آفات اللسان في ضوء الكتاب واسنة(/)
آفات اللسان
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
مقدمة الطبعة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}([1]).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}([2]).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}([3]).
أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن الله تعالى منح الإنسان نعماً عظيمة ومن أعظمها بعد الإسلام: نعمة النطق باللسان، وهذا اللسان سلاح ذو حدين: فإن استخدم في طاعة الله: كقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصر المظلوم كان هذا هو المطلوب من كل مسلم، وكان هذا شكراً لله على هذه النعمة.
وإن استخدم في طاعة الشيطان، وتفريق جماعة المسلمين، والكذب وقول الزور، والغيبة والنميمة، وانتهاك أعراض المسلمين وغير ذلك مما حرمه الله ورسوله. كان هذا هو المحرم على كل مسلم فعله وكان كفراناً لهذه النعمة العظيمة.
وفي اللسان آفتان عظيمتان:
1- آفة الكلام بالباطل.(1/1)
2- آفة السكوت عن الحق.
فالساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس، عاصٍ لله، مراءٍ، مداهنٍ، إذا لم يخف على نفسه القتل ونحوه، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاصٍ لله، وأكثر البشر منحرف في كلامه وسكوته بين هذين النوعين. وأهل الوسط كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه(1).
وآفات اللسان من أخطر الآفات على الإنسان؛ لأن الإنسان يهون عليه التحفظ، والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ والاحتراز من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه: بالدين، والزهد، والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، ينزل في النار بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، أو يهوي بها في النار سبعين سنة، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يقطع، ويذبح في أعراض الأحياء الأموات، ولا يبالي بما يقول(1). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وَلِخَطَرِ آفات اللسان على الفرد، والمجتمع، والأمة الإسلامية جمعت ما يسر الله لي جمعه – في هذا الموضوع الخطير – من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب وخاتمة كالتالي:
الباب الأول
الغيبة والنميمة
الفصل الأول: الغيبة. ويشتمل على تسعة مباحث.
الفصل الثاني: النميمة. ويشتمل على ثمانية مباحث.
الباب الثاني
القول على الله بغير علم
الفصل الأول: الكذب على الله وعلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الفصل الثاني: الكذب عموماً. ويشتمل على أربعة مباحث.
الفصل الثالث: شهادة الزور، ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الباب الثالث
القذف، والخصومات، وبذاءة اللسان
الفصل الأول: القذف ويشتمل على مبحثين.
الفصل الثاني: الخصومات والجدال ويشتمل على ثلاثة مباحث.
الفصل الثالث: بذاءة اللسان، ويشتمل على خمسة وعشرين مبحثاً.
الفصل الرابع: وجوب حفظ اللسان.(1/2)
وفد اجتهدت في جمع المادة العلمية لهذا البحث من المراجع والمصادر الموثوقة، وأعظمها، وأجلها على الإطلاق: الكتاب العزيز، والسنة المطهرة وهما المنبعان الصافيان اللذان من أخذ بهما وعض عليهما بالنواجذ فاز وأفلح ومن أعرض عنهما وعن هديهما فقد خاب وضل مسعاه...
ثم إني اجتهدت في تخريج جميع الأحاديث وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وإذا كان الحديث في غير صحيحي البخاري ومسلم، فإني أذكر ما قاله أهل العلم المحققون في درجة الحديث.
وقد سميته: آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة، هذا ما يسر الله لي جمعه، فما كان من صواب فمن الواحد المنّان، وما كان من أخطاءٍ فمني ومن الشيطان، والله بريءٌ منه ورسولُه.
وأسأل الله العظيم، رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وأن ينفع به من قرأه، أو سمعه، أو طبعه، أو نشره، أو كان سبباً في نشره، ومُقرِّباً لي ولهم من جنات النعيم، وأن يجعله حجة لنا ولا يجعله حجة علينا، إنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
يوم الأربعاء 13/11/1410هـ
---
([1]) سورة آل عمران الآية: 102.
([2]) سورة النساء الآية: 1.
([3]) سورة الأحزاب الآيتان: 70، 71.
(1) انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله تعالى ص 281.
(1) انظر المرجع السابق ص 277.(1/3)
الباب الأول
الغيبة والنميمة
الفصل الأول: الغيبة
وفيه تسعة مباحث
الفصل الثاني: النميمة
وفيه ثمانية مباحث
الفصل الأول: الغيبة
المبحث الأول
تعريف الغيبة
قال الحافظ ابن حجر: (رحمه الله تعالى) (وقد اختلف العلماء في حد الغيبة. فقال الراغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك).
وقال الغزالي: (حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه).
وقال ابن الأثير في النهاية: (الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه).
وقال النووي في كتابه الأذكار تبعاً للغزالي: (الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز).
قال ابن التين: (الغيبة ذكر المرء بما يكره بظهر الغيب).
وقال الإمام النووي (رحمه الله): (ومن ذلك قول كثير من الفقهاء في التصانيف: قال بعض من يدعي العلم، أو بعض من ينسب إلى الصلاح... ممن يفهم السامع المراد به).
ومنه قولهم عند ذكره: (الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة... فكل ذلك من الغيبة)([1]).
والغيبة لا تختص باللسان فحيثُ ما أفهمتَ الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض، أو الفعل، أو الإشارة، أو الغمز، أو اللمز، أو الكتابة، وكذا سائر ما يتوصل به إلى المقصود كأن يمشي مشيه فهو غيبة بل هو أعظم من الغيبة لأنه أعظم وأبلغ في التصوير والتفهيم.
المبحث الثاني
الفرق بين الغيبة والنميمة
قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله تعالى): (واختُلِفَ في الغيبة والنميمة هل هما متغايرتان أو متحدتان: والراجع التغاير وأن بينهما عموماً وخصوصاً وجيهاً. وذلك؛ لأن النميمة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه.(2/1)
والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه فامتازت النميمة بقصد الإفساد ولا يشترط ذلك في الغيبة.
وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركا في ما عدا ذلك.
ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائباً والله أعلم([2]).
المبحث الثالث
حكم الغيبة
لاشك ولا ريب أن الغيبة محرمة بإجماع المسلمين وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة([3]).
المبحث الرابع
الترهيب من وقوع في الغيبة
قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}([4]).
وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}([5]).
وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}([6]).
وقال عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}([7]).
وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}([8]).
والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان، ولقد عرفها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
”أتدرون ما الغيبة“؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ”ذكرك أخاك بما يكره“ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول: قال: ”إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته“([9]).(2/2)
وعن أبي حذيفة عن عائشة (رضي الله عنها) قالت قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال: ”لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته“ قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ”ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا“([10]).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لّمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويعقون في أعراضهم“([11]).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم“([12]).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا“ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ”بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه“([13]).
ولا شك أن غيبة المسلم الميت أفحش من غيبة الحي وأشد؛ لأن عفو الحي واستحلاله ممكن بخلاف الميت([14]) فقد روى أبو داود عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه“([15]).
