عقيدة المسلم
للشيخ/ محمد بن جميل زينو
1- لماذا خلقنا الله تعالى؟ ... خلقنا لنعبده وَلاَ نشرك بِهِ شيئاً ... (وَمَا خَلَقتُ الجنَّ والإِنسَ إِلاَّ ليعبُدُون) [الذّاريات: 56] ... ( حقُّ الله عَلَى العبادِ أَنْ يعبدوه وَلاَ يشركوا بِهِ شيئاً) (متّفق عَلَيهِ)
2- كَيْفَ نعبد الله؟ ... كَمَا أمرنا الله ورسوله مَعَ الإخلاص ... ( وَمَا أُمروا إِلاَّ ليَعبدوا اللهَ مخلصينَ لَهُ الدّين) [البيّنة: 5] ... ( مَن عمِلَ عمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) [أَيْ مردود] (رواه مسلم)
3- هَلْ نعبد الله خوفاً وطمعاً؟ ... نعم نعبده خوفاً وطمعاً ... (وادْعوه خَوفاً وطَمَعاً) أَيْ خوفاً من نارهِ وطمعاً فِي جنّته [الأعراف: 56] ... ( أسألُ اللهَ الجنّة وأعوذ بِهِ مِن النّار) (صحيح رواه أبو داود)
4- مَا هُوَ الإحسان فِي العبادة؟ ... مراقبة الله وحده الَّذِي يرانا ... ( إنّ الله كَانَ عليكم رقيباً) [النّساء] (الَّذِي يراك حينَ تقومُ) [الشّعراء] ... ( الإحسانُ أَنْ تعبُدَ اللهَ كأنّك تراه فإن لَمْ تكن تراهُ فإنَّه يراك) (رواه مسلم)
5- لماذا أرسل الله الرّسل؟ ... للدّعوة إِلَى عبادته ونفي الشريك عَنْهُ ... (ولقد بَعثنا فِي كلّ أُمّةٍ رسولاً أَنْ اعبدوا الله واجتنبوا الطَّاغوت) [النَّحل] ... (الأنبياء إخوةٌ ودينُهُم واحد) [أَيْ كلُّ الرسل دعوا إِلَى التّوحيد] (متّفق عَلَيهِ)
6- مَا هُوَ توحيد الإله؟ ... إفراده بالعبادة كالدّعاء والنّذر والحُكم ... (فاعْلَم أنّه لا إله إِلاَّ الله) أَيْ لاَ معبود بحقّ إِلاَّ الله [محمد: 19] ... ( فليكن أوّل مَا تدعوهم إِلَيْهِ شهادة أَنْ لا إله إِلاَّ الله) [أَيْ إِلَى أَنْ يوحّدوا الله] (متّفق عَلَيهِ)(1/1)
7- مَا معنى لاَ إله إِلاَّ الله؟ ... لاَ معبود بحقّ إِلاَّ الله ... ( ذَلِكَ بأنّ اللهَ هو الحقُّ وأنّ مَا يدعونَ مِنْ دونهِ الباطل) [لقمان: 30] ... ( من قَالَ لآ إله إِلاَّ الله وكَفَرَ بِمَا يُعبدُ مِن دون الله حَرُمَ مالُه ودمُه) (رواه مسلم)
8- مَا هُوَ التّوحيد فِي صفات الله؟ ... إثبات مَا وصَفَ اللهُ بِهِ نفسَه أَوْ رسوله ... ( لَيْسَ كمثله شيءٌ وَهُوَ السّميع البصيرُ) [الشورى: 11] ... (ينزِلُ ربُّنا تبارك وتعالى فِي كلّ ليلةٍ إِلَى السّمَاء الدُّنْيَا) [نزولاً يليق بجلاله] (متّفق عليه)
9- مَا هِيَ فائدة التّوحيد للمسلم؟ ... الهداية فِي الدُّنْيَا والأمن فِي الآخرة ... (الَّذِينَ آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهُم بظلمٍ أولئك لهم الأمنُ وهُم مهتدون) [الأنعام] ... ( حَقُّ العباد عَلَى الله أَنْ لاَ يُعَذّب من لاَ يُشرك بِهِ شيئاً) (متّفق عَلَيهِ)
10- أين الله؟ ... الله عَلَى السّمَاء فَوْقَ العرش ... (الرَّحْمن عَلَى العرش استوى) (أَيْ علا وارتفع كَمَا جاء فِي البخاري) [طه: 5] ... ( إنّ الله كتب كتاباً إنّ رحمتي سبقت غضبي فَهُوَ مكتوبٌ عنده فَوْقَ العرش) (رواه البخاري)
11- هَلْ الله معنا بذاته أم بعلمه؟ ... الله معنا بعلمه يسمعنا ويَرانا ... ( قَالَ لاَ تخافا إنّني مَعَكُما أسْمَعُ وأرى) (أَيْ بحفظي ونصري وتأييدي) [طه] ... ( إنّكم تدعون سميعاً قريباً وَهُوَ معكم) [أَيْ بعلمه يسمعكم ويراكم] (رواه مسلم)
12- مَا هُوَ أعظم الذّنوب؟ ... أعظم الذّنوب الشرك الأكبر ... ( يَا بُنيَّ لاَ تُشْرِك باللهِ إن الشّركَ لظُلْمٌ عظيم) [لقمان: 13] ... (سُئِلَ صلى الله عليه وسلم أيُّ الذَّنب أعظم؟ قَالَ: أَنْ تدعو للهِ ندّاً وَهُوَ خلقك) (رواه مسلم)(1/2)
13- مَا هُوَ الشّرك الأكبر؟ ... هُوَ صرف العبادة لغير الله كالدّعاء ... (قُلْ إنّما أدعوا ربِّي وَلاَ أُشركُ بِهِ أحداً) [الجن: 20] ... ( أكبرُ الكبائر الإشراكُ باللهِ) (رواه البخاري)
14- مَا هُوَ ضرر الشرك الأكبر؟ ... الشّرك الأكبر يسبب الخلود فِي النّار ... (إنّه مَن يُشرِك باللهِ فَقَدْ حرّمَ اللهُ عَلَيهِ الجنّة ومأواهُ النّار)[المائدة:] ... ( من ماتَ يُشرِك باللهِ شيئاً دخل النّار ) (رواه مسلم)
هَلْ ينفع العمل مَعَ الشّرك؟ ... لاَ ينفع العمل مَعَ الشّرك ... ( وَلَوْ أشركوا لحبط عنهم مَا كانوا يعملون) [الأنعام: 88] ... (من عمِلَ عملاً أشرك معيَ فِيهِ غيري تركتُه وشِرْكَه) (حديث قدسي رواه مسلم)
15- هَلْ الشّرك موجود فِي المسلمين؟ ... نعم موجود بكثرة مَعَ الأسف ... ( وَمَا يؤمِنُ أكثَرُهُم باللهِ إِلاَّ وهم مشرِكون) [يوسف: 106] ... ( لاَ تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل مِن أُمّتي بالمشركين وحتى تُعبَد الأوثان) (صحيح رواه الترمذي)
16- مَا حكم دعاء غيرِ الله كالأولياء؟ ... دعاؤهم شرك يُدخل النّار ... ( فَلاَ تدعُ مَعَ اللهِ إلهاً آخر فتكون مِنَ المُعذّبين) (فِي النّار) [الشعراء: 213] ... ( من ماتَ وَهُوَ يدعو مِن دون الله نِدّاً دخل النّار) (رواه البخاري)
17- هَلْ الدّعاء عبادة لله تعالى؟ ... نعم الدّعاء عبادة لله تعالى ... ( وقال ربّكم ادُعوني أستجب لكم) [غافر: 60] ... ( الدّعاء هُوَ العبادة) (رواه الترمذي وقال حديث صحيح)
18- هَلْ يسمع الأموات الدّعاء؟ ... الأموات لاَ يسمعون الدّعاء ... ( إنّك لاَ تسمع الموتى) [النمل] ( وَمَا أنت بمُسمعٍ من فِي القبور) [فاطر] ... ( إنّ للهِ ملائكةً سيّاحين فِي الأرض يُبَلّغوني عَنْ أُمّتي السّلام) (رواه أحمد)(1/3)
19- هَلْ نستغيث بالأموات أَوْ الغائبين؟ ... لاَ نستغيث بهم بل نستغيث باللهِ ... (إِذْ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم) [الأنفال: 9] ... ( كَانَ إِذَا أصابه هَمٌّ أَوْ غَمٌّ قَالَ: يَا حيُّ يَا قيّوم برحمتك أستغيث) (رواه الترمذي)
20- هَلْ تجوز الاستعانة بغير الله؟ ... لاَ تجوز الاستعانة إِلاَّ بالله ... (إيّاك نَعبدُ وإيّاك نستعين) [الفاتحة: 5] ... ( إِذَا سألت فاسأل الله وَإِذَا استعنت فاستعن بالله) (رواه الترمذي)
21- هَلْ نستعين بالأحياء الحاضرين؟ ... نعم، فيما يقدرون عَلَيهِ ... (وتعاوَنوا عَلَى البرّ والتّقوى وَلاَ تعاونوا عَلَى الإثمِ والعُدوان) [المائدة: 2] ... (واللهُ فِي عونِ العبد مَا دام العبدُ فِي عونِ أخيه) (رواه مسلم)
22- هَلْ يجوز النّذر لغير الله؟ ... لاَ يجوز النّذر إِلاَّ لله ... (ربِّ إنّي نذرتُ لكَ مَا فِي بطني مُحرَّراً فَتَقَبّل منّي) [آل عمران: 35] ... (من نذر أَنْ يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعه ومن نذر أَنْ يعصِيَه فَلاَ يَعْصِه) (رواه البخاري)
23- هَلْ يجوز الذبح لغير الله؟ ... لاَ يجوز لأنّه مِن الشرك الأكبر ... ( فصلّ لربّك وانْحر) (أَيْ اذبح لله فقط) [الكوثر: 2] ... (لعَنَ الله مَن ذبح لِغير الله) (رواه مسلم)
24- هَلْ يجوز الطّواف بالقبور؟ ... لاَ يجوز الطّواف إِلاَّ بالكعبة ... (وَلْيَطّوَّفُوا بالبَيتِ العَتيق) (أَيْ الكعبة) [الحج: 29] ... ( من طاف بالبيتِ سبعاً وصلّى ركعتين كَانَ كعتق رقبة) (رواه ابن ماجه)
25- هَلْ تجوز الصلاة والقبر أمامك؟ ... لاَ تجوز الصّلاة إِلَى القبر ... (فَولّ وجهكَ شَطْرَ المسجِدِ الحَرام) (أَيْ استقبل الكعبة) [البقرة: 144] ... ( لاَ تجلسوا عَلَى القبور، وَلاَ تصلّوا إليها) (رواه مسلم)(1/4)
26- مَا حكم العمل بالسّحر؟ ... العمل بالسّحر من الكفر ... ( ولكنّ الشّياطينَ كفروا يُعلّمونَ النّاس السّحر) [البقرة: 102] ... ( اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسّحر) رواه مسلم)
27- هَلْ يجوز الذّهاب إِلَى الكاهن والعرّاف؟ ... لاَ يجوز الذّهاب إليهما ... ( هَلْ أُنبئكم عَلَى من تنزّل الشّياطين تنزل عَلَى كلّ أفّاكٍ أثيم) [الشعراء: 221-222] ... ( من أتى عرّافاً فسأله عَنْ شيء لَمْ تقبل لَهُ صلاة أربعين ليلة) (رواه مسلم)
28- هَلْ نصدّق العرّاف والكاهن؟ ... لاَ نصدّقهما فِي إخبارهما عَنْ الغيب ... ( قل لاَ يعلم من فِي السَّمَاوَات والأرضِ الغيب إِلاَّ الله) [النمل: 65] ... ( من أتى عرّافاً أَوْ كاهناً فصدّقه بِمَا يقول فَقَدْ كفر بِمَا أُنزل عَلَى محمد) (صحيح رواه أحمد)
29- هَلْ يعلم الغيب أحد؟ ... لاَ يعلم الغيبَ أحدٌ إِلاَّ الله ... ( وعِنده مفاتِحُ الغَيب لاَ يعلمها إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 59] ... ( لاَ يعلم الغيبَ إِلاَّ الله) (حسن رواه الطّبراني)
30- بماذا يجب أَنْ يحكم المسلمون؟ ... يجب أَنْ يحكموا بالقرآن والسنّة النّبويّة ... ( وأنِ احكم بينهم بِمَا أنزل الله) [المائدة: 49] ... (الله هُوَ الحكم وإليه المصير) (حسن رواه أبو داود)
31- مَا حكم العمل بالقوانين المخالفة للإسلام؟ ... العمل بِهَا كفر إِذَا أجازها ... ( ومن لَمْ يحكم بِمَا أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44] ... ( وَمَا لَمْ تحكم أئمّتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إِلاَّ جعل الله بأسهم بينهم) (حسن رواه ابن ماجه)
32- هَلْ يجوز الحلف بغير الله؟ ... لاَ يجوز الحلف إِلاَّ بالله ... ( قل بلى وربّي لتبعثنّ) [التغابن: 7] ... ( من حلف بغير الله فَقَدْ أشرك) (صحيح رواه أحمد)(1/5)
33- هَلْ يجوز تعليق الخرز والتّمائم للشفاء؟ ... لاَ يجوز تعليقها لأنّه من الشّرك ... ( وإن يمسسكَ اللهُ بضرٍّ فَلاَ كاشفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17] ... (من علّق تميمةً فَقَدْ اشرك) [التميمة: مَا يُعلّق مِن العين] (صحيح رواه أحمد)
34- بماذا نتوسّل إِلَى الله تعالى؟ ... نتوسّل بأسمائه وصفاته والعمل الصّالح ... (وللهِ الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: 18] ... ( أسألك بكلِّ اسمٍ هُوَ لكَ سمّيتَ بِهِ نفسك) (صحيح رواه أحمد)
35- هَلْ يحتاج الدّعاء لواسطة مخلوق؟ ... لاَ يحتاج الدّعاء لواسطة مخلوق ... (وَإِذَا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أُجيب دعوة الدّاعِ إِذَا دعان)
[البقرة: 186] ... ( إنّكم تدعون سميعاً قريباً وَهُوَ معكم) [أَيْ بعلمه يسمعكم ويراكم]
(رواه مسلم)
36- مَا هِيَ واسطة الرّسول صلى الله عليه وسلم؟ ... واسطة الرّسول صلى الله عليه وسلم هِيَ التّبليغ ... ( يَا أيّها الرَّسُول بلّغ مَا أنزل إليك من ربّك) [المائدة: 67] ... (اللّهم هَلْ بلّغت اللّهم اشهد) [جواباً لقول الصحابة نشهد أنّك قد بلّغت] (رواه مسلم)
37- ممّن نطلب شفاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم؟ ... نطلب شفاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم من الله ... ( قل للهِ الشّفاعة جميعاً) [الزمر: 44] ... ( اللّهم شفّعه فيّ) [أَيْ شفّع الرّسول صلى الله عليه وسلم فيّ] (رواه الترمذي وقال حديث حسن)
38- كَيْفَ نحبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ... المحبّة تكون بالطّاعة واتّباع الأوامر ... ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله) [آل عمران: 31] ... ( لاَ يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إِلَيْهِ من والده وولده والنّاس أجمعين) (رواه البخاري)(1/6)
39- هَلْ نبالغ فِي مدح الرّسول صلى الله عليه وسلم؟ ... لاَ نبالغ فِي مدح الرّسول صلى الله عليه وسلم ... ( قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد)[الكهف: 110] ... (إنّما أنا بشرٌ مثلكم) (رواه أحمد وصححه الألباني)
40- من هُوَ أوّل المخلوقات؟ ... من البشر آدم، ومن الأشياء القلم ... ( إِذْ قَالَ ربّك للملائكة إنّي خالقٌ بشراً من طين) [ص: 71] ... (إنّ أوّل مَا خلق الله القلم) (رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح)
41- من أيّ شيءٍ خُلِقَ محمّد صلى الله عليه وسلم؟ ... خلق الله محمّداً صلى الله عليه وسلم من نطفة ... (هُوَ الَّذِي خلقكم من ترابٍ ثمّ مِن نطفة) [غافر: 67] ... (إنّ أحدكم يجمع خلقه فِي بطن أمّه أربعين يوماً نطفة) (متّفق عَلَيهِ)
42- مَا حكم الجّهاد فِي سبيل الله؟ ... الجهاد واجب بالمال والنّفس واللّسان ... ( اِنْفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) [التّوبة: 41] ... ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) (صحيح رواه أبو داود)
43- مَا هُوَ الولاء للمؤمنين؟ ... هُوَ الحبّ والنصرة للمؤمنين والموَحّدين ... (والمُؤمنون والمؤمناتُ بعضهم أولياء بعض) [التّوبة: 71] ... (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً) (رواه مسلم)
44- هَلْ تجوز موالاة الكفّار ونصرتهم؟ ... لاَ تجوز مولاة الكفّار ونصرتهم ... ( ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم)
(أَيْ الكافرين) [المائدة: 51] ... ( إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء) [لأنّهم من الكفّار] (متّفق عَلَيهِ)
45- من هُوَ الوليّ؟ ... الوليُّ هُوَ المؤمنُ التّقيّ ... ( ألآ إنّ أولياء اللهِ لاَ خوفٌ عليهم وَلاَ هم يحزنون الَّذِينَ آمنوا وكانوا يتّقون) ... ( إنّما وليِّي اللهُ وصالح المؤمنين) (متّفق عَلَيهِ)(1/7)
46- لماذا أنزل اللهُ القرآن؟ ... أنزل الله القرآن للعمل بِهِ ... (اِتّبعوا مَا أنزل إليكم من ربّكم وَلاَ تتّبعوا من دونه أولياء) [الأعراف: 3] ... ( اِقرأوا القرآن واعملوا بِهِ وَلاَ تأكلوا بِهِ وَلاَ تستكثِروا به) (رواه أحمد)
47- هَلْ نستغني بالقرآن عَنْ الحديث؟ ... لاَ نستغني بالقرآن عَنْ الحديث ... ( وأنزلنا إليكَ الذّكر لتبيّن للنّاس مَا نُزّل إليهم) [النَّحل: 44] ... ( ألا وإنّي أوتيت القرآن ومثله معه) (صحيح رواه أبو داود)
48- هَلْ نقدّم قولاً عَلَى قول الله ورسوله؟ ... لاَ نقدّم قولاً عَلَى قول الله ورسوله ... ( يَا أيّها الذّين آمنوا لاَ تُقدّموا بَيْنَ يدي اللهِ ورسوله) [الحجرات: 1] ... ( لاَ طاعة لأحدٍ فِي معصية الله إنّما الطّاعة فِي المعروف) (متّفق عَلَيهِ)
49- مَاذا نفعل إِذَا اختلفنا؟ ... نعود إِلَى الكتاب والسنّة الصحيحة ... (فإن تنازعتم فِي شيءٍ فردّوه إِلَى الله والرّسول) [النساء: 59] ... ( تركت فيكم أمرين لَنْ تضلّوا مَا تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّة رسوله) (صحيح لغيره رواه مالك)
50- مَا هِيَ البدعة فِي الدّين؟ ... كلُّ مَا لَمْ يقم عَلَيهِ دليل شرعي ... ( أم لهم شركآء شرعوا لهم من الدّين مَا لَمْ يأذن بِهِ الله) [الشورى: 21] ... ( من أحدث فِي أمرنا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردّ) [أَيْ غير مقبول] (متّفق عَلَيهِ)
51- هَلْ فِي الدّين بدعة حسنة؟ ... لَيْسَ فِي الدّين بدعة حسنة ... ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) ... ( إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة) (صحيح رواه أبو داود)
52- هَلْ فِي الإسلام سنّة حسنة؟ ... نعم، كالبادئ بفعل خير لِيُقتدى بِهِ ... ( واجعلنا للمتّقين إماماً) (أَيْ قدوة فِي فعل الخير) [الفرقان: 74] ... ( من سنّ فِي الإسلام سنّة حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِهَا من بعده) (رواه مسلم)(1/8)
53- هَلْ يكتفي الإنسان بإصلاح نفسه؟ ... لاَ بدَّ مِن إصلاح نفسه وأهله ... ( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) [التحريم: 6] ... (إنّ الله تَعَالَى سائلٌ كلّ راعٍ عمّا استرعاه أحفظ ذَلِكَ أم ضيّعه)
(حسن رواه النسائي)
54- متى ينتصر المسلمون؟ ... إِذَا عمِلوا بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ... ( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم) [محمد: 7] ... ( لاَ تزال طائفة من أمّتي منصورين) (صحيح رواه ابن ماجه)
55- من هم أفضل النّاس بَعْدَ الرّسل؟ ... هم أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ... ( والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) [التّوبة: 100] ... ( خير النّاس قرني ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم) (متّفق عَلَيهِ)
56- من هم أفضل الصّحابة؟ ... أبوبكر ثُمَّ عمر ثُمَّ عثمان ثُمَّ عليّ رضي الله عنهم أجمعين ... ( إِلاَّ تنصروه فَقَدْ نصره الله إِذْ أخرجه الَّذِينَ كفروا ثاني اثنين إِذْ هما فِي الغار إِذْ يقول لصاحبه لاَ تحزن إنّ الله معنا) [التّوبة: 40] ... (فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديين الرّاشدين تمسكوا بِهَا وعضوا عَلَيْهَا بالنّواجذ) (رواه أبو داود)
57- مَا حكم من يقول بتحريف القرآن؟ ... الَّذِي يقول بتحريف القرآن كافر ... ( إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا لَهُ لحافظون) [الحجر: 9] ... ( تركت فيكم أمرين لَنْ تضلّوا مَا تمسّكتم بهما كتاب الله وسنّة رسوله)
58- من هم (المغضوب عليهم) ومن هم (الضّالون)؟ ... المغضوب عليهم هم اليهود والضّالّون هم النّصارى ... ( غير المغضوب عليهم وَلاَ الضّالين) [الفاتحة: 7] ... ( اليهود مغضوب عليهم والنّصارى ضُلاّل) (الترمذي عَنْ عدي بن حاتم)(1/9)
شهادة الإسلام
لا إله إلا الله محمد رسول الله
محمد بن جميل زينو
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ؛؛ فإن التوحيد الذي جاءت به الرسل جميعاً ، وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم يتمثل في شهادة : ( لا إله إلا الله) التي تكررت في القرآن والسنة ، حيث اعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم الركن الأول للإسلام ، ومن أجل هذه الشهادة قامت المعارك ، حتى دخل الكفار الإسلام .
وقد تكلمت عنها اجمالاً في بعض كتبي ، وأحببت أن أفردها في رسالة خاصة ، بعد أن توسعة في شرحها ، ولا سيما وقد قال البخاري في صحيحه : ( باب العلم قبل القول والعمل) . لقول الله تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} . فبدأ بالعلم ، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء .
وسأشرح لكم : مكانتها ، وفضلها ، وحقيقتها ، ونفعها ، ومعناها ، وشروطها ، ونواقضها ، وغيرها من الأمور المهمة .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ويجعلها خالصة لله تعالى .
أركان الإسلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بني الإسلام على خمس :-
1-…شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
…(لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد تجب طاعته في الدين) .
2-…وإقام الصلاة :
…(أداؤها بأركانها وواجباتها والخشوع فيها) .
3-…وإيتاء الزكاة :
…(تجب الزكاة إذا ملك 87 غراماً ذهباً أو ما يعادلها من النقود بدفع 2.5 في المائة منها بعد سنة ، وغير النقود لكل منها مقدار معين) .
4-…وحج البيت :
…( من استطاع إليه سبيلا) .
5-…وصوم رمضان :
…(الامتناع عن الطعام والشراب ، وجميع المفطرات من الفجر حتى الغروب مع النية) .(2/1)
أركان الإيمان :
1-…أن نؤمن بالله : ( بوجوده ووحدانيته في الصفات والعبادة) .
2-…وملائكته : ( مخلوقات من نور لا نراهم لتنفيذ أوامر الله) .
3-…وكتبه : ( التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها) .
4-…ورسله : ( أولهم نوح وآخرهم محمد) .
5-…واليوم الآخر : ( يوم الحساب لمحاسبة الناس على أعمالهم) .
6-…وتؤمن بالقدر خيره وشره : ( الرضا بالقدر خيره وشره ، مع الأخذ بالأسباب) .
مكانة لا إله إلا الله :
1-…قال الله تعالى : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
2-…وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} .
3-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) .
وهذه الكلمة هي التي يدخل بها الكافر الإسلام ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن لم يقلها لم يعصم دمه وماله .
4-…وهذه الكلمة الطيبة أو ما يدعو إليها المسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : ( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اله ) الحديث .
5-…قال ابن القيم في زاد المعاد عن مكانة لا إله إلا الله : ( إنها كلمة يعلنا المسلمون في أذانهم وإقامتهم وخطبتهم وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله الرسل ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافين ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على العباد ، فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون ، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين :
( ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟)(2/2)
وجواب الأولى : بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً .
وجوال الثانية : بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وانقياداً وطاعة .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلم إذا سُئل في القبر : شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فلذلك قوله تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) الحديث .
8-…وقال ابن عُيينة : ما أنعم الله على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم : لا إله إلا الله .
9-…وقال ابن رجب في كتابه (كلمة الإخلاص) : إن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا .
10-…وقال ابن عباس في قوله تعالى : {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} شهادة أن لا إله إلا الله .
11-…الخلاصة : إن لهذه الكلمة مكانة في الدين ، وأهمية في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد ، لأنها الأساس الذي تبني عليه جميع الأعمال ، فهي كلمة الإخلاص ، وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الله الخلق قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
فضل لا إله إلا الله :
1-…قال الله تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، وقد استدل البخاري رحمه الله تعالى من هذه الآية على تقديم العلم فقال : ( باب العلم قبل القول والعمل) .
2-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) - البضع : من ثلاثة إلى تسعة) .(2/3)
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : من تعار - أي سقط - من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم أغفر لي ، أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) .
4-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرض العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم) .
5-…سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول : ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لقد سأل الله بإسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( دعوني ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له) .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع المؤذن (1) وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
8-…وقال صلى اله عليه وسلم : ( من قال حين يصبح أو حين يمسي : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء (2) لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) .
9-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له) .
__________
(1) حين يقول المؤذن : أشهر ألا إله إلا الله .
(2) أبوء : أعترف .(2/4)
10-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شئ قدين ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسن ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك) .
11-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الضوء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فتحت له أبواب الجنة ، يدخل من أيها شاء) .
12-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه - لا إله إلا الله - دخل الجنة) .
الخلاصة : إن فضائل هذه الكلمة كثيرة ، وحقائقها وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ، ويعرفه العارفون فهي رأس الإسلام مطلقاً وهي حقيقة الأمر كله .
لا معبود بحق إلا الله :
هذا هو التفسير الصحيح لشهادة لا إله إلا الله وبعبارة أوضح : ( لا أحد يستحق العبادة في الوجود إلا الله) .
والعبادة اسم جامع لما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة كالصلاة ، والذبح ، والنذر ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) .
قال الله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} .
والدليل على تفسير (لا معبود بحق إلا الله ) قوله تعالى :-
1-… {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .(2/5)
2-…وقوله تعالى : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} .
أ-…قال علي رضي الله عنه : ( له دعوة الحق) : قال : التوحيد .
ب-…وقال ابن عباس وغيره : ( له دعوة الحق) : لا إله إلا الله .
ج-…وقال غيره : ومعنى الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً وإما متناولاً له من بُعد ، كما أنه لا ينتفع بالماء بالذي لم يصل فيه الذي يجعله محلاً للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلهاً آخر غيره لا ينتفعون بهم أبداً في الدنيا والآخرة، ولهذا قال: {وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} .
أقول : لقد حكم الله على الذين يدعون غير الله بالكفر والضلال كما صرحت الآية .
1-…وأهم هذه المفاهيم التي يحتاج إليها تصحيحها ، بل ذلك ضرورة : مفهوم (لا إله إلا الله) وهذه الكلمة التي هي رأس الإسلام مطلقاً كما قال الإمام ابن تيمية في الرسالة التدمرية .
2-…ويقوم شارح العقيدة الطحاوية وهو من الأحناف :
…قوله : (ولا إله غيره) : هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم ، كما تقدم ذكره ، وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر ، فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال - ولهذا والله أعلم - لما قال تعالى : {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، قال بعده { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .
فإنه قد خطر ببال أحد خاطر شيطاني : هب إن إلهنا واحد ، فليغرنا إله غيره ، فقال تعالى : { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .
لا إله في الوجود إلا الله :
هذا التفسير غير صحيح للأسباب الآتية :-
1-…أن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة :(2/6)
…أ-…الهندوس في الهند يعبدون البقر ، بمنزلة الآلهة عندهم .
…ب-…النصارى يعبدون عيسى ، وهو بمنزلة الإله عندهم .
ج-…بعض المسلمين يعبدون الأموات ، ولا سيما الأنبياء والأولياء ، حيث يدعونهم من دون الله ، ويستغيثون بهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (الدعاء هو العبادة) .
…د-…والدليل على تعدد الآلهة الموجودة قوله تعالى : :
…{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} .
…{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .
…{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
…فهذه الآيات تفيد وجود آلهة متعددة ، ولكنها باطلة ، والمعبود بحق هو الله وحده ، والدليل قول الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
…فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجن وسائر المخلوقات وتفيد آية الأعراف السابقة أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر ، وهو لا يدري ، فنبه على ذلك فإنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل ، والصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم .(2/7)
لا خالق إلا الله :
اختف الناس في معنى ( لا إله إلا الله) إلى طوائف :
الطائفة الأولى تقول : إن معناها : لا خالق ولا رازق إلا الله ، فإذا اعتقد المسلم أن الله وحده هو الخالق والرازق أصبح مؤمناً ، فإذا دعا غير الله ، وقال : يا رسول الله أغثني ، يا جيلاني أشفني ، أو نذر له ، أو توجه إلى قبره وطاف به لا يضر بزعمهم ، ما دام يعتقد أن الله هو الخالق والرازق ، والرب وحده .
وهذا خطأ ظاهر ، لأن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن الله وحده الرب والخالق والرازق والمدبر للأمور ، قال تعالى عن المشركين {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} .
وبعض المنتسبين للإسلام يعتقدون أن هناك أقطاباً أربعة يدبرون الكون ! وهذا شرك بالله يجب أن يتوبوا منه ، لأن المدبر للأمور هو الله وحده ، وغيره عاجز عن تدبير نفسه فضلاً عن غيره .
فإن قيل : إذا كانوا يعتقدون أن الله وحده هو الرب والخالق والرازق والمدبر للكون ، فكيف عبد هؤلاء المشركون غير الله ؟ .
فالجواب : عبدوا غير الله ابتغاء التقرب إلى الله ، وليكونوا شفعاءهم عند الله ، قال تعالى : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .(2/8)
وقال تعالى عن المشركين : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فزعموا أنهم لا يعبدون غير الله إعراضاً عنه ، بل يعبدونهم ويدعونهم للإقبال على الله ، فإن هؤلاء شفعاء عند الله بزعمهم يتقربون بهم إلى الله .
وبعض المسلمين - هداهم الله - لا يرون بأساً في دعاء الأولياء والأموات ، فقد سمعناهم يقولون : لا ندعوا الأولياء على اعتقاد أنهم قادرون على قضاء حوائجنا ، وإنما ندعوهم على أنهم يشفعون لنا عند الله ، ولهم منزلة عند الله ، وزعموا أن هذا لا يناقض التوحيد ، وهذا خطأ لأن الله تعالى يقول : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} - أي المشركين - .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة) .
فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لغير الله ، فكذلك الدعاء عبادة لا يجوز لغير الله .(2/9)
لا مطاع إلا الله :
الطائفة الثانية تقول : إن معنى لا إله إلا الله .
لا مطاع بحق إلا الله ، أو لا أحد يستحق الإطاعة إلا الله ، فمن أطاع غير الله فقد كفر بزعمهم ، ولهذه الطائفة قصة يحسن ذكرها : وذلك أنه لما كان جميع أهالي الهند متفقين على مطالبة الحرية والاستقلال ، وطرد الإنجليز من الهند ، ولم يختلف في ذلك حزب من الأحزاب ، ولا ملة من الملل ، واستعدوا للتضحية بكل ما يملكون في هذا السبيل ، قامت طائفة من المسلمين بمشاركة الناس في هذا الجهاد ، محتجين بحة هي أقوى عندهم من جميع الحجج ، وذلك زعمهم أن الناس بسبب خضوعهم لقوانين الحكومة البريطانية أصبحوا مشركين ، لأن إطاعة القوانين عندهم عبادة بلا شك ، وزعموا أنه مفهوم لا إله إلا الله زاعمين أن معناها : لام مطاع إلا الله ولهم في هذا مؤلفات كثيرة .
وعلى هذا الأساس حكموا بالكفر على المسلمين الذين أكرمهم الله بالإيمان ، وأعلن في محكم كتابه أنه تقبل منهم ذلك حيث يقول الله تعالى :{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .
ولا شك أن إمرأة فرعون عاشت مطيعة لأوامر زوجها (فرعون) وقوانين حكومته ، ومع ذلك جعلها الله مثلاً للمؤمنين ، فلله الحمد على هذا التيسير والتخفيف .
ومعروف للجميع ما ذكر الله لنا عن يوسف عليه السلام من قبوله الوظيفة تحت الملك الكافر .
كما يعرف الجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث جماعة من الصحابة إلى الحبشة يطلبون الأمن ، ولم يعملوا هناك انقلاباً ثورياً ضد النجاشي ، بل عاشوا مطمئنين هادئين .
وعلى هذا الأساس حرفوا معاني الآيات التي جاء فيها الأمر بعبادة الله ، والنهي عن عبادة غيره ، كما فسروا الطاغوت بإطاعة قوانين الحكومة غير المسلمة ، رغم ما اتفق عليه المفسرون من أن المراد من عبادة الطاغوت عبادة الآلهة الباطلة .(2/10)
وهذه المزاعم كلها غلو منهم ، ودين الله براء منه ، وهذه الطائفة صنو جماعة التكفير والهجرة التي ظهرت في مصر وغيرها من البلاد (صنو جماعة التكفير : أي أختها ومثيلتها) .
تفسير سيد قطب :
ومن الخطأ ما فسر به (سيد قطب) قول الله عز وجل :
1-…{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}
…أي فلا شريك له في الخلق والاختيار .
…أقول : هذا معنى من معاني الربوبية التي اعترف بها المشركون كما تقدم ، ضيع به المعنى الحقيقي لكلمة (لا إله إلا الله ) كما سبق تفسيرها الصحيح : لا معبود بحق إلا الله ، لأن الإله : معناه المعبود ، وليس معناه الخالق .
2-…وقريب من قوله في تفسير قوله تعالى : {إِلَهِ النَّاسِ}
…والإله : هو المستعلي المستولي المتسلط)
…أقول : إن الاستعلاء والسلطان والحكم والملك ولا سيادة من صفات الرب ومثلها الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير التي اعترف بها المشركون ، كما تقدم في سورة يونس .
والعرب كانوا يعرفون معنى الإله : هو المعبود ، ولذلك رفضوها لأنه تدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وترك عبادة آلهتهم ، كما قال الله عنهم : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} .
وقال الله يحكي قول المشركين : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .
قال ابن كثير : ( أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو) فقد فسر ابن كثير : الإله : المعبود.(2/11)
تفسير ابن تيمية :
قال ابن تيمية رحمه الله : الإله هو المستحق للعبادة ، فأما من اعتقد في الله أنه رب كل شئ وخالقه ، وهو مع هذا يعبد غيره ، فإنه مشرك بربه ، متخذ من دونه إلهاً آخر ، فليست الآلهة هي الخلق ، أو القدرة على الخلق ، أو القدم كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام ، إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شئ وربه ، فلو كان هذا هو الإله لكانوا قائلين : إنه لا إله إلا الله .
فهذا موضع عظيم جداً ينبغي معرفته لما قد لبس على طوائف من الناس أصل الإسلام ، حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركاً ، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أموراً باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه ، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أموراً عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله ، فأكثر هؤلاء المتكلمين دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك .
بل التوحيد الذي لا بد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد ، وهو توحيد العبادة ، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله : أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه ، وهذا هو الإسلام ، فإن الإسلام يتضمن أصلين :
أحدهما : الاستسلام لله .
والثاني : أن يكون ذلك له سالماً ، فلا يشرك به أحد في الإسلام له وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه .(2/12)
لا حاكم إلا الله :
وقريب من هذا التفسير : لا مطاع بحق إلا الله ، وقد تبين خطأ هذا التفسير كما تقدم ما ذكره (سيد قطب) في كتابه معالم في الطريق حين قال : وأخيراً يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات تزعم لنفسها أنها مسلمة وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار ، لا لأنها تعتقد بألوهية غير الله ، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً (1) ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها ، فهي - وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله - تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله ، فتدين بحاكمية غير الله ، فتتلقى من هذه الحاكمة نظامها وشعائرها ، وقيمها وموازينها ، وعاداتها ، وتقاليدها (2) .. وكل مقومات حياتها تقريباً ، والله سبحانه وتعالى يقول عن الحاكمين : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، كما أنه سبحانه قد وصف اليهود والنصارى من قبل بالشرك والكفر والحيدة عن عبادة الله وحده ، واتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دونه لمجرد أن جعلوا للأحبار والرهبان ما يجعله الذين يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون .
__________
(1) يعلق الشيخ ربيع بن هادي قائلاً : بل كثير من هذه المجتمعات يضفون على أناس صفات الإله ، كاعتقادهم أنهم يعلمون الغيب ، يتصرفون في الكون ، ويفرجون الكروب ، ويتقدمون لهم بالشعائر التعبدية من الاستغاثة في الشدائد ، والدعاء والخوف ، والرجاء والتوكل والطواف بقبورهم ، وتعظيم هذه القبور ، وإقامة الأعياد والاحتفالات والموالد لهذه الأضرحة ، وشد الرحال إليها وتقديم الذبائح والنذور بالأموال الطائلة لها ، كل هذه الأمور وغيرها من أنواع الشرك لا بعدها (سيد قطب) من أنواع الشرك الناقضة للتوحيد المنافية لمعنى : (لا إله إلا الله) ونحن لا نكفر إلا من قامت عليه الحجة .
(2) وهي تقاليدها لناس البدلة الأفرنجية والكرافت وحلق اللحية .(2/13)
اعتبر الله سبحانه وتعالى ذلك من اليهود والنصارى شركاً ، كاتخاذهم عيسى ابن مريم رباً يؤلهونه ، ويعبدون سواه ، فهذه كتلك : خروج من العبودية لله وحده ، فهي خروج من دين الله ، ومن شهادة أن لا إله إلا الله (1) إلى أن يقول : وإذا تعين هذا فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة . إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره .
ملاحظات على كلام سيد قطب :
1-…تكفيره للمجتمع الإسلامي : وذلك حين قال في ( معالم في الطريق) وأخيراً يدخل في المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة .
أقول : لا يجوز تكفير المجتمعات الإسلامية : بعد أن أكرمها الله تعالى بالإسلام ، والحاقها بالمجتمع الجاهلي الذي لم يدخل في الإسلام .
أ-…قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمير ، تكرمه لهذه الأمة .)
ب-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) .
قال الخطابي : معناه : لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول : فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم ، أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم ، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ، ورؤيته أنه خير منهم .
وقد بوب الإمام مسلم في كتابه فقال : ( باب النهي عن قول : هلك الناس) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما رجل مسلم أكفر رجلاً مسلماً ، فإن كان كافراً ، والا كان هو الكافر) .
وقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم ولظن فإن الظن أكذب الحديث) .
__________
(1) وهذا واضح في تكفير المجتمعات الإسلامية .(2/14)
2-…وقال (سيد قطب) في كتابه ( معالم الطريق ) . وهذه المجتمعات لا تدخل في هذا الإطار ، لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضاً .
أقول : إن هذا الكلام يدل على أنه لا يهتم بالشرك الموجود في أكثر البلاد وهو دعاء الأولياء من دون الله كقولهم : المدد يا سيدي الحسين ، والطواف حول قبر الحسين وزينب ، والنذر للقبور ، واعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ، ويتصرفون في الكون ، وهم الأبدال ، والأقطاب والأغواث ، وغيرها من أنواع العبادة التي لا تجوز إلا لله وحده ، والتي يعتبرها الإسلام من الشرك الأكبر التي يخلد صاحبها في النار ، فكان الواجب عليه أن يحذر منها ، لأن الرسل جميعاً حذروا منها ، والقرآن الكريم يهتم بالتوحيد ، ويحذر من الشرك المنتشر الآن ، ولا سيما الدعاء الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) ، وقال الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} (الظالمين : المشركين) .
3-…ثم يقول (سيد قطب) في كتابه (معالم في الطريق) : ولكنها أي المجتمعات الإسلامية تدخل في هذا الإطار (أي المجتمع الجاهلي) لأنها تدين بحاكمية غير الله ..... والله تعالى يقول : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
أقول : ليت قائل هذا الكلام الذي فيه تكفير للمجتمعات الإسلامية رجع إلى تفسر ابن كثير عند تسير هذه الآية حيث فصل وأجاد وأفاد حين قال :
أ-…قال السدي : ومن لم يحكم بما أنزل الله فتركه عمداً ، أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين .
…وقال ابن عباس : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقرّ به فهو ظالم فاسق (رواه ابن جرير) ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب ، أو من جحد حكم المنزل في الكتاب .(2/15)
…ب-…قال ابن طاووس : وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
ج-…وقال الثوري عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
…د-…وقال وكيع : ( ومن لم يحكم ..... الآية) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .
هـ…وقال طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، قال : ليس بالكفر الذي تذهبون إليه .
أقول : من هذه الأقوال عن الصحابة والتابعين يتبين خطأ تفسير سيد قطب للآية وتكفيره للمجتمع الإسلامي ، وهذه بادرة خطيرة انتشرت بين بعض الجماعات الإسلامية مع الأسف الشديد ، أسأل الله لنا ولهم الهداية .
تفسير محمد قطب :
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
يقول (محمد قطب) في كتابه (لا إله إلا الله) .
1-…لما قال الناس لابن عباس رضي الله عنه إن هؤلاء يقصدون الأمويين - يحكمون بغير ما أنزل الله ، فما القول فيهم ؟ قال قولته الشهيرة : أنه كفر دون كفر ، أنه الكفر الذي تعلمون ، كفر لا يخرج من الملة ..الخ .
2-…أقول : فتحت للأخ محمد قطب هاتفاً ، وسألته عن صحة هذا النقل عن الأمويين ، فلم يذكر المرجع وقلت له : لم يذكر الطبري ولا ابن كثير هذا التخصيص .
3-…ثم رجعت إلى تفسير الطبري فرأيته يرجع تخصيص الآية بأهل الكتاب حيث قال : وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ، ففيهم نزلت ، وهم المعنيون بها ثم قال : إن الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا يحكمون بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون ، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه ، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي .(2/16)
أقول : يستفاد من تفسير الطبري هذا ما يلي :-
1-…أن الآية نزلت في أهل الكتاب ، تعم من جحد حكم الله وهو عالم كما قال ابن عباس ، ومفهومه أن من حكم بغير ما أنزل ، غير جاحد ، أو غير عالم بالحكم لا يكفر ، والدليل قوله تعالى في سورة المائدة : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
2-…لم يذكر الأخ (محمد قطب) أيضاً وحدة الوجود عند الصوفية ، في نواقض لا إله إلا الله ، واكتفى بذكر فكرة (الفناء) التي قال عنها في بحث آخر: ( في الصوفية الهندية يسعى الإنسان لتحقيق الخلود ، ولا يتم هذا إلا بالفناء في الروح الأعظم والاتحاد معه وهذا لا يتم إلا بتعذيب الجسد وإهانه لتنطلق الروح من أوهاقه، وترفرف في عالم النور) .
أقول : إن فكرة الفناء التي عرفها الأخ (محمد قطب) تختلف عن وحدة الوجود التي ذكرها أخوه (سيد قطب) في تفسيره كما سبق .
فكان عليه أن يذكرها في نواقض الشهادة ، ويذكر نصها ، ومن أخذ بها كابن عربي وغيره حيث قال :
الرب عبد ، والعبد رب ……يا ليت شعري من المكلف
وقال غيره :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا …وما الله إلا راهب في كنسية
3-…لم يفصل في ذكر النواقض حينما عدها كما فصل في الحكم بغير ما أنزل الله ، علماً بأن دعاء غير الله ، والاستعانة والنذر والذبح لغير الله وقع فيه علماء أهل البدع والعوام .
4-…لم يذكر الطواف حول القبور بنية العبادة والترب كالطواف حول قبر الحسين وغيره .
5-…لم يذكر في النواقض عقيدة بعض الصوفية المعتقدين بأن هناك أقطاباً أربعة يدبرون أمور الكون ، مع أن المشركين السابقين يسندون التدبير لله .
6-…قال إن التلفت من التكاليف طبع بشري صاحب الإنسان منذ نشأته ، قال الله تعالى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} .(2/17)
أقول : لا يجوز لأي مسلم كان إطلاق هذا التعبير لعدم صحته ، ولما فيه من المس بكرامة النبي آدم الذي نسى أمر ربه ولم يتفلت ولو أنه قال : إن الخطأ والنسيان من طبيعة الإنسان لكان صواباً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
وقال العلماء : ما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه .
من لم يستطع الحكم بالقرآن :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
وكذلك الكفار : من بلغه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر ، وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه ، واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره ، ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام ، لكونه ممنوعاً من الهجرة وممنوعاً من إظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام ، فهذا مؤمن من أهل الجنة ، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون وكما كانت إمرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ، فإنهم كانوا كفار ولم يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام ، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه ، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} .(2/18)
وكذلك النجاشي هو وأن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم ، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفاً وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات : ( إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات) وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولم يصم شهر رمضان ، ولم يؤد الزكاة الشرعية ، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ، ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بالقرآن ، والله قد فرض على نبيه بالمدينة إنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل إليه ، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه .
وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم ، وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع ، والنفس بالنفس والعين بالعين ، وغير ذلك .
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ، فإن قومه لا يقرونه على ذلك ، وكثيراً ما يتولى بين المسلمين والتتار قاضيً بل وإماماً ، وفي نفسه أمور العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك ، بل هناك من يمنعه ذلك ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وعمر بن عبدالعزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل ، وقيل : أنه سُمّ على ذلك ، فالنجاشي وأمثاله سعداء في لجنة وإن لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه ، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها .(2/19)
ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب ، قال الله تعالى {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
وهذه الآية قد قال طائفة من السلف : إنها نزلت في النجاشي ، ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس ، ومنهم من قال : فيه وفي أصحابه ، كما قال الحسن وقتادة ، وهذا مراد الصحابة ولكن هو المطاع ، فإن لفظ الآية لفظ الجميع لم يرد واحد .
تحقيق الشهادتين :
(لا إله إلا الله ، محمد رسول الله)
قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم : قال الله تعالى : {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
هذان الأصلان (1) هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمداً رسول الله .
1-…فإن الشهادة لله بأنه لا إله إلا هو : تتضمن إخلاص الألوهية له ، فلا يجوز أن يتأله القلب غيره ، لا بحب ، ولا خوف ، ولا رجاء ، ولا إجلال ، ولا إكبار ، ولا رغبة ، ولا رهبة ، بل لا بد أن يكون لدين كله لله ... فإن بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسبه .
__________
(1) العمل الصالح ، وعدم الشرك بالعبادة حسب فهم الآية .(2/20)
2-…والشهادة بأن محمداً رسول الله : تتضمن تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فما أثبته وجب إثباته ، وما نفاه وجب نفيه ، كما يجب على الخلق أن يثبتوا ما أثبته الرسول لربه من الأسماء والصفات ، وينفوا عنه ما نفاه عنه من مماثلة المخلوقات عليهم أن يفعلوا ما أمرهم به ، وينتهوا عمّا نهى عنه ، ويحلوا ما أحله ويحرموا ما حرمه ، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله ، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام والأعراف ، وغيرهما لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله ، ولكونهم شرعوا ديناً لم يأذن له الله ، وقد قال تعالى لنبيه : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} .
فأخبره بأنه أرسله داعياً إليه بإذنه .
فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك ، ومن دعا إليه بغير إذنه فقد ابتدع ، والشرك بدعة ، والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع إلا مر فيه نوع من الشرك كما قال تعالى : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وكان من شركهم : أنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم : قال الله تعالى : {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } .(2/21)
ففرق بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر : أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله واليوم الآخر : فآمنوا بالله واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى ، وحلل وحرم ، فحرموا ما حرم الله ورسوله ، ودانوا دين الحق .
فإن الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث فأمرهم بكل معروف ، ونهاهم عن كل منكر ، وأحل لهم كل طيب ، وحرم عليهم كل خبيث .
الأنبياء دينهم واحد :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحداً وإن تنوعت شرائعه : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( إنا معشر الأنبياء ديننا واحد ، والأنبياء إخوة وإن أولى الناس بابن مريم لأنا ، فليس بيني وبينه نبي) .
فدينهم واحد : وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وهو يُعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت ، وهو دين الإسلام في ذلك الوقت فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ (1) لم يكن مسلماً ، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلماً .
ولم يشرع الله لنبي من الأنبياء أن يعبد غير الله البتة ، قال الله تعالى : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} .
__________
(1) الإشارة إلى أن الإسلام نسخ شريعة موسى .(2/22)
متى تنفع لا إله إلا الله :
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها ، وعمل بمقتضاها ولما كانت هناك أحاديث يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي ، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين ، فكان لا بد من إزالة هذا الوهم :
1-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه) .
2-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيحجب عن الجنة) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
وأحسن ما قيل في معناها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره .
إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها ، كما جاءت مقيدة ، قالها خالصاً من قلبه ، مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فيمن شهد أن لا إله إلا الله خالصاً من قلبه لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى ، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً ، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك ، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة ،
وتواترت بأن كثيراً ممن يقول : لا إله إلا الله يدخل النار ، ثم يخرج منها ، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم ، فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله ، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ، ومن لا يعرف ذلك يخشى أن يُفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها .(2/23)
وأكثر من يقولها يقولها تقليداً وعادة لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه ، وغالب من يُفتن عند الموت وفي القبول أمثار هؤلاء كما في الحديث . ( سمعت الناس يقولون فقلته) .
وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد وإقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} .
وحينئذٍ فلا منافاة بين الأحاديث ، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصراً على ذنب أصلاً ، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شئ ، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ، ولا كراهية لما أمر الله ، وهذا هو الذي يحرم على النار ، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك ، فإن هذا الإيمان وهذه التوبة ، وهذا الإخلاص وهذه المحبة ، وهذا اليقين لا تترك له ذنباً إلا يُمحى كما يُمحى الليل بالنهار .
الرد على بعض الشبهات :
بعض الناس يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال : ( لا إله إلا الله ) وقال : ( أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله) .
وأحاديث أخرى في الكف عمّن قالها ، والجواب :
1-…إن أسامة قتل رجلاً ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه من النطق بالشهادة هو الخوف على دمه وماله ، فأنكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الظن ، لأنه قتل رجلاً أظهر الإسلام ، ومن اظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك والدليل قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) …فالآية تدل على أنه يجب الكف عن قتله حتى يظهر منه ما يخالف الإسلام ، وكل من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يناقض الإسلام .
2-…الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنكر على أسامة قتل من قال : (لا إله إلا الله) هو الذي قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) .(2/24)
3-…قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود ، وخم يقولون : لا إله إلا الله .
4-…قاتل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بني حنيفة وهم يشهدون : أن لا إله إلا الله ، وأن محمدً رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام .
5-…وكذلك الذين حرقهم (1) علي بن أبي طالب كانوا يقولون لا إله إلا الله ، أما الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم : (قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) .
…هؤلاء الخوارج كانوا أكثر الناس تهليلاً ، فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ، ولا إدعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة ومن أخطائهم تكفير المسلم المرتكب للكبيرة والخروج على الحاكم المسلم .
فليحذر المسلمون التشبه بهم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم) .
رد الحافظ بن رجب :
قال الحافظ بن رجب في رسالته ( كلمة الإخلاص) على قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله) .
قال : ( فهم عمر وجماعة من الصحابة : أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك ، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة ، وفهم الصديق أنه لا يتمتع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم : فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله) .
__________
(1) اعترض على التحريق ابن عباس والدليل معه.(2/25)
وقال : ( والزكاة حق المال) وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) . وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
كما دل قوله تعالى : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . على أن الأخوة لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً ، بل ويعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة ، وقال أيضاً : وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث أن التلفظ بلا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضى لذلك .
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه ، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع – وهذا قول الحسب ووهب بن منبه وهو الأظهر – ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة ، قال الحسن نعم العدة ، لكن للا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنات ، وقيل للحسن إن أناساً يقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال : من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال : بلى ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لكم وإلا لم يفتح لك .(2/26)
وأظن أن في هذا القدر الذي نقلته من كلام أهل العلم كفاية في رد هذه الشبهة التي تعلق بها من ظن أو من قال لا إله إلا الله لا يكفر ، ولو فعل ما فعل من أنواع الشرك الأكبر التي تمارس اليوم عند الأضرحة وقبور الصالحين مما يناقض كلمة لا إله إلا الله تمام المناقضة ويضادها تمام المضادة ، وهذه طريقة أهل الزيغ الذي يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة ، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة كحال الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، وقد قال الله تعالى في هذا النوع من الناس : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين .
أفضل شعب الإيمان :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
وقد لخص الحافظ في الفتح ما أورده العلماء بقوله :
إن هذه الشعب تتفرع من أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن .(2/27)
1-…فأعمال القلب المعتقدات والنيات ، وهي أربع وعشرون خصلة : الإيمان بالله ، ويدخل فيه الإيمان بذاته ، وصفاته وتوحيده بأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
واعتقاد حدوث ما دونه ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله ، وبالقدر خيره وشره ، والإيمان باليوم الآخر ، ويدخل فيه السؤال في القبر ( ونعيمه وعذابه) والبعث والنشور ، والحساب والميزان والصراط ، والجنة والنار ، ومحبة الله ، والحب والبغض فيه ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه : ويدخل فيه الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، واتباع سنته ، والإخلاص : ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق ، والتوبة والخوف ، والرجاء والشكر والوفاء ، والصبر ، والرضاء بالقضاء والقدر والتوكل والرحمة والتواضع , ويدخل فيه توقير الكبير ، ورحمة الصغير ، وترك الكبر ، والعجب ، وترك الحسد ، والحقد ، وترك الغضب .
2-…وأعمال اللسان : وتشتمل على سبع خصال :
…التلفظ بالتوحيد ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) وتلاوة القرآن ، وتعلم العلم وتعليمه ، والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار (والتسبيح) واجتناب اللغو .
3-…وأعمال البدن : وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة :
…أ-…منها ما يتعلق بالأعيان ، وهي خمس عشرة خصلة :
…التطهر حساً وكماً : ويدخل فيه اجتناب النجاسات ، وستر العورة ، والصلاة فرضاً ونفلاً ، والزكاة كذلك ، وفك الرقاب ، والجود : ويدخل في إطعام الطعام ، وإكرام الضيف ، والصيام فرضاً ونفلاً ، والاعتكاف ، والتماس ليلة القدر ، والحج والعمرة ، والطواف كذلك ، والفرار بالدين : ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك إلى دار الإيمان والوفاء بالنذر والتحري في الإيمان : ( بأن يكون الحلف عند الحاجة) ، وأداء الكفارات : (مثل كفارة اليمين وكفارة الجماع في نهار رمضان) .
…ب-…ومنها ما يتعلق بالإتباع وهي ست خصال :(2/28)
…التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال ، وبر الوالدين : ويدخل فيه اجتناب العقوق ، وتربية الأولاد ، وصلة الرحم ، وطاعة السادة (في غير معصية الله) ، والرفق بالعبيد) .
ج-…ومنها ما يتعلق بالعامة ، وهي سبعة عشرة خصلة :
…القيام بالإمارة مع العدل ، ومتابعة الجماعة ، وطاعة أولي (1) الأمر ، والإصلاح بين الناس : ويدخل فيه قتال الخوارج (2) والبغاة ، والمعاونة على البر والتقوى : ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ، والجهاد : ومنه المرابطة ، وأداء الأمانة ، ومنه أداء الخُمس ، والقرض مع وفائه ، وإكرام الجار ، وحسن المعاملة ، ويدخل فيه جمع المال من حله ، وإنفاقه في حقه ، ويدخل فيه ترك التبذير والإسراف ، ورد السلام ، وتشميت العاطس ، وكف الأذى عن الناس ، واجتناب اللهو ، وإماطة الأذى عن الطريق .
فهذه 69 خصلة ، ويمكن عدها 79 خصلة باعتبار أفراد ما ضُم بعضه إلى بعض مما ذكر ، والله اعلم ؛؛
أقول : هذا الحديث المتقدم يدل على أن التوحيد هو كلمة لا إله إلا الله أعلى مراتب الإيمان وأفضلها .
فعلى الدعاة أن يبدأوا بالأعلى ثم الأدنى ، وبالأساس قبل البناء ، وبالأهم فالمهم ، لأن التوحيد هو الذي جمع الأمة العربية والأعجمية على الإسلام ، وكون منهم الدولة المسلمة دولة التوحيد .
__________
(1) المراد بالأولى الأمر : الحكام المسلمون إذا لم يأمروا بمعصية .
(2) الخوارج هم الذين يكفرون المسلم بارتكاب الكبائر .(2/29)
شروط لا إله إلا الله :
س1:…ماهي شروط لا إله إلى الله ، وما معناها ؟
ج1 :…أعلم يا أخي المسلم - هدانا الله وإياك - أن لا إله إلا الله مفتاح الجنة ، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، والا لم يفتح لك ، وأسنان هذا المفتاح هي شروط لا إله إلا الله الآتية :-
1-…العلم بمعناها : وهو نفي المعبود بحق عن غير الله ، وإثباته لله وحده ، قال الله تعالى :{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ( أي لا معبود في السموات والأرض بحق إلا الله) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
2-…اليقين المنافي للشك : وذلك أن يكون القلب مستيقناً بها بلا شك ، قال الله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} - لم يرتابوا : أي لم شكوا - .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك ، فيُحجب عنه الجنة) .
3-…القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، قال الله تعالى حكاية عن المشركين : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} . ( أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحق الإسلام وحسابه على الله عز وجل) .
4-…الانقياد والاستسلام لما دلت عليه ، قال الله تعالى : {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (أي أرجعوا إلى ربكم واستسلموا له) .
5-…الصدق المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه ، قال الله تعالى : {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} .(2/30)
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار) .
6-…الإخلاص : وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ، قال الله تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ، أو نفسه ) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل) .
7-…المحبة لهذه الكلمة الطيبة ، ولما اقتضت ودلت عليه ، ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها ، وبُغض ما ناقض ذلك ، قال الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} . ( أنداداً : شركاء) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يُقذف في النار) .
8-…أن يكفر بالطاغوت : وهو الشيطان وما يدعو إليه من عبادة غير الله ، ويؤمن بالله رباً ومعبوداً بحق : قال الله تعالى :{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه) .(2/31)
9-…ومن شروطها أن تقال كاملة ، فلا يجوز الفصل بين النفي والإثبات : فلا يقال ( لا إله) عدة مرات ويقال بعد ذلك ( إلا الله) عدة مرات كما يفعل الصوفية لأن ذلك من البدع المحدثة ، ولأن فيها نفي الألوهية عن الله ، وذلك صريح الكفر ثم الإثبات بعد ذلك بمدة لا يفيد شيئاً وهو من التلاعب في ذكر الله ، ولو مات القائل بعد النفي كيف يكون حاله؟ .
10-…والذكر بالاسم المفرد لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقولهم : (الله) ويكررونها آلاف المرات ، ويحتج الصوفية على ذلك بقول الله تعالى (قل الله) ولو قرأوا أول الآية لعرفوا خطأ استدلال ، وأولها :
{قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أي قل الله أنزله .
11-…لا يجوز استبدال كلمة (الله) بكلمة (هو) كما يفعل الصوفية حينما يقولون ( يا هو) لأن (هو) ليست من أسماء الله ، بل هو ضمير منفصل مثل قوله تعالى : {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} . فكلمة (هو) ضمير يعود على الإله .
حقيقة لا إله إلا الله :
فيها نفي الإلهية عن غير الله ، وإثباتها لله وحده .
1-…قال تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، فالعلم بمعناها واجب ومقدم على سائر أركان الإسلام .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) . والمخلص هو الذي يفهمها ، ويعمل بها ، ويدعو إليها قبل غيرها ، لأن فيها التوحيد الذي خلق الله العالم لأجله .
3-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حين حضره الموت يا عم قل : (لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، وأبى أن يقول لا إله إلا الله) .(2/32)
4-…بقى الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاماً ، يدعو العرب قائلاً قولوا : ( لا إله إلا الله ، فقالوا إلهاً واحداً ما سمعنا بهذا ؟ لأن العرب فهموا معناها ، وأن من قالها لا يدعو غير الله ، فتركوها ولم يقولوها ، قال الله تعالى عنهم في سورة الصافات :
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}
{بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبد من دون الله ، حرم الله ماله ودمه) .
ومعنى الحديث أن التلفظ بالشهادة يستلزم أن يكفر وينكر كل عبادة لغير الله ، كدعاء الأموات وغيره . والغريب أن بعض المسلمين يقولونها بألستنهم ، ويخالون معناها بأفعالهم ودعائهم لغير الله .
5-…(لا إله إلا الله) أساس التوحيد والإسلام ، ومنهج كامل للحياة ، يتحقق بتوجيه كل أنواع العبادة لله ، وذلك إذا خضع المسلم لله ، ودعاه وحده ، واحتكم لشرعه دون غيره .
6-…قال ابن رجب ( الإله) هو الذي يطاع ولا يعصى هيبة له وإجلالاً ، ومحبة ، وخوفاً ورجاء ، وتوكلاً عليه ، وسؤالاً منه ، ودعاء له ، ولا يصلح هذا كله إلا لله عز وجل ، فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التي هي من خصائص الإله ، كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قوله (لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية المخلوق يحسب ما فيه من ذلك .
7-…إن كلمة ( لا إله إلا الله) تنفع قائلها إذا لم ينقضها بشرك ، فهي شبيهة بالوضوء الذي ينقضه الحدي . قال صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .(2/33)
معنى محمد رسول الله :
الإيمان بأنه مرسل من عند الله ، فنصدقه فيما أخبر ، ونطيعه فيما أمر ، ونترك ما نهى عنه وزجر ، ونعبد الله بما شرع .
1-…يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتاب النبوة ما نصه : ( الأنبياء عليهم السلام كان أول دعوتهم ، وأكبر هدفهم في كل زمان وفي كل بيئة ، هو تصحيح العقيدة في الله تعالى وتصحيح الصلة بين العبد وربه ، والدعوة إلى إخلاص الدين لله ، وإفراد العبادة لله وحده ، وأنه النافع والضار المستحق للعبادة والدعاء والالتجاء والنسك (الذبح) وحده ، وكانت حملتهم مركزة موجهة إلى الوثنية في عصورهم ، الممثلة بصورة واضحة في عبادة الأوثان والأصنام ، والصالحين المقدسين من الأحياء والأموات .
2-…وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ربه : ({قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله) .
…والإطراء : هو الزيادة والمبالغة في المدح فلا ندعوه من دون الله كما فعلت النصارى في عيسى ابن مريم ، فوقعوا في الشرك ، وعلمنا أن نقول : ( محمد عبدالله ورسوله)
3-…إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته في دعاء الله وحده ، وعدم دعاء غيره ، ولو كان رسولاً أو ولياً مقرباً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله) .
…وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غمّ قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) .
أهمية التوحيد :
1-…لقد خلق الله الثقلين لعبادته ، وأرسل الرسل ليدعوهم الناس إلى توحيده ، وهذا القرآن الكريم يهتم بعقيدة التوحيد في أكثر من سورة ، ويبين ضرر الشرط على الفرد والجماعة وهو سبب الهلاك في الدنيا ، والخلود في نار الآخرة .(2/34)
2-…إن الرسل جميعاً بدأوا دعوتهم إلى التوحيد الذي أمرهم الله بتبليغه للناس ، قال الله تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقى ثلاثة عشر عاماً في مكة ، وهو يدعو قومه إلى توحيد الله ودعائه وحده دون سواه ، وكان فيما أنزل الله عليه : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} .
ويربي الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه على التوحيد منذ الصغر ، فيقول لابن عمه عبدالله بن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) .
وهذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي بُني عليه ، والذي لا يقبل الله من أحد سواه .
3-…لقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا دعوتهم للناس بالتوحيد ، فقال لمعاذ حينما أرسله إلى اليمن : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وفي رواية إلى أن يوحدوا الله) .
4-…إن التوحيد يتمثل في شهادة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، ومعناها لا معبود بحق إلا الله ، ولا عبادة إلا ما جاء به رسول الله ، وهي التي يدخل بها الكفار الإسلام ، لأنها مفتاح الجنة ، وتدخل صاحبها الجنة إذا لم ينقضها بعمله .
5-…لقد عرض كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك والمال والزواج وغيرها من مُتع الحياة مُقابل أن يترك دعوة التوحيد ، ومهاجمة الأصنام ، فلم يرض منهم ذلك ، بل استمر في دعوته يتحمل الأذى مع صحابته إلى أن انتصرت دعوة التوحيد بعد ثلاثة عشر عاماً ، وفتحت مكة بعد ذلك ، وكسرت الأصنام ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .(2/35)
6-…التوحيد وظيفة المسلم في الحياة فيبدأ حياته بالتوحيد ويودعها بالتوحيد ، ووظيفته في الحياة إقامة التوحيد ، والدعوة إلى التوحيد ، لأن التوحيد يوحد المؤمنين ويجمعهم على كلمة التوحيد . فنسأل الله أن يجعل التوحيد آخر كلامنا .
من فضائل التوحيد :
1-…قال الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} .
…عن عبدالله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين ، وقالوا أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . فهذه الآية تبشر المؤمنين الموحدين الذين لم يلبسوا إيمانهم بشرك ، فابتعدوا عنه ، أن لهم الأمن التام من عذاب الله في الآخرة ، وأولئك هم المهتدون في الدنيا .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
3-…جاء في كتاب (دليل المسلم في الاعتقاد والتطهير) لفضيلة الشيخ عبدالله خياط ما يلي : التوحيد يسبب السعادة ويكفر الذنوب ، المرء بحكم بشريته وعدم عصمته قد تنزلق قدمه ، ويقع في معصية الله ، فإذا كان من أهل التوحيد الخالص من شوائب الشرك ، فإن توحيده لله ، وإخلاصه في قول لا إله إلا الله ، يكون أكبر عامل في سعادته وتكفير ذنوبه ومحو سيئاته ، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخل الله الجنة على ما كان من العمل) .(2/36)
…أي أن جملة هذه الشهادات التي يشهدها المسلم بهذه الأصول تستوجب دخوله الجنة دار النعيم ، وإن كان في بعض أعماله مآخذ وتقصيرات ، كما جاء في الحديث القدسي : قال الله تعالى : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة) .
نواقض لا إله إلا الله :
على المسلم أن يتعلم هذه النواقض حتى لا يقع فيها ، فيخرج من الإسلام الذي أكرمه الله به ، فيموت كافراً ، وأهم هذه النواقض :-
1-…دعاء غير الله كدعاء الأنبياء أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين لقول الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} . - أي المشركين - .
…وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) - الند : المثيل والشريك - .
2-…اشمئزاز القلب من توحيد الله ، ونفوره من دعائه والاستغاثة به وحده ، وانشراح القلب عند دعاء الرسل أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين ، وطلب المعونة منهم لقوله تعالى عن المشركين : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
…( وتنطبق الآية على الذين يحاربون من يستعين بالله وحده ويقولون عنه وهابي ، إذا علموا أن الوهابية تدعو للتوحيد) .
3-…الذبح لرسول الله أو ولي لقول الله تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي أذبح لربك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله) .
4-…النذر لمخلوق على سبيل التقرب والعبادة له ، وهي لله وحده ، قالت امرأة عمران : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .(2/37)
5-…الطواف حول القبر بنية التقرب والعبادة له ، وهو خاص بالكعبة ، لقول الله تعالى : {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
6-…الاعتماد والتوكل على غير الله ، لقول الله تعالى : {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
7-…الركوع أو السجود بنية العبادة للملوك أو العظماء الأحياء أو الأموات إلا إن يكون جاهلاً لأن الركوع والسجود عبادة لله وحده .
8-…إنكار ركن من أركان الإسلام المعروفة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو إنكار ركن من أركان الإيمان : وهي الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة .
9-…كراهية الإسلام ، أو كراهية شئ من تعاليمه في العبادات أو المعاملات ، أو الاقتصاد ، أو الأخلاق لقوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
10-…الاستهزاء بشئ من القرآن ، أو الحديث الصحيح ، أو بحكم من أحكام الإسلام ، لقوله تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} .
11-…إنكار شئ من القرآن الكريم ، أو الأحاديث الصحيحة مما يوجب الردة عن الدين إذا تعمد ذلك عن علم .
12-…شتم الرب أو لعن الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الاستهزاء بحالة ، أو نقد ما جاء به مما يوجب الكفر .
13-…إنكار شئ من أسماء الله ، أو صفاته ، أو أفعاله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة من غير جهل ولا تأويل .
14-…عدم الإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله لهداية الناس ، أو انتقاص أحدهم لقوله تعالى : {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} .(2/38)
15-…الحكم بغير ما أنزل الله إذا اعتقد عدم صلاحية حكم الإسلام أو أجاز الحكم بغيره لقوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
16-…التحاكم لغير الإسلام ، وعدم الرضا بحكم الإسلام أو يرى في نفسه ضيقاً وحرجاً في حكمه لقوله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} .
17-…إعطاء غير الله حق التشريع كالديكتاتورية ، أو الديمقراطية ، أو غيرها ممن يسمحون بالتشريع المخالف لشرع الله ، لقوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} .
18-…تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، كتحليل بعض العلماء الربا غير متأول ، لقوله تعالى : {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
19-…الإيمان بالمبادئ الهدامة : كالشيوعية الملحدة ، أو الماسونية اليهودية ، أو الاشتراكية الماركسية ، أو العلمانية الخالية من الدين ، أو القومية التي تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي ، لقوله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
20-…تبديل الدين والانتقال من الإسلام لغيره لقوله تعالى : {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .(2/39)
21-…مناصرة اليهود والنصارى والشيوعيين ومعاونتهم على المسلمين لقوله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} .
22-…عدم تكفير الشيوعيين المنكرين لوجود الله ، أو اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الله كفرهم فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .
23-…قول بعض الصوفيين بوحدة الوجود : وهو : ما في الكون إلا الله، حتى قال زعيمهم :
…وما الكلب والخنزير إلا إلهنا……وما الله إلا راهب في كنسية
…وقال زعيمهم الحلاج : ( أنا هو ، وهو أنا) فحكم العلماء عليه بالقتل فأعدم .
24-…القول بانفصال الدين عن لدولة ، وأنه ليس في الإسلام سياسة لأنه تكذيب للقرآن والحديث والسيرة النبوية .
25-…قول بعض الصوفية : إن الله سلم مقاليد الأمور لبعض الأولياء من الأقطاب ، وهذا شرك في أفعال الرب سبحانه يخالف قوله تعالى :{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
إن هذه المبطلات أشبه بنواقض الوضوء ، فإذا فعل المسلم واحداً منها ن فليجدد إسلامه ، وليترك المبطل وليتوب إلى الله قبل أن يموت فيحبط عمله ، ويخلد في نار جهنم ، قال الله تعالى : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول : ( اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم) .(2/40)
وحدة الوجود في الظلال :
1-…كنت مولعاً بظلال القرآن لمؤلفه (سيد قطب) ولما قرأته وجدت وحدة الوجود في تفسير أول سورة الحديد وسورة الإخلاص ، وغيرها من الأخطاء التي تتنافى مع عقيدة الإسلام كقوله عن تفسير الاستواء الوارد في عدة آيات : كناية عن السيطرة والهيمنة ، وهذا مخالف للتفسير الوارد في البخاري عن مجاهد وأبي العالية : في قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} ، قال مجاهد وأبو العالية : علا وارتفع .
2-…ذكرت ذلك لأخيه (محمد قطب) وقلت له : علق على كلام أخيك في الظلال ، فقال لي : أخي يتحمل مسئولية كلامه .
…وبعد سنتين طلبت مني إحدى دور النشر نشر كتابي الجديد : ( شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله) . فذكرت فيه من نواقض الشهادتين : وحدة الوجود عند الصوفية وقرأت في كتاب ( لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة) لمؤلفه (محمد قطب) ذكر فيه نواقض لا إله إلا الله ، ولم يذكر وحدة الوجود ، فاتصلت به هاتفياً ، قلت له : أنت مشرف على طبعة الشروق (في ظلال القرآن) أنا أطالبك بالتعليق في الحاشية امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) . وأنت تستطيع أن تُغير بلسانك وقلمك ، فقال لي : شكر الله سعيك ، فشكرته على ذلك ، وطلبت منه نسخة فيها تعليقه على وحدة الوجود فسكت ، وأسأل الله أن يوفقه لذلك .(2/41)
3-…قمت بزيارة لأحد العلماء البارزين وعنده أحد مدرسي العقيدة الإسلامية ، وذكرت له وحدة الوجود في الظلال ، فاستغرب ذلك ، وأحضر كتاب الظلال من مكتبته وبدأ يقرأ فيه من أول تفسير سورة الحديد ، حتى وصل إلى قوله : ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى وهاموا فيها وبها ، وسلكوا إليها مسالك شتى ، بعضهم قال : إنه يرى الله في كل شئ في الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله من وراء كل شئ في الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود ، وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود .
…وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال ، إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه الاجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور ، والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها .
…فأنكر العلماء الموجودون هذه الوحدة ، ووافقوا على أن يُعلق (محمد قطب) عليها .
4-…ولسيد قطب - يرحمه الله - كلام في كتبه يخالف وحدة الوجود لكنه لم يُصرح بالرجوع عنها ، وله كتابات جيدة ، ولكنه ليس بمعصوم لأنه بشر يخطئ ، فالواجب بيان هذه الأخطاء نصيحة للقراء وفي هذا الحديث ( الدين النصيحة) .
5-…وهناك أخطاء كثيرة في ظلال القرآن جمعها الشيخ عبدالله الدويش في كتابه (المورد الزلال في التنبيه عن أخطاء الظلال) وكتاب (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وأفكاره) للشيخ ربيع بن هادي فليرجع إليها ، وليت الشيخ محمد قطب أخذ بهذه الأخطاء وعلق عليها في طبعة الشروق لأنه مشرف عليها فهو مسئول أمام الله عنها ، وأسأل الله أن يوفقه في ذلك .(2/42)
لا تصدق الدجالين :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .
يحرم تصديق المنجم والكاهن والعراف والساحر والرمال والمندل وغيرهم ممن يدعى العلم بما في النفس ، أو بالماضي والمستقبل ، لأن ذلك من اختصاص الله وحده كما قال :{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} .
وما يقع من الدجالين إنما هو التخمين والمصادفة ، وأكثره كذب من الشيطان لا يغتر به إلا ناقص العقل ، ولو كانوا يعلمون الغيب لاستخرجوا الكنوز من الأرض ، ولما أصبحوا فقراء يحتالون على الناس لأكل مالهم بالباطل ، وإن كانوا صادقين فليخبرونا عن أسرار اليهود لإحباطها
.
أركان لا إله إلا الله :
لها ركنان : الركن الأول : النفي ، والركن الثاني : الإثبات .
والمراد بالنفي نفي الآلهية عمّا سوى الله تعالى من سائر المخلوقات .
والمراد بالإثبات إثبات الإلهية لله سبحانه فهو الإله الحق وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة .
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
قال الإمام ابن القيم : فدلالة لا إله إلا الله على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قوله : الله إله ، وهذا لأن قول (الله إله) لا ينفي إلهية ما سواه بخلاف قول : لا إله إلا الله فإنه يقتضي حصر الألوهية لله ونفيها عمّا سواه ، وقد غلط غلطاً فاحشاً من فسر الإله بأنه القادر على الاختراع فقط .(2/43)
من فوائد لا إله إلا الله :
لهذه الكلمة إذا قيلت صدق واخلاص وعمل بمقتضاها ظاهراً أو باطناً فوائد حميدة على الفرد والجماعة من أهمها :-
1-…اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى :{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} . وقال تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
والاختلاف والتناحر في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر كما قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} .
وقال تعالى : {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
فلا يجمع الناس سوى عقيدة الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله ، واعتبر ذلك بحالة العرب قبل الإسلام وبعده : ( كان العرب في الجاهلية متفرقين فجمعهم الإسلام) .
2-…توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل ويترك ما حرم عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تُملى عليه ذلك ، فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .(2/44)
يظهر هذا جلياً في حالة العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعد ما دانوا بها ، فقد كانوا من قبل أعداء متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب ، فلما دانوا بها أصبحوا إخوة متحابين كما قال الله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} . وقال تعالى : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} .
30…حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة كما قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
فربط سبحانه حصول هذه المطالب العلية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا إله إلا الله .
4-…حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد رباً واحداً يعرف مراده وما يرضيه فيفعله ويعرف ما يستخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحدة منها له مراد غير مراد الاخر ، كما قال تعالى : {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
وقال تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .(2/45)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد ، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون ، والرجل المتشاكس : السئ الخلق .
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شُبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين ، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه ، فهل يستويان هذان العبدان .
5-…حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ، فدلت الآية على أن التوحيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط ,
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه ، فمنها هبط إلى الأرض واليها يصعد منها ، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلفه إلى مظان هلاكه ، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله إلى إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء .
6-…عصمة الدم والمال والعرض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) .(2/46)
وقوله ( بحقها) : معناها : أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يُقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .
هذا ، ولهذه الكلمة آثار عظيمة على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق .
وبالله التوفيق ،، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
دعاء الليل المستجاب :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، بيده الخير وهو على كل شئ قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال اللهم أغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته) .
قرأت هذا الدعاء من أجل شفائي من الأمراض التي أصابتني فشفاني الله ، وقرأته من أجل تيسير بعض الأعمال المتعبة ، فسهل الله لي وأراحني من معاناتها ، بفضل الله ثم بقراءة هذا الدعاء .
إني أنصح كل مسلم إذا وقع في أي مشكلة ، أن يلجأ إلى الله وحده ، ويقرأ هذا الدعاء مع الأخذ بالأسباب التي أمر الإسلام بها كالاستعداد للجهاد ، وأخذ الدواء للمريض لا سيما الأدوية الواردة في الطب النبوي كالعسل ، والحبة السوداء ، وماء زمزم ، وغيرها من العلاجات المفيدة .(2/47)
تفسير وبيان
لأعظم سورة في القرآن
محمد بن جميل زينو
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فإني أقدم للقراء تفسير سورة الفاتحة ، لأنها أعظم سورة في القرآن ، ولأن المصلي يقرأها في صلاته ، فكان لازماً عليه أن يفهم معناها ليخشع في صلاته ، ويدخل في قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
وهذه السورة جمعت أنواع التوحيد ، ولا سيما توحيد العبادة الذي خلق الله العالم لأجله ، وأرسل الرسل لتحقيقه ، وهو موجود في قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
ولأن معاني القرآن ترجع إلى ما تضمنته هذه الآية والسورة .
وكانت أهم مراجعي :
تفسير الطبري وإبن كثير ، ومختصراته . وقد ذكرت الأحاديث الواردة في فضل وتفسير الفاتحة ، وما تهدي إليه الآية والسورة والأحاديث من فوائد ، ونبهت على الأخطاء الشائعة في قراءة الفاتحة وغيرها من المواضيع المهمة . ومن أراد المزيد فليقرأ الكتاب والمحتويات في آخره .
والله أسأل أن ينفع به المسلمين ، ويجعله خالص لوجهه الكريم .
كيف نفسر القرآن ؟
1-…تفسر القرآن بالقرآن :
…مثاله قول الله تعالى : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
…جاء تفسيرها في قوله تعالى : {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}.
2-…تفسير القرآن بالحديث ، وهو موضح للقرآن :
…قال تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
…وقال صلى الله عليه وسلم ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) .(3/1)
…مثال قوله صلى الله عليه وسلم : الصراط : الإسلام) .
…مثال آخر قوله صلى الله عليه وسلم : المغضوب عليهم : اليهود ، والضالين : النصارى) .
3-…تفسير القرآن بأقوال الصحابة .
…قال ابن عباس في قوله تعالى : {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} - أي جامعتم - .
4-…تفسير القرآن بأقوال التابعين ، لأنهم أخذوا عن الصحابة : مثاله قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } .
…قال مجاهد وأبو العالية : (استوى) : علا وارتفع .
5-…تفسير القرآن باللغة العربية :
…مثاله قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
…قدم المفعول : (إياك) على الفعل ( نعبد ، ونستعين) للحصر والاختصاص .
معنى السورة والآية :
1-…السورة : قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر .
…وسورة القرآن الكريم مائة وأربعة عشرة سورة ، أطولها (البقرة) وأقصرها (الكوثر).
…لفظ السورة : مشتق إما من سور البلد لارتفاعها وعلو شأنها ، أو من سؤر الشراء ، وهي البقية ، إذا هي بقية من كتاب الله تعالى : أي قطعة منه ، وكونها مشتقة من الرفعة وعلو الشأن ، ويشهد لذلك قول الشاعر :
…ألم تر أن الله أعطاك سورة ……ترى كل ملك دونها يتذبذب
2-…الآية : أصل معناها : العلامة .
…قال الله تعالى : {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}
…يقول لهم نبيهم : إن علامة بركة طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت .
…والآية : الحملة المنفصلة عمّا قبلها وما بعدها :
…وفي الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقطع قراءته آية آية :
…{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف .
…{الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف .... إلى آخر السورة .
…ثم تأتي الآية بمعنى الأمر الخارق للعادة .
…كقوله تعالى : {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ}(3/2)
…وقد جاء تفسير هذه الآية في قوله تعالى : {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا}
سورة الفاتحة وأسماؤها :
سورة الفاتحة مكية ، وهي سبع آيات بلا خلاف .
وأسماؤها :
1-…أم القرآن : قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن ، فهي خداج ، خداج ، خداج ، غير تمام) .
2-…أم الكتاب : قال البخاري : وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة .
3-…السبع المثاني : لقول الله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} .
4-…القرآن العظيم : لقوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} .
…ودليل هذه الأسماء الأربعة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين : أم القرى ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني ، والقرآن العظيم) .
5-…فاتحة الكتاب : لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
…ولأنها يُفتح بها القراءة في الصلاة .
6-…الصلاة : لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
…( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي) .... الحديث .
…فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها .
7-…الحمد : لقول الله تعالى : {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
8-…الرقية : لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد : ( وما يدريك أنها رقية) .
9-…أساس القرآن : سماها ابن عباس .
10-…الواقية : سماها سفيان بن عُيينة .
11-…الكافية : سماها يحي بن كثير .(3/3)
من فضائل سورة الفاتحة :
الحديث الأول : عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال : ( كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ قال : قلت : يا رسول الله إني كنت أصلي ، قال : ألم يقل الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله ، إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ، قال : نعم : {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) .
من فوائد الحديث :
1-…جواز دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وندائه لمن يصلي النافلة ، وهي خاصة له ، وفي حياته ، وكذلك للأم حق نداء الولد في صلاة النافلة ، وله شاهد من حديث الراهب الذي دعته أمه في الصلاة فلم يجبها ، فدعت عليه ، فاستجاب الله دعاءها ، كما في الحديث الذي رواه مسلم .
…أما غير الرسول والأم فلا يجوز نداء أحد في صلاته ولا يجب على المصلي إجابة النداء في صلاته إلا إذا كان لإنقاذ إنسان من خطر محقق ، أو لضرورة .
2-…وجوب تلبية نداء الرسول صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} .
3-…حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه ما ينفعهم ، وتشويقه لهم :
…لأعلمنك أعظم سورة في القرآن) .
4-…حرص الصحابي على العلم ، وتذكيره للرسول صلى الله عليه وسلم بما وعده به ، وذلك حين قال له : يا رسول الله ، إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن .
5-…استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لتذكير الصحابي ، ووفاؤه بما وعده وعلمه .
…(الحمد لله رب العالمين) .(3/4)
6-…في الحديث دليل على أن الفاتحة أعظم سورة في القرآن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم .
الحديث الثاني : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا في مسير لنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم (أي لديغ) ، وإن نفرنا غُيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه ( أي نعيبه أو نتهمه) برقية ، فرقاه فبرأ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبناً ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن ؟ أو كنت ترقي ؟ قال : لا ، ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدث حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدنية ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( وما كان يدريه أنها رقية ؟ إقسموا واضربوا لي بسهم) .
وفي رواية مسلم : أن أبا سعيد هو الذي رقى المريض .
من فوائد الحديث :
1-…الرجوع عند الاختلاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم : قال الله تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .
…والرد إلى الله يكون بالرجوع إلى كتاب الله ، أما الرد إلى الرسول فيكون بالرجوع إليه عندما كان حياً ، والرجوع إلى سنته وأقواله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .
…وفي الحديث : ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) .
2-…التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجب على الصحابة والمسلمين .
3-…جواز الرقية بالفاتحة ، وما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
4-…علاج اللديغ يكون بقراءة الفاتحة والدعاء ، وبالتداوي والأخذ بالأسباب : قال صلى الله عليه وسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) .(3/5)
5-…جواز أخذ الراقي الأجر على الرقية الشرعية ، فالراقي أحقُ بالأجر من الشخص الذي يعالج علاجاً مادياً كالطبيب أو غيره ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :
…(أحقُ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .
…فليس المراد بهذا الحديث أن يأخذ الإنسان أجراً على قراءة القرآن على الأموات ، أو على الأحياء لإسماع الناس التلاوة ، فإن هذا لم يفعله النبي صلى الله ع ليه وسلم ، والأئمة المجتهدون .
6-…جواز رقية المسلم لغير المسلم : حيث جاء في رواية البزار في حديث جابر :
…(فقالوا لهم : قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء ، قالوا : نعم) .
…لأنهم قالوا : صاحبكم ، ولم يقولوا : رسول الله .
فوائد الرقية بالفاتحة :
1-…قال ابن القيم في "الجواب الكافي" في الصفحة الثالثة :
…فقد أثر هنا الدواء في هذا الداء وأزاله ، حتى كأنه لم يكن ، وهو أسهل دواء وأيسره ، ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء .
…ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ، ولا أجد طبيباً ولا دواء ، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة ، فأرى لها تأثيراً عجيباً ، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً ، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً .(3/6)
2-…ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له ، وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يُستشفى بها ، ويُرقي بها هي نفسها نافعة شافعة ، ولكن تستدعي بها ، ويُرقى بها هي نفسها نافعة شافية ، ولكن تستدعي قبول المحل ، وقوة همة الفاعل ، وتأثيره ، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل ، أو لعدم قبول المنفعل ، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجح فيه الدواء ، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية ، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة (أي طبيعة البدن) لذلك الدواء ، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره ، فإن الطبيعة (أي الأجسام) إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول ، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام ، وكان للراقي نفسه فعالة ، وهمة مؤثرة في إزالة الداء . (انتهى) .
الحديث الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً (أي صوتاً) فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فُتح من السماء ما فُتح قط ، قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة : لم تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته) .
من فوائد الحديث :
1-…نزول جبريل عليه السلام ، وزيارته للنبي أحياناً .
2-…حدوث صوت في السماء يدل على أمر مهم .
3-…للسماء باب لم يفتح قط ، ونزول ملك تكريماً له صلى الله عليه وسلم .
4-…الملك يُبشر النبي صلى الله عليه وسلم بنورين قد أعطاهما الله له ولم يعطهما لنبي قبله .
…النوارن : هما : فاتحة الكتاب ، وأواخر سورة البقرة ، (وفاتحة الكتاب : هي سور الحمد ، وخواتيم سورة البقرة هما الآيتان :(3/7)
…{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
…{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .
مواضيع الاستعاذة وفضلها :
1-…عند تلاوة القرآن : لقول الله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
…(أي قل قبل القراءة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
2-…في الصلاة قبل الفاتحة .
…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة التهجد :
…(أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) .
…(معنى : همزه : خنقه ، ونفخه : كبره ، ونفثه : شعره) .
…ويجوز غيرها مثل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
3-…عند الغضب : عن سليمان بن صرد قال :
…( استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمرّ وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم") .
4-…عند دخول الخلاء : فعن أنس قال :
…( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) .(3/8)
5-…عند نباح الكلاب ، ونهيق الحمير : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم نباح الكلاب ، ونهيق الحمير بالليل ، فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهن يرين ما لا ترون) .
6-…عند الأرق والفزع : كان صلى الله عليه وسلم يُعلم أصحابه أن يقولوا : (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) .
7-…عند الرقية : كان صلى الله عليه وسلم يُعوّذ الحسن والحسين ويقول : (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة ، ومن كل عين لامة) .
…(الهامة : ذات السم كالحية . اللامة : نظرة العين بسوء) .
8-…عند دخول المسجد : كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال : ( أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) .
…قال : فإذا قال ذلك : قال الشيطان : حُفظ من سائر اليوم .
معنى الاستعاذة :
معنى : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أي : أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نُهيت عنه ، فان الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ، ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عمّا هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن ، لأنه لا يقبل رشوة ، ولا يؤثر فيه جميع ، لأنه شرير بالطبع ، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه .
والشيطان في لغة العرب : مشتق من "شطن" إذا بعُدَ ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير .
وقال سيبويه : العرب تقول "تشيطن فلان" إذا فعل فعل الشياطين و "الشيطان" مشتق من البعد ، على الصحيح ولهذا يُسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان "شيطاناً" .(3/9)
قال الله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
مواضيع "بسم الله" وفضلها :
1-…عند الوضوء :
…قال صلى الله عليه وسلم : (لا صلاة لم لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) . "رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وقال ابن كثير : إنه حديث حسن"
2-…تُذكر عند الذبح وعند الاصطياد :
…أ-…قال الله تعالى : {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
…ب-…وقال الله تعالى : {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ} .
ج-…سأل عدي بن حاتم الطائي النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الصيد بالكلب إذا وجد مع كلبه كلباً آخر : "لا أدري أيهما قتله ؟ " فقال : ( لا تأكل ، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) .
3-…عند ابتداء الطعام والشراب :
…قال عمر بن أبي سلمة : كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال : ( يا غلام سَمَ الله ، وكُلْ بيمينك ، وكُل مما يليك) .
4-…للرقية من الوجع والمرض :
أ-…شكا عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم :
…فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك الذي تألم من جسدك ، وقل "بسم الله" ثلاثاً وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) .
ب-…عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا محمد ، اشتكيت ؟ فقال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس ، أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك) .(3/10)
5-…عند دخول المسجد والخروج منه ، فعن أنس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال : بسم الله ، اللهم صل على محمد اللهم أفتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج قال : بسم الله ، اللهم صل على محمد اللهم أفتح لي أبواب فضلك) .
6-…عن إتيان الرجل امرأته :
…عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : "بسم الله" اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) .
7-…كلما أصبح وكلما أمسى :
…عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : " بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شئ) .
8-…التسمية على مرافق البيت عند النوم :
…عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ، فاغلقوا الأبواب وأذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ، وأوكلوا قربكم وأذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم وأذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ، وأطفئوا مصابيحكم) .
9-…عند الخروج من المنزل وعند الدخول :
أ-…عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال حينئذ ، هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين) .(3/11)
ب-…عن جابر بن عبدالله ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عز وجل عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان أدركتم البيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء) .
10-…عند ركوب الدابة أو السيارة أو الطائرة أو الباخرة :
…كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابة قال : بسم الله ، الحمد لله {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} .
11-…وتذكر البسملة كاملة في موضعين هما :
…أ-…عند التلاوة (بسم الله الرحمن الرحيم) .
……في بداية السور ، سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة .
ب-…عند كتابة الرسائل : ودليله قوله تعالى : {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
…كما افتتح الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته التي بعثها إلى هرقل ملك الروم ( بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين) .
معنى "بسم الله" :
قال ابن كثير : قوله : "بسم الله" هو اسم أو فعل (متقاربان) ، وكل قد ورد به القرآن : أما من قدره باسم تقديره : بسم الله ابتدائي ، فلقوله تعالى : {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
ومن قدره بالفعل فلقوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
وكلاهما صحيح ، فإن الفعل لا بد له من مصدر ، فلك أن تقدر الفعل ومصدره ، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله ، إن كان أكلاً أو شرباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة .
فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله ، تبركاً وتيمناً واستعانة على الإتمام والتقبل ، والله أعلم .(3/12)
(الله) : علم على الرب تبارك وتعالى ، ويقال ، إنه الاسم الأعظم ، لأنه يوصف بجميع الصفات ، كما قال تعالى : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
فأجرى السماء الباقية كلها صفات له :
قال تعالى : {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة) .
ومعنى أحصاها : أي فهم معناها حق الفهم وعمل بحقها ، وحقها أن يكون موحداً بها توحيد الذات ، وتوحيد الصفات ، وتوحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية من كل جوارحه ، وفي قرارة نفسه ، ثم مات على ذلك من التوحيد الخالص دون أن يخل بأي معنى من معانيها ، وله من العمل ما لا ينافيها لا قولاً ، ولا اعتقاداً دخل الجنة .
أما فهم معنى الإحصاء بالحفظ غيباً ، فإن كثيراً من الناس من يحفظها ويغيبها عن ظهر قلب ويرددها بسرعة دون تفهم لمعانيها ، وله من العمل ما ينافيها ، فهذه المنافاة نقض القول ، ومثل هذا لا يكون قد أحصاها إذ ليس المقصود من الإحصاء إلا الفهم والإخلاص .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل الصورة حتى ينزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم" )(3/13)
واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة "النمل" ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة ، أم أنها في الفاتحة دون غيرها ، أو إنها للفصل بين السور ، والأرجح أنها للفصل بين السور ، كما سبق من قول ابن عباس الذي رواه أبو داود آنفاً ، ومن قال إنها آية من الفاتحة ، فقد رأى الجهر بها في الصلاة ، والذين لم يروا فقد أسروا بها .
ولكل من أصحاب القولين جماعة من الصحابة رأوا ما رأوا ...
من هداية الآية :
1-…إن{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جزء من آية من سورة النمل .
2-…إن {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} للفصل بين السور .
3-…إن {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أول آية من سورة الفاتحة .
أ-…قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الحمد لله رب العالمين) أم القرآن ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني ...)
…{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}
ب-…عن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة ، وعدّ البسملة آية منها) .
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ:
(الحمد لله) الشكر له خالصاً دون سائر ما يُعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، فلربنا الحمد على ذلك أولاً وآخراً .
والألف واللام في الحمد ، لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى : كما جاء في الحديث :
(اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله) .
(رب العالمين) : الرب : هو المالك المنتصرف ، ولا يقال : ( الرب ) معرفاً بالألف واللام إلا لله تعالى ، ولا يجوز استعمال كلمة الرب لغير الله إلا بالإضافة ... فنقول : رب الدار ، ورب السيف ، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل .(3/14)
(العالمين) : جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله جل وعلا ، والعالَم جمع لا واحد له من لفظه ، والعوالم أصناف المخلوقات في السموات والأرض في البر والبحر ، فالإنس عالّم ، والجن عالّم ، والملائكة عالّم ..
وهكذا قال بشر بن عمارة بسنده عن ابن عباس : {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الحمد لله الذي له الخلق كله في السموات والأرض وما فيهن وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم .
وقال ابن جرير رحمه الله : (الحمد لله) : ثناء أثنى به على نفسه ، وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا عليه ، فكأنه قال : قولوا الحمد لله .
قال : وقد قيل : إن قول القائل : " الحمد لله " ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى ، وقوله : "الشكر لله" ثناء عليه بنعمه وأياديه .
من هداية الآية :
1-…الحمد يكون لله فقط ولا يكون لغيره ، لأنه رب العالمين .
2-…أما الشكر فيكون لله ولغيره ، قال الله تعالى :
…{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
3-…في الآية توحيد الرب الذي كان يعترف به المشركون : قال تعالى عن المشركين :
…{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} .
…فالمشركون اعترفوا بأن الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، كما اعترفوا بأن الله خالقهم ، ولكن هذا الاعتراف لم يستفيدوا منه ، لأنهم أشركوا بالله حينما دعوا وعبدوا غيره .
فضل "الحمد لله" ومواضعها :
1-…بعد الأكل والشرب : لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
أ-…(إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) .(3/15)
ب-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من أكل طعاماً فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غُفر له ما تقدم من ذنبه) .
2-…عند النوم : عن أنس رضي الله عنه :
…أ-…أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال :
……الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوى).
…ب-…وعن علي رضي الله عنه :
…أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى في يدها من الرحى ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بسبى (عبيد) فانطلقت ، فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها .
…فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجئ فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم الينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال : ( على مكانكما) فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال :
( ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما : فكبرا أربعاً وثلاثين ، وسبحا ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم) . ويجوز أن يقال قبل النوم :
(سبحان الله 33) و ( الحمد لله 33) و (الله أكبر 33) .
3-…عند الاستيقاظ من النوم : عن حذيفة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول : ( باسمك اللهم أحيا وأموت) .
…وإذا استيقظ قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور) .
4-…عند العطاس : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا عطس أحدكم فليقل "الحمد لله" وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله ، فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم) .
5-…عند رؤية مبتلى : عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
…( من رأى صاحب بلاء فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً ، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش) .(3/16)
6-…بعد الرفع من الركوع : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ، فقولوا : " ربنا ولك الحمد" فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .
7-…بعد الصلاة : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
…( من سبح الله في دُبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك الله ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) . "دبر كل صلاة : بعد كل صلاة"
8-…عند الاستيقاظ من النوم ليلاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
…(من تعارّ من الليل (أي استيقظ) فقال : لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير ، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم أغفر لي ، فإن دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته) .
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
(الرحمن الرحيم) : إسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ، والرحمن مشتق ، ودليل ذلك عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( قال الله تعالى : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) .
قال القرطبي : هذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق .
روى ابن جرير بسنده عن العزرمي يقول : "الرحمن الرحيم" قال :
الرحمن : لجميع الخلق ، الرحيم : قال : المؤمنين .
قالوا : ولهذا قال تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} .
وقال : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}
فذكر الاستواء باسمه الرحمن ، ليعم جميع خلقه برحمته .(3/17)
وقال : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} فخصهم باسمه الرحيم .
قالوا : فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمن من (الرحيم) لعمومها في الدارين .
الرحمن عام والرحيم خاص
(الرحمن) : أي يرحم أهل الدنيا والآخرة ، و (الرحيم) خاص بالمؤمنين يوم القيامة ، إن الله يرحم المؤمنين والكافرين في الدنيا على السواء وذلك من نواحي أمورهم المعاشية ، وأسباب حياتهم ، وما يكفل لهم حياتهم الدنيا ، فرحمته هنا عامة وإذا لم تكن الرحمة هذه عامة، لا تتكامل أسباب التكليف من الإنعام عليهم بنعمة العقد الذي بواسطته يعرفون الحق من الباطل ، ونعمة تسخير ما في الكون ليستفيد منها أهل الأرض من الإنس والجن .
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} ، فتكامل أسباب التكليف في الدنيا سيكون عليه في الآخرة مدار الحساب .
وأما ما جاء في الدعاء المأثور :
( يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) ، فقوله :
رحيمهما محمول على معنى أنه يرحم المؤمنين في الدنيا فيما أطاعوه من الإيمان به ، وتنفيذ أوامره ، واجتناب نواهيه وتسهيل سبل ذلك لهم ، ويرحمهم في الآخرة بإدخالهم الجنة جزاء ما أسلفوا من إيمان وطاعة : فطاعتهم له في الدنيا رحمة منه تعالى ، وجزاؤهم بالجنة ، رحمة منه تعالى ، وهذا معنى قوله : رحيمهما ، والله أعلم .
فائدة مهمة :
قوله تعالى : {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم ، لأنه لما كان في اتصافه بـ{رَّبِّ الْعَالَمِينَ} ترهيب قرنه بـ {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه ، فيكون له أعون على طاعته وأمنع كما قال : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} .
وقال تعالى : {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} .(3/18)
من هداية الآية
1-…الرحمن : اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به ، ولا بأي اسم خاص له .
…ومثله : ( الله ، والخالق ، والرازق ، ونحو ذلك )
2-…الرحيم : اسم وصفة لله تعالى ، وقد وصف به غيره :
…قال الله تعالى : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
…ومثل الرحيم : السميع والبصير ، قال الله تعالى : {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} .
3-…في الآية دليل على توحيد الأسماء والصفات : (الرحمن الرحيم) .
مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ :
1-…قرأ بعض القراء : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
2-…وقرأ آخرون : مَلِك) وكلا القراءتين صحيحة متواتر في السبع ، وليس تخصيص المُلك بيوم الدين خاصاً بيوم الدين من غير الدنيا ، فهو مالك يومي الدنيا والدين لأنه تقدم الإخبار بأنه ربُ العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي هناك أحد شيئاً غيره ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى : {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} .
3-…وقال الضحاك عن ابن عباس {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول : لا يملك من أحد في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدنيا .
4-…{يَوْمِ الدِّينِ} : يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة ، يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، إلا من عفا عنه .
من هداية الآية :
1-…الملك في الحقيقة هو الله عز وجل ، وهو مأخوذ من المُلك (بضم الميم) ، قال الله تعالى : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .
…وفي الحديث : ( أختع اسم عند الله من تسمى بملك الأملاك ، ولا مالك إلا الله) . - أختع : أذل وأقهر - .(3/19)
…قال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} . فتسمية طالوت بالملك مجاز .
…وفي الحديث : ( مثل الملك على الأسرة) .
2-…المالك في الحقيقة هو الله عز وجل ، وهو مأخوذ من المِلك (بكسر الميم) وتسمية غيره في الدنيا مجاز) .
…قال تعالى : {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} – فالمساكين كانت السفينة ملك لهم في الدنيا - .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ :
1-…{إِيَّاكَ} مفعول قدم للحصر ، ليحصر مراد المتكلم فيما يريد أن يفصح عنه .
2-…{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة ، والعبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، وبعير معبد ، أي مذلل ، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف ، وهي خاصة بالله سبحانه وتعالى .
3-…قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن وسرها – أي الفاتحة – هذه الكلمة :
…{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
…فالأول أي : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تبرؤ من الشرك .
…والثاني أي : {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تبرؤ من الحول والطول والقوة ، والتفويض إلى الله عز وجل .
4-…في هذه الآية : تحول الكلام من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب بكاف الخطاب بقوله {إِيَّاكَ} وذلك مناسب ، لأن العبد لما حمد الله وأثنى عليه ومجده وتبرأ من عبادة غيره ، ومن الاستعانة بسواه ، فكأنه اقترب من الله عز وجل ، وأصبح حاضراً بين يديه تعالى ، فناسب أن يخاطبه بكاف الخطاب بقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
…وقال ابن عباس رضي الله عنهما :
…{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إياك نوحد ونخاف ونرجوا يا ربنا لا غيرك .
…{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على طاعتك ، وعلى أمرنا كلها .
…وقدم : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأن العبادة هي الغاية ، والاستعانة هي الوسيلة إليها – ابن كثير- .(3/20)
…قال ابن القيم في مدارج السالكين : وسر الخلق ، والكتب والشرائع ، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين ، وعليهما مدار العبودية والتوحيد ، حتى قيل : أنزل الله مائة كتابة وأربعة : جمع معانيها في التوراة والإنجيل ، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن في الفاتحة في : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
من هداية الآية :
1-…ذكر علماء اللغة العربية أن الله تعالى قدم المفعول به (إياك) على الفعل (نعبد) و (نستعين) ليخص العبادة والاستعانة به وحده ، ويحصرها فيه دون سواه ، فيكون معناها : (نخصك بالعبادة والاستعانة وحدك) أو :
…( لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك يا الله) .
…وأركان العبادة : الإخلاص والمحبة والرجاء والخوف ، وعبادة الله وحده بما شرعه الله ، حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2-…معنى العبادة والاستعانة في قوله تعالى :
…{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
…{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إياك نوحد ونخاف ونرجو .
…{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على طاعتك .
…قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
3-…إن العبادة في هذه الآية تعم جميع العبادات كلها ، مثل الصلاة ، والذبح ، والنذر ، ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة) .
…فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لرسول ، ولا لولي ، فكذلك الدعاء عبادة ، فهو لله وحده لا لغيره .
…{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} . ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله) .(3/21)
…يقول الإمام النووي في تفسير هذا الحديث ما خلاصته : إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة ، فاستعن بالله ، ولا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله : كشفاء المرض ، وطلب الرزق والهداية ، فهي مما اختص الله بها وحده ، قال تعالى : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} .
4-…وأما الاستعانة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه من مداواة مريض ، أو بناء مسجد ، وغير ذلك فهي جائزة لقوله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) .
…ومن أمثلة الاستعانة الجائزة قول الله في طلب ذي القرنين من قومه:{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} .
5-…إن هذه الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي يكررها المسلم عشرات المرات في الصلاة هي خلاصة سورة الفاتحة ، وهي أعظم سورة في القرآن .
6-…في الآية توحيد العبادة لله الذي دعت إليه جميع الرسل ، قال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} . - والطاغوت : كل ما عُبد من دون الله برضاه - .
اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ :
لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال :
(فنصفها لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته ، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} وفي هذا دليل على الحض على التوسل بالصفات العلى وبالأعمال الصالحة فقد حمد الله وأثنى عليه ومجده بصفاته .
(رب العالمين ، الرحمن الرحيم - مالك يوم الدين) .(3/22)
ثم أفرده بالعبادة والاستعانة : فبعد أن قدم بين يدي ربه هذه الأعمال الصالحة تقدم منه سائلاً حاجته وهي أن يهديه وإخوانه المؤمنين صراطه المستقيم الذي هو الإسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان ، النفي من كل بدعة وخرافة ، هذا الصراط الذي هو أقرب الطرق للوصول إلى ما يحب الله ويرضى طبق ما أمر ، وبلغ رسول الله ، وإذا أمعن المسلم في آيات القرآن فإنه يرى جميع آيات الدعاء ، لا بد أن يسبقها توسل إلى الله تعالى إما بدعائه ، أو بذات الله ـ أو بأسمائه الحسنى ، أو صفاته العلى ، أو بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى ربه ، أو أن يتوسل إليه بدعاء إخوانه المؤمنين له بالدعاء لهم ، قال الله تعالى على لسان ذي النون عليه السلام :
{لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} .
فإن ذا النون لما ابتلعه الحوت لم يجد من التوسل إلى الله أقرب من توحيده تعالى وتنزيهه .
والهداية هاهنا : الإرشاد والتوفيق ، وقد تعدي الهداية بنفسها كما هنا {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فتضمن معنى : ألهمنا ، أو وفقنا ، أو أرزقنا ، أو أعظنا .
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ، أي بينا له الخير والشر وقد تعدي بإلى كقوله تعالى : {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} .
{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة ، كذلك قوله : {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ، وقد تُعدي باللام ، كقول أهل الجنة :
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلاً .
وأما (الصراط المستقيم) فقال الإمام الطبري : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن : (الصراط المستقيم) هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ، وذلك في لغة جميع العرب .(3/23)
ولهذا قال الإمام الطبري رحمه الله : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ، أعني {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} أن يكون معنياً به ، وفقنا للثبات على ما أرتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم ، لأن من وُفق لما وُفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء ، فقد وُفق للإسلام وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمره الله به والانزجار عمّا زجره عنه ، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة ، وكل عبد صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .
من هداية الآية :
1-…الترغيب في دعاء الله وحده ، ولا سيما الهداية إلى الصراط المستقيم ، لأن الله تعالى يقول : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
…وقال جماعة من الصحابة : (الصراط : الإسلام )
2-…علمنا الله أن نسأله الصراط المستقيم خالياً من أهله وأصحابه ، فإذا عرفنا الصراط ومعالمه عرفنا أهله ، وحينئذ يقول القارئ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} .
…فاعرف الحق تعرف أهله ، فالحق : هو الصراط ، وأهله : الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .(3/24)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ :
1-…{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} مفسر للصراط المستقيم ، والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله الله تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا} .
2-…وقال الضحاك عن ابن عباس : صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين وذلك نظير ما قال ربنا في الآية السابقة .
من هداية الآية :
1-…الترغيب في طلب الهداية إلى الصراط المستقيم : صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
2-…الترغيب في سلوك سبيل الصالحين - الذين مدحهم الله وأثنى عليهم - وموالاتهم ، والسير على طريقهم .
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ :
1-…قوله تعالى : {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} : أي غير صراط المغضوب عليهم : المغضوب عليهم : هم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه .
2-…وغير صراط الضالين : وهم الذين فقدوا العلم هائمون في الضلالة ، لا يهتدون إلى الحق وأكد الكلام بـ (لا) ليدل أن ثم مسلكين فاسدين وهما : طريقة اليهود وطريقة النصارى .
3-…وإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم والعمل به ، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم ، ولهذا كان الغضب لليهود ، والضلالة للنصارى ، لأن من عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم .
4-…والنصارى كما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إليه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الحق فضلوا ، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليهم .
…لكن أخص أوصاف اليهود الغضب عليهم : قال تعالى عنهم : {مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} .
5-…وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى : {قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} .
6-…روى حماد بن سلمة عن عدي بن حاتم قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى :
{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} قال اليهود .
{وَلاَ الضَّالِّينَ} قال النصارى هم الضالون(3/25)
7-…وروى ابن مردويه عن أبي ذر قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} قال : اليهود ، قلت : {وَلاَ الضَّالِّينَ} قال : النصارى .
…
من هداية الآية :
1-…التحذير من صراط المغضوب عليهم ، وهم اليهود الذين فسدت إرادتهم فعرفوا الحق وعدلوا عنه ، ولم يعملوا به ، لأن من علم الحق وتركه استحق الغضب من الله تعالى .
2-…التحذير من صراط الضالين : وهم النصارى الذين فقدوا العلم ، فهاموا في الضلال ، لا يهتدون إلى الحق ، فعلى المسلمين ألا يتركوا العلم والعمل ، حتى لا يكونوا مثل النصارى واليهود .
3-…التحذير من طريقة اليهود والنصارى ، والترهيب من سلوك سبيل الغاوين والبراءة منهم .
4-…التحذير من ترك العمل الذي وقع فيه اليهود ، والتحذير من ترك العلم الذي وقع فيه النصارى .
5-…لا بُد من العلم والعمل معاً ، وهذا هو سبيل المؤمنين ، قال الله تعالى :
…{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} .
…قال ابن كثير : كلما كان العلم بالله أكمل ، كانت الخشية لله أعظم وأكثر .
6-…على المسلمين : أن يدعوا الناس جميعاً إلى العلم والعمل معاً لهدايتهم إلى الصراط المستقيم .
التحذير من صفات المنحرفين :
1-…قال الله تعالى : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
…قال رسول الله صلى الله عليه وسلام : {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} اليهود و{وَلاَ الضَّالِّينَ} النصارى .
2-…قال الله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} - الرغد : سعة العيش ، حطة : حُط عنا ذنوبنا وأغفرها .(3/26)
أ-…( قيل لبني إسرائيل : {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} فبدلوا ، فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعرة ، أستاهم : أدبارهم) .
ب-…وفي رواية الترمذي في قول الله تعالى : {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} ، قال : ( دخلوا متزحفين على أوراكهم) .
…قال : وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} .
……قال : قالوا : حبة في شعرة ، وفي رواية : حبة في شعيرة .
ج-…قال الحافظ في (الفتح) : والحاصل أنهم خالفوا ما أُمروا به من الفعل والقول ، فإنهم أُمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى ، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل (حطة) أو قالوا : حطة ، وزادوا فيها حبة شعيرة .
…ويستنبط منه أن الأقوال المنصوص إذا تُعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى .
من فوائد الآيات والأحاديث :
1-…الترغيب في سلوك سبيل المؤمنين ، والترهيب من سلوك اليهود المغضوب عليهم لكفرهم وإفسادهم وقد تركوا العمل ، ومن النصارى الضالين الذين فقدوا العلم ، أما المؤمنون فقد جمعوا العلم مع العمل .
2-…التحذير من تحريف النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع كما فعلت اليهود . …
…لقد أمر الله اليهود أن يقولوا (حطة) فقالوا (حنطة) تحريفاً ، وأخبرنا الله أنه (استوى) على العرش ، فقال المتأولون : (استولى) فانظر ما أشبه لامهم التي زادوها بنون اليهود التي زادوها : (في حطة : فقالوا حنطة) .
3-…لقد تجرأ بعض المفسرين كالصابوني في (صفوة التفاسير) والقاضي أحمد كنعان في كتابه (قرة العينين على تفسير الجلالين) فقد قالا عند تفسير قول الله تعالى : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} .
…فقالا : وفي الحديث : ( يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة) ، الحديث رواه البخاري ، فقد بترا أول الحديث :(3/27)
…(يكشف ربنا عن ساقه) : ولم يلتزما نص الحديث :
…(فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة) ، لأن الفاء للعطف ، و (له) يعود على الله .
…ولما سألت الصابوني عن سبب بتره لأول الحديث : وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( يكشف ربنا عن ساقه ....) الحديث ، أجاب بقوله : كل المفسرين أولوا الآية .
…ثم قال : الذي أريده من الحديث أخذته .
أ-…وهذا خطأ كبير إذ أن المفسرين جُلهم لم يتأولوا الآية : كالطبري وابن كثير ، وذكروا الحديث بتمامه ، حتى قال العلامة صديق حسن خان ، والشوكاني أيضاً عند تفسير {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} الآية : "إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل" ويقصدان الحديث الذي فسر الآية ، وهو خير مفسر لكلام الله تعالى ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شئ ، ثم ذكرا قول الشاعر :
……دعوا كل قول عند قول محمد……فما آمن في دينه كمخاطر
ب-…أما قوله : أخذت من الحديث ما أريده ، لا يجوز لمفسر أن يقوله ، لأنه غير معني الآية التي تثبت الساق لله تعالى على ما يليق به ، فظهر من حذفه لأول الحديث لئلا يثبت الساق ، ولأنه لو ذكره لبطل مراده وهو التأويل ، وهذا نوع من التحريف والتبديل والتلاعب بالنصوص الذي حذرت منه الآيات السابقة ، وسيأتي تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لمثل هذا العمل الذي وقعت فيه اليهود والنصارى .
ج-…وقد فسر الصابوني آية {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} :
…أي تدعوهم الشدة إلى السجود لله ، وخالف تفسير الطبري الذي اختصره حينما قال الطبري :
…( ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله) .
4-…ومن هذا التحريف ما سمعته من أحد الخطباء يوم الجمعة حيث قال : جاء رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يرد له بصره ، فرد له بصره ، ولما انتهى لحقته ، وقلت له : هذا الذي ذكرته نص الحديث ؟(3/28)
…إن نص الحديث يقول : جاء أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله أدع الله أن يعافيني ، فقال : ( إن شئت صبرت ، وإن شئت دعوت) ، فقال : بل أدعه ، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو ...
…فقال لي : الذي أريده من الحديث أخذته ، فقلت : هذا تدليس ، لأنه أوهم الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رد بصره ، بينما الحديث ينص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له حينما طلب منه الأعمى الدعاء ، وهي معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فرد الله له بصره ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك رد البصر ولا غيره .
5-…هذا التحريف الذي ذكره ابن القيم في تبديل النصوص ، وهذا البتر لأول الأحاديث الذي غير المعنى هو من عمل أهل الكتاب ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمته سيقعون فيه ، فقال محذراً :
…(لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن؟) - أي : فمن غيرهم- .
معنى آمين :
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين ، ومعناه : اللهم استجب ، والصحيح : أنه يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، ويتأكد في حق المصلي سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً وفي جميع أحوال الصلاة .
1-…عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمّن الإمام فأمنّوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .
2-…ولمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الآخر غفر له ما تقدم من ذنبه) .
3-…وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُعطيت "آمين" في الصلاة وعند الدعاء لم يُعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو وهارون يؤمن فاختموا الدعاء بـ "آمين" فإن الله يستجيبه لكم) .(3/29)
4-…ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى :
…{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}
…فذكر الدعاء عن موسى وحده ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن فنزل منزلة من الدعاء ، لقوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله : فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزل قراءتها ، فدل هذا المنزع أيضاً على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، والله أعلم .
5-…قلت : وهذا هو الحق الموافق لما جاء في القرآن :
…{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فالإستماع والإنصات أمر من الله تعالى حتى نُرحم ، فإذا استمعنا وأنصتنا تفرغ القلب للفهم ، وإذا فهمنا مراده تعالى ، عملنا بمقتضاه ، فيرحمنا الله جزء ما عملنا بما فهمنا .
…أما إذا قرأ الإمام جهراً ونحن قرأنا معه فلا نستطيع في آن واحد فهم ما نقرأ وفهم ما نسمع ، وإذا لم يحصل الفهم لا يحصل العمل ، وإذا لم يحصل العمل فلا نُرحم .
…وكذلك فانه موافق لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :
…( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فإذا كبر ، فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ...) الحديث .
…هذا في الصلاة الجهرية أما في الصلاة السرية فتجب قراءة الفاتحة وراء الإمام وهاهنا يأتي دور الحديث :
…( لا صلاة لمن لام يقرأ بفاتحة الكتاب) . والله تعالى أعلم .(3/30)
خلاصة تفسير الفاتحة :
قد اشتملت هذه السورة الكريمة على حمد الله ، وتمجيده ، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العلى وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاد عباده إلى سؤاله والتضرع إليه ، والتبرؤ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده ، توحيد الألوهية تبارك وتعالى ، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل .
والى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، وعلى الترهيب والتحذير من مسالك الباطل لئلا يُحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون .
وما أحسن ما جاء في إسناد الإنعام إليه سبحانه في قوله تعالى : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : غير {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} .
مفهوم الهداية والإضلال :
1-…لا شك ولا ريب أن الهداية والإضلال من الله تعالى ، ولكن ليس هناك من شئ إلا وله سبب ، فلما كان العناد والكفر حاصلين من قبل المشركين والكفار بعد بيان الحجة وقيامها عليهم .. كان من المناسب أن يعاقبهم الله على عنادهم وكفرهم من جنس العمل ، فعاقبهم بأن مدهم في الضلال كما في قوله تعالى :
…{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .
…{وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
…فكان جزءً وفاقاً .
2-…أما المؤمنون فإنه لما أصغوا إلى الحق وأخلصوا النية بالفهم والتعقل وآمنوا كان من المناسب أن يكافئهم من جنس العمل فيسر لهم طريق الهداية ومدهم بزيادة من الفهم والعقل والإيمان ، كما في قوله تعالى :(3/31)
…{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .
…فكان ذلك جزاءً وفاقاً .
3-…ومما هو معلوم أن الهداية والإضلال من الله خلق ، فهو الذي هدى المؤمنين بسبب استجابتهم للإيمان ، وأضل الكافرين بسبب عنادهم وإعراضهم ، فكان كما قلنا جزاءً وفاقاً ، وهذا هو الذي رمى إليه المؤلف (ابن كثير) رحمه الله بقوله : (لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه) أي الضلال ، والهدى ، لأن الهادي والمُضل هو الله تعالى ، ولكن العباد يهيئون الأسباب وهذه الأسباب هي التفهم والعمل من المؤمنين ، والعناد والإعراض من الكافرين ، وهذه أفعال اختيارية محضة والاختيار عليه مدار الثواب والعقاب ، أما الهداية نفسها ، والإضلال نفسه ، فمهما قطعاً من الله تعالى ولو أن الهداية من نفس المؤمن ومختار فيها لما طلبها منه تعالى بقوله : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} .
…وقوله : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}
والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق للصواب .
قراءة الفاتحة في الصلاة :
عن أبي هريرة رضي الله عليه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ك ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، خداج ، خداج : غير تمام) .
فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ؟ فقال : أقرأ بها في نفسك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد :
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال الله : حمدني عبدي .
فإذا قال : {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ، قال : الله أثنى عليّ عبدي .
فإذا قال : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قال الله : مجدني عبدي .
فإذا قال : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، قال الله : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل .(3/32)
فإذا قال : أهدنا {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ، قال الله : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل ) .
قال ابن كثير بعد هذا الحديث :
بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة ، فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذا أُطلقت الصلاة وأريد بها جزء واحد وهو القراءة .
هل تجب قراءة الفاتحة على المقتدي :
اختلف العلماء في القراءة للمصلي خلف الإمام على أقوال :
1-…يجب على المقتدي قراءتها ، كما تجب على إمامه : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
2-…لا يجب على المقتدي قراءتها سواء في الصلاة الجهرية أو السرية : لحديث : ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) ولكن في إسناده ضعف كما قال ابن كثير في تفسيره .
…أقول : إذا كان الحديث ضعيفاً فلا يجوز العمل به ، ولا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة .
3-…يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في السرية ، ولا يقرأ في الجهرية : لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما جُعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فانصتوا) .
…وهو قول قديم للشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد .
4-…يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في سكتات الإمام ، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين ممن بعدهم ، وهو قول للشافعي في الجديد :
…(وسكتات الإمام : تكون عند آخر الآية ، وفي آخر سورة الفاتحة ، وفي آخر القراءة)
…قال بعض السلف في قول الله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
…قال : الإنصات يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، ويوم الجمعة (وقت الخطبة) وفيما يجهر به الإمام في الصلاة ، وهذا اختيار ابن جرير : أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة الجهرية وفي الخطبة : كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام ، وحال الخطبة.(3/33)
أقول : إذا كان المقتدي لا يسمع قراءة الإمام في الجهرية لبعده عنه ، وعدم وجود مكبر للصوت ، فعليه قراءة الفاتحة .
أخطاء شائعة في قراءة الفاتحة :
أولاً :…قراءة القرآن على الأموات : ولا سيما سورة الفاتحة :
1-…لأن القرآن أنزله الله للأحياء ليعملوا به ، لا للأموات ، قال الله تعالى عن القرآن : {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} ، وفي الحديث : قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له) .
2-…ذكر ابن كثير في تفسير قول الله تعالى :
…{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}
…فقال : أي كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه .
…ومن هذه الآية الكريمة استنبط الإمام الشافعي رحمه الله أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها للموتى ، لأنه ليس من عملهم ، ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليها ، ولا أرشدهم إليه بنص ، ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه .
…وباب القربات يُقتصر فيه على النصوص ، لا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء .
…فأما الدعاء والصدقة فذلك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليها .
3-…وسمعت امرأة سورة الفاتحة من الإذاعة فقالت : أنا لا أحبها ، لأنها تذكرني بأخي الميت ، وقد قرئت عليه ( لأن الإنسان يكره الموت وما يلوذ به) .
4-…لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أنهم قرأوا الفاتحة ، أو غيرها على الأموات ، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عند فراغه من دفن الميت : (استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبيت فانه الآن يسأل) .(3/34)
5-…لم يُعلم الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته أن يقرأوا الفاتحة عند دخول المقبرة ، بل علمهم أن يقولوا : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية) . - أي العذاب- .
…فهذا الحديث يُعلمنا أن ندعو للأموات بالعافية من العذاب ، لا أن ندعوهم أو نستعين بهم .
6-…لقد أنزل الله القرآن ليقرأ على من يُمكنهم العمل من الأحياء ، أما الأموات فلا يستطيعون العمل به : قال الله تعالى : {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.
…أي : إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ، أما الكفار فهم موتى القلوب ، فشبههم بأموات الأجساد .
ثانياً:…قراءة الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم :
…ليس عليها دليل من القرآن أو السنة ، ولم يفعلها الصحابة ، والدليل جاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
1-…قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
…في هذه الآية يأمرنا الله تعالى أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لا أن نقرأ له الفاتحة ، أو ندعوه لتفريج الهموم .
2-…وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم .....)
…والتوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروع عند الدعاء ، لأنه من العمل الصالح فنقول مثلاً :
…اللهم بصلاتي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فرج عني كربتي وصلى الله على محمد وآله وسلم .(3/35)
ثالثاً:…قراءة الفاتحة عند عقد النكاح :
1-…ليس عليها دليل من القرآن والسنة ، وإنما هي من عادات الناس ، ولا سيما إذا اعتقدوا أن عقد النكاح يتم بقراءتها ، علماً بأن العقد لا يتم إلا بالصيغة الشرعية : وهو قول ولي الزوجة للزوج أو وكيله : (زوجتك ابنتي على مهر قدره كذا ، فيجيب الزوج أو وكيله : قبلت تزويجك على ما ذكرت من المهر) .
2-…السنة في عقد النكاح أن يقرأ العاقد خطبة الحاجة ، وقد بدأ بها النبي خطبه ، وعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا بها خطبهم ، وهذا نصها :
…(إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) .
الخلاصة :
إن قراءة الفاتحة للأموات ، والى روح النبي صلى الله عليه وسلم ، وعند عقد النكاح ، وغيرها من البدع التي لا دليل عليها من الدين ، وفي الحديث :
(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .(3/36)
وقال ابن عمر رضين الله عنهما : كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس أنها حسنة .
وقال غضيف من السلف : لا تظهر بدعة إلا تُرك مثلها سنة .
وهذه البدع أماتت سُنن : وهي :
1-…الدعاء للميت بالتثبيت ، والاستغفار له ، لأن الملائكة تسأله في قبره : من ربك ؟ ما دينك؟ من نبيك؟ .
2-…الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : (قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة : وصلاة الملائكة : دعاء) .
3-…قراءة خطبة الحاجه (وتقدمت من قبل) والقول للزوج : بارك الله لكما ، وجمع بينكما بخير .(3/37)
قطوف من الشمائل المحمدية والأخلاق النبوية والآداب الإسلامية
محمد بن جميل زينو
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فإن أقدم لإخواني القراء المسلمين الكرام :
قطوفاً من الشمائل المحمدية ، والأخلاق النبوية ، والآداب الإسلامية ليطلعوا عليها ، ويقتدوا بهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، في أخلاقه ، وآدابه ، وتواضعه ، وحلمه ، وشجاعته ، وكرمه ، وتوحيده لربه ، ولا سيما نحن في عصر نحتاج إلى نشر التوحيد والأخلاق اللذين انتصر بهما المسلمون ، وانتشر الإسلام .
وما أحسن قول الشاعر :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت …فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والله أسأل أن ينفع بهذا الكتاب المسلمين ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم .
مولد الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} .
2-…وقال الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ }
3-…وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن صوم يوم الاثنين قال : ( ذلك يوم ولدت فيه ، وفيه بعثت ، وفيه أنزل الحق) .
4-…لقد ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول في مكة المكرمة عام الفيل عام 571م من أبوين معروفين : أبوه عبدالله بن عبدالمطلب ، وأمه آمنة بنت وهب ، سماه جده محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد مات أبوه قبل ولادته .
5-…إن من واجب المسلمين أن يعرفوا قدر هذا الرسول الكريم ، فيحكموا بالقرآن الذي أُنزل عليه ، ويتخلقوا بأخلاقه ، ويهتموا بالدعوة إلى التوحيد التي بدأ بها رسالته متمثلة في قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} .(4/1)
اسم ونسب الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} .
2-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي .
3-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسمي لنا نفسه أسماء فقال : "أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا المقفى ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة"(المقفى : آخر الأنبياء) .
4-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ، ولعنهم ؟ يشتمون مذمماً ، ويلعنون مذمماً ، وأنا محمد) .
5-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي ، فإنما أنا قاسم أقسم بينكم) .
الرسول كأنك تراه صلى الله عليه وسلم :
1-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، ليس بالطويل البائن ولا القصير .
2-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم ، أبيض مليح الوجه .
3-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مربوعاً (1) ، عريض ما بين المنكبين ، كث اللحية ، تعلوه حُمرة ، جمته إلى شحمة أذنيه ، لقد رأيته في حُلة حمراء ، ما رأيت أحسن منه . (كث اللحية : كثير الشعر) (جمته : شعره) .
__________
(1) مربوعاً : ليس بالطويل ولا القصير .(4/2)
4-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس واليدين والقدمين ، حسن الوجه ، لم أر قبله ولا بعده مثله .
5-…كان وجهه مثل الشمس والقمر وكان مستديراً .
6-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه ، حتى كأن وجهه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك .
7-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسماً ، وكنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل .
8-…وعن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً ، حتى أرى منه لهواته ، إنما كان ضحكه التبسم . ( لهواته : أقصى حلقه) .
9-…وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ليلة إضحيان فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى القمر ، وعليه حلة حمراء ، فإذا هو عندي أحسن من القمر . ( إضحيان : مضيئة مقمرة) .
10-…وما أحسن من قال في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم :
…وأبيض يستسقى الغمام بوجهه……ثمال اليتامي عصمة للأرامل .
…هذا الشعر من كلام أبي طالب أنشده ابن عمر وغيره ، لما أصاب المسلمين قحط ، فدعا لهم الرسول قائلاً : (اللهم أسقنا) فنزل المطر . (ثمال : مُطعم ، عِصمة : مانع من ظلمهم) .
…والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنعوت بالبياض يسأله الناس أن يتوجه إلى الله بوجهه الكريم ودعائه أن يُنزل عليهم المطر وذلك في حال حياته صلى الله عليه وسلم ، أما بعد مماته فقد توسل الخليفة عمر بالعباس أن يدعو لهم بنزول المطر ولم يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم : وأنشد من كنانة فقال :
لك الحمد والحمد ممن شكر ... *** ... سُقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة ... *** ... إليه وأشخص منه البصر
فلم يك إلا كإلقاء الرداء ... *** ... وأسرع حتى رأينا الدرر
وكان كما قال له عمه ... *** ... أبو طالب أبيض ذو غرر
به الله يسقى صوب الغمام ... *** ... وهذا العيان لذاك الخير(4/3)
فمن يشكر الله يلق المزيد ... *** ... ومن يكفر الله يلق الغير
قال الشاعر أبو رواحة عبدالله بن عيسى اليمني :
هذا رسول الله يبدو في الدنيا ... *** ... شمساً تضئ لسائر الأكوان
فهو الذي كان الختام لرسلنا ... *** ... كختام مسك فاح في البلدان
ذو الصورة البيضاء والوجه الذي ... *** ... أضحى لنا قمراً بكل مكان
وإذا لمست الكف قلت : حريرة ... *** ... من لينة كالزبد في فنجان
وإذا سمعت كلامه مترسلاً ... *** ... يصل القلوب يهز كل جنان
وجوامع الكلم البليغ أحاطتها ... *** ... إذا أنها فاقت لكل بيان
أبو معبد والرسول صلى الله عليه وسلم :
اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيمة أم مبعد (بقرير) طالبين القرى ، فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا شاة هزيلة لا تدر لبناً ، فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده ، ودعا الله ، وحلب في إناء حتى علت الرغوة ، وشرب الجميع ، ولكن هذه الرواية طرقها ما بين ضعيفة وواهية إلا طريقاً واحداً يريوها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها :
(لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله ما لنا شاة ، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن .
الرسول صلى الله عليه وسلم : فما تلك الشاة ؟
أبو معبد : أتى بها .
الرسول صلى الله عليه وسلم : دعا بالبركة عليها ، ثم حلب عُسا فسقاه ثم شربوا . (عُساً : قدحاً كبيراً) .
أبو معبد : أنت الذي يزعم قريش أنك صابئ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : إنهم ليقولون .
أبو معبد : أشهد أن ما جئت به حق .
أبو معبد : أتبعك .
الرسول صلى الله عليه وسلم : لا ، حتى تسمع أنا قد ظهرنا : (أي انتصرنا) .
أبو معبد : فاتبعه بعد : ( أي لحقه بعد أن ظهر في المدينة) .(4/4)
من فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} .
2-…{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} .
3-…{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
4-…وقال صلى الله عيه وسلم : ( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول شفيع في الجنة ، لم يُصدق نبي من الأنبياء ما صدقت ، وإن نبياً من الأنبياء ما صدقه من أمته إلا رجل واحد) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : سألت ربي ثلاثاً ، فأعطاني ثنتين ، ومنعني واحدة : سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسِّنة ، فأعطانيها ، وسألته أن يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) . (السنة : القحط) .
…وفي رواية : (فسألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها) .
7-…وقال أنس بن مالك في حديث الإسراء وفيه :
…(والنبي صلى الله عليه وسلم ، نائمة عيناه ، ولا ينام قلبه) .
8-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيام ، وأول من تنشق عه الأرض ، شافع ومشفع) .
9-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون) .
10-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً ، حتى كنت في القرن الذي كنت منه) .(4/5)
11-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي ، كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين) .
12-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني عند الله مكتوب خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم بأول أمري : دعوة إبراهيم ، وبشارة عيسى ، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتنا ، وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام) . (لمنجدل : ملقى على الأرض) .
12-…جاء الملك جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء فقال : (إقرأ باسم ربك الذي خلق) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد وأخبرها : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل (1) ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ، فقالت له خديجة ، يا ابن عم : أسمع من إبن أخيك ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس (2) الذي نزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أومرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً) .
__________
(1) الكل : اليتيم .
(2) الناموس : صاحب السر وهو جبريل عليه السلام .(4/6)
خاتم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…عن جابر بن سمرة قال : رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غُدة حمراء مثل بيضة الحمامة يشبه جسده .
2-…عن عبدالله بن سرجس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخلت عليه ، وأكلت من طعامه ، وشربت من شرابه ، ورأيت خاتم النبوة في ناغض كتفه اليسرى ، جُمعاً عليه خيلان كأمثال التآليل .
3-…عن الجعد بن عبدالرحمن قال : سمعت السائب بن يزيد يقول : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع فمسح رأسي ، ودعا لي بالبركة ، ثم توضأ فشربت من وضوئه (1) ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة (2) .
طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم :
1-…عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ ، إذا مشا تكفأ (3) ، وما مسحت ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم .
2-…عن أنس قال : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال (4) عندنا فعَرق ، فجاءت أمي بقارورة ، فجعلت تسلُت العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( يا أم سليم ، ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت : هذا عرقك نجعله طيبنا ، وهو من أطيب الطيب .
3-…كان صلى الله عليه وسلم ، يعرف بريح الطيب إذا أقبل .
4-…وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان لا يرد الطيب) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( أطيب الطيب المسك) .
صفة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…كان ينام أول ، ويُحيي آخره .
2-…كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا أوى إلى فراشه قال : (باسمك اللهم أموت وأحيا) وإذا استيقظ قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا ، واليه النشور) .
__________
(1) وضوئه : الماء الذي توضأ به .
(2) زر الحجلة : بيضة حجل الطير .
(3) تكفأ : مال إلى أمامه ليرفع رجله من الأرض بكليته .
(4) فقال عندنا : أي نام عندنا وقت القيلولة .(4/7)
3-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن ، وقال : ( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) .
4-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ فيهما : ( قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و ( قل أعوذ برب الناس) ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، ينصع ذلك ثلاث مرات .
5-…كانت وسادته التي ينام عليها بالليل من أدم (جلد) حشوها من ليف .
6-…كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم (أي جلد) حشوه ليف.
7-…قال عائشة : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : ( يا عائشة : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) .
قراءة الرسول وصلاته صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} .
2-…كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاثة (أيام) .
3-…كان يقطع قراءته آية آية : (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف (الرحمن الرحيم) ثم يقف.
4-…كان صلى الله عليه وسلم يقول : ( زينوا القرآن بأصواتكم ، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً) .
5-…كان يمد صوته بالقرآن مداً .
6-…كان يقوم إذا سمع الصارخ (الديك) .
7-…كان يصلي في نعليه : ( إذا كان المكان غير مفروش) .
8-…كان إذا حزبه أمر صلى (حزبه : كربه) .
9-…كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها .
10-…كان يُحرك إصبعه اليمنى يدعو بها .
…(السبابة عند الجلوس في الصلاة) .
…ويقول : ( لهي أشد على الشيطان من الحديد) .
11-…كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره (في الصلاة) .
12-…إن الأئمة الأربعة أجمعت على قول : إذا صح الحديث فهو مذهبي ، فيكون التحريك ، وضع اليدين على اليدين على الصدر في الصلاة من مذهبهم ، وهو من سنن الصلاة .(4/8)
13-…لقد أخذ بسنة تحريك الأصبع (السبابة) في الصلاة الإمام مالك وغيره ، وبعض الشافعية - رحمهم الله - كما في شرح المهذب للنووي 3/454 ذكر ذلك محقق جامع الأصول .
14-…وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ، الحكمة من تحريكها في الحديث المذكور أعلاه ، لأن تحريك الأصبع يشير إلى توحيد الله ، وهذا التحريك أشد على الشيطان من ضرب الحديد ، لأنه يكره التوحيد ، فعلى المسلم أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا ينكر سنته ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي) .
15-…كان يعقد التسبيح (بيمينه) .
صوم النبي صلى الله عليه وسلم :
1-…قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) .
2-…قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ، صيام يوم عرفة (1) احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ، وصيام (يوم) عاشوراء (2) احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) (3) .
5-…سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين والخميس ؟قال : يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) .
6-…نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن صوم يوم الفطر والأضحى .
7-…ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استكمل صيام شهر قط ، إلا رمضان .
__________
(1) الواقف بعرفة لا يصومه .
(2) العاشر من المحرم .
(3) التاسع من محرم .(4/9)
قيام الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} .
2-…عن عائشة : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ، ولا في غيره ، على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاً ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً ، فقلت : أتنام قبل أن توتر ؟ فقال : ( ياعائشة : إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي) .
3-…عن الأسود بن يزيد قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالليل ، فقالت : كان ينام أول الليل ، ثم يقوم ، فإذا كان من السحر أوتر ، ثم أتى فراشه ، فإذا كان له حاجة ، ألم بأهله ، فإذا سمع الأذان وثب ، فإذا كان جنباً أفاض عليه من الماء ، والا توضأ وخرج للصلاة .
4-…عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقوم حتى تنتفخ قدماه فيقال له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : ( أفلا أكون عبداً شكوراً) .
صفة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو : (أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق) .
3-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بجوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، فبينما أنا نائم رأيتني أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت في يدي) .
…قال أبو هريرة : ذهب رسول الله وأنتم تنتقلونها .
(جوامع الكلام : الكلام القليل ذو المعنى الكثير)
…مفاتيح خزائن الأرض : تسهيل فتح البلاد) .
4-…عن عائشة قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسردكسردكم هذا ، ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه) .
…(فصل : ظاهر) .
5-…كان يحدث حديثاً لو عدة العادة لأحصاه .
6-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طويل الصمت .(4/10)
7-…كان صلى الله عليه وسلم يُعيد الكلمة ثلاثاً لُتِغقل عنه .
…وفي رواية ( حتى تُفهم عنه) .
…والمراد : الكلمة الصعبة التي تحتاج للإعادة) .
8-…كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يحب الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك .
…(الجوامع : الكلام القليل ذو المعنى الكثير) .
9-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم .
صفة حوض الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبداً) .
(كيزان : جمع كوز وهو الإبريق) .
من زهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .
2-…وعن عمر بن الخطاب في حديث إيلاء (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ألا يدخل عليهن شهراً ، واعتزل عنهن في عُلية ، فلما دخل عليه عمر في تلك العُلية ، فإذا فيها سوى صُبرة (2) من قرظ (3) وأهبةٍ (4) وصُبرة من شعير ، وإذا هو مضطجع عل رمال حصير ، وقد أثر في جنبه ، فهملت عينا عمر ، فقال : مالك ؟ قلت يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه ، وكسرى وقيصر فيما هما فيه ، فجلس مُحمراً وجهه ، فقال : أوفي شك يا ابن الخطاب ؟ ثم قال : أولئك قوم عُجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا .
…وفي رواية مسلم : ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : فاحمد الله عز وجل .
__________
(1) إيلاء : حُلِف .
(2) صبرة : ما جمع من طعام أو غيره .
(3) قرظ : ورق السلم يدبغ به .
(4) أهبة : قربة من جلد .(4/11)
3-…وعن علقمة عن ابن مسعود قال : اضطجع رسول الله على حصير ، فأثر الحصير بجلده ، فجعلت أمسحه وأقول : بأبي أنت وأمي : ألا آذنتنا فنبسط لك شيئاً يقيك منه تنام عليه ؟ قال : (مالي وللدنيا ، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) .
4-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كان لي مثل أُحد ذهباً لسرني أن لا تمر عليّ ثلاث ليالي وعندي منه شئ إلا شيئاً أرصده لدين) .
5-…وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنهما قال ك ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ديناراً ولا درهماً ، ولا عبداً ولا أمة ، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة .
جوع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم :
يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فإذا هو بأبي بكر قاعد وعمر معه خارج بيوتهما .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟
أبو بكر وعمر : الجوع يا رسول الله .
الرسول صلى الله عليه وسلم : وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما .
يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يقوموا فقاموا معه ، فذهبوا إلى بيت رجل من الأنصار اسمه (أبو الهيثم مالك بن التيهان) فلم يجدوه في بيته .
المرأة : (تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه) : مرحباً وأهلاً .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أين فلان (يعني أبا هيثم) .
المرأة : ذهب يستعذب لنا الماء ( يأتي بالماء الحلو) .
يأتي أبو الهيثم فينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، ويلتزم النبي ويفديه بأبيه وأمه .
أبو الهيثم : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني .
ينطلق أبو الهيثم فيأتي بغصن نخيل فيه بُسر وتمر ورُطب .
(أنواع التمر حين ينضج) .
أبو الهيثم : كلوا من هذه :
ينطلق أبو الهيثم ومعه السكين ليذبح لهم شاة :
الرسول صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب (احذر الشاة ذات اللبن) .(4/12)
الرسول صلى الله عليه وسلم يأكلون التمر واللحم ويشربون الماء العذب ، حتى شبعوا ورووا .
الرسول صلى الله عليه وسلم : (لأبي بكر وعمر) والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم .
يستفاد من الحديث :
1-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحابته يشتد به الجوع ، فيخرجون من بيوتهم ، لعلهم يجدون طعاماً ، آخذين بالأسباب .
2-…لا بأس أن يذهب الرجل إلى تناول الطعام في بيت أحد أصحابه ، إذا كان يعلم أن ذلك يسره .
3-…يجوز للرجل سؤال المرأة من وراء حجاب إذا لم يكن وحده .
4-…التنبيه على فضل النعمة ، وشكر خالقها ، وعدم الاشتغال بها عن المنعم ، قال الله تعالى : {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}
عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}
…(أي كنت فقيراً ذا عيال ، فأغناك الله عمن سواه) .
2-…وعن عائشة أنها قالت : إن كنا آل محمد ، ليمر بنا الهلال ، ما نوقد ناراً ، إنما هما الأسودان ، التمر والماء ، إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار ، يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن منائحهم (1) ، فيشر ويسقينا من ذلك اللبن .
3-…وعن أنس قال : ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى رغيفاً مرققاً ، حتى لحق الله ، ولا شاة سميطاً (2) بعينه قط .
4-…وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتلوى من الجوع ، ما يجد ما يملأ من الدقل بطنه .(الدقل : ردئ التمر) .
5-…وعن أنس رضي الله عنه أنه مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بخبز وإهالة سنخة (3) ، ولقد رهن درعه عند يهودي ، فأخذ لأهله شعيراً ، ولقد سمعته ذات يوم يقول : ( ما أمسي عند آل محمد صاع تمر ، ولا صاع حب) .
__________
(1) النوق أو الأغنام .
(2) سميطاً : مشوية .
(3) دهن متغير الرائحة يؤتدم به .(4/13)
6-…كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله ، ولا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم الشعير.
7-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة - ثلاثة أيام تباعاً - من خبر بر ، حتى مضى لسبيله (أي مات) .
8-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أجعل رزق آل محمد قوتاً) (أي ما يسد الجوع) .
بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم :
الحديث الأول : الرسول جالس مع عبدالله بن مسعود :
الرسول صلى الله عليه وسلم : إقرأ عليّ .
ابن مسعود : أقرأ عليك ، وعليك أنزل ؟ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أحب أن أسمعه من غير .
عبدالله بن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى أتى إلى هذه الآية : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} .
الرسول صلى الله عليه وسلم : حسبك الآن .
يلتفت ابن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا عيناه تذرفان (أي تدمعان) .
يستفاد من الحديث :
1-…قول الرسول صلى الله عليه وسلم للقارئ (حسبك الآن) ولم يقل صدق الله العظيم .
2-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب سماع القرآن من غيره .
3-…أن الخشوع عند سماع القرآن يكون بالبكاء لا بالصياح .
الحديث الثاني : يدخل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ولده إبراهيم وهو عند مرضعته ، فيأخذه ويقبله ويشمه ، ثم يدخل الصحابة عليه بعد ذلك فيجدون إبراهيم يجود بنفسه (أي يموت) فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان (تدمعان) .
عبدالرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله (تبكي) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : إنها رحمة ... إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
يستفاد من الحديث :
1-…جواز البكاء على المبيت بدون صراخ ولا نواح .(4/14)
2-…جواز الحزن على الميت ، مع تجنب الكلام الذي يدل على السخط والغضب ، والرضا بالقدر والتسليم .
3-…البكاء رحمة .
4-…الصبر والاحتساب .
رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال صلى الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام ، فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتزياً بي) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي) .
يستفاد من هذه الأحاديث :
1-…أن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ممكنة على الوجه الذي ورد في شمائله . من طوله ، ولونه ، وهيبته ، ولحيته ، وغير ذلك .
2-…لقد ذكر المناوي في تفسير هذه الأحاديث أن الرؤيا الصحيحة ، أن يراه بصورته الثابتة بالنقل الصحيح ، فإن رآه بغيرها كطويل أو قصير ، أو شديد السمرة ، لم يكن رآه .
3-…وذكر المناوي أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : فسيراني في اليقظة رؤية خاصة بصفة القرب والشفاعة (يوم القيامة) .
4-…يدعى بعض الصوفية أنهم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم : في الدنيا يقظة ، استناداً للحديث الثالث ، ورد عليهم ابن حجر بقوله : ( يلزم عليه أن هؤلاء صحابة ، وبقاء الصحبة إلى يوم القيامة) وهذا لا يقوله مسلم .
5-…قرأت في أحد كتب الصوفية قوله : قال أبو المواهب الشاذلي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ....إلى آخر الحديث المكذوب) وسألت المؤلف عن هذا الشخص هل هو صحابي ؟ قال : لا ، بل بينه وبين أبي الحسن الشاذلي خمسة مشايخ وقد رأى الرسول يقظة ، قلت له : الصحابة لم يروا الرسول يقظة بعد موته ، فلم يقتنع ، فقلت في نفسي : هذا من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حذر منه بقوله : (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) .(4/15)
6-…سئل شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن رجل زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، يأمر بشئ ، فقال : يكره ، بل يحرم ، ونص العلماء على أن الرؤيا لا يؤخذ منها أحكام .
7-…يدعي بعض الصوفية كابن عربي أنهم يأخذون علوم الشريعة من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة مخالفين قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} .
8-…إن أكبر رد على من يدعي رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته قوله تعالى : {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة ، عذبها ونبيها حي ، فأهلكها وهو ينظر ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه ، وعصوا أمره) - فرطاً وسلفاً : أجراً متقدماً - .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خير عبداً بين الدنيا ، وبين ما عند الله ، فاختار ذلك العبد ما عند الله) فبكى أبو بكر .
4-…وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كشف الستارة يوم الاثنين فنظرت إلى وجهه ، كأنه ورقة مصحف ، والناس خلف أبي بكر ، فكاد الناس أن يضطربوا ، فأشار إلى الناس أن أثبتوا ، وأبو بكر يؤمهم ، وألقى السجف (الستر) وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من آخر ذلك اليوم .
5-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قبضه الله ، وإن رأسه لبين نحري وسحري (أرادت أنه مات في حضنها) .(4/16)
6-…وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من كرب الموت ما وجد ، قالت فاطمة رضي الله عنها : واكرباه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك مه أحداً (1) الموافاة يوم القيامة (2) .
7-…وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه ، وبالمدينة عشراً ، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين) .
8-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبوبكر بالسنح (يعني بالعالية بالمدينة) فقام عمر يقول : والله ما مات رسول الله ,, فجاء أبو بكر ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبله ، وقال : بأبي أنت ، طبت حياً وميتاً ، والذي نفسي بيده ، لا يذيقنك الله الموتتين أبداً (3) ، ثم خرج أبو بكر ، فقال : أيها الحالف على رسلك (أي لا تعجل يا عمر) فلما تكلم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمداً ، فإن محمد قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وقال : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } ، وقال تعالى : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} .
…قال : فنشج الناس (بكى الناس) .
9-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح : ( إنه لم يُقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ، ثم يخير بين الدنيا والآخرة) .
__________
(1) أي نزل بأبيك الموت ، فهو أمر عام لكل واحد ، والمصيبة إذا ع مت هانت .
(2) أي الملاقاة حاصلة يوم القيامة .
(3) أشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا وفي النهاية سيموت .(4/17)
…قالت عائشة رضي الله عنها : لما نزل به – ورأسه على فخذي – غُشي عليه ، ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ، ثم قال : (اللهم الرفيق الأعلى) ، قلت : إذاً لا يختارنا ، قالت : وعرفت أنه الحديث الذي كان يُحدثنا به وهو صحيح .
10-…والمعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، توفى يوم الاثنين سنة 11 هجرية بعد أن بلّغ رسالته ، وأكمل الله به الدين .
من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
2-…وقال الله تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
3-…كان صلى الله عليه وسلم ، خلقه القرآن .
4-…كان أبغض الخلق إليه الكذب .
5-…لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ، ولا لعاناً وكان يقول : (عن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) .
6-…وعن أنس قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً ، وكان يقول عند المعتبة : (المعاتبة) ماله ترب جبينه ، ( ترب جبينه : كلمة تقال عند التعجب).
7-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس وجهاً ، وأحسنهم خُلقاً .
8-…وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أدع على المشركين ، قال : (إني لم أُبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة) .
9-…كان يتفاءل ولا يتطير (يتشاءم) ، ويُعجبه الاسم الحسن .
10-…عن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله يُقبل بوجهه وحديثه عليّ ، حتى ظننت إني خير القوم .
…عمر بن العاص : يا رسول الله ، أنا خير ، أو أبو بكر ؟ .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أبو بكر .
…عمرو بن العاص : يا رسول الله أنا خير أو عمر ؟ .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : عمر .(4/18)
…عمر بن العاص : يا رسول الله أنا خير أو عثمان ؟ .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : عثمان .
…عمر بن العاص : فلما سألت رسول الله صدقني ، فلوددت أني لم أكن أسأله .
11-…وعن عطاء بن يسار قال : لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة والعوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعيناً عُمياً , وآذاناً صُماً ، وقلوباً غُلفاً) .
12-…وعن عائشة رضي الله عنه قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط ، إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لنفسه في شئ قط إلا أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم بها .
13-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شئ قط ، فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شئ من محارم الله فينتقم لله .
14-…وكان صلى الله عليه وسلم ، إذا أتاه السائل ، أو صاحب الحاجة قال ك ( اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء) .(4/19)
15-…وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان ، وهم يلعبون في السوق ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقفاي من ورائي ، فنظرت إليه وهو يضحك .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : يا أنيس ذهبت حيث أمرتك ؟ .
…أنس بن مالك : أنا أذهب يا رسول الله .
…قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشئ صنعته : لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب عليّ شيئاً قط ، والله ما قال لي أفّ قط .
16-…أسر الصحابة سيداً اسمه "ثمامة" وربطوه بسارية المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي يا محمد خير ، ان تقتل تقتل ذا دم ، وإن تُنعم تُنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أطلقوا ثمامة) ، فانطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحسن الوجوه كلها إليّ ، وما كان من دين أبغض إليّ من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ ، ولما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟
…قال : لا ولكن أسلمت .
أحاديث في الأخلاق :
1-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً).
2-…(إن من أحبكم اليّ أحسنكم أخلاقاً) .
3-…(أكمل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم)
4-…(إن لكل دين خلقاً ، وإن خلق الإسلام الحياء) .
5-…(إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) .
6-…(إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ، وألطفهم بأهله) .(4/20)
7-…(ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذئ) .
8-…( إن من أحبكم اليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم اليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون ، والمتشدقون والمتفيهقون ، قالوا : يا رسول الله ما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون . (الثرثارون : المكثرون من الكلام تكلفاً) ، (المتشدقون : المتكلمون تفاصحاً وتعظيماً لنطقهم) .
9-…(البرُ حُسن الخُلق) .
10-…(اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن) .
11-…(إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) .
12-…(ألا أخبركم بمن يحرم على النار ، أو بمن تحرم عليه النار ؟ على كل قريب سهل لين)
13-…(أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) .
14-…(أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، الموطئون أكنافاً ، الذين يألفون ، ويؤلفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) .
15-…سُئل صلى الله عليه وسلم ، عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال : (تقوى الله وحُسن الخلق) .
16-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم) .
17-…(المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وان أنيخ على صخرة استناخ).
18-…(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) .
19-…(ألا أنبئكم بخياركم ؟ قالوا : بلى ، قال : خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أخلاقاً) .
20-…(أربع إذا كن فيك ، فلا عليك ما فاتك من الدنيا ، صدق الحديث ، وحفظ الأمانة ، وحسن الخلق ، وعفة مطعم) .
21-…(إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ، ولكن بعثني مُعلماً وميسراً) .
(المعنت : من يشق على الناس ، المتعنت : طالب المشقة) .
22-…(أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحقاً ، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) .(4/21)
…(ربض : أسفل ، المراء : الجدال) .
من دعاء الرسول في الأخلاق :
1-…(اللهم أهدني لأحسن الأعمال ، وأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنا إلا أنت ، وقني سيئ الأعمال ، وسيئ الأخلاق ، لا يقي سيئها إلا أنت ) .
2-…(اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء) .
3-…(اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا) .
4-…(اللهم إنما أنا بشر ، فأي المسلمين سببته أو لعنته ، فأجعلها له زكاة وأجراً) .
5-…(اللهم من ولى من أمر أمتي شيئاً ، فشق عليهم ، فاشقق عليه ، ومن ولى من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم ، فارفق له) .
6-…(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) .
7-…(اللهم كما حسنت خَلقي فأحسن خُلقي) .
العفو عند الخصام :
1-…عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلاً شتم أبا بكر ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يتعجب ويبتسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام فلحقه أبوب بكر :
…أبو بكر : يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : كان معك ملك يرد عليه ، فلما رددت عليه وقع الشيطان (أي حضر) ، يا أبا بكر : ثلاث كلهن حق :
…ما من عبد ظُلم بمظلمة ، فيغضي (1) عنها الله عز وجل ، إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجب باب عطية (2) يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجب باب مسألة (3) يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : (المستبان ما قالا ، فعل البادئ ما لم يعتد المظلوم) .
…دل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية أو السب بمثله ، وأن إثم ذلك عائد على البادئ ، لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب ، إلا أن يعتدي المجيب في أذيته بالكلام،فيختص به إثم عدوانه ، لأنه إنما أذن في مثل ما عوقب به .
__________
(1) يعفو عنها .
(2) أي باب صدقة يعطيها لغيره .
(3) أي يسأل الناس المال .(4/22)
…قال تعالى : {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} .
…وعدم المجازاة والصبر والاحتمال أفضل ، كما مر في حديث أبي هريرة الأول .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) .
…ومعناه أن الله يبغض من كان شديد المراء الذي يحج صاحبه ، وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك ، لإظهار خلل فيه ، لغير غرض سوى تحقير قائله ، وإظهار مزيتك عليه .
من تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
2-…عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس خُلقاً ، وكان لي أخ يقال له : أبو عمير ، وهو فطيم ، كان إذا جاءنا ، قال : يا أبا عمير ، ما فعل النغير؟ النغير كان يعلب به (طائر يشبه العصفور) .
3-…وعن الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله قال : سألت عائشة رضي الله عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : يكون في مهنة (1) أهله ، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة .
4-…وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن كانت الأمة (2) لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنطلق به حيث شاءت .
5-…وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ، لما يعلمون من كراهيته لذلك .
6-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبدالله ورسوله) .
…(الإطراء : الزيادة في المدح) .
7-…كان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم ، ويمسح رؤوسهم .
8-…كان لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه ، وسكت .
__________
(1) حوائج أهله وخدمتهم .
(2) الجارية يذهب معها الرسول صلى الله عليه وسلم ليقضي لها حاجتها .(4/23)
9-…كان يأتي ضعفاء المسلمين ، ويزورهم ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم .
10-…كان يتخلف في المسير ، فيُزجى الضعيف ، ويُردف ويدعو لهم .
…(يزجي : يسوق الضعيف ليلحق بأهله ، يُردف : يُركب خلفه) .
11-…كان يكثر الذكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، وكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمضي مع الأرملة والمسكين ، والعبد ، حتى يقضي له حاجته .
…( لا يأنف : لا يمتنع) .
12-…كان يجلس على الأرض ، ويأكل على الأرض ، ويعقل الشاة .
13-…كان لا يدفع عنه الناس ولا يضربوا عنه .
14-…كان لا يرد الطيب .
15-…كان يلاعب زينب بنت أم سلمة ، ويقول : ( يا زوينب ، يا زوينب مراراً) .
16-…عن جابر رضي الله عنه قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر يمشيان .
17-…وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم .
18-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ، وقالت : كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ويخدم نفسه .
19-…وعن أنس قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأنا ابن ثمان سنين فما لامني على شئ قط أتي فيه (أي أهلك وأتلف) فإن لامني لائم من أهله قال : "دعوه ، فإنه لو قُضي شئ كان" .
أحاديث في التواضع :
1-…قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو دُعيت إلى كراع ، أو ذراع لأجبت ، ولو أهدي اليّ ذراع أو كراع لقبلت) .(4/24)
4-…وعن أنس رضي الله عنه قال : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم : (العضباء) لا تسبق ، أو لا تكاد تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له (جمل) فسبقها ، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه .
5-…وقال صلى الله صلى الله عليه وسلم : (ما بعث الله نبياً إلا رعي الغنم ، قال أصحابه : وأنت ؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) .
6-…وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسل كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث وقال : (إذا سقطت لُقمة أحدكم فليأخذها ، وليمط عنها الأذى ، وليأكلها ، ولا يدعها للشيطان ، وأمرنا أن نسلت القصعة ، وقال : إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة ) .
عاقبة المتكبرين :
1-…قال الله تعالى : {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} .
2-…وقال تعالى : {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : ( العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني شيئاً منهما عذبته) .
…المعنى : شُبه العز والكبرياء بالإزار والرداء ، لأن المتصف بهما يشملانه ، كما يشمل الإنسان الإزار والرداء ، وأنه لا يشاركه في إزاره وردائه أحد ، فكذلك الله عز وجل : العز والكبرياء إزاره ورداؤه ، فلا ينبغي أن يشركه فيهما أحد ، فضربه مثلاً لذلك ، ولله المثل الأعلى .(4/25)
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر : بطر الحق ، وغمط الناس) .
…(بطر الحق : رده تكبراً وتجبراً ، غمط الناس : احتقارهم) .
…وفي رواية : ( لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبر) .
معنى الحديث :
1-…ذكر الإمام النووي في شرح صحيح مسلم هذا الحديث : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) أي لا يدخلها مع المتقين أولاً ، حتى ينظر الله فيه ، فإما أن يجازيه ، وإما أن يعفو عنه) .
2-…وقوله : ( لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ) يعني به دخول تخليد وتأبيد .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان ، يساقون إلى سجن جهنم يقال له : (بولس) تعلوهم نار الأنيار ، يسقون عصارة أهل النار طينة الخبال) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية ، وفخرها بالآباء ، مؤمن تقي ، وفاجر شقي ، الناس بنو آدم ، وآدم خلق من تراب) عبية الجاهلية : كبرها) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( بينما رجل يمشي في حالة تعجبه نفسه ، مرجل رأسه ، يختال في مشيته ، إذا خسف الله به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) مرجل : أي مسرح ، يتجلجل : يغوص في الأرض .(4/26)
من حلم النبي صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .
2-…عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه بُرد نجراني غلظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجذبه بردائه جبذة شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أثرت بها حاشية البُرد من شدة جبذته ، قال ، يا محمد ، مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء .
3-…وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبدالقيس (إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة) .
4-…نزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه ، ثم نام ، فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا اخترط سيقي ، فقال : من يمنعك ؟ قلت : الله ، فشام السيف ، فها هو ذا جالس ، ثم لم يعاقبه . (واللفظ للبخاري مختصراً - اخترط سيفي : سله من غمده ، فشام السيف : أعاده لغمده) .
الغضب وعلاجه :
1-…قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} .
2-…وقال الله تعالى : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
3-…وعن عائشة قالت : ( ...... وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم لله بها) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : (من كظم غيظاً وهو يقدر أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، حتى يخبره في أي الحور شاء) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصُرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عن الغضب) .
5-…جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني ولا تكثر عليّ ، لعلي أحفظ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تغضب .(4/27)
6-…وعن سليمان بن صُرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً ، قد احمر وجهه .
…النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" .
…الصحابة للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم .
…الرجل الغاضب : إني لست بمجنون .
7-…وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} .
…قال : الصبر عند الغضب ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا عصمهم الله ، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم .
8-…وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا غضب أحدكم وهو قائم ، فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب ، وإلا فليضطجع) .
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…عن عبدالله بن مسعود قال : كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفاً ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سفر فقل الماء :
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أطلبوا إلى فضله من ماء . (الصحابة يجيئون بإناء فيه ماء قليل ، فيدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده في الإناء) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله .
…ابن مسعود : لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .
2-…وعن عمران بن حصين قال : سرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سفر هو وأصحابه ، فأصابهم عطش شديد ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ، رجلين من أصحابه : أحسبهما علياً والزبير ، أو غيرهما :
…الرسول صلى الله عليه وسلم : إنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا ، ومعها بعير عليه مزادتان ، فأتياني بها :-
…الصحابيان يأتيان المرأة فيجدانها قد ركبت بين مُزادتين على البعير (مزادتان : قربتان من جلد) .(4/28)
…الصحابيان للمرأة : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
…المرأة تسأل : ومن رسول الله ؟ هذا الصابئ . (أي التارك لدين آبائه) .
…الصحابيان : هو الذي تعنين ، هو رسول الله حقاً .
…تأتي المرأة إلى الرسول ، فيأمر أن يؤخذ من مُزادتبها ، ويوضع في الإناء ، ثم يقول في الماء ما شاء الله أن يقول ، ثم أعاد الماء في المزادتين ، ثم أمر بفتح المزادتين ففتحتا ، ثم أمر الناس فملؤوا آنيتهم ، وأسقيتهم ، فلم يدعوا (يتركوا) إناء ولا سقاء إلا ملؤوه .
…قال عمران : حتى يُخيل اليّ أنها لم تزدد إلا امتلاء .
…يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم : أن يبسط ثوب المرأة ، ثم أمر الصحابة أن يحضروا شيئاً من زادهم ، حتى ملأ لها ثوبها .
…الرسول صلى الله عليه وسلم (للمرأة) : اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئاً ، ولكن الله سقانا .
…تأخذ المرأة الزاد والمزادتين وتأتي أهلها :
…المرأة لأهلها : جئتكم من عند أسحر الناس ، أو إنه لرسول الله حقاً .
…يأتي أهل ذلك الحواء (الحي) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيسلموا كلهم .
يستفاد من هذه المعجزة :
1-…قد يُطلع الله رسوله على بعض المغيبات عندما يريد ، ولذلك أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أصحابه عن مكان المرأة التي تحمل الماء .
2-…يلفت الرسول صلى الله عليه وسلم نظر الصحابة إلى أن الماء المبارك الذي ينبع من بين أصابعه إنما بركته من الله وحده الذي خلق هذه المعجزة ، وهذا حرس من الرسول صلى الله عليه و سلم ، على توجيه أمته إلى التوحيد ، وتعلقهم بالله وحده ولذلك قال : "البركة من الله" .(4/29)
3-…كان المشركون يقولون لمن أسلم (صابئ) (أي تارك دين آبائه الذين يدعون الأولياء من دون الله) ليصرفوا الناس عنه ويذمونه ، وفي عصرنا من دعا إلى التوحيد ، وأمر بدعاء الله وحده ، وحذر من دعاء غير الله من الأنبياء والأولياء ، حسب أمر الله ورسوله قال الناس عنه (وهابي) ليصرفوا الناس عن دعوته ، لأنه في نظرهم كالصابئ في نظر المشركين ، وشاء الله أن تكون كلمة (وهابي) نسبة إلى (الوهاب) وهو اسم من أسماء الله الذي وهب له التوحيد .
4-…المكافأة على الإحسان : أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن تكافأ المرأة التي أعطتهم قليلاً من الماء ، فملأ ثوبها زاداً بعد أن أعاد لها الماء ، ولم ينقص منه شئ ، وقال لها : ( ولكن الله سقانا) .
5-…لقد تأثرت المرأة بهذه المعجزة والمعاملة الطيبة التي لقيتها من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، فعادت إلى قومها تقول لهم : إنه لرسول الله حقاً ، وتكون النتيجة أن يُسلم أهلها ومن معهم جميعاً .
6-…بهذا الحرص على التوحيد ، وبهذه الأخلاق الحسنة ، نصر الله المسلمين ، وانتشر الاسم في المعمورة ، ويوم ترك المسلمون التوحيد والأخلاق الفاضلة أصابهم الذل والهوان ، ولا عز لهم إلا بالرجوع إلى التوحيد والأخلاق .
…{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .
7-…ترجيح المرأة الرسالة على السحر لأن السحرة يأخذون المال والرسول صلى الله عليه وسلم ، أعطاها الزاد .
من صبر النبي صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} .
2-…حديث متفق عليه :
عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟(4/30)
الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبدالليل بن عبدكلال ، فلم يجبن إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب (1) ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت ، فإذا فيها جبريل .
جبريل (ينادي) : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم .
ملك الجبال : (يسلم على الرسول ويقول) : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً .
3-…حديث متفق عليه :
…وعن ابن مسعود قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قسماً
…رجل يقول : ما أريد بهذا وجه الله .
…ابن مسعود يذكر كلام الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم : فيتمعر وجهه (أي يتغير)
…الرسول صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى ، قد أوذي بما هو أشد من هذا فصبر.
4-…حديث رواه مسلم :
…الرسول صلى الله عليه وسلم : في غزوة أحد تكسر رباعيته ، ويشج رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول :
…الرسول صلى الله عليه وسلم : كيف يُفلح قوم شجوا نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى الله ؟
…القرآن ينزل : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} .
__________
(1) جبل بين الطائف ومكة .(4/31)
5-…عن خباب بن الأرث قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعوا لنا ؟ فقال : (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه .
…والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون .
من رفق الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
الحديث الأول : عن انس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد .
أصحاب الرسول : ( يصيحون به) مه مه (أي أترك) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تزرموه دعوه ( لا تقطعوا بوله) .
…يترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعو الرسول الأعرابي .
…الرسول للأعرابي : إن المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول والقذر ، إنما هي لذكر الله ، والصلاة ، وقراءة القرآن .
…الرسول (لأصحابه) : إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين ، صبوا عليه دلواً من الماء .
…الأعرابي : اللهم أرحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد تحجرت واسعاً ( أي ضيقت واسعاً) .
…الحديث الثاني : وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا عطس رجل من القوم (أي المصلين)
…معاوية (للعاطس) : يرحمك الله .
…المصلون : ينظرون لي منكرين .
…معاوية يخاطبهم : وأثكل أماه ، ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ .
…المصلون يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت فسكت عندما رآهم يصمتونه حتى انتهت الصلاة .(4/32)
…معاوية يمدح الرسول : بأي هو وأمي : ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فوالله ما كهرني ، ولا ضربني ، ولا شتمني (كهرني : قهرني) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير ، وقراءة القرآن .
معاوية : يا رسول الله ، إني حديث عهد بجاهلية ، وقد جاء الله بالإسلام ، وإن منا رجالاً يأتون الكهان (الذي يدعون علم الغيب) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : فلا تأتهم .
معاوية : ومنا رجال يتطيرون (يتشاءمون) .…
الرسول صلى الله عليه وسلم : ذاك شئ يجدونه في صدورهم ، فلا يصدنهم (أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم ، فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً) .
…الحديث الثالث : وعن عائشة قالت : إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم :
…اليهود : السام عليكم (الموت عليك) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : وعليكم .
…عائشة : السام عليكم ، ولعنكم الله وغضب عليكم .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة ، عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش .
…عائشة : أو لم تسمع ما قالوا ؟
…الرسول : أو لم تسمعي ما قلت : رددت عليهم فيستجاب لي ، ولا يستجاب لهم فيّ .
…وفي رواية لسلم : ( لاتكوني فاحشة ، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش)
أحاديث الرفق :
1-…قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم ، لعائشة : (عليكم بالرفق ، وإياك والعنف ، والفحش ، إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه ، ولا ينزع من شئ إلا شانه) (أي عابه) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : (يا عائشة إرفقي ، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من يُحرم الرفق ، يُحرم الخير كله) .(4/33)
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أعطى حظه من الرفق ، فقد أُعطي حظه من الخير ، ومن حُرم حظه من الرفق ، فقد حُرم حظه من الخير) .
6-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره ، قال : بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : إني لأدخل في الصلاة ، وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه (أتجوز : لا أطيل ، وجد أمه : حزن أمه) .
من شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} .
2-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن الناس وجهاً ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق ناس من قِبل الصوت ، فلتقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، راجعاً ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وفي رواية : وقد استبرأ الخبر وهو على فرس عُري لأبي طلحة ، في عنقه السيف ، وهو يقول ك لن تراعوا ، قال : وجدناه بحراً ، أو إنه لبحر ، قال : وكان فرساً يُبطأ . (وجدناه بحراً : وجدنا الفرس سريعاً) .
3-…جاء رجل إلى البراء ، فقال : أكتم وليتم يوم حنين ، يا أبا عمارة ؟ فقال : أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ، ولكنه انطلق أخفاء من الناس ، وحسر إلى هذا الحي من هوازن ، وهم قوم رماة ، فرموهم برشق من نبل ، كأنها رجل من جراد ، فانكشفوا ، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته ، فنزل ودعا واستنصر ، وهو يقول : (أنا النبي لا أكذب ، أنا ابن عبدالمطلب ، اللهم أنزل نصرك) .
4-…قال البراء : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يُحاذي به (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) .(4/34)
5-…وعن علي رضي الله عنه قال : لقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ (أي نحتمي) بالنبي عليه السلام ، وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً .
6-…وعن جابر رضي الله عنه قال : إنا كنا نحفر ، فعرضت كدي شديدة (صخرة قوية) فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
…الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم : هذه كُدية عرضت لنا .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أنا نازل .
…يقوم الرسول وبطنه معصوب بحجر من الجوع فيأخذ المعول فيضرب الصخرة ، فتعود كثيباً أهيل (تراباً ناعماً) .
محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل في التاريخ :
لقد شهد العالم بهذه العظمة ومنه العالِم الأمريكي الدكتور (مايكل هارت) في كتابه (مائة رجل من التاريخ ) والذي ترجم منه الأستاذ (أحمد بهاء الدين) ونشره في (مجلة العربي) في عددها رقم (241) ، أخذنا منه ما قاله في عظمة هذا الرسول الكريم .
(إن اختياري محمداً ، ليكون الأول في أهم رجال التاريخ ، قد يدهش القراء ، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين : الديني والدنيوي .(4/35)
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة ، ولكنهم ماتوا دون إتمامها ، كالمسيح في المسيحية (1) أو شاركهم فيها غيرهم ، أو سبقهم إليهم سواهم ، كموسى في اليهودية ، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية ، وتحددت أحكامها ، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته ، ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة ، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً ، وحّد القبائل في شعب ، والشعوب في أمة ، ووضع لها كل أسس حياتها ، ورسم أمور دنياها ، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم ، أيضاً في حياته ،، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية ، وأتمها .
الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين :
قال الله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ، وأصح القولين أنه على عمومه ، وفيه على هذا التقدير وجهان :
أحدهما : أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته :
1-…أما اتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة .
2-…وأما أعداؤه المحاربون له ، فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم ، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر .
3-…وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته ، وهم أقل شراً بذلك العهد من المحاربين له .
4-…وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم ، واحترامها ، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها .
5-…وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته .
