ماء زمزم
د . فهد العصيمي
الفهرس :
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 1
الفصل الأول
المبحث الأول
نبذة تاريخية عن قصة ماء زمزم ... 3
أولا : زمزم في عهد إسماعيل ... 3
ثانيا : زمزم في عهد عبد المطلب ... 6
ثالثا : زمزم في عهد الإسلام ... 7
المبحث الثاني
صفة بئر ماء زمزم ... 9
زمزم في عهد الملك عبد العزيز ... 16
شبكة توزيع مياه زمزم ... 18
المبحث الثالث
مصادر ماء زمزم ... 21
المبحث الرابع
أسماء ماء زمزم ... 22
الفصل الثاني
المبحث الأول
بركة ماء زمزم ... 25
مضنونة شباعة ... 25
من سنن الحج ... 26
شفاء سقم ... 26
ماء زمزم والمنافقين ... 27
المبحث الثاني
فضل ماء زمزم ... 29
كيفية التداوي بماء زمزم ... 32
المبحث الثالث
آداب شرب ماء زمزم ... 35
المبحث الرابع
التحليل الكيميائي لماء زمزم ... 36
الفحص البكتريولوجي ... 39
الأمن المائي في مكة المكرمة ... 39
المبحث الخامس
مسائل فقهية عن ماء زمزم ... 41
الخاتمة ... 44
المراجع ... 45
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد ..
فقد جعل الله في خلقه أمراضاً ، وهداهم لعلاج تلك الأمراض ، ومما أوصى به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في علاج تلك الأمراض شرب ماء زمزم ، فقد ثبت في حديث إسلام أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنها طعام طعم وشفاء سقم " (1)
__________
(1) رواه بن حبان والطبراني ، صحيح الجامع الصغير / 3322(1/1)
وقد شربها السلف للعلم فأصبحوا علماء ، وشربه اُناس لبعض المبتغيات فأبلغهم الله مبتغاهم بسببها ، وقد شربها اُناس ولم يبلغوا ما شربوها له ، وذلك لأنهم حين شربوها لم يكونوا يؤمنوا الإيمان القوي بما في ماء زمزم من بركة وعظمة . وخير مثال معاصر تلك المرأة التي تدعى بليلى الحلو التي ألفت كتاباً بعنوان " فلا تنسى الله " تحكي به قصتها مع مرضها وكيف زال ، فلقد أصاب هذه المرأة سرطان – عفانا الله وإياكم منه – بثدييها أعجز كل الأطباء في العالم شرقه وغربه عن علاجه ، فاتجهت إلى الله واعتكفت ببيته وأخذت تلازم زمزم ، ولم تعلم عن نفسها إلا وقد زال ذلك المرض الخبيث فحمدت ربها وعادت إلى أطبائها الذين أعجزهم الله عن علاجها فلم يصدقوا أنها هي التي كانت تراجعهم .
وحدثنى أحد الأخوةعن مريض من أهل منطقة الشمال في المملكة أنه أصيب بتليف الكبد وأكد الأطباء صعوبة علاجه فودع أهله وتوجه إلى مكة وصار يشرب من زمزم ويدعو ويتصدق تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم [ داوو مرضاكم بالصدقة] فبعد مدة أنبت الله له كبدا جديدة مما حير الأطباء حيث عادت صحته وقوته مما اضطرهم الى إزالة الكبد الأولى المتلوثة(1/2)
صدق صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له ) أخرجه أحمد – يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني : حقا أنا علمت علما قاطعا بقصة رجل من اليمن – أعرفه فهو صديقي - هذا رجل كبير , نظره كان ضعيفا .. بسبب كبر السن وكاد يفقد بصره ! , وكان يقرأ القرآن وهو حريص على قراءة القرآن .. وهو يكثر من قراءة القرآن وعنده مصحف صغير .. هذا المصحف لا يريد مفارقته , ولكن ضعف نظره فكيف يفعل ؟ ! قال : سمعت أن زمزم شفاء فجئت إلى زمزم , وأخذت أشرب منه فرأيته, يأخذ المصحف الصغير من جيبه ويفتحه ويقرأ , أي والله يفتحه ويقرأ وكان لا يستطيع أن يقرأ في حروف هي أكبر من مصحفه هذا , وقال : هذا بعد شربي لزمزم . فيا أخي الكريم هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن الدعاء شرطه أن يكون صاحبه موقنا بالإجابة,: ( إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) - البقرة : 186 (1)
فسبحان الله العظيم كم هو ماء عظيم لا يحس بلذته ولا يتضلع منه إلا المؤمنون فقط ، فهو فاضح المنافقين فهم لا يستطيعون التضلع منه 0
د/ فهد العصيمى
(1)المصدر " أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة "
تعريف زمزم:
زمزم بفتح أوله وسكون ثانيه وتكرير الميم والزاي وهي البئر المباركة المشهورة قيل سميت زمزم لكثرة مائها يقال ماء زمزم وزمازم وقيل هو اسم لها وعلم مرتجل وقيل سميت بضم هاجر أم إسماعيل عليه السلام لمائها حين انفجرت وزمها إياه وهو قول ابن عباس حيث قال لو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شيء (#)
أسماء ماء زمزم(1/3)
أما أسماؤها فزمزم وشباعة ومروية ونافعة وعافية وميمونة وبركة وبرة ومضنونة وكافية ومعذبة وشفاء سقم ولا شرق ولاتذم وسيدة وعنة وبشرى وصافية وعصمة وسالمة وميمونة ومباركة وغذية وطاهرة ومغداة وحرمية ومروية ومؤنسة وطيبة وتكتم وشباعة العيال – وشراب الأبرار – وقرية النمل – ونقرة الغراب وهزمة إسماعيل – وحفيرة العباس . (1)
... وقال القسطلاني : وتسمى - أي زمزم - : الشباعة وبركة ونافعة ومضنونة وبرة وميمونة وكافية وعافية ومغذية ومروية وطعام طعم وشفاء سقم وقال الشيخ مرتضى في شرح القاموس ما نصه قال بن بري لزمزم اثنى عشر أسماً : زمزم ومكتومة ومضنونة وشباعة وسقى الرواء وركضة جبريل وهزمة جبريل وشفاء سقم وطعام طعم حفيرة عبد المطلب ( قلت ) أي قال الشيخ مرتضى وقد جمعت أسماءها في نبذة لطيفة فجاءت على ما ينيف على ستينن اسماً مما استخرجتها من كتب الحديث واللغة منه بلفظه ( قوله اثنى عشر أسماً ) كذا فيه وفي لسان العرب لابن مظور والمعدود كما ترى إنما هو عشرة فلينظر فتوافقا أي بن بري والقسطلاني في خمسة وتفرد القسطلاني بثمانية وبن بري بخمسة فخرج من كلامهما ثمانية عشر إسماً ، قال عياض ولها أسماء كثيرة . (2)
------------------------------------------
#- معجم البلدان /3 / 147
نبذة تاريخية عن قصة ماء زمزم وحفرها
الحديث عن زمزم حديث شيق ممتع ، يضرب بنا في بطون التاريخ حتى يأخذنا إلى الحديث عن جد العرب ابراهيم عليه السلام .
وزمزم التي يتمتع بها الحاج ويتضلع من مائها الذي لاينضب نتحدث عنها من جوانب ثلاثة : عهد إسماعيل ، ثم عهد عبد المطلب ، ثم في الإسلام .
__________
(1) زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك ، ط:1، 1403 ، ص27
(2) ازالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له ، محمد بن ادريس القادري ط: 1 ، 1330 هـ ، مطبعة الجمالية مصر(1/4)
لما لم يرزق الخليل عليه السلام من سارة بغلام ؛ فإنه رحل إلى أرض مصر ، فأهدى ملك مصر السيدة هاجر إلى السيدة سارة التي وهبتها إلى سيدنا إبراهيم عسى أن يرزقها الله بولد منها، فدخل بها فولدت له إسماعيل عليه السلام .ثم إن سارة دخلها من الغيرة ما يدخل قلوب النساء ، فكان أن رحل إبراهيم عليه السلام بولده وأم ولده إلى مكة ، فلما بلغ بهما ربوة عند البيت – وليس بمكة يومئذ من أحد وليس بها ماء - ترك لهما جراباً فيه تمر ، وسقاية فيها ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقاً .فتبعته أم اسماعيل وهي تسأله أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ؟ فقالت له ذلك مراراً ولم يلتفت إليها ، فقالت : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، فقالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت . فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية بحيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا ربه فقال : " ربنا أني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " (1) .
__________
(1) سورة ابراهيم ( 37 ) - الجزء الثالث عشر .(1/5)
بهذه الكلمات المضيئة ، دعا إبراهيم ربه ، وهو يعلم أن عناية الله على ولده وزوجه ، وأن الله سبحانه يجازي عباده الجزاء الأوفى ، فكيف بخليل الله كم يكون توكله وهو الذي أُلقى في النار من قبل وجاءه جبريل عليه السلام وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وأما من الله فبلى (1) ، فرافقته العناية الإلهية كما ترافق المؤمنين دائماً في آية من أعجز الآيات على مر العصور فكان قول الله تبارك وتعالى : " قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم " (2) ، وقال تعالى : " فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين " (3) ، فكيف بمن جعله الله أمة وحده " إن إبراهيم كان أُمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين" (4) .
__________
(1) تفسير ابن كثير جـ 3 صـ 179ـ .
(2) سورة الأنبياء الآية ( 69 ) - الجزء السابع عشر .
(3) سورة الصافات الآية ( 98) – الجزء الثالث و العشرون .
(4) سورة النحل الآية (120 ) – الجزء الرابع عشر .(1/6)
وجعلت أم إسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يلتوي أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هلى ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك ثم موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسمعيل ثم الماء فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال عبدالله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم اسمعيل وهي تحب الانس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب(1/7)
فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك الشبل عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسمعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد فقالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم ظاهرا]*
وذكر الفاكهي خبراً يقتضي أن الخليل عليه السلام حفر زمزم ( بعد أن نبعت العين ) ، وقصته كانت بينه وبين ذي القرنين في زمزم لأنه قال : حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي ، قال : حدثنا عثمان بن ساج قال : بلغنا في الحديث المأثور عن وهب بن منبه قال : كان بطن مكة ليس فيه ماء وليس لأحد فيه قرار حتى أنبط ( أي أظهر ) الله لإسماعيل زمزم فعمرت يومئذ مكة وسكنها من أجل الماء قبيلة منبه قال : كان بطن مكة ليس فيه ماء وليس لأحد فيه قرار حتى أنبطه الله تعالى لإسماعيل لم يكن لأحدٍ بها يومئذٍ مقام. قال عثمان وذكر غيره : أن زمزم تدعى " سابق " وكانت وطأة من جبريل (1) 0
__________
(1) زمزم طعام طعم وشفاء سقم / يحيى حمزة كوشك / ط : 1 / 1403 ص16(1/8)
يذكر باحثو أحداث الكتاب المقدس لدى اليهود و النصارى أن إسماعيل قد ولد سنة 1910 قبل الميلاد ، وهو تاريخ يتفق مع ما ذهب إليه بعض مؤرخي العرب كالمسعودي قبل أولئك الباحثين وكان قدوم إسماعيل إلى مكة مع والديه في سنة مولده . ومادام مولد إسماعيل كان سنة 1910 قبل الميلاد تقريبا ، وهي نفسها سنة مقدمه مع والديه إلى مكة فأن ظهور زمزم كان في هذه السنة نفسها . وأما بالنسبة للتقويم الهجري فإن ظهور زمزم كان في سنة 2572 قبل ميلاد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم تقريبا ، وبيننا وبين ظهور زمزم بتقويمنا الهجري حوالي أربعة آلاف سنة . (1)
وأما ما ارتكبه جرهم من ظلم بحق البيت العتيق ، سلط الله عليهم خزاعة وأصبحوا حكام مكة وظل مكان البئر سراً حتى شاءت إرادة الله حفره على يد عبد المطلب بن هشام جد محمد صلى الله عليه و سلم وهو ما سوف نتكلم عليه بعد هذا ، وظلت السقيا من ماء زمزم في بني هاشم بن عبد مناف . (2)
---------------------------------------
*- البداية والنهاية/ ابن كثير 1 ص155
ثانياً : زمزم في عهد عبد المطلب :
إليكم ماذكره ابن كثير فى تفسيره
__________
(1) 2 زمزم طعام طعم وشفاء سقم – يحيى حمزة كوشك – ص 16 – ط 1 – 1403هـ - 1983م
(2) 3 مجلة الجح – عبدالله عبد المطلب بوقس – العدد 11 – الجزء 1 – ص 3 – السنة 53 – 1419 هـ(1/9)
عن عبد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا ثم معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم كنا ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له وما الذبيحان فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل وإسماعيل الثاني وهذا حديث غريب جدا وقد رواه الأموي في مغازيه حدثنا بعض أصحابنا أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن القرشي حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية رضي الله عنه فتذاكر القوم إسماعيل أو إسحاق وذكره كذا كتبته من نسخة مغلوطة وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله تعالى وبشروه بغلام عليم وأجاب البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي أي العمل ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا قال وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد كنعان قال وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك هذا مااعتمد عليه في تفسيره وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم بل هو البعيد جدا والذي استدل بن محمد بن كعب القرظي انه إسماعيل أثبت واصح وأقوى والله أعلم ((1)
----------------------------------
1- تفسير ابن كثير/ج4 ص19(1/10)
واستمرت زمزم مدفونة لا يُعرف مكانها ، إلى أن أظهرها عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بعلامات عرف بها موضعها في رؤيا رآها ، فحفرها وأظهرها . وقد تحدث بعض المؤرخين القدامى والمحدثين عن الرؤيا التى رآها عبد المطلب وأمر فيها بحفر بئر زمزم ، ويذكر الأزرقي عن مهدي بن أبي المهدي عن عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر الزهري قال : أول ما ذكر من عبد المطلب بن هاشم أن قريشاً خرجت فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب فقال : والله لا أخرج من حرم الله ابتغي العز في غيره ، فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش . فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه . فرجعت قريش وقد عظم فيها لصبره وتعظيمه محارم الله فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه فأدرك وهو الحارث ، فأتى عبد المطلب في المنام فقيل له : احفر زمزم بين الفرث والدم عند نقرة الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب ، فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينظر ما سمى له من الآيات ، فنحرت بقرة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتي وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هنالك ، فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب ما هذا الصنيع ؟ إنا لم نكن نزنك بالجهل لم تحفر في مسجدنا ؟ فقال عبد المطلب : إني لحافر هذا البئر ومجاهد من صدني عنها فطفق هو وابنه الحارث وليس له ولد يومئذ غيره ، حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذر أن وفا له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حيث دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا : يا عبد المطلب أجزنا مما وجدت ، فقال عبد المطلب : هذه السيوف لبيت الله الحرام ، فحفر حتى أنبط الماء في القرار ثم بحرها حتى لا ينزف ثم بنى عليها حوضاً .(1/11)
(1)
ثالثاً : زمزم في الإسلام :
المسلمون في بقاع الأرض يتشوقون لزيارة هذا المكان باعتباره منسكاً من مناسك الحج ، فالنفوس ظامئة حتى ترتوي من هذا النبع الصافي ، الذي فيه الشفاء من كل داء .