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتّبعَ عوراتِهم يتّبع اللهُ عورتَهُ، ومن يتبع الله عورته، يفضحهُ في بيته“([16]).(2/3)
والحديث فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن، وفيه الوعيد بكشف الله عيوب الذين يتبعون عورات المسلمين ومجازاتهم بسوء صنيعهم، وكشف مساويهم ولو كانوا في بيوتهم مخفيين من الناس([17]) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من أكَلَ برجلٍ مسلمٍ أُكْلةً فإن الله يُطعِمُهُ مثلها من جهنم، ومن كُسِيَ ثوباً برجلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجلٍ مقام سمعةٍ ورياءٍ؛ فإن الله يقوم به مقام سُمعة ورياء يوم القيامة“([18]).
وهذا الحديث فبه الوعيد لمن أكل أكلةً برجل مسلم: أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه، أو كُسِيَ ثوباً بسبب إهانته. فإن الله عز وجل يطعمه من جهنم مثل ما طعم بهذا الرجل المسلم، ويكسوه من جهنم مثل ما كُسِيَ؛ لأن الجزاء من جنس العمل(1). والله أعلم.
ومعنى ”من قام برجل مسلم...“ ذكروا له معنيين:
المعنى الأول: أن الباء للتعدية أي قام رجلاً مقام سمعة ورياء ووصفه بالصلاح، والتقوى، والكرامات، وشهره بها وجعله وسيلة إلى تحصيل أغراض نفسه وحطام الدنيا فإن الله يقوم بعذابه وتشهيره، لأنه كان كاذباً.
والمعنى الثاني: أن الباء للسببية وقيل: هو أقوى وأنسب أي من قام برجلٍ من العظماء من أهل المال والجاه مقاماً يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه ويصير إليه المال والجاه أقامه الله مقام المرائين ويفضحه ويعذبه عذاب المرائين(1).
وقد يحتمل أن تكون الباء في (برجل) للتعدية والسببية فإن كانت للتعدية يكون معناه: من أقام رجلاً مقام سمعة ورياء يعني من أظهر رجلاً بالصلاح والتقوى، ليعتقد الناس فيه اعتقاداً حسناً ويعزونه ويخدمونه لينال بسببه المال والجاه فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله ويظهروا أنه كذاب.(2/4)
وإن كانت للسببية فمعناه: أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجلٌ عظيم القدر كثير المال؛ ليحصل له مال وجاه..(2).
وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: شهدت الأعراب يسألون النبي صلّى الله عليه وسلّم أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ [لأشياء ليس بها بأس] فقال لهم: ”عباد الله وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئاً فذلك الذي حرج وهلك..“(1).
ومعنى: اقترض: أي اقتطع. والمراد أنه نال من أخيه المسلم بالطعن فيه.
وعن سعيد بن زيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن من أربى الرِّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق“(2).
بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن من أربى الربا إطالة اللسان في عرض المسلم باحتقاره، والترفع عليه, والوقيعة فيه بقذف، أو سب، ونحو ذلك، فإن ذلك أكثر الربا، وأشده تحريماً؛ لأن العرض أعز على النفس من المال.
وقد أدخل صلّى الله عليه وسلّم العرض في جنس المال على سبيل المبالغة وجعل الربا نوعين:
متعارف: وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون.
وغير متعارف: وهو استطالة الإنسان في عرض المسلم بغير حق وبين أنّ أشد النوعين تحريماً هو الاستطالة في عرض المسلم بغير حق(1). أما إذا كانت الاستطالة بحق فيجوز لصاحب الحق بشروط وبقيود بيّنها أهل العلم وسيأتي بيان ما تجوز فيه الغيبة إن شاء الله تعالى.(2/5)
وفي حديث أبي هريرة عند الحافظ أبي يعلى وغير قصة ماعز الذي جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطلب منه أن يطهِّره من الزنا فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قالها أربعاً فلما كان في الخامسة قال: ”زنيتَ“؟ قال: نعم. ثم سأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ثبت عنده زنا ماعز فأمر برجمه فرجم. فسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: أم ترَ إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجمَ الكلب ثم سار النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى مر بجيفة حمار فقال: ”أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار“ قلا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: ”فما نلتما من أخيكما آنفاً أشدُّ أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها“(1).
وعن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من سمّع سمَّع الله به يوم القيامة“ قال: ”ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة“ فقالوا: أوصنا فقال: ”إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيباً فليفعل، ومن استطاع أن لا يُحال بينه وبين الجنة بملء كفٍّ من دم هراقه فليفعل“(1) والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم، والنهي عن إدخال المشقة عليهم والأضرار بهم(2). وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه. ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفُقْ به“(3).
المبحث الخامس
ما ينبغي لمن سمع غيبة أخيه المسلم(2/6)
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها، ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد، ولا باللسان فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حق، أو من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر)(1).
وعن عتبان (رضي الله عنه) في حديثه الطويل المشهور قال: قام النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي، فقالوا أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله، ورسوله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله“ قال: قالوا: الله ورسوله أعلم. قال فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله“(1).
وعن جابر بن عبد الله وأبي طلحة (رضي الله عنهم) قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته. وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطنٍ يحب فيه نصرته“(2).
وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة“(3).
وعن أسماء بنت يزيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار“(1).(2/7)
وعن كعب بن مالك في حديثه الطويل في قصة توبته قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في القوم في تبوك: ”ما فعل كعب بن مالك“؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل: (رضي الله عنه) (بئس ما قلت: والله يا رسول الله، ما علمناه عليه إلا خيراً) فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(2).
المبحث السادس
الأسباب الباعثة على الغيبة
عندما ينظر الإنسان المسلم العاقل ويفكر في الأسباب التي تدفع المغتاب إلى الغيبة وتدفع النمام إلى النميمة فسوف يجد لذلك أسباباً منها ما يأتي:
السبب الأول: هو محاولة الانتصار للنفس والسعي في أن يشفي المغتاب الغيظ الذي في صدره على غيره فعند ذلك يغتابه أو يبهته، أو ينقل عنه النميمة.
السبب الثاني: الحقد للآخرين والبغض لهم فيذكر مساوئ من يبغض؛ ليشفي حقده ويبرِّد صدره بغيبة من يبغضه ويحقد عليه. وهذا ليس من صفات المؤمنين كاملي الإيمان نسأل الله العافية.
السبب الثالث: إرادة رفعة النفس وخفض غيره كأن يقول: فلان جاهل، أو فهمه ضعيف، أو سقيم، أو عبارته ركيكة تدرجاً إلى لفت أنظار الناس إلى فضل نفسه وإظهار شرفه بسلامته عن تلك النقائص التي ذكرها في مَنْ اغتابه. وهذا من الإعجاب بالنفس نعوذ بالله من ذلك وهو من المهلكات التي بيّنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
السبب الرابع: موافقة الجلساء والأصحاب، والأصدقاء ومجاملتهم فيما هم عليه من الباطل؛ لكي يُكسَب رضاهم حتى ولو كان ذلك بغضب الله عز وجل وهذا من ضعف الإيمان وعدم مراقبة الله عز وجل.