__________
(1) كلمة (المسيحية) جرى استعمالها حتى بين المسلمين ، وهي من الأخطاء الشائعة ، لأن (المسيحية) نسبة للمسيح عليه السلام ، والمسيح برئ منهم لأنهم يعتقدون صلْبه وأنه ابن الله ، والأصح أن نقول عنهم (نصارى) كما سمّاهم القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم .(4/36)
الوجه الثاني : أنه رحمة لكل أحد ، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة ، فانتفعوا بها دنيا وأخرى ، والكفار ردوها ، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم ، لكن لم يقبلوها .
الرحمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالرحمة) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا رحمة مهداة) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : (الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى : أرحموا من في الأرض ، يرحمكم من في السماء) . "أي على السماء وهو الله" .
7-…وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : (من لا يرحم لا يُرحم) .
8-…وعن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تقبلوا الصبيان ، ولا نُقبلهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك) .
9-…كان صلى الله عليه وسلم ، رحيماً ، لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده .
10-…وعن أنس بن مالك قال : ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالحيوان :
1-…وعن سهيل بن الحنظلية قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببعير قد لحق ظهره ببطنه ، فقال : (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فأركبوها صالحة ، وكلوها صالحة) . "المعجمة : التي لا تنطق" .(4/37)
2-…وعن عبدالله ، عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فانطلق لحاجته ، فرأينا (حُمرة) معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة ، فجعلت تُعرش ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ، ورأى قرية نمل قد أحرقناها ، فقال : من أحرق هذه ؟ قلنا : نحن ، قال : لا ينبغي أن يُذب بالنار إلا رب النار.
…(الحمرة : طائر يشبه العصفور) ، ( تُعرش : ترفرف) .
3-…كان صلى الله عليه وسلم ، يُصغي للهرة الإناء ، فتشرب ثم يتوضأ ، بفضلها ، (يصغي ، يميل) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته) .
5-…وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته ، وهي تلحظ إليه ببصرها ، فقال : أتريد أن تميتها موتتين ؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ (تلحظ : تنظر) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل خشاش الأرض) . " خشاش الأرض : حشراتها " .(4/38)
من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} .
2-…وقال تعالى : {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} .
3-…وعن عائشة قالت : إن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
…أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب ، ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .
…ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها ، قالت عائشة : فحسنت توبتها بعد وتزوجت ، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحياء عند الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} .
2-…كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ) و (الحياء خير كله) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار) . " البذاء : الفحش" .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : (الحياء والإيمان قرنا جميعاً ، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : (الحياء لا يأتي إلا بخير) .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : (الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق) .
…(والمعنى أن الحياء وقلة الكلام من شعب الإيمان ، والفحش والتشدق في الكلام من شعب النفاق) .
8-…وعن يعلى بن أمية قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى رجلاً يغتسل بالبراز (أي بالفضاء) فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (إن الله حي ستير ، يحب الحياء والتستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) .(4/39)
9-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل دين خلقاً وإن خلق الإسلام الحياء) .
10-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت) .
11-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان) .
12-…وعن سالم بن عبدالله عن أبيه قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، برجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول : إنه ليستحي يعني كأنه يقول : قد أضر بك الحياء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه فإن الحياء من الإيمان .
13-…وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الفحش في شئ إلا شانه ، ولا كان الحياء في شئ إلا زانه) "شانه : عابه" .
من آداب الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول : (السلام عليكم ، السلام عليكم) .
2-…كان إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال : (بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا) .
3-…كان يقبل الهدية ويُثيب عليها .
4-…كان يُغير الاسم القبيح .
5-…كان إذا دخل على مريض يعوده قال : ( لا بأس طهور إن شاء الله) .
6-…كان إذا شرب تنفس ثلاثاً ، (خارج الإناء) .
7-…كان إذا مشى مشى أصحابه أمامه ، وتركوا ظهره للملائكة .
8-…كان لا يصافح النساء في البيعة . (ولا في غيرها) .
9-…كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه ، وشماله لما سوى ذلك .
10-…كان إذا طلع على أحد من أهل بيته كذبة ، لم يزل مُعرضاً عنه ، حتى يحدث توبة.(4/40)
11-…وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : ائذنوا له ، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام ، فقلت له يا رسول الله ، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول ، فقال : (إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه) .
…(وقد اعتبر العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه وهو غائب ، وإلانته له القول وهو حاضر ، من باب المداراة والتأليف ليُسلم قومه) .
من جود النبي صلى الله عليه وسلم :
1-…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان ، حتى ينسلخ ، فيأتيه جبريل ، فيعرض عليه القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة .
2-…عن أنس رضي الله عنه قال : ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، قال : فجاءه رجل فأعطه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم : أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة .
3-…وعن أنس : أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين فأعطاه إياه ، فأتى قومه فقال : أي قوم أسلموا فوالله إن محمداً ليُعطي عطاء ما يخاف الفقر ، فقال أنس : إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يُسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها .
4-…وعن شهاب قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح : فتح مكة ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين ، فاقتتلوا بحنين ، فنصر الله دينه والمسلمين ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يومئذٍ صفوان بن أمية مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة (النعم :الإبل) .(4/41)
…قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال : والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس اليّ ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس اليّ .
5-…لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه ، فألجؤوه إلى شجرة ، فخطفت رداؤه ، وهو على راحلته ، فقال : (ردوا عليّ ردائي ، أتخشون عليّ البخل ؟ فوالله لو كان لي عدد هذه العضاة نعماً لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً) .
6-…بايع الرسول صلى الله عليه وسلم جابر بن عبدالله في جمل له كان قد كلّ في السفر ، فباعه إياه بكذا درهم ، ولما جاء يتقاضاه الثمن أعطاه الثمن والجمل معاً .
من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…كان إذا أتاه الأمر يسره قال : (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) وإذا أتاه الأمر يكرهه قال : ( الحمد لله على كل حال) .
2-…كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ، ومسح عنه بيده .
3-…كان إذا جاءه أمر يسر به ، خرّ ساجداً ، شكراً لله .
4-…كان إذا خاف قوماً قال : ( اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم) .
5-…كان إذا راعه شئ قال : (الله ربي ، الله ربي ، لا شريك له) .
6-…كان إذ كربه أمر قال : ( يا حي يا قيوم ، برحمتك استغيث) .
7-…كان يتعوذ من الجان ، وعين الإنسان ، حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما .
8-…كان يتعوذ من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء .
9-…كان يخطب بـ (قاف) يوم الجمعة (أي يقرأ سورة "ق") .
10-…كان إذا غزا قال : (اللهم أنت عضدي ، وأنت نصيري ، بك أحول ، وبك أصول ، وبك أقاتل) .
11-…كان لا يقوم من مجلسه إلا قال : ( سبحانك اللهم ربي وبحمدك ، لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك) ، وقال : ( لا يقولن أحد حيث يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس) .(4/42)
12-…كان ينهانا عن كثير من الإرفاء . (أي التنعيم) .
…كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يأمرنا أن نحتفي أحياناً ،
(نحتفي : نمشي حفاة) .
13-…كان أكثر دعوة يدعو بها يقول : ( اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .
من مزاح الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…عن أنس قال : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ، ليخالطنا ، حتى يقول لأخ لي صغير (يا أبا عُمير ما فعل النُغير) ، كان له نُغير يلعب فمات . (النُغير : طائر يشبه العصفور ، أحمر المنقار) .
2-…وعن أبي هريرة قال : يا رسول الله ، إنك تداعبنا ، قال : ( أني لا أقول إلا حقاً) (صدقاً) .
3-…وعن أنس أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( إني حاملك على ولد ناقة) فاق : وما أصنع بولد ناقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وهل تلد الإبل إلا النوق) . (استحمل : أي طلب منه أن يحمله على دابة) .
4-…وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يا ذا الأذنين) .
5-…وعن أنس أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية ، فيُجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن زاهراً باديتنا ، ونحن حاضروه) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ، وكان دميماً ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، يوماً وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلاله ولا يُبصره .
…زاهر بن حرام : أرسلني من هذا ؟ .
…يلتفت زاهر فيرى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجعل يُلزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم ، حين عرفه .
…النبي صلى الله عليه وسلم للناس : من يشتري العبد ؟ .
…زاهر بن حرام للرسول : إذاً والله تجدني كاسداً .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : لكن عند الله لست بكاسد ، أو قال : لكن عند الله أنت غال .(4/43)
المزاح : بكسر الميم الانبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير له ، والمزاح المنهى عنه هو الذي فيه كذب أو إفراط ، ويداوم عليه ، فإنه يورث كثرة الضحك وقسوة القلب ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار .
الشعر الذي تمثل به الرسول صلى الله عليه وسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} .
2-…عن شريح قال : قلت لعائشة : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتمثل بشئ من الشعر ؟ قالت : كان يتمثل من شعر ابن رواحة ، قالت : وربما قال : ويأتيك بالأخبار من لم تزود . (هذا الشعر لطرفة من معلقته) .
3-…وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد : ألا كلُ شئ ما خلا الله باطل .
…وكاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم
…قال ذلك الرسول عندما سمع شعره
4-…وعن جندب بن سفيان البجلي قال : أصاب حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدميت فقال :
…هل أنت إلا أصبع دميت …وفي سبيل الله ما لقيت
…(هذا الشعر لابن رواحة) .
5-…عن البراء بن عازب قال : قال له رجل أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يا أبا عمارة ؟ فقال : لا والله ما ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن ولى سرعانُ الناس ، تلقتهم هوازن بالنبل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، على بغلته ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب آخذ بلجامها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
…أنا النبي لا أكذب ، أنا ابن عبدالمطلب
6-…وعن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبرّ بطنه يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا ... ** ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... ** ... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بقوا علينا ... ** ... إذا أرادوا فتنة أبينا
يرفع بها صوته : (أبينا ، أبينا) .(4/44)
7-…وعن أنس قال : جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق ، وينقلون الترب وهم يقولون .
نحن الذين بايعوا محمداً ... ** ... على الجهاد ما بقينا أبدا
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يجيبهم :
اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرة ... ** ... فأغفر للأنصار والمهاجرة
حسان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم :
أغرّ (1) عليه للنبوة خاتم ... ** ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النبي إلى إسمه ... ** ... إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ... ** ... فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة ... ** ... من الرسول والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً ... ** ... يلوك كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا ناراً وبشر جنة ... ** ... وعلمنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي ... ** ... لذلك ما عمرت في الناس أشهد
تعاليت رب الناس عن قول من دعا ... ** ... سواك إلهاً أنت أعلى وأمجد
لك الخلق والنعماء والأمر كله ... ** ... فإياك نستهدي وإياك نعبد
*********
بطيبة رسم للرسول ومعهد ... ** ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
عرفت بها رسم الرسول وعهده ... ** ... وقبراً به وأرى التراب وملحد
*********
أعني الرسول فإن الله فضله ... ** ... على البرية بالتقوى والجود
فينا الرسول وفينا الحق نتبعه ... ** ... حتى الممات ونصر غير محدود
لباس الرجل المسلم :
1-…قال الله تعالى : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} .
…(أغسلها بالماء ، وطهر نفسك من الذنوب والمعاصي) .
2-…عن أم سلمة قالت : كان أحب الثياب إلى رسول ا لله صلى الله عليه وسلم ، القميص
…(القميص : ثوب طويل إلى نصف ساقيه) .
3-…وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء) .
…(الخيلاء : الكبر والعجب) .
__________
(1) أغرّ : أي أبيض .(4/45)
4-…وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسفل الكعبين من الإزار في النار) .
5-…وعن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أعتم سدل عمامته بين كتفيه .
6-…وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جرّ منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) .
7-…وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : (إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، ما أسفل من ذلك ففي النار ، قال ذلك ثلاث مرات ، ولا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطراً) . أي تكبراً .
8-…وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي إزاري استرخاء فقال : يا عبد الله ، ارفع إزارك ، فرفعته ، ثم قال : زد ، فزدت ، فما زلت أتحراها بعد ، فقال بعض القوم : إلى أين ؟ قال : إلى أنصاف الساقين .
9-…وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (البسوا الثياب البيض ، فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم) .
10-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) .
11-…وقال صلى الله عليه وسلم : (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة) .
…(أي اجتنب الإسراف والتكبر في الأكل والشرب والملبس) .
الخلاصة :
1-…ذكر الإمام النووي بعد ذكر أحاديث اللبس ما خلاصته :
…إن الإسبال يكون في الإزار والقميص والعمامة والثوب ، وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء ، فإن كان لغيرها فهو مكروه ، فالمستحق إلى نصف الساقين ، والجائز بلا كراهية إلى الكعبين ، فما نزع عن الكعبين فهو ممنوع .
2-…وقد ذكر ابن حجر في الفتح رأيه ، وهو عدم الجواز في اللباس تحت الكعبين فقال :(4/46)
…وقد نقل القاضي عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء (أي تطويل اللباس تحت الكعبين) .
…ثم قال ابن حجر : والحاصل أن للرجال حالين : حال استحباب ، وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق ، وحال جواز وهو إلى الكعبين .
…ومفهوم كلامه أن إطالة الإزار ، مثل الثوب والسروال والبنطال تحت الكعبين غير جائز .
3-…وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى عليه ثوبين مُعصفرَين فقال : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما) .
يستفاد من الحديث :
1-…لا يجوز للمسلم أن يلبس ثياب الكفار ، وأن يتزين بزيهم لقوله صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم) .
…لقد انتشر في كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار كلباس البنطال الضيق الذي يسمونه (كوبوي ، أو شارلستون وغيرها) وسمعت أحد العلماء يجيب شاباً عن سؤاله على لباس البنطال الضيق ، فقال : حرام ، لأنه يجسم العورة ، وفيه تشبه بالكفار .
2-…أما لبسا الرأس فهو شعار الأمم ، وقد تشبه بعض المسلمين فلبسوا البرنيطة ، وتسمى القبعة ، وقد فرضت على الجنود فألبسوهم القبعة التي يلبسها الكفار ، ويلبسها بعض الأغنياء وبعض العمال بحجة ستر الرأس من الشمس ، ولو ستروا الرأس بقلنسوة أو عمامة ، أو منديل لكان أصح لرؤوسهم ، وأبعد عن التشبه بالكفار ، وشاع هذا التشبه حتى أصبح الناس لا يشعرون أنه فيه مخالفة شرعية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فكيف نحارب الكفار ونحن نتشبه بهم في لباسهم وعاداتهم ؟ وكان الواجب أن نقلدهم في الأمور النافعة كصنع الطائرة ، والدبابة ، والمدفع ، وغير ذلك مما يساعد على الدفاع عن ديننا وأرضنا .(4/47)
لباس المرأة المسلمة :
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} .
2-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : فكيف ينصع النساء بذيولهن ؟ قال ك يُرخين شبراً ، قالت : إذاً تنكشف أقدامهن ، قال : فيُرخين ذراعاً لا يزدن عليه) .
يستفاد من الآية والحديث :
1-…أن لباس المرأة يجب أن يكون عريضاً وطويلاً يغطي القدمين ، بعكس الرجال الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يقصروا الثياب إلى نصف الساق ، ولا يزيدوا عن الكعبين ، وفي عصرنا انعكس الأمر ، فأصبح الرجال يطيلون ثيابهم أسفل الكعبين ، ويتعرضون لدخول النار ، وأصبح النساء يقصرن إلى الركبة ، أو ما فوقها ، ويتعرضن بهذا العمل إلى حرمانهن من دخول الجنة ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقوله : ( ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا .
…(والمعنى أن المرأة التي تكشف ساقها أو شيئاً من جسمها ، وتتمايل في مشيتها ، ورأسها مرتفع بشعرها كأنه سنام جمل ، لا يتدخل الجنة حتى تلقى جزاءها) .
2-…إذا كان قدم المرأة لا يجوز كشفها ، فوجهها بالأولى ، لأنها تعرف به ، وفيه الفتنة أكثر ، وسفور المرأة تقليد للكفار والأجانب وتشبه بهم ، وفي الحديث : ( من تشبه بقوم فهو منهم) .
…وليتنا قلدناهم في المخترعات النافعة كصنع الغواصات وغيرها مما يفيدنا ، ولكن كما قال الشاعر :
…قلدوني الغربى لكن بالفجور …وعن اللب استعاضوا بالقشور(4/48)
3-…المسئول هو الأب والزوج والأخ ، وكل راع يقوم على النساء ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته) .
لبس الذهب والخاتم :
1-…عن أنس رضي الله عنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، اتخذ خاتماً من فضلة ، ونقش فيه : محمد رسول الله .
2-…وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب .
3-…وعن عبدالله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأى خاتماً من ذهب على يد رجل ، فنزعه وطرحه ، وقال : (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده) فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به ، قال : لا والله ، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4-…وعن علي بن أبي طالب قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن ألبس خاتمي في هذه ، أو في التي تليها ، وأشار إلى الوسطى والتي تليها .
…وفي رواية النسائي : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الخاتم في السبابة والوسطى .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس حريراً ولا ذهباً) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : عن الذهب والحرير : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حلال لإناثها) .
…(المراد الحرير الأصلي المستخرج من دودة القز ، لا الحرير الاصطناعي الموجود الآن) .
7-…وعن عبدالله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب ، فأعرض عنه ، واتخذ خاتماً من حديد ، فقال : هذا شر ، هذا حلية أهل النار ، فألقاها ، فاتخذ خاتماً من ورق (فضة) فسكت عنه .
8-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة) .
يستفاد من الأحاديث
1-…أن الذهب محرم على الرجال ، حلال للنساء ، والمسلم هو الذي يستسلم لأوامر الله ورسوله .(4/49)
2-…إذا لبس الرجل خاتم الذهب للزواج الذي يسمونه خاتم الخطبة ، فهو حرام من الكبائر لأنه خالف أوامر دينه ، وقلد الكفار والنصارى الذين ابتدعوا خاتم الخطبة ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وفي لبس خاتم الذهب تشبه بالنساء ، وفي الحديث : ( لعن النبي المتشبهين من الرجال بالنساء) .
3-…يباح للرجال خاتم الفضة ، ما لم يكن للخطبة تجنباً لمشابهة الكفرة .
الزينة في اللباس :
1-…قال الله تعالى : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} .
…ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية ما خلاصته :
…أغسلها ، وطهر نفسك من الذنوب والمعاصي وغيرها .
2-…وقال الله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .
…ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية : عن ابن عباس قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله بالزينة ، والزينة : اللباس ، وهو ما يواري السوأة وما سوى ذلك من جيد البزّ والمتاع ، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد .
…ثم قال ابن كثير بعد ذلك :
…(ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يُستحق التجمل عند الصلاة ، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد ، والطيب لأنه من الزينة ، والسواك لأنه تمام ذلك ، ومن أفضل اللباس البياض) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( البسوا الثياب البيض ، فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم) .
4-…وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس) "رد الحق تكبراً واحتقار الناس) .
6-…وعن أبي الأحوص عن أبيه رضي الله عنه ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ ثوب دون (ردئ) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : ألك مال ؟
…الرجل : نعم .(4/50)
…الرسول صلى الله عليه وسلم : من أي المال ؟
…الرجل : من الإبل والبقر والغنم والخيل والرقيق .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : فإذا آتاك الله مالاً ، فلُيرَ أثرُ نعمة الله عليك وكرامته .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من أنعم الله عليه نعمة ، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) .
الزينة للصلاة والناس :
1-…قال صلى الله عليه وسلم : (ما على أحدكم إن وجد أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة ، سوى ثوبي مهنته) .
2-…وعن جابر رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار ، قال : فينما أنا تحت شجرة ، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
…جابر : يا رسول الله ، هلُمّ إلى الظل .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : يأتي ويُسلم وينزل ، فيأتي جابر بصغار القثاء ويُقربه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : من أين لكم هذا ؟ .
…جابر : خرجنا به من المدينة .
…يخرج راع لجابر ، وعليه بُردان قد أخلقا (بليا وتلفا) فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أما له ثوبان غير هذين .
…جابر : بل ، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : فادعُه فليلبسهما .
…يأتي الراعي ، ويلبس الثوبين ويذهب .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : ما له ؟ - ضرب الله عنقه - أليس هذا خيراً ؟
…الراعي يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
…الراعي يتفاءل : في سبيل الله يا رسول الله .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : في سبيل الله .
…الرجل يُقتل في سبيل الله .
النظافة من الإسلام :
1-…عن جابر بن عبدالله قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زائراً في منزلنا فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال : أما كان يجد هذا ما يُسكن به شعره ؟ ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال : أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه ؟ .(4/51)
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان له شعر فليكرمه) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : عشرة من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظافر ، وغسل البراجم (عقد الأصابع) ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاصُ الماء (يعني الاستنجاء) والمضمضة .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد "حلق العانة" وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط ، وقص الشارب) .
من آداب السلام :
1-…قال الله تعالى : {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : (أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام) .
3-…وعن عبدالله بن عمرو : أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الإسلام خير ؟ قال : "تُطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرف ومن لم تعرف .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : (يُسَلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير) .
6-…وعن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مرّ على صبيان فسَلم عليهم .
7-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم) .
8-…وعن عمران بن حصين ، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليكم ، فردّ عليه ثم جلس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "عشر" ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فردّ عليه فجلس ، فقال : "عشرون" ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه فجلس ، فقال "ثلاثون" (أي حسنة) .
9-…وقال صلى الله عليه وسلم : (إذا دخلتم بيتاً ، فسلموا على أهله ، وإذا خرجتم فأودعوا أهله بالسلام) .(4/52)
10-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( يا بُني إذا دخلت على أهلك ، فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك) .
11-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه) .
12-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا لقي أحدكم أخاه فليُسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة ، أو جدار ، أو ح جر ، ثم لقيه فليُسلم عليه) .
13-…وقال صلى الله عليه وسلم : (يُجزئ عن الجماعة إذا مرُوا أن يُسلم أحدهم ويُجزئ عن الجلوس أن يردّ أحدهم) .
14-…وعن جابر أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعثني لحاجة ، ثم أدركته وهو يسير ( قال قتيبة يُصلي) فسلمت عليه ، فأشار اليّ ، فلما فرغ دعاني ، فقال : (إنك سلمت آنفاً وأنا أصلي) .
…وهو مُوجه حينئذٍ قِبل المشرق ( أي موجه راحلته نحو الشرق)
15-…وعن ابن عمر قال : قلت لبلال كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي ؟ قال : يقول هكذا وبسط كفه .
…والحديث دليل على أنه إذا سَلم أحد على المصلي رد عليه السلام بإشارة دون النطق : يسبط كافه اليمنى مستقيمة .
…والسلام على القارئ والذاكر والمدرس وعند دخول المسجد جائز من باب أولى .
16-…السلام تحية أهل الجنة ( تحيتهم يوم يلقونه سلام) .
17-…السلام اسم من أسماء الله الحسنى .
18-…السلام معناه الأمان التام من الغدر والخيانة والغش .
19-…السلام طريق المحبة ، والمحبة طريق الإيمان ، والإيمان طريق الجنة .
المصافحة لا التقبيل :
1-…عن أبي الخطاب قتادة قال : قلت لأنس : أكانت المصافحة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : (يقدم عليكم غداً أقوام هم أرق قلوباً للإسلام منكم ) "يعني أهل اليمن" فقدم الأشعريون ، فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة ، جعلوا يرتجزون ويقولون :(4/53)
…غداً نلقى الأحبة …محمد وصحبه
…فلما قدموا تصافحوا ، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه ، وأخذ بيده ، فصافحه تناثرت خطاياهما ، كما يتناثر ورق الشجر) .
5-…وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه ، أينحني له ؟ قال : لا ، قال : أفيلتزمه ويُقبله ؟ قال : لا ، قال : فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال : نعم .
…وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتعانقون إذا قدموا من سفر وأما تقبيل اليد ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة يدل مجموعها على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا لم يمد يده متكبراً ، ولا يكون على سبيل التبرك ، ولا يتخذ التقبيل عادة ، ولا يُعطل المصافحة ولا توضع على الجبهة .
لا أصافح النساء :
1-…وقال صلى الله عليه وسلم : (إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة) .
2-…وقالت عائشة : لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة وما بايعهن إلا بقوله : (قد بايعتك على ذلك) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد ، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) .
آداب العطاس والتثاؤب :
1-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقاً على كل مسلم سمعه أني قول له : يرحمك الله ، فأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ، فان أحدكم إذا تثاءب ضحك من الشيطان) .
…وفي رواية لمسلم :
…(فإن أحدكم إذا قال : ها ضحك الشيطان منه) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله ، فإذا قال له : يرحمك الله ، فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم) .(4/54)
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه (1) وغن لم يحمد الله فلا تشمتوه) .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا تثاءب أحدكم فليمسك يده على فمه ، فإن الشيطان لا يدخل) .
5-…وكان صلى الله عليه وسلم ، إذا عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه ، وغض بها صوته .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( شمت أخاك ثلاثاً فما زاد فإنما هي نزلة أو زكام) .
…(أي لا تشمته بعد الثالثة ، بل أدع له) .
7-…وعن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر ، فقال : الحمد الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عمر : وأنا أقول : الحمد لله والسلام على رسول الله ، وليس هكذا ، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول : (الحمد لله على كل حال) .
…يفيد هذا الحديث أن التقيد بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم واجب .
غيروا الشيب واجتنبوا السواد :
1-…قال الله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( جزوا الشوارب ، وأعفوا اللحى ، خالفوا المجوس) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) .
4-…وعن جابر رضي الله عنه قال : أتى بأبي قحافة يوم الفتح ولحيته ورأسه كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا بشئ ، واحتنبوا السواد) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام ، لا يجدون ريح الجنة) .
6-…وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية (2) ويُصفر لحيته بالورس (3) والزعفران ، وكان ابن عمر يفعل ذلك .
__________
(1) قولوا له : يرحمك الله .
(2) السبتية : نعال من جلد .
(3) الورس : نبت أصفر .(4/55)
7-…وعن ابن عباس قال : مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم ، رجل قد خضب بالحناء ، فقال : ما أحسن هذا ، قال : فمرّ آخر قد خضب بالحناء والكتم ، فقال : وهذا أحسن من هذا ، ثم مرّ آخر قد خضب بالصفرة ، فقال : هذا أحسن من هذا كله .
8-…وقال صلى الله عليه وسلم : (غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود) .
9-…وعن عثمان بن عبدالله بن موهب قال : دخلت على أم سلمة ، فأخرجت إلينا شعرً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، مخضوباً .
…وفي رواية أخرى : أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أرته شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحمر .
10-…خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال : (يا معشر الأنصار حمروا أو صفروا ، وخالفوا أهل الكتاب) .
11-…وقد نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه يجب ، وعنه يجب ولو مرة ، وعنه لا أحب لأحد ترك الخضب ، وتشبه بأهل الكتاب ، وفي السواد عنه كالشافعية روايتان : المشهورة : يكره ، وقيل يحرم ، ويتأكد المنع لمن دلس به (أي غش) .
واجبنا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم :
إن للرسول صلى الله عليه وسلم حقوقاً وواجبات إذا أداها المسلم نفعه الله به ، وأسعده بشفاعته ، وأكرمه بورود حوضه ، وسقاه من ماء كوثره .
1-…محبته صلى الله عليه وسلم ، أ:ثر من النفس والأهل والمال والولد .
2-…طاعته في كل ما أمر به من دعاء الله وحده ، والاستعانة به ، والصدق والأمانة ، وحسن الخلق ، وغير ذلك مما جاء في القرآن وأحادثه الصحيحة .
3-…التحذير من الشرك الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو صرف العبادة لغير الله ، كدعاء الأنبياء والأولياء وطلب المدد والعون منهم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) . "الند : المثل والشريك" .(4/56)
4-…إن نؤمن بما أخبر به القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ، من الصفات ، كعلو الله على عرشه ، تحقيقاً لقوله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش) . وان الله مع عباده يسمعهم ويراهم ويعلم أحوالهم لقوله تعالى : {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } .
5-…إن من واجب المسلمين أن يشكروا الله على بعثه ومولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فيتمسكوا بسنته ، ومنها صيام يوم الاثنين الذي سئل عن صومه فقال : (ذاك يوم وُلدت فيه ، وفيه بُعثت ، وعليّ أُنزل) ، (أي القرآن) .
6-…أما الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم ، الذي أحدثه المتأخرون ، فلم يعرفه الرسول والصحابة والتابعون ولو كان في الاحتفال خير لسبقونا إليه ، وأرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أرشدنا في الحديث السابق إلى صوم يوم الاثنين الذي وُلد فيه ، علماً بأن الرسول صلى الله عيه وسلم ، مات يوم الاثنين ، فليس الفرع بأولى من الحزن على موته صلى الله عليه وسلم .
7-…إن الأموال التي تنفق في الاحتفالات ، ولو أُنفقت في بيان شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرته ، وأخلاقه ، وأدبه ، وتواضعه ، ومعجزاته ، وأحاديثه ، ودعوته للتوحيد التي بدأ بها رسالته وغيرها من الأمور النافعة ، لو فعل ذلك المسلمون لنصرهم الله كما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم .
8-…إن المحب الصادق للرسول صلى الله عليه وسلم ، يهمه إتباع أوامره ، والعمل بسنته ، والحكم بقرآنه والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .(4/57)
التحلي بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم :
إذا كنت محباً صادقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتخلق بأخلاقه :
1-…أترك الفحش ، وهو كل ما قبح وساء من قول أو فعل .
2-…أخفض صوتك ، وأغضض منه إذا نطقت ، وخاصة في المجتمعات العامة ، كالأسواق والمساجد ، والحفلات وغيرها ، ما تكن خطيباً أو واعظاً .
3-…أدفع السيئة التي تقد تصيبك من أحد بالحسنة ، بأن تعفو عن المسئ ، فلا تؤاخذه ، وتصفح عنه بأن لا تعاقبه ، ولا تهجره .
4-…أترك التأنيب والتعنيف لخادمك ، أو زميلك أو ولدك ، أو تلميذك ، أو زوجتك إذا أخطأوا أو قصروا .
5-…لا تُقصر في واجبك ، ولا تبخس حق غيرك ، حتى لا تضطره إلى أن يقول لك : لِمَ فعلت كذا ...؟ أو لِمَ لم لا تفعل كذا ؟ لائماً عليك ، أو عاتباً عليك .
6-…أترك الضحك إلا قليلاً ، وليكن جلّ ضَحِكك التبسم .
7-…لا تتأخر عن قضاء حاجة الضعيف والمسكين والمرأة ، والمشي معهم في غير تكبر ولا استنكاف .
8-…مساعدة أهل البيت على شئون البيت ، ولو كان حلب شاة ، أو طهي طعام أو غيره .
9-…البس أحسن الثياب التي عندك ، لا سيما وقت الصلاة ، والأعياد ، والحفلات .
10-…لا تتكبر عن الأكل على الأرض ، وكل ما وجد من الطعام ، والاكتفاء بقليل الطعام ولا تعيبه .
11-…العمل ومشاركة العاملين ، ولو بحفر الأرض ونقل التراب ، والسرور بذلك إظهاراً لعدم التكبر .
12-…عدم الرضا بالمدح الزائد ، والإطراء المبالغ فيه ، والاكتفاء بما هو ثابت للعبد ، وبما قام به من صفات الحق والفضل والخير .
13-…لا تنطق ببذاء ولا جفاء ، ولا كلام فاحش ولو مازحاً .
14-…لا تقل سوءاً ولا تفعله .
15-…لا تواجه أحداً من إخوانك بمكروه .
16-…لازم سلامة النطق ، وحلو الكلام (1) .
17-…لا تكثر المزاح ، ولا تقل إلا الصدق .
18-…أرحم الإنسان والحيوان حتى يرحمك الله .
19-…احذر البخل ، فهو مكروه من الله والناس .
20-…نم باكراً ، واستيقظ للعبادة والاجتهاد والعمل .
21-…لا تتأخر عن صلاة الجماعة في المسجد .
__________
(1) هذه الفقرات مأخوذة بتصرف من كتاب العلم والعلماء للشيخ أبي بكر الجزائري المدرس في المدينة المنورة .(4/58)
22-…احذر الغضب وما ينتج عنه ، وإذا غضبت فاستعذ من الشيطان الرجيم .
23-…الزم الصمت ، ولا تكثر الكلام فهو مسجل عليك .
24-…اقرأ القرآن بفهم وتدبر ، واسمعه من غيرك ، وأعمل به .
25-…لا ترد الطيب ، واستعمله دائماً ، لا سيما عند الصلاة .
26-…استعمل السواك فهو مفيد جداً ، لا سيما عند الصلاة .
27-…كن شجاعاً ، وقل الحق ولو على نفسك .
28-…أقبل النصيحة من كل إنسان واحذر ردها .
29-…اعدل بين زوجاتك وأولادك وفي كل أعمالك .
30-…اصبر على أذى الناس وسامحهم ، حتى يسامحك الله .
31-…أحب للناس ما تحب لنفسك .…
32-…أكثر من السلام عند الدخول والخروج واللقاء وفي الأسواق .
33-…تقيد بلفظ السلام الوارد في السنة ، وهو : "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ولا يُغني عنه كلمة (صباح الخير ، ومساء الخير) أو (أهلاً ومرحباً) ويمكن قولها بعد السلام .
34-…كن نظيفاً في مظهرك ولباسك .
35-…غيّر شيبك بالأصفر أو الأحمر ، واحذر السواد امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
36-…تمسك بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى تدخل في قوله : (إن من ورائكم أيام الصبر ، للمُتمسك فيهن بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : بل منكم) .
37-…اللهم أرزقنا العمل بكتابك ، وسنة نبيك ، وأرزقنا حبه واتباعه وشفاعته صلى الله عليه وسلم ، يوم القيامة .
مكارم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم :
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا ... ** ... منها وما يتعشق الكبراء
لو لم تُقم ديناً لقامت وحدها ... ** ... ديناً يضيء بنوره الآناء
زانتك في الخلق العظيم شمائل ... ** ... يُغري بهن ويُولع الكرماء
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى ... ** ... وفعلت ما لا تفعل (الكرماء)
وإذا عفوت فقادراً ومقدراً ... ** ... لا يستهين بعفوك الجهلاء
فإذا رحمت فأنت أم أو أب ... ** ... هذان في الدنيا هُما الرحماء(4/59)
وإذا غضبت فإنما هي غضبة ... ** ... في الحق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاته ... ** ... ورضا الكثير تحلم ورياء
وإذا خطبت فللمنابر هزة ... ** ... تعرو الندى وللقلوب بكاء
وإذا قضيت فلا ارتباب كأنما ... ** ... جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته ... ** ... لجميع عهدك ذمة ووفاء
بك يا ابن عبدالله قامت سمحة ... ** ... بالحق من ملف الهدى غزاء
بنيت على التوحيد وهي حقيقة ... ** ... نادى بها الحكماء والعقلاء
الله فوق الخلق فيها وحده ... ** ... والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة ... ** ... والأمر شوى والحقوق قضاء
اتصفت أهل الفقر من أهل الغنى ... ** ... فالكل في حق الحياة سواء
ظلموا شريعتك التي نلنا بها ... ** ... ما لم ينل في رومة الفقهاء
صل عليك الله ما صحب الدجى ... ** ... حاد وحنت بالفلا وجناء
حسان يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... ** ... تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأسنة مصعدات ... ** ... على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات ... ** ... تلطمهن بالحمر النساء
فإما تعرضوا عنا اعتمدنا ... ** ... وكاد الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... ** ... يعز الله فيه من يشاء
وجبريل أمين الله فينا ... ** ... وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبداً ... ** ... يقول الحق إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه ... ** ... فقلتم لا نقوم ولا نشاء
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... ** ... فأنت مجوف نخب هواء
بأن سيوفنا تركتك عبداً ... ** ... وعبد الدار سادتها الإماء
هجوت محمداً فأجبت عنه ... ** ... وعند الله في ذاك الجزاء
أنهجوه وليست بكفء ... ** ... فشركما لخيركما الفداء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ** ... ويمدحه وينصره سواء
فإن أبي ووالدة وعرضي ... ** ... لعرض محمد منكم فداء(4/60)
لساني صارم لا عيب فيه ... ** ... وبحري لا تكدره الدلاء
عقيدة المسلم :
إن كان تابع أحمد (1) متوهباً ... ** ... فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي ... ** ... رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ولا وثن ولا ... ** ... قبر له سبب من الأسباب
كلا ولا حجر ، ولا شجر ولا ... ** ... عين (2) ولا نصب من الأنصاب
أيضاً ولست معلقاً لتميمة (3) ... ** ... أو حلقة ، أو ودعة أو ناب
لرجاء نفع ، أو لدفع بلية ... ** ... الله ينفعني ، ويدفع ما بي
والابتداع وكل أمر محدث ... ** ... في الدين ينكره أولو الألباب
أرجو بأني لا أقاربه ولا ... ** ... أرضاه ديناً ، وهو غير صواب
وأعوذ من جهمية (4)عنها عتت ... ** ... بخلاف كل مسئول مرتاب
والاستواء (5) فإن حسب قدوة ... ** ... فيها مقال السادة والأنجاب
الشافعي ومالك وأبي حنيفة ... ** ... وابن حنبل التقى الأواب
__________
(1) المراد بأحمد : الرسول صلى الله عليه وسلم .
(2) عين ما يغتسلون بها للتبرك والشفاء .
(3) التميمة : الخرزة ونحوها وتوضع للحماية من العين .
(4) الجهمية : فرقة ضالة تنكر أن الله في السماء ، وتقول إن الله في كل مكان .
(5) الاستواء : هو العلُو والارتفاع .(4/61)
كيف اهتديت
إلى التوحيد والصراط المستقيم
إعداد
محمد بن جميل زينو
المدرس في دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة
قام بصف الكتاب ونشره
أبو عمر الدوسري
www.frqan.com
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فقد تلقيت رسالة من طالب تركي من بلدة ( قونية ) هذا نصها : إلى محمد بن جميل زينو المدرس في دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة . السلام عليكم ورحمة لله وبركاته .
أستاذنا الكريم : أنا طالب في كلية الشريعة ( في قونية ) , وأخذت كتابكم " العقيدة الإسلامية " " أطروحة " وترجمت كتابكم إلى اللغة التركية ولكن أحتاج إلى ترجمة حياتكم للطبع , وأنا أريد من فضلكم أن ترسل هذه المعلومات إلى العنوان الآتي شكراً لفضيلتكم من الآن والسلام على من اتبع الهدى .
" بلال بارومجي "
وقد طلب مني بعض إخواني من طلبة العلم أن أكتب قصة حياتي والمراحل التي مررت بها منذ الصغر إلى أن بلغت من العمر قريباً من 70 سنة وكيف اهتديت إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة عقيدة السلف الصالح التي تستند على الدليل من القرآن الكريم والحديث الصحيح , وهذه نعمة كبيرة لا يعرفها إلا من ذاقها :
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً , وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً ) " رواه مسلم "
ولعل القاريء يجد في هذه القصة عبرة ودروساً نافعة لمعرفة الحق من الباطل . والله أسأل أن ينفع بها المسلمين , ويجعلها خالصة لوجهه الكريم .
محمد بن جميل زينو
1/1/1415هـ(5/1)
الولادة والنشأة
ولدت في مدينة حلب في سوريا عام 1925م (1) حسب الجواز ، الموافق 1344هـ ، وعمري الآن ثلاث وسبعون سنة ، ولما بلغت من العمر عشر سنين تقريباً دخلت في مدرسة خاصة وتعلمت القراءة والكتابة .
انتسبت إلى مدرسة ( دار الحفاظ ) وبقيت فيها خمس سنوات حفظت خلالها القرآن غيباً نع التجويد.
دخلت مدرسة في حلب كانت تسمى ( الكلية الشرعية التجهيزية ) وهي الآن الثانوية الشرعية ، وهي تابعة للأوقاف الإسلامية ، وكانت المدرسة تدرس العلوم الشرعية والعصرية : فقد درست فيها التفسير ، والفقه الحنفي ، والنحو ، والصرف ، والتاريخ والحديث وعلومه ، وغيرها من العلوم الشرعية .
ومن العلوم العصرية درست فيها الفيزياء ، والكيمياء ، والرياضيات ، واللغة الفرنسية ، وغيرها من العلوم التي برع فيها المسلمون قديماً كعلم الجبر مثلاً .
أ – وأذكر أني درست علم التوحيد في كتاب اسمه ( الحصون الحميدية ) وهو يركز على توحيد الرب ، وإثبات أن لهذا العالم خالقاً ورباً ، وقد تبين لي فيما بعد أنه خطأ وقع فيه كثير من المسلمين والمؤلفين ، والجامعات ، والمدارس التي تدرس العلوم الشرعية ، لأن لمشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم :
قال الله تعالى :
( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )
" سورة الزخرف 87 "
بل الشيطان الذي ـ لعنه الله ـ كان يعترف بأن الله ربه :
قال تعالى يخبر عن قوله :
( قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض )
" سورة الحجر 39 "
__________
(1) 1 من المؤسف أن يكون التاريخ الميلادي هو المنتشر حتى في البلاد الإسلامية إلا البلاد السعودية فإنها تعتمد التاريخ الهجري وهو الواجب لأنه تاريخ إسلامي، يرمز إلى الهجرة التي أعز الله بها الإسلام .(5/2)
ب- أما توحيد الإله الذي هو الأساس الذي ينجو به المسلم ، فلم أدرسه وكنت لا أعلم شيئاً عنه ، شأن بقية المدارس والجامعات الذين لا يدرسونه ، ولا يعلم عنه الطلاب شيئاً .
والله تعالى أمر الرسل جميعاً أن يدعو إليه ، وقد دعا إليه خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم قومه ، فامتنعوا واستكبروا كما أخبر الله عنهم :
( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )
" سورة الصافات "
لأن العرب المشركين كانوا يعرفون معناها ، وأن من قالها لا يجوز له أن يدعو غير الله ، وباقي المسلمين يقولونها بألسنتهم، ويدعون غير الله ، فينقضونها .
ج- أما توحيد الصفات فكانت المدرسة تتأول آيات الصفات كبقية المدارس في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف الشديد .
وأذكر أن المدرس كان يفسر قول الله تعالى :
( الرحمن على العرش استوى ) " سورة طه "
( استوى : بمعنى استولى ) ويستشهد بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
قال ابن الجوزي : هذا الشعر لا يعلم قائله ، وقال آخرون : نصراني ، وكلمة ( استوى ) ورد تفسيرها في البخاري عند قول الله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ) . " سورة البقرة "
قال : مجاهد و أبو العالية : ( استوى : علا وارتفع ) .
" انظر البخاري كتاب التوحيد جـ 8/175 "
فهل يجوز لمسلم أن يترك قول التابعين في البخاري ، ويأخذ بقول شاعر مجهول ؟ وهذا التأويل الفاسد الذي ينكر علو الله على عرشه يخالف عقيدة الإمام أبي حنيفة ، ومالك وغيرهما، فقد قال الإمام أبو حنيفة الذي يدرسون مذهبه : ( من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر ، لأن الله يقول: " الرحمن على العرش استوى " . " سورة طه "
وعرشه فوق سبع سماوات ) . " انظر شرح العقيدة الطحاوية 322 "(5/3)
وقد حصلت على شهادة المدرسة عام 1948م ، ونلت الشهادة الثانوية العامة ، ونجحت في مسابقة بعثة الأزهر ، لكنني لم أذهب لأسباب صحية ، ودخلت دار المعلمين في حلب ، وعملت مدرساً لمدة 29 سنة تقريباً ، ثم تركت التدريس .
بعد استقالتي من التدريس جئت بعمرة إلى مكة عام 1399هـ ، وتعرفت على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وعرف أن عقيدتي سلفية ، فاعتمدني مدرساً في الحرم المكي وقت الحج ، ولما انتهى موسم الحج أرسلني إلى الأردن للدعوة إلى الله ، فذهبت ، ومكثت في مدينة " الرمثا " في جامع صلاح الدين ، فكنت إماماً وخطيباً ومدرساً للقرآن ، وكنت أزور المدارس الإعدادية وأوجه الطلاب إلى عقيدة التوحيد ، فكانوا يتقبلونها بقبول حسن .
وفي شهر رمضان من عام 1400هـ جئت بعمرة إلى مكة ، وبقيت إلى بعد الحج وتعرفت على طالب من طلاب دار الحديث الخيرية بمكة ، وطلب مني أن أكون مدرساً عندهم لأنهم في حاجة إلى مدرسين ، ولا سيما في مصطلح علم الحديث ، فاتصلت بمديرها فأبدى استعداده ، وطلب مني تعميداً من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، فكتب إلى المدير يطلب منه أن أكون مدرساً عندهم ، فدخلت المدرسة ، ودرست الطلاب التفسير ، والتوحيد ، والقرآن الكريم وغيرها من الدروس .
ومن فضل الله بدأت بإصدار رسائل صغيرة ، مختصرة ، وبسيطة، فكان لها قبول في جميع بلاد العالم ، وقد ترجم بعضها إلى الإنجليزية ، والفرنسية ، والبنغالية ، والأندنوسية ، والتركية ، والأوردية ، وغيرها من اللغات ، وسميتها :
( سلسلة التوجيهات الإسلامية ) وصلت إلى أكثر من عشرين رسالة طبع منها مئات الآلاف ، وأكثرها مجانية ، يجدها القاريء على ظهر غلاف الرسالة بأسمائها وأرقامها .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لوجه الله تعالى.(5/4)
كنت نقشبندياً
كنت منذ الصغر أحضر الدروس في المساجد والحلقات للذكر وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية ، فأخذني إلى زاوية المسجد وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سني لم استطع أن أقوم بما أمرني به من الأوراد إلا أنني أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا، وأسمع ما يقولون من القصائد والأناشيد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجيء في الليل ، ويسبب لي الرعب والمرض ، وعندما تقدمت في السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحي لأحضر معه ما يسمونه ( الختم ) فكنا نجلس على شكل حلقة ، وأحد الشيوخ يوزع علينا الحصى ويقول : "الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف " فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص ، والاستغفار ، والصلاة على النبي بالصورة التي يحفظونها، وأذكر منها ( اللهم صلي على محمد عدد الدواب ) يقولونها جهراً آخر الذكر وبعدها يقول الشيخ الموكل بالختم : ( الرابطة الشريفة ) ويقصدون بها أن يتصوروا شيخهم في حال ذكرهم لأن الشيخ يربطهم بالله في زعمهم ، فكانوا يهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع حتى أن أحدهم شاهدته يقفز فوق رؤوس الحاضرين من مكان مرتفع من شدة وجده ، كأنه البهلوان فاستغرب هذا التصرف والصياح عند ذكر شيخ الطريقة ، ودخلت مرة على بيت قريبي هذا ، فسمعت نشيداً من جماعة الطريقة النقشبندية يقولون فيه :
دلوني بالله دلوني ……على شيخ النصر دلوني
اللي يبري العليل ……ويشفي المجنونا
وقفت على باب البيت ، ولم أدخل ، وقلت لصاحب البيت : هل الشيخ يبريء العليل ، ويشفي المجنون ؟ قال : نعم ، قلت له : الرسول عيسى بن مريم عليه السلام الذي أعطاه الله معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص يقول : بإذن الله ، فقال لي : وشيخنا يفعل بإذن الله ! قلت له : ولماذا لا تقولون بإذن الله ؟! علماً بأن الشافي هو الله وحده ، كما قال إبراهيم عليه السلام :
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " الشعراء 80 "(5/5)
ملاحظة على الطريقة النقشبندية
تمتاز هذه الطريقة بأورادها السرية الخفية ، فليس فيها رقص ولا تصفيق مما عند غيرهم من الطرق المشهورة .
هذا الاجتماع على الذكر ، وتوزيع الحصى على كل واحد ، والموكل بالختم يأمرهم أن يقولوا كذا ، ووضعهم الحصى في كأس ماء ليشربوا منه ، ويستشفوا به ، هذا كله من البدع التي أنكرها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حينما دخل المسجد ، فرأى جماعة يتحلقون ، وبأيديهم الحصى ، يقول أحدهم : سبحوا كذا ، افعلوا كذا عدد الحصى التي بأيديهم ، فقال لهم موبخاً : " ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ؟ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتحوا باب ضلالة " ؟!
" حسن رواه الدرامي والطبراني "
وهذه قضية منطقية سليمة ، فهؤلاء إما أن يكونوا أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم وفقوا إلى عمل لم يصل إليه علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكونوا في ضلالة ، والفرض الأول منتف حتماً ، لأنه لا أحد أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق إلا الفرض الآخر .
الرابطة الشريفة : ويعنون بها أن يتصوروا صورة الشيخ أمامهم في الذكر ينظر إليهم ، ويراقبهم لذلك تراهم يخشعون ويصيحون بأصوات منكرة غير واضحة ، وهذه مرتبة الإحسان التي وردت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .(5/6)
ففي هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعبد الله كأننا نراه , وإذا كنا لا نراه , فإنه يرانا , هذه مرتبة الإحسان التي هي لله وحده , قد أعطوها لشيخهم وهذا من الشرك الذي نهى الله عنه بقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) . " سورة النساء 36 "
فالذكر عبادة لله لا يجوز أن نشرك به أحداً ، ولو كان من الملائكة أو الرسل والمشايخ دون رتبتهم ، فلا يجوز إشراكهم من باب أولى ! والحقيقة أن تصور الشيخ في الذكر موجود أيضاً في الطريقة الشاذلية ، وغيرها من الطرق الصوفية كما سيأتي .
4- هذا الصياح الشديد الذي يعتريهم عند ذكر الشيخ ، أو طلب المدد من غير الله كأهل البيت ، ورجال الله ، هو من المنكرات بل هو من الشرك المنهي عنه ، فإذا كان الصياح عند ذكر الله منكراً ، لأنه يتنافى مع قول الله تعالي :
( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) .
" سورة الأنفال آية 2 "
وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم ) . " متفق عليه "
فإن الصياح والخشوع والبكاء عند ذكر الأولياء أشد إنكاراً لأن هذا يدل على الاستبشار الذي حكاه الله عن المشركين حين قال :
( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) . " سورة الزمر 45 "
5- الغلو في شيخ الطريقة ، اعتقادهم أنه يشفي المرضى ، مع أن الله تعالى ذكر قول إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم .
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " سورة الشعراء 80 "
( وقصة الغلام المؤمن الذي كان يدعو للمرض ، فيشفيهم الله ، حين قال له جليس الملك : لك هذا المال إن أنت شفيتني ! فقال له الغلام (أنالا أشفي أحداً إنما يشفي الله إن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك) .
" القصة رواها مسلم في صحيحة "(5/7)
الذكر عندهم باللفظ المفرد وهو ( الله ) آلاف المرات هي وردهم , مع أن هذا الذكر بلفظ ( الله ) لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا التابعين , ولا عن الأئمة المجتهدين , بل من بدع الصوفية , لأن لفظ ( الله ) مبتدأ , ولم يأت بعده خبره, فأصبح الكلام ناقصاً , ولو أن إنساناً نادى اسم (عمر) عدة مرات , فنقول له : ماذا تريد من عمر ؟ فلم يرد علينا إلا باسم (عمر , عمر) لقلنا إنه معتوه , لا يدري ماذا يقول ؟ ويستشهد الصوفية على الذكر المفرد بقول الله تعالى : ( قل الله ) ولو أنهم قرأوا الكلام الذي قبله لعرفوا أن المراد قل الله أنزل الكتاب , ونص الآية : (( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى... قل الله )) . ……… " سورة الأنعام 91 "
[ أي قل الله أنزل الكتاب ] .
كيف انتقلت إلى الطريقة الشاذلية
تعرفت على شيخ من الطريقة الشاذلية حسن الصورة والأخلاق وزارني في بيتي , وزرته في بيته , فأعجبني لين كلامه , وحديثه, وتواضعه , وكرمه , فطلبت منه أن يعطيني ورد الطريقة الشاذلية , فأعطاني أورادها الخاصة بها وكانت عنده زاوية يأوي إليها بعض الشباب , ويقيمون فيها الذكر بعد صلاة الجمعة .
زرته مرة في بيته ، فرأيت صورة شيوخ كثيرين للطريقة الشاذلية معلقة على الجدار فذكرته بالنهي الوارد عن تعليق الصور ، فلم يستجب، مع أن الحديث واضح ـ ولا يخفى عليه ـ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائمة ) . " متفق عليه "
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك ) . " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "(5/8)
وبعد سنة تقريباً أحببت زيارة الشيخ ، وأنا في طريقي إلى أداء العمرة ، فدعاني مع ولدي ورفيقي إلى طعام العشاء وبعد الانتهاء قال لي : هل تسمع شيئاً من الأناشيد الدينية من هؤلاء الشباب ؟ فقلت نعم ، فأمر الشباب الذين حوله ـ وكانت اللحى الجميلة تعلو وجوههم ـ أن ينشدوا فبدأوا ينشدون بصوت واحد نشيداً خلاصته : ( من كان يعبد الله طمعاً في جنته ، أو خوفاً من ناره ، فقد عبد الوثن ) فقلت لهم : ذكر الله آية في القرآن يمدح فيها الأنبياء قائلا : (( أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين )) . " سورة الأنبياء 90 "
فقال لي الشيخ : هذه القصيدة التي ينشدونها هي : (لسيدي عبدالغني النابلسي ) ! فقلت له : وهل كلام الشيخ مقدم على كلام الله ، وهو معارض له ؟! فقال لي أحد المنشدين : سيدنا علي رضي الله يقول : "الذي يعبد الله طمعاً في جنته ، عبادة التجار " فقلت له : في أي كتاب وجدت هذا القول لسيدنا علي ، وهل هو صحيح ؟ فسكت ، فقلت له : هل يعقل أن يخالف علي رضي الله عنه القرآن وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن المبشرين بالجنة ؟ ثم التفت رفيقي قائلاً لهم :
ذكر الله تعالى عن وصف المؤمنين يمدحهم قائلاً :
(( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ))
" سورة السجدة 16 "
فلم يقتنعوا ، وتركت الجدال معهم ، وانصرفت إلى المسجد للصلاة فلحقني منم شاب ، وقال لي : نحن معكم ، والحق معكم ، ولكن لا نستطيع أن نتكلم ، وأن نرد على الشيخ ! قلت له : لماذا لا تتكلمون الحق ؟ قال : سوف يخرجنا من السكن إن تكلمنا : وهذا مبدأ صوفي عام فإن شيوخ التصوف أوصوا تلاميذهم ألا يعترضوا على الشيخ مهما غلط وقالوا لهم عبارتهم المشهورة : " ما أفلح مريد قال لشيخه لم ؟ " متجاهلين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) . " حسن أخرجه أحمد والترمذي "(5/9)
وقول مالك رضي الله عنه : " كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم " .
مجلس الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
ذهبت مع بعض المشايخ إلى أحد المساجد لحضور هذا المجلس فدخلنا حلقة الذكر ، وهم يرقصون ، ويمسكون بأيدي بعضهم ، ويتمايلون ، ويرتفعون ، وينخفضون ، ويقولون : الله ، الله ... وكل واحد من الحلقة يخرج إلى الوسط ، ويشير بيديه إلى الحاضرين لينشطوا في الحركة والتمايل .... حتى وصل الدور إلىّ لأخرج ، وأشار إليّ رئيسهم بالخروج ، لأزيد من حركتهم ورقصهم ، فاعتذر أحد المشايخ الذين معي وقال له : أتركه إنه ضعيف ، لأنه يعرف أني لا أحب مثل هذا العمل ، ورآني ساكناً لا أتحرك ، فتركني رئيسهم وأعفاني من الخروج إلى وسط الحلقة ، وكنت أسمع قصائد من أصوات جميلة ، لكنها لا تخلو من طلب المدد والعون من غير الله ! ولاحظت أن النساء يجلسن على مكان مرتفع ويتفرجن على الرجال وكانت فتاة منهن متبرجة قد ظهر شعرها وساقها ، ويداها ورقبتها ، فأنكرت ذلك في قلبي ، وقلت لرئيس المجلس في آخر الجلسة : إن فتاة فوقنا سافرة ، لو أنك ذكرتها مع النساء بالحجاب في المسجد لكان عملاً طيباً فقال لي : نحن لا نذكر النساء ، ولا نقول لهن شيئاً ! قلت له : لماذا ؟ قال لي : إذا نصحناهن فسيمتنعن عن الحضور للذكر ! فقلت في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما هذا الذكر الذي تظهر فيه النساء، ولا ينصحهن أحد ؟ وهل يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا وهو القائل:
( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ). " رواه مسلم "(5/10)
الطريقة القادرية
دعاني أحد شيوخ الطريقة مع شيخي الذي درست عليه النحو والتفسير ، فذهبنا إليه في بيته ، وبعد تناول طعام العشاء وقف الحاضرون يذكرون ويقفزون ، ويتمايلون ، ويقولون الله ، الله ... وكنت واقفاً معهم لا أتحرك ، ثم جلست على المقعد حتى انتهى الشوط الأول ، ورأيت العرق يسيل منهم ، فجاءوا بمنشف ليمسحوا العرق عنهم ،وبما أن الوقت قارب نصف الله ، فتركتهم وذهبت إلى بيتي ، وفي اليوم الثاني قابلت أحد الجالسين معم ، وكان مدرساً معي ، وقلت له : إلى متى بقيتم على حالكم ؟ فقال لي : إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وذهبنا إلى بيوتنا للنوم ! قلت له : وصلاة الصبح مت صليتموها ؟ فقال لي : لم نصلها في وقتها ، وفاتتنا .
قلت في نفسي ما شاء الله على الذكر الذي يضيع صلاة الفجر ، وتذكرت قول عائشة تصف الرسول صلى الله عليه وسلم :
( كان ينام أول الليل ، ويحيي آخره ) . " متفق عليه "
وهؤلاء الصوفيون بالعكس يحيون أول الليل بالبدع والرقص ، وينامون آخره ليضيعوا صلاة الفجر ، وقد قال الله تعالى :
(( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )) .
[ أي يؤخرونها عن وقتها ] " سورة الماعون 4-5 "
وقال صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
" رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع "
التصفيق في الذكر
كنت في مسجد ، قد أقيمت فيه حلقة ذكر بعد صلاة الجمعة فجلست انظر إليهم ، ولكي يشتد بهم الوجد والطرب جعل أحدهم يصفق بيديه ، فأشرت إليه أن هذا حرام لا يجوز ، فلم يترك التصفيق ، ولما انتهى نصحته فلم يقبل ، وقابلته بعد مدة لأذكره بأن هذا التصفيق من عمل المشركين حين قال الله عنهم :
(( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية )). "سورة الأنفال 35 "
[ المكاء : الصفير ، التصدية : التصفيق ]
فقال لي ولكن الشيخ الفلاني أباحه ! فقلت في نفسي : هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى :(5/11)
(( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم)). " سورة التوبة 31 "
ولما سمع عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه الآية ، وكان نصرانياً قبل أن يسلم ، فقال يا رسول الله : إنا لسنا نعبدهم ! فقال له صلى الله عليه وسلم : ( أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال بلى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فتلك عبادتهم ) . " حسن أخرجه الترمذي والبيهقي "
وحضرت ذكر آخر في مسجد كان المنشد يصفق أثناء الذكر ، فقلت له بعد الانتهاء : إن صوتك جميل ولكن هذا التصفيق حرام ، فقال لي : (نغم الغناء لا يتم إلا بالتصفيق ) وقد رآني شيخ أكبر منك فلم ينكر عليّ! ويلاحظ من حضر ذكرهم أنهم يلحدون في أسماء الله فيقولون : (الله – آه – هي – هو – ياهو ) وهذا التبديل والتحريف حرام يحاسبون عليه يوم القيامة .
الضرب بالشيش ( بسيخ الحديد )
هناك زاوية للصوفية قريبة من بيتنا ، ذهبت إليها لأطلع على ذكرهم ،وبعد العشاء حضر المنشدون ،وكانوا يحلقون اللحى ، وجعلوا قولون بصوت واحد :
هات كاس الراح……واسقنا الأقداح(5/12)
يرددون هذا البيت ، ويتمايلون ، ويعيد البيت رئيسهم بمفرده ثم يتبعه الآخرون أشبه بجماعة المغنين والمطربين ! ولا يخجلون من ذكر الخمر في المسجد الذي جُعل للصلاة والقرآن , لأن الراح معناها هنا الخمر , والخمر حرمها الله في كتابه , والرسول في أحاديثه . ثم بدأت الدفوف تضرب بشدة , وتقدم أحدهم وكان كبير السن فخلع قميصه , وصاح بأعلى صوته : يا جداه ! ويقصد به الاستغاثة بأحد أجداده الأموات من أبناء الطريقة الرفاعية , لأنهم مشهورون بهذا العمل ! ثم أخذ سيخاً من حديد , وأدخله في جلد خاصرته , وهو يصيح يا جداه , ثم جاء رجل يرتدي اللباس العسكري , حليق اللحية , فأخذ كأساً من زجاج وجعل يقضمه بأسنانه ! فقلت في نفسي : إن كان هذا الجندي صادقاً فلماذا لم يذهب إلى اليهود ويحاربهم بدلاً من أن يكسر الكأس بأسنانه , وكان ذلك عام 1967م حينما احتل اليهود جزءاً كبيراً من الأرض العربية واندحرت الجيوش العربية , وخسرت الحرب , وكان هذا الجندي من بينهم لم يفعل شيئاً . مع أنه كان خليق اللحية .
إن بعض الناس يظنون أن هذا العمل كرامة ، ولم يعلموا أن هذا العمل من الشياطين المجتمعين حولهم يساعدونهم على ضلالهم ، لأنهم أعرضوا عن ذكر الله وأشركوا بالله حيث استغاثوا بأجدادهم، مصداقاً لقوله تعالى :
(( ومن يعش عن ذكر الله نقيض له شيطاناً فهو له قرين ، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)). "سورة الزخرف 36-37"
والله تعالى يسخر لهم الشياطين ليزيدهم ضلالاً ، لقول الله تعالى :
((قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً)). " سورة مريم 75 "
ولا غرابة من مساعدة الشياطين لهم وقدرتهم على ذلك ، فقد طلب سليمان عليه السلام من جنوده أن يأتوا بعرش الملكة بلقيس :
(( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك )) .
" سورة النمل 39 "
والذين ذهبوا إلى الهند كالرحالة ابن بطوطة وغيره شاهدوا من المجوس أكثر من هذا !(5/13)
فالمسألة ليست مسألة كرامة ولا ولاية ، بل ضرب الشيش وغيره من عمل الشياطين المجتمعين حول الغناء والمعازف التي هي من مزامير الشيطان ، وأغلب الذين يقومون بهذه الأعمال يرتكبون المعاصي ، بل يشركون بالله جهراً فكيف يكونون من الأولياء وأصحاب الكرامات ؟ والله تعالى يقول :
آمنوا و(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنزن الذين كانوا يتقون )) . " سورة يونس 62 "
فالولي هو المؤمن التقي الذي يبتعد عن الشرك والمعاصي ، ويستعين بالله وحده عند الشدائد والرخاء ، وقد تأتيه الكرامة عفواً وبدون طلب وشهرة أمام الناس .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن أفعال أمثال هؤلاء وغيرهم فقال : ولا تحصل لهم هذه الأفعال عند قراءة القرآن والصلاة ، لأن هذه عبادات شرعية إيمانية ، محمدية ، تطرد الشياطين ... وتلك عبادات بدعية شركية ، شيطانية ، فلسفية ، تستجلب الشياطين .
والغريب أن واحداً ممن تأثروا بالفكر الصوفي هو (سعيد حوي) قد انطلت عليه هذه الأباطيل ، فراح يكتب عنها ، ويدعو إلى دراسة الطريقة الرفاعية ، ويروي حادثة سمع بها يقول عنها : حدثني رجل نصراني أن رجلا ضربه في بطنه ، فخرج السيخ من ظهره ... ! ثم يقول : وقد يكون صاحب هذه الكرامة فاسقاً ، فتكون لجده !! " انظر كتاب تربيتنا الروحية 74 "
فالكتاب يأخذ الحادثة عن رجل نصراني ، وقد يكون كاذباً ، وهل تكون الكرامة لفاسق ؟ ومتى كانت بالوراثة ؟ الكرامة تكون للأولياء المتقين ، ولا تكون بالوراثة ، ولا تكون لفاسق ، وإذا حصل شيء خارق للعادة لفاسق ، فلا يسمى كرامة ، كما زعم "سعيد حوي" بل يكون استدراجاً لهم ، ليزيدهم في الضلال ، وسبق أن ذكرت أن المجوس يقومون بأعمال أشد من ضرب السيخ !(5/14)
ثم إن رجلا سلفياً كلف أحد هؤلاء المشعوذين الذين يضربون بالشيش أنفسهم ، أن يدخل دبوساً في عينه ، فامتنع وخاف ، مما يدل على أنه يدخل الشيش في جلده بسيخ خاص ، والذين كانوا يتعاطون مثل هذه الأعمال ثم تابوا تحدثوا عن الدم الذي كان يسيل منهم ، ويغسلونه بعد ذلك .
وحدثني مسلم صادق رأى بعينه جندياً يضرب نفسه بسيخ حديد له شكل خاص ، ورأى الدم يسيل من مكان الشيخ ، ولما أخذوه إلى قائده العسكري قال له : نحن نضربك على رجليك بالبارودة فإن كنت صادقاُ فاصبر وتحمل ، ولما نفذ الضرب به بدأ يبكي ويصيح ويولول ، ويستغيث ، ولم يتحمل الضربات وبدأ الجنود يضحكون عليه ويهزأون به !!
*********
الخلاصة
إن الضرب بالشيش لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، ولا التابعون ، ولا الأئمة المجتهدون ولو كان فيه خيراً لسبقونا إليه ،ولكنه من فعل المبتدعين المتأخرين المستعينين بالشياطين ، المشركين برب العالمين وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه البدع فقال :
( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ) . " صحيح رواه النسائي "
وعمل هؤلاء المبتدعة مردود عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم :
( من عملا عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . " رواه مسلم "
[ أي مردود عليه ] .
وهؤلاء المبتدعة يستعينون بالأموات والشياطين ، وهو من الشرك الذي حذر الله منه بقوله : (( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار ، وما للظالمين من أنصار )) . " سورة المائدة 72 "
قال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار ) .
[ الند : المثل والشريك ] " رواه البخاري "
وكل من اعتقد بهم أو ناصرهم ، فهو منهم .(5/15)
الطريقة المولوية
كانت لهم زاوية خاصة في بلدي تسمى (المولوية) وهي مسجد كبير تقام فيه الصلوات ، وفيه عدد كبير من الأموات ، لها سياج قد بني فوق القبور من الأحجار المزخرفة المرتفعة ، والتي كتب عليها آيات من القرآن ، واسم صاحب القبر ، وأبيات من الشعر ، كان هؤلاء الجماعة يقيمون " حضرة " كل جمعة أو في المناسبات ويلبسون على رؤوسهم (الكلاخ) طربوش طويل من صوف رمادي ويستعملون الناي ، وبعض الآلات الموسيقية عند الذكر يسمع من بعيد ، وشاهدت أحدهم يقف وسط الحلقة ، وهو يدور حول نفسه مراراً ، ولا يتحرك من مكانه ، ويحنون رؤوسهم عند طلب المدد من شيخهم جلال الدين الرومي وغيره .
والغريب أن المساجد في كثير من بلاد المسلمين ـ وهذا المسجد منها ـ يدفنون الأموات فيها متشبهين باليهود والنصارى .
حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ) . " رواه البخاري "
والصلاة إلى القبور منهي عنها لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لا تجلسوا إلى القبور ، ولا تصلوا إليها ) " رواه مسلم وأحمد "
أما البناء على القبور كالشواهد ، والقباب والجدران ، والكتابة عليها ، وتدهينها فاسمع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك :
( نهى أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ) . " أخرجه مسلم "
وفي رواية : ( نهى أن يكتب على القبر شيء )
" رواه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي "
[ يجصص : يطلى بالجص والدهان ].
أما استعمال المعازف في المساجد والذكر فهو من بدع الصوفية المتأخرين ، وقد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم الموسيقى بقوله:
( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ، والحرير ، والخمر والمعازف ) . " رواه البخاري تعليقاً وأبوداود وصححه الألباني وغيره "
ويستثنى من المعازف الدف يوم العيد والنكاح للنساء .(5/16)
وكان هؤلاء يتنقلون في المساجد لإقامة ما يسمى ( النوبة ) وهي الذكر مع المعازف , وكانوا يسهرون في الليل ويسمع أهل الحي أصوات المعازف المنكرة !
كنت أعرف واحداً منهم كان يُلبس ولده ( البرنيطة ) التي يلبسها الكفار , فأخذتها سراً ومزقتها , فانزعج هذا الصوفي من تمزيق البرنيطة وعاتبني غاضباً , فقلت له : أخذتني الغيرة على ولدك الذي يتزيا بزي الكفار واعتذرت له , وكان يعلق لوحة في مكتبه كتب عليها : ( يا حضرة مولانا جلال الدين ) . فقلت له : كيف تنادي هذا الشيخ الذي لا يسمع ولا يستجيب ؟ فسكت . ( هذه خلاصة عن الطريقة المولوية ) .
درس عجيب من شيخ صوفي
ذهبت مرة مع أحد الشيوخ إلى درس في أحد المساجد ، وقد اجتمع إليه عدد من المدرسين والمشايخ ، وكانوا يقرأون في كتاب اسمه : (الحكم لابن عجيبة) وكان الدرس عن تربية النفس عند الصوفية ، وقرأ أحدهم في الكتاب المذكور هذه القصة العجيبة :
ـ دخل رجل صوفي الحمام للاغتسال ، ولما خرج من الحمام سرق المنشفة التي يعطيها صاحب الحمام للمغتسل ، وأبقى طرفها مكشوفاً حتى يراه الناس ويوبخونه ويسبونه ، لأجل أن يذل نقسه ويربيها على الطريقة الصوفية ،وبالفعل فقد خرج الصوفي من الحمام فلحقه صاحب الحمام ، ورأى طرف المنشفة تحت ثوبه ، فوبخه ، وأساء إليه ، والناس يستمعون إليه ويرون هذا الشيخ الصوفي الذي سرق المنشفة من الحمام ، وقد انهالوا عليه بالسب والشتم وغير ذلك مما يفعله الناس مع السارق ، وقد أخذوا صورة سيئة عن هذا الرجل الصوفي !!(5/17)
ـ رجل صوفي آخر أراد أن يربي نفسه ويذلها ، فحمل كيساً في رقبته وملأه جوزاً ، وخرج إلى السوق ، وكان كلما مر صبي قال له : أبصق على وجهي حتى أعطيك جوزة : (فاكهة يحبها الأطفال) فيبصق الصبي على وجه الشيخ فيعطيه جوزة ، وهكذا كان البصاق من أولاد الشوارع يتوارد على وجه الشيخ طمعاً في أخذ الجوزة ، والشيخ الصوفي مسرور ، وعند سماعي لهاتين القصتين كدت أتميز غيطاً ، وضاق صدري من هذه التربية الفاسدة التي يتبرأ منها الإسلام الذي كرم الإنسان بقوله تعالى :
(( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر... )). " سورة الإسراء 70 "
فقلت للشيخ الذي معي بعد خروجنا : هذه هي الطريقة الصوفية في تربية النفس ! وهل تكون تربيتها في السرقة المحرمة التي حكم الشرع بقطع يد السارق ؟ أم هل تكون بالمهانة والصغار وارتكاب أخس الأعمال ؟ إن الإسلام يأبى هذا العمل ، ويأباه العقل السليم الذي كرم الله به الإنسان ، وهل هذه من الحكم التي سمى الشيخ كتابه : ( الحكم لابن عجيبة ) !!
ومن الجدير بالذكر أن هذا الشيخ الذي يترأس الدرس له أتباع وتلاميذ كثيرون ، فمرة أعلن الشيخ أنه يريد الحج فذهب التلاميذ للاكتتاب عنده وتسجيل أسمائهم ليرافقوه إلى الحج ، حتى النساء بدأن الاكتتاب وربما احتجن إلى بيع الحلي من أجل ذلك ، حتى بلغ عدد الراغبين كثيراً ، واجتمعت الأموال لديه كثيرة جداً ، ثم أعلن عدم استطاعته الحج ، ولم يرد الأموال لأصحابها ، بل أكلها بالحرام ، وصدق عليه قول الله تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلوا أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله )) . " سورة التوبة 34 "
وسمعت أحد أتباعه وهو من الأغنياء الذين عاملوا الشيخ يقول عن الشيخ : أكبر دجال وأكبر محتال !!(5/18)
الذكر في المساجد عند الصوفية
حضرت مرة ذكراً للصوفية في مسجد الحي الذي أسكن فيه وجاء رجل منهم حسن الصوت لينشد لهم الأناشيد والقصائد أثناء الذكر في حلقة اجتمع فيها أهل الحي ، وكان مما سمعته من هذا الصوفي قصيدة أذكر منها قوله : يا رجال الغيب ساعدونا وأنقذونا أنصرونا ... إلى آخر هذه الاستغاثات ، وطلب الحاجات من الأموات الذين لا يسمعون ، ولو سمعوا ما استجابوا لهم ، ولا يملكون النفع لأنفسهم فضلاً عن غيرهم ، وقد أشار القرآن إلى هؤلاء فقال :
(( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير )) . " سورة فاطر 13-14 "
وبعد الخروج من الذكر وانتهائه قلت للشيخ إمام المسجد الذي شارك فيه : إن هذا الذكر لا يستحق أن يسمى ذكراً ، لأنني لم أسمع فيه ذكر الله ، ولا طلباً من الله ، ولا دعاء ، وإنما سمعت نداء ودعاء لرجال الغيب ، ومن هم رجال الغيب الذين يستطيعون نصرنا وإنقاذنا ومساعدتنا . فسكت الشيخ ، وأكبر رد على هؤلاء قوله تعالى :
((والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون)).
" سورة الأعراف 197 "(5/19)
ذهبت مرة أخرى إلى مسجد آخر فيه عدد كبير من المصلين وفي المسجد شيخ صوفي له أتباع ، وبعد الصلاة قاموا إلى الذكر فبدأوا ينطون ويرقصون في الذكر وهم يصيحون : الله ـ آه ـ هي ، واقترب المنشد من الشيخ ، وبدأ يرقص أمامه ويتمايل كأنه مغنية أو راقصة ، وهو يتغزل بشيخه ، والشيخ ينظر إليه مبتسماً راضياً وكنت أزور هذا الشيخ أحياناً مع شيخي وهو من الصوفية أيضاً ، ومرة ذهبنا إليه بعد رجوعه من الحج ، وجلسنا نستمع إليه ، فبدأ يتحدث عن ركوبه في سيارة مريحة عريضة من نوع (أمريكي) وذلك حين تنقله من مكة إلى المدينة ، فقلت في نفسي : ما الفائدة من هذا الكلام ، وكان الأولى أن يتحدث عن فوائد الحج الاجتماعية والروحية وغيرها تحقيقاً لقول الله تعالى :
(( لشهدوا منافع لهم )) . " سورة الحج 28 "
كيف يعامل الصوفية الناس
1- اشتريت من أحد تلاميذ الشيخ الصوفي المذكور حانوتاً وشرطت عليه أن يكفل المستأجر إذا تأخر عن دفع الإيجار فرضي بذلك ، وبعد فترة امتنع المستأجر عن الدفع ، فراجعت المالك السابق الذي اشتريت منه ، فرفض أن يدفع شيئاً بحجة أنه ليس لديه ما يدفعه ، وبعد أيام قليلة يذهب هذا الصوفي مع شيخه إلى الحج ، فعجبت له ، وعرفت أنه كاذب. ثم شكوت أمري لبعض تلامذة الشيخ المقربين ما فعل هذا الرجل الذي غشني وباعني الحانوت من مستأجر لا يدفع الإيجار فلم يفعل شيئاً وقال لي : ماذا نفعل معه ؟ ولو كان منصفاً لاستدعاه وطلب منه أن يؤدي حق الناس .
وكنت أتردد على مكان هذا الكفيل ، وعنده معمل للنسيج ، فرآني أحد تلامذة الشيخ الذي كان ينشد القصائد ويتمايل أمام الشيخ راقصاً ، فعرف أني أريد زميله ، وطلبت منه أن يدلني عليه ، وذكرت له عمله ـ فبدلاً من أن ينصفني انهال عليّ بالكلام الفاحش والبذيء ، فتركته فقلت في نفسي هذه أخلاق الصوفية وقد حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :(5/20)
( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ) " متفق عليه "
كيف اهتديت إلى التوحيد ؟
كنت أقرأ على الشيخ الذي درست عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما : وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) . "رواه الترمذي وقال حسن صحيح" فأعجبني شرح النووي حين قال : " ثم إن كانت الحاجة التي يسألها ، لم تجر العادة (1) بجريانها على أيدي خلقه ، كطلب الهداية والعلم .. وشفاء المرضى وحصول العافية سأل ربه ذلك ، أما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم " .
فقلت للشيخ هذا الحديث وشرحه يفيد عدم جواز الاستعانة بغير الله ، فقال لي : بل تجوز !! قلت : وما دليلك ؟ فغضب الشيخ وصاح قائلاً : إن عمتي تقول يا شيخ سعد ـ وهو مدفون في مسجد تستعين به ـ فأقول لها يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد ؟ فتقول : أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني !!
قلت له : إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب ، ثم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة ! فقال لي عندك أفكار وهابية ، أنت تذهب للعمرة وتأتي بكتب وهابية !!!
__________
(1) 2 لفظ العادة لم يرد في حق الله ، والذي ورد ( سنة الله ) " والآية من الأحزاب "(5/21)
وكنت لا أعرف شيئاً عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ : فيقولون عنهم: الوهابيون مخالفون للناس لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم, ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم , وغيرها من الاتهامات الكاذبة! فقلت في نفسي إن كانت الوهابية تؤمن بالاستعانة بالله وحده , وأن الشافي هو الله وحده , فيجب أن أتعرف عليها , سألت عن جماعتها فقالوا لهم مكان يجتمعون فيه مساء الخميس , لإلقاء دروس في التفسير والحديث والفقه , فذهبت إليهم مع أولادي وبعض الشباب المثقف , فدخلنا غرفة كبيرة , وجلسنا ننتظر الدرس , وبعد فترة دخل علينا شيخ كبير السن , فسلم علينا وصافحنا جميعاً مبتدئاً بيمينه ، ثم جلس على مقعد ، ولم يقم له أحد ، فقلت في نفسي هذا الشيخ متواضع لا يحب القيام.
بدأ الشيخ الدرس بقوله : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، إلى آخر الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ، ثم بدأ يتكلم باللغة العربية ، ويورد الأحاديث ، ويبين صحتها وراويها ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه ، وأخيراً وجهت له الأسئلة المكتوبة على الأوراق ، فكان يجيب عليها بالدليل من القرآن والسنة ، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يرد سائلاً ، وقد قال في آخر درسه : الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون : ( وهم الذين يتبعون السلف الصالح : الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته )، وبعض الناس يقولون إننا وهابيون ، فذا تنابز بالألقاب ، وقد نهانا الله عن هذا بقوله : (( ولا تنابزوا بالألقاب )) " سورة الحجرات 11 "
وقديماً اتهموا الإمام الشافعي بالرفض فرد عليهم قائلاً :
إن كان رفضاً حب آل محمد…فليشهد الثقلان أني رافضي
ولما انتهى خرجنا مع بعض الشباب معجبين بعلمه وتواضعه وسمعت أحدهم يقول : هذا هو الشيخ الحقيقي !!!(5/22)
معنى وهابي
أطلق أعداء التوحيد على الموحد كلمة ( وهابي ) نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب ، ولو صدقوا لقالوا ( محمدي ) نسبة إلى اسمه ( محمد ) ، وشاء الله أن تكون " وهابي " نسبة إلى ( الوهاب ) وهو اسم من أسماء الله الحسنى . فإذا كان الصوفي ينتسب إلى جماعة يلبسون الصوف ، فإن الوهابي ينتسب إلى الوهاب ، وهو الله الذي وهب له التوحيد ، ومكنه من الدعوة إليه بتوفيق الله .
مناقشة مع شيخ صوفي
لما علم الشيخ الذي كنت أدرس عليه أنني ذهبت إلى السلفيين واستمعت إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني غضب غضباً شديداً لأنه يخشى أن أتركه وأتحول عنه ، وبعد فترة من الزمن جاءنا شخص من جيران المسجد ليحضر الدرس معنا في المسجد بعد المغرب ، وبدأ يقص علينا أنه سمع من درس أحد المشايخ الصوفي يقول : إن تلميذاً له تعسّر على زوجته المخاض والولادة ، فاستغاث بشيخ صغير ( ويقصد نفسه ) فولدت ، وذهب العسر عنها ، فقال له الشيخ الذي ندرس عليه : وماذا فيها ؟ فقال له : هذا شرك ، فقال له الشيخ : أسكت ، أنت لا تعرف الشرك ، أنت رجل حداد ، ونحن المشايخ عندنا علم ، ونعرف أكثر منك، ثم نهض الشيخ إلى غرفته، وجاء بكتاب " الأذكار للنووي "وبدأ يقرأ قصة ابن عمر أنه كان إذا خدرت رجله قال : يا محمد !! فهل أشرك ؟ فقال له الرجل : هذا ضعيف " أي غير صحيح " فصاح الشيخ به غاضباً : أنت لا تعرف الصحيح من الضعيف ، ونحن العلماء نعرف ذلك ، ثم التفت إليّ وقال لي : إذا حضر هذا الرجل مرة أخرى سأقتله ! وخرجنا من المسجد ، وطلب الرجل مني أن أرسل ولدي معه ليأتي بكتاب (الأذكار) بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، فجاء به وأعطاني إياه ، وإذا بالقصة يقول عنا المحقق ( ضعيف ) وفي اليوم الثاني أعطاه ولدي الكتاب فوجد أن القصة غير صحيحة ، فلم يعترف بخطئه وقال : هذه من فضائل الأعمال يؤخذ فيه بالحديث الضعيف!! أقول : إن هذه ليست من فضائل الأعمال كما يزعم الشيخ ، بل هي من(5/23)
العقيدة التي لا يحوز الأخذ فيها بالحديث الضعيف علماً بأن الإمام مسلم وغيره يرون عدم الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال . والقائلون من المتأخرين بجواز الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشروط عديدة قلّ أن تتوفر ، وهذه القصة ليست حديثاً ، وليست من فضائل الأعمال بل هي من أساس العقيدة كما أسلفت ، وفي اليوم الثاني جئنا إلى الدرس ، وبعد تسليم الشيخ من الصلاة ، خرج من المسجد ، ولم يجلس كعادته إلى الدرس .
حاول الشيخ أن يقنعني بأن الاستعانة بغير الله جائزة كالتوسل ، فبدأ يعطيني بعض الكتب ، ومنها كتاب " محق التقول في مسألة التوسل" لمؤلفه ( زاهد الكوثري ) ، فقرأت فيه ، فإذا به يجيز الاستعانة بغير الله ، ويأتي إلى حديث : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " فقال عنه الكوثري : طرقه واهية ( أي ضعيف ) لذلك لم يأخذ به علماً بأن الحديث ذكره الإمام النووي في كتابه الأربعين النووية ، ورقمه التاسع عشر ، وقد روى الحديث الإمام الترمذي وقال عنه حسن صحيح واعتمده النووي وغيره من العلماء، فعجبت من الكوثري كيف رد الحديث ، لأنه خالف عقيدته، فازددت بغضاً فيه وفي عقيدته ، وازددت حباً في محبة السلفيين وعقيدتهم التي تمنع الاستعانة بغير الله للحديث المتقدم ولقول الله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) . " سورة يونس 106 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ).
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
وعندما رآني شيخي لم أقتنع بالكتب التي أعطاها لي ، هجرني وأشاع عني ( وهابي احذروه ) فقلت في نفسي لقد قالوا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (ساحر أو مجنون ) وقالوا عن الإمام الشافعي رافضي فرد عليهم قائلاً
إن كان رفضاً حب آل محمد …فليشهد الثقلان أني رافض
واتهموا أحد الموحدين بالتوهب فرد عليهم قائلاً :(5/24)
إن كان تابع أحمد متوهباً……فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي…رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ، ولا وثن ولا……قبر له سبب من الأسباب
وأنني أحمد الله الذي هداني للتوحيد وعقيدة السلف الصالح ، وبدأت أدعو إلى التوحيد وأنشره بين الناس أسوة بسيد البشر الذي بدأ دعوته في مكة بالتوحيد ثلاثة عشر عاماً ، وتحمل مع أصحابه الأذى فصبر ، حتى انشر التوحيد ، وتأسست دولة التوحيد بفضل الله .
موقف المشايخ من التوحيد
أصدرت نشرة مكونة من أربع صفحات عنوانها : ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، إياك نعبد وإياك نستعين ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) وشرحت معناها ، واستشهدت بقول النووي في شرح الحديث ، وقول غيره من العلماء الداعين إلى التوحيد ، ولئلا يقول المشايخ عن النشرة إنها وهابية ذكرت قول الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه : " الفتح الرباني "
( سلوا الله ، ولا تسألوا غيره ، استعينوا بالله ولا تستعينوا بغيره ، ويحك بأي وجه تلقاه غداً ، وأنت تنازعه في الدنيا ، معرض عنه، مقبل على خلقه مشرك به ، تنزل حوائجك بهم ، وتتكل بالمهمات عليهم ! ارفعوا الوسائط بينكم وبين الله ، فإن وقوفكم معها هوس ، لا ملك ولا سلطان ، ولا غنى ، ولا عز إلا للحق عز وجل ، كن مع الحق ، بلا خلق ).