والقرآن الكريم وإن لم يشر نصاً إلى زمزم ، فقد أشار إلى موضعها ضمناً وهو يورد مناسك الحج في كثير من آياته .
والسنة الشريفة أشارت إليها في أحاديث كثيرة ، فلقد ثبت في حديث اسلام أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنها طعام طعم وشفاء سقم " . (2)
وقال الإمام أحمد ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ماء زمزم لما شرب له " (3) .
وروى بن ماجه والحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل : " اذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثاً وتضلع فإذا فرغت فاحمد الله فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم" (4) . ويقول الأمام أبو حنيفة " أن يأتى زمزم بعد صلاة ركعتين قبل الخروج إلى الصفا فيشرب منها ويتضلع ويقول : اللهم أني أسألك رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاء من كل داء " . (5)
ذكر أخذ القرامطة الحجر الأسود إلى بلادهم:
__________
(1) مرجع سابق ، يحيى حمزة كوشك ص18 ، ط:1 ، 1403 هـ .
(2) رواه ابن حبان والطبراني ، صحيح الجامع الصغير ، 3322 .
(3) أخرجه ابن ماجه في سننه والإمام أحمد في مسنده .
(4) رواه ابن ماجه في سننه وعبد الرزاق في مصنفه .
(5) مجلة لواء الإسلام ، صبحي محمود ، السنة 33، العدد 4، 1398هـ ، ص47 .(1/12)
وفيها خرج ركب العراق وأميرهم منصور الديلمي فوصلوا إلى مكة سالمين وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية فانتهب أموالهم واستباح قتالهم فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرا وجلس أميرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام وهو يقول أنا الله وبالله أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا فكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئا بل يقتلون وهم كذلك ويطوفون فيقتلون في الطواف وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف فلما قضى طوافه أخذته السيوف فلما وجب أنشد وهو كذلك
ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة وذلك المدفن والمكان ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم لأنهم محرمون شهداء في نفس الأمر هدم قبة زمزم وأمر بقلع الكعبة ونزع كسوتها عنها وشققها بين أصحابه ,و أخذ الحجر الأسود معه. (1)
ذكر ابن القيم فى نونيته أن ابو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية نهبوا أموال الحاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه وقلع الحجر الاسود وانفذه الى هجر فخرج اليه أمير مكة في جماعة من الاشراف فقاتلوهم فقتلهم أجمعين وقلع باب الكعبة وأصعد رجلا ليقلع الميزاب فسقط فمات فطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام بدون كفن ولا غسل ولا صلاة على أحد منهم وأخذ كسوة البيت فقسمها في اصحابه ونهب دور أهل مكة (2)
------------------------------------------(1/13)
1- البداية والنهاية/ ابن كثير /11 ص160
2- نونية ابن القيم ج1 ص509
صفة بئر ماء زمزم :
قال بن جبير في رحلته يصف قبة زمزم بالحالة التى كانت عليها في عصره سنة 578 هـ : وقبة زمزم تقابل الركن الأسود ومنها إليه أربع وعشرون خطوة ومن ركنها إلى مقام إبراهيم عشر خطوات وداخلها مفروش بالرخام الأبيض الناصع البياض وتنور البئر في وسطها مائل عن الوسط إلى جهة الجدار الذي يقابل البيت المكرم .
... وعمقها إحدى عشرة قامة حسبما ذرعناه وعمق الماء سبع قامات وباب القبة ناظر إلى الشرق وتنور بئر زمزم من الرخام قد ألصق بعضه ببعض إلصاقاً وأفرغ في أثنائه الرصاص ، وكذلك داخل التنور وحفت به من أعمدة الرصاص الملصقة إليه إبلاغاً في قوة لزه ورصه عامودا قد خرجت لها رؤوس قابضة على حافة البئر دائرة بالتنور كله ودوره أربعون شبراً وارتفاعه أربعة أشبار ونصف وغلظة شبر ونصف ، وقد استدارت بداخل القبة سقاية سعتها شبر وعمقها نحو شبرين وارتفاعها عن الأرض خمسة أشبار تملأ ماء للوضوء ، وحولها مصطبة دائرة يرتفع الناس إليها ويتوضؤون عليها ولها أي القبة مطلع على درج من عمود في الجهة التي تقابل باب الصفا في النصف الأعلى نمن زمزم صندقة من قربصة الخشب عجيبة تأنق الصانع فيها وأحذق بأعلاها شباك شرجب من الخشب رائق الخلل والتفريج ، وداخل شباك قبة زمزم سطح شبه فحل الصومعة وفي ذلك السطح يؤذن المؤذن الزمزمي .
ويصف التقي الفاسي الموضع الذي فيه زمزم فيقول : وأما صفة الموضوع الذي فيه زمزم فهو بيت مربع وفي جدرانه تسعة أحواض للماء يملآن من بئر زمزم فيتوضأ الناس منها إلا واحداً منها معطل ، وفي الحائط الذي يلي الكعبة شبابيك . وهذا البيت مسقوف بالساج ما خلا الموضع الذي يحاذي بئر زمزم فإنما عليه شباك خشب ولم أدر من عمل هذا الموضع على هذه الصفة وهي غير الصفة التي ذكرها الإمام الأزرقي فيه .(1/14)
... ويتضح من قول الفاسي أنه قد جرت عمارة بيت زمزم بعد عصر الأزرقي وهذا الأمر ليس بشئ بعيد ؛ فقد تولى الخلافة إلى زمن الإمام الفاسي كثير من الخلفاء ومعظمهم من العباسيين .
والعباسيون لهم ولع ببئر زمزم ؛ لأن السقاية كانت للعباس بن عبد المطلب ( رضى الله عنه ) جدهم وهي أعظم مفخرة لهم ولابد أن كثيراً منهم قاموا بعمارة بئر زمزم .
ويصف الإمام الفاسي العمارة التي أجريت على بيت زمزم : وكانت ظلة المؤذنين التي فوق البيت الذي فيه بئر زمزم قد خربت لأكل الأرضة لأساطينها الخشب والأرضة دابة صغيرة كنصف العدسة تأكل الخشب وتفسده كثيراً فشدت الظلة المذكورة بأخشاب تمنعها من السقوط في سنة 821 هـ ، فلما كان السابع من شهر ربيع الأول سنة 822 هـ هدمت الظلة المذكورة وأزيل المقرنص الخشبي الذي كان تحتها ليصلح والدرابزين الذي كان يطيف بها وبسطح البيت الذي فيه بئر زمزم ، فوجد الخشب المقرنص مركباً خراباً لأكل الأرضة له فاقتضى الحال قلعه وأن يبني فوق الجدار الذي يلي الخلوة التي كانت إلى جانب هذا البيت أساطين دقيقة من آجر بالنورة لئلا تفسدها الأرضة كما أفسدت الأساطين الخشب قبلها ليعمل عليها ظلة للمؤذنين وأن يقوي الجدار الشامي من هذا البيت وهذا الجدار الذي يلي الكعبة نحو ذراع باليد وذلك لأحكام البناء ونزلوا به في الأرض نحو قامة وبنوا ذلك مخالطاً للساس الأول ووجدوا الساس الذي يلي مقام الشافعي عريضاً محكم البناء فبنوا عليه وأكملوا ما سلخ من االجدارين حتى اتصل ذلك بالسقف وعملوا في كل من الجدارين ثلاثة عقود بالنورة وفيما بين كل عقد من العقود التي في الجدار الذي يلي الكعبة اسطوانة دقيقة من رخام مشدودة بالرصاص .(1/15)
وهذه الأسطوانة الدقيقة تركوا لها محلاً خالياً من البناء في الجدار المذكور ، وأوسعوا في الشبابيك التي في هذين الجدارين في الأحواض التي تلي هذين الجدارين من داخل البيت لإتساع عرض الجدارين ، وبنوا أعاليها بحجارة غير منحوته وكل ذلك بالنورة .
وسلخوا من الجدار الشرقي من البيت الذي فيه زمزم أيضاً ما فوق العتبة العليا من هذا الجدار إلى أعلاه وبنوا بالنورة والآجر وبنوا بها أسطوانتين فوق هذا الجدار الشرقي يشدان الدرابزين الخشب المخروط الذي يكون في ذلك ولم يكونا قبل ذلك . وكشفوا سقف هذا البيت وأخرجوا من ذلك ما كان متخرباً من الخشب وعوضوا عنه بخشب جيد وبنوا فوق الجدار الغربي من هذا البيت ثلاث أساطين دقيقة من آجر بالنورة وبنوا اسطوانتين مثل ذلك إحداهما في الجدار الشامي والأخرى في الجدار اليماني من هذا البيت .
ونصبوا أسطوانة من خشب بين هاتين الأسطوانتين تحاذي الأسطوانة الوسطى من الأساطين الآجر المشار إليهما وركبوا بين كل من الست الأساطين أخشاباً وستروا جميع هذه الأخشاب بألواح من خشب مدهونة وركبوا فيما بين الأساطين المشار إليها سقفاً من خشب مدهون ساتراً لمقدار ما بين الست الأساطين ؛ إلا أنهم جعلوا ما بين الأسطوانة الآجر الوسطى والأسطوانة الخشب المقابلة لها خالياً من السقف وركبوا في هذا الموضع الخالي قبة من خشب مدهونة وجعلوا فوقها ساترة لها من خشب وجريد وقصب وجعلوا رفرفاً من خشب مدهون يليق بهذا السقف الذي هو ظلة للمؤذنين .(1/16)
وأتقنوا تسمير السقف والقبة والرفرف اتقاناً كثيراً بمسامير وكلاليب من حديد وجعلوا فوق السقف المدهون سقفاً من خشب غير مدهون ودكوا ما فوق السقف الأعلى بالآجر والنورة وطلوا ما فوق الآجر بالنورة وطلوا ما فوق القبة التي في وسط هذا السقف بالجبس وأتقنوا ذلك وأصلحوا جميع سطح البيت الذي فيه زمزم بالنورة والآجر وجعلوا درابزين من خشب مخروط بجميع جوانب البيت الذي فيه زمزم خلا الجانب اليماني .
وجعلوا درابزين أيضاً بطيف بجانبي ظلة المؤذنين اليماني والشرقي ولم يكن قبل ذلك درابزين في هذين الجانبين وجعلوا شباكاً من حديد فوق بئر زمزم ليمنع من السقوط فيها بعد أن ضيقوا سعة الفتحة التي كانت تحاذي بئر زمزم بأخشاب مسمرة جعلت درابزين من خشب مخروط يطيف بجوانب هذه الشبابيك .
وكان قبل ذلك في موضع هذه الدرابزين أخشاب مرتفعه القامة يطيف بما يحازي البئر من الجوانب الأربعة مطلية بالنورة وزنة الشباك الحديدي الذي فوق بئر زمزم اثنتان وستون مناكل من مائتين وستون درهماً ، وزادوا حديداً في بعض الشبابيك التي في الجدار الغربي من بيت زمزم ووسعوا الدرجة التي يصعد منها إلى سطح البيت الذي فيه زمزم وإلى ظلة المؤذنين لضيق الدرجة التي عمرت في سنة 818 هـ ، لما عمرت الخلوة التي إلى جانب هذا البيت سبيلاً وجعلوا لهذه الدرجة درابزين خشب غير مخروط.
