بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد في القصاص من الأخبار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. وبعد
فعن عوف بن مالك الأشجعي÷، عن النبي"قال:
=لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف+.
رواه بكير بن عبد الله الأشج، قال: دخل عوف بن مالك هو وذو الكلاع مسجد بيت المقدس، فقال له عوف: =عندك ابن عمك؟ فقال ذو الكلاع: أما إنه من خير، أو من أصلح الناس_، فقال عوف:
=أشهد لسمعت رسول الله"يقول:. . . فذكره+.
واختلف على بكير بن عبد الله، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده (6 / 22، 23) من طريق الضحاكَ بن عثمان، عنه هكذا منقطعاً، وسّمى المسجد =مسجد بيت المقدس+.
وتابع الضحاك على انقطاعه ابنُ عجلان، عن بكير، عند ابن وهب في جامعه (2 /666) رقم 574، وسمي المسجد: =مسجد حمص+ فقال:
=وسمعت سفيان يحدث، عن ابن عجلان، عن بكير ابن عبدالله، قال: دخل عوف بن مالك الأشجعي مسجد حمص، ومعه ذو الكلاع من حمير، فقال له عوف: =هذا ابن عمك يقص. فقال ذو الكلاع: وما يمنعهم، وهو حبر هذه الأمة ؟ فقال عوف: =أما إني سمعت رسول الله"يقول: =لا يقص في مسجدنا إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+.
وجاء موصولاً من طريق عبد الرحمن بن مَغْراء، عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر ابن سعيد وسليمان بن يسار، عن عوف بن مالك، قال: سمعت رسول الله"يقول: =لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف+.
عند الطبراني في الأوسط (5 / 44) رقم 4074
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن بسر بن سعيد وسليمان بن يسار، إلا بكير بن عبد الله، ولا عن بكير إلا الضحاك. تفرد به عبد الرحمن+ اهـ.
إسناده حسن، شيخ الطبراني، وشيخ شيخه، وعبد الرحمن بن مَغراء، والضحاك بن عثمان_في كل منهم مقال، وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/1)
ووصله_أيضاً_عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري، عند أحمد في المسند (6/ 27) رقم 23994، والبخاري في التاريخ الكبير (5/93) رقم 256، ومن طريق البخاري أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (28/315). فقال عمرو في حديثه: =عن بكير بن عبد الله، أن يعقوب أخاه، وابن أبي حفصة حدثاه: أن عبد الله بن يزيد_قاص مسلمة بالقسطنطينية_حدثهما عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت رسول الله"يقول =لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+.
وتابعَ عمرو بن الحارث عبداللهُ بنُ لهيعة على وصله، وذلك فيما رواه الإمام أحمد في مسنده (6/27) رقم 23992:
ثنا حسن بن موسى، قال: ثنا ابن لهيعة، قال ثنا بكير ابن الأشج، عن يعقوب بن عبدالله، أن عبدالله بن يزيد_قاص مسلمة_حدثه، أن عوف بن مالك حدثه، قال: سمعت رسول الله"يقول: =لايقص إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+.
وتابع حسنَ بن موسى أبو الأسود النضر بن عبدالجبار، نا ابن لهيعة، عن بكير بن عبدالله ابن الأشج، ، ويزيد ابن خَصيفة، أنهما حدثاه: أن عبدالله بن زيد_قاص مسلمة_حدثهما: أن عوف بن مالك، قال: سمعت رسول الله"يقول:
=لايقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+.
رواه الطبراني في الكبير (18/78) رقم145، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/312)
إسناده حسن. رجاله ثقات ما خلا عبدالله بن يزيد، فلم أقف على حاله، واختلف في اسم أبيه، فقيل: =زيد+، وقيل: =يزيد+.
قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (8/74) ترجمة خالد ابن زيد رقم 1613: =فإن الراوي عن عوف بن مالك لا خلاف أن اسمه عبدالله، وإنما وقع الخلاف في اسم أبيه، فسماه ابن لهيعة =عبد الله بن يزيد+ في روايته، وسماه عمرو ابن الحارث في روايته: =عبد الله بن زيد+، وقول عمرو ابن الحارث أولى بالصواب ؛ فإنه أحفظ، وأوثق+.
ووافق الحافظ ابنُ حجر في تهذيب التهذيب (3/92) المزيَ في ذلك.
قلت: في هذا التصويب نظر؛ فإن عمرو بن الحارث سماه في رواية له عند أحمد
((1/2)
6/27) 23994: =عبدالله بن يزيد+، وسماه عبدالله ابن لهيعة في رواية له عند ابن عساكر في تاريخ دمشق (28/312) رقم 5925 =عبدالله بن زيد+.
وجزم بأن اسمه =عبدالله بن زيد+ الإمام البخاري، والإمام أبو حاتم الرازي.
قال البخاري في التاريخ الكبير (5/93) رقم256:
=عبدالله بن زيد كان بالقسطنطينية، وهو قاص مسلمة. . + ثم استدل له برواية عمرو بن الحارث المتقدمة.
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/85) رقم 269:
=عبدالله بن زيد، كان بالقسطنطينية، وهو قاص مسلمة، روى عن عوف بن مالك، روى عنه يعقوب بن عبدالله ابن الأشج، وابن أبي حفصة. سمعت أبي يقول ذلك+ ا. هـ.
وجزم الحافظ الطبراني بأن اسمه =عبدالله بن زيد+ فقد ترجم لحديثه بما نصه:
=عبدالله بن زيد، قاص مسلمة بن عبدالملك، عن عوف ابن مالك+
طريق أخرى موصولة أيضاَ:
عن عوف بن مالك÷قال: قال رسول الله":
=القُصَّاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو مختال+
أخرجه أحمد في المسند (6/23) رقم 23974، و (6/28) رقم 24001، والبخاري في التاريخ الكبير (3/266) رقم 911، والطبراني في الكبير (18/62) رقم 114، و (19/179) رقم 405، وابن وهب في جامعه (2/659) رقم565، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/385) رقم 4142، 4144، 4143.
من طريق معاوية بن صالح بن حدير الحمصي قاضي الأندلس، عن أزهر بن سعيد الحرازي، عن ذي الكلاع، عن عوف بن مالك به
إسناده حسن. ذو الكلاع اسمه: =أسْمَيْفَحَ بن باكورا، ويقال: سَمَيْفَع ويقال: أيفع، وقيل ابن أَسْمَيْفَع بن حوشب ابن عمرو ابن قعقر بن يزيد، وهو ذوالكلاع الأكبر بن النعمان أبو شرحبيل ويقال: شراحيل الحميري، الأُحَاظي ابن عم كعب الأحبار، أدرك النبي"، ولم يره، وراسله بجرير البجلي+ قاله الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (28/315) وابن عبدالبر في الاستيعاب (2/471) رقم 720والحافظ ابن حجر في الإصابة (1/492) رقم 2503، 2505(1/3)
فهذا مخضرم، إلا أن له أعمالاً جليلة في الإسلام، ذكرها هؤلاء المترجمون له.
قال البخاري في التاريخ الكبير (3/266) رقم911:
=ذو الكلاع أبو شراحيل ابن كعب، يعد في الشاميين.
=قال ابن المنذر: حدثنا معن، سمع معاوية، عن أزهر ابن سعيد، عن ذي كلاع =كان كعب يقص في إمارة معاوية، فقال عوف بن مالك لذي كلاع: يا أبا شراحيل، أرأيت ابن عمك أبأمر الأمير يقص ؟؛ فإني سمعت النبي"يقول:
=القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو مختال+. فمكث كعب سنة لايقص، حتى أرسل إليه معاوية يأمره أن يقص+.