[ أي كن مع الحق بدعائه بلا واسطة من خلقه ].(5/25)
هذه خلاصة النشرة المكونة من أربع صفحات صغيرة ، وقد سمحت بطبعها وزارة الإعلام ، وطبعت منها ثلاثين ألف نسخة ، وقد وزع ولدي منها نسخاً قليلة ، وسمع أحد المشايخ يقول : هذه نشرة وهابية ، ووصلت إلى شيخ كبير في البلد فأنكرها ، وطلب مقابلتي فذهبت إلى بيته وكان هذا الشيخ قد درس معي في مدرسة الخسروية بحلب ، وهي الآن الثانوية الشرعية ، ولما قرعت الجرس خرجت بنت فقلت لها : " محمد زينو " ، فدخلت ثم رجعت ، فقالت لي : سيأتي للمدرسة بعد قلبل . فانتظره هناك ، فجلست عند دكان الحلاق المجاور لبيته حتى خرج ، فلحقته ، وقلت له : ماذا تريد مني ؟ فقال لي : لا أريد هذه النشرة ! قلت له: لماذا ؟ فقال : لا نريدها ، فقلت له ـ وقد وصلنا إلى باب المدرسة ـ : سأدخل معك إلى المدرسة وأقرأ الرسالة ، فقال : لا يوجد عندي وقت ! قلت له : طبعت منها ثلاثين ألف نسخة ، وكلفتنا مالاً وجهداً ، فماذا نفعل بها ، هل نحرقها ؟ فقال لي : نعم أحرقها !! قلت في نفسي سأذهب إلى الشيخ محمد السلقيني أستاذي في الفقه الحنفي ، فذهبت إليه ، وقلت له : عندي رسالة صغيرة فقال لي أحد المشايخ : أحرقها ، فقال لي : اقرأها عليّ ، فقرأتها عليه، فقال لي : هذه الرسالة فيها القرآن الكريم كلام الله ، وفيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نحرقها ؟ فقلت له : جزاك الله خيراً ، سوف أوزعها ، ولن أحرقها ، وبعد فترة وزعتها ، ووجدت قبولاً عند الشباب المثقف ، حتى إنني وجدت من طبعها ووزعها في مكتبه الوتار بالمسكية في مدينة دمشق ، فحمدت الله على أن هيأ لهذه الرسالة من يطبعها ويوزعها مجاناً ليعم نفعها ، وتذكرت قول الله عز وجل :
((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)). " سورة التوبة 31-32 "(5/26)
ثم طبعت هذه الرسالة في كتابي ( منهاج الفرقة الناجية ) فالذي يريد الإطلاع عليها يقرأ الكتاب المذكور ، فسيجدها بنفس العناوين المذكورة آنفاً .
أهدى إليّ أحد المشايخ كتاباً فيه قصة ثعلبة المشهورة ولما أراد تجديد طبع الكتاب نصحته أن يرجع إلى أقوال العلماء ، ولا سيما في كتاب : ( الإصابة في أسماء الصحابة ) لابن حجر ، فقد نبه هو وغيره على عدم صحتها ، فلم يقبل النصيحة ، وقال لي : أنت نشيط أترك هذه المسائل ! قلت إذا تركتها فسوف أدعو إلى التوحيد الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله ابن عباس وهو غلام، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يا غلام إني أعلمك كلمات ... إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ... ) إلى آخر الحديث الذي ذكره النووي وقال عنه الترمذي : ( حسن صحيح ) فقال لي : نحن نسأل غير الله !!!
رد الحديث بكل وقاحة وسوء أدب ، مخالفاً قوله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) . [ أي المشركين ] " سورة يونس 106 "(5/27)
ثم مضت سنوات قليلة وإذا بهذا الشيخ الذي يسأل غير الله يقتل ولده ، ويوضع ولداه في السجن ،ويترك داره ويهاجر إلى بلد آخر، فلا يلوي على شيء ، وقدر الله أن ألتقي بهذا الشيخ في الحرم المكي الشريف، والأمل على أنه عاد إلى رشده ، ورجع إلى الله يسأله الستر والحماية والنصر فسلمت عليه ، وقلت له : إن شاء الله سنعود إلى بلادنا ، ويفرج الله عنا ، فيجب علينا أن نتوجه إلى الله ونسأله العون والتأييد ،فهو القادر وحده ، فما رأيك ؟ فقال لي : المسألة فيها خلاف ! قلت له : وأي خلاف ؟ أنت إمام مسجد وتقرأ في صلاتك كل ركعة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ويكررها المسلم في يومه عشرات مرات ، ولا سيما في صلاته ، فلم يتراجع هذا الشيخ الصوفي النقشبندي عن خطئه ، بل أصر ، ويدأ يجادل ، ويعتبر المسألة خلافية ليبرر موقفه الخاطيء ! إن المشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون أولياءهم في وقت الرخاء ، ولكن إذا وقعوا في شدة أو كرب سالوا الله وحده ، كما قال الله تعالى عنهم :
(( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وطنوا أنهم أحيط بهم ، دعوا الله مخلصين له الدين، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين))."سورة يونس21"
وقال عن المشركين : (( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ))
" سورة النحل 53 "
دخلت مرة على شيخ كبير له طلاب وأتباع ، وهو خطيب وإمام مسجد كبير وبدأت أتكلم معه عن الدعاء وأنه عبادة لا يجوز إلا لله وحده ، وأتيت له بدليل من القرآن وهو قول الله تعالى :
(( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً)) . " سورة الإسراء 56-57 "(5/28)
فما المراد من قوله : (( أولئك الذين يدعون ..)) ؟ فقال لي : الأصنام ، قلت له : المراد الأولياء الصالحون .. فقال لي : نرجع إلى تفسير ابن كثير فمد يده إلى مكتبه ، وأخرج تفسير ابن كثير فوجد المفسر يقول أقوالاً كثيرة أصحها رواية البخاري التي تقول: " قال ناس من الجن كانوا يُعبدون فأسلموا ، وفي رواية كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. فقال لي الشيخ : الحق معك ، ففرحت بهذا الاعتراف الذي قاله الشيخ ، وبدأت أتردد عليه وأجلس في غرفته ، وفوجئت مرة كنت عنده فقال للحاضرين : إن الوهابية نصف كفار لأنهم لا يؤمنون بالأرواح فقلت في نفسي لقد ارتد الشيخ وخاف على منصبه فافترى على الوهابية ، والإيمان بالأرواح لا ينكره الوهابية ، لأنها ثابتة في القرآن والحديث، ولكنهم ينكرون أن تكون للروح تصرفات كإغاثة الملهوف ، وعون الأحياء ، ونفعهم وضرهم ، لأن هذا من الشرك الأكبر الذي ذكره القرآن عن الأموات بقوله :
(( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير )). " سورة فاطر 14 "
فهذه الآية صريحة في أن الأموات لا يملكون شيئاً ، وأنهم لا يسمعون دعاء غيرهم ، وعلى فرض سماعهم لا يستطيعون الإجابة ، ويوم القيامة يكفرون بهذا الشرك الذي صرحت به الآية: (( ويوم القيامة يكفرون بشرككم )) " سورة فاطر 13 "
لا يعلم الغيب إلا الله
كنت مع بعض المشايخ في مسجد الحي نتدارس القرآن بعد الفجر ، وكلهم من حفظة القرآن الكريم . وقد مر معنا حين تلاوة القرآن قوله تعالى :
(( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ))
" سورة النمل 65 "(5/29)
فقلت لهم : إن هذه الآية دليل واضح على أنه لا يعلم الغيب أحد إلا الله ، فقاموا علي وقالوا : الأولياء يعلمون الغيب !! فقلت لهم , ما هو دليلكم ؟ فبدأ كل واحد يقص قصة سمعها من بعض الناس , وأن الولي الفلاني يخبر بأمور غيبية ! قلت لهم : هذه القصص قد تكون كاذبة وليست دليلاً , ولا سيما وأنها تعارض القرآن , فكيف تأخذون بها , وتتركون القرآن ؟!! ولكنهم لم يقتنعوا وبدأ بعضهم يصيح وأخذه الغضب, ولم أجد واحداً منهم أخذ بالآية , بل اتفقوا جميعاً على الباطل ودليلهم قصص خرافية تناقلوها ليس لها أصل , وخرجت من المسجد ولم أحضر معهم في اليوم الثاني , بل جلست مع أطفال أقرأ معهم القرآن , فهو خير لي من الجلوس مع حفظة للقرآن يخالفون عقيدته ولا يطبقون أحكامه , والواجب على المسلم إذا رأى أمثال هؤلاء أن لا يجالسهم امتثالاً لقوله تعالى :
(( وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ))
" سورة الأنعام 68 "
وهؤلاء ظالمون أشركوا مع الله عباداً يعلمون الأمور الغيبية في زعمهم ، والله يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يقول للناس :
(( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني من السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون )) . " سورة الأعراف 188 "
وهؤلاء الحفظة لكتاب الله سيكون القرآن حجة عليهم لا لهم كما قال صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجة لك أو عليك ) . " رواه مسلم "
وقد ضرب الله مثلاً للذين لا يعلمون بالكتب المنزلة مثل التوراة فقال : (( مثل الذين حملوا التوراة ، ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، والله لا يهدي القوم الظالمين )) . " سورة الجمعة آية 4 "(5/30)
فهذه الآية وإن كانت في حق اليهود الذين علموا التوراة ولم يعملوا بها فهي تنطبق على كل من يعلم القرآن ولا يعمل به . وقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا العلم الذي لا ينفع فقال :
( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ) . " رواه مسلم "
[ أي لا أعمل به ، ولا أبلغه غيري ولا يبدل من أخلاقي وأقوالي وأفعالي ] " ذكره فيض القدير نقلاً عن المظهري "
وفي الحديث : ( اقرأوا القرآن واعملوا به ولا تأكلوا به .. ) .
" صحيح . أخرجه أحمد وغيره "
كنت أصلي في مسجد قريب من داري ، وكان إمامه يعرفني ، ووجد مني الدعوة إلى توحيد الله وعدم دعاء غيره ، فأعطاني كتاباً اسمه " الكافي في الرد على وهابي " ، ومؤلفه رجل صوفي فقرأت الكتاب من أوله إلى آخره بدقة ، وإذا به يقولفيه : إن هناك رجالاً يقولون للشيء كن فيكون ! فعجبت من هذا القول الكاذب ، لأن هذا من صفات الله وحده ، والبشر عاجزون عن خلق الذباب، بل عاجزون أن يستردوا ما أخذه الذباب من طعامهم ، وقد ضرب الله تعالى مثلاً للناس يبين ضعف المخلوقات فقال :
(( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب )) . " سورة الحج الآية 73 "(5/31)
فحملت الكتاب إلى صاحبه وقد حفظ القرآن معي في دار الحفاظ وقلت له : هذا الشيخ يدعي أن رجالاً يقولون للشيء كن فيكون ، فهل هذا صحيح ؟ فقال لي : نعم ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كن ثعلبة ) فكان ثعلبة ! قلت له : هل كان ثعلبة معدوماً فأوجده الله من العدم ؟ أم كان غائباً ، وكان بانتظاره وقد تأخر ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبحاً من بعيد تفاءل وقال : ( كن ثعلبة ) كأنه يقول أدعو الله أن يكون القادم هو ثعلبة ، حتى يسير الجيش ولا يتأخر ، فاستجاب الله دعاءه ، وكان القادم ثعلبة ، فسكت الرجل ، وغرف بطلان كلام الشيخ المؤلف ، والكتاب ما زال موجوداً عند صاحبه .
جولة مع جماعة التبليغ
جماعة التبليغ لها نشاط واسع في البلاد العربية والإسلامية ، حتى في البلاد الأجنبية كفرنسا وغيرها من البلاد .
وتمتاز هذه الجماعة بالتواضع في رحلاتها ، والإخلاص في دعوتها ، والنظام في سفرها ، ومأكلها ، وخروجها ، ومقر عملها المساجد التي تنزل فيها ، وتذهب إلى المقاهي وغيرها لتأتي بأهلها إلى المساجد لأداء الصلاة ، ويلقي أحد أفرادها بياناً على المجتمعين في المسجد ، وهذا عمل طيب .
للجماعة أمير عام هو الشيخ إنعام الحسن ، ومقره في الهند ولهم اجتماع عام ، وغالباً ما يكون في باكستان . وفي كل بلد لهم أمير يأخذون برأيه عند المشورة . ولهم كتاب يسمى ( تبليغي نصاب ) باللغة الأوردية ، وترجم بالعربي وللعلماء عليه مأخذ ، من حيث العقيدة ، وفيه أفكار صوفية وغيرها ، وأكثر ما يعتمدون عليه من الكتب هو :
رياض الصالحين : وهو كتاب جيد ، ولا سيما النسخة المحققة التي تبين الحديث الصحيح من الضعيف ، وهذا مهم جداً عند أهل العلم .
حياة الصحابة : كتاب جيد ، وفيه أحاديث ضعيفة وموضوعة ، يحتاج إلى تحقيق وتخريج ، كما سيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء الله .
ج) ولهم صفات ستة يتمسكون بها ، ويعلمونها لأفراد جماعتهم،(5/32)
وسيأتي مناقشتها فيما بعد ، وهذه الشروط كما يلي :
تحقيق كلمة " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " .
إقامة الصلاة بالخشوع والخضوع .
العلم مع الذكر .
إكرام المسلمين .
إخلاص النية لله تعالى .
الدعوة إلى الله تعالى .
الخروج مع التبليغ للدعوة
لقد تأثرت باديء الأمر في دعوتهم ، وخرجت معهم في مختلف البلدان :
خرجت معهم في مدينة حلب التي أسكنها ، وتجولنا في المساجد، ولا سيما يوم الجمعة ، فخرجنا جماعة إلى حي من أحياء حلب يسمى (قرلق) فيه مسجد كبير ، ودخلت المسجد قبل صلاة الجمعة ، وخرجت مع ابن عمتي ـ بناء على توجيه الأمير ـ إلى السوق ، ودخلنا " مقهى كبير " فيه ناس يلعبون بالنرد والطاولة ، والأوراق التي فيها تصاوير للصبي ، وللبنت والرجل الكبير وكانت مهمتنا تنحصر في دعوة الناس إلى الصلاة ، فدعوناهم واستجابوا إلا القليل منهم وعد بأن يكمل اللعب ثم يأتي للمسجد .
ولما انتهينا من الجولة في الأسواق ، ذهبنا إلى المسجد ، وكان الأمير ينتظرنا ، ولما وصلنا أعطاني كتاب " رياض الصالحين " وطلب مني أن أقرأ " من آداب المسجد " فقرأت فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا ، وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته ) . " متفق عليه "
فشرحت للحاضرين في المسجد الحديث ، وبينت لهم أن رائحة الدخان أشد من رائحة الثوم والبصل ، فعلى المسلم أن يتجنبه لأنه يضر جسمه ، ويؤذي جاره ، ويتلف ماله ، ولا فائدة من التدخين ..
وإذا بالأمير ينظر إلى الكتاب الذي أقرأه ، وهو "رياض الصالحين " كأنه يقول لي : هذا الكلام عن التدخين غير موجود في الكتاب ، فلا تقله! وهذا خطأ ، لأن التدخين منتشر بين المسلمين ، حتى بين المصلين، فلا بد من التحذير منه ، ولا سيما عند التحذير من أكل الثوم والبصل عند دخول المسجد .(5/33)
ولاحظت عند الأحباب ( جماعة التبليغ ) بعض الأحاديث الضعيفة ، فذكرتهم بذلك فقالوا لي تعال معنا إلى الأمير العام وهو بالأردن ، فكلمه بذلك .
ذهبت مع الجماعة إلى مدينة (حماه) فكنا ندق الأبواب ، فيخرج صاحب البيت ، ويدعوه الأمير إلى الحضور إلى المسجد ليجتمع بهم ويسمع الدرس والبيان ، دخلت على أميرهم في مسجدهم ، فقال للوفود الحاضرين :
نحن سجدنا لله ، فأسجد الله لنا العالم !!
وهذا خطأ كبير ، فالسجود عبادة لا يجوز لغير الله .
قال الله تعالى : (( فاسجدوا لله واعبدوا )) . " سورة النجم آخرها "
ورأيت رجلاً يناقش الأمير قائلاً: لماذا تفصلون الدين عن السياسة؟ وتقولون : لا سياسة في الدين ، مع أن الدين فيه سياسة ، فسكت الأمير ولم يعط الجواب كما هي عادتهم ، ورأيت شاباً يدخن على باب المسجد وله لحية جميلة ، فنصحته أن يترك التدخين ، وأعطيته قلنسوة هدية ، فوضعها على رأسه ، وألقى السجارة في الأرض ، فعلم الأمير بذلك واستدعاني ، وأنكر عليّ ذلك وقال لي : أتركه يدخن في الغرفة المجاورة للمسجد حتى يتركه بنفسه ! أقول: هذا خطأ فادح ، يتركه يدخن حتى في الغرفة التي بجوار المسجد ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
ومررنا في سوق بلدة (حماه) فقال أحد المرافقين : لا أريد أن أمر بهذا السوق ، لأن والدي سوف يراني ويغضب ، لأنني تركته في الدكان وحده ، وتركت زوجتي وحدها في البيت ، وهي على أهبة الولادة فقلت له : هذا لا يجوز شرعاً ، اذهب إلى والدك واعتذر منه ، أو أكتب له رسالة ، واذهب إلى زوجتك واسأل عنها ، فقد تكون مريضة أو بحاجة إلى من يرعاها هي وأولادها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول ) . " حسن رواه أحمد وغيره "(5/34)
ثم ذهبنا إلى دمشق ، ودخلنا مسجد " كفر سوسة " فألقى بعد الصلاة شاب بياناً ذكر فيه حديثاً قال فيه : ( الدنيا قرار من لا قرار له ) وبعد أن انتهى من كلمته قلت له : هل هذا حديث صحيح ؟ فقال لي: سمعته من الأحباب ، قلت له : هذا لا يكفي ، فالتفت إلى رجل عالم بجانبه وسأله عن الحديث ؟ فقال له : هذا ليس بحديث ، ثم نصحته برفق أ، يتحرى الأحاديث الصحيحة ويبتعد عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
ولما رآني أميرهم جاءني وقال لي : لا تعلمه ، الله يعلمه !!
علماً بأنه يخصص لهم دروساً في الفقه وغيره .
ومضت أعوام ، وجئت إلى مكة ، فرأيت الرجل يذهب إلى الحرم قبل صلاة الجمعة ، فلحقت به ، وسلمت عليه ، وقلت له: أنت أبو شاكر؟ فقال لي : نعم ، قلت له : أنت الذي كنت في دمشق وقلت لي : لا تعلم هذا الشاب ، الله يعلمه ؟ فقال : نعم ، قلت : كيف تقول ذلك ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم). " حسن انظر صحيح الجامع"
فقال لي : إنني أخطأت ، ونصحته ألا يرفض العلم والنصيحة ، علماً بأنه مدرس في الطائف ، ولا بد أنه تعلم حتى أصبح معلماً .
وذهبت في جولة معهم وكنا ثلاثة ، فدخلنا غرفة فيها شباب يلعبون بالورق ، ويسمونه ( الشدة ) وفيها تصاوير وأرقام وأعداد ، فتكلمت مع الشباب برفق ، وقلت لهم : هذا حرام يضيع أوقاتكم ، ويجر إلى لعب الميسر ، ويورث العداوة بين اللاعبين ، فاقتنعوا وبدأوا يمزقون الورق الذي كانوا يلعبون به ، وأعطوني بعضها حتى أشاركهم في تمزيقها ، فمزقت بعض الأوراق مشاركة لهم وكسباً للأجر ، ثم ذهبوا معنا إلى الصلاة في المسجد .
ولما علم بذلك أميرهم استدعاني ، وأنكر عليّ تمزيق الورق الذي كانوا يلعبون به ، قلت له : لقد طلبوا مني مشاركتي لهم في التمزيق ففعلت ، وهم الذين بدأوا بتمزيق الورق قبلي ، فلم يقبل ذلك !(5/35)
قلت في نفسي : هؤلاء يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
ثم ذهبت معهم إلى الأردن ، ولهم مسجد كبير في (عمان) يجتمعون فيه ، فنزلنا في المسجد ، وصلينا فيه ، ثم ألقى أحد المسؤولين بياناً ذكر فيه أشياء غريبة ، قال يخاطب الحاضرين :
يا أحبابنا لا تأكلوا كثيراً ، حنى لا تتغوطوا كثيراُ ، فالإمام الغزالي ذهب إلى الحج مدة شهر ولم يتغوط ( أي لم يذهب للحمام ) فقال له أحد الجالسين : من أين أتيت بهذه القصة ؟ فأنكرها عليه ، لأنه لا يمكن للإنسان البقاء مدة شهر دون قضاء حاجته ، ثم قام الرجل من المسجد ، وترك الاجتماع .
ثم قال في بيانه وهو يقرأ من كتاب " حياة الصحابة " : لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف التقى بخادم اسمه (عداس) فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن بلده ؟ فقال من بلد (نينوى) قال له : من بلدة (يونس عليه السلام) ذاك أخي في النبوة ، فسجد عداس للرسول صلى الله عليه وسلم .
لقد استغربت هذا الكلام ، كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسجد له (عداس) والسجود لا يجوز إلا لله .
وهذه القصة غير صحيحة ، وقد روي أن (عداس) أكب على قدمي الرسول صلى الله عليه وسلم يقبلهما ، وهذا التقبيل يختلف عن السجود تماماً ، فالكتاب " حياة الصحابة " يحتاج إلى تحقيق لمعرفة الصحيح من الضعيف والموضوع ، وقد نصحت الأخ ( محمد علي دولة ) وطلبت منه أن يحقق الكتاب لأنه هو الذي تولى طبعه ونشره ، فقال لي : الكتاب كله في الفضائل ، وليس فيه أحكام ، قلت له : هذا غير صحيح ، وأتيت له بحديث أورده مؤلف " حياة الصحابة " وهو :
( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) قال عنه المحدثون: إنه موضوع ، فسكت الأخ ( محمد علي دولة ) .(5/36)
وقد التقيت بالشيخ نايف العباسي رحمه الله تعالى في دمشق وقلت له : لقد قرأت في كتاب " حياة الصحابة " الذي حققته ما يلي :
" لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف ، وقد دعاهم للإسلام ، فردوا عليه دعوته، وآذوه ، فجلس يقول :
( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ، أم إلى قريب ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي .. إلى آخر الدعاء ) " .
كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم معاتباً ربه : إلى من تكلني ؟! [ أي تتركني ] ، والله تعالى يقول له :
(( ما ودعك ربك وما قلى )) " سورة الضحى 3 "
[ أي ما تركك ربك وما أبغضك ] " انظر تفسر ابن كثير "
فقال لي الشيخ نايف العباسي : والله كلامك صحيح ، رسول الله لا يقول هذا الكلام ، ولكني حققت الكتاب من الناحية التاريخية واللغوية ، وهذا الكتاب يحتاج إلى مثل الشيخ ناصر الدين الألباني ليخرج أحاديثه . قلت له : إن الشيخ ناصر حفظه الله ضعّف الحديث ، وقال : في متنه نكارة ، ولعله يشير إلى قوله :
( إلى من تكلني ؟ ) التي تخالف القرآن والواقع .
حضرت اجتماعاً لهم خطب فيه أميرهم ( سعيد الأحمد ) فقال : مر الرسول صلى الله عليه وسلم على بناء فقال لأصحابه : لمن هذا ؟ قالوا لفلان ، ولما مر صاحب البناء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، سلمّ عليه فلم يرد عليه السلام ، وأخبره الصحابة السبب ، فذهب الصحابي وهدم البناء حتى يرد عليه السلام .
أقول هذا الحديث غير صحيح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) . " صحيح رواه أحمد "
مناقشة شروط الجماعة
1- تحقيق كلمة ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) .
إن التحقيق يعني الفهم والتطبيق ، فهل فهم معنى هذه الكلمة الطيبة ـ التي هي الركن الأول من أركان الإسلام الوارد في حديث جبريل الذي رواه مسلم ـ هؤلاء الجماعة ؟(5/37)
وهل دعوا إلى تطبيقها والعمل بها ؟
الواقع أنهم لا يعلمون معناها الحقيقي ، وهو :
( لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد مبلغ دين الله الذي ارتضاه ) .
والدليل على ذلك التعريف قول الله تعالى :
(( ذلك بأن الله هو الحق ، وأنما يدعون من دونه هو الباطل )) .
" سورة الحج 62 "
ولو عرفوا معناها لدعوا إليها قبل غيرها ، لأنها تدعو إلى توحيد الله ودعائه وحده دون سواه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( الدعاء هو العبادة ) . " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
فكما أن الصلاة عبادة لله ، لا تجوز لرسول ولا لولي ، فكذلك الدعاء عبادة لا يجوز طلبه م الرسول أو الأولياء .
ولم أسمع من جماعة التبليغ من دعا إلى فهمها والعمل بها ، وأن الذي يدعو غير الله وقع في الشرك الذي يحبط العمل لقول الله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) [ أي المشركين ] . " سورة يونس 106 "
2- إقامة الصلاة بالخشوع والخضوع :
وإقام الصلاة : يعني معرفة شروطها ، وواجباتها ، وأركانها ، وما يتعلق بها من أحكام : كسجود السهو مثلاً، طبقاً لما جاء في الحديث : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . " رواه البخاري "
فهل قام جماعة التبليغ بتعليم هذه الأمور لجماعتهم ، وهل بينوا لجماعتهم أن الخشوع في الصلاة يعني حصر الفكر في القراءة والتسبيح وعدم إكثار الحركة في الصلاة وغيرها من الأعمال المهمة؟
العلم مع الذكر :
هذا الشرط كبقية الشروط لم يحققه جماعة التبليغ ، وسبق أن ذكرت أنني نصحت أحد الشباب الذي ألقى بياناً ذكر فيه حديثاً موضوعاً، فقال لي أميرهم ، أتركه لا تعلمه ، الله يعلمه ! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( إنما العلم بالتعلم ) . " حسن انظر صحيح الجامع "
وزارني وفد منهم من الأردن ، وبينت لهم عقيدة التوحيد ، ومنها الاعتقاد أن الله في السماء كما أخبر عن نفسه في قوله تعالى :(5/38)
(( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) . " سورة الملك 16 "
قال ابن العباس : هو الله تعالى .
وذكرت لهم حديث الجارية التي سألها الرسول صلى الله عليه وسلم: أين الله ؟ قالت في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت أنت رسول الله ، فقال لصاحبها : أعتقها فإنها مؤمنة ) . " رواه مسلم "
فأعجب الحاضرون بهذه المعلومات ، وطلبوا مني بعض الرسائل للعلم ، علماً بأن كثيراً منهم لا يريدون قراءة كتب العلم ، وقد أهديت لاثنين منهم بعض الرسائل ليأخذوها معهم ، ويقرأوها مع جماعتهم ، فلم يأخذوها ، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( تهادوا تحابوا ) " حديث حسن انظر صحيح الجامع "
إكرام المسلمين :
الواقع أنهم يكرمون ضيوفهم ، ولا سيما عند الطعام ، ويتحدثون عن إكرام العلماء ، وليتهم أخذوا بنصيحتهم ، وقبلوا توجيهاتهم ، وقد خرجت معهم في عدد من البلدان ، فلم يسمحوا لي مرة بالتحدث إليهم ، بل يسمحون لواحد من جماعتهم ولو كان جاهلاً أن يتحدث إلى الناس ، وهذا يضر أكثر مما ينفع ، فيأتي بأحاديث مكذوبة كما مر قبل قليل . ويأتون بحديث لم يثبت عند الطعام ويقولون :
( تحدثوا عند الطعام ولو بثمن أسلحتكم ) .
إخلاص النية لله تعالى :
وهو شرط مهم ، وقد يتحقق عند بعضهم ، فيذهب بنية الدعوة ، وينفق من ماله ، والإخلاص محله القلب ، لا يعلمه إلا الله ، وكثيراً ما يتحدث أفرادهم ، ولا سيما الأمراء منهم عن دعوتهم ، وأنهم فعلوا كذا ، وكان عددهم كذا ، واستجاب لهم كثير من الأفراد ، واسأل الله أن يكونوا مخلصين في عملهم ، ولكن الإخلاص لا بد له من العلم ، حتى ينفع صاحبه ، وتنتفع به الأمة ، فقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتابه (باب العلم قبل القول والعمل) . واستدل بقول الله تعالى :
(( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) " سورة محمد "
وسبق أن ذكرت أن الأحباب ـ هداهم الله ـ لا يهتمون بالعلم .(5/39)
الدعوة إلى الله :
هذا مبدأ طيب ، يجب على كل مسلم أن يهتم به كل حسب مقدرته ، ولكن الدعوة إلى الله لها شرط مهم بينه الله تعالى بقوله :
(( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) . " سورة يوسف آية 108 "
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم على الثقلين الجن والإنس آمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيله ، وطريقته ، ومسلكه ، وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ويدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان هو وكل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه سلم على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي .
( وسبحان الله ) أي وأنزه الله ، وأجله ، وأعظمه ، وأقدسه عن أن يكون له شريك ، أو نظير ، أو عديل ، أو نديد ، أو ولد ، أو والد ، أو صاحبة، أو وزير ، أو مشير ، تبارك وتقدس وتنزه عن ذلك كله علواً كبيراً ) . " انظر تفسير ابن كثير ج /495 "
الخلاصة
إن هذه الشروط وإن كانت غير منسجمة ، لكن الجماعة ينقصهم تطبيق هذه الشروط عملياً ، ولا سيما العلم ، وتحقيق كلمة التوحيد والدعوة إليها قبل غيرها أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بقي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إليها ، وتحمل في سبيلها الأذى ، ولكنه صبر حتى نصره الله ، والعرب تعرف معنى التوحيد في كلمة ( لا إله إلا الله ) ولذلك لم يقبلوها ، لأنها تدعوهم إلى عبادة الله ودعائه وحده، وترك دعاء غيره ولو كانوا من الأولياء والصالحين . قال الله تعالى عن المشركين :
(( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ، بل جاء بالحق وصدق المرسلين )) .
" سورة الصافات آية 36 "(5/40)
الدين النصيحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم).
" رواه مسلم "
وعملاً بقول هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فإني أوجه نصيحتي لجميع الجماعات الإسلامية أن يتقيدوا بما جاء في القرآن ، والأحاديث الصحيحة ، حسب فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، كالصحابة والتابعين ، والأئمة المجتهدين ، ومن سار على طريقتهم
الجماعة الصوفية
1- نصيحتي للصوفية أن يفردوا الله بالدعاء والاستعانة عملاً بقول الله تعالى : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) " الفاتحة "
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) .
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
وعليهم أن يعتقدوا أن الله في السماء لقول الله تعالى :
(( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) . " سورة الملك 16 "
قال ابن عباس : هو الله . " ذكره ابن الجوزي في تفسيره "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا تأمنوني ، وأنا أمين من في السماء ).
" متفق عليه "
[ ومعنى في السماء : أي على السماء ].
2- عليهم أن يتقيدوا بذكرهم بما ورد في الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة.
3- ألا يقدموا قول مشايخهم على قول الله ورسوله ، عملاً بقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله )) .
" سورة الحجرات 1 "
[ أي لا تقدموا قولاً أو فعلاً على قول الله ورسوله ] " ذكره ابن كثير "
4- عليهم أن يعبدوا الله ، ويدعوه خوفاً من ناره ، وطمعاً في جنته عملاً بقوله تعالى : (( وادعوه خوفاً وطمعاً )) . " سورة الأعراف آية 56 "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( اسأل الله الجنة ، وأعوذ به من النار ).
" رواه أبو داود بسند صحيح"
على الصوفية أن يعتقدوا أن أول المخلوقات من البشر آدم عليه السلام وأن محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل آدم ، وجميع الناس من ذريته خلقهم الله من تراب ، قال الله تعالى :
(( هو الذي خلقكم من تراب ، ثم من نطفة )). " سورة غافر آية 40 "(5/41)
وليس هناك دليل على أن الله خلق محمداً صلى الله عليه وسلم من نوره ، والمعروف أنه ولد من أبوين.
جماعة الدعوة والتبليغ
نصيحتي لهم أن يتقيدوا في دعوتهم بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة ، وأن يتعلموا القرآن والتفسير والحديث حتى تكون دعوتهم على علم لقول الله تعالى :
(( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )). " سورة يوسف 108 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ).
"حسن انظر صحيح الجامع"
أن يتقيدوا بالأحاديث الصحيحة ، ويجتنبوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة لئلا يدخلوا تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) . " رواه مسلم "
3- على الأحباب أن لا يفصلوا الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر، لأن الله تعالى جمع بينهما في كثير من الآيات مثل قول الله تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )). " سورة آل عمران 104 "
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم ، ويأمر المسلمين بتغيير المنكر فيقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
4- أن يهتموا بالدعوة إلى التوحيد ، وتقديمها على غيرها عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ). " متفق عليه "
وفي رواية ( إلى أن يوحدوا الله ). " رواه البخاري "
وتوحيد الله يعني إفراده بالعبادات ولا سيما الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ). " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "(5/42)
جماعة الإخوان المسلمين
أن يعلموا أفراد جماعتهم التوحيد بأنواعه : توحيد الرب ، وتوحيد الإله ، وتوحيد الأسماء والصفات ، لأنها مهمة جداً يتوقف عليها سعادة الفرد والجماعات. وبدلاً من الإغراق في السياسة والواقع المزعوم ، وليس معناه جهل أحوال البلاد والعباد ولكن لا إفراط ولا تفريط .
أن يبتعدوا عن أفكار الصوفية المخالفة لعقيدة الإسلام ، فقد رأينا كثيراً منهم يذكر في كتبه عقائد صوفية باطلة :
فهذا رئيسهم في مصر عمر التلمساني له كتاب ( شهيد المحراب) فيه عقائد صوفية خطيرة بالإضافة إلى تعلم الموسيقى.
وهذا " سيد قطب " يذكر في كتاب ( الظلال ) وحدة الوجود عند الصوفية ، ذكرها في أول سورة الحديد ، وغيرها من التأويلات الباطلة وقد كلمت أخاه " محمد قطب " أن يعلق على الأخطاء العقدية باعتباره مشرفاً على طبعة (الشروق) فرفض وقال : أخي يتحمل المسؤولية ، وقد شجعني على مراجعته الشيخ عبد اللطيف بدر المشرف على مجلة التوعية بمكة .
ج _ وهذا " سعيد حوى " بذكر في كتابه (تربيتنا الروحية) عقائد الصوفية ، وقد مر ذكرها في أول الكتاب.
د ـ وهذا " الشيخ محمد الحامد " من سورية أهداني كتاباً اسمه : (ردود على أباطيل) فيه مواضيع جيدة كتحريم التدخين وغيرها ، إلا أنه ذكر فيه : أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأغواثاً، ولكن لا يسمى الغوث غوثاً إلا حينما يلتجأ إليه !!! والالتجاء إلى الأغواث والأقطاب من الشرك الذي يحبط العمل وهي أفكار صوفية باطلة ينكرها الإسلام.
وقد طلبت من ولده عبد الرحمن أن يعلق على كلام والده فرفض ذلك.
3- أن لا يحقدوا على إخوانهم السلفيين الذين يدعون إلى التوحيد ومحاربة البدع والتحاكم إلى الكتاب والسنة ، فهم إخوانهم . قال الله تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة )). " سورة الحجرات 10 "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ). " متفق عليه "(5/43)
السلفيون ، وأنصار السنة المحمدية
وصيتي لهم أن يستمروا في دعوتهم إلى التوحيد والحكم بما أنزل الله ، وغيرها من الأمور المهمة.
أن يرفقوا في دعوتهم ، ويستعملوا اللين من القول مهما كان الخصم عملاً بقول الله تعالى :
(( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن )) . " سورة النحل 125 "
وقوله تعالى إلى موسى وهارون عليهما السلام :
(( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )) . " سورة طه 43 - 44 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ). " رواه مسلم "
3- أن يصبروا على ما يصيبهم من أذى، فإن الله معهم بنصره وتأييده، قل الله تعالى :
(( واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يمكرون ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)). " سورة النحل آية 177-178 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم ) " صحيح رواه أحمد وغيره "
4- ألا ينظر السلفيون إلى قول من خالفهم بأن عددهم قليل ، لأن الله تعالى يقول : (( وقليل من عبادي الشكور )) . " سورة النمل "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( طوبى للغرباء ، قيل من هم يا رسول الله؟ قال : أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) . " صحيح رواه أحمد وابن المبارك "(5/44)
حزب التحرير
وصيتي لهم أن يطبقوا تعاليم الإسلام على أنفسهم قبل أن يطالبوا غيرهم بتطبيقه , فقد زارني في سورية منذ عشرين سنة تقريباً شابان منهم , وقد حلقوا لحاهم , وظهرت رائحة الدخان منهم , وطلبوا مني المناقشة لأنضم إليهم , فقلت لهم : أنتم تحلقون اللحي , وتشربون الدخان , وهما محرمان شرعاً , ثم تبيحون لأنفسكم مصافحة النساء , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) . " صحيح رواه الطبراني "
فقالا لي : ورد في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء عند البيعة !! فقلت لهما : غداً ستأتياني بالحديث ، فذهبا ولم يعودا ، فعرفت كذبهما ، وأن البخاري لم يذكر ذلك أبداً ، وإنما ذكر البيعة للنساء بدون مصافحة .
والغريب أن يبيح المصافحة للنساء بعض الإخوان المسلمين ، أمثال الشيخ محمد الغزالي ، ويوسف القرضاوي ، بناء على مناقشة جرت بيني وبينه ، واستدل بحديث الجارية التي كانت تأخذ بيد الرسول صلى الله عليه وسلم ليقضي حاجتها .
" رواه البخاري "
أقول : إن استدلاله غير صحيح ، علماً بأن الجارية حينما أخذت بيده لم تمسه ، بل لمست كم القميص الذي على يده ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت :
( لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك ). " رواه البخاري "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أصافح النساء ).
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "(5/45)
2- سمعت خطبة من شيخ ينتمي إلى حزب التحرير في الأردن يحمل على الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، ولما جئت إلى بيته شكا إلىّ والد زوجته ، وقال ، إن الشيخ ضرب زوجته على عينها فتأثرت ! فقلت له : أنت تطالب الحكام بتطبيق الشرع ، وأنت لم تطبق الشرع في بيتك ، هل أنت صحيح ضربت زوجتك على عينها، فقال : نعم ، ولكنها ضربة خفيفة بكأس الشاي ! قلت له : طبق الإسلام على نفسك أولاً ، ثم طالب غيرك بتطبيقه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم : ( سئل ما حق زوج أحدنا عليه ؟ قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) . " صحيح أخرجه الأربعة "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا ضرب أحدكم خادمه ، فليتق الوجه ) " حسن رواه أبو داود "
جماعة الجهاد وغيرهم
نصيحتي لهم أن يرفقوا في دعوتهم وجهادهم ، ولا سيما للحكام عملاً بقول الله تعالى لموسى حينما أرسله إلى فرعون الكافر :
(( اذهب إلى فرعون إنه طغى ، فقل هل لك إلى أن تزكى )).
" سورة النازعات آية 17 – 18 "
وقوله تعالى : (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )). " سورة طه آية 43-44 "
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ).
" رواه مسلم "
النصيحة لأئمة المسلمين والحكام : تكون بمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، ونهيهم ، وتذكيرهم برفق ، وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة .
" انظر قول الخطابي في شرح الأربعين حديثاً "
قال صاحب العقيدة الطحاوية ( أبو جعفر الطحاوي ) : ولا نرى الخروج على أئمتنا ، وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة .(5/46)
1- قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم )) . " سورة النساء آية 59 "
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ) . " رواه البخاري ومسلم "
3- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال :
( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف ) . " رواه مسلم "
4- وقال صلى الله عليه وسلم : (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . " متفق عليه "
5- وعن حذيفة بن اليمان قال : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قال : قلت وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ، فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت يا رسول الله ، صفهم لنا ، قال : نعم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، قلت : يا رسول الله ، فما ترى إذا أدركني ذلك؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت ، وأنت على ذلك ) . " متفق عليه "
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر , فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات , فميتته جاهلية). " متفق عليه "(5/47)
7- وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم , ويحبونكم , وتصلون عليهم , ويصلون عليكم , وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم , ويبغضونكم , وتلعنونهم , ويلعنونكم , فقلنا : يا رسول الله , أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك , قال : لا , ما أقاموا فيكم الصلاة , ألا من ولي عليه وال ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يداً من طاعته ).
" رواه مسلم "
8- فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ، ما لم يأمروا بمعصية ، فتأمل قول الله تعالى :
((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)). " سورة النساء 59 "
كيف قال : ( وأطيعوا الرسول ) ، ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ، لأن أولي الأمر ، لا يفردون بالطاعة ، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله ، وأعاد الفعل مع الرسول ، لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله ، بل هو معصوم في ذلك ، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله ، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله .
وأما طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور ، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ، قال الله تعالى :
(( وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير )).
" سورة الشورى 30 "
وقال تعالى : (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون )) . " سورة الأنعام 129 "
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم .
" انظر شرح العقيدة الطحاوية 380-381 "(5/48)
9- جهاد حكام المسلمين : ويكون بتقديم النصيحة لهم ولأعوانهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) . " رواه مسلم "
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) . " حديث حسن رواه أبو داود والترمذي "
وبيان طريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا هو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ، ويصححوا عقيدتهم ، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقاً لقول الله تعالى :
(( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )). " سورة الرعد 11 "
وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله :
( أقيموا دولة الإسلام في صدوركم تقم لكم على أرضكم ) وكذلك لا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها ألا وهو المجتمع ) .
قال الله تعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )).
" سورة النور 55 "
" اختصاراً من كتاب تعليقات على شرح الطحاوية للشيخ الألباني "
نصيحتي إلى جميع الجماعات
لقد بلغت من الكبر عتياً ، وعمري الآن تجاوز السبعين عاماً ، وإني أحب الخير إلى جميع الجماعات ، وعملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) . " رواه مسلم "
فإني أقدم النصائح الآتية :
أن يتمسكوا بالقرآن ، والسنة النبوية ، عملاً بقول الله تعالى :
(( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) . " سورة آل عمران 103 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله ، وسنة رسوله ) .
" رواه مالك وصححة الألباني في صحيح الجامع "(5/49)
إذا اختلفت الجماعات ، فعليهم أن يرجعوا إلى القرآن والحديث وعمل الصحابة عملاً بقول الله تعالى :
((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً )). " سورة النساء 59 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ) . " صحيح رواه أحمد "
أن يهتموا بعقيدة التوحيد التي ركز عليها القرآن ، وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته إليها ، وأمر أصحابه أن يبدأوا بها .
لقد عاشرت الجماعات الإسلامية ، فرأيت أن الدعوة السلفية تلتزم الكتاب والسنة حسب فهم السلف الصالح : الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته التابعين ، وقد أشار إلى هذه الجماعة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :
( ألا إن من قلبكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة ) .
" رواه أحمد وحسنه الحافظ "
وفي رواية : (كلهم في النار إلا واحدة : ما أنا عليه وأصحابي).
" رواه الترمذي وحسنه الألباني "
يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى تفرقوا كثيراً ، وأن المسلمين سيفترقون أكثر منهم ، وأن هذه الفرق ستكون عرضة لدخول النار ، لانحرافها ، وبعدها عن كتاب ربها وسنة نبيها ، وأن فرقة واحدة ، تنجو من النار ، وتدخل الجنة ، وهي الجماعة المتمسكة بالكتاب والسنة وعمل الصحابة .
وتمتاز الدعوة السلفية بالدعوة إلى التوحيد ، ومحاربة الشرك، ومعرفة الأحاديث الصحيحة ، والتحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومعرفة الأحكام الشرعية بأدلتها وهذا مهم جداً لكل مسلم .(5/50)
وإني أنصح إخواني المسلمين أن يلتزموا بالدعوة السلفية ، لأنها هي الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ) .
" رواه مسلم "
اللهم أجعلنا من الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة .
الخلاصة
على الجماعات الإسلامية أن يبتعدوا عن التحزب الممقوت الذي يؤدي إلى الفرقة وأن يتعاونوا فيما بينهم فيما ينفع المسلمين ويعود عليهم بالخير والنفع لقول الله تعالى :
((وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)).
" سورة المائدة آية 2 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كونوا عباد الله إخواناً : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، وأشار إلى صدره ، بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
" رواه مسلم "
على الجماعات الإسلامية ألا يتحاسدوا ، ولا يتباغضوا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ) .
" رواه مسلم "
على كل جماعة من الجماعات الإسلامية أن يقبلوا النصيحة إذا كانت موافقة للقرآن والحديث الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ) " رواه مسلم "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) . " حسن رواه أحمد وغيره "
وأختم كلمتي بالدعاء الآتي :
اللهم أصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ، وأهدنا سبل السلام ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك ، وصلي الله على محمد وآله وسلم .(5/51)
تنبيهات على ملاحظات
لقد من الله تعالى عليّ ، وبدأت أدعو إلى توحيد الله تعالى وأصدرت أكثر من عشرين مؤلفاً طبع كل منها مرات متعددة بكميات كبيرة ، وترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية ، والفرنسية ، والأندونيسية ، والأوردية ، والبنغالية ، والتركية ، وغيرها ، وأكثر هذه الكتب كانت تطبع بمساعدة المحسنين ، وتوزع مجاناً ، وبعضها يباع في المكتبات التي يطبعونها على حسابهم ، وقد كتبت على كل كتاب العبارة الآتية : لكل مسلم حق الطبع والترجمة ، ومن له ملاحظة على الكتب ، فليخبر المؤلف مشكوراً .
لقد وصلني كتاب من الإمارات العربية عنوانه :
( عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير ) لمؤلفه : ( محمد عادل عزيزة ) فلما قرأته وجدته لم يلتزم الأمانة العلمية حتى في الأحاديث النبوية حيث بتر الحديث الذي ذكره ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى : (( يوم يكشف عن ساق )) " سورة القلم "
وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يكسف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة .. ) . إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم .
وقال في كتابه : لقد تخبط محمد جميل زينو في كتابه ( منهاج الفرقة الناجية ) تخبطاً كثيراً في صفحة 16 وغيرها ، ويعلم الله أنني فرحت ، وقلت : لعلي أخطأت ، فأصلح خطئي .
ولما نظرت في كتابي المذكور وجدت ما يلي :
( قال الإمام أحمد ، قال الإمام الشافعي ، قال الخطيب البغدادي ) فهتفت للمؤلف وقلت له : ما هو التخبط الذي ذكرته في كتابي ؟ فقال لي : الكتاب ليس عندي ، فقلت له : لماذا حذفت الحديث الذي يفسر الآية من تفسير ابن كثير ؟ فقال لي : الحديث من المتشابهات !! فقلت له : ولماذا بترت قول ابن كثير في تفسير : (( وهو الله في السموات )) حيث اختار الوقف المفسر الطبري ، ليثبت أن الله في السماء ؟ فقال لي : حتى انظر ، ولم يعترف بخطئه ، وقد رددت على هذا المؤلف في كتاب اسمه : ( بيان وتحذير من كتاب عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير ) .(5/52)
وقد قرأت في كتاب عنوانه ( في مدرسة النبوة ) للأخ أحمد محمد جمال قال فيه : ولقد عجبت للأخ ( محمد جميل زينو ) حين كتب في جريدة الندوة يوم 26/4/1411هـ يستنكر صيغة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم اعتاد بعض المسلمين ترديدها ، وهي تقول : ( اللهم صل على محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها ) وقال : إن الشافي والمعافي للأبدان والقلوب والعيون هو الله وحده ، والرسول لا يملك النفع لنفسه ولا لغيره .. إلخ ، وأود للأخ محمد زينو أن يعلم أن لهذه الصيغة مفهومين صحيحين :
إن طب القلوب وعافية الأبدان ، ونور الأبصار صفة ، أو ثمرة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد عرفنا من الأحاديث السابقة فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وبركاتها وأنها صادرة من الله عز وجل ...
وصلاة الله على العباد هي الرحمة والبركة والعافية والشفاء.
إن طب القلوب ، وعافية الأبدان ، ونور الأبصار صفة للرسول نفسه .. وهذه أيضاً لا نكران عليها ، ولا غرابة فيها فالرسول صلى الله عليه وسلم ذاته ـ كما وصفه القرآن الكريم ـ رحمة في قول الله تعالى :
(( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . " سورة الأنبياء آية 107 "
وهو كذلك نور وضياء ، ـ كما وصفه القرآن في قوله عز وجل: (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً )). " الأحزاب آية 45-46 "
وفي روايات متعددة يصف الرسول نفسه بأنه رحمة مهداة إلى الإنسانية ليخرجها من الظلمات إلى النور ، ويشفي قلوبها وأبصارها ، وأبدانها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً .
يقول صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا رحمة مهداة ) .
" أخرجه ابن عساكر "
( إني رحمة بعثني الله ) . " رواه الطبراني "
( إني لم أبعث طعاناً ، وإنما بعثت رحمة ). " رواه مسلم "(5/53)
أقول : إن الصيغة السابقة التي قال عنها المؤلف اعتاد الناس ترديدها . لا تجوز لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة ، والعبادة مبناها على التوقف حتى يأتي الدليل ، ولا دليل على هذه الصيغة ، ولا سيما أنها تخالف جميع الروايات التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والسلف الصالح ، بالإضافة إلى أن فيها غلواً وإطراء لا يرضاه الله والرسول صلى الله عليه وسلم . فهل يجوز لمسلم أن يترك الصيغة التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويأخذ بصيغة من أقوال الناس ، والتي تخالف الصيغ المشروعة ؟
لقد بتر المؤلف من كلامي شيئاً مهماً ، وهو استشهادي بقول الله تعالى : (( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله )).
" سورة يونس"
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) . " رواه البخاري "
وأما قول المؤلف : وصلاة الله على العباد هي الرحمة والبركة والعافية والشفاء ، قال ابن كثير :
الصلاة من الله تعالى على عبده ثناؤه عند الملائكة .
وقال غيره : الصلاة من الله عز وجل الرحمة " حكاه البخاري "
" تفسير ابن كثير جـ3/495 "
هذا التفسير الصحيح يبطل تفسير المؤلف ( أحمد محمد جمال ) الذي لا دليل عليه .
وأما استشهاده بقول الله تعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) " الأنبياء آية 107 "
فإني أنقل للقاريء ما قاله العلامة محمد أمين الشنقيطي في تفسيرها : وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية : من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم ، وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله :
أ- كقوله تعالى : (( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )). " العنكبوت آية 51 "(5/54)
ب- وقوله تعالى : (( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك )) . " سورة القصص آية 86 "
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ، أدع على المشركين ، قال : ( إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة ) . " رواه مسلم "
" انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/694 "
وأما الطبري فقال ما خلاصته : أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم مؤمنهم وكافرهم ، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله ـ بالإيمان به وبما جاء من عند الله ـ الجنة ، وأما كافرهم فقد دفع عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة لرسلها من قبله .
وأما قول المؤلف : وهو ( أي الرسول ) نور وضياء كما وصفه القرآن في قوله عز وجل : (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً )) .
" الأحزاب آية 45-46 "
فإني أنقل للقاريء ما قاله المفسرون :
قال ابن كثير في تفسيره :
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً على أمتك ، ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار ، وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجاً منيراً بالقرآن .
فقوله تعالى : (( شاهداً )) أي لله بالوحدانية ، وأن لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة .
(( وجئنا بك على هؤلاء شهيداً )) " النساء "
وقوله عز وجل : (( ومبشراً ونذيراً )) أي بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب ، ونذيراً للكافرين من ويل العقاب .
وقوله جلت عظمته : (( وداعياً إلى الله بإذنه )) أي داعياً للخلق إلى عباده ربهم عن أمره لك بذلك .
وقوله تعال : (( وسراجاً منيراً )) أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند . " انظر تفسير ابن كثير جـ3/497 "
وقال ابن الجوزي في تفسير زاد المسير :
(( وسراجاً منيراً )) أي أنت لمن اتبعك ( سراجاً ) أي كالسراج المضيء في الظلمة يهتدى به . " جـ 6/400 "(5/55)
ج- وقال الطبري في تفسيره : (( وسراجاً منيراً )) ضياء لخلقه بالنور الذي أتيتهم به من عند الله وإنما يعني بذلك أنه يهدي به من اتبعه من أمته . " نقلاً عن الطبري باختصار "
وقال المؤلف في كتابه ( في مدرسة النبوة ) :
وفي روايات متعددة يصف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه: " رحمة مهداة " إلى الإنسانية ليخرجها من الظلمات إلى النور ، ويشفي قلوبها ، وأبصارها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا رحمة مهداة ) .
" أخرجه ابن عساكر "
( إني رحمة بعثني الله ) . " رواه الطبراني "
( إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة ) . " رواه مسلم "
أقول : إن كلام المؤلف ( أحمد محمد جمال ) عليه ملاحظات :
لم يذكر المؤلف دليلاً على كلامه سوى ما أورده من حديث : ( إنما أنا رحمة مهداة ) وقد تقدم تفسير الرحمة في الآية للعلامة الشنقيطي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم .
وأما قول المؤلف : ( ليخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور .. ) فليته رجع إلى تفسير ابن كثير حيث قال فيها :
(( ليخرج الناس من الظلمات إلى النور )) . " سورة إبراهيم آية 1 "
أي إنما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد ، قال الله تعالى :
(( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور )) . " الحديد آية 9 "
فالآيات صريحة بأنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور بالقرآن المنزل عليه .
ج- وأما قول المؤلف : ( ويشفي قلوبها وأبصارها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ) ويقصد النبي صلى الله عليه وسلم !
فلم يأت بدليل صريح على ذلك ، علماً بأن الشافي للأمراض هو الله وحده ، قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
(( إذا مرضت فهو يشفين )) " الشعراء "(5/56)
أكد بالضمير المنفصل ، ليؤكد على أن الشافي هو الله وحده ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً ) . " أخرجه البخاري "
وقصة الغلام والأعمى التي وردت في الحديث تدل على أن الشافي هو الله وحده : فورد فيها أن الأعمى أتى الغلام بهدايا كثيرة وقال له سأهبها لك أجمع إن أنت شفيتني ، فقال : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك .
" فآمن بالله فدعا الله له فشفاه الله " . " القصة رواها مسلم 4/3005 "
فالآية السابقة والأحاديث المتقدمة تدل على أن الشافي هو الله وحده، ولم يذكر المؤلف ( أحمد محمد جمال ) مثالاً واحداً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بأنه ( يشفي ) كما زعم ، وهذا أمر خطير جداً ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( من قال عليّ ما لم أقل ، فليتبوأ مقعده من النار ) . " حسن رواه أحمد "
وقد سألت سماحة الشيخ ابن باز مفتي السعودية عن كلام ( أحمد محمد جمال ) فقال : إنه شرك .
الخلاصة
إن كلام المؤلف ( أحمد محمد جمال ) ليس عليه دليل ، وفيه غلو وإطراء نهى عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً :
1- ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) . " صحيح رواه أحمد "
2- ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) . " رواه البخاري "
ولا سيما حينما ادعى المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف نفسه ، بأنه يشفي القلوب والأبصار من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ! وكلمة ( يشفي ) فعل مضارع يفيد الحال والمستقبل ، وهذا لا يمكن أبداً ، ولم يحدث هذا الشفاء في الوقت الحاضر والمستقبل .
3- وما ذكرته من التنبيهات على كتاب ( في مدرسة النبوة ) هو من باب النصيحة للمسلمين عامة ، ولقراء الكتاب المذكور خاصة .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ويجعلها خالصة لله تعالى .(5/57)
تنبيه هام
أقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم له معجزات كثيرة ، ولكنها كانت في حياته ، وهذه نماذج منها :
عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع رسول الله في سفر فقل الماء ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : اطلبوا لي فضلة من ماء . الصحابة يجيئون بإناء فيه ماء قليل ، فيدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده في الإناء . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله). قال ابن مسعود : لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .
" رواه البخاري "
يلفت الرسول صلى الله عليه وسلم نظر أصحابه إلى أن الماء المبارك الذي ينبع من بين أصابعه إنما بركته من الله وحده الذي خلق هذه المعجزة ، وهذا حرص من الرسول على توجيه أمته إلى التوحيد، ولذا قال لهم : ( والبركة من الله ) .
ب- وهذا علي رضي الله عنه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتكي عينيه ، فبصق الرسول صلى الله عليه وسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرأ ، حتى كأن لم يكن به وجع . " رواه البخاري "
أقول : إن هذه المعجزات كانت في حياته ، وإن علياً دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن بصق في عينيه فبرأ ، لأن دعاء النبي مستجاب ، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فقد توقف طلب الدعاء منه وانقطعت المعجزات لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . " رواه مسلم "
وهذا أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يدافع عنه ، لما حضرته الوفاة دعاه الرسول إلى الإيمان فأبى ، ومات مشركاً ، ونزلت فيه (( إنك لا تهدي من أحبت ، ولكن الله يهدي من يشاء )) . " رواه البخاري "
دعاء الليل مستجاب(5/58)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ)) .. لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته )). " رواه البخاري وغيره "
[ تعارّ: استيقظ ]
قرأت هذا الدعاء من أجل شفائي من الأمراض فشفاني الله ، وقرأته من أجل تيسير بعض الأعمال المتعبة فأراحني الله ، وأنصح كل مسلم أن يقرأ هذا الدعاء لحل جميع المشاكل .
عقيدة المسلم
إن كان تابع أحمد متوهباً………فأنا المقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي………رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ولا وثن ولا ……قبر له سبب من الأسباب
كلا ، ولا حجر ، ولا شجر ولا………عين(1) ولا نصب من الأنصاب
أيضاً ولست معلقاً لتميمة(2)………أو حلقة ، أو ودعة أو ناب
لرجاء نفع ، أو لدفع بلية………الله ينفعني ، ويدفع ما بي
والابتداع وكل أمر محدث………في الدين ينكره أولو الألباب
أرجو بأني لا أقاربه ولا………أرضاه ديناً وهو غير صواب
وأعوذ من جهمية(3) عنها عتت………بخلاف كل موول مرتاب
والاستواء(4) فإن حسبي قدوة………فيه مقال السادة الأنجاب
الشافعي ومالك وأبي حنيفة………وابن حنبل التقى الأواب
وبعصرنا من جاء معتقداً به………صاحوا عليه مجسم وهابي
جاء الحديث بغربة الإسلام………فليبك المحب لغربة الأحباب
فالله يحمينا ، ويحفظ ديننا ………من شر كل معاند سباب
ويؤيد الدين الحنيف بعصبة………متمسكين بسنة وكتاب
لا يأخذون برأيهم وقياسهم………ولهم إلى الوحيين خير مآب
__________
(1) 1 عين ماء يغتسلون بها للتبرك والشفاء
(2) 2 التميمة : الخرزة ونحوها توضع للحماية من العين
(3) 3 الجهمية : فرقة ضالة تنكر أن الله في السماء ، وتقول إن الله في كل مكان
(4) 4 الاستواء : هو العلو والارتفاع(5/59)
قد أخبر المختار عنهم أنهم………غرباء بين الأهل والأصحاب
سلكوا طريق السالكين إلى الهدى………ومشوا على منهاجهم بصواب
من أجل ذا أهل الغلو تنافروا………عنهم فقلنا ليس ذا بعجاب
نفر الذين دعاهم خير الورى………إذ لقبوه بساحر كذاب
مع علمهم بأمانة وديانة………فيه ومكرمة ، وصدق جواب
صلى عليه الله ما هب الصبا ………وعلى جميع الآل والأصحاب
الشيخ ملا عمران
محتويات الكتاب
الموضوع…………………الصفحة
المقدمة ....................................................................................…5
الولادة والنشأة ......................................................................…7
كنت نقشبندياً ........................................................................…12
كيف انتقلت إلى الطريقة الشاذلية ......................................... …17…
مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ....................…19
الطريقة القادرية ....................................................................…20
التصفيق في الذكر ...............................................................…21
الضرب بالشيش ( بسيخ الحديد ) .........................................…23
الخلاصة ...........................................................................…27
الطريقة المولوية .................................................................…28
درس عجيب من شيخ صوفي ..............................................…30
الذكر في المساجد عند الصوفية ..........................................…32
كيف يعامل الصوفية الناس ...................................................…34
كيف اهتديت إلى التوحيد .....................................................…35
معنى وهابي .........................................................................…37(5/60)
مناقشة مع الشيخ الصوفي ...................................................…38
موقف المشايخ من التوحيد ..................................................…41
لا يعلم الغيب إلا الله ............................................................…47
جولة مع جماعة التبليغ .......................................................…50
الخروج مع التبليغ للدعوة ....................................................…52
مناقشة شروط الجماعة ........................................................…59
الدين النصيحة ....................................................................…65
الجماعة الصوفية ...............................................................…65
جماعة الدعوة والتبليغ .........................................................…67
جماعة الإخوان المسلمين ...................................................…68
السلفيون وأنصار السنة المحمدية .......................................…69
حزب التحرير .....................................................................…71
جماعة الجهاد وغيرهم ........................................................…73
نصيحتي إلى جميع الجماعات ..............................................…78
الخلاصة ...........................................................................…80
تنبيهات على ملاحظات .......................................................…81
تنبيه هام ...............................................................................…90
دعاء الليل مستجاب .............................................................…91
الخلاصة ...........................................................................…92(5/61)
عقيدة المسلم ........................................................................…93
محتويات الكتاب ..................................................................…95
……(5/62)
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فقد طبع هذا الكتاب عدة مرات بأعداد كبيرة في مكة وجدة ، كما أنه طبع في الجزائر والكويت والأردن ، وسيطبع في مصر ولبنان إن شاء الله ، وقد لقي قبولاً من القراء ، حيث كانوا يرسلون لي الرسائل لطلب الكتاب ، مع السلسلة ، وذلك لأن مواضيعه هامة ، ومتنوعة ، ومختصرة ، تهم كل مسلم ومسلمة ، كما أن أسلوبه سهل يفهمه الجميع ، والله أسال أن ينفع به كل قارئ ، ويجعله خالصا لوجهه الكريم ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .(6/1)
الخصائص الرئيسية في الإسلام
1 - الإسلام دين التوحيد ، فالإيمان بوجود خالق واحد للعالم حقيقة تقتنع بها كل العقول المفكرة ، وهذا الخالق هو الإله المستحق للعبادة وحده : كالذبح والنذر ، ولا سيما الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم : « الدعاء هو العبادة » .
" حسن صحيح رواه الترمذي " .
فلا يجوز صرف شيء منها لغير الله .
2 - الإسلام يجمع ولا يُفرق : فهو يؤمن بجميع الرسل ، الذين أرسلهم الله لهداية البشر ، وتنظيم حياتهم ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم ، وشريعته نسخت ما قبلها بأمر من الله تعالى ، أرسله الله إلى الناس جميعاً لينقذهم من جَوْر الأديان المحرفة إلى عدل الإسلام المحفوظ .
3 - إن تعاليم الإسلام سهلة واضحة مفهومة ، فهو لا يقر الخرافات ولا المعتقدات الفاسدة ، والفلسفات المعقدة ، وهو صالح للتطبيق في كل زمان ومكان .
4 - إن الإسلام لا يفصل بين المادة والروح فصلا كاملا ، بل ينظر إلى الحياة على أنها وحدة تشملهما معاً ، فلا يأخذ إحداهما ويهمل الأخرى .(6/2)
5 - أكد الإسلام روح التساوي والأخوة بين المسلمين ، فهو ينكر الفوارق الإقليمية والعصبية ، ففي كتابه الكريم : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } سورة الحجرات ، آية 13 .
6 - ليس في الإسلام سلطة كهنوتية تحتكر الدين ، ولا أفكار مجردة يصعب تصديقها ، ويستطيع كل إنسان أن يقرأ كتاب الله تعالى وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب فهم السلف الصالح ثم يصوغ حياته طبقاً لهما .(6/3)
الإسلام نظام كامل للحياة
1 - إن الإسلام ينظم الحياة البشرية في مختلف ميادينها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ، كما يرسم لها الطريق الصحيح لحل مشاكلها .
2 - الإسلام يسعى إلى تنظيم الحياة للإنسان ، والعنصر الرئيسي هو تنظيم الوقت ، والإسلام وحده أقوى عامل لنجاح المسلم في الدنيا والآخرة .
3 - إن الإسلام عقيدة قبل أن يكون شريعة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ركز جهده في مكة على التوحيد ، ثم بعد ذلك طبق الشريعة عندما انتقل إلى المدينة لإقامة الدولة الإسلامية فيها .
4 - الإسلام يدعو إلى العلم ، ويشجع على التطور العلمي النافع ، فلقد كان المسلمون في القرون الوسطى جهابذة في العلوم العصرية ، مثل ( ابن الهيثم ) و ( البيروني ) وغيرهم .
5 - الإسلام يبيح المال المكتسب من الحلال الذي لا استغلال فيه ولا غش ، ويرغب في المال الحلال للرجل الصالح الذي يدفع منه للفقراء والجهاد ، وبهذا تتحقق العدالة الاجتماعية في الأمة المسلمة التي تأخذ تشريعها من خالقها ، وفي الحديث « نعم المال الصالح للمرء الصالح » .
" صحيح رواه أحمد " .
وأما قولهم : ( ما جمع مال من حلال ) فهو مكذوب لا أصل له .(6/4)
6 - الإسلام دين الجهاد والحياة : فهو يفرض على كل مسلم أن يبذل ماله وروحه في سبيل نصرة الإسلام ، وهو دين الحياة يريد من المسلم أن يعيش حياة هنيئة في ظل الإسلام ، وأن يؤثر أخراه على دنياه .
7 - إحياء الفكر الإسلامي الحر في حدود القواعد الإسلامية ، وإزالة الجمود الفكري ، والأفكار الدخيلة التي شوهت جمال الإسلام الصافي ، وحالت دون تقدم المسلمين كالبدع والخرافات والأحاديث الموضوعة وغير ذلك . .(6/5)
أركان الإسلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « بني الإسلام على خمس » :
1 - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
( لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد مبلغ عن الله ) .
2 - وإقام الصلاة : ( أداؤها بأركانها وشروطها والخشوع فيها ) .
3 - وإيتاء الزكاة : ( إذا ملك المسلم 85 غراماً ذهباً أو ما يعادلها من النقود يدفع منها 2 . 5 في المئة بعد سنة ، وغير النقود لها مقدار معين ) .
4 - وحج البيت ( من استطاع إليه سبيلا بالمال والصحة والأمن ) .
5 - وصوم رمضان : ( الامتناع عن الطعام والشراب ، وشهوة الفرج وجميع المفطرات ، من الفجر حتى الغروب مع النية ) " متفق عليه " .(6/6)
أركان الإيمان
1 - أن تؤمن بالله : ( بوحدانيته في العبادة والصفات والتشريع ) .
2 - وملائكته : ( مخلوقات من النور لتنفيذ أوامر الله ) .
3 - وكتبه : ( التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها ) .
4 - ورسله : ( أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ) .
5 - واليوم الآخر : ( يوم القيامة لمحاسبة الناس على أعمالهم ) .
6 - وتؤمن بالقدر خيره وشره ( مع الأخذ بالأسباب ) : ( الرضا بالقدر خيره وشره ، لأنه بتقدير الله وحكمته ) " رواه مسلم " .(6/7)
« الدعاء هو العبادة »
هذا الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي ، يدل على أن الدعاء من أهم أنواع العبادة . فكما أن الصلاة لا تجوز أن تكون لرسول أو ولي ، فكذلك لا يُدعى الرسول أو الولي من دون الله .
1 - إن المسلم الذي يقول : يا رسول الله أو يا رجال الغيب غوثاً ومدداً ، هو دعاء وعبادة لغير الله ، ولو كانت نيته أن الله هو المغيث ، ومثله مثل رجل أشرك بالله عز وجل وقال : أنا في نيتي أن الإله واحد فلا يقبل منه هذا ؛ لأن كلامه دل على خلاف نيته ، فلا بد من مطابقة القول للنية والمعتقد ، وإلا كان شركاً أو كفراً لا يغفره الله إلا بتوبة .
2 - فإن قال هذا المسلم : أنا في نيتي أن أتخذهما واسطة إلى الله ، كالأمير الذي لا أستطيع أن أدخل عليه إلا بواسطة ، فهذا تشبيه الخالق بالمخلوق الظالم الذي لا يدخل عليه أحد إلا بواسطة ، وهذا التشبيه من الكفر .
قال الله تعالى منزهاً ذاته وصفاته وأفعاله :
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى ، آية 11 .
فتشبيه الله بمخلوق عادل كفر وشرك ، فكيف إذا شبهته بإنسان ظالم ؟ ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوَا كبيرا .(6/8)
3 - لقد كان المشركون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتقدون أن الله هو الخالق والرازق ، ولكنهم يدعون الأولياء الممثلين في الأصنام واسطة تقربهم إلى الله ، فلم يرض منهم هذه الواسطة ، بل كفرهم وقال لهم :
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } سورة الزمر ، آية 3 .
والله تعالى قريب سميع لا يحتاج إلى واسطة ، قال تعالى :
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }
" سورة البقرة " آية 186 .
4 - إن هؤلاء المشركين كانوا يدعون الله وحده عند الشدائد قال تعالى : { وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } سورة يونس ، آية 22 .
وكانوا يدعون أولياءهم الممثلة في الأصنام وقت الرخاء ، فكفرهم القرآن .(6/9)
فما بال بعض المسلمين يدعون غير الله من الرسل والصالحين ، ويستغيثون بهم ، ويطلبون المعونة منهم وقت الشدائد والمحن ووقت الرخاء ؟!!
ألم يقرءوا قوله تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } بعبادتهم أي بدعائهم ، " سورة الأحقاف " آية 5 ، 6 .
5 - يظن الكثير من الناس أن المشركين الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا يدعون أصناماً من الحجارة ، وهذا خطأ ، لأن الأصنام الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا رجالا صالحين : ذكر البخاري ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى في سورة نوح :
{ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } سورة نوح آية 23 .(6/10)
قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلك أولئك أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت " ( أي الأصنام ) .
6 - قال تعالى منكراً على الذين يدعون الأنبياء والأولياء :
{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا }{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } " سورة الإسراء " آية 56 ، 57 .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية ما خلاصته :
نزلت هذه الآية في جماعة من الإنس كانوا يعبدون الجن ويدعونهم من دون الله ، فأسلم الجن . وقيل : نزلت في جماعة من الإنس كانوا يدعون المسيح والملائكة .
فهذه الآية تنكر على من يدعو غير الله ولو كان نبيا أو وليًا .(6/11)
7 - يزعم البعض أن الاستغاثة بغير الله جائزة ويقولون : المغيث على الحقيقة هو الله ، والاستغاثة بالرسول والأولياء تكون مجازاً كما تقول : شفاني الدواء والطبيب ، وهذا مردود عليهم في قول إبراهيم عليه السلام : { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ }{ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ }{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } " سورة الشعراء " آية 78 ، 80 .
أكد بالضمير ( هو ) في كل آية ليدل على أن الهادي والرازق والشافي هو الله لا غيره ، وأن الدواء سبب للشفاء وليس شافياً .
8 - الكثير من الناس لا يفرِق بين الاستغاثة بحي أو بميت والله تعالى يقوِل : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } سورة فاطر ، آية 22 .
وقوله تعالى : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } سورة القصص ، آية 15 .
وهي حكاية عن رجلِ استغاث بموسى ليحميه من عدوه ، وقد فعل ذلك { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } سورة القصص ، آية 15 .(6/12)
أما الميت فلا تجوز الاستغاثة به ، لأنه لا يسمع الدعاء ، ولو سمع لا يستطيع الإجابة لعدم قدرته ، قال تعالى : { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } سورة فاطر ، آية 14 .
( وهذا نص صريحٍ في أن دعاء الأموات والغائبين شرك ) وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } سورة النحل ، آية 20 ، 21 .
9 - ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الناس يوم القيامة يأتون الأنبياء فيستشفعون بهم ، حتى يأتوا محمدا فيستشفعوا به أن يفرج عنهم ، فيقول : أنا لها ، ثم يسجد تحت العرش ويطلب من الله الفرج ، وتعجيل الحساب ، وهذه الشفاعة طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي يكلمه الناس ويكلمونه ، أن يشفع لهم عند الله ويدعو لهم بالفرج ، وهذا ما سيفعله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي .(6/13)
10 - وأكبر دليل على الفرق بين الطلب من الحي والميت هو ما فعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما نزل بهم القحط ، فطلب من العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ، ولم يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى .
11 - يظن بعض أهل العلم أن التوسل كالاستغاثة مع أن الفرق بينهما كبير ، فالتوسل هو الطلب من الله بواسطة فتقول مثلاً : ( اللهم بحبك وحبنا لرسول الله فرّج عنا ) فهذا جائز ، أما الاستغاثة فهي الطلب من غير الله فتقول : ( يا رسول الله فرِّج عنا ) وهذا غير جائز وهو شرك أكبر لقوله تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } سورة يونس ، آية 106 . ( أي المشركين ) .
{ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا } سورة الجن ، آية 21 .
{ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا } سورة الجن ، آية 20 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » رواه الترمذي وقال : حسن صحيح " .
وقال الشاعر :(6/14)
الله أسال أن يفرج كربنا ... فالكرب لا يمحوه إلا الله(6/15)
أين الله ؟
الله الذي خلقنا ، أوجب علينا أن نعرف أين هو ؟ حتى نتجه إليه بقلوبنا ودعائنا وصلاتنا ، ومن لا يعرف أين ربه ؟ ! يبقى ضائعاً لا يعرف وجهة معبوده ، ولا يقوم بحق عبادته .
إن صفة العلو لله على خلقه هي كبقية الصفات الواردة في القرآن والأحاديث الصحيحة ، كالسمع والبصر والكلام والنزول وغير ذلك من صفات الله ، فإن عقيدة السلف الصالح ، والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة الإيمان بما أخبر الله به في كتابه أو رسوله في أحاديثه من غير تأويل ولا تعطيل ، ولا تشبيه ، لقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } سورة الشورى ، آية 11 .
ولما كانت هذه الصفات ، ومنها صفة علو الله على خلقه تابعة لذاته ، فإن الإيمان بها واجب ، كالإيمان بالذات العلية ، ولذلك قال الإمام مالك - رضي الله عنه - لما سئل عن معنى قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } سورة طه ، آية 5 .
فقال : الاستواء معلوم ( أي العلو ) والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب .(6/16)
فانظر يا أخي المسلم إلى قول مالك - رحمه الله - ، حيث جعل الإيمان بالاستواء واجباً معرفته على كل مسلم ، وهو العلو ، ولكن كيفيته مجهولة لا يعلمها إلا الله .
إن كل منكر لصفة من صفات الله الثابتة : في القرآن والحديث ، ومنها العلو المطلق وأنه على السماء ، يكون منكرا للآيات والأحاديث الدالة على إثباتها ، وأن هذه صفات كمال ورفعة وعلو لا يجوز نفيها عن الله وإن محاولة بعض المتأخرين تأويل الآيات والصفات متأثرين بالفلسفة التي أفسدت عقائد كثير من المسلمين مما جعلهم يعطلون هذه الصفات الكمالية لله ، ويخالفون طريقة السلف وهي أسلم وأعلم وأحكم ، وما أحسن من قال :
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
الخلاصة(6/17)
إن الإيمان بجميع الصفات الواردة في القرآن والأحاديث الصحيحة واجب ، ولا يجوز أن نفرق بين الصفات ، فنؤمن ببعضها ، على ظاهرها ، ونتأول بعضها الآخر ، فالذي يؤمن بأن الله سميع بصير لا مثيل له في سمعه وبصره ، عليه أن يؤمن بأن الله في السماء ( أي على السماء عُلوًا يليق بجلاله لا مثيل له في علوه ) لأنها كلها صفات كمال لله ، أثبتها الله لنفسه في كتابه ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم تؤيدها الفطرة السليمة ، ويصدقها العقل السليم ، قال نعيم بن حماد شيخ البخاري :
من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه .
" ذكره في شرح العقيدة الطحاوية " .(6/18)
الله فوق العرش
القرآن الكريم ، والأحاديث الصحيحة والعقل السليم ، والفطرة السليمة تؤيد ذلك .
أ - قال الله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } سورة طه ، آية 5 . ( أي علا وارتفع ) كما جاء في البخاري عن التابعين .
2 - وقال تعالى : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ } . " سورة الملك ، آية 16 .
قال ابن عباس : ( هو الله ) كما في تفسير ابن الجوزي .
3 - وقال تعالى : { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } سورة النحل ، آية 55 .
4 - وقال تعالى عن عيسى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } سورة النساء ، آية 158 . ( أي رفعه الله إلى السماء ) .
5 - وقال تعالى { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ } سورة الأنعام ، آية 3 .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
اتفق المفسرون على أننا لا نقول كما تقول الجهمية ( فرقة ضالة ) إن الله في كل مكان ! تعالى الله عما يقولون علوا كبير !! ( ومعنى في السماوات : على السماوات ) .
وأما قوله تعالى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } سورة الحديد ، آية 4 .(6/19)
( أي رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم ، حيث كنتم ، وأين كنتم الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ) .
6 - « وعرج صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة حتى كلمه ربه ، وفرض عليه خمس صلوات » . كما رواه البخاري ومسلم .
7 - وقال صلى الله عليه وسلم « ألا تأمنوني ، وأنا أمين من في السماء » ( وهو الله ) ( ومعنى في السماء على السماء ) .
" رواه البخاري ومسلم " .
8 - وقال صلى الله عليه وسلم « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » ( أي هو الله ) .
رواه الترمذي وقال : حسن صحيح .
9 - « سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جارية فقال لها : أين الله ؟ فقالت : في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة » . رواه مسلم .
10 - وقال صلى الله عليه وسلم : « والعرش فوق الماء ، والله فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » .
" حسن رواه أبو داود " .
11 - قال أبو بكر - رضي الله عنه :
" ومن كان يعبدُ الله فإن الله في السماء حيٌّ لا يموت " .
رواه الدارمي
في الرد على الجهمية بإسناد صحيح .(6/20)
12 - وسئل عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه - : كيف نعرف ربنا ؟ قال : إنه فوق السماء على العرش بائن من خَلْقه . ومعناه : أن الله فوق العرش بذاته ، منفصل من خلْقه لا يشَبهه أحد من مخلوقاته في عُلوّه .
13 - إن الأئمة الأربعة اتفقت على عُلوّ الله فوق عرشه ، لا يُشبهه أحد من مخلوقاته .
14 - المصلي يقول في سجوده ( سبحان ربي الأعلى ) ، ويرفع يديه إلى السماء عند الدعاء .
15 - الأطفال حين تسألهم : أين الله ؟ فيجيبون بفطرتهم السليمة هو في السماء .
16 - العقل الصحيح يؤيد أن الله في السماء ، ولو كان في كل مكان لأخبر به الرسول وعلمه أصحابه ، علماً بأنه توجد أماكن نجسة وقذرة ! تعالى الله عما يقولون عُلُوًا كبيراً .
17 - والقول بأن الله معنا في كل مكان بذاته يؤدي إلى تعدد الذات ، لأن الأمكنة كثيرة ومتعددة .
ولما كانت ذات الإله واحدة لا يمكن أن تتعدد بطل القول بأن الله في كل مكان بذاته ، وثبت أن الله على السماء فوق عرشه وهو معنا في كل مكان بعلمه يسمعنا ويرانا أينما كنا .(6/21)
مبطلات الإسلام
إن للإسلام مبطلات إذا فعل المسلم واحداً منها فقد فعل الشرك الذي يحبط العمل ، ويُخلِّد في النار ، ولا يغفره الله إلا بتوبة .
1 - دعاء غير الله : كدعاء الأنبياء أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين لقوله الله تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } ( أي المشركين ) " سورة يونس " آية 106 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار » ( الند : المثيل والشريك ) رواه البخاري .
2 - اشمئزاز القلب من توحيد الله ، ونفوره من دعائه والاستغاثة به وحده ، وانشراح القلب عند دعاء الرسل أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين ، وطلب المعونة منهم لتوله تعالى عن المشركين : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } ( اشمأزت : نفرت ) " سورة الزمر " آية 45 .(6/22)
( وتنطبق الآية على الذين يحاربون من يستعين بالله وحده ، ويقولون عنه : وهابي ، إذا علموا أن الوهابية تدعو للتوحيد ) .
3 - الذبح لرسول أو ولي لقوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ( أي صل لربك واذبح له ) " سورة الكوثر " آية 2 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله من ذبح لغير الله » رواه مسلم " .
4 - النذر لمخلوق على سبيل التقرب والعبادة له ، وهي لله وحده . قال الله تعالى : { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } سورة آل عمران ، آية 35 .
5 - الطواف حول القبر بنية التقرب والعبادة له ، وهو خاص بالكعبة ، لقول الله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } سورة الحج ، آية 29 .
6 - الاعتماد والتوكل على غير الله ، لقول الله تعالى : { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } سورة يونس ، آية 84 .
7 - الركوع أو السجود بنية العبادة للملوك أو العظماء الأحياء أو الأموات إلا أن يكون جاهلاً ، لأن الركوع والسجود عبادة لله وحده .(6/23)
8 - إنكار ركن من أركان الإسلام المعروفة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو إنكار ركن من أركان الإيمان : وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة .
9 - كراهية الإسلام ، أو كراهية شيء مجمع عليه في العبادات ، أو المعاملات ، أو الاقتصاد ، أو الأخلاق لقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } سورة محمد ، آية 9 .
10 - الاستهزاء بشيء من القرآن ، أو الحديث الصحيح ، أو بحكم مجمع عليه من أحكام الإسلام ، لقوله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }{ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } " سورة التوبة " آية 65 ، 66 .
11 - إنكار شيء من القرآن الكريم ، أو الأحاديث الصحيحة مما يوجب الردة عن الدين إذا تعمد ذلك عن علم بلا شبهة .
12 - شتم الرب أو لعن الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بحاله ، أو نقد ما جاء به مما يوجب الكفر .(6/24)
13 - إنكار شيء من أسماء الله ، أو صفاته ، أو أفعاله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة من غير جهل ولا تأويل .
14 - عدم الإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله لهداية الناس ، أو انتقاص أحدهم لقوله تعالى : { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } سورة البقرة ، آية 285 .
15 - الحكم بغير ما أنزل الله إذا اعتقد عدم صلاحية حكم الإسلام أو أجاز الحكم بغيره لقوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } سورة المائدة ، آية 44 .
16 - التحاكم لغير الإسلام ، أو عدم الرضا بحكم الإسلام ، أو يرى في نفسه ضيقاً وحرجاً في حكمه لقوله تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . " سورة النساء " آية 65 .
17 - إعطاء غير الله حق التشريع كالديكتاتورية ، أو الديمقراطية ، أو غيرها ممن يسمحون بالتشريع المخالف لشرع الله .(6/25)
لقوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } سورة الشورى ، آية 21 .
18 - تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، كتحليل الزنا أو الخمر أو الربا غير متأول ، لقوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } سورة البقرة ، آية 275 .
19 - الإيمان بالمبادئ الهدامة : كالشيوعية الملحدة ، أو الماسونية اليهودية ، أو الاشتراكية الماركسية ، أو العلمانية الخالية من الدين ، أو القومية التي تفضل غير المسلمِ العربي على المسلم الأعجمي لقوله تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
" سورة آل عمران " آية 85 .
20 - تبديلِ الدين والانتقال من الإسلامِ لغيره لقوله تعالى : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } سورة البقرة " آية 217 .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه » " رواه البخاري " .(6/26)
21 - مناصرة اليهود والنصارى والشيوعيين ومعاونتهم على المسلمين لقوله تعالى : { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } سورة آل عمران " آية 28 .
22 - عدم تكفير الشيوعيين المنكرين لوجود الله ، أو اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الله كفرهم فقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } سورة البينة " آية 6 .
23 - قول بعض الصوفيين بوحدة الوجود : وهو : ما في الكون إلا الله ، حتى قال زعيمهم :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة
وقال زعيمهم الحلاج : ( أنا هو ، وهو أنا ) فحكم العلماء عليه بالقتل فأعدم .
24 - القول بانفصال الدين عن الدولة ، وأنه ليس في الإسلام سياسة ، لأنه تكذيب للقرآن والحديث والسيرة النبوية .(6/27)
25 - قول بعض الصوفية : إن الله سلم مقاليد الأمور لبعض الأولياء من الأقطاب وهذا شرك في أفعال الرب سبحانه ، يخالف قوله تعالى : { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } " سورة الزمر " آية 63 .
26 - إن هذه المبطلات أشبه بنواقض الوضوء ، فإذا فعل المسلم واحدا منها ، فليجدد إسلامه ، وليترك المبطل ، وليتب إلى الله قبل أن يموت فيحبط عمله ، ويخلد في نار جهنم . قال تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } " سورة الزمر " آية 65 .
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول :
« اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم » . " رواه أحمد بسند حسن " .(6/28)
لا تصدق الدجالين
قال صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد » .
صحيح رواه أحمد .
يحرم تصديق المنجم والكاهن والعراف والساحر والرمَّال والمندِّل وغيرهم ممن يدعي العلم بما في النفس ، أو بالماضي والمستقبل ، لأن ذلك من اختصاص الله وحده ، كما قال الله تعالى : { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } سورة الحديد " آية 6 .
{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } " سورة النمل " آيه 65 .
وما يقع من الدجالين إنما هو التخمين والمصادفة ، وأكثره كذب من الشيطان لا يغتر به إلا ناقص العقل ، ولو كانوا يعلمون الغيب لاستخرجوا الكنوز من الأرض ، ولما أصبحوا فقراء يحتالون على الناس لأكل مالهم بالباطل ، وإن كانوا صادقين فليخبرونا عن أسرار اليهود لإحباطها .(6/29)
لا تحلف بغير الله
1 - قال صلى الله عليه وسلم : « لا تحلفوا بآبائكم ، من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض بالله فليس من الله » صحيح رواه ابن ماجه ، انظر صحيح الجامع 7124 .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ، ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون » صحيح رواه أبو داود ، انظر صحيح الجامع 7126 " .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من حلف بغير الله فقد أشرك » صحيح رواه أحمد وغيره " .
4 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمين صبر (1) يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر (2) ، لقي الله وهو عليه غضبان » . " متفق عليه " .
5 - وقال صلى الله عليه وسلم « من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ، فليأتِ الذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه »
" رواه مسلم " .
6 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من حلف فاستثنى (3) فإن شاء مضى ، وإن شاء ترك غير حنث » ( لا تلزمه كفارة اليمين ) صحيح رواه النسائي انظر صحيح الجامع 6082 .
7 - وقال عبد الله بن مسعود : " لأن أحلف بالله كاذباً خير من أحلف بغيره صادقاً " .
_________
(1) صبر : تلزمه من الحاكم .
(2) فاجر : كاذب .
(3) قال ما شاء الله .(6/30)
8 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من حلف منكم فقال في حلفه : باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك ، فليتصدق بشيء » . " متفق عليه " .
9 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من حلف بملة غير الإسلام كاذباً ، فهو كما قال » " متفق عليه " .
معناه : إذا قال المسلم : إن كان فعل ذلك فهو يهودي ، فإن اعتقد تعظيم ذلك كفر ، وان قصد حقيقة التعليق فينظر ، فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر ، لأن إرادة الكفر كفر ، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر .
" انظر فتح الباري 11 / 539 " .
يستفاد من هذه الأحاديث
أ - يحرم الحلف بالنبي والكعبة والأمانة والذمة والولد والأبوين ، والشرف والأولياء وغيرها من المخلوقات ، وهو من الشرك الأصغر ، لأنه أشرك مع الله غيره في تعظيمه حينما حلف به ، وهو من كبائر الذنوب ، يجب النهي عنه ، وتركه ، والتوبة منه ، وقد يكون الحلف بغير الله من الشرك الأكبر ، وذلك إذا اعتقد الحالف بالولي أن له سرَّ التصرف ينتقم منه إذا حلف به كاذباً ، لأنه أشرك مع الله هذا الولي في التصرف والانتقام والضرر .