واستحسنت توسعة هذه الدرجة وكذا جميع ما عمر من جدران بين زمزم وما صنع في سطحه من ظلة المؤذنين وغيرها استحساناً كثيراً وكان الفراغ من ذلك في أثناء رجب سنة 822 هـ ، وكان القائم بأمر مصروف هذه العمارة الجانب الكبير العالي خواجة شيخ علي بن محمد بن عبد الكريم الجيلاني نزيل مكة المشرفة .(1/17)
وكان إلى جانب هذا البيت خلوة فيها بركة تملأ من زمزم ، ويشرب منها من دخل إلى الخلوة وكان لها باب إلى جهة الصفا ثم سد وجعل في موضع الخلوة بركة مقبوة وفي جدارها الذي يلي الصفا صنابير يتوضأ الناس منها على أحجار نصبت عند الصنابير وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك إلى الكعبة وشباك إلى جهة الصفا وطابق صغير إلى البركة .
وكان عمل ذلك على هذه الصفة في سنة 807 هـ ، ثم هدم ذلك حتى وقع الأرض في العشر الأول من ذي الحجة سنة 817 هـ ، لما قيل من أن بعض الجهلة من العوام يستنجي هناك ، وعمر عوض ذلك سبيلاً لمولانا السلطان الملك المؤيد أبي النصر شيخ ينتفع الناس بالشراب منه .
وصفة هذا السبيل بيت مربع مستطيل فيه ثلاثة شبابيك كبار من حديد فوق كل شباك لوح من خشب بصنعة حسنة منها واحد إلى جهة الكعبة واثنان إلى جهة الصفا وتحت كل شباك حوض في داخل البيت وفيه بركة حاملة للماء وله سقف مدهون يراه من دخل السبيل وبابه إلى جهة الصفا وله رفرف خشب من خارجه مدهون وفوق ذلك شراريب من حجارة ملونة وجاءت عمارته حسنة وفرغ منه في شهر رجب سنة 818 هـ ، وابتدئ في عمله بأثر سفر الحجاج وفي موضع هذه الخلوة كان مجلس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما على مقتضى ما ذكره الأزرقي والفاكهي وبين الحجر الأسود إلى وسط جدار البيت الذي فيه زمزم واحد وثلاثون ذراعاً وسدس ذراع الحديد .
و في سنة 933هـ ، عُمل لدائر بيت زمزم طراز مذهب كتب فيه اسم السلطان سليمان سلالة آل عثمان ، وفي سنة 948 هـ جدد بيت زمزم . ويضيف القاضي بن ظهيرة المخزومي أن هذا التجديد تم على يد الأمير خوشكلدي فرخمت أرضه ، وجعل عليه سقف فوقه مظلة مسقوفة بالخشب المزخرف عليه جملون في وسطه قبة مصفحة من الرصاص .(1/18)
ويصف الكردي بئر زمزم آنذاك فيقول : " بئر زمزم من عند الماء أسفل إلى فوق بالحجر المبلط بالنورة المحكمة والجبس ومن الأرض من محل البنيان إلى المحل يقوم عليه الجابد رخام قائم ، وفي أعلى هذا البنيان دائر من رصاص أيضاً ومنه إلى الأرض عمد لطيفة من رصاص لحفظ الرخام لصغره من السقوط في البئر ، ثم من محل وقوف الجابد إلى نصف قامته عمد لطيفة من النحاس بين كل واحد فتحة نحو ذراع بطوق دوائر عليها من فوق مسبوك فيه رصاص وهذا البناء من عمل الوالي الأجل خوشكلدي في زمن المرحوم السلطان الأعظم سليمان وذلك في أواسط سنة 973 هـ .
وقد جُدد الدائر والرصاص برخام وحديد في زمن مولانا السلطان عبد الحميد خان ، ثم في زمن مولانا السلطان عبد المجيد خان ، ويضيف الكردي : وقد صدر الأمر من السلطان أحمد الأول بن السلطان محمد الثالث ابن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان الأول بن سليم الأول فاتح مصر بعمل شباك حديد يجعل في بئر زمزم ليمنع الغرق عمن وقع في البئر فجعل على قدر تدوير البئر وجعل له ست سلاسل وربطت بالحديد في دائرة البيت الأعلى وجعل الشباك المذكور في داخل البئر وصار الماء فوقه قدر ثلثي قامة فصار من يقع في البئر يمنعه الشباك من الغرق والهلاك .
وقبل وضعه كان من يقع في البئر يغرق ويموت ، ومما يذكر أنه ورد الأمر السلطاني الأحمدي العثماني على يد الباشا حسن أفندي بفعل شباك من حديد يمنع ما يطيح فيها من آدمي وغيره فجعل الشباك المذكور في مدة مديدة وجعله من حديد ونحاس مسترة في بعضه البعض على قدرته وبرغم بئر زمزم المبارك من أسفل بستة سلاسل غلاظ مسبوكة في الحديد الفوقاني الدائر على فمها مشاهدة لكل واحد طول كل واحد اثنين وعشرين ذراعاً وربع ، بذراع اليد .(1/19)
وصار الماء طافياً على الشباك المذكور نحو ثلثي قامة وركب في زمزم المباركة سنة 1025 هـ ثم وقع عام 1027 هـ تغير ماء زمزم من الحديد والنحاس المجعولين في الشباك أمسكه عن أن يصعد فاتفق مجئ الأفندي السيد الشريف محمد بن السيد مصطفي القناوي ليلة من الليالي فأنكر طعم الماء وسأل عن الحال فأخبر بأنه بسبب الشباك والسلاسل ووقع الدلو ما وقع فاشتبك ولم يطلع مفدي إلى الجهة الأخرى فوقع ما أراد الله سبحانه وتعالى كذلك ، وزاد طعم الحديد والنحاس في الماء فأمر صبيحته بقلعه وأخرجه من زمزم هو والسلاسل وألقى عند القبة العباس والسلاسل في داخله مدة من الزمن وزال ذلك الطعم وتيرس طلوع الدلو ونزوله.
وجاء في منائح الكرم أن سليمان بك صنجق جدة غير قبة زمزم وذلك سنة 1072 هـ ، ويصف الكردي بيت زمزم في ذلك الحين فيقول : وهي بيت مربع وفي جدرانه ثمانية شبابيك ثلاثة مواجهة للكعبة وثلاثة جهة المدرج واثنان بجانب الباب ، والباب في وسط وفي هذين الشباكين حوضان ممتلآن من زمزم للشراب وفوق قبة البئر بيت آخر مقام على أعمدة لشيخ زمزم أي رئيس المؤذنين يصعد إليه بدرج من جهة مقام الحنبلي ، فيطلع رئيس المؤذنين وهو شيخ زمزم ليؤذن ويتبعه سائر المؤذنين في جميع الأوقات .
ويضيف الكردي أنه في سنة 1112 هـ عمر ابراهيم بك دائرة بئر زمزم بالتلبيس والتبيض خارجاً وداخلاً ثم غير الرفرف الخارج على بئر زمزم مما يلي مقام الحنبلي وجددوا أخشابه التي على الطبقة العليا محل المكبرين وجددوا ما كان يحتاج إلى تغيير وطلوا حلتها بالذهب وجددوا المقامات وسقاية العباس فإنها خرجت من كثرة الأهوية وتطاول السنين ، ونقضوا القبة جميعها إلى الساس وجددوها بالحجارة الشمسية وزينوها بأنواع التبيض وجعلوا لها خزانتين وفتحوا لها طاقة من الجهة الشرقية وجعلوا لها من باطن الطاقة حوضاً للسبيل الحاصل الملاصق للقبة.(1/20)
وفي عهد السلطان عبد الحميد الأول سنة 1200 هـ حصل تعمير في المسجد الحرام بتعديل الأعمدة المائلة وتعمير بعض القبب التي في سقف المسجد وتعمير بئر زمزم وتعمير أيضاً في بعض منائر المسجد .
ويقول الكردي : " وقد جددت في زماننا شبا بيك بيت زمزم ورخام أرضها وأصلح فمها والداربزين الذي على فم البئر كل ذلك على يد سيدنا الشريف عبد الله بن الشريف محمد بن عون والحاج عزت باشا في سلطنة السلطان عبد العزيز خان وكان ذلك العمل في سنة 1279 هـ .
وقد وصف الكردي حالة بئر زمزم في عصره فقال : هو بئر مدورة الفوهة عليه قطعة من الرخام المرمر على قدر سعة فمه ، ويبلغ ارتفاعها عن بلاط الأرض التي حول البئر من داخل القبة ذراعين ونصف ذراع اليد ، وأرض بيت زمزم مفروش بالرخام الأبيض ويحيط بفم البئر من أعلى درابزين معمول من الحديد الثخين وفوق الدرابزين شبكة من حديد وضعت فوق تلك الدرابزين سنة 1332 هـ ، وكان السبب في وضعها أن رجلاً من الأفغان ألقى بنفسه أهتمت الحكومة الكردية بذلك الحادث وخشيت من تكراره فرأت أن تعمل حائلاً يمنع كا من أراد أن يلقي بنفسه في البئر فتقرر عمل الشبكة المذكورة وقاية لذلك .(1/21)
أما البناء القائم على بئر زمزم فهو بناء مربع الشكل من الداخل طول كل ضلع منه أحد عشر ذراعاً بذراع اليد ، وسطح البئر مغموس بالحجر والنورة في الجهة الشرقية لباب قبة زمزم ، وعلى جناح الباب الشمالي طاقة عليها شباك ثخين وكان في جدار الطاقة سبيل قديم قد أبطل عمله ومن الجهة الغربية مما يلي الكعبة المعظمة ثلاث منافذ ولكل منفذ شباك سميك وعلى نحو نصف سطح البئر من الجهة الغربية المقابلة للكعبة المعظمة مظلة قائمة على أربع أساطين لطاف وضعت اثنان منها على جدار البئر الأمامي مما يلى الكعبة المعظمة واثنان على حد منتصف سطح البئر من الجهة الشرقية ، وأما نصف السطح الشرقي فهو شمس ليس عليه ما يظله وفوق السقف جمالون مصفح بألواح من الرصاص على شكل بديع ويحيط بالمظلة من جهاتها الثلاث ، الشمالي والغربي والجنوبي خمسة شبابيك أحدها من جهة الشمال وثلاثة من الجهة الغربية وواحد من الجهة الجنوبية ، وذلك معمول من السلك الحديد الدقيق والمظلة مدهونة بصباغ أخضر ، وهذه المظلة خاصة برئيس الوقتين الذي يبلغ المؤذنين الآذان في الأوقات الخمسة وهم على منابر المسجد الحرام السبعة ، وهو أيضاً يبلغ عموم المبلغين في صلاة الجمعة والعيدين ويبلغ كل إمام يؤم الناس خلف مقام ابراهيم في الصلوات الخمس.
أما في عهد الملك عبد العزيز :(1/22)
أما في عهد الملك عبد العزيز آل سعود – رحمة الله عليه- أمر أن يبني على حسابه الخاص سبيلان أحدهما بالجهة الشرقية مما يلي باب قبة زمزم على الجناح الجنوبي والثاني بجوار حجرة الأغوات من الجهة الجنوبية بجانب السبيل القديم المعمول في زمن سلاطين آل عثمان ، وأمر الملك أيضاً بتجديد عمارة السبيل القديم بحيث يشبه السبيلين الجديدين ، وتم بالفعل اعادة بناء السبيل المجاور لباب قبة زمزم بالرخام والمرمر وكتبت عليها جميعاً هذا السبيل أنشأه الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود ، وصارت هذه السبل الثلاث سقاية لمن يريد سرب ماء زمزم من الحجاج والوطنيين والمجاورين .
ويقول المهندس يحيى كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) : " كان ماء زمزم يستخرج من البئر بواسطة الدلو وكان يوضع في حنفيات ( خزان مكشوف من أعلى ) وكل حاج يدلي بإنائه داخل الحنفية لكي يشرب منه كما كان هناك مغاريف مربوطة إلى الحنفيات بحبل أو سلسلة ليغترف بها من ماء زمزم كل من يرغب في الشرب .
ونظراً لما كان لهذه الطريقة من أضرار صحية ، ونتيجة للتطور الذي تشهده البلاد ارتأت مديرية الأوقاف سنة 1373 هـ طرح مناقصة لعمل مظلة زمام بئر زمزم يوضع بها خزانان كبيران وبكل خزان إثنا عشر صنبوراً وكذلك توسعة مكان المكبرية التي كانت فوق بئر زمزم وعمل سلم خارجي لهذه المظلة يوصل إلى المكبرية ، وقد تم طرح هذا المشروع في مناقصة ورست على والدي السيد / حمزة كوشك بمبلغ عشرون ألف ريال .
وأثناء العمل اقترح والدي على الشيخ حمزة مرزوقي وكان مديراً للأوقاف وقتها ومقره في الحميدية ، وضع مضخة غاطسة في البئر لاستخراج ماء البئر بطريقة وفيرة ونظيفة .(1/23)
وكان هناك اعتقاد خاطئ في ذلك الحين بأن مياه البئر لا يمكن استخراجها بواسطة المضخات ، وتم شراء مضخة من شركة الجفالي وأحضر والدي غطّاسا للقيام بتركيبها داخل البئر وذلك بعد الإنتهاء من بناء المظلة والخزانين وتركيب صنابير المياه وأصبحت المضخة بذلك تضخ ماء زمزم إلى خزان علوي من الزنك ومنه إلى الصنابير الموزعة حول البئر .
