ وهل مثلا يصح أن يطلق إذا كان توضيح أمر من أمور الدين مثلا كالخمر الآن تسمى مشروبات روحية هل مثلا أستطيع إذا أردت أن أفهم الناس ما المقصود بالخمر هو المشروب الروحي هو نفسه تطلق عليه مشروب روحي ؟
نعم الضابط في استعمال المصطلحات على نوعين إن كانت المصطلحات عقدية فهذه يجب ألا نتساهل فيها، لا يجوز أن نبدل المصطلح الشرعي بأي لفظة حتى الألفاظ المرادفة، نظراً لأنها تبعد الناس عن المعنى الصحيح أو توهمهم عن انصراف التعبير يجب ألا نستخدمه .
أما المصطلحات التي تتعلق بالأحكام وبالشهادات وبالأحكام الفقهية فالأمر فيها أسهل بمعنى إذا عم مصطلح من المصطلحات مرادف للمصطلح الشرعي وهذا لا يحدث لبس عند الناس فلا مانع من استعماله مع احترام اللفظ الشرعي ومقارنته باللفظ المحدث، لا استغناء عن اللفظ الشرعي .
(2/19)
---(1/54)
أما إذا كان المصطلح يؤدي إلى دلالات أخرى، أو لا يفهمها كثير من الناس أو ليس هو عند عامة المسلمين فيجب الاستغناء عنه .
ومن هذا المثال الذي ضربه الأخ وهو استعمال كلمة مشروبات روحية بدلاً من الخمر، أظن هذا خطأ فادح ويجب تفاديه؛ لأن كلمة مشروبات روحية، لها معنى يستشعر به السامع أنها ليست كلها محرمة ، والروحية التي ترجع إلى لفظة الروح وهذا غير صحيح .
وهي أيضاً مصطلح جاء من ديانات تعتبر الخمرة دين، تعتبر شرب الخمر يعني طقوس دينية من هنا سموه مشروبات روحية .
فإذا ما دام وجد هذا الخوف والمفهوم الخاطئ فيجب أن نتجنب مثل هذه التسميات، لكن مثلاً تسمية التجارة اقتصاد، هذه لا مواشحة فيها، لأنه أصبح مصطلح عالمي محدد المعالم ليس فيه لبس .
ما حكم الذوق هل ممكن للإنسان أن يشعر بحلاوة العمل ولذته وهو على غير الصواب ؟ يكون هذا من تحسين الشيطان له ؟
يعني اللذة الإيمانية، لا ، لأن اللذة أنواع بمعنى أن الإنسان الذي يتذوق العمل ببدعة أو العمل بالمحرم ويزعم أنه يجد نشوة في ذلك وشعور يحبب إليه هذا الأمر المحرم هذا غالباً ما يكون ابتلاء الله - عز وجل - يقول ? وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ?[الانبياء: 35] .
(2/20)
---(1/55)
فالإنسان إذا لجأ إلى البدع أو إلى المحرم قد يبتليه الله - عز وجل - فيتذوق هذا المحرم والبدعة ويجد لها نشوة عاطفية، لا نشوى دينية، أما التذوق الإيماني الذي يرسخ في القلب محبة الله وخشيته ورجاءه واليقين والإنابة والتوكل على الله والتقوى الحقيقة فإن هذا لا يكون يعني تذوق من هذا الجانب إلا على ما هو مشروع ، ولذلك فإن البدع عادات من الناحية الإيمانية اليقينية لكن من الناحية العاطفية، نعم؛ لأن العاطفة أمر آخر غير اليقين الذي يكون في القلب، يقين القلب أعظم من مجرد العواطف ، يقين ثابت راسخ يحدث في القلب الأمن تجاه رضا الله - عز وجل - الأمن تجاه العمل بالدين ، الأمن تجاه نظرة الإنسان لمستقبله في أقدار الله ، الأمن تجاه الإنسان في تجاه نظرته في الآخرة، فهذا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق السلم والشرعيات لا عن طريق البدع والمحدثات .
إذاً أعود وأقول التذوق الإيماني لا يكون إلا على الوجه الشرعي، أما التذوق العاطفي الذي هو ابتلاء، التذوق المادي فقد يبتلى الله به كثير من الناس من باب الاستدراك .
يقول هل الاستدلال ببعض الآيات القرآنية على الاكتشافات العلمية يعد خروجاً عن منهج أهل السنة والجماعة ؟
لا ، ليس خروجاً إلا إذا وصل إلى حد المبالغة ، والتكلف ، أو حد اليقين في أمر لم يثبت علمياً، أو إذا كان أصلاً مبنى تفسير النص ظن ، فإذا كان تفسير النص ظني فلا يجوز أن نجزم بأن هذه الكشوف تؤيد هذا المعنى؛ لأن الحق قد يكون من مصادر الحق اليقينية: الوحي، وقد يكون الحق بمصادر الحق العلمية: التجارب والعلوم، قد تكون المصادر يعني اليقين في الأمور غير الدينية الشرعية .
فمن هنا أقول أن ما يسمى بالإعجاز العلمي أو الكشوفات العلمية يجب أن نأخذها بقدر فالمبالغة فيها والتمادي وتفسير الإسلام بها مطلقاً هذا يعني فيه نوع من المخاطرة.
(2/21)
---(1/56)
إهمالها أيضاً وعدم الاعتبار بها هذا أيضاً تقصير؛ لأنها من جملة ما أمر الله به من العلم والكشف والاتعاظ والاعتبار، وأخذ الأسباب فيما يزيد اليقين في القلوب وهذه الكشوفات لا شك أنها تزيد اليقين في القلوب، وأيضاً تؤيد الإسلام عند من يحتاج إلى التأييد من هذا النوع، إذاً نحتاج إلى التوسط والاعتدال في هذا الجانب .
تقول هل هناك فرق بين القول لا يجوز أن يتعارض العقل مع النقل وبين قولنا لا يمكننا أن يتعارض نص صريح بنقل صحيح ؟
لا ، ليس في العبارتين فرق، لكن لا يجوز هذا في الأحكام، ولا يمكن هذا في القطعيات الغيبية والثوابت الفطرية والعقلية، هذا من جانب التطبيق والعمل، وهذا من جانب الإيمان والاعتقاد، العبارة الأولى في الأعمال والعبارة الثانية في الاعتقادات .
يقول سمعت من البعض قولهم الدين مصلح لكل زمان ومكان، بدل عبارة الدين صالح لكل زمان ومكان هل بينهما فرق ؟
لا، ليس بينهما فرق ، لكن صالح أبلغ وأعمق، لأنه إذا كان صالح لكل زمان فإنه يصلح الأحوال، لكن يعني كلمة صالح أجمل وأبلغ وأوفى أما كلمة مصلح فقد توهم فبعض الناس قد يحمل تصرفات المسلمين على الإسلام فيقول لماذا الإسلام ما أصلح أحوال المسلمين وهم يدعون الإسلام، ما يدري أن المسلمين قصروا، أو قصر كثير منهم في الأخذ بالإسلام على الوجه الصحيح ما بين بدع وأهواء وغير ذلك مما يعتري البشر من نقص إذاً العبارة الأولى أولى وأجمل وأوفى.
تقول إذا كان شخص فاسد العقيدة بحيث يؤمن بشهادة أن لا إله إلا الله ولا يؤمن بشهادة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهل عقيدته صحيحه وهل يصلى عليه وهل يصح الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم - ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة ) ؟.
(2/22)
---(1/57)
إي نعم ، هذا السؤال الحقيقة مهم ، هذا يذكرنا بأصل من الأصول الضرورية وهو أنه لابد أن نؤخذ بمنهج الاستدلال السليم في الاستدلال بالنصوص خاصة على القطعيات، فإن عرض هذه القضية جاء على درجتين درجة التفصيل ، ودرجة الإجمال .
والإجمال لابد أن يفسر بالتفصيل لابد إذا جاء الأمر مجمل لابد أن نفسره بما يفصله فمثلاً أن - النبي صلى الله عليه وسلم - ذكر أن من أركان الإسلام ، أولاً من أركان الإيمان بالله وملائكته ورسله أليس أفضل الرسل وأقربهم ورسول هذه الأمة هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟
إذاً الذي ادعى أنه يشهد أن لا إله إلا الله ولا يشهد أن محمد رسول الله إذا ادعى أنه مؤمن لا نقول إنه مؤمن ، خرج بهذه القاعدة القطعية في حديث جبريل عليه السلام وهو محل إجماع .
أيضاً أركان الإسلام ، الركن الأول ركن واحد وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صار كله ركن، فلا يستقيم هذا بدون ذاك.
أما من قال، قول - النبي صلى الله عليه وسلم - ( من قال لا إله إلا الله ) أنه دخل الجنة، هذا معلوم بالضرورة لأنه لا يمكن أن تستقيم لا إله إلا الله على الوجه الشرعي المقبول الصحيح إلا إذا شهد أن محمد رسول الله، لأن من مقتضيات ولوازم وضرورات لا إله إلا الله طاعة الله في الاستجابة لأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذه متضمنة لهذه بل حتى أن شهادة أن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاًَ تستلزم أركان الإسلام الأخرى، فعلى هذا نقول أن هذا مفسر بذاك ، فلا يتوقع بل لا يمكن أن يكون إنسان يقول لا إله إلا الله أو يقول أنا مؤمن بالله ويدعي الإسلام إذا لم يشهد أن محمداًَ رسول الله، وإذا لم يفعل ذلك فإنه لم يدخل في الإسلام ولا يعد مسلم، وينطبق عليه أحكام غير المسلمين .
(2/23)
---(1/58)
يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال هو كيف الرد على من يدعون عصمة الأولياء ويتخذونهم إلى الله زلفى، وقد يقدمون محبتهم على محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
على كل حال هذه مسألة أنا أظنها بينة عند عامة المسلمين فضلاًَ عن طلاب العلم وخاصتهم، وهو إذا قلنا بأن - النبي صلى الله عليه وسلم - انقطع بموته الوحي وهو خاتم الأنبياء وأن الله أكمل الدين، فبعد هذا فليس هناك منافذ إلى الحاجة إلى من يقال أنه معصوم هذا أمر .
الآخر أن العصمة تحتاج إلى دليل والأدلة القطعية العصمة لأحد دون - النبي صلى الله عليه وسلم - تحتاج إلى دليل والدليل ثبت أنه ليس معصوم إلا - النبي صلى الله عليه وسلم - كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن - النبي صلى الله عليه وسلم - قال ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) وقال ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي ) وفى بعض الروايات ( وعطرتي ) يعني حقوق آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا الأمر يقتضي أن الدين كمل وحفظ .
أما العصمة لابد أن ينتج عنها أن المعصوم يؤخذ قوله بلا تردد وعمله بلا تردد ، ويؤخذ على أنه دين، هذا لا يمكن .
فإذًا دعوى العصمة هذه دعوة باطلة وتتنافى مع قطعيات الدين بل إنها تتنافى مع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(2/24)
---(1/59)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ إذا كانت طالبة تستمع إلى طالبة في القرآن الكريم ولكن عندما تشكل عليها آية أو تستصعب آية في حفظها تشير إلى بعضأجزاء الجسم، وإذا كان اسم من أسماء الله مثلا أشارت إلى الأذن أو إلى البصر يعني إنه سميع بصير، من باب التقدير، فهل هذا يقدح في العقيدة أو فيه سوء أدب مع الله - سبحانه وتعالى - هذا السؤال الأول، السؤال الآخر: سؤال الجارية التي سأل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سألها عن الله تعالى فأشارت إلى السماء ، هل هذا يعني فيه بمعنى التوجه أو الاتجاه وبارك الله فيكم
ما يتعلق بالإشارة إلى مواطن أو إلى أماكن الصفات في الإنسان عندما تورد أسماء الله وصفاته في القرآن في التلاوة أو حين ذكرها في الكتب أو حين ذكرها في السنة هذا لا يجوز لا يجوز؛ ولأنه فيه عدة محاذير :
أولاًَ : يشعر بالتشبيه وبالتمثيل، الله - عز وجل - ليس كمثله شيء .
ثانياً : أنه يوهم على المبتدئ وطالب العلم غير المتمكن في العقيدة بل عامة المسلمين هذا يوهمهم بأمور تدخل في أوهامهم ليست لائقة، وقبل ذلك كله هو سوء أدب مع الله - عز وجل - ثم إن هذا الأمر لو اتخذ لأدى إلى فتنة عظيمة فتنة الناس في التعلق بالمخلوقات من خلال صفات الخالق - عز وجل - وهذا باب بدعة وفتنة يجب سده .
(2/25)
---(1/60)
نعم ورد عن - النبي صلى الله عليه وسلم - أشار أحياناً عندما يذكر بعض الصفات أشار إما إلى أصبعه وإما إلى كفه أو نحو ذلك حينما يورد بعض أسماء الله وصفاته أو أقر من فعل ذلك لكن هذا ليس شرطاً في رواية الحديث وهو على خلاف الأمثلة على خلاف عند أئمة الحديث هل نروي الحديث كما رواه - النبي صلى الله عليه وسلم - فيصبح هذا موقوف على ما فعله - النبي صلى الله عليه وسلم - لا نزد عليه ومع ذلك فإن بعض أئمة الحديث المعتبرين عند أهل السنة أيضاً يرون أن ذلك لا يجوز خاصة بعد أن خاض الناس في أسماء الله وصفاته، وبعدما وجد من يسمون بالمجسمة والممثلة الذين كفروا أو قالوا هذا الكفر العظيم، في تجسيم الله وتمثيله فإنه لما وجد هذا يجب أن يحذر منه ، ومن هنا أحب أن ننبه أن إثبات الصفات لله - عز وجل - كما هو مذهب السلف ليس تجسيم وليس تمثيلاً لأنني عندما ذكرت المجسمة والممثلة ربما يقذف في الأذهان بعض الناس أن إثبات الصفات لله - عز وجل - كما يفعل السلف أنه تجسيم وهذا خطأ .
التجسيم هو اعتقاد أن لله - عز وجل - صفات مثل صفات المخلوقين ، ويسمى التمثيل على الاصطلاح الشرعي، إذاً فهذا الأمر يجب تجنبه ولذلك أثر عن الإمام أحمد أنه بعدما صارت فتنة الجهمية وصاروا يخوضون في هذه الأمور أنه لما روى أحد طلاب العلم عنده النبى - صلى الله عليه وسلم - الذي أقر فيه رفع الأصبع في ذكر بعض أفعال الله - عز وجل - قال الإمام أحمد قطعها الله من أصبع، لأنه رأي أن هذا يشوش على الناس، والحاضرون ليس كلهم من أهل العلم الذين يفقهون .
(2/26)
---(1/61)
أما ما أشارت إليه أو ما ذكرته من مسألة إشارة الجارية إلى السماء فلا شك أن هذا دليل قطعي فطري على علو الله - عز وجل - لأن الجارية سئلت سؤال مفاجئ من - النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المشرع وأجابت جواباً بينا واضحاً وهذا كان في مقام التشريع ، - النبي صلى الله عليه وسلم - مشرع في أمر يتعلق بالله - عز وجل - وحينما سألها أين الله؟ أشارت إلى السماء ، فهذا تقرير دين ، يجب أن ندين الله به وأن الله موصوف بالعلو، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله .
لكن لا يعني ذلك أن نستعمل هذه الكلمة دائماً في امتحان الناس كما يفعل بعض الجاهلين ، بعض الجاهلين إذا أراد أن يختبر أحداً من المسلمين في صلاح عقيدته أو استقامة عقيدته راح وسأله هذا السؤال، هذا مصدر فتنة؛ لأن ليس كل الناس يعرفون هذه السنة وليس كل الناس يعرف كيف يجيب، فلا ينبغي السؤال إلا في مثل المقام الذي حدث أو السبب الذي حدث في عهد - النبي صلى الله عليه وسلم - مقيد بتلك الشروط ، إن جاز فعله .
تقول هل يصح الإجابة على سؤال أين ال؟له بأن الله موجود في كل مكان ؟
لا هذا خطير ، بل يجب أن يقال الله - عز وجل - مستوٍ على عرشه فوق سماواته كما ورد في النصوص ، يجب أن نجيب بأجوبة النصوص الشرعية، أنا لنا أن نجيب بأكثر مما ورد، أليس الله - عز وجل - هو أصل الغيب؟ الله - عز وجل - هو الغيب، وهناك أمور أخرى، لكن كل ما يتعلق بالكيفيات أسماء الله وصفاته غيب، ولذلك امتدح الله المؤمنون بالإيمان بالغيب، هل يجوز أن نأتي بمعاني زائدة، وبألفاظ زائدة عما ورد في الكتاب والسنة، نقول الله - عز وجل - علا فوق سماواته مستوٍ على عرشه نجيب بهذا الجواب أو بنحوه مما لا يعطي معنى آخر يبتدأ .
تقول ما حكم من لا يقتنع بالأحكام الشرعية والعقدية إلا بأدلة عقلية وما الأسلوب الأفضل في دعوته ؟
(2/27)
---(1/62)
هذا يعني نزعة وسواس ، وأيضاً نزعة عقلانية مذمومة ليس كل نزعة عقلانية مذمومة، ولكن العقل إذا كان يريد أن يتثبت بالإيمان أن يستزيد من الخير فهذا ممدوح لكن إذا صارت النزعة العقلية تريد أن تقصر الدلالات الشرعية على العقل فمن هنا تقع الهلكة ، فمثل هذا يجب أولاً أن يراعى؛ لأن الغالب أن أصحاب النزعات العقلية لا يسلمون من الغرور هذا هو الغالب .
ولذلك تجد خصوم الأنبياء من العقلانيين ، وليس هذا ذم لكل عقلاني إنما العقلاني إذا ما استجاب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا ما استجاب للدين كانت عقلانيته تتعدى الحدود الأصلية الحدود الفطرية للعقل ، إذاً النزعة العقلانية إذا وصلت إلى حد أن صاحبها لا يريد أن يؤمن بشرع أو بشيء من الشرع إلا بما يقنع عقله غالباً إنه يخشى عليه من الهلكة، لأن أغلب أمور الدين قدرية، والقدر غيب، وأصول الاعتقاد غيب، والغيب نعلم منه ظواهر الحقائق لا كيفيات الحقائق، والعقل لا يكتفي بظواهر الحقائق يريد أن يتطلع إلى الكيفيات وهذا مستحيل، فإذاً صاحب هذه النزعة أخشى ألا يصل إلى الحق، أخشى فلذلك يجب أن يوعظ ويخوف بالله - عز وجل - ويبين أو تبين له ثوابت الدين وهو أن الدين ينبني على التسليم، وأن العقل قاصر وأنه لا يمكن مقارنة الوحي المعصوم كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقارن بأفكار الناس وآرائهم مهما بلغت من الذكاء والقوة والعبقرية، فإذا سلم بذلك وأدرك أنه إنسان محدود يعني يعتريه السهو والنقصان والخلل والضعف والفناء، وعرف قدر نفسه، من هنا ستستجيب عواطفه وسيستجيب عقله إن شاء الله للحق .
إذاً أرى أن السبيل الأول هو موعظته، ثم حواره بالمسلمات البدهية لا بالمقدمات المعقدة، العقليات المعقدة لا تصل إلى يقين .
(2/28)
---(1/63)
لكن مثل عبارة القرآن في مسألة الذين أوجدوا ما يوجب الشك في الله - عز وجل - قال سبحانه ? أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ?[ابراهيم: 10] .
وقال في الرد على من أنكر البعث حينما فتت عظماً وقال أنى يحيي هذه الله - عز وجل - قال الله - عز وجل - ? وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ?78? قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ?[يّس:78-79].
مقدمات بسيطة بهذه المقدمات البسيطة الخفيفة يمكن أن نقنع العقلاني الذي عنده هذا الوسواس، أما التعمق في المحاورات فهو يزيد الأمور تعقيداً .
ما ردك على من يلقون الشبهة في تفسير بعض آيات القرآن بغير معناها، كمن يقول ?وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)?[ الحجر:99] ، يفسر اليقين هي درجة عالية من العبادة ؟
ما وجه تسميتها شبه هنا ؟
الشبه لدى الناس عامة الناس، يعني يأخذ آيات القرآن ويفسرها بغير معانيها
على معاني إشارية مثلاً ؟
معاني عقدية
يعني أحياناً تكون معاني هي جزء من معنىالآية ؟
لا هذا يحرفها تماماً ، يعني يوصلها بالعقل العامي أنه معنى ، الهدف منه تغيير اعتقاد ؟
أعد السؤال بشكل مرتب.
بعض الفئات تفسر القرآن بغير معانيها، بحيث يلقي شبه إذا أراد إلقاء شبه معينة لدى الناس فسرها بتفسير قد يستوعبها الشخص العامي كما يقول هو
يعني كأنك تقول يكون عنده أحياناً رأي مسبق أو بدعة يعتقدها ثم يسوق النص بما يؤيد هذه البدعة، يجعل بدعته أو وهمه أو رأيه هو الأصل ثم يذهب ليأتي ليلوي أعناق الأدلة من أجل أن تؤيد شبهته أليس كذلك ؟
(2/29)
---(1/64)
هذا هو الذي قال الله فيه ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ?[آل عمران:7] وعلى قراءة أخرى ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ? الوقوف عند ? إِلَّا اللَّهُ ? - عز وجل - يعني إن هناك وهو الكيفيات والغيبيات والمسائل الغيبية البحتة لا يعملها إلا الله، والوقوف على ? وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ? يعني أن بعض المعاني العميقة في كثير من النصوص لا يدركها إلا العلماء إذاً هذا المسلك مسلك خطير ويجب أن يتنبه له كل مسلم .
لأنه لا يضع في ذهنه رأي مسبق أو عقيدة مسبقة أو يكون متعلق ببدعة أو يكون متعلق برغبة في أمر من الأمور ثم يذهب ليستدل بذلك.
فإن هذا المنحى خطير على عقيدة المسلم وغالباًُ أن الله - عز وجل - يكله إلى نفسه فيهلك ، ويظن الدليل معه، مع أن الدليل ضده .
( العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم : والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وآما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة فما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة).
نعم هذه قاعدة تتعلق بحماية الدين، لما قلنا أن الدين أكمله الله - عز وجل - وأنه ليس لأحد أن يأتي زاعماً أنه من الدين إلخ ، فتأتي هذه بمثابة الحلقة التي يعني تكون إطار لهذه القاعدة وهي أن العصمة بمعني اعتقاد أن الإنسان يقول الحق جزماً ولا يمكن أن يرد في كلامه أي احتمال للخطأ .
(2/30)
---(1/65)
العصمة بأن يكون القول والفعل دين، هذه لا يمكن أن يكون إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعصم أن يقول على الله أن يعصم من أن يتطرق قوله نقص؛ لأن ذلك يتطرق إلى الدين أو زيادة تخرج عما أراده الله أو أن يقع في محذور شرعي كأن يقع في كبيرة أو أمر يتنافى مع كرامة - النبي صلى الله عليه وسلم - والأخلاق الفاضلة .
إذاً العصمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الدين وفى الأخلاق، وفى جميع الأصول التي تقتضي كمال الدين فإن - النبي صلى الله عليه وسلم - هو المعصوم .
أما بقية الناس فلا أحد معصوم حتى العلماء الكبار، حتى كبار الصحابة ، قد يرد إليهم خطأ، لأنهم ليسوا مصدر دين ليسوا مصدر تشريع ، - النبي صلى الله عليه وسلم - عصم لأنه هو يشرع فلا يتطرق إلى أقواله وأفعاله الباطل إطلاقاً .
فإذًا العصمة لا تكون إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن هناك معنى بعض الناس يفهمه خطأ، وقد ذكره - النبي صلى الله عليه وسلم - أن الأمة في مجموعها معصومة، لماذا معصومة ؟ هل يعني ذلك أن كل الأمة لا يخطئون ؟ لا ، يعني ذلك أنه لا تخرج الأمة كلها عن الخطأ، يبقى منها ولو عدد قليل على الصواب، يعني لا تجمع على خطأ هذا معناه، لكن لا يمكن أن تتفق الأمة كلها على الصواب لماذا ؟ لأنهم بشر يخطئون ، ويسهون ، وينسون ،يبتدع بعضهم، وينحرف بعضهم تقع فيهم السبل، لكن لابد أن تبقى طائفة ولو قليلة على الحق ، هذا معنى قول - النبي صلى الله عليه وسلم - ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لو أن البدع كثرت وكثرت الأهواء فلا يعني ذلك أن الأمة تجمع على البدع والأهواء .
(2/31)
---(1/66)
وهل حدث هذا ؟ لا أبداً لم يحدث ولن يحدث ، يبقى ولو طائفة قليلة حتى أثناء الغربة - النبي صلى الله عليه وسلم - سمى أهل السنة أثناء الغربة بالغرباء ، لكنه مع ذلك وصفهم بأنهم ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ومن عاداهم ) هؤلاء الظاهرون هم الذين تحققت بهم عصمة الأمم ألا تجمع على ضلالة .
فإذًا الأمة معصومة في مجموعها أن تقع في ضلالة لا في أفرادها أما آحادها جماعاتها فرقها مذاهبها قد يقع الخطأ من أحد أو من بعض فئاتهم فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة ، هذه مسألة مهمة .
الله ينفعكم وينفع بكم، السؤال حول السلفية الحقيقية فيه من يدعيها نرجو من سماحتكم بيان حقيقتها لأن كثير من يدعيها وهو على شيء آخر ؟
سبق أن قلنا أن السلف والسلفية وصف لأهل السنة والجماعة، الذين أخبر - النبي صلى الله عليه وسلم - أنهم أجمعوا وصفهم أنهم من كان على ما كان عليه - النبي صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، هذا أجمع وصف وأوضح وصف، فعلى هذا كل من كان على هذا السمت على سنة - النبي صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين وأئمة الهدى وعلماء المسلمين المقتدى بهم في الدين فهو سلفي ، ومع ذلك قد تظهر بعض التصرفات القولية أو الفعلية أو المواقف خاصة تجاه الآخرين من بعض من ينتسبون للسلفية تخالف منهج السلف ، فهذه التصرفات ليست من السلفية وينبغي أن يحرر هذه الأمور على أصول ومناهج .
إذاً السلفية منهج في العقيدة والدين والتطبيق والتعامل مع الخلق، متى وجد هذا المنهج عند شخص فقد التزم السلفية ، ولو أخطأ بعض الأخطاء فإن خطأه يحسب عليه ولا يخرجه من السلفية .
(2/32)
---(1/67)
إذاً هذه مسألة مهمة ، لكن لا نحسب أخطاء أفراد من ينتسبون للسلف أو جماعات أحياناً لا ننسب أخطاءهم إلى السلفية؛ لأن هذا أمر لا يخلو منه مبدأ ولا دين ولا حتى الإسلام نفسه بمجموعة لكن من المسلمين من يسيئون إلى الإسلام، بالبدع والأهواء والفسق والفجور فهل هؤلاء يحسبون على الإسلام؟!
فكذلك السلفية ليس كل من ادعى السلفية يصح انتسابه إليها، وقد أيضاً يخطئ فلا ينسب خطأه إلى السلفية .
إذاً السلفية هم من كان على نهج الصحابة ومن كان في مثل العصور المعاصرة في كل عصر، من كان على هدي العلماء الكبار المهديين الراسخين أصحاب المنهج المعتدل المتزن أصحاب المرجعية في الأمة هؤلاء منهجهم في الجملة، ليس في أفرادهم ، منهجهم في المنهج السلفي .
تقول جزاك الله خير، بالنسبة لحديث - النبي صلى الله عليه وسلم - الذي يذكر فيه أن ثلاثة دخلوا إلى مجلس من مجالس - النبي صلى الله عليه وسلم - والأول اقترب منه فآوى إلى الله ، قرأتها مرة في تفسير الحديث فآوى إلى الله يعني فآواه الله إلى رحمته، هل هذا يعتبر من تأويل الصفة ؟
(2/33)
---(1/68)
نعم، مثل هذا الكلام كلام مجمل يرجع إلى المقاصد، بعض الناس يقول: الكلمة يعني في تفسير معناها لا يتعمد التأويل، إنما يفسر الكلمة ببعض معانيها، لكن إن كان مؤول فربما يحسب هذا من التأويل، بمعنى أن الله - عز وجل - آواه، لكن ينبغي أن يعرف أن مثل هذا النص المقصود به الخبر، وأنه جاء بمعرض الترغيب فهذه من الأمور أو النصوص التي يقول السلف أنها تمر كما جاءت؛ لأنها نفسُ لها معنى ولوازمها كثيرة، لكن لا نفسرها بلازم واحد من لوازمها، أو بمعنى واحد من معانيها ونجعله هو تفسيرها كما أشارت إليه السائلة أن بعض أهل العلم فسر الإيواء هنا بالمعنى الذي ذكرت ، فهذا تفسير باللوازم وهو معنى من المعاني، لا نقصر عليه ولا نحصر المعنى به؛ لأن حصر المعنى به قد يؤدي إلى التأويل، إذاً المعنى مقصود به الترغيب، مقصود به خبر عن الله - عز وجل - وعن مجازاته لعباده على وجه حقيقي لا لبس فيه .
ومن هنا يقال هذا من الأمور أو من النصوص التي تمر كما جاءت، لا تؤول تأويلاً صريحاً، ولا تحمل على أنها صفة .
تقول يا شيخ هل عمل الجوارح شرط كمال في الإيمان أم شرط صحة ؟
على أي حال هذه من المسائل التي كثر الكلام فيها، بل إني أرى في هذا الوقت أن أكثر الذين خاضوا في هذه المسألة سواء الذين قالوا إن الأعمال شرط كمال أو أنها شرط صحة، بينهما تفاوت في المفهوم، وبينهم تفاوت في معاني الكلمة وفى مترتباتها وآثارها والصحيح أن الأعمال في مجموعها في جنسها شرط صحة، لكن في مفرداتها شرط كمال، ومن الأعمال ما هو لابد أن يكون شرط صحة مثل الصلاة وليست شرط كمال فعلى هذا أقول مجموع أعمال المسلم بجملتها أو مجموع الأعمال كلها ، لابد أن تكون شرط كمال؛ لأن من أعرض عنها كلها اختل إيمانه يعني بمعني لم يصح معه .
(2/34)
---(1/69)
لكن بمفراداتها تعتبر شرط كمال وليس شرط صحة، فعلى هذا أنا أقول الصحيح أننا نحتاج أن نجمع بين القاعدتين نقول الأعمال من وجه شرط كمال ومن وجه شرط صحة، فهي بمجملها في جنس يسمى الجنس يعني بمعني يجب ألا يخلو إيمان المسلم من عمل إذا خلا من كل عمل اختل اختلالا كاملاً وفقد، لابد أن يكون فيه جنس عمل خاصة ضروريات الأركان والواجبات وهذا هو من وجه شرط كمال، ومن وجه شرط صحة .
تقول: يأخذ كثير من الناس في الوقت الحالي من الرؤى أحكام وحقائق غيبية لم ترد عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فما هو توجيهكم لهم يا شيخ ؟
نعم هذا خطأ الرؤية الصالحة من الله - عز وجل - وهي جزء من ست وأربعين جزءاًَ من النبوة والرؤية الصالحة لها شروط أولاً أن تكون على مقتضى الكتاب والسنة وألا يغتر بها المسلم بحيث يجزم بأنها دليل، إيمانه، أو دليل صلاحه، نقول لا تكون سبب للرياء والسمعة، لا تكون استدراج إلى البدع والمحدثات فإذا الرؤية الصالحة وافقت الكتاب والسنة فهي مبشرة للمؤمن، وواجب أن تعرض على النصوص وعلى الدين فإن جاء في الرؤية أو الحلم ما يعارض الكتاب والسنة ، ما يعارض مقتضيات الدين فهو من عبث الشيطان فهو من الأحلام .
وعلى هذا فإن تقرير أمور الدين أو مصائر العباد أو الجزم بمقتضيات الرؤى الجزم هذا لا يجوز .
لكنها مبشرة مؤنسة يستأنس بها يستبشر بها قد تدل على عافية، قد تدل على إيمان قد تدل على صلاح ، قد تدلنا على مواطن أو أسباب العلاج المادي لبعض الناس، فهي من توفيق الله وتكون كرامة لكن بشرط ألا نجزم بها وأن نعتبرها نصيحة لا دليل مبشرة لا يقينية، إلا إن وافقت الكتاب والسنة ، يعني موافقة كالشمس، لا لبس فيها ، فهي جزء من الحق ، لا علاقة لها بالرائي ولا المرئي له .
تقول نرجو من فضيلتكم توضيح الفرق بين البدعة التي هي ضد الاتباع وبين السنة الحسنة الواردة في الحديث ، ويستدل بها كثير من الناس في البدع ؟
(2/35)
---(1/70)
نعم هذه من القواعد التي سأشير إليها في الدرس القادم ، لكن استجابة للسؤال أشير بإيجاز أن البدعة كل محدثة في الدين، وعلى هذا ليست السنن بدع، يعني معني كلمتان متضادتان لا يمكن أن يلتقيان البدعة والسنة، لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بأي اعتبار من الاعتبارات بل الشرع اعتبر البدعة محادة للدين تماماً من كل وجه ليستثنى من البدع شيء ودليل ذلك قول - النبي صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعميم ( كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة ) وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه رد ) ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
فالبدعة تقابل السنة مقابلة الأضداد وهما كما يقال في تعبير بعضهم المختصين يعني الجمع بين البدعة والسنة معادلة صعبة فلا يمكن أن يلتقيان، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في الدرس القادم .
(2/36)
---
لعقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
وجوب الاتباع وذم الابتداع
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله، رضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس، ولنصل هذا الدرس بالدرس السابق، أحب أن أعرض بعض الأسئلة أولا على الطلاب الحاضرين، ثم بعد ذلك على الإخوة المشاهدين، وتردنا الأجوبة عبر موقع الأكاديمية.
أولاً: ذكرنا قواعد وأصول في منهج التلقي والاستدلال، فما المقصود بمنهج التلقي؟
مصادر التلقي هي الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة.
إذن المقصود بالتلقي هو الاستمداد.
نعم استمداد الأحكام الشرعية.
الدين كله بعقيدته وأحكامه أحسنت.
ذكرنا شيئا من القواعد، ما القاعدة الثانية؟(1/71)
القاعدة الثانية: تقول كل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله والعمل به، وإن كان آحاد سواء في العقائد أو غيرها.
بمعنى كل ما صح بمعنى ثبت سنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق العدول الثقات من قول أو فعل أو تقرير وجب قبوله.
ما معنى القبول هنا هل مجرد العمل؟
التصديق.
هذا أولاً، أول درجات القبول التصديق.
ثم العمل بمقتضاه.
نعم، ثم العمل، التصديق ينبثق منه: الإذعان والاستعداد للعمل، ثم بعد ذلك العمل والتنفيذ، لكن العمل مشروط بالاستطاعة، أما القبول والتصديق فلا يعذر به أحد، والإذعان والتسليم.
السؤال الثالث: عن القاعدة الثالثة ما هي؟
القاعدة الثالثة: أن العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح، وإذا توهم التعارض أن يقدم النقل على العقل.
(3/1)
---
أحسنت، العقل السليم، العقل: الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا يمكن أن يتعارض مع الدين؛ لأن الدين شرع الله، والعقل خلق الله وهذا من أمره، وهذا من قدره، ولايمكن أن يتعارض شيء من أمر الله وخلقه على الإطلاق.
إذن كما قال زميلكم: إذا توهم التعارض بمعنى أن الإنسان تصور أو بدا له أو شعر بشيء من التعارض بين المقررات عقلا التي يتوهمها وبين نص شرعي، وطبعا هناك قواعد كبيرة للجمع بين الأمرين، ستأتي في الدرس القادم، لكن لأول وهلة نقول: ينبغي أولا أن نسلم للنص اذ سلم من العوارض ثم العقل بعد ذلك سيسلم بمقتضى النص.
والآن سأوجه ثلاثة أسئلة لجمهور المشاهدين، وأرجوا أن يجيبوا على موقع الأكاديمية.
السؤال الأول: ما مصادر الدين، عموما ومصادر العقيدة على وجه الخصوص؟
السؤال الثاني: ما المرجع المأمون في فهم نصوص الكتاب والسنة؟
السؤال الثالث: جاء في القاعدة السابعة أنه يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة والدين، وتجنب الألفاظ المحدثة والمبتدعة، أريد مثالا واحدا على هذه القاعدة، وكيف نطبق القاعدة عليها؟(1/72)
يقول الشيخ: والآن على بركة الله نبدأ درس اليوم وقد وصلنا إلى القاعدة الثامنة، يتفضل الأستاذ معمر بقراءة القاعدة الثامنة.
بسم الله الرحمن الرحيم، (القاعدة الثامنة: العصمة ثابتة للنبي - صلى الله عليه وسلم - والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، وما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطيء من مجتهدي الأمة).
أحسنت، هذه القاعدة بدأناها في الدرس الماضي، لكن لم نستكملها فهي تتضمن عدة فروع، بمعنى أنها تشمل عدة خطوات:
(3/2)
---
الأولى: أن العصمة في الدين بحيث لا يرد الخطأ مطلقا ثابتة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يمكن أن يتطرق إليه خطأ في الدين، ولو أنه حدث منه شيء على سبيل البيان والتشريع، فإن الله عز وجل لا بد أن يسدده، وعلى هذا فإن كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير فإنه على الكمال وهو وحي الله ولا يمكن أن يتطرق إليه الباطل بإطلاق؛ لأن العصمة تعني عدم ورود شيء مما ينافي الحق، ثم الأمة في مجموعها كما أسلفت في الدرس الماضي في مجموعها معصومة من الضلال، ما معنى في مجموعها؟
معنى ذلك أن الحق لا يخرج عن مجموع الأمة، نعم، قد لا تجتمع كلها على أصول الحق لكن يبقى منها طائفة على الحق، وقد يكون الحق أحيانا مع طائفة في جانب، ومع طائفة أخرى في جانب، ولا يصفوا الحق في طائفة كاملة إلا في أهل السنة والجماعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم) فعلى هذا فإن الأمة لا تقع كلها في الباطل، لكن تقع طوائف منها في الأهواء والبدع والافتراق، وهذا لا يتنافى مع عصمتها، بمعنى حتى لو أن أكثرية الأمة وقعت في الأهواء والبدع والافتراق فلا بد أن تبقى طائفة على الحق.(1/73)
ومن هنا يتبين معنى الأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة وهذا نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجتمع أمتي على ضلالة) أما آحادها يعني أفرادها أو حتى مجموعاتها بفرقها أو بمذاهبها قد يقع الخطأ فلا عصمة لأحد، بل أبى الله عز وجل إلا أن ترد أخطاء حتى على ألسنة وأقوال وأفعال كثير من العلماء الجهابذة الراسخين في العلم؛ ليتبين أن العصمة لا تكون إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يخلو عالم من خطأ أو زلة على الإطلاق، وبذلك لا يقدح في قدر العالم كما سيأتي.
(3/3)
---
فعلى هذا أن آحاد الأمة: يعني أفرادها أو جماعاتها أو مذاهبها يمكن أن يتطرق إلها خطأ فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة هذه قاعدة متفرعة ومهمة جدا، ما اختلف فيه علماء المسلمين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة والتابعين وغيرهم نتحاكم فيه إلى الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة على منهج الاستدلال - الذي ذكرناه - وعلى المرجعية في فهم الكتاب والسنة - كما سبق - فما وافق الكتاب والسنة فهو المقبول وغيره مردود، لكن رده لا يعني الاعتداء على المخطئ خاصة العالم بل يجب أن يبقى له حقه و يبقى له قدره واحترامه، ووقوعه في الخطأ لا يعني ذلك اختلال المنهج عند العالم، العالم الراسخ المستقيم على السنة يبقى في الأصل على المنهج، لكن مفردات أطواله جزئيات اجتهاداته قد يقع فيها خطأ.(1/74)
فعلى هذا إذا أخطأ فلا بد أن نعتذر له، ولا نجعل الخطأ ذريعة إلى الطعن في ذمته، أو شحن قلوب الناس عليه كما يفعل كثير من الجهلة اليوم والحمقى، حينما يذل عالم في قضية من القضايا يشهرون به ويسقطون اعتباره عند عامة الأمة وهذا خلاف المنهج الأصلى، بل هذه كارثة على الأمة، وما كانت الأمة تسلك هذه المسالك في الأزمان القديمة إلا عندما وفدت على الأمة اليوم كثير من الأفكار التي زعزعت المسلمات والثوابت في قلوب عامة المسلمين، ومع ذلك لا يزال هذه الظاهرة الخطيرة قليلة والحمد لله في الأمة، لكن معظم النار من مستصغر الشرر فيجب أن نستدرك الأمر ولا ندع الفرصة للمشككين في علمائنا ومشايخنا في التقاط ذلاتهم وتهويلها والتهويل من شأنها.
(3/4)
---
إذن الاعتذار للمخطيء أصل شرعي، المخطيء، المجتهد في هذه الأمة لا بد أن نعتذر له، لكن أيضا لا بد أن نتنبه لشيء، وهو الحذر من ذلة العالم، العالم قد يذل وليس المقصود الذلة في بعض الفتاوى الجزئية، الذلة الخطيرة هي التي توقع الأمة في فتنة توقع الناس في شبهة، أو توقع في مفسدة عظمى، هذه هي الذلة الخطيرة، أحيانا تكون ذلة منهجية أو ذلة في فتوى تخرق قواعد الشرع القطعية، تخرق النصوص الثابتة، فالعالم عندما يكون منه ذلك كما - قلت سابقا - لا يعني أننا نخرجه من زمرة العلماء إذا توافرت فيه صفات العالم الرباني لكن أيضا نحذر أن نتبعه على ذلته، أقول هذا؛ لأن بعض الناس يفهم من احترامنا للعالم أننا نأخذ كل أقواله دون عرض على الكتاب والسنة ودون عرض على العلماء الآخرين وهذا مسلك ليس بسليم، إذًا ذلة العالم إذا كانت في أمر خطير يجب أن نعالجها بالأصول الشرعية.
أولا: كيف نعرف ذلة العالم؟(1/75)
ليس لعامة المسلمين أن يحكموا على الموقف أو فتوى العالم بأنها ذلة، إنما يرجع فيها إلى العلماء الكبار، الراسخين في العلم، فإذا كان هذا الموقف من العالم أو الفتوى بمثابة الذلة وحكم عليها العلماء بأنها ذلة عالم، من هنا نقف منها على النحو التالي:
نرد هذه الذلة ولا نعمل بها ونعتذر للعالم؛ لأنه اجتهد فأخطأ.
إذن الذلة نعرفها بعرضها على الكتاب والسنة، من قبل العلماء نعرفها بموقف العلماء، نعرفها بأثرها على الأمة، إذا كان أثر يؤدى إلى فتنة أو مفسدة أو فرقة، فإن ذلك يعني أنها ذلة عالم نتجنبها.
القاعدة التاسعة: (في الأمة محدثون ملهمون كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، والرؤية الصالحة حق وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة حق وفيها كرامات ومبشرات بشرط موافقتها للشرع وليست مصدرا للعقيدة ولا للتشريع).
أحسنت، هذه القاعدة تشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: الإلهام وهو نوع من الفراسة، والنوع الثاني: الرؤية، والنوع الثالث: الفراسة.
(3/5)
---
كل هذه الأحوال الثلاثة تدخل في باب واحد وهو باب ما ينكشف لبعض العباد من أمور قد لا تنكشف لغيرهم، ما ينكشف لهم عبر الإلهام أوعبر الفراسة أو الرؤية الصادقة، إذا توافرت فيه الشروط ووافق الكتاب والسنة فهو حق، لكن لكل نوع حال وتفصيل:
الإلهام هو ما يلقيه الله عز وجل في قلوب بعض عباده في إدراك الحق في قضية قد تشكل على الأمة سواء كانت قضية فردية أو قضية جماعية، قضية من القضايا قد تغمض تشتبه يحتاج الناس فيها إلى أن يعرفوا وجه الحق لالتباس النظر فيها أو تعدد وجوه النظر فيها، فالله عز وجل قد يلقي في قلوب بعض العباد إدراك الحق في هذه المسألة فيسمى هذا إلهام لكن ليس عن طريق الوحي إنما هو أمر ينكشف للإنسان مما يتوافق مع الكتاب والسنة إذا توافرت فيه صفات الإيمان والتقوى وتوافرت فيه صفات الفقه في الدين إلى آخره.(1/76)
إذًا الإلهام: هو فتح من الله عز وجل للعبد ليس عن طريق الوحي، إنما عن طريق التوفيق في الخروج من مقتضى الالتباس إلى البيان والوضوح.
فعمر بن الخطاب، نعم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اشتهرت عنه مواقف ألهمه الله فيها للحق كثيرة جدا، وقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثير من آرائه في تلك المواقف التي ترددت فيها الأمة في ذلك الوقت، نعم، نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الله يوحي إليه، لكن في مثل هذه الحالات أن يلقي الله الحق على قلب رجل أو لسانه هذا من باب التشريع للأمة.
وكذلك الرؤية الصالحة، الرؤيا الصالحة في الحقيقة قد تشتبه بالأحلام.
(3/6)
---
وعلى هذا فإن الرؤية الصالحة هي التي تتوافق فيها شروط الرؤية، وأهم شروط الرؤية أن توافق الكتاب والسنة وألا تتعارض مع الحق، لا تخالف مع الشرع ولا توقع في بدعة ولا ظلم ولا عدوان، فهي من المبشرات والأحلام قد تختلط بالرؤى، فإذا أخذنا ما يحلم به الناس على هذه الضوابط موافقة الكتاب والسنة، لا يكون فيها ما يخالف الشرع، لا يكون فيها بدعة لا توقع في ظلم أو عدوان إلى آخره، فهي رؤية صالحة، وإلا فقد تكون حلم، من هنا كثير ما يختلط على كثير من المسلمين الرؤى بالأحلام، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الحديث الصحيح أن ما يراه الناس في المنامات على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: التي هي رؤيا حق.
الصنف الثاني: رؤيا عبارة عن انطباعات أو أحلام، عبارة عن نطباعات ما يحدث به الإنسان نفسه في اليقظة أو ما يسمعه ويتلقاه من الأحداث والمشاكل، فينعكس هذا على شكل أحلام، هذا على اعتبارين: رؤيا يحدث به الرجل نفسه، كما هو نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/77)
النوع الثالث الذي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - : رؤيا من تحزين الشيطان، يعني بمعنى من عبث الشيطان بالإنسان، خاصة إذا لم يعمل المسلم بالأسباب المشروعة لحمايته من عبث الشيطان كأن ينام بلا و رد أو ينام على معاصي، آخر عهده بالنوم فعل معاصي أو سماع أمور لا تجوز شرعا، أو غيبة أو نميمة، أمور تحجب القلب عن حقيقة الإيمان، فإنه يتسلط عليه الشيطان فيأتيه بأحلام ويوهمه بأنها رؤى صالحة وهذا كثير في الناس.
النوع الأول: هو الحق التي وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها رؤيا حق، قال فرؤيا حق، قال الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، رؤيا الحق كما قلت هي التي توافر فيها هذه الصفات وهي أيضا على نوعين:
(3/7)
---
الرؤية الصادقة الصريحة التي تأتي كفلق الصبح لا تحتاج إلى تأويل، فمثلا إنسان رآى في منامه أنه يحفظ القرآن، توافرت في هذه الرؤيا شروط الرؤيا الصالحة، فغالبا أنه بإذن الله سييسر له حفظ القرآن أو نحو ذلك من الرؤى التي لا تحتاج إلى التأويل، ليس فيها التباس، ليس فيها أمثال تضرب إنما هي رؤيا بينة تفسيرها فيها وهذا يقع لقلة من الناس الذين تتوافر فيهم صفات العبادة والزهد والورع والمال الحلال وسلامة القلوب هؤلاء غالبا رؤاهم صادقة لا تحتاج إلى تفسير تفسيرها فيها وغالبا هذا النوع إذا تيقظ من منامه بعد الرؤيا لا يحتاج أن يفسرها؛ لأنها تفسر نفسها.
والنوع الثاني: رؤيا عبارة عن أمثال تضرب للناس برموز بأسماء بأحوال بأشكال مثلا إشارات يعرفها أصحاب الرؤى الصادقة.(1/78)
ثم كذلك الكرامات تختلط الخوارق التي تكون من باب الفتنة والابتلاء وهذا أيضا مما اختلط على كثيرمن الناس، الكرامات الصالحة، الكرامات الحقيقية هي من جنس الإلهام ومن جنس الرؤى، لكن ليس كل ما يحدث للإنسان من خوارق الأمور يعد كرامة، هذه مسألة مهمة، بل أحيانا الكرامة نفسها تحدث لإنسان فإذا ما عاملها معاملة شرعية، ما تعامل معها على أصول الشرع تنقلب إلى فتنة، وذلك أن الكرامة لا تكون إلا بحق ولا تكون إلا بمقتضى الكتاب والسنة، لا تكون في تأييد بدعة ولا تأييد ظلم ولا تأييد عدوان ولا تكون أيضا من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى الوقوع في معصية أو بدعة، فإذا كانت كذلك فليست كرامة، فهي من خوارق ومن عبث الشيطان بالإنسان.
ثم أيضا من سمات الكرامة الحقيقية أنها تؤدي بصاحبها إلى قوة الإيمان والتواضع وأن يكره ذكرها ونشرها خوفا من الرياء، ومن هنا أعرج على ما ذكرته قبل قليل من أن كثير من المسلمين يفتن بالكرامات لعدة أسباب:
أولاً: أنها قد تأيد بدعة فيظن أنه بذلك مؤيد على حق وهو على باطل.
(3/8)
---
الأمر الثاني: أن بعض الناس إذا رأى كرامة، أو رويت له إذا صارت له كرامة أو فعلت له ظن أن ذلك دليل الولاية اللازمة والأبدية، وهذا لا يلزم ثم يشرع في نشرها والتحدث بها، والافتخارو الغرور بها؛ فيؤدي هذا إلى استدراجه إلى الباطل والبدعة والغرور والرياء؛ فيحبط عمله فتكثر عليه الخوارق التي تشبه أو تختلط بالكرامات وهي ليست كرامات.
ومن هنا يجب أن ننبه الجميع أنه ينبغي أن يعرض كل إنسان يحدث له ما هو خارق أو غريب يعرضه على مقتضى الكتاب والسنة، إن كان يفقه وإلا فيعرضه على العلماء الربانيين، ولينظر إن كانت كرامة؛ فليحمد الله عز وجل عليها، وليسأل الله التثبيت ولا ينشرها ولا يفتخر بها.(1/79)
ثم أخيراً: كل هذه الأمور: الرؤية الصادقة، والفراسة، والإلهام، والكرامات، ليست مصادر للتشريع، بمعنى لا يأخذ منها دليل شرعي مستقل عن الكتاب والسنة، فهي مبشرات مؤيدات للنصوص، فإذا لم يكن الأمر كذلك فلا يعتد بها فتكون من باب الابتلاء أو عبث الشيطان ليست مصدرا للتشريع، لا يجوز الإنسان أن يعمل بعبادة أو يستحل شيئا من الأمور المحرمة أو يحرم شيئا من الحلال بدعوى أن هذا جاءه عن طريق الإلهام أو الفراسة أو الكرامات ونحوها، فإن هذه مهالك يجب أن يحذر منها المسلم.
القاعدة العاشرة: (المراء في الدين مزموم والمجادلة بالحسنى مشروعة، وما صح النهي عن الخوض فيه وجب امتثال ذلك ويجب الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه).
(3/9)
---
وهذه أيضا من القواعد السلوكية؛ لأنه كما تعرفون العقيدة والدين كما أنه في الأمور القلبية كذلك هو منهج في أمور الحلال والحرام، وهو منهج أيضا في التعامل مع الخلق، وأظن مسألة التعامل مع الخلق هي المحك والاختبار لكثير من المسلمين اليوم، لأنه من السهل أن يدعي المسلم أنه يعرف الاعتقاد، من السهل أن يدعي أنه يعلم أشياء كثيرة في الدين، من السهل أيضا أن يرى منه أنه يباشر أعمال الإسلام الظاهرة، لكن هذا كله لا يعطينا مصداقية تمسك المسلم بدينه بقدر ما يعطينا التعامل تعامله مع الناس هل هو على مقتضى العقيدة والشرع، ومن أصول التعامل أو من أعظم أبوب التعامل مع الخلق ما يتعلق بالحوار، يعني المواقف تجاه الآخرين مع المسلم هذه لها باب آخر سيأتي في آخر الدروس، لكن هذا متعلق بتقرير الدين والدفاع عنه وهو التعامل مع المخالف أوالتعامل مع المخطيء في نصحه، وبيان الحق له، وإقامة الحجة عليه، كيف يكون؟ وهوأنه يكون بالنصيحة والمجادلة بالحسنى، ما معنى المجادلة بالحسنى؟
هذا ما سنذكر بعض الأصول فيه:(1/80)
أولاً: ينبغي أن يعرف المسلم أن المراء في الدين مذموم بمقتضى الكتاب والسنة، ما المقصود بالمراء؟
المراء: صنوف كثيرة أهمها وأخطرها الجدال بغير حق، وبغير قصد الحق، الانتصار للرأي، الانتصار للمذهب، الانتصار للقوم، التشفي من المخالف، أيضا عدم الوقوف على الدليل، الذي يسمى التمادي، يعني المسلم قد يجادل ويعني يقارن الحجة بالحجة والدليل بالدليل، يسأل فيجاب، لكن إذا تعدى الأمر أكثر من ذلك بمعنى أن يعيد السؤال لغير حاجة يلح بالقضية والشبهة مرة أخرى كأنه يريد أن يصر على قوله لا يكتفي بمجرد أخذ الدليل أو الاستفهام من الدليل، بل يزيد مرة أخرى يماري يعني يكرر الكلام لغير حاجة، هذا يسمى مراء.
(3/10)
---
إذًا الكلام للحاجة بالضوابط الشرعية هذه مجادلة بالحسنى، أما ما زاد عن الحاجة وما وقع في ما نهى الله عنه من الانتصار للباطل، انتصار للهوى، عدم التوقف عن الحجة والدليل، فإن هذا يعد من الأمور المذمومة وهو المراء في الدين، أما المجادلة بالحسنى فهي مشروعة بشروطها لكن ما معنى بالحسنى؟ وما المجادلة؟
المجادلة أولا: هي النصيحة في الدين، أن تنصح لأحد فتبين له وجه الدليل، وتفهمه ما لم يفهمه إذا كنت فقيه، وأن يكون ذلك على مقتضى الكتاب والسنة، وأن يكون ذلك بقصد حسن أن تقصد الحق قصد الحق، أن تتجرد من الهوى ومن الرأي (....كلمة غير مفهومة)28:04، أن تتمثل قاعدة الإمام الشافعي - رحمه الله - وهي قاعدة ذهبية عظيمة هي مقتضى الكتاب والسنة يقول: "والله ما جادلت أحدا إلا تمنيت أن يجرى الله الحق على لسانه" أقسم أنه تمنى أن يجري الله الحق على لسان خصمه لماذا؟ لأنه طالب حق يتمنى أن ينقذه الله من رأي خاطيء أو اجتهاد خاطيء.(1/81)
وهكذا يجب أن تكون المجادلة، تكون بالكتاب والسنة بقصد الحق التجرد من الهوى والتسليم والإذعان للدليل، إذا قال خصمك: قال الله عز وجل، وفهمت قول الله وعرفت أنه حجة في هذا الباب فتتوقف وتقول آمنا بالله، وإذا قال عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءك الدليل وأنه حجة، تقول: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قلبي وبصري وسمعي لا أحيد عنه، تترسم ذلك قبل النقاش قبل المجادلة، أيضا عدم التعصب أيا كان، من شروط المجادلة بالحسنى ألا تتعصب وألا تنتصر لنفسك، وألا تحرص على هزيمة خصمك، لا تحرص على التشفي كما يفعل بعض المجادلين، وإذا رأيت من خصمك استعدادا لقبول الحق فشجعه على ذلك، لا تفرح عليه لا تشعره بأنك انتصرت فتنتفخ وتنتفش، فربما يؤدي ذلك إلى رده عن الحق وحجبه عن قبول الحق.
(3/11)
---
فليتق الله المجادل وليلتزم أيضا أدب الحوار، يتكلم برفق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) والرفق يشمل: الرفق في العبارة، والرفق في التعامل، والرفق مع الخصم والرفق خلال عرض الحجة، الرفق أيضا بالصيغة والأسلوب، فلا يؤدِ بك الخصام إلى رفع الصوت أو اللجاجة أو التكرار لغير حاجة، وعليك بالحلم والتأدب، وأن يكون رائدك في المجادلة النصيحة، سواء للمسلم أو لغير المسلم، يكون رائدك النصيحة وهداية الآخرين، تكون حريص على الهداية، ثم تاج ذلك كله أن تكون المجادلة بعلم وفقه، لاتجادل وأنت لا تعلم.(1/82)
ومن هنا أنبه إلى ظاهرة خطيرة انتشرت خاصة عبر وسائل الإعلام والإنترنت، وهي أن كثيرا من شبابنا تأخذهم الغيرة للدفاع عن الدين إلى أن يجادلوا بغير علم، وأن يخاصموا المخالفين بغير حجة ولا فقه ولا عمق، فأحيانا بل كثيرا ما يقولون على الله بغير حق، وكثيرا ما يوقعون الحق في حرج، يقولون أشياء ليست حق، يظنون أنها حق؛ لأنهم ليس عندهم فقه في الدين يستفزهم الخصم، يقعون في المهاترات، هذا كله؛ لأنهم لم يدخلوا بعلم، ظنا منهم أنه لا بد أن يدافعوا عن الدين غيرة نقول: لا من شرط الدفاع عن الدين أن تكون على علم وبصيرة والله عز وجل نهاك عن أن تدخل بلا علم والله سبحانه وتعالى يقول: ?وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ?[الإسراء: 36]، أما أن يهلك بعض الناس أن يقعوا في شبهات وبدع فالله يتولاهم، ?لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ?[البقرة: 727]، وثق أن الله عز وجل سيسخر من أهل العلم و الفقه والعمق في العلم من يقوم بالحجة، لكنك يجب أن تصبر وأن تحلم وأن تهيأ نفسك.
(3/12)
---(1/83)
ثم أخيرا في هذه القاعدة أقول يجب أن يكون المسلم متجرد، لا عن الحق كما يفهم كثير مع الأسف من الكتاب والباحثين الذين ظنوا أن التجرد تجرد عن الحق، لا، الذي يملك الحق وهو المسلم لا يجوز أن يتجرد على الحق، لكن يتجرد عن الهوى، وهذه مسألة مهمة جدا؛ لأن بعض الناس يظن معنى التجرد ألا يكون له عقيدة ولا رأي، لا هذا خطير قد يوقع في الردة، بل يجب أن تلزم عقيدتك ومسلمات دينك ويكون المحتكم هو الشرع في جميع أمورك فلا تتخلى عن دينك بدعوى التجرد، إنما المقصود بالتجرد التجرد من الهوى بالتزام ثوابت الحق ومسلماته التجرد من الرأي المسبق، البحث عن الحق من خلال الدليل، ولا تبحث عن الدليل الذي يؤيد ما في نفسك، تقع في الهلكة، الكثير ممن يجهلون هذه القاعدة تجده في نفسه شيء يميل إليهت عنده رأي يقلد جماعة أو حزب أو شيخ أو عالم يؤسس في نفسه هذا التقليد فيذهب ليستدله، هذا خطأ بل انحراف، بل يجب أن يكون رائدك البحث عن مواطن الحق في ثنايا الدليل، وأن تتجرد تجردا كاملا عن أي فكرة سابقة إلا الثوابت نتكلم الآن عن الاجتهاديات إلا الثوابت الثوابت لا نتجرد منها أما ما عدا ذلك فيجب أن يكون البحث عن الحق من خلال الدليل لا البحث عن الدليل الذي يؤيد الرأي فإن الإنسان يهلك في هذا، الله عز وجل يقول ? وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ?[ص: 26]، يضلك حتى ولو بحثت عن الدليل لأن الله عز وجل يقول ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ?[آل عمران:7 ]، وهو القرآن قد يكون كما هو هدى وعصمة لمن وفقهم الله عز وجل لمن واتبعوا السبيل الرشيد كذلك هو عمل وهلاك لمن أخذه على غير وجهه.
اقرأ القاعدة الحادية عشرة.
(3/13)
---(1/84)
القاعدة الحادية عشرة: (يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد كما يجب في منهج الاعتقاد و التقرير، فلا ترد البدعة بالبدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس).
أيضا هذه قاعدة منهجية عملية تطبيقية، لكني لعله من المفيد أن أعيد الإخوة المشاهدين إلى مسألة نسيتها: وهي مهمة جدا إتماما للقاعدة السابقة العاشرة وهي: ما الأشياء التي أمرنا بالإمساك عنها؟
فيه أشياء كثيرة أولا: أي شيء من الدين لا علم لنا به يجب الإمساك عنه، أي شيء من الدين صغير أو كبير لاعلم لك به يجب ألا تخوض فيه بغير حق، بل تأثم أشد الإثم حتى وإن كان دافعك الغيرة، أو البحث عن الحق، إن كنت لا تملك آلية البحث عن الحق فيجب أن تمسك عن كل ما لا تعلمه من أمور الدين، وما أجرأ الناس اليوم على خرق هذه القاعدة، كنا نعهد في سنين ليست بالبعيدة أن عامة الناس والشباب وغيرهم إذا تكلم أحد في الدين وجدنا عندهم هيبة في القول في الدين يتطلعون إلى رأي العالم يتطلعون إلى طالب العلم، إذا ما منهم عالم قالوا: ياجماعة هذه نسأل عنها العلماء الآن انعكس الأمر في كثير من المجالس لا بأس أن نذكر أمراضنا التي نعالجها في كثير من المجالس الخاصة والعامة تجد الناس جرءاء على الدين، وقد تثار قضايا كبار احتار فيها واختلف فيها كبار الأمة في عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وإذا طرحت في بعض المجالس تجد الرويبضة قليل العلم قليل الأدب هم الذين يسبقون الحاضرين فيها وتجد له رأي دون تبصر بل أحيانا يسيطر على الموقف بحيث يعادي ويوالي على رأيه، في قضية كبيرة تجد العلماء لا يزالون يبحثون فيها، فلا عن القضايا المعاصرة والنوازل التي نزلت على الأمة وتحتاج مثل الأحداث الكبرى وقضايا الطب وقضايا العلم الحديث قضايا المشتبهات الوسائل المدنية الحديثة ما الموقف منها الاقتصادية وغيرها، هذه أمور كبار نجد أن الناس جرءاء فيها ولا يرجعون إلى أهل العلم فيها، ولا يحترمون أهل العلم فيها فهذا قول(1/85)
(3/14)
---
على الله بغير علم وهو مما يعني وقوع فيما نهى الله عنه وعدم امتثال أمر الله في الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، ومن ذلك القدر والغيبيات كل أمر غيب يجب ألا تتكلم فيه بغير علم عندك دليل تكلم فيه، ما عندك دليل هو غيب غائب عنك عن جميع مداركك ومعنى الغيب هو غائب عن جميع الحواس والمدارك، ما كان في متناول الحواس والمدارك والعلم التجريبي أو المشاهدة فليس بغيب.
من هنا الغيب هو ماغاب عنك مما أخبر الله عنه أو أخبر عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب الوقوف فيه على قدر النصوص، ولا يتكلم فيه الإنسان بغير علم.
كذلك قضايا المناهج الكبرى قواعد الدين، قضايا العقيدة الأصول الثوابت المسلمات، هذه تأخذ على التسليم ولا تناقش، لا، لأن المسلم محذور أن يفكر بعقله، لكن لأن الله أراحه، ومما أنعم الله به على هذه الأمة أن الله عز وجل أراحها من أن تتكلف البحث عن أمور لا تطيقها منها أمور العقيدة والغيبيات.
نعود إلى القاعدة الحادية عشرة: وهي سهلة تطبيقية، أنه كما يجب الالتزام في منهج الوحي في التأصيل وهو التزام الدليل ومصادر الكتاب والسنة بالتزام المنهج الذي ذكرته قبل قليل في الجدال والمراء والمجادلة بالحسنى، كذلك كما يجب هذا في التأصيل والعلم والفقه في الدين، كذلك يجب في الرد، لماذا قلنا هذا؟ لأن بعض الناس قد تجده عند التقرير والبيان يخرج من سمته ويستعمل ردود الأفعال قد يعالج الغلو بالتفريط، فإذا رأى الناس تشددوا أو غلو راح يتساهل في الدين كما يفعل المسئولين الآن عبر كثير من الوسائل، لما رأو بعض طوائف الأمة نزعوا إلى الغلو والعنف راحوا إلى الطرف الآخر المعاكس؛ فميعوا الدين، وأضاعوا معالمه بدعوى حرب الغلو فهذا خطأ في الرد.
(3/15)
---(1/86)
إذا أردت أن ترد على الغلاة فرد عليهم بمنهج الاعتدال، وكذلك العكس هناك من راح يعالج مظاهر الانفلات، ومظاهر التميع في الدين، مظاهر التساهل بالغلو الذي نتج عنه التكفير والتفجير زعما منهم أن هذا هو الرد الحقيقي الذي نرد به الباطل، وهذا كله خروج عن منهج الإسلام منهج الاعتدال؛ ولذلك نجد كلا الفريقين الذين شطحوا في الرد بالمنهج هذا أو ذالك كل منهم أساء إلى الإسلام؛ فتشوشت مفاهيم الأمم تجاه الإسلام اليوم، تشوشت مفاهيم حتى كثير من المسلمين عامة المسلمين وناشئتهم تشوشت مفاهيمهم تجاه اعتدال الدين ووسطيته؛ لأنهم يرون المنهج الخاطيء في الرد.
فلا يرد البدعة ببدعة، ولا يرد الغلو بالغلو، ولا يرد الإفراط بالجفاء أو التفريط بالجفاء، يعني مثلا الذين يردون البدع التي أحدثها الناس في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد يكون عند بعضهم شيء من الجفاء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء وقعوا في خطأ خطأ شنيع، والأنموذج في هذا أن يكون المسلم معتدل في محبته لله ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - محبته للخير وألايرد بدع الناس التي ابتدعوها في الدين ببدع مقابلة أو بنحوه، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس، ثم ننتقل إلى القاعدة الثانية عشرة.
القاعدة الثانية عشرة: يقول شيخنا - حفظه الله - (كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
(3/16)
---(1/87)
نعم هذه أيضا من القواعد الكبرى العظيمة التي يحتاجها المسلمون دائما في كل زمان وفي هذا الوقت بشكل أكبر لماذا؟ لأن الجهل بهذه القاعدة وعدم تحكيمها وهي قاعدة متقنة محكمة أدى بكثير من المسلمين إلى الوقوع بأنواع البدع: البدع الاعتقادية، البدع في العبادات، البدع في المناهج، البدع في التعامل، البدع في السلوكيات إلى آخره، مع أن أغلب البدع، أو الأصل في البدع أنها تكون في العقائد والعبادات، أغلب أمور السلوكيات والأخلاق والتعامل تحكمها المصالح العامة، وتعتبر من الأمور التي الأصل فيها الحل والإباحة، وسائل الحياة وأمور التعامل والأخلاق، وكذلك تناول ما يسره الله عز وجل للعباد من خيرات الأرض وما فيها من كنوز كل ذلك الأصل فيه الإباحة، وقل أن يدخل فيه الابتداع إنما الابتداع يكون في العقائد وفي العبادات وفي الأعياد وتدخل فيه الاحتفالات، هذا أغلب الابتداع الذي وقعت فيه الأمة ولا تزال تقع، مع أن المتأمل لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي جاءت لحماية الأمة من البدع يجدها من أقوى الأحكام، ومن أقوى القواعد في وضوحها وإحكامها وفي سد منافذ الفهم الخاطيء فيها، يعني جاء التحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن البدعة على وجوه متعددة من الألفاظ المحكمة الموجزة المتقنة التي لا يمكن أن تتأول ولا تخترق، وهذا فيه إشارة إلى أن الأمة سيكون فيها من يقع في البدع مجمل ومفصل، جاء محكم، جاء بين لا لبس فيه يعني يتصف عند المتخصصين بالحدية، حدي لا يمكن تجاوزه، وسأضرب لكم الأمثلة.
أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على( أن كل بدعة ضلالة)، ثم أضاف عبارة في لفظ آخر ودائما عبارات النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تعددت فهي تشمل معانٍ تعدد الألفاظ يدل على تعدد المعاني وإحكام الأمور، فالنبي - صلى الله عليه وسلم -
(3/17)
---(1/88)
ورد عنه في هذه القاعدة عدة ألفاظ منها قوله - صلى الله عليه وسلم -( كل محدثة في الدين بدعة) أنظر إلى الإحكام عبارات محدودة بينة لا لبس فيها ولا غموض جامعة مانعة.