كعب هذا هو ابن ماتع بن هيسوع، ويقال: هلسوع، المعروف بكعب الأحبار، أبو إسحاق الحميري، من مسلمة أهل الكتاب /قاله ابن عساكر (50/151).
طريق أخرى متصلة:
روى أحمد في المسند (6/29) رقم 24005، والبزار في البحر الزخار (7/192) رقم 2762، والطبراني في الكبير(18/55) رقم100, والخطابي في غريب الحديث (1/615):
من طريق أبى عاصم الضحاك بن مخلد النبيل, قال: أنبأنا عبدالحميد، قال: حدثنا صالح بن أبي عريب، عن كثير ابن مرة، عن عوف بن مالك÷قال:
=دخل عوف بن مالك مسجد حمص، قال: والناس على رجل، فقال: ماهذه الجماعة ؟قالوا: كعب يقص، قال: ياويحه!ألا سمع قول رسول الله"=لايقص اٍٍلا أمير، أو مأمور، أومختال+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
طريق أخرى:
روى أبو داود في السنن (4/71) رقم3665، من طريق عباد بن عباد الخواص، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عمروبن عبدالله السيباني، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت رسول الله"يقول:
=لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال+.
ورواه الطبراني في الكبير (18/65) رقم121، ومسند الشاميين (1/60) رقم61، و (2/25) رقم855، وابن قانع في معجم الصحابة (2/305) رقم 844.(1/4)
من طريق: محمد بن حمير، ثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن يحيى بن أبي عمرو أبي زرعة السيباني، عن عوف بن مالك، أنه دخل المسجد متوكئا على ذي كلاع، وكعب يقص على الناس، فقال عوف لذي كلاع: =ألا تنه ابن أخيك هذا عما يفعل ؛ فإني سمعت رسول الله"يقول: =لايقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+
وفي بعض رواياته: =أو محتال+ بالحاء المهملة.
إسناده صحيح. رجاله ثقات غير عمرو بن عبدالله السيباني فلم يوثقه غير العجلى (2/179) رقم 1393، وابن حبان (5/179).
وسقط عمرو هذا عندالطبراني وابن قانع.
طريق اخرى:
روى الطبراني في الكبير (18/16) رقم112، ومسند الشاميين (2/206) رقم1194
من طريق: عطيه بن بقية بن الوليد، حدثني أبي، عن زيد ابن واقد، عن بسر بن عبيدالله، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت عوف بن مالك يقول: سمعت رسول الله"يقول =القُصَّاص ثلاثه: أمير، أو مأمور، أو مختال+.
إسناده حسن لغيره، والحديث صحيح.
ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير (ص 385) رقم6188
طريق أخرى:
قال الطبراني في المعجم الكبير (18/ 76) رقم140:
حدثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا حماد ابن مسلمة، عن الأزرق بن قيس، عن عوف بن مالك، أنه أتى على كعب وهو يقص، فقال:
سمعت رسول الله"يقول:
=لايقص إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف+.
فأمسك عن القصص حتى أمره به معاوية.
إسناده حسن لغيره. رجاله كلهم ثقات ما خلا المقدام ابن داود، ففيه مقال، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/303) رقم1398:
=سمعت منه بمصر، وتكلموا فيه+.
طريق أخرى:
قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق (50/170) :(1/5)
=وقد أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفر، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر، أنبانا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب، حدثني أبو عبدالله محمد ابن يحيى بن مندة الأصبهاني، حدثني إبراهيم بن عامر ابن إبراهيم، حدثنا أبي، حدثنا يعقوب القمي، عن عنبسة ابن سعيد، عن عاصم بن كثير، قال:
=وقف عوف بن مالك على كعب وهو يقص بالشام، فقال: ياكعب، سمعت رسول الله"يقول:
=لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+. فقام فدخل على معاوية، فاستأذنه، فأذن له، فاستحل ذلك بذلك+.
إسناده ضعيف، أبو علي محمد بن هارون بن شعيب قال الذهبي في الميزان (4/ 57) رقم 8279:
قال عبدالعزيز الكتاني: =كان يتهم+. وعاصم ابن كثير لم يتميز لي من هو، فقد ذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال من الرواة عن عوف بن مالك_ عاصم بن حميد السكوني+. (13/481)، الحمصي. وهو صدوق مخضرم من الثانية. قاله الحافظ في التقريب. وذكر في شيوخ عنبسة (22/407) =عاصم بن عبيد الله+ وهو ابن عاصم بن عمر بن الخطاب. وهو ضعيف من الرابعة. قاله الحافظ في التقريب.
الحاصل: أن حديث عوف بن مالك÷جاء من سبع طرق، قد تواطأت على أن رسول الله"قال:
=لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور , أو مختال+.
وعن أبي هريرة÷رفعه: =لا يَقُصَّنَّ في مسجدي هذا إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف+.
أخرجه ابن منده.
عزاه إليه أبو عبدالله محمود الحداد في تخريج أحاديث علوم الدين للغزالي (1/ 94) رقم 74، بقوله:
=وفي المجلس الخامس عشر من أمالي عبدالله بن منده، من رواية خالد بن عبد الرحمن، حدثنا عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة+ به.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وجاء هذا الحديث أيضاَََ عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف،
وعبادة بن الصامت، ورجل من أصحاب النبي ".
أما حديث عبدالله بن عمرو_ رضي الله عنهما_.(1/6)
فأخرجه أحمد في المسند (2/178) رقم 6661 من طريق حفص بن ميسرة، وابن عدي في الكامل (3/1076) من طريق زهير بن محمد كلاهما عن ابن حرملة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي"قال:
=لايقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مراءٍ+.
إسناده إلى عمرو بن شعيب حسن. وقال أحمد شاكر في شرح المسند (10/ 144) :
إسناده صحيح. وأخرجه أحمد في المسند (2/ 183) رقم 6715، والدارمي في سننه
ص715، وابن ماجه في السنن (2/ 1235) رقم 3753 من طريق عبدالله بن عامر الأسلمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:
قال رسول الله": =فذكره. وفيه: =أو مرائي+.
قلت لعمرو بن شعيب: إنا كنا نسمع =أو متكلف+ ؟ فقال: هذا ما سمعت+
هذا لفظ الدارمي.
ولفظ أحمد:
=فقلت له: =إنما كان يبلغنا: ( أو متكلف ) ؟ قال: هكذا سمعت النبي"يقول+.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 184) رقم 3753:
=هذا إسناد فيه عبدالله بن عامر الأسلمي القاري، وهو ضعيف+.
ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير ص 588 رقم 9984.
وقال المناوي في فيض القدير (6/454) رقم 9984:
=قال الحافظ العراقي: وإسناده حسن+ ومن ثم رمز المؤلف لحسنه، قلت: وتحسين العراقي له موجود في المغني عن حمل الأسفار (1/29)
ورواه الطبراني في المعجم الصغير ص 216، وابن عدي في الكامل (2/ 668)
من طريق: حماد بن عبدالملك الخولاني، حدثني هشام ابن عروة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده÷قال: قال_رسول الله":
=لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مراءٍ+.
قال الطبراني: لم يروه عن هشام إلا حماد، تفرد به الوليد ابن مَزْيَد.
وقال ابن عدي: =وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن هشام ابن عروة غير حماد هذا، وليس هو بالمعروف، وهو عجب من حديث هشام بن عروة، عن عمرو بن شعيب، ولا أعرف لهشام عن عمرو غيره+ اهـ.