السبب الخامس: إظهار التعجب من أصحاب المعاصي:
كأن يقول الإنسان: ما رأيت أعجب من فلان كيف يخطئ وهو رجل عاقل أو كبير أو عالم أو غير ذلك وكان من حقه عدم التعيين.
السبب السادس: السخرية والاستهزاء بالآخرين والاحتقار لهم:(2/8)
السبب السابع: الظهور بمظهر الغضب لله على من يرتكب المنكر فيظهر غضبه ويذكر اسمه مثل أن يقول فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا ويقع في عرضه بالغيبة.
السبب الثامن: الحسد فيحسد المغتاب من يُثني عليه الناس ويحبونه فيحاول المغتاب الحسود قليل الدين والعقل أن يزيل هذه النعمة فلا يجد طريقاً إلى ذلك إلا بغيبته والوقوع في عرضه حتى يزيل نعمته أو يقلل من شأنه عند من يثنون عليه. وهذا من أقبح الناس عقلاً وأخبثهم نفساً نسأل الله العافية.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي الناس أفضل؟ قال: ”كل مخموم القلب صدوق اللسان“ قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: ”هو التقيُّ النّقيُّ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد“(1).
السبب التاسع: إظهار الرحمة والتّصنُّع بمواساة الآخرين كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي...
السبب العاشر: التصنع، واللعب، والهزل، والضحك فيجلس المغتاب خبيث النفس فيذكر عيوب غيره مما يضحك به الناس فيضحك الناس فعند ذلك يرتاح ويزيد من الكذب والغيبة على سبيل الهزل والنكت والإعجاب بالنفس. وهذا ينطبق عليه حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي قال فيه: ”ويلٌ للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له“(1).
السبب الحادي عشر: هو أن ينسب إليه فعلاً قبيحاً فيتبرأ منه ويقول: فلان الذي فعله ومحاولة إلقاء اللوم والتقصير على غيره؛ ليظهر بمظهر البريء من العيوب.
السبب الثاني عشر: الشعور بأن غيره يريد الشهادة عليه أو تنقيصه عند كبير من الكبراء، أو صديق من الأصدقاء، أو سلطان فيسبقه إلى هذا الكبير ويغتابه؛ ليسقط من عينه، وتسقط عدالته، أو مروءته(1).
المبحث السابع
علاج الغيبة
الغيبة لها علاجان:(2/9)
العلاج الأول: هو أن يعلم الإنسان أنه إذا وقع في الغيبة فهو متعرض لسخط الله تعالى ومقته كما دلت عليه الأحاديث السابقة وغيرها من الأحاديث الصحيحة كقوله عليه الصلاة والسلام: ”إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلُغ ما بلغت فيكتُبُ الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلمُ بالكلمة من سخط الله ما يظنُّ أن تبلُغ ما بلغت فيكتُب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه“(1).
ويعلم أن حسناته يؤخذ منها يوم القيامة لمن اغتابه بدلاً عما استباح من عرضه فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه فربما ترجح كفة سيئاته فيدخل النار وقد يحصل ذلك للإنسان بإذهاب حسنة واحدة من حسناته أو بوضع سيئة واحدة من سيئات خصمه وعلى تقدير أن لا يحصل هذا الرجحان فكفى بنقص الحسنات عقاباً مع المخاصمة والمطالبة، والسؤال، والجواب، والحساب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا آمن الإنسان المسلم بالأخبار الواردة في الغيبة وتدبرها حق التدبر لم ينطق لسانه بغيبة، وتدبر نفسه، وعيوبها، وتقصيرها، وأن يتدبر في إصلاح نفسه عن عيوب الناس والكلام فيهم، وعلى من به عيب أن يستحيي من الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية حين يرى نفسه على العيوب ويذكر عيوب غيره بل ينبغي له أن يلتمس لأخيه عذراً ومخرجاً ويعلم أن عجزه عن تطهير نفسه من ذلك العيب كعجزه هو عن تطهير نفسه من عيوبها فإن كان الذم له بأمر خَلْقي كان ذماً للخالق؛ فإن ذم الصنعة يستلزم ذم صانعها فليتق الله عز وجل ويصلح نفسه عن عيوبها وكفى بذلك شُغلاً!
العلاج الثاني: عليه أن ينظر في السبب الباعث له على الغيبة فإن علاج العلة إنما يتم بقطع سببها المستمدة هي منه.
فإذا كان سبب الغيبة الغضب فعليه أن يقول: إن أمضيت غضبي عليه فأنا أخشى الله أن يمضي غضبه عليَّ بسبب الغيبة فإن الله قد نهاني عنها فعصيته واستخففت بنهيه.(2/10)
وإذا كان سبب الغيبة موافقة للآخرين وطلب رضاهم فعليك أن تعلم أن الله يغضب عليك إذا طلبت سخطه برضا المخلوقين، فكيف ترضى لنفسك أن تسخط مولاك من أجل إرضاء المخلوقين الذين لا ينفعون ولا يضرون وإن كان الغضب لله فلا تذكر المغضوب عليه بسوء لغير ضرورة بل ينبغي أن تغضب على من اغتابه إلا إذا كان من باب تحذير المسلمين عن الشر. وهذا سيأتي فيما يجوز من الغيبة.
وإذا كان سبب الغيبة: هو تنزيه النفس ونسبة الخيانة إلى غيرك. فاعلم أن التعرض لمقت الله أشد من التعرض لمقت الخلق وأنت بالغيبة قد تعرضت لسخط الله يقيناً ولا تدري هل تسلم من سخط الناس أو لا تسلم والذي يرضي الناس بسخط الله يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس...!
وإذا كان: سبب الغيبة هو الرغبة في أن تزكي نفسك بزيادة الفضل وذلك بقدحك في غيرك حتى تشعر الناس أنك تتصف بخلاف ما يتصف به من اغتبته فاعلم أنك بما ذكرته أبطلت فضلك عند الله تعالى إن كان لك فضل وأنت من اعتقاد الناس فضلك لست على يقين وعلى تقدير أنهم يفضلونك فأنت سينقص فضلك أو يزول بالكلية إذا عرفوك بغيبة الناس والوقوع في أعراضهم فأنت بعت ما عند الله يقيناً بما عند الناس وهماً ولو اعتقدوا فضلك لم يغنوا عنك من الله شيئاً لأن قلوبهم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فعليك أن تتدبر دقائق الأمور ولا تغتر بظواهرها.