النبي - صلى الله عليه وسلم - من خصائصة أنه أوتي جوامع الكلم، الكلمات تشمل ملايين المعاني والمفردات في ثلاث عبارات، (كل محدثة في الدين بدعة).
أولاً: كلمة كل ماذا تعني؟ ثم قال (كل محدثة) بعض الناس قد يقول: إن هذا يعني المحدثات عموما، لا (كل محدثة في الدين) قال: بدعة.
ومن هنا أحب أن أنبه طلاب العلم خاصة من الغفلة أحيانا البحث عن تعريفات البدعة، تعريف الناس للبدعة مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفها تعريفا جامعا شاملا كاملا لا مزيد عليه، ولذلك أرى أن نقتصر على هذا التعريف.
إذًا قيل ما البدعة؟ نقول: (كل محدثة في الدين بدعة) هذا نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ونستريح من الخلافات في البدعة، هذا أمر الأمر الآخر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا زيادة في بيان أن البدعة كلها مذمومة، قال: (وكل بدعة ضلالة) حتى لا يأتينا من يتحزلق ويقول لنا:
إن هناك بدعة حسنة، أو بدعة هي فيها هداية، أو فيها خير، كيف تكون بدعة حسنة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (وكل بدعة ضلالة)، مطلقا تشمل ملايين المفردات أيضا نجد هذه المسألة أحكمت في نصوص أخرى، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه النصوص متواترة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لاحظوا كيف (من أحدث في أمرن) ما أمرنا؟ هو أمر الدين ما ليس منه -من أمر الدين- ما لم يأتِ منه مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو رد: يعني مردود على صاحبه.
(3/18)
---(1/89)
والرد: كلمة حازمة انظر كيفية اختيار العبارة فهو رد: مردود لا يمكن قبوله اعتقادا ولا قولا ولا عملا، وأيضا لما ورد احتمال أو قد يرد، لما كان قد يرد على أذهان بعض الناس احتمال تأويل الكلمة جاءت بلفظ آخر، قال (من عمل عمل) الأولى: من أحدث في أمرنا، والثانية: قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، فهذا يعني جميع العمل: عمل القلب، وعمل الجوارح، وتعرفون أن من أصول السنة القطعية أن الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل، وعلى هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(من عمل عمل ليس عليه أمرن) يشمل الأعمال القلبية الاعتقادية، وأحوال القلب، ويشمل القول، ويشمل الأفعال التي هي العبادات ونحوها مما هو من البدع.
(3/19)
---(1/90)
نخلص من هذا أنا إذا رددنا هذه القاعدة إلى قواعد أخرى صارت أكثر إحكاما من القواعد الأخرى التي قلنا فيها أن مصدر الدين ما هو؟ الكتاب والسنة، ثم قلنا: إن الله أكمل الدين لا يحتاج إلى زيادة ولا إلى نقص، وكمال الدين يتنافى مع إحداث بدع كمال الدين يتنافى تنافيا قطعيا عقلا وشرعا وعرفا وعلى مقتضى الفطرة، والواقع يتنافى إذا قلنا أن الدين كامل هل يعقل أنا نقبل بدعة في الدين أو حدث في الدين أو نقص أو زيادة، إذن مادام الله عز وجل أكمل الدين فتأتي مسألة أخرى وهي أيضا أن الله قد تكفل بحفظ الدين وجعله ظاهرا؛ لأنه قد يقول إنسان جاهل أو متحزلق أو منافق نعم، أكمل الله الدين لكن الناس أضاعوا الدين، نقول: إذا كان بعض المسلمين أضاعوا بعض العمل بالدين فلا يعني أن الدين بذاته ضاعت معالمه؛ لأن مصادره محفوظة، وأن الله عز وجل كما أكمل الدين تكفل بحفظه وجعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - خاتما للأنبياء، لألا يحتاجوا الناس إلى نبوة، وإذا احتاجوا إلى شيء جديد للدين يبتدعونه لاحتاجوا إلى نبوة؛ لأنه لو فتحنا باب الإحداث في الدين كل إنسان سيذكر من الدين ما يحلوا له، ما يميل إليه قلبه وعاطفته ورغباته حتى وإن سماه دين يدخل الشيطان على الناس، وكل يدعي أن ما يعتقده ويقوله مما لم يرد في الكتاب والسنة ويفعله ويهواه أنه دين لا سيما أن الشيطان دخل على أهل البدع مدخل خطير، وهو أنه دخل عليهم بدعوى أن ما يحدثونه يدخل في نصر الدين أو في تأييد الدين، فمثلا بدع الاحتفالات بزعم منهم أنها محبة لمن يحتفلون في حقه من الأنبياء والصالحين، وهذا مدخل للشيطان خطير التبرك الاحتفاء بالأشخاص والأشياء على أكثر مما ورد به الشرع يأتي باسم محبة أولياء الله، فيأتي باسم التدين.
(3/20)
---(1/91)
ومن هنا أكبر خطر في الابتداع أنه يأتي باسم التدين باسم التعبد الإلهي بأشياء، أو محبة الله عز وجل، أو محبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو محبة أولياء الله، وهذه مداخل خطيرة، مع أن الله عز وجل وفى من الأحكام والأفعال والاعتقادات في هذه الأمور ما لا يمكن أن يحتاج الناس بعده إلى شيء من الدين.
إذن فلا يمكن لأحد أن يحدث شيئا ويزعم أنه من الدين بحال من الأحوال وعلى هذا سيأتي -إن شاء الله- من خلال الدروس القادمة نماذج لمثل هذه الأمور من البدع وغيرها ترد على مقتضى الكتاب والسنة ومقتضى هذه القاعدة، نسأل الله الجميع التوفيق والسداد وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.
نبدأ في استقبال الأسئلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ذكرتم فضيلتكم في قاعدة الإلهام والفراسة والرؤى، أن الإلهام قد يقع لبعض الناس مثلما وقع لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه -، ذكرتم فيما بعد أن عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -( كل بدعة ضلالة) وقول عمر في صلاة التراويح: "نعمت البدعة هذه"، ما رأي فضيلتكم في هذا .
هذه مسألة مهمة وكثيرا ما تسأل، نأخذها بالقاعدة أولاً:
صلاة التراويح ألم يصلها النبي - صلى الله عليه وسلم -
ثانياً: حينما تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - ألم يتركها لعلة ظاهرة، ما العلة؟ خوفًا أن تفرض، لكن بعدما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يعقل أن تفرض؟
كلام عمر "نعمت البدعة" إن صح فهو من باب المشاكلة في الألفاظ وهذا يوجد في ألفاظنا كثير، من باب التنزل موجود في الخطاب عند العلماء والأئمة وغيرهم لا يعني أنه يمدحها على أنها بدعة، لكن كأنه يقول للسائل مادمت تدعي أنها بدعة فنعمت البدعة، فنعمت البدعة؛ لأن أصلها موجود في الشرع.
(3/21)
---(1/92)
فالبدع قد يسمى ابتداع لغة، لكن ليس هو البدعة المصطلح عليها التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها لا يجد أهل البدع إلا مثل هذا الدليل الدليل مشتبه فهل نستدل بمشتبهات؟
وردت كثير من الإجابات لعلي أعرضها كما هي لتعلق عليه.
بالنسبة للسؤال الأول: ما مصادر الدين عموما والعقيدة خصوصا؟ وردت إجابات كثيرة بأنها الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وأخر قال: الكتاب، والسنة، وإلإجماع فقط، وأخر أخرج القياس أن يكون مصدرا للعقيدة، وآخرقال: الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين رفعهم الله بعلمه.
الإجابات في مجملها متقنة وجيدة، ويبدو أن التي أجابت وذكرت القياس اختلط عليها الاجتهاد في الفقه والأحكام الاجتهادية والعقيدة، سبق أن قررنا في الدروس السابقة أن العقيدة توقيفية قطعية لا مجال للاجتهاد فيها، فمن هنا لا يرد القياس، نعم القياس يعتبر من وسائل الاجتهاد وليس من المصادر أيضا تسميته مصادر، مصدر تسميته فيها تجوز حتى في الأحكام نوع من التوسع في الاصطلاح وإلا فالقياس لا يرد في العقيدة؛ لأنها ليس اجتهادية.
وعلى هذا فإجابات الإخوة متكاملة، والذين قالوا الكتاب والسنة أجابوا إجابة جيدة، والذين أضافوا الإجماع كذلك إجابتهم جيدة، ولا تنافي بين الجوابين؛ لأن الإجماع مبني على الكتاب والسنة كما قررنا سابقا.
أحسن الله إليك ياشيخ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، البدعة ذكرت أنواع ومن تعريفها أنه الشيء الذي لم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هل الأشياء المخترعات تعتبر بدعة ومن أي نوع من البدع؟
ما يتعلق بالمخترعات وغيرها وسائل الحياة ليس فيها بدع بل ينبغي للمسلم دائما أن يأخذ بأحدث وسيلة تخدم حياته ودينه، إذا لم تتعارض هذه الوسيلة مع غايات الشرف إذا انطبقت عليها الشروط.
(3/22)
---(1/93)
البدع إذن لا تكون إلا في العقائد، العبادات، والاحتفالات البدعية ونحوها ما يتدين به الناس، المخترعات والمصنوعات ووسائل الحياة ومناهج التعامل مع الآخرين إذا التزمت أصول الشرع هذه الأصل فيها الإباحة مطلقا، وكل مستجد فيها يفيد يجب الأخذ به بضوابطه الشرعية، لا تسمى بدع؛ لأن البدع لا تكون إلا في الدين، في العقيدة في العبادة فيما يلحق بذلك من الأعياد والاحتفالات ونحوها، والمناهج القطعية في الدين هذه هي التي يكون فيها الابتداع، أما الحياة وسائلها مناهج الحياة البحتة الاقتصادية وغيرها فالأصل فيه الإباحة بشروط الشرعِ، وما يستجد منها لا يعتبر بدع في المصطلح الشرعي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال الشيخ: إن الكرامة تقع من أهل البدع هل عند الشيخ أمثلة من التاريخ على هذا الشيء، لأن هذه فتنة؟ الأمر الثاني: ما الأمر على أن الكرامة لا ينشرها بين أحبابه وزملائه لا يدخل فيها الرياء ولكن فتح الله عليه هذا الشيء؟.
(3/23)
---(1/94)
أما الكرامة التي أشار إليها الأخ الكرامات تختلط أحيانا بالخوارق التي فيها فتنة فمثلا إنسان دعى عند قبر اعتقادا منه أن الدعاء عند القبر يكون مجاب بناء على تعلق قلبه بصاحب القبر هذا قد يجاب فتكون هذه ظاهرها الكرامة وهي استدراج قد ينتفع بمثل هذا العمل انتفاعا يكون أحيانا خارق للعادة كأن يشفى من مرض معضل، أو مثلا يحدث له شيء لم يكن يحدث للعادة من جلب نفع أو دفع ضر ويكون هذا من باب الابتلاء؛ لأن الله تعالى وكله إلى ما فعل وخسر دينه ويكسب ما يريد من متاع الدنيا، أما كون الكرامة لا تنشر فلأن هذا نهج السلف الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يكرهون وهو سبيل المؤمنين كراهية أن تنشر الكرامة من سبيل المؤمنين كانوا يكرهون ذلك، ولأن هذا يجده أي إنسان نوع من التورع وأحواله القلبية على مقتضى الشرع يجد أنه إذا تحدث عن كرامته تميل نفسه إلى الغرور تميل إلى الرياء، وما دام أكرمه الله بكرامة فينبغي أن يحفظ ما بينه وبين ربه، أما الحديث عن الكرامة يكون أحيانا من باب الاتعاظ أو من باب تبشير الناس بالخير أو من باب الفائدة للآخرين المتحققة فهذا يكون بقدر بضوابطه الشرعية.
السلام عليكم يا شيخ عندي سؤالين: السؤال الأول: البدعة عموما معناها؟
السؤال الأول: كان عن مفهوم البدعة وقد تحدثت عنه، البدعة: هي كل محدثة في الدين في العقيدة والعبادات والأمور التي تعبد به الخلق مثل الاحتفالات البدعية وغيرها كل هذا ما تدين به الناس مما لم يرد به الشرع فهو بدعة وعلى هذا فإن وسائل الحياة لا تدخل في التدين، وسائل الحياة من المباحات الأصل فيه الإباحة ولا تدخل في البدعة.
السؤال الثاني: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، ما معنى أغتال من تحتي؟
(3/24)
---(1/95)
أما عبارة يغتال من تحتي، فمعناها ألا يأتيني أذى من تحتي، من أذى الجن والشياطين، وغالبا يكون أذى الجن والشياطين يكون من تحت الإنسان هذا هو الغالب، كأنه يستعيذ بالله عز وجل أن يأتيه هذا الأذى الأغلب على هذا النحو.
ما موقف العامي من البدعة وأهلها؟
أما موقف العامي من البدعة كما سأل السائل عليه أن يبتعد عن البدعة، وأن يبتعد عن أجواء البدعة وعن مخالطة أهل البدعة في بدعهم، وأن يناصح بإجمال ولا يدخل في التفاصيل، وأن يرجع إلى العلماء في هذه الأمور، أهم مسألة في موقف العامي مما يخالفه الناس اليوم وكثير من المسلمين أن بعض العوام والعامي لا يعني مجرد الذي لا يقرأ ولا يكتب، العامي هو من لا فقه له في الدين، وإن سمى نفسه متعلم، لأن العامية أحيانا تطلق على من هو متعلم لكنه عامي في أمور الدين، فهذا عليه ألا يوقع نفسه فيما يحرجه شرعا، يعني إذا رأى بدعة إن كان ينكرها إنكارا مجملا ولا يتشابس مع أصحاب البدع بالحوار وهو لا يفقه أو لا يعلم ولا يتشابه أيضا باستعمال الأساليب التي فيها قسوة وعنف، فإنه لا ينبغي بل لا ترد البدعة بالعنف، فالعامي عليه ألا يقع في اشتباك يوقعه في حرج ويخرجه من الأدب، لكن أيضا عليه أن يبتعد عن مواطن البدع، حتى لا تصله العدوى.
قلت قبل قليل أنه ليس هناك بدعة حسنة.
نعم هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس قولي.
ما كان من الخط البني المحاذي للحجر الأسود بعض العلماء يقول أنه بدعة حسنة، أو ما كان مثل مشاريع إفطار صائم أو ما لم يكن موجود على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أمر ناصح للأمة هل هذا يقال له بدعة أو لا؟ والواضح أنه أمر نصح للأمة؟
(3/25)
---(1/96)
أما البدعة الحسنة فالوسائل التي ذكرها السائل ليست من باب البدع شرعا ولا اصطلاحا، مثلا وسائل المضرات الأعمال الخيرية ووسائل الدعوة إلى الله عز وجل العمل الخيري المرتب الذي يحمل وسائل متعددة يستخدم التقنيات الحديثة ونحو ذلك هذا كله يدخل في باب الوسائل العامة في باب المباحات العامة، ليست هذه من باب التدين بل هي من باب الوسائل، باب الوسائل إذا توافرت فيه الضوابط الشرعية كله مفتوح، فأنا أقول ما ذكره السائل لا ينطبق على مفهوم البدعة؛ لأنه داخل في الأمور الدنيوية البحتة.
أخونا من المغرب يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي: ما مدى صحة قول "إذا تتبعت ذلة العلماء اجتمع فيك الشر كله".
نعم هذه مقولة لا بأس بها نعم؛ لأن الإنسان الذي يتتبع الذلات سواء من باب الفتنة بها، أو من باب النقد، أو من باب التعلق بها، وأخذها هذا لا شك أنه يهلك؛ لأن الذلات هي أخطاء، فالإنسان الذي سيأخذ بالأخطاء منهجا له أو للشماتة بالعلماء لا شك أنه يهلك نسأل الله العافية.
الأخ يسأل هل الإلهام يعتبر من التشريع؟
إلهام النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشريع أما ما بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإلهام لا يدخل في التشريع إنما الإلهام إذا توافرت فيه الشروط الملهم يوافق ما يرد إليه يوافق الكتاب والسنة.
فعلى هذا نظرا لأن الإلهام حده غامض، إذا كان ما يحدث للإنسان من إلهامات يوافق الكتاب والسنة فهو من توفيق الله ويدخل في باب الإلهام، أما إذا خالف الكتاب والسنة فليس إلهاما إنما هو من عبث الشيطان.
هل كل من وقع في بدعة يحكم عليه أنه مبتدع أم أن هناك ضوابط شرعية تطبق على من وقع في البدعة؟
(3/26)
---(1/97)
أحسنت وهذا أيضا مما يحتاجه طلاب العلم بخاصة وعموم المسلمين بعامة، وهو أنه إذا رأينا إنسانا مسلما وقع في بدعة قولية، أو اعتقادية، أو فعلية، أو مارس بدعة من البدع في منهجه في الحياة، هل يحكم عليه أنه مبتدع لأول وهلة؟ نقول: الأصل هذا يرجع إلى أن البدعة أو البدع إذا كانت منهجا للشخص بمعنى أنه ينهج نهج المبتدع في الاستدلال وفي الممارسات وفي العبادات أو يعتقد صحة مناهجهم فهو مبتدع، وإن قلت عنده البدع العملية الظاهرة؛ لأن كثيرا من الناس تطبيقاته لأمور الدين قليلة، لكنه يعتقد ينحى منحى أهل البدع ينتسب إلى فرقة، ويأخذ بمنهجها فهذا يعتبر مبتدع بناء على المنهج الذي يسلكه ويلتزمه.
الصورة الثانية: فيما إذا رأينا إنسانا يعمل ببدعة أو بدعا قليلة وهذه البدع ليست من البدع المكفرة المخرجة من الملة، وهي أكثر ما عليه المسلمين، المبتدعة من المسلمين بدع غالبا غير مكفرة، إذا رأينا إنسانا يعتقد أو يقول أو يفعل بدعة ولا نعرف حاله لا نصفه بالابتداع ابتداء، لأنها قد تكون ذلة كما ذكرت في الحديث السابق قد تكون ذلة أو جاءت عن تأول أو جهل أو تقليد من غير تبصر، أو عن اشتباه، فلا نحكم على من يقع في بدعة أو بدع قليلة لا نحكم عليه حتى نرى منهجه، فإذا كان ينهج نهج البدع في الاعتقاد والمنهج العام يخالف السنة في المنهج فهذا مبتدع وإذا لم يخالف السنة فهو ليس مبتدع، وإذا لم يخالف السنة فليس مبتدع.
(3/27)
---(1/98)
هناك صورة ثالثة: وهو إذا كان الإنسان يدعي أنه ليس على منهج البدعة ولا نعرف عنه عقيدة أو قولا يدل على أنه ينهج نهج المبتدعة، لكنه يمارس بدع كثيرة هي الظاهرة على سلوكياته في تعبده في معاملاته في سمته في شكله الظاهر في تشبهه، فهذا الإنسان الذي يظهر على مسلكه العام البدع المتكاثرة فهو مبتدع، حتى لو ادعى أنه لا ينهج نهج المبتدعة، إذًا إذا تكاثرت البدعة أو صار الإنسان على منهج أهل البدع فهو بدعي أما إذا كانت البدعة قليلة عنده لا يوصف بالابتداع بل يقال هذا وافق المبتدعة، يقال هذه ذلة يقال خطأ وينصح ويبين له وجه الخطأ.
لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة مع عظم شأنها وخطورتها ووضوح الأدلة فيها بخاصة كون العلماء قد يسمع لهم وقد وفق الله جل وعلا بلاد الحرمين بتهيئة مجمع الفقه وبناء صرحه فلماذا لا يجمعون ويريحون الأمة ويسكتون من لهم انحرافات عقدية كالخوارج وغيرهم، وبخاصة أن القرآن نص على طاعة أولى الأمر وهم العلماء والأمراء بقوله تعالى: ? وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ?[النساء: 83]، وكذلك آية التنازع وفيها الرد إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم ؟
أحسنت هذا السؤال يتضمن عدة نقاط، لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة؟
(3/28)
---(1/99)
هذه الحقيقة تحتاج إلى تعديل، المعروف سلفا ومن ثوابت الأمور ومسلماتها أن علماء السنة كلهم منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا متفقون على أصول الدين وثوابته ومسلماته، وهي ليست مجرد دعوة بل هي حقيقة وهي الواقع وهي مقتضى حفظ الدين، وبقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من آذاهم وهي مقتضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجمع أمتي على ضلالة) من مقتضيات تطبيق هذه النصوص والقطعيات أنه فعلا أصول السنة العقيدة ثوابتها مسلماتها أصول الاعتقاد مناهج الدين العامة متفق عليها عند أئمة السنة، ومن خالف من أفراد العلماء في أصل من هذه الأصول، فمخالفته ليست محسوبة على الجميع بل هي ذلة عالم مع أنه يندر هذا من باب الاحتياط، وإلا حسب استقرائي لا أجد أن عالما من علماء السنة المعتبرين الراسخين في العلم خالف في أصل من أصول الاعتقاد، ولا في مسلمة من مسلمات الدين، ولا في ثابتة من ثوابته ولا في منهج من مناهجه بحمد الله وهذا أمر ضروري ومجرد استقراء فلان أو فلان أمر ضروري في الدين.
(3/29)
---(1/100)
إذًا الثوابت محفوظة ولا خلاف عليها يبقى ما يندرج أحيانا تحت الثوابت تحت العقيدة، وليس من العقيدة يكون عليه خلاف، ويظن الناس أنه عقيدة وليس بعقيدة، هذا الخلاف فيه يرد بأنه ليس من قطعيات الدين لكنه يلحق بالناحية والموضوعية العلمية فقط، يعني مثلا علماء السلف اتفقوا على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة - نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم - هذا إجماع، لكن اختلفوا في مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه في المعراج هل هي عينية أو بصرية، الاختلاف في هذه الجزئية من الرؤية لا يعني الاختلاف في الأصل القطعي، وهذا تجده في الشفاعة، تجده في أركان الإيمان، في أركان الإسلام، في أمور كثيرة الأصول القطعية متفق عليها، ما يتفرع عنها أحيانا يلحق بها من الناحية العلمية لكن لا يلحق بالناحية التطبيقية، يكون عليه خلاف؛ لأنه من الاجتهادات والتي اختلفت فيها النصوص، لكن لماذا العلماء لا يتفقون على بعض النوازل؟ فلعل هذا من رحمة الله بالأمة، كيف نتصور لو أن المجامع الفقهية أو مجالس العلماء أو هيئة كبار العلماء عندنا في هذا البلد وفي غيره من المجامع التي تجمع مجموعات من علماء الأمة، لو أنهم اتفقوا كلهم على أمر واحد لوقع الأمة في حرج شديد، أقصد في الاجتهادات، هذا فيه الخير الكثير، وموقف أفراد الأمة ولأنه ينشأ عن هذا سؤال ضروري كأنه في ذهن أكثر المشاهدين، وهو أنه إذا قلنا من الخير أن يختلف العلماء في الاجتهادات؛ لأن هذا فيه سعة على الأمة، لكن كيف نتعامل؟ نحن العامة نتعامل مع اختلافات العلماء بأن نعمل بالضوابط الشرعية نتبع من نرى في تقديرنا أنه الأعلم والأحوط في علمه والأقرب إلى الدليل، بدون تشهي ولا أهواء وقد نختلف، فقد يرى منا أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان وآخر يرى أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان، وهذا حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه مما يدل على أنه تشريع عندما(1/101)
(3/30)
---
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وهم قبل العصر منهم من أسرع يعني باذلا جهده من أجل في أن يصل قبل غروب الشمس من أجل أن يصلى، ومنهم من فقه فقها آخر قال: قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - الحث ? لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا? [البقرة:286]، فلما حضر وقت الصلاة - صلوا وهم في الطريق؛ لأنهم تأولوا تأولاً صحيحا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم جميعا، وكان هذا فيه توسعة؛ لأنهم لو أخذوا برأي واحد وقعوا في حرج شديد.
فهكذا بقية ما يقع من العلماء من اختلافات فهذا فيه خير كثير ولو أحيانا قضايا نرى أنها حساسة وخطيرة مادامت اجتهادية، فهذا فيه خير كثير وتوسعة على الأمة، المصالح العظمى والقضايا الكبرى للأمة سيسدد الله فيها العلماء -إن شاء الله- أن يقفوا موقفا يرشد الأمة.
أخونا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحيانا في منتديات الإنترنت وعبر الرسائل الإليكترونية يتداول الناس بعض الكلام الذي يكون فيه إما أحاديث ضعيفة أو بدع يسأل هل يلزم أو يجوز له أن ينقل فتاوي العلماء الثقات مثل ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم رحم الله الجميع.
نعم هذا هو الأصل، إذا رآى مخالفات من الناس عبر هذه الوسائل الأولى، وهذا يذكرنا بما ذكرته من القواعد قبل قليل قواعد المجادلة بالحسنى وتذكير الناس ونصحهم والرد على المخالف أنه ينبغي أن يكون بالاستناد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة بعض الناس يقول: لماذا لا نستند إلى الدليل؟ نعم الدليل له وجاهته لكن يجب أن نفهم أن الدليل يحتاج إلى استنباط.
(3/31)
---(1/102)
وعلى هذا فإن كلام العلماء الكبار المعاصرين في القضايا المعاصرة في مسائل الدين النوازل وغيرها في الرد على المخالفين منهجهم قائم على الدليل أصلا، ولا بد أن يتضمن الدليل حتى ولو لم يصرح العالم بالدليل، لذلك فعلا هذا منهج رشيد إذا أردت أن ترد على الآخرين أو تنصحهم أو تبين لهم وجه الحق أن تستند على فتاوى العلماء، على مواقفهم؛ لأن هذا أولا أدعى لقبول الناس للحق؛ لأنه فرق بين أن يأخذوا مني ومنك ومن الثالث ممن ليس عندهم عالم راسخ وبين أن تأتي برأي وموقف عالم راسخ مقبول عند الأمة، وفرق بين أيضا أن تأتي بخلاصة فكر عالم بذل جهده ونصحه للأمة، وبين أن تذهب تخبط وتبحث عن الاستدلال وربما تخطأ كثيرا فتقع في مجازفات وأخطاء، فإذن أقول هذا هو المنهج السليم والذي ينبغي أن يسلكه الشباب والدعاة الذين يتصدون للردود أو يبينون أن يناصحون أن يستندوا على أقوال علمائهم فإنها خلاصة.
أخونا يقول: هل هناك بدعة مكفرة وبدعة غير مكفرة؟
(3/32)
---(1/103)
بلا شك البدع فيها مكفرة وفيها وغير مكفر، البدعة: هي كل شيء محدث في الدين كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هناك من أحدث في الدين شركيات تنافي الاعتقاد، هناك من أحدث في الدين أمور ردة هناك مثلا من أحدث في الدين أن قصر الصلاة على ثلاثة وهذا وجد من المفتونين حتى في التاريخ المعاصر، وأنا أذكر أحد مدعى النبوة قبل سنين ليست بالبعيدة، ابتدع أمورا يعني دعوى النبوة نفسها بدعة مكفرة في الدين ودعوى اختصار الصلوات الاستغناء عن أركان الإسلام دعوى استباحة بعض الشركيات الصريحة، هذا كله من البدع المخرجة من الملة المكفرة، لكن ينبغي أن ننبه إلى ما ذكرته وسأذكره في كل مناسبة لخطورته، لا يعني أن كل من فعل ذلك نكفره لأول وهلة، ليس كل من فعل بدعة مكفرة مخرجة من الملة نحكم على عينه حتى نتثبت، ربما يكون متأول، ربما يكون جاهل، ربما يكون اشتبه عليه، الأمر ربما يكون مكره، ربما يكون أحيانا فعل شيء نظنه شركي وهو على وجه آخر ليس بشركي، على سبيل المثال وهذا أكرره دائما لأنه بين، لو رأينا إنسانا عند القبر وفجأة هذا الشخص سجد، هذا فيه احتمال أن يكون سجد لغير الله فيكون شرك، فيه احتمال أنه يكون تذكر نعمة من نعم الله فنسي أنه عند القبر فسجد شكرا لله، هذه أخطأ، لكن هل وقع في الشرك على هذه الصورة؟
لذلك يجب أن نحتاط لذممنا أولا نحتاط.
إذن أقول البدع تنقسم إلى: مكفرة، وغير مكفرة، ليس كل من فعل البدع المكفرة وليس من عادته أن يفعل أن نكفره من أول وهلة حتى نطبق الشروط وتنتفي الموانع.
الأخت تقول: هل وضع اليد على المصحف عند الحلف هل يعتبر بدعة؟
يعني وضع اليد من باب تكريم المصحف ما يظهر لي لا حرج فيه، هذا من باب التوثيق، كما توضع اليد مع اليد الأخرى عند البيعة، فهذا أظنه - -إن شاء الله- - من الصور الصحيحة لتوثيق الأمر.
(3/33)
---(1/104)
الأخ يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنتم أعلم بأمور دينكم أو كما قال، هل هذا الحديث يأخذ به في هذا الموقف؟
أولا الحديث فيه مقال ولفظه: أنتم أعلم بأمور دنياكم وليس بأمور دينكم، بل العكس أنتم لستم أعلم بأمور دينكم، الله عز وجل هو الأعلم والأحكم في أمور الدين، لكن جاء في قصة تأبير النخل عندما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وجدهم يلقحون النخل يأبرون النخل، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا لاعتقاد منه لا عن تجربة، فكان من باب الرأي قال: لا تفعلوا ذلك، فلما لم يفعلوا لم يتلقح النخل وصار شيصا يعنى بمعنى لم ينضج النضج الوافي،فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف أن هذا مبني على تجارب فكان بمثابة التشريع، قال أنتم أعلم بأمور دنياكم ومن هنا أمور الدنيا تنبني على التجارب أيا كان نوعها وتنبني على الإباحة والله أعلم.
الأخ يقول: ما الوسائل لمعالجة المراء عند المؤمن؟
في الحقيقة أهم شيء ترويض النفس، الإنسان يجب أن يستحضر رقابة الله عز وجل أن يعمل بمبدأ الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، إذا أردت أن تجادل استحضر رقابة الله عز وجل عليك فيما تقول وما تفعل، ثم استحضر أنك تقول في الدين، وأنك تجادل في أمر تقول فيه على الله، ولتستحضر أيضا المعاني الأخرى من الورع والحذر من القول على الله بغير علم، وأن تتحرى الحق وتتجرد له، وأن تبتعد عن الهوى والتشهير، وأن تكون في جدالك مستعد جميع أنواع الاستعداد، إذا لم تكن مستعدا علما واستعدادا وخلقا أو ترى من نفسك أحيانا الإخلال بهذه الأمور فلتبتعد.
على أي حال في نهاية هذا الدرس نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(3/34)
---
مكتبة الأكاديمية - مكتبة دروس الأكاديمية - الدروس المفرغة - العقيدة - المستوى الأول
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل(1/105)
21/3/2005 - 11 صفر 1426
توحيد الأسماء والصفات
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله ورضي الله عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس، ونبدأ كالمعتاد بعرض نوعين من الأسئلة: النوع الأول: على الطلبة الحاضرين، والنوع الثاني: على الأخوة المشاهدين والمستمعين، ثم نتلقى الإجابة فيما بعد:
فأولا: أسأل الطلبة الحاضرين:
أولا: هل في الدين بدعة حسنة، ولماذا؟ كيف تعلل جوابك؟
العقائد ثابتة، وليس هناك بدعة تسمى بدعة حسنة أو غير حسنة؛ لأنه ثابت بالنقل، ولا يسع لأحد أن يأتي بما جد، لكن من ناحية المعنى اللغوي يطلق أحيانا على بعض الأشياء أن هذه مستحسنة لغة، لا يقصد بها المعنى الشرعي، وهي للتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالعبادة مما هو مشروع .
طبعا ليس في الدين بدعة من أجل أن تكون حسنة أو غير حسنة، وما يجدده بعض الناس من الأعمال الخيرية، أو من السنن التي نسيها الناس هذا لا يعتبر ابتداع، إنما هو داخل في التجديد المشروع، داخل في إحياء السنة، وعلى هذا فإنا لو تجوزنا كما تفضل زميلكم في إحياء هذه السنة التي أحييت بدعة فهي من باب الدلالة اللغوية، ومع ذلك يجب تجنبها لما صارت تلبس.
السؤال الثاني: كيف نوفق بين خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا تجمع الأمة على ضلالة وبين ما أخبر به من وقع الافتراق؟
الأمة في مجموعها لا تجمع على ضلالة
يعني: الأمة في مجموعها كلها لا تجمع على ضلالة
لا تجمع على ضلالة في آحادها هنا تنتفي العصمة .
(4/1)
---(1/106)
إذن الأمر واضح حين أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه(لا تزال طائفة على الحق منصورة ) يعني هذا:أنه لن يكون الإجماع على ضلالة، أما خبره عن الافتراق فإن كان أخذ صيغة العموم فإنه يعني الأغلب، أو أنه قد يكثر الافتراق في بعض الظروف، وعلى هذا فلا تنافي بين الأمرين.
الآن سأوجه ثلاثة أسئلة للأخوة المشاهدين ثم نتلقى الإجابة ونبين القول فيها:
أولا: ما الفرق بين الرؤيا التي هي حق وبين الأحلام؟
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنواع الرؤى والأحلام، فما هذه الأنواع التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث؟
السؤال الثالث: ما القاعدة في رد البدع؟ وما النص الوارد فيها؟
والآن بحول الله نبدأ درس اليوم:
درس اليوم في موضوعه يعتبر هو تاج العقيدة، هو قمة لباحث العقيدة وموضوعاتهما؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل -بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولا شك أن هذا هو غاية التوحيد معرفة الله عز وجل، ومعرفته، وعبادته، والتوجه إليه، هذه غاية التوحيد، هذا يسمى: التوحيد العلمي الاعتقادي، توحيد الله عز وجل بذاته وأسمائه، وأفعاله، وما يجب له سبحانه هذا يسمى: التوحيد العلمي؛ لأنه علم يتلقى عن الوحي المعصوم، ويسمى الاعتقادي؛ لأنه يجب أن يعتقد لا يجوز لمسلم أن يخل بما يجب لله -عز وجل- على جهة الإجمال، وما يبلغه أيضا على جهة التفصيل.
هل التوحيد العلمي الاعتقادي أوله ما يتعلق بذات الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ثم ما يترتب على ذلك من ثمرات في قلب المؤمن وسلوكه؟
(4/2)
---(1/107)
وقبل أن أذكر الأصل في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، كما جاء في الكتاب والسنة وقرره سلف الأمة، أحب أن أنبه إلى بعض القواعد المهمة المفيدة التي ينبغي أن يستصحبها كل مسلم في قلبه و عقله وفي نظراته تجاه حقوق الله- عز وجل - وما يجب له، وتجاه أيضا أمور الدين، ومسلمات الدين، هذه القواعد في هذا الباب فقط أي في باب أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، من أهمها في نظري: أولا: أن أسماء الله كلها وصفاته وأفعاله حسنى بالغة الحسن، بالغة الكمال والجمال، فالله -عز وجل - موصوف بكمال الكمال، وبكمال الجمال جملة وتفصيلا، فجميع أسمائه، وصفاته، وأفعاله، هي حسنى، كما قال الله -عز وجل-: ? وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ?[الأعراف: 180]. كلها حسنى بإطلاق، وتشتمل على كل معاني الحسن، والكمال، والجمال، ثم ثانيا: هي غاية الكمال في كل شيء في معانيها، وفي ألفاظها، وفي حقائقها، وفي ثمارها، لا يتطرق إليها النقص بحال من الأحوال.
وثالثا: لا يرد فيه النقص بوجه: أي أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، لا يمكن أن يرد فيها، ولا إليها، ولا حولها لا في الذهن، ولا في القلب، الذهن الصافي، والقلب المؤمن لا يمكن أن يرد فيه شيء من تصور النقص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله.
(4/3)
---(1/108)
القاعدة الرابعة: أنها حقائق وأعلام وأوصاف، حقائق بمعنى: أنها يوصف بها على الحقيقة، الأسماء يسمى بها الله -عز وجل- على الحقيقة، والأفعال أيضا منسوبة إلى الله -عز وجل- على الحقيقة، على ما يليق بجلال الله سبحانه؛ لأن مفهوم الحقيقة أحيانا قد يتبادر إلى أذهان الناس أن المقصود بالحقيقة الكيفية، وهذا لا شك أنه منفي؛ لأن الله -عز وجل- ليس كمثله شيء، لكنه موصوف بالحق، فهو الحق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وأفعاله حق، وعلى هذا فإنه أعلام: أي أنها تطلق على الله، وهو- سبحانه- علم معروف بآياته، وبنعمه، وبجميع أنواع المعارف، فإنه -عز وجل- لا يخفى أمره على أحد؛ ولذلك الله -عز وجل- قرر هذه القاعدة لجميع العقلاء يقول: ? أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ?[إبراهيم: 10]، فإذا كان كذلك فإذًا هو موصوف أو مسمى بأسماء هي أعلام على ذاته، وإن كانت هذه الأسماء تدل على صفات، وتدل على أفعال، وتدل على معاني الكمال، فهي كذلك أيضا من حيث مضامينها، ومعانيها، وحقائقها، فهي: أي أسماء الله، وصفاته حقائق لا مجازات، هي حقائق لا رموز.
ثم القاعدة الخامسة: أنها توقيفية: يعني أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على جهة التفصيل موقوفة على ما جاء به النص، نعم، العقول السليمة، والفطر المستقيمة تدرك كثيرا من الكمالات لله على جهة الإجمال، فوجود الله، وعظمته، وكماله -سبحانه- واتصافه بصفات الكمال، وأيضا إدراك علمه، وحكمته، وسائر الصفات الإجمالية، والمعاني الإجمالية تدرك لله -عز وجل- لكن على جهة التفصيل أكثرها وليس كلها لا يمكن إدراكها على ما يليق بجلال الله -عز وجل- إلا بما جاء به النص، وعلى هذا فهي توقيفية.
(4/4)
---(1/109)
ثم القاعدة السادسة: أسماء الله، وصفاته، وأفعاله غير محصورة؛ لأنه الكمال المطلق، لكن جاءنا بخبر القرآن، والسنة عن أسماء الله، وصفاته ما يناسب أحوالنا، ويناسب مداركنا، ولا يعني ذلك أن أسماء الله محصورة بما ورد وحتى ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن(لله تسعا وتسعين اسما ) لا يعني ذلك الحصر إنم يعني ذلك ما يمكن أن يرد إلى مدارك عقول الناس بتعبيرات، وباللسان الذي خاطب الله به البشر، ولذلك فإن أسماء الله لا حصر لها، وكذلك صفاته، وأفعاله، والدليل على ذلك كونه موصوف بالكمال الكمال لا ينتهي، والأمر الثاني ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصوص كثيرة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أنه حين يدعوا ربه يقول: حديث الشفاعة (أدعوه بمحامد يلهمني الله إياه) كذلك الدعاء الآخر الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. )معنى هذا: أن الله تعالى استأثر في علم الغيب عنده أي: حجبه عنا من أسماء، وصفاته، وأفعاله، ومحامده، وكماله مالا يحصى.
بعد هذه القواعد وهي ليست كل القواعد لعلها أهم القواعد التي ينبغي استحضارها في هذا المقام.
نبدأ بالأصول المتعلقة بتوحيد الله -عز وجل- بذاته، وصفاته، وأسماءه، وأفعاله:
(4/5)
---(1/110)
أول ذلك أن الأصل والقاعدة في إثبات الأسماء والصفات لله -عز وجل- إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - و، نفي ما نفاه الله عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كل هذا أي الإثبات من غير تمثيل، والتمثيل يعني: التشبية، والتجسيم، وغير ذلك من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله -عز وجل- تثبت له الأسماء، والصفات، والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، ولا العكس، كذلك من غير أن يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلق لاجزئيا، ولاكليا، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل، والتشبيه ممنوع من الطرفين فلا الله -عز وجل- يشبه شئ من خلقه، ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال، والتفصيل، كل ذلك أيضا الإثبات من غير تحريف، ومن غير تعطيل أي: من غير أن ننفي عن الله -عز وجل- الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على نحو ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله -عز وجل- في ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله, لا يجوز أن يقول هذا مجاز، ولا أن يقال يؤول، ولا يصرف عن معانيه، ولا يقل إنه يقتضي التشبيه، ولا أنه لا بد فيه من قياس.
كل هذا لا يجوز إطلاقا؛ لأنه غيب ولأنه- أي ما ورد من أسماء الله، وصفاته- هو كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم- ?الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ? [فصلت: 42].
(4/6)
---(1/111)
ولذلك؛ جاءت هذه القاعدة في كتاب الله - عز وجل- في كلمات معدودات يجب على كل مسلم أن يستحضرها، ويجعلها ميزان في قلبه وهي قوله تعالى: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?[الشورى: 11]، ليس كمثله شيء بمعنى أنه: لا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئا من مخلوقاته، لا في الجملة، ولا في التفصيل، لا في العموم، ولا في المفردات، لا يمكن أن يرد التمثيل ومع ذلك هو السميع البصير، ولعل من حكمة الله -عز وجل- حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في قلب المسلم وعقله نفي المشابهة أصلا قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله، وصفاته، فإنه ثبت في قلبه وعقله في أن الله لا يماثله شيء مطلقا.
فمن هنا تسلم عقيدته، وتسلم ذمته، ولا يتكلم على الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص و ما دلت عليه،يعنى ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة هي حقائق في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله هي حقائق لها معاني حق فيما يجب لله -عز وجل- ولا يمكن أن تفسر بمعاني تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله -عز وجل-، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة، والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله -عز وجل- ?فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ?[آل عمران: 7]، ولذلك؛ ادعى كثير من المبطلين أن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف يكون متشابه؟ حق بيِّن كالشمس واضح يقال من المتشابه، ولكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ فظنوا أنه من المتشابه.
إذن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله ليست من المتشابه، بل هي من المحكم البين، ولها معاني، وحقائق، ولكنها تثبت على ما يليق بجلال الله، تثبت على ما ينبغي لله من الكمال، مع نفي المشابهة والتمثيل.
(4/7)
---(1/112)
وعلى هذا يأتي الأصل الثاني :وهو أن التمثيل، والتعطيل في أسماء الله، وصفاته زيغ، وضلال، بل هو كفر من اعتقد أن الله مثل خلقه، أو اعتقد أن أحدا من الخلق مثل الله، فهذا كفر، وزيغ، وضلالٍ، كما يكون التأويلات الباطنية، وقد يكون بعض التأويلات إذا كان عن غير قصد إنكار الحقائق، بعض التأويلات التي وقع فيها بعض أهل الكلام الذين أولوا بعض أسماء الله، وصفاته، وأفعاله إذا ما قصدوا بالتأويل إنكار حقائق أسماء الله، وصفاته فهذا يكون من البدع، والضلالات كتأويلات نفاة الصفات من أهل الكلام، ومن ذلك ما يقع خطأ، وقع من بعض أفراد السلف وأئمة السنة ليست منهج، إنما هي زلات فهذه صاحبها لا يكفر، ولا يضلل، لكنه يرد إليه خطأه وهو من باب زلات العلماء التي ذكرتها في درس ماضٍ، وسيأتي إن شاء الله تفصيلها في دروس قادمة.
إذن التمثيل الممنوع في حق الله -عز وجل- ما المقصود به، والتعطيل ما المقصود به؟ إذا قلنا أن التمثيل الخالص، والتعطيل الخالص في أسماء الله، وصفاته، وأفعاله يعتبر كفر، وزيغ، وإلحاد فما التمثيل الممنوع؟
(4/8)
---(1/113)
التمثيل هو تشبيه الله بالخلق، أو تشبيه الخلق بالله تشبيها يؤدي إلى أن يعتقد المشبه أن الله مثل خلقه، أو أن الخلق، أو بعض الخلق مثل الله، لكن ينبغي أن نتنبه إلى أمر وهو وجود التشابه اللفظي، هذه مسألة في الحقيقة أشكلت على كثير من قليلي الفقه في الدين الذين يجهلون عقائد السلف وفقههم، أشكلت عليهم من جانب أنهم ظنوا أن مجرد المشابهة اللفظية الموجودة في أسماء الله، وصفاته و موجودة في بعض صفات الخلق تعني التمثيل، فهرب بعضهم إلى الإنكار، زعما منهم أن الإثبات يقتضي المماثلة وهذا خطأ، التشابه اللفظي لا يعني التشابه في الحقيقة، مثال ذلك أن الله -عز وجل- هو الحي، والمخلوق الذي فيه روح يسمى حي، هذا تشابه لفظي فالله -عز وجل- موصوف بالحياة، والإنسان والحيوان الحي موصوف بالحياة، فهل الحياة مثل الحياة؟ لا ،حياة الله حياة كاملة، لا يعتريه فناء، ولا محدودية، ولا نهاية، وحياة المخلوق لها بداية، ونهاية، إذن فالتشابه اللفظي لا يعني وجود المشابهة: أي التمثيل الممنوع شرعا، وكذا في مسائل أسماء الله، وصفاته التي يوجد ما يوصف بها الخلق، أو بعض الخلق، فإن هذا التشابه اللفظي نسبي هو في حق الله على الكمال، وفي حق المخلوق على وجه النقص لأنه؛ لا يمكن أن يكون مخلوق له صفة كمال، لأن الكمال إنما هو خاص بالله -عز وجل-.
(4/9)
---(1/114)
الأصل الثالث: أما التعطيل فالمقصود به تفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها، هذا التفريغ أحيانا يكون بإنكار حقائقها كما فعل كثير من الفلاسفة والجهمية وغيرهم إنكار حقائق أسماء الله وصفاته، أو يكون أحيانا بإخراجها عن معانيها إلى معاني متأوّلة ومتوهمة، ويسمى التحريف، ويسمى التأويل، هذا كله يعود إلى التعطيل، تعطيل الشيء هو: تفريغه، فتفريغ ألفاظ أسماء الله، وصفاته، وأفعاله من معانيها الحقيقية، أو الخروج بها عن حقائقها يعتبر تعطيل، لكن إن كان تعطيلا كاملا فهو إلحاد، وإن كان تأويلا فهو من كبائر الذنوب، ومن البدع.
ثم هناك أصل ثالث: يتفرع عن هذين الأصلين، وهو أن الله -عز وجل- غير الخلق، يعني: لا يمكن أن يكون بينه وبين الخلق مشابهة، ولا مماثلة، ولا اندماج، ولا اتحاد، ولا حلول، فعلى هذا لا يجوز اعتقاد أن الوجود واحد الخالق والمخلوق ممتزجان متحدان حال أحدهما في الآخر، هذا إنما بل هو إلحاد وإنقاص لله -عز وجل- لأن الله- سبحانه- غني عن الخلق، وهو مستوٍ على عرشه، على المخلوقات جميعا، وهو بذاته- سبحانه- متفرد بالكمال، متفرد بالأسماء، والصفات، والأفعال، لا يخالط أحد من خلقه، ولا يخالطه أحد من خلقه، وليس في خصائص الرب ما هو موجود في أحد من الخلق، لا في مفردات الخلق، ولا في كل الخلق.
وعلى هذا اعتقاد وحدة الوجود، وهو: أن الوجود خالقه، ومخلوقه واحد هذا من أعظم الكفر، ومثله اعتقاد حلول الله في الخلق، أو حلول الخلق في الله، أو اعتقاد أن روحا من الله حلت في أحد من الخلق، كل ذلك يعتبر إساءة أدب مع الله، وهو من الكفر ؛لأن الله منفرد، فهو الفرد الصمد، فهو- سبحانه- لا يمكن أن يختلط بمخلوقاته، وتختلط به مخلوقاته، كذلك الاتحاد، ونحو ذلك من المعاني؛ لأن أصحاب هذا الفكر الضال قد يعبرون عنه بتعبيرات كثيرة اتحاد وحدة الوجود الحلول إلى آخره.
(4/10)
---(1/115)
هذه معاني قد تختلف في بعض تفسيراتها لكنا تجتمع في معنى باطل، وهي اعتقاد أن الله -عز وجل- قد يحل في شيء من الخلق، أو يحل فيه شيء من الخلق.
ثم بعد ذلك تأتي قاعدة متعلقة بالركن الثاني من أركان الإيمان، والإيمان أيضا أمر خبري علمي، أوله الإيمان بالله -عز وجل- وذكرت ما يتعلق بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وثانيه الإيمان بالملائكة( الملائكة الكرام ) الإيمان بهم إجمالا، وتفصيلا بحسب ما يرد لنا من النصوص، فيجب على كل مسلم أن يؤمن إيمانا جازما بأن هناك مخلوقات من مخلوقات الله اسمها الملائكة على جهة الإجمال، ثم ما ورد إليك أخي المسلم من اسم ملك، أو وصفه، أو عملهن أو جنسه، أو نوعه يجب أن تؤمن به، ما ورد في القرآن لا بد من الإيمان به في حق الملائكة جملة، وتفصيلا ما ورد فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار الملائكة وأحوالهم يجب الإيمان به فكل من ورد إليه دليل في الملائكة يجب الإيمان به.
(4/11)
---(1/116)
على هذا الملائكة هم خلق من خلق الله، لهم وجود حقيقي، هم عقلاء عباد لله -عز وجل- مسخرون ?ل لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ?[التحريم: 6]، لكنهم غير مبتلين بالابتلاء الذي ابتلى به الجن والإنس، هم خلقوا للطاعة، ولذلك كانوا كراما، وما صح به الدليل به لا بد من الإيمان به من أسمائهم، فممن وردت أسماؤهم مثلا جبريل وهو: ملك الوحي وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وهاروت، وماروت، وأيضا ورد أن لهم أعمال مجملة،وأعمال خاصة، فمنهم حملة العرش، وهم من أعظم الملائكة خلقا، وعملا، ومنهم ملائكة الرحمة، ملائكة العذاب، ملائكة الوحي، والمطر، منهم الكرام الكاتبين الذين يصاحبون كل إنسان ليل، نهار يتعاقبونه، كل إنسان موكل به أربعة إلى أن يموت،اثنان في المساء، واثنان في الصباح، كذلك لهم أوصاف تعمهم، وأوصاف تخص بعضهم، فهم ذوي أجنحة مثنى، وثلاث، ورباع، وأكثر من ذلك، وأيضا لهم مشاركات للناس فهم يشاركون المؤمنون، يشاركونهم في الجهاد، يشاركونهم بحضور مجالس الذكر، هم يحبون المؤمنين ويسددونهم -بإذن الله-، ويحفظونهم بأمر الله، وهؤلاء الملائكة لهم حقوق أيضا يجب أن يراعيها المسلم، من ذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن أكل ما يؤذي الملائكة ،خاصة في المساجد كالثوم، والبصل، والكرات، (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنوا آدم )،ولذلك لهم حقوق، ولهم رعاية، والإنسان أو المسلم يجب دائما أن يستحضر هذا المعنى، أن يستحضر أولا رقابة الله له، هل يعلم أن الله عليه رقيب، وهذا معنى الإحسان الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل، وهو (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومن حكمة الله -عز وجل- أن جعل أيضا معنا من المخلوقات رقباء من أهل الفضل، والكرم رقباء، لهم حق، هم في منتهى العبادة لله -عز وجل- والخضوع، والذل، والعبودية، فيجب أن يستحي منهم(1/117)
(4/12)
---
الإنسان؛ ولذلك ورود في وصف عثمان - رضي الله عنه - تستحي منه الملائكة؛ لأنه هو حيي، فتبادلت معه الملائكة هذا الشعور، ولذلك يجب على كل مسلم أن يراعي حضور هؤلاء الكرام.
ثم ما يتعلق بالكتب المنزلة، وهذا الأصل الثالث من أصول الإيمان الركن الثالث من أركان الإيمان، والمقصود بالكتب المنزلة: هي تلك الكتب التي أنزلها الله على الأمم بواسطة الرسل، والأنبياء شرع الله فيها الدين، العقيدة ،الشرائع لكل أمة، وجعل هذه الكتب مرجع لتحكيم شرع الله -عز وجل- وتحقيق رضاه، والسعادة للبشرية في الدنيا والآخرة.(1/118)
هذه الكتب المنزلة منها ما سمي وذكر لنا ،ويجب أن نؤمن أنه حق قبل التحريف مثل التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، ونحوها مما وردت به النصوص، هذه الكتب كتب حق، تضمنت حق عقيدة صافيا، وشرائع لكل أمة بحسب ما شرع الله لها من مصالحها، هذه الكتب كانت سليمة ثم دخلها التحريف، والتبديل؛ ولذلك نسخها الله -عز وجل- بالقرآن، نعم، لا تزال هذه الكتب الباقية منها كالتوراة، والإنجيل، لا تزال تشتمل على شيء من الحق، ولذلك لا ترد ردا كليا، وإنما تعرض على ما جاء في كتابنا (القرآن الكريم)، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما وفق الحق فهو حق، وما لم يوافق الحق فهو باطل مما أدخله المحرفون، وعلى هذا: هذه الكتب نحن نحترمها بأصلها، لكن لما حرفت وبدلت نسخها الله -عز وجل-، وجعل القرآن هو المهيمن، وهو الناسخ لها، والقرآن هو أفضلها، وهو أشملها، وما قبله طرأ عليه التحريف؛ ولذلك يجب اتباعه دون ما سبقه من الكتب، أقول، وإن اشتملت هذه الكتب على الحق إلا أن الحق الذي فيها جاء وافيا في كتاب ربنا، وفي سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ونظرا لأنها اختلط الحق فيها بالباطل فإن الرجوع إليها يلبس على المسلم؛ ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيا جازما ،قاطعا حازما، عن أن نجعل هذه الكتب مرجعا نرجع إليه في ديننا أو في مصالحنا.
(4/13)
---(1/119)
الأصل الآخر: الإيمان بالأنبياء، والرسل،عرفنا أن الأصل الأول الإيمان بالله ،ثم الإيمان بالملائكة، ثم الإٍيمان بالكتب، ثم الإيمان بالرسل ويدخل فيهم الأنبياء ،ويعني ذلك: ما قيل في الملائكة، وفي الكتب هو أن نؤمن أن الله تعالى بعث رسلا، وأنبياء أقام بهم الحجة على الخلق، وأنهم معصومون، وأنهم أفضل البشر على الإطلاق، وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا الأمانة وأدوا الرسالة، و نصحوا الأمة، وأن منهم عدد كبير، وقد ورد في بعض الآثار التي تصل لدرجة الحسن، أن عدد النبيين مائة ألف وأربعة وعشرين ألف، وأن عدد المرسلين ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا يدل على أن الرسل هم خاصة الأنبياء، أنهم أفضل من الأنبياء، وأن الأنبياء في الغالب تبعا للرسل، وأفضل الرسل والنبيين هم أولو العزم، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد- صلى الله عليه وسلم وعليهم جميعا-، وهؤلاء الرسل يجب في حقهم الاحترام، والتقدير، ويجب حماية جنابهم من أن يقدح بهم، أو أن يلمزوا، أو ينتقص من قدر أحد منهم، فنؤمن بهم جميعا، ولا نفاضل بينهم المفاضلة التي تؤدي إلى العصبية، لكنا نعلم قطعا أنهم يتفاضلوا، فأفضلهم جملة، وأفضلهم على سبيل الإفراد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أفضل الخلق على الإطلاق؛ فلذلك آتاه الله -عز وجل- ما لم يؤت أحدا من العالمين، وهو صاحب المقام المحمود في القيامة، والشفاعة العظمى التي لا يمكن أن يحظى بها غيره.
(4/14)
---(1/120)
ثم نأخذ جهة الإجمال، والتفصيل، فكل ما صح عن أخبار هؤلاء الأنبياء، وأوصافهم يجب الإيمان به، وكذلك من جاء اسمه، أو وصفه بمفرده يجب الإيمان به إذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك يبقى الإيمان بسائرهم إجمالا، ولا يجوز أن نشك في نبوة أحدهم، ومن هنا يجب أن ننبه إلى بدعة، وضلالة وقع فيها كثيرون، ويجب أن نحتاط منها، خاصة أصحاب النزعة العقلانية الفلسفية الذين يستكبرون، ويتعالون عن النبوة والأنبياء ولديهم شيء من الغرور والاغترار بعقولهم في مجال تقرير الدين، والغيبيات، يزعمون على سبيل المثال أن عيسى - عليه السلام -
ليس نبيا، إنما هو داعية مصلح مجدد لدين موسى - عليه السلام ،- نعم هو مجدد لدين موسى - عليه السلام - لكن لا يعني ذلك أنه ليس بنبي بل هو من أولي العزم من الرسل، وله من الخصائص ما ليس لغيره أيضا خص الله عيسى - عليه السلام - بخصائص ليست لغيره أيضا، لكن هذه الخصائص لا تجعله أفضل النبيين، فإنها خصائص في خصال محدودة، معلومة كما هو معروف.
ثم تأتي أيضا قاعدة أخرى، وهي بعد ذلك كله تبعا للإيمان بالأنبياء، والكتب لابد من الإيمان بأن الوحي انقطع لم يعد وحي التشريع يوجد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ادعى أنه ينزل إليه وحي، أو يأتيه شيء بمقام الوحي فيحل ما حرم الله ،أو يحرم ما أحل الله ،أو يشرع عقيدة، أو عبادة، أو نحو ذلك بدعوى أنه في منزلة الوحي كل ذلك من الضلال فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو نبينا، هو خاتم الأنبياء، والمرسلين،ـ ومن اعتقد خلاف ذلك فهو في ضلال مبين ويخرج من الإسلام.
(4/15)
---(1/121)
ثم الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر، ومعنى ذلك: الإيمان بكل ما صح عن اليوم الآخر جملة، وتفصيلا ومن ذلك أشراط الساعة التي تسبق اليوم الآخر، كالدجال، والمهدي المنتظر، وخروج الشمس من مغربها، وكسوف الثلاثة، ونزول عيسى - عليه السلام - ،والملاحم التي تحدث مما ورد به الأخبار، كل ذلك يجب الإيمان به؛ لأنه ملحق باليوم الآخر؛ لأنه بداية اليوم الآخر وإيذان بنهاية الدنيا، كذلك ما ورد في اليوم الآخر ابتداء من الموت في القبر، وأحواله، عذابه، ونعيمه، الحياة التي تسمى الحياة البرزخية، الحياة وتفاصيلها التي وردت في الكتاب، والسنة قبل البعث، كلها جزء من اليوم الآخر يجب الإيمان بها كما ثبتت، ثم البعث، والنشور، والحشر، والصحف، والصراط، والموازين، والحوض، وغير ذلك مما ثبت به الشرع يجب الإيمان به حقيقة، وأنه حق، كما ورد لا يجوز تأويله، ولا تحريفه عن معانيه، وكذلك يدخل في هذا الإيمان بالجنة، نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهلها، وبنعيمها، وما ورد فيه من تفصيل، وأعظم النعيم فيها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأعيانهم- نسأل الله أن يمتعنا جميعا بذلك في الجنة-، ثم كذلك اليقين بعذاب النار، وما ورد فيه من تفاصيل.
(4/16)
---(1/122)
الأصل السادس: الإيمان بالقدر، وما أكثر الذين ذلوا بالقدر، إما من باب الوساوس والأوهام، أو العقائد الباطلة، أو تقليد الأمم فيما قالوه وما زعموه في القدر، كل ذلك مما حدث في طوائف الأمة التي خرجت عن سبيل المؤمنين، الإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله قدر كل شيء من الخير، والشر ابتلاء وفتنة، كما قال الله تعالى: ?وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? [الأنبياء: 35]، وعلى هذا فإن الإيمان بالقدر لا بد فيه من قواعد، ولعلي أوضحها بشيء من التفصيل؛ لأن من تصور هذه القواعد -بإذن الله- إذا تشربها المسلم حتى لو لم يكن طالب علم، ولا عالم؛ لأن أمور القدر غالبا تكون صعبة، لكن مع ذلك أصولها التي تعبدنا الله بها سهلة؛ ولذلك سأركز على هذه الجوانب السهلة، مبنى الإيمان بالقدر يقوم على أربع مراتب، هذه المراتب إذا تصورتها أخي المسلم سهل عليك الكثير مما يرد إليك من أمور القدر:
المرتبة الأولى: العلم: ومعنى العلم أن تؤمن، وتوقن بأن الله -عز وجل- بكل شيء عليم، ما كان، وما يكون، وما سيكون كيف يكون، كل ما يحدث في الخلق من صغير، وكبير فالله به عليم؛ ولذلك الله -عز وجل- أشار إلى مثل هذا، إلى تعميق معنى العلم في قلب المسلم، علم الله -عز وجل- ذكر بأنه - سبحانه وتعالى - عليم بذات الصدور ?وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? [التغابن : 4]، ذاتها غير ما فيها، أبلغ مما فيها، بل إن الله -عز وجل- أنكر على الذين شكوا في بعض علم الله فقال - سبحانه وتعالى - ?أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ?[الملك: 14]، هل يعقل أن يخلق وهو لا يعلم ؟ هل يعقل أن من يخلق وهو الله -عز وجل- يخفى عليه مما خلق؟ بل لا بد أن يسبق الخلق علم كامل، ويصاحب الخلق، ويلحق بالخلق، فلا يعجز عنه -عز وجل- مثقال ذرة في السماء، ولا في الأرض.
(4/17)
---(1/123)
إذن :المرتبة الأولى العلم الكامل، الشامل، الوافي في كل شيء.
ثم بعد ذلك الكتابة: ومعناها: أن يعتقد المسلم كما ثبت في النصوص أن الله كتب مقادير كل شيء على الإطلاق من صغير، أو كبير، ماض، ومستقبل.
وعلى هذا أيضا تأتي المرتبة الثالثة: وهو أن كل شيء بمشيئة الله، بتقدير الله، كل شيء يحدث في الكون أنه بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان، ولا يكون شيء إلا بتقديره، ومشيئته.
ثم بعد ذلك المرتبة الرابعة: الإيمان والجزم بأن الله خالق كل شيء، قدر و خلق الخير، والشر كما قال - سبحانه وتعالى - وتعالى: ?وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? هذا نقرره؛ لدفع شبهة ترد في أذهان بعض الناس، وقد يوسوس بها الشيطان على بعض الخلق، وهو هل يمكن أن يكون الله -عز و جل- خلق الشر؟ هذا ناتج عن جهل، فالله -عز وجل- قدر الشر ابتلاء، وفتنة، فهو في حقه حكمة، لأنه يتميز الخير من الشر، والهدى من الضلال، ولا يتميز الصالح من الطالح إلا بالابتلاء بالخير والشر، وأن الله تعالى قدر الخير والشر وخلقهم بإرادته - سبحانه وتعالى - من باب الابتلاء، والفتنة. ثم يتفرع عن هذا أيضا مسألة أخرى تسهل موضوع القدر، خاصة في جانب يشكل على كثير من الناس، وهو جانب الهداية والإضلال، نحن نعلم أن الله -عز وجل- يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وأنه - سبحانه وتعالى - لا راد لما يشاء، ولا معقب لحكمه، لكن ومع ذلك قد يأتي الشيطان ويخنس، ويوسوس لبعض الناس ويقول له إذا كان الله -عز وجل- قدر الضلالة على بعض الخلق إذًا كيف يحاسبهم؟ هذا يتبين بتفصيل آخر أرجو أن يتنبه له المشاهدون، أو المستمعون؛ لأنه يحتاج إلى شيء من التوازن بين قضيتين إذا وازنا بينهما زالت هذه الشبهة، وهذا التوازن هو مقتضى النصوص، وهو أن الله -عز وجل- حين قدر الهداية لبعض العباد، وقدر لهم الخير ووعدهم بالفضل والجنة فإن ذلك مبني على علمه - سبحانه(1/124)
(4/18)
---
وتعالى-- بماذا سيصنعون؟، الله - سبحانه وتعالى - علم أن هؤلاء من البشر، ومن الجن سيعملون خيرا، وسيختارون طريق الهدى، والخير، وقدر لهم ذلك، وبنيت أحكامهم على ذلك.
إذن: فالله -عز وجل- قدر الخير، والهدى، وشرعه أرسل فيه الرسل، وأنزل فيه الكتب، وبين طريق الخير والهدى، وجعل عند الإنسان التمييز فيه، وأقدره عليه، أقدره على فعل الخير، وأمره به، وحثه عليه، ووعده ثم أنه -عز وجل- قدر الضلالة، وشرع النهي عنها، وبين خطرها، وحذر منها، وأقدر العباد عليها ابتلاء وفتنة، ثم توعدهم بعد ذلك، وتحقق عليهم وعده.
إذن مسألة الجبلة: أن الله -عز وجل- جبل المكلفين على الحق، والهدى، وجبلهم على قبول الضلالة هذا أمر قدري؛ ولهذا الله عز وجل قال: ?وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ?[البلد: 10]، ?إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ? [الإنسان: 3]، ?فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ?[الكهف]، بعد ما قرر الله -عز وجل- أمور الهداية هذه المشيئة مبنية على ماذا؟ على بيان طريق الحق بوضوح، وطريق الباطل بوضوح، وإعطاء الإنسان الفسحة، والاختيار، فإن اختار طريق الضلالة باختياره فليتحمل مسئولية ذلك، وإن اختار طريق الهداية فهو موعود بالخير، هذا كله في سابق علم الله ؛لأن بعض الناس يقول ورد في الحديث (أن الله يرسل عند بلوغ الإنسان مائة وعشرين يوما ملكا يكتب مقاديره ومنها شقي، أو سعيد)؛ ولذلك لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث للصحابة قالوا: ففيما العمل مادام كتب قبل أن ننشأ في الدنيا، قال:( اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، هذا ناتج عن: علم الله السابق بماذا سيصنع هذا الإنسان، فقدر ذلك على ضوء ذلك، أما أن يكون تحكما (لا والله )، الله -عز وجل- لا يمكن أن يظلم العباد، وليس بظلام للعبيد.
فيجب أن نوقن بعدل الله، وحكمته، ومن هنا يستريح المسلم. وللحديث بقية.
(4/19)
---(1/125)
والآن نترك بقية الوقت للأسئلة، والمناقشات، والمداخلات، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
بالنسبة لإجابة المشاهدين:
السؤال الأول: ما الفرق بين الرؤية التي هي حق، وبين الأحلام ؟
وردت إجابات كثيرة لعلي أنتقي منها:
تقول: الرؤية الحق هي: ما وافق الكتاب، والسنة، وألا تتعارض مع الحق، ولا توقع في البدع، والظلم، وأخرى تقول: الرؤية الحق من الله ،وهي أقسام: منها الكرامات، والمبشرات، وأمثال تضرب للناس تثبت الناس، أما الأحلام فمن الشيطان، وآخر يقول: الرؤية الحق تكون موافقة للكتاب، والسنة، ولا تعارض الحق، ولا توقع في بدعة، أو ضلالة، وأنواعها: رؤيا حق، وما يحدث بها الإنسان نفسه، ورؤيا من الشيطان، وأخرى تقول: الرؤية الحق هي: رؤيا الأنبياء، فإنها حق، وأما الأحلام فإنها من الشيطان، وبعض الأشياء مثل: الذي خص، وثبت فيه نص- والله أعلم-، وآخرون يقولوا: الرؤيا حقيقة، لها معنى، وهدف، عكس الخيال.
الإجابات في مجملها جيدة في الحقيقة، ويكمل بعضها بعضا، وليس عندي ملاحظة تقتضي التعليق، بل العكس أنا ممنون، وسعيد جدا بمثل هذه الأجوبة، سواء من أجمل فيها ومن فصل.
قد تكون هناك بعض الصفات مثل: صفات المكر، هي نقص للمخلوقات، وكمال لله، فكيف مثل هذه الصفات؟
(4/20)
---(1/126)
يعني: ورد وثبت أن الله -تعالى- يمكر بالماكرين، وبالمنافقين، والمستهزئين، ومن يستحقون المكر، فهذا سياقه كما ورد عن السلف، الألفاظ التي لو أفردت صارت نقصا، فإنها إذا جاءت في سيقا لا يقتضي النقص تثبت كما جاءت، فمثلا: ذكر المكر بالكافرين، وذكر المكر بالمنافقين، والمستهزئين، كما ورد في النصوص جاء على سبيل المجازاة لهم على مكرهم، فهذا إذا جاء بسياقه يدل على: الكمال لكن، لا تفرد كلمة مكر في حق الله -عز وجل-، كلمة مكر مفردة لا تليق، لكنها تساق كما جاءت في سياقها العام، فهي جاءت على سبيل مجازاة المنافقين على مكرهم، بمجازاة الماكرين، وهذا أمر يعتبر كمالا في حق الله -عز وجل-، وكذلك بقية الصفات، والأفعال، والمقابلة بأفعال البشر، فإنها تكون تثبت في سياقها كما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى -، ولا تثبت مفردة بشكل يقتضي النقص.