وبعد رفع المياه بواسطة المضخة أصبحت مياه زمزم أكثر عذوبة لأن الدلاء كانت تأخذ من سطح الماء أما المضخة فتأخذ من عمق مترين تحت سطح الماء .
وكانت المضخة تعمل بالكهرباء ، وليس لها صوت بسبب أي إزعاج للطائفين والعاكفين والمصلين ، ثم ركبت مضخة ثانية ، ويعتبر هذا الوضع تحولاً كبيراً في تاريخ بئر زمزم لأنه بذلك تم تغيير أسلوب استخراج الماء من الصنابير ، وقد ظل الدلو يستخدم جنباً إلى جنب مع المضخات لاستخراج الماء للراغبين في الشرب من الدلاء في ذلك الوقت " .
شبكة توزيع مياه زمزم :
تتكون شبكة توزيع مياه زمزم من مضخات ذات طرد مركزي مركبة على البئر وتدار بالكهرباء ، وقوتها 20 حصاناً وتتصل هذه الشبكة بخزان باب السلام وتمده بالماء في ماسورة من الحديد المجلفن قطرها ثلاثة بوصات ، وفي الأيام العادية تشتغل المضخات بين ست وسبع ساعات يومياً ومتوسط الضخ 750 لتراً في الدقيقة ، أما في موسم الحج فإن المضخات تعمل لمدد أطول ، ومجموع عدد الصنابير التي تتكون منها شبكة التوزيع 194 صنبوراً منها 155 في غرف الزمازمة والخلاوي ، 39 صنبوراً في منطقة زمزم .(1/24)
وتخفيفاً على الزوار والطائفين خصصت وزارة الحج والأوقاف غرفاً في الطابق الأرضي لتخزين مياه زمزم في أوعية ، وهذه الغرف متصلة بشبكة مياه زمزم ومجهزة ببراميل أغلبها من المعدن أو الفخار ، ويملأ الزمازمة قواريرهم من البراميل ويمرون على زوار بيت الله ليسقونهم ، وفي شهر رمضان وأيام الجمع وفي شهور الصيف تنتشر في الحرم مئات الدوارق لسقيا الزوار والعاكفين حول البيت للتعبد . (1)
مصادر ماء زمزم
يترواح عمق بئر زمزم من 19 – 20 متراً ، وتنقسم مصادر البئر إلى ثلاثة مصادر كالتالي :
المصدر الرئيسي : وهو عبارة عن فتحة تتجه ناحية الكعبة المشرفة في اتجاه الركن المواجه لحجر اسماعيل وطولها 45سنتيمتراً وبها غور إلى الداخل ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه .
المصدر الثاني : وهو عبارة عن فتحة بطول 70 سنتمتراً ومقسومة من الداخل إلى فتحتين ارتفاع كل واحدة منهما 30 سنتيمتراً باتجاه اجياد .
المصادر الفرعية : وهي فتحات صغيرة من أحجار البناء تخرج منها المياه ، توجد خمس منها في المسافة التي بين الفتحتين الأساسيتين وقدرها متر واحد ، كما توجد 21 فتحة أخرى تبدأ من جوار الفتحة الأساسية الأولى وباتجاه جبل قبيس والصفا والمروة حتى تصل إلى الفتحة الثانية .
وفي الحقيقة ، فإن هذه الفتحات الصغيرة تكون موزعه ، لا في مستوى واحد ، ولكن في مستويات مختلفة ، كما تتدفق مياهها بكميات متفاوتة .
... ويأتي ماء زمزم من خلال شقوق في صخور ما قبل الكامبري وتغطي هذه الصخور في مكة المكرمة بالحصى والرمل وبعض الرسوبيات الأخرى ، وتختلف سماكتها من مكان لآخر وتأتي مكوناتها من الصخور النارية المجاورة .
__________
(1) زمزم شراب الأبرار ، الطبعة الأولى 1417هـ ، ص82 – 94 .(1/25)
... ويتكون الجزء العلوي من بئر زمزم من رسوبيات الوديان ، ويعلو طبقة الصخور الموجودة في داخل البئر طبقة من الرمل الناعم يصل سمكها إلى حوالي 16 متراً (1)
... ومن أهم مصادر ماء زمزم الأمطار والسيول ، فقد تحدثت كتب التاريخ عن علاقة الأمطار والسيول ببئر زمزم فقال الأزرقي في تاريخه " ثم كان قد قل ماؤها (أي زمزم ) جداً حتى كادت تجف في سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ومائتين ، فضرب فيها تسعة أذرع سحا في الأرض في تقرير جوانبها ثم جاء الله بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها "
... كما جاء في موضع آخر من تاريخ الأزرقي : أنه " يأتي على زمزم زمان تكون أعذب من النيل والفرات ، قال أبو أحمد الخزاعي : وقد رأينا ذلك في سنة احدى وثمانين ومائتين ، وذلك أنه أصاب مكة أمطار كثيرة فسال واديها بأسيال عظام في سنة تسع وسبعين وسنة ثمانين ومائتين فكثر ماء زمزم وارتفع حتى كان قارب رأسها فلم يكن بينه وبين شفتها العليا إلا سبعة أذرع أو نحوها وما رأيتها قط كذلك ولا سمعت من يذكر أنه رآها كذلك ، وعذبت جداً حتى كان ماؤها أعذب من مياه مكة التي يشربها أهلها وكنت أنا وكثير من أهل مكة نختار الشرب منها لعذوبتها ، وأنا رأيتها أعذب من مياه العيون ولم أسمع أحداً من المشايخ يذكر أنه رآها بهذه العذوبة ثم غلظت بعد ذلك في سنة ثلاث وثمانين وما بعدها وكان الماء في الكثرة على حاله وكنا نقدر أنها لو كانت في بطن وادي مكة لسال ماؤها على وجه الأرض لأن المسجد أرفع من الوادي وزمزم أرفع من المسجد وكانت فجاج مكة وشعابها في هاتين السنتين وبيوتها التي في هذه المواضع تتفجر ماء ".
__________
(1) مجلة القافلة ، أحمد عبد القادر المهندس ، العدد الأول ، المجلد الثاني والأربعون ، محرم 1414 هـ ، ص42.(1/26)
... وقد حدث في عام 1388 هـ أن هطلت أمطار غزيرة على مكة المكرمة ودخل السيل الحرم المكي الشريف ووصل إلى باب الكعبة ، وحيث أنه لم يكن في ذلك الحين شبكة لتصريف المياه في الحرم فقد جرى ضخ المياه المتجمعة وشكلت لجنة لفحص مياه بئر زمزم ، وكان البئر داخل غرفة وقمنا بفتح الغرفة ولاحظنا أن المياه تتدفق من فوهة البئر إلى الخارج وكان البسطاء يقولون أن " البئر ينظف نفسه " ، وكان في يدي منديل من الورق فألقيته على سطح الماء فإذا بالماء يجرف المنديل إلى الخارج ، ووجدت خرطوماً على سطح الأرض طوله حوالي مترين فأخذته ووضعت طرفه وسط البئر فتدفق الماء من الطرف الأخر – الكلام السابق ليحي كوشك عضو اللجنة المكونة – ويدل هذا على أن هناك ضغطاً يدفع الماء من أسفل إلى أعلى مما يؤكد أن بئر زمزم يعمل كبئر ارتوازي عندما تهطل الأمطار ، وعندما تذوقت مياه البئر وجدتها حلوة بالفعل ، وقد تم أخذ عينات من البئر وتحليلها وتبين أنها أحلى من أي مياه في مكة ، وقد ظل اندفاع المياه من البئر على هذا النحو لفترة من الزمن حتى خف الضغط وبدات المياه تنقص تدريجياً حتى عاد البئر إلى وضعه الطبيعي أي إلى حوالي ثلاثة أمتار من فوهة البئر ولكن ذلك استغرق فترة طويلة ، وهذا دليل على أن مصادر بئر زمزم تختلف عن المياه الجوفية ، حيث أنه لم يحدث ذلك في بئر الدوادية على سبيل المثال فلو أن المياه الجوفية ارتفعت في المنطقة كلها لارتفعت المياه في بئر الدوادية وفي الآبار المحيطة بالحرم الشريف ، وهذا يعطي قناعة بأن هناك مصدراً مستقلاً ببئر زمزم .(1/27)
... والشئ الآخر أنه عندما حللنا مياه زمزم عند الكشف على البئر بعد الأحداث التي وقعت في الحرم المكي الشريف في محرم عام 1400 هـ أثبتت التحاليل للعينات المأخوذة من المصادر الرئيسية للبئر عدم وجود أي تلوث بها واختلاف نوعياتها عن المصادر الأخرى . (1)
بركة ماء زمزم : (2)
مضنونة شباعة :
تحت ( باب ما جاء في زمزم ) روى البخاري (3) عن أنس ابن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج إلى السماء الدنيا .
وأورد بعده عن الشعبي أن ابن عباس رضي الله عنه حدثه قال سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم فشربه و هو قائم .
وروى مسلم (4) من حديث ابي ذر في قصة إسلامه الطويلة منها : قال أبو ذر فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام فقلت : السلام عليكم يا رسول الله فقال : وعليك و رحمة الله ثم قال : من أنت ؟ قال ، قلت : من غفار ثم قال : متى كنت هاهنا قال ، قلت : قد كنت ها هنا منذ ثلاثين بين ليلة و يوم فقال : فمن كان يطعمك ؟ قال ، قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن (5) بطني و ما أجد على كبده سخفة جوع (6) قال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم .
__________
(1) زمزم طعام وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك ، ط : 1، 1403 هـ ، ص 70
(2) بركة ماء زمزم ودعاء الحفاظ عندها– محمد أحمد عباس – ط 1 – ص 15 ، 27 – 1412هـ-1992م
(3) كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء 1 /458 ، صحيح مسلم الإيمان باب الإسراء 1 / 148 .
(4) كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ 4 / 1921 .
(5) جمع عكنة : وهو ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا ـ القاموس المحيط ( عكن ) .
(6) أي : رقة الجوع وهزاله .(1/28)
واورد الهيثمي في مجمع الزواد رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( زمزم طعام طعم و شفاء سقم (1) ) قال الهيثمي رواه البزار و الطبراني في الصغير و رجال البزار رجال الصحيح .
وعن ابي الطفيلي عن ابن عباس قال سمعته يقول كنا نسميها شباعة ( يعني زمزم ) وكنا نجدها نعم العون على العيال .
وقال الأرزقي حدثني محمد بن يحيى عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد الله بن أبي الحكم عن عبد الله بن غنمة عن العباس بن عبد المطلب قال : تنافس الناس في زمزم في الجاهلية حتى كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون منها فتكون صبوحا لهم وقد كنا نعدها عونا على العيال (2) .
من سنن الحج و العمرة :
بوب البخاري في صحيحة باب شرب ماء زمزم في الحج و العمرة ، وبوب ابن خزيمة في صحيحة ( باب استحباب الشرب من ماء زمزم بعد الفراغ من طواف الزيارة ) .
واعقبه ( باب استحباب الإستقاء من ماء زمزم ان النبي صلى الله عليه و سلم قد اعلم أنه عمل صالحا و اعلم أن لولا أن يغلب المستقا منها على الإستقاء لنزع معهم .
وعن السائب _ رحمه الله _ أنه كان يقول اشربوا من سقايا العباس فإنه من السنة .
وقد ذكر الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده ( أن النبي صلى الله عليه و سلم ذهب إلى زمزم وشرب منها و صب على رأسه ) في حجة الوداع بعد أن طاف و صلى ركعتين خلف المقام ثم رجع إلى الركن فأستلمه (3) .
__________
(1) رواه لبزار بإسناد صحيح في الترغيب والترهيب للمنذري 2 / 209 .
(2) أخبار مكة 2 / 51 ـ 52 .
(3) مسند الإمام أحمد 3 / 394 .(1/29)
وحديث أصحاب الصحاح و السنن و السير المشهورة و المذكورة في حجة الوداع ، والذي جاء فيه أنه صلى الله عليه و سلم و بعد أن طاف طواف الإفاظة و صلى الظهر بمكة أتى بني عبد المطلب و هم يسقون على زمزم فقال : انزعو بني عبد المطلب فلو لا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعة معكم (1) .
قال ابن طاوس كان أبي يقول هو من تمام الحج ( أي الشرب من زمزم )
شفاء سقم :
وأخرج الهيثمي في الزوائد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( زمزم طعام طعم و شفاء سقم ) قال الهيثمي ، قلت : في الصحيح منه طعام طعم زواة البزار و الطبراني في الصغير و رجال البزار رجال الصحيح
وروى السخاوي في كتابه تاريخ المدينة الشريفة في سيرة أحمد ابن عبد الله الشهاب نزيل مكة .
قال : وسمع سنن أبي داود على القاضي نجم الدين الطبري و أخيه زين الدين و تاريخ الأزرقي و كان حصل للقاضي ضرر أيام و لايته لقوص فأهدى له الشهاب ماء زمزم فشرب به للإستشفاء فشفي .