وإذا كان الباعث على الغيبة: هو الحسد فأنت قد جمعت بين عذابين؛ لأنك حسدته على نعمة الدنيا فكنت معذباً بالحسد وذلك لأن الحاسد يجد الهم والغم وضيق الصدر ثم لا يقنع بذلك حتى يضاف إليه عذاباً آخر يوم القيامة فالحاسد قد جمع خسران الدنيا والآخرة وهو في الحقيقة صديق للمحسود عدو لنفسه؛ لأنه يضيف حسناته إلى حسنات المحسود ويتحمل من سيئاته إن لم يكن للحاسد حسنات مع أن الحسد، والغيبة لا تضر المحسود بل ربما كان ذلك سبباً لانتشار فضله.(2/11)
وإذا كان البعث على الغيبة هو الاستهزاء والسخرية فينبغي للحاسد أن يعلم أنه متى استهزأ بغيره عند الناس فإن ذلك يكون مخزياً لنفسه عند الله ثم عند خلقه وهذه هي الخسارة بعينها.
وإذا كان المغتاب يقصد بغيبته الرحمة لغيره فهذا مقصود فاسد؛ لأنه أراد الرحمة فوقع في الغيبة المحرمة فلو كان صادقاً في رحمته لنصح له ووجّهه وأرشده..
أما إذا كان السبب الباعث على الغيبة هو التعجب والضحك، فإنه ينبغي للمغتاب أن يتعجب من نفسه كيف أهلك نفسه بنفس غيره وكيف نقص دينه بكمال دين غيره أو بدنياه. فهو مع ذلك لا يأمن عقوبة الدنيا ويخشى على المغتاب أن يهتك الله ستره ويفضحه في الدنيا قبل الآخرة كما هتك بالتعجب ستر أخيه.
فإذا نظر الإنسان العاقل في أسباب الغيبة وعلاجها واستعمل هذا الدواء الذي ذكر هنا سلم إن شاء الله من ضرر الغيبة وكان ممن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، وصان لسانه عن النطق إلا بالخير فبذلك يفوز بخيري الدنيا والآخرة. وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلنا جميعاً ممن يقول بالحق ويكون أسبق الناس إلى العمل به كما يحب ربنا ويرضى إنه أكرم مسؤول(1).
المبحث الثامن
طريق التوبة من الغيبة
وطريق التوبة بالنسبة لمن اغتاب المسلمين هو أن يتحلله ويطلب منه العفو إذا أمِنَ الفتنة أما إذا كان هذا يسبب الشحناء أو يسبب منكراً آخر أو فتنة فإن المغتاب يذكره بالخير الذي فيه في المجالس التي ذكره فيها بسوء ويرد عنه الغيبة بجهده وطاقته فتكون تلك بتلك إن شاء الله مع مراعاة شروط التوبة وبالله التوفيق(1).
المبحث التاسع
ما يباح من الغيبة
قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}(2).(2/12)
وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً)؟ قال: ”خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف“(1).
وعن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له فقال: ”ليس لك عليه نفقة“ فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: ”تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم: فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني“ قالت: (فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه(2) وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد“ فكرهته ثم قال: ”انكحني أسامة“ فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت“(1).
وعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة“. فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام. قال: ”أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس - أو ودعه الناس - اتقاء فحشه“(2).
وقد ترجم البخاري (رحمه الله) في صحيحه بقوله: (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل، والقصير، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”ما يقول ذو اليدين“ وما لا يراد به شين الرجل)(3).
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): تباح الغيبة لغرض شرعي... لستة أسباب:
1- التظلم. فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي. أو غيرهما ممن له ولاية. فيقول: ظلمني فلان أو فعل بي كذا.
2- الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب. فيقول. لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه أو نحو ذلك.(2/13)
3- الاستفتاء. بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي، أو أخي... بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه؟ ودفع ظلمه عني؟ فهذا جائز للحاجة. والأجود أن يقول: في رجل، أو زوج، أو والد، أو ولد، كان أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها: إن أبا سفيان رجل شحيح...(1).
4- تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها:
أ- جرح المجروحين من الرواة، والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع، بل واجب صوناً للشريعة.
ب- ومنها الإخبار بعيب عند المشاورة(1).
ج – ومنها إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً أو عبداً سارقاً، أو شارباً أو نحو ذلك تذكره للمشتري بقصد النصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد.
د- ومنها إذا رأيت متفقهاً يتردَّدُ إلى فاسقٍ، أو مبتدعٍ يأخذ عنه علماً وخفت عليه ضرره فعليك بنصيحته، ببيان حاله قاصداً للنصيحة.
ه- ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته، أو لفسقه، فيذكره لمن له عليه ولاية؛ ليستدل به على حاله فلا يغتر به، ويلزم الاستقامة.
5- أن يكون مجاهراً بفسقه، أو بدعته... فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
6- التعريف. فإذا كان معروفاً بلقب كالأعمش، والأعرج، والقصير، والأعمى، والأقطع... ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصاً، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى والله أعلم(1).
قال الإمام البخاري رحمه الله (باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب...)(2) قال الحافظ بعد ذلك: ويستنبط منه(3) أن المجاهر بالفسق والشر لا يكون ما يذكر عنه من ذلك من الغيبة المذمومة... ثم قال: قال العلماء: تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعاً... كالظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والمحاكمة، والتحذير من الشر، ويدخل فيه تجريح الرواة، والشهود، وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده، وجواب الاستشارة في نكاح أو عقد من العقود، وكذا من رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع...(1).(2/14)
قلت وقد جمع بعضهم هذه الأمور الستة في قوله:
القدح ليس بغيبة في ستة
متظلم، ومعروف، ومحذر
ومجاهر فسقاً، ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر(1)
الفصل الثاني: النميمة
المبحث الأول
تعريف النميمة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى نقلاً عن الإمام الغزالي (رحمه الله) ما ملخصه: (النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً، أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا، حتى لو رأى شخصاً يخفي ماله فأفشى كان ينميه)(1).
وقال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (... في رواية لا يدخل الجنة نمام وفي أخرى قتات وهو مثل الأول فالقتات هو النمام. ثم قال: قال الجوهري وغيره يقال: (نم الحديث ينمه، وينُمه، بكسر النون وضمها، نما، والرجل نمّامٌ، وقته يقته بضم القاف قتا. قال العلماء: النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم)(1).
والنم إظهار الحديث بالوشاية. وأصل النميمة الهمس والحركة(2).
وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى باباً قال فيه: (باب ما يكره من النميمة).
ثم قال ابن حجر (رحمه الله تعالى): كأنه أشار بهذه الترجمة إلى بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرًا مثلاً، كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرهم)(3).
المبحث الثاني
حكم النميمة
النميمة محرمة بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمها الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة(1).
المبحث الثالث
الترهيب من الوقوع في النميمة
قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}(2).
وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}(3).
وعن حذيفة قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا يدخل الجنة قتات“(4).(2/15)
والقتات هو النمام. ووقع في رواية أبي وائل عن حذيقة عند مسلم(1) وقيل. الفرق بين القتات والنمام أن النمام الذي يحضر القصة فينقلها، والقتات الذي يستمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه(2).