قلت: سنده ضعيف؛ لجهالة حماد بن عبدالملك الخولاني.(1/7)
وأما حديث كعب بن عياض الأشعري اليماني ثم الشامي_فأخرجه الطبراني في الكبير (19/179) رقم 405،
ومسند الشاميين(3/143) رقم 19161، وابن عدي في الكامل (6/2402)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/374).
قال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي، ثنا أبي، ثنا عبد الله بن يحيى الإسكندراني، ثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن كعب بن عياض، عن النبي"قال: =القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو مختال+.
ومن طريق دحيم أخرجه ابن عدي في الكامل (6/2402) قال دحيم: ثنا عبد الله بن يحيى المَعَافري، عن معاوية ابن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، (1) عن كعب ابن عياض، أن رسول الله_صلى عليه وسلم_قال: فذكره.
وقال ابن قانع:
=حدثنا محمد بن محمد، نا دحيم، ناعبد الله بن يحيى المعافري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن كعب بن عياض، قال: قال رسول الله":
=القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو محتال+.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/190) : رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن يحيى الإسكندراني، ولم أر من ترجمه+ اهـ.
قلت: عبد الله بن يحيى هذا جاء منسوباً إلى ثلاث كلمات:
الإسكندرية، المعافر، البُرُلُّس، فقد نسبه دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي إلى الإسكندرية وذلك بقوله: =الإسكندراني+ عند الطبراني، والإسكندارني نسبة إلى إسكندرية مصر، وهي بلدة بناها ذو القرنين الإسكندر_قاله السمعاني في الأنساب (1/150).
ونسبه دحيم عند ابن قانع، وابن عدي إلى المَعافر_وهو بطن من قحطان، انظر نهاية الأرب ص 378_م_ع
واشتهرت نسبته أيضاً إلى =البُرُلُّس+ وهي بليدة من سواحل مصر، تقع قريباً من الإسكندرية قاله السمعاني أيضاً (1/328).
لكن قال الحافظ الدار قطني في أجوبته لسؤالات الحاكم النيسابوري ص231 رقم 373: هو مجهول+.
__________
(1) وقع عنده ((بقية)) وهو تحريف.(1/8)
قلت: المجهول عند أصحاب الحديث: هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد+.
قاله أبو بكر الخطيب في الكفاية ص 88.
وقال الحافظ في مقدمة تقريب التهذيب: =هو من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق+.
وإذا نظرنا إلى الإسكندراني هذا وجدناه معروفا، لا مجهولا؛ وذلك من وجوه:
الأول: أنه من رجال التهذيب، فقد أخرج له الإمام البخاري في الصحيح، والإمام أبو داود في السنن.
الثاني: أنه وثقه الأئمة في الحديث؛ فقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان كما في الجرح والتعديل (5/ 204) رقم 952: لا بأس به، وزاد أبو زرعة، فقال:
=أحاديثه مستقيمة+ وذكره ابن حبان في الثقات (8/339)
وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/ 127) رقم 3093: ثقة.
وقال الحافظ في التقريب: لا بأس به.
الثالث: أنه روى عنه الأئمة، ومنهم: عبد الرحمن ابن إبراهيم دحيم، وجعفر بن مسافر التنيسي، والحسن بن عبد العزيز الجروي، ومحمد بن عبد الله الإسكندراني السكري، ومحمد بن ميمون المعافري الإسكندارني الفخاري، وأبو هريرة وهب بن عبد الله بن رزق المصري، انظر تهذيب الكمال (16/299)
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في الكفاية ص 88:
=وأقل ما ترتفع به الجهالة: أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم+ اهـ.
وبهذا ثبت أن عبد الله بن يحيى الإسكندراني معروفٌ ثقة، وبناء عليه صح سند الحديث والله أعلم.
وأما حديث عبدالرحمن بن عوف÷فأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، كما في المطالب العالية المسندة (13/379) رقم 3200، والشاشي في مسنده (1/147) رقم 83، وأحمد البرغي في مسند عبد الرحمن بن عوف ص 95 رقم 48، 49، وابن عساكر في تاريخ دمشق (50/170) رقم 10635
من طرق: عن جرير بن عبد الحميد، عن مطرف، عن القاسم بن كثير، عن رجل من أصحابه، قال: =كان كعب يقص، فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله"يقول:
=لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو محتال+.(1/9)
إسناده فيه ضعف ؛ لإبهام صاحب القاسم بن كثير، وبقية رجال السند ثقات، رجال الصحيح.
وأما حديث عبادة بن الصامت÷فأخرجه الطبراني في الكبير، كما في جامع المسانيد والسنن لابن كثير (4/614) رقم 5866:
حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن أبي عمران الأنصاري، عن عبادة بن الصامت، عن النبي"قال:
=لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو متكلف+.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/190) :
=رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن+ اهـ.
قلت: وهو كما قال: إسناده حسن.
وعن خباب بن الأرت÷عن النبي"قال:
=إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا+
أخرجه الطبراني في الكبير (4/80) رقم 3705، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/362) وأبو يعلى_كما في المطالب العالية المسندة (13/393) رقم 3205
من طريق: محمد بن عبدالله بن الزبير أبي أحمد الزبيري، ثنا سفيان، عن الأجلح، عن عبدالله بن أبي الهذيل، عن خباب به
ورواه ابن وضاح في البدع والنهي عنها ص28موقوفا
من طريق: عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأجلح
عن أبي الهذيل، عن عبد الله بن خباب، عن أبيه، =إنما هلكت بنو إسرائيل حين قصوا+.
قال أبو نعيم: =غريب من حديث الأجلح والثوري، تفرد به أبو أحمد+ اهـ.
وقال الهيثمي في المجمع (1/189) :
=رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون، واختلف في الأجلح الكندي والأكثر على توثيقه+ اهـ.
قلت: لم يتفرد به أبو أحمد، فقد تابعه ابن مهدي_كما ترى عند ابن وضاح_.
وأما الأجلح بن عبد الله الكندي فمختلف فيه، كما قال الهيثمي، وعليه فالسند يكون حسناً. والله أعلم.
قال ابن الأثير في النهاية (4/70) : =إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا_وفي رواية: =لما هلكوا قصوا+ أي اتكلوا على القول وتركوا العمل؛ فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص+ اهـ.(1/10)
وأما حديث رجل من أصحاب النبي"، فأخرجه أحمد في المسند (4/233) رقم18050:
ثنا يزيد بن هارون، أنا العوام، ثنا عبد الجبار الخولاني، قال: دخل رجل من أصحاب النبي"المسجد، فإذا كعب يقص. فقال: =من هذا؟ قالوا: كعب يقص، فقال: سمعت رسول الله"يقول: =لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو مختال+.
قال: فبلغ ذلك كعباً، فما رؤُُي يقص بعد+.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/190) : رواه أحمد، وإسناده حسن+. قلت: وهو كما قال إسناده حسن. رجاله ثقات غير عبد الجبار الخولاني ترجمه البخاري في التاريخ الكبير (6/108) _رقم 1864، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/32) رقم 165، وسكتا عليه. وذكره ابن حبان في الثقات (7، 135) وكعب هو ابن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار.
وأما حديث العبادلة فأخرجه الطبراني في الكبير (12/426) رقم 13567، وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد (9/424) رقم5034، وابن الجوزي في الموضوعات (2/242).
من طريق عبد الله بن أيوب القرني، ثنا شيبان بن فروخ الأبلي، ثنا بشر بن عبد الرحمن الأنصاري، حدثني عبدالوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن العبادلة عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، قالوا: قال رسول الله":
=القاص ينتظر المقت، والمستمع ينتظر الرحمة، والتاجر ينتظر الرزق، والمحتكر ينتظر اللعنة، والنائحة ومن حولها من امرأة عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين+.