وذكر الأزرقي في تاريخه عن مجاهد قال : ماء زمزم لما شرب له أن شربته تريد شفاء شفاك الله ، وإن شربته لظمأ أرواك الله ، و إن شربته لجوع أشبعك الله ، وهي هزمة جبريل لعقبة وسقيا إسماعيل عليه السلام .
وروى الإمام أحمد في مسنده ، قال حدثنا عفان حدثنا همام أخبرنا أبو جمرة قال : كنت أدفع الناس عن ابن عباس فأحسبت أياما فقال ؟ ما حسبك ؟ قلت الحمى ، قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( أن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم (2) ) .
ماء زمزم والمنافقين :
__________
(1) الحج باب حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ 2 / 892 .
(2) مسند الإمام أحمد 1 / 291 وذكر كذلك الرواية ابن حجر في الفتح 10 / 176 .(1/30)
أخرج الحاكم في مستدركه قال : اخبرنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب التقفي حدثنا احمد ابن يحيى محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود قال : جاء رجل إلى ابن العباس فقال من أين جئت ؟ فقال من ماء زمزم فقال له ابن العباس : أشربت منها كما ينبغي ؟ قال وكيف ذلك يا ابن العباس ؟ قال : إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت منها فأحمد الله _قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( آية بيننا و بين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم (1) ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إن كان عثمان بن الأسود سمع من ابن العباس .
قال الارزقي (2) حدثني حدي عن سعيد بن عثمان قال : حدثنا سعيد رجل من الأنصار عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : علامة ما بيننا و بين المنافقين أن يدلو دلواً من ماء زمزم فيتضلعون منها ما استطاع منافق قط يتطلع منها .
وقال (3) وحدتني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج قال : أخبرني مقاتل عن الضحاك ابن مزاحم قال : بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق و أن ماؤها يذهب الصداع و أن الإطلاع فيها يجلو البصر و أنه سيأتي عليها زمان يكون أعذب من النيل و الفرات .
وعن الواقدي عن عبد الحميد بن عمران عن خالد بن كيسان عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق .
__________
(1) سنن ابن ماجه ، المناسك . باب الشرب من زمزم 2 / 1017 ـ سنن الدارقطني 2 /288 ـ المستدرك 1 / 472 .
(2) أخبار مكة 2/52 . وحسنه بمجموع الروايات الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة صـ 360 .
(3) أخبار مكة 2 / 52 .(1/31)
وقال الأرزقي (1) : حدثني جدي عن عبد الحميد عن عثمان بن الأسود مجاهد عن ابي عباس قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفة زمزم فأمر بدلو ، فنزعت له من البئر فوضعها على شفة البئر ، ثم وضع يده من تحت عراقي الدلو ، ثم قال : بسم الله ثم ركع فيها و اطال ، ثم اطال فرفع رأسه فقال : الحمد لله ثم عاد فقال : بسم الله ثم ركع فيها فأطال وهو دون الأول ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله ، ثم ركع فيها فقال : بسم الله وهو دون الثاني ، ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله ، ثم قال صلى الله عليه و سلم ( علامة ما بيننا و بين المنافقين لم يشربوا منها قط حتى يتضلعوا ) .
فضل ماء زمزم :
... لم تكن عين زمزم خيرا و بركة على هاجر و ابنها فحسب ، بل كان فيها الخير والبركة جميعا ً لهذه البقعة من الأرض . فزمزم – في الحقيقة – كانت هي مقدمة عمران مكة التي سمت مكانتها بين العرب ، بعد بناء الخليل إبراهيو و ولده إسماعيل عليهما السلام البيت الحرام . وعلى مدى تاريخ زمزم ، الذي يبلغ نحو أربعة آلاف عام ، ظلت هي المصدر الئيسي لسقاية حجاج بيت الله الحرام .
... وقد ثبت في الصحيحين ، ان النبي صلى الله عليه و سلم شرب من ماء زمزم ، و قال : ( إنها مباركة ، إنها طعام طعم و شفاء سقم ) . وقد ذكر ، أنه عليه الصلاة و السلام ، بعث إلى سهيل بن عمرو : ( إن جاءك كتابي هذا ليلا ، فلا تصبحن ، و‘ن جاءك نهارا فلا تمسين ، حتى تبعث إلي بماء زمزم ) .
... وعن ابن العباس رضي الله عنهما قال : ( سقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من زمزم ، فشرب وهو قائم ) أخرجه البخاري .وفي لفظ آخر ( أن النبي صلى الله عليه و سلم شرب دلوا من ماء زمزم قائما ) أخرجه خزيمة . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحما ماء زمزم في الأداوى و القرب ، وكان يصب على المرضى ويسقيهم ) أخرجه الترميذي والحاكم و البيهقي .
__________
(1) أخبار مكة 2 / 57 .(1/32)
... ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً ، وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمناً ، وأنفسها عند الناس ، وهو هزمة جبريل وسقيا الله اسماعيل ، وثبت في الصحيح : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ، ليس له طعام غيره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنها طعام طعم " (1) وزاد غير مسلم بإسناده " وشفاء سقم" (2)
يقول ابن القيم:وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض ، فبرأت بإذن الله ، وشاهدت من يتغذي به الأيام ذوات العدد قريباً من نصف الشهر، أو أكثر ولا يجد جوعاً ، ويطوف مراراً . (3)
فالحديث السابق يدل على فضلها وأنها طعام وشفاء سقم ، وأنها مباركة والسنة الشرب منها كما شرب النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيها من البركة ، وهي طعام طيب مبارك طعام يشرع التناول منها إذا تيسر كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم . (4)
__________
(1) أخرجه مسلم (2473 ) في فضائل الصحابه : باب من فضائل أبي ذر رضى الله عنه .
(2) أخرجه البزار والبيهقي 5/148 والطيالسي 2/158 ، والطبراني في " الكبير" و " الأوسط " واسناده صحيح كما قال الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " 2/133 ، والهيثمي في " المجمع " 3/286 .
(3) زاد المعاد ، بن القيم الجوزية ، ط : 13 ، 1406 هـ ، مؤسسة الرسالة : بيروت ، ص 392 ، ج :4
(4) المجلة العربية ، عبد العزيز بن باز ، السنة 17 ، العدد 191 ، ذي الحجة 1413 هـ ، ص 18 .(1/33)
وقد ورد أن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر ، والتحقيق في ذلك ( قال القسطلاني ) على قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه خرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغها في صدري ثم أطبقه الحديث ما نصه وموضع الترجمة قوله ثم غسله بماء زمزم لأنه يدل على فضل زمزم حيث اختص غسله بها دون غيرها من المياه ( وقد قال شيخ الإسلام البلقيني ) أنه أفضل من الكوثر لأن به غسل قلبه الشريف ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه .
الحديث المتقدم أخرجه مسلم أيضاً والبلقيني ذكر ذلك في تاريخ مكة ونقل الشيخ سيدي عبد المجيد الزبادي ما نصه وذكر صاحب المواهب اللدنية وغير واحد قالوا أنه أفضل مياه الدنيا والآخرة . (1)
... وفيما رواه الدارقطنى والحاكم وصححه ، عن ابن العباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ماء زمزم لما شرب له ، إن شربته لتستشفي ؛ شفاك الله ، وإن شربته لشبعك ؛ أشبعك الله ، وإن شربته لقطع ظمئك ؛ قطعه الله ، وهي هزمة حبريل وسقيا الله إسماعيل ) ورواه الحاكم و زاد فيه : ( وإن شربته مستعيذا أعلذك الله ) قال : اللهم إني اسألك علما نلفعا و رزقا واسعا ، وشفاء من كل داء ) . (2)
__________
(1) إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له ، محمد بن ادرسي القادري ، ط:1 ، 1330 هـ ، مطبعة الجمالية : مصر .
(2) 2 مجلة الأزهر – العدد 13 – 1402هـ - 1981 م – ص 2090(1/34)
... قال البكري رحمه الله تعالى : وأنا قد جربت ذلك فوجدته صحيحاً على أني لم أشربه إلا على يقين من هذا وتصديق بالحديث . وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها ، فقد صح عن إمامنا الشافعي رضى الله عنه أنه شربه للعلم فكان فيه الغاية ، وشربه للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة ، وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف وغيره فكان أحسن أهل عصره تصنيفاً ، وقال الحكيم في نوادر الأصول عن والده أنه اشتد عليه بالليل الاراقة وهو يطوف يخشى أنه إن خرج من المسجد أن يتلوث باذى الناس وكان في الموسم فتوجه إلى زمزم وشرب منها ورجع فلم يحس بالبول حتى أصبح .
وهذا من الغرائب فإن زمزم تدر الاراقة ، ونحوه ما جرى لبعض الأصحاب أنه أصابه اسهال فشربه فذهب عنه مع أنه يطلق البطن غالباً قال الشبلي والأولى يبتغي شربه لشفاء القلب من الأخلاق الذميمة وتحليته بالأخلاق العلية ، فإذا قصد شربه استقبل القبلة ثم ذكر الله تعالى وسماه ثم يقول : اللهم بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال : ماء زمزم لما شرب له ، اللهم وأني اشربه لكذا وسمي حاجته ويشرب كثيراً حتى يتضلع لقوله عليه الصلاة والسلام ( آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم) . (1) ويتضح من هذا الحديث الشريف كيفية التداوي بماء زمزم وهي:
×?يؤتى بالمريض الذي يرجى له الشفاء بماء زمزم ويصب عليه شخص آخر من ماء زمزم بنية أن يشفيه الله تعالى من مرضه .
×?والأيسر أن يغتسل المريض بماء زمزم بنية الاستشفاء .
×?وعلى المريض بعد ذلك أن يشرب منه ويكثر ويتضلع حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه .
ولابد من استحضار النية بالشفاء ، تصديقاً واعتقاداً بقول الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ، والإخلاص النفسي بقبول التداوي بهذا الماء الشافي.
__________
(1) رواه البخاري والترميذي والبيهقي - الجامع الصغير للسيوطي – الجزء 1 – ص 296 .(1/35)
عن يحيى عن عبدالله قال ، حدثني نافع عن عمر رضي الله عنهما عن التبي صلى الله عليه و سلم (الحمى من فيح جهنم ؛ أبردوها بالماء ) أو قال : ( ماء زمزم ) . (1)
فكانت أسماء بنت الصديق رضى الله عنها ترش على بدن المحموم شيئاً من ماء زمزم بين يديه وثوبه .
ويروي الأزرقي في ( تاريخ مكة ) عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقول : بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة فى النفاق ، وأن ماءها مذهب للصداع ، وأن الإطلاع فيها يجلو البصر ، وأنه سيأتي عليها زمان تكون أعذب من النيل والفرات .
وكم من رجل كان قد أصيب بداء الصداع و ما أن أتى إلى بئر زمزم وشرب منه بنية الشفاء فكان الشفاء ، نعم إن هذا ليس بعجيب و لا بغريب لأن ماء زمزم لما شرب له ، وكم قرأنا في الصحف أحوالاً من هذا القبيل يتعجب منها المرء ، وقد ذكر لي أحد الأفارقة و هو يقسم برب العالمين أنه كان يعاني من صعوبة شديدة في فمه منذ سنين و لما أتى إلى ماء زمزم وشرب منه بنية الشفاء وهبه الله تعالى الشفاء حقاً إن ماء زمزم لما شرب له (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري وأحمد – صحيح البخاري – الجزء 3 – ص 1191
(2) الشافيات العشر من الكتاب والسنة ، محي الدين عبد الحميد ،ط : 2 ، 1414هـ ، مكتبة الخدمات الحديثة : جدة ، ص ص 248 ، 251 .(1/36)
ومن فضائل ماء زمزم أيضاً مارواه بن عباس رضي الله عنهما قال : كان أهل مكه لا يسابقهم أحد إلا سبقوه و لا يصارعهم أحد إلا صرعوه حتى رغبوا عن ماء زمزم ، وقد ورد في فضل ماء زمزم وبركته أخبار كثيرة وروايات لا حصر لها نجد تفسيرها فيما قاله العلامة المناوى في شرح الجامع الصغير عند قوله صلى الله عليه وسلم ماء زمزم لما شرب له لأنه سقيا الله وغياثه لولد خليله فبقي غياثاً لمن بعده فمن شربه باخلاص وجد ذلك الغوث ، قال الحكيم الترمذي : هذا جار للعباد على مقاصدهم وصدقهم في تلك المقاصد والنيات لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه فإذا فزع إليه واستغاث به وجد غياثا وإنما يناله العبد على قدر نيته فإن النيه تبلغ بالعبد عناصر الأشياء والنيات على قدر طهارة القلوب وسعيها إلى ربها وعلى قدر العقل والمعرفة يقدر القلب على الطيران إلى الله تعالى ، فالشارب لزمزم على ذلك .