وقال حذيفة سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا يدخل الجنة نمام“(3).
قال الحافظ ابن حجر: قوله: "لا يدخل الجنة" أي في أول وهلة كما في نظائره(4).
قلت هذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بشيء من المعاصي ما لم يستحله، إلا ما خصه الدليل.
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس“ وأن محمداً صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إنَّ الرجل يصدق حتى يكتب صديقاً. ويكذب حتى يكتب كذاباً“(1).
وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال: ”يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة“ والنميمة من أنواع السحر، لأنها تشارك السحر في التفريق بين الناس وتغيير قلوب المتحابين وتلقيح الشرور(2).
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من بعض حيطان المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان، في قبريهما فقال: ”يعذبان وما يعذبان في كبيرة، وإنه لكبير: كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها بكسرتين- أو اثنتين – فجعل كسرة في قبر هذا، وكسرة في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا“(1).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قبرين فقال: ”إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة“ ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، ثم قال: ”لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا“([19]).
المبحث الرابع
ما ينبغي لمن حملت إليه النميمة(2/16)
قال الإمام النووي: (وكل من حملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدق، لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نماماً، ويكون آتياً ما نهى عنه...)([20]).
المبحث الخامس
ذو الوجهين
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه“(1). قال ابن حجر وهو من جملة صورة النمام. وإنما كان ذو الوجهين أشر الناس لأن حاله حال المنافق إذا هو متملق بالباطل وبالكذب من مدخل للفساد بين الناس فيأتي كل طائفة بما يرضيها على جهة الإفساد ويظهر له أنه منها ومخالف لضدها وهذا عمل النفاق والخداع وكذب وتحيل على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة. فأما من يقصد الإصلاح بين الناس فذلك محمود وهو أنه يأتي كل طائفة بكلام فيه صلاح الطائفة الأخرى ويعتذر لكل واحدة عند الأخرى وينقل إليها من الجمل ما أمكنه ويستر القبيح أما المذموم فهو بالعكس(1).
وعن عمار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار“(2).
المبحث السادس
الدوافع الباعثة على الوقوع في النميمة
لا شك أن دوافع النميمة هي دوافع الغيبة كما تقدم. ويضاف إلى الدوافع السابقة: الكراهة، والتقرب للمحكي له، والرغبة في إشعال النيران، وإثارة الفتن، وتفريق المجتمعات، وزرع البغضاء في قلوب الناس(3).
المبحث السابع
علاج النميمة
علاج النميمة هو علاج الغيبة كما تقدم فارجع إليه(1).
المبحث الثامن(2/17)
ما يباح من النميمة
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (فإن دعت حاجة... (إلى النميمة) فلا مانع منها وذلك كما إذا أخبره أن إنساناً يريد الفتك به، أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام، أو من له ولاية بأن إنساناً يفعل كذا ويسعى بما فيه مفسدة. ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته. فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام وقد يكون بعضه واجباً، وبعضه مستحباً على حسب المواطن والله أعلم)(2).
قال الإمام البخاري: (رحمه الله تعالى): (باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه) ثم ساق بسنده عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فتمعر وجهه وقال: ”رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر“(1).
والمذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد وأما من يقصد النصيحة، ويتحرى الصدق، ويجتنب الأذى فلا، وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك، مما لا يباح الإمساك عن ذلك...(2).
---
([1]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/469، والأذكار للنووي 288-290.
([2]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/473.
([3]) انظر الأذكار النووية 289.
([4]) سورة النساء الآية: 148.
([5]) سورة الحجرات الآية: 12.
([6]) سورة الهمزة الآية: 1.
([7]) سورة ق الآية: 18.
([8]) سورة الإسراء الآية: 36.
([9]) مسلم 4/2000 وشرح النووي على مسلم 16/142.
([10]) سنن أبي داود 4/269 وعون المعبود 13/223. وانظر صحيح الجامع 5/31.
([11]) سنن أبي داود 4/269 وعون المعبود 13/223 قال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على الأذكار للنووي ص29 وهو حديث حسن. وانظر صحيح الجامع 5/51.
([12]) مسلم 4/1984 وأبو داود 4/273 والترمذي 4/325.
([13]) مسلم 4/1986 والترمذي 4/325.(2/18)
([14]) انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/242.
([15]) أخرجه أبو داود 4/275 وانظر صحيح الجامع 1/279 وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم 285.
([16]) أخرجه أبو داود 4/270 وأحمد 4/421، 424 وانظر صحيح الجامع للأ لباني 6/308 برقم 3549.
([17]) انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/224.
([18]) أخرجه أبو داود 4/270 وأحمد 4/229 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4/128 وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/643 برقم 934.
(1) انظر عون المعبود 13/225.
(1) انظر عون المعبود 13/225.
(2) المرجع السابق 13/226.
(1) أخرجه أحمد بنحوه 4/278 والحاكم بلفظه 4/199 و4/499 وصححه ووافقه الذهبي. وابن ماجه بنحوه 2/1137 وأبو داود 2/211 بنحوه والحديث صححه العلامة الألباني انظر صحيح ابن ماجه 2/252 وصحيح الجامع 6/294.
(2) أخرجه أبو داود 4/269 وأحمد 1/190 وانظر صحيح الجامع 2/442.
(1) انظر عون المعبود 13/222.
(1) أبو داود بمعناه 4/148 والبيهقي 8/227 وذكره بلفظه ابن كثير في تفسيره 4/216 وقال: إسناده صحيح وعزاه إلى أبي يعلى.
(1) البخاري مع الفتح 13/128.
(2) فتح الباري 13/130.
(3) أخرجه مسلم 3/1458.
(1) الأذكار للنووي 294.
(1) البخاري 1/110 ومسلم 1/455.
(2) أبو داود 4/271 وأحمد 4/30 وقال الشيخ ناصر الدين الألباني إنه حديث حسن. انظر صحيح الجامع الصغير 5/160.
(3) أخرجه أحمد 6/450 والترمذي 4/327 قال وفي الباب عن أسماء بنت يزيد ثم قال: هذا حديث حسن. وقال الشيخ ناصر الدين الألباني إنه حديث صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 5/295.
(1) أحمد 6/461 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد والطبراني وإسناد أحمد حسن 8/95 وانظر صحيح الجامع برقم 6116، 5/290 فقد رمز إليه بالصحة.
(2) البخاري 5/130 ومسلم 4/2122 وأحمد 3/457.
(1) رواه ابن ماجه برقم 4216 وانظر صحيح ابن ماجه 2/411 والأحاديث الصحيحة برقم 948.(2/19)
(1) أخرجه الترمذي 4/557 وانظر صحيح الترمذي 2/268.
(1) انظر تطهير العيبة من دنس الغيبة لأحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي ص54 بتحقيق مجدي السيد إبراهيم وانظر فتاوى ابن تيمية 28/236- 238 و28/222 –238.