قال الهيثمي في المجمع (1/191) : رواه الطبراني في الكبير وفيه بشر بن عبد الرحمن الأنصاري عن عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر ولم أر من ذكرهما+.
وقال ابن الجوزي: وأما حديث العبادلة ففيه عبد الوهاب كان الثوري يرميه بالكذب، وقال يحيى ليس بشيء، وضعفه أحمد والدارقطني، وأما أبو محمد القرني فقال الدارقطني: متروك+. اهـ
ورمز لضعفه السيوطي في الجامع الصغير ص_384 رقم 6172.
ورواه أبو أحمد بن عدي في الكامل (2/446).(1/11)
من طريق بشر بن إبراهيم الأنصاري، ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن العبادلة به.
وقال: وهذا الحديث عن الثوري غير محفوظ، وهو باطل، لا أعلم يرويه عن الثوري غير بشر هذا+. اهـ
الخلاصة:
أن حديث: =لا يقص إلا أمير، أو مأمور. . . الخ حديث صحيح؛ فقد رواه عن النبي"ما يزيد على عشرة من الصحابة، وهم:
عوف بن مالك الأشجعي، وعبد الله بن عمرو ابن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبادة بن الصامت، وكعب بن عياض، ورجل من أصحاب النبي"، والعبادلة: عبد الله بن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وعبد الله ابن عباس، وأبو هريرة، وخباب بن الأرت.
وقد جاء حديث عوف بن مالك من سبع طرق.
وجاء موقوفاً على أم الدرداء، وذلك فيما رواه عبد الله ابن وهب في جامعه (2/661) رقم566، قال:
=وأخبرنا معاوية، عن سليم بن عامر الكلاعي، عن جبير ابن نفير، أن أم الدرداء بعثته إلى نوف البكالي، وإلى رجل آخر يقصان، فقالت: =قل لهما: لتكن موعظتكما الناس لأنفسكما+.
ومن طريق معاوية_وهو ابن صالح بن حدير_أخرجه الإمام أحمد في الزهد ص_176 وأبو نعيم في الحلية (6/52).
إسناده صحيح رجاله ثقات وكلهم حمصيون.
ومن طريق معاوية أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/749) رقم6254 إلا أنه جاء عنده: =يحيى بن سعيد الكلاعي =بدل+ سليم بن عامر الكلاعي+.
ويحيى هذا لم أقف له على ترجمة، فلعله تحرف عن =سليم+.
أثر عمر بن الخطاب÷.
عن عمرو بن دينار، أن تميماً الداري استأذن عمر في القصص، فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه، فأبى أن يأذن له، ثم استأذنه، فقال:
=إن شئت_وأشار بيده_يعني الذبح+.
أخرجه الطبراني في الكبير (2/50) رقم1249، وعبد الله ابن وهب في الجامع (2/665) رقم 573.
قال الهيثمي في المجمع (1/190) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عمرو بن دينار لم يسمع من عمر. اهـ(1/12)
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/745) رقم6239، ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في الزهد لأبيه ص_215.
عن أبي معاوية، عن الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: رأيت تميماً الداري يقص في عهد عمر ابن الخطاب÷+ زاد عبد الله بن أحمد: =يعني يذكر+.
إسناده ضعيف. حجاج هو ابن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعن وأبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير إمام ثقة.
ورواه الإمام أحمد في المسند (3/449) برقم15715 قال: ثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا بقية بن الوليد، قال: حدثني الزبيدي، عن الزهري عن السائب بن يزيد، أنه لم يكن يُقَصُ على عهد رسول الله"ولا أبي بكر وكان أول من قص تميماً(1) الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً؟ فأذن له عمر+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات. وقد صرح بقية بن الوليد بالتحديث. ونقل الترمذي في الجامع بسنده عن أبي إسحاق الفزاري أنه قال:
=خذوا من بقية ما حدثكم عن الثقات، ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدثكم عن الثقات، ولا غير الثقات (5/144) رقم 2859.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (8/746) رقم 6242، ومن طريقه ابن وضاح ص_25 حدثنا معاوية بن هشام، قال: حدثنا سفيان، عن سعيد الجريري عن أبي عثمان، قال: كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه: =إن هاهنا قوماً يجتمعون فيدعون للمسلمين وللأمير+، فكتب إليه عمر: =أقبل، وأقبل بهم معك+.
فأقبل، وقال عمر للبواب: =أَعِدَّ لي سوطاً+ فلما دخلوا على عمر، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط، فقال: يا عمر، إنا لسنا أولئك الذين يعني أولئك قوم يأتون من قبل المشرق+.
__________
(1) هكذا جاء، وفي بعض النسخ =تميم+ ولعله الصواب.(1/13)
إسناده حسن. رجاله ثقات. أبو عثمان هو عبد الرحمن ابن مُلِّ النهدي مخضرم ثقة ثبت، وسعيد الجريري هو ابن إياس ثقة إلا أنه اختلط في آخره، لكن رواية سفيان_وهو الثوري_عنه صحيحة؛ لأنه سمع منه قبل الاختلاط قاله أحمد العجلي في معرفة الثقات (1/395) رقم0576 ومعاوية ابن هشام هو القصار صدوق له أوهام قاله الحافظ في التقريب.
أثر علي بن أبي طالب÷.
قال مسدد: =حدثنا يحيى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، قال: سمعت أبي يحدث، أن علياً÷مرَّ بقصاص، فقال: =ما يقول؟+، قالوا: يقص، قال÷: =لا، ولكن يقول: =اعرفوني+ انظر المطالب العالية المسندة (13/385) رقم3201 إسناده صحيح، رجاله ثقات إلا أنه منقطع. سعيد ابن أبي عروبة لم يسمع من علي بن أبي طالب÷، قاله العلائي في جامع التحصيل ص_185 رقم246.
وقال عبد الله بن وهب في الجامع (2/663) رقم 569:
=وأخبرني ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، أن علي بن أبي طالب خرج ذات يوم، فإذا برجل يقص. =ألا أن هذا يقول: اعرفوني، فاعرفوه+.
إسناده منقطع. بكر بن سواده هو ابن ثمامة لم يدرك علي ابن أبي طالب.
وقال عبد الرزاق في المصنف (3/220) رقم5407:
=عن معمر، قال: بلغني أن علياً مرَّ بقاص، فقال: =أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت، وأهلكت. قال: ومر بآخر، قال: =ما كنيتك؟ قال: =أبو يحيى+، قال: =بل أنت أبو اعرفوني+ لم أتمكن من صحة بلاغ معمر هذا؟!
وقال ابن وهب في الجامع الحديث (2/662) رقم568:
=وأخبرني ابن لهيعة، عن أبي قبيل، أن علي بن أبي طالب قال:
=من لم يعلم منسوخ القرآن، فلا يقص على الناس+.
أبو قبيل هو حيي بن هاني، المعافري المصري ثقة إلا أنه لم يدرك علياً.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف (8/746) رقم6243:
حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي حَصين، عن أبي عبد الرحمن، أن علياً رأى رجلاً يقص، قال: علمت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت، وأهلكت+.(1/14)
إسناده صحيح. يحيى هو القطان، وسفيان هو الثوري، وأبو حصين هو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي. وأبو عبد الرحمن هو عبد الله بن حبيب السلمي. واختلف في سماعه من علي÷والراجح أنه سمع منه، انظر جامع التحصيل للعلائي ص_208 رقم347، والأدب المفرد للبخاري ص_156 رقم438، فقد صرح بالسماع منه.