وماء زمزم قد شرب منه الأنبياء الأخيار الذين اصطفاهم الله تعالى، وشرب منه العلماء والعاملون والأئمة الأبرار وشرب منه أولوا الهداية الأسرار ، ويشرب منه جميع المؤمنين إلى أن تقوم الساعة ، ويشرب الجميع بإيمان ويقين وصدق وإخلاص والشرب بالدلو من نفس البئر أحلى وأصفى وألذ وأطعم كما هو مجرب عند جميع الناس ، ومن عجيب أمر ماء زمزم أن لونه كلون جميع المياه ولكن طعمه يختلف عنها ، ان طعمه لذيذ سائغ للشاربين ، انه يمتاز بطعمه الخاص ومنافعه الخاصة (1) .
وتحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له ):
__________
(1) زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك ، ط : 1 ، 1403 هـ ، ص 29 ، 31(1/37)
وأن الدعاء مستجاب عند شرب زمزم، فقد تنوعت نيات ا لصحابة ومن بعدهم من الصالحين في قضاء حاجات دنيوية وأخروية، وإيماناً منهم بما أخبر به صلى الله عليه وسلم أنه لِما شرب له، ورجاء من الله تعالى بحصول المطلوب والمأمول الذي نوَوه وقد نال كثيرون – بل من لا يُحصى كما قال الحافظ ابن حجر في جزء ماء زمزم ( ص 191 ) – مطالبهم التي شربوا ماء زمزم من أجلها في الدنيا، والمأمول من الله تعالى أن يحقق لهم ما سألوه في الآخرة.
وإليك أخبارهم في ذلك..
عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند شربه لزمزم:
روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما شَرِب ماء زمزم دعا بقوله: ( اللهم إني أشربه لظمأ يوم القيامة ). الجوهر المنظم في فضائل ماء زمزم لأحمد بن محمد بن شمس الدين.
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عند شربه لزمزم..
وهذا حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان إذا شرب ماء زمزم قال: ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء ). المستدرك للحاكم ( 1 / 473 ).
وهذا من جوامع الدعاء الذي تضمن خيري الدنيا والآخرة ..
الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه لما شرب زمزم ..
ذُكر أن الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه شرب ماء زمزم ليكون من أعلم العلماء، فكان كذلك ، وناهيك به علماً وصلاحاً وفضلاً .
الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله عند شربه لزمزم ..
روي عنه أنه أتى زمزم فاستقى منه شربة ، ثم استقبل الكعبة ، ثم قال : اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ماء زمزم لما شرب له ، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ، ثم شربه . تاريخ بغداد (10/ 116 .
شُرب تلميذٍ للإمام ابن عيينة ماء زمزم بنية أن يحدثه شيخه مئة حديث(1/38)
روى أبو بكر الدينوري في كتابه المجالسة عن الحميدي قال : كنا عند سفيان بن عيينة فحدثنا بحديث ( ماء زمزم لما شرب له ) فقام رجل من المجلس ، ثم عاد فقال : يا أبا محمد : أليس الحديث الذي حدثتنا به في زمزم صحيحاً ؟ قال : نعم ، قال الرجل : فإني شربت الآن دلولاً من زمزم على أنك تحدثني بمئة حديث ، فقال له سفيان : اقعد ، فقعد فحدثه بمئة حديث . جزء ابن حجر ( ص 191 ) .
رحم الله الإمام سفيان بن عيينة ما أحرصه على أداء العلم ، رحم الله هذا السائل ، ما أحرصه على العلم ، والتحايل اللطيف في طلبه . الإمام الشافعي رحمه الله لمّا شرب زمزم ..
قال الحافط ابن حجر رحمه الله : واشتهر عن الشافعي الإمام أنه شرب ماء زمزم للرمي ، فكان يصيب من كل عشرة تسعة . أخبار الأذكيار لابن الجوزي ( ص 105 ) .
وفي رواية أخرى : أن الإمام الشافعي رحمه الله قال : شربت ماء زمزم لثلاث ، للرمي : فكنت أصيب العشرة من العشرة ، والتسعة من العشرة ، وللعلم : فها أنا كما ترون ، ولدخول الجنة : فأرجو حصول ذلك . الجوهر المنظم ( ص 44 – 45 ) .
الإمام ابن خزيمة لما شرب زمزم ..
روي عن الإمام ابن خزيمة أنه سئل من أين أوتيت العلم ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له ) ، وإني لما شربت سألت الله علماً نافعاً . سير أعلام النبلاء ( 14 / 370 ) .
والد الحكيم الترمذي لما شرب زمزم ..
روي عن والد الحكيم الترمذي قال : حدثني أبي رحمه الله قال : دخلت الطواف في ليلة ظلماء ، فأخذني من البول ما شغلني ، فجعلت أعتصر – أي أقاوم خروجه – حتى آذاني ، وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض الأقدام وذلك أيام الحج ، فذكرت هذا الحديث – أي ماء زمزم لما شرب له – فدخلت زمزم فتضلعت منه ، فذهب عني إلى الصباح . تفسير القرطبي ( 9 / 370 ) .
الإمام الحاكم لما شرب زمزم ..(1/39)
روي عن الإمام الحافظ المحدث أبي عبد الله الحاكم رحمه الله أنه شرب ماء زمزم لِحُسن التصنيف ، ولغير ذلك ، فصار أحسن أهل عصره تصنيفاً . تذكرة الحفاظ للذهبي (3/1044 ) .
الإمام الخطيب البغدادي لما شرب زمزم ..
روي عن الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات ، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات ، أخذاً بالحديث : ( ماء زمزم لما شرب له ) ، فالحاجة الأولى : أن يحدث بتاريخ بغداد بها ، والثانية : أن يملي الحديث بجامع المنصور ، والثالثة : أن يدفن عند قبر بشر الحافي ، قال : فقضى الله له ذلك . تذكرة الحفاظ ( 3 / 1193 ) .
الإمام ابن العربي المالكي لما شرب زمزم ..
روي عن الإمام القاضي أبي بكر محمد بن العربي أنه قال : ولقد كنت بمكة مقيماً في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمئة ، وكنت أشرب ماء زمزم كثيراً ، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان ، حتى فتح الله لي ببركته في المقدار الذي يسره لي من العلم ، ونسيت أن أشربه للعمل ، وياليتني شربته لهما ، حتى يفتح الله علي فيهما ، ولم يُقدّر ، فكان صغوي إلى العلم أكثر منه إلى العلم ، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته . أحكام القرآن ( 1 / 1124 ) .
والد الإمام ابن الجزري لما شرب زمزم ..
قال الحافظ السخاوي في ترجمة الإمام ابن الجزري رحمه الله : كان أبوه تاجراً ، ومكث أربعين سنة لم يرزق ولداً ، فحج وشرب ماء زمزم بنية أن يرزقه الله ولداً عالماً ، فولد له محمد الجزري بعد صلاة التراويح سنة ( 751هـ ) . الضوء اللامع ( 9 / 255 ) .
وناهيك بابن الجزري علماً وصلاحاً ..
الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني لما شرب زمزم ..(1/40)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وأنا شربته مرة وسألت الله وأنا حينئذ في بداية طلب الحديث أن يرزقني حالة الذهبي – الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد ( ت 748هـ ) – في حفظ الحديث ، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة ، وأنا أجد من نفسي المزيد على تلك المرتبة ، فسألته رتبة أعلى منها ، فأرجو الله أن أنال ذلك . جزء في حديث ماء زمزم لابن حجر ( ص 191 ) .
قال تلميذه الحافظ السخاوي : وقد حقق الله له ذلك .
وقال الإمام السيوطي بعد أن ذكر خبر ابن حجر وشربه زمزم : فبلغها وزاد . طبقات الحفاظ ( ص 547 ) .
الإمام الكمال ابن الهمام لما شرب زمزم ..
قال الإمام الفقيه الأصولي المحدث الكمال ابن الهمام محمد بن عبد الواحد ( ت 861هـ ) بعد أن ذكر خبر شيخه ابن حجر وشربه زمزم : والعبد الضعيف يرجو الله سبحانه شربه للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام معها . فتح القدير شرح الهداية ( 2 / 400 ) .
الإمام السيوطي لما شرب زمزم ..
قال الإمام أبو بكر السيوطي : ولما حججت شربت من ماء زمزم لأمور ، منها : أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني ، و في الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر . حسن المحاضرة ( 1 / 338 ) .
قال تلميذ السيوطي الإمام شمس الدين محمد بن علي الداودي المالكي صاحب طبقات المفسرين : والذي نفسي بيده إن الذي أعتقده وأدين الله به أن الرتبة التي وصل إليها – السيوطي – من العلوم واطلع عليها لم يصل إليها أحد ، ولا وقف عليها غيره من مشايخه ، فضلاً عمن هو دونهم . الجوهر المنظم ( ص 45 ) .
شرب الشيخ أحمد بن محمد بن آق شمس الدين ماء زمزم ، وتحقيق الله لآماله ..(1/41)
قال صاحب الجوهر المنظم - الشيخ أحمد بن محمد بن آق المتوفى في حدود القرن الثاني عشر ، بعد أن ذكر أخبار شرب العلماء لزمزم ، وتحقيق الله لآمالهم التي شربوا زمزم من أجلها - : وأنا العبد الفقير الجامع لهذه الرسالة معترفاً بالتقصير ، ولقد تضلعت من ماء زمزم مراراً ، وجربت ذلك تكراراً ، فلم أنو به شيئاً من المقاصد الجليلة والحقيرة ، واليسيرة والعسيرة ، إلا ونلتها في الحال على أحسن منوال ، بعون الله الملك المتعال ، فالله أحمد على ذلك وأشكره لما هنالك . الجوهر المنظم ( ص 46 ) .
الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي لما شرب زمزم ..
قال العلامة المحدث الفقيه الشيخ ظفر أحمد العثماني التهانوي – أحد كبار علماء الهند وباكستان ( ت 1394هـ ) عن أربع وثمانين سنة - : وقد شربت ماء زمزم في أول حجتي لأمور من الدين والدنيا ، نلت أكثرها ، ثم شربته في الحجة الثانية لأمور كذلك ، فزت بكثير منها ، ثم في الثالثة لأمور أرجو الله سبحانه أن أنالها ، وقد كانت بلساني لُكنة شديدة كانت تعوقني عن إلقاء الدروس في المدارس وعن الخطابة على المنابر ، فلم أصدر من أول حجتي بعد الشرب من زمزم لزوالها ، إلا وأنا أجد من نفسي القدرة على الدرس والخطابة .. وقد رزقني الله بفضله وكرمه قدرة تامة على الخطابة والوعظ والتذكير ، وقبولاً في قلوب السامعين ، ولله الحمد حق حمده والصلاة والسلام نبيه سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين . إعلان السنن ( 10 / 208(1/42)
قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في آلاف يقول شربت ماء زمزم وسألت الله ان يرزقني حسن التصنيف قال العبدويي وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول كتبت على ظهر جزء من حديث أبي الحسين الحجاجي الحافظ فأخذ القلم وضرب على الحافظ وقال أيش أحفظ أنا أبو عبد الله بن البياع أحفظ مني وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي النيسابوري وأبا العباس بن عقدة وسمعت السلمي يقول سألت الدارقطني أيهما أحفظ ابن مندة أو ابن البيع فقال ابن البيع أتقن حفظا قال أبو حازم أقمت ثم أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرا وكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله فإذا ورد جواب كتابه حكم به وقطع بقوله قال الحافظ أبوصالح المؤذن أخبرنا مسعود بن علي 1(1)
من القصص المعاصرة :
قالت مؤلفة كتاب ( فلا تنس الله ) ليلى الحلو بعد أن شفاها الله من السرطان الذي أصابها في ثدييها بعد أن شربت واغتسلت من ماء زمزم ، وبعد حدوث الآية الكبرى آية شفائي التي لم تكن متوقعة ، وبعد هاته النهاية المباركة ، صرت أومن مع كل من عاش معي قصتي بأن هناك قوة وقدرة خفية لا تصل العقول لإدراكها ، ألا وهي قوة الله ، ومادامت هذه القوة معك ، فاملأ بالأمل حياتك لأن الله معك وأبواب السماء مفتوحة دائماً لك وعلوك في الأرض لا يأتي إلا عن طريق اتباعك لله ... فلا تنس الله ... " (2).