2 - الحلف بغير الله ليس بيمين شرعي لا يلزمه الفعل ولا الكفارة .(6/31)
3 - من حلف أن يقطع رحمه ، أو يفعل معصية ، فلا يفعل وليكفر عن يمينه ، وكفارة اليمين وردت في قول الله تعالى : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } سورة المائدة " آية 89 .
4 - أما قوله صلى الله عليه وسلم : « من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال » .
فقد قال الإمام النووي في شرحه ما يلي : أما أحكام الحديث ومعانيها ، ففيها بيان غلظ تحريم اليمين الفاجرة ، والحلف بملة غير الإسلام كقوله : هو يهودي أو نصراني إن كان كذا وكذا . " انظر شرح مسلم للنووي " .(6/32)
لا تحتج بالقدر
يجب على كل مسلم الاعتقاد بأن الخير والشر بتقدير الله وعلمه وإرادته ، ولكن فعل الخير والشر من العبد باختياره ، ومراعاة الأمر والنهي واجبة على العبد ، فلا يجوز له أن يعصي الله ويقول " هكذا قدر الله ذلك " ! الله أرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب ليبينوا طريق السعادة والشقاء ، وتكرم على الإنسان بالعقل والتفكير ، وعرّفه الضلال والرشاد ، قال الله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }
" سورة الإنسان " آية 3 .
فإذا ترك الإنسان الصلاة أو شَربَ الخمر استحق العقوبة لمخالفة أمر الله ونهيه ، وعندها يحتَاج إلى التوبة والندم ، ولا يحتج بالقدر . وإنما يحتج بالقدر عند نزول المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله فيرضى . قال الله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ( نبرأها : نخلقها ) " سورة الحديد " آية 22 .(6/33)
تعلم الوضوء والصلاة
الوضوء : شَمَّر عن يديك إلى المرفقين ، وقل : " بسم الله " .
1 - اغسل كفيك وتمضمض ، واستنشق الماء ثلاث مرات " .
2 - اغسل وجهك ، ويديك إلي المرفقين ، اليمنى فاليسرى " ثلاثا " .
3 - امسح رأسك كله مع الأذنين .
4 - اغسل رجليك إلى الكعبين ( اليمنى فاليسرى ) ثلاثا " .
التيمم : إذا تعذر عليك الماء فامسح وجهك وكفيك بالتراب .
الصلاة : " فرض الصبح ركعتان " ( النية محلها القلب ) .
1 - استقبل القبلة ، وارفع يديك إلى أذنيك ، وقل : " الله أكبر " .
2 - ضع يدك اليمنى على اليسرى على صدرك ، واقرأ : " سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك " ( ويجوز قراءة غيرها مما ورد في السنة ) .(6/34)
الركعة الأولى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( سرا ) . { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } آمين . بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }{ اللَّهُ الصَّمَدُ }{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } وغيرها من السور .
1 - ارفع يديك ، وكبر ، واركع ، وضع يديك على ركبتيك وقل : " سبحان ربي العظيم " ثلاثاً .
2 - ارفع رأسك ويديك وقل : " سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد " .
3 - كبر واسجد وضع كفيك ، وركبتيك ، وجبهتك ، وأنفك . وأصابع رجليك على الأرض تجاه القبلة ، وقل : " سبحان ربي الأعلى " ثلاثاً .
4 - ارفع رأسك من السجود ، وكبر ، وضع يديك على ركبتيك وقل : " رب اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني " .
5 - اسجد على الأرض ثانية ، وكبر :
وقل : " سبحان ربي الأعلى " ثلاثا .(6/35)
6 - اجلس على رجلك اليسرى ، وانصب أصابع رجلك اليمنى ( وهذه تسمى جلسة الاستراحة ) .
الركعة الثانية 1 - انهض إلى الركعة الثانية ، وتعوذ ، وسم واقرأ سورة الفاتحة وسورة قصيرة .
2 - اركع واسجد كما تعلمت واجلس واقبض أصابع كفك اليمنى وارفع السبابة اليمنى واقرأ :
" التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .
3 - اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال .
4 - التفت يميناً ويساراً ، وقل في كل مرة : السلام عليكم ورحمة الله .
جدول عدد ركعات الصلاة
الصلوات السنة التي قبل الفريضة الفرض السنة التي بعد الفريضة
الصبح 2 2 0
الظهر 2 و 2 4 2
العصر 2 و 2 4 0
المغرب 2 3 2
العشاء 2 4 2 و 3 وتر
الجمعة 2 تحية المسجد 2 2 و 2(6/36)
من أحكام الصلاة
1 - السنة القبلية : تصلى قبل الفرض والسنة البعدية بعده .
2 - تمهل وانظر مكان سجودك ولا تلتفت .
3 - اقرأ إذا لم تسمع الإمام ، واقرأ الفاتحة في الجهرية عند سكتاته .
4 - فرض الجمعة ركعتان ولا يجوز إلا في المسجد بعد الخطبة .
5 - فرض المغرب ثلاث . صل ركعتين كما صليت في الصبح ، وعند الانتهاء من قراءة التحيات كلها لا تسلم وقم إلى الركعة الثالثة رافعاً يديك إلى كتفيك ، اقرأ الفاتحة فقط ، وتمم صلاتك كما تعلمت في الصبح .
6 - فرض الظهر والعصر والعشاء أربع ، افعل ما فعلته في المغرب وقم من الركعة الثالثة إلى الرابعة واقرأ الفاتحة فقط وتتم صلاتك .
7 - الوتر ثلاث : صلِّ ركعتين وسلم ، ثم صل ركعة منفردة وسلم ، والأفضل أن تدعو بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الركوع :
« اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت » " رواه أبو داود بسند صحيح " .(6/37)
8 - قف وكبر إذا اقتديت بالإمام ولو كان راكعاً ، وتحسب لك ركعة إن لحقته في الركوع وإلا فلا تحسب .
9 - إذا فاتتك ركعة أو أكثر مع الإمام فتابعه في آخر الصلاة ، ولا تسلم مع الإمام ، وقم إلى صلاة الركعات الباقية .
10 - احذر السرعة في الصلاة ، فإنها مبطلة لها ، فقد « رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يسرع في صلاته فقال له : " ارجع فصل فإنك لم تصلِّ " فقال له في الثالثة : علمني يا رسول الله فقال : " . . . اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً . . » " متفق عليه " .
11 - إذا فاتك واجب من واجبات الصلاة ، فتركت القعود الأول مثلاً أو شككت في عدد الركعات ، فخذ بالأقل واسجد سجدتين في آخر الصلاة وسلم ، وهذا يسمى سجود السهو .
12 - لا تكثر الحركة في الصلاة ، فهي منافية للخشوع . وربما سببت فساد الصلاة إذا كانت كثيرة وغير ضرورية .
13 - وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل الساعة 12 أما صلاة الوتر فوقتها إلى طلوع الفجر .(6/38)
من أحاديث الصلاة
1 - « صلوا كما رأيتموني أصلي » " رواه البخاري " .
2 - إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس .
( وتسمى تحية المسجد ) " رواه البخاري " .
3 - « لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها » " رواه مسلم " .
4 - « إذا أقيمت الصلاة ، فلا صلاة إلا المكتوبة » رواه مسلم " .
5 - « أمرت أن لا أكف ثوباً » " رواه مسلم " .
( النهي عن الصلاة وكمه مشمر أو ثوبه ) " ذكره النووي " .
6 - « أقيموا صفوفكم وتراصوا . قال أنس : وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدمه بقدمه . » رواه البخاري " .
7 - « إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وأنتم تمشون ، وعليكم بالسكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا . » متفق عليه " .
8 - « اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً . » رواه البخاري " .
9 - « إذا سجدت فضع كفيك ، وارفع مرفقيك » رواه مسلم " .
10 - « إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع والسجود » رواه مسلم " .
11 - « أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله . »(6/39)
" رواه الطبراني والضياء وصححه الألباني وغيره بشواهده " .(6/40)
وجوب صلاة الجمعة والجماعة
صلاة الجمعة والجماعة واجبة على الرجال للأدلة الآتية :
1 - قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } " سورة الجمعة " آية 9 .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من ترك ثلاث جمع تهاونا بها ، طبع الله على قلبه » " صحيح رواه أحمد " .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم » . " رواه البخاري 3 / 91 " .
4 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من سمع النداء ، فلم يأته ، فلا صلاة له إلا من عذر » ( الخوف أو المرض ) .
" صحيح ، ورواه ابن ماجه " .
5 - « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى ، فقال : يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخُص له ، فرخص له ، فلما ولَّى دعاه فقال : هل تسمع النداء ( بالصلاة ) ؟ قال : نعم ، قال : فأجب » . " رواه مسلم " .(6/41)
6 - وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : من سره أن يلقى الله غداً مسلماً ، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف . " رواه مسلم " .
( يهادى بين الرجلين : يتكئ عليهما ) .(6/42)
فضل صلاة الجمعة والجماعة
1 - قال صلى الله عليه وسلم : « من اغتسل ، ثم أتى الجمعة ، فصلى ما قدر له ، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ، وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصى فقد لغا » " رواه مسلم " .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح فإنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فإنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، من راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » " رواه مسلم " .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من صلى العشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة ، فكأنما قام الليل كله » " رواه مسلم " .(6/43)
4 - وقال صلى الله عليه وسلم : « صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته ، وصلاته في سوقه بضعاً وعشرين درجة ، وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة ، لا يريد إلا الصلاة ، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، يقولون : اللهم ارحمه اللهم اغفر له ، اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه » .
" رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم " .(6/44)
كيف أصلي الجمعة مع آدابها
1 - أغتسل يوم الجمعة ، وأقلم أظافري ، وأتطيب ، وألبس ثياباً نظيفة ، بعد الوضوء .
2 - لا آكل ثوماَ أو بصلاً نيئاً ، ولا أشرب دخاناً ، وأنظف فمي بالسواك أو المعجون .
3 - أصلي ركعتين عند الدخول إلى المسجد ، ولو كان الخطيب على المنبر ، امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : « إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب ، فليركع ركعتين وليتجوَّز فيهما » ( أي يخففهما ) " متفق عليه " .
4 - أجلس لسماع الخطبة من الإمام ولا أتكلم .
5 - أصلي مع الإمام ركعتين فرض الجمعة مقتدياً ( النية بالقلب ) .
6 - أصلي أربع ركعات سنة الجمعة البعدية ، أو ركعتين في البيت ، وهو الأفضل .
7 - الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة .
8 - تحري الدعاء يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم : « إن في يوم الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه الله إياه . » متفق عليه " .(6/45)
صلاة الخسوف والكسوف
1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت « خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث منادياً : ( الصلاة جامعة ) فقام فصلى أربع ركوعات في ركعتين وأربع سجدات » . " رواه البخاري " .
2 - عن عائشة قالت : « كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بالناس فأطال القراءة ، ثم ركع ، فأطال الركوع ، ثم رفع رأسه ، فأطال القراءة - وهي دون قراءته الأولى - ثم ركع فأطال الركوع دون ركوعه الأول ، ثم رفع رأسه ، فسجد سجدتين ، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك ، فسلَّم ، وقد تجلت الشمس ، فخطب الناس فقال : " إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنهما آيتان من آيات الله يريهما عباده ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة . . » وفي رواية : « فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ، ثم قال : يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده ، أو تزني أمته ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، ألا هل بلغت ؟ » .
" هذه رواية البخاري ومسلم باختصار من جامع الأصول ج 6 / 56 - 158 " .(6/46)
كيف تصلي على الميت ؟
ينويها المصلي في قلبه ، ويكبر أربع تكبيرات .
1 - بعد التكبيرة الأولى يتعوذ ، ويسمي ، ويقرأ الفاتحة .
2 - بعد التكبيرة الثانية يقرأ الصلوات الإبراهيمية : ( اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم . . ) .
3 - بعد التكبيرة الثالثة يدعو بالدعاء الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم : « اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار » . " أخرجه مسلم وغيره " .
4 - بعد التكبيرة الرابعة يدعو بما شاء ، ويسلم يمينا .
عظة الموت قال الله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } " سورة آل عمران " آية 185 .
وقال الشاعر :
تزود للذي لا بد منه ... فإن الموت ميقات العباد(6/47)
وتب مما جنيت وأنت حي ... وكن متنبهاً قبل الرقاد
ستندم إن رحلت بغير زاد ... وتشقى إذ يناديك المنادي
أرتضى أن تكون رفيق قوم ... لهم زاد وأنت بغير زاد ؟(6/48)
صلاة العيدين في المصلى
1 - « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة » . . " رواه البخاري " .
2 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « التكبير في الفطر : سبع في الأولى ، وخمس في الآخرة ، والقراءة بعدهما كلتيهما » " حسن رواه أبو داود " .
3 - أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق ، والحيَّض ، وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ، قلت : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها . » " متفق عليه " .
يستفاد من الأحاديث 1 - صلاة العيدين ركعتان : يكبر فيها المصلي سبع تكبيرات أول الركعة الأولى ، وخمس تكبيرات في أول الركعة الثانية ، ثم يقرأ الإمام الفاتحة وسورة ، وصلاة العيدين تكون مع الجماعة .(6/49)
2 - صلاة العيد تكون في المصلى ، وهو مكان قريب من المدينة يخرج إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، لصلاة العيدين ، ويخرج معه الصبيان والنساء الشابات ، حتى النساء المعذورات بالحيض . قال الحافظ في الفتح : وفيه الخروج إلى المصلى ، ولا يكون في المسجد إلا عن ضرورة .(6/50)
مشروعية الأضحية في العيد
1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا : أن نصلي ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن نحر قبل الصلاة ، فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء » " متفق عليه " .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس : إن على كل بيت أضحية » " رواه أحمد والأربعة ، وقواه الحافظ في الفتح " .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من كان له سعة ولم يضح ، فلا يقربن مصلانا » .
" رواه ابن ماجه والحاكم وصححه الألباني في الجامع " .(6/51)
صلاة الاستسقاء
1 - « خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ، فدعا واستسقى ، ثم استقبل القبلة ، فصلى ركعتين ، وقلب رداءه وجعل اليمين على الشمال » ( ويجوز تقديم الصلاة على الدعاء ) " رواه البخاري " .
2 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم فاسقنا . فيسقون " رواه البخاري " .
هذا الحديث دليل على أن المسلمين كانوا يتوسلون بالرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته يطلبون الدعاء منه لنزول المطر ، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى ، لم يطلبوا منه الدعاء ، بل طلبوا من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي ، فقام العباس يدعو الله لهم .(6/52)
احذر المرور أمام المصلي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين ، خيراً له من أن يمر بين يديه » قال أبو النضر : لا أدري قال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة (1) .
" رواه البخاري في باب إثم المار بين يدي المصلي الجزء الأول " .
هذا الحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي في محل سجوده ، فيه إثم ووعيد ، ولو عرف هذا المار ما عليه من الإثم لوقف أربعين سنة ، ولو مرَّ بعيداً من مكان سجوده لا شيء عليه حسب مفهوم الحديث الذي ينص على مكان وضع يدي المصلي عند سجوده .
وعلى المصلي أن يضع سترة أمامه ، حتى ينتبه المار ، فيحذر المرور أمامه لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس ، فإذا أراد أحد أن يجتاز بين يديه ، فليدفع في نحره ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان » .
متفق عليه .
وهذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ، والذي يحذر المرور بين يدي المصلي يشمل المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لعمومه ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال هذا الحديث قاله في مكة أو المدينة ، والدليل على ذلك ما يلي :
_________
(1) وجاء في رواية ابن خزيمة : « أربعين خريفاً » وصححها ابن حجر .(6/53)
1 - ذكر البخاري في ج 1 ص 129 .
( باب يرد المصلي من مر بين يديه ) : " ورد ابن عمر المار بين يديه في التشهد وفي الكعبة وقال : إن أبى إلا أن تقاتله فقاتله " . . قال الحافظ في الفتح : وتخصيص الكعبة بالذكر لئلا يتخيل أنه يُغتفر بها المرور لكونها محل المزاحمة وقد وصل الأثر المذكور ( وهو رد ابن عمر للمار ) بذكر الكعبة فيه شيخ البخاري في كتاب ( الصلاة ) لأبي نعيم .
2 - وأما الحديث الذي رواه أبو داود في سننه فغير صحيح لوجود مجهول فيه ، وهذا نصه :
حدثنا أحمد بن حنبل : حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده أنه « رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه ، وليس بينهما سترة » ، قال سفيان : ليس بينه وبين الكعبة سترة ، قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال : أخبرنا كثير عن أبيه ، قال : فسألته ، فقال : ليس من أبي سمعته ، ولكن من بعض أهلي عن جدي .
قال الحافظ في الفتح : معلول .(6/54)
3 - وجاء في البخاري ( باب السترة بمكة وغيرها ) عن أبي جحيفة قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فصلى بالبطحاء ( بمكة ) الظهر والعصر ركعتين ، ونصب بين يديه عنزة » ( عصا على رأسها حديدة ) . والخلاصة : أن المرور في مكان سجود المصلي حرام ، فيه إثم ووعيد إذا وضع أمامه سترة ، سواء كان في الحرم ، أو في غيره ، لما تقدم من الأحاديث الصحيحة ، وقد يجوز للمضطر عند الزحام الشديد .(6/55)
واجبك في رمضان
اعلم يا أخي المسلم أن الله فرض علينا الصوم لنعبده به ، ولكي يكون صومك مقبولا ومفيداً فاعمل ما يلي :
1 - حافظ على الصلاة : فكثير من الصائمين يهملون الصلاة ، وهي عماد الدين ، وتركها من الكفر .
2 - كن حسن الأخلاق ، واحذر الكفر وسب الدين ، وسوء المعاملة مع الناس ، محتجًا بصيامك ، فالصوم يهذب النفوس ، ولا يسيء الأخلاق ، والكفر يخرج المسلم من الدين .
3 - لا تتكلم الكلام البذيء ولو مازحاً فيضيع صومك ، واسمع قوله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب : فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم إني صائم » ( لا يرفث : لا يفحش قولا ) " متفق عليه " .
4 - استفد من الصوم في ترك الدخان المسبب للسرطان والقرحة ، وحاول أن تكون قوي الإرادة ، تتركه مساء كما تركته نهاراً ، فتوفر صحتك ومالك .
5 - لا تسرف في الطعام حين الإفطار ، فتضيع فائدة الصوم ، وتسيء إلى صحتك .
6 - لا تذهب إلى السينما والتلفزيون لئلا تشاهد ما يفسد الأخلاق ، ويتنافى مع الصيام .(6/56)
7 - لا تسهر كثيراً فتضيع السحور وصلاة الفجر ، وعليك بالعمل في الصباح الباكر قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « اللهم بارك لأمتي في بكورها » صحيح رواه أحمد والترمذي .
8 - أكثر من الصدقات على الأقارب والمحتاجين ، وزر الأرحام ، وصالح الخصوم .
9 - أكثر من ذكر الله ، وتلاوة القرآن وسماعه ، وتدبر معناه ، واعمل به واذهب إلى المساجد لتسمع الدروس النافعة ، والاعتكاف في المسجد في آخر رمضان سنة .
10 - اقرأ رسالة ( عن الصيام ) وغيرها لتعلم أحكامه ، فتعرف أن الأكل والشرب ناسيا لا يفطر ، وأن الجنابة ليلا لا تمنع الصوم ، وإن كان الواجب رفعها للطهارة والصلاة .
11 - حافظ على صوم رمضان ، وعود أولادك الصوم متى أطاقوه ، واحذر الإفطار فيه دون عذر ، فمن أفطر يوما واحداً عمداً فعليه القضاء والتوبة .
ومن جامع زوجته أثناء صوم رمضان فعليه الكفارة بالترتيب (1) .
12 - احذر يا أخي المسلم الإفطار في رمضان ، واحذر الجهر به أمام الناس ، فالفطر جرأة على الله ، واستخفاف بالإسلام ، ووقاحة بين الناس ، واعلم أن من لا صوم له لا عيد له ، فالعيد فرحة كبرى بإتمام الصوم وقبول العبادة .
_________
(1) الكفارة : هي عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً .(6/57)
أعمال العمرة
1 - الإحرام : البس لباس الإحرام عند الميقات (1) وقل ( لبيك اللهم بعمرة ) ، وارفع صوتك بالتلبية " لبيك اللهم لبيك " .
2 - الطواف : إذا وصلت مكة ، فاذهب إلى الحرم ، وطف حول الكعبة سبعاً ، مبتدئاً بالحجر الأسود قائلا : " بسم الله والله أكبر " وقبله إن استطعت ، أو أشر إليه باليمين ، وامسح الركن اليماني بيمينك كل مرة إن استطعت بلا تقبيل ولا إشارة ، وقل بين الركنين : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ، ثم صلِّ ركعتين خلف مقام إبراهيم ، واقرأ سورة ( الكافرون ) في الأولى ، ( والإخلاص ) في الثانية .
3 - السعي : اصعد إلى الصفا ، واستقبل القبلة رافعا يديك إلى السماء قائلا : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } ابدأ بما بدأ الله به ، وكبّر ثلاثا بلا إشارة وقل : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " ثلاثاً ، كرره عند الصفا والمروة مع الدعاء . امش بين الصفا والمروة مسرعاً بين الميلين الأخضرين .
_________
(1) ميقات أهل الشام الجحفة ( رابغ ) وأهل نجد ( قرن المنازل ) وأهل اليمن ( يلملم ) وأهل المدينة ( ذو الحليفة ) وتسمى ( أبيار علي ) وأهل العراق ( ذات عرق ) ومن مر عليها .(6/58)
السعي سبع مرات ، يحسب الذهاب مرة ، والرجوع مرة .
4 - احلق شعرك كله ، أو قصره ، والمرأة تقص من شعرها قليلا .(6/59)
أعمال الحج (1) .
الإحرام ، المبيت بمنى ، الوقوف بعرفة ، المبيت بمزدلفة ، الرمي ، الذبح ، الحلق ، الطواف ، السعي ، المبيت بمنى أيام العيد .
1 - البس ثياب الإحرام يوم الثامن من ذي الحجة بمكة وقل : ( لبيك اللهم حجة ) واذهب إلى ( منى ) وبت فيها ، وصل خمس صلوات قصراً ، فتصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ، تصلي المغرب ثلاث ركعات ، والصبح ركعتين في أوقاتها .
2 - اذهب إلى ( عرفة ) يوم التاسع بعد الشروق ، وصل الظهر والعصر قصراً ، جمع تقديم بأذان وإقامتين بدون سنة ، وتأكد أنك في عرفة داخل حدودها مفطراً ملبياً داعياً الله وحده ، لأن الوقوف في عرفة ركن أساسي .
3 - انزل من عرفة بعد الغروب بهدوء ، ( لمزدلفة ) وصل المغرب والعشاء جمع تأخير قصراً ، وبت فيها لتصلي الفجر وتذكر الله عند المشعر الحرام ، ويسمح للضعفاء بالانصراف بعد نصف الليل .
4 - اخرج من مزدلفة قبل الشروق إلى ( منى ) يوم العيد ، وارم الجمرة الكبرى بسبع حصيات صغيرة مكبراً بعد الشروق ولو إلى الليل عالماً بوقوعها في المرمى ، فإذا لم تقع فأعدها .
_________
(1) حج التمتع هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج . والتحلل منها ثم الإحرام بالحج في الثامن من ذي الحجة ، وهو الأسهل والأفضل ، وهو الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه لمن نوى الحج مفردا أو قارنا فقال : « فمن كان منكم ليس معه هدي ، فليحل وليجعلها عمرة » رواه مسلم .(6/60)
5 - اذبح ذبيحة واسلخها بمنى أو مكة ، أيام العيد ، وكل وأطعم الفقراء ، فإن لم تملك ثمنها فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت لأهلك ، والمرأة كالرجل تجب عليها الذبيحة أو الصوم ، وهذا للمتمتع وللقارن وجوبا .
6 - احلق شعرك أو قصره كله ، والحلق أفضل ، ثم البس ثيابك ، ويحل لك كل شيء إلا النساء .
7 - ارجع إلى مكة فطف سبعاً ، واسع بين الصفا والمروة سبعاً ( ذهاباً مرة ، ورجوعاً مرة ) وتحل لك زوجتك بعد أن كانت حراماً ، ويمكن تأخير الطواف إلى آخر أيام العيد .
8 - ارجع إلى منى أيام العيد ، وبت فيها وجوبا ، وارم الجمرات الثلاث مبتدئا بالصغرى كل يوم بعد الظهر ، ولو إلى الليل ، بسبع حصيات لكل جمرة ، مكبرا عند كل حصاة ، في اليوم الثاني والثالث لمن تعجل ، وفي الرابع لمن تأخر ، ويسن الوقوف بعد رمي الصغرى والوسطى للدعاء مع رفع اليدين . ويجوز التوكيل بالرمي عن النساء والمرضى والصغار والضعفاء ، ويجوز تأخير الرمي إلى اليوم الثاني والثالث عند الضرورة .
9 - طواف الوداع واجب ، ويكون السفر بعد الطواف مباشرة ، وتجب الذبيحة في تركه . أو ترك الرمي ، أو ترك المبيت بمنى .(6/61)
من آداب الحج والعمرة
1 - اخلص حجك لله قائلا : اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة .
2 - رافق أهل الصلاح واخدمهم ، وتحمل أذى جيرانك .
3 - احذر شرب الدخان وشراءه ، فهو حرام يضر الجسم والجار والمال ، وفيه معصية لله تعالى .
4 - استعمل السواك عند الصلاة ، وخذ منه هدايا مع زمزم والتمر ، فقد وردت أحاديث صحيحة بفضلها .
5 - احذر لمس النساء ، والنظر إليهن ، واحجب نساءك عن الرجال .
6 - لا تتخط رقاب المصلين فتؤذيهم ، واجلس في أقرب مكان .
7 - احذر المرور بين يدي المصلي حتى في الحرمين ، فهو من عمل الشيطان .
8 - تمهل في صلاتك وصل إلى سترة ( كجدار ، أو ظهر رجل أو محفظة ) ، ويكفي المقتدين سترة إمامهم .
9 - تلطف بمن حولك أثناء الطواف والسعي ، والرمي ، والتقبيل ، فهو من الرفق المطلوب .
10 - احذر دعاء غير الله من الأموات ، فهو من الشرك الذي يبطل الحج والعمل ، قال تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } "سورة الزمر " آية 65 .(6/62)
من آداب المسجد النبوي
1 - إذا دخلت المسجد فقدم رجلك اليمنى ، وقل : " بسم الله والسلام على رسول الله ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " .
2 - صلِّ ركعتين تحية المسجد ، وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا عمر ، ثم استقبل القبلة عند الدعاء ، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم « إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله » .
" رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح " .
3 - زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والسلام عليه مستحبة ، ولا يتوقف عليها صحة الحج ، وليس لها وقت محدد .
4 - احذر لمس أو تقبيل الشباك أو الجدار وغيرهما فهو بدعة .
5 - الرجوع إلى الوراء عند مغادرة المسجد بدعة ، لا دليل عليه .
6 - أكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله ، صلى الله عليه وسلم : « من صلى عليَّ صلاة واحدة ، صلى الله عليه بها عشراً » " رواه مسلم " .
7 - تستحب زيارة البقيع وشهداء أحد ، دون المساجد السبع .(6/63)
8 - السفر إلى المدينة يكون بنية زيارة المسجد النبوي ، ثم السلام عليه صلى الله عليه وسلم عند الدخول ، لأن الصلاة في مسجده أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد ، واذهب إلى قباء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة كان له أجر عمرة تامة » . " صحيح رواه أحمد " .(6/64)
من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
كان خلقه القرآن ، يسخط لسخطه ، ويرضى لرضاه ، لا ينتقم لنفسه ، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيغضب لله .
وكان صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة ، وأوفاهم ذمة ، وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة ، وأشد حياء من العذراء في خدرها ، خافض الطرف أكثر نظره التفكير ، ولم يكن فاحشا ولا لعانا ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، ليس بفظ ولا غليظ ، لا يقطع على أحد حديثه حتى يتعدى الحق ، فيقطعه بنهي أو قيام .
وكان صلى الله عليه وسلم يحفظ جاره ويكرم ضيفه ، لا يمضي له وقت في غير عمل لله ، أو فيما لا بد منه ، يحب التفاؤل ويكره التشاؤم ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، يحب إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم .
وكان صلى الله عليه وسلم يحب أصحابه ويشاورهم ويتفقدهم : فمن مرض عاده ، ومن غاب دعاه ، ومن مات دعا له . يقبل معذرة المعتذر إليه ، والقوي والضعيف عنده في الحق سواء ، وكان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه ( لفصاحته وتمهله ) .
وكان يمزح ولا يقول إلا حقًا ( صدقا ) صلى الله عليه وسلم .(6/65)
من آداب الرسول وتواضعه صلى الله عليه وسلم
كان أرحم الناس وأشدهم إكراماً لأصحابه ، يوسع عليهم إذا ضاق المكان ، يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا صافح رجلاً لا ينزع يده من يده ، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده .
كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعاً ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم حتى يقوم الذي جلس إليه إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه .
كان صلى الله عليه وسلم يكره القيام له (1) . عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال : « لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلك » صحيح رواه أحمد والترمذي " .
وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحداً بما يكره ، يعود المريض ، ويحب المساكين ، ويجالسهم ويشهد جنائزهم ، ولا يحقر فقيراً لفقره ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يعظم النعمة وإن قلّتْ : فما عاب طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ، يأكل ويشرب بيمينه بعد أن يسمي الله في أوله ، ويحمده في آخره .
_________
(1) يجوز لصاحب البيت القيام إلى الضيف لاستقباله ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله . ويجوز القيام إلى قادم من سفر لمعانقته ، لأن الصحابة فعلوه .(6/66)
يحب الطيب ، ويكره الخبائث كالبصل والثوم وأمثالهما لرائحتهما . حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة » .
" صحيح رواه المقدسي " .
وكان صلى الله عليه وسلم لا يتميز على أصحابه في ملبس أو مجلس ، يدخل الأعرابي فيقول : أيكم محمد ؟ أحب اللباس إليه القميص ( ثوب طويل لنصف ساقه ) لا يسرف في مأكل أو ملبس ، يلبس القلنسوة والعمامة وخاتما من فضة في خنصره الأيمن وله لحية كثيفة .(6/67)
دعوة الرسول وجهاده صلى الله عليه وسلم
أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، فدعا العرب والناس جميعا إلى ما فيه صلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة .
وأول ما دعا إليه توحيد عبادة الله : ومنها الدعاء لله وحده لقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا } " سورة الجن " آية 20 .
ولقد عارض المشركون هذه الدعوة لمخالفتها عقيدتهم الوثنية ، وتقليدهم الأعمى لآبائهم ، واتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر والجنون بعد أن كانوا يسمونه الصادق الأمين .
لقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على أذى قومه ، ممتثلاً أمر ربه القائل : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } " سورة الإنسان " آية 24 .(6/68)
وبقي ثلاثة عشر عاما في مكة يدعو إلى التوحيد ، ويتحمل مع أتباعه العذاب ، ثم هاجر مع أصحابه إلى المدينة ليقيم المجتمع الإسلامي الجديد على العدل والمحبة والمساواة ، وقد أيده الله بمعجزات أهمها القرآن الكريم الداعي إلى التوحيد والعلم والجهاد ومكارم الأخلاق . كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام قائلا لهرقل : « أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين » .
و { يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } . ( لا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل ) .
حارب الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين واليهود وانتصر عليهم ، وغزا بنفسه عشرين غزوة تقريباً ، وأرسل عشرات السرايا من أصحابه للجهاد والدعوة للإسلام وتحرير الشعوب من الظلم والاستعباد ، وكان يعلمهم أن يبدأوا بالتوحيد .(6/69)
حب الرسول وأتباعه صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } " سورة آل عمران " آية 31 ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ، والناس أجمعين » .
" رواه البخاري ومسلم " .
لقد اجتمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق والشجاعة والكرم ، فمن رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، ولقد بلّغ الرسول الرسالة ، ونصح الأمة وجمع الكلمة ، وفتح مع صحابته القلوب بتوحيدهم ، كما فتحوا البلاد بجهادهم ، ليخرجوا الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد .
وقد أوصلوا إلينا هذا الدين كاملاً خالياً من البدع والخرافات لا يحتاج إلى زيادة أو نقصان .
قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } " سورة المائدة " آية 3 .
وقال صلى الله عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » . " صححه الحاكم ووافقه الذهبي " .(6/70)
هذه أخلاق رسولكم ، فتمسكوا بها لتكونوا محبين صادقين { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } " سورة الأحزاب " آية 21 .
واعلموا أن الحب الصادق لله ورسوله يتطلب العمل بكتاب الله ، وأحاديث رسوله الصحيحة ، والاحتكام إليهما ومحبة التوحيد الذي دعا إليه ، وتطبيقه وعدم تقديم حكم أو قول أحد عليهما .
قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } " سورة الحجرات " آية 1 .
ومن علامات حبه صلى الله عليه وسلم حب التوحيد الذي دعا إليه وتطبيقه وحب من يدعو إليه من الدعاة ، وعدم نبزهم بالألقاب المنفرة . اللهم ارزقنا حبه واتباعه وشفاعته والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم .(6/71)
أحاديث حول الرسول صلى الله عليه وسلم
1 - « إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبدا ، كتاب الله وسنة نبيه » . " رواه الحاكم وصححه الألباني " .
2 - « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها » . " صحيح رواه أحمد " .
3 - « يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئاً » . " رواه البخاري " .
4 - « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله » . " رواه البخاري " .
5 - « لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله » . " رواه البخاري " .
( لا تطروني : لا تزيدوا في مدحي ) .
6 - « قاتل الله اليهود ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » . " رواه البخاري " .
7 - « من تقوَّل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار » .
" صحيح رواه أحمد " .
8 - « إني لا أصافح النساء » صحيح رواه الترمذي " .
( اللاتي يجوز الزواج منهن ) .
9 - « من رغب عن سنتي فليس مني » متفق عليه " .
10 - « اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع » . " رواه مسلم " ( أي لا أعمل به ، ولا أعلِّمه ، ولا يبدل أخلاقي ) .(6/72)
تعليم الصلاة
1 - يجب تعليم الصبي والبنت الصلاة في الصغر ليلتزماها عند الكبر لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا ، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً ، وفرقوا بينهم في المضاجع » " صحيح رواه أحمد " .
والتعليم يكون بالوضوء والصلاة أمامهم ، والذهاب بهم إلى المسجد وترغيبهم بكتاب فيه كيفية الصلاة لتتعلم الأسرة كلها أحكام الصلاة ، وهذا مطلوب من المعلم والأبوين ، وكل تقصير سيسألهم الله عنه .
2 - تعليم الأولاد القرآن الكريم ، فنبدأ بسورة الفاتحة والسور القصيرة وحفظ ( التحيات لله . . ) لأجل الصلاة ، وأن نخصص لهم معلماً للتجويد وحفظ القرآن والحديث . . .
3 - تشجيع الأولاد على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد وراء الرجال ، والتلطف في نصحنا لهم إن أخطأوا ، فلا نزعجهم ولا نصرخ بهم ، لئلا يتركوا الصلاة ونأثم بعد ذلك ، وإذا تذكرنا طفولتنا ولعبنا فسوف نعذرهم .(6/73)
التحذير من المحرمات
1 - تحذير الأولاد من الكفر والسب واللعن والكلام البذيء وإفهامهم بلطف أن الكفر حرام ، يسبب الخسران ودخول النار ، وعلينا أن نحفظ ألسنتنا أمامهم لنكون قدوة حسنة لهم .
2 - تحذير الأولاد من الميسر بأنواعه كاليانصيب ، والطاولة ، وغيرها ولو كان للتسلية ، لأنها تجر إلى القمار ، وتورث العداوة أو أنها خسارة لهم ولمالهم ولوقتهم ، وضياع لصلواتهم .
3 - منع الأولاد من قراءة المجلات الخليعة ، والصور المكشوفة ، والقصص البوليسية والجنسية ، ومنعهم من مثل هذه الأفلام في السينما والتلفزيون لضررها على أخلاقهم ومستقبلهم .
4 - تحذير الولد من التدخين وإفهامه أن الأطباء أجمعوا على أنه يضر الجسم ويورث السرطان ، وينخر الأسنان ، كريه الرائحة ، معطل للصدر ، ليست له فائدة ، فيحرم شربه وبيعه . وينصح بأكل الفواكه والموالح عوضا عنه .
5 - تعويد الأولاد الصدق قولا وعملا ، بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين ، وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا ، وفي الحديث « آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان » متفق عليه " .(6/74)
6 - أن لا نطعم أولادنا المال الحرام كالرشوة والربا والسرقة ومنها الغش وهو سبب لشقائهم وتمردهم وعصيانهم .
7 - عدم الدعاء على الأولاد بالهلاك والغضب لأن الدعاء قد يستجاب بالخير والشر ، وربما يزيدهم ضلالاً ، والأفضل أن نقول للولد : أصلحك الله .
8 - التحذير من الشرك بالله : وهو دعاء غير الله من الأموات ، وطلب المعونة منهم ، فهم عباد لا يملكون ضّرًا ولا نفعاً ، قال الله تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } ( أي المشركين ) " سورة يونس " آية 106 .(6/75)
الستر والحجاب
1 - ترغيب البنت في الستر منذ الصغر لتلتزمه في الكبر ، فلا نلبسها القصير من الثياب ، ولا البنطال والقميص بمفردهما لأنه تشبه بالرجال والكفار ، وسبب لفتنة الشباب والإغراء ، وعلينا أن نأمرها بوضع منديل ( غطاء ) على رأسها منذ السابعة من عمرها ، وبتغطية وجهها عند البلوغ ، وباللباس الأسود الساتر الطويل الفضفاض الذي يحفظ شرفها ، وهذا القرآن الكريم ينادي المؤمنات جميعا بالحجاب فيقول : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } سورة الأحزاب آية 59 .
وينهى الله المؤمنات عن التبرج والسفور فيقول : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } " سورة الأحزاب " آية 33 .(6/76)
2 - توصية الأولاد أن يلتزم كل جنس بلباسه الخاص ، ليتميز عن الجنس الآخر ، وأن يبتعدوا عن لباس الأجانب وأزيائهم كالبنطال الضيق ، وغير ذلك من العادات الضارة ، ففي الحديث الصحيح : « لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن المخنثين من الرجال ، والمترجِّلاتِ من النساء » " رواه البخاري " .
وقال صلى الله عليه وسلم : « من تشبه بقوم فهو منهم » " صحيح رواه أبو داود " .(6/77)
الأخلاق والآداب
1 - نعوّد الطفل استعمال اليد اليمنى في الأخذ والعطاء والأكل والشرب ، والكتابة والضيافة ، وتعليمه التسمية أول كل عمل ، خصوصاً الطعام والشراب وأن يكون قاعداً ، وأن يقول : الحمد لله عند الانتهاء .
2 - تعويد الولد النظافة ، فيقص أظافره ، ويغسل يديه قبل الطعام وبعده ، وتعليمه الاستنجاء وأخذ الورق بعد البول ليمسحه أو الغسل بالماء لتصح صلاته ، ولا ينجس لباسه .
3 - أن نتلطف في نصحنا لهم سراً ، وأن لا نفضحهم إن أخطأوا ، فإن أصروا على العناد تركنا الكلام معهم ثلاثة أيام ولا نزيد .
4 - أمر الأولاد بالسكوت عند الأذان ، وإجابة المؤذن بمثل ما يقول ، ثم الصلاة على النبي ودعاء الوسيلة :
« اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته » " رواه البخاري " .
5 - أن نجعل لكل يولد فراشا مستقلا إذا أمكن وإلا فلحافا مستقلا ، والأفضل تخصيص غرفة للبنات ، وغرفة للبنين ، وذلك حفظا لأخلاقهم وصحتهم .
6 - تعويده ألا يرمي الأوساخ في الطريق ، وأن يرفع ما يؤذي عنه .
7 - التحذير من رفاق السوء ومراقبتهم من الوقوف في الشوارع .(6/78)
8 - التسليم على الأولاد في البيت والشارع والصف بلفظ " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .
9 - توصية الولد بالإحسان إلى الجيران وعدم إيذائهم .
10 - تعويد الولد إكرام الضيف واحترامه وتقديم الضيافة له .(6/79)
الجهاد والشجاعة
1 - يفضل تخصيص جلسة للأسرة ، وللتلاميذ يقرأ فيها المعلم كتابا في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ، ليعلموا أنه القائد الشجاع ، وأن صحابته كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية فتحوا بلادنا ، وكانوا سببا في هدايتنا ، وانتصروا بسبب إيمانهم وقتالهم وعملهم بالقرآن والسنة ، وأخلاقهم العالية .
2 - تربية الأولاد على الشجاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا يخافوا إلا الله ، ولا يجوز تخويفهم بالأكاذيب والأوهام والظلام .
3 - أن نغرس في الأولاد حب الانتقام من اليهود والظالمين وأن شبابنا سيحررون فلسطين والقدس حينما يرجعون إلى تعاليم الإسلام والجهاد في سبيل الله وسينتصرون بإذن الله .
4 - شراء قصص تربوية نافعة إسلامية مثل : سلسلة قصص القرآن الكريم والسيرة النبوية وأبطال الصحابة والشجعان من المسلمين مثل كتاب :
1 - الشمائل المحمدية والأخلاق النبوية والآداب الإسلامية .
2 - العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة الصحيحة .
3 - من بدائع القصص النبوي الصحيح .(6/80)
بر الوالدين
إذا أردت النجاح في الدنيا والآخرة فاعمل بالوصايا الآتية :
1 - خاطبْ والديك بأدب ولا تقل لهما أُفٍّ ، ولا تَنهْرهُمَا ، وُقل لهما قولا كريما .
2 - أطع والديك دائما في غير معصية ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
3 - تلطَّفْ بوالديك ولا تعبس بوجههما ، ولا تُحدق النظر إليهما غاضبا .
4 - حافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما ، لا تأخذ شيئا بدون إذنهما .
5 - اعمل ما يسرهما ولو من غير أمرهما كالخدمة وشراء اللوازم ، والاجتهاد في طلب العلم .
6 - شاورهما في أعمالك كلها واعتذر لهما إذا اضطررت للمخالفة .
7 - أجب نداءهما مسرعاً بوجه مبتسم قائلا : نعم يا أمي ويا أبي ، ولا تقل يا بابا ويا ماما فهي كلمات أجنبية .
8 - أكرم صديقهما وأقرباءهما في حياتهما ، وبعد موتهما .
9 - لا تجادلهما ولا تُخطِّئهما وحاول بأدب أن تبين لهما الصواب .
10 - لا تعاندهما ، ولا ترفع صوتك عليهما ، وأنصت لحديثهما وتأدب معهما ، ولا تزعج أحد إخوتك إكراماً لوالديك .
11 - انهض إلى والديك إذا دخلا عليك ، وقبّل رأسهما .
12 - ساعد أمك في البيت ، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله .(6/81)
13 - لا تسافر إذا لم يأذنا لك ولو لأمر هام ، فإن اضطررت فاعتذر لهما ، ولا تقطع رسائلك عنهما .
14 - لا تدخل عليهما بدون إذن ، لا سيما وقت نومهما وراحتهما .
15 - إذا كنت مبتلى بالتدخين فلا تدخن أمامهما .
16 - لا تتناول طعاماً قبلهما ، وأكرمهما في الطعام والشراب .
17 - لا تكذب عليهما ، ولا تلمهما إذا عَمِلا عَمَلا لا يعجبك .
18 - لا تفضل زوجتك ، أو ولدك عليهما ، واطلب رضاهما قبل كل شيء ، فرضاء الله في رضاء الوالدين ، وسخطه في سخطهما .
19 - لا تجلس في مكان أعلى منهما ، ولا تمد رجليك في حضرتهما متكبراً .
20 - لا تتكبر في الانتساب إلى أبيك ولو كنت موظفا كبيرا ، واحذر أن تنكر معروفهما أو تؤذيهما ولو بكلمة .
21 - لا تبخل بالنفقة على والديك حتى يشكواك ، فهذا عار عليك ، وسترى ذلك من أولادك ، فكما تدين تدان .
22 - أكثر من زيارة والديك وتقديم الهدايا لهما ، واشكرهما على تربيتك وتعبهما عليك ، واعتبر بأولادك وما تقاسيه معهم .
23 - أحق الناس بالإكرام أمك ثم أبوك ، واعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات .
24 - احذر عقوق الوالدين وغضبهما فتشقى في الدنيا والآخرة ، وسيعاملك أولادك بمثل ما تعامل به والديك .(6/82)
25 - إذا طلبت شيئاً من والديك فتلطف بهما واشكرهما إن أعطياك ، واعذرهما إن منعاك ، ولا تكثر طلباتك لئلا تزعجهما .
26 - إذا أصبحت قادرا على كسب الرزق فاعمل ، وساعد والديك .
27 - إن لوالديك عليك حقّاً ، ولزوجك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه ، وحاول التوفيق بينهما إن اختلفا ، وقدم الهدايا للجانبين سّراً .
28 - إذا اختصم أبواك مع زوجتك فكن حكيما ، وأفهم زوجتك أنك معها إن كان الحق بجانبها ، وأنك مضطر لترضيتهما .
29 - إذا اختلفت مع أبويك في الزواج والطلاق فاحتكموا إلى الشرع ، فهو خير عون لكم .
30 - دعاء الوالدين مستجاب بالخير والشر ، فاحذر دعاءهما عليك بالشر .
31 - تأدب مع الناس ، فمن سب الناس سبوه ، قال صلى الله عليه وسلم : « من الكبائر شتم الرجل والديه : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ، فيسب أمه » . متفق عليه .
32 - زُر والديك في حياتهما وبعد موتهما ، وتصدق عنهما ، وأكثر من الدعاء لهما قائلا : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } . " سورة نوح " آية 28 . { رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } سورة الإسراء " آية 24 .(6/83)
أنواع الكبائر
1 - الكبائر في العقيدة :
* الشرك الأكبر : وهو صرف نوع من العبادة لغير الله - عز وجل - مثل : الذبح لغير الله والاستعانة بغيره ودعائه ورجائه مما لا يقدر عليه إلا الله قال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } . سورة الجن آية 18 .
ومنه تصديق الكهنة والعرافين والمنجمين فيما يدعون من علم الغيب الذي استأثر الله به قال تعالى : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } سورة النمل آية 65 .
ومنه التكذيب بالله أو برسوله - أو بشيء مما جاء به أو سخرية منه ، أو اعتقاد أن هدياً يفوق أو يساوي هديه ، ومنه التكذيب بالملائكة أو بالكتب المنزلة من عند الله كالقرآن ولو بحرف منه ، ومنه التكذيب بالقدر أو بأمر من أمور الآخرة كعذاب القبر والبعث والميزان والصراط وغيرها .(6/84)
* الشرك الأصغر : ومنه الرياء كمن يحسن العبادة ليراه الناس وقول ما شاء الله شاء فلان ، ومنه الحلف بغير الله كحلف بالنبي والكعبة والأمانة وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم : « من كان حالفا فليحلف بالله » ومن ذلك ما جاء في الشرع تسميته شركاً أو كفراً كقوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } سورة المائدة ، آية 44 . وقوله صلى الله عليه وسلم « الطيرة شرك » رواه أحمد وغيره ، وقوله صلى الله عليه وسلم « ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه » متفق عليه .
وكقوله عليه الصلاة والسلام ، « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » متفق عليه ، وكقوله « اثنتان بالناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت » . رواه مسلم وكقوله عن ربه جل وعلا قال : « ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب » متفق عليه .
ومن ذلك عدم تكفير الكافرين أو الكذب على الله ورسوله والأمن من مكر الله والقنوط واليأس من رحمة الله ، ومن ذلك : تعليق الأوتار والتمائم والحروز والشركيات .
2 - الكبائر في النفس والعقل فمنها :(6/85)
قتل النفس بغير الحق وظلم الناس والاعتداء عليهم والاستطالة في أعراضهم كالغيبة والنميمة ، من ذلك : رد الحق والسخرية من المسلم ولمزه وهمزه وسبه وسب أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإن سب جملتهم فهو كفر ، ومن ذلك : الكبر والعجب والتجسس والوشاية عند الحاكم للإيذاء ، ومن ذلك : الكذب في القول ، والتماثيل والتصاوير لذوات الأرواح بلا ضرورة .
ومن ذلك : شرب المسكرات والمخدرات والخمور وتناول الحشيش وأكل لحم الخنزير وأكل الميتة بلا ضرورة والأشربة الضارة كلها لما فيها من إهلاك للنفس .
3 - الكبائر في المال : أكل مال اليتيم والقمار واليانصيب والسرقة ، وقطع الطريق ، وأخذ المال غصباً ، والرشوة ونقص الكيل والميزان ، واليمين الغموس ( الحلف بالله كذبا لأخذ المال ) ، والخديعة في البيع والشراء ، وعدم الوفاء بالعهد ، وشهادة الزور ، والغش والتبذير والإضرار بالوصية ( كأن يوصي بدين ليس عليه ليمنع الورثة من حقهم ) ، وكتمان الشهادة ، وعدم الرضا بما قسمه الله ، ولبس الذهب للرجال ، وإطالة الثوب أو البنطال تحت الكعبين تكبراً .(6/86)
4 - الكبائر في العبادات : ترك الصلاة ، أو تأخيرها عن وقتها بلا عذر ، ومنع الزكاة ، والإفطار في رمضان بلا عذر ، وترك الحج مع القدرة عليه ، والفرار من الجهاد في سبيل الله ، وترك الجهاد بالنفس أو المال أو اللسان على من وجب عليه ، وترك صلاة الجمعة أو الجماعة من غير عذر ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستطيع ، وعدم التنزه من البول ( عدم التطهر من البول بالورق أو الحجر أو الماء ) وعدم العمل بالعلم .
5 - الكبائر في الأسرة والنسب : الزنا ، واللواط ( إتيان الذكور ) ، وقذف المحصنات المؤمنات ( الطعن في أعراضهن ) ، وتبرج المرأة وإظهار شعرها ، وتشبه النساء بالرجال ، والرجال بالنساء ( كحلق اللحية ) ، وعقوق الوالدين ( عدم إطاعتهما في غير معصية ) ، وهجر الأرحام من غير سبب مشروع ، وعصيان المرأة زوجها في الفراش بلا عذر كالحيض والنفاس ، وما يعمله المحلل والمحلل له من حيل ( المحلِّل : هو الذي ينكح زوجة مطلقة ليردها لزوجها الأول وهو المحلَّل له ) وإنكار المرأة إحسان زوجها والانتساب إلى غير الأب مع العلم به ، والراضي لأهله بالزنا ، وأذى الجار ، ونتف الشعر من الوجه أو الحاجب للمرأة أو الرجل .(6/87)
6 - التوبة من الكبائر : أخي المسلم إذا وقعت في كبيرة فاتركها حالا ، وتب واستغفر الله ، ولا تعد لقوله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } سورة النساء " آية 17 ، 18 .
س - ما هي شروط قبول التوبة ؟
ج - شروط قبول التوبة هي :
1 - الإخلاص : أن تكون توبة المذنب خالصة لله ، لا لشيء آخر .
2 - الندم : أن يندم المذنب على ما فعل من الذنب .
3 - الإقلاع : أن يترك المذنب المعصية التي فعلها .
4 - عدم العودة : أن يعزم المسلم على ألا يعود إلى ذنبه .
5 - الاستغفار : أن يستغفر الله من الذنب الذي فعله في حق الله .
6 - أداء الحقوق : أن يؤدي حقوق الناس أو يسامحوه .(6/88)
7 - وقت القبول : أن تكون توبة المذنب في حياته وقبل حضور موته ، قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر » " حسن رواه الترمذي " .(6/89)
اتبَّعوا ولا تبتدعوا
1 - إذا أردت التحذير من البدع في الدين ، فيقول لك بعضهم : نظاراتك الزجاجية بدعة . والجواب : أن هذه ليست من الدين بل هي من المخترعات الدنيوية التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم « أنتم أعلم بأمر دنياكم » .
" رواه مسلم " .
وهذه المخترعات سلاح ذو حدين : فالراديو مثلا إذا استمعت منه للقرآن والأحاديث الدينية كان حلالا ومطلوبا ، وإذا استمعت للموسيقى ، والأغاني الخليعة كان حراما ، لأن هذه تفسد الأخلاق ، وتضر المجتمع .
2 - البدعة الدينية : هي ما لم يقم عليها دليل من الكتاب والسنة ، وتكون هذه البدعة في العبادات والدين ، وهذا النوع من البدع هو الذي أنكره الإسلام ، وحكم عليه بالضلال .
1 - قال تعالى منكرا على المشركين ابتداعهم : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } سورة الشورى آية 21 .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » ( رد : مردود غير مقبول ) " رواه مسلم " .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة . وكل بدعة ضلالة » " رواه الترمذي وقال : حسن صحيح " .(6/90)
4 - وقال صلى الله عليه وسلم : « إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدعها » ( أي يتركها ) .
" صحيح رواه الطبراني وغيره " .
5 - وقال ابنُ عمر : كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس أنها حسنة .
6 - وقال مالك - رحمه الله - : من ابتدع في الإسلام بدعة ، يراها حسنة ، فقد زعم أن محمدا خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } " سورة المائدة " آية 3 .
فما لم يكن يومئذ دينا ، فلا يكون اليوم دينا .
7 - وقال الشافعي - رحمه الله - : من استحسن فقد شرع ، ولو جاز الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل الإيمان ، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب ، وأن يخرج كل إنسان لنفسه شرعا جديدا .
8 - وقال غضيف : لا تظهر بدعة إلا ترك مثلها سنة .
9 - وقال الحسن البصري : لا تجالس صاحب بدعة فيمرض قلبُك .
10 - وقال حذيفة : كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبَّدونها .
أنواع البدع كثيرة منها :
1 - الاحتفال بالمولد النبوي ، وليلة المعراج وغيرها .(6/91)
2 - الرقص والتصفيق ، وضرب الدف بالذكر ، وكذا رفع الصوت ، وتغيير أسماء الله مثل ( أه ، إه ، آه ، هو ، هي ) .
3 - إقامة المآتم ، وجلب المشايخ للقراءة بعد الموت وغير ذلك .(6/92)
صدق الله العظيم
1 - اعتاد القراء أن يقولوها بعد الانتهاء من القراءة ، مع أنها لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين .
2 - إن قراءة القرآن عبادة ، لا تجوز الزيادة فيها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردٌّ » . ( أي مردود ) " متفق عليه " .
3 - إن الذي يفعله القراء لا دليل عليه من كتاب الله ، وسنة رسوله . وعمل صحابته ، وإنما هي من بدع المتأخرين .
4 - « سمع الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن من ابن مسعود ، فلما وصل إلى قوله تعالى : { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } سورة النساء آية 41 .
فقال : " حسبك » ( لم يقل : صدق الله العظيم ولم يأمر بها ) " رواه البخاري " .
5 - يظن الجهال والصغار أنها آية من القرآن ، فيقرأونها في الصلاة وخارجها ، وهذا غير جائز ، لأنها ليست من القرآن ، ولا سيما أنها تكتب أحيانا آخر السور بخط المصحف .
6 - صرح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - بأنها بدعة ، عندما سئل عنها .
7 - أما قوله تعالى : { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } سورة آل عمران آية 95 .(6/93)
فهو رد على اليهود الكاذبين بدليل الآية التي قبلها { فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } سورة آل عمران آية 94 .
وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، ومع ذلك لم يقلها بعد تلاوة القرآن ، وكذلك صحابته والسلف الصالحُ .
8 - إن هذه البدعة أماتت سنة ، وهي الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ القرآن فليسأل الله به » " حسن رواه الترمذي " .
9 - على القارئ أن يدعو الله بما شاء ، بعد القراءة ، ويتوسل إلى الله بما قرأه ، فهو من العمل الصالح المسبب لقبول الدعاء ، ومن المناسب قراءة هذا الدعاء :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أصاب عبدًا همٌّ ولا حزن فقال : " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض فيَّ حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسالك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور بصري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي - إلا أذهب الله همه وحزنه ، " وأبدله مكانه فرحا » " صحيح رواه أحمد " .(6/94)
وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1 - الخطبة يوم الجمعة والعيدين ، يبين الخطيب أنواع المنكرات .
2 - المحاضرة أو المقالة في مجلة أو صحيفة لبيان أمراض المجتمع وإعطاء العلاج الشافي .
3 - الكتاب . يعرض المؤلف ما يريد بيانه للناس من أفكار لإصلاح الناس .
4 - الموعظة : تكون في مجلس ، فيتكلم أحد الحاضرين مثلاً عن أضرار الدخان الجسمية والمالية .
5 - النصيحة : تكون بين الأخ وأخيه سراً لترك خاتم الذهب ، أو تحذيره من ترك الصلاة ، أو تحذيره من دعاء غير الله .
6 - الرسالة : من أفيد الوسائل ، فكل إنسان يستطيع أن يقرأ صفحات قليلة عن الصلاة أو الجهاد ، أو الزكاة ، أو عن الكبائر : كدعاء الأموات وطلب المدد منهم وغير ذلك .(6/95)
شروط الآمر
1 - أن يكون أمره ونهيه برفق ولين ، حتى تقبلَهُ النفوس قال تعالى مخاطبا موسى وهارون : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }{ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } " سورة طه " آية 43 ، 44 .
فإذا رأيت إنسانا يشتم ويكفر فانصحه برفق ، واطلب منه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي كان سببا في هذا الشتم ، وأن الله الذي خلقنا وأنعم علينا بنعم كثيرة يستحق الشكر ، وأن هذا الكفر لا يجدي نفعا ، بل يكون سببا في شقاء الدنيا وعذاب الآخرة ، ثم تأمره بالتوبة والاستغفار .
2 - أن يعرف الحلال والحرام فيما يأمر به ، حتى ينفع ولا يضر بجهله .
3 - يحسن بالآمر أن يكون مطبقا لما يأمر به ، ومبتعداً عما ينهى عنه ، حتى تكون الفائدة أتم وأنفعَ ، قال تعالى مخاطبا من يأمر ولا يعمل : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ }{ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } " سورة البقرة " آية 44 .
وعلى المبتلى أن يحذر مما هو واقع فيه معترفا بخطئه .(6/96)
4 - أن نخلص في العمل ، وندعو للمخالفين بالهداية ، ويكون لنا العذر عند الله ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } " سورة الأعراف " آية 164 .
5 - أن يكون الآمر شجاعا لا يخاف في الله لومة لائم ، ويصبر على ما قد يصيبه .(6/97)
أنواع المنكرات
1 - من منكرات المساجد : زخرفتها وتلوينها ، وتعداد مآذنها ، ووضع اللوحات المكتوبة أمام المصلي ، إذ فيها إشغاله عن الخشوع وخاصة القصائد الشعرية التي فيها استغاثات بغير الله ، والمرور أمام المصلي ، وتخطي الرقاب بين الجالسين ، ورفع الصوت بالدعاء أو القرآن أو الكلام ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيشوشون على المصلين إذ الإسرار بها هو الوارد قال صلى الله عليه وسلم : « لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن » . " صحيح رواه أبو داود " والبصق والسعال بصوت مرتفع ، وإيراد بعض الواعظين والخطباء الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، وعدم ذكر درجتها ، رغم وجود الأحاديث الصحيحة وكثرتها التي تغني عنها ، وطلب المدد والعون من غير الله تعالى قبل الأذان في المآذن ، وعند إنشاء القصائد بمناسبة الاحتفال ، وظهور رائحة الدخان من بعض المصلين ، والصلاة بثوب وسخ له رائحة كريهة ، ورفع الصوت بشدة ، والرقص والتصفيق أثناء الذكر والبيع والشراء ، وإنشاد الضائع ، وعدم إلصاق الكتف بالكتف والقدم بالقدم عند صلاة الجماعة .(6/98)
2 - من منكرات الشوارع : خروج النساء سافرات أو متكشفات ، أو يتكلمن ويضحكن بصوت مرتفع ، وإمساك الرجل بيد المرأة ومحادثتها بلا خجل ، وبيع أوراق اليانصيب ، وبيع الخمر في الحانات ، وصور الرجال أو النساء بأوضاع مخزية تفسد الأخلاق ، وطرح الأوساخ في الشارع ، ووقوف بعض الشبان للتفرج على النساء ، ومزاحمة النساء للرجال في الشوارع والأسواق والسيارات .
3 - من منكرات الأسواق : الحلف بغير الله كالشرف والذمة وغيره ، والغش ، والكذب في الربح والمشترى ، ووضع الأذى في الطريق ، والسب والشتم ، ونقص الكيل والميزان ، والمناداة بصوت مرتفع .(6/99)
4 - من المنكرات العامة : الاستماع إلى الموسيقى أو الأغاني الخليعة ، واختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم ، ولو من الأقارب كابن العم والخالة وأخ الزوج وغيره ، وتعليق الصور أو التماثيل ذات الأرواح على الجدران ، أو جعلها على المناضد ، ولو لنفسه أو أبيه ، والإسراف في الطعام والشراب واللباس والأثاث وإلقاء الزائد منها فوق الأوساخ والقمامة إذ الواجب توزيعها على الفقراء ليستفيدوا منها ، وتقديم الدخان لضرره للجسم والمال والجار ، واللعب بالنرد ، وعقوق الوالدين ، واقتناء المجلات الخليعة ، وتعليق التمائم للأطفال أو على أبواب الدور ، أو في السيارات كالخرز الأزرق والكف ونضوة الفرس ، واعتقاد أنها ترد العين ، وتدفع البلاء ، وانتقاص أحد الصحابة ، ومن الكفر الاستهزاء بطاعة الله كالصلاة والحجاب واللحية وغيرها مما جاء به الإسلام .
دعاء السوق
قال صلى الله عليه وسلم : « من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة ، وبنى له بيتا في الجنة » .(6/100)
" رواه أحمد وغيره ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 6107 " .(6/101)
الجهاد في سبيل الله
الجهاد واجب على كل مسلم ، ويكون بالمال ، وهو الإنفاق ، ويكون بالنفس وهو القتال ، ويكون باللسان والقلم وهو الدعوة إليه ، والدفاع عنه ، والجهاد على أنواع :
1 - فرض عين : وهو ضد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين ، كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين ، فالمسلمون المستطيعون آثمون حتى يخرجوا اليهود منها بالمال والنفس .
2 - فرض كفاية : إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد ، حتى يحكمها الإسلام ، فمن استسلم من أهلها فبها ، ومن وقف في طريقها قوتل حتى تكون كلمةُ الله هي العليا ، فهذا الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة فضلا عن الأول .
وحين ترك المسلمون الجهاد وغرتهم الدنيا والزراعة والتجارة أصابهم الذل ، وصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم : « إذا تبايعتم بالعينة (1) ، أخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ، سلّط الله عليكم ذلا ، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم » " صحيح رواه أحمد " .
_________
(1) أن يبيع الرجل شيئا من غيره بثمن مؤجل ، ويسلمه للمشتري ، ثم يشتريه منه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقدا .(6/102)
3 - جهاد حكام المسلمين : ويكون بتقديم النصيحة لهم ولأعوانهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة " . قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » " رواه مسلم " .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « أفضل الجهاد كلمة حق ضد سلطان جائر » . " حسن رواه أبو داود والترمذي " .
وبيان طريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا هو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ، ويصححوا عقيدتهم ، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقا لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } " سورة الرعد " آية 11 .(6/103)
وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لكم على أرضكم " . وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها ، ألا وهو المجتمع ، قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (1) " سورة النور " آية 55 .
4 - جهاد الكفار والشيوعيين والمحاربين من أهل الكتاب : ويكون بالمال والنفس واللسان حسب الاستطاعة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم » " صحيح رواه أحمد " .
5 - جهاد الفساق وأهل المعاصي : ويكون باليد ، واللسان ، والقلب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » . " رواه مسلم " .
_________
(1) اختصاراً من كتاب ( تعليقات على شرح الطحاوية للألباني ) .(6/104)
6 - جهاد الشيطان : ويكون بمخالفته وعدم اتباع وساوسه .
قال تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } " سورة فاطر " آية 6 .
7 - جهاد النفس : ويكون بمخالفتها ، وحملها على طاعة الله ، واجتناب معاصيه .
قال تعالى على لسان امرأة العزيز التي اعترفت بمراودتها ليوسف : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } " سورة يوسف " آية 53 .
وقال الشاعر :
وخالف النفس والشيطان واعصهما ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
اللهم وفقنا لأن نكون من المجاهدين العاملين المخلصين .(6/105)
من أسباب النصر
أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشا بقيادة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لفتح بلاد فارس وكتب إليه عهدا هذا نصه :
1 - تقوى الله :
أما بعد : فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحرب .
2 - ترك المعاصي :
وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، وعدتنا ليست كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم علينا الفضل في القوة ، وإن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا .
واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا إن عدونا شرّ منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا ، فرُبَّ قوم سُلّط عليهم من هو شر منهم ، كما سُلّط على بني إسرائيل كفار المجوس - لما عملوا بالمعاصي ( وكما سلطت اليهود على العرب المسلمين الآن ) .
3 - الاستعانة بالله :(6/106)
وسلوا الله النصر على أنفسكم ، كما تسألونه النصر على عدوكم ، وأسأل الله ذلك لنا ولكم " ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية " .(6/107)
الوصية الشرعية لكل مسلم
قال صلى الله عليه وسلم : « ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه ، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه » .
قال ابن عمر : ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله قال ذلك ، إلا وعندي وصيتي " رواه الشيخان " .
1 - أوصي بمبلغ ( ) تنفق على الأقارب والجيران الفقراء والكتب الإسلامية ، ( لا تزيد على الثلث ، ولا تكون لوارث ) .
2 - أن يحضرني في أثناء مرض الموت بعض الصالحين ، ليذكروني بحسن الظن بالله .
3 - تلقيني كلمة التوحيد قبل الموت لا بعده ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لقنوا موتاكم لا إله إلا الله » رواه مسلم « ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة » .
حسن رواه الحاكم .
4 - أن يدعو لي الحاضرون بعد الموت : اللهم اغفر له ، وارفع درجته وارحمه . . وهكذا .
5 - إرسال أشخاص ليخبروا الأقارب وغيرهم بالوفاة ولو هاتفيا ، ولإمام المسجد أن يخبر المصلين ، ليستغفروا للميت .
6 - الإسراع بوفاء الدين لقوله صلى الله عليه وسلم : « نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه » " صحيح رواه أحمد " .
وعلى المسلم العاقل أن يوفي دينه في حياته خوفا من الضياع والإهمال .(6/108)
7 - السكوت حال سير الجنازة ، وإكثار عدد المصلين وإخلاص الدعاء للميت .
8 - الدعاء بالمغفرة بعد الدفن « كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل » . " صحيح رواه الحاكم " .
9 - التعزية للمصاب بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : « إن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ولتحتسب » " رواه البخاري " .
وليس لها وقت ومكان محدد ، ويقول المصاب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . " كما في الحديث الذي رواه مسلم " .
ويجب على أقارب الميت الصبر والرضا بقدر الله .
10 - على الأقارب والجيران والأصدقاء تهيئة الطعام لأهل الميت لقوله صلى الله عليه وسلم « اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد أتاهم ما يشغلهم » " حسن رواه أبو داود والترمذي " .(6/109)
الأمور الممنوعة شرعا
1 - تخصيص أحد الورثة بشيء من المال ، لقوله صلى الله عليه وسلم « لا وصية لوارث » " رواه الدارقطني ، وصححه الألباني في صحيح الجامع " .
2 - رفع الصوت بالبكاء ، والنياحة ، ولطم الخدود ، وشق الثياب ، ولبس السواد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ( إذا أوصاهم ) » " رواه البخاري ومسلم " .
3 - الإعلان في المآذن والأوراق ، أو تقديم الأكاليل ، لأنها من البدع ، وفيها ضياع للمال وتشبه بغير المسلمين .
وفي الحديث الصحيح : « من تشبه بقوم فهو منهم » .
" صحيح رواه أبو داود " .
4 - حضور المشايخ لقراءة القرآن في البيت ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « اقرؤوا القرآن ، واعملوا به ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به » صحيح رواه أحمد " ( تستكثروا به من متاع الدنيا ) .
ويحرم على المعطي والآخذ ، ولو أعطينا المبلغ للفقراء لوصل ثوابه للميت وانتفع به .
5 - يكره الطعام والاجتماع للتعزية في البيت والمسجد وغيره ، لقول جرير - رضي الله عنه - : " كما نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه لغيرهم من النياحة " ( أي المحرمة ) " صحيح رواه أحمد " .(6/110)
نص على كراهة الاجتماع الإمام الشافعي والنووي في كتابه الأذكار ( باب التعزية ) ونص ابن عابدين الحنفي على كراهة الضيافة من أهل الميت ، لأنها شرعت في السرور لا في الشرور ، وفي البزازية ( حنفي ) ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث ، وبعد الأسبوع ، ونقل الطعام إلى القبر في الموسم ، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن ، وجمع الصلحاء والقراء للختم .
6 - لا تجوز قراءة القرآن والمولد والذكر على القبر ، لعدم فعل الرسول وصحابته ذلك .
7 - يحرم وضع الأحجار العالية وفرشة الحجر وغيرها على القبر ، وكذلك تدهينه والكتابة عليه .
« نهى صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه » رواه مسلم " .
وفي رواية : « نهي أن يكتب على القبر شيء » .
" رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي " .
ويستحب وضع حجر على القبر ليعرف ، أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي وضع حجراً عند رأس عثمان بن مظعون . وقال : « أتعلّم بها على قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي » . " رواه أبو داود بسند حسن " .
شاهد اسم المنفذ للوصية اسم الموصي ( الميت )(6/111)
إعفاء اللحية واجب
1 - قال الله تعالى في حق الشيطان :
{ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } " سورة النساء " آية 119 .
( وحلق اللحية تغيير لخلق الله ، وطاعة للشيطان ) .
2 - وقال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } " سورة الحشر " آية 7 .
( وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفائها ، ونهى عن حلقها ) .
3 - وقال صلى الله عليه وسلم : « جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس » " رواه مسلم " .
( أي قصُّوا ما طال عن الشفة من الشارب ، وأعفوا اللحية مخالفة للكفار ) .
4 - وقال صلى الله عليه وسلم : « عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظافر . . » إلخ " ( وإعفاء اللحية من خلق الله يحرم حلقها ) " رواه مسلم " .
5 - « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء » . " رواه البخاري " .
6 - " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . « . . لكني أمرني ربي عز وجل أن أعفي لحيتي ، وأن أقص شاربي » .
" حسن رواه ابن جرير " .(6/112)
( وإعفاء اللحية أمر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو واجب لمحافظة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته عليها ، وللنهي الوارد في الأحاديث عن حلقها ) .
7 - لا يجوز حلق شعر الخدين ، أو نتفهما لأن الوجنتين من اللحية كما في القاموس .
8 - أثبت الطب أن اللحية تقي اللوزتين من ضربة الشمس وحلقها يضر بالجلد .
9 - اللحية زينة للرجل خلقها الله له ، ولبعض الطيور كالديك ، ليتميز عن الأنثى ، ولذلك لما دخل رجل على زوجته ليلة العرس ، وقد حلق لحيته التي رأته بها سابقا ، فأعرضت عنه ، ولم يعجبها منظره ، وسألت بعض النساء امرأة لماذا اختارت زوجها ذا لحية ؟ فأجابت : إني تزوجت رجلا ، ولم أتزوج امرأة .
10 - حلق اللحية من المنكرات ، يجب النهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » " رواه مسلم " .
11 - سألت رجلا يحلق لحيته : هل تحب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : نعم كثيرا ، فقلت له : الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « أعفوا اللحى » فالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم يطيعه أم يخالفه ؟ فقال : يطيعه ووعد بإعفائها .(6/113)
12 - إذا عارضتك زوجتك في إعفاء اللحية ، فقل لها : إنني رجل مسلم أخاف إن عصيت ربي ، وقدم لها هدية ، واذكر لها قوله صلى الله عليه وسلم : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » " صحيح رواه أحمد " .(6/114)
أضرار الغناء والموسيقى
لم يحرم الإسلام شيئا إلا لضرره ، وللغناء والموسيقى أضرار كثيرة ، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية :
1 - المعازف هي خمر النفوس تفعل أعظم مما تفعله الكؤوس ، فإذا سكروا بالأصوات حل فيهم الشرك ، ومالوا إلى الفواحش وإلى الظلم ، فيشركون ، ويقتلون النفس التي حرم الله ، ويزنون ، وهذه الثلاثة موجودة كثيرا في أهل سماع المعازف - سماع الصفير والتصفيق . . .
2 - أما الشرك فغالب عليهم بأن يحبوا شيخهم ( أو مطربهم ) مثل ما يحبون الله ، ويتواجدون على حبه .
3 - وأما الفواحش فالغناء رقية الزنا ( طريقه ) وهو من أعظم الأسباب للوقوع في الفواحش ، ويكون الرجل والصبي والمرأة في غاية العفة والحرية ، حتى يحضر ( الغناء والموسيقى ) فتنحل نفسه ، وتسهل عليه الفاحشة ، كشاربي الخمر أو أكثر .
4 - وأما القتل ، فإنّ قَتْلَ بعضهم بعضا في السماع كثير ، يقولون : قتله بحاله ، ويعدون ذلك من قوته ، وذلك أن معهم شياطين تحضرهم ، فأيهم كان شيطانه أقوى قتل الآخر .(6/115)
5 - إن سماع الغناء والموسيقى لا يجلب للقلوب منفعة ولا مصلحة إلا وفي ضمن ذلك من الضلال والمفسدة ما هو أعظم منه ، فهو للروح كالخمر للجسد ، ولهذا يورث أصحابه سكرا أعظم من سكر الخمر ، فيجدون لذة كما يجد شارب الخمر ، بل أكثر وأكبر . . .
6 - وإن الشياطين لتتلبس بهم ، وتدخل بهم النار ، ويأخذ أحدهم الحديد المحمي ، فيضعه على بدنه ( أو لسانه ) وأنواع من هذا الجنس ، ولا تحصل لهم هذه الأفعال عند الصلاة ، وقراءة القرآن ، لأن هذه عبادات شرعية إيمانية ، محمدية تطرد الشياطين .
وتلك عبادات بدعية شركية شيطانية فلسفية ، تستجلب الشياطين .
حقيقة الضرب بالشيش (1) إن الضرب بالشيش لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده ، ولو كان فيه خيرا لسبقونا إليه ، وإنما هو من فعل الصوفية وأصحاب البدع ، وقد شاهدتهم قد اجتمعوا في المسجد ومعهم الدفوف يضربونها ، ويغنون قائلين :
هات كاس الراح ... واسقنا الأقداح
_________
(1) سيخ من حديد رفيع تستعمله الصوفية .(6/116)
ولا يخجلون من ذكر الخمر والأقداح المحرمة في بيت الله ، ثم جعلوا يضربون الدفوف بشدة ، ويستغيثون بغير الله صارخين : يا جداه ! حتى غرتهم الشياطين ، فخلع أحدهم قميصه ، وأخذ سيخا وأمسك جلد خاصرته وأدخله فيه ، ثم قام أحد الجنود فأخذ زجاجة وكسرها ، وقضمها بأسنانه ، فقلت في نفسي : إن كان صحيحا ما يفعل ، فليقاتل اليهود الذين احتلوا أرضنا وقتلوا أولادنا .
ومثل هذا العمل تساعدهم به الشياطين المجتمعين حولهم ، لأنهم أعرضوا عن ذكر الله ، وأشركوا بالله حين استغاثوا بأجدادهم ، مصداقا لقوله تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } " سورة الزخرف " آية 36 ، 37 . والله تعالى يسخر لهم الشياطين ليزيدهم ضلالا ، قال تعالى : { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } " سورة مريم " آية 75 .(6/117)
ولا غرابة من مساعدة الشياطين لهم ، فقد طلب سليمان عليه السلام من الجن أن يأتوه بعرش الملكة بلقيس ، كما حكي في القرآن : { قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } " سورة النمل " آية 39 .
والذين ذهبوا إلى الهند كالرحالة ابن بطوطة وغيره ، شاهدوا من المجوس أكثر من الضرب بالشيش ، مع أنهم كفار !!
فالمسألة ليست كرامة ولا ولاية ، بل هذا من أعمال الشياطين المجتمعين حول الغناء والمعازف ، لأن أغلب الذين يقومون بضرب الشيش يرتكبون المعاصي ، بل يشركون بالله جهرا ، حينما يستغيثون بأجدادهم الأموات !! فكيف يكونون من الأولياء وأصحاب الكرامات ؟ ! والله يقول : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } " سورة يونس " آية 62 ، 63 .
فالولي هو المؤمن المستعين بالله وحده ، التقي الذي يبتعد عن المعاصي والشرك بالله ، وقد تأتيه الكرامة عفواً ، بدون طلب وشهرة أمام الناس .(6/118)
الغناء في الوقت الحاضر
أغلب الغناء الآن في الأعراس والحفلات ، وفي الإذاعات يتحدث عن الحب والهوى ، والقبلة واللقاء ، ووصف الخدود والقدود ، وغيرها من الأمور الجنسية التي تثير الشهوة عند الشباب ، وتشجعهم على الفاحشة والزنا وتقضي على الأخلاق .
وإذا اجتمع الغناء والموسيقى من المغنين والمغنيات - الذين سرقوا أموال الشعب باسم الفن والمسرح ، وذهبوا بأموالهم إلى أوربا واشتروا الأبنية والسيارات قد أفسدوا أخلاق الشعب بأغانيهم المائعة ، وأفلامهم الجنسية ، وافتتن الكثير من الشباب وأحبوهم من دون الله ، حتى كان المذيع وقت حرب اليهود 1967 ، يقول للجنود : سيروا للأمام فإن معكم المطرب فلان وفلانة . . حتى كانت الهزيمة المنكرة أمام اليهود المجرمين ، وكان المفروض أن يقول لهم : سيروا فالله معكم بمعونته ، وأعلنت إحدى المطربات . . أنها ستقيم حفلتها الشهرية التي تقام في القاهرة ستقيمها في تل أبيب قبل حرب اليهود 1967 ، إذا انتصرنا ، بينما وقف اليهود بعد الحرب على حائط المبكى في القدس يشكرون الله على نصرهم !!!
حتى الأغاني الدينية لا تخلو من المنكرات ، فاسمعها تقول :(6/119)
وقيل كل نبي عند رتبته ... ويا محمد هذا العرش فاستلم
وهذا الكلام الأخير كذب على الله ورسوله ، يخالف الحقيقة .(6/120)
فتنه النساء بالصوت الحسن
« كان البراء بن مالك - رضي الله عنه - رجلا حسن الصوت ، فكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فبينما هو يرجز . إذ قارب النساء ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والقوارير " قال : فأمسك » . قال الحاكم : كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمع النساء صوته ( القوارير : النساء ) .
" صحيح رواه الحاكم ووافقه الذهبي " .
إذا كان الرسول قد خشي الفتنة على النساء من سماع الحداء ، ونحوه من النشيد بالصوت الحسن ، فكيف لو سمع الرسول صلى الله عليه وسَلم ما يذاع في زماننا من الفاجرات والمستهترات وأمثالهن من المطربين الماهرين في فنون المجون والخلاعة ، بأشعار الغزل المتضمن لوصف الخدود والقدود ، والثغور والنهود وما في معنى ذلك من إثارة الوجد والهوى ، وإزعاج القلوب المريضة إلى طلب الصبا ، وخلع جلباب الحياء ، ولا سيما إذا قرنت هذه الأغاني بأصوات المعازف التي تستفز العقول ، وتفعل في نفس من أصغى إليها نحو ما تفعل الخمر . .(6/121)
احذروا الصفير والتصفيق
قال تعالى { وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } سورة الأنفال ، آية 35 .
( المكاء : هو الصفير ، والتصدية : هو التصفيق ) .
احذروا الصفير والتصفيق ، ففيه تشبه بالنساء والفساق والمشركين ، وإذا أعجبك أمر فقل : ( ما شاء الله أو سبحان الله ) .(6/122)
الغناء ينبت النفاق
1 - قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : الغناء ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء البقل ، والذكر ينبت الإيمان في القلب ، كما ينبت الماء الزرع .
2 - قال ابن القيم : ما اعتاد أحد الغناء إلا ونافق قلبه وهو لا يشعر ، ولو عرف حقيقة النفاق لأبصره في قلبه ، فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ، ومحبة القرآن ، إلا وطردت إحداهما الأخرى ، وقد شاهدنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه ، وتبرمهم به ، وعدم انتفاعهم بما يقرأه القارئ ، فلا تتحرك ، ولا تهيج منهم القلوب ، فإذا جاء الغناء تخشع منهم الأصوات ، ويقع الوجد ، وطيب السهر ، ولذا تجدهم يفضلون سماع الأغاني والموسيقى على سماع القرآن الكريم . . وقل أن يوجد مفتون بسماع الغناء والموسيقى إلا وهو أكسل الناس عن الصلاة ولا سيما صلاة الجماعة في المسجد !!!
3 - قال ابن عقيل من أكابر علماء الحنابلة : إن كان المغني امرأة أجنبية ( يحل زواجها ) فإنه يحرم الاستماع إليها ، بلا خلاف بين الحنابلة .
4 - وصرح ابن حزم : بأنه يحرم على المسلم الالتذاذ بسماع نغمة المرأة الأجنبية .(6/123)
علاج الغناء والموسيقى
1 - الابتعاد عن سماعها من الراديو والتلفزيون وغيرهما ، ولا سيما الأغاني الخليعة ، والمصحوبة بالموسيقى .
2 - وأعظم مضاد للغناء والموسيقى ذكر الله وتلاوة القرآن ، ولا سيما قراءة سورة البقرة لقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة » " رواه مسلم " .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } سورة يونس ، آية 57 .
3 - قراءة السيرة النبوية والشمائل المحمدية ، وأخبار الصحابة .(6/124)
المستثنى من الغناء
1 - الغناء يوم العيد ودليله حديث عائشة : « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، وعندها جاريتان تضربان بدفين وفي رواية " وعندي جاريتان تغنيان " فانتهرهما أبو بكر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " دعهن فإن لكل قوم عيدا ، وإن عيدنا هذا اليوم » " رواه البخاري " .
2 - الغناء مع الدف وقت النكاح لإعلانه وتشجيعه ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : « فصل ما بين الحلال والحرام ، ضرب الدف ، والصوت في النكاح » ( وهذا للبنات فقط ) " صحيح رواه أحمد " .
3 - الغناء الإسلامي وقت العمل مما يساعد على النشاط ، ولا سيما إذا كان فيه الدعاء ، فقد كان الرسول يتمثل بقول ابن رواحة ، ويشجع العاملين في حفر الخندق :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فيجيب الأنصار والمهاجرون :
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وكان صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق مع صحابته يتمثل بقول ابن رواحة :
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلَن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا(6/125)
يرفع بها صوته أبينا . أبينا " متفق عليه " .
4 - النشيد الذي فيه توحيد لله ، أو محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله ، أو فيه حث على الجهاد والثبات وتقوية الأخلاق ، أو الدعوة إلى المحبة والتعاون بين المسلمين ، أو فيه ذكر محاسن الإسلام ومبادئه وغير ذلك مما يفيد المجتمع في دينه وأخلاقه . .
5 - يسمح من المعازف الدف فقط في وقت العيد والنكاح للنساء ، ولا يجوز استعماله في الذكر أبدا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعمله ، وكذا صحابته من بعده - رضي الله عنهم - .
وقد أباحه الصوفيون لأنفسهم ، وجعلوا الدف في الذكر سنة ، وهو بدعة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » " رواه الترمذي وقال حسن صحيح " .(6/126)
أضرار الصور والتماثيل
لم يحرم الإسلام شيئا إلا لضرره في الدين ، أو الأخلاق ، أو المال ، أو غير ذلك ، والمسلم الحقيقي : هو الذي يستسلم لأمر الله ورسوله ، ولو لم يعرف السبب والعلة .
وأضرار الصور والتماثيل كثيرة أهمها :
1 - في الدين والعقيدة : لقد رأينا أن الصور والتماثيل أفسدت عقائد كثير من الناس ، فالنصارى عبدوا صورة عيسى ومريم والصليب ، وأوربا وروسيا عبدوا تماثيل زعمائهم ، وحنوا لها الرءوس إجلالا وتعظيما ، ولحق بهم بعض الدول الإسلامية والعربية فنصبوا تماثيل زعمائهم ، ثم قام بعض أهل الطرق من الصوفيين ، وجعلوا صور شيوخهم أمامهم في الصلاة يستمدون منهم الخشوع ، ويتصورون شيوخهم وهم يذكرون الله بدلا من مراقبة الله ورؤيته لهم ، أو يعلقون صور شيوخهم تعظيما لهم ، وتبركا بهم .
وهناك صور المغنيين والمطربين يحبهم أتباعهم ويقتنون صورهم ويعلقونها تعظيما وحبا ، وهذا ما جعل أحد المذيعين العرب يخاطب الجنود يوم حرب 1967 - مع اليهود قائلا : أيها الجنود : سيروا للأمام فإن معكم المطرب فلان وفلانة وسماهم بأسمائهم ، وذلك بدلا من قوله لهم : سيروا فالله معكم بنصره وتأييده ومعونته .(6/127)
وكانت النتيجة في الحرب الهزيمة ، لأن الله تخلى عنهم ، ولم ينفعهم المطربون ولا المطربات ، بل كانوا هم السبب للهزيمة ، وليت العرب يأخذون دروسا من هذه الهزيمة ، فيرجعوا إلى الله لينصرهم .
2 - وأما ضرر الصور والتماثيل في إفساد الأخلاق للشباب والشابات فحدّث عنها ولا حرج ، فترى الشوارع والبيوت مليئة بصور المطربين والمطربات ، السافرات العاريات ، التي تجعل الشباب يعشقونها ، فيرتكبون الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فتنحل أخلاقهم وتفسد طبائعهم ، فلم يعودوا يفكرون في دين ولا أرض محتلة ، ولا قدس ولا شرف ولا جهاد !!