ما يتعلق بالأسماء والصفات في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة) ،تسعة وتسعين اسما هذا ليس للحصر لكن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحصاها كيف يكون هذا الإحصاء ؟
(4/21)
---(1/127)
على أي حل قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من أحصاها دخل الجنة)، هذا كلام مجمل، لو أخذناه بعموم معانيه، وربطناه بما ورد من الوعد، وورود من النصوص في حق المؤمن، فيدخل في إحصاءه الإحصاء الذي يتضمن الإيمان بها، والتأثر بمعانيها يتضمن أثرها على قلب المؤمن من حيث تعظيمه لله -عز وجل- ومحبته، ورجائه، وخوفه، ومن حيث التعلق بالله -عز وجل- من خلالها، فإن من أحصاها على هذا النحو، غالبا يكون من الناجين، وأهل الهدى، فتضمن له الجنة من باب أن سلك طريق الجنة، فهذا واضح - إن شاء الله-، لكن من أحصاها سردا دون أن يعي معانيها، فإن المنافق قد يعدها سردا، فإذن: لا بد لهذه النصوص أن ترد إلى المعاني الأخرى للنصوص الأخرى، وهو أن المقصود: إحصاء التدبر، إحصاء الإيمان، إحصاء التعظيم لله -عز وجل-، التعلق بها، ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ?[الأعراف: 180]، فمن هنا، يكون الإحصاء على هذا النحو هو الذي وعد به الرسول - صلى الله عليه وسلم -الجنة.
سؤال: ما معنى القول في الدعاء استأثرت به في علم الغيب عندك ) يقول ما معنى هذا ؟
يعني، معناها: ما لم تبلغنا به، استأثرت يعني: حجبته عندك من أسماءك، وصفاتك، وكمالاتك مما لم تبلغه الخلق؛ ولذلك الخلق كلهم، بما فيهم النبيين، وبما فيهم أفضل الخلق النبي - صلى الله عليه وسلم- ، لم يتبلغ بجميع كمالات الله -عز وجل-، والدليل على ذلك أنه: في مقام الشفاعة في يوم القيامة يقول: (يلهمني الله بمحامد )،يعني: لم يكن يعرفها في الدنيا، يدعوه بها، إذن هذا هو المعنى، استأثر يعني: حجبها عنده في الغيب.
(4/22)
---(1/128)
السلام عليكم ورحمة الله ، ممكن أجاوب الأسئلة؟ نعم، على عجل، الرؤيا: هي التي تتوفر فيها صفات الرؤيا، بأن توافق الكتاب، والسنة، وأن لا تتعارض مع الحق، ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة، ولا ظلم، ولا عدوان، فهي من المبشرات. والأحلام: هي ما يحلم به الإنسان على هذه الضوابط، موافق الكتاب، والسنة، ولا يكون فيها ما يخالف الشرع، ولا يكون فيها بدعة، ولا توقع في ظلم، أو عدوان، فهي رؤيا صالحة، وقد تكون حلم، بالنسبة للقاعدة في رد البدع، يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، كما يجب في الاعتقاد، والتقرير، فلا ترد بدعة ببدعة، ولا يقابل التقرير بالغلو، ولا العكس، والدليل كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.).
وبالنسبة للسؤال: هل نحفظ التوحيد العلمي الاعتقادي مع شرحها؟
جوابها في الحقيقة سديد، وجيد، ومتقن، وهذا يدل على أنها متابعة للدروس، وأما سؤالها، فنعم، أنه ينبغي أن يحرص المسلم أن يحفظ أساسيات ما يتعلق بالتوحيد العلمي الاعتقادي، وهو المتمثل في أسماء الله، وصفاته على جهة الإجمال قواعدها الأساسية، أم التفاصيل فقد لا يكون للفرد المسلم فيها حاجة، كذلك ما يتعلق بأركان الإيمان، وبعض تفاصيلها، وهناك كتب مخصصة في هذه الأمور، حفظها سهل، وهي جاهزة -وإن شاء الله- سنبدأ في شرحها بعد أن ننتهي من هذه القواعد، والمقدمات، مثل الطحاوية، ومثل لمعة الاعتقاد وغيره من المتون.
السلام عليكم ورحمة الله سؤال: هل نفخ الله في آدم من روحه، وأسجد له ملائكته، وما علاقة ذلك بالأسماء، والصفات؟
بالنسبة للوساوس التي تحدث للإنسان، أقصد الخلق مثلا، يعني من خلق كذا، حتى تصل إلى من خلق الله - سبحانه وتعالى - ؟ السؤال الثاني : هناك من ادعى في هذا الزمان أن آدم عليه السلام خلق من أب وأم فما رأيك يا شيخ؟
السؤال: هل نفخ الله في آدم الروح؟
(4/23)
---(1/129)
نعم، الله -عز وجل- نفخ في أدم الروح، كذلك في عيسى -عليه السلام-، والروح هنا الروح المخلوقة، روح مثل خلقه، نسبت الروح إلى الله -عز وجل- كنسبة الخلق إلى الله، فلا يعني بالروح أنه قد أخذ صفة القداسة، الروح لا تعني النفس، والذات، كلمة روح كلمة مجملة، وهنا أضيفت إلى الله- تعالى- إضافة تكريم، الله كرم آدم بأن نفخ فيه من روحه التي هي من خلق الله،وكذلك عيسى عليه السلام.
السؤال الثاني: هذه الأوهام و الوساوس.
(4/24)
---(1/130)
أولا: في الحقيقة أنا أنصح الأخوة المشاهدين نصيحة عامة، إذا جاءت مثل هذه الأوهام يجب أن تعرض على طالب علم، أو عالم، ولا تعرض على عامة الناس؛ لأن هذه مداخل للشيطان على كثير من قد يكونوا في غفلة من هذه الأمور، وفي عافية، فأحيانا مجرد إنشاء السؤال على ملايين الناس، أو على آلاف الناس، قد يحدث في قلوبهم شكوك، خاصة السؤال الخطير الذي يتعلق بالله -عز وجل-، أما بقية الأسئلة والإشكالات في العقيدة، فأرى أن عرضها مناسب، لكن هذا السؤال بالذات، وما يشابهه، يعني الأسئلة التي لا تليق بالله -عز وجل-، أو توهم النقص في حق الله -عز وجل- فالأولى أن الإنسان يسأل عنها أقرب عالم، أو أقرب طالب علم، على أي حال، هذه أوهام، ووساوس ما دامت مجرد عوارض لا تضر، والصحابة -رضوان الله عليهم- شكو مثل ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما أشعروا النبي- صلى الله عليه وسلم- أنهم قد يجدون هذه الأمور ولكنهم يعارضوها، قال: ذلك صريح الإيمان، يعني: أنهم وجدوا الإنكار، والاشمئزاز من هذه الأفكار؛ ولذلك أيضا النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن قد يأتي الشيطان ويقول للإنسان كما قال السائل تماما، وهذا ورد في السنة، وهذا يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ترك شيئا فيه نصح للأمة إلا ذكره، فبين أن الإنسان يجب أن يعود لأصل الإيمان بالله -عز وجل- ويقول آمنت بالله ثم يستقيم، ويعود إلى الله، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويبعد عن أسباب الأوهام، والوساوس، ويصرف قلبه إلى ربه بالتمجيد، والتسبيح، والذكر، والتهليل، ويصرف قلبه إلى التفكر في آلاء الله ،ونعمه عليه، وليكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك -إن شاء الله، لا يضره، إذا عمل هذه الوسائل، والأسباب فإنه لا يضره،- لو لا قدر الله، بقيت هذه الأوهام، فقد تكون من الوساوس التي تحتاج إلى علاج بالرقية، وعلاج أحيانا، وهذا أنصح به بعض الذين يبتلون بمثل هذه الأمور(1/131)
(4/25)
---
تستقر في نفوسهم، وهذا قليل -ولله الحمد-، لكنه يحدث، أنصح أن يراجعوا الأطباء المختصين، فإن كثيرا من الأدوية -بإذن الله، حاسمة لهذه الأمور، يعني كثيرا مما يرد من الإشكالات أنه يوجد من بعض المسلمين من عنده بعض هذه الخطرات، فقد لا يسلم منها؛ فيهمل نفسه ظنا منه أن مراجعة الطبيب لا تليق، وهذا خطأ فهو من عبث الشيطان نفسه ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (تداوو عباد الله).
وخير التداوي ما تداوي به قلبك وإيمانك، فإذا شعر المسلم بشيء من هذه الأوهام، والوساوس في أي أمر من العقيدة، في الله عز وجل، أو في غير ذلك، وما زالت بالأسباب الشرعية، والأوراد، والذكر، والرقية، فيجب عليه أن يراجع الطبيب، وبإذن الله هذا شيء مجرب.
علاج هذه الأمور غالبا ينتهي بمدة قصيرة، بعض الناس يظن أنه يحتاج إلى علاج مزمن، وأنه يحتاج إلى مراجعة العيادات، هذا كله أوهام إلا النادر، والنادر لا حكم له، فيجب أن يراجع طبيبًا مختصًا، ويجد في ذلك إن شاء الله العافية، ويرجع إلى طبيعة إيمانه، إلى حقيقة العقيدة إن شاء الله.
لو سمحت ما حكم إنكار الرؤيا؟ هل هناك كتيب نتبع عليه؟
ما حكم إنكار الرؤيا؟
(4/26)
---(1/132)
هذا حال الناس فيما يتعاطون من أفكار، والقناعات الشخصية، لا حد لغرابة أقوالهم، لو نظرنا إلى ما يقوله الناس، أو ما يخطر على بال كثير من الخلق في إنكار البديهيات، والمكابرة، نجد شيئا عجيبا، يجب ألا نلتفت إلى مثل هذه الأمور، إلا إذا صارت اعتقادًا ينكر به الحق، أو صار صاحبها داعية إلى مثل هذه الأفكار الخطيرة الهدامة، أنا أعتقد أن إنكار الرؤى هذا مكابرة للعقل، قبل أن يكون مخالفة للشرع، من يستطيع أن يدعي أن الناس لا يرون رؤى، أو يحجر على الناس أن يروا رؤى، ما من أحد من الخلق غالبا إلا ويكون رأى رؤيا، أو أكثر، ومن لم ير فإنه يسمع، ويدرك، فإنه يدرك تواتر هذا الأمر عند الناس، فإذًا إنكار الرؤيا نوع من المكابرة، أو الجهل، وربما يكون ناتج عند بعض الناشئين لعدم الخبرة بذلك، من ناحية الحكم الشرعي: فإذا كان أنكر أن يوجد رؤى أخبر الله بها، أو أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن هناك شيء اسمه الرؤيا، فهذا لا شك مصادم للنص، وضلال مبين، ربما يخرج من الإسلام، أما إذا كان ناتج عن تقصير وقصور، وعدم المعرفة للنص، مع عدم المعرفة للدليل تشهي إلى آخره، فهذه أمور أمراض في الخلق، تعالج بالنصيحة، بإقامة الحجة، وبيان الحق للناس، ولا نستعجل تجاه مثل هذه الأفكار الغريبة؛ لأنها قد تكون ناتجة عن جهل، وعدم تجربة، فالمهم لا يمكن أن يقول عاقل: بإنكار الرؤيا.
حتى أتواصل معكم خلال الدرس بحثت عن كتاب مجمل أصول أهل السنة في الاعتقاد، لكني لم أجده، فيبدوا أنه متوفر في المملكة عندكم فقط، فهل يوجد منه طبعة أخرى، أو طبعات في مصر، وإن لم يكن موجودا فما الحل؟
(4/27)
---(1/133)
على أي حال أنا أعرف أنه موزع في جميع الدول العربية، لكن قد لا يكون متوفر بالقدر الكافي، فأنا آمل من السائلة أن تتصل بطلاب العلم المشاهير، ويرسلون لها الكتاب، أو ترسل لنا عنوانها ولو على القناة، فإن شاء الله نرسل لها نسخة، وتجد الكتاب إن شاء الله عبر الموقع على الإنترنت، والكتاب كما سأل السائل هو مجمل أصول السنة والجماعة في العقيدة، كتيب صغير موجز.
هناك سؤال: يقول: وجد هذا الزمان أن آدم عليه السلام خلق من أبوين
هذا من غرائب الأقوال، على أي حال ذكر الله في كتابه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صريح السنة: أن آدم -عليه السلام- خلق من تراب، خلقه الله -عز وجل- من غير أبوين، وهذا مما ميز الله به آدم على خلقه هذا شيء، الشيء الآخر حتى لم يرد النص في مسألة خلق آدم من غير أبوين، أو ابتداء الخلق من غير أبوين؛ لأن هذا يؤدي إلى التسلسل الممنوع، والتسلسل الممنوع هو وجود اللانهاية، الأبوان يحتاجان إلى أبوين، والأبوين يحتاجان إلى أبوين، إلى ما لا نهاية، وهذا يؤدي إلى التسلسل الممنوع، فالأولية المطلقة لا تكون إلا لله -عز وجل- فما دام آدم مخلوق -وهو أول مخلوق من بني آدم- فلا بد أن يكون خلق من غير أبوين، هذه حتمية عقلية، ثم إنها حقيقة شرعية ذكرها الله -عز وجل- ونص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- .
هناك سؤال وملاحظة: أما السؤال: هل من أسماء الله الحسنى الثابتة بالكتاب والسنة اسم الستار، أو الساتر خاصة، أن كثيرا من الناس يقولون ياساتر، هذا بالنسبة للسؤال، أم الملاحظة: في بعض البلدان يكثر التعبيد لغير الله - سبحانه وتعالى - كعبد الرضا، أو الحسين، أو غير ذلك، نرجو التعليق على ذلك؟
(4/28)
---(1/134)
هو لم يرد نصا أن من أسماء الله الساتر أو الستار، إنما ورد وصف الله بأنه ستير، وعلى هذا إذا اختلف أهل العلم: هل ستير اسم، أو أنه من باب الخبر والصفة لله -عز وجل- ؟وكذلك الستار والساتر، وبعضهم قال: يجوز أن تشتق منها اسما، يعني من الستير فتكون من أسماء الله، لكن ومع ذلك مادامت لم تثبت نصا الساتر والستار من أسماء الله؛ فلا يلزم أن تثبت كأسماء، لكنها تثبت أوصاف لله -عز وجل- وخبر عن الله، وعلى هذا فلا يمنع ذلك من التسمية بها، عبد الستار، وعبد الساتر؛ لأنه الاسم لا يلزم التعبيد لله -عز وجل-، أن يكون تعبيد للأسماء، حتى للأوصاف لله -عز وجل- أن تكون لائقة بالله ،هذا هو الأرجح، وإن كان هناك خلاف كبير بين أهل العلم، لكن الصحيح ما هناك ما يمنعه ما دام المقصود به وصف الله، سواء كان صفة، أو فعل، فلا حرج في ذلك، حتى ولو لم نقل إنه من أسماء الله فيجوز أن ندعو الله به يا ساتر، يا ستير، يا ستار؛ لأنها معاني حقيقة يوصف الله بها؛ ولذلك قال الله -عز وجل- : ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ?[الأعراف: 180]، والراجح أنها تشمل حتى الصفات التي تندرج تحت اشتقاق الأسماء، أو الصفات التي ممكن يشتق منها أسماء.
تسأل عن التعبيد لغير الله مثل عبد النبي؟.
(4/29)
---(1/135)
التعبيد لغير الله لا يجوز؛ لأن العباد عباد لله، فلا يجوز بإطلاق، فإنه من كبائر الأمور، وإن كان المقصود به التعبيد الحقيقي- تعبيد العبودية- فهو كفر، ومخرج من الملة، وإن كان المقصود به مجرد التبرك، فهو كبيرة من كبائر الذنوب، وبدعة، وفيه إساءة أدب مع الله -عز وجل- وفيه إساءة إلى المخلوق الذي يسمى به ذلك الإنسان، هذا الإنسان الذي سمينا باسمه عبد الرضا، عبد النبي، لو كان بإمكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحتج بعد موته لاحتج على هؤلاء؛ لأنهم أساءوا إليه، وكذلك الرضا، والحسين، وغيرهم، لو كان لهم لسان في الدنيا الآن بعد وفاتهم لقاضوا هؤلاء، وحاكموهم؛ لأنهم أحرجوهم أمام ربهم -عز وجل- فلا يستحق العبودية إلا الله، فكأنهم أوقعوهم في حرج مع ربهم - سبحانه وتعالى -، فلا يجوز هذا بإطلاق، بل هو من إساءة الأدب مع الله، وهو أيضا من الإساءة إلى من عبد لهم هؤلاء الناس.
كيف نفسر للطفل عندما يسأل عن أسماء الله، وصفاته، وكيف أن الله استوى على العرش، وأن الله سميع الله بصير، كيف نفسر للطفل هذه الأشياء؟ .
(4/30)
---(1/136)
نعم، حقيقة الأطفال كثيرا ما يسألون أسئلة عن أسماء الله، وصفاته، أو في غيره من الأمور الغيبية الكبرى، والطفل في الحقيقة غالبا يسرح مع الخيال، ولا يدرك التفاصيل؛ و لذلك أرى الإجابة له ينبغي أن تكون مجملة، يصرف عن المعاني الدقيقة التي تؤدى إلى الوسواس، أو الأوهام، ويجاب بإجابات مجملة، فيصرف عن هذا إلى تعظيم حق الله -عز وجل- فإذا مثلا: سئل عن الاستواء على العرش، يقال له: إن الله عظيم، وأنه فوق سماواته، وأنه لا يحيط به أحد، كلام مجمل، ويكفي؛ لأن الدخول في التفاصيل ينشأ أسئلة أخرى حتى لا تفسر له الاستواء على ما فسر به بعض السلف، هذا يوقع في شبهة أكبر؛ لأن هذا مداركه قليلة، حتى العامي ليس الطفل لا يجب أن تفصل له هذه الأمور، فإذا ينبغي أن نجيب إجابة مجملة، وكل طفل له حاله من مستوى الإدراك، ومستوى الذكاء، و السن، إلى آخره، فينبغي أن يجاب بإجابة مجملة، يعظم في قلبه الله -عز وجل- ويجاب بأمور عامة، بعيدة عن الدخول في القضايا الحساسة، والطفل غالبا تستطيع تصرفه بالجواب المناسب، فإذا أدخلته في قضايا دقيقة استمر ينشئ الأسئلة، فتقع في إثم، وتتورط في أمر لا طاقة لك به، الطفل أحيانا في سن معينة إذا أشعرته بالتحدي يتوهم أنه يستطيع أن ينزل السماء إلى الأرض، أليس كذلك؟ إذن: فأوهامه كبيرة، فلا تستجيب لأوهامه، لكن أيضا لا تصدم سؤاله بأن تصرفه صرفا كامل،ا لا أجبه بما يثبت المعاني الإيمانية في قلبه، أجبه بكلام مجمل يعظم فيه ربه -عز وجل- يعلم أن الله أعظم ،وأجل من أن يقاس على خلقه في كلام مجمل، من أجل أن لا تصدمه، ولا تجيبه بأمر لا يطيقه.
ما هو الراجح في أقوال العلماء في اسم الله الأعظم، ورجاء أن تؤجلوا برنامج الأكاديمية العلمية بعد العشاء حتى الساعة التاسعة تقريبا حتى ننتهي من صلاة العشاء في جدة؟
هذا تحت الدراسة قريبا إن شاء الله.
(4/31)
---(1/137)
لعل الله -عز وجل- أراد لحكمة منه أن يخفى الجزم باسم الله الأعظم، ليبقى العباد يتحرون اسمه الأعظم في دعائهم له، ولجوءهم إليه، وخاصة حال الضرورة؛ فلذلك الراجح أن اسم الله الأعظم قد يتمثل في معان، أو في معنى واحد يجمعه عدة ألفاظ، اسم الله الأعظم معنى عظيم يجمعها اسم الجلالة الله، والحي القيوم، والعلي العظيم، والعزيز الحكيم إلى آخره.
إذن: الجامع لهذه الألفاظ كلها فهو اسم الجلالة الله، معنى هذا أن اسم الله الأعظم هو معنى عظيم، قد يندرج تحته عدة ألفاظ من أسماء الله، وصفاته، هذه الألفاظ اللفظة التي يجمعها جميعا هو اسم الجلالة الله.
هل يعتبر من أول الصفات كالأشاعرة مثلا من أهل السنة، ونقول إنهم مخطئون؟
مسألة التأويل أنوع: فالذين يؤولون تأويلا منهجيا- أعني أن التأويل يرجع عندهم إلى منهج يتخذونه تجاه كثير من صفات الله- عز وجل-، يصرفون حقائق صفات الله إلى معاني مؤولة -فهذا بدعة، ويخرجون به عن نهج السلف، ولا يعتبرون من أهل السنة، والجماعة، أما ما يقع به بعض المنتسبين للأشاعرة، وبعض العلماء الأفاضل، وبعض طلاب العلم، وغيرهم ممن ليسوا على هذا المنهج، يعني: لا يعتمدون التأويل منهجا أساسيا يردون به كثيرا من الصفات، فإن من أول هذه المسألة تأويلا مفردا مع خضوعهم لمنهج السلف في عدم التأويل، فهذا من باب الزلات، والأخطاء، والجميع وقعوا في خطأ، لكن هؤلاء وقعوا في خطأ عن منهجية، فهذا أخرجهم عن أصل السنة، والجماعة في الجملة، وإن وافقوا أهل السنة في أمور كثيرة ، أما من أخطأ في التأويل باجتهاد، وليس معه منهج يخالف به أهل السنة، والجماعة، فهذا يعتبر من الأخطاء، والزلات التي لا تخرج صاحبها من أهل السنة، إنما يخطأ، ويرد عليه قوله.
(4/32)
---(1/138)
بعض الناس يتوسعون في الرؤيا، فهناك من يتوسع في السؤال، وفي الإجابة يسلم من التأويل حتى أنه يجزم، أو ربما يتحدد بالموعد، أو بالساعة، ومنهم من يقفل باب السؤال عن الرؤى بحجة سد الذرائع، والسؤال الثاني: يتبادر أو يسبق أحيانا بين الناس، أو يطرح عليهم سؤال من مثلك الأعلى؟ فيقول مثلى الأعلى مثلا فلان، فهل هذه العبارة صحيحة أو خاطئة؟
لو سمحت إعادة السؤال الأول: كثرة توسع الناس في الرؤى، حتى إن هناك من يتساهل في السؤال عنها، ونجد أيضا من يؤولها و يتساهل في تأويلها، أو ربما يتوسع توسعا يكون غير مرغوب، من تحديد موعد حصول الرؤيا بالزمن، أو وصفها، والتأكد، أو الجزم، بتحققه
(4/33)
---(1/139)
على كل حال السؤال اتضح، ما يتعلق بالرؤى مرت في الدرس الماضي -وإن شاء الله، كما نأمل يكون هناك توسع أكبر في هذه المسائل، إنما كما أشرت، وأكرر أن ما ندرسه في هذه الدروس، ودروس مستقبلة قريبة إلى حدود نهاية هذه الفترة إنما هو قواعد وإجماليات، على أي حال مادام نشأ هذا السؤال فأقف وقفة بسيطة، أو مختصرة عند موضوع إفراط الناس، أو تفريطهم في الرؤيا سواء السائلين الذين يرون الرؤيا، أو الذين يتصدون للرؤيا، ويفسرونها، الحقيقة من الظواهر، يعني، الغير المرغوب فيها، والتي هي من جملة ظواهر كثرت في مجتمعنا في الوقت الحاضر، كثرت التعلق بالأحلام، والرؤى، والتشاؤم منها، والسؤال عنها، وعلى العكس كذلك، أيضا كثرة تصدي عدد من طلاب العلم للرؤى بشكل يخرج عن الاعتدال، هذا كله من ضمن الظواهر التي استجدت في مجتمعات المسلمين في العصر الحاضر في عموم الأمة الإسلامية، وهذا ناتج عن عدة عوامل: ما طرأ على المسلمين من المؤثرات في أفكارهم، في عقولهم، في عقائدهم، في معلوماتهم، هذه الثورة المعلوماتية، الطفرة المعلوماتية غير المرشدة، والتي نتج عنها قسوة القلوب، وقلة الورع، نتج عنها تشويش الناس، كثرة الشبهات، أو اضطراب في العقيدة، الاضطراب في الدين، هذه ظواهر معلومة، هذه إذن مسألة الرؤى ظلم هذه المنظومة التي أثرت في المسلمين اليوم، فعلى هذا أقول فعلا هناك إسراف، أو تقصير، أو إفراط، أو تفريط في مسألة الرؤى.
(4/34)
---(1/140)
فأولا بالنسبة للرائين: لا مانع أن الإنسان إذا رأى حلما يرى أن له وقع في نفسه، أن يسأل عنه، فأول:ا في مسألة ما يكره وما يحب، النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر (أن الإنسان إذا رأي ما يكره فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينفث على يساره، فإنها لا تضره.)، لو عمل أكثر المسلمون بهذا المبدأ، استراحت قلوبهم، وما تعلقوا بالأحلام، إذا رأيت شيئا يزعجك اعمل بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثق يقينا، وكن متعلقا بال،له أنها لا تضرك، وإن رأي ما يحب، فليبشر خيرا بدون ما يسأل، ولا يخبر الآخرين.
الشيء الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم الرؤى، وجعل منها ما هو من عبث الشيطان، هذا بالنسبة للرائين، أرى أن يتثبتوا، ولا يكثروا من السؤال، ولا يتعلق قلوبهم؛ لأن الله -عز وجل- يتولاهم، وليحسنوا الظن بالله، وكذلك بالنسبة لمفسرى الأحلام يتقوا الله في الناس، أول شئ لا يعرف في تاريخ السلف أن أحدا من الناس عمله، ومهنته تفسير الأحلام، هذا خطأ، الأمر الثاني، لا يبالغون مع الناس، ينبغي أن يأخذوا الأمور بقدر، ونظرا؛ لأن الوقت ضاق، فإنا- إن شاء الله- لعلنا نستكمل نتائج الأمور في الحلقات القادمة. -نسأل الله للجميع التوفيق، والسداد، والرشاد،- وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم -.
من هو أول من قسم التوحيد إلى توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، هل هو شيخ الإسلام بن تيمية، أم هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -؟
(4/35)
---(1/141)
تقسيم التوحيد أوًلا قبل أن أذكر أول من قال به، تقسيم التوحيد، أو غيره من التقسيمات العلمية التي احتاجها المسلمون على مدى التاريخ، هذه أمور راجعة إلى تطور العلم الشرعي عبر التاريخ، تطور وسائل العلم الشرعي، يعني: تقسيمات العلم يعني: أنماطه، و موضوعاته، فمثل:ا في عهد التابعين، جاء تسمية النصوص إلى حديث، وآثار، وقرآن، وسنة، وعلوم قرآن، ثم في القرون الثلاثة الماضية، قسم العلم الشرعي إلى فقه، وكذا، ثم بعد ذلك إلى فقه، وأصول فقه، هذه التقسيمات العلمية، تقسيمات فنية، علمية، موضوعية، ترجع إلى تقريب العلم للناس، من ذلك تقسيم التوحيد، تقسيم التوحيد ليس توقيفا، ولا ضروريا، ولا أيضا مشاحة فيه؛ لأنه يجوز تقسيم التوحيد إلى ثلاثة، أو إلى خمسة، ممكن نقول: توحيد الذات، توحيد الأسماء، توحيد الصفات، توحيد الأفعال، توحيد الأخلاق، م فيه مانع، هذا شيء، الشيء الأخر: أنه هناك من لمح إلى تقسيم التوحيد قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، تلميحات واضحة، لكنهم ما جعلوا له التقسيم الموضوعي، الفني، كما فعل هو؛ لأنه هو احتاج إلى تقسيم التوحيد نظرا لكثرة الخلل في هذا الجانب عند المخالفين، فوضح ما كان عليه السلف.
فإذًا القضية لا تحتاج إلى مثل هذه الحساسية من بعض الذين أنكروا على شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا أيضا إلى التعصب عليها عند الذين جعلوها وكأنها توقيفية، فالأمر لا هذا، ولا ذاك، التقسيم: تقسيم علمي بالصبر، والاستقراء، علمي واضح دقيق، لا مشاحة عليه، ولا مشاحة في الاصطلاح.
الطيب هل هو من أسماء الله الحسنى أخذا من حديث (إن الله طيبا لا يقبل إلا طيب)
هذا وصف لله- عز وجل- ولم يثبت أنه من أسماء الله -عز وجل- بهذا الصيغة فيما أعلم إلى حد الآن لكنه من الأوصاف.
السؤال: الفرق بين النبي والرسول؟
(4/36)
---(1/142)
نعم، الراجح أن هناك اختلاف جزئي؛ لأنه كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول؛ لأن الرسل طائفة اصطفوا من الأنبياء، فالرسل هم أعلى درجات النبوة، فيه النبوة وزيادة، وعلى هذا، فإن الرسل فيما يظهر -والله أعلم- هم الذين نزلت عليهم شرائع مستقلة، وكتب مستقلة، وأيضا كانت لهم أمم كبيرة في الغالب وأتباع، الأنبياء غالبا يتبعون شرائع الرسل، ولا تأتيهم كتب جديدة، إلا أن تكون تصحيحات، وتعديلات في كتب منزلة، فعلى هذا فالأنبياء أوسع دائرة، والرسل أخص، وأرفع درجة،- والله أعلم-.
ذكرتم لنا أن للملائكة حقوق علينا هل منها أن نقول عليهم السلام كالأنبياء؟
نعم ،لا مانع أن نقول (عليهم السلام)، لكن هذه لم نتعبد بها، لكن من باب أنهم أطهار، وأخيار، إلا جبريل -عليه السلام-؛ لأنه ورد السلام عليه، ومع ذلك الأمر جائز، أن تسلم على الملائكة إذا جاء لهم ذكر، ثم إن من حقوقهم أيضا: ما هو أوفى من ذلك، يعني: نؤمن بحقائق صفاتهم الكمالية لأن، الله -عز وجل- أعطاهم من الصفات، والأحوال، و الكماليات ما يجعلنا نغار منهم، ونتطلع لأن نكون بمنزلتهم، الغيرة المحمودة؛ فلذلك يرعى المؤمن حق الملائكة؛ لأنهم حوله دائما، يراعي حقوقهم من حيث أنهم لا يعصون الله -عز وجل-، وأنهم لا يليق أن يعمل عندهم ما لا يحسن، ومع ذلك كله يجب أن يراقب الله، أقول هذا؛ حتى لا يتعلق قلب المؤمن بغير الله، لكن من حقوق الله، ومما يجب في مراقبة الله أن نراعي خلق الله الكرام، نراعي حقوقهم تأدبا مع الله الذي أوجب علينا هذه الحقوق.
أعلى الصفحة
أعلى الصفحة
أرسل لصديق
عرض التعليقات
أضف تعليقاً
المعدل 2.36 من 5
التصويتات 11
تقييم العنصر:
تقييم
(4/37)
---
الإيمان بالغيبيات
Error! Not a valid embedded object.(1/143)
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس كالمعتاد في عرض بعض الأسئلة:
أولا: سنعرض سؤالا واحدا على الإخوة المشاهدين، وتردنا الأجوبة كالمعتاد.
هذا السؤال هو ما الأصل في أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما الدليل الذي يحكم هذه القاعدة، أو أورد دليلا يحكم هذه القاعدة من كتاب الله -عز وجل-؟
أما الأسئلة الأخرى فأعرضها على الإخوة الطلاب الحاضرين، وأولها:
ذكرنا في الدرس الماضي في موضوع القدر، وذكرنا مراتب القدر التي لا يتم الإيمان بالقدر على الوجه الذي يرضي الله -عز وجل- إلا بها، كم هذه المراتب، وما هي؟ نعم تفضل.
مراتب القدر أربعة: العلم: أن الله علم الأمور، ثم الكتابة: إن الله كتبها في اللوح المحفوظ
كتب مقادير كل شيء
ثالثا: المشيئة: أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، رابعا: الخلق: أن الله خالق كل شيء.
أيضا أورد سؤالا آخر يتعلق بالإيمان باليوم الآخر، الإيمان باليوم الآخر يشمل أمورا تكون في الدنيا، ما هي؟
تشمل أشراط الساعة مثل: الإيمان بنزول عيسى -عليه السلام- والمسيح الدجال، وأشراط الساعة المذكورة
لماذا ألحقت باليوم الآخر؟
لأنها تتقدم هذه
لأنها مقدمات؛ ولذلك سميت أشراط الساعة، وهي آخر الدنيا.
بسم الله الرحمن الرحيم، يقول ضيفنا الكريم (عاشرا: الإيمان بما صح الدليل عليه من الغيبيات: كالعرش، والكرسي، والجنة، والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط، والميزان، وغيرها دون تأويل شيء من ذلك)
(5/1)
---(1/144)
نعم، هذه قاعدة الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب تدخل فيه أمور الإيمان الأخرى السابقة: الإيمان بالله، وملائكته؛ لأن الملائكة غيب، وكذلك اليوم الآخر، وسائر المغيبات، يعني بمعنى: أن أركان الإيمان الستة تضمنت أصولا عظيمة من أصول الغيب، لكن الإيمان بالغيب لا ينحصر في أركان الإيمان أو بعض أركان الإيمان، بل الغيب يشمل كل ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه من أمور المغيبة، والأمور المغيبة على نوعين: منها أمور مغيبة تحدث في الدنيا من أمور مستقبلية أو حتى ماضية لكن انقطعت أخبارها عن الخلق، مثل ما جاء في قصص كثير من النبيين على الوجه السليم الصادق، لا على ما وري في التاريخ مما دخله من حكايات وكذب.
إذًا الجانب الأول هو الغيبيات التي غابت عنا في الدنيا من أخبار السالفين، وأيضا من الأخبار المستقبلية، ومنها أشراط الساعة.
النوع الثاني: الغيب الذي هو غائب عن الدنيا، أو لا يتعلق بحياة البشر وهو أيضا على صنفين:
الصنف الأول: ما يتعلق بالغيبيات الكونية الكبرى التي لا علاقة لها مباشرة بحياة الإنسان، مثلما يتعلق بأخبار السماوات، وأخبار والعرش، والكرسي، والأمور التي هي موجودة حاليا في الدنيا، لكنها أيضا فوق مدارك البشر، ولا تتعلق بحياة البشر المباشرة.
(5/2)
---(1/145)
النوع الثاني: الغيبيات التي تتعلق باليوم الآخر، وأيضا هذه الأمور كلها تسمى الإيمان بالغيب؛ لأنها غائبة عن المدارك، بل حتى غائبة عن العقول تفصيلا، تفصيلاتها غائبة عن العقول وعن المدارك، كل المدارك: الحواس الخمس، وغير الحواس، لا تدركها حتى الوسائل العلمية الحديثة؛ ولذلك وساستعجل هذه المسألة؛ لأهميتها؛ لذلك ظن بعض الناس أن ما أدركته العلوم والكشوف العلمية الحديثة مما هو غائب عن البشر أنه نوع من الاطلاع على الغيب، وهذا خلاف القاعدة الشرعية، كل ما أدركه البشر، وما سيدركونه في مداركهم العلمية التجربية الحسية أو غير الحسية التي تنبنى على قطعيات، هذه أمور كلها مما لم يكن غيب في علم الله -عز وجل- لكنه غائب عن بعض البشر، لم يكن غائبا عن آخرين، غائب عمن سبقونا اكتشفه المعاصرون، وربما تحدث كشوف أخرى كثيرة جدا لا تخرق الإيمان بالغيب، بل هي نوع مما أطلع الله به عباده، لكن الغيب الخالص لا يمكن الاطلاع عليه؛ ولذلك جاءت هذه القاعدة: أن على المسلم أن يسلم ابتداء بأنه مؤمن ومصدق بكل ما صح به الدليل، والدليل نوعان :
أولا: القرآن، والقرآن كله صحيح.
وثانيا: ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فالذي يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- منها ما يصح، ومنها ما لا يصح، فما صح بأسانيد صحيحة صار من الدليل الذي يجب الإيمان بمدلوله.
(5/3)
---(1/146)
وعلى هذا ما صح به الدليل هو القرآن، وما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح من جميع الغيبيات المذكورة في السابقة واللاحق في الدنيا والآخرة في الأرض وفي ملكوت السماوات، وما أخبر الله به مما فوق ذلك؛ لأن الله -عز وجل- أخبر من الغيبيات ما هو فوق السماوات: كالكرسي، والعرش، وهي مخلوقة؛ ولذلك جاء ضرب المثل بالعرش وهو أعظم المخلوقات التي جاء خبرها عن الله –تعالى- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو محيط بالمخلوقات وهو عرش الرحمن، والله -عز وجل- أشار إلى العرش إشارات كثيرة: منها ما يتعلق بصفات الله -عز وجل- وهو قوله - سبحانه وتعالى -: ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ?5? ?[طه: 5]، واستواء الله يليق بجلاله، ينبغي أن لا يفسر بلوازم المحدثات، وأعنى بذلك أن كثيرين خاضوا في مسألة الاستواء بغير علم، واستواء الله على عرشه على ما يليق بجلاله، العرش مخلوق، الله -عز وجل- ليس بحاجة إلى مخلوق؛ فاستواء الله على مايليق بجلاله، العرش -والكرسي دون العرش-، والكرسي أيضا محيط بالسماوات وهذا بالنسبة للغيييات التي هي عوالم من عوالم الكون مخلوقات من مخلوقات الكون موجودة ليست تتعلق بالمستقبليات، هناك نوع آخر من الغيبيات كما أشرت في أول حديثي، وهو الغيبيات المستقبلية ومنها الجنة والنار، والجنة والنار لها حالتان:
(5/4)
---(1/147)
الحالة الأولى: وجودهما الآن، فلا شك أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، لكن ليس على الهيئة الكاملة التي يكون عليها يوم القيامة بعد أن ينقسم الناس إلى سعيد إلى الجنة -نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم- وإلى شقي إلى النار، قبل أن ينقسم الخلق فالجنة والنار موجودتان الآن وبعد الآن، وكذلك مما يمثل به على الغيبيات ما يتعلق بالحياة التي بين حياتين حياة الإنسان إذا مات -وتسمى الحياة البرزخية- وقبل أن يبعث، هذه تسمى الحياة البرزخية؛ لأن البرزخ الشيء الذي يكون بين شيئين: كالجسر، فالحياة البرزخية تتمثل بالقبر، والقبر أيضا وردت فيه غيبيات كثيرة، وأحوال عجيبة جدا، ومشاهد مروعة في القبر قبل القيامة، من ذلك نعيم القبر -نسأل الله أن يجعلنا من المنعمين وجميع المستمعين وجميع المسلمين نعيم القبر- فالنعيم هذا له أحوال ورد ذكرهها تفصيلا ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجب الإيمان بها كما وردت دون عرضها على مقاييس البشر، ولا على مقررات العقول؛ لأن العقول لا تعقل إلا مدركاتها، وأحوال البرزخ خارجة عن مدركات العقول، فنعيم القبر جاءت فيه تفاصيل يجب الإيمان بها، وعذاب القبر نسأل الله العافية كذلك جاءت فيه تفاصيل، وكل ميت لا بد أن يخضع لإحدى هاتين الحالتين، اللهم إلا ما ورد في الشهداء، وهذا فيه خلاف، هل يعني هذا أنهم لا يعيشون حياة البرزخ؛ لأنهم في حوصل طير في الجنة، أو أنهم يعيشون حياة البرزخ، لكن لهم حال أعظم وأسعد من غيرهم، الله أعلم هذا أمر غيبي ما جاء فيه -فيما أعلم- ما يقطع به، إذًا البشر كلهم خاضعون لهذه الاعتبارات وهذه الغيبيات.
(5/5)
---(1/148)
ثم بعد ذلك ما بعد القبر وهو داخل في الإيمان باليوم الآخر، وفصلناه في الدرس الماضي، فلا نطيل فيه، وهو إجمالا البعث النفخة الأولى، والنفخة الثانية: الصعق والبعث والنشور والحساب، و الحساب يتخلله الصحف والميزان، ثم بعد ذلك الصراط والحوض -حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- نسأل الله جميعا أن يجعلنا ممن يردونه، ونحو ذلك هذه أمثلة فقط.
كل ما ورد من غيبيات يجب الإيمان به، ثم مما ينبغي معرفته أن هناك قواعد للإيمان بالغيبيات: القاعدة الأولى: أن نعلم أنها حقائق وليست مجرد أمثلة أو تخييلات أو مجرد تصوير أو تمثيل، بل هي حقائق، وأن هذه الحقائق أيضا غائبة عن المدركات لا يمكن أن تقاس بغيرها من المدركات، ولا يقاس بها غيرها؛ ولذلك الذين استعملوا القياس هلكوا وهم صنف من الخراصين، الذين ذكرهم الله –تعالى- وتوعدهم ?قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) ?[الذاريات:10]، بل القول في الغيبيات بغير ما ثبت به الدليل هو قول على الله بغير علم، والله -عز وجل- نهى عن ذلك وأرشدنا بقوله - سبحانه وتعالى -: ?وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)?[الإسراء: 36]، بل أيضا يدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم – لما تجادل بعض الصحابة في بعض الآيات التي تتعلق بالغيب والقدر قال: (أبهذا بعثتم؟ أبهذا أمرتم؟ تضربون آيات الله بعضها ببعض) قال: (فما علمتم منه؛ فاعملوا به، وما لم تعلموا؛ ردوه إلى عالمه، قولوا: الله أعلم) ولذلك ميز الله المؤمنين بالغيب، لماذا تميزوا؟ لأنهم سلموا تسليم المذعن لله، المسلم الموقن، والمصدق بخبر الله، وخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- تسليم المبصر، لا تسليم الأعمى؛ لأن الذي يسلم التسليم الأعمى هو الذي يقلد الآخرين من المخلوقين، أما الذي يسلم لله –تعالى- فهذا تسليمه مبصر، هذه
(5/6)(1/149)
---
البصيرة، لماذا أقول هذا؟ لأن بعض المفتونين، وبعض قليلي الإيمان، أو من عندهم شبهات: يظنون أن التسليم للغيبيات نوع من الحجر على العقل، وأنه نوع من التقليد والتسليم غير الرشيد، وهذا كله وهم، نعم، التسليم للمخلوقين فيما لاطاقة لهم به ولا علم لهم به نوع من التقليد الأعمى المذموم، لكن التسليم لله -عز وجل-، والتسليم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خبره هذا هو الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به وميزهم عن غيرهم، المؤمنون بالغيب ميزوا عن غيرهم، ومن أعظم ما ميزوا به الإيمان بالغيب.
(5/7)
---(1/150)
ثم بعد ذلك هذه الأمور يجب الإيمان بها دون تأويل ولا تحريف، ما معنى دون تأويل؟ يعني بمعنى لا نبحث لها عن معان تصرفها عن حقائقها، ما دمنا قلنا: أن مقتضى التصديق لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- أن نعلم أن كلام الله حق، وأن خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- حق، فمعنى ذلك أن هذه الغيبيات هي حق على حقيقتها على حسب علم الله -عز وجل- فيها، كيفياتهما مما لا يعلمها إلا الله فهي حق، إذا كانت حق؛ فإذًا هي لا تقبل التأويل؛ لأن التأويل هو صرف معاني الألفاظ والكلمات من معانيها وحقيقتها المباشرة إلى حقائق أخرى متوهمة أو متصورة أو يلجأ إليها عندما يصطدم الإنسان بحقائق الواقع، بينما أمور الغيب لا تصطدم بأمور الواقع، فلا نحتاج فيها إلى تأويل، إذًا لا تأول يعني لا تصرف معانيها إلى معان مظنونة محتملة كما يعمل أهل التأويل، ونضرب لهذا مثالا: الله -عز وجل- أخبر عن نفسه - سبحانه وتعالى –بأنه على العرش استوى، نحن نؤمن بهذا؛ لأنه حق على ما يليق بجلال الله -عز وجل- ولا نزيد على ما ورد في الشرع، فلا يجوز أن يتوهم شخص: أن الاستواء نظرا؛ لأنه متعلق بالعرش، والعرش مخلوق، إذًا لا بد أن نأوله بأن نقول: إن الاستواء هو الاستيلاء، هو الهيمنة، هو السلطان، نعم، هذه المعاني هي من لوازم الاستواء، فلا شك أن الله -عز وجل- مهيمن، ورب، ومالك - سبحانه وتعالى – لكن أيضا لا بد أن نؤمن أن الاستواء لله –تعالى- على عرشه حقيقة تليق بجلاله وكماله ليست كاستواء المخلوق.
ومن هنا نستبيح ونؤمن بالحق كما ورد، ونخلص من أوزار التأويل التي هي نوع من القول على الله بغير علم، التخرص الذي هو من لوازم التأويل: اللوازم الباطلة.
(5/8)
---(1/151)
أيضا أريد أن أنبه لأمر مهم: هو أنه عندما نقول: بأن الغيبيات حق من حقائها لا يعني أنا لا نؤمن بلوازمها، بعض الناس يظن أن السلف، وأهل السنة إذا قالوا بحقائق صفات الله -عز وجل- وأسمائه كما يليق بجلال الله، وحقائق الغيبيات أنهم يجمدون على النص، ولا يؤمنون باللوازم والمعاني التي تدل على سياقات، والتي جاء إثباتها من خلال ورود النص، لا يؤمنون بهذا وذاك، يثبتون حقيقة الغيبيات وما يلزم ذلك من اللوازم الضرورية التي تلزم من الإيمان بهذه الأمور.
الحادي عشر (الإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – وشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم يوم القيامة، كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة)
(5/9)
---(1/152)
هذا تفصيل بعد الإجمال، الشفاعة من الغيبيات، بعض الناس يظن أن الشفاعة من الحقائق الاجتهادية العلمية القائمة على البحث والنظر، لا، الشفاعة قضية غيبية جاء بها الخبر، ولها شروط جاءت عن الله –تعالى- وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم – والمقصود بالشفاعة: أن أناسا يوم القيامة بوساطة الغير، وهذا الأمر الذي هو الشفاعة مشروط بشروط أهمها: أن يأذن الله –تعالى- للشافع أيا كان حتى نبينا - صلى الله عليه وسلم – وهو أعظم الخلق وأزكاهم وأفضلهم لا يمكن أن يشفع إلا بعد أن يستأذن ربه -عز وجل- ثم يأذن له، وكذلك الباقين، إذًا الشفاعة هي الوساطة التي تكون يوم القيامة لبعض الخلق بشروطها: أول شرط لها: أن يأذن الله -عز وجل-، وثاني شرط: أن يكون المشفوع له ممن تقررت لهم الشفاعة، أي من المسلمين، فلا شفاعة لغير مسلم؛ لأن الله -عز وجل- ذكر عن غير المسلمين ?فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ?[المدثر: 48]، وهذه قاعدة قطعية مجمع عليها قد يرد سورة واحدة جاء بها النص، وليست شفاعة كاملة، إنما شفاعة جزئية، وهي شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – لعمه -وهو مشرك- أن يخفف عنه من عذاب جهنم، نعوذ بالله من جهنم، هذه الشفاعة الوحيدة التي كانت لمشرك، أم البقية فإن الله -عز وجل- شدد بالشفاعة بقاعدة يقينية، إذًا أن يكون المشفوع له ممن يستحقون الشفاعة بألا يكون من المشركين من الكافرين، بأن يكون في أصله مؤمن.
(5/10)
---(1/153)
الشفاعة أنواع: أولها: شفاعات النبي - صلى الله عليه وسلم – وتجمع؛ لأن بابها واحد، بعض الناس يظن أنه إذا قلنا الإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – يعني ذلك أنها واحدة، لا، شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – تدخل فيها صور، أولها شفاعته للخلائق يوم القيامة أن يفصل الله بينهم القضاء، وهذا ورد فيه حديث طويل في الصحيح وعجيب، وهذا الحديث تضمن مشاهد من مشاهد يوم القيامة فعلا توقظ القلوب الحية؛ ولذلك أوصي إخواني جميعا أن يراجعوا مثل هذه الأحاديث التي امتلأت بالعبر والعظات، والتي توقظ القلب وتجعله قريبا من الله -عز وجل- يحبه ويتقيه ويخشاه.
(5/11)
---(1/154)
هذه الشفاعة شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – العظمى والكبرى هي أعظم الشفاعات وذلك أن البشر يوم القيامة يحشرون طويلا في يوم عصيب: تدنوا منهم الشمس، ويرون جهنم تزفر أمامهم، ويشاهدون من المشاهد المروعة، لولا أن الله كتب عليهم ألا يموتوا لماتوا، ويكون الحشر طويلا طويلا جدا، ثم بعد ذلك يموج بعضهم في بعض يبحثون عن من يشفع لهم أمام الله -عز وجل-؛ لأن الباري - سبحانه وتعالى – يغضب هذا اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، فالبشر أمام الله - سبحانه وتعالى – لما استبانت لهم الحقيقة، ورأو أنهم فرطوا في دنياهم بأعمالهم، لم يكن لهم على الله -عز وجل- وجه بأن يقولوا أو يطلبوا؛ فراحوا يطلبون من أقرب ولاية إلى الله، فظنوا أن آدم ما دام أبو البشر فهو الذي أليق بالشفاعة، فذهبوا إليه، فاعتذر، فذهبوا إلى إبراهيم، فاعتذر، وذهبوا إلى موسى وعيسى ونوح قبل ذلك، ثم عند عيسى -عليه السلام- فقال اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم – فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فوصف النبي - صلى الله عليه وسلم – بالعبودية؛ لنعلم أن العبودية عزة وليست ذلة، لكن عبودية للخلق فعلا إذلال، أما العبودية لله فهي تمام العز؛ ولذلك أعظم مقام شرف الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم – هو عبوديته لله العبودية الكاملة.
(5/12)
---(1/155)
النبي - صلى الله عليه وسلم – مما يدل على أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن؛ ما نسي حق ربه -عز وجل- بل استشعر هيبة الله وعظمة الله، فراح يدعو طويلا يستأذن ربه -عز وجل- في أن يأذن له بالشفاعة يسجد تحت العرش، ويدعو طويلا، ويدعو الله بمحامد يلهمه الله إياها، حتى يقول له الله: يامحمد ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، وهذا هو والله المقام العظيم، والوسيلة التي وعد الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم – وهذا المقام المحمود، مع أنه قد يدخل فيه غيره أيضا، الشاهد أن هذه أعظم شفاعة، أن يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم – للخلائق في أن يفصل الله بينهم القضاء، ثم تتوالى شفاعات للنبي - صلى الله عليه وسلم – شفاعاته لأهل الكبائر، شفاعاته لأهل الجنة أن تعظم درجاتهم فيها، شفاعاته لأناس استوت حسناتهم وسيئاتهم إلى آخره.
النبي - صلى الله عليه وسلم – له شفاعات حسب ما ثبت في النصوص، ثم يشفع النبيون، ثم تشفع الملائكة، ويشفع الصالحون والمؤمنون، وورد لبعض أفراد الناس والأحوال شفاعات: فالقرآن له شفاعة لأصحابه القراءة، والصيام له شفاعة، وكذلك الشهداء إن ثبت النص لهم شفاعة، أطفال المؤمنين لهم شفاعة الذين يموتون هم وأهلهم على الإسلام.
(5/13)
---(1/156)
إذًا الشفاعات تكون لمن أذن الله لهم، ولا تكون إلا للمؤمنين الصالحين، كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة؛ ولذلك لا يجب أن ندعي بشفاعة لم يرد بها الشرع لماذا؟ لأن الشفاعة هي إذن من الله -عز وجل- لا يمكن أن نفترضها من أنفسنا، أو أن نقول على الله فيه بغير علم، أو ندعي أن هناك لأحد من الخلق شفاعات لم تثبت، نعم الشفاعات المطلقة ثابتة بمعنى شفاعات النبيين، لكن كيف تكون شفاعات المؤمنين، لكن كيف تكون؟ الله أعلم، شفاعات الصالحين كيف تكون؟ الله أعلم، لا نفترض لها صورا ونحد لها حدودا الآن؛ لأنها غيبية وتحدث يوم القيامة، ثم إن هذه الشفاعات يجب ألا تفتح بابا للجوء إلى المخلوقين في الحياة الدنيا أحياء أو أمواتا؛ لأن الشفاعات إنما تكون يوم القيامة.
(الثاني عشر رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة، وفي المحشر حق، ومن أنكرها، أو أولها فهو زائغ ضال، وهي لم تقع لأحد في الدني)
نعم، هذه أيضا من المقامات العظيمة والتي يتطلع لها المؤمن ويتشوق إليها، وهي أيضا من الأمور الغيبية التي يجب أن لا نزيد فيها على ما ورد في الشرع، وهي أعظم النعيم الذي وعد الله به عباده: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم، كما يليق بجلال الله، ونسأل الله أن يمتعنا جميعا بذلك.
(5/14)
---(1/157)
رؤية المؤمنين لربهم أعظم النعيم ما يدانيها شيء؛ لأن الله -عز وجل- وصفها بذلك؛ ولأنها أيضا معلوم أمرها بالضرورة، يعني: لا يعقل أن يتصور إنسان أن هناك أعظم نعيم من التمتع برؤية الله -عز وجل-؛ ولذلك الله -عز وجل- وصفها بمثل هذه الأوصاف، قال - سبحانه وتعالى -: عن المؤمنين الذين يدخلون الجنة ?لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)?[ق: 35]، ما يشاءون فيها هل تحد بحد؟ ما تحد بحد، كل ما يمكن يتمناه المؤمن في الجنة من النعيم يكون ويحدث له؛ لأن الله وعد بذلك، لكن هناك ما هو أعظم ما لا يتطلع إليه قبل أن يعده الله به، وهو ما وعده الله به وهو الرؤية.
ثم بعد ذلك أيضا قال الله -عز وجل- ?لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ?[يونس: 26]، وقال - سبحانه وتعالى – ممتنا على المؤمنين ?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) ?يعني بهية مستبشرة ?إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) ? [القيامة: 22:23]، بعد أن نضرت بأعماله الصالحة، ونجت وزكت، متعها الله بالنظر إلى وجهه الكريم، نسأل الله أن يجعلنا ممن يتمتعون بذلك.
(5/15)
---(1/158)
فإذًا رؤية المؤمنين لربهم في الجنة من الحقائق التي تواترت بها النصوص، طبعا هي غيبية؛ ولذلك الذين استعملوا عقولهم في الخوض في هذه الأمور وقعوا في هلكة؛ لأنهم قالوا: يعقل، ما يعقل إلى آخره من أمور هم أصلا في عافية منها، وقاسوا رؤية الخالق -عز وجل- على رؤية المخلوقين، قالوا: لا يمكن هذا؛ لأنه يترتب على الرؤية كذا، ويلزم منها كذا، لوازم بعضها حق، ويثبت لله -عز وجل-؛ لأن مما قالوه: قالوا يلزم من إثبات الرؤية إثبات الجهة لله -عز وجل- سبحان الله- ماذا تقصدون بالجهة؟ هذا كلام مجمل، الجهة نحن لا نجعلها وصفا لله، ولا نقول بها حتى نفصل،إن قصدتم بالجهة العلو، نعم، المؤمنون يرون ربهم من فوقهم، كما هو نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – فلماذا تنزعجون من الحق؟ ولماذا تقولون: هذا يلزم الجهة؟ العلو كمال، وكل عاقل يدرك بعقله وفطرته وبجميع المقاييس الحس والمشاهدة ومقاييس الفكر والعقل: أن العلو كمال، أليس كذلك؟ إذًا لماذا يتهيبون إثبات العلو لله -عز وجل-؛ ولذلك نفوا الرؤية زعمًا منهم أنها يلزم منها الجهة، وهربوا من إثبات العلو الثابت لله –عز وجل-.
إذًا الرؤية حق، لكن لا نتكلم فيها بأكثر مما ورد به النص، كيف تكون؟ هذه أمور لا يجوز أن نخوض فيها؛ لأنها تطلع إلى الغيب المحجوب الذي لا يعلمه إلا الله -عز وجل- خاصة فيما يتعلق بالله -عز وجل- بذاته وأسمائه وصفاته أفعاله، والرؤية هذه أمور متعلقة بالله يجب على المسلم أن يتهيب ويتورع أن يخوض فيها، أو حتى أن يفتح لنفسه باب الأسئلة والإشكالات، إن جاءته وساوس أو خواطر عارضة سيدفعها الإيمان بإذن الله، وإلا يسأل أهل العلم، لعل الله -عز وجل- أن يفتح عليه جوابا ينقذه من الوساوس، أما أن يبتدأ ابتداء بالتوهمات، فهذا من الخطأ.
(5/16)
---(1/159)
قال: وفي المحشر الرؤية نوعان كلها يوم القيامة، الرؤية في الجنة ذكرتها، الرؤية الثانية: رؤية جاءت مجملة لم تفصلها النصوص، وتبقى كذا نؤمن بها إجمالا: وهي أن الناس يرون ربهم في المحشر، وثبت في النصوص كيف؟ -الله أعلم-، ولم يرد من التفصيل بالرؤية في المحشر، كما ورد من التفصيل في الرؤية في الجنة، ولذلك نقف على النصوص؛ لذلك يجب معرفته: أن الرؤية لا تكون إلا يوم القيامة، سواء في المحشر، أو في الجنة، وعلى هذا لا يجوز، ولا يمكن أن يرى ربه بعينه في الدنيا، ولذلك الله -عز وجل- لما قال له موسى يعني: طلب الرؤية، قال الله -عز وجل- لن تراني تأبيد الحياة، ولا يعني التأبيد إلى ما بعد الحياة، تأبيد الحياة الدنيا؛ لأن الله -عز وجل- لا يحكم سننه الكونية -ما بعد الدنيا- لا يحكمها شيء، هذه العبارات تحكم حياة الناس والزمان الذي نعيش فيه إلى قيام الساعة، لن تراني يعني: في الدنيا، وكذلك كل الخلق لا يمكن أن يرى أحد ربه بعيني رأسه، نعم، قد يقال النبي - صلى الله عليه وسلم – لما عرج به هل رأى ربه بعين رأسه؟ إن كان رأى فهذه خصوصية، فالنبي - صلى الله عليه وسلم – خصه الله -عز وجل- بأمور كثيرة لا تكون لغيره.
لكن الراجح أن نبينا محممد - صلى الله عليه وسلم – لم يرَ ربه بعين رأسه، إنما رآه رؤية قلبية فؤادية الله أعلم بها.
هناك مسألة متفرعة عن هذا يقع فيها الإشكال، هل يمكن لأحد أن يرى ربه في المنام؟ أنا أطرح السؤال على الإخوة الحاضرين.
لا، لا يمكن صريح الآية تدل: إذا كان نفى على الحياة التي هي أوضح صورة، فمن باب أولى في المنام؛ لأن الشيطان ربما يشوش على الإنسان في منامه
(5/17)
---(1/160)
نعم، جوابك له وجه، وبقي وجه آخر، هذا الجواب صحيح، إذا قصدنا بالرؤية الرؤية الحقيقة الرؤية العينية، الرؤية الحقيقية لا يمكن أن تكون لا في المنام، ولا في اليقظة في الدنيا، لكن رؤية أحلام هذه أحلام، يعني بمعنى: أن إنسان يرى شيئا يأتيه في المنام أنه رأى ربه، هذا حلم وليس بحقيقة، ثانيا: أن هذه أمثال تضرب؛ ولذلك الناس إذا بالغوا في أمر غير حقيقي، قالوا: هذا حلم، أليس كذلك يقصدون غير واقع، غير حقيقي؛ فلذلك إذا كان أحد ادعى أنه رأى في المنام شيئا ظن أنه الله، نقول: لن ترى الله على الحقيقة، إنما هي أمثال ضربت لك أحلام حتى ولا رؤية؛ لأن الرؤيا الصادقة لا تكون إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم – ولذلك قال النبي: (رأيت ربي البارحة) هذه خاصة به، أما ما يراه البقية من الناس فهي أمثال تضرب، والأحلام ليست حقيقة؛ ولذلك لا نستطيع أن نحجر على أحد إذا توهم في حلم من الليل أنه رأى شيئا ظن أنه ربه، هذه مسألة ليست حقيقة، فلا نتجادل فيها.
الثالث عشر (كرامات الأولياء الصالحين حق، وليس كل أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجا، وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة أو عدمه)
(5/18)
---(1/161)
سبق الحديث عن هذا في الدرس الماضي عندما تحدثنا عن كرامات الأولياء والرؤى الصالحة والفراسة، وأجمل ما ذكرته هناك بإيجاز، هو أن كرامات الأولياء قد تكون من باب الرؤى، وقد تكون من باب الفراسة، وقد تكون خوارق أخرى، ومعنى ذلك: أن الله -عز وجل- قد يكرم بعض عباده بكرامات يتهيأ لهم أمور غير معتادة عند الناس، هذه الأمور أحيانا تكون معنوية وهو الغالب، وأحيانا تكون حسية أيضا، قد ينفتح على الإنسان من الأشياء المنغلقة التي عادة لا تحدث، قد تحدث له، هذا راجع إلى قدرة الله -عز وجل- لكن هذه الخوارق أيضا لا تكون كرامات إلا إذا كانت لمؤمن صادق صالح توافرت فيها شروط الكرامة بمعنى: لا تتعارض مع الكتاب والسنة، ولا تؤدي إلى بدعة، ولا تؤدي إلى محرم وفواحش الأمور، ورزائل الأخلاق لا تؤدي إلى الكذب، ولا إلى الظلم، ولا إلى الخيانة إلى آخره.
فالكرامة إذا كانت تسير في موكب الخير للشخص أو للأمة، قصدي الخارق للعادة إذا كان يحقق الخير الذي جاء به الإسلام، فهو كرامة لكن أيضا أحيانا قد يكون سبب للاستدراج، فلا يغتر المؤمن بذلك، ينبغي إذا رأى شيئا فيه قرائن الكرامة؛ فليحمد الله، ولكن لا يغتر إياه، والغرور هذه الأمور أحيانا تلتبس فيها عبث الشياطين، والجن بالكرامات، فتكون بعض الخوارق من باب الفتن، ويظنها صاحبها كرامة.
القاعدة الأخيرة
المؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه
(5/19)
---(1/162)
نعم، هذه قاعدة عظيمة، المسلمون المؤمنون كلهم لهم حقوق لماذا قلنا: المؤمنين؟ لأن المؤمن أخف من المسلم؛ لأن الإسلام أحيانا يكون مجرد الخضوع الظاهر للدين؛ فيدخل فيه المنافق، ونظرا لأن هذه أمور لا يعلمها إلا الله -عز وجل- فالذي يجمع الصالحين من المؤمنين المسلمين الوصف الذي يجمعهم هو الإيمان، فعلى هذا نقول: المؤمنون هم المسلمون الذين شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتحقق فيهم ولو أدنى الإيمان، ومن هنا يخرج المنافق الخالص، لا أقصد الذي فيه خصلة من النفاق، من هنا يخرج المنافق الخالص، فتبقى القاعدة للمؤمنين من عنده أدنى ذرة من الإيمان، فيبقى له هذا الحق، وهو الولاية لله -عز وجل- فكل مؤمن فيه من الولاية لله -عز وجل- بقدر ما فيه من الإيمان والاستقامة، فمن زاد إيمانه واستقامته والتزامه لدين الله وشرعه؛ زادت ولايته لله، ومن نقصت نقصت، ومن اختلت اختلت، لكن لا يعدم المؤمن من وجود ولاية بقدر إيمانه، ولو قلت قد يقول قائل: هل الفساق والفجار وأهل البدع فيهم ولاية لله؟ نعم: إذا كان عندهم شيء من الإيمان الصادق لله -عز وجل- شيء من محبة الله، ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم – والتزام واجبات الإسلام وفرائضه، ففيهم من الولاية بقدر ما فيهم من هذا الخير، وإن كان عندهم فسق وفجور؛ لذلك يأتي العكس أن كل إنسان تنقص ولايته، كل مؤمن تنقص ولايته بقدر ما يرتكب من المخالفات، فإن نقص إيمانه نقصت ولايته إن عمل الفسق والفجور والمعاصي نقصت ولايته، ولكن لا تنعدم، وعلى هذا فكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه، ومسألة الولاية هذه غير مسألة الولاء والبراء، مسألة الولاء والبراء نتيجة، مسألة الولاية أصل، لأن الولاية تلزم كل مؤمن الولاء والبراء سيأتي الكلام عنه، الولاء والبراء عبارة عن استثمار اعتقادي وسلوكي لهذا الإيمان عند المؤمن؛ ولذلك نأجل موضوع الولاء والبراء؛ لأنه لا يدخل في هذا الموضوع، وإن كان(1/163)
(5/20)
---
من لوازمه، فإذًا أعود وأقول؛ لأن هذه المسألة تكون خفية على كثير من المشاهدين، كل مؤمن ممن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهو على أصل الإسلام، كل مؤمن من هؤلاء له من الولاية لله بقدر إيمانه، فمتى ما نقص الإيمان، أو سواء كان الإيمان علمي أو عملي أو اعتقادي نقصت الولاية، ومتى ما زاد زادت؛ ولذلك قد يكون المؤمن من خلص أولياء الله، إذا كان موفي قائما بالفرائض، قائما بالواجبات، آمر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر، منته عن المحرمات، ملازم للاستقامة بقدر استطاعته، انظر الاستقامة مشروطة بالاستطاعة، إذا كان ملازما للاستقامة بقدر الاستطاعة فهو بإذن الله من أولياء الله، فالولاية الخالصة تحدث في مثلما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم – وأختم الدرس بذلك فيما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم – الأولياء بقوله عن الله -عز وجل- بقوله: (ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت بصره التي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش به، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) لكن هذا لمن يحصل؟ أصحاب الدرجة العالية، نعم، كل مسلم يستطيع أن يتطلع إلى هذا ويصل إليه، إذا بذل الأسباب؛ ولذلك يجب على المسلم دائما أن يسعى إلى مثل هذا المقام، وهو والله ليس بصعب بل يسير، بل هو طريق أمن وسعادة، وطريق هناء وطريق سهل جدا، لكن يحتاج إلى عزيمة وترويض للنفس، فمن عزم وروض نفسه واستقام على دين الله على ما شرعه الله وشرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم – فبإذن الله يصل إلى هذه الولاية بسهولة، أسأل الله للجميع التوفيق و السداد.
أعيد السؤال الذي قلتم فيه: ما الأصل في أسماء الله وصفاته وأفعاله، وما الدليل الذي يحكم هذه القاعدة من كتاب الله -عز وجل-؟
(5/21)
---(1/164)
أجاب: الأصل إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم – من غير تمثيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تأويل، والدليل قوله تعالى ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)? [الشورى آية: 11] وأجاب آخر: الأصل ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له نبيه -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل، والدليل قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ?11? ?[الشورى آية: 11]
الإجابات كلها متشابهة، ولعلنا نستغني بهذا، ويدل هذا على قوة متابعة، لكن هناك ملاحظة: على الجواب في استعمال كلمة تجسيم، نعم، الله -عز وجل- ينبغي ألا يوصف بالجسم المخلوق -تعالى الله-، لكن ينبغي في مثل ما سبق كما قلت في أول الدرس وأكرر هذا إذا أردنا أن نقرر الدين، نقرر العقيدة، أن نلتزم ألفاظ الشرع الله –تعالى- قال: ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? فكلمة تجسيم لا شك أنها منفية إذا قصد بها الجسمية المعهودة عند البشر، لكن أحب أن أنبه أن كثيرا من المبطلين، وأهل الأهواء، وأهل الابتداع والافتراق الذين أولو صفات الله، أو نفوها، أو شكوا فيما ثبت لله زعموا: أن إثبات الأسماء والصفات تجسيم زعموا: أن إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسول - صلى الله عليه وسلم – تجسيم، حتى قالوا: بأن قوله -عز وجل- ? بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ?[المائدة: 64]، تعالى الله، هذا كلام الله كيف تقولون تجسيم؟ إذًا كلمة تجسيم نظرا لأنها مصطلح أريد به عند بعض المبطلين نفي ما أثبته الله لنفسه، فإذًا ينبغي أن نتفاداها ونرجع إلى الكلمة الجامعة تشمل التجسيم وغيرها وهي التمثيل.