أثر عبد الله بن مسعود÷في القصص.
روى عبد الرزاق في المصنف (3/221) رقم5408، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9/133) رقم8629
=عن ابن عيينة، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، قال: ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل، ويقول للناس: =قولوا كذا، وقولوا كذا. فقال: =إذا رأيتموهم فأخبروني، فأخبروه. قال: فجاء عبد الله متقنعاً، فقال: =من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا عبد الله بن مسعود، تعلمون أنكم لأهدى من محمد وأصحابه، وإنكم لمتعلقين بذنب ضلالة+.
هذا لفظ عبد الرزاق، ولفظ الطبراني مثله إلا أنه رفع خبر =إنَّ+ في =وإنكم لمتعلقون+ وهو الصواب.
إسناده صحيح، رجاله ثقات، وليس له علة.
وروى الطبراني في الكبير (9/137) رقم 8639، وابن وضاح في البدع ص_30 من طريق إسرائيل، عن أشعث ابن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله قال: ذكروا له رجلاً يقص، فجاء فجلس في القوم، فسمعته يقول: =سبحان الله كذا وكذا، فلما سمع ذلك قام، فقال: =ألا تسمعوا، فلما نظروا إليه، قال: =إنكم لأهدى من محمد"وأصحابه؟ أو أنكم لمتمسكون بطرف ضلاله+.
وعند ابن وضاح: =فلما سمع ما يقولون_الخ+ و =ألا تسمعون+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات، لا مطعن فيهم.
وروى الطبراني في الكبير (9/136) رقم8637:(1/15)
حدثنا أحمد بن زهير التستري، ثنا إبراهيم بن بسطام، ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن زرارة، قال: وقف عليَّ عبد الله وأنا أقص في المسجد، فقال: يا عمرو، لقد ابتدعتم بدعة ضلالة أو أنكم لأهدى من محمد صلى الله عليه سلم وأصحابه، ولقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد+.
قال الهيثمي في المجمع (1/189) : رواه الطبراني في الكبير، وله إسنادان أحدهما رجاله رجال الصحيح، رواه عن الأسود، عن عبد الله+.
قلت: رواية الأسود جاءت عند الطبراني في الكبير (9/137) رقم 8639 هكذا: =حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل، عن الأشعث ابن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله، قال: ذكروا له رجلاً يقص، فجاء، فجلس في القوم. . . الحديث وتقدم قريباً.(1/16)
قلت: وهو كما قال إسناده صحيح، رجاله ثقات. وأما سند أحمد بن زهير التستري فحسن، عمرو بن زراره ذكره ابن حبان في الثقات (5/147) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/233) وسكت عليه. وأبو إسحاق هو السبيعي، وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي حدث عنه عبد الرحمن ابن مهدي، ولم يحدث عنه يحيى بن سعيد القطان، وإبراهيم ابن بسطام ذكره ابن حبان في الثقات (8/58) وشيخ الطبراني لم أقف له على ترجمة وقد روى عنه في الأوسط واحداً وستين حديثاً انظر الأوسط للطبراني (3/33) من رقم2056 إلى رقم 2217 ثم إني وقفت على ترجمته عند السمعاني في الأنساب (1/465) باب التاء والسين، فقال: =ومن المحدثين جماعة بهذه النسبة منهم أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري كان مكثراً من الحديث معروفاً مشهوراً بالطلب سمع الحسن ابن موسى بن مهران وأبا كريب محمد بن العلاء الهمدان وغيرهما، روى عنه أبو حاتم محمد بن حبان البستي وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، وأبو القاسم سليمان بن أحمد ابن أيوب الطبراني، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرى، وقال في معجم شيوخه: أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الشيخ الصالح الحافظ تاج المحدثين توفي بعد سنة 310هـ+ اهـ
قول حذيفة بن اليمان÷.
قال عبد الرزاق في المصنف (11/231) رقم 20405:
=عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: سئل حذيفة عن شيء فقال: =إنما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر، أو رجل ولي سلطاناً، فلا يجد بداً من ذلك، أو متكلف+.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/293) والخطابي في غريب الحديث (1/615).
تنبيه: جاء عند ابن عساكر: =من عرف الناسخ من المنسوخ+ وجاء عنده أيضاً خطأً: =ومن يعرف ذلك؟ قال: عمراً+ والصواب: =عمر+ أي ابن الخطاب كما جاء في الرواية الآتية. وجاء عنده أيضاً: =إنما تعني+ والصواب: =إنما يفتي+.(1/17)
وهذا الخبر منقطع محمد بن سيرين لم يدرك حذيفة، فقد مات حذيفة÷سنة ست وثلاثين هجرية، ومولد ابن سيرين كان في سنة33هـ.
وقد وصله الدارمي في سننه (1/61) فقال:
أخبرنا عبد الله بن سعيد، أنا أبو أسامة، عن هشام ابن حسان، عن محمد، عن أبي عبيدة بن حذيفة، قال: قال حذيفة:
=إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه+ قالوا: ومن ذاك؟ قال عمر بن الخطاب. قال: =وأمير لا يخاف، أو أحمق متكلف+ ثم قال محمد: فلست بواحد من هذين، وأرجو أن لا أكون الثالث+.
إسناده حسن. عبد الله بن سعيد هو ابن عبد الملك أبو صفوان، وأبو أسامة هو حماد بن أسامة. وأبو عبيدة اتفق على توثيقه ابن حبان (5/590) وأحمد العجلي (2/414).
وقال الدارمي أيضاً (1/61):
=أخبرنا سعيد بن عامر، عن هشام، عن محمد، عن حذيفة، قال: =إنما يفتي الناس ثلاثة: رجل إمام، أو وال، ورجل يعلم ناسخ القرآن من المنسوخ+.
قالوا: يا حذيفة، ومن ذاك؟ قال عمر بن الخطاب أو أحمق متكلف+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات. وقد أرسله ابن سيرين كما ترى وقد علمت الواسطة بينه وبين حذيفة وهو أبو عبيدة بن حذيفة وتقدم آنفاً.
أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
روى ابن أبي شيبة (8/745) رقم6241، وابن ماجه في السنن (2/1235) رقم3754 وابن حبان في صحيحه (14/156) رقم6261 من طريق عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع عن ابن عمر، قال: =لم يكن القصص في زمن رسول الله"ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر+.
هذا لفظ ابن ماجه. ولفظ ابن أبي شيبة: =لم يقص زمان أبي بكر ولا عمر، إنما كان القصص زمن الفتنة+.
ورواه ابن أبي شيبة (8/479) رقم 6253 وابن وضاح في البدع والمنهيات ص_27 من طريق عبد الله بن عمر العمري أيضاً، عن نافع قال:
=لم يكن قاص في زمن النبي"ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر ولا زمن عثمان+.
هذا لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ ابن وضاح:(1/18)
=عن نافع قال: لم يقص على عهد النبي"ولا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان. وأول ما كان القصص حين كانت الفتنة+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وقال الطبراني في الكبير (12/264) رقم 1360
حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عارم، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى البَكَّاء، قال: رأى ابن عمر قاصاً يقص في المسجد الحرام ومعه ابن له، فقال له ابنه: أي شيء يقول هذا؟ قال: يقول: =اعرفوني، اعرفوني+.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/189) : رواه الطبراني في الكبير، ويحيى البَكَّاء متروك+ اهـ.