وقد انتشرت الصور انتشارا هائلا ، ولا سيما صور النساء الفاتنات ، حتى على علب الأحذية ، وفي المجلات والجرائد والكتب والتلفزيون ، ولا سيما المسلسلات الجنسية والبوليسية ، وهناك الصور الكاريكاتورية ، وفيها تشويه لخلق الله ، فالله لم يخلق أنفا طويلا ، وأذنا كبيرة ، أو عيونا جاحظة كما يصورونها ، بل خلق الله الإنسان في أحسن تقويم .(6/128)
3 - وأما ضرر الصور والتماثيل المادي فظاهر لا يحتاج إلى دليل : فالتماثيل ينفق عليها الآلاف والملايين في سبيل الشيطان ، وكثير من الناس يشترون تمثال حصان أو جمل أو فيل ، أو إنسان ويضعونه في بيوتهم ، أو يعلقون صورة الأسرة ، أو الأب المتوفى ، ويصرفون عليها المصاريف التي لو أنفقت للفقراء صدقة على روح الميت لاستفاد منها ، والأبشع من ذلك أن يتصور الرجل مع زوجته ليلة العرس فيعلقها في بيته ليراها الناس ، وكأن زوجته ليست له فقط ، بل لكل الناس !!(6/129)
هل الصور كالتماثيل
يزعم البعض أن التحريم منصب على التماثيل التي كانت شائعة في عصر الجاهلية ، ولا يشمل التحريم للصور !! وهذا غريب جداً ، وكأنهم لم يقرأوا النصوص الصريحة التي تحرم الصور ، وإليك نصها :
1 - « عن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية ، فقالت : يا رسول الله أتوب إلى الله ورسوله ، فما أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بال هذه النمرقة ؟ " فقالت اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة : ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، ثم قال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة » . " متفق عليه " .
2 - وقال صلى الله عليه وسلم : « أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله » ( الرسام والمصور يشابهون بخلق الله ) " متفق عليه " .
3 - « إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى محيت » رواه البخاري " .
4 - « نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك » .(6/130)
" رواه الترمذي وقال : حسن صحيح " .(6/131)
الصور والتماثيل المسموح بها
1 - يسمح بصورة وتمثال الشجرة والنجوم والشمس والقمر ، والجبال والحجر ، والبحر والنهر ، والمناظر الجميلة ، والأماكن المقدسة كصور الكعبة والمدينة والمسجد الأقصى ، وبقية المساجد إن خلت من صور إنسان أو حيوان .
ودليله قول ابن عباس - رضي الله عنهما - : " إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له " " رواه البخاري " .
2 - الصور الموضوعة على الهوية والجواز للسفر ، ورخصة السيارة ، وغيرها من الأمور الضرورية فمسموح بها للضرورة .
3 - تصوير المجرمين من القتلة والسارقين وغيرهم لإلقاء القبض عليهم للقصاص منهم ، وكذا ما تحتاجه العلوم كالطب مثلا .
4 - يسمح للبنات باللعب المصنوعة في البيت من الخرق ، على شكل طفلة تلبسها الثياب ، وتنظفها وتنيمها ، وذلك لتتعلم تربية الأولاد عندما تكون أماً ، والدليل قول عائشة :
« كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم » " رواه البخاري " .
ولا يجوز شراء اللعب الأجنبية للأطفال ، ولا سيما البنات السافرات المتكشفات ، فتتعلم منها وتقلدها وتفسد المجتمع بذلك ، بالإضافة إلى صرف الأموال للبلاد الأجنبية واليهودية .(6/132)
5 - يسمح بالصورة إذا قطع رأسها ، لأن الصورة هي الرأس ، فإذا قطع لا يبقى فيها روح ، وتصبح كالجماد ، وقد قال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم : « مُرْ برأس التمثال يقطع ، فيصير على هيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع ، فليجعل منه وسادتين توطآن » " صحيح رواه أبو داود وغيره " .
( الستر حيث كان عليه تصاوير ) .(6/133)
هل الدخان حرام
لم يكن الدخان موجودا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولقد جاء الإسلام بأصول عامة تحرم كل ضار بالجسم ، أو مؤذ للجار ، أو متلف للمال ، وإليك الأدلة الآتية على حكم الدخان :
1 - قال تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } " سورة الأعراف " آية 157 .
والدخان من الخبائث الضارة ، كريه الرائحة .
2 - وقال تعالى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } " سورة البقرة " آية 195 . ( والدخان يوقع في الأمراض المهلكة كالسرطان والسل و . . ) .
3 - وقال تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } " سورة النساء " آية 29 . ( والدخان قتل بطيء للنفس ) .
4 - وقال تعالى عن ضرر الخمر : { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } " سورة البقرة " آية 219 . ( والدخان ضرره أكبر من نفعه ، بل كله ضرر ) .
5 - وقال تعالى : { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا }{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } " سورة الإسراء " آية 26 ، 27 . ( والدخان تبذير وإسراف من عمل الشيطان ) .
6 - وقال صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » " صحيح رواه أحمد " .(6/134)
( والدخان يضر صاحبه ، ويؤذي جاره ، ويتلف ماله ) .
7 - وقال صلى الله عليه وسلم « وكره ( الله ) لكم إضاعة المال » " متفق عليه " .
( والدخان ضياع لمال شاربه يكرهه الله ) .
8 - وقال صلى الله عليه وسلم : « إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير » " متفق عليه . ( والمدخن جليس سوء ينفخ النار ) .
9 - وقال صلى الله عليه وسلم « كل أمتي معافى إلا المجاهرين » متفق عليه . والمدخن مجاهر بالمعاصي لا يعافى من ذنبه - إلا إذا تاب - .
10 - قال صلى الله عليه وسلم : « من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا ، وليعتزل مسجدنا ، وليقعد في بيته » " متفق عليه " ( والدخان أشد كرها من رائحة الثوم والبصل ) .
11 - حرم الدخان كثير من الفقهاء ، والذين لم يحرموه لم يطلعوا على ضرره الجديد وهو السرطان .
12 - إن الإنسان لو أحرق ورقة نقدية لقلنا : ( مجنون حرام عليه ) فكيف بمن يشتري بمئات الورقات دخانا ، فيحرم ماله ويضر جسمه ، ويؤذي جاره ؟! وهل من الدين والذوق أن تزعج الناس بدخانك ، وشيشتك ، وتلوث هواءهم الصافي ؟! واعلم أن تلويث الهواء ، كتلويث الماء لضرره .(6/135)
ولو سألنا المدخن هل توضع السجاير في ميزان الحسنات أو السيئات لأجاب : إنها توضع في ميزان السيئات .
13 - استعن بالله على ترك الدخان ، فمن ترك شيئا لله أعانه الله عليه ، واصبر فإن الله مع الصابرين ، وادع الله ليلا وبعد الأذان والصلاة قائلا : " اللهم أرنا الدخان باطلا ، وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه " .(6/136)
تمسك المجتهدين بالحديث
الأئمة الأربعة - رضي الله عنهم - ، وجزاهم الله عنا كل خير ، اجتهد كل واحد منهم حسب ما وصل إليه من الأحاديث ، وقد اختلفوا في كثير من الأمور لاطلاع أحدهم على أحاديث لم يطلع عليها غيره . لأن الأحاديث لم تكن مدونة ، وكان حفاظ الحديث قد تفرقوا في الحجاز والشام والعراق ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية ، في عصر كانت المواصلات فيه صعبة وشاقة ، لذلك نرى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ترك مذهبه القديم في العراق حينما ذهب إلى مصر ، واطلع على أحاديث جديدة .
وحينما نرى الشافعي يرى نقض الوضوء بلمس المرأة ، فإن أبا حنيفة لا يرى نقضه ، عندئذ وجب الرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة لقوله تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . " سورة النساء " آية 59 .
لأن الحق لا يمكن أن يتعدد ، فيكون اللمس ناقضا وغير ناقض .(6/137)
ونحن لم نؤمر إلا باتباع القرآن المنزل من عند الله ، وشرحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديثه الصحيحة ، لقوله تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } " سورة الأعراف " آية 3 .
فلا يجوز لمسلم سمع حديثا صحيحا أن يرده ، لأنه مخالف لمذهبه ، فقد أجمع الأئمة على الأخذ بالحديث الصحيح ، وترك كل قول يخالفه .(6/138)
أقوال الأئمة في الحديث
هذه بعض أقوال الأئمة - رحمهم الله - ترفع الملام عنهم وتبين الحق لأتباعهم :
الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - ، وكل الناس عيال على فقهه ، يقول :
1 - لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .
2 - حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، فإننا بشر نقول القول اليوم ، ونرجع عنه غدا .
3 - إذا قلت قولا يخالف كتاب الله ، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي .
4 - يقول ابن عابدين في كتابه : إذا صح الحديث ، وكان على خلاف المذهب ، عُمل بالحديث ، ويكون ذلك مذهبه ، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيا بالعمل به ، فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " .
الإمام مالك - رحمه الله - إمام أهل المدينة المنورة يقول :
1 - إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
2 - ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
الإمام الشافعي - رحمه الله - وهو من آل البيت يقول :(6/139)
1 - ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيب عنه ، فمهما قلت من قول ، أو أصلت من أصل فيه عند الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت ، فالقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي .
2 - أجمع المسلمون على أنه من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يحل لأحد أن يدعها لقول أحد .
3 - إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بقول رسول الله ، وهو قولي .
4 - إذا صح الحديث فهو مذهبي .
5 - قال يخاطب الإمام أحمد بن حنبل : أنتم أعلم بالحديث والرجال مني ، فإذا كان الحديث صحيحا فأعلموني به حتى أذهب إليه .
6 - كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت ، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد موتي .
الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - ، وهو إمام أهل السنة يقول :
1 - لا تقلدني ، ولا تقلد مالكا ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ، وخذ من حيث أخذوا .
2 - من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو على شفا هلكة .(6/140)
اعملوا بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
1 - « لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون » " رواه مسلم " .
2 - « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » . " رواه البخاري " .
3 - « من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس » . ( وكله : تركه ) " حسن رواه الترمذي " .
4 - « من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار » . ( الند : المثيل ) " رواه البخاري " .
5 - « من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار » . " " صحيح رواه أحمد " .
6 - « من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه » . " ( النردشير : لعبة الطاولة ) " رواه مسلم " .
7 - « بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء » " رواه مسلم " .
وفي رواية : « فطوبى للغرباء : الذين يصلحون إذا فسد الناس » " رواه أبو عمرو الداني بسند صحيح " .
8 - « طوبى للغرباء : أناس صالحون ، في أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم » . " صحيح رواه أحمد " .
9 - « لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف » .
" رواه البخاري " .(6/141)
وما آتاكم الرسول فخذوه
1 - « لعن الله النامصات والمتنمصات المغيرات لخلق الله » . ( كنتف شعر الحواجب والوجه ) " متفق عليه " .
2 - « ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها » . . . " رواه مسلم " .
3 - « اتقوا الله وأجملوا في الطلب » صحيح رواه الحاكم " .
( أي خذوا الحلال ، واتركوا الحرام ) .
4 - « أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا » ( اخفضوا أصواتكم في الذكر والدعاء ) " رواه مسلم " .
5 - « أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون » .
" صحيح رواه ابن ماجه " .
6 - « صل من قطعك ، وأحسن إلى من أساء إليك ، وقل الحق ولو على نفسك » صحيح رواه ابن النجار " .
7 - « تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة إن أعطي رضي ، وإن لم يعط لم يرض » ( القطيفة : الثوب ) " رواه البخاري " .
8 - « أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » رواه مسلم " .
9 - « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل » " رواه البخاري " .
10 - « لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا » . " رواه مسلم " .(6/142)
كونوا عباد الله إخوانا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تحسسوا (1) ولا تنافسوا (2) ولا تجسسوا (3) ، ولا تناجشوا (4) ولا تهاجروا (5) ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض .
وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم . المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله (6) ولا يحقره .
التقوى هاهنا ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره .
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه ، وماله .
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث .
إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » . " رواه مسلم وروى البخاري أكثره " .
_________
(1) لا تستمعوا لقوم يتكلمون سرا .
(2) لا تنفردوا بشيء ترغبون به دون غيركم .
(3) لا تبحثوا عن عيوب الناس .
(4) لا تزيدوا في ثمن شراء سلعة لا تريدون شراءها .
(5) لا يهجر بعضكم بعضا .
(6) لا يترك نصرته .(6/143)
أحاديث حول المسلم
1 - « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده » متفق عليه " .
2 - « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » رواه البخاري " .
3 - « غط فخذك ، فإن فخذ الرجل من عورته » .
" صحيح رواه أحمد " .
4 - « ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء » . " رواه مسلم " .
5 - « من حمل علينا السلاح فليس منا » رواه مسلم " .
« ومن غش فليس منا » صحيح رواه الترمذي " .
6 - « من يحرم الرفق يحرم الخير كله » رواه مسلم " .
7 - « من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، وكله الله إلى الناس » .
" صحيح رواه الترمذي " .
8 - « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي » " حسن رواه الترمذي " .
9 - « ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار » .
" رواه البخاري " .
10 - « إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما » .
" رواه البخاري " .
11 - « لا تقولوا للمنافق سيدنا ، فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل » صحيح رواه أحمد " .
12 - « الغلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ويسمى ، ويحلق رأسه » صحيح رواه أبو داود " .(6/144)
تكريم المرأة في الإسلام
لقد كرم الإسلام المرأة بأن جعلها مربية للأجيال ، وربط صلاح المجتمع بصلاحها ، وفرض عليها الحجاب ليحفظها من الأشرار ، ويحفظ المجتمع من سفورها ، والحجاب يُبقي المودة والرحمة بين الزوجين ، فالرجل عندما يرى امرأة أجمل من زوجته تسوء العلاقة بينهما ، وربما يؤدي ذلك إلى الفراق ، وقد ورد ذكر الحجاب في القرآن الكريم . قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } " سورة الأحزاب " آية 59 .
1 - تقول الزعيمة العالمية ( أني بيزانت ) : كثيرًا ما يرد على فكري أن المرأة في الإسلام أكثر حرية من غيره ، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من الأديان الأخرى التي تحظر تعدد الزوجات ، وتعاليم الإسلام بالنسبة للمرأة أكثر عدالة ، وأضمن لحريتها ، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في إنكلترا إلا منذ عشرين سنة فقط ، فإننا نجد أن الإسلام قد أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى ، وإن من الافتراء أن يقال : إن الإسلام يعتبر النساء مجردات من الروح .(6/145)
2 - وتقول أيضا : متى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته ، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره .
3 - وتقول المستشرقة ( فرانسواز ساجان ) أيتها المرأة الشرقية إن الذين ينادون باسمك ، ويدعون إلى مساواتك بالرجل إنهم يضحكون عليك ، فقد ضحكوا علينا من قبلك .
4 - ويقول الأستاذ ( فون هرمر ) الحجاب هو وسيلة الاحتفاظ بما يجب للمرأة من الاحترام والمكانة الشيء الذي تغبط عليه .(6/146)
من أقوال المستشرقين في الإسلام
1 - يقول الفيلسوف ( برنادشو ) : إني أُكن كل تقدير لدين محمد لحيويته ، فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقة هائلة لملاءمته أوجه الحياة المتغيرة ، وصالحا لكل العصور ، لقد درست حياة هذا الرجل العجيب ، وفي رأي أنه يجب أن يسمى " منقذ البشرية " دون أن يكون في ذلك عداء للمسيح . وإني لأعتقد أنه لو أتيح لرجل مثله أن يتولى حكم هذا العالم الحديث منفردا لحالفه التوفيق في حل جميع مشاكله بأسلوب يؤدي إلى السعادة والسلام اللذين يفتقر العالم إليهما كثيرا .
إني أتنبأ بأن الناس سيقبلون على دين محمد في أوربا في المستقبل ، وقد بدأ يلقى القبول في أوربا اليوم .(6/147)
أمريكي يتحدث عن إسلامه
هناك الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية ، ممن يبحثون عن سبل جديدة ، إما عن طريق الإسلام ، أو عن طريق الديانة المسيحية ، أو عن طريق البوذية ، أو الهندوسية ، ويدرك الكثير من الأمريكيين أنهم بحاجة إلى إله ، ولكن هناك القليل من المسلمين في أمريكا ممن يصرحون بأن الإسلام هو الطريق إلى الله . . . الطريق الذي اختاره الله لنا .
1 - لقد كان اهتمامي في البداية مكرسا للديانة البوذية ، ولسنوات مضت أردت أن أصبح راهبا بوذيا ، ولكن بعد دراستي للأديان المقارنة في الجامعة اتجهت نحو الدين الإسلامي ، وبعد تخرجي من الجامعة سافرت إلى أوربا ، ودرست في هولندا بصحبة صديقين ، كان أحدهما طالب وهو أردني ، وكان الآخر رجلا كبيرا في السن ذو مكانة مرموقة ، لقد كان في ألبانيا وأمضى في هولندا مدة ثلاثين أو أربعين عاما مكرسا حياته لله ، وبتأثير هذين الشخصين دخلت دين الإسلام غير مهتم بجمال هذا الدين ، أو نقائه ، أو فاعليته ، بل مقتنعا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان في الحقيقة رسول الله ، وإذا أعرضت جانبا عن رسالة الله ورسوله فيعرض الله عني .(6/148)
2 - لقد أمضيت السنين الخمسة الأخيرة قسما منها في أمريكا ، وقسما آخر في العالم العربي ، وتوصلت إلى نتيجة بأن أحب الإسلام وأقدره ، وآخذ بعين الاعتبار كيف أن هذا الدين يصور حياة الإنسان ويجعلها مقدسة ومباركة .
وإنها لمأساة بأن أرى المجتمعات الإسلامية وقد فقدت ثقتها بالإسلام ، حيث إن شعوب تلك المجتمعات وحكوماتها تحاول أن تقلد أمريكا والعالم الغربي في الوقت الذي يصبح فيه الأمريكيون والعالم الغربي خائبي الأمل بتقاليدهم ومعتقداتهم ، ونظمهم .
إن الملايين من البشر في العالم العربي يتطلعون إلى أمريكا من أجل الرشاد والهدى في حين أن ملايين من الشعب الأمريكي مقتنعون بأن دولتهم أمريكا تزداد سوءا يوما بعد يوم ، ويتوقع الكثيرون منهم دمار هذه الدولة في القريب العاجل .(6/149)
3 - أما مسلمو أمريكا ، منهم يؤمنون بالإسلام إيمانا كبيرا ، وخاصة المتحولون ( المهتدون ) منهم ، ولكننا بحاجة إلى المعرفة ، وبجهلنا للمعرفة غالبا ما نقوم بأعمال طائشة ، وخطيرة أحيانا ، وذلك باسم الإسلام ، وهناك القليل من الشعب الأمريكي ممن يعرفون كيف يرشدون إخوانهم ، وفئة قليلة من المسلمين في المجتمعات التي تطبق الإسلام تذهب إلى أمريكا لتنشر الدين الإسلامي ، وتقوم بتصحيح الدين وبنائه على أسس سليمة هناك ، فالمجتمع الإسلامي في العالم في الحقيقة لا يعمل كما يجب ، وكثير من المرشدين المسلمين لا يذهبون إلى أمريكا لدعم شرع الله ودينه .
4 - أخيرا : آمل وأتوقع في السنين العشر القادمة ، أو نحوها أن يصبح الطلاب الأمريكيون على اطلاع كبير بالمراكز التقليدية للثقافة الإسلامية ، وآمل أن يجدوا هناك ولاء قويا ، وطاعة لله ليعيشوا على هديهما ، والحمد لله رب العالمين .(6/150)
فتاة أمريكية تعتنق الإسلام
الإسلام هو السبيل الوحيد لإنقاذ وخلاص البشرية :
" هاجر " الاسم الجديد " لياميلا " فتاة أمريكية في الثامنة والعشرين من عمرها ، طالبة في قسم علم الاجتماع في جامعة ميزوري - كولومبيا - بدأت قبل سنتين بدراسة الإسلام دراسة جادة متعمقة بحثا عن الحقيقة التي كانت شغلها الشاغل والتي لم تجدها كما تقول في الثقافة المادية الأمريكية ، وبعد سنتين من الدراسة والبحث والتأمل أعلنت " ياميلا " الإسلام وغيرت اسمها إلى " هاجر " حيث تقول : إن اسم " هاجر " محبب إلى نفسي لكونه مرتبطا بالإسلام .(6/151)
تتحدث هاجر عن تجربتها قائلة : منذ مدة طويلة كانت تدور في ذهني تساؤلات عن الكون ، والوجود والحياة ، وقد أضناني البحث ، والتفكير عن أجوبة لهذه التساؤلات الفلسفية ، ولكن عبثا لم أجد لها تفسيرا مقنعا من خلال دراستي في الثقافة الأمريكية المادية ، وكنت أسمع بالإسلام ، ولكن صورته غامضة في ذهني ، بل مشوهة ، فهو دين يفرق بين الرجل والمرأة ، وقائم على العنف والقسوة ، وبقيت جاهلة بحقيقة الإسلام ، حتى بدأت أدرك نقاء الإسلام وتحديه للقوى المادية ، فبدأت من حينها أدرس وأبحث عن الإسلام ، وكان البحث في البداية شاقا جدا ، فليس هناك كتب أمينة عن الإسلام باللغة الإنجليزية ، ولكني منذ البداية شعرت بحب للإسلام ، فهو دين عدل وإنصاف ، يعطي الفرد حريته ، ويحمله مسئولية أعماله وأفعاله ، وهكذا بمرور الوقت ازددت وعيا وفهما بالإسلام ، وكان أن هداني الله لاعتناق الإسلام .
هاجر تدعو للإسلام(6/152)
ومنذ أن أعلنت هاجر إسلامها وهي تعمل بجد ونشاط لنشر الإسلام ، فهي ترى أن رسالتها الآن أن تجاهد في سبيل الإسلام وإبلاغ دعوته إلى الأمريكيين الذين يجهلون حقيقة الإسلام . وذلك بفعل الصورة المشوهة التي صور الإسلام بها من خلال أعدائه الحاقدين عليه .
لقد غير الإسلام " هاجر " تغييرا شاملاً : فبعد أن كانت تعيش كأية فتاة أمريكية حياة لاهية - أصبحت الآن ملتزمة بقواعد ومبادئ الإسلام ، كما تقول : إن هدفي الأسمى أن أجاهد في سبيل الإسلام ، وأن أحارب الرأسمالية ، والطغيان ، والشر ، فبعد تجربتي وجدت أن الإسلام هو الطريق الوحيد لخلاص الإنسانية من خطر الحروب والمجاعات والعناء .
وعندما سئلت " هاجر " ولماذا الإسلام بالذات هو السبيل إلى خلاص البشرية ؟ أجابت قائلة : إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقدم حلولا لقضايانا الاجتماعية ، والسياسية المعاصرة ، إنه نظام حياة شامل يوازن بين مطالب الروح وحاجات الجسد دونما إخلال ، لقد وجدت فيه أجوبة شافية على تساؤلات فلسفية كانت تقلقني وتقض مضجعي .(6/153)
وحين تتحدث " هاجر " عن الإسلام تشعر بالصدق في كلامها ، فهي تعي ما تقول ، وأحيانا تنطق بالعبارات الإسلامية باللغة العربية ، ولكنها في كل الحالات تفهم جيدا أن الإسلام نظام شامل ، وليس دين عبادات فقط .
الجهاد في نظرها أهم ما في الإسلام ، أو أهم ما يحتاج إليه المسلمون في الوقت الحاضر . . .
ومنذ إسلامها غيرت هاجر أسلوب حياتها ، فارتدت اللباس الشرعي ، وبدأت تؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها ، وبذلت جهدا كبيرا في حفظ آيات القرآن ، لتستطيع تأدية الصلوات ، وطبيعي أن تواجه صعوبات كبيرة من زميلاتها وعائلتها ، ولكن " هاجر " المسلمة كما تقول : أستطيب المصاعب في سبيل عقيدتي ، وهذا جدير بالنسبة للمسلمين والمسلمات ، لقد سبق أن عُذب الكثير منهم ولكنهم لم يتحولوا ، وأنا لن أبالي إلا بالإسلام .
ولا يقتصر نشاط " هاجر " على الجانب الديني فهي أيضا نشطة سياسيا ، ومؤمنة بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني المسلم ، لذلك فهي دائما تحاضر وتتحدث عن الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني .(6/154)
إنها حقا ظاهرة فريدة ، فتاة أمريكية بيضاء تتحول إلى داعية إسلامية تذب وتدافع عن قضايا الشعب الإسلامي في مجتمع لا يصغي ، ولكنها لا تمل ولا تتعب .
ورسالتها إلى الشعوب الإسلامية عامة ، والعربية خاصة ، أنتم الذين أنرتم الدرب للبشرية ، فلا تضعفوا أمام غزاة أرضكم المقدسة ، أمام إسرائيل وحلفائها .(6/155)
تصريحات مطرب عالمي بعد إسلامه
نشرت جريدة المدينة المنورة بتاريخ 5 رمضان 1400 هـ تقريرا عن قضية إسلام المطرب العالمي ( كات ستيفنز ) الذي سمى نفسه بعد إسلامه ( يوسف إسلام ) ، وفي هذا التقرير تصريحات هامة ، وعبر نافعة نذكر منها أهم ما جاء فيها :
1 - صُدم الغرب عندما توقفت عن الغناء منذ أن أسلمت ، وبدأوا يتساءلون كيف تغيرت ؟ وصمتت وسائل الإعلام كلها ، وتجاهلوني كليا ، ولم تعد تلهث خلفي كما كانت ، لأن أجهزة الإعلام في الغرب يهود ، وهم يملكون جميع المفاتيح .
2 - سبب إسلامي زيارة أخي للمسجد الأقصى ، وتقديم هدية لي نسختين من القرآن عربي ، وإنجليزي لمعرفته مدى اهتمامي بالأديان السماوية ، فكنت أقرأ القرآن لوحدي ، حتى أتممت دراسته دراسة كاملة ، ثم درست حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتأثرت بشخصيته تأثرا عظَيما ، وبعد عام ونصف من الدراسات العلمية اقتنعت بعظمة الإسلام ، وأنه الدين الصحيح وحمدت الله على أنني اعتنقت الإسلام قبل أن أجتمع بأحد من المسلمين ، وقبل أن أتعرف على خلافاتهم .(6/156)
3 - ذهبت إلى القدس ، وفرح بي المسلمون في المسجد الأقصى ، وبكيت وصليت هناك ، والقدس هي كبد العالم الإسلامي ، فإذا كان هذا الكبد عليلا ، فالعالم الإسلامي كله مريض ، وفي شفائه شفاء للجسم كله ، وعلينا أن نحرر هذا الكبد باسم الإسلام .
4 - الشعب الفلسطيني يجب أن يتمسك بإسلامه ودينه ، ويحافظ على صلاته ، وأنا واثق أن الله سينصره .
5 - قالوا لي بعد إسلامي : التدخين حرام فامتنعت عنه ، وتركت الخمر ، ومعاشرة النساء ، وتوقفت عن الغناء والموسيقى .
6 - اخترت زوجة مسلمة محجبة ، لأن الجمال في المرأة ليس أهم شيء ، إنما الإسلام هو الإيمان والفضيلة .
7 - أقوم الآن بتعلم اللغة العربية ، لأقرأ القرآن ، وأتذوق حلاوته ومعانيه ، وسأضع كتبا عن عظمة الإسلام مستغلاً شهرتي في الدعوة للإسلام .
8 - أعتقد أن الصلاة في أوقاتها أهم ركن من أركان الإسلام ، ( بعد الشهادتين ) والمحافظة عليها في مواعيدها هو أكبر حصن للإنسان وإسلامه ، وأشعر براحة وطمأنينة غير عادية بعد كل صلاة .(6/157)
9 - سمعت أن ( يوسف إسلام ) يقيم في إنكلترا ، ويقوم بالدعوة للإسلام ، وله مسجد خاص . يلتف حوله المسلمون ويؤيدونه ، فقد سبق المسلمين في تمسكه بإسلامه وحبه له ، أسأل الله له التوفيق والثبات .
بارك الله فيه وفي أمثاله من المسلمين العاملين .(6/158)
دعاء الاستخارة
عن جابر - رضي الله عنه - قال :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل :
" اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسالك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب .
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (1) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، ( أو قال في عاجل أمري وآجله ) فأقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (2) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، ( أو قال في عاجل أمري وآجله ) فاصرفه عني واصرفني عنه ، وأقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به " (3) . قال ويُسمي حاجته » .
" رواه البخاري " .
وهذه الصلاة والدعاء يفعلهما الإنسان لنفسه كما يشرب الدواء بنفسه موقنا أن ربه الذي استخاره سيوجهه للخير ، وعلامة الخير تيسر أسبابه ، واحذر الاستخارة المبتدعة التي تعتمد على المنامات وحساب اسم الزوجين وغيرهما مما لا أصل له في الدين .
_________
(1) أي الزواج أو الشركة أو التجارة أو السفر أو غيرها .
(2) أي الزواج أو الشركة أو التجارة أو السفر أو غيرها .
(3) يقرأ دعاء الاستخارة بعد الصلاة .(6/159)
دعاء الشفاء
1 - « ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل :
بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات : " أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر » " رواه مسلم " .
وفي رواية : « ارفع يدك ثم أعد ذلك وتراً » .
" رواه الترمذي وحسنه وهو كما قال " .
2 - « اللهم رب الناس أذهب الباس ، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقما » .
3 - « أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة » . " رواه البخاري " .
4 - « من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : " أسأل الله العظيم ، رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عافاه الله » " صححه الحاكم ووافقه الذهبي " .
5 - « من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء » . " حسن رواه الترمذي " .
6 - « إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أشتكيت ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ، فقال جبريل :
" باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك ، ومن شر كل نفس وعين ، باسم الله أرقيك ، والله يشفيك » " رواه مسلم " .(6/160)
7 - اقرأ الفاتحة والمعوذتين واطلب الشفاء من الله وحده ، واجمع بين الدعاء والدواء ، وتصدق للفقراء لتشفى بإذن الله .(6/161)
دعاء السفر
1 - قال صلى الله عليه وسلم : « من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف : " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه » " حسن رواه أحمد " .
2 - ويقال للمسافر : « زوّدك الله التقوى ، وغفر ذنبك ، ويسر لك الخير حيثما كنت » " رواه الترمذي وحسنه وهو كما قال " .
3 - إذا ركبت سيارة أو طائرة أو غيرها فقل :
« بسم الله والحمد لله
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (1) ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون (2) . الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت » .
" رواه الترمذي وقال : حسن صحيح " .
4 - « اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده . اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء (3) السفر ، وكآبة المنظر وسوء المنقلب (4) في المال والأهل » . " رواه مسلم " .
5 - وإذا رجع المسافر قالهن وزاد عليهن : « آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون » " رواه مسلم " .
_________
(1) مطيقين .
(2) لراجعون .
(3) شدته .
(4) الرجوع .(6/162)
الدعاء المستجاب
إذا أردت النجاح في اختبار أو أي عمل فاقرأ الدعاء الآتي : « سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول :
- اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى » .
" صحيح رواه أحمد ، وأبو داود وغيرهما " .
2 - دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :
{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } .
« لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له » .
" صحيح رواه أحمد " .
3 - يجب أن تأخذ بأسباب النجاح وهو العمل والاجتهاد .(6/163)
دعاء الضائع
سُئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الضالة فقال :
يتوضأ ويصلي ركعتين ، ثم يتشهد ، ثم يقول : " اللهم راد الضالة ، هادي الضلالة ، تهدي من الضلال ، رد علّي ضالتي بقدرتك وسلطانك ، فإنها من فضلك وعطائك " .
" قال البيهقي : هذا موقوف ، وهو حسن " .(6/164)
دعاء من القرآن الكريم
{ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } " سورة الكهف " آية 10 .
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } " سورة البقرة " آية 201 .
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } " سورة آل عمران " آية 8 .
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } " سورة الحشر " آية 10 .
{ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } " سورة الممتحنة " آية 4 .(6/165)
{ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } " سورة البقرة " آية 286 .
{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } سورة الأعراف " آية 89 .
{ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }{ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } " سورة يونس " آية 85 ، 86 .
{ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } " سورة الدخان " آية 12 .
{ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } " سورة الأعراف " آية 126 .(6/166)
إلهي أنت المغيث وحدك
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجّى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن ... أُمنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك فقري ادفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تُقَنّطُ عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبي وآله ... ( من جاء بالقرآن نوراً يسطع )
صلى الله عليه وسلم(6/167)
نداء إلى المربين والمربيات
لتوجيه البنين والبنات
محمد بن جميل زينو
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . أما بعد ؛؛
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فإن مهمة المربي عظيمة جداً ، وعمله من أشرف الأعمال إذا أتقنه ، وأخلص لله تعالى فيه ، وربى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة .
والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة ، والمعلم والمعلمة ، ويشمل الأب والأم ، وكل من يرعى الأولاد .
فالمدرس مربي الأجيال ، وعليه يتوقف صلاح المجتمع وفساده ، فإذا قام بواجبه في التعليم ، فأخلص في عمله ، ووجه طلابه نحو الدين والأخلاق ، والتربية الحسنة سعد الطلاب وسعد المعلم في الدنيا والآخرة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمله علي رضي الله عنه :
(فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر (1) النعم)
وقال صلى الله عليه وسلم (مُعلم الخير يستغفر له كل شئ ، حتى الحيتان في البحر) .
وإذا أهمل المعلم واجبه ، ووجه طلاب نحو الانحراف ، والمبادئ الهدامة ، والسلوك السيئ ، شقى الطلاب ، وشقى المعلم ، وكان الوزر في نقه ، وهو مسئول أمام الله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
والمعلم راع في مدرسته ، وهو مسئول عن رعيته )
فليكن إصلاحك لنفسك أيها المربي والمعلم قبل كل شئ ، فالحسن عند الأولاد ما فعلت ، والقبيح عند الطلاب ما تركت ، وإن حسن سلوك المربي والمعلم والمعلمة والأب أفضل تربية لهم .
__________
(1) حُمر النعم : الإبل الجيدة ، وفي زماننا السيارات الفاخرة .(7/1)
وقد كتبت هذا النداء إلى أخواني المعلمين وأخواتي المعلمات ليستفيدوا منها في عملهم بعد خبرة في التعليم استمرت أربعين عاماً ، ليعرفوا كيف يكونوا معلمين ناجحين .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم .
مهمة المربي الناجح :
إن من أهداف التربية والتعليم إنشاء شخصية ذات مُثل عليا ، هذه الشخصية يجب أن تكون مرتبطة بربها ، تستمد منه نظام حياتها ، وتعمل على تقويم مجتمعها ، وتصحيح مفاهيمه على أسس صحيحة ، وهذه هي رسالة المعلم والغرض من تربيته وتعليمه .
ومن المعلوم أن للتربية أسساً تقوم عليها تختلف باختلاف المجتمعات واتجاهاتها ، فإذا كانت أسس التربية في المجتمع الشيوعي مثلاً ترتكز على الماديات ونفي الروحيات وقطع صلة الطالب بربه ، وإذا كانت أسس التربية في المجتمعات الغربية تقوم على الاستغلال والأنانية والانحلال ، فإن أسس التربية في المجتمع الإسلامي تقوم على إيجاد العقيدة الصحيحة ، والعواطف النبيلة ، والآداب السامية التي تتمثل في علاقة الطالب بربه ، وعلاقته بمعلمه ، وزميله ، وإدارة مدرسته ، ومن ثم علاقته بأسرته .
وإذا أردنا أن نحقق هذه الشخصية في الواقع العملي فإن علينا ايجاد المربي الناجح في التربية والتعليم .
هذا المربي يجب أن تتوفر فيه شروط وآداب حتى يكون مربياً صالحاً ومعلماً نافعاً .
شروط المربي الناجح في التربية والتعليم :
1-…أن يكون ماهراً في مهنته ، مبتكراً في أساليب تعليمه ، محباً لوظيفته وطلابه ، يبذل جهده لتربيتهم التربية الحسنة ، يزودهم بالمعلومات النافعة ، ويعلمهم الأخلاق الفاضلة ، ويعمل على إبعادهم عن العادات السيئة ، فهو يربي ويعلم في آن واحد .
2-…أن يكون قدوة حسنة لغيره ، في قوله وعمله ، وسلوكه ، من حيث قيامه بواجبه نحو ربه ، وأمته وطلابه ، يحب لهم من الخير ما يحبه لنفسه وأولاده ، يعفو ويصفح ، فإن عاقب كان رحيماً .(7/2)
…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
3-…من شروط المعلم الناجح أن يعمل بما يأمر به الطلاب من الآداب والأخلاق وغيرها من العلوم ، وليحذر مخالفة قوله لفعله ، وليسمع قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
…وهذا إنكار على من قال قولاً ولم يعمل به .
…وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) ، أي لا أعمل به ، ولا أبلغه غيري ، ولا يُهذب من أخلاقي .
…وقول الشاعر :
…يا أيها الرجل المعلم غيره……هلا لنفسك كان ذا التعليم
4-…على المعلم أن يعلم أن وظيفته تشبه وظيفة الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وتعليمهم ، وتعريفهم بربهم وخالقهم ، وكذلك هو في منزلة الوالد في عطفه على طلابه ، ومحبته لهم ، وأنه مسئول عن هؤلاء الطلاب : عن حضورهم ، واهتمامهم بدروسهم ، بل يحسن به أن يساعدهم في حل مشاكلهم وغير ذلك مما يُعد من مسئولياته ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
وليعلم أنه مسئول أمام الله عن طلابه ماذا علمهم ؟ وهل أخلص في البحث عن السبل الميسرة لإرشادهم ، وتوجيههم التوجيه السليم ؟ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) .
ثم إن عليه أن يخاطبهم بما يفهمون كل على قدر فهمه .
قال علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله؟
5-…إن المعلم بحكم مهنته يعيش بين طلاب تتفاوت درجات أخلاقهم وتربيتهم وذكائهم ، لذلك فإن عليه أن يسعهم جميعاً بأخلاقه ، فيكون لهم بمنزلة الوالد مع أولاده ، عملاً بقول المربي الكبير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا لك بمنزلة الوالد أعلمكم) .(7/3)
6-…على المعلم الناجح أن يتعاون مع زملائه ، وينصحهم ، ويتشاور معهم لمصلحة الطلبة ، ليكونوا قدوة حسنة لطلابهم ، وعليهم جميعاً أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث خاطب الله تعالى المسلمين بقوله : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
7-…التواضع العلمي :
الاعتراف بالحق فضيلة ، والرجوع إليه خير من التمادي في الخطأ ، فعلى المعلم أن يتأسى بالسلف الصالح في طلبهم للحق والإذعان له إذا تبين لهم أن الحق بخلاف ما يُفتون أو يعتقدون .
…والدليل على ذلك ما ذكره ابن أي حاتم في كتابه ( مقدمة الجرح والتعديل) حين ذكر قصة مالك رضي الله عنه ورجوعه عن فتواه حينما سمع الحديث ، وذكرها بعنوان (باب ما ذُكر من أتباع مالك لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ونزوعه عن فتواه عندما حُدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه) :
…قال ابن وهب : سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال : ليس ذلك على الناس ، قال ، فتركته حتى خف الناس ، فقلت له : عندنا في ذلك سنة ، فقال : وما هي؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه ، فقال : إن هذا الحديث حسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة ، ثم سمعته بعد ذلك يُسأل فيأمر بتخليل الأصابع (1) .
__________
(1) انظر مقدمة الجرح والتعديل ، ص30 .(7/4)
…ولو أردنا استقصاء الأمثلة من حياة السلف لما كفتنا هذه الوريقات ، لذا يجب على المعلم الذي يريد النجاح في مهنته ، أن يُذعن للحق ويتراجع عن خطئه إذا أخطأ ، ويعلم طلابه هذا الخلق العظيم ، ويبين لهم فضل التواضع والرجوع إلى الحق ، وأن يطبق ذلك عملياً في الفصل ، فإذا رأى إجابات بعض الطلبة أفضل من إجابته ، فليعلن ذلك وليعترف بأفضلية إجابة هذا الطالب ، فذلك أدعى لكسب ثقة طلابه ومحبتهم له .
لقد عشت قرابة أربعين عاماً معلماً ومربياً ، وإن أنسَ ، لا أنسى ذلك المعلم الذي أخطأ في قراءة حديث ، فلما رده بعض الطلاب أصرّ على خطئه ، وجعل يجادل بالباطل ، فسقط هذا المعلم في نظر طلابه ، ولم يعد موضع ثقتهم .
ولا أزال أذكر بعض المعلمين الصادقين الذين كانوا يعترفون بخطئهم ، ويتراجعون عنه ، لقد أحبهم الطلاب ، وازدادت ثقتهم بهم ، وأصبحوا موضع إجلال وإكبار .
فحبذا لو سار المعلمون جميعاً سير هؤلاء ونهجوا نهجهم في الرجوع إلى الحق .
8-…الصدق والوفاء بالوعد :
على المعلم أن يلتزم الصدق في كلامه ، فإن الصدق كله خير ، ولا يربي تلاميذه على الكذب ، ولو كان في ذلك مصلحة تظهر له :
…حدث أن سأل أحد الطلاب معلمه مستنكراً تدخين أحد المعلمين ، فأجابه المعلم مدافعاً عن زميله ، بأن سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له ، وحين خرج التلميذ من الصف قال : إن المعلم يكذب علينا .
…وحبذا لو صدق المعلم في إجابته ، وبين خطأ زميله ، بأن التدخين حرام ، لأنه مضر بالجسم ، مؤذ للجار ، متلف للمال ، فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلاب وحبهم ، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه : إن المعلم فرد من الناس تجري عليه الأعراض البشرية ، فهو يصيب ويخطئ ، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك في حديث قائلاً : (كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون) .(7/5)
…لقد كان بإمكان المعلم المسئول أن يجعل سؤال الطالب عن تدخين معلمه درساً لجميع الطلبة ، فيفهمهم أضرار التدخين ، وحكمه الشرعي ، وأقوال العلماء فيه ، وأدلتهم ، فيكون بذلك قد استفاد من سؤال الطالب واستعمله في التربية والتوجيه .
…يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً ..... الحديث) .
…فالصدق خلق عظيم ينبغي على المعلم أن يزرعه في طلابه ، ويجيبهم إليه ويعودهم عليه ، وليكن مطبقاً له في أقواله وأفعاله ، حتى في مزاحه معهم عليه أن يكون صادقاً ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ، وليحذر المعلم أن يكذب على طلابه ولو مازحاً أو متأولاً ، وإذا وعدهم بشئ فعليه أن يفي بوعده ، حتى يتعلموا منه الصدق ، والوفاء قولاً وعملاً ، لأن الطلاب يعرفون الكذب ويدركونه ، وإن لم يستطيعوا مجابهة المعلم به حياء منه ، وقد رأينا قصة المعلم الذي دافع عن زميله المدخن ، كيف أدرك الطلاب كذبه .
9-…الصبر :
…على المعلم أن يتحلى بالصبر على مشاكل الطلاب والتعليم ، فإن الصبر أكبر عون له في عمله الشريف .
وظيفة المعلم :
إن وظيفة المعلم لا تقف عند حشو الطلاب بالمعلومات فحسب ، بل يتجاوزها إلى تربية شاملة تقوم على تصفية العقائد والسلوك ، مما ينافي الدين القويم ، فعلى المعلم الناجح أن يجعل كلام طلابه وسلوكهم في الفصل مستمداً من الهدي النبوي الصحيح ، قال الله تعالى :
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان مربياً حكيماً ، ومعلماً ، ومرشداً ، وناصحاً ، ورءوفاً ، ومحبوباً ، ومخلصاً .(7/6)
فعلى المعلم أن يتصف بهذه الأوصاف ، ولا سيما الإخلاص ، فعليه أن يخلص عمله لله ، ولا ينظر إلى المال ، فإن أعطي ولو قليلاً شكر ، وإن لم يعط صبر ، وسيرزقه الله تعالى في الدنيا ، ويكتب له الأجر في الآخرة .
من واجبات المعلم :
1-…إلقاء السلام : على المعلم إذا دخل الفصل أن يسلم فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وليعلم أن هذا السلوك الإسلامي العظيم يقوي أواصر المحبة والثقة بين الطلاب بعضهم مع بعض ، وبين المعلم والطلاب ، ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم)
ولا يغني إن السلام كلمة " صلاح الخير أو مساء الخير" ، ولا بأس بها بعد السلام مع تغيير لها كأن يقول " صبحك الله بالخير ، فتحمل معنى الدعاء ، ولا بد عنا من التنبيه على شئ مُهم قد وقع فيه كثير من المعلمين - سامحهم الله - تأثراً بالعادات والتقاليد ، وهو تمثل قياماً لمعلمهم زاعمين أن هذا من الأدب المطلوب ، وأنه رمز لتوقير المعلم وتبجيله ، وقد أخطأوا ، فما يسمى خلاف الشرع أدباً إلا في قاموس المعرضين عن شرع الله ، ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ، لما يعلمون من كراهيته لذلك) .
…وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من عادة القيام : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار) .
ويجوز لصاحب البيت أن يقوم إلى استقبال ضيوفه ، أو يقوم إلى معانقة قادم من سفر ، لأن الصحابة رضوان الله عليهم فعلوه ، وهو من إكرام الضيف ، والترحيب بالقادم .
ولا عبرة بقول الشاعر :
قم للمعلم وفه التبجيلا …كاد المعلم أن يكون رسولا(7/7)
لمخالفته قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كره القيام له ، وهدد من أحبه بدخول النار ، علماً بأن الاحترام لا يكون بالقيام ، بل يكون بالطاعة ، وامتثال الأمر ، وإلقاء السلام والمصافحة ، وغيرها من الآداب .
2-…من واجب المعلم أن يعلم طلابه الاستعانة بالله ، ويعلمهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله).
3-…إن يحذر المعلم طلابه من الشرك : وهو صرف العبادة لغير الله : كدعاء الأنبياء والصالحين وغيرهم ، عملاً بوصية لقمان لولده التي قال فيها :
…{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
4-…على المعلم أن يعلم طلابه الصلاة في المدرسة ، ويأخذهم إلى المسجد ليصلوا مع الجماعة ، ويشرف عليهم بنفسه ليتعلموا آداب المسجد ، فيدخلوه بنظام وهدوء ، ويبدأ بتعليم الطلاب الوضوء والصلاة منذ السابعة للبنت والصبي على السواء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً ، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
5-…وعلى المربي أن يعلم طلابه التوكل على الله كما قال موسى لقومه :
…{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
…وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصاً ، وتعود بطاناً) .
…وأن الأخذ بالأسباب واجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة : ( أعقلها وتوكل) .(7/8)
6-…على المدرس كذلك أن يغرس روح التضحية والجهاد في سبيل الله ضد أعداء الإسلام من الكفرة ، واليهود ، والملحدين ، وأن يربط أذهان الطلاب بأمجاد سلفهم ، وغزوات نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ويشحذ هممهم على التآسي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وأخلاقهم .
7-…ثم إن عليه أن يقنع طلبته أن العرب قوم أعزهم الله بالإسلام ، فمهما ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله كما قال عمر رضي الله عنه .
…فلا نصر على الكفار إلا بالرجوع إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في حياتنا وأمورنا كلها ، مع إعداد القوة من الأسلحة الحديثة ، والشباب المسلم المدرب ، الذي يكون قد تربى على الرجولة وتشبع بالأيمان ، والتزم النهج الصحيح ، والعقيدة السليمة .
…وعليه فيمكننا القول بأن المعلم في استطاعته إذا أخلص في عمله والتزم المنهج الإسلامي في تربيته وتعليمه أن يبني جيلاً قوياً يمكنه دفع عدوان المعتدين ، وأن يحمل راية التوحيد ليدك حصون الكفر والشرك ، ويحرر الإنسانية الحائرة ، فيرشدها إلى ربها ويعرفها بخالقها ، ويخلصها من الظلم الذي تعيش فيه ، لذلك خاطب الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم - المعلم الأول والمربي الكبير بقوله :
…{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .
…ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه : ( إنما أنا رحمة مهداة) .
…فعلى المربي والمعلم أن يجعل قدوته ، وقدوة طلابه رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين لأن الله وصفه بقوله عز وجل :
…{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }(7/9)
8-…على المعلم أن يحذر طلابه من المبادئ الهدامة ، كالشيوعية الملحدة ، والماسونية اليهودية ، والاشتراكية الماركسية ، والعلمانية الخالية من الدين ، والقومية التي تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي لقول الله تعالى :
…{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
…ويحذرهم من الديكتاتورية والديمقراطية التي تحكم بغير شرع الله .
9-…تحذير الطلبة من عقوق الوالدين ، ووجوب طاعتهما في غير معصية الله ، لقول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
وصايا لقما الحكيم لإبنه :
قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}
هذه وصايا نافعة حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم :
1-…{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
…احذر الشرك في عبادة اله ، كدعاء الأموات أو الغائبين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة) .
…ولما نزل قول الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}
…شق ذلك على المسلمين ، وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لإبنه : يا بني لا تشرك بالله ، إن الشرك لظلم عظيم) .
2-…{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .(7/10)
…ثم قرن وصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين لعظم حقهما ، فالأم حملت ولدها بمشقة ، والأب تكفل بالإنفاق ، فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه .
3-…{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
…قال ابن كثير ( أي أن حرصا عليك كل الحرص أن تتبعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً أي محسناً اليهما ، واتبع سبيل المؤمنين) .
…أقول يؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لأحد في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف) .
4-…{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} .
…قال ابن كثير : أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل أحضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
5-…{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} : أدها بأركانها وواجباتها بخشوع .
6-…{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} : بلطف ولين بدون شدة .
7-…{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} : علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيناله أذى فأمره بالصبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) .
8-…{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} : أي إن الصبر على الناس لمن عزم الأمور .(7/11)
9-…{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} : قال ابن كثير : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقاراً منك لهم ، واستكباراً عليهم ، ولكن ألن جانبك وأبسط وجهك إليهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) .
10-…{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} : أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ، ولهذا قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
…أي مختال معجب في نفسه ، فخور على غيره .
11-…{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} : أي أمش مشياً مقتصداً ، ليس بالبطئ المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، بل عدلاً وسطاً بين بين .
12-…{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَِ} : أي لا تبالغ في الكلام ، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ، ولهذا قال تعالى : {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} .
…قال مجاهد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير : أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله ، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) .
…(إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنها رأت شيطاناً) .
من هداية الآية
1-…مشروعية وصية الوالد لابنه بما ينفعه في الدنيا والآخرة .
2-…البدء بالتوحيد والتحذير من الشرك لأنه ظلم يحبط الأعمال .
3-…وجوب الشكر لله ، وللوالدين ، ووجوب برهما وصلتهما .
4-…لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إنما الطاعة في المعروف .
5-…وجوب إتباع سبيل المؤمنين الموحدين ، وتحريم إتباع المبتدعين .
6-…مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وعدم الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت أو صغرت .
7-…وجوب إقام الصلاة بأركانها وواجباتها والاطمئنان فيها .(7/12)
8-…وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللطف حسب استطاعته .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) .
9-…الصبر على ما يلحق الآمر والناهي من أذى ، وأنه من عزم الأمور .
10-…تحريم التكبر والاختيال في المشي .
11-…الاعتدال في المشي مطلوب ، فلا يُسرع ولا يُبطئ .
12-…عدم رفع الصوت زيادة عن الحاجة ، لأنه من عادة الحمير .
وصايا نبوية مهمة للأولاد :
على المربي والمربية سواء كان مدرساً أو مدرسة ، أو معلماً أو معلمة ، أو أباً أو أماً أن يعلم الأولاد هذه الوصايا النافعة لهم ، ويكتبها لهم على اللوح ، ليكتبوها في دفاترهم ليحفظوها ، ثم يشرحها لهم ، وقد وردت في حديث صحيح هذا نصه :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات :
1-…أحفظ الله يحفظك :
…أي امتثل أوامر الله ، واجتنب نواهيه يحفظك في دنياك وآخرتك .
2-…أحفظ الله تجده تجاهك :
…أي أمامك ، فاحفظ حدود الله ، وراع حقوقه تجد الله يوفقك وينصرك .
3-…إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله :
…أي إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة ، فاستعن بالله ، ولا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده كشفاء مرض ، أو طلب رزق فهي مما اختص الله بها وحده .
4-…واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك ، رُفعت الأقلام وجفت الصحف :
…على المسلم أن يؤمن بالقدر الذي كتبه الله عليه خيره وشره
من فوائد الحديث :
1-…حب الرسول صلى الله عليه وسلم للأولاد وإركاب ابن عباس خلفه ومناداته يا غلام .
2-…أمر الأطفال بطاعة الله ، والابتعاد عن معاصيه ليسعدوا في الدنيا والآخرة .(7/13)
3-…الله ينجي المؤمن عند الشدائد إذا أدى حق الله ، وحق الناس عند الرخاء والصحة والغنى .
4-…غرس عقيدة التوحيد في نفوس الأطفال ، بسؤال الله تعالى والاستعانة به.
5-…تثبيت عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره فهي من أركان الإيمان .
6-…تربية الطفل على التفاؤل ، ليستقبل الحياة بشجاعة وأمل ، ويكون فرداً نافعاً في أمته .
من آداب الإسلام :
أعلم يا أخي المسلم - هدانا الله وإياك - أن الإسلام جاء بآداب وأخلاق تكفل للمسلم وللمجتمع السعادة في الدنيا والآخرة ، ومن هذه الآداب :
1-…النظافة :
…كن نظيفاً في بيتك ، وعملك ، وملبسك ، وجسمك ، ولا سيما عند ذهابك للمسجد لأداء الصلوات ، وخاصة صلاة الجمعة ، فاغتسل وتطيب وألبس أحسن الثياب ، ولا تذهب بثياب وسخة ، أو ذات رائحة كريهة ، ولا تطأ بساط المسجد بجورب وسخ فيه رائحة الأقدام المؤذية ، فذلك يؤذي المصلين ، حيث يضع أحدهم جبهته وأنفه على البساط ، فيتأذى من الرائحة التي علقت بالبساط من رائحة الجورب ، وقد ينفر من الصلاة وعليك باستعمال السواك ، ولا سيما عند والوضوء والصلاة ، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليه في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب).
…وأحذر أكل الثوم أو البصل قبل ذهابك للمسجد والعمل ، لئلا تؤذي المصلين والجلساء برائحته ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من أكل ثوماً أو بصلاً ، فليعتزلنا ، وليعتزل مسجدنا ، وليقعد في بيته) .
…علماً بأن رائحة الدخان التي تفوح من بعض المصلين أشد كرهاً من الثوم والبصل ، وقد حرم العلماء التدخين لضرره على الجسم والمال والجيران ، وهو من الخبائث التي حذر الله تعالى منها فقال : {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} .(7/14)
…وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار) ، والدخان يضر الجسم ، ويؤذي الجار ، ويتلف المال ، فاحذر شربه فهو من كبائر الذنوب .
2-…المعاملة مع الناس :
أ-…أحب للناس ما تحب لنفسك من الخير فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
ب-…كن سمحاً في البيع والشراء فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا قضى ، سمحاً إذا اقتضى) .
ج-…خالط الناس وأنصحهم وأصبر على أذاهم ، حتى تكون ممن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المسلم الذي لا يخالطهم ، ولا يصبر على أذاهم) .
3-…الإنصاف وقبول الحق :
…إقبل الحق من قائله ، ولو كان صغيراً أو خصماً ، واحذر رد الحق من الناس واحتقارهم ، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا العمل فقال : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قيل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس) . "بطر الحق : رد الحق ، غمط الناس : احتقارهم" .
4-…الاعتراف بالخطأ :
…إذا أخطأت فاعترف بخطئك ، واعتذر منه ، فإن الاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون) .
…"والتوابون : هم الذين يعترفون بأخطائهم ، ويرجعون عنها ، ويتوبون إلى الله" .
5-…العدل وقول الحق :
أ-…كن عادلاً ولو بين أعدائك ، ولا تحملك العداوة لقوم على ظلمهم ، فالله تعالى يقول : {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .(7/15)
ب-…قل الحق ولو على نفسك ، أو أقاربك ، أو أصدقائك ، فقد أمر الله تعالى بذلك فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .
6-…الاستسلام لأوامر الدين :
…استسلم لأحكام الدين وأوامره ، فإن الإسلام مشتق من الاستسلام ، ولا تقس أحكام الدين برأيك وعقلك ، فإن العقد له حد ينتهي إليه ، وكثيراً ما يخطئ العقل ، ويعجز عن تفسير جميع أمور الدين ، لذلك قال علي رضي الله عنه : (لو كان الدين بالرأي لكان المسح عن أسفل الخف أولى من المسح على أعلا) .
…إن المسلم الحقيقي هو الذي ينفذ أوامر الشرع دون معرفة الأسباب التي خفيت عليه فهو كالجندي يطيع أمر قائده دون مناقشة ، لأنه يعلم أن قائده أعلم منه ، وعندما حرم الإسلام لحم الخنزير امتثل المسلمون للأمر ، ولم يسألوا عن السبب وبعد مضي أربعة عشر قرناً كشف الطب الحديث عن ضرره ، وعرفنا أن الله لم يحرم شئاً إلا لضرورة .
7-…العدل في الوصية :
…لا تحرم أحداً من الورثة حقه ، بل أرض بما فرض الله وقسم ، ولا تتأثر بالهوى والحب والميل أحد الورثة ، فتخصه بشئ دون الباقين :
…عن النعمان بن بشير قال : ( تصدق عليّ أبي ببعض ماله ، فقالت أمي -عمرة بن رواحة- لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا ، قال ، اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم) .
…وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم : فلا تشهدني اذاً ، فإني لا أشهد على جور) .(7/16)
…وكم أخطأ أشخاص كتبوا أموالهم لبعض ورثتهم ، فأصبح الحقد والبغض والحسد بين الورثة ، وذهبوا للمحاكم ، وأضاعوا أموالهم للمحامين بسبب هذا الخطأ .
8-…حقوق الجار :
…احذر أذى الجار قولاً أو فعلاً ، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاه فقال : ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن : الذي لا يأمن جاره بواتقه) .
…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) .
…لا ترم الأوساخ في طريق الناس ، ولا سيما أمام جيرانك كقشر الموز ، أو البطيخ وغيرها التي تؤذي المارة ، وأعرف رجلاً كسرت رجله بسبب قشرة موز ، وبقى ستة أشهر في الفراش .
حاول أن تزيل الأذى عن طريق الناس ولا سيما الجيران لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (وتميط الأذى عن الطريق صدقة) .
إذا أصيب جارك بمصيبة فراع شعوره ، وواسه في مصيبته ، وساعده لتخفيف حزنه ، ولا ترفع صوت المذياع عالياً ، ولا تسمح لأهلك وضيوفك برفع أصواتهم تأميناً لراحة الجيران ، ولا سيما إذا كان منهم المريض ، والمتعب الذي يحتاج كل منهما إلى النوم والراحة .
9-…الوفاء بالوعد :
…إذا وعدت إنساناً ولو طفلاً فأوف بوعدك في وقته المحدد ، ويتم البيع والشراء بمجرد الاتفاق والوعد ، ولا حاجة للعربون ، وهو دفع شئ من المال ضماناً للوفاء بالبيع ، فالمؤمن إذا قال صدق ، وإذا وعد وفّى ، وكل من أخلف بوعده ، فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين ، لقول الرسول صلى الله عليه ويلم : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان) .
10-…آداب عيادة المريض :
…لقد رغب الإسلام في عيادة المريض ، ولا سيما إذا كان المريض قريباً أو جاراً ، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(7/17)
…(إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ، قال : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) .
…ومن آداب عيادة المريض :
أ-…أن تكون الزيارة قصيرة ، حتى لا تزعج المريض ، فرما كان في حاجة إلى راحة أو نوم أو قضاء حاجة إلا إذا كان يأنس بك .
…ب-…أن لا تكثر الكلام عنده ، وأن لا تطلب منه قصة مرضه .
ج-…أن تدخل إلى قلب المريض الفرح والسرور ، وتزيد في أمله بالشفاء وأنه في تقدم .
د-…أن تقول للمريض : لا بأس عليك ، طهور ، وأن تدعو له بالشفاء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من عاد مريضاً لم يحضر أجله ، فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عافاه الله) .
11-…آداب النظر :
…إذا رأي إمرأة سافرة ، فغض بصرك عنها ، فإن العين تزني ، وزنا العينين النظر إلى ما حرم الله وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن الأول لك ، وليس لك الثانية) .
…وأعلم أن هذه النظرة لن تفيدك إلا حسرة وندامة : فإذا كنت متزوجاً ، ونظرت إلى امرأة أجمل من زوجتك ، فان نفسك تتغير مع زوجتك ، ويصيبك الهم والنزاع مع زوجتك وقد كنت قبل النظر مسروراً راضياً بزوجتك .
…وإذا كنت أعزباً ، فان نظرك إلى المرأة الأجنبية قد يحرك في نفسك الشهوة ، وربما ساقك الشيطان إلى ارتكاب الفاحشة ، لذلك أمر الله تعالى المؤمنين فقال :
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .
…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء) .(7/18)
12-…آداب النصيحة :
…لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( الدين النصيحة : قيل لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم) .
…ولكن النصيحة لها آداب يجب مراعاتها ، نأخذها من المربي الكبير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
أ-…فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( بينما نحن في المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا جاء أعرابي ، فقال يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرموه (1) دعون ، فتركوه حتى بال ، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له ، إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول والقذر ، إنما هي لذكر الله ، والصلاة وقراءة القرآن ، قال : وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء ، فسنه عليه) .
ب-…روي مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال : ( بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم ، فقلت ، يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ما شأنكم تنظرون اليّ؟ فجعلوا يضربون أيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبأبي وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني ، ثم قال : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ، وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) .
__________
(1) لا تقطعوا عليه بوله فتضلوه .(7/19)
13- من آداب الزيارة والاستئذان :
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} .
…عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الاستئناس : الاستئذان .
2-…هذه آداب شرعية أدب الله بها عباده المؤمنين وذلك في الاستئذان أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده ، ويبغي أن يستأذن ثلاث مرات فإن أذن له والا انصرف كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً فلم يؤذن له انصرف ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبدلله بن قيس يستأذن ، أئذنوا له ، فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثاً ولم يؤذن لي ، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا استأذن أحدكم ثلاثاً ولم يؤذن له فلينصرف) .
…فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة والا أوجعتك ضرباً ، فذهب إلى ملأ من الأنظار فذكر لهم ما قال عمر ، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا ، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق .
من فوائد الآيات والحديث :
1-…على الزائر أن لا يدخل البيت قبل أن يستأذن من أهلها ، ويجد قبولاً ورغبة في دخوله .
2-…على الزائر أن يبدأ من يزورهم بالتحية قائلاً :(7/20)
…السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لقوله تعالى : {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} .
3-…قال مجاهد : إذا دخلت المسجد فقل : السلام على رسول الله ، وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
…وزاد قتادة : أن الملائكة ترد عليه "انظر تفسير ابن كثير 3/305" .
…ولا فرق في لفظ السلام بين الرجال والنساء ، فالمرأة المسلمة تسلم على النساء وعلى أقاربها من الرجال المحرمين عليها كإخوتها وأولادهم ، والرجل يسلم على النساء المحرمات عليه .
4-…لا يجوز للمرأة الدخول إلى دار أحد دون إذن كما هي عادة بعض النساء ، فربما كان الرجل وحده في البيت ، فتقع الخلوة المحرمة ، وربما كان عرياناً أو نائماً مع أهله .
5-…احذر أن تعوِّد أهلك وأولادك الكذب فتوصيهم مثلاً أن يقولوا إذا دق الباب (غير موجود) وأنت في الدار ، والأجدر أن تعتذر عن الخروج إذا كنت مشغولاً ، فلذلك خير في الدنيا والآخرة .
…وعلى الزائر أن يقبل العذر لقول الله تعالى : {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} .
6-…لا يجوز للزائر أن يحد بصره إلى داخل الدار حين الاستئذان ، لأن الإذن من أجل النظر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ، فقد حل لهم أن يفقؤا عينه) .
…وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجه ، ولكنه من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول : ( السلام عليكم . السلام عليكم) .
7-…لا تدخل بيتاً لا يوجد فيه صاحبه ، أو أحد أولاده الراشدين من الذكور لقول الله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} .
…ولا عبرة بإذن المرأة الأجنبية كأخت الزوجة وابنة العم والخال والخالة ، وزوجة الأخ .(7/21)
8-…يجب الاستئذان قبل الدخول عند زيارة الأقارب كبيت عمك ، وأخيك ، وخالك ، حتى من السنة أن تستأذن على أخواتك : قال ابن جريح : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ، قال : ثلاث آيات جحدهن الناس ، قال الله تعالى :
…{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
…قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهن بيتاً ، والأدب كله قد جحده الناس : قال : قلت استأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال نعم ، فرددت عليه ليرخص لي فأبى ، فقال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قلت : لا ، قال فاستأذن ، أما زوجة الأخ والعمل والخال وأخت الزوجة ، فلا يجوز الخلوة مع إحداهن في بيت واحد ، ولا رؤيتها مكشوفة ، أو متزينة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار ، يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو : الموت) . (الحمو : أخو الزوج وقريبه) .
9-…إذا دخلت بيتك ، فسلم على أهلك ، وأعلمهم بصوتك قبل دخولك لقول جابر بن عبدالله : ( إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة) .
…وكان عبدالله بن مسعود إذا جاء من حاجة ، فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه) .
10-…عوّد أولادك منذ الصغر أن يستأذنوا عند دخولهم إلى دور غيرهم ولو كانوا من أقاربهم .
11-…يحسن أن تكون زيارتك قصيرة ، فربما كان صاحب المنزل على موعد أو كان مشغولاً ، قال الله تعالى يخاطب المؤمنين : {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} .(7/22)
12-…على الزائر الأعمى أن يستأذن كغيره حتى يحتجب النساء منه ، والخلوة به محرمة ، عن أم سلمة قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وميمونة ، فأقبل ابن أم مكتوم حتى دخل عليه ، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (احتجبا منه ، فقلنا يا رسول الله : أليس أعمى لا يبصرنا ولا تبصرة ؟ فقال : أفعمياوان أنتما ، ألا تبصرانه) .
13-…لا يجوز النظر إلى كتاب أخيك أو رسالته دون إذن منه ، فربما كان فيه سر .
متى يباح الدخول بدون استئذان ؟
1-…إذا عرض أمر مفاجئ شديد في دار كانقاذ أطفال وغيرهم ، أو مال من حريق ، فأدخل بدون استئذان .
2-…يجوز الدخول بدون إذن إلى الأماكن الآتية :-
…الفنادق ، والخانات التي ينزل بها المسافرون ، والبيوت المعدة للضيافة ، ودوائر الحكومة ، والدكاكين ، والمساجد ، وغيرها من الأماكن العامة ، قال الله تعالى : {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} .
الطريق الصحيح للاستئذان المشروع :
1-…إذا أردت زيارة أحد ، فعليك أن تدق الباب بلطف ، وأصبر واقفاً على يمين الباب حتى لا ترى داخل البيت حين فتح الباب ، فقد تخرج امرأة يحرم النظر إليها ، فان لم يرد أحد ، فدق الباب مرة ثانية ، وتمهل ، ثم مرة ثالثة يكون بعده الإذن .
…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع).
2-…يفضل الانتظار بين الدقة الأولى والثانية بمقدار ما ينتهي صاحب الدار من صلاته إن كان يصلي ، وأن لا تكون الدقات قوية متتابعة تسبب الخوف والانزعاج .(7/23)
3-…وإذا قيل لك من هذا ؟ فقل : "فلان" وأذكر اسمك الصريح وكنيتك حتى تعرف ، ولا تقل "أنا" فلا تعرف بها من أنت ، عن جابر رضي الله عنه قال : ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فدققت الباب ، فقال : من ذا ؟ فقلت : أنا ، فقال صلى الله عليه وسلم أنا ، أنا ، كأنه يكرهها) .
…قال ابن كثير : وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يُعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ، وإلا فكل واحد يعبر عن نفسه بأنا ، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان ، وهو الاستئناس المأمور فيه في الآية .
4-…لا تسمح لزوجتك وبناتك أن يفتحوا الباب ، أو يجيبوا الهاتف إذا كنت في البيت أو أحد صبيانك ، فإن لم يكن هناك أحد ، فلا بأس أن يرد النساء من وراء الباب لئلا يراهن الأجنبي ، ولارد يكون بكلمة (من؟) وأن يكون الصوت خشناً ليس فيه ليونة وخضوع ، لئلا يثير إعجاب السامع ، ويفتتن بالصوت لقول الله تعالى : {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} .
…ولا يجوز للمرأة أن تفتح الباب لترى من يدق الباب ، لأن الله تعالى يقول :{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .
استئذان الأولاد والخدم والأقارب :
قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(7/24)
قال ابن كثير : هذه الآيات اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض : فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت إيمانهم ، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم في ثلاثة أحوال :
1-…من قبل صلاة الغداة (الفجر) لأن الناس إذا ذاك يكونون نياماً في فرشهم .
2-…وقت القيلولة (من الظهيرة) لأن الإنسان قد يضع ثيابه مع أهله في تلك الحالة .
3-…ومن بعد صلاة العشاء ، لأنه وقت النوم ، فيؤمر الخدم الصغار والأطفال ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال ، لما يخشى أن يكون الرجل مع أهله ، أو نحو ذلك من الأحوال ، وإذا دخلوا في غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ، ولا عليهم إن رأوا شيئاً في غير تلك الأحوال .
4-…إذا بلغ الأطفال الحُلم (البلوغ) وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال .
أقول : على المربي والمربية أن يعلموا الأطفال والبالغين والخدم هذه الآداب الاجتماعية التي جاء بها الإسلام عند دخولهم لبيوت آبائهم وذلك حفاظاً على أخلاقهم ، حتى لا يروا من أهلهم مالا يجوز لهم رؤيته ، وحبذا لو قام المسئولون في الاعلام في البلاد الإسلامية بتعليم الأولاد هذه الآداب في التلفاز والمجلات ، فيحفظوا عليهم أخلاقهم ، ومن المؤسف أن نجد الولد يرى في التلفاز هذه المغريات ، والاختلاط والرقص والغناء ، وغير ذلك من المسلسلات الجنسية التي تفسد الأخلاق ، وتزيد في الانحراف ، وعلى الآباء والأمهات أن يشجعوا البنين والبنات على الزواج ، فلا يغالوا في المهور والتكاليف ، والحفلات ، والذبائح ، وغيرها من المصاريف التي تثقل عاتق الشباب فيرغبون عن الزواج الشرعي ، وربما طلبوا البغاء السري .
وعلى الأبناء من بنين وبنات أن يطالبوا الآباء بالزواج وتيسير المهور تشجيعاً للزواج الشرعي الذي يصرفهم عن المفاسد والمغريات ويحفظ لهم صحتهم ودينهم وشرفهم .(7/25)
من آداب المعلم والمعلمة :
يحسن بالمعلم والمعلمة أن يراعوا في الدرس ما يلي :-
1-…إلقاء السلام على الطلاب حين دخوله بلفظ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولا يجوز غيرها مثل ك صباح الخير ، لعدم ورودها في الشرع ، وبعد تحية الإسلام يجوز أن يقال هذا وغيره ، وعلى المعلم أن يوجه نظر الطلاب إلى رد السلام بلفظ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
وألا يسمح للمعلم والمعلمة بقيام الطلاب والطالبات عند دخول الدرس للنهي المتقدم في رسالة المعلم وواجبه .
2-…إقبال المعلم والمعلمة على الطلبة بوجه مبتسم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة) .
3-…بدء الدرس بخطة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بها كلامه ونصها :
…إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد ... إلى آخر الخطبة .
4-…استعمال الكلام الطيب مع الطلاب : فيقول للطالب المحسن : أحسنت ، بارك الله فيك ويقول للطالب المخطئ أصلحك الله وهداك ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (الكلمة الطيبة صدقة) .
5-…اجتناب الكلام الذي فيه تجريح أو استهزاء ، لأن الطلاب يتعلمون من المعلم الكلام الطيب ، والكلام السئ .
6-…تنبيه الطلبة النائمين أو المتشاغلين بغير دروسهم ، أو الذين يتكلمون في الدرس مع بعضهم ، وغير ذلك .
7-…تنظيم الأسئلة في الدروس ، فلا يسمح للطالب بالسؤال قبل طلب الإذن ، ولا يجاب عن سؤاله .
8-…مراعاة المعلمين والمعلمات الآداب الإسلامية ليتعلمها الطلاب والطالبات ، فإذا عطس المعلم فليحمد الله وليقل له من بجانبه : يرحمك الله ، فيجيب العاطس : يهديكم الله ويصلح بالكم ، وإذا تثاءب المعلم فليضع يده اليسرى على فمه ، ولا يقل : (ها ، ها ) فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال :(7/26)
…(إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ، فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب) .
9-…على المعلمين والمعلمات أن يراعوا النظافة في لباسهم ، وأن يظهروا أمام الطلاب بمظهر جميل بدون تكبر عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قيل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنة ، قال إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر : بطر الحق وغمط الناس) .
10-…على المدرسين والمدرسات إذا كانوا في مدرسة مختلطة ، فيها الذكور والإناث من المعلمين والطلبة ، وهو مخالف لتعالي الإسلام كما هو معلوم ، عليهم أن يضعوا الطلاب أمامهم ، ومن ورائهم الطالبات ، تجنباً لحدوث المشاكل ، وعلى المدرسين أن ينبهوا الطلاب على عدم الاختلاط بالطالبات ، فلا يجوز الكلام معهن إلا بقصد النصيحة وبدون خلوة ومن وراء حجاب ، وعلى المدرسات ألا يختلطن بالمدرسين ، وأن يجلسن في مكان منعزل حفاظاً على شرفهن وعفافهن من الاختلاط ، وكان من واجب وزارة التربية أن تفصل مدارس البنين والبنت عملاً بتعاليم الإسلام ، وقد طبقت السعودية الفصل فنجحت وأنشأت رئاسة تعليم البنات ، للإشراف على تعليم الطالبات في جميع المراحل ، فحفظت الطالبات من مشاكل الطلاب بالفصل بينهما ، وما مثل المدارس المختلطة إلا كما قيل :
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له …إياك إياك أن تبتل بالماء
من آداب الطلاب والطالبات :
على الطلاب والطالبات مراعاة الآداب الآتية في الدرس :
1-…احترام المعلم والمعلمة ، لأنهما يعلمان الطلبة ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، وهما أكبر سناً ، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بتوقيرهما واحترامهما فقال : (ليس منا من يبجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه ) .
2-…الإنصات إلى ما يلقيه المعلم والمعلمة ، والمدرس والمدرسة للاستفادة من الدرس .
3-…عدم التكلم في الدرس إلا بإذن ، حتى يبقى الدرس هادئاً ، ليس فيه فوضى .(7/27)
4-…الاستئذان في الأسئلة ، وعدم الإكثار منها ، حفاظاً على وقت الدرس ، وعدم ضياعه .
5-…امتثال أمر المعلم والمعلمة ، وقبول التوجيه والنصيحة منهما ، ما لم يأمرا بمعصية الله .
6-…عدم الاشتغال بغير مادة الدرس للاستفادة منه .
7-…الانتباه التام لما يلقيه المدرس ، وعدم النوم في الدرس .
8-…تسجيل النقاط الهامة في الدرس على دفتر خاص لمراجعتها وحفظها .
9-…إذا دخل طالب متأخر الدرس فعليه أن يستأذن قبل دخوله ، ثم يسلم على إخوانه .
10-…على الطلاب والطالبات إذا كانوا في مدرسة مختلطة ، فيها من المدرسون والمدرسات ، وهذا مخالف للفطرة وتعاليم الإسلام الذي يحفظ شرف البنت من الاختلاط بالبنين ، وهذا من المؤسف أمر واقع في كثير من بلاد المسلمين ـ أقول على الطلاب أن لا يختلطوا بالطالبات ، ولا يخرجوا معهن ، ولا يسمعوهن الكلام البذئ ، وليبتعدوا عنهن ، ولو سألنا طالباً هل تحب أن ينظر الطلاب إلى أختك ، ويمزحوا معها ، أو يكلموها كلاماً مشبوهاً لرفض ذلك وقال : لا أرضى أن يقولوا لها ، وكذلك لا يحبه الطلاب لأخواتهن .
…وعلى الطالبات أن يلتزمن الحجاب الشرعي والوقار ، ويبتعدن عن الطلاب لئلا يسمعن من الطلاب ما يسئ إلى شرفهن وسمعتهن ، ويؤثر ذلك على الفتاة حين تخطب للزواج .
11-…كذلك على الطالبات أن يحتجبن من الطلاب ، فلا يجو أن تكشف شعرها وصدرها أو وجهها ، ولا سيما في المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية ، ولا يجوز لها وضع الأصباغ والزينة والكحل والعطر وغيرها ، وهذا يكون للزوج وفي البيت ، وأما العطر لهو يحرم على النساء جميعاً عند خروجهن من البيت لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة استعطرت ، ثم خرجت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية) .(7/28)
…كذلك لا يجوز للطالبات مصافحة الطلاب والرجال الأجانب ليحافظن على سمعتهن وشرفهن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) .
المعلم المسلم داعية :
على المعلم المسلم أن يكون داعية بين إخوانه المعلمين ، فينصحهم ويرشدهم ويدعوهم إلى التمسك بالإسلام والعمل والأخلاق الحميدة ، والقدوة الحسنة بأسلوب حكيم ، عملاً بقول الله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
وقوله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
والجدال في هذه الآية يشمل المسلمين وغير المسلمين .
وإذا وجد في المدرسين بعض المعلمين والطلاب من غير المسلمين ، فلنعاملهم بالحسنى وندعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال الحسن عملاً بقول الله تعالى : {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
وتطبيقاً لهذه المبادئ القرآنية السامية فإليك هذه القصص الواقعية :(7/29)
1-…كنت قديماً في سورية معلماً ، وكان في المدرسة معلم نصراني اسمه ( جودت ) فناقشته بلطف وقلت له : هل توافق معي في أن الأنبياء كلهم إخوة ؟ قال نعم ، قلت له : إن المسلم يؤمن بعيسى عليه السلام ، وأمه مريم لها سورة باسمها في القرآن الكريم ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن عيسى رسول الله ، فقال لي : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقلت له : الآن أصبحت أخاً لنا في الإسلام ، وق زاد إيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى إيمانك بعيسى عليه السلام .
2-…كنت اُعلِم في مدرسة فيها طالب نصراني ، فكنت أذكر له بعض القصص عن عيسى عليه السلام وأمه مريم التي جاءت في القرآن الكريم ، فأحبني وبدأ يداوم على الحضور في درس الديانة ، وله الحق في الخروج من الدرس لأنه غير مسلم ، فكان يحفظ درس القرآن قبل طلاب المسلمين ، وكنت أشجعه على ذلك ، حتى شعر به أبوه فمنعه من حضور درس التربية الإسلامية تعصباً منه وظلماً .
3-…كان طالب نصراني يدرس مع طلاب مسلمين ، وكنت أدرسهم التربية الإسلامية ، وكان يلازم الدرس ويحبه لما يسمعه من قصص عيسى ومريم واحترام المسلمين لهم ، ويسألني أسئلة متعددة .
4-…إن واجب كل مسلم إذا وجد معه من غير المسلمين أن يحسن معاملته معهم ليريهم محاسن الإسلام ، ثم يدعوهم إلى الإسلام ، وقد رأيت عاملاً من الدروز في الفندق ، فدعوته للصلاة فاعتذر لجهله ، فعلمته الوضوء والصلاة ، فبدأ يداوم عليها في المسجد ، ويسمع الدروس في المسجد ، وكان يقرع عليّ باب الغرفة لصلاة الجماعة .
5-…على المربي أن يكون عالماً بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلمها طلابه ، لأن أهميتها عظيمة لهم .(7/30)
كيف قامت الدولة الإسلامية في عهد النبوة :
1-…البدء بالدعوة : بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ، فآمن به نفر قليل ، ثم ازداد عددهم .
2-…تكوين الجماعة : لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون جماعة في مكة ، وقد ربى هذه الجماعة على التوحيد ، الذي يتمثل في كلمة ( لا إله إلا الله) ومعناها (لا معبود بحق إلا الله) لأن المعبودات الباطلة كثيرة ، والمعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى ، والدليل قوله عز وجل : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم على نوع مهم من أنواع العبادة فقال : (الدعاء هو العبادة) ، وقد تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع البلاء مع جماعتيه مما لقيه من المشركين في مكة وأمرهم بالصبر حتى النصر .
3-…توسيع الجماعة : بعد أن كون الجماعة المسلمة في مكة ، بدأ يبحث عن جماعة أخرى في المدينة ، فاتصل بهم أيام الحج ، ودعاهم إلى الإسلام ، وبايعوه في بيعة العقبة الأولى ثم الثانية .
4-…الاهتمام بالتوحيد : وكان اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ظاهراً حينما أرسل معاذاً إلى اليمن وقال له : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وفي رواية : إلى أن يوحدوا الله) .
…وكان من أراد إقامة الدولة الإسلامية ، فعليه أن يبدأ بعقيدة التوحيد أسوة بالرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، ومن خالف هذه الطريقة فسيكون مصيره الفشل ، لأنه خالف الطريقة النبوية في إقامة الدولة الإسلامية ولا بد من إقامة الدولة في القلوب ، وأساسها العقيدة ، حتى تقوم على الأرض .
وقد قال أحد الدعاة المعاصرين .
أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم .
وعلينا أن نطبق تعاليم الإسلام ، وأهمها التوحيد ، على أنفسنا وأهلينا وجماعتنا حتى يكتب لنا النصر .
س:…البعض يقول أن الإسلام سيعود من قبل الحاكمية ، والبعض الآخر يقول سيعود عن طريق تصحيح العقيدة ، والتربية الجماعية ، فأيهما أصح ؟ .(7/31)
ج:…أجاب الداعية الكبير محمد قطب على هذا في محاضرة ألقاها في دار الحديث المكية بمكة المكرمة فقال :
…من أين تأتي حاكمية هذا الدين في الأرض إن لم يكن دعاة يصححون العقيدة ، ويؤمنون إيماناً صحيحاً ، ويبتلون في دينهم فيصبرون ، ويجاهدون في سبيل الله ، فيحكم دين الله في الأرض .
قضية واضحة جداً ، ما يأتي الحاكم من السماء ، ما ينزل من السماء ، وكل شئ يأتي من السماء ، لكن بجهد من البشر فرضه الله على البشر قال الله تعالى : {وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} .
5-…المجتمع الصالح : لقد هيأ النبي صلى الله عليه وسلم البيئة الصالحة في المدينة قبل الهجرة ، ولما هاجر إليها تكون المجتمع المسلم من المهاجرين والأنصار على أساس التوحيد والمحبة ، ونشأت الدولة الإسلامية التي يحكمها الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة .
…ثم جاء الخلفاء الراشدون فساروا على طريقه ، وفتحوا البلاد وأوصلوا لنا الدين كاملاً ، وكان النصر حليفهم .
منهاج الدعوة السلفية :
1-…هناك جماعات إسلامية كثيرة تدعوا إلى الإسلام والحكم بشريعة الله والسعي لإقامة الدولة الإسلامية كما كانت في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ليعيدوا للمسلمين عزهم ومجدهم وقوتهم .
…والرسول صلى الله عليه وسلم دعا المسلمين وأمرهم أن يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم ، وقام صحابته من بعده وهم السلف الصالح من هذه الأمة ، فنفذوا كلام قائدهم ، وفتحوا البلاد حتى أوصلوا لنا هذا الدين كاملاً ، ونصرهم الله نصراً مؤزراً .
2-…الواجب على المسلمين أن يسيروا على طريق السلف الصالح : الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، حتى ينصرهم الله ، وكل جماعة تدعوا إلى التمسك بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً ، فهي الطائفة المنصورة ، والجماعة السلفية ، وهم أهل السنة والجماعة ، وهم الفرقة الناجية .(7/32)
3-…الجماعة السلفية : هي أقرب الجماعات إلى تطبيق القرآن والسنة ، والاهتمام بعقيدة التوحيد التي اهتم بها القرآن ، وركز عليها ، وأمر المسلمين أن يكرروها في جميع ركعات صلاتهم : وهي قول الله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
4-…السلفيون يتمسكون بالسنة ، ويميزون بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة فيأمرون بالأخذ بالأحاديث الصحيحة ، وترك الأحاديث الضعيفة والموضوعة عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من قال عليّ ما لم أقل فليتبواً مقعده من النار) .
والسلفيون : ينتسبون إلى السلف الصالح ، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده ، ولا ينتسبون لغيرهم ، ومن أصول دعوتهم :
…أ-…فهم الكتاب والسنة حسب فهم السلف الصالح (الصحابة والتابعون) .
ب-…إذا صح النقل شهد العقد .
…ج-…سمعنا وأطعنا حب النبي صلى الله عليه وسلم قولاً ، واتباعه عملاً .
…د-…ديننا دين إتباع لا دين ابتداع .
هـ-…الأصل في العقيدة والعبادة التوقف حتى يأتي الدليل ، وفي المعاملات والمأكولات الإباحة حتى يأتي التحريم .
5-…كل من سار على منهج الكتاب والسنة والصحابة كان سلفياً - نسبة للسلف الصالح وهم الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون رضوان الله عليهم أجمعين ، وهم أهل السنة والجماعة .
…وقد سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز عن الفرقة الناجية فقال : هم السلفيون : وكل من سار على منهج السلف الصالح من أي جماعة كانت .
نصيحة عامة :
1-…على المسلمين جميعاً ، والمربيين والدعاة والجماعات الإسلامية أن يقتدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فيبدأون بالدعوة إلى التوحيد لتكثير الجماعة الإسلامية ، ثم ليجدوا البيئة الصالحة ، حتى يتقوى المجتمع المسلم الصالح ، فإذا توفرت الشروط خرج الحاكم المسلم العادل الذي يحكم بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتحقق للمسلمين عزهم ونصرهم .(7/33)
2-…الواجب على المسلمين عامة ، والدعاة منهم خاصة أن يطبقوا حكم الإسلام على أنفسهم وأهليهم قبل أن يطالبوا الحكام بتطبيقه ، حتى يكتب لهم النجاح ، فقد رأينا بعض الجماعات الإسلامية لا يطبقون الإسلام في معاملاتهم مع الناس ، بل لا يقبل بالحكم إذا حكم عليه ، وهذا ما حصل من بعض الأفراد .