تلتبس عند بعض الناس خاصة في تقدم الطب في الوقت الحاضر أنهم يستطيعون تحديد نوعية جنس الجنين في بطن أمه في المراحل الأولى، وأن علم الأجنة من علم الغيب كيف يوفق بين هذا؟
(5/22)
---(1/165)
الحقيقة ظهرت كشوف حقيقة في الطب وغيره تقدمت في كشف بعض الأمور المغيبة عن أجدادنا وعن البشرية السابقة فيما نعلم، والبشرية مرت ببعض الحضارات القديمة ربما تكون وصلت إلى مثل هذه الكشوف أو قريب منها، لكن حسب ما نعلم أنه الآن كشفت أشياء من الأمور التي كانت مغيبة عن السابقين لم تكن معروفة، فأولا: كل ما يكشف بالوسائل العلمية الثابتة فليس من الغيب، ولم يكن من الغيب من قبل، كان غائبا عن ناس ولم يكن من الغيب الخالص؛ لأن الغيب غيبان: غيب غائب عن بعض المخلوقات، ولم يغب عن البعض الآخر، فهذا ليس هو الغيب المقصود في الكتاب والسنة، والدليل على هذا أن هناك أمور مغيبة عنا نحن البشر، لكنها داخلة في مدركات الجن، وهناك أمور غائبة عن البشر وعن الجن، لكنها داخلة في مدركات الملائكة، فهي ليست غائبة عن صنف من المخلوقات لكن غائبة عن صنف آخر، فهذه قد لا تكون من الغيب الخالص، أيضا ما يتعلق بمثال واحد وهو كون الله - سبحانه وتعالى - يعلم ما في الأرحام هذا واضح، لكن هل جاء النفي القاطع بأن البشر لا يعلمون ما في الأرحام، ما جاء، فيجب أن تفسر النصوص على ضوء الحقائق العلمية، ولا يمكن أن تتنافى الحقائق العلمية مع نصوص الشرع أبدا، إنما أفهامنا هي التي قد تقصر أحيانا.
فعلى هذا ما أشار الله -عز وجل- إليه: أنه يعلم ما في الأرحام، فلا يعني: أن الله لا يطلع عباده إذا توافرت وسائل العلم على بعض ذلك، ومع ذلك تبقى نسبة من العلم مما في الأرحام لا يعلمها إلا الله، نسبة منها أن ما في الأرحام هذا مطلق لا يتعلق بأفراد النساء أو المسألة الفردية عند المرأة، ما في الأرحام أحيانا يدخل فيه الأمور التي تتعلق بالأرحام في المستقبل والله أعلم.
إذًا لا بد أن تبقى نسبة من الغيب محجوبة ولو ضئيلة، والعلماء المختصين يعترفون بذلك.
(5/23)
---(1/166)
فعلى هذا الكشوف العلمية التي كشفت شيئا مما يظنه الناس في الغيب هو لم يكن من الغيب المحجوب الخالص، الغيب الخالص الذي يتعلق بملكوت السماوات والأرض، مالم يجعل الله للبشر عليه سبيلا، ما يتعلق بالعرش بالكرسي يتعلق باليوم الآخر، هذه أمور من الغيب الخالص، وهذا أمر لا يمكن أن يكشف إلا بما ورد به الدليل، إذًا أعود وأقول؛ لأن هذا السؤال مهم ما ينكشف للناس بالعلوم التجريبية، وبالعلوم الحديثة من الأمور التي يظن الناس أنها من الغيب، ليس هو من الغيب الآن، وأصبح جانب الغيب جانب آخر غير ما وصلوا إليه، ولا شك والله أعلم.
ممكن أجاوب على السؤال: إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم – من غير تأويل ولا تكييف، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم – من غير تمثيل ولا تعطيل، كما قال تعالى: ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ?[الشورى: 11]، مع الإيمان بمعاني النصوص ومادلت عليه، وأرجو التعليق على إجابتي
هل صحيح أن المسلم إذا كان في الجنة، ورأى أخيه في النار، فإن المسلم يطلب من الله أن يشفعه في هذا الذي في النار، فيشفع فيه؛ فيخرج من النار؛ لأنه هذا من زيادة النعيم؟
على أي حال هذا داخل في عموم ما ورد به النص من أن المؤمنين يشفعون شفاعة عامة وخاصة، يعني الرجل الصالح يشفع لمن شاء لأهل الكبائر الذين دخلوا النار، هذا معنى ثبوت الشفاعة، وفعلا هذا ثابت، لكن هل ثبت لأعيان أو كذا، هذا ما ورد به النص، ورد النص إجمالي أنه كما يشفع الأنبياء والملائكة، يشفع المؤمنون، نعم، يشفعون لمن في النار ممن استحقوا النار لذنوب تقتضي تطهيرهم ثم خروجهم منها، نعم هذا في الإجمال.
رؤية الناس لله - سبحانه وتعالى – في المحشر هل هي عامة أم للمؤمنين؟
(5/24)
---(1/167)
على أي حال الرؤية وردت بنصوص مجملة، رؤية الناس في المحشر، والمتأمل للنصوص يجد أن الرؤية وردت على سياقات، السياق الأول: أن جميع البشرية يرون ربهم، جميع الثقلين، أو الناس أهل المحشر، كلهم مؤمنهم وكافرهم يرون ربهم رؤية لم تفسر، هل رؤية حقيقية، هل هي عينية -الله أعلم-.
ثم بعد ذلك يراه المؤمنون ويراه معهم المنافقون، وهذا نكاية بالمنافقين؛ لأنهم إذا رأو أن الله -عز وجل- أطمعهم في الرؤية ظنوا أنهم لا يزالون يخادعون يخادعون الله، فيكون هذا أشد للنكاية بهم، ثم في المحشر نفسه تكون الرؤية الأخيرة للمؤمنين فقط، ويحتجب الله عن الكافرين والمنافقين؛ لأنهم كما قال الله -عز وجل- : ?كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ?[المطففين: 15]، هذا هو الظاهر من سياقات النصوص.
يسأل عن الحديث (ما منكم إلا ويرى ربه ليس بينه وبينه ترجمان)
ما ورد عن الكلام بين الله والإنسان يكلمه كفاحا ليس بينه وبينه ترجمان، لكن هل يتضمن هذا الرؤية أو لا يتضمن، ليس هناك دليل يقيني، ورد فعلا أن الله –تعالى- يكلم كل واحد من عباده ويكلمه كفاح ليس بينه وبينه ترجمان، لكن هل يلزم من ذلك الرؤية، أو لا يلزم فيه دلائل على أنه تكون معها رؤية لكن ليست قطعية، تبقى المسألة محتملة ليست من الأمور اليقينية.
تسأل عن الموحد إذا ارتكب بعض الذنوب
الموحد إذا ارتكب بعض الذنوب، أو قدر الله له أن يعذب في النار فهو يخرج -بإذن الله عز وجل- بشفاعة الشافعين: أولا: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم – لأهل الكبائر ثم شفاعات المؤمنين وغيرها، أيضا إذا كان قصدها كما فهمت من السؤال: الذي يخرج من النار من الذين عذبوا هل يتمتعون بالرؤية نقول نعم، النصوص تدل على أن هذا لجميع أهل الجنة، الرؤية لجميع أهل الجنة المتقدم منهم والمتأخر حتى من طهر في النار، ثم دخل الجنة فيما بعد فهو، بإذن الله يشمله نعيم الرؤية.
(5/25)
---(1/168)
المسلم الموحد إذا عمل بعض الذنوب -وسبحان الله- وضعه الله في نار جهنم على حسب ذنوبه؛ ليعاقبه، فهل الإنسان إذا أمر بأخذه ووضعه في ماء الحياة ودخل الجنة، فهل يرى الله - سبحانه وتعالى –مثل المؤمنين الذين دخلوا الجنة؟
الظاهر أنها عامة، لكنها للمؤمن خفيفة، وتكون لمن يستحق أشد من ذلك.
ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – أن للقبر، ضمة فهل هذه الضمة لجميع المسلمين؟ السؤال الثاني: بالنسبة للصراط هل ورد أن الصراط أنه واسع، أم ورد أنه أدق من الشعرة؟
ما ثبت أن الصراط رفيع دقيق، أما السعة ليس عندي منها عد، وأظنه لم يرد ذلك، وأظنه لا يتنافى مع كونه كالشعرة، إذا كان الطول على متن جهنم هذا يعني أنه طويل، لكنه من حيث السمك فهو رفيع جدا، كحد السيف وكالشعرة.
هل تفسير قوله تعالى: ? وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ?[آل عمران: 77]، بأن معناها لا يرحمهم، ولا يحسن إليهم، هل تعطيل وتأويل لصفة النظر التي أثبتها الله –تعالى- لنفسه، علما بأن هذا التفسير منتشر على هوامش مصاحف التجويد.
على أي حال هذا هو المقصود من السياق؛ لكنه لا ينبغي حصر المعنى عليه، ? وَلَا يَنْظُرُ? إليهم تشمل أن الله لا يبالي بهم، وأنه -عز وجل- يعاقبهم، لكن أيضا تشمل ما هو أوسع من ذلك؛ لأنهم قد يتمتعون برؤية ربهم -عز وجل- وبمعنى أن الله -عز وجل- لا يرعاهم الرعاية التي يستحقها غيرهم، من جميع وجوه الرعاية ليست محصورة فقط بنوع من الرعاية، وإلا فعلا هذا السياق بأن الله –تعالى- لا يعطيهم الرعاية التي تكون لغيرهم.
هل صحيح أن الشهيد يشفع لسبعين من أهله وجبت لهم النار، وحامل القرآن يشفع لعشرة وما الدليل؟
أما الشهيد فالراجح أن الدليل صحيح فيه، وعلى هذا فإن شاء الله فهذا ثابت بأنه يشفع لسبعين، أما ما يتعلق بالشق الثاني فلا أعلم له أصلا.
كيف يشفع الطفل المتوفى لأبيه؟
(5/26)
---(1/169)
الشفاعة جاءت مجملة شفاعة الأطفال لأبيهم، وهم لما يمسكون بآبائهم يوم القيامة سيرحم الله الآباء، يمسكون بهم ويتشبسون فيرحم الله -عز وجل- الآباء والأمهات بأطفالهم، لكن بشرط أن يكون من المؤمنين، بمعنى أن الكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين، وردت مجملة ولا أعرف أنها فصلت في النصوص.
في عقيدة أهل الكتاب بعض الأمور الغيبية توافق الأمور الغيبية عندنا، كيف يوفق طالب العلم بين ذلك؟
إذا اعتقدوا بعض الحق الذي عندنا، لا يمنع هذا أن يكون حق عندهم؛ لأن الذي ورد أن كتب أهل الكتاب حرفت لكنها لا تخلو من شيء من الحق؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – ذكر أن روايات أهل الكتاب، روايات بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب، بمعنى إنه ثبت أنها كاذبة، فهو أمر مفروغ منه، وإن ثبت أنها صادقة لكنها ما لم يثبت هذا ولا ذاك تبقى خاضعة للنظر المنهجي، ما وافق الحق عندنا فهو حق، وإن قالوا به، وما لم يوافق الحق فيرد، فعلى هذا أقول نعم قد يكون بعض الأخبار والأصول والأمور التي يؤمن بها أهل الكتاب قد توافق الحق عندنا، فلا يعني ذلك أننا نكذب كل ما يقولون.
ما الدليل على رؤية الله في المحشر؟
ورد في صحيح مسلم وغيره أن الله -عز وجل- يتجلى للخلق فيقول: أنا ربكم، فيقولون: ليست ربنا، ثم بعد ذلك يتجلى مرة أخرى، فيقول: أنا ربكم، فيقول: نعم، فيقولون نعم في الصورة التي يعرفونه فيها، يعني ورد السياق أحاديث صحيحة في صحيح مسلم وغيره وسياق الحديث طويل، ورد على عدة وجوه، وعلى عدة ألفاظ، فهو ليس حديث محتمل إنما لم يرد في هذا الأحاديث دليل قطعي على الرؤية البصرية التامة بالعين الباصرة، كما يقولون في الجنة.
سؤال: ماذا يفعل من يأتيه شك في العقيدة، وأحيانا يأتيه أثناء الصلاة والقراءة، وهل هذا يفسد من إيمانه مع العلم بأنه لا ينقص من أفعاله الصالحة، ولكن تؤثر على نفسه بالحزن على نفسه، وظنه أنه منافق؟
(5/27)
---(1/170)
على كل حال الحمد لله مادام الإنسان باكٍ على عمل الصالحات، فمعنى هذا أن الخواطر والهواجس لم تبلغ الحد الذي يطلبه الشيطان، وهذا الحال يدل على أن صاحبة الحال وأمثالها، لا يزالون إن شاء الله أن عندهم أصل إيمان، ويدفعون هذه الوساوس ويؤجرون عليها لكن أحب أن أوصي من يشعر بهذا الشعور بأمور أولها: أن يتفقه فيها على عالم أو طالب علم، أو من خلال الأشرطة والدروس المهيئة الآن عبر الوسائل، ويتعمق فيها من أجل أن يكون عنده يقين فيها بالدليل؛ فتزول أسباب هذه الوساوس.
الأمر الثاني: يجب أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ويكثر تعلق قلبه بالله -عز وجل- بكثرة التسبيح والتهليل وعمل الصالحات، فلا يبقى للشيطان منفذ أن يورد في الخاطر هذه الأمور.
(5/28)
---(1/171)
الأمر الآخر: إذا كان الأمر وصل إلى حد أن الإنسان ينزعج ويؤثر هذا على حياته، ويكدر صفو الحياة عليه، وهذا يوجد عند بعض الناس، فأخشى أن تكون هذه بوادر وسواس مرضي، فينبغي أن يعالج نفسه بالرقية والعلاج الطبيعي عند الأطباء النفسيين، يعني عندهم من الوسائل والتشخيص ووصف العلاج يخفف هذه الأمور، أو يلغيها، وأرجو أن لا يتساهل عندما يشعر بذلك، ولا أظن أن التداوي يتنافى مع الأخذ بالأسباب الشرعية، وهذا وهم يشعر به كثير ممن عندهم، مثل هذه الأوهام والوساوس والخواطر، ويظن أن هذا عيب أيضا، وهذا كله خطأ، فهذه امتحان من الله -عز وجل- وابتلاء ويؤجر عليها الإنسان لمدافعته لهذه الأمور يؤجر عليها؛ فينبغي أن يحتسب ويعلم أنه بذلك مأجور عند الله، ثم يتداوى؛ الرسول - صلى الله عليه وسلم – يقول (تداووا عباد الله) فيبذل مع الأسباب الشرعية من الرقية والأوراد والأذكار والتسبيح ومجالسة الصالحين والعلم الشرعي وما يصرف القلب عن هذه الأمور أيضا، يتداوى التداوي الطبيعي العلاج المادي فهو مطلوب؛ لأن الإنسان يجب أن يوفر ما يريحه في عبادة الله، ويصفي عليه ذهنه؛ لأن لا يشغله الشيطان بهذه الأوهام فيجب،أن تأخذ الأمور بهذا التدرج، إذا أمكن علاجها بالاسباب الذاتية والشرعية بها، ونعمت إذا ما أمكن فلا بد من مراجعة الطبيب.
سؤالي بخصوص الذين ارتكبوا المعاصي في الخمر وسماع الأغاني، هل هم محرومون في الجنة عند دخولها؛ لأن الله –تعالى- قال: ?أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَ?[الأحقاف: 20]،
مرتكب المعاصي مصيره الجنة يعني: المسلم إذا ارتكب مهما ارتكب من الذنوب مالم تكن ردة أو شرك ما لم يخرج من الملة مهما ارتكب من الذنوب فإن مصيره الجنة لكن على التفصيل التالي:
(5/29)
---(1/172)
المؤمن إذا مات على كبيرته يعني: مات وهو على كبيرته لم يتب، أما إذا تاب قبل موته فلا شك -إن شاء الله- أن الأصل أن الله تاب عليه فيما نعلم ظاهرا، والله أعلم بالسرائر، لكن إذا مات على كبيرة أو كبائر فسق فجور بدع غيرها إذا مات على هذا فهو يوم القيامة تحت مشيئة الله -إن شاء الله غفر له- وقد يكون ذلك بأسباب، وقد يكون بمحض مشيئة الله ورحمته وعطفه - سبحانه وتعالى – وإن شاء عذبه بمعنى أن يدخل النار لتطهيرهه من المعاصي، أما إذا دخل النار فإنه يخرج منها حتما؛ لأن مصيره إما بالشفاعة أو غيرها مصيره أن يطهر في النار، ثم يخرج منها إلى الجنة، وإذا دخل الجنة تمتع بما يتمتع به أهل الجنة من النعيم، نعم أهل الجنة قد يتفاوتون في النعيم، لكن نوع النعيم في الجملة لا يخص أحدا دون أحد.
فإذًا مصير مرتكب الكبائر من المؤمنين مصيرهم إلى الجنة في النهاية حتى وإن عذب بعضهم.
يسأل عن قوله تعالى: ? وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ? يقول: ألا يمكن حمل هذا على أن حجب ما في الأرحام كان قبل إرسال الملك؟
لا يلزم؛ لأنه الآن في الطب الحديث صار ممكن أن يحكم ببعض الأمور في الأرحام حتى قبل نفخ الروح؛ لأن نفخ الروح تكون على مراحل منها أن نفخ الروح بمعنى الحياة كاملة هذه تكون بعد أربعة أشهر، وفيه مبادل الروح وردت فيها نصوص أقرها الأطباء قبل ذلك في الأربعين أو الثمانين تكون هناك نوع من الحياة، والروح غير الكاملة فعلى هذا الروح مراحل.
ثم أيضا بعد ذلك يمكن، بل ثبت أنهم الآن يكتشفون أشياء كانت مغيبة عن السابقين حتى في أول النشأ والإنسان نطفة، لكن لا يعني ذلك كل ما في الأرحام يعني بمعنى أنه ما تبين للعلماء لم يصبح غيب مادامت توفرت أسباب البيان والكشف، فعلى هذا تبقى الغيب أيضا مرحلة استقلال.
يسأل عن الغريق هل يشفع لسبعين من أهل بيته
(5/30)
---(1/173)
نعم، الغريق يدخل في عموم الشهيد الحريق والغريق والهدمى والغرقى وما ورد في النصوص، والمبطون الذي يصاب ببطنه فجأة وهكذا، ويدخل فيه فيما يظهر حالات كثيرة مما يسميه الناس بغير أسمائها ربما بعض أنواع الموت فجأة إلى آخره، بعض أنواعه ليس كله.
إذًا هؤلاء ثبت أنهم شهداء الحريق والغريق والهدمى إلى آخره، إذا ثبت أنهم شهداء فالراجح أنه يشملهم شهادة الشهيد، مع أن بعض أهل العلم قال: أن المقصود بالشهيد شهيد القتال شهيد المعركة، لكن ليس فيما أعلم على هذا دليل يخصص، فيبقى النص على عمومه والله أعلم.
يقول: قلتم أن الرؤية لا تكون بالعين المجردة، فهل هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة وما المانع من ذلك؟
في الدنيا لا تكون؛ لأن الله عز وجل قال لنبيه موسى -عليه السلام- وهو من النبيين الذين يكرمهم الله -عز وجل- ويخرق لهم من الأمور مالم يخرق لغيرهم قال: ? قَالَ لَنْ تَرَانِي ?[الأعراف: 143]، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم – ذكر ذلك في حديث صحيح بأنكم لن تروا ربك إلا يوم القيامة، لا يحضرني نص الحديث بالضبط، لكن النصوص توافرت على أنه لا أحد في الدنيا يرى ربه بعينه، ويستثنى من هذا إن ثبت أن النبي رأى ربه بعينه، فهذا أمر خارق، كما أن الإسراء خارق والمعراج خارق، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم – وصل سدرة المنتهى، وهذه لم يصلها أحد بل وصل إلى مقام لم يصله جيريل -عليه السلام-, فإذًا النبي - صلى الله عليه وسلم – يكون له خصوصيات إن كان رأى ربه بعينه والراجح أنه رأى ربه بفؤاده، أما غيره فلا يمكن أن يرى في الدنيا؛ لأن هذا يتنافى مع قطعيات النصوص.
ما تفسير قول السيدة عائشة - رضي الله عنها- من أخبركم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية
(5/31)
---(1/174)
واضح هذا؛ لأنه ورد عنها وعن غيرها بأنها تقصد الرؤية العينية تقصد رؤية العين الباصرة، وهذا مما جعل كثير من أئمة العلماء، وأئمة السلف يستدلون بمثل قول عائشة على أنه لم يرَ ربه بعينه؛ ولذلك أنكرت عندما سألها مسروق قالت: لقد قف شعر رأسي مما تقول تعظيما لله ولشأن الله - سبحانه وتعالى – وهذا مما يدل على تعظيم السلف لله - سبحانه وتعالى – إذا جاء أمر يتعلق أو يرد فيه احتمال ظن أو إساءة أدب مع الله فإنهم تقشعر جلودهم من خشية الله وخوفه؛ فلذلك قالت لمسروق لما سئلها: هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم – ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما تقول يعني اقشعر جلدها من خشية الله وتعظيمه، ظنا منها أنه يسأل عن رؤية العين الباصرة، وهذا معنى كلام عائشة لا تنفي الرؤية القلبية.
عندي سؤال بالنسبة: هناك شريط نزل في السوق بخصوص عذاب أهل البرزخ؛ لأنهم اكتشفوا في سيبيريا مكان أجهزة علمية أن هناك أصوات لنساء يصرخون ورجال، فلا أدري ما مدى صحة هذا، وهل تكون من العلم المعترف به بالأجهزة العلمية
(5/32)
---(1/175)
في الحقيقة هذا من الخوض والتخطيط الذي لا ينبغي ألا نبالغ فيه، أولا: عالم الغيب لا علاقة له بعالم الشهادة، ولا يجوز أن نجد أو أن نلتمس وسائل علاقة لا علمية ولا عقلية ولا معرفية ولا حسية، بل هذا من أمور الدجل، يعني بمعنى: أنه لا يمكن أن تكون الوسائل العلمية والكشوف وسيلة إلى كشف الغيب، ولا حتى الاستدلال على الغيب، بعض الناس يفرح بمثل هذا ظنا منه أن هذا يثبت عذاب القبر للخلق لا عذاب القبر ونعيمه، إذا ما سلم به الإنسان لخبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم – فلن يستجيب للوسائل والكشوفات إلا قد يكون أفراد قلائل، وقد يكون هذا وجه يصيب ناس لكن ليس هو الحق، بمعنى: لا نقر به كوسيلة حقيقية مشروعة؛ لماذا؟ لأن أولا: عذاب القبر ونعيمه من النوع الذي لا يكون من مثل ما في الدنيا، لا يقاس وهو ما جاء النص يدل على أن القياس يستحيل، قياس أحول الموتى على أحوال الأحياء من وجوه كثيرة تدل عليها النصوص، مثلما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم – نوع العذاب الذي في القبر، هذا لا يمكن أن يتأتى بالمقاييس المادية إطلاقا؛ لأن القبر كله متر في متر، أو متر في مترين، أو أقل من ذلك، ويحدث فيه مثلا للمؤمن يفسح له مد بصره، كم في المقبرة آلاف أحيانا، فإذا لا يجوز أن نقيس؛ لأنه بالمقاييس يحدث تشويش وخلل، فعلى هذا أشيع بأنه وجد ناس كشفت الأجهزة بأنهم يصرخون ويبكون في القبور فهذا أحد أمور: إما أن يكون من عبث الجن والشياطين بالخلق وهو الغالب، وإما أن يكون أصلا دجلا ما ثبت حقيقة لو تتبعنا هذه القضية يمكن نجدها من صنع أناس من الكذابين، ولا أستبعد هذا؛ ولذلك ينبغي للمسلمين أن يكون عندهم نوع من التحري والتثبت في مثل هذه الأحوال، الأمر الثالث: لو تصورنا تصور آخر أنه قد يكون فعلا من أمور الغيب، فليس هذا هو وسيلة للإيمان بالغيب لا نستطيع قطعا أن نقول: هذه حقيقة يبقى على أقل الأحوال أمر مشكوك فيه.
(5/33)
---(1/176)
ومن هنا ليس هو وسيلة لكشف الغيب، ولا يجوز أن نثبت عذاب القبر ونعيمه بهذه الوسائل، بل هذا مصدر فتنة ونوع من الدجل والقول على الله بغير علم، فيجب أن نبتعد عن مثل هذه الوسائل هي وأشباهها، نحن نؤمن بالغيب بدون أن نلجأ لمثل هذه الأمور التي تكون فيها مدخل للشياطين، فيها مدخل للدجالين، فيها مدخل لضعفاء النفوس والذين يرتزقون بهذه الأمور والله أعلم.
ذكرتم ياشيخ قاعدة من قواعد الإيمان بالغيبيات أنها لا تقاس بالمدرك المعروف هل وصف الحدائق الغناء بالجنة أو كما يذكر بالجنة جنان أو جنة ووصف النار الآخرة بأنها أضعاف أضعاف نار الدنيا هل هذا الوصف ينافي قاعدة الإيمان بالغيبيات؟ وهل الرؤية لله في الجنة رؤية بصرية كاملة لله عز وجل
لا، هو ما ورد نؤمن به بمعنى: أنه ورد أن الجنة فيها أنهار وأشجار وفيها أنوع الملذات التي وصفت لكنها مع اختلاف الصورة يعني اختلاف في النوع، واختلاف درجة النعيم بمعنى أن ما في الدنيا أمثال صغيرة يسيرة مما في الآخرة هذا شيء، الشيء الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم – لما أخبر بنعيم الجنة قال: (وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) مجرد خاطر مما يدل على تشابه لفظي، تشابه في بعض المعاني لبعض نعيم الجنة مع ما في الدنيا أو بعض عذاب النار مع ما في الدنيا، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم – مثلا للنار بأنها جزءا من سبعين جزءا من نار جهنم، هذه التجزئة ماذا تعني؟ هل تعني شدة الحرارة لا ندري هذا كلام مجمل؛ ولذلك أقول دائما مثل هذه المجملات لا نفسرها بتحكم؛ فلذلك أقول نعم هناك أشياء في الجنة وفي النار تشبه ما عند الناس وهناك أيضا ما لا يمكن أن يخطر ببال.
تسأل أيضا عن رؤية الله عزو جل هل هي رؤية بصرية؟
(5/34)
---(1/177)
نعم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إنكم سترون ربكم عيان) والصحابة -رضوان الله- عليهم لما ذكر الرؤية سألوه عن الرؤية العينية هل تكون؟ قال (نعم) ثم (إنكم سترون ربكم عيانا )ثم ضرب مثلا بوضوح الرؤية، ومصداقيتها قال:(كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب) فإذًا ثبت فعلا بالنصوص القطعية أن الرؤية رؤية عينية، لكنها أمور تستجد للناس يوم القيامة، الله –عز وجل يقدرهم بعض الناس، يقول: كيف تكون هناك حاسة تدرك رؤية الله -عز وجل-؟ نقول: نعم، الله -عز وجل- هو الذي يخلقها لعباده، هو الذي يقدرهم عليها، لكن لا يحيطون به - سبحانه وتعالى – لأن بعض الذين أنكرو الرؤية توهموا أنها رؤية إحاطة، والله -عز وجل- ? لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ?[الأنعام: 103]،بمعنى لا تحيط به فحينما يرون ربهم يرون بالقدر الذي -عز وجل- يهيئه لهم فلا يعني أنهم يحيطون بالله رؤية، ولا يعني أننا نشبه الرؤيا بالرؤيا إلا من حيث الوضوح والنبي - صلى الله عليه وسلم – حين ضرب رؤية المؤمنين مثلا برؤية الشمس والقمر هذا من حيث الوضوح والجزم، لا من حيث تشبيه المرئي بالمرئي، فالله - سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء.
ما الفرق بين أن يكون الإنسان وليا لله كما قال تعالى: ? إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ ?[الجمعة: 6]أو أن يكون الله ولي الإنسان ? اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا ?[البقرة: 257]، وأيهما المقصود في الأصل الله ولي الإنسان أم الإنسان ولي الله
هي متلازمة إن كان وليا لله -عز وجل- فالله وليه الله يتولى المؤمنين، وكذلك المؤمنون هم أولياء الله، فالولاية من الله -عز وجل- الحفظ والرعاية والإعانة والتسديد ومحبة الله لهؤلاء الخلق، والولاية للخلق هي عبوديتهم لله وخضوعهم له فهي من الطرفين، لكن لله على وجه الكمال وللمخلوق على قدر حقه ونقصه.
(5/35)
---(1/178)
نتداول في المنتديات موضوع ارتطام نيزك عظيم على كوكب الأرض سنة 2016 سيهلك ثلث الأرض هل هذا من ادعاء علم الغيب علما بأن الخبر منذ سنوات كان محدد سنة 2013 وتأخر ثلاث سنوات، ويقول البعض لعله يوم القيامة أرجو نصيحة لهؤلاء؟
هذه الأمور هي توقعات فيجب ألا نتعلق بها، ولو حدثت فلا يمكن أن تتعارض، لا يمكن أن يحدث منها ما يلغي النصوص الشرعية من أنه في آخر الزمان ستحدث أحداث جسام وصفها كذا كذا، لكن يبقى هذا أمر محتمل، أما التوقعات التي تؤدي إلى الزعم بأنه يحدث حدث يخالف ما ورد في النصوص فهذا لا يمكن.
فإذًا هذه الأمور من التي لا تصدق ولا تكذب، وما عارض منها النصوص يرد وما لم يعارض يقال الله أعلم، لعل السائلة التي سئلت هي كانت تسأل أن الله تعالى يحرم على النار من كان قريب سهل لين، هذا المقصود به المؤمن اللين الجانب الخلوق مع الخلق المؤدب الحسن السيرة طيب القلب سليم الصدر فهذا لا شك أنه مطلوب وإن شاء الله يكون سبب سلامة له في الجنة إذا توافرت فيه الشروط الشرعية.
تسأل: عن الكرامات تقول: كيف أعرف أن الذي رأيته رؤيا أم حلم؟ وكيف أعرف أنه كرامة أم استداج فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ورأيت أني أسلم عليه وأقبل رأسه فهل هذه رؤيا حق وكيف أعرف ذلك؟
أما رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم – هي حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل به كما ورد في الصحيح، لكن أحب أن أنبه إلى أمر أن يشترط أن يكون رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم – على حقيقته ما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم – على صورة لا قدر الله يتمثل له خيال في صورة فاسق أو في صورة مبتدع أو بصورة من يعمل عملا مشينا هذا لا يمكن أن يكون.
(5/36)
---(1/179)
إذًا إذا كانت الرائية أو الرائي رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم – على الحقيقة بوصفه أو رؤية مجملة يشعر فيها أنه رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحيث لو سألناه عن الصفة الدقيقة قبل ما يدركها لكن يشعر أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فهذا الرؤيا حق وليستبشر حقا وربما تكون منذرة أحيانا، فإذن هذا أمر يحدث ولا يوجد ما يمنع منه بل أعود وأقول لا يمكن أن يتمثل الشيطان بالرسول - صلى الله عليه وسلم – في الحلم فمن رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم – بوصفه الحقيقي فقد رآه وليستبشر بذلك خيرا.
يقول: أنكم قلتم أن الغريق يدخل في الشهادة مع أنه ورد في حديث الشهيد عبارة تخصص الشهيد
ومع ذلك لأنه ربما يكون هذا أخص التخصيص في الحديث لا يدل على عدم عموم الشهداء أو شمول شهادة الشهداء، الراجح فيما يبدو لي أن هذا خاص بشهيد المعركة، لكن ماعندنا دليل قاطع عليه حتى وإن ورد؛ لأن هذا أمثل أنواع الشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم – كثيرا ما يضرب الأمثال بأمثل الأنواع بأمثل الأصناف ولا يعني عدم دخول الأصناف الأخرى فكأنه وصف الشهيد الذي تسيل دماؤه أو الذي هو شهيد المعركة ومادام ألحق بالشهداء أصنافا أخرى فربما يدخلون في ذلك الفضل وفضل الله واسع .
يسأل عن حديث (من مات وليس في رقبته بيعة مات ميتة جاهلية)
(5/37)
---(1/180)
نعم، الإنسان المسلم إذا تحققت في بلاده بيعة لإمام ولو كان فاسقا أو فاجرا وبايعه أهل الحل والعقد سواء مختارين أو من باب الولاية بالوراثة أو بالعهد أو من باب الولاية بالقوة كل هذا ذكره أهل العلم، بل النبي - صلى الله عليه وسلم – أشار إليه بأنه هناك خلافة راشدة وهنا ملك عضوض، ومع ذلك لا بد من البيعة، فالإنسان المسم إذا وجدت في بلده بيعة معتبرة ولو على أدنى الشروط، لا، بعض الناس يجهل يظن أن البيعة لا تكون إلا لحاكم صالح تقي نقي، نعم، هذا نرجو أن يكون نتمناه، لكن لا يلزم، أحيانا تكون الولاية لمن ولاه الله تعالى ? وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ?[البقرة:247]، وكما تكونوا يولى عليكم وأحيانا تكون الولاية في ملك جبري، يعني يأتي في ملك جبر، يعني يأتي بقوة الحاكم ومع ذلك إذا بايعه أهل الحل والعقد فالبيعة لازمة لكل أفراد المسلمين في هذا البلد، ومن لم يلتزمها وقع في الوعيد، أم المسلم الذي في بلد ليس فيه ولاية إسلامية، فأمره إلى الله -عز وجل- فلا يكلفه الله ما لا يطيق، فليتمنى أن يحقق الله له هذه الأمنية، وليسعى إلى ذلك بالحكمة والأسلوب المناسب.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
أعلى الصفحة
أعلى الصفحة
أرسل لصديق
عرض التعليقات
أضف تعليقاً
المعدل 2.36 من 5
التصويتات 11
تقييم العنصر:
تقييم
(5/38)
---
لعقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
توحيد العبادة
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، واشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، - صلى الله عليه وسلم - وآله ، ورضي الله عن صحابته والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
بعون الله وتوفيقه نستأنف هذا الدرس بعرض سؤالين كالمعتاد للأخوة المشاهدين ، ثم أسئلة للأخوة الطلبة الحاضرين .(1/181)
أولا سؤال الأخوة المشاهدين : ما يتعلق برؤية المؤمنين لربهم - عز وجل - يوم القيامة تنقسم إلى قسمين : منها ما هو قطعي ، ومنها مت هو مجمل فيه تفصيل ، أرجو التفريق بين النوعين .
السؤال الثاني يتعلق بخوارق العادات : منها ما هو كرامات لأولياء الله عز وجل والمؤمنين والمسلمين ، ومن وفقه الله عز وجل ، أو أكرمه بشيء من ذلك ، ومنها مت هو من عبث الجن والشيطاين .
الخوارق على نوعين : منها ما يقع كرامات ، ومنها ما هو من عبث الجن والشياطين ، فما هي أهم الفروق التي نميز فيها بين الكرامة ، وبين الخوارق الأخرى التي ليست كرامات .
سؤال الأخوة الحاضرين : قلنا من القواعد القطعية في الدين الإيمان بكل ما صح به الدليل من الغيبات ، هناك غيبات في عالم الشهادة ، لكنها مع ذلك غائبة ، يعني في الحياة الدنيا ، وهناك غيبيات تكون بعد الموت أو يوم القيامة أضرب ثلاثة أمثلة لكل نوع .
أجاب أحد الطلبة :
المثال الأول : خلق السماوات ، خلق الأرض ، والعلم الإيمان بالغيب المشاهد ، خلق الكواكب .
الشيخ :
إذا كان الشيء مشاهد فليس بغيب ، هناك مخلوقات غيبية لا نشاهدها ، الكواكب والسماوات نراها .
السماوات قد يكون منها ما هو غائب عنا ، نحن نرى السماء الدنيا ، نعم هذا مثال السماوات غير السماء الدنيا .
أكمل الطالب :
(6/1)
---
علم الغيب والأخبار التي وردت في مثل العرش ، والجنة النار .
الشيخ :
أحسنت ، العرش مخلوق وموجود ، وكذلك الجنة والنار مخلوقتان موجودتان .
سؤال آخر :
وهو ما يتعلق بالشفاعة ، نعلم أن المقصود بالشفاعة : هو أن الله عز وجل يكرم بعض عباده في أن يشفعوا عند الله - عز وجل - للآخرين ، فما أهم الشروط في المشفوع لهم ، وما هي أهم الشروط في الشافعين ؟
أجاب أحد الطلبة :
الشرط الأول : إذن الله للشافع .
الشرط الثاني : رضى الله للمشفوع له بالشفاعة ، أو رضي عنه .(1/182)
الشيخ : إذا قلنا أنه لا يمكن أن تكون الشفاعة إلا لمن رضي الله له الشفاعة .
أجاب أحد الطلبة :
الشفاعة تكون للمؤمن ويخرج منها الكافر .
الشيخ : الدليل على خروج الكافر ؟
أجاب أحد الطلبة :
قوله تعالى ?إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى?(الانبياء: من الآية28).
الشيخ : فيه نص صريح في هذا وهو ?فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ? (المدثر:48) .
على بركة الله سنبدأ الدرس الجديد :
( ثالثاً :التوحيد الإرادي، الطلبي ( توحيد الألوهية :(1) الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته وأسمائه، وصفاته، وهو رب العالمين، المتسحق وحده لجميع أنواع العبادة .)
أولا : ينبغي أن نعرف بالمقصود بالتوحيد الإرادي الطلبي ، توحيد الألوهية ، لأنن سبق وأن أخذنا قواعد متعلقة بالنوع الأول من أنواع التوحيد ، وهو يتعلق بالله - عز وجل - توحيد الله بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله .
والنوع الثاني هو : توحيد العبادة وتوحيد العبادة سمي التوحيد الإرادي لأنه يكون بإرادة العباد من ناحية ، من ناحية أخرى أن الله أراده من العباد طلبه من العباد كذلك يسمى طلبي لأنه هو التوجه والطلب إلى الله -عز وجل - بالعبادات ، من قبل العباد ، ولأن الله - عز وجل - طالب العباد به .
(6/2)
---
ويسمى توحيد الألوهية ، لأنه مبني على التعبد والتأله وهو المحبة والانجذاب إلى الله - عز وجل - ، والانطراح إليه سبحانه والخضوع له ، والتوجه إليه بأنواع العبادة القلبية واللسانية ، وعبادة الجوارح ، فمن هنا سمي توحيد الإلاهية ، أو الألوهية ، وليس بينهما فرق .
إذن هذا النوع من التوحيد هو أفعال العباد التي يتوجهون بها إلى الله والتي تبدأ بتوجه القلوب على الله - عز وجل - بمحبة الله ورجاءه وخوفه ، وما ينتج عن ذلك من التقوى ومن سائر أنواع العبادات التي تبدأ بالدعاء وتنتهي بجميع أعمال وحركات الإنسان التعبدية .(1/183)
القاعدة الأولى في هذا الباب : هو أن الله عز وجل كما تقرر أصلا في العقول المستقيمة والفطر السليمة : أن الله واحد في ذاته وأسماءه وصفاته ، أحد متفرد سبحانه في كل شيء ، متفرد بالكمال والعظمة والجلال والجمال ، متفرد بجميع الأسماء والصفات التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد ، فهو واحد في ذاته ، وواحد بأسمائه سبحانه وواحد بأفعاله وواحد بصفاته لا يشركه أحد وعلى هذا فهو سبحانه وحده الرب الذي له الربوبية المطلقة فهو الفعال لما يريد ، كل شيء بيده سبحانه ، بيده ملكوت كل شيء ، بيده مقادير كل شيء سبحانه ، فهو الرب وحده وهو المستحق لكل معاني الربوبية ، ولا يستحق أحد معه أي معنى من هذه المعاني ، إذا كان كذلك وهذا ما نريد أن نصل إليه من خلال التفكير العقلي والمنطقي والفطري ، إذا كان كذلك فعلى هذا لا يمكن أن يستحق أحد العبادة سوى الله - عز وجل - لأنه هو الكامل وحده وهو الذي بيده مقاليد كل شيء ، ليس في أيد العباد أي شيء مما يستقلون به .
(6/3)
---
فعلى هذا فهو كما أنه سبحانه لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي ذاته ، وكذلك لا شريك له في ربوبيته ، فهو الرب المتصرف المالك ، وعلى هذا فهو أيضا يستحق وحده العبادة ، جميع أنواع العبادة ، فهو رب العالمين ، وهو معبودهم كذلك ، فعلى هذا فلا يستحق العبادة إلا الله وحده .
ثم ننتقل بعد ذلك القاعدة الثانية
((2) صرف شيء من أنواع العبادة، كالدعاء والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحب، ونحوها لغير الله تعالى شرك، أياً كان المقصود بذلك، ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو عبداً صالحاً، أو غيرهم.))
إذا كان الأمر كذلك ، إذا قلنا أن الله - عز وجل - هو واحد أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله ، وهو المستحق وحده للعبادة ، فلا يعبد إلا الله ، ثم لا يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله .(1/184)
وأنواع العبادة كثيرة لكن أبرزها الدعاء ، ثم الصلاة والسجود وغير ذلك من الأنواع الظاهرة البينة ن لأن العبادة أول ما تنشأ من القلب ، لكن العبادة القلبين خفية ، لا نعلم ما بين العبد وبين ربه عز وجل ، فيبقى مظاهر العبادة الظاهرة التي تبدو على الأركان ، على أفعال الإنسان في سجوده وركوعه وتوجهه وقبلته وغير ذلك من حركاته التعبدية ، أو على أقواله ، مثل الدعاء والاستعانه والاستغاثه ، أو على أفعال أخرى قد لا تدخل ، وقد تدخل في هذا وذاك .
فالذبح مثلا أمر مزدوج يدخل فيه الفعل والقول أحيانا عند التسمية ، فقد يذبح لله ولكنه ينطق بالتسمية لغير الله فانصرفت العبادة اللسانية لغير الله ولا شك أن هذا ناتجا عن العبادة القلبية .
إذن التوجه إلى غير الله - عز وجل - بأي نوع من أنواع العبادة شرك ، وهو أبرز أنواع الشرك التي لا يمكن أن تخفى على عاقل لأنها من الأمور البينة التي يمارسها العباد بأفرادهم ن ليست من الأمور الخفية .
(6/4)
---
أنواع العبادة بأشكالها قد يكون منها ما هو خفي لأنه قد يختلط فيه الأمر الغريزي بالتعبدي ، وهذا ما سأشير إليه ، ولك أكثرها واضح .
الصلاة ، الركوع السجود وهو جزء من الصلاة أو أحيانا بعض الناس قد يفرد سجودا لغير الله ولو لم يكن صلاة كاملة ، أو يفرد ركوعا لغير الله ، أو يتجه لغير القبلة أو يطوف بغير الكعبة ن هذه عبادات محضة ، كلما صرفت لغير الله فهي شرك محض ، هذا بالنسبة للفعل .
أما الفاعل فإنه يحتاج إلى أن يجري عليه شروط التكفير وموانع التكفير ، سواء حكمنا بشركه أو ببدعته أو نحو ذلك .
إذن أبرز أنواع العبادة : الدعاء والصلاة والسجود ، ثم يدخل في ذلك أنواع فيها نوع من الغموض عند بعض الناس .(1/185)
مثلا : الاستغاثة ، الاستعانة ، الذبح ، التوكل ، الخوف ، الرجاء ، الحب . هذه المعاني يوجد منها ما هو طبيعي غريزي فيما بين الخلق في تعاملاتهم ، هذا ليس هو الممنوع ، وأمور تنبني على التقديس وهذا هو العبادة .
بمعنى أنا نقول : الاستعانة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه أمر مشروع ، تقول لأخيك ناولني القلم ، هذا نوع من الاستعانة ، هذا أمر مشروع قطعا وهذا من الحلال القطعي الذي لا يماري فيه إلا جاهل .
لكن إذا استعنت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله : كأن تأتي إلى ميت وتقول : أعني على كذا . الميت لا ينفعك ، أو تأتي إلى إنسان حي تريد منه أن (كلمة غير مفهومة) التي لا يقدر عليها غير الله ، تريد منه أن ينزل لك المطر ، فمن هنا استعنت به فيما لا يقدر عليه غير الله ، فمن هنا وقع الشرك .
كذلك الاستغاثة والنذر ، لكن النذر غالبا لا يكون إلا تعبدي ، ومع ذلك بعض الناس يخلط بين النذر والقسم ، وبين النذر وبين الحقوق التي يلتزم بها للعباد .
فالنذر بمعناه المصطلح العم عند الناس غالبا يكون تعبدي ، فعلى هذا لا يجوز النذر لغير الله .
لكن الذبح : الذبح له صور ،أبرزها صورتان :
(6/5)
---
الصورة الأولى : مجرد الذبح مع التسمية لله عز وجل لأكل اللحم أو لإكرام الضيف لغير قصد التعبد أو النحر لله عبادة خالصة فهذا مشروع ولا يدخل ذلك في مسألة الذبح الشركي بل هو الذبح الحلال أن تأتي بذبيحة تذبحها بسم الله من أجل أكل لحمها أو توزيعه أو إكرام ضيفك ، فهذا من الأمور بالمباحة .
لكن الذي يدخل في الشرك هو : الذبح تعبدا لغير الله تقديسا لغير الله ، فإذا ذبح الإنسان تعبدا لغير الله فمن هنا يقع الشرك ، حتى لو سمى الله ، أو لم يسمي .(1/186)
ونظرا إلى أن كثيرا من المسلمين بحمد الله في عافيه من هذه الأمور ولا يتصورونها ، ولذلك يكثر السؤال عن مثل هذه الأمور : كيف يكون الذبح لغير الله ؟ أنا ذبحت عند الجزار أو في المجزر أو في البيت ، ذبحت وأحيانا أنسى اسمي الله ، أو اسمي الله ولكن قصدي مثلا إكرام هذا الضيف ، فهل يكون هذا من باب الشرك ، نقول : لا ، هذا مشروع .
والذبح إكراما للضيف هو سنة نبينا إبراهيم عليه السلام وهو سنة نبينا صلي اله عليه وسلم وسنة السلف الصالح ومن العوائد الكريمة عند الأمم .
(6/6)
---(1/187)
فإن المقصود بالذبح الشركي وهو التقرب والتقديس ذبح العبادة القربة التعبدية لغير الله في الذبح ، كذلك التوكل هو مثل الاستعانة ومثل الاستغاثة التوكل يعني بمعني أن تعتمد على العباد فيما يقدرون عليه هذا أمر جائز لكن الأولي ألا يسمي توكل لأن التوكل كمال الاعتماد ولذلك الصحيح شرعا إن التوكل لا يكون إلا على الله عز وجل وأن الاستعانة والاستغاثة صور من صور التوكل لكنها تختلف من أنها في أنها تتعلق بالطلب من العباد أما التوكل فهو تعني الاعتماد الكلي والاعتماد الكلي لا يكون إلا على الله عز وجل الاعتماد المطلق فمن هنا التوكل قصد به معناه اللغوي فلا يجوز إلا على الله عز وجل وإن قصد به الاستعانة والاستغاثة فمنه ما هو ممنوع وما هو مشروع نحو ما فصلت قبل قليل وكذلك الخوف والرجاء والحب هذه معاني قلبية وعاطفية توجد عند الناس فمنها ما هو مشروع لا علاقة له بالتعبد وهو من غير العباد في علاقاتهم وهو كأن ترجوا من إنسان أن ينفعك رجاء فيما يقدر عليه هو أو تخاف من إنسان مثلا يمكن يهددك فيما يقدر عليه هو أو تخاف من حيوان أو من يعني بعض مظاهر الكون خوف غريزي طبيعي يعني فيما يحدث من هذه الأمور التي تخاف منها طبعا فهذا لا يعني لا عيب فيهوهو مشروع إذا لم يتعدى الحد المعقول ، لكن الممنوع والذي يدخل في الشرك هو حب التقديس إذا أحببت أحدا من الخلق يعني نبيا أو وليا أو صالحا أو مخلوقا أخر أو حتى جماد من الجمادات أو غيره إذا وصلت درجة المحبة للتقديس والتعظيم الذي لا يجوز إلا لله فهذا شرك وكذلك الخوف من إنسان لا يقدر على أن يخافك كأن تخاف من الميت أو ترجوه وكذلك الرجاء أو كذلك أن تخاف من مخلوق بأن يضرك في ما لا يقدر عليه أصلا في أمر لا يقدر عليه إلا الله تخاف من المخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله أو كذلك يعني الخوف الذي يصل إلي حد اعتقادا أن مثلا الغائب ممكن أن يضرك في أمر الأصل والعادة أنه لا يضرك فيه إذا وصل(1/188)
(6/7)
---
الخوف إلي هذه الدرجة فقد يكون شرك أو كبيرة بحسب درجاتك ما سيأتي بمسألة التوكل والوسيلة أو التوسل ، ستأتي صور من هذه الأنواع عند الموضوع التالي إن شاء الله ، إذن الخوف والرجاء والحب إذا وصل لحد التقديس أو إسناد شيء للمخلوقات مما لا يقدر عليه إلا الله فهو شرك أما إذا كان دون ذلك فهو غريزي قد يكون فيه إثم أحيانا إذا زاد عن الحد المعقول ولم يصل لحد التقديس وقد يكون مشروع وهو الغالب ، المحبة الطبيعية مشروعة الرجاء الطبيعي الخوف الطبيعي كله مشروع وقال أيا كان المقصود بذلك يعني كل هذه الأمور إذا صرفت لغير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله أو في ما لا يجوز إلا لله فهي شرك سواء كان من صرف في هذه الأمر ملكا مقربا يعني من الملائكة أو نبيا من الأنبياء مرسلين أو من العبا الصالحين أو غيرهم بمعني إنه حتى ولو كان أكرم الخلق ما دام مخلوق فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة له وإن كان أفضل العالمين وهو نبينا صلي الله عليه وسلم فهو أفضل الخلق على الإطلاق ومع ذلك لا يجوز بل من إهانة النبي صلي الله عليه وسلم أن يصرف الإنسان له شيئا من العبادة لغير الله كما قال لأحد الذين توهم منهم أو علقوا به شيئا لا يجوز لله قال جعلتني لله ندا ثم نعم القاعدة الثالثة تفضل :
(3- من أصول العبادة، أن الله تعالى يُعبد بالحب والخوف والرجاء جميعاً، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال، قال بعض العلماء : (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده في حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء).)
(6/8)
---(1/189)
نعم العبادة عبادة الله عز وجل عند كل إنسان كل عابد لله عز وجل لابد أن تقوم العبادة في قلبه على ثلاثة أسس على ثلاثة أركان لابد أن تكون هذه الأركان موجودة جميعا في قلب العبد وفي أثار الأعمال القلبية على جوارحه أثار أعماله القلبية على جوارحه على لسانه وأعماله هذه الأركان الثلاثة أولها المحبة فمعني المحبة محبة التعظيم والتقديس لله عز وجل فالواجب على العباد أن يحبوا الله سبحانه الواجب على المسلم أن يمتلئ قلبه بمحبة الله تعظيما وإجلالا وتقديسا وتأليها إنجذابا إلي الله عز وجل وأن يكون الله عز وجل أحب إليه من كل شيء محبة التقديس والتعظيم والكمال ثم لابد بعد ذلك من الركنين الأساسين بعد ذلك وهما الرجاء من جانب والخوف من جانب لا يفترقان بل لابد أن يتعلقان يتعلق كل منهما بالمحبة ولذلك شبه بعض أهل العلم العبادة بجسم الطير فالمحبة هي جسمه والرجاء جناحه الأيمن والخوف جناحه الأيسر لا يمكن أن يطير الطير إلا بهذه الكيانات الثلاثة في جسمه وجناحيه فعلى هذا فإنه مع المحبة محبة الله عز وجل وإجلاله وتعظيمه لابد أن يتعلق قلب المسلم برجاء الله أن يكون راجيا لله عز وجل () اليأس والرجاء لابد أن تقترن بالأسباب كما سيأتي كذلك الخوف أيضا لابد أن يكون الإنسان خائفا من الله فيجمع بين المحبة والرجاء والخوف ويوازن بينها فلا يطغي جانب على جانب وعلى هذا فإن من لوازم المحبة والرجاء والخوف العمل بشرع الله عز وجل لأن مسألة المحبة إذا لا ينبثق عنها رجاء وخوف ثم عمل تصبح مجرد دعوة ، قال عز وجل ?قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ? [ آل عمران: من الآية31] .
فلابد من الاتباع ، والاتباع يجمع بين الوعد والوعيد والخوف والرجاء والعمل بأحكام فعلى هذا فإن المسلم لابد أن يجمع بين هذه الأصول الثلاثة :
(6/9)
---(1/190)
أن يكون محبا لله ، ثم راجياً لثواب الله ويعمل بالأسباب ، وخائفاً من عقاب الله ، ويدرأ هذا العقاب باجتناب النواهي فيعمل بالأوامر رجاء فضل الله وينتهي عن النواهي خوفاً من الله .
ومع ذلك كله لابد أن يحب الله وأن يعظم الله في المحبة وأن يحب ما يحبه الله و يحب من يحبهم الله هذه الأمور إذا ضعف فيها جانب اختل الإيمان .
إذن فقد جانب يعني قد يفقد الإيمان كله يعني بمعني النقص في هذه الأصول الثلاثة أو في أحدها نقص في الإيمان مع إنها يلزم من بعضها يعني يلزم من وجود بعضها البعض الأخر .
بمعني إن من اكتملت محبته لله اكتمل رجاءه وخوفه والعكس كذلك بل لذلك فإن من نقص عنده أصل من هذا لأصول نقص إيمانه .
ومن اختل عنده أصل من هذه الأصول اختل إيمانه وقد يفقد الإيمان بالكلية كما سيأتي لذلك قال ، قال بعض العلماء من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق.
ومعني ذلك أنه يوجد من المتفلسفة وبعض المتعبدة الجهال وعليه كثير من عباد الأمم وتبعهم بعض العباد الذين ينتسبون للإسلام من زعموا أنه يكفيهم التعلق القلبي بالله محبة الله وتعلق القلب به .
وأن الإنسان إذا وصل إلي هذه الدرجة يستغني عن العمل بالشرع ولا يعول على الرجاء ولا على الخوف ويزعم أنه بالمحبة حقق كمال العبادة و كمال المطلوب .
وهذا خلاف قطعيات النصوص الله عز وجل طلب من عباده أن يرجوه وأن يخافوه ، والدليل على ذلك هو أصل الدين والعبادة .
(6/10)
---(1/191)
وأيضا يتركز على هذه النزعة الاستهانة بشرع الله الذين زعموا أنهم يعبدون الله بالمحبة فقط وتعلق القلوب بالله ويعني بالتقديس فحسب سواء كان عن طريق التفكر أو عن طريق الرياضة القلبية أو الرياضة العقلية أو تحت أي شعار من الشعارات اللي عليها عباد الأمم وكثير من الفلاسفة فإن ذلك كله ظلام مهما كانت يعني ما شارك القوم (كلمة غير مفهومة) لأنه لا يمكن أن تكتمل المحبة إلا بتعلق القلب برجاء الله والعمل بأسباب الرجاء وتعلق القلب بالخوف من الله والعمل بأسباب ذلك .
(6/11)
---(1/192)
فعلى هذا فإن من عبد الله بالحب وحده تزندق بمعني وقعت الاستهتار في الدين يعني ما أظن أقرب عبارة في عصرنا لمفهوم التزندق الاستهتار لا يبالي لا يعمل بيعني الأوامر ولا ينتهي عن النواهي ويزعم أنه وصل إلي درجة فوق مستوى أن يلتزم الشرع ، كذلك من عبد الله ، ولذلك لا أنسى أقول إن هناك مقولة خطيرة قال بها بعض العباد ومن خلالها إنغرست هذه المناهج الباطلة عند بعض الطرق الصوفية عند بعض الطرق وهي قول القائل لا أعبدك رجاء جنتك ولا خوفا من نارك ما هو صحيح بل نعبد الله رجاء نعم لا شك أن نعبد الله محبة له سبحانه لكن نجمع مع ذلك الرجاء رجاء الثواب والنعيم وعلى رأس الثواب الجنة نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهله وأيضا يلزم من محبتنا لله عز وجل الخوف من ناره ومن عقابه نسأل الله أن يعيذنا من النار فعلى هذا لابد من المسلم أن يجمع بين هذه الأصول قال ثم ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري يعني من عبده بمجرد الخوف لا يبالي بالحب ولا الرجاء وصل عنده الأمر إلي اليأس من رجمة الله وهذا منهج غلاة العباد الذين منهم الحرورية الحروري نسبة إلي حروراء التي لجأ إليها الخوارج بعد ما فصل على بن أبي طالب جماعة المسلمين لجأو إلي حروراء ومما تميز به الخوارج الشدة في العبادة التشديد على النفس بالعبادة لأنه غلبوا جانب اليأس غلبوا جانب الوعيد ولم يبالوا بالوعد ولذلك غلب عليهم الشدة في العبادة والتنطع والغلو .
(6/12)
---(1/193)
ولذلك النبي صلي الله عليه وسلم وصفهم ب- (أنكم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم) لماذا ؟ لأنهم يبالغون في الصلاة وفي الصيام إلي أن زادوا عن الحد المشروع فمن هنا انغرست في قلوبهم نزعة اليأس ولم يعولوا على الوعد فمن هنا أوصف بمن يعمل ذلك بأنه حروري وإلا فالذين يسلكون هذا المسلك أوسع من مجرد الحروري هم طوائف عدة من الفلاسفة ومن العباد الأوائل الجهلة ، ومن بعض شيوخ الطرق وأتباعها إلي أخره بعض فهؤلاء منهم من يعني بل ينتسبون لجميع فرق المسلمين أحيانا يوجد من جهلة المسلمين حتى ممن ينتسب للسنة من قد يغلوا ويشتد على نفسه وعلى الآخرين فيغلب جانب الخوف على جانب الرجاء ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ يعني بمعني من قال الله عز وجل غفور رحيم سيغفر لنا جميع الذنوب فلذلك يعني لا ينبغي لنا أن نقيد أنفسنا بسلوك نعمل ما نشاء يترك الفرائض ويعمل المحرمات ويقول الله غفور رحيم هذا مرجئ .
ما معني مرجئ؟ معمي أنه مال إلي مذهب غلاة المرجئة لأن المرجئة على صنفين الصنف الأول غلاة الجهمية الذين لا يبالون بالشرائع ولا يبالون بالدين فهؤلاء يقولون يعني يكفي معرفة الله .
وإذا عرفت الله فأنت فزت الفوز الكامل وكان إيمانك كامل ومن هنا عولوا على هذا المبدأ وقالوا لا قيمة للأعمال وهم على هذا يعني لهم فلسفات كثيرة في الأعمال لعل من أشهرها لأن بعض الناس قد يقول هل يعقل المسلم ينتسب للإسلام أن يقول هذا ؟
(6/13)
---(1/194)
نعم ممكن أن نسأل الله العافية يزيد في هذا ويتزندق لكن أقول أنه لهم فلسفة في هذا أغواهم الشيطان بها وزعموا أن الشرائع إنما وضعت للأناس الذين لا يتقيدون بمعني الإيمان المعرفي ما عندهم نزعة فلسفية نزعة عقلية وهم بسطاء الناس هؤلاء هم الذين يعملون بالشرع أما هذه الفئة الضالة أعني الذين قصدوا أنهم من الفئة التي فوق مستوى الشرع فيزعمون أنهم لا يحتاجون إلي ذلك كله ويكفيهم معرفة الله فلا يعني يعولون على يعني الخوف والمحبة ويكتفون بالرجاء ومنهم المرجئة ، المرجئة الفقهاء كذلك عندهم نوع يعني انحراف عن السبيل خاصة المتأخرة من المرجئة ، المرجئة الأوائل قد يكون عندهم تعظيم للأعمال وعندهم التزام لسنن الإسلام لكن متأخرة المرجئة يغلبون جانب الإرجاء يعني يستهينون بالكبائر يستهينون بالمعاصي بل أحيانا يستهينون بالشركيات الكفريات زعما منهم أن الناس تحت رجاء الله فلا يوردون بل لا يعولون كثيرا على نصوص الوعيد وإن عملوا بها يرجحون جانب الرجاء فيقعون في الخلل الذي يجعل المعاصي تكثر عندهم والفسوق والفجور والبدع ، نعم نقرأ القاعدة الرابعة :
((4) التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالله تعالى حكماً من الإيمان به رباً وإلهاً، فلا شريك له في حكمه، وأمره، وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وتبديل شيء منها كفر، ومن زعم أن أحداً يسعه الخروج عنها فقد كفر .)
(6/14)
---(1/195)
أحسنت نعم هذه أيضا قاعدة عظيمة وهي قاعدة تنبني على الأعمال القلبية أولا ثم ثمار الأعمال القلبية التي هي جزء من الإيمان ، من العبودية لله عز وجل بعد ما نتكلم عن توحيد العبادة توحيد الله الإلهية فإن الأساس الأول للعبودية يبدأ من القلب من الضمير من هذه المضغة التي وصفها النبي صلي الله عليه وسلم بأنها في الجسد ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب ، القلب لابد أن يسلم لله عز وجل ويرضى التسليم بمعني الازعان الاستعداد لقبول ما جاء عن الله تعالي وعن رسوله صلي الله عليه وسلم بمعني إن الإنسان يعني يمتلئ قلبه بالتعلق بمراد الله ماذا يريد الله منه وأن يكون قصده بذلك الاستجابة لأمر الله فإن كان أمرا أخذ به وإن كان نهيا انتهي عنه هذا التسليم يبدأ بالقلب فإذن العبودية تنبني على التسليم أولا ثم الرضا ما معني الرضا ؟ لأن ما بعد التسليم لابد أن يعني يلتزم الإنسان الشرع والالتزام أحيانا قد يثقل على النفس إذا سيطر عليها الهوى أو الشبهات أو الشهوات أو الجواذب والموانع والقواطع التي تصرف الإنسان أحيانا عن العمل الحقي والقول به وفعله فهذه الفوارس تجعله أحيانا يعني يكون عنده نوع من الاستثقال بالدين أو لبعض مفردات الدين وهذا ينافي العبودية بل مقتضى العبودية أو يخل بالعبودية بل مقتضى العبودية بعد التسليم الرضا بمعني الاستعداد والإذعان والطمأنينة طمأنينة القلب بحيث الإنسان لا يتذمر لا يستثقل أوامر الشرع يرضى يسلم بالشرع والقدر ثم يلزم من ذلك الطاعة المطلقة لله عز وجل الطاعة المطلقة في معني الاستعداد للعمل أما (كلمة غير مفهومة) فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها بحسب الاستطاعة أو الناس يظنون معني الطاعة المطلقة أن تطبق كل ما تأمر به نعم فيه من الفرائض والدين وواجبات ما يستطيع يطبقه عملي وفيها ما هو مبني على الاستطاعة ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا
(6/15)(1/196)
---
وُسْعَهَ?[البقرة: من الآية286] .
إذن الطاعة المطلقة طاعة الانقياد وطاعة الاستعداد ثم بعد ذلك العمل بالمستطاع والطاعة المطلقة تكون لله عز وجل وتكون لرسول الله صلي الله عليه وسلم لأن طاعة الرسول صلي الله عليه وسلم من طاعة الله ? وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ?[الحشر: من الآية] أمر الله بأن نطيع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم يلزم بذلك كله الاعتقاد والجزم بأن الله عز وجل هو الحكم ، الحكم بمعني أن ترضي بحكمه وقضائه وشرعه كما رضيت به ربا وكما ادعيت أنه إله أو سلمت بأنه إله يعني بمعني إن مقتضى الربوبية والألوهية مقتضى إيمانك بأن الله ربا وأنه أله معبود مقتضى ذلك أن ترضى بحكم الله في كل شيء في الشرع والقدر وحكم الله أحيانا يخصك وأحيانا فيما بينك وبين العباد أحكامك بينك وبين العباد كثير منها لا يقضى إلا بالأسس الشرعية ، أسس التعامل مع الخلق .
فإذن يجب أن تستعد للرضى لحكم الله عليك ، أي حكم شرع الله ، وحكم قدر الله .
ثم يتبع ذلك أنه عز وجل لا شريك له في حكمه ، والحكم قدري وشرعي ، وأمره كذلك أمره القدري وأمره الشرعي .
وتشريع ما لم يأذن به الله ، يعني إذا قلنا : أن الله عز وجل هو وحده الحكم ، وهو الحاكم وهو سبحانه الذي إليه التحاكم ، وهو سبحانه المشرع ، إذن تشريع أي شرع لم يأذن به الله ، لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أو التحاكم إلى غير الله ، إلى غير دين الله ، أو اتباع أي شرع غير شرع محمد - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك كفر ، تشريع ما لم يشرعه الله ، والتحاكم إلى غير دين الله ، والتحاكم إلى الطاغوت ، أو اتباع غير شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى في أمر جزئي ، كما يقول بعض المسلمين : لماذا لا نأخذ بعض أحكامنا من الديانات الأخرى ؟ كيف نأخذ والله عز وجل أكمل لنا الدين ؟! ونسخ الديانات السابقة .
(6/16)
---(1/197)
نعم قد يكون عند كثير من الديانات شيء من الحق ، ولكنه عندنا وزيادة ، يعني لا يمكن أن يصير (كلمة غير مفهومة) اليوم دين من الديانات شيء من الحق لا يوجد في الإسلام ، هذه قاعدة حتمية قطعية ، لا يمكن أن ينفرد دين ولا مبدأ في العالم اليوم ، سواء دين من الأديان المنزلة التي حرفت أو الأديان التي وضعها البشر أو النظم ، لا يمكن أن ينفرد دين أو مبدأ بحق أو بشرع صالح للناس يستقل به عن الإسلام ، فلابد أن يتضمن الإسلام كل ما لابد أن يخطر على بال بشر ، من معالم الحق جملة وتفصيلا ، لا يمكن أن ينفرد مبدأ بالحق من دون الإسلام ، إن وجد عند كثير من البعض من الأمور الجميلة ، في تشريعاتها في نظمها ، هذا أمر قد يعترف لهم فيه ، لكن لابد أن يوجد في الإسلام ما هو أكمل منه ، إنما التقصير يكون من المسلمين أنفسهم في كثير من الأحوال .
كذلك التبديل : هو أن يوضع نظام وضعي بدل نظام شرعي ، سواء كان هذا التبديل في الأحكام الجزئية أو الكلية فإنه الأصل فيه أن يكون كفر ، لكن قد يكون كفر مخرج أو غير مخرج بسحب أنواعه ، ومن زعم أن أحدا يسعه الخروج منها ، أي : عن الشريعة فقد كفر .
المقصود : أن من أدعى أو توهم أو ظن أو اعتقد أنه بإمكانه أن يستغني عن شيء من شرع الله فهذا يكون حكمه حكم السابقين في الصور الماضية ثم اقرءوا القاعدة الخامسة .
(5- الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفراً دون كفر .
فالأول : التزام شرع غير شرع الله، أو تجويز الحكم به .
والثاني : العدول عن شرع الله، في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله)
(6/17)
---(1/198)
نعن هذه من القضايا التي تحتاج إلى مزيد من التقعيد ؛ لأن الكثير من صورها من النوازل والمستجدات ، يعني في عهد القرون الثلاثة الفاضلة وإلى تقريبا قبل قرنين ، قبل مائتين سنة ، والمسلمون لا يعرفون النظم الشاملة التي يحكم بها بغير الإسلام ، ما عدا ما حدث من التتار وهو أمر جزئي في ظروف لم يستقر فيها نظام غير نظام الإسلام ، إنما جاء في وقت هيمنت التتار ولم تعد تدم أو تطول ، ما عدا ذلك لا يعرف المسلمون التبديل الشامل ، النظم التي توضع بدلا من شرع الله ، هذا لم يعرف إلا في العصر الحديث ، لذلك هذه من الأمور التي تحتاج إلى التقعيد .
لكنني أذكر الصور الأساسية :
أولاً : الحكم بغير ما أنزل الله ، الأصل فيه أنه كفر ، لكن مع ذلك قد يكون كفر مخرج ، وقد يكون كفر غير مخرج من الملة ، ويدخل فيه الفسق ، والظلم ، كما ورد في سياق الآيات .
ثانيا: الحكم على المعين إذا فعل ذلك يختلف عن الحكم العام ، يعني إذا الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله ، فلابد أن ننظر في الحكم عليه باعتبارات كثيرة ، أولها : أن الذين يحكمون هم العلماء الراسخون ، والأمر الثاني : أنه لابد من التثبت من حاله ، والأمر الثالث : لابد من تطبيق شروط التكفير وانتفاء الموانع ، وإن كان الحال كفر ، وهذا ينطبق على كثير مما يحدث من صور في العالم الإسلامي ، فلذلك لا يجوز الاستعجال في تكفير دولة ، أو مؤسسة أو نظام ، أو حزب أو جماعة أو هيئة أو شخص ، لا يجوز التسرع بتكفيره ما لم تطبق عليه الشروط ، ويجب أن نفرق بين الحكم على المعينين ، والحكم العام الشرعي .
الحكم العام الشرعي واضح ، لكن تطبيقاته التي وقع فيها الآن كثير من الخلل والخطأ والخوف ، والافتئات على العلماء والتسرع ، ترتب على هذا أحكام حادة في التعامل مع الآخرين .