قلت: وهو كما قال. لكن جاء عن ابن عمر جواز القصص. فروى الإمام عبد الرزاق في المصنف (3/220) رقم 54405، عن ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، وغيره، قال: =رأيت ابن عمر يرفع يديه عند القاص، قال عبد الرزاق: ورأيته_يعني معمراً_يفعله+.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/143) /كتاب العلم/ باب رفع اليدين.
وقد صح عن ابن عمر. . . فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق القاسم بن محمد: =رأيت ابن عمر يدعو عند القاص، يرفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه، باطنهما مما يليه، وظاهرهما ما يلي وجهه+ اهـ باختصار.
وقال عبد الرزاق في المصنف (3/220) رقم 5404.
=عن عبد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر لم يكن يجلس مع القصاص إلا قاص الجماعة+.
إسناده حسن. عبد الله بن عمر هو العمري اختلف في حاله لكن أسند ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/109) رقم 499 عن يحيى بن سعيد القطان أنه لا يحدث عنه، وعبد الرحمن بن مهدي كان يحدث عنه.
تعريف القصص.
قال ابن الأثير في النهاية (4/71) :
=قصص+ في حديث: =الرؤيا لا تَقُصُّها إلا على وادّ+، يقال: قصصت الرؤيا على فلان إذا أخبرته بها، أقصها قصاً، والقصُ: البيان، والقصص بالفتح الاسم، وبالكسر: جمع قصة، والقاص: الذي يأتي بالقصة على وجهها، كأنه يتتبع معانيها، وألفاظها+.(1/19)
وقال عبيد الله المباركفوري في مرعاة المفاتيح (1/336) :
=القص: التحدث بالقصص، والأخبار، والمواعظ+.
وقال أبو عبد الله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (4/3348) :
=وأصل القصص: تتبع الشيء، ومنه قوله تعالى: =وقالت لأخته قصيه+.
أي تتبعي أثره، فالقاص يتبع الآثار، فيخبر بها+.
وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص_396:
=القصص: اسم جامع ودخلت فيه الموعظة والتذكرة، والدعوة إلى الله، والنشر عن الله مننه وإحسانه+.
ثم اختلفوا بالمراد بحديث =لا يقص إلا أمير، أو مأمور. . الخ.
فقيل: المراد به الخطب.
ذكر من قال ذلك:
قال الزمخشري في الفائق (3/105) : =قصص+ :
=لا يقص إلا الأمير أو مأمور، أو مختال+ أي لا يخطب إلا الأمير، لأن الأمراء كانوا يتولون الخطب بأنفسهم، والمأمور الذي اختاره الأئمة، فأمروه بذلك، ولا يختارون إلا الرضا الفاضل. والمختال: الذي ينتدب لها رياء وخيلاً.
وقال أبو سليمان الخطابي في غريب الحديث (1/615)، ومعالم السنن (5/255) رقم 3518:
=بلغني عن ابن سريج، أنه كان يقول هذا في الخطب، وذلك أن الأمراء يتولونها بأنفسهم، فيقصون فيها على الناس، ويعظونهم، والمأمور من يختاره الأئمة، فينصبونه لذلك، ولا يكادون يختارون له إلا رضاً من الناس فاضلاً، وما سوى ذلك، فإنه لا يكاد يَنْتَدِبُ له من الناس إلا مراء مختال+.
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (4/71) :
=وقيل: أراد الخطبة؛ لأن الأمراء كانوا يلونها في الأول، ويعظون الناس فيها، ويقصون عليهم أخبار الأمم السالفة+ اهـ
وقال علي القاري في مرقاة المفاتيح (1/245) :
=وقيل: المراد به الخطبة خاصة، والمعنى: لا يصدر هذا الفعل إلا من هؤلاء الثلاثة. وقوله: =إلا أمير+ أي حاكم، أو مأمور أي مأذون له بذلك من الحاكم، أو مأمورمن عند الله، كبعض العلماء، والأولياء =أو مختال+ أي مفتخر متكبر طالب للرياسة+ اهـ
وقيل: المراد به الفتوى.
ذكر من قال بذلك:(1/20)
تقدم في ص_37 أن علي بن أبي طالب÷مَرَّ بقاص، فقال: =أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: =لا+ قال: =هلكت، وأهلكت، ومر بآخر فقال: =ما كنيتك؟+ قال: =أبو يحيى+ قال: بل أنت أبو اعرفوني+.
وفي رواية قال: =من لم يعلم منسوخ القرآن، فلا يقص على الناس.
وتقدم في ص_43 قول حذيفة بن اليمان÷أنه سئل عن شيء؟ فقال: إنما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر أو رجل ولي سلطانا فلا يجد بداً من ذلك أو متكلف.
وفي رواية قال:
=إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه+. قالوا: ومن ذاك؟ قال: =عمر بن الخطاب قال: وأمير لا يخاف أو أحمق متكلف+. وقال أبو سليمان الخطابي في غريب الحديث (1/615) ومعالم السنن (5/255) رقم 3518:
=وفيه قول آخر: هو أنه أراد به الفتوى في الأحكام، ويشهد له حديث حذيفة ثم ساقه بسنده_فقال: =إنما يفتي أحد ثلاثة. . الخ
وقال الغزالي في إحياء علوم الدين (1/29) :
=وحاصل فن الفقه: معرفة طرق السياسة والحراسة، ويدل على ذلك ما روي مسنداً+ لا يفتي الناس إلا ثلاثة: =أمير، أو مأمور، أو متكلف+، فالأمير هو الإمام، وقد كانوا هم المفتين، والمأمور نائبه، والمتكلف غيرهما وهو الذي يتقلد تلك العهدة من غير حاجة، وقد كان الصحابة_ رضي الله عنهم_يحترزون عن الفتوى، حتى كان يحيل كل منهم على صاحبه، وكانوا لا يحترزون إذا سئلوا عن علم القرآن، وطريق الآخرة.
وفي بعض الروايات بدل =المتكلف+ =المرائي+ ؛ فإن من تقلد خطر الفتوى وهو غير متعين للحاجة_فلا يقصد به إلا طلب الجاه والمال.
وقيل: القاص هو الذي يروي للناس أخبار الماضين، ويسرد عليهم القصص فلا يؤمن أن يزيد فيها أو ينقص قاله الخطابي في غريب الحديث (1/615) ومعالم السنن (5/255) رقم 3518 ونقله عنه السهار نفوري في بذل المجهود (15/351)(1/21)
ونقل المناوي في فيض القدير (4/537) رقم6188 عن حجة الإسلام أنه قال: =وما ورد من النهي عن القص فموضعه في قاص يروي أخباراً موضوعة، ويحكي أقوالاً، تومئ إلى هفوات وتساهلات يقصر فهم العامة عن درك معانيها أو عن كونها هفوة نادرة مردفة بتكفيرات، ومتدارك بحسنات؛ فإن العامي يعتصم بذلك في مساهلاته، ويمهد لنفسه عذراً، ويحتج بأنه حكي ذلك عن بعض المشايخ، وكلنا بصدد المعاصي، وقد عصى من هو أكبر مني ونحو ذلك مما يفيد جرأة على الله من حيث لا يشعر، وإثم ذلك عليه، وعلى العاصي الذي أرداه حتى وقع في مهواة، وأكثر ما اعتاد القصاص والوعاظ من الأشعار ما يعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق، وروح الوصال، وألم الفراق. والمجلس مشحون بأخلاط العوام، وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات للصور الجميلة، فتحرك الأشعار من قلوبهم ما هو مستكن فيها، فتشتعل نيران الشهوات، فيزعقون ويتوجدون، وكل ذلك يرجع إلى فساد+ اهـ.