3-…إن السعي للحكم بما أنزل الله واجب على كل مسلم ، ويكون بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقول الله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
4-…لا يجوز استعمال العنف والمظاهرات للمطالبة بحكم الشريعة الإسلامية ، لأنها ليست إسلامية ، ولا تحقق المطلوب ، بل قد يحصل معها أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع ، والجماعات الإسلامية ، وهذا ما حصل في بعض البلاد العربية والإسلامية ومن الغريب جداً ، بل من المؤسف أن تخرج مظاهرة نسائية في بلد عربي مسلم يطالبن بتطبيق القرآن والحجاب الشرعي ، وما جرين أنهن خالفن القرآن الذي يأمرهن بعدم الخروج ، قال الله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي الزمن بيوتكن ولا تخرجن .
5-…والآية التي يستدل بها بعضهم على تكفير المسلمين : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
…قال ابن عباس : من أقر به فهو ظالم فاسق ، واختاره ابن جرير ، وقال عطاء : كفر دون كفر ( أي كفر أصغر غير مخرج من الإسلام) .
أ-…فالحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله وهو معترف به فهو ظالم فاسق يجب نصحه برفقه ، والدعاء له بالصلاح .(7/34)
ب-…وأما الحاكم الذي جحد حكم الله ، أو استبدل به قانوناً وضعياً يعتقد أنه أصلح ، فهو كافر مرتد عن الإسلام ، وهذا أيضاً يجب نصحه برفق عملاً بقول الله تعالى لموسى وهارون أن ينصحا فرعون الكافر الذي ادعى الربوبية : {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .
6-…على الدعاة أن يتريثوا في إقامة الحكم الإسلامي ، ويصبروا على ما يصيبهم من أذى أسوة بالرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وأن يستمروا في الدعوة إلى توحيد الله في العبادة والدعاء والحكم ، والجهاد في سبيل الله ، والتربية الإسلامية ، لإيجاد المجتمع الصالح الذي يحكم بكتاب الله وسنة رسوله في جميع شئون الحياة .
النشاط المدرسي :
النشاط المدرسي له فوائد عظيمة للطلاب ، وله أنواع عديدة :
1-…الكلمة الطيبة :
…يفضل اجتماع الطلاب صباحاً قبل دخولهم للدرس ، فيلقي عليهم المدرس أو أحد الطلبة شيئاً من آيات القرآن والحديث النبوي ، وتفسير مبسط للقرآن والحديث .
2-…القصة :
…إن الطلاب يحبون القصص فعلى المعلم والمعلمة الإكثار منها في حديث الصباح ، وأثناء الدرس ، وفي الرحلات المدرسية ، وغيرها ، ولا سيما القصة التي تبث العقيدة السليمة في نفوس الطلاب ، وسأذكر بعض القصص النافعة التي وردت في السنة المطهرة :
…عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال :
…( .... وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَل أُحد والجوانية ، فاطلعت ذات يوم ، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها ، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون ، لكني صككتها صكة ( ضربتها ولطمتها) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليّ ، قلت يا رسول الله ، أو لا أعتقها ؟ قال : (أئتني بها ، فقال لها : أين الله ؟ قالت في السماء ، قال من أنا ؟ قالت أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة) .(7/35)
من فوائد القصة :
أ-…كان الصحابة يرجعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مشكلة ليعلموا حكم الله ورسوله فيها .
ب-…الرضا بحكم الله ورسوله لقول الله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} .
ج-…وجوب السؤال عن التوحيد ، ومنه علو الله على خلقه ، وأنه واجب .
د-…إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابي معاوية ضربه للجارية وتعظيمه لذلك الأمر (فلينتبه المربون) .
هـ-…مشروعية السؤال بأين الله ، حيث سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الجارين : أين الله ؟ .
و-…مشروعية الجواب بأن الله في السماء ( أي على السماء) لإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم جواب الجارية .
ز-…اعتقاد أن الله في السماء دليل على صحة الإيمان ، وهو واجب على كل مسلم ، وقد ذكره الله تعالى في كتابه فقال : {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}.
…قال ابن عباس : هو الله .
ح-…صحة الإيمان تكون بالشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله .
ط-…خطأ من يقول : إن الله في كل مكان بذاته ، والصواب أن الله في السماء ، ومعنا بعلمه يسمعنا ويرانا .
ي-…طلب الرسول صلى الله عليه وسلم للاختبار دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، كما يزعم الصوفية .
ك-…العتق يكون لمؤمن لا لكافر ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اختبرها ، ولما علم بإيمانها أمر بإعتاقها .
3-…مجلة الحائط :
…ومن النشاط المدرسي المفيد وجود مجلة الحائط في مكان بارز في المدرسة يُسجل فيها بعض الحكم ، والأمثال ، والأخبار ، والمسابقات ، وأوقات الاختبار ، وغير ذلك .(7/36)
…ويشترك في إعداد هذه المجلة الطلاب باشراف المدرس ، وينتقي بعض الطلبة الذين يجيدون الخط ، ليكتب حكمة اليوم أو الأسبوع ، آية من القرآن ، أو حديثاً نبوياً ، أو بيتاً من الشعر يحتوي على خلق عظيم ، أو فائدة تربوية كقول الشاعر :
…والأم مدرسة إذا أعددتها ……أعددت شعباً طيب الأعراق . …
…وقول الشاعر :
…الله أسأل أن يُفرج كربنا……فالكربُ لا يمحوه إلا الله
4-…المسابقات الدينية والترفيهية :
…المسابقات لها دور كبير في نشاط أذهان الطلاب ، وذلك حينما يوجه المدرس أسئلة للطلاب في مواضيع متنوعة ، ويحاول كل طالب أن يجيب عليها .
…ويحسن بالمعلم أن يقدم المكافآت المعنوية والمادية للمتسابقين لتشجيعهم .
5-…الرحلات المدرسية والزيارات :
…على المدرسة أن تنظم زيارات للطلاب يزورون فيها المساجد ، والمزارع ، والمقابر ، والمصانع ، والمدارس المجاورة ، ليتم التعارف بين المدرسين والطلاب ، وتقوم المدرسة برحلات للقرى المجاورة ، أو الذهاب إلى مكان فيه نهر أو بحر ليتعلم الطلاب السباحة ، وهي مهمة لهم جداً .
6-…زيارة الآباء والأمهات :
…على المدرسة أن تدعو الآباء لزيارة المدرسة للتعاون على تربية الأولاد ، وكذلك تدعو الأمهات لزيارة مدرسة البنات للتعرف على حل المشاكل التي قد تحدث ، ومن المهم جداً أن يتحد موقع الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات نحو الطلاب والطالبات ، فلا يكون تعارضاً في موقف البيت والمدرسة ، وكل هذا يؤثر في حياة الأولاد وسلوكهم ، فعلى الآباء والأمهات إذا رأوا تصرفاً من المدرس أو المدرسة لم يعجبهم ، فلا يظهروا ذلك أمام أولادهم ، ولهم أن يراجعوا المدرسة بدون حضور أولادهم ، حتى يبقى للمدرسين والمدرسات احترام في نظر الطلاب والطالبات ، وليعلم الجميع أن كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، كما جاء في الحديث الصحيح .(7/37)
المسابقات في المدرسة :
يحسن بالمدرسين والمدرسات إيجاد مسابقات علمية للطلاب والطالبات فإن المسابقات تزيد من نشاط الطلاب والطالبات ، وتزيد في قدرتهم على التفكير والحفظ ، فتتفتق أذهانهم بالمعلومات ، ويشعرون بالسرور والفرح .
وللمسابقات أنواع كثيرة ، فعلى المدرس أن يقدم الأهم على المهم :
1-…حفظ القرآن الكريم :
…يستطيع المعلم والمعلمة أن يكلفوا الطلاب والطالبات بحفظ سور من القرآن ، أو جزء منه ، ثم تُجرى مسابقة بين كل طالبين أو أكثر ، وتُعطى العلامة الجيدة أو الجائزة للفائز من المتسابقين ، ويمكن توسيع المسابقة بين فصلين أو مدرستين ، أو بين بلاد متنوعة كما تفعل المملكة العربية السعودية في وسائل الإعلام .
أ-…برنامج إذاعي عنوانه ( ناشئ في رحاب القرآن) يُعرض في التلفاز طفل يحفظ شيئاً من كتاب الله ، وهذا يشجع الأطفال على حفظ القرآن بالإضافة إلى المكافآت التي تُقدم لهم .
ب-…مسابقة عالمية تقوم بها وزارة الحج والأوقاف لحفظ كتاب الله وتفسيره وتجويده سنوياً ، وتشجيعهم بالمكافآت المادية والمعنوية ، وبيان الأجر العظيم الذي ينالونه من حفظ القرآن .
ج-…برنامج باسم ( أبناء الإسلام) وهو برنامج إسلامي ناجح تقوم به رابطة العالم الإسلامي .
2-…حفظ الحديث الشريف :
…على المعلم والمعلمة إجراء مسابقات في حفظ الأحاديث النبوية ، لأنها مهمة جداً فهي المصدر الثاني في التشريع بعد القرآن الكريم ، وتفيد الطلاب في الدين والدنيا .
3-…اللغة العربية :
…على المربي والمربية أن يتكلموا مع طلابهم باللغة العربية ويشجعونهم على ذلك ويجروا لهم مسابقات في التحدث باللغة العربية مع زملائهم ومعلميهم ، وتشجيع الفائز الذي يجيد الكلام بالعربي ، ولا يتكلم بالعامية ، كما يفعل العوام .
4-…حفظ الشعر :(7/38)
…علينا أن نشجع الطلاب والطالبات على حفظ أبيات من الشعر ذات المعاني الجميلة التي تدعو إلى التوحيد والجهاد ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق مع صحابته ، ويتمثل بقول ابن رواحه .
والله لولا الله ما اهتدينا ... *** ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... *** ... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... *** ... إذ ارادوا فتنة أبينا
…(يرفع بها صوته أبينا أبينا)
كيف نُدرس القرآن الكريم :
1-…يكتب المدرس السورة أو الآيات المراد حفظها على السبورة أو على ورقة يعلقها على الجدار بخط واضح مع التشكيل أو في المصحف .
2-…يقرأ المدرس النص القرآني بصوت واضح مع الترتيل وتحسين الصوت ، ويقطع القراءة ، لحديث أم سلمة لما سئلت عن قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
…قالت : كان صلى الله عليه وسلم يُقَطِع قراءته آية آية :
…بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين)
3-…لا بأس أن يردد الطلاب مع المدرس الآية إذا كانوا صغاراً ليتعودوا النطق الصحيح ، وإن كانوا كباراً فلا يحتاجون لذلك .
4-…يعطي الطلاب مهلة لحفظ النص وقراءته سراً لئلا يشوش الطلاب بعضهم على بعض لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال : ( لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) .
5-…لا يجوز السرعة في قراءة القرآن لقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( لا تنشروه نشر الرمل ، ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة) .
…(الهذ : الإسراع في القراءة)
6-…ألا يسمح المدرس للطلاب بقول ك ( صدق الله العظيم) لعدم وجود دليل شرعي عليها ، ولأن القرآن عبادة لا يجوز إدخال شئ زائد عليها ، ولئلا يظنها الطلاب أنها من القرآن .(7/39)
الرياضة البدنية :
تهتم المدارس بالرياضة البدنية اهتماماً كبيراً ، وتخصص للرياضة مدرساً ومعلماً خاصاً ، وعلى المدرب الرياضي أن يبين لطلابه ، وكذلك المدربة الرياضية أن تبين للطالبات أن الإسلام كما يهتم بالتربية الدينية ، فيهتم أيضاً بالتربية البدنية ليجعل المسلم قوياً في دينه وبدنه عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ، ولا تعجز ، فإن أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت ....كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان) .
ولأن المؤمن القوي في جسمه أقوى وأنشط على أداء العبادات البدنية كالصلاة والصيام والحج والجهاد وغيرها ، لذلك يحسن للمدرب الرياضي الناجح أن يبين للطلاب فوئد العبادات البدنية وربطها بتقوية الجسم :
1-…الصلاة :
…هي عبادة ، ولكنها لا تخلوا من فوائد للبدن ، فالقيام والركوع والسجود رياضة مقوية للجسم .
2-…الصيام :
…عبادة قد أثبت الأطباء فوائد له ، فهو يقوي المعدة وجهاز الهضم وينشط الكبد وغيرها من الفوائد العظيمة .
3-…الحج :
…عبادة ، وفيه أنواع الرياضة المفيدة :
أ-…الغسل قبل الإحرام بالحج : وفيه نشاط للدورة الدموية ، ونظافة للجسم تشمل نظافة الجلد والشعر ، كما أنه أوجب الغسل للجنابة ويوم الجمعة ، وأوجب الوضوء للصلاة ، وكلها أعمال رياضية مفيدة للجسم .
ب-…الطواف : عبادة وفيه السير والرمل : وهو الإسراع بخطى قصيرة ، وقد أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ليرى المشركون قوة المسلمين .
ج-…السعي : عبادة وفيه السير مسافة طويلة ، مع الهرولة بين الميلين ، والصعود إلى جبل الصفا والمروة ، وفيه رياضة .
د-…الانتقال من المشاعر من منى إلى عرفات ، والرجوع إلى مزدلفة ، والمبيت في منى لرمي الجمرات عدة أيام .(7/40)
هـ-…رمي الجمار : عبادة ، وفيه فوائد عظيمة للجسم ، وفوائد عسكرية لتعليم الرمي ، فإن الله تعالى أمر بالمؤمنين به فقال : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} .
…وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي فقال : ( ألا إن القوة الرمي ، ألا أن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي) .
…وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعلم الرمي فقال : (من علم الرمي ثم نسيه فليس منا أو قد عصى) .
…ولا يزال الرمي إلى يومنا هذا له مكانته ، فالطيارة والصاروخ والمدافع تحتاج إلى معرفة الرمي .
4-…الخيل :
…كانت في زمن الإسلام من لوازم الجهاد ، وما زالت بعض الدول تجري سباقاً بالخيل ، وتشجع على الفروسية لما لها من فوئد رياضية للجسم ، حتى بعض الدول الأجنبية تعتني بالفروسية .
5-…السباق :
…هذا نوع جميل من الرياضة يفيد الجسم ، وقد سابق الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة ، فسبقته ثم سبقها .
الخلاصة :
على المدرس الناجح ولا سيما المختص بالرياضة أن يبين للطلاب أنواع الرياضة التي جاء بها الإسلام وألا يضيعوا أكثر الأوقات في لعب الكرة ، ولا سيما إذا سببت إضاعة الصلاة ، وأورثت العداوة والشحناء ، وقد رأيت في مستشفى النور بمكة شاباً مصاباً في ساقه بمرض عضال ، ولما سألته عن السبب أجاب أن أحد اللاعبين حينما رآه انتصر عليه رمى بنفسه على ساقه فكُسرت وحُمل إلى المستشفى ، وتعذر برؤها .
الطرف التربوية الناجحة :
على المعلم والمعلمة أن يسلكوا طرق التربية الناجحة التي جاء بها القرآن الكريم وجاءت بها السنة المطهرة لتربية جيل مسلم مهذب شجاع يدافع عن دينه وأمته :
1-…الخوف والرجاء :(7/41)
…على المدرسين والمدرسات أن يغرسوا في نفوس طلابهم الخوف من الله تعالى ، لأنه شديد العقاب على العاصين لأمره ، التاركين لفرائضه ، فقد توعد العصاة بالنار المحرقة يوم القيامة ، وهي أشد حرارة من نار الدنيا بكثير .
…وبالمقابل فإن الله تعالى وعد المؤمنين والطائعين المؤدين حقوق الله بالجنة الواسعة التي بها الأنهار والأشجار والثمار والحور العين وغيرها من أنواع النعيم المقيم ، ولدليل على طريقة الجمع بين الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة آيات وأحاديث :
…أ-…قال الله تعالى : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} .
…وقوله تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}.
…ففي هذه الآية يأمر الله تعالى عباده أن يدعوه - والدعاء من العبادة - خوفاً من ناره ، وطمعاً في جنته ، ليكون المسلم بين الخوف والرجاء ، فيستقيم سلوك الطالب ويصلح حاله .
…ب-…وفي الحديث : ( اللهم أني أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار) .
…وهذه الآيات ، وهذا الحديث رد على الصوفية القائلين بأنهم يعبدون الله لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ، وكأنهم لم يسمعوا القرآن والحديث الذي تقدم ذكرهما .
2-…القصص الهادف :
…القصة لها تأثير على النفس ، فعلى المربين والمربيات أن يكثروا من القصص النافعة ، وهي كثيرة في القرآن الكريم ، وفي السنة المطهرة .
أ-…قصة أصحاب الكهف : تهدف إلى إنشاء جيل مؤمن بالله ، يحب التوحيد ، ويكره الشرك .
ب-…قصة عيسى عليه السلام : وتهدف إلى اعترافه بأنه عبدالله ، وليس هو ابن الله كما زعمت النصارى .
ج-…قصة يوسف عليه السلام : ومن أهدافها التحذير من اختلاط الرجال والنساء لما له من عواقب وخيمة .(7/42)
د-…قصة يونس عليه السلام : وتهدف إلى الاستعانة بالله وحده ، ولا سيما حين نزول المصائب .
هـ-…قصة أصحاب الغار : قصها الرسول صلى الله ليه وسلم على أصحابه ، ليعلمهم التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة كرضاء الوالدين ، وأداء الحقوق لأصحابها ، وترك الزنى خوفاً من الله .
……والسنة مليئة بالقصص النافعة .
الخلاصة :
على المربين جميعاً أن يكثروا من القصص النافع لطلابهم ، فهو خير عون لهم على تربية الأجيال ، وليحذروا القصص السيئ الذي يشجع على اقتراف السرقات والفواحش والانحراف في السلوك .
المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد :
إن صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال وعلى المدرس والأب أن يشجع الطلاب والأولاد على الصلاة في المسجد ليعتادوها عند الكبر ، ويسهل عليهم الذهاب إلى المسجد ومن هذا التشجيع المجرب المفيد أن يرسم المدرس الجدول الآتي على السبورة ليكتبه الطلاب في دفاترهم ، ويذهبون إلى صلاة الجماعة في المسجد ، ويكتب الإمام أو المؤذن اسمه ويوقع ، ثم يأتي الطالب بالجدول يومياً إلى المدرس ليوقع عليه في المكان المخصص له ليضع العلامة الجيدة للطالب المثالي في السلوك والتربية الإسلامية ويقدم له الهدايا والجوائز .
اسم الطالب : ____________________________
اسم المسجد الذي يصلي فيه : _________________
الأيام ... الصبح ... الظهر ... العصر ... المغرب ... العشاء ... توقيع المدرس
السبت ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الأحد ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الاثنين ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الثلاثاء ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الأربعاء ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الخميس ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
الجمعة ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام ... الإمام
* الطالبة تصلي في البيت ، ويوقع وليها بدلاً من الإمام وتقدمها لمدرستها .(7/43)
التحذير من الأمور الضارة :
1-…العادات السيئة :
…على المعلم الناجح في التربية والتعليم أن يصرف طلابه عن العادات السيئة كالكتابة باليسار ، والانحناء وقت الكتابة ، وإلقاء الأوراق على الأرض ، وقلع الورق من الدفاتر وتلويثها بالحبر ، والكتابة بخط ردئ ، والكلام البذئ ، والسب واللعن ، وغير ذلك من العادات السيئة ، وأخطر عادة هي عادة التدخين التي تفشت بين الطلاب بشكل ينذر بالخطر ، وعلى المربين والمعلمين أن يحذروا طلابهم بشتى الأساليب والطرق ، ويجدر بالمعلم أن يشرع لهم أضرار التدخين حتى يكرههم فيه ، فيبين لهم أن الدخان يجلب الرائحة الكريهة ، ويسبب اصفرار أسنان المدخن ، وأصابعه ، وتراكم مادتي النيكوتين والقطران التي يحتوي عليها في الرئتين حيث يسبب ذلك في الموت العاجل ، وأن هذا قتل للنفس التي حرم الله ، ولا بأس أن ينقل لطلابه ما أذاعته لجنة الأطباء العالمية من أن الدخان يورث سرطان الرئة والدم والبلعوم وغيرها من الأمراض الخطيرة .
وأما من ابتلى من المعلمين بهذا السم وتعاطيه فعليه أن لا يدخن أمام تلامذته ولا الناس عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ، والواجب أن ينقطع عن التدخين مطلقاً .
وللمعلم أن يبين لطلبته كذلك أن المدخن يؤذي جليسه من البشر ، وكذلك يؤذي الملكين اللذين وكلهما الله تعالى بكتابة حسناته وسيئاته ، والأذى في ديننا حرام ، فإذا استطاع المعلم أن يقنع طلبته بكلامه ثم رأوا أفعاله مطابقة لكلامه ، فيعلم أنه سلك الطريق السليم والصراط القويم .
2-…السينما والتلفزيون :(7/44)
…لقد نتج من غزو الكفار لديار المسلمين أن تهدمت أخلاق المجتمعات الإسلامية وعمها الانحلال الأخلاقي باسم الحرية والديمقراطية وغير ذلك من الأسماء الطنانة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، ولقد صاحب استعمار الكفار لديار المسلمين هذا الغزو الفكري الذي نراه في كثير من البلاد العربية والإسلامية ، ومن هذا الغزو دور السينما التي تمثل خطراً عظيماً على الشباب المسلم .
أما خطورته فكونه سبباً لشيوع الرذيلة وغيرها ، وأما الهدف فهو توجيه الشباب إلى ما يضر ولا يفيده ، حتى لا يستفيد من طاقاته ولا يوظفها لمصلحة دينه وبلده ، وهذا هو تخطيط اليهودية العالمية ، ومن العجب أن لا ينتبه المسئولون لهذه الأخطار ولا يعملون على إزالتها ، وعندما تكون الأفلام علمية ، أو أخلاقية ، أو دينية ، فلا بأس بها ، كأفلام تعلم الطلاب الوضوء والصلاة ، واحترام المعلم ، وطاعة الوالدين وغيرها مما ينفع الطلاب .
فعلى المعلم الناجح أن يُفهم طلابه مضار السينما والتلفاز والفيديو ، ويبين لهم خطر الأفلام الخليعة التي تقتل الفضيلة والرجولة في نفوس الطلاب وتعلمهم السرقة والإجرام ، وكم من سارق أو مجرم اعترف بأن تعلم أسلوب الإجرام مما يعرض في السينما أو الفيديو من الأفلام والقصص الواقعية تشهد على ذلك ، أضف إلى ذلك ما تسبب من تعب للعيون لأنها تحدق في الظلام ، وتسبب كذلك الاختناق بسبب الهواء الفاسد ، وخسارة المال في غير ما طائل .
فعلى المعلم أن يشرح هذه الأمور للطلبة ، ويبين لهم أن الطالب لو اشترى كتاباً علمياً أو قصة مفيدة لكان أفضل بكثير ، وقد حفظ الله البلاد السعودية من السينما وما يجري فيها من الاختلاط .
3-…الميسر واليانصيب :(7/45)
…على المعلم الناجح في التربية والتعليم أن يراقب طلابه دائماً ويلفت نظرهم إلى أن اللعب على الشكولاته والحلوى وغيرها هو من القمار الذي يجعل صاحبه مُعرضاً لغض الرب وإفلاس من الجيب ، وينبههم إلى أن الذي يتعود على اللعب على هذه الأمور البسيطة سيُجر بعدها إلى أن يلعب بالمال ، وربما بالعرض ، وقد حدث ذلك حينما خسر أحدهم ماله ولم يبق معه شئ ، فباع بيته ، ثم خسر فباع لتراً من دمه فخسر ، ووُجد بعد ذلك ميتاً في أحد فنادق بيروت .
…ولو كان في الميسر خير لما نهانا الله عنه ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} .
…وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه) (النردشير : لعبة النرد والطاولة) .
…ومن هذا نخلص إلى أنه لا يجوز اللعب بالورق والنرد ولو كان للتسلية ، لأنه يؤدي إلى القمار كما يورث الشجار بين اللاعبين ، وحدث أن حصل خلاف بين صديقين يلعبان بالنرد للتسرية فتصايحا ، وأتهم كل واحد صديقه بتحريك القطعة الخشبية ، وحلف أحدهما بالطلاق على عدم تحريكها فلم يُصدقه ودخلت العداوة بينهما فلم يكلم أحدهما الآخر وهم جيران .
4-…السب والتشاجر :(7/46)
…لقد تفشى منذ عهد غير بعيد ظاهرة سيئة للغاية هي تشاجر الطلبة وسب بعضهم بعضاً ، وربما بلغ بعضهم أن يسب الدين ، فعلى الأولياء العناية بأولادهم والأخذ على أيديهم وعدم التسامح في هذا أبداً ، فما عرف سلفنا هذه العادة السيئة أبداً ، وينبغي أن يتعاون المعلم مع ولي أمر الطالب حتى تُقتلع هذه العادة من جذورها وتعالج بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولقد حصل منذ زمن أن رأيت طالباً يسب زميله بدينه فاقترب منه وقلت له ، ما أسمك يا بني ؟ وفي أي صف ؟ ومن أي مدرسة ؟ ثم قلت له : من الذي خلقك ؟ قال : الله ، قلت من أعطاك السمع والبصر ، وأطعمك الفواكه والخضر ؟ قال : الله ، قلت فما هو واجبك نحو من أعطاك هذه النعم ؟ قال : الشكر ، قلت له : وماذا كنت تقول قبل قليل ؟ فخجل ، وقال : إن زميلي هو الذي اعتدى عليّ ، فقلت : إن الله لا يقبل الاعتداء وقد نهى عنه ، فقال سبحانه وتعالى : {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} .
…ولكن من الذي وسوس لرفيقك حتى ضربك ؟ قال : الشيطان ، قلت : إذاً عليك أن تسب شيطانه (1) فقال لرفيقه : يلعن شيطانك ، ثم قلت له : عليك إن تتوب إلى الله وتستغفره ، لأنه سبك للدين كفر ، فقال ك استغفر الله العظيم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فشكرته وطلبت منه أن لا يعود ، وأن ينصح زملاءه إذا رأى أحدهم سب الدين .
__________
(1) الأول للمسلم أن يستعيذ بالله فيقول عند الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى : {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم للغضبان : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .(7/47)
…أما الشجار والمشاجرة فعلى المعلم أن يُفهم الطلاب أنهم إخوة ولا يجوز للأخ أن يسب أخاه وقد نهانا المربي الأكبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر) .
…فينبغي أن يسود بين الطلبة جو الإخاء والمحبة ، وعلى المعلم أن يرشدهم إلى ما يزيد من أخوتهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم) .
المكافآت والعقوبات :
المعلم الناجح لا يلجأ إلى العقوبات المادية إلا قليلا ، وبقدر ما تقتضيه الضرورة ، فهو دائماً يقدم المكافآت على العقوبات ، لأنها تشجع الطالب على التعليم وطلب المزيد من التربية والتعليم ، بعكس العقوبات فإنها تترك أثراً سيئاً في نفس الطالب ، مما يحول بينه وبين الفهم والعلم ، ويقتل في نفسه روح المثابرة والتقدم ، وكثيراً من الطلاب يتركون المدرسة من أجل ما يرونه من بعض المعلمين من أنواع القوة والظلم ولقد اعتاد الطلاب أن ينعتوا المعلم القاسي بالظالم . ولنبدأ بالمكافآت وأنواعها قبل العقوبات لأنها الأصل ، وهي المقدمة دائماً .
1-…الثناء الجميل :
…على المعلم الناجح أن يثني على الطالب إذا رأى منه أي بادرة حسنة في سلوكه ، أو في اجتهاده ، فيقول للطالب الذي أحسن الجواب : أحسنت ، بارك الله فيك أو نِعم الطالب فلان ، فمثل هذه الكلمات اللطيفة تشجع الطالب وتقوي روحه المعنوية ، وتترك في نفسه أحسن الأثر ، مما يجعله يحب معلمه ومدرسته ، ويتفتح ذهنه للتدريس ، ويكون في نفس الوقت مشجعاً لرفاقه أن يقتدوا به في ا>به وسلوكه واجتهاده لينالوا الثناء والتشجيع من معلمهم فلذلك خير لهم من العقوبات المادية التي يتعرضون لها .
2-…المكافآت المادية :(7/48)
…إن الولد بطبيعته يحب المكافآت المادية ، ويحرص على اقتنائها ، ولذلك فعلى المعلم أن يستجيب لهذه المحبة ، ويقدمها للطالب في المناسبات ، فالتلميذ المجتهد أو الخلوق أو الذي يقوم بواجبه نحو ربه من صلاة وغيرها من الأعمال الخيرية والمدرسية ، ثم يأخذ مكافأة مادية من معلمه سوف يجد نفسه مسروراً أمام رفاقه قد أشبع في نفسه غريزة حب التملك ، ويستحسن للمعلم أن يضع للطالب علامة جيدة في سلوكه والمادة التي أجاد فيها .
3-…الدعاء :
…على المعلم أن يشجع الطالب أو الأديب أو المصلي بالدعاء له قائلاً : وفقك الله ، أرجو لك مستقبلاً باهراً ، وللطالب المقصر أو المسئ : أصلح الله وهداك .
4-…لوحة الشرف :
…من المفيد جداً أن تكون في المدرسة لوحة شرف كبيرة توضع في مكان بارز ويسجل عليها أسماء الطلبة حسب تميزهم على غيرهم في السلوك ، أو الاجتهاد ، أو النظافة ، وغير ذلك ، فيكون هذا الاعلان تشجيعاً للطالب على الاقتداء بهم ، حتى تسجل أسمائهم على اللوحة.
5-…الإستحسإن :
…عند صعود أحد الطلاب الصف لشرح درس أو إلقاء محفوظة ، أو حل مسألة ، أو تسميع سورة من القرآن ، فعلى المعلم أن يربت على كتف الطالب إذا أحسن تشجيعاً له قائلاً بلاك الله فيك .
6-…الإعداد :
…إن يعد المعلم واحداً من طلابه المجيدين ، وأن ينتسب إليهم وهذه مكافأة عظيمة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لولا الهجرة لكنت إمرءاً من الأنصار) .
7-…التوصية :
…يستطيع المعلم أن يصحب ويرافق الطلاب الذين يريد مكافأتهم في ذهابه معهم إلى المسجد ، أو إلى الرحلات المدرسية ، فالطلاب يعتزون بمرافقتهم لمعلمهم ويفرحون بذلك .
8-…توصية أهل الطالب :(7/49)
…يستطيع المعلم أن يكتب رسالة ويرسلها مع الطالب يذكر فيها محاسن الطالب ويثني عليه ، وفي ذلك تشجيع لأسرة الطالب ليعاملوا ولدهم بالتي هي أحسن ، وهذا يشجع الطالب على التقدم والسلوك الحسن ، وعلى المعلم أن يسأل عن أخلاق الطلاب وسلوكهم في البيت ، ومحافظتهم على الصلاة في المسجد ، ويكلف الطلاب أن يأتوا بأوراق من أوليائهم وإمام مسجده ، يثبتون فيها حسن سيرتهم وأدائهم للصلوات مع الجماعة .
10-…مساعدة الفقراء :
…على المعلم أن يقوم بانتقاء عدد من الطلاب لجمع التبرعات للفقراء ، وأن يساهم معهم في ذل بشئ من المال ليقتدى الطلاب به ، ويتم توزيع المال بإشراف المعلم والطلاب على إخوانهم المحتاجين إلى الكساء أو الطعام ، أو الكتب ، أو الأدوات المدرسية ، وعلى المعلم أن يشكر الطلاب المتبرعين أمام رفاقهم تشجيعاً لهم ولبقية الطلبة لكي يتبرعوا وينالوا الأجر العظيم عند الله ، وأن الله سيخلف عليهم المال الذي أنفقوه ، ويذكر المعلم للطلاب قول الله تعالى : {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
…ويمكن للمعلم أو المدير أن يقدم من هذا الصندوق بعض المال ، لشراء بعض الهدايا إعطائها للطالب المجتهد ، أو المطيع لأوامر المعلم والوالدين ، أو النظيف في ملبسه ، أو سلوكه الحسن .(7/50)
العقوبات وأضرارها :
على المعلم الناجح أن يجتنب العقوبات المادية ، وذلك لأنها خطر على الطالب وعلى المعلم كذلك ، وإضاعة لوقته ، حيث إن الطالب قد يتضرر من ضرب المعلم له ، مما يسبب الوحشة بينه وبين معلمه ، وقد يتطور الحال إلى تعرض المعلم للمسئولية أمام المفتش والمحاكم الجزائية ، وولي الطالب المضروب ، مما يسئ إلى سمعته ومكانته ودوره في خدمة امته ، ويندم المعلم عندئذٍ حين لا ينفعه الندم ، فيضطر إلى وضع الوسطاء لحل مشكلته ، وقد لا تحل إلا بالمحاكم الجزائية ، فينال جزاء ما اقترفت يداه ، وكل هذا سببه استعمال العقوبات المادية ، ولذلك فقد قرر المسئولون منع هذه العقوبات ، فوجب الانتهاء عنها وتحاشي الوصول لاستخدامها ، إلا في حالة الضرورة القصوى كتأديب بعض الطلاب المنحرفين الذين لا ينفع معهم غير ذلك ، أو لحفظ هيبة الدرس ونظامه بعد أن يكون المعلم قد قدم النصائح والتوجيهات لهؤلاء الطلاب فلم يرتدعوا ، وذلك كما يقول المثل العربي : (آخر الدواء الكي).
أضرار العقوبات المادية :
1-…عرقلة سير الدرس وتأخيره على الطلاب جميعاً .
2-…انفعال المعلم والطالب أثناء العقوبة وتأثير ذلك عليهما معاً .
3-…احتمال وقوع الضرر للطالب المضروب في وجهه أو عينه أو أذنه أو غير ذلك من الجوارح والأعضاء .
4-…قطع فهم الدرس على الطالب المعاقب .
5-…قطع سلسلة أفكار المعلم حين العقوبة .
6-…تعرض المعلم للمسئولية أمام المحاكم والأهالي والمفتش .
7-…ضياع الوقت على الطلاب وتأثرهم بما يجري في الدرس .
8-…فقد التبجيل والاحترام المتبادل بين الطالب ومعلمه .
العقوبات الممنوعة :
إذا احتاج المعلم إلى العقوبة أحياناً فعليه أن يتجنب ما يلي :-
1-…الضرب على الوجه :(7/51)
…وذلك شائع بين المعلمين ، حيث يضربون الطالب على وجهه ، وربما أصاب أحدهم عينه أو أذنه ، وتعرض للمسئولية والمحاكمة ودفع الغرامة ، وكان سبباً في تعطيل أحد حواسه ، ولذلك فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه فقال : (إذا ضرب أحدكم خادمه فليتق الوجه) .
2-…القسوة الشديدة :
…المعلم القاسي في ضربه يطلق عليه الطلاب اسماً قاسياً يقولون عنه (فلان معلم ظالم) وكفى بهذا الاسم شراً ، فليس بعد الظلم والقوة إلا الندم ، فكم رأينا بعض الأساتذة يعتذرون لأولياء الطلاب والمسئولين بعد إنزال العقوبة القاسية على طلابهم ، فالله الله معاشر المعلمين في فلذات الأكباد ، أرفقوا بهم فإن الرفق كله خير .
…قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من يحرم الرفق يحرم ا لخير كله) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شئ إلى زانه ، ولا نُزع من شئ إلا شأنه) .
3-…الكلام السئ :
…على المعلم أن يجتنب ما يسئ إلى الطالب من ألفاظ نابية قد تسبب له نفوراً وانحرافاً ، وربما كانت سبباً في انحرافه وميله للإجرام في المستقبل ، فالمعلم الذي يقول للطالب ، خبيث ، ملعون ، مجرم .... ، وغيرها من الكلمات القاسية التي تجرح شعور الطالب ، ويتعلمها بدوره ليقولها لرفيقه في المدرسة أو لأخيه في البيت ، وتكون المسئولية على ذلك المربي الذي سنّ لطلابه أن يتعلموا مثل هذا الكلام الذي لا يليق بمعلم أن يتفوه به ، وفي الحديث الصحيح : ( من سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً) .
4-…الضرب عند الغضب :(7/52)
…قال أبو مسعود : كنت أضرب غلاماً لي بالسوط ، فسمعت صوتاً من خلفي "أعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب ، قال ، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هوي يقول "أعلم أبا مسعود " "أعلم أبا مسعود" قال : فألقيت السوط ممن يدي ، فقال : ( أعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك من هذا الغلام ، فقلت : لا أضرب مملوكاً بعده أبداً) .
5-…الرفس بالرجل :
…وقد رأيت بعض المعلمين يرفسون بأرجلهم وتعالهم ، وربما أصاب ذلك الرفس محلاً خطيراً أودى بحياة الطالب ، وتقع المسئولية ، ويندم حيث لا ينفع الندم ، مع العلم أن الرفس ليس من شيعة الإنسان .
6-…الغضب الشديد :
…على المعلم الناجح في درسه أن يملك أعصابه ، ويدرك مزايا الطفولة ليعذر الأطفال في تصرفاتهم ، وليتذكر عمله حين كان طالباً في المدرسة ، فرما كان أشد سوء في تصرفاته ، فإذا تذكر المعلم ذلك خف غضبه ، وملك نفسه وكان شجاعاً حقاً ، فقد قال المربي الكبير محمد صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصُرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) .
…وليحذر المربي سواء كان معلماً أو أباً أن يعاقب عند الغضب ، لئلا يؤذي من يعاقبه ، وتكون العاقبة السيئة ، وعلى المعلم أن يسجل أسماء المخالفين ليعاقبهم آخر الدرس ، وإني أعرف معلماً لحق بولده ليعاقبه في حالة الغضب فخاف الولد وهرب ، وقد عثر في هربه فصدعت رجله ، وحُمل إلى المجبر ليداويه ، وندم الأب على عمله .
…وقام بعض المدرسين بمعاقبة أحد طلابه في حالة غضبه ، فجعل يسب ويشتم ويكفر والطلاب ينظرون إليه باحتقار ، وإذا تكرر غضب المربي أمام طلابه ، وعلا صياحه ، وكثر هياجه ، أثر في نفوس طلابه وغُرست فيهم تلك العادة السيئة واقتدوا بمعلمهم في سلوكهم وأعمالهم ، فأصبحوا يغضبون ، ويشتمون , ووو ... .
علاج الغضب :(7/53)
إذا اعترى المربي فليسارع إلى الدواء الشافي الذي وصفه له الطبيب الخبير محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال :
أ-…(إذا غضب أحدكم فقال : أعوذ بالله ، سكن غضبه ) .
ب-…(وإذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب والا فليضطجع )
…ومعلوم أن الغضب من الشيطان ، وعلى إنسان أن يستعيذ بالله منه لينصرف عنه وفي تغيير وضع الغضبان من القيام إلى الجلوس فائدة عظيمة لصرف غضبه ، ولا سيما الوضوء ففيه الأدوية المفيدة .
العقوبات التربوية المفيدة :
هناك عقوبات تربوية ناجحة يجدر بالمعلم استعمالها نحو المخالفين لآداب الدرس ومكانة الأستاذ ، وهي عقوبات تربوية مأمونة العواقب ، مضمونة النجاح بمشيئة الله وهي على أنواع :-
1-…النصح والإرشاد :
…وهي طريقة أساسية في التربية والتعليم لا يستغنى عنها ، وقد سلكها المربي الكبير مع الأطفال والكبار :
أ-…أما مع الأطفال ، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم غلاماً تطيش يده في الطعام فقال له يعلمه طريقة الأكل .
……(يا غلام سمِّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك) .
…ولا يقولن أحد إن هذه الطريقة قليلة التأثير مع الصغار ، فقد جربتها بنفسي عدة مرات فكان لها أطيب الأثر ، وقد تقدم في موضوع التحذير من الأمور الضار قصة الولد الذي كان يسب الدين كيف نصحته وقبل النصح .(7/54)
وحدث مرة حينما كنت سائراً في الشارع مع أحد المعلمين فرأينا طفلاً يبول في وسط الشارع فصاح به المعلم : ويلك ويلك ، لا تفعل ، فذعر الصبي وقطع بوله وهرب ، فقلت لذلك المعلم : لقد أضعت علينا النصح لذلك الولد ، فقال لي : وهل يجوز أن أترك الولد يبول في الشارع أمام الناس ، قلت له : لا ، فقال المعلم : وماذا تريد أن تفعل غير ذلك ؟ قلت له : أترك الطفل حتى ينتهي من بوله ، ثم أدعوه اليّ ، وأتعرف عليه ، ثم أقول له : يا بني إن هذه الشوارع طريق للمارة ، لا يجوز فيها البول ، وقريباً منك مكان (دورة المياه) فاحذر أن تعود لمثل هذا فأنت ولد مهذب ، أرجو لك الهداية والتوفيق ، فقال لي ك هذه طريقة حكيمة ومفيدة ، قلت له : هذه طريقة مربي الإنسانية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، وحدثته بقصة الإعرابي المشهور التي تأتي الآن .
ب-…أما النصح والإرشاد مع البالغين فأكبر مثال على تأثيرها قصة الإعرابي الآتية :-
…(عن أنس رضي الله عنه قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقال يبول في المسجد) .
……أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم : (يصيحون به ) مه مه ( أي أترك) .
……الرسول صلى الله عليه وسلم : لا تُزرموه دعوه ( لا تقطعوا بوله) .
…(يترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله ثم يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم الأعرابي ) .
…الرسول صلى الله عليه وسلم (للأعرابي) : إن المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله ، والصلاة ، وقراءة القرآن .
…الرسول (لأصحابه) : إنما بعثتم مبشرين ، ولم تبعثوا معسرين ، صبوا عليه دلواً من الماء .
……الأعرابي : اللهم أرحمني ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً .
……الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد تحجرت واسعاً ( أي ضيقت واسعاً) .
2-…التعبيس :(7/55)
…يستطيع المعلم أن يعبس في وجه طلابه أحياناً إذا رأي منهم فوضى ليحافظ على نظام الدرس وهيبته ، فذلك خير من التساهل معهم أولاً ، حتى إذا ما اشتطوا عاقبهم .
3-…الزجر :
…كثيراً ما يلجأ المربي إلى زجر أحد الطلاب الذين يكثرون الأسئلة لضياع الدرس ، أو يستخفون بالمعلم ، أو غير ذلك من الأخطاء التي يرتكبها الطالب ، فإذا ما زجره وصاح به المعلم سكت وجلس بأدب ، وهذه الطريقة استعملها الرسول المربي صلوات الله وسلامه عليه حين رأى رجلاً يسوق بدنة :
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أركبها .
…الرجل : إنها بدنة .
…الرسول صلى الله عليه وسلم : أركبها .
…(يركب الرجل البدنة يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها) .
4-…الكف عن العمل :
…حينما يرى المعلم بعض الطلاب يتكلمون في الدرس فيطلب منهم الكف عن الكلام بصوت قوي ، فقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الشخص الذي تجشأ في حضرته وقال له : (كف عنا جشاءك) .
5-…الإعراض :
…بإمكان المربي أن يُعرض عن ولده أو تلميذه إذا رأى منه كذباً أو إلحاحاً في أسئلة غير مناسبة ، أو غيرها من الأعمال الخاطئة ، فيشعر المتعلم بإعراض معلمه أو أية عنة ، فيرجع عن خطئه .
6-…الهجر :
…على المربي أن يهجر ولده أو تلميذه إذا ترك الصلاة أو ذهب إلى السينما أو قام بعمل مناف لآداب الدرس ، وأكثر الهجر ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) .
…فإن في الهجر تأديباً للإبن وللطالب معاً ، قال الشاعر :
…يا قلب صبراً على هجر الأحبة لا……تجزع فذلك فبعض الهجر تأديب
7-…التوبيخ :
…للمربي أن يوبخ ولده أو طالبه إذا اقترف ذنباً كبيراً ، ولم يؤثر فيه النصح والإرشاد .
8-…جلوس القرفصاء :(7/56)
…إذا ضاق المعلم بأحد الطلاب ذرعاً لكسله ، أو وقاحته أو غير ذلك فليخرجه وليجلسه أمامه جلوس القرفصاء على قدميه ، ويرفع يديه إلى أعلى ، وهذا ما يتعب التلميذ ويكون ذلك عقوبة له ، وذلك أفضل بكثير من معاقبته باليد أو العصا .
9-…معاقبة الأب :
…إذا تكرر الخطأ من الطالب فليرسل المعلم إلى وليه ، ويكلفه معاقبته بعد أن ينصحه ، وبذلك يتم التعاون بين المدرسة والبيت على تربية الطالب .
10-…تعليق العصى :
…يستحق للمعلم والمربي والأب أن يعلق السوط الذي يضرب به على الجدار ليراه الأولاد فيخافون من العقاب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم) .
…قوله : ( يراه أهل البيت) فيرتدعون عن ملابسة الرذائل ، خوفاً لأن ينالهم منه نائل .
…قال ابن الأباري : لم يُرد به الضرب ، لأنه لم يأمر بذلك أحداً ، وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم .
…وقوله : ( فإنه أدب لهم) أي هو باعث لهم على التأديب ، والتخلق بالأخلاق الفاضلة ، والمزايا الكاملة. .
11-…الضرب الخفيف :
…يجوز للمربي والأب أن يضرب ضرباً خفيفاً ، إذا لم تنفع الوسائل المتقدمة ، ولا سيما لأداء الصلاة لمن كان عمره عشر سنين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً ، وفرقوا بينهم في المضاجع) . …
…والتفريق في المضاجع بين الأولاد عند النوم أمر مُهم ، ولا سيما بين البنت والصبي ، حتى يحفظ الأب أولاده من الانحراف ، ولا سيما ما يراه الأطفال من المسلسلات الجنسية والأفلام الخلاعية في السينما والتلفاز والفيديو ، مما يزيد في إنحرافهم ، فلينتبه الآباء والأمهات ، وإذا لم يتمكنوا فعليهم أن يباعدوا بينهم ، ويضعوا لكل واحد غطاء مستقلاً ، وليراقبوهم . …(7/57)
أخطاء يجب تصحيحها :
هناك أخطاء منتشرة بين كثير من الناس ، ولا سيما بين المدرسين والموظفين والعمال وغيرهم ممن يقومون بمصالح الشعب ، لذلك يجب تصحيح أوضاعهم وسلوكهم ، لأنهم مسئولون عن أعمالهم أمام الله تعالى ، فقد قال عز وجل : {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سائل كل راع عمّا استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه) .
أخطاء بعض المعلمين والموظفين :
أعلم يا أخي المسلم - هدانا الله وإياك - أن بعض الموظفين والمدرسين مقصرون يحتاجون إلى نصح :-
1-…لا تتأخر عن الدوام المحدد ، فتضر الناس ، وتؤخر أعمالهم فالمعلم والموظف الذي لا يأتي إلا متأخراً يكون مهملاً لواجبه يأخذ راتبه حراماً على قدر تأخره ، ومن المؤسف أنه لا يوجد في الدوائر من يراقب دوام الموظف الذي يتأخر عن عمله ، أو يذهب بعد دوامه ليقضي مصالحه ، ويترك أعماله ومراجعيه ، وإن وجد المراقب وهو الرئيس والمسئول ، فلا يقوم بواجبه أحياناً .(7/58)
2-…لا تضيع أوقاتك في قراءة الجرائد والمجلات ، واستقبال الأصدقاء ، وغير ذلك مما يسبب تأخير العمل ، ولا سيما إذا كان هناك مراجعون ينتظرون معاملاتهم ، أو كان هناك طلاب ينتظرون مدرسهم ، وكثيراً ما يأتي الموظف زائد من أصدقائه ، فيستقبله ويتحدث إليه ويقدم له الضيافة ، ويترك أعماله ، وحدث هذا في إحدى الدوائر حينما جاء ضيف لهذا الموظف ، فأدخله الغرفة ، وأغلق الباب لئلا يدخل عليه المراجعون ، ولم يفتح الباب إلا بعد مدة طويلة ، والناس يقفون على أرجلهم يقاسون شدة الحر والأزدحام ينتظرون الموظف ، وكثيراً ما يأخذ الآذن الرشوة من المراجعين ليأخذ منهم الأوراق ، والموظف غافل عن هذه الرشوة ، لا يبالي بما يعانيه المراجعون من عناء وتعب وعندما يراجعه أحد المواقفين يصيح به الموظف ويخرجه ، لينتظر دوره ، وقد غفل عن اللوحة التي بجانبه ، وقد كتب عليها : الزيارات الخاصة ممنوعة .
…هذه المآسي المسئول عنها هم بعض الرؤساء الذين يتساهلون معهم ، فإن عثمان رضي الله عنه قال : إن الله ليزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن .
3-…راقب الله سبحانه وتعالى في عملك سواء كنت حاكماً أو مدرساً أو موظفاً ، وأعطف على إخوانك المراجعين ، وعاملهم بمثل ما تحب أن يعاملوك ، وأنجز لهم أعمالهم ، وقدم لهم النصيحة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ، قال : لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم) .
…وليست النصيحة من واجب العالم الذي يعظ الناس في المسجد فحسب ، بل هي واجبة على كل مسلم ولا سيما المدرسين ، وكم من موظف لم ينصح المراجع ، حتى كلفه عناء ومشقة ومالاً .(7/59)
4-…لا تتكبر على المراجعين فأنت من الشعب وهم إخوانك ، وأنت تأخذ الراتب لتخدمهم وتقضي مصالحهم وتذكر وصية لقمان الحكيم لولده التي ذكرها الله تعالى حين قال : {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} .
واجب العامل وصاحب العمل :
1-…أعمل بإخلاص ، ولا تضيع وقتك بدون عمل ، حتى تأخذ الأجر حلالاً .
2-…أنصح صاحب العمل ، واحذر غشه ولو كان غير مسلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من غش فليس منا) .
3-…عليك بإتقان العمل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) .
4-…أحرص على الوفاء بوعدك ، ولا تخلف به ، لتكسب ثقة الناس ، ولئلا تقع في ذنب كبير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان) .
5-…على صاحب العمل أن يعطي العامل بالقدر الذي يستحقه ، ولا سيما إذا كان بينهما اتفاق ، وأن لا يتأخر عن دفع حقه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( مطل الغني ظلم) .
التقليد الأعمى ضار :
إن من العيوب المنتشرة بين المسلمين ، والأخطاء التي يجب تركها هو التقليد الأعمى ، فبعض المسلمين - أصلحهم الله - كالببغاء يردد عن الغرب أو الشرق كل كلمة أو فعل من غير أن يفهم ما يقول أو يفعل ، أو ليقال عنه متمدن ، أو متطور ، وهذا خطأ كبير :(7/60)
1-…احذر يا أخي المسلم أن تقلد غيرك تقليداً أعمى حتى تسأل عنه ، وتعرضه على الإسلام ، فقد يكون محرماً كلبس خاتم الخطبة الذي تقدمه الزوجة للزوج زعماً منها أن هذا الخاتم يمنعه من الاختلاط بالفتيات ، ونسيت أن الزوج بإمكانه أن يخلعه عندما يريد الاختلاط ، وهذه العادة مأخوذة عن النصارى ، ولا سيما إذا كان الخاتم من الذهب المحرم على الرجال ، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التشبه بالكفرة فقال : ( من تشبه بقوم فهو منهم) .
2-…ومن التقليد المذموم ، والذي جلب للمسلمين الذلة والصغار الحكم بقوانين الغرب المخالفة للإسلام ، وترك الحكم بشريعة الله عز وجل التي أعزت المسلمين في عصر النبوة والصحابة من بعدهم .
3-…احذر لبس الذهب فهو محرم على الرجال حلال للنساء ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل ، فنزعه فطرحه ، وقال : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار ، فيجعلها في يده ، فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ خاتمك انتفع به ، قال : لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
يؤخذ من الحديث الأحكام والفوائد الآتية :
1-…كل من رأى منكراً كلبس الذهب فعليه تغييره بيده إن استطاع ، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .
2-…يجوز الانتفاع بالخاتم وبيعه ، لقول الصحابة في نص الحديث "خذ خاتمك انتفع به"
3-…استجابة الصحابي لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدم أخذه بعد طرح الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على إيمان قوي ، وتضحية بالمال .(7/61)
الخلاصة :
على الشباب المسلم أن يلبسوا خاتم الفضة ، فهو أجمل من الذهب في شكله الجميل الفضي اللامع ، وسعره أرخص من الذهب بكثير ، وقد أحله الإسلام للرجال والنساء ، وقد نصحت أحد إخواني اللابسين لخاتم الذهب ، وذكرت له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فما كان منه إلا أن استجاب ، وخلعه من يده وأعطاني إياه ، فبعته ، واشتريت له خاتماً من فضة ، ورددت له بقية المال ، ففرح كثيراً وتبعه بقية المعلمين في ذلك ، وحق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ) .
1-…علينا أن نقلد الغربي في الاختراعات الحديثة كالقطارات ، والدبابات ، والغواصات ، وغيرها من الأسلحة المتطورة ، حتى لا نحتاج إليهم ، وندفع بها عن ديننا وأرضنا لا أن نقلدهم في التبرج والرقص والميوعة ، وغيرها من الأمور الضارة .
…وصدق قول الشاعر حين قال :
…قلدوني الغربي ، لكن بالفجور ……وعن اللب استعاروا بالقشور
2-…نهانا الإسلام أن يقلد بعضنا بعضاً في الأمور السيئة حيث قال ابن مسعود : ( لا يكن أحدكم إمعة ، يقول : إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساء الناس أسئت ، ولكن وطنوا أنفسكم على أن تحسنوا إذا أحسن الناس ، وألا تظلموا إذا أساء الناس) .
…ومن المؤسف أننا إذا نصحنا بعض الناس ألا يغشوا ولا يكذبوا ، وألا تسفر نساؤهم تراهم يتعللون قائلين : الناس كلهم يكذبون ، ويغشون ، وتسفر نساؤهم ، كأنهم يريدون الإقتداء بهم ، فاحذر يا أخي المسلم السير مع التيارات الفاسدة ، والتقاليد الضارة .
3-…لا تتشبه بلباس الأجانب كلباس البنطال الضيق الذي يجسم العورة ، ولا سيما في شعار الرأس ، فلا تقلد الإفرنج ، وتلبس البرنيطة ، فهي شعار الكفرة واليهود والنصارى ، وفي الحديث : (من تشبه بقوم فهو منهم) .(7/62)
…وعليك بالتشبه بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والصالحين من الرجال ، ولا تنظر إلى غير المتمسكين بالإسلام .
إلى المعلمات والمدرسات:
إن التوجيه المتقدم للمربين والمعلمين ينطبق على المربيات والمعلمات من حيث الصفات التي يتحلى بها المدرسون ، وواجباتهم وغير ذلك من الأمور المهمة التي تقدمت ، ويزيد عليها أمور مهمة تتعلق بالمعلمات والمدرسات .
الحجاب :
على المعلمة والمدرسة أن تدخل المدرسة والفصل بحجاب كامل ويفضل الأسود منه على غيره من الألوان لأنه أبعد عن الفتنة ، ولأن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سوداء يلبسنها .
والمعلمة والمدرسة إذا دخلت المدرسة والفصل بحجاب وحشمة ووقار بعيدة عن الزينة المصطنعة على وجهها كانت مثالاً عملياً للطالبات أن يقتدين بها في لباسها الإسلامي الساتر ، بعكس المعلمة التي تدخل المدرسة والدرس وهي سافرة تضع الأصباغ على وجهها ، وليس عليها مظهر الحشمة والوقار فسوف تكون أسوة سيئة للطالبات ، وعليها وزرها ووزر طالباتها .
1-…على المعلمة والمدرسة أن تحث الطالبات على الحجاب الشرعي وأنه شعار المرأة المسلمة ، وتبين لهن شروط الحجاب الذي هو في صالح المرأة ، وتكريم لها ، لكي يحفظ شرفها .
2-…استيعاب الحجاب لجميع البدن حتى الوجه ولونه أسود ، ولا يجوز إظهار اللباس الذي تحت الحجاب .
3-…ألا يشبه الحجاب ملابس الرجال للنهي الوارد عنه في الحديث : ( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال) .
4-…ألا يكون لون الحجاب زاهياً أو ملوناً ، بحيث يلفت الأنظار .(7/63)
5-…وهذا الحجاب يجب أيضاً على النساء اليهوديات والنصرانيات إذا تزوجهن المسلم لقول الله تعالى : {وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} ، ولم يقل والنساء المؤمنات ، فليُعلم .
6-…على المعلمة المسلمة أن تأمر الطالبات بغطاء الرأس عندما تكون في سن السابعة من عمرها لتتعود الحجاب عند البلوغ ، وأسوة بتعليم الصلاة في هذا السن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع)
…والضرب المراد بالحديث ضرباً خفيفاً غير مبرح بعيداً عن الوجه .
خلاصة الرسالة
على المربي أن يكون حكيماً في تربيته وتعليمه ، وأن يحب مهنته وعمله ، وأن يكون محبوباً من زملائه وطلابه ، ينصحهم ويرشدهم بحكمة ولطف عملاً بقول الرب جل وعلا :
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
وليعلم المعلم أن عمله من أشرف الأعمال وأنبلها ، وأن مستقبل الأمة والدين والوطن يتوقف على توجيهه لطلابه ، وتربيتهم ، وتعليمهم ما ينفعهم ، وما يجعل منهم شباباً مؤمنين محبين لدينهم وأمتهم ، معتزين بأجدادهم الذين فتحوا لنا البلاد ، ومن يدري ؟ فلعله يخرج من طلابه من يكون رئيس دولة ، أو قائد جيش ، أو غيرها من الأمور المهمة التي يتوقف عليها مستقبل الأمة ، ولا سيما ونحن على أبواب معركة حاسمة مع الصهيونية ، نحتاج فيها إلى اعداد جيل مؤمن قوي شجاع لا يهاب الموت ، يعتبر الشهادة في سبيل الله ، وتحرير الأرض المحتلة أسمى أمانيه .(7/64)
وعلى المعلم أن يمثل الشخصية الإسلامية المحبوبة أمام زملائه وطلابه ، ليكون لهم القدوة الحسنة في التضحية والإيثار ، والقيام بالواجب ، والكرم وحسن الخلق والمعاشرة ، لتنطبع هذه الصفات الحسنة في نفوس طلابه وزملائه ، واضعاً نصب عينيه قول الله تعالى : {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ} .
وقوله تعالى : {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
والمعلم راع في مدرسته وهو مسئول عن طلابه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له) .
والمدرس يستفيد من تعليم طلابه العلم النافع بعد موته .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(7/65)
كيف نربي أولادنا
وما هو واجب الآباء والأبناء
محمد بن جميل زينو
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . أما بعد ؛؛
فإن موضوع تربية الأولاد مهم جداً ، يتوقف عليه مصلحة الآباء والأبناء معاً ، بل يتوقف عليه مستقبل الأمة والمجتمع ، لذلك اهتم الإسلام والمربون وعلى رأسهم المربي الكبير محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله معلماً ومرشداً للآباء والأبناء ، ليكفل لهم السعادة في الدنيا والآخرة .
لذلك نج القرآن الكريم الذي فيه صلاحنا وفلاحنا يذكر الله تعالى فيه قصصاً تربوية نافعة ، كقصة لقمان الحكيم وهو يوصي ولده بوصايا نافعة مهمة ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في نفس ابن عمه عبدالله بن عباس عقيدة التوحيد منذ الصغر ، وسيجد القارئ هذا كله ، مع غيرها من واجب الآباء نحو الأبناء ، وكذلك واجب الأبناء نحو الأبوين .
والله أسأل أن ينفع بها القراء ، ويجعلها خالصة لله تعالى .
وصايا لقمان لإبنه :
قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ } ، هذه وصايا نافعة حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم :-
1-…{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إحذر الشرك في عبادة الله ، كدعاء الأموات أو الغائبين فقد قال صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة) .
…ولما نزل الله قوله تعالى : {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} شق ذلك على المسلمين ، وقالوا : أينا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه :يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .(8/1)
2-…{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين لعظم حقهما ، فالأم حملت ولدها بمشقة ، والأب تكفل بالإنفاق فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه .
3-…{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
قال ابن كثير : ( أي إن حرصا عليك كل الحرص أن تتابعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً أي محسناً اليهما ، واتبع سبيل المؤمنين) .
أقول :… يؤيد هذا القول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لأحد في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف) .
4-…{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} .
قال ابن كثير : ( أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل أحضرها الله تعالى يوم القيامة حيث يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
5-…{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} أدها بأركانها وواجباتها بخشوع .
6-…{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} بلطف ولين بدون شدة .
7-…{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَِ} علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيناله أذى فأمره بالصبر ، قال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) .(8/2)
…{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور .
8-…{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}
…قال ابن كثير : ( لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك احتقاراً منك لهم ، واستكباراً عليهم ، ولكن ألن جانبك وأبسط وجهك اليهم) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) .
9-…{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي خيلاء متكبراً أجباراً عنيداً ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ، ولهذا قال {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي مختال معجب في نفسه ، فخور على غيره.
10-…{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي أمش مشياً مقتصداً ، ليس بالبطئ المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، عدلاً وسطاً بين بين .
11-…{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} أي لا تبالغ في الكلام ، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ، ولهذا قال {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
قال مجاهد : ( إن أقبح الأصوات لصوت الحمير . أي غاية من رفع صوته أنه يُشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله ، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :-
أ-…(ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) .
ب-…إذا سمعتم أصوات الديكة ، فسلوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنها رأت شيطاناً) .
من هداية الآيات :
1-…مشروعية وصية الوالد لابنه بما ينفعه في الدنيا والآخرة .
2-…البدء بالتوحيد والتحذير من الشرك لأنه ظلم يحبط الأعمال .
3-…وجوب الشكر لله ، وللوالدين ، ووجوب برهما ووصلتهما .
4-…وجوب طاعة الوالدين في غير معصية الله ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) .
5-…وجوب اتباع سبيل المؤمنين الموحدين ، وتحريم اتباع المبتدعين .(8/3)
6-…مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وعدم الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت أو صغرت .
7-…وجوب إقام الصلاة بأركانها وواجباتها والاطمئنان فيها .
8-…وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن علم ، ولطف حسب استطاعته .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) .
9-…الصبر على ما يلحق الأمر والناهي من أذى ، وأنه من عزم الأمور .
10-…تحريم التكبر والاختيال في المشي .
11-…الاعتدال في المشي مطلوب ، فلا يسرع ولا يبطئ .
12-…عدم رفع الصوت زيادة على الحاجة ، لأنه من عادة الحمير .
وصايا نبوية مهمة للأولاد :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات :
1-…أحفظ الله يحفظك :
امتثل أوامر الله ، واجتنب نواهيه يحفظك في دنياك وآخرتك .
2-…إحفظ الله تجده تجاهك ( أمامك) :
إحفظ حدود الله ، وراع حقوقه تجد الله يوفقك وينصرك .
3-…إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله :
إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة فاستعن بالله ، لا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها غير الله ، كشفاء المرض ، وطلب الرزق ، فهي مما اختص الله بها وحده .
4-…وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك :
الإيمان بالقدر الذي كتبه الله على الإنسان خيره وشره .
5-…رفعت الأقلام وجفت الصحف :
التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة : ( أعقلها وتوكل)
6-…تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة :
…أد حقوق الله والناس وقت الرخاء بنجيك وقت الشدة .
7-…وأعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك :(8/4)
…إذا منعك الله شيئاً فلن يصل إليك وإذا أعطاك الله شيئاً فلن يمنعه أحد .
8-…وأعلم أن النصر مع الصبر :
…النصر على العدو والنفس متوقف على الصبر .
9-…وأن الفرج مع الكرب :
…وأن الكرب الذي ينزل بالمؤمن سيكون بعده الفرج .
10-…وأن مع العسر يسرا :
…وأن العسر الذي يحل بالمسلم سيأتي معه اليسر واليسرين .
من فوائد الحديث :
1-…حب الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال ، وإركاب ابن عباس خلفه ، ومناداته : يا غلام لينتبه .
2-…أمر الأطفال بطاعة الله ، والابتعاد عن معاصيه ، يوفر لهم السعادة في الدنيا والآخرة .
3-…الله ينجي المؤمن عند الشدائد إذا أدى حق الله والناس عند الرخاء والصحة والغنى .
4-…غرس عقيدة التوحيد بسؤال الله تعالى ، والاستعانة به وحده في نفوس الأطفال ، وهو من واجب الوالدين والمربين .
5-…غرس عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره في الأطفال ، وهي من أركان الإيمان .
6-…تربية الطفل على التفاؤل ، ليستقبل الحياة بشجاعة وأمل ، وليكون فرداً نافعاً في أمته (وأعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا) .
أركان الإسلام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس :
1-…شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله (1)
…( لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد تجب طاعته في دين الله ) .
2-…وإقام الصلاة :
…(أداؤها بأركانها وواجباتها والخشوع فيها)
3-…وإيتاء الزكاة :
( تجب الزكاة إذا ملك المسلم 85غراماً ذهباً أو ما يعادلها من النقود يدفع 2.5 في المائة منها بعد سنة ، وغير النقود لكل منها مقدار معين) .
4-…وحج البيت :
__________
(1) شهادة أن لا اله إلا الله تقتضي أن لا نعبد إلا الله ، ولا ندعوا غيره وأن لا نعبده إلا بما شرع ، وأن نحكم بشرعة المأخوذ من الكتاب والسنة . شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، لأن طاعته من طاعة الله .(8/5)
…(من استطاع إليه سبيلا) .
5-…وصوم رمضان :
…(الامتناع عن الطعام والشراب ، وجميع المفطرات من الفجر حتى الغروب مع النية)
أركان الإيمان :
1-…أن تؤمن الله :
…(بوجوده ووحدانيته في الصفات والعبادة) .
2-…وملائكته :
…(مخلوقات من النور لتنفيذ أوامر الله) .
3-…وكتبه :
…(التوارة والانجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها) .
4-…ورسله :
…( أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم) .
5-…واليوم الآخر :
…(يوم الحساب لمحاسبة الناس على أعمالهم) .
6-…وتؤمن بالقدر خيره وشره :
…( الرضاء بالقدر خيره وشره ، لأنه بتقدير الله)
(مع الأخذ بالأسباب) .
الله فوق العرش :
القرآن الكريم ، والأحاديث الصحيحة والعقل السليم ، والفطرة السليمة تؤيد ذلك :
1-…قال الله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} :
…(أي علا وارتفع ) كما جاء في البخاري والتابعين .
2-…خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع قائلاً : (ألا هل بلغت) قالو نعم ، يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها اليهم ويقول (اللهم أشهد) - ينكبها : يميلها إلى الناس- .
3-…المصلي يقول في سجوده ( سبحان ربي الأعلى) ويرفع يديه إلى السماء عند الدعاء .
4-…الأطفال حين تسألهم : أين الله ؟ فيجيبون بفطرتهم السليمة : هو في السماء .
5-…وقال تعالى : {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ}
…قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( اتفق المفسرون على أننا لا نقول كما تقول الجهيمة - فرق ضالة - إن الله في كل مكان . تعالى الله عما يقولون علواً كبيرة ) ومعنى في السموات على السموات ، لكن الله معنا يسمعنا ويرانا ، وهو فوق العرش .(8/6)
قصة رائعة مفيدة :
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال : ( وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل (أحد والجوانية) فاطلعت ذات يوم ، فإذا بالذئب قد ذهب بشاة من غنمها ، وأنا رجل من بني آدم ، آسف كما يأسفون ، لكني صككتها صكة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليّ ، قلت يا رسول الله ، أفلا أعتقها ؟ قال : أئتني بها ، فقال لها : أين الله ؟ قالت في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة ) .
(صككتها : ضربتها ولطمتها) . ( وفي السماء بمعنى : على السماء) .
من فوائد الحديث :
1-…كان الصحابة يرجعون عند أي مشكلة ، ولو كانت صغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموا حكم الله فيها .
2-…التحاكم إلى الله والرسول - عملاً بقول الله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} .
3-…إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم ضربه للجارية وتعظيمه لذلك الأمر .
4-…العتق يكون للمؤمن لا للكافر : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اختبرها ولما علم بإيمانها أمر بإعتاقها ، ولو كانت كافرة لما أمر بعتقها .
5-…وجوب السؤال عن التوحيد ، ومنه علو الله على عرشه ، ومعرفة ذلك واجب .
6-…مشروعية السؤال بأين الله ، وأنه سنة حيث سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
7-…مشروعية الجواب بأن الله في السماء ( أي على السماء) لإقراره عليه الصلاة والسلام جواب الجارية ولموافقته الجواب للقرآن الذي يقول : {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} .
…(قال ابن عباس : هو الله ) . وفي السماء بمعنى : على السماء .
8-…صحة الإيمان تكون بالشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة .
9-…اعتقاد أن الله في السماء دليل على صحة الإيمان ، وهو واجب على كل مؤمن .(8/7)
10-…الرد على خطأ من يقول إن الله في كل مكان بذاته ، والحق أن الله معنا بعلمه لا بذاته .
11-…طلب الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية ليختبرها دليل على أنه لايعلم الغيب وهو إيمان الجارية ، وهو رد على الصوفية القائلين بأنه يعلم الغيب .
…لذلك أمر الله تعالى نبيه أن يقول للناس : {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
نصائح نبوية للآباء والأبناء :
1-…قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلم راع وكلم مسئول عن رعيته ، فالإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية ، وهي مسئولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته) .
2-…عن عبدالله بن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ، قال : ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قلت : ثم أي ، قال : أن تزني بحليلة جارك) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله وأعدلوا في أولادكم) : أعدلوا بين أولادكم في الأموال ، والعطايا ، وفي كل شئ .
4-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبوه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة ، هل ترى فيها جدعاً) . أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة ، تشبيهاً بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة ( جدعت البهيمة : قطعت أذنابها) ( يمجسانه ، يجعلانه مجوساً) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من الكبائر أن يشتم الرجل والديه ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه ) .(8/8)
6-…جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أبوك ) .
مسئولية الأبوين والمعلم :
قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
الأم والأب والمعلم والمجتمع مسئولون أمام الله عن تربية هذا الجيل ، فإن أحسنوا تربيته سعد وسعدوا في الدنيا والآخرة ، وإن أهملوا تربيته شقى ، وكان الوزر في عنقهم ، ولهذا جاء في الحديث : ( كلم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته) .
فبشرى لك أيها المعلم بقول صلى الله عليه وسلم : ( فوالله لا يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعيم) .
وبشرى لكما أيها الأبوان بهذا الحديث الصحيح : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعوا له) .
فليكن إصلاحك لنفسك أيها المربي قبل كل شيء ، فالحسن عند الأولاد ما فعلت ، والقبيح ما تركت ، وإن حسن سلوك المعلم والأبوين أمام الأولاد أفضل تربية لهم .
واجب المربي والمعلم :
1-…تعليم الطفل النطق بـ ( لا اله إلا الله ، محمد رسول الله) وافهامه معناها عندما يكبر : ( لا معبود بحق إلا الله) .
2-…غرس محبة الله والايمان به في قلب الولد ، لأن الله خالقنا ورازقنا ومغيثنا وحده لا شريك له .
3-…تعليم الأولاد أن يسألوا الله ويستعينوا به وحده لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمله ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله) .
التحذير من المحرمات :
1-…تحذير الأولاد من الكفر والسب واللعن والكلام البذئ ، وإفهامهم بلطف أن الكفر حرام بسبب الخسران ودخول النار ، وعلينا أن نحفظ ألسنتنا أمامهم لنكون قدوة حسنة لهم .(8/9)
2-…التحذير من الشرك بالله : ومنه دعاء غير الله من الأموات ، وطلب المعونة منهم ، فهم عباد لا يملكون ضراً ولا نفعاً ، قال الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} - أي المشركين - .
3-…تحذير الأولاد من الميسر بأنواعه كاليانصيب ، والطاولة ، وغيرها ولو كانت للتسلية ، لأنها تجر إلى القمار ، وتورث العداوة ، وأنها خسارة لهم ولما لهم ولوقتهم ، وضياع لصلواتهم .
4-…منع الأولاد من قراءة المجلات الخليعة ، والصور المكشوفة ، والقصص البوليسية والجنسية ، ومنعهم من مثل هذه الأفلام في السينما والتلفزيون لضررها على أخلاقهم ومستقبلهم .
5-…تحذير الولد من التدخين وإفهامه أن الأطباء أجمعوا على أنه يضر الجسم ويورث السرطان ، وينخر الأسنان ، كريه الرائحة ، مضر للصدر ليست له فائدة فيحرم شربه وبيعه وينصح بأكل الفواكه والموالح عوضاً عنه .
6-…تعويد الأولاد الصدق قولاً وعملاً ، بأن لا نكذب عليهم ولو مازحين ، وإذا وعدناهم فلنوف بوعدنا ، وفي الحديث : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان) .
7-…أن لا نطعم أولادنا المال الحرام كالرشوة والربا والسرقة ومنها الغش وهو سبب لشقائهم وتمردهم وعصيانهم .
8-…عدم الدعاء على الأولاد بالهلاك والغضب لأن الدعاء يستجاب بالخير والشر ، وربما يزيدهم ضلالاً ، والأفضل أن نقول للولد ، أصلحك الله .
تعليم الصلاة :
1-…يجب تعليم الصبي والبنت الصلاة في الصغر ليلتزموها عند الكبر لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا ، وفرقوا بينهم في المضاجع) .(8/10)
…والتعليم يكون بالوضوء والصلاة أمامهم ، والذهاب بهم إلى المسجد وترغيبهم بكتاب فيه كيفية الصلاة لتتعلم الأسرة كلها أحكام الصلاة ، وهذا مطلوب من المعلم والأبوين ، وكل تقصير سيسألهم الله عنه .
2-…تعليم الأولاد القرآن الكريم ، فنبدأ بسورة الفاتحة والسور القصيرة وحفظ (التحيات لله ....) لأجل الصلاة ، وأن نخصص لهم معلماً للتجويد وحفظ القرآن والحديث ...
3-…تشجيع الأولاد على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد وراء الرجاء ، والتلطف في نصحنا لهم إن أخطأوا ، فلا نزعجهم ولا نصرخ بهم ، لئلا يتركوا الصلاة ونأثم بعد ذلك .
4-…تعويد الأول الصوم منذ السابعة ليتعودوه عند البلوغ .
الستر والحجاب :
1-…ترغيب البنت في الستر منذ الصغر لتلتزمه في الكبر ، فلا نلبسها القصير من الثياب ، ولا البنطال والقميص بمفردهما لأنه تشبه بالرجال والكفار ، وسبب لفتنة الشباب والإغراء ، وعلينا أن نأمرها بوضع منديل (غطاء) على رأسها منذ السابعة من عمرها ، وبتغطية وجهها عند البلوغ ، وباللباس الأسود الساتر الطويل الفضفاض الذي يحفظ شرفها ، وهذا القرآن ينادي المؤمنات جميعاً بالحجاب فيقول : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} ، وينهى الله تعالى المؤمنات عن التبرج والسفور فيقول : {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} .(8/11)
2-…توصية الأولاد أن يلتزم كل جنس بلباسه الخاص ليتميز عن الجنس الآخر ، وأن يبتعدوا عن لباس الأجانب وأزيائهم كالبنطال الضيق ، وغير ذلك من العادات الضارة ، ففي الحديث الصحيح : لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم) .
الأخلاق والآداب :
1-…نعود الطفل استعمال اليد اليمنى في الأخذ والعطاء والأكل والشراب ، وأن يكون قاعداً ، وأن يسمي الله في أوله ، ويحمده في آخره .
2-…تعويد الولد النظافة ، فيقص أظافره ، ويغسل يديه قبل الطعام وبعده ، وتعليمه الاستنجاء وأخذ الورق بعد البول ليمسحه أو الغسل بالماء لتصح صلاته ، ولا ينجس لباسه .
3-…أن نتلطف في نصحنا لهم سراً ، وأن لا نفضحهم إن أخطأوا فإن أصروا على العناد تركنا الكلام معهم ثلاثة أيام ولا نزيد .
4-…أمر الأولاد بالسكوت عند الآذان ، وإجابة المؤذن بمثل ما يقول ، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء الوسيلة : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمد الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) .
5-…أن نجعل لكل ولد فراشاً مستقلاً إذا أمكن ، وألا فلحافاً مستقلاً ، والأفضل تخصيص غرفة للبنات وغرفة للبنين وذلك حفظاً لأخلاقهم وصحتهم .
6-…تعويده ألا يرمي الأوساخ في الطريق ، وأن يرفع ما يؤذي عنه .
7-…التحذير من رفاق السوء ومراقبتهم من الوقوف في الشوارع .
8-…التسليم على الأولاد في البيت والشارع والصف بلفظ ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) .
9-…توصية الولد بالإحسان إلى الجيران وعدم إيذائهم .
10-…تعويد الولد إكرام الضيف واحترامه وتقديم الضيافة له .(8/12)
الجهاد والشجاعة :
1-…يفضل تخصيص جلسة للأسرة ، وللتلاميذ يقرأ فيها المعلم كتاباً في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه ، ليعلموا أنه القائد الشجاع ، وأن صحابته كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية فتحوا بلادنا ، وكانوا سبباً في هدايتنا ، وانتصروا بسبب إيمانهم وقتالهم وعملهم بالقرآن والسنة ، وأخلاقهم العالية .
2-…تربية الأولاد على الشجاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا يخافوا إلا الله ، ولا يجوز تخويفهم بالأكاذيب والأوهام والظلام .
3-…أن نغرس في الأولاد حسب الانتقام من اليهود والظالمين ، وأن شبابنا سيحررون فلسطين والقدس حينما يرجعون إلى تعاليم الإسلام والجهاد في سبيل الله وسينتصرون بإذن الله .
4-…شراء قصص تربوية نافعة إسلامية مثل : سلسلة قصص القرآن الكريم والسيرة النبوية وأبطال الصحابة والشجعان من المسلمين مثل كتاب : ( الشمائل المحمدية والأخلاق النبوية والآداب الإسلامية والعقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة الصحيحة) .
العدل في العطاء بين الأولاد :
1-…عن النعمان بن بشير قال : ( تصدق عليَ أبي ببعض ماله ، فقالت أمي - عمرة بنت رواحة - لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال لا ، قال اتقوا الله ، وأعدلوا بين أولادكم) .
…وفي رواية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلا تشهدوني إذاً ، فإني لا أشهد على جور) .
2-…الزم العدل - يا أخي المسلم - بين أولادك في العطاء والوصية ، ولا تحرم أحداً من الورثة حقه ، بل عيك أن ترضى بما فرض الله وقسم ، ولا تتأثر بالهوى والميل لبعض الورثة دون الباقين ، فتعرض نفسك لدخول النار ، وكم أخطأ أشخاص كتبوا أموالهم لبعض ورثتهم ، فأصبح الحقد والبغض بين الورثة ، وذهبوا للمحاكم فضيعوا أموالهم للحكام والمحامين .(8/13)
حل مشاكل الشباب :
إن فضل علاج لمشكلة الشباب هو الزواج إن أمكن ذلك وتيسرت الأسباب كوجود مهر عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .
ولا يمنع الزواج اتمام الدراسة إذا كان الفتى من عائلة غنية وله أب يكفيه ما يحتاجه ، أو كان عند الولد مال أو عمل .
وعلى الوالد أن لا يتأخر عن زواج ولده إذا بلغ سن البلوغ إذا كان الوالد غنياً ، فلذلك خير من تركه ولده عزباً يؤم بيوت الفحش ، ويلطخ أباه بسمعة سيئة ، فيحني على نفسه وولده . وعلى الولد أن يطلب من أبيه الزواج إذا كان غنياً ، وأن يتلطف بطلبه ، ويحرص على رضاه ، ويعامله بالإحسان .
وليعلم كل إنسان أن الله ما حرم شيئاً إلا أحل شيئاً مكانه : حرم الربا ، وأحل التجارة ، وحرم الزنا ، وأحل الزواج ، وهو أفضل حل لمشاكل الشباب .
إذا لم يتيسر للشاب الزواج ، لأنه فقير لا يملك المهر والنفقة فأفضل علاج له :
1-…الصوم الشرعي : عملاً ببقية الحديث السابق : ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء) .
…أي أن الصوم حفظ للشاب ، لأنه يخفف الشهوة والصوم ليس الامتناع عن الطعام والشراب فحسب ، بل يشمل الامتناع عن النظر إلى المحرمات ، ومخالطة النساء ، ومشاهدة الأفلام المثيرة ، والروايات الخليعة ، والمسلسلات الجنسية .
فعلى الشاب أن يحفظ بصره عن النساء ، فإن الله جعل الصحة مع العفاف ، والمرض والمصائب في إتباع الشهوات إن لم يكف عنها ، ولم ينظر اليها إلا من سبيلها ، وسبيلها الزواج ، وهناك طيب السمعة وحسن الأثر .(8/14)
2-…التصعيد والتسامي : ذكر علماء النفس أن الغريزة الجنسية في الإنسان يمكن تصعيدها وترقيتها ، فإذا لم يتيسر لك الزواج ، فلا تقرب الفاحشة وعليك بالتسامي ، وهو أن تنفس عن نفسك بجهد روحي كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والحديث النبوي ، والسيرة العطرة ، وغيرها ، أو بالانقطاع إلى العمل ، والانغماس في البحث ، أو بالتفرغ للرسم والأشغال ، كرسم المناظر للأنهار والأشجار والجبال الخالية من الأشخاص ، أو عمل ثريات من الدف الرقيق ،، أو غير ذلك من الهوايات النافعة .
3-…الرياضة البدنية : هي جهد جسدي ، فالإقبال عليها ، والعناية بالتربية البدنية ، والاشتراك في الفرق الكشفية والنوادي الأدبية الخالية من اختلاط الشباب والفتيات .
كل ذلك يلهي الشباب عن التفكير في غريزته الجنسية ، ويفيده في الابتعاد عن الزنا الذي يضر الشباب في جسمه وأخلاقه ودينه .
…فعندما يشعر الشاب بقوة غريزته الجنسية فما عليه إلا أن يقوم بعمل بدني يصرف هذه الطاقة الزائدة ، فالركض لمسافات طويلة ، وحمل الأثقال ، والمصارعة ، والسباق ، وتعلم الرماية ، والسباحة ، والمباريات العلمية وغيرها يخفف من الشهوة .
4-…الكتب الدينية : وأهمها قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية وكتب التفسير ، واستحفاظ شئ من القرآن والحديث غيباً ، والإطلاع على السيرة النبوية ، وتاريخ الخلفاء الراشدين والعظماء المفكرين ، وسماع المحاضرات الدينية والعلمية والقرآن الكريم من إذاعة القرآن الكريم وغيرها .
الخلاصة : الدواء النافع للشباب هو الزواج ، فإن لم يكن فالصوم والتسامي والرياضة ، والعلم النافع ، وهو مسكن مقوي ينفع ولا يؤذي ، ثم حفظ البصر عمّا نهى الله عنه ، والالتجاء إلى الله أن يسهل لهم الزواج .(8/15)
5-…على الشباب المسلم أن يستفيد من هذا الدعاء لحل مشاكله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تعار من الليل فقال لا الله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال اللهم أغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته) .[ تعار : استيقظ ] رواه البخاري .
خطر تحديد النسل :
1-…قال الله تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
…المال والأولاد من النعم الإلهية يسعى إليها الإنسان بفطرته ، وهما من زينة الحياة ، ولكن شياطين الإنس وسوسوا لبعض الناس أن يحددوا عدد أولادهم ، ولم يطلبوا تحديد أموالهم وممتلكاتهم مخالفين الفطرة ، مع أن المال والأولاد لهما نفع مشترك في حياة الإنسان وبعد مماته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له) .
2-…لقد حث الإسلام على كثرة الأولاد والتزوج من إمرأة ولود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) .
3-…إن الإسلام لا يجيز تحديد النسل إلا لضرورة مرض الزوجة حسب رأي طبيبة مسلمة ، وما عداها من الأسباب كقلة المال والفقر فلا يجوز التحديد ، قال الله تعالى : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} .
3-…إن أعداء الإسلام يسعون لتقليل عدد المسلمين ، بينما هم يتابعون الجهود لزيادة المواليد ورفع عدد السكان ، ليتفوقوا عليهم ، ويذلونهم كما هو حاصل في مصر وغيرها من البلاد الإسلامية ويسمونه تنظيم الأسرة ، وبدأوا يقدمون أقراص منع الحمل بالمجان بدلاً من تقديم (قرص الخبز) ليشجعونهم على تحديد النسل !! فهل عرف المسلمون خطر هذا العمل المخالف لدينهم ؟ .(8/16)
فضل الصلوات والتحذير من تركها :
1-…قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}
2-…وقال الله تعالى : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}
3-…وقال تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (غافلون عنها يؤخرونها وقتها بدون عذر) .
4-…وقال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
5-…وقال تعالى : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } .
6-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شئ ؟ قالوا لا يبقى من درنه شئ ، قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) .
7-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر) .
8-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) .
من أحاديث الصلاة :
1-…صلوا كما رأيتموني أصلي
2-…إذا دخل أحدكم المسجد فيركع ركعتين قبل أن يجلس ( وتسمى تحية المسجد) .
3-…لا تجلسوا على القبول ، ولا تصلوا إليها .
4-…إذا أقيمت الصلاة ، فلا صلاة إلا المكتبة .
5-…أمرت أن لا أكف ثوباً ( النهي عن الصلاة وكمه مشمر أو ثوبه) .
6-…أقيموا صفوفكم وتراصوا ، قال أنس وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدمه بقدمه .
7-…إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وأنتم تمشون ، وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا .
8-…إذا سجدت فضع كفيك ، وأرفع مرفقيك .
9-…إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع والسجود .
10-…أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله .
تعلم والوضوء والصلاة :
الوضوء : شمر على يديك إلى المرفقين ، وقل - بسم الله -
1-…أغسل كفيك وتمضمض ، واستنشق ثلاث مرات .
2-…أغسل وجهك - ثلاثاً - .
3-…أغسل يديك إلى المرفقين ، (اليمنى فاليسرى) - ثلاثاً - .
4-…أمسح رأسك كله مع الأذنين .
5-…أغسل رجليك إلى الكعبين (اليمنى فاليسرى) - ثلاثاً - .
التيمم : إذا تعذر عليك الماء فامسح وجهك وكفيك بالتراب بدلاً عن الوضوء للصلاة .
ويكون تعذر استعمال الماء إما لخوف الضرر من استعماله ، أو لعدم وجود الماء ، أو قلته عند مسافر هو بحاجة إليه .
صلاة الصبح :
الصلاة : فرض الصبح ركعتان - النية محلها القلب - .
1-…استقبل القبلة وأرفع يديك إلى أذنيك ، وقل (الله أكبر) .(8/17)
2-…ضع يدك اليمنى على اليسرى على صدرك ، وأقرأ : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا اله غيرك) - ويجوز قراءة غيرها مما ورد في السنة - .
الركعة الأولى :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم (سراً) .
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ * غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} .
بسم الله الرحمن الرحيم - {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} - أو غيرها من السور - .