الأمر الثاني فيما يتعلق بصنفي الكفر :
(6/18)
---(1/199)
الكفر الأكبر وهو : التزام شرع غير شرع الله بمعنى أن الإنسان المسلم أو حتى غير المسلم يأخذ بالشرع قصداً أن يبعد شرع الله وأن يبدله ، أو يجوز الحكم بغير شرع الله ، هذا كفر .
الثاني : أن يعدل عن الشرع بسبب هوى ، أو جهل ، أو إكراه ، أو بسبب التباس .
فالعدول عن شرع الله - عز وجل - لهذه الأسباب أو في واقعة معينة ، إنسان مثلا رد حكم قضائي ، أو رد مسألة حكم بها عالم ، وردها بهوى ، فهذه الجزيئات ، وإن كانت أحياناً تسمى حكم بغير ما أنزل الله ، فلا يلزم تكفير صاحبها لأنه لا يمكن أن يكون ذلك من الظلم أو الفسق أو الفجور أو الضلال .
((6) تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل، بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها، فهو إما كفر، وإما ضلال بحسب درجته .)
هذه أيضاً من الأمور التي قد لا تتعلق بكثير من المسلمين اليوم ولله الحمد ، لكنها موجودة عند طائفة من الفلاسفة والمفكرين وغلاة العباد الذين انبنت عقائدهم على ما ذكرناه من قبل ، إما على عبادة الله بالمحبة فقط ، أو بالرجاء فقط ، أو نحو ذلك .
هؤلاء زعموا أن الدين ينقسم على قسمين :
(6/19)
---(1/200)
إلى حقيقة وهي : هذا التعامل الفردي مع الله عز وجل ، الذي يسع كل إنسان عند مواهب بزعمهم ، أن يعبد الله كما يشاء ، هذه الحقيقة هي الصلة بالله على ما يتذوقه هذا الفرد ، يقولون : هذه حقيقة لا يدركها إلا النادر من الناس ، وعليها بعض العباد وبعض الفلاسفة ، وهي تختلف عن الشريعة التي جاء بها الأنبياء عموماً ، والتي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويزعمون أن الشريعة جاءت لعوام الناس أما الخواص ، وهم يسمون أنفسهم الخواص هؤلاء الطائفة من الزنادقة فعبدوا الله على طريقتهم الخاصة ، وظنوا أن هذه هي حقيقة الدين ، وأن المراد بالدين هو الوصول إلى هذا الحقيقة ، بل يزعمون أنهم قد وصلوا إليها وأنهم ليسوا في حاجة إلى الشرع .
طبعاً هذا من عبس الشيكان بهم ، وإلا فالدين جاء يحكم الخلق جميعاً ، والدين أنزله الله - عز وجل - على من اصطفاهم ?اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ?[الحج: من الآية75].الذين اصطفاهم الله - عز وجل- هم الذين نزل عليهم الدين .
لكن هؤلاء أصلاً نزعوا لهذه النزعة ، الذين يزعمون أنهم وصلوا على الحقيقة بالاستغناء عن الشرع ، هؤلاء أصلاً ما دخلوا الديانات السماوية ، هم من خصوم الأنبياء ، هم من المستكبرين على النبوات والشرائع ، واستمر هذا المنهج والمسلك عند كثير من الفلاسفة والعباد والمفكرين إلى اليوم ، يزعمون أن الشرع جاء للبسطاء والعوام ، ولذلك يتسمون الدين دين العوام ، ويسمون الأنبياء رعاة العوام ، وهذا ضلال مبين ، يعني تمقتهم العق السليم والفطرة فضلا عن أنه يضاض قطعيات النصوص .
إذن تقسيم الدين على هذا الأساس ، هذا ضلال مبين ، تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها ناس يسمونهم الخاصة ، وشريعة تلزم العوام دون الخاصة هذا ضلال وفسق .
(6/20)
---(1/201)
كذلك فصل السياسة ، أو فصل الحياة ، أو فصل الاقتصاد ، أو فصل أي جانب من جوانب الحياة عن الدين هذا من أبطل الباطل ، بل هو جور وعدول عن شرع الله ، ومن زعم أن الدين لا يواكب الحياة فهذا مبطل ، إنما قد يعجز المسلمون عن العمل بتطبيق شرع الله ، ولو عملوا لوجدوا أن الدين لا يمكن أن يفصل هذا الأمور بعضها عن بعض ، بل ما خالف الشريعة من حقيقة وسياسة وغيرها فهو غما كفر وإما ضلال بحسب درجته .
(7- لا يعلم الغيب إلا الله وحده واعتقاد أن أحداً غير الله يعلم الغيب كفر، مع الإيمان بأن الله يطلع بعض رسله على شيء من الغيب .)
الغيب ، المقصود به : المغيب عن المخاطبين ، والمخاطبون أصناف ، منهم الملائكة ، فهؤلاء أطلعهم الله على غيب ، غيبه عن الجن والإنس لكن هناك شيء من الغيب لم يطلع عليه حتى الملائكة ، فهذا لا يمكن أن يدعى أن الملائكة تتطلع عليه ، ومن ادعى فقد وقع في الإخلال بهذه القاعدة ، وقع في الكفر .
الأمر الثاني : الجن والشياطين ، نظرا لأنهم خلق آخر ، قد يطلعون من الأمور المغيبة الإنس ، ما لم يعلمه الإنس فهذا ليس غيبا في حقهم ، ولكنه غائب عن الإنس ، فلذلك قد يرد إلى الإنس من خلال منافذ ، إما كرامات ، وإما مخارق ، وإما سحر ، وإما كهانة ، فهذا لم يعد من الغيب البحت .
فهذا المغيب عن الجن قد يغيب عن الإنس ,
أيضاً المغيب عن الإنس قد يغيب عن بعضهم شيء وقد لا يغيب عن آخر ، فلا يخل في الغيب .
فمثلاً الذي اكتشف بالعلم الحديث أو غيره أموراً غائبة عن الآخرين ، هذا ما علمه صار من عالم الشهادة ، ولو كان غائب عني ، ولا يدخل في عالم الغيب الذي اختصه الله لنفسه .
إذن الغيب الذي اختصه الله لنفسه هو : ما هو غائب عن الخلق أو عن بعض الخلق ، فما غيبه الله عم الخلق أو عن بعض الخلق فهو بالنسبة لهم غيب ولا يجوز أن ندعيه لأحد .
(6/21)
---(1/202)
وعلى هذا من ادعى أنه يعلم الغيب أحداً غير الله فقد ضل ضلالاً مبينا ، مع الاعتقاد أن الله - عز وجل - قد يطلع بعض عباده على شيء من الغيب فلم يعد غيب بالنسبة لهم .
ما أطلع عليه الملائكة فهو لم يعد غيب بالنسبة لهم ، ما أطلع الله عليه بعض الرسل لم يعد غيب بالنسبة لهم ، ولذلك اطلع الله - عز وجل - نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - على أمور كثيرة من الغيب هي لا تزال غيب في حقنا ، لكنها ليست غيب في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا ادعيناها للرسول - صلى الله عليه وسلم - بنص ، فلم يعد هذا من الأمور المنكرة .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أطلعه الله مثلاً : على المنافقين الخلص وهذا غيب بالنسبة لنا لكن الله أطلعه عليه فلم يعد من الغيب المغيب عنا .
فهكذا إذا الغيب هو ما ثبت أنه مغيب عن الخلق أو بعض الخلق ، فهذا لا يجوز أن ندعيه لأحد ، ومن ادعى أنه يعلمه كما يكون من بعض الكهان والمنجمين فقد كفر .
(8- اعتقاد صدق المنجمين والكهان كفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة .)
هذه متفرعة عن التي قبلها ونختم بها الدرس .
يعني من اعتقد من الكهان والمنجمين يعلمون شيئا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وصدقهم في ذلك ، أو اعتقد حتى ون لم يصدقهم فقد كفر ، لأنه بذلك جعل لهم ما هو من خصائص الرب - عز وجل - فهذا كفر .
إما إتيانهم من باب حب الاستطلاع ، أو من باب الجهل كما يحدث لكثير من الناس فهذا كبيرة من الكبائر .
أيضاً ، وهذه مسألة قد تلتبس على كثير من الناس ، تصديق الكهان ، والدجالين والمشعوذين في أمر مغيب عن الناس لكن ليس مغيب عن الجن والشياطين ، هذا من كبائر الذنوب وقد لا يكون كفر ، لماذا ؟
لأن كثيراً ممن يأتي الكهان والمشعوذين والدجالين يكون عن طريق استعانتهم بالجن ، والجن فيه أمور محجوبة عنا ليست محجوبة عنهم ، وليست من الغيب المحض ، فهذا في تقديري والله أعلم أن أغلب صوره يكون من باب كبائر الذنوب .(1/203)
(6/22)
---
من صدقهم في مثل هذا الأمور يكون : إما كفر دون كفر وهو الغالب ، لأن الكفر هنا أطلق ، فإذا كان يتعلق بالغيب الخالص فهو كفر مخرج من الملة ، وإذا كان يتعلق بالغيب غير الخالص ، فهو كفر دون كفر ، وعلى هذا يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - على المحملين .
إتيانهم ، كما قلت ، أعني زيارتهم من أجل الاستطلاع ، أو جهل ، أو إلى آخره هذه في الحقيقة من كبائر الذنوب ، ويجب أن يتواصى الناس .
المسلمون اليوم وقعوا في أشياء كثيرة من هذا النوع وخآصة مع كثرة الدجل والشعوذة ، وما يرتبط بها من صور كثيرة الآن تعددت على الناس وتشكلت .
يعني من الظاهر المزعجة كثرة زوار هذه البيئات الوبيئة ، فئات المشعوذين والدجالين ، وأغلب الناس متساهل ، يزور إما من باب أن يستطلع أو يجهل أو على آخره هذا كله لا يجوز .
بعضهم أيضاً يصور أو يوثق أمور ليس بحاجة إلى أن يوثقها ، فالأولى الابتعاد ن هذا عرضة للوقوع في كبائر الذنوب نسأل الله العافية .
سؤال : قلتم في الدرس السابق أن المؤمن العاصي يدخل النار ثم يخرجه الله منها ، ويدخله الجنة ، كيف نوفق بين هذا وبين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا يدخل الجنة نمام ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) وغيرها من الأحاديث ، جزاكم الله خيراً .
أجاب فضيلة الشيخ : هذا يجع إلى القاعدة التي ذكرتها في الدروس الأولى وهو : أن النصوص الشرعية لابد أن يرد بعضها إلى بعض ، ويفسر بعضها بعضاً ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا على سبيل الوعيد ، ويقصد أنه لا يدخل الجنة ابتدأً ، يعني بعد الحساب يدخل النار لتطهيره ، والأمر الثالث ، كما ذكرت هو : أن قواعد الشرع دائماً لها استثناءات ، يعني هو ما لم يغفر الله له أثناء الحساب فإنه لا يدخل الجنة حتى يطهره الله - عز وجل - بالنار لأن مثل هذا النص لابد أن يرد على نصوص الشفاعة ، ونصوص أهل الكبائر .
(6/23)(1/204)
---
نصوص الشفاعة أثبتت ، وهي قطعية : أنه لا يبقى من أهل التوحيد أحد في النار .
إذن كما قلت ، ونحمل عليه جميع النصوص التي من هذا النوع ، أن قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يدخل الجنة ابتدأً ، ولكن يدخل النار ثم بعد ذلك يصير إلى الجنة .
سؤال : الخادم إذا لم يصلي وترك الصلاة من أجل أن يعمل عنده ، أو خوفاً منه ، ولم يضربه لكن يسأل عليه ، هل هذا حب للشخص الذي يعمل عنده ، وترك عبادة لله ، هل هذا من الشرك ، شرك المحبة ، شرك طاعة ، من أي أنواع الشرك ، وهذا يقع كثير أثناء المباريات في الملاعب ، وأثناء الزواجات ، وأمثلة كثيرة .
أجاب فضيلة الشيخ :
هذه صور تحدث كثيراً عند ضعف الإيمان ، وضعف التدين ، سواء عند خادم أو عند بعض الناس في بعض المواقف ، حتى لو لم يكن عليه ضغط من شخص معين ، أو الخوف من معين .
أحياناً يرهب الناس ، أو يجاملهم مجاملة تصل إلى حد طرق الفرائض ، كما يحدث عند كثير من الناس في المواقف الحرجة ، في المطارات ، والطائرات ، ويؤخرون الصلاة عن وقتها ، بل يحدث حتى من بعض المرضى في المستشفيات ، فهذا أمور أحياناً تكون عن جهل ، والجهل يرفع التكفير عن الشخص حتى يعلم.
وأحياناً تكون عن تأول ، يتأول لنفسه ، يظن أنه يسوغه ذلك ، فالتأول يرفع الكفر عن المعين وإن كان فعله كفر.
وأحياناً يكون عن تسويف ، بعض الشباب مثلاً قد تفوته الصلاة وهو ينظر إلى لعبة فيمضي الوقت وهو لا يشعر ، ويخرج الوقت .
فصور ترك الفرائض خاصة الصلاة من الناس كثيرة جداً ، لكن كأن السائل يركز إذا كان ذلك نتيجة الخوف .
أنا أقول : هذا الأمر يرجع أيضاً إلى درجة إيمان الشخص ، إذا كان الخوف يصل إلى درجة أنه يعتقد أنه يضره من دون الله ، أو انه ممكن أن يجلب له مصيبة فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا يكون شرك ، لكن هذا قليل .
(6/24)
---(1/205)
إما كان هذا نتيجة ضعف إيمان ، فهذا إذا أدى إلى ترك الصلاة مطلقاً بالكلية فقد يكون كفر ، أما إذا كان في حالة معينة ، فهذا ضعف وكبيرة من كبائر الذنوب ولا نستطيع أن نكفر به الشخص ولا أيضاً نقول أنه أشرك مطلقاً .
الشرك ليس بكل خوف ، إنما هذا قد يكون عن ضعف إيمان كما قلت ، فأداه هذا إلى أن يجامل الآخر ، أو يداهن الآخر ، أو يخشاه خشية (كلمة غير مفهومة)
سؤال : قال الله سبحانه وتعالى ?عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ?26? إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ?[الج-ن: من الآية27] ، هنا الرسول يعلم الغيب ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هذا لابد من ربطه بالنصوص الأخرى ، فالذي ثبت هو أن الله - عز وجل - يطلع رسله على بعض الغيب ، أما مطلق الغيب فلا .
الله عز وجل ذكر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ? وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ?[لأعراف: من الآية188] .
فالله يطلع بعض رسله على شيء من الغيب المغيب عن الآخرين .
سؤال : مر معنا في أحد الدروس السابقة أن صفات الله من المحكم وقد قرأن في علوم القرآن أنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فيف نوفق بين الأمرين ، هل أن المحكم معنى الصفة والمتشابه في حقيقتها ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بذات الله - عز وجل - وأسماءه وصفاته وأفعاله محكمة لأنها تدل على الحقائق ولا شك ، ولو كانت مشتبهة ما اعتقد (كلمة غير مفهومة) سبحان الله ، هل يليق أن الله يخاطب عباده فيما يتعلق بالرب سبحانه في تعظيمه وإجلاله أن يخاطبهم بالمتشابهات ، يضيع الدين ، وماذا يعتقدون ، ويقع الخوف والخلط .
(6/25)
---(1/206)
فإذن لابد حتماً ، وهذا بدهي عقلاً وفطرة ، لابد أن يكون كلام الله - عز وجل - ، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - في القرآن والسنة عن أسماء الله وصفاته وأفعاله من المحكم البين الذي لا لبث فيه .
ولذلك الله - عز وجل - لما ذكر الخائضين في أسماءه وصفاته في أمور الغيب ، قال ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ?[آل عمران: من الآية7] وهو النوع التالي فيما نتحدث عنه ، وهو التشابه في الكيفيات الغيبية ، فإذا جاء قوله - عز وجل - ? بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ?[المائدة: من الآية64] وقوله ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [ط-ه:5] نعلم أن هذه حقائق تثبت من غير تشبيه ، لكن كيفيتها ، كيف استوى ؟ هذا أمر غيب ومشتبه ، لا يجوز السؤال عنه ، ولذلك لما سؤل مالك رحمه الله عن الكيفية ، أصابه رعب من خشية الله - عز وجل - لأنه بهذا السؤال وقع في المتشابه .
إذن فالأمر إن شاء الله بين ، والسائلة أشارت إلى شيء من الجواب .
سؤال : ما حكم الاستعانة بالجن ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هذا داخل في (كلمة غير مفهومة) الذي حرمه الله - عز وجل - ، أشارت على هذا بعض الآيات نحو قوله تعالى ? وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ?[الأنعام: من الآية128] على سبيل الذم على ما فعلوه ، استمتاع الإنس بالجن على أي نحو كان لا يجوز إلا إذا جاء من غير قصد ، كأن يكون الراقي سمع من الجن خبراً فاستخبره ، ومع ذلك يجب أن نأخذ خبر الجني الذي ينطق من خلال التلبس على انه خبر فاسق ، لأن الجني إذا تلبس بالإنسي فقد وقع في الظلم فهو فاسق .
(6/26)
---(1/207)
كذلك الاستمتاع الآخر وهو تسميته تسمية أخرى أو غير ذلك ، هذا مجرد عبث بالألفاظ ، فكما قال الله عز وجل عن أهل الجاهلية ?وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَق? [الج-ن:6] ، ولذلك أنا أرى حتى الرقاة الذين يستعينون بالجن في الصالحات كما يسمونه ، أراهم زادوهم رهقاً ، وربطوهم بأمور لا طاقة للبشر بها ، وأعنتوهم ، وأوقعوا الناس في مشاكل وعداوات ومصائب لا يعلم مداها إلا الله عز وجل ، فليتق الله الرقاة ، ولا يفتحوا باب الاستعانة بالجن على مصراعيه ، ولا يكون بين الراقي وبين الجن عقود وعهود ومواعيد ، هذا هو المحرم بعينه ، فما الفرق بين هذا وبين فعل الدجالين والمشعوذين وأهل الجاهلية ، إذن هذا أمر يجب تجنبه ، وأحترز : أقول : غلا إذا تطوع الجن بفائدة من غير طلب منا أو من غير قصد ، أ و عندما يتكلم ويتلبس نطلب منه مزيد معلومات لأنه أمامنا حاضر ، مثل الشاهد الحاضر ، فهذا إذا ما زاد عن هذا القدر ربما يكون من الأمور المباحة ، ومع ذلك فيه نظر ، أما تجاوز ذلك إلى ما أكثر من هذا فأخشى أن يكون داخل في الكهانة وما حرمه الله .
سؤال : ما المقصود أنه لا تقبل صلاة أربعين يوم لمن زار ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هذا وعيد ، ولا تقبل بمعنى لا يؤجر عليها ، ولا تكون مقبولة من حيث الأجر الذي وعد الله به المصلين ، لكن لا يعني أنها لا تجزي ، هذا والله أعلم بالمراد .
سؤال : الحكم على المعين إذا حكم بغير ما أنزل الله لو تعيدون شروط تكفيره .
أجاب فضيلة الشيخ :
لقد أشرت إليه لأن الوقت لا يتسع ، لكن نظراً لأنه من القضايا الشائكة اليوم ، فإن مشايخنا وعلمائنا يكادون يتفقون على بعض المجملات في تأصيل الحكم بغير ما أنزل الله ، والحكم فيه على الآخرين .
الحكم بغير ما أنزل الله أصلاً ضلال قد يكون كفر مخرج ، وقد يكون كفر غير مخرج ، وقد يكون معصية وقد يكون فسق إلى آخره .
(6/27)(1/208)
---
إذن الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، نفرق أولا بين الحكم الجزئي والحكم الكلي ، الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، إذا وضع نظاماً أو دستوراً يحكم به بغير ما أنزل الله فهذا كفر ، كذلك ننظر في حاله سواء كان شخص أو دولة أو نظام أو هيئة أو مؤسسة أو فرقة أو جماعة ، عن كان فعل ذلك جهلاً فيدفع عنه الكفر حتى يعمل تجاهه الراسخون في العلم ما يجب ، إذا ما عملوا تجاهه لا يجب علينا نحن أفراد الأمة نفتات وأن نطلق الأحكام ، يجب العلماء أن يقيموا الحجة على هؤاء الذين يفعلون هذه الأمور ويستبينوا من حالهم ، فالبجهل وبالإكراه .
وفي الحقيقة : يبدو لي أن كثيراً ممن يقعون في الحكم بغير ما أنزل الله أحياناً ليس هذا بإرادتهم ، يأتون إلى سدة نظام ووضع له دستور أيام الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين ، قد جاء حكام يرثون هذه النظم ، قد يكون بعضهم يكره الحكم بغير ما أنزل الله ، ورأينا من البعض محاولات جادة كما كان من ضياء الحق وغيره للعودة إلى حكم الله ، ولكن ترده قوى كثيرة ، وربما يؤدي عمله إلى مفاسد عظمى تفسد أمن البلاد وتوقع في كوارث .
فإذن أنا لست بهذا أعتذر عنهم ، ولكن أقول يجب أن نحطاط في ديننا للحكم على العباد ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
فإذن الإكراه والتأول والجهل والالتباس أيضاً ، كل هذه موانع من تكفير المعين ، ومع ذلك يبقى الأمر واجب الأمة أن تصل إلى نتائج في هذه الأمور .
سؤال : ما هي مراتب المؤمنين في معرفة الله عز وجل ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
المراتب الشرعية هي التي ورد ذكرها في كتاب الله - عز وجل - ، هي التقوى والإنابة ، واليقين ، والمحبة ، والرجاء ، والخوف ، وما يندرج تحت هذه المسميات الشرعية ، ولذلك أحذر طلاب العلم بخاصة وعموم المسلمين من أن يتعلقوا بوصف الإيمان وأعمال الإيمان بالمصطلحات غير الشرعية .
(6/28)
---(1/209)
سؤال : لقد ورد في القرآن الكريم في غير موضع ، وكذلك في بعض الأحاديث النبوية اقتران الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر ، فما تفسير ذلك ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
لأن أكبر أمور الغيب أولاً الإيمان بالله ثم الإيمان باليوم الآخر ، وأعظم الغيب ما يتعلق بالله - عز وجل - بذاته وأسماءه وصفاته ، ثم باليوم الآخر نه هو اليوم الأبدي الذي لا ينقطع ، كونه من الغيوب في الدنيا لا تساوي شيئاً لأن الدنيا محدودة بزمن ينتهي فهي متاع كما وصفها الله - عز وجل - متاع ينتهي كالقمة التي تأكلها في مجلسك ، فلذلك حتى أمور الغيب فيها محدودة بزمن ، وحال ، ولا يستهان بها ، لكن اليوم الآخر هو الغيب الكامل الذي يتعلق بالمخلوقات ومصائر الخلق جميعاً ، المصائر الأبدية التي لا تنتهي .
سؤال : ما حكم من يحتفل بالمولد النبوي متتبعاً لعلماء البلد الذي يعيش فيه ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
قضية المولد من القضايا الكبرى التي لجت بين السنة وخصومها ، أيضاً بين السنة وكثير من جهلة المسلمين .
الحقيقة أن هذه المسألة تخضع لقاعدة شرعية سبق أن ذكرتها ومن سلم بهذا القاعدة استراح من هذه البدع ونحوها وهي : أن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكون باتباعه وبالتزام سنته - صلى الله عليه وسلم - وتكون أيضاً بمحبته في ذاته - صلى الله عليه وسلم - بأن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى المسلم من ماله وولده والناس أجمعين ثم يتبع ذلك بالاتباع للسنة ، وليس من السنة الموالد ، لا سيما وأن المولد متعلق بحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وحق النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين .
إذن المولد بدعة في الدين لأن بعضهم يقول هذه بدعة عادية ، وإن تعلق بحقه فهو عبادة ، ولا يجوز إنشاء عبادة لم يشرعها الله ولم يشرعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(6/29)
---(1/210)
لكن أحب أن أشير على أمر : هذا الذي عمل المولد إن كان منطلق الكثير منهم وهو الحاصل محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهم يؤجرون على المحبة لكن يأثمون على البدعة ، وربما يمحق الله أعمالهم بسبب أنهم ألحقوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببدعة هو يكرهها ، وربما لو بعث لقاتلهم عليها ، ربما ؛ لأنهم أساؤا إليه - صلى الله عليه وسلم - لكن هذه محبة الغشيم ، تعدوا حدود المعقول ، وحدود المشروع ، فهي بدعة ، وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وما يحسن هذا إلا التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقول ابن عباس : "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقولون قال أبو بكر وعمر " ، خشي ابن عباس على الأمة من أن تعاقب من ترك أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بأقوال الصحابة ، وكذلك المسلمون الذين يعملون بهذه البدعة نقول لهم : اتقوا الله ، ما عندكم على هذا دليل بل هذه بدعة محضة من جميع المقاييس .
ثم أنتم تحتفلون بولادته أو بموته هما في يوم واحد ، فهذا تناقض .
على أي الأحوال أرى على ضوء قواعد الشرع أن هذه بدعة ، ويجب على المسلم تجنبها ، وإن فعلها الناس ينصحهم برفق أيضاً ، لأن الناس يظنون أن من ينصحهم يبغض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا باطل .
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أعلى الصفحة
أعلى الصفحة
أرسل لصديق
عرض التعليقات
أضف تعليقاً
المعدل 2.36 من 5
التصويتات 11
تقييم العنصر:
تقييم
(6/30)
---
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
شرح التوسل المشروع والبدعي والشركي
Error! Not a valid embedded object.(1/211)
الحمد لله حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه ،وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم وآله-، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
- بعون الله- نستأنف الدرس بعرض سؤالين على الإخوة المشاهدين، ونتلقى الإجابة بعد قليل -إن شاء الله- ، ثم أسئلة على الطلاب الحاضرين.
السؤال الأول للمشاهدين: العبادة لا تقوم إلا على ثلاثة أركان، ما هي هذه الأركان؟
والسؤال الثاني: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة، وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، أو فصل الدين عن السياسة، أو نحو ذلك له حكم من بنود واقع الشرع وأدلته ما هذا الحكم؟ وحبذا لو يفصل الحكم على ضوء أنواع هذه الضلالات؟
السؤال الآخر للإخوة الحاضرين: وهو مسألة الغيب ذكرنا أن الغيب منه ما هو غيب بحت لا يعلمه إلا الله -عز وجل- وهناك ما هو غائب عن بني آدم لكنه لا يغيب عن طوائف من المخلوقات من هم؟
نعم عبد السلام.
السلام عليكم :إن الله يعلم ما في الأرحام فهو من الغيب، فالملائكة مثلا تعلم حين نفخ الروح قبل أن يعرف مثلا الإنسان.
إيه هذا عن درجات الغيب، الغيب أحيانا قد نقدر أنه غيب وهو ليس بغيب إلا في أمور لم يكشفها العلم، ما كشفه العلم ليس بغيب. نعم لكن سؤالي يعني المخلوقات نفسها هناك أمور غائبة عن بني آدم ليست غائبة عن بعض المخلوقات؛ فلا تعد من الغيب الخالص من هي المخلوقات التي يمكن أن تستكشف بعض الغائب عن بني آدم؟
الملائكة والجان.
(7/1)
---
نعم؛ فعلى هذا ما تستكشفه الملائكة والجان ليس بغيب -وإن غاب عن المخلوقات- لماذا نقول هذا الكلام؟ لأن بعض الناس إذا رأى ما يجري على أيدي الكهان والمشعوذين ظن أنهم يعلمون الغيب، وهم لا يعلمون الغيب، إنما ينكشف لهم من خلال استعانتهم بالجن والشياطين أمور هي غائبة عن بني آدم.(1/212)
السؤال الثاني: ما حكم اعتقاد صدق المنجمين والكهان فيما يخبرون به؟ أريد التفصيل . نعم.
أحسن الله إليك يا شيخ. اعتقاد صدقهم كفر- أي نعم: كفر- أما إتيانهم فهو كبيرة من كبائر الذنوب
نعم أحسنت. هذا تفصيل مجمل يعني كاف.
والآن نبدأ على بركة الله بالدرس وصلنا إلى الفقرة التاسعة، وليتفضل الأستاذ معمر في قراءة هذه الفقرة.
أحسن الله إليكم يا شيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم.
( تاسعاً: الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يقرب إلى الله- تعالى- من الطاعات المشروعة، والتوسل ثلاثة أنواع:
الأول مشروع: وهو التوسل إلى الله - تعالى - بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
الثاني بدعي: وهو التوسل إلى الله- تعالى- بما لم يرد في الشرع كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك.
الثالث شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائطَ في العبادة ، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك).
أحسنت- بارك الله فيك وفيكم- الموضوع هذا من أخطر الموضوعات على عقائد الأمة، وهو مما يكثر فيه الاشتباه واللبس والتلبيس من ِقبَلِ كثير من أهل الأهواء، وهو موضوع التوسل، فأولاً: ينبغي أن نعرف ما المقصود بالتوسل؟
(7/2)
---
المقصود بالتوسل: هو التقرب؛ وعلى هذا فالتوسل إلى الله هو التقرب إليه، والتقرب محض عبادة، القرب إلى الله محض عبادة، أو عبادة خالصة؛ وعلى هذا فالتوسل المأمور به في كتاب الله وما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب هو: كل ما يقرب إلى الله -عز وجل- مما شرعه الله وشرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الطاعات، والله -عز وجل- شرع من التوسلات - أي: التقربات والعبادات- ما يشبع غريزة الإنسان، ما يشبع روحه وعقله ووجدانه وعواطفه، ويملأ قلبه ويعمره بعبادة الله وطاعته ومحبته ورجائه؛ فلا يحتاج البشر إلى أن يلجئوا إلى وسيلة غير مشروعة؛ فإن في المشروع كفاية.(1/213)
وعلى هذا فإن التوسل أو التقرب المأمور به في القرآن والسنة هو: ما يقرب إلى الله -عز وجل- من الطاعات المشروعة . وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: هو التوسل إلى الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته، وهو أن تدعو الله -عز وجل- بأسمائه وصفاته، وتتوسل إليه، تتعبد له بذلك من قلب موقن بأن الله مجيب، وأن الله على كل شيء قدير؛ بحيث لا يتطلع قلبك إلى اللجوء لغير الله، بمعنى: أن تعمر قلبك باليقين والإنابة إلى الله- سبحانه- حين يمتلأ القلب بمحبة الله ورجائه وخوفه تملأ قلبك بالإنابة واليقين بأن الله مجيب قادر على كل شيء. فمن هنا تتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته. فهذا هو النوع الأول.
(7/3)
---
النوع الثاني: التوسل بأعمالك التي تتقرب بها إلى الله : بعباداتك وأعمال القربات، ومعنى ذلك: أن تدعو الله أن يأجرك، أو تدعو الله -عز وجل- بأن يجلب لك نفعا، أو يدفع عنك ضراً بأعمالك التي عملتها فلك أن تقول: اللهم إني أسألك بصلاتي أن تدفع عني هذا الضر، أو تقول: اللهم إني أسألك بمحبة رسولك -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أعظم القربات، بل هي أعظم محبة بعد محبة الله سبحانه؛ فيشرع أن تقول: اللهم بمحبتي لرسولك ادفع عني هذا الضر، أو يسر لي أمري، أو نحو ذلك أي: أن تتوسل إلى الله - عز وجل- بعمل عملته قلبي أو لساني أو بعمل الجوارح.
وهذا ما ورد تفصيله ومثاله في قصة الثلاثة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم صخرة؛ فكل منهم دعا الله -عز وجل- بما كان يتقرب به إلى الله، بأعظم عمل يرجو به الفرج من الله: فواحد دعا بقربته ببر والديه، وآخر ببعده عن الفاحشة إلى آخره؛ فتقربوا إلى الله بأعمالهم سواء كانت فعل القربات، أو ترك المنهيات. كل هذه قربات إلى الله.
فإذن هذا العمل -هذا النوع الثاني- هو من الأمور المشروعة، وبابه واسع لا ينتهي؛ لأن المسلم فيما بينه وبين ربه أعماله قلبية ولسانية وعمل جوارح لا تتناهى.(1/214)
ثم النوع الثالث: دعاء التقرب أو طلب الدعاء من الصالحين هذا أيضا مشروع لكن له شروطه وضوابطه. وأهم شروط ذلك: ألا تتكل ،ألا تكثر من طلب دعاء الصالحين؛ بحيث يكون الطلب في دعاء الصالحين عند الضرورة، أو إذا جاءت مناسبة، أو في ظرف مهيَّأ كأن يكون هذا الرجل الصالح في مكان فاضل، أو سيعمل عملاً فاضلاً، أو في عبادة خالصة، أو يكون - مثلا- على وشك سفر؛ لأن دعاء المسافر مجاب إلى آخره.
فهذا النوع- أيضا- مشروع لكن الإكثار منه ليس بمشروع لأسباب لعل أهمها:
(7/4)
---
- أن ذلك يؤدي إلى الاتكال وعدم لجوء الإنسان بنفسه إلى ربه -عز وجل- --- الأمر الثاني- أن هذا يخلط أو يختلط بالأنواع البدعية التي سيأتي ذكر نماذج منها.
ثم إن التوسل من حيث أنواعه العامة ثلاثة أنواع أساسية:
النوع الأول: هو التوسل المشروع وهو الذي ذكرت أقسامه قبل قليل. هذا يسمى مشروعاً، بل مأمور به، بل هو من محض العبادة لله -عز وجل-.
الأنواع الثلاثة التي ذكرتها قبل قليل هي أنواع التوسل المشروع، وهي كثيرة جداً يستغني بها المسلم عن اللجوء إلى الأنواع المشتبهة أو البدعية أو الشركية -لا قدر الله- وهي:
-التوسل إلى الله يعني: دعاءه بأسمائه وصفاته وأفعاله،
- وكذلك الدعاء بالتقرب إلى الله بالعمل الصالح، بعملك أنت لا بعمل غيرك،
- والنوع الثالث -كما قلت-: أن تطلب من الصالحين الدعاء لك.
ولا أنسى -أيضاً- أن أضيف مسألة : أنَّ طلب الدعاء لا يلزم أنه يكون دائما ممن هم على الكمال في الصلاح؛ لأن الكمال صعب، لكن- أيضاً- ممن قد يكون في دعائهم لك خصوصية، أو أحرى بأن يكون دعاؤهم لك مجاباً مثل الوالدين، مثل الأقارب، مثل الرحم الذين تصلهم، مثل الناس الذين تبرهم وتحسن إليهم لا مانع من أن تطلب منهم الدعاء- ولو لم يكونوا على درجة من الصلاح- ، بل لو طلبت من أي مسلم أن يدعو لك في مثل هذه الظروف لجاز، لكن الرجل الصالح أحرى بأن يُقبل دعاؤه.(1/215)
إذن: أعود إلى النوع الثاني من أنواع التوسل مما ذكرنا وهو:
(7/5)
---
البدعي : ما معنى البدعي؟ يعني: أنه غير مشروع لكن لا يصل إلى حد الكفر أو الشرك الذي يخرج من الملة، النوع البدعي هو: التقرب إلى الله -عز وجل -بما لم يرد به الشرع ما لم يكن شركاً، كالتقرب بذوات الأنبياء - طبعاً ما عدا النبي -صلى الله عليه وسلم- -نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-- في حياته سيأتي الكلام عنه فله استثناء؛ لأنه كان الصحابة يتبركون، وهذا التبرك هل يدخل في معنى التقرب أو لا أو التوسل أو لا؟ هذه في الحقيقة فيها تفصيل؛ لأن التوسل أحيانا يقصد به التبرك؛ فمن هنا التبرك بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأشيائه مشروع في حياته، وما بقي منه بعد وفاته. ولا شك أنه بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة قرون لم يعد هناك أشياء بقيت؛ فمن هنا ينقطع هذا النوع من التبرك.
قد يسميه بعض الناس توسلاً؛ لكن التوسل بالذوات سواء ذوات الأنبياء والصالحين أو بجاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك هذا من البدعة؛ كأن تقول: اللهم إني أسألك بحرمة فلان، اللهم إني أسألك بعمل فلان الرجل الصالح أو النبي أو غيره، أو تقول: اللهم إني أسألك بجاه الولي فلان أو النبي بفلان كل هذا لا يجوز بدعي؛ لأن ذلك لم يرد به الشرع، ولأن هؤلاء وغيرهم جاههم لهم، وحقهم حق لهم، وحرمتهم لا يتعدى نفعها للآخرين إلا بإذن من الشرع ، لو جاء به الشرع كان على العين والرأس؛ ولذلك لما جاء الشرع بالتبرك بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأشيائه أخذناه على العين والرأس، ولا يجوز أن نماري في ذلك ولا نجادل؛ لأنه جاء به الشرع، فهذه خصوصية له -صلى الله عليه وسلم- لكن بالنسبة للتوسل الذي هو التقرب فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقرب إلى الله، أو يطلب إلا من خلال الأنواع الأقسام الثلاثة التي ذكرتها قبل قليل.
(7/6)
---(1/216)
إذن الطلب طلب الانتفاع أو دفع الضر بجاه الآخرين أيًّا كانوا أو بحقوقهم أو بحرمتهم أو بذواتهم أو بالأشياء أيضا -حتى لو لم يكن من العقلاء أو من المكلفين أو من الصالحين- الذي هو التقرب إلى الأحجار أو الأشجار أو نحو ذلك ما لم يكن شركاً فهو بدعة.
النوع الثالث: التقرب أو التوسل الشركي، وهو الذي يكون بصرف نوع من أنواع العبادة لغير الله -عز وجل-. وأكثر ما يقع فيه المشركون، وهو الذي عليه أكثر الجاهلية الذين بعث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدهم من المشركين هو اتخاذ الوسائط في العبادة من دون الله ، الذين وصفهم المشركون بقولهم: ? مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ? [ الزمر: 3 ] زعماً منهم بأن هذه الوسائط أقرب إلى الله من ملائكة أو نبيين أو صالحين أو حتى أشجار أو أحجار أو مزاراتٍ أو مشاهدَ أو غيرها يزعمون أنها لها مكانة عند الله -عز وجل-فيزعمون أن توجيه العبادة لها لتقربهم إلى الله،لتتوسط لهم عند الله هذه الوسائط هي معبودات وفعلهم شرك؛ والله- عز وجل- نص على ذلك؛ لأنهم حينما قالوا: ? مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ? [ الزمر: 3 ] فإن الله حكم بشركهم بنص كتاب الله- عز وجل- بشركهم، أو بأنهم أشركوا بهذه الوسيلة.
(7/7)
---(1/217)
إذن هذه الوسيلة أو التوسل الشركي أكثر ما يقع في اتخاذ الوسائط من دون الله بمعنى: أن كثيرين من المشركين يزعمون أنهم لا يعبدون هؤلاء عبادة خالصة، لكن يعبدونهم من أجل أن يقربوهم إلى الله، أو يدعونهم دعاء فيما لا يجوز إلا لله من أجل أن يقربوهم إلى الله، ومنهم من يقصر العبادة على هؤلاء، ومنهم من يشرك في العبادة بمعنى: يعبد الله من وجه، ويعبد هذه المعبودات من وجه آخر، وهذا كله شرك سواء وجه العبادة لهذه المخلوقات من دون الله، أو أنه يعبد الله أحيانا، ويعبد هذه المخلوقات أحيانا كما يكون من المشركين :إذا مسهم الضر دعوا الله- وحده- ، وإذا أمنوا أشركوا به، فهذا أيضا صنف من أصناف الشرك.
إذن الشرك هذا الذي هو التوسل الشركي أنواع أشهره: هو اتخاذ الوسائط، ويعني غالبا يكون بدعائهم من دون الله وطلب الحوائج من جلب نفع أو دفع ضر مما لا يقدر عليه إلا الله من استعانة بهم ونحو ذلك.
وأحياناً يكون ذلك على شكل توجه قلبي أعني بهذا أن من أنواع الشرك التي يقع فيها كثير من الأمم، ويقع فيها أفراد من أصحاب الفلسفات والعُبَّاد الذين يسلكون مسالك العبادة عبر التفكر لا عبر الممارسات ، هؤلاء يوجهون عقولهم وقلوبهم إلى غير الله، ولو لم يعملوا بطقوس أو عبادات مباشرة؛ فإن ذلك من الشرك، وهذا شرك أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وشرك كثير من مشركي الفلاسفة وكثير من أصحاب الاستكبار عن التوجه إلى الممارسات التي تمثل الطقوس التي هي ممارسة العبادة العملية أعني بذلك أنه لا يلزم من الشرك أن يكون يعني فقط ممارسة عملية من دعاء لساني أو عمل سجود أو ركوع لغير الله ونحو ذلك، بل أحيانا بل كثيرا ما يكون الشرك هو توجه القلوب والعواطف والعقول إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، تقديس غير الله.
(7/8)
---(1/218)
فهذا النوع من الشرك قد تقع فيه بعض الفرق وبعض الأفراد ممن ينتسبون للإسلام؛ ولذلك يجب على المسلمين أن يناصحوا هذا الصنف، وأن يبينوا لهم خطورة هذا المسلك حينما يدعون الموتى من دون الله، أو حينما يدعون الأحياء أو الأموات، أو يدعون الأشياء من المزارات والآثار والمشاهد وغيرها حينما يدعونها من دون الله، أو يصرفون لها نوعاً من الشرك كالسجود أو الركوع أو الصلاة أو الطواف.
وهذا من الشركيات الظاهرة في بعض بلاد المسلمين التي قد يغفل عنها كثير ممن يراها ممن يشاهدون هذه الشركيات، إما لأنهم اعتادوها واستمرءوها فما ظنوا أنها شركيات، أو أنهم لم يقع في خلدهم أن هذا نوع شركي.
نعم يكون هناك من جهلة المسلمين من لا يظن أن هذه الأمور شرك؛ فيقع فيها أو يقرها جهلاً منه، فينبغي التنبه لمثل هذه الأعمال أي: عندما يوجه أي إنسان يعني العبادة لغير الله سواء بلسانه بدعاء، أو بجوارحه من سجود أو ركوع أو طواف أو غيره فإنه ينبغي أن ينكر هذا الشرك، ويبين خطورته، وقد يكون بعض الجهلة لو نُبِّهَ لانتهى عن ذلك؛ بل ما أحسب أن مسلماً يعرف أن هذه الأعمال خطيرة على دينه وعقيدته، وأنها قد توقعه في الشرك إلا وسينتهي إذا أنكر عليه بالرفق.
ومن هنا أحب- أيضا- أن أشير إلى أمر يقع فيه الكثير ممن ينكرون هذه المنكرات، وهو أنهم قد يستعملون أساليب فيها نوع من الاستفزاز والتنفير بدعوى أن هذا الشرك شنيع.
(7/9)
---(1/219)
أقول: كون بعض الناس يقع في شرك شنيع لا يبرر أن ينكر عليه بالعنف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف) ، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) ؛ فأهيب بكل مسلم يرى من بعض المسلمين بعض هذه المظاهر وإن كانت شديدة وشنيعة أن يرفق بهم، وأن يبين لهم وجه الحق بأسلوب لين ناصح مشفق، وأن يغير من الأساليب إذا وجد أن أسلوبه لا يناسب،أو لا يطاع، فينبغي أن يغير ويوجه الناس بشيء من الرفق والرزانة والهدوء؛ فليس عليه أن يهدي الخلق، الهداية بيد الله -عز وجل- إنما عليه أن ينصح. تفضل في القاعدة العاشرة.
( عاشراً: البركة من الله- تعالى- يختص بعض خلقه بما يشاء منها فلا تثبت في شيء إلا بدليل، وهي تعني كثرة الخير وزيادته، أو ثبوته ولزومه.
وهي في الزمان: كليلة القدر، وفي المكان: كالمساجد الثلاثة، وفي الأشياء: كماء زمزم، وفي الأعمال: ككل عمل صالح مبارك، وفي الأشخاص: كذوات الأنبياء. ولا يجوز التبرك بالأشخاص لا بذواتهم ولا آثارهم إلا بذات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما انفصل من بدنه من ريق وعرق وشعر؛ إذ لم يرد الدليل إلا بها، وقد انقطع ذلك بموته -صلى الله عليه وسلم- وذهاب ما ذكر.
الحادي عشر: التبرك من الأمور التوقيفية؛ فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل).
أحسنت. الحقيقة أن القاعدة الحادية عشرة هي القاعدة التي يبنى عليها التفصيل؛ فنبدأ بها قبل العاشرة، وهي أن البركة: وهي النمو والزيادة وتعدي النفع النفع المتعدي إلى الغير من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التماس البركة، أو التماس النفع إلا بما ورد به الدليل.
(7/10)
---(1/220)
والمقصود بذلك أن تعدي أو خروج المنفعة من ذات إلى أخرى، أو من شخص إلى آخر المنفعة الغيبية ليس المنفعة المادية التي يعطيها الإنسان المنفعة التي هي البركة التي يهبها الله لمن يشاء هذه المنفعة غير متعدية إلا ما ورد الشرع أن فيه منفعة أو بركة متعدية؛ فعلى هذا فالتبرك أي التماس البركة من شيء، التماس الانتفاع من شيء على وجه غير منظور، على وجه غيبي. التماس البركة والنفع من الأمور التي يجب أن لا نعتمدها إلا بما ورد به الدليل؛ لأنها أمر غيبي، وجميع الأمور الغيبية قلنا ماذا ؟ توقيفية لا يجوزأن نقول بها إلا بدليل؛ فعلى هذا فلا يجوز التبرك أي: التماس البركة، التماس النفع الغيبي إلا بما ورد به الدليل من القرآن والسنة.
ثم نرجع إلى أصل القاعدة، وهي أن البركة أي: النفع المتعدي من ذات إلى ذات، أو من شيء إلى شيء غير منظور غير النفع المادي . المادي هذا لا يحتاج إلى تقرير، لكن النفع غير المنظور - الانتفاع من شيء إلى شيء، من شخص إلى شخص الانتفاع المتعدي وهو البركة- إنما هي من الله عز وجل يهبها لمن يشاء، وفيما ما يشاء من الأشخاص والأشياء.
وعلى هذا لا بد من دليل؛ فالله -عز وجل- اختص بعض خلقه بالبركة المتعدية للآخرين؛ فيختص بعض خلقه سواء من أشخاص أو من أشياء بما يشاء من البركة، والبركة أنواع فلا تثبت في شيء إلا بدليل؛ وعلى هذا فإذا كانت البركة المتعدية تعني كثرة الخير وتعديه للآخرين فإنا إذا تأملنا، أو حتى ثبوت البركة ولزومها في شيء حتى لو لم تتعدَّ إذا عرفنا أن هذا لا يكون إلا بدليل؛ فلنلتمس الأدلة أو نلتمس الأشياء التي ورد فيها بركة بالأدلة.
هذا يعرفه أهل العلم: الله- عز وجل- بَيَّنَ لنا من خلال ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأشياء المباركة جملة وتفصيلا.
(7/11)
---(1/221)
فأولا : في الأزمنة: نجد ليلة القدر ليلة مباركة بالنص، ونجد يوم عرفة يوما مباركا، ونجد ليالي عشر رمضان وأيام عشر ذي الحجة كذلك مواسم مباركة، ومثلا شهر رمضان موسم مبارك وهكذا؛ فإذن هذه وردت فيها النصوص.الأزمان التي وردت فيها النصوص أنها مباركة؛ فنقف عند هذا النوع من البركة، ما هذا النوع من البركة؟ أحياناً تكون البركة في الزمان- في الأعمال الصالحة التي تجري فيه- ، وهو الغالب أغلب ما يجري من البركة في الزمان فيما يكون عظيماً في الأعمال الصالحة التي تجري فيه، وأحيانا تكون البركة من وجهين: من وجه مضاعفة الأعمال، ومن وجه أن الله - عز وجل- يقدر فيه أقداراً فيها خير للأمة كليلة القدر. هذا في الزمان.
في الأمكنة كذلك: المساجد الثلاثة مباركة من حيث أنها تضاعف فيها الحسنات، ومن حيث أنها لها حرمة تخصها، تضاعف فيها الحسنات إما مضاعفة مطلقة، أو مضاعفة الصلاة، كما ورد في النصوص على خلاف بين أهل العلم.
كذلك هناك أشياء لا هي زمان مطلق ولا مكان مطلق لكن أشياء، هناك أشياء مباركة وبركتها متعدية مثل: ماء زمزم، ماء زمزم مبارك وهو( لما شرب له). وقد وردت النصوص الصحيحة في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذلك وردت البركة في أشياء مثل السحور النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
( تسحروا فإن في السحور بركة ) وهذه البركة مطلقة، صحية وغير صحية، معنوية وحسية.
وكذلك القرآن كلام الله فهو كلام مبارك، فيه هدىً للقلوب، فيه نور، فيه صلاح، فيه شفاء للنفوس والقلوب والأرواح، فيه شفاء للأجسام فهذه البركة متعدية في كلام الله -عز وجل- وهو القرآن.
كذلك في الأعمال: كل عمل صالح مخلص لله، كل ما يعمله المسلم من عمل صالح بإخلاص فهو مبارك، وبركته له لا تتعدى إلى غيره؛ لأن البركة كما قلت فيها ما هو متعدٍ، وفيها ما هو غير متعدٍ، فبركة ماء زمزم مثلا متعدية لكن العمل الصالح مبارك لكنه ينفع صاحبه لا ينفع غيره.
(7/12)
---(1/222)
في الأشخاص أيضا: ذوات الأنبياء مباركة، وذات النبي -صلى الله عليه وسلم- خصت بالبركة؛ ولذلك ذوات الأنبياء ورد أنها مباركة، لكن لا يجوز التبرك بها، وورد أن ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأشياءه مباركة ويجوز التبرك بها؛ لورود النص؛ ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتبركون بذات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجسمه ولباسه وشعره وكل ما يخرج منه، بل حتى في أشيائه، بخاتمه وبسيفه وبكل ما يتناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأشياء والأثاث وغيره، فهذه البركة بركة متعدية وردت فيها النصوص والصحابة عملوها وقرهم على ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يتزاحمون أي: الصحابة -رضي الله عنهم- على أشياء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذاته تبركاً بها تبركاً فعلياً مباشراً فهي بركة متعدية.
وقلنا كذلك: ما انفصل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من بدنه من ريق وعرق وشعر، وقد انقطع ذلك كله- أي: ما يتعلق بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- --- انقطع بموته.
أما ما يتعلق بأشيائه فما بقي منها يتبرك به، لكن لنعلم -وهذا أمر مهم- أنه لم يبق من أشياء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد القرون الثلاثة الفاضلة شيء. آخر ما أثر شعرات من النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرن الثالث عند بعض أهل العلم. بعده لا يعرف شيء.
نقول هذا؛ لأن استغل بعض السذج من المسلمين من قِبَلِ بعض الدجالين والجهلة في أن هناك أشياء للنبي -صلى الله عليه وسلم- كما يزعم بعض الهراصين -موجودة؛ فيتعلق الناس بها، وهي لا توجد على وجه الحقيقة، ولعل في ذلك حكمة يعني: كون أشياء النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطعت وانتهت لا شك أن لله في ذلك حكمة نعم.
( الثاني عشر: أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاثة أنواع:
الأول مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكر الآخرة وللسلام على أهلها والدعاء لهم.
(7/13)
---(1/223)
الثاني بدعي: ينافي كمال التوحيد، وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله- تعالى- والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها، أو إهداء الثواب عندها والبناء عليها وتشخيصها وإسراجها واتخاذها مساجد، وشد الرحال إليها، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه، أو مما لا أصل له في الشرع.
الثالث شركي: ينافي التوحيد، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر كدعائه من دون الله والاستعانة والاستغاثة به والطواف والذبح والنذر له ونحو ذلك.)
(7/14)
---(1/224)
أحسنت. موضوع التوسل وموضوع التبرك يتفرع عنه أعمال يقع فيها الكثيرون، وأكثر ما يكون من هذه الأعمال ما يجري حول القبور؛ لأن الناس ممكن أن تستعطف عواطفهم تجاه أمواتهم، ويستغل كثير من الجهلة أو المرتزقة أو أهل البدع عاطفة التقرب أو عاطفة الولاء بين الأحياء وبين موتاهم؛ فيدخلون كثيراً من وجوه الأعمال غير المشروعة بعضها قد يصل إلى الشرك أي: ما يعمل عند القبور، وبعضها قد يكون من البدع المغلظة، وبعضها قد يكون من التبرك غير المشروع والتبرك البدعي، وكل هذا يقع؛ لأن الناس يعني عند زيارتهم للقبور يعني يجدون من أصناف المغريات في الوقوع في هذه المنهيات الشيءَ الكثير لا سيما بعدما أسرجت القبور واتخذت فوقها القباب والمساجد ووضعت عندها الأوقاف والمنافع؛ فالإغراءات بالوقوع في البدع والمنهيات كثيرة جدا، وكما قلت: لعل من أعظم الإغراءات أن هناك من ينتفعون ببدع القبور؛ وقد رأينا من هذا الصنف العجب أي: الذين ينتفعون ببدع القبور من استدرار الأموال من العامة، بل ومن الفقراء، نجد الفقير يعيش زمناًً طويلاً ليحصل دريهمات؛ فيذهب بها عند سادن القبر، فيلقيها كلها من أجل أن يمكنه سادن القبر من أن يدخل على ذلك الميت؛ فيتوسل إليه، أو يدعوه من دون الله، أو يتبرك به ليجلب له نفعا، أو يدفع عنه ضرا، وهذه مهلكة في الدين والدنيا. وهذا الفقير المسكين ربما يكون خسر عقيدته وخسر ماله، وذاك المنتفع الدجال ربما أيضا تمسى باسم الدين، ولبس لباس الأولياء، والغالب أنه يكون من الكاذبين.
على أية حال هذه مأساة من مآسي المسلمين الكثيرة، وهي من أعظم أسباب ذلهم وهوانهم وفرقتهم وتنازعهم الذي هو سبب الفشل؛ لأن الله -عز وجل- قال: ? وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? [ الأنفال: 46 ] .
والتنازع في الدين والعقيدة ، التنازع في عبادة الله -عز وجل- إذن أفعال الناس عند القبور وزيارتها على ثلاثة أنواع:
(7/15)
---(1/225)
النوع الأول مشروع: وهو الذي عليه عامة المسلمين وغالبهم، وهو الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته والتابعون وسلف الأمة وغالب المسلمين الذين هم على الفطرة لم تجتذبهم البدع والأهواء ،غالبهم على هذا الوصف، وهو الزيارة المشروعة التي هي من القربات، وهو أن تزور أصحاب المقابر تخص وتعم من أجل:
أولا: السلام عليهم، السلام عليهم تسلم عليهم السلام المشروع: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، رحم المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر اللهم لنا ولهم) ، ونحو ذلك من الأدعية المشروعة، وما يناسب أيضا من الدعاء الذي لا يكون فيه عدوان ولا ابتداع إلى آخره.
فالسلام هذا حق للأموات، ولا مانع أن يكون -بل ينبغي- أن يكون عاما وخاصا، فإذا جئت إلى المقبرة تسلم سلاما عاما، بل ينبغي إذا مررت بالمقبرة وأنت مارّ حتى ولو لم تدخل ولم تلج ينبغي أن تسلم على الأموات عموما، والله -عز وجل- يبلغهم، أو يعطيهم المقدرة على إبلاغ السلام ويردونه.
(7/16)
---(1/226)
والأمر الثاني: زيارة القبور شرعت من أجل الاتعاظ وتذكر الآخرة، وفي هذين الغرضين ما يشبع رغبة المسلم تجاه إخوانه الأموات؛ لأن المسلم تعلق قلبه بالأموات من هاتين الناحيتين: من ناحية أن ينفعهم؛ فينفعهم بالدعاء، ومن ناحية أن ينتفع بحالهم؛ فينتفع بالاتعاظ؛ لأن المسلم إذا مر بأهل المقابر وتصور ما هم عليه، وأن منهم ما هو على خير، ومنهم من قد يكون على أمر خطير؛ فيتذكر أنه- ولا بد أن يكون من ضمن هذا الصنف - من الذين فارقوا الدنيا، وأنه لا بد أن يكون رهين هذه الحفرة وهي القبر، وأنه سيجري له ما جرى لهم؛ فمن هنا يتذكر ويلين قلبه، ويخشع لله عز وجل، ويخاف الله، ثم يتقرب إلى الله ويحسب حسابا للموت؛ ولذلك كان كثير من الصالحين لا يكتفي بمجرد زيارة المقابر- مع أن في هذا كفاية للاتعاظ- ؛ بل ربما يلقي بنفسه في القبر، ثم يبدأ يحاسب نفسه وكأنه هو الميت، أو كأنه سيدفن قريبا، وكثير من الصالحين أيضا من أجل أن يروض قلبه على الاتعاظ والتقرب إلى الله عز وجل، و تذكر الموت والآخرة يحفر قبره بيده؛ ليكون أكثر تهيؤاً، وهذه كلها من الأمور المشروعة.
إذن زيارة القبور في المشروع فيها كفاية، وباب المشروع فيها واسع من السلام والدعاء على الأموات وتذكر الآخرة. هذا النوع الأول.
النوع الثاني: زيارة بدعية: تنافي كمال التوحيد بمعنى أن الإنسان لا يخرج منها من ملة الإسلام، ولا يقال : إنه أخلَّ أو إنه عمل ما يناقض التوحيد؛ لكن ينقص توحيده ويقع في البدع، وربما يكون هذا النوع وسيلة من الوصول إلى الشرك؛ بل كان سببا في وقوع طوائف من جهلة المسلمين في الشرك ، فالنوع الثاني: بدعي أي: ارتكاب بدع في زيارة الأموات، بدع في المقابر وزيارة القبور، وهو أن يقصد عبادة الله- عز وجل-، أو التقرب بأي قربة لله -عز وجل - عند المقابر، أو عند الأموات، أو عند القبور، وربما تكون الوسائل لهذا يعني هي الظاهرة عند كثير من الناس.
(7/17)
---(1/227)
وقبل أن أدخل في تفصيل هذا أقول: إن الوسائل التي توقع في بدع القبور هي التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد النهي، وهي رفع القبور، الرفع الذي يلفت النظر؛ بحيث تشرئب إليه نفس الرائي؛ فيعظم في قلبه هذا القبر، وكذلك البناء عليها سواء كان البناء على شكل جُدُر، أو على شكل قباب، أو بناء المساجد عليها.
كل ذلك مما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- نهياً صريحاً؛ بل هو من الأمور التي أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتحذير منها في مرض موته؛ فقال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) فاتخاذ القبور مساجد على نوعين:
بأن يدفن الميت في القبر، أو يبنى عليه مسجد، أو تعمل القربات والعبادات عند القبور؛ حتى ولو لم يكن عليه مسجد ولا بناية.
إذن أقول: إن الوسائل التي تعمل عند القبور هي التي أغرت كثيرا من الجهلة بالوقوع في التوسل البدعي والشركي من اتخاذ القبور مزارات على غير الوجه المشروع، من بناء القباب والأبنية والمشاهد عليها، أو دفن الموتى في المساجد، أو نحو ذلك من الوسائل التي تغري الناس بالوقوع في البدع.
إذن هذه الأمور أي: المغريات -وهي كثيرة جدا- أوقعت الناس في التقرب إلى الله عند القبور بمعنى: أن المتقرب هذا لا يقصد عبادة الأموات، ولا يدعوهم من دون الله لكن يظن أن في العبادات عند المقابر مزية؛ فتجده يقرأ القرآن عند المقبرة زعماً منه أن هذا أعظم لأجره، أو يهدي ثواب القرآن إلى الأموات، وهذا أقرب من البدعة، بعضهم يقول: أنا أصلي لله لكن أصلي في المقبرة؛ لأن الذين في المقبرة من موتى المسلمين الذين نرجو أن يشفعوا لنا إلى آخره! فيصلي لله لكن يعني يتقصَّد البقعة؛ زعما منه أن هذا فيه زيادة بركة، أو أحيانا يعمل قربات أخرى عند القبر زعماً منه أن هذا يضاعف الحسنات؛ فيتصدق عند القبورو يضع لها الأوقاف للناس الذين يعملون البدع.
(7/18)
---(1/228)
هذا كله مما هو من التوسل، أو التقرب البدعي الذي أدى- في كثير من الأحيان- إلى الوقوع في الشركيات.
إذن التقرب إلى الله -عز وجل- عند القبور فيما لم يشرعه الله هذا بدعة، وقصد التبرك بها كذلك، إهداء الثواب عندها، البناء عليها كما قلت تجصيصها، وإسراجها، اتخاذها مساجد، شد الرحال إليها . معنى شد الرحال: أن يتقصد الإنسان أن يسافر من أجل زيارة قبر، أو زيارة مقابر، وهذا غير مشروع؛ المشروع أنه إذا مر بالمقبرة يسلم على أهلها، إذا مر بالقبر -وهو قبر مسلم- يسلم على صاحبه، أما أن يشد الرحال لذلك فالراجح أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عند شد الرحال إلا للمساجد الثلاثة.
وكل ما ثبت النهي عنه وجب اجتنابه، وإن كان دون الشرك فهو من هذا النوع الذي ينافي كمال التوحيد.
وعلى أي حال: كل ما لم يكن له أصل في الشرع من الأقوال أو الأفعال أو التوجهات القلبية أو القولية أو غيرها عند المقابر سواء قبر فردي أو مقابر جماعية فإنه يدخل في هذا النوع.
النوع الثالث: وأرجو أن يكون قليلا في المسلمين- إن شاء الله- وفيمن يدعون الإسلام، أرجو أن يكون نادرا لكن مع ذلك هو خطير، وربما يقع فيه البعض، وهو شركي ينافي التوحيد يعني: يوقع في الخروج من الملة، وهو صرف العبادة لأصحاب القبور، للموتى ،لفرد أو لمجموعهم كدعائهم من دون الله، أو الاستعانة بهم بعد موتهم؛ لأنهم لا يقدرون على جلب نفع أو دفع ضر، أو الاستغاثة بهم، أو عمل عبادة محضة مثل: الطواف، ومثل: النذر أو الذبح تقرباً إليهم؛ فكل ذلك يدخل فيما ينافي التوحيد، بل يوقع في الشرك.
(7/19)
---(1/229)
هذه الصور وإن كانت قليلة إلا أنها موجودة، وهي من أخطر ما يقع فيه المسلمون، ويجب على كل مسلم يرى مثل هذه المظاهر أن يحذر من يقعون فيها؛ فالدين النصيحة، ولا يجوز لأحد يرى بعض المسلمين الجهلة يعمل هذه الأشياء إلا ويجب عليه أن ينقذه من النار، وأن ينصح له، ويبين له خطورة هذا الأمر؛ لأن الكثيرين ممن يقعون من الجهلة لو بُيِّنَ لهم وجه الحق وأُوردت لهم الأدلة بأسلوب لين وبأسلوب ناصح؛ نجد أنهم -إن شاء الله- سيخضعون للحق.
الخلاصة: أن هذا النوع الشركي- وإن كان قليلاً- إلا أنه ربما يكون من أعظم أسباب ما وقعت فيه الأمة من هذه العقوبات والأدواء والأمراض والفرقة؛ لأنه لما وجه فريق من المسلمين عبادتهم لغير الله وإن كان على جهل أدى ذلك إلى ضعفهم وهوانهم وذلهم، وأدى عدم الإنكار على مثل هؤلاء الذين يقعون في مثل هذه المصائب أدى إلى مثل هذه العواقب الوخيمة؛ ولذلك أرجو أن يتواصى المسلمون على التحذير من هذه الأنواع سواء كان منها البدعي أو الشركي.
( الثالث عشر والأخير في هذا الباب: الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدها؛ فإن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة.)
على أي حال سبق أن تكلمنا عن هذا النوع، وبينا أن الأصل في الدين: أنه شرع من الله -عز وجل- سواء مما ورد في كتاب الله، أو ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدين كله عقيدة وأحكام وسلوك وتعامل؛ فعلى هذا كل مَن شرع في الدين ما لم ياذن به الله؛ فقد ابتدع وكل بدعة، كل محدثة أي: أحدثها الناس وتدينوا بها وتقربوا بها إلى الله وهي ليست من القربات؛ فهي مما يجب رده، لكن هناك أمر وهو أن بعض الناس يقع في أمور تؤدي إلى البدعة، أو تؤدي إلى الشرك وهو لا يشعر، فعلى هذا فجميع الأمور التي تكون وسيلة إلى الوقوع في البدعة أو وسيلة إلى الوقوع في الشرك فلا بد من سدها.
(7/20)
---(1/230)
على سبيل المثال: الاحتفالات السنوية/ بعض الناس يحتفل مثلا بميلاد ابنه، أو بمناسبة دنيوية عامة؛ فيجعل الاحتفال بها التزاماً فإذا التزم ذلك صار ذريعة إلى البدعة. ما معنى ذريعة للبدعة؟ بمعنى أنه فيما بعد يتقرر عنده أن هذا المعتاد يجب ألا يترك، ويأتي أجيال من الناس يعتقدون أن تركه خطأ؛ فمن هنا تعبَّدوا به من حيث لا يشعرون، وأعظم البدع- سواء كانت بدعاً حولية أو غيرها- بدأت من هذا الجانب من التساهل في بدايتها، قد لا يقصد الناس بداية الالتزام بها التعبد، لكن حينما يلتزمونها ويلزمون أنفسهم يكون ذلك على سبيل التعبد.
أضرب لهذا مثالاً أيضاًًَ: كثير من المسلمين الآن بدءوا يحتفون برأس السنة الهجرية، وصار بعضهم يهنئ بعضا وكأنهم في عيد؛ حتى أصبح بعضهم يطلق عليها صفة العيد بل لقب العيد؛ إذن بعض الناس الآن اتخذ ذريعة للبدعة، وبعضهم وقع في البدعة.
أما الذي اتخذ ذريعة للبدعة فذلك الذي أصبح يهنئ ويحتفي مع أن أمر الهجرة مهم لكن أصبح يحتفي ويلتزم أنه في ذلك التاريخ يهنئ من حوله بهذه المناسبة، الآخر الذي تقرب إلى الله بالدعوة إلى ذلك ،ويعتبر هذا من الأمور اللازمة، ثم بعد ذلك تأتي أجيال لا تستطيع أن تتخلص من هذا الأمر فتتعبد به، والدليل على هذا أنه الآن نظراً لظهور هذه الشائعة بين المسلمين. كثير من الناس إذا أنكرت عليه اعتبر هذا نوعا من الموقف الغريب لماذا؟ لأنهم استمرءوا هذا الأصل فصار ذريعة إلى البدعة؛ بل وصل بعدَهم إلى الابتداع.
أيضا التعبد أحيانا بمناسبات: لم تشرع أذكر على سبيل المثال أنه شاعت عند الناس قبل العام الماضي فكرة أنه مادام آخر السنة أو أول السنة التي تلي يوم الاثنين فقالوا: نشجع ونحرض على صيامه، وجاءتني رسالة من هذا يقول: اختم عامك بصوم.
(7/21)
---(1/231)
طيب: هذا أراد خيرا لكنه وقع في بدعة بمعنى أنه ما عرف قاعدة الشرع حينما دعا إلى صوم يوم يُقصد به التعبد على أساس أنه ذكرى لنهاية السنة وبداية أخرى، فهذه بدعة لو التزمها الناس لكانت بدعة.
وهكذا تساهل الناس في الأمور يجعلها تصل إلى البدع وهم لا يشعرون، وتأتي أجيال تجهل الغرض الطيب أو المقصد الحسن عند من بدءوا هذه الأمور فتتعبد؛ ولذلك أغلب البدع الحولية وغيرها جاءت من هذا التساهل.
وهنا أعود وأقول: التذكير بأمر هو أنه لا يجوز للمسلمين أن يعيدوا ويتعبدوا بتعييد غير العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صرح بذلك، بل إن الأنصار لما استأذنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن يأذن لهم بأعياد كانوا يحتفلون بها، بل بأيام بعضهم لا يسميها أعيادا ،أيام يحتفلون بها يفرحون ويفرفشون فيها مع أطفالهم لما استأذنوا أن يأذن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بها لم يأذن، وقصرهم على العيدين وهذا توجيه للأمة كلها؛ فلا يجوز أن يعيد المسلمون بغير العيدين؛ ولذلك فإن الذين التزموا أعيادا، أو التزموا مناسباتٍ على سبيل الدوام صارت عندهم أشبه بالعقيدة؛ بحيث من تركها أو أنكرها يكون هو المخطئ، وهذا قلب للمفاهيم؛ ولو عكسوا لكان هو الصحيح.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآن ننتقل إلى ما عند الإخوان من الأسئلة.
السلام عليكم شيخ ناصر وجزاكم الله خيرا، ولعلي أبدأ بالاتصالات. قبل ذلك أستأذنكم في عرض السؤالين.