قلت: الحديث لا يدل على النهي. قال علي القارئ في مرقاة المفاتيح (1/245) : =ثم القصص التكلم بالقصص والأخبار والمواعظ، والمعنى: لا يصدر هذا الفعل إلا من هؤلاء الثلاثة، فهو نفي لا نهي؛ لأنه لو حمل على النهي الصريح لزم أن يكون المختال مأموراً بالقصص+ اهـ
وبمثل هذا قاله المباركفوري في مرعاة المفاتيح (1/336) وزاد:
=وهذا كما يقال عند رؤية الأمر الخطير: لا يخوض فيه إلا حكيم عارف بكيفية الورود، أو جاهل لا يدري كيف يدخل، ويخرج، فيهلك. قاله الطيبي+. اهـ
وقيل: بعكس ذلك، أن المراد بالقصص: التذكير، لا القصة والتواريخ، وذلك أن الواعظ يسمى قاصاً، فالقصص بفتحتين بمعنى البيان، كما في قوله تعالى: =نحن نقص عليك أحسن القصص+.
قاله السهارنفوري في بذل المجهود (15/350).
وقيل: المراد به: أن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف:
1_مذكر. 2_وواعظ. 3_وقاص.(1/22)
فالمذكر الذي يذكر الناس آلاء الله، ونعماءه، ويبعثهم بها على الشكر له.
والواعظ يخوفهم بالله، وينذرهم عقوبته، فيردعهم به عن المعاصي.
والقاص هو الذي يروي لهم أخبار الماضيين. .
والمذكر والواعظ مأمون عليهما الزيادة والنقص. قاله أبو سليمان الخطابي في معالم السنن (5/255) رقم3518 والسهارنفوري في بذل المجهود (15/ 351) وقيل: المراد بالقصص الاتكال على القصص، وترك العمل، انظر ص_49.
ومنه الحديث: =إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا+ وفي رواية: =لما هلكوا قصوا+.
قال ابن الأثير في النهاية (4/ 70) : أي اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص+ اهـ
وقيل: هو: أن يجلسوا خطيباً يقص عليهم.
قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها ص_26: =عن يعقوب بن كعب، عن عيسى بن يونس، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، قال: سألت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القصص، فقال:
=أدركت أصحاب محمد"يتجالسون، ويحدث هذا بما سمع ويحدث هذا بما سمع، فأما أن يجلسوا خطيباً فلا+.
إسناده ضعيف ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن القاضي صدوق سَيئُّ الحفظ جداً أما بقية رجال السند فثقات رجال الصحيح.
وتقدم في ص_39 أنه ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل، ويقول للناس: قولوا كذا، وقولوا كذا، فقال: =إذا رأيتموهم فأخبروني، فأخبروه، فجاء عبد الله متقنعاً، فقال: =من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا عبد الله ابن مسعود، تعلمون أنكم لأهدى من محمد وأصحابه، وإنكم لمتعلقون بذنب ضلالة+.
وفي رواية يقول القاص: =سبحان الله كذا وكذا+ فلما سمع ذلك قام فقال: =وفي رواية عند ابن وضاح ص_20 أن ابن مسعود مر على رجل وهو يقول لأصحابه: =سبحوا كذا وكبروا كذا وهللوا كذا. قال ابن مسعود: على الله تعدون أو على الله تسمعون قد كفيتم الإحصاء والعدة. قال أبان فقلت للحسن: فإن سبح الرجل وعقد بيده؟ قال: لا أرى بذلك بأساً+.(1/23)
إسناده ضعيف جداً أبان بن عياش متروك.
وقيل: إن القصص حادث لم يكن في زمن الرسول+.
ذكر من قال ذلك:
تقدم ص_46 أن عبد الله بن عمر قال: =لم يكن القصص في زمن الرسول"ولا زمن أبي بكر، ولا زمن عمر+. وفي رواية قال =لم يُقَص زمان أبي بكر، ولا عمر، إنما كان القصص زمن الفتنة+.
وهذا النفي تعارضه الأدلة الصحيحة الكثيرة في وجود القصص في زمن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر كما تقدم عنهم ذلك مبسوطاً بأسانيده ورواياته.
يؤيد هذا أنه ثبت عن ابن عمر نفسه أنه كان يحضر القاص ويرفع يديه بالدعاء عند القاص، انظر ص_47.
وقال الإمام الدرامي في السنن ص_715 رقم64: =باب الرخصة في القصص+.
أخبرنا محمد بن العلاء، ثنا يحيى بن أبي بكير، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت كرُدوساً، وكان قاصاً يقول: أخبرني رجل من أهل بدر، أنه سمع رسول الله"يقول:
=لئن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب+. قال: قلت أنا: أي مجلس يعني؟ قال: كان حينئذٍ يقص+.
قال أبو محمد: الرجل من أصحاب بدر هو علي+.
إسناده حسن رجاله ثقات، رجال الصحيح، غير كُردوس ذكره ابن حبان في الثقات (9/350) =وخرج البخاري له في الأدب المفرد ص_365، 366، رقم1064.
وقال الحافظ في التقريب: مقبول، وقال الذهبي في الميزان (3، 411) رقم9956: لا يعرف قلت: روى عنه الأئمة منهم: عبد الملك بن ميسرة، وعبد الملك بن عمير، وأشعث ابن أبي الشعثاء، واشعث بن سوَّار، والحارث بن سليمان الكندي، وزياد بن علاقة، وعبد الله بن عوف، والمنبعث الأثرم، وأبو وائل شقيق بن سلمة، ومحمد أبي النوار، ومطيع ابن عبد الله الغزال، ومنصور بن المعتمر(1).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/175 رقم996: قرئ على العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: =كردوس التغلبي مشهور.
__________
(1) انظر المعجم الكبير للطبراني (9/ 350) رقم 9513، 9514، وتهذيب الكمال للمزي (24/ 169).(1/24)
قال ابو زرعة: إنما هو الثعلبي، وقال أبي: =بالتاء، والثاء جميعاً+.
وقال ابو بكر الخطيب في الكفاية ص_88:
=وأقل ما ترتفع به الجهالة: أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم+ اهـ. وقد روى عنه ما نيف على العشرة.
قلت: ولم يجرحه أحد_فيما أعلم_والعلم عند الله.
الحاصل من هذه التعاريف للقاص:
أنه من يتحدث للناس بالقصص، والأخبار، والمواعظ، فيأتي بالقصة على وجهها من غير زيادة ولا نقص، فيتتبع الأخبار على علم ودراية بمعانيها وألفاظها، فيخبر بها الناس طلباً لإعلاء كلمة الله، وإقامة لدينه يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه.
ولا يقص رياءً، ولا سمعة، ولا احتيالاً، ولا اختيالاً، ولا مراءاة للسفهاء ولا جدال للعلماء، ولا تكسباً سواء كان خطيباً أو مفتياً أو مذكراً، أو نحو ذلك.
وهذا يشمل الموعظة والتذكير والدعوة إلى الله.
وهذا التعريف للقصص يشكل عليه هذا الحديث لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال_محتال_مرائي =روايات، من وجوه:
الأول: أنه إذا كانت =لا+ ناهية لزم أن يكون المختال، والمحتال والمرائي مِمَنْ يسوغ لهم القصص على الناس؛ لأنهم من جملة المستثنين ب_ =إلا+، وحينئذٍ يصير الحديث لا فائدة بتقييده بالأمير والمأمور كما هو واضح.
الثاني: أنه إذا كانت =لا+ نافية فالمعنى يكون: =لا يصدرُ القصصُ إلا عن الأمير أو المأمور أو المختال. كما يقال عند حصول الأمر الخطير: لا يخوض فيه إلا حكيم عارف بكيفية الورود، أو جاهل، لا يدري كيف يدخل، ويخرج، فيهلك.