1-…أرفع يديك ، وكبر ، وأركع ، وضع يديك على ركبتيك ، وقل ( سبحان ربي العظيم ) ثلاثاً .
2-…أرفع رأسك ويديك وقل : ( سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد) .
3-…كبر وأسجد وضع كفيك ، وركبتيك ، وجبهتيك ، وأنفك وأصابع رجليك على الأرض تجاه القبلة وقل : ( سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً .
4-…أربع رأسك من السجود ، وكبر ، وضع يديك على ركبتيك وقل : ( رب أغفر لي وأرحمني وأهدني وعافني وأرزقني) .
5-…أسجد على الأرض ثانية ، وكبر ، وقل : (سبحان ربي الأعلى ) ثلاثاً .
الركعة الثانية :
1-…أنهض إلى الركعة الثانية ، وتعوض ، وسم وأقرأ سورة الفاتحة وسورة قصيرة ، أو ماتيسر من القرآن .(8/18)
2-…أركع وأسجد كما تعلمت ، وأجلس بعد السجود الثاني وأقبض أصابع كفيك اليمنى وأرفع السبابة اليمنى وأقرأ : ( التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين * أشهد أن لا اله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله * اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم * إنك حميد مجيد) .
3-…اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسح الدجال .
4-…التفت يميناً ويساراً وقل في كل مرة : ( السلام عليكم ورحمة الله ) .
جدول عدد ركعات الصلاة
الصلوات ... السنة القبلية ... الفرض ... السنة البعدية
الصبح ... 2 ... 2 ... 0
الظهر ... 2 و 2 ... 4 ... 2
العصر ... 2 و 2 ... 4 ... 0
المغرب ... 2 ... 3 ... 2
العشاء ... 2 ... 4 ... 2 و 3 وتر
الجمعة ... 2 تحية المسجد ... 2 ... 2 في البت
أو 2و2 في المسجد
من أحكام الصلاة :
1-…السنة القبلية : تصلي قبل الفرض والسنة البعدية بعده .
2-…تمهل وانظر مكان سجودك ولا تلتفت .
3-…إقرأ إذا لم تسمع الإمام ، وإقرأ الفاتحة في الجهرية في سكناته .
4-…فرض الجمعة ركعتان ، ولا تجوز إلا في المسجد بعد الخطبة .
5-…فرض المغرب ثلاث : صل ركعتين كما صليت الصبح ، وعند الانتهاء من قراءة التحيات كلها لا تسلم وقم إلى الركعة الثالثة رافعاً يديك إلى كتفيك مكبراً ، وإقرأ الفاتحة فقط ، وتمم صلاتك كما تعلمت في الصبح ، ثم سلم يميناً ويساراً وقل : ( السلام عليكم ورحمة الله) .
6-…فرض الظهر والعصر والعشاء أربع : إفعل ما فعلته في صلاة الصبح ، وبعد أن تقرأ التحيات لله ....الخ لا تسلم وقم إلى الركعة الثالثة ، ثم الرابعة وإقرأ الفاتحية ، وتمم صلاتك ثم سلم يميناً ويساراً .(8/19)
7-…الوتر ثلاث : صل ركعتين وسلم ، ثم صل ركعة منفردة ، وسلم ، والأفضل أن تدعو بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الركوع أو بعده : (اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضى ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت) .
8-…قف وكبر إذا اقتديت مع الإمام ولو كان راكعاً ، ثم تابعه ، وتحسب لك ركعة إن لحقته في الركوع ، والا فلا تحسب .
9-…إذا فاتتك ركعة أو أكثر مع الإمام فتابعه إلى آخر الصلاة ولا تسلم مع الإمام ، وقم إلى صلاة الركعات الباقية .
10-…احذر السرعة في الصلاة فإنها مبطلة لها ، فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يسرع في صلاته فقال له : ( إرجع فصل فإنك لم تصل) فقال له في الثالثة : علمني يا رسول الله ، فقال : ( أركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم أرفع حتى تستوي قائماً ، ثم أسجد حتى تضمئن ساجداً ، ثم أرفع حتى تضمئن جالساً ) .
11-…إذا فاتك واجب من واجبات الصلاة ، فتركت القعود الأول مثلاً ، أو شككت في عدد الركعات ، فخذ بالأقل وأسجد سجدتين في آخر الصلاة وسلم ، وهذا يسمى سجود السهو .
12-…لا تكثر الحركة في الصلاة ، فهي منافية للخشوع ، وربما سببت فساد الصلاة إذا كانت كثيرة وغير ضرورية .
13-…وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل الساعة فلا يجوز تأخيرها إلا لضرورة . وأما صلاة الوتر فوقتها إلى طلوع الفجر .(8/20)
وجوب صلاة الجمعة والجماعة :
صلاة الجمعة والجماعة واجبة على الرجال للأدلة الآتية :-
1-…قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من سمع النداء ، فلم يأته ، فلا صلاة له إلا من عذر ) ( الخوف أو المرض) .
4-…أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى ، فقال يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له ، فرخص له ، فلما ولىّ دعاه فقال هل تسمع النداء (بالصلاة) قال نعم ، قال فأجب) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : (من اغتسل ، ثم أتى الجمعة ، فصلى ما قدر له ، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام) .
6-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من ترك ثلاث جمع تهاناً بها ، طبع الله على قلبه) .
كيف أصلى الجمعة مع آدابها :
1-…اغتسل يوم الجمعة ، وأقلم أظافري ، وأتطيب وألبس ثياباً نظيفة ، بعد الوضوء .
2-…لا آكل ثوماً أو بصلاً نيئاً ، ولا أشرب دخاناً ، وأنظف فمي بالسواك أو المعجون .(8/21)
3-…أصلي ركعتين عند الدخول إلى المسجد ، ولو كان الخطيب على المنبر امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا حيث قال : ( إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب ، فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ) - أي يخففهما - .
4-…أجلس لسماع الخطبة من الإمام ولا أتكلم .
5-…أصلي مع الإمام ركعتين فرض الجمعة مقتدياً (النية بالقلب) .
6-…أصلي أربع ركعات سنة الجمعة البعدية ، أو ركعتين في البيت ، وهو الأفضل .
7-…الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة .
8-…تحري الدعاء يوم الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه) .
حكم الغناء والموسيقى :
1-…قال الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} .
…أكثر المفسرين على أن المراد (بلهو الحديث) هو الغناء وقال ابن مسعود : هو الغناء ، وقال الحسن البصري : نزلت في الغناء والمزامير .
2-…وقال تعالى يخاطب الشيطان : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} - الغناء والمزامير - .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليكونن من أمتر أقوام يستحلون الحر (الزنا) والحرير ، والخمر والمعازف) - الموسيقى - .
والمعنى : سيأتي من المسلمين أقوام يعتقدون أن الزنا , ولبس الحرير الأصلي ، وشرب الخمر ، والموسيقى حلال ، وهي حرام .
والمعازف : كل ما له نغمة وصوب مطرب : كالعود والناي ، والطبل ، والكوبة ، والدف وغيرها ، حتى الجرس لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الجرس مزامير الشيطان) .
وهو دال على الكراهية لصوته ، وكانوا يعلقونه في أعناق الدواب لأن فيه شبهاً بالناقوس وشكله الذي يستعمله النصارى ، ويمكن الاستغناء عن الجرس بصوت البلبل .(8/22)
4-…ونقل عن الشافعي في كتابه القضاء : الغناء لهو مكروه ، يشبه بالباطل ، من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
الغناء في الوقت الحاضر :
1-…أغلب الغناء الآن في الأعراس والحفلات ، وفي الإذاعات يتحدث عن الحب والهوى ، والقبلة واللقاء ، ووصف الخدود والقدود ، وغيرها من الأمور الجنسية التي تثير الشهوة عند الشباب ، وتشجعهم على الفاحشة والزنا وتقضي على الأخلاق .
2-…وإذا اجتمع الغناء والموسيقى من المغنيين والمغنيات - الذين سرقوا أموال الشعب باسم الفن والمسرح ، وذهبوا بأموالهم إلى أوروبا واشتروا الأبنية والسيارات - أفسدوا أخلاق الشعب بأغانيهم المائعة ، وأفلامهم الجنسية ، وافتتن الكثير من الشباب وأحبوهم من دون الله ، حتى كان المذيع وقت حرب اليهود 1967 يقول للجنود : سيروا للأمام فإن معكم المطرب فلان وفلانة ، حتى كانت الهزيمة المنكرة أمام اليهود المجرمين ، وكان المفروض أن يقول لهم .. سيروا فالله معكم بمعونته ، وأعلنت احدى المطربات أنها ستقيم حفلتها الشهرية التي تقام في القاهرة ستقيمها في تل أبيب قبل حرب اليهود 1967 ، إذا انتصرنا ، بينما وقف اليهود بعد الحرب على حائط المبكى في القدس يشكرون الله على نصرهم ..
3-…حتى الأغاني الدينية لا تخلوا من المنكرات ، فاسمعها تقول :
…وقبل كل نبي عند رتبته……ويا محمد هذا العرش فاستلم .
…وهذا الكلام الأخير كذب على الله ورسوله يخالف الحقيقة .
علاج الغناء والموسيقى :
1-…الابتعاد عن سماعها من الراديو والتلفزيون وغيرهما ، ولا سيما الأغاني الخليعة ، والمصحوبة بالموسيقى .
2-…وأعظم مضاد للغناء والموسيقى ذكر الله وتلاوة القرآن ، ولا سيما قراءة سورة البقرة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) .(8/23)
…قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} .
3-…قراءة السيرة النبوية والشمائل المحمدية ، وأخبار الصحابة
المستثنى من الغناء :
1-…الغناء يوم العيد ودليله حديث عائشة رضي الله عنها : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، وعندها جاريتان تضربان بدفين ( وفي رواية عندي جاريتان تغنيان) فانتهرهما أبو بكر ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعهن فإن لكل قوم عيداً ، وإن عيدنا هذا اليوم) .
2-…الغناء مع الدف وقت النكاح لاعلانه وتشجيعه ، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : (فصل ما بين الحلال والحرام ، ضرب الدف ، والصوت في النكاح) - هذا للبنات فقط - .
3-…النشيد الإسلامي وقت العمل مما يساعد على النشاط ، ولا سيما إذا كان فيه الدعاء ، فقد كان الرسول يتمثل بقول ابن رواحة ، ويشجع العاملين في حفر الخندق قائلاً :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... ** ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فيجيب الأنصار والمهاجرون :
نحن الذين بايعوا محمداً ... ** ... على الجهاد ما بقينا أبدا
والله لولا الله ما اهتدينا ... ** ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... ** ... وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا ... ** ... إذا أرادوا فتنة أبينا
يرفع بها صوته أبينا ... أبينا ..
4-…النشيد الذي فيه توحيد الله ، أو محبة رسول الله صلى الله عليه ولسم وذكر شمائله ، أو فيه حث على الجهاد والثبات وتقوية الأخلاق ، أو الدعوة إلى المحبة والتعاون بين المسلمين أو فيه ذكر محاسن الإسلام ومبادئه وغير ذلك مما يفيد المجتمع في دينه وأخلاقه .(8/24)
5-…يسمح من المعازف الدف فقط في وقت العيد والنكاح للنساء ولا يجوز استعماله في الذكر أبداً ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعمله ، وكذا صحابته من بعده رضي الله عنهم ، وقد أباحه الصوفيون لأنفسهم وجعلوا الدف في الذكر سنة ، وهو بدعة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة) .
حكم الصور والتماثيل :
1-…قام الإسلام ليدعو الناس جميعاً إلى عبادة الله وحده ، وترك عبادة غير الله من الأولياء والصالحين ، المتمثلة في الأصنام والتماثيل والتصاوير ، والأضرحة ، والقبور . وهذه الدعوة قديمة منذ أرسل الله الرسل لهداية الناس ، قال الله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} - الطاغوت : - كل ما عبد من دون الله برضاه - .
…وقد ورد ذكر هذه التماثيل في سورة نوح عليه السلام ، وأكبر دليل على أن هذه كانت تمثل رجالاً صالحين وهو ما ذكره البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا}
قال : ( هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلك أولئك أوحى الشيطان إلى قومهم ، أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً (تماثيل) وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت) - نسخ العلم : نسي العلم - .
فهذه القصة تفيد أن سبب عبادة غير الله هي التماثيل الممثلة في الزعماء . يظن الكثير من الناس أن هذه التماثيل ، ولا سيما التصاوير أصبحت حلالاًً ، لعدم و جود من يعب الصور والتماثيل في هذا العصر ، وهذا مردود من عدة وجود :(8/25)
1-…إن عبادة الصور والتماثيل لا تزال تعبد في هذا العصر ، فصورة عيسى وأمه مريم ، تعبد من دون الله في الكنائس حتى الصليب يركعون له .
…وهناك لوحات فنية لعيسى ومريم تباع بأغلى الأثمان ، تعلق في البيوت لعبادتها وتعظيمها .
2-…وهذه تماثيل الزعماء في البلاد المتقدمة مادياً وتجارياً والمتأخرة روحياً تكشف لها الرؤوس ، وتحني لها الظهور عند المرور على تمثال منها : كتمثال جورج واشنطن في أمريكا ، ونابليون في فرنسا ، وتمثال لينين وستالين في روسيا ، وغيرها من التماثيل الموضوعة في الشوارع ، يركع المارون لها ، وسرت فكرة التماثيل إلى بعض البلاد العربية ، فقلدوا الكفار ، وأقاموا التماثيل في شوارعهم ، ولا تزال تنصب التماثيل في بقية الدول العربية والإسلامية ، ويجب صرف هذه الأموال في بناء مساجد ومدارس ومشافي وجميعات خيرية فيكون نفعها أجدى وأنفع ، ولا بأس بتسميتها بأسمائهم .
3-…إن هذه التماثيل بعد مرور زمن طويل سوف تحنى لها الرؤوس ، وتعظم وتعبد ، كما حصل في أوروبا وتركيا وغيرها من البلاد ، وسبقهم في ذلك قوم نوح عليه السلام ، حيث نصبوا تماثيل زعمائهم ، ثم عظموهم وعبدوهم .
4-…لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب قائلاً : ( لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) - مشرفاً : مرتفعاً ، سويته : جعلته قريباً من الأرض) . وفي رواية ( ولا صورة إلى لطختها) .
الصور والتماثيل المسموح بها :
1-…يسمح بصورة وتمثال الشجرة والنجوم والشمس والقمر والجبال والحجر والبحر والنهر ، والمناظر الجميلة ، والأماكن المقدسة كصور الكعبة والمدينة والمسجد الأقصى ، وبقية المساجد إن خلت من صور إنسان أو حيوان وما له روح ، ودليله قول ابن عباس رضي الله عنهما: (إن كنت لا بد فاعلاً فأصنع الشجر وما لا نفس له).(8/26)
2-…الصور الموضوعة على الهوية والجواز للسفر ، ورخصة السيارة وغيرها من الأمور الضرورية فمسموح بها للضرورة .
3-…تصوير المجرمين من القتلة والسارقين وغيرهم لإلقاء القبض عليهم للقصاص منهم ، وكذا ما تحتاجه العلوم كالطب .
4-…يسمح للبنات ، باللعب المصنوعة في البيت من الخرق ، على شكل طفلة صغيرة تلبسها الثياب وتنظفها تنميها ، وذلك لتتعلم تربية الأولاد عندما تكون أماً ، ولدليل قول عائشة رضي الله عنها : ( كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم) ، ولا يجوز شراء اللعب الأجنبية للأطفال ، ولا سيما البنات السافرات المنكشفات ، فتتلعم منها وتقلدها وتفسد المجتمع بذلك ، بالإضافة إلى صرف الأموال للبلاد الأجنبية واليهودية ، والنصرانية وغيرها ليحاربوا المسلمين .
هل الدخان حرام ؟
لم يكن الدخان موجود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد جاء الإسلام بأصول عامة تحرم كل ضار بالجسم ، أو مؤذ للجار ، أو متلف للمال ، وإليك الأدلة الآتية على حكم الدخان :-
1-…قال الله تعالى : {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}
…(والدخان من الخبائث ، كريه الرائحة) .
2-…وقال تعالى : {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .
…(والدخان يوقع في الأمراض المهلكة كالسرطان والسل وغيرها) .
3-…وقال تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } .
…(والدخان قتل بطئ للنفس) .
4-…وقال تعالى عن ضرر الخمر : {وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} .
…(والدخان ضرره أكبر من نفعه ، بل كله ضرر) .
5-…وقال تعالى : {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} .
…(والدخان تبذير واسراف من عمل الشيطان ) .
6-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار) .
…(والدخان يضر شاربه ، ويؤذي جاره ويتلف ماله ) .(8/27)
7-…وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وكره الله لكم إضاعة المال) .
…(والدخان ضياع لمال شاربه يكرهه الله) . والكراهية : تعني التحريم في الكتاب والسنة عن السلف) .
8-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين) .
…(أي كل المسلمين يعفى عنهم إلا المجاهرين بالمعاصي كالمدخنين ، لأنهم يشربونه علاناً ، ويشجعون غيرهم على فعل هذا المنكر) .
9-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) .
…(والدخان يؤذي برائحته زوجته وأولاده وجيرانه ، لا سيما الملائكة والمصلين) .
إعفاء اللحية واجب :
1-…قال الله تعالى : {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} .
…( وحلق اللحية تغير لخلق الله وطاعة للشيطان) .
2-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس) .
…(أي قصوا ما طال عن الشفة من الشارب ، وأعفوا اللحية مخالفة للكفار) .
3-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( عشر من الفطرة ، قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظافر ....)
…(وإعفاء اللحية من خلق الله يحرم حلقها) .
4-…لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء) .
…(وحلق اللحية تشبه بالنساء ، معرض للطرد من رحمة الله) .
5-…وقال صلى الله عليه وسلم : ( لكني أمرني ربي عز وجل أن أعفي لحيتي وأن أقص شاربي) .
…( وإعفاء اللحية أمر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو واجب) .
بر الوالدين :
إذا أردت النجاح في الدنيا والآخرة فاعمل بالوصايا الآتية :-
1-…خاطب والديك بأدب ولا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ، وقل لهما قولاً كريماً .
2-…أطع والديك دائماً في غير معصية ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
3-…تلطف بوالديك ولا تعبس بوجههما ، ولا تحدق النظر اليهما غاضباً .
4-…حافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما ، ولا تأخذ شيئاً بدون إذنهما .(8/28)
5-…أعمال ما يسرهما ولو من غير أمرهما كالخدمة وشراء اللوازم ، والاجتهاد في طلب العلم .
6-…شاورهما في أعمالك كلها واعتذر لهما إذا اضطررت للمخالفة .
7-…أجب نداءهما مسرعاً بوجه مبتسم قائلاً : نعم يا أمي ويا أبي ، ولا تقل يا بابا ، ويا ماما ، فهي كلمات أجنبية .
8-…أكرم صديقهما وأقرباءهما في حياتهما ، وبعد موتهما .
9-…لا تجادلهما ولا تخطئهما وحاول بأدب أن تبين لهما الصواب .
10-…لا تعاندهما ، ولا ترفع صوتك عليهما ، وأنصت لحديثهما وتأدب معهما ، ولا تزعج أحد إخوانك إكراماً لوالديك .
11-…إنهض إلى والديك إذا دخلا عليك ، وقبل رأسهما .
12-…ساعد أمك في البيت ، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله .
13-…لا تسافر إذا لم يأذنا لك ولو لأمر هام ، فإن اضطررت فاعتذر لهما ، ولا تقطع رسائلك عنهما .
14-…لا تدخل عليهما بدون إذن لا سيما وقت نومهما وراحتهما .
15-…إذا كنت مبتلى بالدخان فلا تدخن أمامهما .
16-…لا تتناول طعاماً قبلهما ، وأكرمهما في الطعام والشراب .
17-…لا تكذب عليهما ، ولا تلمهما إذا عملا عملاً لا يعجبك .
18-…لا تفضل زوجتك ، أو ولدك عليهما ، وأطلب رضاهما قبل كل شئ فرضاء الله في رضاء الوالدين وسخطه في سخطهما .
19-…لا تجلس في مكان أعلى منهما ، ولا تمد رجليك في حضرتهما متكبراً .
20-…لا تتكبر في الانتساب إلى أبيك ولو كنت موظفاً كبيراً ، وأحذر أن تنكر معروفهما أو تؤذيهما ولو بكلمة .
21-…لا تبخل بالنفقة على والديك حتى يشكواك ، فهذا عار عليك ، وسترى ذلك من أولادك ، فكما تدين تدان .
22-…أكثر من زيارة والديك وتقديم الهدايا لهما ، وأشكرهما على تربيتك وتعبهما عليك ، واعتبر بأولادك وما تقاسيه معهم .
23-…أحق الناس بالإكرام أمك ثم أبيك وأعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات .
24-…احذر عقوق الوالدين وغضبهما فتشقى في الدنيا والآخرة ، وسيعاملك أولادك بمثل ما تعامل به والديك .(8/29)
25-…إذا طلبت شيئاً من والديك فتلطف بهما وأشكرهما إن أعطياك ، وأعذرهما إن منعاك ، ولا تكثر طلباتك لئلا تزعجهما .
26-…إذا أصبحت قادراً على كسب الرزق فاعمل ، وساعد والديك .
27-…إن لوالديك عليك حقاً ، ولزوجتك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه ، وحاول التوفيق بينهما إن اختلفا ، وقدم الهدايا للجانبين سراً .
28-…إذا اختصم أبواك مع زوجتك فكن حكيماً وأفهم زوجتك أنك معها إن كان الحق بجانبها وأنك مضطر لترضيتهما .
29-…إذا اختلفت مع أبويك في الزواج والطرق فاحتكموا إلى الشرع فهو خير عون لكم .
30-…دعاء الوالدين مستجاب بالخير والشر ، فاحذر دعاءهما عليك بالشر .
31-…تأدب مع الناس فمن سب الناس سبوه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) .
32)…زر والديك في حياتهما وبعد موتهما ، وتصدق عنهما ، وأكثر من الدعاء لهما قائلاً : ( رب أغفر لي ولوالدي) ( رب أرحمهما كما ربياني صغيرا ) .(8/30)
من بدائع
القصص النبوي الصحيح
محمد بن جميل زينو
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فإن النفوس تحب القصص ، وتتأثر بها ، لذلك تجد في القرآن أنواعاً من القصص النافع ، وهو من أحسن القصص.
وكان من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن اقتدى بكتاب ربه ، فقص علينا من الأنباء السابقة ما فيه العِبَر ، باللفظ الفصيح والبيان العذب البليغ ، ويمتاز بأنه واقعي وليس بخيالي . ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، وإن بعض شبابنا قد مالوا إلى القصص الأجنبي الضار ، إذ أكثره جنسي مائع أو بوليسي مجرم ، يوقعهم في الفاحشة والانحراف كما يريده أعداء الإسلام .
لذلك كان واجباً على الكاتب الإسلامي أن يقدم نماذج من القصص الديني الصحيح ، فان فيها تهذيب الأخلاق ، وتقريب الشباب من الدين .
وإني أقدم نموذجاً من بدائع القصص النبوي ، وهي مختارة من الأحاديث الصحيحة ، وجعلتها على شكل حوار ، ومشاهد ، حتى كأنك ترى وقائع القصة أمامك ، وجعلت لكل قصة عبرة في آخرها للاستفادة منها ، فالله تعالى يقول : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) .
وأحب أن أنبه إلى أمور مهمة :-
شرحت بعض الكلمات التي تساعد القارئ على فهم القصة مثل : ( فلقيه) ، فقلت: (فلقي ضماد محمد صلى الله عليه وسلم) .
نقلت الفعل الماضي إلى الفعل المضارع ليرى القارئ القصة وكأنها أمامه .
حذفت كلمة ( قال) من النص استغناء عنها بذكر القائل أول السطر .
الكلام الذي بين المعقوفتين [ ] هو وصف لحالة القائل وهو من كلام المؤلف .
لا يفهم من هذا الحوار والمشاهد جواز عملية التمثيل ولا سيما تمثيل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وهو حرام .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لله تعالى .(9/1)
الغلام المؤمن والساحر
عن صهيب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر الساحر ، قال للملك ، إني قد كبرت فأبعث إلىّ غلاماً أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر) .
الغلام والأفعى :
(بينما الغلام سائر إذ رأى دابة عظيمة "أفعى" قد حبست الناس) .
الغلام (يخاطب نفسه) : اليوم أعلم ، الساحر أفضل أم الراهب ؟
الغلام (يأخذ حجراً) : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فأقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس . (يرمي الغلام الدابة فيقتلها ويمضي الناس) ، ( يأتي الغلام الراهب فيخبره) .
الراهب (متعجباً) : أي بني أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل عليّ .
الغلام يبرئ الأكمه ( الأعمى ) والأبرص) ويداوي الناس من سائر الأدواء ( الأمراض) .
الغلام والأعمى :
(يسمع جليس للملك كان قد عمي ، فيقدم للغلام هدايا كثيرة)
الأعمى (راجياً) : كل هذه الهدايا لك إن أنت شفيتني .
الغلام (مرشداً) : إني لا أشفي أحد ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك .
(يؤمن الأعمى فيشفيه الله تعالى) .
( يأتي الجليس الملك ، فيجلس إليه كما كان يجلس) .
الملك (متعجباً) : من ردَّ عليكم بصرك ؟
الجليس ( في فرح) : ربي .
الملك ( منكراً) : أو لك رب غيري .
الجليس ( في فرح) : ربي وربك الله .
(يأخذه الملك فلم يزل يعذبه حتى يدل على الغلام فيؤتي بالغلام) .
الملك ( مهدداً) : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل .(9/2)
الغلام : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى .
تعذيب من آمن :
(يأخذ الملك الغلام ، فلا يزال يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيئ بالراهب فقيل له : إرجع عن دينك فيأبى ، فيدعو الملك بالمنشار ، فيضع المنشار في مفرق رأسه فيشقه به حتى يقع شقاه على الأرض) .
ثم يجيئ بجليس الملك ، فقيل له : إرجع عن دينك فيأبى ، فيضع المنشار في مفرق رأسه فيشقه به حتى وقع شقاه .
الغلام يعذب :
(يؤتى بالغلام ، فيقال له : إرجع عن دينك ، فيأبى ، فيدفعه الملك إلى نفر من أصحابه)
الملك (غاضباً) : إذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به إلى الجبل فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه ، والا فاطرحوه .
(يذهبون بالغلام ، ويصعدون به الجبل)
الغلام ( داعياً عليم : اللهم أكفينهم بما شئت .
( يرجف بهم الجبل فيسقطون ويجيئ الغلام يمشي إلى الملك ) .
الملك ( في حيرة ودهشة) : ما فعل أصحابك ؟
الغلام ( في شجاعة وإيمان) : كفانيهم الله تعالى ( يدفعه الملك إلى نفر من أصحابه)
الملك : أذهبوا به فأحملوه في قرقورة ( زورق) وتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فأقذفوه ( يذهبون بالغلام) .
الغلام (داعياً) : اللهم أكفينهم بما شئت .
( تنكفئ بهم السفينة فيغرقون . ويجيئ الغلام إلى الملك يمشي ) .
الملك ( في قهر وخذلان) : ما فعل أصحابك ؟
الغلام ( في طمأنينة وثبات) : كفانيهم الله تعالى .
الغلام يضحي بنفسه :
الغلام ( للملك) : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به .
الملك ( في عجز ويأس) : وما هو ؟
الغلام : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي ، ثم ضع السم في كبد القوس ، ثم قل : ( بسم الله رب الغلام) . ثم أرمني ، فإنك إذا فعلت ذلك تقتلني .(9/3)
يجمع الناس في صعيد واحد ، ويصلب الغلام على جذع ، ثم يأخذ الملك سهماً من كنانة الغلام ، ثم يضع السهم في كبد القوس ثم يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم الله رب الغلام) ثم يرميه ، فيقع السهم في صدغه ، فيضع يده في صدغه في موضع السهم ويموت .
الناس ( يهتفون) : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام .
(يجيئ الجند إلى الملك) .
الجند (في أسف) : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس .
الملك (في تحفظ) : إحفروا الأخدود (الخنادق) بأفواه السكك وأضرموا فيها النيران ، ومن لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها (أطرحوه) .
(الجند على أطراف الأخدود ، يعرضون الشعب المؤمن على النار ، ويعرضون عليهم أن يرجعوا عن دينهم ، فمن لم يرجع أوقعوه في النار ) .
على حافة النار إمرأة معها رضيع تخشى علي فتتردد ، وتتقاعس أن تقع في النار .
الرضيع (يقول) : يا أمه إصبري فإنك على الحق .
إحتراق الكفار :
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) :
قال ابن جرير بعد ذكره قصة أصحاب الأخدود : وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالصواب للذي ذكرنا عن الربيع من العلة : وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم ، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا لم يكن لقوله (ولهم عذاب الحريق) معنى مفهوم من إخباره أن لهم عذاب جهنم ، لأن عذاب جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابهما في الآخرة .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) : أي حرقوهم بالنار ، فلهم عذاب جهنم لكفرهم ، ولهم الحريق في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار .
وقيل (جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين .(9/4)
ذكر المفسر الألوسي نقلاً عن ابن جرير وغيره : إن الله بعض على المؤمنين ريحاً تقبض أرواحهم قبل الوصول إلى النار ، وأن النار خرجت فأحرقت الكفار الذين كانوا على حافتي الأخدود . ويدل لهذا قوله تعالى : ( قتل أصحاب الأخدود) ، وقوله تعالى : ( ولهم عذاب الحريق) . …
من فوائد القصة :
كل مولود يولد على الفطرة ، فاقتضت الفطرة السليمة أن تكون مع الحق والخير دائماً وترفض الشر ، فوجهت الغلام نحو الخير حين سمع الحق من الراهب ونبذت الشر المتمثل في الساحر الكافر .
لا بأس بالكذب للنجاة من كيد الكافرين عند الضرورة .
علم الغلام بفطرته أن الحق مع الراهب ولكن أراد أن يقيم الحجة (مثل إبراهيم عليه السلام) حيث أقام الحجة على قومه .
الدعاء إلى الله أن يظهر له الحق ويبين له وجه الصواب ويقطع الشك باليقين ، وهذا شأن المؤمن يلجأ إلى الله دائماً لحل مشاكله .
إماطة الأذى عن الطريق وتخليص الناس من كرب وقعوا فيه ، مشروع ومطلوب يؤجر المسلم عليه ، كما صرحت بذلك الأحاديث .
المؤمن الصادق هو الذي ينسب فعل الكرامة إلى الله وليس إلى نفسه .
الاعتراف بالفضل ولو إلى غلام صغير : ( أي بني أنت اليوم أفضل مني) .
كل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصدع بالحق لا بد من أن يبتلى ، وعليه بالصبر ، وله الأجر الكبير عند الله ، قال تعالى على لسان لقمان يوصي ولده (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) .
كل من أخطأ في تعبيره لا يترك في خطئه ، بل يبين له وجه الصواب ، لا سيما في عقيدة التوحيد ، فالغلام يقول للوزير : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى ، وهذا مطابق لقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).(9/5)
إن لله رجالاً أقوياء بإيمانهم ، فمهما عذبوا لا يرجعون عن دينهم ، ولا يرضون الطغاة بكلمة فيها ضعف أو كفر ، ولو حرقوا ، أو نشروا أو أغرقوا وهو الأفضل وقد أشار إليهم الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ، وقد سمح الله للمؤمن أن ينطق بالكفر إذا أكره عليه فقال سبحانه وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
لا بد لكلمة الحق أن تنتصر ، فالملك يعجز عن قتل الغلام ، ولا يتم له ذلك إلا بطريقة يرسمها الغلام للملك ، يعقبها إيمان الشعب وانحدار الملك ، ويتحقق قول الله تعالى : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
الغلام المؤمن يضحي بنفسه ليؤمن الناس ، وهذا شأن المؤمنين المخلصين يسعون لإنقاذ أمتهم ، ولو أدى ذلك إلى استشهادهم ، فهم إلى الجنة ذاهبون ، قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
يثبت الله المؤمنين بالحجج البينات ، ويؤيد دينهم بالكرامات ، فهذا هو الرضيع ينطق (يا أمه إصبري فإنك على الحق) . والأم تستجيب لهذا الأمر ، وتلقي بنفسها مع طفلها صابرة محتسبة .
مصير المؤمنين إلى الجنة بعد موتهم ، ومصير هؤلاء الكفار الحرق في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة .(9/6)
أبرص وأقرع وأعمى :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن ثلاثة في بني إسرائيل (أبرص وأقرع وأعمى) أراد الله أن يبتليهم (يختبرهم) فبعث إليهم ملكاً .
(يأتي الملك الرجل الأبرص) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟.الأبرص : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عن الذي قد قذرني الناس .
( يمسحه الملك ، فيذهب عنه قذره ، ويعطي لوناً حسناً ، وجلداً حسناً) .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟ .
الأبرص : الإبل .
( يعطي ناقة عشراء ( حاملاً)
الملك : بارك الله لك فيها .
(يأتي الملك الرجل الأقرع) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟ .
الأقرع : شهر حسن ويذهب عن الذي قذرني الناس .
(يمسحه الملك فيذهب عنه داؤه ويعطي شعراً حسناً) .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟ .
الأقرع : البقر .
( يعطى بقرة حاملاً) .
الملك : بارك الله لك فيها .
(يأتي الملك الرجل الأعمى) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟ .
الأعمى : أن يرد الله إلى بصري ، فأبصر به الناس .
(يمسحه الملك ، فيرد الله إليه بصره )
الملك : فأي المال أحب إليك .
الأعمى : الغنم .
(يعطى شاة والداً حاملاً)
كان لهذا وادٍ من الإبل ، ولهذا وادٍ من البقر ، ولهذا وادٍ من الغنم) .
(يأتي الملك الرجل الأبرص في صورة أبرص)
الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ عليه في سفري (أصل به إلى أهلي) .
الأبرص (في ضيق) : الحقوق كثيرة .
الملك (في استغراب) : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس . فقيراً فأعطاك الله .
الأبرص ( في إنكار) : إنما ورثت هذا المال كابر عن كابر . (أباً عن جد) .
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .
(ثم يأتي الملك الرجل الأقرع في صورة أقرع )(9/7)
الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبار في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن والمنظر الحسن والمال ، بقرة أتبلغ بها في سفري .
الأقرع (في ضجر) : الحقوق كثيرة .
الملك (متعجباً) : كأني أعرفك ، ألم تكن أقرع يقذرك الناس ؟ .
الأقرع (في استكبار) : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر ( أباً عن جد) .
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .
(يأتي الملك الرجل الأعمى في صورة أعمى) .
الملك : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبار في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ـ شاة أتبلغ بها في سفري .
الأعمى ( شاكراً معترفاً) : قد كنت أعمى فرد الله إلىّ بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم ( لا أعارضك) بشئ أخذته لله عز وجل .
الملك : أمسك مالك ، فإنما أبتليتم ( اختبرتم) فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك .
من عبرة القصة وفوائدها :
اختبار الله لعباده ، سنة الله في أرضه ، كما أخبر الله به في كتابه .
الابتلاء يكون في الجسم والمال والأولاد وغيرها .
الملائكة تتصور أحياناً على هيئة البشر ، وتتكلم ، وتمسح على المريض فيبرأ بإذن الله .
لا شئ أحب للمبتلى بالمرض من ذهاب مرضه ومعافاته .
الله هو الذي يعطي ويمنع ، ويغني ويفقر ، بتقديره وحكمته .
من التوحيد والأدب أن تنسب الشفاء والغنى إلى الله وحده ( قد كنت أعمى فرد الله بصري) .
الإنسان الجاهل يبخل وقت الغنى ، والعاقل يعطى بسخاء متذكراً قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً .
بعض الأغنياء ينسون ماضيهم الفقير ويغضبون ممن يذكرهم به .(9/8)
من شكر النعمة ، وأعطى الفقراء زاده الله غنى ، وبارك له ، ومن بخل فقد عرض نفسه لزوال النعمة وسخط الرب القائل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) .
إنكار النعمة يجلب النقمة ، ويسبب الشقاء .
الكرم يجلب النعمة ويذهب بالنقمة ، ويرضي الرب ، والبخل يجلب السوء ويسخط الرب .
المؤمن يفي بما وعد ولا يبخل ، والمنافق يعاهد ويعد ، ولكن لا يفي بعهده ووعده ، كما قال الله تعالى عن المنافقين : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أئتمن خان) .
أصحاب الغار والصخرة :
عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم ، حتى آواهم المبيت إلى غار ، فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل ، فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم)
قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق (أقدم) قبلهما أهلاً ولا مالاً ، فنأى بي طلب الشجر يوماً (أبعدت) فلم أرح عليهما (فلم يرجع) حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما (حصتهما) فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت - والقدح في يدي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر ، والصبية يتضاغون عند قدمي (يصيحون) فاستيقظا فشربا غبوقهما (شرب اللبن) .
(اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة) .
فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها)(9/9)
وقال الآخر : اللهم إنه كانت لي إبنة عم كانت أحب الناس الىّ ، فأردتها على نفسها ، فامتنعت مني ، حتى ألمت بها سنة من السنين (أصابها جوع) فجاءتني ، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخل بيني وبين نفسها ، ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، لا تقربني إلا بنكاح شرعي) فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركب الذهب الذي أعطيتها .
(اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) .
فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها .
وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء ، وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمرت (كثرت) أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبدالله أد الىّ أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك ، من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبدالله لا تستهزئ بي ، فقلت ، إني لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً .
(اللهم عن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه ) .
فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، قال قتادة : تقربوا اليه بطاعته ، والعمل بما يرضيه .
1-…الأعمال الصالحة وقت الرخاء يستفيد منها الإنسان وقت الشدة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة) .
2-…يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله وحده دائماً بالدعاء وخاصة حين نزول الشدائد ، ومن الشرك الأكبر دعاء الأموات الغائبين ، قال الله تعالى : (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) - الظالمين : المشركين .(9/10)
3-…مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة ، وهي نافعة ومفيدة ، ولا سيما عند الشدة ، وعدم مشروعية التوسل بالذوات والجاه .
4-…حب الله مقدم على حب ما تهوى النفوس من الشهوات .
5-…من ترك الزنى والفجور خوفاً من المولى نجاه الله من البلوى .
6-…من حفظ حقوق العمال حفظه الله وقت الشدة ، ونجاه من المحنة .
7-…الدعاء إلى الله مع التوسل بالعمل الصالح يفتت الصخور .
8-…بر الوالدين وإكرامهما على الزوجة والأولاد .
9-…حق الأجير يحفظ له ، ولا يجوز تأخيره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) .
10-…استحباب تنمية مال الأجير الذي ترك حقه ، وهو عمل جليل ، وهو من حق الأجير .
11-…شرع من قبلنا هو شرع لنا إذا أخبر به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم على طريق المدح ، ولم يثبت نسخه ، وهذه القصة قصها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدح هؤلاء النفر الثلاثة لنقتدي بهم في عملهم .
12-…طلب الإخلاص في العمل حيث قال كل واحد ( اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه) .
13-…إثبات الوجه لله سبحانه من غير تشبيه ، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
وليمة جابر المباركة
عن جابر رضي الله عنه قال : ( كنا يوم الخندق نحفر ، فعرضت كدبة شديدة (صخرة) فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا هذه كدبة عرضت في الخندق .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أنا نازل ، ( يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوبة بحجر) .
قال جابر : ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذوقاً ( يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول ، فيضرب ، فيعود كثيباً أهيل ( تراباً ناعماً )
جابر : يا رسول الله أئذن لي إلى البيت .
جابر لأمرته ( متأثراً) : رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً (جوعاً) ، ما في ذلك صبر ، فعندك شئ ؟ .(9/11)
المرأة : عندي شعير وعناق ( الأنثى من ولد الماعز) . يذبح جابر العناق ، وتطحن امرأته الشعير ، ثم يجيئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
جابر لأمرأته : طعيم لي ( طعام قليل) فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان .
الرسول صلى الله عليه وسلم : كم هو ؟
جابر : سخلة وقليل من شعير .
الرسول صلى الله عليه وسلم : كثير طيب ، قل لها لا تنزع القدر ولا الخبر من التنور حتى آتي .
الرسول صلى الله عليه وسلم لصحبه : قوموا ، ( ويقوم المهاجرون والأنصار) .
جابر لأمرته ( في حيرة) ويحك قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ومن معهم .
المرأة في دهشة : ( هل سألك) .
جابر : نعم .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ادخلوا ولا تضاغطوا ( تزاحموا) يكسر الرسول الخبر ويجعل عليه اللحم ويغطي القدر والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ، ثم ينزع ، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقى منه .
الرسول للمرأة : كل هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم المجاعة .
من فوائد القصة :
1-…مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم القائد جنده في حفر الخندق ، وعدم تميزه عليهم .
2-…شكوى الصحابة لقائدهم من صخرة عجزوا عنها لما يعلمون من قوته ، فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، وفتت الصخرة مع شدة جوعه .
3-…حب الصحابة لقائدهم ، وسعيهم لإطعامه وسد جوعه .
4-…محافظة الصحابة على النظام ، وعدم الذهاب بدون إذن من القائد .
5-…نساء الصحابة يتصفن بالإيثار والكرم والحب للرسول صلى الله عليه وسلم .
6-…القائد المخلص لا يشبع وحده ، بل يدعو أصحابه معه .
7-…الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالنظام ( ادخلوا ولا تضاغطوا) .
8-…إكرام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالمعجزة ، بتكثير الطعام حتى شبعوا جميعاً ومن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يغطي القدر والتنور إظهاراً للبركة لا للإيجاد والخلق وهما من الله وحده ، محافظة على عقيدة الوحيد .(9/12)
9-…القائد العظيم في جنده أشبة بالأب في أسرته ، يغرف لهم الطعام بيده ، ويقدمه بنفسه .
10-…اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأفراد أمته كاهتمامه بجنده ( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة) .
جوع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم
يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد ، ويأتيه أبو بكر
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك يا أبا بكر ؟ .
أبو بكر رضي الله عنه : خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه . ( فلم يلبث أن جاء عمر رضي الله عنه ) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك يا عمر ؟
عمر رضي الله عنه : الجوع يا رسول الله .
الرسول صلى الله عليه وسلم : وأنا قد وجدت بعض ذلك .
( ينطلقون إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، وكان رجل كثير النخل والشاة ولم يكن له خدم فلم يجدون )
الجماعة (لأمرأته) : أين صاحبك ؟
المرأة : انطلق يستعذب لنا الماء . ( فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة ماء عذب فوضها ، ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه ورخم ويفديه بأبيه وأمه ، انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطاً ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو (عنقود البلح) فوضعه)
النبي صلى الله عليه وسلم : أفلا تنقيت لنا من رطبة .
أبو الهيثم : يا رسول الله إني أردت أن تختاروا من رطبه وبسره (حلوه ومره) .
(الرسول وصاحباه يأكلون منه ويشربون)
رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد .
(ينطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً) .
النبي صلى الله عليه وسلم : لا تذبحن لنا در ( حليب)
(يذبح لهم عناقاً أو جدياً ويأتيهم (1) بها فيأكلون) .
النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك خادم ؟
أبو الهيثم : لا .
__________
(1) الجدي : ولد الماعز .(9/13)
النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا أتانا سبى ( أسرى) فأتنا ( يأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (خادمان) ليس معهم ثالث ، فيأتيه أبو الهيثم .
النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهما .
أبو الهيثم : يا رسول الله اختر لي .
النبي صلى الله عليه وسلم : إن المستشار مؤتمن ، خذا هذا فإني رأيته يصلى واستوص به معروفاً . ( ينطلق أبو الهيثم فيخبر زوجته بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
المرأة : ما أنت ببالغ حق ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن تعتقه .
أبو الهيثم : فهو عتيق (حر) .
النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالاً ( إلا تقصر في إفساده) ومن يوق بطانة السوء فقد وقى ( أي حفظ) .
من فوائد القصة
1-…الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه يعانون الجوع ، ويسعون لسده بطريقة مشروعة .
2-…يجوز للرجل أن يذهب إلى بيت صاحبه لتناول الطعام بدون دعوة إن كان يعلم سعة حاله ، وطيب نفسه .
3-…التنبيه على فضل النعمة مهما كانت ، والحث على شكر خالقها ، وعدم الانشغال بها عن المنعم ، قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .
4-…إذا رأى الضيف إكراماً زائداً من صاحب البيت ، فخضي وقوعه في خطأ نصحه برفقه كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تذبحن لنا ذات در) – أي ذات لبن - .
5-…المكافأة على المعروف مطلوبة ، فرسول الكرم يكافئ صاحب البيت ويعده بخادم .
6-…لا يحتاج أبو الهيثم إلى وساطة لطلب الخادم ، فعندما يلتقي الرسول به وقد جاءه خادمان ، فسرعان ما يقول له : ( اختر منهما) .
…واذا طلبت إلى كريم حاجة ……فلقاؤه يكفيك والتسليم
7-…العاقل يستشير من هو أتم نظراً : ( يا رسول الله إختر لي ) .
8-…الصلاة علامة التقوى : ( خذ هذا فإني رأيته يصلي) .(9/14)
9-…وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالخدم لا سيما المصلين : ( استوص به معروفاً)
10-…حب الصحابة لتحرير الأرقاء ، وموافقته لزوجته الصالحة على إعتاقه .
11-…على المسلم العاقل أن ينتقي أصحابه من أهل الصلاح ليذكروه بالخير ، ويشجعوه عليه ، وأن يبتعد عن قرناء السوء كيلا يذكروه بالشر ويحسنوه إليه ، وكذلك شأن الزوجة الصالحة والشريرة لها تأثير على الزوج .
12-…جواز المعانقة لغير القادم من سفر .
جرة الذهب
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترى رجل من رجل عقاراً له (أرضاً) فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب !!
المشتري (للبائع) : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم أشتر منك الذهب !!
البائع (ممتنعاً) : إنما بعتك الأرض وما فيها . - يحتكمان إلى رجل - .
الحكم : الكما ولد ؟
أحدهما : لي غلام .
الآخر : لي جارية .
الحكم : أنحكوا (زوجوا) الغلام للجارية وأنفقوا عن أنفسكما منه ، وتصدقا .
من فوائد القصة
1-…أداء الأمانة مطلوب لقول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
2-…القناعة كنز لا يفنى تعود بالخير والبركة على صاحبها .
3-…مشروعية الاحتكام إلى عالم بالكتاب والسنة ، دون الذهاب إلى المحاكم المدنية التي تضيع الأموال والأوقات عملاً بقول الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
4-…من رضي بما أعطاه الله كان من أغنى الناس لقوله صلى الله عليه وسلم :-
…أ-…وأرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس) .
ب-…ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس .
5-…الرزق مقسوم ، لا بد أن يصل إليك في وقته ومقداره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) .(9/15)
6-…على المسلم أن يقنع بالحلال ، ويترك الحرام والطمع فيما ليس له ، ويأخذ بالأسباب المشروعة للرزق ، وأن العمل الصالح يكفل له السعادة في الدنيا والآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله وأحملوا في الطلب) .
7-…الحكم العادل يرضي المحتكمين .
8-…عدم الطمع فيما ليس للإنسان .
الأمانة في الخشبة العجيبة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه (يقرضه) الف دينار .
المقرض : أئتني بالشهداء أشهدهم .
المقترض : كفى بالله شهيداً .
المقرض : فإئتني بالكفيل .
المقترض : كفى بالله كفيلا .
المقرض : صدقت .
(يدفع الرجل للمقترض الألف دينار إلى أجل مسمى ، فيخرج بها في البحر ، فإذا قضى حاجته ، التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فيأخذ خشبة فينقرها ، فيدخل فيها ألف دينار !! وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم يزجج موضعها (يسده) ثم يأتي بها إلى البحر) .
المقترض (آسفاً) : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً (اقترضت منه) الف دينار ، فسألني كفيلاً ، فقلت ، كفى بالله كفيلا ، فرضي بك ، وسألنا شهيداً ، فقلت : كفى بالله شهيداً ، فرضي بك ، وإني جهدت (بذلت جهدي) أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له ، فلم أقدر ، وإني استودعكما ؟ (أضعها أمانة عندك) .
(يرمي المقترض بالخشبة في البحر حتى تلج فيها (تجري) ثم ينصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده ، فيخرج الرجع الذي كان أسلفه ينظر ، لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال !!
فيأخذها لأهله حطباً .. فلما نشرها وجد المال والصحيفة !!! ثم يقدم الذي كان أسلفه فيأتي بالألف دينار من جديد .
المقترض : والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لأتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه .
المقرض : هل كنت بعثت إلى بشئ .(9/16)
المقترض : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه .
المقرض : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة .
فانصرف بالألف الدينار راشداً .
من فوائد القصة :
1-…القرض الحسن مشروع والمقرض له أجر عظيم .
2-…مشروعية كتابة الدين ، ووقت أدائه ، والإشهاد عليه حفظاً للحقوق .
3-…للمقرض أن يأخذ رهناً ، أو كفيلاً من المستقرض ليحفظ حقه من الضياع .
4)…لصاحب الدين أن يرضى ممن عليه الدين بشهادة الله وكفالته ، اذا لم يجد شهداء ، أو كفيلاً .
5-…على المسلم أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعقلها وتوكل) .
…فالمقترض ينقر الخشبة ، ويضع الدنانير فيها ، ويسدها ، ثم يدعو الله متوكلاً عليه .
6-…من رضي بالله شهيداً ، أو كفيلاً كفاه ، وحفظ له حقه فالمقترض حينما رضي بالله شهيداً وكفيلاً رد عليه ماله .
7-…على المسلم العاقل ألا يكتفي بالأسباب الغيبية وحدها ، بل يأخذ بالأسباب الحسية ، فالمقترض لم يكتف بما أرسله للمقرض في الخشبة ، بل أتى بالدنانير من جديد حينما وجد سفينة تحمله إلى صاحب الدين ، ولكن المقرض أخبره بأن الله أدى عنه بما أرسله في الخشبة .
8-…على المقترض أن يبذل جهده ويسلك كل السبل لوفاء دينه في وقته المحدد .
9-…إذا أحسن المسلم النية وفقه الله لأداء دينه .
10-…أداء الحقوق ، ووفاء الدين واجب ، لا يجوز تأخيره ، إذا لم يوفه في الدنيا ، فسوف يدفعه يوم القيامة من حسناته ، وربما كان سبباً في دخوله النار .(9/17)
صوت سحابة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : ( إسق حديقة فلان) فتنحى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حرة (أرض ذات حجارة سوداء) فإذا شرجة ( ساقية) من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء ، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ( مجرفته) .
الرجل (لصاحب الحديقة) : يا عبدالله ، ما إسمك ؟ .
صاحب الحديقة : إسمي فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة .
فقال له : يا عبدالله لم تسألني عن إسمي ؟
الرجل : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ! يقول : إسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها ؟ .
صاحب الحديقة : أما إذا قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه .
وفي رواية : أجعل في المساكين والسائلين وابن السبيل .
من فوائد القصة :
1-…تسخير الله الملائكة والمطر لعباده المتصدقين الذين يؤدون حقوق الفقراء من أموالهم .
2-…التصدق على الفقراء يؤدي إلى زيادة الرزق ، قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) .
3-…المؤمن العاقد يحفظ حق الفقراء ، وحق عياله ، وحق حديقته .
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
إبراهيم يأتي بإسماعيل إلى مكة .
أم إسماعيل تخاف على ولدها .
أم إسماعيل تبحث عن ماء .
ماء زمزم ينبع .
إبراهيم والمرأة الأولى .
إبراهيم والمرأة الثانية .
الخليل يلتقي بإسماعيل .
بنيان البيت العتيق .
من عبر القصة وفوائدها .
هاجر وولدها إسماعيل :
لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان ( من أمر الغيرة بين زوجته الحرة سارة العقيم وبين هاجر أم ولده إسماعيل) ، وأمر الله إبراهيم أن تسكن هاجر وإبنها الحجاز ، جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأم إسماعيل ( هاجر ) وبإبنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت تحت دوحة (شجرة) فوق زمزم من أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذٍ أحد ، وليس بها ماء ، ووضع عندهما جراباً (كيساً) فيه تمر وسقاء (قربة) فيه ماء .
(يرجع إبراهيم منطلقاً ، فتتبعه أم إسماعيل) .
هاجر : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شئ ؟(9/18)
…(جعلت هاجر تقول ذلك لإبراهيم مراراً وهو لا يلتفت إليها) .
هاجر : آلله آمرك بهذا ؟
إبراهيم : نعم .
هاجر : إذاً لا يضيعنا الله ..
…(ترجع هاجر وينطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى إذا كان عند الثنية (مكان بمكة) حيث لا يرونه يستقبل بوجه البيت .
إبراهيم (داعياً) : ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي ا ليهم ، وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
أم إسماعيل تبحث عن الماء : جعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ولدها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فتنطلق كراهية أن تنظر إلى طفلها وهو يكاد يموت عطشاً فتجد الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فتقوم عليه . ثم تستقبل الوادي ، تنظر هل ترى أحد، فلم تر أحد ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ( ثوبها) ثم تسعى سعي الإنسان المجهود (المتعب) حتى تجاوزت الوادي ، ثم تأتي المروة فتقوم عليها علها ترى أحد .. فلا ترى أحد ، وفعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فذلك سعي الناس بينهما) .
ماء زمزم ينبع : تشرف هاجر آخر مرة على المروى فتسمع صوتاً ، فتقول ، صه .. (تريد نفسها) ثم تسمعت فسمعت أيضاً) .
هاجر (لنفسها) : قد أسمعت إن كان عندك غواث ( إغاثة فأغث) فإذا هي بالملك عند موضع زمزم يبحث بعقبه (بجناحه) حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه ( تجعله حوضاً) وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف ، (فتشرب وترضع ولدها) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً ( تجري على وجه الأرض) .(9/19)
الملك : لا تخافوا ضيعة (هلاكاً) فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله . ( وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله.)
نزول جرهم قرب الماء : تبقى هاجر حتى تمر بها رفقة من جرهم ينزلون أسفل مكة فيرون طائراً عائقاً (يحوم) ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جرباً (رائداً) فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء .
جرهم : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟
هاجر : نعم ، ولكن لا حق لكم بالماء .
جرهم : نعم .
(تنزل جرهم عند هاجر ويرسلون إلى أهليهم فينزلون معهم)
قال ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فألفى (وجد) ذلك الحي أم إسماعيل تحب الأنس) .
إبراهيم وامرأة إسماعيل الأولى : (بعد نزول جرهم عند هاجر ، شب إسماعيل بينهم ، وتعلم العربية منهم وأنفسهم – سبقهم – وأعجبهم حين شب ، فلما بلغ أشده زوجوه إمرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ) .
يجئ إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته ( يتفقد أسرته) فلا يجد إسماعيل في البيت بل وجد زوجته .
إبراهيم : أين إسماعيل ؟
المرأة : خرج يبتغي لنا ( يطلب الرزق) .
إبراهيم : كيف عيشكم وحالكم ؟
المرأة ( في اشمئزاز) : نحن بشر !! نحن في ضيق وشدة ، وشكت إليه !!
إبراهيم : إذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ، وقولي له : غير عتبة بابه (زوجته) .
يأتي إسماعيل كأنه آنس شيئاً .
إسماعيل (مستغرباً) : هل جاءكم أحد ؟
زوجته (في احتقار) : نعم جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك ، فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد ، !
إسماعيل : فهل أوصاك بشئ ؟
زوجته : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك .
إسماعيل : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك ، وطلقها .(9/20)
إبراهيم والمرأة الثانية : يتزوج إسماعيل من جرهم إمرأة أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده ، فيدخل على إمرأته فيسأل عنه .
إبراهيم : أين إسماعيل ؟
المرأة : ذهب يبتغي لنا ( الطعام من صيد وغيره) .
إبراهيم : كيف عيشكم .
المرأة : نحن بخير وسعة .
إبراهيم : وما طعامكم وشرابكم ؟
المرأة : طعامنا اللحم وشرابنا الماء .
إبراهيم : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ، فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه .
الرسول صلى الله عليه وسلم : بركة بدعوة إبراهيم صلى الله عليهما وسلم .
يجيئ إسماعيل
إسماعيل )مستغرباً) : هل أتاكم أحد ؟
الزوجة (في فرح( : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، فسألني عيشنا ؟ فأخبرته أنّا بخير .
إسماعيل : فأوصاك بشئ ؟
الزوجة : نعم : يقرأ عليكم السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك .
إسماعيل : ذاك أبي : وأنت العتبة ، وأمرني أن أمسكك .
الخليل يلتقي بإسماعيل :
يلبث إبراهيم عنهم ما شاء الله ، ثم يجئ بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة ]شجرة[ قريبة من زمزم يراه إسماعيل فيقوم إليه ويتعانقان .
بنيان البيت :
إبراهيم (في عزم) : يا إسماعيل إن الله يأمرني بأمر .
إسماعيل : فأصنع ما أمرك الله .
إبراهيم : وتعينني ؟
إسماعيل : وأعينك .
إبراهيم : فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً ، وأشار إلى أكمة (تلة) مرتفعة على ما حولها .
عند ذلك رفعا القواعد من البيت وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر (المقام) فوضعه له ، فقام وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة .
إبراهيم وإسماعيل : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)…
من فوائد القصة :
1-…المؤمن يستسلم لأوامر الله ، ويؤثر طاعته ومحبته على كل شئ ، ولو كان الزوجة الصالحة أو الولد الوحيد .(9/21)
…فإبراهيم ينفذ أمر الله تعالى حينما أمره أن يحمل زوجته (هاجر) وولدها الرضيع (إسماعيل) إلى واد غير ذي زرع ، ولا ماء ولا أنيس .
2-…المرأة الصالحة تستجيب لأمر الله ، وطاعة زوجها مع الصبر والإيمان بالله قائلة : (اذاً لا يضيعنا الله) .
3-…إبراهيم يترك زوجته الوفية ، وولده الصغير في الوادي بعد أن زودهم بكيس من التمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم دعا لهم : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم) . وبذلك يعلمنا إبراهيم عليه السلام أن نجمع بين الدعاء والأخذ بالأسباب .
4-…أم إسماعيل تبحث عن الماء عندما نفد من عندها ، وتأخذ بالأسباب وتسعى بين الصفا والمروة عدة مرات حتى وجدت الماء (زمزم) .
5-…يجوز للإنسان إذا سمع صوتاً أن يطلب الغوث والعون كما فعلت أم إسماعيل وهذا من مقدور المخلوق أن يفعل ذلك ، بخلاف الميت والغائب .
6-…إن الله اصطفى آل إبراهيم ، وجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين ، فكيف يرضى إبراهيم لولده إسماعيل بزوجة لا تحيا بروحها ، بل تعيش لجسدها ، ولا يهمها إلا الطعام والشراب ، فتزدري ضيفها أبا زوجها ، فتجحد نعمة ربها ، وتشكو سوء معيشتها ، لذلك أشار إبراهيم على ولده إسماعيل بفراقها ، والتخلص منها .
7-…الزوجة الثانية لإسماعيل صالحة ، تحترم ضيفها ، وتشكر نعمة ربها ، لذلك يشير إبراهيم على ولده إسماعيل بإمساكها ورعايتها .
8-…الطاعة والصبر عاقبة محمودة ، وذكرى خالدة ، فالمكان الموحش الذي نزلت في هاجر أم إسماعيل ، وهو مجدب يصبح فيما بعد حرماً آمناً ، وبلداً مسكوناً ، فيه ماء مبارك )زمزم) تهوي إليه أفئدة الناس ، وتأتيه الثمرات ، وتقصده الوفود للحج من كل فج عميق ، ليستفيدوا في حل مشاكلهم ويشهدوا المنافع الدنيوية والآخروية .(9/22)
أرض التوبة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه) .
القاتل (نادماً) : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ، فهل لي من توبة ؟ .
الراهب (في غباوة وجهل) : لا .
الرجل يقتل الراهب فيكمل به المائة .
ثم يسأل عن أعلم أهل الأرض ، فيدلونه على رجل عالم .
القاتل : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟ .
العالم ( في ثقة) : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة !! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .
(ينطلق الرجل حتى إذا نصف الطريق ]وصل نصفه[ أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) .
ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى .
ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط .
(يأتيهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم) .
الملك (يحكم) : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .
(الملائكة تقيس ما بين الأرضين فتجد التائب أقرب إلى الأرض التي أرادها بشبر ، فتقبضه ملائكة الرحمة) .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
1-…المذنب لا ييأس من رحمة الله ، ولو ملأ الأرض ذنوباً ، بل يجب عليه أن يتوب إلى ربه حالاً ، قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .
2-…لا بد للجاهل من سؤال عالم بالكتاب والسنة حتى يحل مشكلاته .
3-…لا يجوز للعابد أن يفتي الناس إذا كان جاهلاً ، ولو تزيا بزي العلماء ، فإن ضرره أكثر من نفعه ، وقد يعود بالوبال عليه كما في هذه القصة ، ولو كان هذا الراهب عالماً لما سد باب التوبة على من سأله ، ولما عرض نفسه للقتل .(9/23)
4-…العالم : هو الذي يفتح للناس باب التوبة ، ويغلق باب القنوط من الرحمة ، فهو كالطبيب يأخذ بيد المريض نحو الشفاء ، ويفتح له باب الرجاء) .
5-…على المذنب إذا أراد توبة أن يهجر أصحابه الذين اشترك معهم في الذنب ، وأن يهجر الأماكن التي يرتادها للمعصية .
6-…على التائب أن يرافق الصالحين ليعتاد فعل الطاعات وترك السيئات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .
7-…التحاكم إلى عالم بالكتاب والسنة مشروع عند الاختصام .
8-…لا تحتقر مذنباً مهما فعل ، لأنك لا تدري بم يختم له : ففي الحديث : ( أن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وأن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) - زاد البخاري ( وإنما الأعمال بخواتيمها) .
أهمية خطبة الحاجة وتأثيرها على النفوس
يقدم رجل من (أزد شنوءة) يدعى ( ضمان بن ثعلبة الأزدي) وكان يرقي من هذه الريح ]مس الجن[ فسمع إشاعة :
سفهاء مكة (يشيعون) : إن محمداً مجنون .
ضمان ( في نفسه : لو أني أتيت هذا الرجل ، لعل الله يشفيه على يديّ .
(ويلقى ضماد محمداً صلى الله عليه وسلم) .
ضماد ( ناصحاً) : يا محمد ، إني أرقي من هذه الريح ]الجنون[ وإن الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك ؟ (أي هل لك رغبة في رقيتي؟) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هاد له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
ضماد (متأثراً) : أعد عليّ كلماتك هؤلاء . (يعيد الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته ثلاث مرات) .
ضماد : لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن قاموس البحر ]وسطه ، ولجته[ هات يدك أبايعك على الإسلام . ( يبايع ضمان الرسول صلى الله عليه وسلم) .(9/24)
الرسول صلى الله عليه وسلم (مستفهماً) : وعلى قومك ؟
ضماد : وعلى قومي (أبايعك على قومي)
(يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيمرون على قومه)
صاحب السرية (للجيش) : هل أصبتم هؤلاء شيئاً ؟
رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة ( وعاء للوضوء) .
صاحب السرية : ردوها ، فإن هؤلاء قوم ضمان .
من فوائد الحديث والقصة :
1-…العرب قبل الإسلام كانت تعتقد بمس الجن ، ويسمونه (الريح) وجاء الإسلام ، فأقره ، قال الله تعالى : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}
2-…من العرب من كان يرقي من مس الجن ، وربما استعانوا بالجنب ، فأبطل الإسلام هذه الاستعانة ، وقال الله تعالى عنهم : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (زاد الكفار خوفاً وإثماً وطغياناً) .
…وبعض المسلمين يستعينون بالجن لمداواة المرضى ، أو لفك السحر ، وهذا من الشرك الأكبر الذي يحبط العمل ، ويزيدهم طغياناً وكفراً ، وعلى المسلم أن يتداوى بقراءة المعوذتين .
أ-…كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان ، وأعين الإنسان ، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ، وترك ما سواهما .
ب-…وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين ، وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذتين وأمسح بيده عليه رجاء بركتها .
3-…من العرب في الجاهلية من يعتقد أن الشافي هو الله وحده ، وبعض المسلمين - مع الأسف الشديد - يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره يشفي من الأمراض المختلفة .(9/25)
…فقد قال الأخ ( أحمد محمد جمال) في جريدة المدينة : ( وفي روايات متعددة يصف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه (رحمة مهداه) إلى الإنسانية ، ليخرجها من الظلمات إلى النور ، ويشفي قلوبها وأبصارها وأبدانها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ، والدليل على رد كلامه ما جاء في القرآن والحديث :
…أ-…قال الله تعالى على لسان إبراهيم : {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}
ب-…وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب الناس أذهب البأس ، وأشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً) .
4-…خطبة الحاجة يسمعها ( ضماد) فيتأثر بها ويطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم إعادتها ، ويبايعه على الإسلام مع قومه ، لأنها تحتوي على حمد الله ، والاستعانة ، وأن المعبود بحق هو الله وحده .
النص الكامل لخطة الحاجة :
إن الحمد لله ، نحمد ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هاد له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .(9/26)
أما بعد ،، فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاته ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
من فوائد الخطبة العظيمة :
1-…هذه الخطبة وردت من حديث لجابر رضي الله عنه قال فيه : (إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إذا خطب ، كما رواه مسلم والنسائي وغيرهما ، وذلك يشمل الخطب كلها ، وبصورة خاصة خطبة الجمعة ، فقد جاء ا لتنصيص عليها عند مسلم في رواية له ، فعلى الخطاب أن يحيوا هذه السنة .
2-…يستفاد من الخطبة عدم الاستعاذة عند قراءة الآيات أثناء الخطبة ، أو الكلام ، أو المحاضرات ، أو غيرها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعذ عند قراءتها ، والاستعاذة شرعت عند قراءة القرآن فقط .
3-…قول الله تعالى : {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ} فيه دليل على جواز السؤال بالله تعالى : وأما حديث : ( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ) فضعيف ، وعلى فرض صحته ، فهو محمول على سؤال الأمور الحقيرة .
4-…يجوز الاقتصار على جزء من أول الخطبة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في أول القصة التي أسلم فيها الصحابي (ضماد) .
هذه هي خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم سواء كانت خطبة نكاح أو جمعة ، أو محاضرة ، وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة اسمها : ( خطبة الحاجة) .
معجزة نبوية مباركة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمرّ أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلى ليشعبني ، فمرّ ولم يفعل . ثم مرّ بي عمر ، فسألته عن آية في كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمرّ ولم يفعل ، ثم مرّ النبي صلى الله عليه وسلم ، فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في و جهي ) .(9/27)
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا هر ]لقب الصحابي أبو هريرة[…
أبو هريرة : لبيك يا رسول الله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلحق .
(يمضي الرسول إلى بيته فيتبعه أبو هريرة) ، يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم فيستأذن له فيجد لبناً في قدح .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أين هذا اللبن ؟ ,
أهل البيت : أهداه لك فلان ، أو فلانة .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا هرّ .
أبو هريرة : لبيك يا رسول الله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلحق إلى أهل الصفة فأدعهم لي ، وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد ، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم . (يستاء أبو هريرة من ذلك) .
أبو هريرة ( يخاطب نفسه) : وما هذا اللبن في أهل الصفة ؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاء ، وأمرني (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكنت أنا أعطيهم . وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد .
(يدعوهم أبو هريرة فيقبلون ويستأذنون فأذن لهم ويأخذون مجالسهم من البيت) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هرّ .
أبو هريرة : لبيك يا رسول الله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ فأعطهم .
(يأخذ القدح أبو هريرة ، فيعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ، حتى ينتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ، فيأخذ الرسول القدح فيضعه على يده وهو ينظر إلى أبي هريرة ويبتسم .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا هرّ .
أبو هريرة : لبيك يا رسول الله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : بقيت أنا وأنت .
أبو هريرة : صدقت يا رسول الله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقعد فاشرب .
ويقعد أبو هريرة ويشرب .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشرب .(9/28)
يشرب ثانياً أبو هريرة والرسول لا يزال يقول اشرب اشرب .
أبو هريرة : لا والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأرني .
يناوله أبو هريرة القدح ، فيحمد الله ويسمي ويشرب الفضلة .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
1-…الصحابة الذين تعودوا الجوع ، ولم يذوقوا حلاوة الرفاهية ، مكتفين بحلاوة الإيمان ، هم الذين فتحوا القلوب بالقرآن والأخلاق قبل أن يفتحوا البلاد بالسنان .
2-…صدق فراسة النبي ، وذكاؤه فيما يراه في وجود أصحابه ، وتعهده أياهم : ( فتبسم حين رآني ، وعرف ما بي) .
3-…تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم للفقراء ، ودعوتهم إلى بيته ، دليل على اهتمامه بهم .
4-…الرسول المربي الحكيم يربي أبا هريرة على الكرم والإيثار وينتزع من نفسه حب الذات . ( إلحق بأهل الصفة فأدعهم لي) .
ويعلمه أن يبدأ بغيره قبل نفسه : ( خذ فاعطهم) .
5-…ملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ساءه كثرة الشاربين مع قلة اللبن تتجلى في مناداته مراراً : ( أبا هر ـ أبا هر) .
6-…الرسول صلى الله عليه وسلم كما علم الإيثار لأبي هريرة على غيره يحققه بذاته ، بل يقدم أبا هريرة على نفسه قائلاً : ( اشرب اشرب) . وما زال أبو هريرة يشرب ، حتى امتلأ لبناً ، بعد أن امتلأ قناعة وإيثاراً ، والطبيب الناجح يكرر الدواء لمريضه حتى يحصل له الشفاء بإذن الله .
7-…من السنة أن يشرب المسلم قاعداً كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة (اقعد فاشرب) .
8-…ومن السنة التسمية عند الشرب والحمد لله على نعم الله ، وصاحب البيت آخر القوم شراباً .
المتخلفون عن الجهاد
تخلف كعب
كعب يتردد في الجهاد
الرسول يتفقد الغزاة
الرسول يعود من تبوك
كعب يعترف بالذنب
الهجر جزاء المتخلفين
كعب يتسور على ابن عمه البستان
ملك غسان يطمع في كعب
أمر المتخلفين باعتزال النساء(9/29)
البشارة بالتوبة
كعب يهتز للبشرى
الرسول يبرق وجهه بالسرور
كعب يتصدق بماله
كعب يعاهد الرسول على الصدق
من عبرة القصة وفوائدها .
المتخلفون عن الجهاد :
(كعب بن مالك يتحدث عن تخلفه في غزوة تبوك)
لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في بدر ولم يعاتب أحداً عنها ، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش ]قافلتهم[ حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة (1) حين تواقنا (2) على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها (أكثر شهرة ، وأعظم ذكراً) .
تخلف كعب :
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني (أغنى) حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتها في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا وري (أوهم غيره) بغيرها .
حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً (فلاة لا ماء فيها) واستقبل عدواً كثيراً ، فحل للمسلمين أمرهم (وضح) ليتأهبوا أهبة غزوهم (ليستعدوا) فأخبرهم بوجهه الذي يريد (بمقصده) ، والمسلمون مع رسول الله كثير ، ولا يجمعهم كتاب حافظ ، يريد الديوان (سجل الجندية) .
قال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى (لكثرة الجيش) ما لم ينزل فيه وحي الله .
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنها إليها أصعر (أميل) .
كعب يتردد في الجهاد :
__________
(1) هي التي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار على الإسلام والنصرة قبل الجهاد ، والعقبة هي التي في طرف منى من ناحية مكة ، تضاف إليها جمرة العقبة .
(2) تعاقدنا وتجاهدنا(9/30)
فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، وطففت أغدوا لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض شيئاً ، وأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد (سافروا) فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئاً ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً .
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو (سبقوا) فهممت أن أرتحل فأدركهم ، فيا ليتي فعلت ، ثم لم يقدر لي ذلك .
فطففت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه ]مطعوناً[ في النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء .
الرسول يتفقد الغزاة :
(ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك )
رسول الله ( وهو جالس في القوم) : ما فعل كعب ؟ .
رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه (اعجابه بشبابه وثيابه)
معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً .
(سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً ) (لابس البياض) يزول به السراب )يتحرك) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة (اللهم أجعله أبا خيثمة) ، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري ، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون (عابوه) .
رجوع الرسول من تبوك :
قال كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً (راجعاً) من تبوك ، حضرني همي فطففت أتذكر الكذب وأقول ك بم أخرج من سخطه غداً ؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل لي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً (دنا قدومه) ، زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشئ فيه كذب ، فأجمعت (عزمت) صدقه .(9/31)
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكان بضعة وثمانين رجلاً ، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ، وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .
كعب يعترف بالذنب :
قال كعب : حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ، ثم قال : تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين ديه .
رسول الله صلى الله عليه وسلم (في عتب وغضب) : ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك . (اشتريت ركابك) .
كعب (في صدق واعتراف) : بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جذلاً لكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ .
ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله ، والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك . ( يشب رجال من بني سلمة يتبعون كعباً) .
قوم كعب : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون ، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك .
كعب : فوالله ما زالوا يؤنبونني (يلوموني) حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي .
كعب لقومه : هل لقي هذا معي من أحد ؟ .
قوم كعب : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك .
كعب : من هما ؟ .
قومه : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي .
قال كعب :فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي .
الهجرة جزاء المتخلفين :(9/32)
قال كعب : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض (تغيرت) فما هي بالأرض التي أعرف ، ولبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا (ضعفا) وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم (أقواهم) ، أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسه : هل حرك شفتيه ، يرد السلام أم لا ؟ .
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر اليّ ، وإذا التفت نحوه أعرض عني .
كعب يتسور على ابن عمه البستان :
قال كعب : حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ]بستانه[ وهو ابن عمي وأحب الناس اليّ ، فسلمت عليه فوالله ما رد عليّ السلام .
فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك الله عل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فسكت ، فعدت فناشدته ، فسكت ، قعدت فناشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار .
ملك غسان يطمع في كعب :
قال كعب : فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي (فلاح) من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له اليّ . حتى جاءني ، فدفع اليّ كتاباً من ملك غسان (وكان نصرانياً) وكنت كاتباً فقرأته ، فإذا فيه :
( أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك) .
فقلت حين قرأتها : وهذه أيضاً من البلاء ، فتيممت (فقصدت) بها التنور فسجرتها بها (حرقت الكتاب) .
أمر المتخلفين باعتزال النساء :
قال كعب : حتى إذا مضت أربعون - ليلة - من الخمسين ، واستبث (أبطأ) إذا رسول رسول الله يأتيني .(9/33)
رسول النبي صلى الله عليه وسلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ،
كعب : أطلقها أم ماذا أفعل ؟
رسول النبي صلى الله عليه وسلم : لا بل اعتزلها ولا تقربها .
كعب لأمرأته : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر .
يرسل النبي إلى (هلاك ومرارة) باعتزال نسائها ، فتجيئ إمرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أمرأة هلال : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، ولاكن لا يقربك .
إمرأة هلال : إنه والله ما به من حركة إلى شئ ، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا .
أهل كعب : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك ، فقد أذن لأمرأة هلال بن أمية أن تخدمه .
كعب : لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يدريني ماذا يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ؟ .
(يلبث كعب بذلك عشر ليال ، فيكمل له الخمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا) .
البشارة بالتوبة :
قال كعب : ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله : قد ضاقت عليّ نفسي ، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى (صعد) على سلع (جبل) يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر ، فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء فرج ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، فذهب قبل صاحبي ، مبشرون وركض اليّ رجل فرساً (استحثه للإسراع) ، وسعى ساع من (أسلم) قبلي وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس .
كعب يتصدى للبشرى :(9/34)
قال كعب : فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته - والله ما أملك غيرهما حينئذٍ واستعرت ثوبين ولبستهما ، وانطلقت أتأمم (أقصد) رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون : لتهنك توبة الله عليك ، حتى إذا دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، فكان كعب لا ينساها لطلحة .
الرسول يبرق وجهه بالسرور :
قال كعب : فلما سمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال وهو يبرق وجهه بالسرور : ( أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) .
كعب :…أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا بل من عند الله .
(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه الشريف حتى كأن وجهه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه) .
كعب يتصدق بماله كله :
(كعب يجلس بين يدي الرسول) .
كعب : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله والى رسوله .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك .
كعب : إني أمسك سهمي الذي بخيبر .
كعب يجاهد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدق :
قال كعب : يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت .
فوالله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله تعالى : ( وفقه) في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى (وفقني) .
والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي .(9/35)
وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم :{لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} .
قال كعب : والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط ، بعد إذ هداني للاسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد : {سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } .
قال كعب : وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله عز وجل : {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} ، وليس الذي ذكر الله مما خلفنا ]تخلفنا[ عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا ، وإرجاؤه أمرنا ]أي تأخيره[ عمّن حلف له ، واعتذر إليه ، فقبل منه .
من فوائد القصة :(9/36)
قال الله تعالى : {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ}
1-…يجوز للمسلم أن يتحدث بذنبه بعد توبته - كما فعل كعب - ليشجع على التوبة من الذنب ، لا سيما إذا كان ذنبه مكشوفاً معروفاً للناس .
أما الذنب السري الذي ارتكبه المسلم ، أو الذنب الجهري الذي لم يتب منه ، فلا يجوز له أن يتحدث عنه لئلا يشجع غيره عليه ، ويكون فيه المجاهرة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (كل أمتر معافى إلا المجاهرين) .
ومثل كعب رضي الله عنه مثل رجل أصيب بعلة خطيرة ، فأجرى له الطبيب عملية جراحية ناجحة ، وحرّم عليه بعض الأطعمة ، فاستجاب ، وصبر ، وقاسى من حرمانه ما قاسى ، حتى تم شفاؤه ، فهل في حديث هذا المريض - إذا حدث - إغراء بالعلة ، أم وصية بالصبر والطاعة ؟ .
2-…قد يتوفر للإنسان المال والأسباب لقيامه بواجب الجهاد ، ومع هذا كله يرتكب الذنب الكبير ، والخذلان والتقصير لو استجاب لدواعي الكسل والتسويف ، وحب اللذة العاجلة كما حصل لكعب ، وقد لا تتوفر للإنسان الأسباب للقيام بواجب الجهاد ، ومع هذا تراه يحب الجهاد ويحرص عليه ، كما جرى للفقراء الذين جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبين أن يحملهم ، فلم يجد ما يحملهم على الذهاب للجهاد ، فتولوا وهم يبكون ، ولكن لنيتهم الطيبة يسر الله لهم مطايا ، فحملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3-…إن المؤمن يتألم فيما لو أهمل واجبه ، يقول كعب : ( يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلى منافقاً ، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء) .
4-…المؤمن لا يخذل أخاه ، بل يدافع عنه ، فمعاذ بن جبل يقول للرجل : ( بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً) .
5-…المقاطعة والهجر هو علاج ناجح لرد المنحرفين إلى جادة الصواب ، وما ورد من النهي عن الهجر فمحمول على التقاطع من أجل الدنيا ، والتشفي .(9/37)
6-…الصحابة كلهم يطيعون قائدهم ، وينفذون وصيته ، فإبن عم كعب لا يرد عليه السلام ، ولما جاءت بطاقة من ملك غسان ، وجاء حاملها يسأل عن كعب ، لم يجبه أحد باللسان ، بل بالاشارة وان كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يراهم .
7-…المؤمن الكامل لا يبيع دينه ولو بملك الدنيا ، فلما جاء كتاب الملك النصراني يعرض على (كعب) اللحاق به عدّ هذا من البلاء ، وحرق كتابه .
8-…العلاج بالهجر لا يقتصر تنفيذه على الناس ، بل يشمل البيت ، فيؤمر المتخلفون باعتزال نسائهم ، فربما كان من المثبطات عن الجهاد حسب البقاء بجانب الزوجة والشهوات .
9-…السجود لله ، والشكر له حين يجئ الفرج ، وهذا ما فعله كعب رضي الله عنه : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء أمر يسر به ، خر ساجداً ن شكراً لله تعالى ) .
قصة إسلام سيد أهل اليمامة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : (ثمامة بن أثال) سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ماذا عندك يا ثمامة ؟ .
( ما تظن أني فاعل بك) ؟
ثمامة : عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم ]تقتل من عليه دم مطلوب به ، وهو مستحق عليه ، فلا عتب عليك في قتله[ ، وان تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . (فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان يوم الغد) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما عندك يا ثمامة ؟ .
ثمامة : عند خير يا محمد ..
(فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان يوم الغد)
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما عندك يا ثمامة ؟ .
ثمامة : عندي ما قلت لك ، إن تنعم تنعم على شاكر .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أطلقوا ثمامة .
(يطلق الصحابة ثمامة ، فينطلق إلى نخل قريب من المسجد فيغتسل ، ثم يدخل المسجد) .(9/38)
ثمامة ك أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ، يا محمد ، والله ما كان على الأرض وجه أبغض اليّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه اليّ ، والله ما كان من دين أبغض اليّ من دينك ، فقد أصبح دينك أحب الدين كله اليّ ، والله ما كان من بلد أبغض اليّ من بلدك ، فقد أصبح بلدك أحب البلاد كلها اليّ ، وإن خيلك أخذتني ، وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ .
(يبشره الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يعتمر )
يقدم ثمامة إلى مكة
المشركون (ثمامة) : أصبأت . ] أتركت دين آبائك[
ثمامة : لا ] ما خرج من الدين ، لأن عبادة الأوثان ليست بدين حقاً[ ولكن أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من فوائد هذا الحديث والقصة :
1-…ربط الكافر في المسجد ليطلع على عبادة المسلمين وأخلاقهم .
2-…المن على السير الكافر ، وتعظيم أمر العفو عن المسئ ، لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم من العفو والمن بغير مقابل .
3-…مشروعية الاغتسال عند الإسلام .
4-…تستحب الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى ، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه ( مثل ثمامة فهو زعيم قومه) .
5-…مشروعية بعث السرايا إلى بلاد الكفار ، وأسر من وجد منهم ، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه .
6-…كان المشركون يقولون لمن أسلم منهم ( صابئ) أي تارك دينه ، ودين آبائه الذين يدعون الأولياء من دون الله ، ليصرفوا الناس عنه ويذموه .
وفي عصرنا من دعا إلى التوحيد ، وأمر بدعاء الله وحده ، وحذر من دعاء غير الله من الأنبياء والأولياء وغيرهم قال عنه بعض الناس المنحرفين (وهابي) ليصرفوا الناس عن دعوته ، وهي في الحقيقة دعوة الأنبياء جميعاً ، وعلى رأسهم خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
7-…إن عبادة الأوثان لا تسمى ديناً حقاً ، لأنها من وسوسة الشياطين ، تخالف الفطرة والدين والعقل.(9/39)
صحابي جليل يتحدث عن إسلامه
عمرو بن عبسة السلمي يقول : كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شئ ، وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل في مكة يخبر أخباراً ، فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً حراء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة .
(حراء : غضاب مغمومون من دعوته )
عمرو (يسأل الرسول ) : ما أنت ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم ك أنا نبي .
عمر بن عبسة : وما نبي ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم : أرسلني الله .
عمرو : فبأي شئ أرسلك ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم : أرسلني بصلة الرحم ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله ولا يشرك به شئ .
عمرو : فمن معك على هذا ؟ - أي على الدين - .
الرسول صلى الله عليه وسلم : حر وعبد ]أبو بكر وبلال[
عمرو : إني متبعك ] مؤمن بك وبدينك[ .
الرسول صلى الله عليه وسلم : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن أرجع إلى أهلك ، فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني .
(يذهب عمرو إلى أهله ، ويقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عمرو في أهله ، فجعل يتخبر الأخبار ويسأل الناس حتى قدم عليه نفر من أهل المدينة) .
عمرو : ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟
النفر من أهل المدينة : الناس إليه سراع ، وقد أراد قومه قتله ، فلم يستطيعوا ذلك . (سراع : يسارعون في دخول دينه) ، ( يقدم عمرو المدينة ، ويدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
عمرو : يا رسول الله أتعرفني ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم : نعم ، أنت الذي لقيتني بمكة .
عمرو : يا رسول الله أخبرني عما علمك الله ، وأجهله ، أخبرني عن الصلاة ؟(9/40)
الرسول صلى الله عليه وسلم : (صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثم صل ، فإن الصلاة مشهودة ]تشهدها الملائكة[ محضورة حتى يستقل الظل ] كناية عن وقت صلاة الظهر[ بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة ، فإنه حينئذٍ تسجر ]توقد[ جهنم ، فإذا فاء ] رجع من الغرب إلى الشرق[ الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة ، حتى تصل العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغربي بين قرني شيطان ] كناية عن جنبي رأسه[ وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثم صل ما بدا لك) .
عمرو : يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من رجل يقرب وضوءه ، فيمضمض ويستنشق ويستنثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه من الماء ، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله تعالى إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ، أو مع آخر قطرة من الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره ومن أذنيه مع الماء ، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه مع الماء ، فإن هو قام فصلى ، فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل ، وفرغ قلبه لله في صلاته ، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه .
من فوائد هذا الحديث والقصة :
1-…من العرب قبل الإسلام من كان ينكر عبادة الأوثان ، لأنها تخالف العقل والفطرة .
2-…بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً ، ومع ذلك كان قومه يتسلطون عليه ، وهو صابر ، وفي هذا درس مفيد للدعاة أن يصبروا على الأذى .
3-…الإسلام يأمر بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وعبادة الله وحده ، وعدم الإشراك به .
4-…الدعوة كانت ضعيفة في بادئ الأمر ، فلم يؤمن به من الأحرار إلا أبا بكر ، ومن العبيد إلا بلال .(9/41)
5-…وثوق الرسول صلى الله عليه وسلم من ظهور دعوته ، ونصيحته لعمرو أن يأتيه عند ذلك .
6-…إسراع الناس إلى الدخول في الإسلام رغم التهديدات ، ودخول عمرو على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليتعرف عليه ، ويذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بلقياه في مكة .
7-…أهمية العلم والتعليم والسؤال عما يجهله الإنسان ، ولا سيما في الأمور المهمة من الدين كالوضوء والصلاة ، وغيرها ، وذلك بعد معرفة توحيد الله ، وعدم الإشراك به .
8-…فضل الوضوء والصلاة الخاشعة ، وأنها سبب في خروج المصلي من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه .
9-…تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابي أوقات الصلوات الخمس ، والأوقات التي تمنع فيها الصلاة .(9/42)