السؤال الأول: ما هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها العبادة؟
السؤال الآخر: ما حكم تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة عن الدين؟
وردتني إجابات كثيرة كالمعتاد أعرض الإجابات الأولى يا شيخ في الورود، ثم بعد ذلك أعرض الأسماء نعم.
(7/22)
---(1/232)
علياء من الإمارات تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أقسام العبادة: الحب والخوف والرجاء.
الطالب من السعودية يقول: أيضا عبادة الله بالحب والخوف والرجاء جميعا.
فقية السعدية من المغرب يقول: العبادة تقوم على عبادة الله وحده، واتباع أمره واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- والاعتقاد الجازم بأن الله هو الحكم، وأن نرضى بحكمه فلا شريك له في حكمه الشرعي والقدري، والله أعلم.
هطول من الإمارات تقول: السؤال الأول: أركان العبادة ثلاثة وهي: المحبة والرجاء والخوف، أما السؤال الثاني فتقول: يا شيخ هناك من الفلاسفة وغلاة العُباد من قسم الدين إلى حقيقة وهي صلة بالله على ما يتذوقه الفرد ولا يدركها إلا فئة نادرة من الناس، والقسم الآخر هو الشريعة وهي خاصة لعوام الناس، وأن الأنبياء رعاة العوام وجميع هذه التقسيمات لا تجوز وهي منافية لقطعيات النصوص، وهي ضلال مبين إجمالا، ولا يجوز فصل الدين عن الحياة والسياسة والاقتصاد.
أختم بجواب الأخ ابن إسلام من الكويت يقول: أركان العبادة: كمال الحب والخوف والرجاء، ويجب أن تكون مجتمعة ولا تفرد بينها.
الثاني يقول: تقسيم الدين إلى حقيقة وشريعة. وفصل السياسة عن الدين باطل وهو إما كفر إذا اعتقد جواز ذلك، وأنه يأتي بأحكام أفضل مما جاء به الشرع؛ لقوله تعالى: ? وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ? [ المائدة: 44 ]. وإن كان لا يعتقد ذلك لكنه متبع للهوى فهو ضلال.
(7/23)
---(1/233)
نعم على العموم الإجابات جيدة في الجملة وبعضها فصَّل وبعضها أجمل، وفي كل خير لكن أُحب أن ألاحظ على أحد الأجوبة- وهو جيد- لكنه حين عبر بأن أركان العبادة: كمال الحب والخوف والرجاء فلعل في هذا نوع من التساهل في التعبير؛ لأنه لا يلزم كمال الحب، كمال الخوف والرجاء يعني: إذا وجد الحب لله -عز وجل- ثم الخوف والرجاء ولو لم يكن فيه كمال؛ لأن الكمال قد لا يرد إلا عند قلة من العُباد الصالحين، لكن إذا وجد القدر الشرعي الكافي من الخوف والرجاء؛ فهذا يتحقق فيه أركان العبادة إن شاء الله؛ لأن الكمال لا يكون إلا لندرة من الخلق نعم.
يا شيخ أبدأ بالأسئلة الأخت منال من مصر تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تقول: يا شيخ هل يجوز تسمية شخص لنفسه سبيل الله وهو قد يكون عرضة لأن يقال له: أخطأت يا سبيل الله، وأختلفُ معك يا سبيل الله فهل هذا يليق جزاكم الله كل خير؟
يظهر لي أنه غير لائق هذا الاسم أولا: غير لائق لأنه من الشهرة ولفت النظر ما يجعله محل تندر، والمسلم ينبغي أن يبتعد دائما عما يؤدي إلى شهرة تكون محل نقد من الناس أو سخرية، والأمر الثاني: أن سبيل الله يقصد به أحيانا أمور لا ينبغي التسمي بها؛ لأن سبيل الله صراطه ودينه فلا يسوغ أن أحدا يسمي نفسه دين الله هذا غير لائق في الحقيقة، وربما يكون فيه سوء أدب مع ما يجب لله عز وجل نعم.
أحسن الله إليكم. الأخت إيمان من مصر أيضا يا شيخ تقول: السلام عليكم هل إذا دعا الإنسان الله تعالى بعمل من الأعمال الصالحة التي عملها واستجاب الله دعوته هل هذا يذهب أجر هذا العمل؟
(7/24)
---(1/234)
الظاهر -والله أعلم- أنه- إن شاء الله- لا يذهب؛ لأن صدر الله واسع، بل ربما يزيد أجره خاصة إذا دعا عند ضرورة، إذا دعا المسلم ربه -عز وجل -في عمل بأن ينفعه بعمل صالح له؛ فأرجو أن يكون ذلك حسب النية، فإذا كان لا يزال مرتبطا بالله -عز وجل- ، ويحتسب أجره- أولا وآخرا- على الله فالراجح وما تقتضيه عموم النصوص وسعة رحمة الله- عز وجل - وصدره على خلقه أنه - إن شاء الله - يبقى له الفضل، وإن سأل الله بنفع آجل. نعم.
أعود إلى الإنترنت مرة أخرى عبد الله المرابط يا شيخ من المغرب يقول: فضيلة الشيخ أثابكم الله: في مجتمعاتنا نرى كثيرا من أفراده يخلطون بين لفظ التوسل ولفظ الاستغاثة؛ فأرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الفرق، وجزاكم الله خيرا؟
التوسل والاستغاثة بينهما عموم وخصوص، فالتوسل قد يشمل الاستغاثة لكن الاستغاثة فيها خصوصية، فالتوسل هو التقرب بمعناه العام يعني: كل تقرب يسمى توسلا؛ وعلى هذا فإن عبادة الله عز وجل توسل، دعاءه توسل، دعاءه بالعمل الصالح توسل، دعاءه ..... إلى آخره. فهذا يعني أن التوسل هو التقرب بمعناه الواسع، بينما الاستغاثة هي نوع من الطلب هي نوع من التوسل؛ وعلى هذا فإن الاستغاثة بالله توسل مشروع، والاستغاثة بغير الله توسل ممنوع فيما لا يقدر عليه إلا الله نعم.
عندي مداخلة ذكرت أن الطواف على القبر شرك،إذا قصد به العبادة، ليس كل الطواف على القبر يعتبر عبادة يعني يكون وسيلة للشرك.
نعم الطواف على القبور أولا: الطواف بحد ذاته عبادة محضة، هذا الأصل.
(7/25)
---(1/235)
الأمر الثاني: أن طواف الناس عند القبور لا يخلو من إحدى حالين: الغالب أن يقصدوا به التعبد فهذا شرك، من طاف بغير الكعبة تعبداً فهذا شرك، والنوع الثاني: قد يكون من باب مسايرة الناس، والطائف لا يدري- يحدث من بعض الزوار مثلا، أو بعض الذين وفدوا على هذه الأماكن والمشاهد وهم لا يدرون خاصة السُّواح الذين لا يعرفون أسباب الطواف بهذه القبور فيدورون مع الناس وهم لا يدرون لماذا يدورون- فهذا ارتكب بدعة، وارتكب ذنبا عظيما لكن لا يقال: بأنه أشرك؛ لأنه أصلا لا يدري من هذه العبادة ولم يتقصد العبادة.
السؤال الثاني: ذكرت أن بعض الصالحين يحفر القبر ثم يجلس في القبر ويحاسب نفسه كأنك يعني ترى أن هذا الأمر سائغ، وهذا للحق ما عليه دليل، بل يمكن يدخل في البدعة؛ لأن هذا ما ورد لا دليل من الكتاب ولا السنة لأنه قد يكون تكلفا من بعض الصالحين.
هو في الحقيقة هذه ليس هناك دليل قاطع فيها إلا فعل السلف؛ لأنها من الأمور التي لا تحدث على سبيل التعبد هذا مسلك شخصي لا نقول: إنا نأمر به ولا نستطيع أن ننكر على فاعله؛ لأنه لا يفعله على سبيل التعبد هذا نوع من أنواع ترويض النفس لكن لو فعله على سبيل التعبد فهو بدعة نعم، ومع ذلك تبقى المسألة خلافية يعني: ملاحظة الأخ وجيهة .
السؤال الأول: ما صحة بركة الوالدين في البيت؟.
السؤال الثاني: ظهرت وسائل للحصول على ما نريد مثل: علم الـ( N.L.P) البرمجة اللغوية العصبية لكنها ليست على سبيل التعبد أي: مجرد وسيلة قال بعض العلماء: إن لا بركة فيها، أو أنها لها آثار عكسية على الشخص، فما قولكم في ذلك يا شيخ؟ شكرا لكم.
(7/26)
---(1/236)
السؤال الأول: إذا دعا مسلم الله سبحانه وتعالى بأن يحقق له شيئا ما وكانت له معصية سابقة ولكنه تاب منها والحمد لله لكن لم يتلف هذه المعصية مثل أشرطة الغناء. هو تاب منها لكن الأشرطة ما زالت موجودة عنده وقام بإتلافها هذه الأشرطة الآن لكي يتوسل بهذا العمل في دعائه، فهل هذا يعتبر من التوسل إلى الله بالعمل الصالح؟
السؤال الثاني: هل نحن مطالبون بذكر جميع الأدلة التي تذكرها يا شيخ أثناء الشرح أم يكفي أن نكتب دليلا أو دليلين؟
السؤال الأول: الحب والخوف والرجاء على قوله من أصول العبادة أن الله تعالى يعبد بالحب والخوف والرجاء جميعا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال. قال بعض العلماء: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ". أحسنت.
السؤال الثاني: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة وشريعة تلزم العامة دون الخاصة .وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل، بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها فهو إما كفر وإما ضلال بحسب درجته. نعم أحسنت.
بالنسبة للسؤال يا شيخ: أنتم تقولون أنها ما يجوز زيارة القبور للنساء وبما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( إن أهل النار النساء ) فلم لا يكون جائزا؛ فلم لا يزُن لكي يتعظن- بما أن معاصيهن بصراحة كثيرة- ؟ وشكرا.
أحسن الله إليك يا شيخ. لو تكرمت ما معنى قول الله سبحانه وتعالى: ? وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ? [ المائدة: 35 ] هذا السؤال الأول- الله يحفظك- يا شيخ.
السؤال الثاني: هل كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتوسلون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عند نزول الشدائد بهم في حياته؟
السؤال الثالث: كثير من المسلمين يتوسلون بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- مستدلين بحديث الضرير الذي أخرجه أحمد في مسنده، فكيف يتم الرد عليهم؟ وجزاكم الله خيرا يا شيخ.
(7/27)
---(1/237)
هل يجوز للمسلم أن يؤدي طاعة معينة كصوم يوم في سبيل الله؛ كي يتوسل لله به في دعائه؛ حتى يكون أقرب لاستجابة الدعاء؟
السؤال الثاني: وما السبيل للتخلص من غلبة الخوف على الرجاء عند العبد في عبادته لله تعالى؛ بحيث أن يكون هذا الخوف ربما يؤدي به إلى نوع من الضغط النفسي أو الاكتئاب أو الحزن أو ما إلى ذلك؟
أحسن الله إليكم يا شيخ ناصر. نأخذ سؤالا من الاستديو. أحسن الله إليك السفر لزيارة القبور ممنوعة وزيارة المسجد النبوي مشروعة فربما يقول قائل: النازل في المسجد النبوي سيزور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهل يعتبر هذا من شد الرحال؟
لا. هو لا شك أن كل مسلم يتمنى أنه لو زار المدينة لسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل يعزم على ذلك وهذا مشروع؛ لأنه إذا زار المدينة يجب عليه الوفاء لحق النبي -صلى الله عليه وسلم- وحق غيره من الصحابة وأصحاب المقابر من الأموات في البقيع وغيرهم أن يسلم فأنا أقول: إن هذا أمر- كون الإنسان ينويه ابتداء-
لا حرج، لكن لا ينشئ السفر، ومعلوم أن إنشاء السفر لمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مشروع؛ فعلى هذا تداخل المشروع مع المشروع ، النبي -صلى الله عليه وسلم- له حق زيارة فإذا وصلت إلى المدينة فيجب عليك بل يشرع لك أن تسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، وتسلم على جميع أصحاب القبور في المدينة وهكذا نعم.
أحسن الله إليكم يا شيخ. أعود إلى الإخوة على الإنترنت. أخونا مراد من المغرب يقول: هل البركة في ماء زمزم تكون في نفس المكان، أم حتى إذا نقل من مكة؟
(7/28)
---(1/238)
الظاهر -والله أعلم- أن البركة في ماء زمزم باقية حتى لو نقل؛ لأنه ما في أي دليل يخصص ، والأمور هذه موقوفة على الدليل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما ذكر ذلك ذكره وهو مشرع، والله -عز وجل- يعلم أنه ستأتي عند الخلق وسائل لنقل ماء زمزم متوفرة كما هي الآن في الطائرات وغيرها، بل حتى في القديم كان الناس - وإن كان في حدود ضيقة- ينقلون ماء زمزم إلى غير مكانه؛ فالظاهر -والله أعلم- أن البركة باقية في ماء زمزم؛ حتى في غير مكة هذا الظاهر، لكن ربما اجتماع فضل الزمان وفضل المكان والذي هو مكة مع فضل الماء ربما يزيد البركة تأثيراً، والله أعلم.
أحسن الله إليكم يا شيخ. أختنا أم عمر اتصلت تسأل يا شيخ عن صحة بركة الوالدين في البيت.
على أي حال هذا وارد؛ لأن المقصود بصحة بركة الوالدين يعني: الانتفاع ببرهما، وأيضا ما عندهما من تجارب ومن حنو وما عند الوالدين من جمع شمل الأسرة هذا كله أمور فيها بركة نظرا لأن البركة أحيانا يقصد بها مجرد وجود النفع، فالبركة من هذا الوجه موجودة، أن يكون في وجود الوالدين في البيت نفع للجميع هذا لا شك فيه حتى أيضا نفع ديني بمعنى احتساب من حولهما ببرهما وخدمتهما هذا فيه زيادة عمل صالح، وهذا من البركة نعم.
طيب يا شيخ تسأل أيضا عن البرمجة اللغوية يا شيخ.
والله البرمجة العصبية لا تزال طارئة علينا، وتحتاج إلى تحرير أنا قراءتي فيها قليلة لكن مما قرأته أجد أن البرمجة العصبية تختلف فيها الحقيقة بالدجل، تختلط فيها التجارب بالأمور الوهمية والغيبيات، ويختلط فيها أيضا التجربة والانتفاع بالوسواس والأوهام، لا تزال البرمجة العصبية فيها نواحٍ فيها غموض وفيها نظر، وتحتاج إلى أن يتخلص منها البرمجة.
(7/29)
---(1/239)
لذلك نجد أن كثيرا من الذين عندهم توهمات ووساوس وعندهم أيضا شيء من التساهل في الدجل والتخرصات: يدخلون من خلال البرمجة العصبية ولا يعني ذلك أن نتهم كل من عمل هذا العمل، أنا أعرف من الصالحين والأتقياء من استفادوا وأفادوا من هذه البرمجة، لكن مع ذلك هي- كعلم الآن-: الذين يلجونها ليسوا كلهم على نهج سليم، وليس كل ممارساتها سليمة، ولا حتى كل قواعدها التي قعدها لها أصحابها وأغلبها من الذين مقاييسهم تختلف عن مقاييس المسلمين ليست كلها سليمة، وفي الجملة أرى أنها تحتاج إلى تحرير، والله أعلم.
أحسن الله إليكم يا شيخ ناصر. أختنا أم باسل يا شيخ تقول: لو أن المصر على المعصية تاب منها لكنه لم يتلف آثارها يا شيخ سماع الأغاني تقول: ثم أتلفت الأشرطة تقربا إلى الله عز وجل أو توسلا إليه في الدعاء، فهل يصح منه هذا؟
طبعا هذا السؤال تسلسل على شكل تدريجي فمجرد التوبة من المعصية والإقلاع عن الأغاني هذا خير عظيم، وكان ينبغي أن يصحبه إتلاف أو التخلص من هذه الأشرطة، وتبديلها بأشرطة أخرى لكن لما لم يكن هذا ذنب تستغفر الله وتتوب إليه، وفي إتلافها احتسابا لله -إن شاء الله- مما يتقرب به، ويعتبر من التوسل المشروع، أن تتقرب إلى الله بإتلافها لمادة المعاصي ووسائلها نعم.
طيب يا شيخ تسأل تقول: هل يعني تلزم بحفظ جميع الأدلة؟
لم يلزم أبدا، وليس من العادة أني أطالب بجميع الأدلة وهو حتى يكون أيضا هذا من أساسيات الفهم . لا أبداً . الدليل البين الواضح يكفي.
طيب أحسن الله إليكم يا شيخ. الأخت أم شروق يا شيخ تقول: ورد في حديث: أن النساء هم أكثر أهل النار، فلماذا لا يجوز لهم زيارة القبور؟
(7/30)
---(1/240)
على أي حال مثل هذه الأمور توقيفية يعني: ليست بالعواطف ولا بمقاييس الناس ولا هذا يعني حكم من لدن الحكيم الخبير سبحانه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- مشرع عن الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن زيارة النساء للقبور وفي هذا مصالح لهن في الدين والدنيا؛ لأن المرأة عاطفية وغالبا ما تجهش بالبكاء، وتتجاوز الحد؛ فتأثم وتضر غيرها وتضر الميت؛ لأن الميت-إن صح أنه له شعور أثناء الزيارة- فإن هذا يضره ويؤذيه، والأمر الآخر: أن المرأة أحيانا تخرج عن طورها بالبكاء إلى أمور غير محمودة تضرها في عقيدتها وفي دينها؛ فلذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حجبها عن زيارة القبور إشفاقا عليها وعلى دينها وعلى ذمتها، ولذلك أدلة ( فالمرأة التي كانت تولول وتصيح على ميتها عند القبر ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- منعها وأمرها بالصبر عنفت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: إليك عني بمعنى أنك لم تشعر بما أنا فيه من مصاب ) ما علمت أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- نهرته وهذا مما لا يليق ولو تعمدت لكان هذا كفر لكنها ما كانت تدري أنه النبي -صلى الله عليه وسلم-،( ثم لما علمت أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهدأت من غضبها جاءت تعتذر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بين لها أن هذا خط) وشرَّع للأمة، فعلى هذا إذا كانت هذه امرأة من الصحابيات وقعت في أمر أوقعها في حرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي إثم عظيم فهذا دليل على أن المرأة يعني لعاطفيتها وحنوها وهذا جانب تمدح فيه من وجه؛ فإشفاقا عليها وإنصافا لها وعدلا في حقها أن تحجب عن زيارة القبور، أما أيضا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن (أكثر أهل النار من النساء) فهذا خبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يناقش فيه غيره؛ بل يجب التسليم به، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علل ذلك ببعض العلل، من ذلك أنه ذكر أن النساء (يكفرن العشير)، وأيضا ذكر يعني أشياء كثيرة ومن ضمنها أن(1/241)
(7/31)
---
النساء أكثر انجرافا أمام الشهوات والشبهات، وأكثر وقوعا في بعض المنهيات مثل الغيبة والنميمة واللجوء إلى السحرة والدجالين.
فعلى هذا المهم أن هذا حكم الله ليس لنا فيه خيار، ولا يجوز لنا أن نسأل سؤالَ المعترض لكن سؤال المستكشف الذي يريد أن يزداد من الخير والإيمان فلا حرج في ذلك نعم.
أحسن الله إليكم يا شيخ. أخونا مسلم من مصر يا شيخ يقول: بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- توسل الناس إلى الله -عز وجل- بدعاء العباس -رضي الله عنه- عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وذلك عند الدعاء لنزول المطر، فهل مثل هذا يجوز الآن؟
نعم في الحقيقة هذا من الأدلة الواضحة الذي ينبغي أن يُقلَبَ عليهم ككثير من أدلتهم، الكثير من أدلة أهل البدع . الصحيح أنه يقلب عليهم بمعنى أن تكون دلالته ضد ما يقولون، واستدلالهم بالحديث لا يخلو من جهل وتلبيس وأيضا تكلف، أو أحد هذه الأمور أيضا، أحيانا قد لا يوجد عند المستدل بهذا الحديث شيء من ذلك قد لا يكون يجهل لكنه التبس عليه الأمر، وقد يكون أيضا قلَّد غيره، أو متأول فالمهم أن حديث الأعمى، ونقف عليه -أرجو أن يأذن لي المشاهدون- ونقف على هذا بعض الوقفة؛ لأنها استكمال للدرس وكان من المفروض أني آتي بهذا الدليل لكن خشيت أن لا يتسع الوقت؛ لأنه ينبغي استيفاء الحديث عنه؛ فلتأذنوا لي بدقائق.
(7/32)
---(1/242)
حديث الأعمى أو حديث العباس حديث مجمل ومفصل، واستدل به الكثير من الذين يتذرعون به للبدع، استدلوا به على وجه لا يستقيم ويختلف عن القصة الحقيقية التي حدثت فيها هذه الواقعة، ويختلف عن فهم السلف لها بل عن سياقها لمَّا تأتي وافية، فنبدأ باستشفاع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعباس؛ لأن كثيرا من أهل البدع يظنون أن هذا دليل على التبرك البدعي والتوسل البدعي بالأشخاص بذوات الأشخاص، والصورة التي وقعت فيها قصة الاستشفاع بالعباس صورة بينة تدل على أن المقصود به قطعا هو التوسل بدعاء العباس، وهذا مشروع إلى اليوم وإلى قيام الساعة، والواقعة هي( أن الناس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أصابهم جدب، أو شيء أتوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوسلون به يقولون: يا رسول الله ادعُ الله لنا فيدعو، ومعروفة قصة الرجل الذي دخل المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فطلب منه وتوسل به أن يدعو فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الله-عز وجل- أن يغيث المسلمين فأغاثهم، ثم بعدها بإسبوع استمر المطر؛ حتى خشوا من الغرق فجاء ذاك الرجل نفسه ودخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوسل به أن يدعو الله فكان أن دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه بأن يرفع عن المسلمين فرفع).
(7/33)
---(1/243)
هذه الصورة الشرعية التي حدثت للعباس، وهو أن الصحابة -رضي الله عنهم- لما أصابهم الجدب في عهد عمر قالوا: ( كنا نستشفع بنبيك يعني: يدعون الله -عز وجل- بذلك، أو يخاطبون ربهم ثم قالوا: والآن نستشفع بعم نبيك ) كيف كان الاستشفاع بعم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أن وضعوه أمامهم فصار يدعو ويؤمنون بعده لم يتمسحوا بثيابه ولا بجسمه و لم يحصل هذا . الذي حصل أن التوسل بالعباس هو أن جعلوه أمامهم يدعو وهم يؤمنون بعده؛ فأغاثهم الله عز وجل، وحدث هذا من معاوية -رضي الله عنه- عندما استشفع بالأسود، وحدث من كثير من الصحابة، ولا يزال يحدث في تاريخ الأمة قديما وحديثا أن الناس يقدمون الصالحين منهم يدعون، والناس يؤمنون، فهذا من أسباب الإجابة بإذن الله، فهل هذه الصورة فيها بدعة؟ لا والله هي المشروع، ويجب أن نبقى على هذا المشروع، لكن أنى لهم أن يستدلوا بذلك على البدعة التي يعملونها وهو التمسح بالذوات والتبرك بالذوات ونحو ذلك هذا لم يحدث من الصحابة في هذا الدليل.
(7/34)
---(1/244)
كذلك الدليل الآخر حينما استشفع الأعمى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يرد عليه بصره القصة في سياقها وردت -بمعناها- ( أن الأعمى جاء طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشفع له عند الله، ويتوسل به عند الله أن يعيد له بصره، النبي -صلى الله عليه وسلم- نصحه بأن يصبر أو كذا لكنه آثر بأن يرد إليه بصره، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يتوضأ ويصلي ثم يدعو الله عز وجل أن يستجيب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه). النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له مع أنه بإمكانه أن يتبرك حتى بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن نظراً لأن هذا تشريع للأمة؛ لأن هذه خصوصيات للنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان وجه الاستشفاع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من الأعمى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له، وأنه دعا الله بأن يستجيب دعاء نبيه فيه؛ فهذا الوجه مشروع، فأي دليل على ما يعمله أهل البدع من التمسح بالذوات والتبرك بالأشخاص والدعاء دعاء الغير دعاء غير الله بمعنى الاستشفاع؟، وأحيانا يكون من باب الشرك.
فإذن الدليل بل الأدلة كلها التي في هذا السياق هي أدلة عليهم وليست أدلة لهم؛ لأن سياقها ينبغي أن يكون بكمال القصة وبفعل الصحابة وتفسيرهم؛ لأنهم هم الذين طبقوا تلكم الأحكام، وهم الذين حدثت على أيديهم تلك الأحداث؛ فينبغي أن نفهمها بعمل الصحابة وبفهمهم -رضي الله عنهم-، ثم بعمل السلف وبفهمهم فلم يكن أحد من السلف الصالح في القرون الفاضلة يستخدم التوسل إلا بهذه الطريقة -التوسل بالأشخاص- إلا بهذا الأسلوب الاستشفاع بهم- إلا بهذا الأسلوب- بأن يطلبوا من الصالحين الدعاء، وهم يؤمنون على دعائهم، أو يطلبون منهم الدعاء حتى لو ما أمنوا.
(7/35)
---(1/245)
صور الاستشفاع كثيرة لكن أبرزها هي الاستشفاع من أجل استنزال الغيث، أو دفع المضرات والمصائب العظمى عن الأمة عندما تكون المضرات والمصائب بأن يتقدم رجل صالح، ثم يدعو الله -عز وجل- ويؤمِّن المسلمون من ورائه على دعائه. هذه الصورة مشروعة، بل من أعظم القربات إلى الله عز وجل نعم.
أحسن الله إليكم يا شيخ. أخونا سمير من السعودية أيضا كوسوبي من السودان يا شيخ يسألان عن قوله تعالى: ? وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ? [ المائدة: 35 ] ما تفسيرها؟
نعم ? وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ? [ المائدة: 35 ] يعني: تقربوا إليه- عز وجل - بما تتوسلون به، الوسيلة هي: عبادته ودعاؤه والتقرب إليه بكل عمل صالح؛ فعلى هذا فالوسيلة التي يتقرب بها إلى الله هي على الأنواع التي ذكرتها في أول الحديث، فإذن النص على تمامه، ومفهومه واضح، وتطبيقه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عهد الصحابة والتابعين واضح، وهو أن نبتغي إلى الله الوسيلة بعبادته والتقرب إليه بالإخلاص، التقرب إليه بأنواع القربات، وهذا هو عين المشروع بل هو العبادة التي يجب أن نتقرب بها إلى الله عز وجل نعم.
طيب يا شيخ أم سلمة من السعودية يا شيخ تقول: هل يجوز لمسلم أداء طاعة كصوم يوم في سبيل الله للتوسل به إلى الله عز وجل؟
(7/36)
---(1/246)
نعم إذا كان الصيام يوافق الأيام المشروعة كأن لا تفرد الجمعة بصوم، ولا تصوم العيد مثلا فإذا صامت صامت في الأيام التي يشرع فيها الصوم؛ فلا مانع من قصد هذا وبقصد التقرب إلى الله عز وجل يعني: أن الإنسان إذا شعر في قلبه بضعف التقرب إلى الله عز وجل، ضعف قلب، ضعف إيمان وأراد أن يقوي قلبه بالصيام، وأن يكون أثناء الصيام أيضا يدعو الله -عز وجل- بما يشاء يتقصد هذا لا حرج؛ لأن الصيام عبادة، وأيضا من مواطن إجابة الدعاء الصيام، أو من الزمن الفاضل لإجابة الدعاء الصيام خاصة الصائم عند فطره فإن له دعوة مستجابة، فهذا القصد بهذا الحد مشروع، بل هو مما يتقرب به إلى الله نعم.
طيب يا شيخ أخونا عبد الله الإدريسي من المغرب يقول: السلام عليكم ورحمة الله شيخنا -بارك الله فيكم- بعضهم يزعم أنه بمجرد لمسه لعضو مريض، أو نفثه عليه يشفى بإذن الله، وقد يكون هذا الشخص من الصالحين، أو من عامة المسلمين فما حكم الشرع في ذلك؟
(7/37)
---(1/247)
نعم هذه من الأمور الخطيرة في الحقيقة؛ لأنها مما يبتلى به بعض الرقاة وإن كانوا من الصالحين والمتدينين، أو الذين يعرفون بالحرص على التزام السنة إلا أنهم أحيانا تأتيهم غفلات، والشيطان يضع للإنسان مصائد، ومن أعظم المصائد التي يصطاد بها الشيطان الرقاة أو بعض الصالحين هي مثل هذه الأساليب بأن يتوهم أنه إذا لمس شخصا استفاد وأنه شفي، إذا كان اللمس مبنياً على بركة القرآن أعني بذلك إذا كان مثلا الراقي ينفث في يديه، ثم يمسح جسده أو جسد غيره تبركا بالقرآن الذي نُفِثَ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه أنه يورد ويدعو ويقرأ شيئا من القرآن وينفث ثم يمسح بجسمه، يمسح جسمه بيديه هذا مشروع مع النفس ومع الغير بهذه الصورة هذا مشروع، لكن إذا كان يعتقد أنه بمجرد اللمس تحصل فائدة فنعم قد تحصل الفائدة لكنه ابتلاء، فالإنسان قد يستفيد الشفاء، وهذا قد يستفيد لأنه يشفى على يديه ناس لكنه قد يخسر عقيدته وشيئا من دينه؛ فليتق الله فإنه بمجرد هذه الأساليب: اللمس أو النظرة أو الإشارة ويجد أن فيها تغييرا لحال المريض دون سبب شرعي وهو القرآن أو الدعاء المشروع فهذا نوع من عادة الجن والشياطين بالإنسان ؛ لذلك أو يتبع ذلك استعمال حركات تزيد عن العدد المشروع أنا قلت وهذا أمر يجب التنبه له أنه عندما يعمل الإنسان مع قراءة القرآن عملا مشروعا كالنفث في اليدين ومسح المريض، أو لمس المريض برفق من أجل إدخال الطمأنينة على نفسه لا اعتقاد أن اللمسة تنفعه يعني: بعض الناس يكون عنده من رقة الطبع والتلطف مع المريض؛ بحيث يربت على كتفه أو يلمس شيئا من جسمه إذا كان لمس جسم مشروع من باب تطمينه وإدخال السرور عليه، لا من باب أن هذه اللمسة هي بحد ذاتها التي تنفعه؛ فينبغي يا إخوان أن نتنبه لما يعمله كثير من الرقاة، وأنصح إخواني الرقاة -وما أكثرهم- أن يتنبهوا للتفريق بين الحركات المشروعة وبين الحركات غير المشروعة، وليلعلموا أنه يكثر(1/248)
(7/38)
---
الابتلاء بالحركات غير المشروعة؛ بحيث يستفيد منها المريض، يستفيد منها ذا الحاجة لكنه يكون ذلك على سبيل دينه وعقيدته، ويكون من الابتلاء والفتنة؛ لأن الله- عز وجل- وَكَلَه إلى ما اعتقد، ومجرد وجود الاستفادة لا تعني مشروعية العمل، بل الابتلاء والفتنة أقرب؛ فيجب التنبه لهذا، والحذر من الأساليب التي تزيد عن المشروع نعم.
أحسن الله إليكم شيخ ناصر، ولعلكم تختمون -حفظكم الله-.
على أي حال بهذ القدر نكتفي، ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد، كما نسأله- تعالى- الإخلاص في القول والعمل، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وأن يهدي ضالهم، ويرشدهم إلى طريق الصواب، وصلِ الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(7/39)
---
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
شرح مفهوم الإيمان
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم – وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف الدرس كالمعتاد بعرض سؤالين للأخوة المشاهدين ونتلقى الإجابة ثم أسئلة للأخوة الطلبة الحضور .
السؤال الأول –للمشاهدين-: هو التبرك، ما المقصود بالبركة؟ هذا أولاً ثم يتبع السؤال البركة ثبتت في بعض الأزمنة وبعض الأمكنة وبعض الأشياء وبعض الأعمال وبعض الأشخاص، خمسة أمور نريد مثالاً واحداً لكل أمر من هذه الأمور جعله الله مباركاً، هذا السؤال الأول.
السؤال الثاني- للمشاهدين- يتعلق بالنوع الثاني من أنواع أفعال الناس عند القبور، النوع الثاني وهو البدعي ما المقصود بالبدعي؟، وما هي أمثلته؟ نريد ثلاثة أمثلة من التبرك البدعي الذي يحصل من بعض الجهلة من المسلمين عند القبور .(1/249)
أما أسئلة للطلاب الحضور فأولاً :البركة لا تثبت إلا بدليل فهناك أشياء ثبت الدليل ببركتها، نريد مثالاً على ذلك، مثالاً واحد على أمر مبارك بدليل ؟
بر الوالدين في قصة أصحاب الكهف
يعني كيف يكون التبرك ببر الوالدين ؟
التقرب إلى الله - سبحانه وتعالى – ببر الوالدين بالإحسان إليهما وكذلك في الدعاء الوالدين لابنهم
يعني على اعتبار أن التبرك توسعنا فيه، وقصدنا أنه يجوز التوسل بالأعمال الصالحة - بر الوالدين- هذا جزء من الجواب .
أسأل سؤالاً ثانياً أيضاً: الوسيلة المأمور بها من القرآن ما هي ؟ الوسيلة المشروعة، التوسل المشروع ما هو؟
هو التوسل بأسماء الله وصفاته والتوسل كذلك بالعمل الصالح يعني عمله هو، كذلك التوسل له بدعاء الصالح الحي .
(8/1)
---
ينشأ عن هذا سؤال، طبعاً أصل التوسل المشروع في القرآن أو الوسيلة المأمور بها هي التقرب إلى الله - عزّ وجلّ – بالأمور المشروعة ، والمشروعة ثلاثة :
التوسل -وذكره زميلكم- التوسل لله - عزّ وجلّ – بأسماءه وصفاته ودعائهم بذلك .
ثم بعمل المتوسل نفسه .
ثم بدعاء الحي الصالح .
لكن ينشأ عن هذا السؤال الآخر وهو هل يعني ذلك أن من التوسل. التوسل والتبرك بذوات الصالحين أو التوسل بجاههم والتوسل بولايتهم لله هل يجوز ذلك ولماذا ؟
التوسل بجاههم بدعائهم، أما الذوات ليست جائزة ولا مشروعة
إذاً البركة لا تتعدى إلا ما جاءت تعديته بنصٍ شرعي .
طبعاً إجاباتهم هذه قد تخدم بعض الأخوة المشاهدين في جوابهم على أسئلتهم لكن مع ذلك نحتاج منهم إلى مزيد من الاجتهاد .
والآن نبدأ -على بركة الله- في الدرس فليتفضل الأخ في قراءة القواعد الأولى في باب الإيمان .
بسم الله الرحمن الرحيم يقول المؤلف- حفظه الله ونفعنا بعلمه-(1/250)
( رابعاً: الإيمان ... أولاً : الإيمان لغة: هو التصديق، وفى الشرع: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وهو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح وقول القلب: اعتقاده وتصديقه وقول اللسان: إقراره، وعمل القلب: تسليمه وإخلاصه وإذعانه وحبه وإرادته للأعمال الصالحة ، وعمل الجوارح فعل المأمورات وترك المنهيات )
موضوع الإيمان من أهم الموضوعات التي يجب أن يعنى بها كل مسلم، لأنه ينبني عليها دين.
والإيمان له مفهوم لغوي عام وله مفهوم شرعي اصطلاحي هو المقصود بإطلاق الإيمان في الكتاب والسنة .
أعني بذلك: أن لفظ الإيمان من الألفاظ المجملة التي إذا جاء الشرع بتحديدها أو بوصفها على هيئة معينة وجب الالتزام بهذا الوصف وهذا كسائر المصطلحات الشرعية، الأمر لا يخص الإيمان .
أكثر المصطلحات الشرعية جاء الشرع في التوسع بدلالتها أو بتحديدها يعني وضع مصطلح شرعي إما أن يكون أوسع من المصطلح اللغوي أو يحدده .
(8/2)
---
مثال ذلك الصلاة، الصلاة أصلاً هي الصلة عموم الصلة يدخل فيها الدعاء والتقرب إلى الله بأي عمل و يدخل فيها الأعمال اللسانية والقلبية وعمل الجوارح تسمى صلاة لغة ، لكن لما حدد الشرع مفهوم الصلاة ركن الإسلام المعروف تبين لنا من النصوص الشرعية أنه يقصد بالصلاة هي هذه العبادة التي جاءت على هيئة معينة بركوعها وسجودها وشروطها وواجباتها.
إذاً الشرع حدد معنى الصلاة، فمن هنا إذا أطلق معنى الصلاة في الدين فإنه يعني الإسم المعروف الذي جاء الشرع بتحديده، بتحديد هيئته وشروطه،
إذاً كذلك الإيمان ، الإيمان له معنى عام لغوي وهو التصديق لكن الشرع وضع للإيمان مفهوماً اصطلاحياً عظيماً يشمل الدين كله، وعلى هذا فيكون الإيمان في الشرع هو الدين بمجمله، كما قلنا: إن الإسلام هو الدين بمجمله، أو السنة هي الدين بمجملها .(1/251)
لكن نظراً لأن مفهوم الدين إذا وردت فيه مصطلحات شرعية أحياناً تترادف وأحياناً تختلف في بعض معانيها وتجتمع في أمور وتختلف في أمور فالله - عزّ وجلّ – سمى، وكذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – سمى الدين الإسلام وسماه الإيمان إلخ .
فعلى هذا فإن الإيمان في المصطلح الشرعي هو اعتقادات، وأقوال، وأعمال حددها الشرع، وعلى هذا فإن هذا يشمل عامة الدين، فالإيمان له تعريف موجز، وهو كما عبر عنه السلف: قول وعمل .
وتعريفٌ مفصل، وهو : اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح والأركان. والجوارح هي الأعضاء.
وليس بين التعريفين تعارض بل الأول المجمل: يعتبر تعريفاً حدياً أقرب أو أدق في المعنى اللغوي، لكن نظراً لأن اللغة ضعفت في أذهان كثير من الناس اضطر السلف للتفصيل، وإلا فإن الإيمان في أصل تعريفه هو قول وعمل .
(8/3)
---
والقول يشمل: قول اللسان لا يشمل قول القلب؛ لأن القلب يعبر عن قوله باللسان، كما أنه أيضاً يشمل: عمل القلوب الذي هو الأمور الإيمانية من التقوى والصلاح والاستقامة والإنابة والخوف والرجاء والمحبة كل هذا يسمى عمل القلب،( وعمل الجوارح )التي هي الأعضاء تتمثل في أركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله -وهي عمل اللسان - ثم كذلك الصلاة والزكاة والحج وسائر الأعمال في الإسلام هي إيمان ومن هنا تدخل في جزء من حقيقة الإيمان وهو أنها عمل .
وعلى هذا فحقيقة الإيمان تعريفه شرعاً يشمل الأمرين :
1-الأمور القلبية التي ذكرتها .
2-والأمور العملية التي هي أعمال الجوارح كما جاء به الشرع وعلى هذا فيمكن أيضاً أن نحدد هذا المفهوم بلغة أبسط وهو أن الإيمان يعني التزام الشرع اعتقاداً وعملاً .(1/252)
إذاً نخلص إلى أن تعريف الإيمان هذا أدخل الاعتقاد والأعمال في الإيمان وهما لاينفكان فلا يجوز حصر الإيمان بنوع واحد، لا يجوز حصر الإيمان بالأمور الاعتقادية - لأن هذا يدخل في الأعمال التي هي جزء من الإيمان- ولا بالأمور العملية لأن هذا يخرج الأمور القلبية من الإيمان فعلى هذا فالإيمان لا يكتمل تعريفه ولا تكتمل حقيقته شرعاً إلا بأن نجمع بين الاعتقاد والقول والعمل .
ولذا فالإيمان لابد أن يزيد وينقص وهذه تسمى مسائل الإيمان، لأن الإيمان يتمثل بأركان وهي أركان الإيمان الستة المعروفة :
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره من الله - عزّ وجلّ – وتتمثل أيضاً كذلك بالأعمال التي هي أمور الإسلام كما قلت أيضاً .
ينقسم الإيمان من حيث حقيقته إلى أركان الإيمان وإلى مسائل الإيمان، أركان الإيمان ستة أما مسائل الإيمان فهي:
(8/4)
---
أولا: حقيقة الإيمان أو تعريف الإيمان التي هي القول: بأن الإيمان قول وعمل أو أن الإيمان اعتقاد القلب ونطق اللسان بالحق وكذلك عمل الجوارح –الأعضاء- على مقتضى شرع الله هذه المسألة الأولى .
المسألة الثانية : أن الإيمان يزيد وينقص، سنعود إليها .
المسألة الثالثة : أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان .
والمسألة الرابعة : الاستثنى في الإيمان لأنه راجع إلى أعمال المكلفين، وأعمال المكلفين ليست معصومة فالمسلم عندما يسأل هل أنت مؤمن؟ يجوز أن يقول مؤمن إن شاء الله، مع أن الأصل أنه لا يشرع السؤال أصلاً ولا ينبغي أيضاً الجواب ، إذا ابتلي المسلم بمثل هذا السؤال فيقول: أنا مؤمن- إن شاء الله- . لا لأنه يشكك في تصديقه، لكن لأنه لا يدري عن مصيره فمصيره عند الله - عزّ وجلّ – فهو يرجو ويعلق الأمر بمشيئة الله تفاؤلاً وتبركاً يعلق الأمر بمشيئة الله لأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد، فلا يجوز التألي على الله.(1/253)
إذاً نعود إلى كل مسألة على حده، فلعلنا نبدأ بالثانية، وهي أن الأعمال تدخل في مسى الإيمان ، هذه المسألة الأولى في تركيبها الموضوعي، أن الأعمال في مسمى الإيمان هذه في الحقيقة أمر بدهي لكن لماذا قلناه ؟
(8/5)
---
لأنه من الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، لأنه أمر بدهي على مقتضى قطعيات النصوص- الآيات والأحاديث للنبي - صلى الله عليه وسلم – وأعمال الإسلام وأعمال المسلمين كلها تدل دلالة قطعية على أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان لا يمكن أن يتم ويكتمل إلا بالأعمال ؛ وعلى هذا فإن هذه الحقيقة ما كانت محل خلاف في عهد الصحابة والتابعين إلى وقت تابع التابعين في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني ظهرت فرقة يقال لها المُرجئة،: زعموا أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وإن كانت مطلوبة شرعاً الأوائل منهم - أهل ورع لا يستهينون بالأعمال لكنهم لا يرونها تدخل في مسمى الإيمان. هذه ناتجة عن عقدة فلسفية وراجعةإلى خطأ في الاستدلال وخطأ في الفهم وتجاوز منهج السلف حينما زعموا -أي المرجئة- بأن الإيمان هو التصديق، التصديق لا يدخل فيه العمل بمعنى أنهم أعادوا المصطلح الشرعي إلى المعنى اللغوي فقط.
وما من أحد يحصر المصطلح الشرعي بالمعنى اللغوي في أمور الشرع إلا ويقع في خطأ فادح، هذه قاعدة هامة مصطلحات الشرع شاع بإطلاق الألفاظ الشرعية على معاني شرعية محددة ومنها الإيمان، لو أخذنا الإيمان بمجرد معناه التصديق لأدى هذا إلى كارثة في الدين بمعنى أننا حصرنا الدين بمجرد التصديق وأخرجنا المعاني الأخرى من الإيمان فاستهان الناس بالأعمال .
وعلى هذا فإني أقول: إن السلف اضطروا أن يقرروا هذه القاعدة البدهية وهي مسألة أن الأعمال تدخل في الإيمان لأن هناك مشككاً .
هل نحتاج إلى أن نستدل على ذلك؟ نعم قد نحتاج. أنا أحصر ذلك بدليلين :(1/254)
الدليل الأول : من القرآن: لما صرفت القبلة إلى الكعبة بعد بيت المقدس خاف الصحابة - رضي الله عنهم – أن الذين صلوا من المسلمين في التاريخ الأول وماتوا قبل أن يدركوا صرف القبلة خافوا ألا تقبل أعمالهم ولا دينهم .
(8/6)
---
فقال الله - عزّ وجلّ – ? وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ?[البقرة:143] يعني الصلاة تكون .
الصلاة أليست عمل ؟ فسماها الله - عزّ وجلّ – إيماناً .
الأمر الثاني دليل قاطع واضح جداً عن النبي – صلى الله عليه وسلم – صريح حقيقة. يعني لا أحد يستطيع- إذا كان منصفاً- أن يرد صراحة هذا الحديث في أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( الإيمان بضع وستون ) وفى رواية ( بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ) شهادة أن لا إله إلا الله أليست قولاً وعملاً ؟
يعني عمل اللسان وعمل القلب، لكن أوضح من هذا، قال :( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) أليس إماطة الأذى عن الطريق أعمال ؟ سماها إيمان وعدها من شعب الإيمان، فالأحاديث في هذا في الحقيقة متواترة، الحديث طبعاً في الصحيحين، وفى صحيح البخاري عدا هذا اللفظ وفى كتب الصحاح والمسانيد بألفاظ أخرى ، وعلى هذا مجموع الأحاديث التى تقرر- صراحةً -عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان لا تكاد تحصر وتصل إلى حد التواتر والمتواتر لابد من قبوله .
إذاًَ المسألة الأولى مسألة أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان لأنها جزء من الدين، فالإيمان هو الالتزام بشرع الله عقيدةً وقولاً وعملاً.
ثم المسألة الثانية أنه يزيد وينقص .(1/255)
من الطبيعي إذا قلنا: إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان ، فمن الطبيعي أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بزيادة فعل الخيرات، بزيادة التقرب إلى الله - عزّ وجلّ – سواء بالأحوال القلبية أو بالذكر اللساني، أو بأعمال الأعضاء، يزيد بالصلوات، بالنوافل العامة بالبر وبالإحسان إلى الناس، يزيد بزيادة الصيام، بالأذكار المشروعة إلخ .
(8/7)
---
وينقص بنقص ذلك، وينقص نقصاً في الأعمال القلبية يعني كلما ضعف إيمان الإنسان ضعف يقينه ،ضعف إيمانه، كلما ضعفت الأحوال القلبية فيه ضعفت محبته لله أو ضعف رجاؤه أو ضعفت خشيته أو توكله أو يقينه أو إنابته. كلما ضعف شيء من أعماله القلبيه ضعف الإيمان، وكلما زاد ذلك زاد الإيمان .
وكذلك الأعمال الظاهرة، كلما كثر فعل الطاعات من المسلم زاد إيمانه- إذا توافر عنده عنصر الإخلاص والاتباع- زيادة الإيمان مشروطة بشرطين، الإخلاص لله - عزّ وجلّ – والنية الصالحة واتباع السنة ، وإلا بعض الناس قد يتعب في عمل خيرات لا يريد بها وجه الله فيحبط إيمانه، عكس ما يتصور والعكس كذلك؛ فعلى هذا فإن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالأعمال القلبية وينقص بها ويزيد بأعمال الأعضاء وينقص بها .
قلت الإخلاص والاتباع، الإنسان إذا توافر عنده الإخلاص واتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – واتباع السنة زاد إيمانه.
المسألة الثالثة : قلنا: الاستثناء في الإيمان، قلنا: الأولى الإيمان قول وعمل والثانية دخول الأعمال في مسمى الإيمان والثالثة أن الإيمان يزيد وينقص هو لازم ترتيب، والرابعة أن يجوز الاستثناء في الإيمان، ما معنى يجوز ؟
هل يعني ذلك أن الإنسان يلزمه دائماً أن يقول- إن شاء الله- في كل قربة يعملها ؟ لا يلزم .(1/256)
والأصل في الاستثناء في الإيمان هو الحادثة، يعني سؤال الناس عن الإيمان من الأمور الحادثة، ولذلك السلف لما بدأت ظاهرة سؤال الناس عن الإيمان اعتبروه بدعة، لأن هذه من الأمور المحدثة في الدين. الناس يُتركون على ظواهرهم، ويحمل المؤمنون والمسلمون على مجملات الدين على ما هم عليه ولا يجوز امتحانهم لكن مع ذلك إذا وقع السؤال بأن سئلت أو سئل غيرك أمؤمن أنت؟ هل أنت مؤمن ؟ الأَولى أن تقول: إن شاء الله أو أنا مؤمن -إن شاء الله - أو تقول آمنت بالله وعليه توكلت ونحو ذلك .
(8/8)
---
فإذاً يمكن أن تقول: إن شاء الله لكنها لا تلزمك، لكن يجب أن تعتقد أن حقيقة الإيمان مرتبطة بمشيئة الله - عزّ وجلّ – وبتوفيق الله يعني بمعنى: تحقق الإيمان للمؤمن راجع إلى توفيق الله له، فعلى هذا لابد أن يستثني لا لأنه يشك إنما يستثني لأنه لا يدري عن المصير ولأنه يقول : إن شاء الله تفاؤلاً ، واستعانة بالله، وتوكلاً على الله .
قال( فقول القلب اعتقاده وتصديقه) نعم قول القلب : اعتقاده وتصديقه ويضاف إلى ذلك جميع الأحوال القلبية التي يكون بها المؤمن وذكرت لها أمثلة: محبة الله، ورجاؤه، والخوف ، واليقين ، والإنابة، والتوكل....س إلى غير ذلك من الأعمال القلبية .(1/257)
ثم أيضاً الاعتقاد بمعنى: أن يجزم المسلم بكل ما ثبت في الكتاب والسنة، من أصول الدين وثوابته وأحكامه ، فهذا يدخل في القلب، لكن أيضاً لابد أن يتعدى ذلك إلى قول اللسان. يعني: يعترف الإنسان بلسانه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، بمعاني الإيمان والإسلام ، وأن يلتزم شرع الله فيما يجب من الذكر اللساني، الذكر اللساني كثير في الصلوات وغيرها في التلبية إلخ، لا يحصر الذكر اللساني وكله تعبير عن الإيمان باللسان. ثم( قول اللسان ) يدخل فيه الإقرار ويدخل فيه أيضاً الذكر. ( وعمل القلب )- كذلك - تسليمه وإخلاصه ، و من عمل القلب : التسليم والرضا بشرع الله وحكمه، فهو ثمرة الإيمان .
التسليم والرضا والاستعداد للعمل هو أمر قلبي لابد أن تنتج عنه أعمال ولذلك فإن الله - عزّ وجلّ – جعل العمل امتحاناً لحقيقة الدعوة ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ?[آل عمران:31]. الاتباع اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل ما جاء به من الدين . ومحبة الله هي حقيقة الإيمان هي أول أركان العبادة فمن ادَّعى أنه يحب الله مجرد الدعوى في القلب فلابد أن يظهر ذلك على أثر أعماله .
(8/9)
---
ومن هنا يتبين لنا حقيقة الإيمان أنه قول وعمل وأنه يدخل في أعمال القلب وأعمال الجوارح .
(وإخلاصه) يعني صدق النية، الإخلاص :هو صدق التوجه إلى الله، ألا يشرك مع الله أحداً في التوجه.الإخلاص: إخلاص العبادة، وإخلاص الإذعان، وإخلاص اليقين ،وإخلاص النية؛ لأن النية تدخل في أمور القلبية وأمور الأعمال وكذلك( حبه وإرادته للأعمال الصالحة) .
(وعمل الجوارح) ما هي الجوارح ؟ بعض الناس يسمع بالجوارح وقد لا يفهمها جيداً وإن كانت مفهومة لسياقها .
نعم ما هي الجوارح ؟
الجوارح منها اللسان اليدين، الرجلين(1/258)
يعني ممكن نعبر تعبيراً شاملاً أنا ذكرته في الحديث، هي الأعضاء أعضاء الإنسان هي جوارحه، طبعاً القلب أليس عضواً يدخل مع الجوارح؟ لكن القلب قد يكون عمله- غالباً -عملاً باطناً بمعنى أعمال قلبية غير ظاهرة، لكن من البدهي أن الأعمال القلبية لا تصدق ولا تصح إلا إذا أثمرت أعمالاً التي هي مجموع الاستقامة على الدين.
إذ( عمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات) هذا هو عمل الأعضاء، فعل ما أمر الله به من الصلاة وما دونها من جميع الأعمال إلى أقل الأعمال، ثم ترك المنهيات وهي كل المحرمات، والمكروهات وما دون ذلك من المشتبهات .
( ثانياً من أخرج العمل عن الإيمان فهو مرجئ ومن أدخل فيه ما ليس منه فهو مبتدع ).
نعم هذه قاعدة فرعية تابعة للقاعدة الأولى، إذا كنا عرفنا أن الإيمان قول وعمل وأن الإيمان يشمل الأمور القلبية والاعتقادية والمعرفية وغيرها، ويشمل الأعمال الظاهرة، وعلى هذا فإن من ادعى أن العمل لا يدخل في الإيمان كما قالت المرجئة .
المرجئة أصناف منهم المرجئة الغلاة الذين أعرضوا عن شرع الله - عزّ وجلّ – واستهانوا به وزعموا أن مجرد المعرفة تكفي، وهذه فلسفة قد تصل بالإنسان إلى الخروج من الدين إذا أعرض عن الدين بالكلية بدعوى أنه يكفيه أن يعرف .
(8/10)
---(1/259)
لكن الصنف الثاني وهو الذي لا نستطيع أن نقول: إنه خرج من مقتضى الدين، لكنه خرج عن السنة وهم الذين ادعوا أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان فكل من ادعى أن الأعمال ليست من الإيمان فهو مرجئ ما معنى مرجئ؟ طبعاً سيلاحظ الأخوة الذين معهم الكتاب من الحاضرين أو المشاهدين أن الكلمة فيها خطأ مطبوع مكتوب مجرئ، هذا خطأ مطبعي والصحيح أنها مرجئ ، و المرجئ هو من يعتقد أن الأعمال لا تدخل في الإيمان- كما ذكرت- لماذا سمي مرجئ؟ لأنه أخَّر الأعمال عن الإيمان وهذا تسميه العرب في لغتها: إرجاء، بمعنى أنهم جعلوا الأعمال متأخرة لا تدخل في مسمى الإيمان فسمى هذا إرجاءً وهذا هو الأصل في التسمية أنهم أرجأوا الأعمال أخروها و أبعدوها عن الإيمان، فصلوها عن الإيمان وهذا يسمى إرجاء.
إذاً كل من أخرج الأعمال الشرعية المطلوبة شرعاً من الإيمان وقال: ليست من الإيمان فهو مرجئ وكذلك العكس ( من أدخل في الإيمان ما ليس منه فهو مبتدع ).
هذا ينطبق على أمثلة ذكرناها في الدرس الماضي ، البدع التي أحدثها الناس وزعموا أنها من الدين وزعموا أنها من الإيمان هذه لا تدخل في الإيمان، فكل ما أحدث باسم الدين من المحدثات فهو لا يدخل في مسمى الإيمان وإن قصد به فاعله زيادة الإيمان .
مثال ذلك: الاحتفالات البدعية التي يتدين بها الناس يقصدون بها أموراً إيمانية، محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومحبة الصالحين ومحبة الأولياء وهذا من أعظم الإيمان، لكن نظراً لأن هذا غير مشروع فإدخالهم هذا العمل في مسمى الدين والإيمان خطأ ، بل هو بدعة .
(8/11)
---(1/260)
إذاً من أدخل في الدين أو في الإيمان ما ليس منه فهو مبتدع ؛ لأنه شرع ما لم يشرعه الله - عزّ وجلّ – و النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) و أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – هو هذا الدين الذي يشمله مسمى الإيمان ( ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وهو كذلك أيضاً يعني أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي هو هذا الدين الذي يتمثل فيه الإيمان .
كل من عمل عملاً ليس مشروعاً فلا يدخل عمله في مسمى الإيمان فهو مردود ثم كذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة ) .
( ثالثاً من لم يقر بالشهادتين لا يثبت له اسم الإيمان ولا حكمه لا في الدنيا ولا في الآخرة ).
نعم المقصود بهذا أن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله سواءً ممن لم يكن مسلماً أصلاً أو من كان نشأ بين المسلمين ثم لما بلغ وقامت عليه الحجة لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًَ رسول الله عمداً وليس غفلة لأنه قد يغفل .
لكن إذا لم يقر بالشهادتين أو كان غير مسلم ثم لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله (فلا يثبت له اسم الإيمان)، يعني لا يقال: له إنه مؤمن( ولا حكم الإيمان) من حيث ما يترتب على الإيمان من الثواب في الدنيا والآخرة .
فعلى هذا يبقى تحت مسمى غير المسلم أو مسمى الكافر .
(8/12)
---(1/261)
قال:( لا في الدني) بمعنى أنه لا يستحق أحكام المؤمنين ؛ لأن أحكام المؤمنين معروفة في التعامل في جميع شئون الحياة وفى الممات من حيث الصلاة عليه وميراثه وغير ذلك مما هو معلوم (وفى الآخرة )ما بعد الموت أي حسابه عند الله - عزّ وجلّ – كما ثبتت قطعية النصوص أن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فهومن أهل النار يعني ليس له حكم الإسلام، والنبى - صلى الله عليه وسلم – أكد ذلك في حديث صحيح في صحيح مسلم وغيره أحاديث كثيرة قطعية ونصوص، لكن نحتاج أن نختصر في الوقت فنكتفي بدليل واحد لأنه صريح .
قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( لا يسمع بي ) بل في بعض الروايات قال ( والله لا يسمع بي رجلٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا دخل النار ) . إذا كان هذا في أهل الكتاب أليس غيره من باب أولى؟ هذا من جوامع كلم النبي – صلى الله عليه وسلم – .
إذاً هذا يدخل فيه لأن هؤلاء لم يقروا بالشهادتين ولا يثبت لهم الإسلام ولذلك لا يثبت لهم اسم الإيمان ولا حكمه لا في الدنيا ولا في الآخرة .
( رابعاً الإسلام والإيمان اسمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، ويسمى أهل القبلة مسلمين ) .
نعم المقصود بهذا أن الإسلام والإيمان من الألفاظ الشرعية التي تطلق على الدين، وتطلق على أفراد المسلمين يقال مسلم ومؤمن .
لكن هذه الكلمات تترادف من وجه، يعني تشترك من وجه وتختلف من وجه، وهذا عام في عموم المصطلحات الشرعية، فنجد الإسلام والإيمان عبارات تتناوب و تشترك في معانٍ وتتناوب وتختلف في معانٍ فمثلاً الإسلام في الأصل يطلق : على أعمال الدين الظاهرة وعلى ما يبدو من المسلم من تسليمه الظاهر لنا بالدين، حينما يعترف بالإسلام ويقيم شعائر الإسلام فهذا يوصف بأنه مسلم وحكمه أنه على الإسلام .
الإيمان في الأصل المقصود به القطع واليقين في القضايا العقدية العلمية التي هي في القلب .
(8/13)(1/262)
---
ولذلك : النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث جبريل عد الإيمان بأركانه الستة والأركان الستة معلومات عقائد ليس فيها أعمال، كلها تصديق ويقين، لكن لابد أن يثمر عنها عمل.
ثم لما ذكر الإسلام في نفس الحديث ذكر الإسلام بأركان الإسلام الظاهرة فهل يعني هذا- كما يظهر لبعض الناس الذي لا يأخذون بعموم الأدلة- هل يعني أن الإيمان هو الأمور الاعتقادية فحسب ولا تدخل الأعمال ؟ لا ، لكن إذا اجتمع الوصفان، إذا جئنا بالإسلام والإيمان في عبارة واحدة في مقطع واحد في حديث واحد فإن الإسلام غالباً يطلق على الأعمال الظاهرة والإيمان غالباً يطلق على الأعمال العلمية اليقينية الاعتقادية الباطنة .
ولذلك إذا انفرد كل واحد منهما شمل المعنى الآخر، إذا قلنا الإيمان بدون ما نذكر الإسلام فلابد أن يشمل الإسلام، إذا قلنا: المؤمن فالأصل أن يكون مسلماً، الأصل .
وإذا قلنا:- كذلك- الإسلام، لابد أن يشمل الإيمان، والمسلم الأصل أن يكون مؤمناً لكن هل هذا لازم ؟
إذاً الإسلام والإيمان نصان شرعيان بينهما عموم بمعنى أنهما كلهما يشملان الدين وبينهما خصوص بمعنى إذا اجتمعا في سياق واحد فكل واحد منهما يختص بمعنى ويقترن مع اللفظ الآخر بمعاني .
والدليل على هذا: هل تصح أركان الإيمان من المسلم بلا أركان الإسلام ؟ هل تصح أركان الإسلام من المسلم بلا أركان الإيمان ؟ إذاً هما يلتقيان من وجوه ويختلفان من بعض وجوه فإذا انفردت كل لفظة وحدها شملت اللفظة الأخرى وإذا اجتمعت مع أختها كما قلت .
إذاً الإسلام والإيمان اسمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه.
(8/14)
---(1/263)
إذاً بقي مسمى الأشخاص المسلم والمؤمن هذه تسمى الأسماء والأحكام وهي تابعة للإيمان، يعني ما نطبقه على الناس:"مؤمن- مسلم- كافر- فاسق- فاجر- ظالم- منافق" هذه تسمى الأسماء والأحكام هذه داخلة في مسميات الإسلام والإيمان، لكن- مع ذلك - كل مصطلح له معناه،لكن يهمنا ما بين مسلم ومؤمن من وجوه الافتراق والاختلاف، فمثلاً كل مؤمن لابد أن يكون مسلماً لماذا ؟ لأنه لا يتصور أن أحداً يدعي الإيمان ثم لا يعمل بمقتضى الإسلام . لا يصح شرعاً أن نصف أحداً بأنه مؤمن ما لم يلتزم شرائع الإسلام لكن العكس غيرذلك ، وهو أنه ليس كل مسلم مؤمناً لماذا؟ لأن الإسلام الأمر الظاهر الذي نراه وكذا الإيمان أمر قلبي ، فقد يكون الإنسان يدعي الإسلام وفيما بينه وبين ربه لا يؤمن بحقائق الدين كالمنافق الخالص .
أيضاً المنافق الخالص يظهر الإسلام خوفاً على نفسه، لكن يكون في قلبه غيره ، معترف لله - عزّ وجلّ – غير معترف بأركان الإيمان أو ببعضها، فهذا- ظاهراً- نسميه مسلماً، لكن لا نستطيع أن نجزم له بالإيمان إذاً من توفر عنده وصف الإيمان فلابد أن يكون مسلماً، لكن من توفر عنده وصف الإسلام فقد لا يكون مؤمناً عند الله - عزّ وجلّ – .
هذا فيما يتعلق بحقيقة الأمر ونحن ليس لنا إلا الظاهر .
(أهل القبلة) معناه الذين يدعون الإسلام كلهم مسلمون حتى من ارتكب معاصي وفجوراً وفواحش -نسأل الله العافية- أو حتى من ارتكب بدعاً- ما دامت أعماله هذه لا تخرجه من الملة- فلا يزال له مسمى الإسلام فهو من أهل القبلة بمعنى النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر المسلم هو( من صلى إلى قبلتنا ومن أكل ذبيحتن) فله حقوق المسلم وإن احتاج إلى شئ من التأديب أو التعزير أو الهجر أو الرد هذه أمور أخرى هذه أمور من مقتضيات التناصح بين المسلمين وإقامة حدود الله وشرعه لا تعني إخراج الأفراد من الملة .
(8/15)
---(1/264)
إذاً من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فهو مسلم لكن لا نستيطع أن نجزم أنه مؤمن لأن أمر الإيمان بينه وبين ربه، لكن إن تحققت له حقيقة الإيمان عند الله فلابد أن يكون مسلماً ويسمى( أهل القبلة) يعني جميعهم مسلمين .
إذاً ليس كل مسلم في الظاهر يكون مؤمناً في الباطن ؛لأن الباطن لا يعلمه إلا الله - عزّ وجلّ – وقد يدعي الإسلام وهو منافق .
( خامساً : مرتكب الكبيرة التي دون الكفر والشرك لا يخرج من الإيمان فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان وفى الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عُذب منهم بالنار من عُذب ولا يُخلد أحد منهم فيها قط ).
نعم هذه الحقيقة قاعدة تتضمنت عدة مسائل عظيمة في الدين وهذه من المسائل العملية التي يحتاجها المسلمون- دائماً-ً في حياتهم، في تعاملهم مع الآخرين ولا سيما في هذا الوقت الذي كثر فيه الخوض والالتباس، كثرت فيه الشبهات والتشكيك والمسلمات، مما أدى إلى كثير من الفتن بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين المخالفين لهم، وهي مسألة مرتكب الكبيرة، هذه مسألة متفرعة عن مسائل الإيمان وستتعلق بما يسمى بالأحكام والأسماء، داخلة في مسائل الإيمان وأعني بذلك : أن من يرتكب معصيةً- ضرب مثلاً بالكبيرة لأن الكبائر هي أعظم المعاصي أليس كذلك ؟ وما دونها من باب أولى- أن يكون حكم صاحبه حكم الإسلام والإيمان، لكن نتكلم عن مرتكب الكبيرة ؛لأنه ارتكب أعظم معصية ما دام لم يصل إلى الردة والشرك .
مرتكب الكبيرة يعني:المسلم الذي يقع في معصية في الكبيرة، كآكل الربا أو الغيبة أو النميمة أو الكذب وغيرها من الكبائر، هذا المسلم يسمى مرتكب الكبيرة .
ارتكبها يعني استهان بالدين وركب المعصية و عملها، عمل الكبيرة التي دون الكفر والشرك، الكفر هنا يعني الكفر المخرج من الملة .
(8/16)
---(1/265)
والكبيرة لا تخرج من الملة ولا تقع في الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر فإن صاحبها يبقى مسلماًَ ويبقى مؤمناً لا يخرج من مسمى الإيمان والنبى - صلى الله عليه وسلم – أثبت ذلك في حديث ذكر أن المسلم يبقى على مسمى الإيمان وإن زنا وإن سرق، وكان عنده أبو ذر - رضي الله عنه – فكأنه استغرب مثل هذا الحكم فقال: يا رسول الله وإن زنا وإن سرق ؟ قال ( وإن زنا وإن سرق ) يعني كررها مما يدل على أنه فعلاً يبقى على مسمى الإيمان والإسلام وإن ارتكب كبيرة .
قد يشكل على هذا أحاديث أخرى مثل قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) هذا نفي للإيمان وهذا إثبات للإيمان .
فلابد من الجمع بين النصوص لأنها صحيحة كلها والجمع النصوص يعني بأن هذا الذي ارتكب الكبيرة بقي على أصل إيمانه لأنه ارتكبها ولم ينقض نواقض الدين الأخرى وفى الحديث الآخر نفي عنه الإيمان أي نفي عنه مقتضى الإيمان، لا أصل الإيمان وهذا مثل الصلاة، الصلاة فيها جزء مجزئ وفيه جزء يؤجر عليه فالنبى - صلى الله عليه وسلم – نفى أن تقبل الصلاة من الإنسان مثلاً يسهو في الصلاة ليس له منها شيء لا يعني ذلك أنه لم يؤدي الفرض لكن يعني ذلك أنه لا تقبل عنه القبول الذي يكون له فيها أجر ومثله الإيمان، الإيمان ينفى عن بعض من يفعلون الكبائر يعني حقيقة الإيمان مقتضى الإيمان أقصد مقتضى العمل بالإيمان لأن الإيمان لابد له من ثمرة فهذا لم تتحقق عنده ثمرة الإيمان في هذه الجزئية، ثم يكون –ربما- نفي الإيمان في أمر محدد لا في عموم الدين، ونفي الإيمان في أمر محدد تلك اللحظة لا يعني نفي الإيمان مطلق
(8/17)
---(1/266)
أيضاً من توجيه ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نفى الإيمان عن فاعل هذه الكبيرة يعني حين يفعلها يعني اختل إيمانه في هذه الجزئية لا في الدين كله ولم يخرج عن مقتضى التصديق إنما ترك العمل أخل بالعمل فعلى هذا فإن مرتكب الكبيرة التي دون الكفر والشرك لا يخرج من الإيمان ولا من الإسلام فهو في الدنيا مؤمن لكنه ناقص الإيمان، وظَّفَ إيمانه بقدر يعني أفعاله التي اقتضت أو بالوضع الذي اقتضى النقص .
وفى الآخرة يعني المؤمن صاحب المعصية صاحب الكبيرة في الدنيا نقول إنه مؤمن ناقص الإيمان إن تاب قبل موته تاب الله عليه إذا توفرت فيه شروط التوبة، لكن إذا مات -لا قدر الله- وهو ممارس للمعصية، يعني: مات وهو على كبيرته فإن مصيره في الآخرة فيه تفصيل .