(1) أخرجه الترمذي 4/559 وابن ماجه 2/1312 ومالك في الموطأ 2/985 وأحمد 3/469 وانظر صحيح الترمذي 2/269 وصحيح ابن ماجه 2/358 وصحيح الجامع 2/63 وعزاه أيضاً للنسائي والحاكم وابن حبان.
(1) انظر تطهير العيبة من دنس الغيبة لأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي ص 47.
(1) انظر تطهير العيبة من دنس الغيبة ص62.
(2) سورة النساء الآية 148.
(1) البخاري 3/36 والبخاري مع الفتح 4/405.
(2) فيه تأويلان: أحدهما: أنه كثير الأسفار.
والثاني: أنه كثير الضرب للنساء وهذا أصح. انظر شرح النووي على مسلم.
(1) مسلم 2/114.
(2) صحيح البخاري 7/86/،وصحيح مسلم 4/2002،والفتح 10/471.
(3) صحيح البخاري 7/85 والفتح 10/468.
(1) سبق تخريجه وهو في البخاري 3/36 وانظر البخاري مع الفتح 4/405.
(1) ومن الأدلة على ذلك حديث فاطمة بنت قيس المتقدم ذكره وفيه: (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له...) الحديث في مسلم 2/1114.
(1) شرح النووي 16/142 والأذكار للنووي ص 292.
(2) سبق تخريج حديث عروة بن الزبير عن عائشة في جواز اغتياب أهل الفساد والريب.
(3) أي من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”ائذنوا له بئس أخو العشيرة – أو ابن العشيرة –“ فلا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال: ”أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه“. البخاري 7/86.
(1) الفتح 10/471.
(1) العقيدة الطحاوية ص43.
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/473، والأذكار للنووي 298.
(1) شرح الإمام النووي على مسلم 2/112.(2/20)
(2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/472.
(3) المرجع السابق 10/472.
(1) انظر الأذكار للإمام النووي ص 289.
(2) سورة القلم الآيتان: 11، 12.
(3) سورة الهمزة الآية: 1.
(4) البخاري 7/76 ومسلم 1/101 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/2، وفتح الباري 10/472.
(1) مسلم 1/101.
(2) فتح الباري 10/473.
(3) مسلم 1/101.
(4) الفتح 10/473.
(1) مسلم 4/2012.
(2) انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ص325.
(1) البخاري 7/78 والبخاري مع الفتح الباري 10/472 والترمذي 1/102 وأبو داود 1/6.
([19]) البخاري 7/85 والبخاري مع الفتح الباري 10/469.
([20]) شرح النووي على مسلم 2/113 نقلاً عن الغزالي، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 10/473 نقلاً عن الغزالي كذلك، والأذكر للنووي ص299 نقلاً عن الغزالي كما تقدم.
(1) البخاري مع الفتح 13/170 و6/526 و10/474 ومسلم 4/2511.
(1) انظر فتح الباري 10/475.
(2) أبو داود 4/268 وصححه العلامة الألباني انظر صحيح الجامع برقم 6372، 5/346 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 889.
(3) انظر صفحة 31 من هذا الكتاب.
(1) انظر صفحة 35 من هذا الكتاب
(2) انظر شرح النووي على مسلم 2/113.
(1) صحيح البخاري 7/87 وفتح الباري 10/475.
(2) انظر فتح الباري 10/476.(2/21)
الباب الثاني
القول على الله بغير علم
الفصل الأول: الكذب على رسول الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -
وفيه ثلاثة مباحث
الفصل الثاني: الكذب عموما
وفيه أربعة مباحث
الفصل الثالث: شهادة الزور وقول الزور
وفيه ثلاثة مباحث
الفصل الأول: الكذب على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
المبحث الأول
تعريف الكذب
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (واعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمد(1). فالكذب: الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمداً كان أو سهواً.
المبحث الثاني
الترهيب من الكذب على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
لا شك أن من كذب على الله وعلى رسوله أشد وأعظم ذنباً، وأقبح فعلاً ممن كذب على من سوى الله ورسوله.
قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(1).
وقال سبحانه: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}(2).
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}(3).
وقال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(4).
وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ}(1).
وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}(2).(3/1)
وقال عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}(3).
وقال عز وجل: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}(4).
وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}(1).
وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(2).
وعن علي (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار“(3).
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما يحدث فلان وفلان قال: أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: ”من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار“(1).
قال أنس: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من تعمّد علي كذباً فليتبوأ مقعده من النار“(2).(3/2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار“(3).
وعن سلمة بن الأكوع: قال سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار“(4).
وفي مسلم ”من حدَّث عني بحديث يُرَى أنه كذب فهو أحد الكاذبين“(5).
وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار“(1).
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”إن من أعظم الفِرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُريَ عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقل“(2).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع“(3).
وعن عبد الله بن مسعود قال: (ما أنت بمحدّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)(4).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (بحسب المرء من الكذب أن يحدِّث بكل ما سمع)(1).
وقال ابن وهب: قال لي مالك: اعلم أنه ليس يسلم رجل حدَّث بكل ما سمع. ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدِّث بكل ما سمع)(2).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: (لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع)(3).
المبحث الثالث
ما يمتاز به الكاذب على
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوعيد على
من كذب على غيره وحكم الكذب عليه صلّى الله عليه وسلّم
1- تعظيم تحريم الكذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بهذا إلا أن يستحله وهذا مذهب الجمهور.(3/3)
2- والرأي الثاني أن الكذب عليه صلّى الله عليه وسلّم يكفر متعمده عند بعض أهل العلم. وهو الشيخ أبو محمد الجويني لكن ضعفّه ابنه إمام الحرمين ومن بعده. ومال ابن المنير إلى اختياره. ووجهه بأن الكذب عليه في تحليل حرام مثلاً لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام، أو الحمل على استحلاله واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر. وقال إمام الحرمين عن هذا الرأي – رأي والده – إنه هفوة عظيمة، ورجح الإمام النووي رحمه الله والحافظ ابن حجر رأي الجمهور وهو أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك.
3- قال الإمام بن حجر الكذب عليه صلّى الله عليه وسلّم كبيرة، والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحداً أو طول إقامتها سواء فقد دل قوله صلّى الله عليه وسلّم ”فليتبوأ“ على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها؛ لأنه لم يجعل له منزلاً غيره. إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين، وقد فرق النبي صلّى الله عليه وسلّم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره... فقال عليه الصلاة والسلام: ”إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد..“(1).
4- إن من كذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم عمداً في حديث واحد فسق وردت رواياته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها...(2).
5- قلت والكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذب على الله؛ لأن الله يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}(3). فيدخل من كذب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}(4).
الفصل الثاني: الكذب عموماً
المبحث الأول
حكم الكذب(3/4)
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى)(1): (قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة...
ثم قال رحمه الله: ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان“(2).