يسرية شفيت من قرحة قرمزية في عينها اليسرى بعد استعمالها ماء زمزم(1/43)
يذكر أحد الإخوة المسلمين بعد عودته من أداء فريضة الحج فيقول : حدثتني سيدة فاضلة اسمها – يسرية عبد الرحمن حراز – كانت تؤدي معنا فريضة الحج ضمن وزارة الأوقاف عن المعجزة التي حدثت لها ببركات ماء زمزم فقال : إنها أصيبت منذ سنوات بقرحة قرمزية في عينها اليسرى نتج عنها صداع نصفي لا يفارقها ليل نهار , ولا تهدئ منه المسكنات .. كما أنها كادت تفقد الرؤية تماما بالعين المصابة لوجود غشاوة بيضاء عليها .. وذهبت إلى أحد كبار أطباء العيون فأكد أنه لا سبيل إلى وقف الصداع إلا باعطائها حقنة تقضي عليه , وفي نفس الوقت تقضي على العين المصابة فلا ترى إلى الأبد
--------------------------------------------------------
(1)- سيرة أعلام النبلاء/17/ 171/
(2) فلا تنس الله ، ليلى الحلو ، ص 162(1/44)
وفزعت السيدة يسرية لهذا النبأ القاسي , ولكنها كانت واثقة برحمة الله تعالى ومطمئنة إلى أنه سيهيئ لها أسباب الشفاء رغم جزم الطب والأطباء بتضاؤل الأمل في ذلك .. ففكرت في أداء عمرة , كي تتمكن من التماس الشفاء مباشرة من الله عند بيته المحرم وجاءت إلى مكة وطافت بالكعبة , ولم يكن عدد الطائفين كبيرا وقتئذ , مما أتاح لها – كما تقول – أن تقبل الحجر الأسود , وتمس عينها المريضة به .. ثم اتجهت إلى ماء زمزم لتملأ كوبا منه وتغسل به عينها .. وبعد ذلك أتمت السعي وعادت إلى الفندق الذي تنزل به ، فوجئت بعد عودتها إلى الفندق أن عينها المريضة أصبحت سليمة تماما , وأن أعراض القرحة القرمزية توارت ولم يعد لها أثر يذكر كيف تم استئصال قرحة بدون جراحة ؟! .. كيف تعود عين ميئوس من شفائها إلى حالتها الطبيعية بدون علاج ؟! وعلم الطبيب المعالج بما حدث , فلم يملك إلا أن يصيح من أعماقه الله أكبر إن هذه المريضة التي فشل الطب في علاجها عالجها الطبيب الأعظم في عيادته الإلهية التي أخبر عنها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : ( ماء زمزم لما شرب له , إن شربته تستشفي شفاك الله , وإن شربته لشبعك أشبعك الله – وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله , وهي هزمة جبرائيل وسقيا الله إسماعيل ) رواه الدارقطني والحاكم
إخراج حصاة بدون جراحة
ومثل هذه الحكاية وحكايات أخرى نسمع عنها من أصحابها أو نقرؤها , وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على صدق ما قاله الرسول صلى الله عليه سلم عن هذه البئر المباركة زمزم
فيروي صاحب هذه الحكاية الدكتور فاروق عنتر فيقول
لقد أصبت منذ سنوات بحصاة في الحالب , وقرر الأطباء استحالة إخراجها إلا بعملية جراحية , ولكنني أجلت إجراء العلمية مرتين .. ثم عن لي أن أؤدي عمرة , وأسأل الله أن يمن علي بنعمة الشفاء وإخراج هذه الحصاة بدون جراحة ؟(1/45)
وبالفعل سافر الدكتور فاروق إلى مكة , وأدى العمرة وشرب من ماء زمزم , وقبل الحجر الأسود , ثم صلى ركعتين قبل خروجه من الحرم , فأحس بشيء يخزه في الحالب , فأسرع إلى دورة المياه , فإذا بالمعجزة تحدث , وتخرج الحصاة الكبيرة , ويشفى دون أن يدخل غرفة العمليات لقد كان خروج هذه الحصاة مفاجأة له وللأطباء الذين كانوا يقومون على علاجه , ويتابعون حالته (1)
فسبحان الذي جعل شفاءها من السرطان المرض الذي أعجز كل الأطباء في ماء زمزم .
--------------------------------------------------
(1) المصدر " الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية " لمحمد كامل عبد الصمد
آداب شربها :
تحدث الامام الفاسي عن آداب شرب ماء زمزم فيقول أنه يستحب لشاربه أن يستقبل القبله ، ويذكر اسم الله تعالى ويتنفس ثلاثا ويتضلع منه ويحمد الله تعالى ، ويدعو بما كان يدعو به ابن عباس اذا شرب ماء زمزم . لأن في مستدرك الحاكم من حديث ابن عباس السابق وكان بن عباس إذا شرب من ماء زمزم قال : اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء . ولا يقتصر على هذا الدعاء بل يدعو بما أحبه من أمر الآخرة من دعاء ويتجنب الدعاء بما فيه مأثمة .
وقال العلماء رحمهم الله من أراد أن يشرب من ماء زمزم فينبغي له أن يأخذ السقاء بيده اليمنى ويستقبل الكعبه الشريفه ويقول اللهم أنه بلغني عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنه قال ماء زمزم لما شرب له اللهم إني أشربه لكذا ويذكر ما يريد ثم يشرب ويتنفس ثلاثا ويسمي الله في ابتداء كل مرة ويحمده عند فراغها (1) .
__________
(1) زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك ، ط : 1 ، 1403 هـ ، ص 33 .(1/46)
لما روي أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاءه رجل فقال له من أين جئت ؟ قال : من زمزم . قال : فشربت كما ينبغي ؟ قال : وكيف ذلك ؟ قال إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله عز وجل ثم تنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله تعالى فان النبي صلى الله عليه وسلم قال آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم .
التحليل الكيميائي لماء زمزم : (1)
... تم في عام 1392 هـ ، تكلف احدى الشركات الإشتثمارية بعمل تحليل لمياه زمزم كيميائيا و بكترويولوجيا . وفيما يلي نتائج التحليل الكيمائي الذي قامت به الشركة ( معبرا عنها بجزء من المليون ) :
الأس الهيدروجيني ... 7.1
كالسيوم ... 244
مغنسيوم ... 63
بيكربونات ... 329
كلوريد ... 497
كبريتات ... 399
نيترات ... 443
وفي عام 1979 م أجرى تحليل كيميائي جديد لماء زمزم كانت نتائجه كالتلي ( معبرا عنها بجزء من المليون ) :
كالسيوم ... 184.4
مغنسيوم ... 169
بوتاسيوم ... 178
سيليكا ... 377.8
كلوريد ... 345.5
وفي بداية عام 1980 م اجرى تحليل كيميائي جديد لماء زمزم كانت نتائجه كالتالي ( معبرا عنها بجزء من المليون ) :
الأس الهيدروجيني ... 7.3
كالسيوم ... 136
مغنسيوم ... 77.8
صوديوم ... 255
بوتاسيوم ... 118
كبريتات ... 400
بيكربونات ... 329
وفي اثناء عملية تنظيف بئر زمزم في بدايو عام 1400هـ ، كلف الغواصون بأخذ عينات من المصادر الرئيسية لمياه زمزم و تم تحليلها في مختبر مصلحة المياه و الصرف الصحي بالمنطقة الغربية وفيما يلي نتائج التحليل الكيميائي لماء زمزم للمصدر المتجه إلى ناحية الكعبة المشرفة ( جزء من المليون ) :
كالسيوم ... 198
مغنسيوم ... 43.7
كلوريد ... 335
كبريتات ... 370
حديد ... 0.15
منجنيز ... 0.15
نحاس ... 0.12
كلوريد ... 0.85
وفيما يلي يعرض الجدول مدى تميز ماء زمزم بأنه نقي ولا لون له ولا رائحة ذو مذاق مالح قليلا :
__________
(1) مجلة القافلة – د. أحمد عبد القادر المهندس - العدد 1 – ص 43 ، 45 – 1414هـ - 1993 م(1/47)
نتائج تحاليل مياه زمزم مع
المقارنة بمقاييس منظمة الصحة العالمية
العنصر ... رقم العينة ... الحدود العالمية المسموح بها
ZM - 72 ZM - 71 ZM - 70
الاس الهيدروجيني ... 7.5 ... 7.6 ... 7.5 ... -
الأملاح الذائبة ... 1499 ... 1485 ... 1489 ... 1500
البوتاسيوم ... 12 ... 14 ... 14 ... -
الصوديوم ... 332 ... 331 ... 333 ... -
المغنسيوم ... 54 ... 57 ... 52 ... 150
الكالسيوم ... 104 ... 101 ... 101 ... 200
الكلوريدات ... 360 ... 362 ... 359 ... 600
الكبريتات ... 290 ... 286 ... 285 ... 400
البيكربونات ... 390 ... 397 ... 393 ... -
وتؤكد التحاليل الكيمائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية خاصة منظمة الصحة العالمية على أن ماء زمزم صالح تماما للشرب و أن أثره الصحي جيد ، وقد وجد من التحاليل الكيميائية المتعددة لماء زمزم أن تركيب ماء زمزم يتأثر تماما بالجفاف الذي ينتج عنه زيادة تركيز الأملاح في الماء عن طريق التبخر .
الفحص البكتريولوجي :
وفي اثناء عملية تنظيف بئر زمزم في بداية عام 1400 هـ ، كلف الغواصون بأخذ عينات لمياه زمزم و تم تحليلها في مختبر مصلحة المياه و الصرف الصحي بالمنطقة الغربية على النحو التالي :
مكان أخذ العينات ... العدد للمجموعة القولونية في 100سم3 ... الإختبارات التأكيدية للمجموعة القولونية في 100 سم 3
اتجاه المروه ... 180 ... 20
اتجاه الكعبة ... 40 ... صفر
اتجاه الصفا ... 340 ... 60
وعن طريق معالجة مياه زمزم بالأشعة فوق البنفسجية اصبحت المياه خالية من الجراثيم إلى حد كبير ، وبالتالي لا يوجد هناك أحتمال لتغيير طعمها أو أحتوائها على البكتيريا .
ماء زمزم في الاختبار
قال أحد الأطباء في عام 1971 إن ماء زمزم غير صالح للشرب ، استناداً إلى أن موقع الكعبة المشرفة منخفض عن سطح البحر ويوجد في منتصف مكة ، فلا بد أن مياه الصرف الصحي تتجمع في بئر زمزم(1/48)
ما أن وصل ذلك إلى علم الملك فيصل رحمه الله حتى أصدر أوامره بالتحقيق في هذا الموضوع ، وتقرر إرسال عينات من ماء زمزم إلى معامل أوروبية لإثبات مدى صلاحيته للشرب .. ويقول المهندس الكيميائي معين الدين أحمد، الذي كان يعمل لدى وزارة الزراعة والموارد المائية السعودية في ذلك الحين ، أنه تم اختياره لجمع تلك العينات .. وكانت تلك أول مرة تقع فيها عيناه على البئر التي تنبع منها تلك المياه وعندما رآها لم يكن من السهل عليه أي يصدق أن بركة مياه صغيرة لا يتجاوز طولها 18 قدما وعرضها 14 قدماً ، توفر ملايين الجالونات من المياه كل سنة للحجاج منذ حفرت من عهد إبراهيم عليه السلام ..(1/49)
وبدأ معين الدين عمله بقياس أبعاد البئر، ثم طلب من أن يريه عمق المياه، فبادر الرجل بالاغتسال، ثم نزل إلى البركة، ليصل ارتفاع المياه إلى كتفيه، وأخذ يتنقل من ناحية لأخرى في البركة، بحثاً عن أي مدخل تأتي منه المياه إلى البركة، غير أنه لم يجد شيئاً .. وهنا خطرت لمعين الدين فكرة يمكن أن تساعد في معرفة مصدر المياه ، وهي شفط المياه بسرعة باستخدام مضخة ضخمة كانت موجودة في الموقع لنقل مياه زمزم إلى الخزانات ، بحيث ينخفض مستوى المياه بما يتيح له رؤية مصدرها غير أنه لم يتمكن من ملاحظة شيء خلال فترة الشفط، فطلب من مساعده أن ينزل إلى الماء مرة أخرى .. وهنا شعر الرجل بالرمال تتحرك تحت قدميه في جميع أنحاء البئر أثناء شفط المياه ، فيما تنبع منها مياه جديدة لتحلها ، وكانت تلك المياه تنبع بنفس معدل سحب المياه الذي تحدثه المضخة ، بحيث أن مستوى الماء في البئر لم يتأثر إطلاقاً بالمضخة .. وهنا قام معين الدين بأخذ العينات التي سيتم إرسالها إلى المعامل الأوروبية ، وقبل مغادرته مكة استفتسر من السلطات عن الآبار الأخرى المحيطة بالمدينة ، فأخبروه بأن معظمها جافة .. وجاءت نتائج التحاليل التي أجريت في المعامل الأوروبية ومعامل وزارة الزراعة والموارد المائية السعودية متطابقة، فالفارق بين مياه زمزم وغيرها من مياه مدينة مكة كان في نسبة أملاح الكالسيوم والمغنسيوم، ولعل هذا هو السبب في أن مياه زمزم تنعش الحجاج المنهكين .. ولكن الأهم من ذلك هو أن مياه زمزم تحتوي على مركبات الفلور التي تعمل على إبادة الجراثيم !! وأفادت نتائج التحاليل التي أجريت في المعامل الأوروبية أن المياه صالحة للشرب ..(1/50)
ويجدر بنا أن نشير أيضاً إلى أن بئر زمزم لم تجف أبداً من مئات السنين، وأنها دائما ما كانت توفي بالكميات المطلوبة من المياه للحجاج ، وأن صلاحيتها للشرب تعتبر أمراً معترفاً به على مستوى العالم نظراً لقيام الحجاج من مختلف أنحاء العالم على مدى مئات السنين بشرب تلك المياه المنعشة والاستمتاع بها .. وهذه المياه طبيعية تماماً ولا يتم معالجتها أو إضافة الكلور إليها .. كما أنه عادة ما تنمو الفطريات والنباتات في الآبار، مما يسبب اختلاف طعم المياه ورائحتها أما بئر زمزم فلا تنمو فيها أية فطريات أو نباتات .. فسبحان الله رب العالمين (1)
C:\WINDOWS -1-\سطح المكتب\زمزم\زمزم\tasabeeh.mht
الأمن المائي في مكة المكرمة :
... نظرا للطبيعة الجغرافية القاحلة لمنطقة مكة المكرمة التي أدت إلى قلة الموارد الطبيعية للمياه ، فقد أنجزت حكومة المملكة العربية السعودية الكثير من المشروعات في قطاع المياه من خلال مصلحة المياه و الصرف الصحي ، وتم التركيز بشكل خاص و مكثف لتلبية إحتياجات مكة المكرمة والمشاعر المقدسة من مياه لخدمة ضيوف الرحمن ، وفيما يلي عرض موجز لهذه الإنجازات :
? يقدر انتاج بئر زمزم ما بين 11 – 85.5 لتر / ثانية . ويوزع ماء زمزم بشكل جيد على ثلاجات خاصة في الحرمين الشريفين وذلك بعد التعقيم ليكون صالحا للشرب و نافعا للجسم بإذن الله .