هو أولاً قبل أن يُحكم على العباد بجنة أو نار تحت مشيئة الله إن شاء غفر له فيدخل الجنة ورحمته - سبحانه وتعالى – سبقت عذابه ونرجوا المؤمنين الذين وقعوا في الكبائر أن يغفر الله لهم ، لكن أيضاً قد لا يغفر الله له بمعنى أنه يستحق النار، فيعذب بالنار بقدر كبيرته ولابد أن يخرج منها بعدة أسباب شرعية منها: الشفاعة - شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لأهل الكبائر من أمته -وشفاعات الأنبياء لأهل الكبائر من أممهم -وشفاعة الملائكة- وشفاعة المؤمنين الصالحين- وشفاعة القرآن شفاعات كثيرة، ثم أيضاً برحمة الله - عزّ وجلّ – .
حينما تنتهي الشفاعات، الله - عزّ وجلّ – يتولى- رحمة بعباده- بإخراج من يشاء من النار .
ففي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه. والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة ومن عذب منهم بالنار فلا يخلد أحد منهم فيها قط، من كان عنده أدنى ذرة من إيمان فلن يخلد في النار .
( سادساً : لا يزيد القطع من معوِّل من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه ) .
(8/18)
---(1/267)
هذه أيضاً قاعدة متفرعة من مسألة الإيمان ويغلط فيها كثيرٌ من الناس قديماً وحديثاً يغلطون فيها لأنها تحتاج إلى تفصيل وتفهم خطأ .
فأولاً: يعني نحن نرجو لكل مسلم مؤمن أن يكون من أهل الجنة وهذا هو الأصل وغير المسلم الأصل أنه من أهل النار هذا هو الأصل، لكن مع ذلك لا نستطيع أن نجزم يعني أقصد عموم المؤمنين هم من أهل الجنة ، عموم الكافرين هم من أهل النار .
لكن ومع ذلك الإنسان المعين بعينه فلان بن فلان لا نستطيع أن نجزم له بأنه من أهل الجنة وإن كان ظاهر الصلاح ولا بأنه من أهل النار وإن كان ظاهره الفساد .
لماذا ؟ لأننا لا ندري ما يختم له ولذلك قال السلف: مقتضى القواعد في الشرع- السلف لم يأتوا من عندهم بشيء اخترعوه لأن أمور الدين توقيفيه - قالوا: بأننا لا ندري عن مصير الإنسان ، لا نجزم لأحد بعينه إلا ما جاء النص بأنه من أهل الجنة أو جاء النص بأنه من أهل النار .
بقية الخلق الذين يموتون لا نستطيع أن نجزم لأحد منهم بأنه من أهل الجنة وإن كان صالحاً مسلماً تقياً ورعاً ولا أنه من أهل النار لماذا ؟ لأننا لا ندري على أي حال سبق عليه الكتاب. في هناك دليل واضح يبين هذه القاعدة وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر في الحديث الصحيح ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيكون من أهل الجنة) .
ما هو الذراع ؟ ربما يكون الذراع في حساب الزمن لحظات - والله أعلم- هذا نص مجمل مبهم لكنه يدل على قصر المدة الزمنية التي يكون فيها تحول الشخص لحظة الموت عند الوفاة من حال إلى حال .
(8/19)
---(1/268)
- وعلى هذا- هذا أمر قلبي الإنسان قد يكون- فيما يظهر لنا- على حال أهل الكفر وعلى حال أهل النار لكن ربما يجدد الله له توبة لم يستطع أن يفصح عنها ويبينها أو لم يتمكن ويموت على هذه التوبة، أليس هذا وراداً؟ وما يدرينا أحوال العباد عند الله - عزّ وجلّ – والعكس كذلك قد يكون إنسان- فيما يظهر لنا -أنه من أخلص العباد، لكن ربما يحول الله حاله . والله - عزّ وجلّ – هو مقلب القلوب ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) .
وهكذا ينبغي على المؤمن- دائماً- أن يلجأ إلى الله - عزّ وجلّ – أن يثبته على الإيمان والإسلام إلى آخر لحظة .
(8/20)
---(1/269)
فالمهم: ينبغي أن نعتقد ونجزم أن مصائر العباد غيبيه فمن هنا هذا الشخص الذي ظهر صلاحه ربما آخر لحظة سبق عليه الكتاب فوقع في أمر قد يكون من أهل النار ونحن لا ندري ومات على هذه الحال دون أن ندري، أليس هذا محتملاً ؟ محتمل ما دام محتملاً- والأمر لله من قبل ومن بعد، ومصائر العباد بيد الله- إذاً لا نتألى على الله لكن نحسن الظن بالله ونحسن الظن بالمسلمين ونرجوا للمحسنين ونخاف على المسيئين، نرجوا للمحسنين ولا نجزم، ولذلك من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس إنهم يجزمون لبعض المعينين بأنهم من أهل الجنة، يجزمون لهم بالشهادة حتى وإن قتل في معركة مشروعة لا تستيطع أن تجزم له بالشهادة لكن ترجو وتقول نرجوا له الشهادة حتى في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – شهد الصحابة لأحد المقاتلين بأنه كذا وكذا من أهل الجنة ... النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( لا إنه من أهل النار ) يعني انقلبت الأمور انقلاباً تاماً عما يتصورون لأنه أبلى بلاءً حسناً وجاهد جهاداً عظيماً وفتك بالعدو فتكاً يدل -على ظاهره- على أنه -إن شاء الله- مأجور أعظم الأجر وأنه من أعظم الشهداء ومع ذلك فوجئوا بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إنه من أهل النار ) لأنه غلًّ تعلق قلبه بدنيا فإذاً المصائر بيد الله ولا يجوز القطع لمعين ،القطع الذي تقسم عليه ؛ لأن مصائر العباد بيد الله لكن مع ذلك نثق بوعد الله نحسن الظن نرجوا للمحسنين ونخاف على المسيئن .
( سابعاً : الكفر الوارد في الألفاظ الشرعية قسمان :
أكبر مخرج من الملة . وأصغر غير مخرج من الملة ويسمى أحياناً بالكفر العملي .
(8/21)
---(1/270)
ثامناً : التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق معين إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع، والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم ).
أولاً فيما يتعلق بأصل الكفر، الكفر حكم إلهي حكم من الله - عزّ وجلّ – ليس إلى العباد، هذا أولاً.
الأمر الثاني : أن الكفر نوعان : النوع الأول: الكفر الخالص، هذا ليس لنا فيه خيار ولا يجوز أن نخوض فيه من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذا كفره متقرر في الكتاب والسنة ليس للعباد فيه خيار، ولا يجوز أن يخوض الناس في مفردات هذه الأمور، بل الخوض بدعة وإثم عظيم في الدين؛ لأن هذا حكم الله الذي لا يتبدل ولا يتغير وليس لنا فيه اجتهاد .
النوع الثاني وهو الذي فيه الخطورة وهو الذي يخوض فيه الناس بشكل أدى إلى كثيرمن الأهواء والبدع قديماً وحديثاً وهو الكفر الذي دونه كفر، الكفر الأصغر أو تكفير المسلم، فهذا هو الذي يكون فيه الخطورة، مع أننا نعلم أن في الشك في تكفير من كفرهم الله - عزّ وجلّ – من الكفار الخلص أيضاً إثماًعظيماً وربما يكون ردة أو كفر- ومع ذلك- قلًّ من المسلمين من يقع في ذلك إلا في الآونة الآخيرة عندما كثرت الشبهات ومع ذلك نعتبر هذا لا يزال من البدهيات عند عامة المسلمين .
إذاً :الأمر الذي يحتاج إلى التقعيد هو النوع الثاني من الكفر وهو ما يقع فيه المسلم من الكفريات، الكفر الذي يقع فيه المسلم طبعاً أيضاً نوعان : كفر مخرج وكفر لا يخرج، وهو الأكثر وهذا يحتاج إلى أن أسرد القواعد بسرعة اغتناماً للوقت -ويعني أرجو أن تعذروني في التفصيل لأن التفصيل أحياناً في مثل هذه المسائل يؤدي إلى الغموض أكثر، فعلى هذا فإني سأقتصر على التقعيد مع أمثلة خفيفة جداً- .
(8/22)
---(1/271)
أولاً : الكفر: هو حكم الله - عزّ وجلّ – في العباد، إذاً نعي ذلك جيداً وعلى هذا فإن أي قول فيه بلا دليل بين من الله ، بدون برهان من الله - عزّ وجلّ – فهو قول خطير على صاحبه .
الأمر الثاني : أن التكفير ورد فيه الوعيد . كيف ورد فيه الوعيد؟ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
( إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما ) يعني بذلك أن ولوج واقتحام الإنسان الناس بالتكفير خطر عليهم هم أنفسهم . بعض الناس يظن هذا واجباً عليه إنه ينظر في الخلق ماذا عملوا وفى الناس ماذا ارتكبوا من الأقوال والاعتقادات الكفرية فيحكم عليهم ويظن أن هذا واجبه، يعني هذا ليس لك شأن فيه . واجبك أن تتورع . والله - عزّ وجلّ – يقول: ? وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ?[الاسراء:36].
ثم أيضاً النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قلت حذر وجعل الكفرحكماً إلهياً إذا وقع على مَنْ تكفره وقع عليك وكيف تجزم بأنه وقع على من تكفره والأمر خطير .
ثم يتبع هذا قاعدة أخرى وهي: أن تكفير الناس بأفعالهم من اختصاص الراسخين في العلم لأنه خطير من قضايا الدين الكبرى ولأنه حكم على العباد أشبه بالحكم القضائي الذي لا يكون إلا من قاض تتوافر فيه شروط القضاء بل هو أشد من ذلك ؛لأنه حكم بحكم الله على العباد وهذا لا يمكن أن يتأتي إلا لعالم راسخ في العلم مستوعب لشروط التكفير وضوابطه وموانعه ويكون أيضاً ممن عنده القدرة على التثبت وعنده القدرة على إقامة الحجة على الأفراد والجماعات والهيئات التي يكفرها الناس وأنى يتهيأ هذا إلا لعبرة وبعض الناس يظن تكفير الناس في ذمته فيجازف ويبدأ يحكم على الخلق .
(8/23)
---(1/272)
إذاًَ : يتبع هذه القواعد قاعدة أخرى مهمة جداً وهي: أن أغلب ما وصفه النبي – صلى الله عليه وسلم – من أعمال المسلمين بالكفر هو الكفر الذي لا يخرج من الملة، بل أقول يندر أن يكون مما وصفه النبي – صلى الله عليه وسلم – من أعمال الكفر التي تقع من المسلمين يندر أن يكون من الكفر المخرج .
هذه مسألة مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصف أشياء كثيرة بأنها كفر أقوال وأفعال ومواقف لكنها كلها إلا النادر والنادر لا حكم له، كلها من الكفر الذي لا يخرج من الملة، خذ على سبيل المثال الطعن في الأنساب سماه النبي – صلى الله عليه وسلم – كفراً .
النياحة على الميت سماها كفراً، قتال المسلم سماه كفراً . النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فهل الكفر مخرج من الملة، إتيان الكاهن كفر سماه كفراً أشياء كثيرة من الأعمال سماها كفراً بل مثل إيمانه – أحياناً- لا يؤمن من يفعل كذا ( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ) ( من تشبه بغيرنا فليس منا ) ( من تشبه بقوم فهو منهم ) ( من غشنا فليس منا ) .
(8/24)
---(1/273)
نصوص عظيمة كلها لو أخذنا بظاهرها- كما يأخذ بعض المتعجلين المتهورين- لأخرجنا الكثير من المسلمين من الملة - نسأل الله العافية- بل لا يكاد المسلم هذا الذي يكفر نفسه هو وقع في مكفرات لو أنه حاسب نفسه. إذاً كثير من الكفر هو كبائر وليس كفراً مخرجاً من الملة، ثم أيضاً من أجل أن نأخذ بهذه القواعد بتسلسل أيضاً، يعني التكفير له شروط ويقابلها الموانع هذه الشروط حقيقة لو وعاها كثير من الذين وقعوا في غوائل التكفير - نسأل الله العافية- لأحجموا ولما اقتحموا هذا الباب الخطير- عليهم هم أنفسهم قبل الناس- ولذلك الذين اقتحموا هذا الباب الخطير باب التكفير بغير فقه ولا علم ومتى تورعوا أوقعوا أنفسهم- قبل غيرهم- في حرج شديد في الدين . كثير منهم يستبيح قتل نفسه، كيف ؟ لأنه حينما كفَّر الآخر بنى على هذا أحكاماً في تعامله مع الآخر أراد أن يتخلص من هذه الأحكام بأن يقتل نفسه لئلا يقع في غوائل التعامل وما يحدث من خصومة إذاً أعود وأقول شروط التكفير مهمة جداً وهي شروط ثوابت، عليها عمل السلف الصالح لابد من حكمها في المعين .
إذاً: ندخل في شروط التكفير لابد من مقدمة وهي: أن ما يعمله الإنسان المسلمون - أفراداً أو جماعات- من الكفريات لا يجوز تكفير معين بها إلا بعد هذه الشروط أعني أن كثيراً من المسلمين خاصة في العصورالحديثة - أفراداً أو جماعات أو هيئات أو تيارات أو أحزاباً أو فرقاً أو دولاً- يقعون في مكفرات بعضها في ظاهرها مخرج . بعضها من نواقض الإسلام ، حينما يقع هؤلاء الناس أفراداً أو جماعات أو... إلى آخره يقعون في الكفر. هل يعني ذلك حتى الذين وقعوا في ردة مثل المظاهرة مثل الولاء الذي هو نوع من الردة إلخ .
(8/25)
---(1/274)
إذا وقع مسلم أو جماعة أو فرقة في هذه المكفرات هل نكفره بعينه بمجرد أن يقع في مكفر؟ بل أغلب من وقعوا في المكفرات قديماً وحديثاً لا يكفرون بأعيانهم، والسلف الصالح- طيلة التاريخ إلى يومنا هذا- واجهوا مما وقع فيه المسلمون - من أنواع الردة أو الكفر أقصد الأنواع التي ظاهرها الردة والكفر- أشياء عظيمة كثيرة جداً ومع ذلك يندر من السلف تكفير الأعيان، فالتاريخ أمامكم ، تاريخ السلف موجود إذاً ليس كل من وقع في مكفر يكفر بعينه حتى تطبق عليه الشروط.
هذه الشروط بإيجاز :
أولاً : ألا يكون من وقع في هذا المكفر مكرهاً، والإكراه وارد
ثانياً: ألا يكون جاهلاً ، والجهل يصرف عن المسلم الكفر
ثالثاً: ألا يكون متأولاً، والتأول بأن الدليل معه يظن أن هذا حلال، وأنه جائز ، التأول السائغ طبعاً .
رابعاً: أن يأمن وجود الالتباس .
الأمر الأخير : أن نعلم أن هذه الكفريات شعب حتى نواقض الإسلام سواء منها: عشرة ،عشرين ، مائة، ألف، خمس. نواقض الإسلام - نفسها – تتشعب، منها ما لا يخرج من الملة، بل منها ما هو صغائر الذنوب وهو يدخل في مفهوم هذه الناقض .
على سبيل المثال المظاهرة، مظاهر المشركين ضد المسلمين منها ما هو من صغائر الذنوب ومنها ما هو من كبائر الذنوب ومنها ما هو كفر دون كفر ومنها ما هو كفر مخرج من الملة .
ولو وقع مسلم أو جماعة أو دولة في هذا النوع من الكفر المخرج فلابد من تطبيق الشروط عليه وأحوال الإكراه اليوم والجهل والتأول كثيرة في الأمة .
فإذاً: أعود وأقول يجب على المسلم أن يتقي الله - عزّ وجلّ – في أمر دينه وأمر المسلمين و أن يحذر ويتورع عن أن يقع في تكفير مسلم لأن ذلك يعود إليه بالضرر، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
(8/26)
---(1/275)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك علماء يطلقون لفظ الإيمان المطلق و مطلق الإيمان وعندي عدة استفسارات عن المصطلحين هذين ، السؤال الأول : هل بين الإيمان المطلق مطلق الإيمان درجات ؟ يعني أقصد هل الإنسان إذا أطلق عليه يملك الإيمان المطلق وشخص آخر عنده مطلق الإيمان هل بينهما درجات ؟ السؤال الثاني: نلاحظ من تجربة عملية أن الارتقاء في درجات الإيمان ليست من السهولة بمكان يعني تجربة شخصية وتجربة كثير من الزملاء الذين فيهم خير والتزام يعني من عبادات وصيام ومحافظة على الصلوات نلاحظ أن الارتقاء في سلم الإيمان يعني أمر ليس من السهولة بمكان وممكن ندلل على هذا في الآية التي في سورة الحجرات ? قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ? فإن هذه نزلت في حق الصحابة فهل يمكن الاستدلال بهذه الآية على التجربة العملية هذه ؟
سألتم عن التبرك وعن المقصود بالبركة والأمثلة ثم سألتم عن التبرك البدعي
تقول البركة هي كثرة الخير وزيادته وبركة الزمان كليلة القدر وعلى المكان بالمساجد الثلاثة والأشياء بماء زمزم والأعمال كل عمل صالح خالص النية لله - عزّ وجلّ –
على كل حال إجابات جيدة في الحقيقة متقنة وتدل على الجدية والاهتمام ، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يفقهنا جميعاً في الدين ويجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم .
ورد في أحد الأمثلة عند إحدى الأخوات التي أجابت أنها جعلت دعوة أهل القبور من الأمثلة البدعية نعم إذا كانت الدعوة تتضمن دعوة الله - عزّ وجلّ – عند القبور فهذا بدعي، أما دعوة أهل القبور من دون الله فهي شركي، فأرجو التنبه لذلك .
(8/27)
---(1/276)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) فمعلوم أن هذه الشعب منها ما تركه ينقض الإيمان وينقص منها فما هي الأعمال التي تفسد لصاحبها الإيمان، هل هي أعمال القلوب وحدها تكفي أم أن هناك أعمال من أعمال الجوارح ما يشترط توافره لإثبات الحكم غير الشهادتين والإقرار باللسان بحقائق الدين ظاهرا وإن لم يأتِ الإنسان بما يوافقها من أعمال الجوارح ؟ وهل المراد حفظ المتون التي ندرسها أم المراد فهم المادة التي ندرسها فقط ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالنسبة لحديث أهل الشقاوة ميسر لعمل الشقاوة و أهل الطاعة ميسر لعمل الطاعة. السؤال الثاني: باب الشكوك في الإيمان والاعتقاد هل يدخل في مسألة النفاق أو أنه يكون منافقاً ؟
مسألة الشكوك في الإيمان هذه لابد أن يفصل فيها الشكوك التي تستقر في القلب هذه مرض يجب علاجه لكن لا يعني أن الإنسان خرج من الإيمان، والشكوك ابتلاء من الله - عزّ وجلّ – فالشك العارض هذا دليل قوة الإيمان إذا اندفع بما عند الإنسان من إيمان أقصد أن الخواطر التي ترد، الشبهات العارضة التي بمجرد ما ترد إلى الإنسان إنه ينكرها يعني ينكرها قلبه، يجد النفور منها، يجد أن الإيمان قوي يدفعها. فهذا شكوك عارضة ما تضر لكن أعود إلى ما قلته: الشك الذي يستقر يكون على شكل خواطر مستمرة أو أحياناً بوادر وسواس فهذا في الحقيقة أمر يحتاج إلى علاج ومع ذلك يعني بالأسباب الشرعية : كثرة التفقه في الدين، حضور مجالس الذكر ، كثرة تلاوة القرآن، الأوراد، مجالسة الصالحين- ومع ذلك - إذا الأمر استمر يمكن الإنسان يأخذ علاج نفسي .
(8/28)
---(1/277)
أعود وأقول: ليطمئن السائل مهما بلغت الشكوك لأنها لا تعني أن الإنسان يخرج من الإيمان أبداً بل يبقى- إن شاء الله- متفائلاً وربما يؤجر على مثل هذ الدفاع الذي يدافع به عن نفسه وعن يقينه وعن إيمانه.
أول السؤال كأنه غامض .
في الحقيقة مثل هذه الألفاظ الإيمان المطلق ومطلق الإيمان من الألفاظ الفلسفية التي ما وراءها طائل وما ورد بها الشرع ولا أريد أن أشغل الأخوة المستمعين والمشاهدين بها لأنها بين عموم وخصوص، فبعضها يتعلق بالعمل وبعضها يتعلق بالعمل والتصديق فالإيمان المطلق أو مطلق الإيمان كله له لوازم كله يلزم منه العمل وعلى هذا فإن العمل لا ينفك عن الإيمان وأظن الأخ أيض أجاب من خلال السؤال بما يدل على أنه فهم قضية التداخل بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان وبين أيضاً لوازم ذلك من الأعمال .
فعلى هذا فإن الارتقاء كما ذكر في درجات الإيمان يقول: إنه ليس سهلاً . هو في الحقيقة سهل من جانب وصعب من جانب آخر، هو سهل من حيث أنه يتناسب مع ما فطر الله عليه الإنسان ويتناسب مع التركيبة النفسية والعقلية والقلبية لبني آدم بمعني أن الإنسان إذا صدق وصدق قلبه لارتقاب الأعمال وجد ذلك سهلاً لكن مع ذلك نظراًَ إلى أن القلب والعقل والنفس يعتريها الأهواء والشبهات والعوارض والموانع والقواطع وما أكثرها من وساوس الشيطان وجلساء السوء والبيئة والواقع الذي يدفع الإنسان إلى ما يضعف مايضعف إيمانه، نعم هذه أمور تحتاج إلى جهاد. فعلاً الارتقاء في درجات الإيمان ليس سهلاً .
(8/29)
---(1/278)
أيضاً أحب أن أذكر السائل بحكمة أقرها السلف وهي ليست حديث هي حكمة من الحسن البصري ، يقول : الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. فهو مجرد دعوة إن ظهر العمل مصدقاً للدعوة فإن الدعوة تكون صحيحة وإلا تبقى مجرد دعوة أريد أيضاًَ أن أنبه على دعوى كثير من الناس أنه إذا قيل له: لما تفعل ولما لا تفعل؟ إذا أُمر بمعروف أو نُهي عن منكر ضرب صدره بيده وقال: التقوى هاهنا. هذه في الحقيقة مقولة خطيرة ، دعوى أن التقوى هاهنا تحتاج إلى تطبيق، الله - عزّ وجلّ – يحاسبك على العمل فماذا عملت تجاه هذه الدعوى، وإلا ستبقى مجرد خدعة إما أن يخدع الإنسان نفسه أو يخدعه الشيطان ويخدع الآخرين، نسال الله العافية .
تقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متى يكون الإسلام والإيمان بمعنى واحد ومتى يكونان مختلفان؟
يكون الإسلام والإيمان بمعنى واحد إذا وجدا في لفظ واحد إذا جئنا بإطلاق الإسلام فإنه يعني الإيمان والإسلام في وقت واحد وكذلك الإيمان إذا جاءت وحدها فإنها تعني الإسلام والإيمان في وقت واحد أما إذا اقترنت اللفظتان في سياق واحد فكل واحدة لها معنى مع وجود المعنى المشترك كما ذكرت في أول الدرس.
الذي كان يسأل: عن شعب الإيمان
نعم منها خاصة ترك الصلاة الإعراض عن الدين بالكلية ينقض بالكلية، أيضاً الأعمال التي فيها شرك يعني نواقض الإسلام العملية هي أعمال تخرج من الملة وعلى هذا فإن الإسلام لابد أن يكون له حقيقة كما أن الإيمان لابد له أن يكون له حقيقة الإسلام والإيمان لابد أن تكون لهما حقيقة وقد تنقض هذه الحقيقة بعض الأعمال وعلى هذا فإن الذين يزعمون أنه يتحقق الإيمان الكامل أو الإيمان بمفصل عن الأعمال هم الذي قالوا إنه ليس هناك من الأعمال ما يخرج من الملة .
(8/30)
---(1/279)
وهذا في الحقيقة مناقضة لقطعيات النصوص فإن الأعمال الشركية إذا توافرت فيها الشروط على الشخص بأن وقع في شرك خالص فإنها تخرج . وهي عمل بل حتى الأقوال الشركية تخرج من الملة .
وكذلك أحوال القلوب فالقلوب- وهي بين العبد وبين ربه مثل النفاق الخالص- يخرج من الملة .
نعم أعود وأقول لأن المسألة تثار عند كثير من الناس وهناك من يزعم أنه ليس هناك عمل يخرج من الملة فهذه مقالة خطيرة بل كل الأعمال الشركية وأعمال الردة وما يناقض الإسلام بل حتى أفعال الترك التي ليست مجرد فعل الشركيات والكفريات . الترك الذي هو الإعراض عن الدين بالكلية مخرج من الملة، ترك الصلاة بالكلية مخرج من الملة وهكذا .
أيضاً الترك على سبيل الجحود ببعض الأعمال التي ربما لا تكون من أركان الإسلام لكن من باب حجود أن تكون من الحق الذي ثبت في قطعيات النصوص فهذا أيضاً يخرج نعم .
تقول ما حكم قول الحمد لله الذي بنعمته يهتدي الهادون وبعدله ضل الضالون، لأن هناك من قال لنا بأن هذا لا يجوز ولا يليق لأن الله هدى الإنسان النجدين وإنما يعذبهم على اختيارهم الشر عدلاً ولهذا شواهد كثيرة لعلها تكون في القدرية ؟
لا حرج فهذا حق يعني الله - عزّ وجلّ – برحمته وإحسانه يعني فيه قصد الترادف فلا حرج، أنا أظن هذا الدعاء لا عيب فيه فيما يظهر لي .
تقول ما حكم ما تقول به معلمات القرآن من تعليم الصغيرات القرآن وتحفيظهن السورة بعمل بعض الحركات مثلا : ?والسماء وما بناه ? تقوم بالإشارة إلى أعلى ?والأرض وما طحاه ?تشيرإلى أسفل وهكذا... وهل في هذا احترام وتعظيم للقرآن حيث أصبح يتلى وكأنه نشيد مصاحباً للحركات البدائية ؟
(8/31)
---(1/280)
نعم الحقيقة هذا فيه تفصيل وفيه نظر أيضاً في الجملة . أولاً: في هذا الأسلوب نوع تحفظ شرعاً لكن ومع ذلك فإن كانت هذه الحركات بدون قصد من المعلمة يعني تعودت بعض المعلمات وكذلك بعض المعلمين إنه يستعمل الحركات كوسيلة إيضاحية دون أن يشعر لأنه يطبق أمر غيبي هذا الأمر- إن شاء الله- أرجو ألا يكون فيه حرج ، لكن إذا كان هذا منهج يعني أسلوب يلتزم في تعليم القرآن فأظن فيه خطورة لأن كثير من الأمور التي ورد ذكرها في القرآن أمور غيبيه.
فعلى هذا إذا ما تعلق بالأمور الغيبية فعلى الأقل أرى أنه مشتبه والأولى الابتعاد عنه ، إذا ما تعلقت الإشارة بأمر غيبي مثل الإشارة إلى أسماء الله - عزّ وجلّ – وصفاته بالإشارات المادية التي لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم – فهذا خطير في الدين ويجب تجنبه وكذلك أمور الغيب الأخرى أحوال القبر والبعث والحساب والجنة والنار لا يجوز تمثيلها بحركات أو بمسائل مادية ولا بصور.
ومن هنا أنبه إلى ما يقع فيه كثير من الذين يستخدمون بعض وسائل الوعظ في التخويف من النار والوعيد بالجنة أو تقييم بعض المعاصي باستعمال صور، تصور الجنة على هيئة معينة والنار على هيئة معينة أو عذاب القبر أو نعيم القبر، أنا أرى أن هذا أمر لا يجوز بل يجب سده لأنه باب فتنة يمثل غيبيات على أمور محسوسة تنطبع في أذهان الأجيال فيقعون في أخطاء فادحة في الاعتقادات، وهذا ما وقعت فيه الأمم السابقة مثلوا الملائكة بنساء جميلات فتفهمت أجيال منهم أن الملائكة إناثاً، هذا جاء على سبيل مجرد وسيلة إيضاح في البداية والله أعلم .
كذلك مثلوا كثير من الغيبيات عندهم بأمثلة وصور فربطوا هذا بتقديس الغيبيبات، فإذا الأمر خطير وأرى أن نبتعد عن مثل هذه الوسائل وخاصة في تعليم القرآن إلا ما يأتي من غير قصد في غير تمثيل الغيبيات، وأرجو أن يكون عفواً .
هل نطلق الإيمان على شخص معين ؟
يعني يقال هذا كامل الإيمان ؟
(8/32)
---(1/281)
نعم الكمال النسبي الذي عليه المخلوق يقال: إنه مثلاً بعض العباد كامل الإيمان الكمال النسبي الذي يتصف به البشر فلا حرج في ذلك إن شاء الله .
لكن لا يكون على سبيل التزكية المطلقة إنما على سبيل التفاؤل وعلى سبيل المدح والثناء والترغيب، فيقال: فلان - ما شاء الله - كامل الإيمان وعلى شرط ألا نقصد به الكمال الذي عند الله - عزّ وجلّ – إنما فيما يظهر لنا، أرجو ألا يكون في ذلك حرج .
هل يحكم على الإنسان الكافر الخالص الكفر أنه خالد في النار بعد موته ؟ وكذلك تارك الصلاة ممن يعتقد وجوبها ولكن تركها عمداً من غير عذر شرعي هل يعتبر هذا الفعل كفراً يخرج من الإيمان ؟
أما الكافر المعين فلا يجوز أن نجزم بمصيره. الحكم العام لابد منه من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يدخل النار مقتضى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – الصريح الصحيح ، قطعيات النصوص هذا حكم عام ويدخل فيه الأفراد، لكن أولاً: يجب أن نفهم أننا لسنا متعبدين بالحكم على الأعيان إذا ماتوا -حتى الكافر- يعني لسنا متعبدين بأننا ننتبع فلان بن فلان الذي مات على الكفر الخالص ننتبعه ونظهر اتجاهه واعتقاد معين إلا الحكم العام، الحكم العام هذا ليس لنا هو إلى الله - عزّ وجلّ – فإذاً: المعين في الحقيقة أرى أن المسلم يجب أن يتورع من الجزم بحاله حتى ولو كان كافراً خالصاً. لماذا ؟
لأنه يشمله الحديث لأنه قد يكون أسلم في آخر لحظة ولم يتبين لنا حال إسلامه أليس هذا وارداً ؟ إذا كان وارداً، لماذا نتأله على الله ونحكم بمسائل غيبية؟ وهذا لا يدخل في معارضة حكم الله القاطع في الخلود بالنار لمن لم يكن مسلماً، لا ما يتعارض؛ لأننا نحكم عليه الحكم العام، أما الحكم المعين فإننا لا ندري عن مصيره الذي الله - عزّ وجلّ – توفاه عليه.
(8/33)
---(1/282)
يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ذكرتم عدم جواز الحكم على الناس بالتأله بدخول الجنة أو بدخول النار لأن ذلك حكم الله وحده وأيضاً لا يجوز تكفير مسلم أياًَ كان بدون دليل من الله فما هي كفارة من وقع في هذا الخطأ ؟
من تاب إلى الله - عزّ وجلّ – جعل التوبة تجبُّ ما قبلها بل التائب بصدق يبدل الله سيئاته حسنات فيتوب إلى الله - عزّ وجلّ – توبة صادقة وإذا كان حكماً على معينين أحياء يستطيع أن يستحلهم فيجب أن يستحلهم وإلا فيدعو لهم ولو أمكن ممن ابتلي بحكم العام على الخلق أن يصدر بياناً في ذلك وسائل البيان الآن نُفُرَة، يصدر بياناً بذلك فيقول: أرجو كل من وقع في حقه مني شيء أن يعفوا عني ويسامحني.
فالحمد لله اليوم وسائل البراءة من هذه المواقف الشنيعة متوفرة فليبذل جهده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ومن لم يستطع أن يصل إليه يكفيه أن يتوب بينه وبين ربه والله يتولى ما بينه وبين عباده .
يقول هل المقصود عندما نقول: أن نجزم لأحد أنه من أهل النار هل هذا وهو حي أو حتى بعد موته , فلو مات النصراني أو اليهودي فلا نقول أنه من أهل النار ؟
من لم يكن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول ومات على ذلك فهو من أهل النار جزماً هذا حكم عام، أما المعين فما قلته قبل قليل هو الجواب. المعين لا لأننا نشك أن الكافر من أهل النار لكن لا نحكم عليه بعينه باسمه لأننا لا ندري على أي حال مات .
فالاستثناء ليس لأنه كافر إنما الاستثناء لأننا لا ندري عن مصيره الذي لا يعلمه إلا الله وحده، فأرجو أن يكون بهذا لا ينسحب على الحكم العام .
(8/34)
---(1/283)
طبعاً الحي قبل أن يموت لا يتأتي أننا نجزم له بالنار لماذا ؟ لأنه قد يتوب توبة ويعلنها هذا أصلا لا تتوجه إليه الأحكام إلا على حاله تتوجه على حاله التي هو عليها يقال: إن بقي على حاله إن بقي على ما هو عليه فهو من أهل النار استثناء، لكن هل تدري ؟ ربما يتوب كم الذين الآن يدخلون الدين يدخلون أفواجاً ولله الحمد على مستوى العالم كله أفواجاً يعدون أحياناً في اليوم الواحد بآلاف في بعض الظروف والمناسبات خاصة عند الحوادث وعند المناسبات الإسلامية التي يكون فيها لفت نظر للإسلام .
فإذاً: هؤلاء كانوا على الشرك والكفر ثم تابوا ، فالأحياء لا يتأتي الحكم إلا على حالهم التي عليها ومصائرهم في الآخرة كذلك، كيف تستطيع أن تحكم بحكم على شخص وهو لم يمت ؟
(8/35)
---
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
صفة كلام الله - القدر
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم – وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
بعون الله وتوفيقه نستأنف هذا الدرس كالمعتاد بعرض سؤالين على الأخوة المشاهدين والمستمعين ثم بعرض بعض الأسئلة على الطلبة الحضرين .
السؤال الأول: للمشاهدين هو مع تعريف الإيمان شرعاً؟
والسؤال الثاني : هل يثبت الإسلام وحقوق المسلم لمن لم يقر بالشهادتين، وما الدليل على ذلك ؟
أما أسئلة الحاضرين فأولها: ذكر السلف أن من الإيمان عمل الجوارح، فما المقصود بعمل الجوارح؟
المقصود بعمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات
أي نعم : فعل المأمورات وترك المنهيات .(1/284)
هل من الممكن أن تضرب لى مثالاً بالمأمورات أعلاها وأدناها؟ المأمورات كالصلاة .
وما دون الصلاة مثلاً من المأمورات من السنن ؟ مثل السواك .
سؤال آخر: هل كل مسلم مؤمن ؟ ولماذا ؟
ليس كل مسلم مؤمناً، درجات الإيمان، الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
يعني معنى هذا أنه ليس كل مسلم مؤمناً لأنه قد يدعي الإسلام المنافق الذي لا يؤمن .
أيضاً هناك سؤال فيما يتعلق بمفهوم الإسلام والإيمان، متى يفترقان من بعض الوجوه ؟ ومتى يجتمعان؟
إذا اجتمعا تفرقا وإذا تفرقا اجتمعا، يعني إذا اجتمعا ينصرف الإسلام إلى الأعمال الظاهرة إذا جاء ذكرهما في سياق واحد .
فالإسلام يعني الأعمال الظاهرة، والإيمان ؟
والإيمان ينصرف إلى الأعمال الباطنة
وإذا افترق كل منهما وجاء مفرداً ؟
(9/1)
---
إذا افترقا اجتماعا، يعني إذا ذكر الإسلام فقط فإنه يشمل الإسلام والإيمان، وكذلك الإيمان
الآن قبل أن نبدأ الدرس الجديد أحب أن أذكر الخلاصة التي تهم الجميع في معنى الإيمان؛ لأنه – أحيانا- الاستطراد في ذكر بعض المسائل قد يشتت الأذهان فأقول: الإيمان كما هو مقتضى النصوص نصوص الكتاب والسنة وفهم الصحابة وسلف الأمة هو الاستقامة على دين الله - عزّ وجلّ – اعتقاداً وقولاً وعملاً وعلى هذا فإن المسألة المتعلقة بالإيمان -كما ذكرت سابقاً- تعتبر أربع مسائل رئيسة:(1/285)
المسألة الأولى: تعريف الإيمان وحقيقته وهو: أنه قول وعمل، أي أنه يشمل الاعتقادات القلبية التي تبدأ بمحبة الله - عزّ وجلّ – وخوفه ورجائه واليقين والتقوى وما ينتج عن ذلك من الورع والإنابة...... إلى آخره من الأمور التي هي في قلب الإنسان أو في قلب المسلم فيما بينه وبين ربه وما ينتج عن ذلك في تعامله مع ربه ومع الآخرين، ثم ينتقل ذلك أيضاً إلى القول : ويدخل فيه أولاًَ / الشهادتين قول اللسان النطق بالشهادتين وكل قول مشروع يتضمن الذكر والطاعة مثل تلاوة القرآن والأذكار والتسبيح والتهليل وغير ذلك كلها داخلة في الإيمان القولي وكذلك الأعمال: التي هي الحركات التي يتحرك بها الإنسان في طاعات الله - عزّ وجلّ – ائتماراً أي فعلاً أو انتهاءً أي تركاً هذه المسألة الأولى .
المسألة الثانية : دخول الأعمال في مسمى الإيمان والمقصود بذلك أن الأعمال تدخل في مفهوم الإيمان شرعاً وعلى هذا فالإيمان يشمل الأمور الاعتقادية العلمية والأمور العملية ومن هنا- كما قلت - مجموع الدين التزام الشرع ، الاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً علماً وعملاً.
المسألة الثالثة : زيادة الدين ونقصانه، وهذا أمر طبيعي كما قلنا: إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان حتى الأعمال القلبية وهي تزيد وتنقص، الأعمال القلبية قد تصل إلى مجرد التصديق وقد تكون مع التصديق اليقين، هذه زيادة .
(9/2)
---
كذلك الأعمال، الأعمال تزيد بكثرة الطاعات والذكر والتلاوة وغير ذلك فكلما ازدادت الأعمال- سواء كانت قلبية أو عملية- ازداد الإيمان، وكلما نقصت، نقص الإيمان .
إذاً: المسألة التي نحن فيها هو أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وبفعل المأمورات وينقص بالمعاصي وبفعل المنهيات .(1/286)
ثم المسألة الآخيرة : الاستثناء في الإيمان وهذه مسألة في الحقيقة يعني قلَّ أن يحتاجها المسلم الذي عادة أخذ دينه بمقتضى الفطرة إنما هي مسألة نشأت من وجود أناس لما حصروا الإيمان في القلب، زعموا أنه لا يجوز أن يستثي فيه المسلم لأنه ما دام يشعر باليقين والتصديق فلا داعي أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله .
لكن ليس هذا هو المقصود من الاستثناء، أعني: أننا حينما نستثني لا نستثني ما ندركه ونشعر به ؛ فإن كل مسلم حينما يُسأل عن إيمانه؛ لأنه يشعر بأنه مصدق وعلى هذا فلا يستثني هذا الأمر، إنما يستثني المصير الذي ينتهي إليه، وإن شاء الله من باب التفاؤل، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يعني أرجو أن الله - عزّ وجلّ – يثبتي على الإيمان .
لماذا يستثني؟ لئلا يتأله على الله، لئلا يزكي نفسه، لا لأنه يستثني ما يشعر به الآن ما تشعر به الآن من الإيمان والتصديق تعبر عنه بجملة تقيده بالمشيئة، لكن المشيئة متعلقة، أي تعليق الإيمان بمشيئة الله متعلق بمستقبل الأمر بمصير الإنسان ، ومآله بما يموت عليه، فلذلك ينبغي عليه ؛ لئلا يتأله على الله ولا يصيبه الغرور يرجع الأمور إلى مشيئة الله وهذا تفويض لله - عزّ وجلّ – يدل على قوة الإيمان، يدل على التشكيك كما يظن الذين يزعمون أن الاستثناء في الإيمان يدل على التشكيك .
هذه الخلاصة أردت أن ألخص بها الدرس السابق؛ لأنه يبدو لي أنه تشعبت فيه الأحاديث ربما يحتاج إلى هذه الخلاصة .
والآن نبدأ في درسنا درس اليوم وهو في فقرتين :
الفقرة الأولى : في القرآن وكلام الله - عزّ وجلّ – .
والفقرة الثانية : في القدر .
(9/3)
---
الفقرة الأولى تحت عنوان خامساً .
( خامساً القرآن الكريم، أولاً: القرآن: كلام الله - حروفه ومعانيه - منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به - صلى الله عليه وسلم – ومحفوظ إلى يوم القيامة ) .(1/287)
نعم هذه القاعدة الأولى فيما يتعلق بالقرآن الذي هو من كلام الله - عزّ وجلّ – كلام الله لا يحده حد، الله - عزّ وجلّ – يتكلم متى شاء ،بما شاء، ويكلم من شاء، والقرآن هو من كلام الله ولذلك قُرِنَ القرآن بالكلام ؛لأن صفة الكلام لله - عزّ وجلّ – من الصفات الثابتة لله ومنها ما هو من الصفات الذاتية اللازمة لله ، ومنها ما هو يتعلق بإرادة الله، ومشيئته. وأعني بذلك: أن الله – عز وجل - موصوف بالكلام، وهذا كمال، وأن كلامه الذي هو من صفة ذاته، يعني: أنه - سبحانه وتعالى – متكلم متى شاء وكيف شاء ونقول بأن كلام الله - عزّ وجلّ – يحدث متى شاءة، بمعنى: أنه متعلق بمشيئته، يعني أن الله - عزّ وجلّ – إذا أراد الكلام فإنه يتكلم كما يريد وعلى هذا فإن القرآن من كلامه - سبحانه وتعالى – .
والقرآن هذا هو الذي بين أيدينا كلام الله - عزّ وجلّ – الذي أنزله الله هدىً وشفاءً وأنزله منهاجاً للأمة يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والبشرية جمعاء لمن اهتدى به. القرآن إنما أنزل ليتلى وليتدبر وليعمل بمقتضاه .
أنزله الله - عزّ وجلّ – لأنه هدى تهتدي به القلوب وتستنير به العقول وتسترشد به الجوارح والأعمال ؛ ولذلك كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بتلاوته وحفظه فقد أمرنا بتدبره أي تأمل معانيه، فما كان منها من أمور العقائد آمنا به جزماً ومن الأخبار صدقنا به وما كان به من أوامر ائتمرنا بها - بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من نواهي انتهينا- بقدر الاستطاعة- وما كان فيه من قصص وعبر ومواعظ فيجب أن نستفيد منها بما يصلح لنا أحوال قلوبنا وأعمالنا وشئوننا في حياتنا كلها .
(9/4)
---(1/288)
ولذلك فالقرآن دستور الأمة. وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – متفرعة عن القرآن ؛لأن القرآن أجمل والسنة فصلت في كثيرمن الأمور ولأن القرآن أمرنا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال –سبحانه-: ? وما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ?[الحشر:7].
القرآن كلام الله على الحقيقة . وما معنى الحقيقة ؟ أي أن الله - عزّ وجلّ – تكلم بالقرآن حقيقة كما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى – من غير تكييف من غير قياس، من غير إقحام للخيالات والأوهام التي يتخيلها بعض الناس عن كيفية الكلام وهذا في جميع أفعال الله وصفاته وأسمائه فإنها لا تُكيَّف، لكن لها حقائق وهذا هو الفارق بين السلف وبين أهل الأهواء والبدع الذي خاضوا في كلام الله وقالوا فيه قولاً لا يليق بالله - عزّ وجلّ – بل فيه من سوء الأدب، بل فيه من اسنتقاص كمال الله - عزّ وجلّ – ما لا يليق لماذا؟ لأنهم ما أثبتوا كلام الله على الحقيقة، وأن القرآن كلام الله حقيقةً بحروفه ومعانيه من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف .
وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا منزل من الله - عزّ وجلّ – غير مخلوق لماذا قلنا: غير مخلوق ؟ لأن القرآن كلام وكلامه صفته وصفات الله لا شك أنها غير مخلوقة؛ولأن السلف حينما استقرءوا نصوص القرآن والسنة في حقيقة القرآن ثبت عندهم بقطعيات النصوص والإجماع أن القرآن منزل وأنه غير مخلوق .
وكانت هذه القضية بدهية في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ظهرت الأهواء العقلانية الفلسفية التي تقرر الدين بمجرد العقول والخيالات والتخرص، وهذا منشؤه الأخذ بمسالك الفلاسفة الذين منهم من وصفهم الله - عزّ وجلّ – بالخراصين وذمهم في قوله - سبحانه وتعالى – ? قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ?10? الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ?[الذريات:10-11].
(9/5)
---(1/289)
فمن التخرص القول في القرآن خصوصاً وفي كلام الله عموماً بغير ما ثبت في النصوص وبمقتضى الآراء والاجتهادات التي لا يمكن أن تقرر في هذا الأمر شيئاً لأن هذه الأمور توقيفيه، فكلام الله غيب ،وتكلمه بالقرآن غيب، وكيفية كلامه - سبحانه وتعالى – غيب، لا يمكن أن تدركهذه الأمور ولا يمكن أن تقاس بأفعال البشر لأن الله - عزّ وجلّ – ليس كمثله شيء .
ومن ذلك في كلامه - سبحانه وتعالى – فإنه تكلم وليس كمثل كلامه شيء ولا يتكلم كما يزعم الزاعمون بالكيفية التي تكلم بها الخلق، بل إنه - عزّ وجلّ – أنزل القرآن، والقرآن غير مخلوق( منه بد) ما معنى منه بدأ؟ يعني: أن الله - عزّ وجلّ – تكلم به كما يليق بجلاله فمبدأه منه؛لأنه كلامه، وكلامه صفته( منه بد) لم يبدأ من مخلوق ، كما يزعم أهل الأهواء الذين زعموا أن القرآن إنما عبر به جبريل عن مراد الله أو أن الله خلقه خلقاً في مكان ما وعلى هيئة ما، ثم تحول هذا الخلق إلى حروف ومعاني، أو أن الله خلق حروفه ومعانيه وتشكل منه القرآن. كل هذه من الأقوال الباطلة أو غير ذلك من المقالات التي تفسد العقيدة، والتي أيضاً فيها مصادمة لمعاني النصوص( منه بد) بمعنى أن الله تكلم به كما يليق بجلاله( وإليه يعود) فقد ثبت في الآثار الصحيحة أنه حينما تنتهي الدنيا ويقبض الله المؤمنين ولم يبقَ في الدنيا إلا شرار الخلق لا يبقى من يقول الله ـ الله،ولا يبقى من يعمل بالقرآن عند ذلك يرفعه الله إليه .
(9/6)
---(1/290)
( وهو- أي القرآن- معجز) معنى معجز: أنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، لا بآية ولا بأكثر من آية وفعلاً لا يزال التحدي قائماً ، ولم يزل إلى قيام الساعة على وجه قطعي ولذلك فعلاً رغم محاولات المشركين العرب الأُوَل الذين يملكون زمام اللغة العربية محاولاتهم الجادة أن يحاكوا القرآن ومع ذلك لم يستطيعوا بأفرادهم ولا بمجموعاتهم ففضلاً عن من جاء بعدهم فإنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله، ( معجز )أيضاً إعجازه يتمثل بأمور كثيرة ، بإخباره بالغيب ،في إحكام ما جاء به من الأحكام من الأوامر والنواهي، في قصصه، في نظمه، في معانيه، في سبكه، في جميع ما يصدر عن هذا القرآن من معاني وأحكام وأخبار وغير ذلك فإنه معجز من جميع الوجوه.
هذا الإعجاز أي كونه لا يمكن أن يأتي أحد بمثله كان دلالة من دلالات نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يزال- إلى يومنا هذا- من دلالات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يستطيع أي أحد أن يأتي بمثله من جميع الوجوه، (ودليل على صدق) كل ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى مما جاء به من أقوال وأفعال وتقريراته وأخباره - صلى الله عليه وسلم – التي ليست من القرآن؛ لأن القرآن صدقها .
ثم أيضاً أنه(محفوظ) بأن الله - عزّ وجلّ – تكفل بحفظه من التحريف والزيادة والنقص والتبديل ومن أن يرفع إلى قيام الساعة أي إلى أن لا يعمل به تنتهي الدنيا فلا يكون لبقائه فائدة، من هنا يرفعه الله - عزّ وجلّ – حينما لايبقى مؤمن. فهو محفوظ إلى قيام الساعة .
( ثانيا الله - سبحانه وتعالى – يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وكلامه تعالى حقيقة بحرف وصوت والكيفية لا نعلمها ولا نخوض فيها ).
(9/7)
---(1/291)
هذا سبق الإشارة إليه يعني إن الله - عزّ وجلّ – كلامه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم - سبحانه وتعالى – وأيضاً كيفية كلامه لا نعلمها وكلامه -تعالى -حقيقة ليس مجازاً ولا تمثيلاً ولا تخييلاً ولا غير ذلك مما يتوهمه المتوهمون ، فهو حقيقة، لكنه حقيقة ، لا كل الحقائق المعلومة عند الناس .
بعض الناس يظن أن معنى حقيقة أنه كالحقائق التي نعلمها لا حقيقة أعظم من الحقائق التي ندركها بمداركنا، بحواسنا فمن هنا أفعال الله لا يمكن أن تدركها الحواس، وحقيقتها بمعنى أنها حق على ما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى – ولا يعني بالحقيقة المعدومة التي ترد إلى الناس من خلال تجاربهم المادية أو وسائل العلم الحديث أو المدارك والحواس التي هي في متناول البشر فحقائق صفات الله فوق متناول البشر إنما هي حقائق لائقة بالله - سبحانه وتعالى– والكيفية لا نعلمها- ولا شك - ولا نخوض فيها بمعنى أنه من الاثم أن نتكلم عن هذه الأمور بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة؛ لأنه يقال: كيف؟ ولا يقال: لماذا؟ ولا يقال: أيضاً قصدي لا تفترض الأسئلة والإجابة عليها مجرد افتراض .
ولذلك السلف كانوا قبل أن تنشأ البدع والأهواء والكلام في الغيبيات كانوا لا يتصورون أن مسلماً يسأل عن مثل هذه الأمور مجرد سؤال لأن الأمة كانت على الفطرة وكان الناس كلهم يتهيبون الكلام في الله - عزّ وجلّ – بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة .
ولذلك لما سئل الإمام مالك عن كيفية بعض صفات الله - عزّ وجلّ –: أصيب بشيء من القشعريرة من تعظيمه لله - سبحانه وتعالى – وأصيب بالذهول من هذا السؤال المفاجئ الذي لا يليق بالله وعَلَته الرحضاءُ وكاد أن يخشى عليه من شدة السؤال .
كيف يجرؤ مسلم أن يسأل عن كيفية صفة لله - عزّ وجلّ – ؟".
حينما سأل أحد المشاغبين عن الله - عزّ وجلّ – كيف استوى ؟ أمر عظيم، أخي المسلم هذا أمر غيبٍ كيف تسأل عن كيفية الاستواء وأنت تدري وتجزم أن الكيفية لا يعقلها أحد .(1/292)
(9/8)
---
إذاً السؤال هو تطاول على حق الله وسوء أدب وطمع في إدراك ما لا يدرك من أمر الغيب، فمثله أيضاً السؤال عن كيفية كلام الله ولذلك لما سأل هذا المشاغب الإمام مالك، الإمام مالك استعظم الأمر واقشعر جلده من تعظيم الله - عزّ وجلّ – وعلته الرحضاء فلما أفاق قال :
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً أخرجوه لأنه فتق باب فتنة على المسلمين في سؤال أمر غيب يتعلق بالله - عزّ وجلّ – وصفاته وأفعاله .
ومن هنا أيضا الكلام أو مجرد إنشاء السؤال كيف يتكلم الله؟ هذه بدعة وسوء أدب مع الله كيف يتكلم بالقرآن؟ كذلك بدعة وسوء أدب مع الله - عزّ وجلّ – فيجب على المسلم- دائماً- أن يكف عن السؤال في الغيب عمَّا لا يدخل في ظاهر النصوص وقواعدها المقررة عند السلف.
( ثالثاً: القول بأن كلام الله معنى نفسي أو أن القرآن حكاية أو عبارة أو مجاز أو قيد أو ما أشبهها ضلال وزيغ وقد يكون كفرا، والقول بأن القرآن مخلوق كفر ) .
نعم يعني بذلك ما قالته بعض الفرق التي خرجت عن نهج السنة وعن نهج القرآن ونهج أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ونهج الصحابة والتابعين وسلف الأمة في تقرير مُسلَّماتِ الدين وثوابته في تقرير الحق فيما يتعلق بكلام الله - عزّ وجلّ – وهو صفة من صفاته عموماً وبالقرآن على وجه الخصوص لما ظهرت هذه الأهواء والفرق- كما قلت- كان منشأها الجرأة على تقرير الدين بمجرد الرأي، الجرأة على إدخال مسالك الفلاسفة التي تنبني على الأوهام والتخرصات في أمر الغيبيات ،إدخالها على المسلمين فنشأت مذاهب تتكلم في أمور فوق مدارك البشر منها التعبير عن كلام - عزّ وجلّ –.
(9/9)
---(1/293)
فمنهم من قال: إن كلام الله معنى نفسي هذه بدعة فإن كلام الله حقيقة لكن لماذا قالوا: معنى نفسي ؟ أرادوا بذلك أن يهربوا من إثبات أن يكون الله - عزّ وجلّ – تكلم حقيقة كما يليق بجلاله فقالوا: الكلام إنما هو معانٍ نفسية فهمها – مثلاً- جبريل أو ملك من الملائكة أو أن الله - عزّ وجلّ – حولها بطريقة أخرى فتمثلت في حروف وأصوات لم يتكلم بها الله، بمعنى أنهم يزعمون أن القرآن والكلام هو معاني في نفس الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره تعبيراً عن مراد الله وهذا كله هروب من إثبات صفة الكلام لله - سبحانه وتعالى – .
وكذلك مثلها القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله أيضاً هذا هروب من إثبات كلام الله ،كأنهم زعموا أن القرآن ترجمة حكاية عن كلام الله وهذا فيه استنقاص لله - عزّ وجلّ – وفيه أيضاً استهانة بالقرآن، وكذلك القول بأنه عبارة أو مجاز أو فيض. الفيض أيضاً معنى فلسفي يقصد به أنها معان فاضت على عقول معينة هذه العقول تحولت المعاني منها إلى أن ترجمها المتكلمون ممن تكلموا من ملائكة وبشر أو أنها خلقت أصواتاً أو أن أصحاب العقول عبروا بها عن كلام الله بكلام البشر إلخ فكلها فلسفات تبعد المسلم عن اليقين وعن حلاوة الإيمان وتوقعه في الإثم والبدعة وكل ذلك ضلال وزيغ .
ويكفيني أن أشير إلى معنى واحد أو نتيجة واحدة من النتائج السلبية لمثل هذه المقالات يعني لو أن - لا قدر الله- مسلماً دخلت في ذهنه هذه الشبهة وتصور أن الله - عزّ وجلّ – لم يتكلم بالقرآن، وأن الذي تكلم به غيره.هل يبقى للقرآن قداسة ؟ لأن هذا الغير الذي تكلم بالقرآن هو مخلوق حتى لو كان جبريل- كما يقول بعضهم- فإذا استشعر المسلم أن الذي تكلم بالقرآن هو جبريل لم يكن للقرآن قداسة وعصمة؛ لأن جبريل مخلوق، أليس كذلك؟
(9/10)
---(1/294)
ولذلك – فعلاً- هذه الفرق التي تقمصت هذه البدع والضلالات وأخذت بها استهانت بالقرآن وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معاني غير مقصودة وأنه إشارات وجرأ أهل التأويل وهم الباطنية على القرآن؛ لأنهم لا يعتقدون أنه كلام الله.
فمن هنا يفقد العصمة والقداسة والإجلال فلا شك أن المسلم الذي يشعر أن القرآن كلام الله هذا الذي بين أيدينا الذي نتلوه هو كلام الله -على ما يليق بجلاله- إذا استشعر المسلم هذا المعنى عظَّمَ القرآن وهابه من أن يتجرأ عليه، لكن إذا استشعر أنه معاني عبر عنها خلق من خلق الله فصارت قرآناً فإن هذا ينقص من قيمة القرآن بالفطرة ومقتضى العقل السليم .
( رابعاً: من أنكر شيئاً من القرآن أو ادعى فيه النقص أو الزيادة أو التحريف فهو كافر ).
من أنكر شيئاً من القرآن سواء من حروفه ،ألفاظه، آياته، سوره، أو أنكر شيئاً من قطعيات القرآن ولو أقر بألفاظه، من أنكر شيئاً من قطعيات القرآن - فضلاً أن يدعي فيه النقص أو الزيادة- فإذا ادعى النقص قد يكون ادعى نقص حرف أو كلمة أو عبارة أو آية أو سورة وكذلك ادعى الزيادة .
قد يدعي أحد أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن كله، كما تدعي بعض الفرق أن هناك مصحفاً عند بعض أئمة أهل البيت أو أن هناك سوراً وآيات وقد رأينا في كتبهم ينشرونها خفية وبعضهم بدأ يعلن سوراً يزعمون أنها من القرآن، ليست من القرآن الذي يتلى بين أيدينا .
ولذلك بعض عقلائهم استهولوا هذا الأمر وأنكروه. فإذا: القرآن كامل محفوظ بجميع معاني الحفظ ولذلك ما من أحد يحاول التطاول على القرآن إلا والله - عزّ وجلّ – يهيئ للقرآن من يحفظه وأيضاً الله- عزّ وجلّ – يمكر بكيد الكائدين بمعنى أنه لا يستطيع أحد ولم يستطع ولن يستطيع أن يجرؤ على القرآن .
(9/11)
---(1/295)
وما من محاولة عرفناها في تاريخنا المعاصر أو قبله لأي تغيير في القرآن إلا وتبوء بالفشل في مهدها ولذلك لا يوجد على الإطلاق - بحمد الله- مصحف بين المسلمين يشتمل على شيء من الزيادة والنقص .
( خامساً : القرآن يجب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف ولا يجوز تفسيره بالرأي المجرد فإنه من القول على الله بغير علم. وتأويله بتأويلات الباطنية وأمثالها كفر ).
نعم القرآن جاء هدى وشفاء ومنهاجاً وشرعة يعني شريعة للأمة بأفرادها وأسرها ومجتمعاتها ودولها بل للبشرية جميعاً .
ولذلك فهو منهج اعتقادي وعملي يجب أن يحكم حياة الناس ولا يحكم حياة الناس إلا بتفسير له لأن القرآن كلام الله - عزّ وجلّ – يحتاج إلى أن تسنبط منه القواعد والأحكام التي يرجع إليه المسلمون في تطبيقاتهم وأعمالهم بأفرادهم ومجموعاتهم؛ فمن هنا لابد من تفسيره لكن من الذي يفسره ؟
القرآن:
أولاً: يخضع لمنهج الاستدلال الذي أشرت إليه في الدرس الأول .
والثاني: وهو أن القرآن يجب أن يفسر بالقواعد المتفق عليها عند أهل الحق بصرف النظر عما أحدثه أهل الباطل والزيغ فإنهم قد يفسرون القرآن على مناهج غير مناهج السلف الصالح مناهج المؤمنين، فإذاً: تفسيراتهم غير معتبره ؛لأن التفسير المعتبر للقرآن هو:
أولاً: تفسير القرآن بالقرآن على مقتضى قواعد الاستدلال التي ذكرتها.
ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – القولية والفعلية والتقريرية .
ثالثاً: تفسير القرآن بالتطبيقات للمجتمع المسلم في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن أكثر القرآن طبقه النبي – صلى الله عليه وسلم – بمفرده وبالجماعة التي كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم – جماعة الصحابة .
فأما بمفرده فإنه كما قالت: عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ( كان خلقه القرآن ) يتمثل القرآن في سلوكه وأعماله ،في علاقته بربه، في علاقته بمن حوله، في علاقته بالخلق فهذا- إذاً - تفسير قطعي للقرآن.(1/296)
(9/12)
---
رابعاً: تفسير القرآن بفعل الصحابة ،بتفسيرات الصحابة، بمفاهيمهم، وتفسيراتهم، وتطبيقاتهم فإن هناك كثيراً من أحوال الناس استجدت بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عهد الخلفاء الراشدين لأن الأمة في عهد الخلفاء الراشدين عاشت ما يشبه الطفرة في نشر الإسلام يعني زادت رقعة الأمة الإسلامية أضعافاً، وزادت أعداد الأمم التي دخلت في الإسلام كماً وكيفاً جغرافياً وأممياً بأضعاف ما كانت في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا احتاج إلى ممارسة تصديقات للدين لابد أن تؤخذ بمقتضى النصوص، طبق الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين أكثر صور مناهج الدين، فمن هنا يكون فعلهم حجة، هو تفسير للقرآن لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لما ذكر الاختلاف قال: ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ثم أيضاً تفسير القرآن بفهوم الصحابة على مقتضى اللغة لأن الصحابة أصحاب لغة يفقهون العربية فقهاً فطرياً ذاتياً غير متكلف، ما كانوا يحتاجون أن يدرسوا القواعد والنحو كما ندرس ولذلك يكون فقهنا للغة - مهما بلغنا في الدراسة وتعمقنا- لأن أولئك كانوا عرباً بالسليقة،فكانوا يفسرون القرآن وتفسيرهم تراث موجود الآن عظيم بين أيدينا، تفسير قولي وفعلي ،وتفسير تطبيقات.
خامساً: تفسير القرآن أيضاً بفهم السلف الصالح على مناهج الدين ومقتضى القواعد المعتبرة في التفسير.
(9/13)
---(1/297)
- ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي المجرد. الرأي السليم يستخدم في استنباط المعاني من القرآن في الأمور الاجتهادية، أقول هذا لأن بعض الناس يظن أن السلف يحجرون على الرأي، لا بل السلف هم أفضل من يستخدم الرأى على وجهه، بل إنهم استخدموا أقصى ما يمكنهم من طاقة في الاستفادة من الرأي والعقل السليم على وجه شرعي سليم فمن القول بالرأي المذموم هو أن يقول الإنسان في تفسير القرآن برأيه المجرد من غير مراعاة لقواعد التفسير ، ومن غير أهلية كأن لا يكون عنده العلم الكافي والرسوخ .
أما إذا توفر عند العالم الأهلية والرسوخ والقدرة فإن استخدام الرأي في استنباط الاجتهاديات هذا يسمى اجتهاداً ؛ لأن الرأي المذموم فهو الرأي المجرد من استعمال القواعد الصحيحة في الاستدلال .
الرأي المجرد أي الرأي الذي لا يكون سائغاً لا يكون على وجه شرعي صحيح هو من القول على الله بغير علم، والله - عزّ وجلّ – ذم ذلك وجعله قرين الشرك ونهي عنه في قوله - سبحانه وتعالى – ? وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ?[الاسراء:36] .
ثم أيضاً من الأمور التي وقعت فيها الفرق الضالة المنحرفة تجاه كلام الله - عزّ وجلّ – التكلف في تأويلاته على غير منهج شرعي إلى حد أنهم تجاوزوا المعاني اللغوية- الغلاة منهم-كتأويلات الباطنية لكثير من ألفاظ القرآن وآياته. تأويلات الباطنية عجيبة هي قلب للمفاهيم تماماً جعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً جعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، نكثوا وقلبوا حتى المعاني العربية . ولنضرب لهذا أمثلة يسيرة من تأويلاتهم الضالة مثلا: تأولوا أركان الدين بأئمتهم-شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله والصلاة والصيام الحج- قالوا: هؤلاء الأئمة.
(9/14)
---(1/298)
يعني نفس الأركان كأنهم يقولون: إنها إشارة إلى أئمتنا. من أئمتكم؟هم- أيضاً غالباً- يعيشون في سراديب الظلام من منهجهم أن يعيشوا تقية وأن يعيشوا مع الناس بالنفاق؛ فأولوا أركان الإيمان وأركان الإسلام للأئمتهم من أئمتهم؟ هذه أيضاً تجتمع على ضلالات عجيبة وأمور مضحكة يعني سخافات فعلاً بكل معنى الكلمة.
أيضاً بل فسروا بعض صفات الله بأنها تعني الأئمة: صفة اليد صفة الوجه كل هذا يد الله إمامهم وأئمتهم يختلفون عليهم .
وكذلك مثلاً بعض ألفاظ القرآن مثل الرقيب والعتيد الذي هو وصف لبعض الملائكة أيضاً وصفوهم بالأئمة الجبت والطاغوت قالوا: أبو بكر وعمر فمن يعقل هذا؟ كيف يكون أبو بكر وعمر أفضل البشر بعد النبيين يكون معناهما الجبت والطاغوت؟ يعني هذا لا لغة ولا ذوقاً ولا عرفاً ولا شرعاً ولا على أي اعتبار، لكن المسألة عندهم مسألة قلب المفاهيم .
المستقر والمستودع الأئمة النطقاء، بسم الله الرحمن الرحيم قالوا معناها الأئمة السبعة، يعني على أي وجه؟ يعني أمر لا يرد في ذهن عاقل. وما من دابة في الأرض قالوا: هذه دعاتهم قالوا: الصوم كتمان يعني علم الباطن وليس الصوم هو الكف عن الطعام والشراب والمنهيات والإمساك من كذا إلى كذا .
لا .يقولون: الصوم كتمان علم الباطن .
الحج إتيان الإمام أو الأئمة- أئمتهم- طبعاً ليس الإمام بمفهومنا الذي نعرفه هم يعيشون ظلاماً في ظلام وسراديب في أفكارهم وفى واقعهم وحالهم، نسأل الله العافية .
إذاً هذه نماذج من تأويلات الباطنية وعليه قس.
فتأويلات القرآن بتأويلات الباطنية زيغ و كفر وضلال .
والآن ننتقل إلى الموضوع السادس وهو القدر .
( سادسا: القدر: أولاً: من أركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى ويشمل الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه، العلم والكتابة والمشيئة والخلق وأنه تعالى لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه )
(9/15)
---(1/299)
نعم سبق الكلام عن كثير من هذه المعاني فلذلك لا أطيل، إنما أفرد القدر هنا لكثرة من زاغوا فيه ولكثرة الشبهات التي ترد على المسلم سواء شبهات ذاتية تنشأ من وساوس الشيطان أو من التخيل أو من بعض الأمراض النفسية وغيرها لأن الإنسان أكثر ما يتعرض في مسألة الغيبيات في وساوس القدر طبعاً شبهات ترد من الآخرين أو مما يسمع أو مما يقرأ أو شبهات تنشأ من نفسه أو من عادة الشيطان به .
فذلك سأركز على هذه الجوانب المتعلقة بالممارسات الخاطئة تجاه القدر خاصة ما يتعلق بالأوهام والوساوس.
أولاً: ينبغي لكل مسلم أن يعتقد أن الله قدَّر كل شيء . كل شيء بتقدير الله ،الخير والشر، بعض الناس قد يتساءل - وهذا نشأ عنه أي هذا السؤال نشأ عنه ضلالات وقعت فيها أمم كبرى في التاريخ، المجوسية وطوائف من أهل الكتاب، طوائف من الأمم الضالة كثيرة أخطأت في تصور معين وهو أنهم زعموا أنه لا ينسب تقدير الشر إلى الله - عزّ وجلّ – زعموا أن هذا لا يليق وما علموا أن هذا استنقاص لله - عزّ وجلّ – لأن هذا الشر موجود فلابد أن يكون له موجد فإذا ما كان الله - عزّ وجلّ – أوجده ابتلاءً وفتنةً. فإذاً: يكون هناك خالق مع الله ،هذا لا يقر به عاقل، ولا صاحب فطرة سليمة ، ولا يمكن أن يرد في ذهن إنسان سوي فضلاً عن مسلم .
فإذاً: نقول الإيمان بالقدر يعني أن الله قدر كل شيء وهو قادر على كل شيء، لكن لماذا قدر الخير والشر؟ لماذا لم يقدر الخير كله ؟ هذا لحكمة بعضها ظاهر وبعضها غير ظاهر .
(9/16)
---(1/300)
أما الظاهر فيتبين بمثل قول الله - عزّ وجلّ – ? وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ?[لانبياء:35]. ابتلاءً، الابتلاء لماذا ؟ ? ليميز الله الخبيث من الطيب? ولذلك الله - عزّ وجلّ – قرر هذا باستنهاض الفطرة،باستنهاض العقل السليم في أسئلة ومقدمات عقلية مبسطة جداً تقرر عند الإنسان التمييز بين الحق والباطل وتقرر عند الإنسان الحكمة من الله - عزّ وجلّ – في التمييز بين الشر والخير وأن الله - عزّ وجلّ – أوجد هذا وهذا ليميز الخبيث من الطيب مثل قوله - عزّ وجلّ – ? أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ? [لقلم:35] وكقوله - عزّ وجلّ – ? أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ?[السجدة:18].