المبحث الثاني
الترهيب من الوقوع في الكذب عموماً
قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(1).
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً“(2).
وفي رواية لمسلم ”عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب. فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً“(1).
وقد بوب البخاري في صحيحه بترجمة قال فيها: (باب ما يمحق الكذبُ والكتمانُ في البيع) ثم ساق الحديث الذي رواه حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا- أو قال حتى يتفرَّقا - فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما“(2).
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويلٌ له ويلٌ له“(3).(3/5)
وفي حديث سمرة بن جندب الطويل الذي فيه رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فيه: ”لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد – قال بعض أصحابنا عن موسى: كلوب من حديد يدخله في شدقه- حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله، قلت ما هذا قالا انطلق...“ وفي آخر الحديث قال صلّى الله عليه وسلّم: ”قلت طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت قالا: (نعم) أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدِّث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة...“(1). وفي رواية للبخاري أنه قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ”.. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه؛ فإنه الرجل يغدُ من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق“(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان“(1).
المبحث الثالث
الكذب في الرؤيا أو الحلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من تحلم بحُلم لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرُّون منه صُبَّ في أُذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ“(2).
المبحث الرابع
ما يباح من الكذب
عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”ليس الكذَّابُ الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً“(1).
وفي رواية لمسلم عن أم كلثوم أيضاً: (ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب)(2).(3/6)
قلت: وقول ابن شهاب هو ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال: (ولم أسمَعْ يرخص في شيء مما يقول الناسُ كذبٌ إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها)(3).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (وهذا الحديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماء ما يباح منه وأحسن ما رأيته ما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي (رحمه الله تعالى) قال: (الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يكن بالصدق، فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً.
فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه وجب الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة، وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها... ولو استحلفه عليه لزمه أن يحلف ويورّي في يمينه... وهذا إن لم يحصل الغرض إلا بالكذب والاحتياط في هذا كله أن يورّي (في يمينه)، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الموضع... وكذا كلما ارتبط به غرض مقصود صحيح له أو لغيره فالذي له مثل: أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله ليأخذه فله أن ينكره، أو يسأله السلطان عن فاحشة بينه وبين الله تعالى فله أن ينكرها... وأما غرض غيره فمثل أن يُسأل عن سر أخيه فينكره ونحو ذلك... وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضرراً فله فله الكذب وإن كان عكسه، أو شك، حرم عليه الكذب...)(1).
وقد ذكر ابن القيم (رحمه الله تعالى): بعض ما رُويَ عن السلف من المعاريض التي تخلصوا بها.
فرُويَ عن عمر بن الخطاب أنه قال:(إن في معارريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب)(2).(3/7)
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم)(1).
وقال بعض السلف كان لهم كلام يدرؤن به عن أنفسهم العقوبة والبلايا(2) وقد لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طليعة للمشركين وهو في نفر من أصحابه فقال المشركون: (ممن أنتم؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”نحن من ماء“ فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: أحياء اليمن كثيرة لعلهم منهم وانصرفوا)(3).
وأراد صلّى الله عليه وسلّم بقوله نحن من ماء قوله تعالى: {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ}(4).
وكان حماد رحمه الله تعالى: إذا جاء من لا يريد الاجتماع به وضع يده على ضرسه ثم قال: (ضرسي ضرسي).
وسُئِل أحمد عن المروزي وهو عنده ولم يرد أن يخرج إلى السائل فوضع أحمد أصبعه في كفه وقال: ليس المروزي هاهنا وماذا يصنع المروزي هاهنا..؟ ثم ذكر رحمه الله تعالى أن الحيل ثلاثة أنواع:
1- نوع قربة وطاعة وهو من أفضل الأعمال عند الله تعالى.
2- ونوع جائز مباح لا حرج على فاعله. ولا على تاركه، وترجح فعله على تركه أو عكس ذلك تابع لمصلحته.
3- ونوع هو محرم، ومخادعة الله تعالى، ورسله متضمن لإسقاط ما أوجبه وإبطال ما شرعه، وتحليل ما حرّمه، وإنكار السلف والأئمة وأهل الحديث إنما هو لهذا النوع...(1).
الفصل الثالث: شهادة الزور
المبحث الأول
تعريف الزّور
الأصل في الزور، تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به. والشرك قد يدخل في ذلك؛ لأنه محسن لأهله حتى قد ظنوا أنه محق وأنه باطل. ويدخل فيه الغناء؛ لأنه أيضاً مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحل سَامِعُهُ سَمَاعَه.(3/8)
والكذب أيضاً: قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه حتى يظن صاحبه أنه حق. فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور؛ فإن كان ذلك كذلك فأولى الأقوال بالصواب... أن يقال: إن الزور كل باطل سواء كان ذلك، شركاً، أو غناء، أو كذباً، أو غيره، وكل ما لزمه اسم الزور؛ لأن الله عمّ في وصفه عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيئاً إلا بحجة(1).
المبحث الثاني
الترهيب من الوقوع في شهادة الزور
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}(2).
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(3).
وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}(1).
وقال سبحانه: { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}(2).
وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(4).(3/9)
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}(5).
وقال سبحانه: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(1).
وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(2).
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(3).
قال الإمام عبد الرحمن بن الجوزي - رحمه الله تعالى -: (قوله تعالى: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عامٌّ في تحريم القول في الدين من غير يقين)(1).
وعن أبي بكرة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً“، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ”الإشراك بالله، وعقوق الوالدين“ وجلس وكان متكئاً فقال: ”ألا وقَولُ الزور“ فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت(2).
وعن خزيم بن فاتك الأسدي قال: صلى صلّى الله عليه وسلّم الصبح فلما انصرف قام قائماً فقال: ”عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله عز وجل ثم تلا هذه الآية {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ}“(3).
وعن أنس قال: سئلَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكبائر قال: ”الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور“(4).(3/10)
وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه فقال: (باب ما قيل في شهادة الزور لقول الله عز وجل) والذين لا يشهدون الزور، وكتمان الشهادة لقوله: تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(1).
وقد ترجم البخاري (رحمه الله) في صحيحه باباً قال فيه: (باب لا يشهد على شهادة جور إذا أُشهِد).
عن النعمان بن بشير (رضي الله عنهما) قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله. ثم بدا له فوهبها لي. فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ”ألك ولد سواه“ قال: نعم، قال فأراه قال: ”لا تشهدني على جور“ وفي رواية ”لا أشهد على جور“(2).
وعن عمران بن حصين (رضي الله عنهما) قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“ قال عمران: (لا أدري أذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم بَْعُد قرنين أو ثلاثة).
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن“(1).
وعن عبيدة عن عبد الله (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته“.