وهذا يلزم عليه أن يكون كعب الأحبار حين وجده عوف ابن مالك يقص قبل أن يؤذن له_جاهلاً، لا يدري كيف يدخل، ويخرج، وبعد الإذن صار حكيماً عارفاً بكيفية الورود؛ لأنه توقف عن القصص لما تلا عليه عوف بن مالك الحديث المذكور، ثم أذن له معاوية بن أبي سفيان في القصص، فقص؟!(1/25)
وكعب هو ابن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار من نبلاء العلماء، ومن أوعية العلم ثقة مخضرم متين الديانة.
الثالث: أن كتاب الله وسنة رسوله"صرحا بالدعوة إلى الله وتذكير الناس والبيان لهم، ووعظهم، وتحذيرهم، وإنذارهم مما لا يحصى كثرة، ولم يقيد شيء من ذلك بالأمير، ولا بالمأمور.
فصل
ذكر المحدثون المعنيون بالذَّبِّ عن أحاديث المصطفى"جهلَة القصاص والوعاظ فيمن يضع الأحاديث على رسول الله"طلباً لكسب المال، فيدخلون في السُّؤال والشحاذين.
قال المُلا علي القاري في الموضوعات الكبرى ص_63:
=ولما كان أكثر القصاص والوعاظ جاهلين بالتفسير، ورواياته وبالحديث ومراتبه ورد: =لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراءٍ+، رواه ابن ماجه بسند صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
ولأبي داود بسند جيد، عن عوف بن مالك بلفظ: =مختال+ بدل =مراءٍ+ وللطبراني: عن عبادة بن الصامت بلفظ =متكلف+.
وروى الطبراني، عن خباب بن الأرت مرفوعاً:
=إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا+.
قال الزين العراقي: ومن آفات القصاص: أن يتحدثوا كثيراً مع العوام بما لا تبلغه العقول والأفهام فيقعوا في الاعتقادات السيئة. هذا إذا كان صحيحاً، فكيف إذا كان باطلاً؟
وقد قال ابن مسعود: =ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة+. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قلت: ومن آفاتهم: أن يدخل عليهم العجب والغرور في سائر الأمور. فروى الإمام أحمد بسند صحيح عن الحارث بن معاوية أنه ركب إلى عمر بن الخطاب فسأله عن القصص، قال: =ما شئت+ قال: أنا أردت أن انتهي إلى قولك، قال: =أخشى عليك أن تقص، فترتفع في نفسك، ثم تقص، فترفع في نفسك، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك+.(1/26)
وروى الطبراني بسند جيد عن عمرو بن دينار، أن تميماً الداري استأذن عمر في القصص، فأبي أن يأذن له ثم استأذنه، فقال: =إن شئت وأشار بيده_يعني إلى الذبح+.
قال العراقي: فانظر توقف عمر في إذنه في حق رجل من الصحابة الذين كل واحد منهم عدل مؤتمن، وأين مثل تميم في التابعين، ومن بعدهم؟!. . . + اهـ
وقال ابن حبان في مقدمة كتابه المجروحين (1/85) :
=ومنهم القصاص والسؤال الذين كانوا يضعون الحديث في قصصهم ويروونها عن الثقات، فكان يحمل المستمع منهم الشيء بعد الشيء على حسب التعجب، فوقع في أيدي الناس، وتداولوها فيما بينهم.
وأخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد المعصوب ببلد الموصل، قال: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي يقول: =صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قائم، فقال:(1/27)
حدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله": =من قال: لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منهما طيراً، منقاره من ذهب وريشه من مرجان+. وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة. فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد. فقال: أنت حدثت بهذا؟ فقال: والله ما سمعت به قط إلا الساعة. قال: فسكتوا جميعاً حتى فرغ من قصصه، وأخذ قِطاعَه، ثم قعد ينظر بقيتها، فقال له يحيى بن معين بديه أن تعال، فجاء متوهماً لنوال غيره، فقال له يحيى: =من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل. ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله"فإن كان لابد والكذب، فعلى غيرنا، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما علمته إلا الساعة. قال له يحيى بن معين: وكيف علمت أني أحمق؟! قال كأن ليس في الدنيا يحيى وأحمد غيركما كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا؟ فوضع أحمد بن حنبل كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما+. اهـ
وأورد هذه القصة الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة إبراهيم بن عبد الواحد البكري (1/47) رقم 144، وقال: لا أدري من هو ذا أتى بحكاية منكرة، أخاف ألا تكون من وضعه+. اهـ
وقال ابن الجوزي في الموضوعات الكبرى (1/32) :(1/28)
=والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة، ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره. فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل، فإذا أنكر عليهم عالم قالوا: قد سمعنا هذا بـ=أخبرنا، وحدثنا+ فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة، كم لون قد اصفر بالجوع، وكم هائم على وجهه بالسياحة، وكم مانع لنفسه ما قد أبيح، وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها في ذلك، وكم موتم أولاده بالتزهد وهو حي وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها، فهي لا أيم ولا ذات بعل. . . إلى أن قال ص_46:
=القسم الثاني: الشحاذون، فمنهم قصاص ومنهم غير قصاص، ومن هؤلاء من يضع، وأكثرهم يحفظ الموضوع.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزار، قال: أنبأنا هناد بن إبراهيم النسفي، قال: أنبأنا يحيى بن إبراهيم بن محمد المذكي، قال حدثنا الزبير بن عبدالواحد قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الواحد الطبري، قال: سمعت جعفر بن محمد الطيالسي يقول: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قصاص. . . الخ.
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة ص_426:
=بحث ثالث في ذكر الوضاعين المشهورين المكثرين من الكذب على رسول الله ". . . إلى أن قال ص_427:
=ومنهم القصاص؛ لأنهم يريدون أحاديث تُرَقِقُ وتنفق...+اهـ.
وقال العلامة السندروسي في الكشف الإلهي (1/20) :
=4_القصص والوعظ، كان بداية ظهور حلقات القصاص والوعاظ في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، وكثرت فيما بعد في مختلف مساجد الأقطار الإسلامية وقد تولى مهمة الوعاظ هذه قصاص لا يخافون الله، ولا يهمهم سوى أن يبكي الناس من مجالسهم، وأن يتواجدوا؟ وأن يعجبوا بما يقولون فوضعوا لهم من الأحاديث ما يرضيهم ويستثير نفوسهم ويحرك عواطفهم، ونسبوها إلى الرسول"كذباً وزوراً، وبهتاناً.(1/29)
قال ابن قتيبة_وهو يتكلم عن الوجوه التي دخل منها الفساد على الحديث: =والوجه الثاني: القصاص، فإنهم يُميلُون وجه العوام إليهم ومن شأن العوام أن يكثروا من الجلوس عند القصاص، كلما كان حديثهم عجيباً خارجاً عن نظر العقول، أو كان رقيقاً يحزن القلب فإذا ذكر الجنة قال: فيها سبعون ألف مقصورة ولا يزال هكذا في السبعين ألفاً لا يتحول عنها.
وكان بعض هؤلاء القصاص شحاذين يضعون أحاديث ترغب الناس في الإحسان إليهم، والعطف عليهم، ومن ذلك ما رواه ابن الجوزي أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين صليا في مسجد الرصافة. . . الخ القصة المذكورة آنفاً.
تم ما أردت جمعه من الأخبار الواردة في حكم القصص والقصاص ولله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وذلك في 8/7/1429هـ.(1/30)