ثم إن الله - عزّ وجلّ – أعطى الإنسان بفطرته الفوارق بين الخير من حيث منشئه ومن حيث الوقوع فيه ومن حيث نتيجته وبين الشر من حيث منشئه والوقوع فيه ونتيجته هذه أمور قد يجيدها كل صاحب فطرة وهذه النزعة موجودة عند كل إنسان حتى اللذين مثلا لا يلتزمون الأديان نجد عندهم بقايا من ثوابت عقلية وفطرية يميزون فيها بين الخير وبين الشر، بين الرذيلة وبين الفضيلة ويدركون أن هناك حكمة فعلاً من وجود هذا وذاك فلو لم يوجد الشر لم يتميز الخير لو لم يوجد الباطل لم يتميز الحق والهدى وهكذا .
فإذاً: ذلك كله لحكمة الخير والقدر خيره وشره من الله - عزّ وجلّ – وسبق أن ذكرت معنى كون أن الله - عزّ وجلّ – مقدر كل شيء أنه ينبي على وجوب الإيمان بجميع مراتب القدر الأربع وبهذا تكتمل في المسلم القناعة التامة واليقين التام-إن شاء الله- في أن الله بيده مقادير كل شيء وذلك راجع للمراتب الأربع التي هي:
(9/17)
---(1/301)
1- أن تؤمن وأن تجزم بأن الله عليم بكل شيء فهو بكل شيء عليم، ما كان وما يكون وما سيكون كيف يكون عليم بالدقيق والجليل لا تخفى عليه خافية - سبحانه وتعالى – عليم ليس فقط بما في الصدور بل حتى عليم - سبحانه وتعالى – بذات الصدور وهو أعمق مما في الصدور فإذاً: لا يخفى عليه شيء ألا يعلم من خلق هو اللطيف الخبير، هذا بديهي .
2-ثم بعد ذلك أن الله كتب مقادير كل شيء الخير والشر .
3-ثم إن الله - عزّ وجلّ – شاء كل شيء وأراده كل شيء بمشيئة الله وإرادته.
4- ثم إن الله خالق كل شيء .
هذه المراتب الأربع ، إذا استشعرها المسلم وغرسها في قلبه يسلم من كثير من غوائل شبهات القدر وأيضاً وساوس الشيطان، ثم من أسياسيات القدر أن تعلم أنه - عزّ وجلّ – لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا يتعقبه أحد، لا أحد يقول لماذا؟ وكيف؟ نعم .
( ثامناً: الإرادة والأمر الواردان في الكتاب والسنة نوعان :
أ ) إرادة كونية قدرية بمعنى المشيئة وأمر كوني قدري .
ب ) إرادة شرعية لازمها المحبة وأمر شرعي وللمخلوق إرادة ومشيئة ولكنها تابعة لإرادة الخالق ومشيئته )
الإرادة والأمر يكون فيهما شيء من اللبس عند كثير من الناس يعني ما يريده الله وما يأمر به فأما الإرادة فهي في حق الله - عزّ وجلّ – على نوعين في شيء يتعلق بالإرادة الكونية الطبيعية أو الكونية القصرية التي لا مجال فيها لتدخل البشر أو قدرتهم، الإرادة العامة التي هي أن الله - عزّ وجلّ – أراد للأشياء أن تكون على ما قرر وقدر وهي السنن التي لا تتبدل .
الإراد الكونية العامة المتعلقة بربوبية الله - عزّ وجلّ – في وضعه لأسس الخلق خلق السماوات والأرض وخلق الناس وكل الخلق .
(9/18)
---(1/302)
فأنظمة الخلق خاضعة وسنن الخلق خاضعة للإرادة الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير إلا بما يشاؤه الله - عزّ وجلّ – وهذه تتعلق بالمشيئة أن الله - عزّ وجلّ – إذا شاء شيئاً كان وهذا يسمى أيضاً يعني تنفيذه من قبل الله يسمى أمراً كونياً وهذا معناه أن الله - عزّ وجلّ – إذا أراد شيئاً الإرادة الكونية قال له: كن فيكون وبعضه يكون بالأسباب، إن الله - عزّ وجلّ – يقول للأسباب كن فتكون فالأسباب تكون لها مسببات ولذلك من القواعد الضرورية أن نعتقد أن الأسباب ليست أزلية، لا يمكن الدور في الأسباب؛ الأسباب تنتهي نعم الله - عزّ وجلّ – أوجد كثيراً من الأمور بالأسباب، وأسباب بعضها بالأسباب .
مثلاً الله - عزّ وجلّ – جعل حياة الناس سببها الماء والماء سببه المطر والبحار والبخار والسحاب وهكذا لكن إلى نهاية وهي إرادة الله الكونية قدره ومشيئته الكونية العامة .
فالإرادة ترادف المشيئة الإرادة الكونية قصدي وهي سنن الله الكونية وخلقه وقدرته ومشيئته التي تتعلق بالخلق تكويناً وبالخلق ربوبية وتنظيماً أي تدبير الخلق، والسنن الكونية تدبيرية راجعة إلى إرادة الله الكونية بمعنى المشيئة والقدر الكوني .
النوع الثاني من الإرادة :الذي يعني المحبة ، ما يريده الله يحبه ويرضاه لعباده فهذه تتعلق بالأعمال المشروعة، فالله يريد بالعباد الخير يريد بهم اليسرولا يريد بهم العسر فهذه تسمى إرادة شرعية متعلقة بأفعال العباد، لا يلزم أن تكون إرادة الله الكونية لابد أن تتحقق، إذا أراد الله شيئاً كوناً لابد أن يتحقق لكن إذا أراد شرعاً فإنه علقه بأفعال البشر، فالله أراد من هذا الإنسان أن يصلى لكن هذا الإنسان غلبت إرادة الله -عز وجل- بإرادته إن - صلى فقد تحقق مراد الله الذي هو محبته ورضاه إن لم يصلى لم تحقق مراد الله منه ولا رضاه.
(9/19)
---(1/303)
إذن الإرادة الشرعية هي ما يحبه الله- تعالى- من الأعمال المشروعة وترك ما يبغضه الله -عز وجل- من الأعمال غير المشروعة، وهي –أيضاً- يدخل فيها الأمر الشرعي، الأمر الشرعي مراد لله، فالله حينما أمر بالصلاة وحينما أمر بالزكاة وحينما أمر بصلة الرحم وحينما أمر بحسن الخلق فيعني ذلك أن الله -عز وجل- أراده شرعاً ورضيه وأحبه لكن العباد قد يفعلون وقد لا يفعلون.
فمن هنا يتبين الإرادة الشرعية مرتبطة بأفعال العباد أما الإرادة الكونية فلا دخل لأفعال العباد فيها، ومن هنا الله -عز وجل- جعل للمخلوقين المكلفين إرادة ومشيئة لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته فلا يمكن أن يريد الناس ما لا يريده الله ولا يمكن أن يشاءوا إلا ما يشاءه الله وهذه مسألة تتعلق بالتكليف، بمعنى أن الله -عز وجل- كلف العباد وأراد منهم- شرعا- أن يفعلوا أشياء وأن ينتهوا عن أشياء ،هذه الإرادة جعل عندهم فيها قدرة على الفعل والترك ،هذه القدرة هي التي تتعلق بها محاسبة العباد، فإن فعلوا ما أراده الله شرعا فإن الله -عز وجل- يأجرهم بذلك،وإن لم يفعلوا فإن الله -عز وجل- يعاقبهم على عدم الفعل بشروط وضوابط.
(9/20)
---(1/304)
(ثالثا: هداية العباد وإضلالهم بيد الله فمنهم من هداه الله فضلاً ومنهم من حقت عليه الضلالة عدل) بمعنى أن الله -عز وجل- يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأن من هداه الله- عز وجل- فذلك بمنِّه وفضله وكرمه، ليس لأحد على الله دالة أو على الله فضل لا يمكن أن يقول: إن الله هداني بسبب أني فعلت كذا أو أني على الخصال الفلانية أو على المستوى الفلاني من الخُلُق لا يمكن إنما الهداية توفيق من الله وفضل لا يمكن أن يحصلها الإنسان بعمله ولا بمواهبه وكذلك الإضلال عادل من الله. لماذا هو عادل؟ لأن الله-عز وجل- ليس بظلام للعبيد، وهذا راجع إلى ما سبق أن قررته وأعيده لأهميته الآن، هو أن هداية الله لمن هداه من العباد –نسأل الله أن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين وأن يميتنا على ذلك- فإن من أراد الله له الهداية فإن ذلك راجع إلى علم الله أنه سيهتدي، ليس المسألة تحكم ولا قصر للعباد فالله -عز وجل- لم يجبر العباد جبراً بما جبل أهل الخير على الخير، الجِبلَِّة والفطرة، فنظراً لأن الله- عز وجل- لما أراد وقرر- سبحانه- وشاء امتحان العباد علم بأن هؤلاء المهتدين سيسلكون طريق الهداية فالله -عز وجل- حكم لنا بالهداية مسبقاً لعلم سابق أنهم سيفعلون ذلك، وحكم- سبحانه عز وجل- على من قدر له الضلالة لأنه علم بسابق علمه أن هؤلاء سيختارون طريق الضلالة، فذلك راجع لسابق علم الله، ولذلك فإن الله -عز وجل- ليس بظلام للعبيد جبلهم على الهدى وعلىالضلال وكلهم يسلك الطريق الذي يسر له بمعنى أنه بحسب ما اختاره لنفسه ولذلك الإنسان الذي يفقد عقله يفقد سبب التكليف بأي سبب من الأسباب المشروعة فإن الله- تعالى- لا يكلفه ولا يحاسبه، هذه مسألة.
(9/21)
---(1/305)
المسألة الأخرى فيما يتعلق بالهداية وأنها توفيق من الله -عز وجل- وأنها لا يمكن أن تكون بسبب من الإنسان مباشر، نعم إن الإنسان إذا عمل خيراً فإن الله بمقتضى وعده يعده بالخير لكن لا يعني ذلك أنه راجع إلى عمله بذاته. إنه راجع إلى توفيق الله.
وأضرب لكم على هذا مثالاً: الإنسان- أي إنسان- إذا هداه الله -عز وجل- ووفقه ثم عمل بمقتضى أمر الله -عز وجل- على أكمل وجه طول عمره فهل يكافيء عملُه هذا لنعمة واحدة من نعم الله عليه؟ لا يكافئه ومن هذه النعم مثلا التوفيق نفسه، كون الله -عز وجل- وفقك لتعبد الله -عز وجل- على أكمل وجه، هذا في حد ذاته نعمة أنت لا تكافئها.
فوالله لولا الله ما اهتدينا **** ولا تصدقنا ولا صلين
فإن الأمر من الله- سبحانه وتعالى- فنحن نتقلب بفضله وبنعمته وبفضله ورحمته- نسأل الله أن يرحمنا جميعا-.
(رابعا: العباد وأفعالهم من مخلوقات الله- تعالى- الذي لا خالق سواه فالله خالق لأفعال العباد وهم فاعلون لها على الحقيقة) نعم هذه المسائل- أحياناً- تشكل، العباد المكلفون الذين أعطاهم الله- عز وجل - القدرة على الفعل،هم مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله.والله- عز وجل- خلق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، لماذا يقال هذا، هذا بدهي أنا أعتقد: كل المستمعين يقولون: هذا بدهي. يعني يعرفونه بداهة، ندرك بالفطرة أن الله خالق كل شيء فلماذا نقول هذا؟
يقال هذا؛ لأنه ظهرت في الأمم السابقة مذاهب وديانات باطلة تزعم أن أفعال الإنسان من خلق الإنسان أو إن أفعال الإنسان ليست من تقدير الله ولا من خلقه.
فمن هذا نشأ هذا الأصل بناء على مقتضى الكتاب والسنة لتحصين أجيال الأمة وتحصين قلوب المسلمين من غوائل هذه البدع والأفكار الضالة التي تزعم أن الله لم يقدر الشر ولم يخلقه وأن من أفعال العباد ما لم يقدرها الله ولم يخلقها.
(9/22)
---(1/306)
فنقول الله خالق كل شيء ولا خالق سواه فالعباد مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله وأيضا ما يفعلونه هم بإرادتهم التي خلقها الله لهم هي أفعالهم على الحقيقة . لماذا؟ لأن الحد الذي بين القدر الاختياري والقدرالقسري حد معلوم، بمعنى أني أعلم أن هناك أفعالاً قسرية لا يد لي فيها هي من ربوبية الله- عز وجل - الله يرعاني فيها: حركة الدم والقلب والمشاعر والأحاسيس الحركة اللاإرادية هذه أدرك أنها أمر خارج عن إرادتي، لكن هناك أمور أعرف وتعرف أنت أيها العاقل المريد أنها من مقدوراتك هذه الأمور التي هي من مقدوراتك هي التي تحاسب عليها، أنت الآن إذا قدم لك طعام نافع ترى عليه أثر النفع وطعام ضار ترى عليه أثر الضرر أنت تدرك بنفسك أنك تميل إلى هذ النافع وأنت أيضا تنفر من هذا الضار ثم تتناول النافع لأنك تعلم أن هذا من مصلحتك وتترك الضار لأنك تعلم أن هذا من مفسدتك، مفسدة عليك وضرر عليه ومن لم يفعل ذلك نعتقد أنه أخطأ في حق نفسه، فكذلك أمور الدين وأمور إرادة الفعل، إرادة فعل الخيرات وترك المنهيات مبنية على أن الإنسان يدرك ويلاحظ أنه يفعل الخير حقيقة بمراده الذي أعطاه الله إياه، ويفعل الشر كذلك، أو يفعل المحذور بإرادة يجد فيها أنه غير مرغم فيها، فمن هنا- فعلاً- أفعال الناس هي أفعالهم على الحقيقة، لكنها محكومة بخلق الله وتدبيره، لا تخرج عن كونهم خلق الله، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق الخلق وخلق لهم القدرة والإرادة وخلق لهم التمييز بين هذا وذاك وأعطاهم القدرة التي تتعلق بمقدوراتهم فقط.
فمن هنا نعرف أن هناك حداً بين ما يقدر عليه العباد وبين ما لا يقدر عليه، وكل هذا من تقدير الله وما لا يقدرون عليه لا يحاسبون عليه وما يقدرون عليه هو من حق الحساب والسؤال.
(سادسا: الآجال مكتوبة والأرزاق مقسومة، والسعادة والشقاوة مكتوبتان على الناس قبل خلقهم).
(9/23)
---(1/307)
يعني بمعنى أن الإنسان- كل إنسان- عندما يبلغ مائة وعشرين يوماً كما جاء في الأحاديث الصحيحة، طبعاً الروح ورد فيها أنها تأتي على مراحل، أقول هذا لأن بعض الناس إذا قرأ بعض الأحاديث وجد هناك أحاديث تدل على وجود الروح قبل المائة وعشرين يوماً، والعلم الحديث يثبت نوعاً من الحياة قبل المائة وعشرين يوماً، لكن الحياة الحقيقية الروح الكاملة للإنسان عند بلوغ مائة وعشرين يوماً أثناء نفخ الروح يرسل الله -عز وجل- ملكاً ينفخ في كل إنسان روحه ويقدر آجاله الأربعة الرئيسة التي هي رزقه وعمله وأجله وشقاوته أو سعادته، هذه المقررات اللازمة الحتمية لكنها محجوبة؛ لأن أنت هل تدري ما سترزق غدا؟ لا تدري ولا أحد يدري، يقدر ويحتمل معا لأنه أحيانا يحول بينك وبين رزقك الموت نفسه فينقطع رزقك بالموت.
فإذن كل هذه الأمور الأربعة غيب خالص وهي من القدر لله -عز وجل- وهي آجال مكتوبة لكل إنسان، ثم إن الله -عز وجل- قرر السعادة والشقاوة مكتوبتان على الناس قبل خلقهم بالحق والعدل، وأيضا الله- عز وجل- لم يساو بين الخلق لأن المساواة غير مقتضى العدل، أقول هذا لأن بعض الناس يظن أن المساواة هي مقتضى العدل ولذلك بعضهم يرفع شعار المساواة، المساواة ليست عدلاً الله -عز وجل- لا يساوي بين العامل والتارك بين من يفعل الخير ومن يفعل الشر، ? أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)? [القلم:35]، ? أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ (18)?[السجدة:18]، حتى في الرزق هل يستوى من يبذل ويكدح ومن هو خامل ونائم هل يستوى من يستحق الأجر ومن لا يستحق.
(9/24)
---(1/308)
إذن مسألة المساواة هذه ليست واردة في الشرع إلا بين المتساويات، المساواة بين المتساويات نعم قدر شرعي وعدل لكن المساواة بين غير المتساويات سواء بين الذكر والأنثى أو بين العامل وغير العامل أو بين النشط والكسلان إلى آخره بين هذا وذلك إلى آخره المساواة ليست هي المطلوبة. المطلوب العدل وقدر الله قام على العدل.
(الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب والآلام ولا يجوز الاحتجاج به على المعايب والآثام بل تجب التوبة منها ويلام فاعله).
نعم هذه مسألة تخفى على كثير من الناس، يعني لا يجوز للمسلم إذا فعل منكراً أن يقول: والله قدره الله لماذا؟ لأنه فعل المنكر وقد نهاه الله عنه وأقدره الله على تركه.الإنسان إذا فعل منكراً إذا فعل فسقاًأو فجوراً فإنه لا يجوز أن يحتج بالقدر ويقول: قدر الله على، وفي أثر عن أحد الصحابة عندما جاءه السارق فقال: سرقت بقدر الله، قال: ونحن نقطع يدك بأمر الله، وليس هناك داع أن تحتج بالقدر، وإنما متى تحتج بالقدر؟ فيما لا طاقة لك به مثلاً: حدث حادث -لا قدر الله- رغم إرادتك لم تتسبب فيه فهنا تقول: قدر الله وما شاء فعل . أيضا الاحتجاج بالقدر في المصائب والآلام لأنها قسرية التي تحدث لك بدون أن تتسبب فيها، فيجوز أن تقول: قدر الله وما شاء فعل، لكن المعايب والآثام وسوء الأخلاق والإساءة إلى الخلق والإساءة في حق الله -عز وجل- وارتكاب المعاصي والآثام لا تقول: قدر الله عليَّ ؛ لأن الله- عز وجل- شرع لك شرعا تتجنب به الباطل وتعمل به بالحق، بهذا القدر نكتفي... نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
نبدأ بالإجابات ثم نعود إلى الأسئلة: سألتم فضيلتكم سؤالين فقلتم: ما تعريف الإيمان شرعا؟هذا السؤال الأول السؤال الآخر: هل يثبت الإسلام وحقوق المسلم لمن لم يقر بالشهادتين وما الدليل على ذلك؟ وردت ست وثلاثين إجابة، لعلي أعرض منها خمسة.
(9/25)
---(1/309)
الإجابة الأولى تقول: الإيمان شرعا هو التصديق باللسان بالإقرار وإقرار وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح والأركان وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
السؤال الثاني تقول: من لم يشهد الشهادتين ليس مسلما لا تثبت عليه صفة الإيمان قولاً ولا حكماً، والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم – (لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .
تقول: الإيمان المقصود به القطع واليقين في القضايا العقائدية ومن لم يقر بالشهادتين لا يثبت له حكم في الدنيا والآخرة.
قول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
السؤال الثاني: من لم يقر بالشهادتين فلا يثبت له الإسلام ولا حقوق المسلمين وذلك لأن الشهادتين هي الركن الأول من أركان الإسلام.
فيما عرضته كفاية وغنى لكن من بين الإجابات التي مرت هناك إجابة فيما يبدو لي فيها نقص فقط وهي التي حصرت الإيمان بالقضايا العقدية، يبدو أنها خانها التعبير، أو أنا مثلا على الوجه الأكمل كأنها حصرت الإيمان في القضايا العقدية فأرجو أن تتنبه لذلك.
السلام عليكم، أنا عندي تعقيب على موضوع القدر، أنا ألاحظ أن معتقد أهل السنة في القدر يلتقي في النهاية مع عقيدة الجبرية، فأنا لا ألاحظ اختلافاً كبيراً مع الجبرية، وأرى أن المهم في قضية القدر أن الإنسان لا يستطيع أن يحتج بالقدر على المعاصي لأنه ليس عنده علم مسبق بما قدره الله عليه هذا ما عندي في الموضوع .
هذه من المعادلة الصعبة وهوما فهم معنى الجبرية فأرجو أن يعود إن كان يهمه ذلك
وإلا فالأولى أنه يبتعد عن البحوث التي ليست من اهتمامه لأن هذه من المعضلات
الأسلم للمسلم ألا يتعرض لها إلا للضرورة فأرجو ألا يكون له ضرورة، ولذلك
أقول: لا يمكن أن يلتقي منهج أهل السنة والجماعة مع الجبرية لأن الجبرية يروين
الإنسان لا إرادة له وليس مجبولاً على القدرة على الخير ولا القدرة على الشر وأنه
(9/26)
---(1/310)
يسير بنظم أو بقوانين الكون العامة، فالجبرية لا يلتقون مع أهل السنة إلا في جوانب
جزئية مما ليس عليه خلاف أصلاً، أما ما عليه الخلاف بيننا وبين الجبرية فلا يلتقي
مذهب الجبرية ولا مذهب السنة، لأن مذهب السنة يعتمد على أن كل شيء بإرادة الله
لكن الله -عز وجل- وهب للإنسان إرادة خاصة جبله عليها ما جبره هي الجبلة مقتضى
الفطرة، جبل الله الإنسان على أن يميل إلى الخير ويفعله وأقدره عليه وينفر من الشر
ويفعله وأقدره عليه.
هذه الجبلة هي الفارق بيننا وبين الجبرية، الجبرية أيضا يرون أن الإنسان ما دام مجبوراً -بزعمهم- لا إرادة له ولا حرية له أن يفعل ويترك فلذلك يكون غير محاسب، فعلى هذا يرون الاستهانة بالشرع ما دام الإنسان مجبوراً.
طبعا هناك الجبرية الخفيفة لسنا نقصدهم هنا يعني هناك نوع من الجبر يسمى الكسب عند بعض الأشاعرة هذا أمره أيسر ليس هو المقصود بالجبرية عندما نتكلم عن الجبرية مطلقا.
السلام عليكم، عندي سؤالين: السؤال الأول: ذكرت يا شيخ أن الله- تعالى- لا راد لقضائه فهل هذا يتعارض مع حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم – (لا يرد القضاء إلا الدعاء؟).
السؤال الثاني: بالنسبة لتلاوة القرآن، قراءة وجهين أو أربعة أوجه في اليوم هل تكفي لعدم الدخول ضمن من هجروا القرآن الكريم؟
السلام عليكم، أسأل بالنسبة للذبح، الرجل يعزم كبار وجوه البلد أصحاب المكانة يعزمهم في البيت ويذبح لهم هل يجوز أم يكون الذبح لغير الله؟
السلام عليكم، لا أدري ما معنى كون الإنسان مخيراً أم مسير
السؤال الثاني: يقول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه. أرجو التعليق على ذلك
(9/27)
---(1/311)
عندي مداخلة على الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية قال الرسول - صلى الله عليه وسلم – (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة قال رجل: ألا نتكل يارسول الله قال: لا اعملوا فكلٌ ميسر ثم قرأ: ? فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى?[الليل: 5]، وفي رواية لمسلم( فكلٌ ميسر لما خلق له) فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم – بالعمل ونهى عن الاتكال على القدر.
والأمر الثاني أن الله تعالى أمر العبد ونهاه ولم يكلفه ما لا يستطيع وقال: ? فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ?[التغابن: 16]، وقال: ? لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ?[البقرة: 286]،
ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه وهذا باطل ولذلك إذا وقعت منه معصية بجهل أو نسيان أو إكراه فلا إثم عليه لأنه معذور.
الأمر الثالث: أن قدر الله سر مكتوم لا يعلم به إلا بعد وقوع المقدرور وإرادته لما يفعله سابقة على فعله فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم منه بقدر الله.
كلام جيد في الحقيقة وهذا مشجع لقواعد السلف.
لدي سؤالين: السؤال الأول: هو قول بعض الطوائف عندما يتكلمون عن القرآن يقولون: هو عبارة عن كلام الله -عز وجل-. ما المقصود بهذه العبارة؟
السؤال: الآخر: لما نقرأ في تراجم بعض العلماء أئمة السنة يقول في ترجمتهم: إنه أجاز الأصلين ما المقصود بالأصلين؟
الأول: أن القرآن عبارة يقصدون به أنه تعبير مثل ما نسميه نحن ترجمة عن كلام الله ليس كلام الله حقيقة كأنهم يقصد أن هناك من خلق الله من عبر عن كلام الله ولهذا هم يختلفون اختلافا كثيرا من هو الذي عبر عن كلام الله؟ هل هو الرسول - صلى الله عليه وسلم – هل هو جبريل؟ هذا معناها.
فإذن هم حادوا عن أن يثبتوا أن القرآن كلام الله على ما يليق بجلال الله حقيقة ولجؤوا إلى القول بأن القرآن إنما هو تعبير عما يريده الله -عز وجل- من مراداته الكلامية.
(9/28)
---(1/312)
تقول:هل قولنا القرآن كلام الله منه بدأ بمعنى ظهر وليس من الابتداء وهل كلام الله صفة ذاتية أو فعلية؟
بدأ يعني بمعنى تكلم به- سبحانه- أما البدوّ فليس مقصوداً وقد يكون من معاني بدأ هذا من المستلزمات نعم من مستلزمات لا من معاني المباشرة، منه بدأ يعني الله تكلم به ابتداء لا من معنى الظهور هذا ظاهر من النص ومفهوم من كلام السلف من شروحهم.
فيما يتعلق بالقرآن أن من مسه من غير طهارة لا يجوز فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك هل مس التفاسير كذلك ؟ و ورق المصحف من الخارج يعتبر كذلك؟
هذا سؤال فقهي حقيقة كنت أود ألا يرد في أسئلة العقيدة لسببين السبب الأول: أن هذا من الأمور الخلافية ينبغي ألا يكون عليه إشكال لأن الصحابة والتابعين مختلفون في هذا القول ولن أحسم أنا في مثل هذا المقام هذا الأمر وأنتم طلاب علم.
الأمر الثاني: أني أرى أن الاستدراج في مثل هذا الدرس إلى المسائل الفقهية والأحكام يضيع الإخوة الذين يريدون مناقشة موضوع الدرس مع احترامي لسؤاله لأنه سؤال وجيه ومهم لأنه يتعلق بالقرآن لكن مع ذلك أود ألا نقف أمامه كثيرا.
تقول: ذكرتم أن الله لا راد لقضائه، هل يتعارض مع قول - صلى الله عليه وسلم – لا يرد القضاء إلا الدعاء؟
نعم لا يتعارضان لا أحد من الخلق يستطيع أن يرد القضاء أما أن يحكم الله -عز وجل- أن يكون الدعاء سبباً لرد القضاء فهذا حكم الله وقضاؤه فأرجو أن يفهم جيداً لأن الإشكال- فعلا- يرد في نصوص كثيرة أيضا مثل هذا وأشكر السائل على مثل هذا السؤال لأنه ينطبق على كثير من الحالات في مثل هذا الأمر.
نعم الله- عز وجل - لا راد لقضائه فحينما يرد الدعاءُ القضاء فيعتبر هذا قضاء الله وقدره ومن هنا فليس من الخلق من يستطيع رد القضاء فيبقى النص محكماً.
تقول: إذا قرأت في اليوم وجهين أو أربع هل تخرج ممن هجر القرآن؟
(9/29)
---(1/313)
والله: ? لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ? أرجو أن هذا وإن كان حد قليل جدا لكن إذا واظبت في تقديري -والله أعلم- إذا واظبت على وجه أو وجهين يوميا ما تتلوه في الصلوات وما يرد من آيات الله في الأوراد هذا- إن شاء الله تعالى- حد أدني نرجو أن من يفعله لا يعتبر هاجرا للقرآن نرجو ذلك.
تسأل: إذا كان الرجل يستضيف كبار البلد ووجهاءها؟
واضح السؤال: لا هذا من سنن الهدى الذبح للضيوف سنة أبينا إبراهيم عليه السلام ونبينا - صلى الله عليه وسلم – وهو أكرم الخلق وكان يأكل الذبائح عند أصحابه وعند من يضيفوه وما فتئ سلف الأمة يعتبرون من الكرم الممدوح شرعا إذا ما وصلت لحد الإسراف، فإذن المقصود بالذبح الممنوع شرعا هو أن يجعله بغير اسم الله أو يتقرب به لغير الله من حيث التعبد لا من حيث الإكرام والتقديم للضيف، فالذبيحة التي تقدم للناس تذبح باسم الله تقربا إلى الله لأن إكرام الضيف مما يحبه الله ومما يأمر به (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) فأرجو ألا يلتبس الأمر، وأعود وأقول لأن هذه مسألة حساسة مهمة الممنوع في الذبح هو أن يذبح الذابح بغير اسم الله -لا قدر الله- أو أن يعتقد أن هذا الذبح تقرباً لغير الله سواء أكله هو أو غيره، والمشروع هو ذبح الضيافة باسم الله تكريما للضيف هذا مشروع بل هو من الأمور المأمور بها.
له سؤالان: الأول يقول: ما معنى كون الإنسان مسيراً مخيراً؟
(9/30)
---(1/314)
هذه مسألة فلسفة الإنسان لا يقال: مسير مطلقا ولا مخير مطلقا بل هو مجبول ومحكوم بقضاء الله وقدره، فقول: مسير كأنه مجبور على الأفعال دون إرادته، وكونه مخيراً كأن عنده إرادة مطلقة لا تتعلق بإرادة الله وخلقه كأن الله لا شأن له بفعل العبد وهذا كله خطأ، فالإنسان مسير من وجه وهي الأمور الغير إرادية هو مسير فيها: كيف يرزق؟ ومتى يموت؟ وحركته اللاإرادية؟ حركة قلبه وحركة دمه هذه مسير فيها ، أقداره الأربعة التي ذكرناها التي تكتب عند بدئ حياته هذه مسير فيها بمعنى أن الله -عز وجل- قدر عليه أمورا الله- عز وجل- أراحه منها، فالتسيير لا يعني الإهانة للإنسان بل يعني حفظ الله للإنسان ، بأن سير أموره اللاإرادية تحت نظم كونية، الله- عز وجل- يحفظه بها ومخير من وجه آخر في أنه مخير في أن يفعل أو يترك، لكن هذا التخيير ليس مطلقا، هذا التخيير مربوط بخلق الله وإرادته فإذاً: أعود وأقول: الإنسان مخير من وجه ومسير من وجه آخر، ولا يقال: مسير فقط ولا مخير فقط إذاً: هو مجبول ومفطور.
يسأل أيضا عن الدعاء: اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه
هذا الدعاء فيه نظر لأنه لا يجوز الاستثناء في الدعاء كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – ولماذا لا يسأل الله رد القضاء؟ وقد وعد الله- عز وجل- برد القضاء كما جاء في الحديث الذي ذكرته السائلة والحديث صحيح أنه ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: في مستدرك الحاكم وغيره (أن الدعاء والقضاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان وفي رواية فيصطرعان فيغلب الدعاء القضاء).
إذن ما فيه داعي أن نقول: لا أسألك رد القضاء، ينبغي أن الدعاء ينسجم مع أصول الشرع.ومن يقول: أمره بين الكاف والنون
لا حرج في شيء من أمر الله بين الكاف والنون إذا أراد الله شيئا قال: له كن فيكون، وأظن فيما يظهر لي لا حرج في ذلك.
(9/31)
---(1/315)
عندي الآن سؤالان عن الكتب السماوية: يقول: هل الكتب السماوية غير القرآن هل هي كلام الله على الحقيقة؟ وآخر يقول: لماذا لم يتكفل الله تعالى بحفظ الكتب السماوية السابقة؟
نعم الله- تعالى- أنزل التوراة بالألواح على موسى -عليه السلام- لكن هل هي كالقرآن تماما؟ في الحقيقة إنه ليس عندنا دليل أنه كالقرآن تماما، نعرف أن الله -عز وجل- كلم موسى تكلميما وأن التوراة والإنجيل هي من كلام الله -عز وجل- في الجملة لكن هل يحكمه التفصيل الذي في القرآن؟ الحقيقة نتوقف في هذا والمسألة مسألة خلاف ونحن في غنى عن هذا، أما لماذا حرفت؟ فهذا من الابتلاء الذي يكون على الأمم ولأن الديانة الأخيرة ديانة النبي - صلى الله عليه وسلم – نظرا لأنها الباقية إلى قيام الساعة فتكفل الله بحفظ مصادرها لأنها لو حرفت لانقطعت حجة الله على الخلق وانقطع سبب الوصول إلى الله -عز وجل- بما يرضيه فمن هنا تكفل الله - تعالى -بحفظ القرآن في صدور هذه الأمة لأنه انتهى الوحي وانقطع ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين ولأن الله تكفل بهذا الحفظ، أما الديانات الأخرى فقد حرفت في كتبها بسبب تفريطهم ولأن الله -عز وجل- لم يتكفل لهم بذلك وهو من الابتلاء الذي كتبه الله على الأمم وميز الله هذه الأمة بهذه الميزة حفظ كتابها.
هل تقبيل القرآن يعتبر من الأعمال المشروعة؟ وهل ورد أن الأحداث والوقائع المعاصرة والاكتشافات أنها تفسير من القرآن؟
تقبيل القرآن إن كان لمقتضى فنعم ؛ لأنه من إكرامه، لأن الإنسان كما يقبل أي شيء غالٍ عليه، التقبيل المشروع، يقبل ابنه، يقبل أخاه، يقبل مسافراً، فكذلك تقبيل القرآن عند المقتضى يعني بمعنى لا يتخذ هذا تعبدا ويتخذه سنة يفعلها دائماً بحيث يظن أنه لو لم يقبل ترك سنة، لكن مثلا إذا -لا قدر الله- القرآن تعرض لإهانة أو سقط من يدك أو نحو ذلك فأرى- والله أعلم - لا حرج من تقبيله، لإشعار تعظيم القرآن فهو كلام الله.(1/316)
(9/32)
---
الشق الثاني من السؤال: ربط الأحداث والوقائع المعاصرة بتفسير القرآن
نعم هذه إذا أردت الأحداث ببعض الذي يسمى بالإعجاز العلمي أو غير ذلك يعني في حدود ضوابط تفسير القرآن لا حرج فيه لكن المبالغة فيه فيما يخرج عن حدود تفسير القرآن أنا أظن أن هذا يكون فيه نوع من العدوان ونوع من إيقاع الأمة في حرج وأيضا تحميل القرآن ما لا يتحمل، لا بد من الضوابط الشرعية ما يستقيم مع تفسير القرآن وقواعد التفسير من إظهار الإعجاز العلمي في القرآن أو إظهار الآيات والشواهد في القرآن على حوادث الزمان هذا بالقدرالضروري الشرعي السائر على نهج الاستدلال هذا جائز، لكن أرى أن كثيراً من المختصين في هذه الأمور بالغوا إلى حد أن حملوا القرآن أموراً لا تزال ظنية لم تكن على وجه القطع فهذا فيه خطأ وربما يحملوا القرآن أشياء ليست منه والله أعلم
(9/33)
---
العقيدة - المستوى الأول
أ.د/ ناصر العقل
21/3/2005 - 11 صفر 1426
خصائص أهل السنة والجماعة
Error! Not a valid embedded object.
الحمد لله حمدا كثراً طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن بين محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فبعون الله وتوفيقه، نستأنف الدرس الختامي لهذه الحلقة، وابتداء أعتذر للإخوة المشاهدين في أننا سنضطر في هذا اليوم أن نختصر، وأننا سنؤجل لهم الأسئلة ، لأن موضوع اليوم طويل، ونرجوا أن ننهيه بنهاية هذه الحلقة المباركة، ولذا سأقتصر في توجيه سؤالين للطلبة الحاضرين:
السؤال الأول: القرآن الكريم كلام الله عز وجل ، وهو دستور هذه الأمة ومنهاجها، له منهاج شرعي في تفسيره، وتطبيقه من قِبل المسلمين، ما هو هذا المنهج الشرعي في تفسير القرآن والعمل بمقتضاه؟(1/317)
السؤال الثاني : فيما يتعلق بالقدر، فالإيمان بالقدر يتضمن مراتب، كم هي؟ وما هي؟
والآن بعون الله وتوفيقه نبدأ الدرس بقراءة القسم الأول من سابعاً وهو الجماعة والإمام.
(سابعاً :
الجماعة والإمامة :
1) الجماعة : في هذا الباب هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية .
وكل من التزم بمنهجهم فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات .
2) لا يجوز التفرق في الدين : ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب رد ما اختلف به المسلمون إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح .
3) من خرج عن الجماعة وجب نصحه، ودعوته، ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحق شرعاً .
(10/1)
---
4) إنما يجب حمل الناس على الجمل الثابتة بالكتاب والسنة، والإجماع، ولا يجوز امتحان عامة المسلمين بالأمور الدقيقة، والمعاني العميقة .
5) الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد والمعتقد، حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل حمل كلامهم على المحمل الحسن، ومن ظهر عناده وسوء قصده فلا يجوز تكلف التأويلات له.
6) فرق أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد، إلا من كان منهم كافراً في الباطن، أو كان خلافه في أصول العقيدة التي أجمع عليها السلف .
والفرق الخارجة عن الإسلام كفار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين.
7) الجمعة والجماعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، والصلاة خلف مستور الحال من المسلمين صحيحة، وتركها بدعوى جهالة حالة بدعة .
8) لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة، أو الفجور من المسلمين مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت، ويأثم فاعلها إلا إذا قصد دفع مفسدة أعظم، فإن لم يوجد إلا مثله أو شر منه جازت خلفه، ولا يجوز تركها .
ومن حُكم بكفره فلا تصح الصلاة خلفه .(1/318)
9) الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو ببيعة ذوي الحل والعقد منهم، ومن تغلب حتى اجتمعت عليه الكلمة وجبت طاعته بالمعروف، ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر بواح فيه من الله برهان .)
هذه الأصول، من ضمن منهج السنة والجماعة الذي رسمه الإسلام، من خلال نصوص القرآن، ومن خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، ومن خلال سنة الخلفاء الراشدين، ونهج السلف الصالح.
أعني بذلك أن هذه الأحكام، تعتبر من أصول الدين ومسلماته، وهي مناهج الدين التطبيقية العملية، فيما يتعلق بالأحكام العامة والمصالح العظمى والمصالح الكبرى، ذلك أن أمور العقيدة على نوعين:
- أمور علمية اعتقداية، كأصول الإيمان الستة.
(10/2)
---
- وأمور عملية، تتعلق بالعبادات والشعائر ، كأركان الإسلام الخمسة، وأمور عملية تتعلق بمناهج الدين وتطبيقاته كما يتعلق بالجماعة وصورها، بالتعامل بين المسلمين، وتعامل المسلمين مع المخالفين منهم، وتعامل المسلمين مع غيرهم من الكفار، فهذا يدخل فيه أمران:
الأمر الأول: الجماعة والإمامة وأحكامها.
الأمر الثاني: فيما يتعلق بخصائص أهل السنة والجماعة وسماتهم، وهي المحك العملي في تعاملهم مع بعضهم ومع الآخرين.
وقد سمعتم جملة من الأصول المتعلقة بالجماعة والإمامة، إلى الأصل التاسع، ونتناولها بإيجاز لعلنا نختم جميع فقرات الكتاب بإذن الله تعالى.
أولا: الجماعة.
الجماعة إذا ورد ذكرها في الشرع، وفي القرآن والسنة، وإذا ورد ذكرها في منهج السلف، فلها عدة إطلاقات، ويهمنا هنا الإطلاق العام الكبير، الجماعة التي هي من مسلمات الدين ومن ثوابت الدين وأصوله وقواطعه، المقصود بها هي الجماعة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم وذكر خصائصها ، وتتميز بسمات رسمها الكتاب والسنة، ونهج السلف الصالح، وسنشير إلى هذه السمات في نهاية الدرس.(1/319)
إذا المقصود بالجماعة هي جماعة المسلمين المستمسكة بالحق، والمستمسكة بالسنة، وسبق في الدرس الأول ذكر الجماعة بمفهومها الشرعي، وأعيد ذلك بإيجاز.
هو أن الجماعة المقصود بها هنا، جماعة المسلمين التي بقيت على الحق واستمسكت بالسنة، وهي من الناحية التاريخية مرت بصور، الصورة الأولى: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين قبل ظهور الافتراق، كان المسلمون كلهم على الجماعة، وكانت تتوافر فيهم صفات الجماعة المسلمة من جميع الخصائص والسمات وإن وجد عندها بعض الأفراد الشواذ، فإن الشواذ وتصرفات الأفراد أو الفئات القليلة؛ لا تخرق قاعدة أن الجماعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا على الإسلام والسنة ولم يظهر افتراق.
(10/3)
---
في أخر عهد الخلفاء الراشدين ظهر الافتراق ثم أيضا في القرن الأول تناما الافتراق حتى آخر القرن الأول فكثرت الفرق وكثر أتباعها، فمن هنا رجع السلف إلى تمييز الجماعة بالوصف الذي وصفها به النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما نظروا إلى ما عليه المسلمون من الفرقة والاختلاف وجدوا أن أهل السنة والجماعة هم الذي بقوا على هذا الاتجاه أو على هذا المنهج، وسموا أهل السنة والجماعة بناء على وصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم كما قلت بالجماعة في نصوص كثيرة، تصل إلى حد التواتر المعنوي، "عليكم بالجماعة"، إياكم والفرقة"، "إن يد الله مع الجماعة"، " إن يد الله على الجماعة" ، نصوص كثيرة توصي بالجماعة وتجعلها هي الموئل للمسلم عندما يكثر الافتراق وتكثر الأهواء.
فإذا المعنية بالجماعة من حيث تطبيقاتها، هم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون لهم بإحسان ، الذين أحسنوا التبعية، أحسنوا الإتباع من غير تقليد، غنما إتباع باهتداء واقتداء كما سيأتي.(1/320)
وهم المستمسكون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح إلى يوم القيامة، ولذلك سموا بالفرقة الناجية ، وهذه التسمية لم تكن أيضا من صنع الناس، إنما هي مأخوذة من وصف النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في فقرة تالية.
وعلى هذا، فكل من التزم منهج السنة ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين؛ فهو من الجماعة، في العقيدة والمواقف والمصالح العظمى، أعني أن من توافرت فيه صفات نهج السلف الصالح في العقيدة، والمواقف تجاه الأمور كلها، والمصالح العظمى للأمة ، من التزم هذا النهج؛ فهو من الجماعة.
" وإن أخطأ في بعض الجزئيات "
(10/4)
---
فعلى هذا من وقع منه خطأ من علماء المسلمين أو من عامتهم ، فإن كان الخطأ يتعلق بأمر جزئي اجتهادي، فلا يضره ذلك ولا يخرجه من الجماعة، كذلك إن كان خطأ عن تأول أو عن جهل؛ فإن الإنسان لا يخرج من الجماعة حتى تقام عليه الحجة.
وعلى هذا فإن المسلم، عالما كان أو غير عالم، لا يخرج من مفهوم هذه الجماعة الشرعية إلى قيام الساعة، إذا التزم نهج المسلمين في العقيدة والمواقف والمصالح، ولا يخرج من الجماعة إلا بأحد أمرين أو بالأمرين معا:
الأمر الأول: إذا خالف في أصل من الأصول القطعية، أو ثابت من ثوابت الدين العلمية والعملية، أو أكثر، خرج من الجماعة وإن لم يخرج من الإسلام كما سيأتي أنه لا يجب أن يكون خرج من الملة ، ولكنه خرج من السنة والجماعة.
الأمر الثاني: إذا تكاثرت البدع عند شخص، بمعنى أن تكون هي سمته وهديه، بحيث يكون في شكله الظاهر ومعاملاته وعباداته وشعائره على غير نهج أهل السنة والجماعة ، ليس في أمر أو أمرين أو ثلاثة، لن في سائر سمته، في سائر هديه، على منهج أهل البدع فهو بذلك يخرج من مفهوم الجماعة.
(10/5)
---(1/321)
المسالة الثانية، ينبني على هذا أنه ما دام الله عز وجل أمر بالجماعة ، وأوصى بها رسوله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا، وبموجب النصوص أيضا لا يجوز التفرق في الدين، والتفرق في الدين غير الاختلاف في الاجتهاديات، التفرق في الدين هو التنازع الذي نهى الله عنه، قال الله عز وجل ? وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? (الأنفال: من الآية46) فالتفرق في الدين هو التنازع الذي يرجع إلى الافتراق في الأصول القطعية والمسلمات والمناهج العامة والمصالح العظمى، فهذا لا يجوز، ولا الفتنة بين المسلمين حتى لو لم يكن عن تفرق ، يعنى إذا الإنسان أصر على رأي من الآراء ، وليكن اجتهادي، لكن أراد أن يفرضه بالقوة أو غلا به إلى حد يخرج به عن الجماعة وعن الإمام والسلطان، فإنه بذلك يكون وقع في الفرقة ، ولو كان سليم العقيدة، وبذلك .... قد يكون بعض الناس من الناحية النظرية معتقده سليم، لكنه يخرج بأمر يقتضي شق عصى الطاعة، وشق الجماعة والخروج عن تبعية العلماء، والخروج عن تبعية أهل الحل والعقد، فمن هنا يكون وقع في الفتنة بين المسلمين التي هي نوع من الفرقة، ومن هنا –هذا وذاك- يجب رده إلى الحق بإقامة الحجة عليه، وما اختلف فيه المسلمون في هذه الأمور سواء من اجتهاديات أو من غير الاجتهاديات، ما اختلفوا فيه يجب رده إلى كتاب الله وإلى سنة رسول صلى الله عليه وسلم من خلال الرجوع إلى العلماء الذين يستنبطون، وإلا فكل سيدعي انه يأخذ من الكتاب والسنة، لكن ضوابط الاجتهاد في الكتاب والسنة ذكرناها فيما قبل، فيرجع في ذلك فيما اختلف فيه المسلمون، إلى الكتاب والسنة من خلال العلماء وما كان عليه السلف الصالح –من المنهج- فهذا هو المحتكم.
(10/6)
---(1/322)
ثم من خرج عن جماعة المسلمين المعنية شرعا، باعتقاد أو موقف أو منهج أو خرج في مصلحة عظمى بأن ارتكب مفاسد كبرى، وجب نصحه من ولي الأمر، ونصحه من العلماء ونصحه من عامة المسلمين، كلٌ بما يستطيع، من له ولاية عليه ومن ليس له ولاية، يجب نصحه ودعوته إلى الحق وإلى الجماعة ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، بمعنى : تبين له الحجة ، ويستنفذ معه الواجب شرعا من حيث النصح والحجة فإن تاب ورجع إلى الحق وترك الفرقة والفتنة بين المسلمين ، وإلا عوقب بما يستحق شرعا، وهذا له قواعده المعروفة عند الفقهاء، والعلماء .
رابعا: فيما يتعلق بتوجيه المسلمين، وفي تعليمهم أمور دينهم، سواء في العقيدة أو الأحكام القطعية أو عباداتهم أو غيرها، يجب حمل الناس في ذلك على المحامل العامة ، والجمل الثابتة في الكتاب والسنة يعنى يجب أن لا نمتحن عموم المسلمين في دقائق الأمور، بل حتى بعض العلماء الذين ليس من اختصاصهم بعض المسائل العقدية المتعمقة ؛ يجب أن لا نمتحنهم فيها، ولا نثير فيهم هذه القضايا؛ لأنها تؤدي أحيانا إلى الفرقة وإلى إيقاع في الإثم.
المسلمون عموما بحسب مستوياتهم ، يجب أن نعلمهم مجملات الدين، ثم تفاصيل الدين بحسب حاجتهم في الأحكام أو في العقيدة، وأيضا بحسب قدراتهم، فبعض الناس يستطيع أن يترسخ في العلم؛ فهذا يطالب بها، لكن فيما نطالب به المسلم ، نطالبه بالأركان العامة ، أركان الإسلام أركان الإيمان، فرائض الدين، أصول الأخلاق، أصول التعامل فيما بينه وبين ربه عز وجل، والتعامل فيما بينه وبين من حوله من المسلمين، التعامل فيما بينه وبين الكفار، نعلم المسلم كيف يتعامل بالمنهج الشرعي السليم الذي يقوم على الاعتدال والعدل، لكن لا نمتحن الناس في دقائق الأمور التي لا يدركونها.
(10/7)
---(1/323)
فمثلا، ما ينبغي أن نفاجئ المسلم بسؤال عن عالم أخطأ، كأن نقول –مثلا- ما رأيك في فلان الناس؟ أو عن مفكر، كما يحدث في امتحان الناس في بعض المفكرين ، لأن هذا من الفتنة، فأغلب الناس خالي الذهن ، لا يدري كيف يزن الناس، بل لا يكلف شرعا أصلا في أن يتتبع زلات الخلق ثم يعطي كل واحد حكم، هذا ليس من اختصاص عامة المسلمين، ولا من كثير من طلاب العلم.
وكذلك دقائق العقيدة، يعني مثلا مسالة رؤية الله عز وجل، ثبت أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة يوما لقيامة –نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم- هذه مسألة من المسائل التي قد تخفى على كثير من عامة المسلمين، فيجب أن يعلموا لكن لا يمتحنوا بها، لأنه قد تفاجئ بأنه ينكر؛ لأنه ما عرف، فيقع في الكفر بسببك، كذلك سؤال ( أين الله؟ )، والنبي صلى الله عليه وسلم سأل هذا السؤال، لكن لا يُسأل دائما لكل مسلم غافل، إلا عند موجبه كما حدث من النبي صلى الله عليه وسلم ، النبي صلى الله عليه وسلم ما سأل مثل هذا السؤال (أين الله؟) إلا أن يُوجب، وسؤال واحد حدث، إذا هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمتحن الناس في مجالسهم وفي المساجد والمشاهد العامة، لم يكن يمتحن الناس كما حدث من بعض المفتونين في بعض الفترات، فهذا فيه فتنة، لأن الناس قد لا يدركون الجواب الصحيح في هذا الأمر حتى يُعَلَموا.
(10/8)
---(1/324)
ثم : الأصل في جميع المسلمين أن نحمله على حسن الظن ، نحمله على سلامة المقصد، على سلامة الاعتقاد، فهذه الذي يجب أن نحمل عليه عامة المسلمين، لأن الأصل أنهم على الفطرة، مادام لم يتبين لنا من أحد منهم إصرار على بدعة، أو إصرار على ضلالة، أو ترك فرائض الدين؛ فالأصل فيه السلامة، ولا تفتش عنه بغير موجب، -مثلا- كأن تجالسه، أو تتلقى عنه العلم، أو تريد أن تزوجه، وإلا فلا تفتش بغير موجب، ، الأصل في جميع المسلمين ؛ السلامة والفطرة والمحمل الحسن وحسن الظن، إلا إذا ظهر من أحد منهم، أو فئة، أو الجماعة أو فرقة ؛ خلاف ذلك، فمن هنا تزن الأمور بميزان الشرع بالرجوع إلى أهل الاختصاص أيضا، لأن هذه مزلات، وتوقع في الإثم والغيبة، بل ربما توقع في الحالقة وهي الفرقة في الدين، والكلام في أعراض الخلق.
فالأصل حمل كلام المسلمين وما يصدر عنهم من أفعال على المحمل الحسن، إلا من ظهر منه بدعة وأصر عليها، أو ظهر عناده وسوء قصده، فلا يجوز أن نتكلف له التأويلات، بمعنى أن القاعدة تنعكس فيمن ظهر منه خلاف ما ذكرته، فالأمور بظواهرها.
(10/9)
---(1/325)
ثم : المقصود بفرق أهل القبلة جميعا، هم الذين افترقوا عن السنة والجماعة، وليس الذين خرجوا عن الدين، وهذه أيضا من المسائل التي يخلط فيها كثير من الناس، بل وبعض المنتسبين إلى العلم الشرعي وهو أنهم يتوهمون أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الافتراق، وأحوال المفترقين وأوصافهم ووعيدهم؛ أنه يعني أنهم خرجوا من الإسلام، لا بالعكس، اتفق السلف على أن المقصود بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الافتراق ووعيد أهل الافتراق وذكر الفرق في الأمة، وأنها ثلاثة وسبعين فرقها كلها هالكة إلا واحدة، وكلها في النار إلا واحدة، إنه لا يقصد بذلك أنهم خارجين من الملة، ولا أنهم أيضا من أهل الخلود في النار، إن هذا من باب الوعيد، كما توعد الله السارق والزاني وآكل الربا بالنار، فكذلك هؤلاء تُوعدوا بالنار من باب الوعيد، ومصيرهم الجنة حتما بموجب قواطع النصوص، إذا فرق أهل القبلة -يعني الذي خرجوا عن السنة- مسلمون، لكنهم وقعوا في البدعة وخالفوا السنة، فهم متوعدون بنصوص الوعيد ، بالهلاك والنار، وحكمهم حكم أهل الوعيد وأهل الكبائر، إلا من كان منهم كافرا في الباطن، وهذا أمر لا يعلمه إلا الله عز وجل، فلا نتناقش فيه، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه يعرف باطن هذا أو ذاك، فالباطن لا يعلمه إلا الله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلعه الله على بعض المنافقين، أسر ذلك لئلا يفتن المسلمين، أو يقع المسلمين في فتنة، فيحاولوا الاطلاع على المنافقين، وبقي السر ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم إلا لواحد من الصحابة، وهم منافقون خُلَّص، إذا من كان منهم كافر في الباطن؛ فهذا نستثنيه لكن ل نستطع أن نعينه بعينه.
أو كان خلافه في الدين
(10/10)
---(1/326)
أي من خالف من الفرق والأفراد في أمر يتعلق بأمر ردة تخرجه من مقتضى هذا الدين، وفي أصل من أصول العقيدة اتفق عليها سلف هذه الأمة، يعني وقع في الردة كالباطنية والذين أشركوا من المنتسبين للأمة، فهؤلاء ليسوا من فرق أهل القبلة، ولذلك لما عد بعض السلف -كابن المبارك ويوسف بن أصباغ-، فرق المسلمين في وقتهم عدوا الثنتين والسبعين التي يرون أنها متوعده بالهلاك، قيل لهم: والجهمية؟ فقالوا: إن الجهمية –يقصدون غلاة الجهمية الذين أنكروا قواطع الدين- ليست من فرق المسلمين.
ثم بعد ذلك لما ظهرت الباطنية، أجمع سلف الأمة على أنه ليست من فرق المسلمين وإن ادعت الإسلام، أما بقية الفرق سواء أن كانت فرق قدرية غير غالية، أو فرق الشيعة غير الغالية، أو فرق المرجئة غير الغالية، أو فرق المتكلمين الجهمية التي لم تغلوا، أو فرق المعتزلة التي لم تقع في الغلو، أو فرق المتكلمين، التي لم تقع في الغلو، مادام هذا الغلو لم يخرج من الملة؛ فكلهم من فرق المسلمين، ويعامل أهلها معاملة المسلمين في كثير من الأمور، قد يكون لهم نوع من المعاملة لكشف شرهم وبيان خطرهم على عقائد الأمة، لكن هذه الأمور يقررها علماء الأمة في الوقت نفسه، بحسب ظروف المكان والزمان والأحوال.
قواعد التعامل مع أهل البدع ليست ثابته، إنما هي قواعد متغيره بحسب أحوال الأمة، وبحسب المصالح ودرء المفاسد.
ثم: الفرق الخالية عن الإسلام حكمهم حكم المرتدين
بمعنى أنهم لا يعاملون معاملة المسلمين.
سابعا: الجماعة والجمعة ،
(10/11)
---(1/327)
ويدخل فيها أيضا شعائر الإسلام الظاهرة كصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، صلاة الجنائز، الآذان، هذه كلها من أعظم شعائر الإسلام، وهي علامات الإسلام الظاهرة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم على أهل البلاد إذا ما لم رفعوا شعيرة الآذان، يحكم عليهم بأنهم غير مسلمين، لأن الشعيرة الظاهرة التي تُعلن بصوت مرتفع، في كل بلد مسلم هي الآذان، فإذا لم يُرفع الآذان فمعنى هذا أن البلد ليس له حكم دار الإسلام وإن وجد فيه مسلمون، البلد لا يكون له حكم دار الإسلام، لأنه لا تظهر فيه شعائر الإسلام، فإذا ما لم يُُظهر الآذان؛ فمن الطبيعي أن لا تُظهر الصلاة، ولا الجمعة ولا الجماعات، إذن الجمعة والجماعات وهذه الأمور من أعظم شعائر دين الإسلام الظاهرة.
ويدخل في ذلك الصلاة خلف مستور الحال
أي المسلم الذي لا تعلم عنه شيئا، فالصلاة خلفه مشروعة ومعنى ذلك أن لا توقع نفسك وتوقع المسلمين في الوسواس، فتقول –مثلا- (أن لا أصلي وراء هذا المسلم حتى أتثبت من حاله)، فهذا لا يجوز، لأن الأصل في المسلمين -كما قلنا في الفقرة السابقة- السلامة، وكذلك أئمة المسلمين الذين يصلون الأولى ، بل يجب على كل مسلم أن يصلى خلف من لا يعرف حاله، ولا يجوز تركها بدعوى أنه مجهول، أو بدعوى وجود قرائن غير ثابتة على أنه لا تجوز الصلاة خلفه، بل إن هذا من البدع، يعني التوقف في الصلاة خلف أئمة المسلمين بغير بينة؛ هذا من البدع والوسواس الذي لا يجوز.
(10/12)
---(1/328)
وعلى هذا كذلك؛ لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة؛ لكنها تصح، أكثر الناس لا يفرق بين لا تجوز ولا تصح، لا تجوز مثل الراجح في الصلاة على الأرض المغصوبة، يقال لا تجوز الصلاة في الأرض المغصوبة، لكن لا يعني أنها لا تصح، هي تصح على الراجح، فكذلك الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور من المسلمين، لا تجوز ، إلا إذا لم تمكن مع غيره، بمعنى إنه إذا كان أمامك أو في متناولك إمام صاحب بدعة ، وإمام آخر ليس بصاحب بدعة، ولا يترتب على ترك المبتدع فتنة ولا مفسدة، فيجب عليك أن تصلى خلف الأسلم، لكن لا يعني ذلك أنك لو صليت خلف المبتدع لا تصح صلاتك، إنها تصح ما دام هو مسلم وإن كان مبتدع، أو صاحب هوى أو فرقة، كما هو معروف.
إذا لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور من المسلمين مع إمكانها خلف غيره، أما إذا لم تمكن فإنها لا بأس بها وإن وقعت صحت، ويأثم فاعلها إلا إذا قصد دفع مفسدة أعظم، مثال ذلك، إذا كان الإمام المبتدع سلطان المسلمين، فتصلي خلفه، ولذلك كان الإمام أحمد أيتم المحنة ، والمأمون ليس فقط مبتدع بل كان داعية لبدعة ، وكان يفرض البدعة بقوة السلطان، ومع ذلك كان الإمام أحمد يصلي خلفه، لأن ترك الصلاة خلفه تؤدي لمفسدة أعظم، لأن العاطفيين والغوغائية وحدثاء الأسنان لو لم يصلي الإمام أحمد خلف المأمون؛ كفروا المأمون، وخرجوا عليه، فهذا فقه يجب أن يعلمه الناس ويفقهه طلاب العلم خاصة، فإن لم يوجد إلا مثله أو شر منه، جازت خلفه ولا يجوز ترك الجماعة بمعاذير أن في الأئمة أخطاء أو بدع أو فسق أو نحو ذلك .
ومن حكم بكفره كفر ردة؛ لم تصح الصلاة خلفه
لكن من الذي يحكم بأن فلان من الناس كفر كفرا يوقعه في الردة؟ الإمام، وإلا فلا، وإلا إذا فتحنا الباب لكل إنسان حتى وإن كان طالب علم؛ وقعت فتنة، فالناس تختلف اجتهاداتهم لأن الأمر عظيم.
تاسعا : الإمامة الكبرى،
(10/13)
---(1/329)
يعني إمامة المسلمين، السلطان، الملك، الخلافة، أياً كان اسمها، الرئاسة، التي هي حكم البلاد، سواء كان بلاد المسلمين بعمومها، أو جزء يتجزأ من بلاد المسلمين، وبعض الناس يجهل، يقول ( جزء يتجزأ من بلاد المسلمين أمر حادث) لا؛ فبلاد المسلمين تجزأت حتى في عهد الخلفاء الراشدين، وكانت السلطة هنا وهنا كلها شرعية، كان هناك أناس يتبعون بيعة الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وفئة من المسلمين لا يزالون تحت إمامة وبيعة معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- وكلٌ له أحكامه.
إذا الإمامة الكبرى بحسب وضع البلد، والإمامة الكبرى تثبت بعدة أمور.
الأمر الأول: إجماع الأمة بالشورى
يعني إذا أجمع المسلمون -ويمثلهم أهل الحل والعقد- على إمام أو سلطان أو ملك، فيكون بذلك له حق السلطة والإمامة.
الأمر الثاني: بيعة أهل الحل والعقد ولو لم يكن الجميع
يعني مجموعة ممن لهم شأن في الأمة من العلماء ورؤساء العشائر زوي الرأي والتأثير في الأمة، ولو كانوا قلة، لو كانوا ثلاثة مثلا، فبايعوا سلطانا لزمت بيعته على الجميع، وصار إماما تجب له حقوق الإمامة بغير معصية الله حسب ما هو معروف.
الأمر الثالث: يكون بالتغلب، بمعنى تنازع سلاطين على الحكم وغلب واحد؛ فإذا غلب واستتب له الحكم وجبت بيعته وصار له حكم إمام المسلمين، وإن لم يكن هو الأفضل، وإن كان فاجرا أو ظالما كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث.
الأمر الرابع: الوصية
والوصية حدثت حتى في عهد الخلفاء الراشدين ، أبو بكر –رضي الله عنه- أوصى من بعده لمن؟ لعمر، وصورة الوصية قد تكون مثل ما حدث من أبي بكر –رضي الله عنه- وقد تكون أيضا مثل صورة ولاية العهد، كما حدث من معاوية –رضي الله عنه- حينما طلب البيعة ليزيد، وتسمى بولاية العهد، وهي نوع من الوصية.
(10/14)
---(1/330)
فهذه الأمور الأربع أو غيرها ، أي صورة يتمكن فيها مسلم من الحكم في بلد من بلاد المسلمين ويستتب له الأمن والأمر، تجب بيعته وطاعته بالمعروف من غير منكر أو معصية الله.
إذاً، من تحققت له السلطة وجبت طاعته بالمعروف ومناصحته، وحرم الخروج عليه، إلا أذا ظهر منه كفر بواح، فيه من الله برهان ويقول به الراسخون في العلم وأهل الحل والعقد .
(عاشرا: الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا.
الحادي عشر: يحرم القتال بين المسلمين على الدنيا، أو الحمية الجاهلية، وهو من أكبر الكبائر، وإنما يجوز قتال أهل البدعة والبغي، وأشباههم إذا لم يمكن دفعهم بأقل من ذلك، وقد يجب بحسب المصلحة والحال.
الثاني عشر: الصحابة الكرام كلهم عدول، وهم أفضل هذه الأمة ، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبتهم دين وإيمان، وكفرهم بغض ونفاق، مع الكف عما شجر بينهم، وترك الخوض فيه بما يقدح في قدرهم، وأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهم الخلفاء الراشدين ، وتثبت خلافة كل منهم حسب ترتيبهم.
الثالث عشر: ومن الدين محبة آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وتوليهم وتعظيم قدر أزواجه أمهات المؤمنين، ومعرفة فضلهن ومحبة أئمة السلف وعلماء السنة والتابعين لهم بإحسان ، ومجانبة أهل البدع والأهواء.
الرابع عشر: الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وهو ماضٍ إلى قيام الساعة.
الخامس عشر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة؛ من أعظم شعائر الإسلام، وأسباب حفظ جماعته وهما يجبان بحسب الطاعة والمصلحة معتبرة في ذلك. )
(10/15)
---(1/331)
هذا استكمال لجوانب مفهوم الجماعة والإمامة ولوازمها، من ذلك أن الصلاة وهي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وكذلك الحج وهو ركن الإسلام، والجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، كل هذه من أصول الدين الواجبة مع سلاطين المسلمين، مع أمراء المسلمين، أبرارا كانوا أو فجارا، وهذه وصية الله ، وهي أيضا نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما أوصى به.
وقد يقول قائل: مع الأبرار، لا نختلف، لكن لماذا؟ وكيف؟ نصلى ونحجج ونجاهد مع الولاة غير الصالحين مع الفجار والظلمة؟
نقول : نعم، لماذا ؟ لأنهم قد ينصر الله بهم الدين، وإن كان فيهم ظلم ، وكونهم وقعوا في مثل هذه الأخطاء الكبيرة ؛ لا يعني أنهم لا يجوز طاعتهم ، لأن طاعتهم لمقامهم؛ لا لأشخاصهم ، المقام الذي تسلموه، وهو قيادة الأمة، وحفظ كيانها، وحفظ أمنها الذي لا تقوم به مصالح الأمة إلا به، فدين المسلمين ، ودمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، وحرياتهم، لا يمكن تستقيم إلا بسلطان، برا كان أو فاجرا، فإذا أقام الصلاة فنصلي خلفه، وإذا حج فنحج معه، وإذا جاهد نجاهد معه، لأن هذا مما يحفظ كيان الدين والأمة ، وذنبه هو عليه، لكن مع استمرار النصح له .
ومهما كان الأمر، ومهما اختلفنا عليه، فهي وصية من الناصح الأمين ، وهي أثمن وصية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
(10/16)
---(1/332)
ثم بعد ذلك يحرم القتال بين المسلمين، مهما كانت مبرراته ما لم يكن القتال من أهل الحل والعقد والجماعة والسلطان ضد البغاة المفسدين، هذا ليس من القتال بين المسلمين، وهذا يسمى كف الشر، لكن القتال الذي منشأه التنازع على الدنيا ، أو التنازع على السلطان، أو الحمية الجاهلية، أو العصبية، أو أي غرض لا يُقصد به نصر الدين، أو قُصد به نصر الدين على وجه غير مشروع، فإنه يعتبر من أكبر الكبائر، إنما المشروع هو أن يقاتل من يعم فساده، سواء فساد في العقيدة كأهل البدع الذين يفتنون المسلمين ، فإذا ما كفوا عن فتنتهم للمسلمين وما كفوا عن خروجهم على السلطان إلا بالقتال؛ يُقاتلون، أهل البدع والفساد والبغي وأشباههم؛ يُقاتلون إذا صار شرهم يتعدى ولم يكفوا بالطرق السلمية ، إذا لم يمكن دفعهم بأقل من القتال، فإنه يجوز لإمام المسلمين وأهل الحل والعقد أن يقاتلوهم، بحسب الحال والمصلحة، ما لم يكن هناك مفاسد كبرى.
ثم عرج أهل السنة والجماعة بعد هذه الأصول على أن من الجماعة فئة هي الفئة النموذجية القدوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وسبق أن قلت أن رأس الجماعة هم الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، هم رأس الجماعة وأولها، وهم الأنموذج الأول، وهم القدوة الأوائل، هم الذين رسموا سبيل المؤمنين ، هم الصحابة الكرام، وهم كلهم عدول في الدين، والعدالة هنا لا تعني أنه لا يرتكب منهم أحد أخطاء أو فسق، أو نحو ذلك، إنما العدالة في نقل الدين، لأن الله تعالى تكفل بحفظ الدين وكان مما تكفل الله به؛ أن عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الدين على الصحابة، عهده عليهم، فنقلوه، حتى من كان عنده شيء من الخطأ أو المعصية، الصحابة ليسوا كلهم معصومون ، بل كلهم ليسوا معصومون، لكن مع ذلك هم في نقل الدين هم عدول.
(10/17)
---(1/333)
والشهادة لهم بالإيمان والفضل، يعني شهادة المسلم لهم بالإيمان والفضل، أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، بقواطع النصوص والإجماع، ولأن هذا من ضرورات الدين، لأن الطاعن في الصحابة يطعن في الدين، من الذي نقل لنا الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيرهم؟!، فالطعن فيهم لابد أن يرجع إلى الطعن في قلب الأمة، في ضمير الأمة، وما أشد على الأمة فيما يتعلق بمطاعن أهل الأهواء على السلف، ما أشد على الأمة من الطعن في خيارها، ولا أحد مسلم عنده نسبة من عقل يسمح لأحد أن يفترى ويطعن على الخيار.
ثم بعد ذلك : محبتهم دينا وإيماناً ؛لأن الله أمر به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به .
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(10/18)
---(1/334)