? تم تمديد شبكات أنابيب خطوط مياه منى وعرفات بتكلفة تزيد عن 17.6 مليون ريال .
? تم إنجاز عدد من المشروعات لتحسين مصادر تغذية شبكة مياه مكة المكرمة ورفع كفاءتها لسد ‘حتياجات الحجاج بتكلفة تزيد عن 22 مليون ريال .
? تم حفر آبار لزيادة مخزون المياه في مكة المكرمة بتكلفة تزيد على 3.4 مليون ريال .
ومن أجل مواكبة التوقعات المستقبلية في زيادة عدد الحجاج ، ولاهمية توفر المياه و الصرف الصحي للأعداد الكبيرة من الحجاج ، فقد تمت دراسة و إنشاء بعض المشروعات التالية :(1/51)
? تنفيذ مشروعات المياه لزيادة كميات المياه الواردة لمكة المكرمة بتكلفة تزيد على 93.4 مليون ريال .
? إنشاء خزانات لمكة المكرمة بتكلفة تزيد على 83.3 مليون ريال .
? تنفيذ مجموعة من المشروعات لتوسع شبكتي المياه و الصرف الصحي بمكة المكرمة بتكلفة تزيد على 465 مليون ريال .
مسائل متفرقة فقهيه عن ماء زمزم :
الدعاء عن شرب زمزم:
فرع ذكر الحسن البصري رحمه الله في رسالته المشهورة إلى أهل مكة أن الدعاء يستجاب في خمسة عشر موضعاً في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وعلى الصفا والمروة وفي المسعى وخلف المقام وفي عرفات وفي منى وعند ااثلجمرات الثل1
وجاء فى حاشية ابن عابدين 2ص499 وفي الفتح ويستحب أن يأتي زمزم بعد الركعتين ثم يأتي الملتزم قبل الخروج إلى الصفا وقيل يأتي الملتزم ثم يصلي ثم يأتي زمزم ثم يعود إلى الحجر
اهداء ماء زمزم : استهدى النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو من ماء زمزم» وبإسناده عن جابر رضي الله عنه قال «أرسلني صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة قبل أن يفتح مكة إلى سهل بن عمرو أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك، فبعث إليه بمزادتين» وعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها «كانت تحمل ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله» رواه الترمذي وقال حديث حسن الإسناد ورواه البيهقي هكذا ثم قال وفي رواية «حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوى والقرب، وكان يصب على المرضى ويسقيهم»2(1/52)
نقل ماء زمزم :أما الأحكام ففيه مسائل إحداها اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على جواز نقل ماء زمزم إلى جميع البلاد، واستحباب أخذه للتبرك، 3جاء في حاشية ابن عابدين ويستحب حمله إلى البلاد فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله كان يحمله الترمذي أنه كان يحمله وكان يصبه على المرضى ويسقيهم وأنه حنك به الحسن والحسين رضي الله عنهما4 يقول الإمام الفاسي يجوز نقل ماء زمزم إلى البلدان باتفاق المذاهب الأربعة بل هو مستحب عند المالكية والشافعية والفرق عند الشافعية بينه وبين حجارة الحرم في عدم جواز نقلها وجواز نقل ماء زمزم أن الماء بشئ يزول فلا يعود ، أشار إلى هذه التفرقة الشافعي فيما حكاه عنه البيهقي والأصل في جواز نقله ما رويناه في جامع الترمذي عن عائشة أنها حملت من ماء زمزم في القوارير وقالت : حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الاداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم ورويناه في شعب الايمان للبيهقي وفي سننه وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى . ويدل لذلك ما رويناه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو من ماء زمزم . أخرجه الطبراني في مسند رجاله ثقات ، ورويناه في تاريخ الأزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعجل سهيلاً في إرسال ذلك إليه وأنه بعث الى النبي صلى الله عليه وسلم براويتين .
----------------------------------------
1-المجموع 8ص190
2- المجموع 7 ص383 3- المجموع 7ص3842
4حاشية ابن عابدين2ص625
وروي أن كعب الأحبار حمل من ماء زمزم اثنتى عشرة راوية إلى الشام ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه حنك به الحسن والحسين رضي الله عنهما مع تمر العجوة (1) .من خصائصه
__________
(1) زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك ، ط : 1 ، 1403 هـ ، ص 36 .(1/53)
أنه يكره الاستنجاء به واستعماله في النجاسات كما قاله ابن بشير وبن هارون وعليها حمل العلماء قول بن شعبان لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة كما يأتي ، وقيل يجوز وهو ما للتتائي وقال انه ظاهر المختصر ونصه في الصغير عند قول الشيخ خليل وندب جمع ماء وحجر ثم ماء ونبه بقوله ماء على مخالفة بعض أهل العلم في قوله يكره بالماء لأنه مطعوم وعلى قول بن حبيب لا يجزء الحجر مع القدرة على الماء وظاهره دخول ماء زمزم وهو كذلك خلافا لابن منه بلفظه وظاهره أى المختصر في قوله ثم ماء حيث أى المختصر في قوله ثم ماء حيث أطلق وأما الاستنجاء بالماء العذب أعني غير ماء زمزم وغير الماء النابع في بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فالمعروف فيه الإباحة كما تقدم ، قال القلشاني مسألة المطلوب الجمع بين الماء والأحجار فان اقتصر
على الماء أجزأه بغير خلاف وان اقتصر على الأحجار مع عدم الماء ولم تنتشر النجاسة عن فم المخرج فكذلك ( قال الخطاب ) قال في كتاب الجنائز فى النوادر عن ابن شعبان لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة قال الشيخ ابن أبي زيد ما ذكره في ماء زمزم لا وجه له عند مالك وأصحابه ونقله عنه ابن عرفة في كتاب الجنائز بلفظ قوله ولا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة خلاف قول مالك وأصحابه قال بن عرفة وأبعد منه سماعي إبتداء قراءتي فتوى ابن عبد السلام لا يكفن بثوب غسل بماء زمزم (1) .
__________
(1) ازالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له ، محمد بن ادريس القادري ،ط:1 : ، 1330 ، مطبعة الجمالية : مصر ، ص 41(1/54)
وتحدث الإمام الفاسي عن حكم التطهير بماء زمزم فقال أنه صحيح بالإجماع على ما ذكر الماوردي في حاوية والنووي في شرح المهذب ، وينبغي توقي ازالة النجاسة به وخصوصاً مع وجود غيره ، وخصوصاً في الاستنجاء به ، فقد قيل أنه يورث الباسور وقال أن ذلك جرى لمن استنجى به وجزم المحب الطبري بتحريم ازالة النجاسة به وان حصل به التطهير واخذ ذلك من كلام الماوردي ووافقه في الجزم بذلك وأخذه من كلام الماوردي الشيخ كمال الدين النشائي في كتابه جامع المختصرات وشرحه ، ولابن شعبان من أصحابنا المالكية : ما يوافق ما ذكره الماوردي في منع التطهير بماء زمزم لأنه قال : لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة ، ومقتضى ما ذكره بن حبيب من المالكية استحباب الو ضوء به ومذهب الشافعي رضي الله عنه استحباب الوضوء والغسل به ولم يكره الوضوء به إلا أحمد بن حنبل في رواية عنه .
حيث جاء فى المجموع ج1ص135فمذهب الجمهور كمذهبنا أنه لا يكره الوضوء والغسل به، وعن أحمد رواية بكراهته لأنه جاء عن العباس رضي الله عنه أنه قال وهو ثم زمزم «لا أحله لمغتسل، وهو لشارب حل وبل» ودليلنا النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا انكار، ولم يصح ما ذكروه عن العباس، بل حكى عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت فقد أجاب أصحابنا بأنه محمول على أنه قال في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين وأما المتغير بالمكث فنقل ابن المنذر الاتفاق على أنه لا كراهة فيه إلا ابن سيرين فكرهه، ودليلنا النصوص المطلقة ولأنه لا يمكن الاحتراز منه فأشبه المتغير بما يتعذر صونه عنه وأما المسخن فالجمهور أنه لا كراهة فيه .
جاء فى نيل الأوطار ، ج1ص22(1/55)
لا بأس برفع الحدث من ماء زمزم لأن قصاراه أنه ماء شريف متبرك به ظاهرا الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه بهذه المثابة وقد جاء عن علي كرم الله وجهه في حديث له قال فيه ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ رواه أحمد انتهى وهذا الحديث هو في أول مسند علي من مسند أحمد بن حنبل
وقد جاء فى حاشية الطحاوى على مراقى الفلاح1ص16
فائدة يجوز الوضوء والغسل بماء زمزم بل ثوابه أكثر وفصل صاحب لباب المناسك آخر الكتاب فقال يجوز الاغتسال والتوضوء بماء زمزم إن كان على طهارة للتبرك فلا ينبغي أن يغتسل به جنب ولا محدث ولا في مكان نجس ولا يستنجي به ولا يزال به نجاسة حقيقية وعن بعض العلماء تحريم ذلك
وخلاصة القول أنه يجوز للمسلم الوضوء منها والاستنجاء وكذلك الغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا ويتوضؤوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا كل هذا واقع وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم لم يكن فوق ذلك فكلاهما ماء شريف فإذا جاز الوضوء والإغتسال والإستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فهكذا يجوز من ماء زمزم ، وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه ولا حرج في الوضوء منه ولا حرج في الاستنجاء إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما تقدم والحمد لله (1) .
الخاتمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد :
فتلك هي ماء زمزم ، وتوصلنا إلى عدة نتائج منها :
1- أن زمزم قد نضبت عدة مرات وأعيد حفرها .
2- أهم مصادر ماء زمزم الأمطار والسيول .
3- أن لزمزم عدة أسماء .
__________
(1) المجلة العربية ، عبد العزيز بن باز- رحمه الله - ، السنة 17 ، العدد 191 ، ذي الحجة 1413 ، ص 18 .(1/56)
4- فضلها عظيم وحسي رواه السلف للخلف ومازلنا ونحس بذلك .
5- لها آداب في شربها فعلية وقولية .
6- يجوز للمسلم الوضوء منها والاستنجاء وكذلك الغسل من الجانبة إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، كما أنه يجوز نقلها من بلد آخر .
والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المسلمين .
المراجع
1- إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له ، محمد بن ادريس القادري . ط : 1-1330 هـ ، مطبعة الجمالية : مصر .
2- زاد المعاد ، ابن القيم الجوزية ، 0-ط : 13 – 1406هـ ، مؤسسة الرسالة : بيروت – الجزء الرابع .
3- زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، يحيى حمزة كوشك 0- ط:1 – 1403هـ .
4- الشافيات العشر من الكتاب والسنة ، محي الدين عبد الحميد ، 0-ط:2-1414هـ ، مكتبة الخدمات الحديثة : جدة .
5- فلا تنس الله ، ليلى الحلو .
6- لبيك اللهم لبيك ، محمد بن علوي المالكي .
7- المجلة العربية ، السنة 17 ، العدد 191 ، ذي الحجة 1413 هـ .
8- مجلة القافلة ، العدد الأول ، المجلد 42 ، محرم 1414هـ .
9- مجلة لواء الإسلام ، السنة 33 ، العدد 4 ، 1398 .
10- مجلة الحج ، عبدالله بوقس ، العدد 11 ، 1419 هـ .
11- مجلة الحج ، عبدالله بوقس ، العدد 1 ، 1419 هـ
12- بركة ماء زمزم ودعاء الحفاظ عندها ، محمد أحمد عباس ، ط 1 ، 1412هـ .
13- مجلة القافلة ، أحمد عبد القادر المهندس ، العدد 1 ، 1414هـ .
14- كيف يكون ماء زمزم علاجا ، محمد حرب ، المجلة العربية ، العدد 155 ن 1410 هـ .
15- مجلة الأزهر ، العدد 13 ، أحمد عمر هشام ، 1401هـ .
16 ـ ... ... تفسير القرآن الكريم ابن كثير .
17 ـ ... ... صحيح البخاري .
18 ـ ... ... صحيح مسلم .
19 ـ ... ... أخبار مكة للأزراقي .
20 ـ ... ... فضل ماء زمزم . ساند بكداس ط 3 1416 .
C:\WINDOWS__\سطح المكتب\زمزم\زمزم\شبكه الشبح - الاعجاز العلمي للقران.
tasabeeh.mht
C:\WINDOWS\سطح المكتب\زمزم\زمزم\شايجية.mht(1/57)