قال إبراهيم: (وكانوا يضربوننا على الشهادة، والعهد)(2).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: ”الإشراك بالله“ قال ثم ماذا؟ ”ثم عقوق الوالدين“ قال ثم ماذا؟ قال: ”اليمين الغموس“ قلت وما اليمين الغموس؟ قال: ”الذي يقتطع مال امرئٍ مسلم هو فيها كاذب“(1).(3/11)
واليمين الغموس سُمّيت بذلك، لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار ولا كفارة فيها؛ لأنها يمين غير منعقدة، ولأن المنعقد ما يمكن حله ولا يَتَأتَّى في اليمين الغموس البر أصلاً(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه، وشرابه“(2).
فنجد أن الله تبارك وتعالى حرم شهادة الزور، لكونها سبباً لإبطال الحق، وحرم كتمانها، لكونه سبباً أيضاً لإبطال الحق(1).
المبحث الثالث
ما يترتب على شهادة الزور من الجرائم
شهادة الزور عظيمة الخطر والضرر؛ لأنه يترتب عليها جرائم كثيرة منها ما يأتي:
1- تضليل الحاكم عن الحق والتسبب في الحكم بالباطل؛ لأن الحكم ينبني على أمور منها: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر فإذا كانت البينة كاذبة أثرت على الحكم فكان بخلاف الحق والإثم على الشاهد ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر فأقض له نحو ما أسمع“(2).
2- الظلم لمن شهد له لأنه ساق إليه ما ليس بحق بسبب شهادة الزور فوجبت له النار لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها“(1).(3/12)
3- الظلم لمن شهد عليه حيث أخذ منه ماله أو حقه بالشهادة الكاذبة فيتعرض الشاهد بذلك لدعوة المشهود عليه بغير الحق ظلماً ودعوة المظلوم مستجابة لا ترد وليس بينها وبين الله حجاب كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ”ثلاثة لا تردّ دعوتهم...“ وذكر منهم ”دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الربُّ: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين“(2) وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة“ فقال له رجلٌ وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله قال: ”وإن قضيباً من أراك“(3).
4- تخليص المجرمين من عقوبة الجريمة بالشهادة الباطلة وذلك يسبب للناس الرغبة في ارتكاب الجرائم اتكالاً على وجود شهادة الزور.
5- يترتب على شهادة الزور انتهاك المحرمات وإزهاق النفوس المعصومة، وأكل الأموال بالباطل والحاكم والمحكوم له وعليه بالباطل خصماء لشاهد الزور عند أحكم الحاكمين يوم القيامة.
6- يحصل بشهادة الزور تزكية المشهود له وهو ليس أهلاً لذلك، ويحصل بها جرح المشهود عليه بالباطل والتزكية شهادة للمزكى فإذا كان حال المزكى وواقعه بخلاف مضمون التزكية فإن المزكي شاهد بالزور حيث شهد بخلاف الحق أو بما لا يعلم حقيقته.
فكذلك شاهد الزور وهو مزكٍّ للظالم، ومجرِّح للمظلوم.(3/13)
7- يترتب على شهادة الزور القول في دين الله بغير حق وبغير علم فإن ذلك أعظم الفتن ومن أخطر أسباب الصد عن سبيل الله ومن أفحش عوامل الضلال للناس وهو من الجرأة على الله ومن أوضح الأدلة على جهل قائله خاصة إذا تبين له الحق فلم يرجع إليه أو على نفاقه وإلحاده قال الله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}(1). فما أكثر شهادة الزور اليوم ومثلهم الذين يحرمون ما أحل الله لهم من طعام أو غيره. وأخطر من ذلك قوم يكتمون الحق مع علمهم به ويظهرون الباطل ويدعون إليه الناس ويزينونه لهم نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة(2).
---
(1) الأذكار للنووي 326 وانظر شرح النووي 1/69.
(1) سورة الأنعام الآية: 144.
(2) سورة الأنعام الآية: 150.
(3) سورة الصف الآيتان:2، 3.
(4) سورة الأنعام الآية: 21.
(1) سورة الأنعام الآية: 157.
(2) سورة يونس الآية: 69.
(3) سورة النحل الآية: 105.
(4) سورة النحل الآية: 116.
(1) سورة الأنعام الآية: 93.
(2) سورة الأعراف الآية: 33.
(3) البخاري 1/35 والبخاري مع الفتح 1/199 ومسلم 1/9 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/1.
(1) البخاري 1/35 والبخاري مع الفتح 1/200.
(2) البخاري 1/35 والبخاري مع الفتح 1/201 ومسلم 1/10 وانظر اللؤلؤ 1/1.
(3) البخاري 1/36 والبخاري مع الفتح 1/202.
(4) البخاري 1/35 والبخاري مع الفتح 1/201.
(5) مقدمة مسلم 1/9 وشرح النووي 1/65.
(1) مقدمة مسلم بلفظه 1/11 ومسلم مع شرح النووي 1/65 والبخاري 8/81 وانظر اللؤلؤ 1/1.
(2) البخاري مع الفتح 6/540.
(3) مقدمة مسلم 1/10 ومسلم مع شرح النووي 1/65.
(4) مقدمة مسلم 1/11 ومسلم مع شرح النووي 1/76.
(1) مقدمة مسلم 1/11 ومسلم مع شرح النووي 1/65.(3/14)
(2) مقدمة مسلم 1/11 ومسلم مع شرح النووي 1/65.
(3) مقدمة مسلم 1/11 ومسلم مع شرح النووي 1/65.
(1) البخاري 2/81 ومسلم 1/10 وانظر اللؤلؤ 1/1.
(2) وهذا البحث من أوله مقتبس من شرح الإمام النووي 1/69 وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/302.
(3) سورة النجم الآيتان: 3، 4.
(4) سورة يونس الآية: 69.
(1) انظر الأذكار للإمام النووي ص 324.
(2) البخاري 1/14 ومسلم 1/78.
(1) سورة الإسراء الآية 36.
(2) البخاري 7/95 ومسلم 4/2012 وانظر اللؤلؤ 3/198.
(1) مسلم 4/2013.
(2) البخاري 3/11 والبخاري مع الفتح 4/313.
(3) أخرجه الترمذي 4/557 وانظر صحيح الترمذي 2/268.
(1) البخاري 2/104 والبخاري مع الفتح 3/251.
(2) البخاري مع الفتح 12/439.
(1) البخاري 7/95 و1/14 ومسلم 1/78 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/12.
(2) البخاري مع الفتح 12/427.
(1) البخاري 3/166 ومسلم 4/2011 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/198.
(2) مسلم 4/2012.
(3) مسلم 4/2011 وانظر الأذكار للنووي 324 فهناك فوائد تنير الفهم.
(1) الأذكار للنووي 326.
(2) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/381.
(1) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/381.
(2) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/381.
(3) السيرة النبوية لابن هشام(2/255).
(4) سورة الطارق الآية: 6.
(1) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 1/384 وقد استوفى البحث من الحيل والمعاريض الجائزة وغيرها.
(1) جامع البيان 19/31 بتصرف.
(2) سورة النساء الآية: 135.
(3) سورة المائدة الآية: 8.
(1) سورة المعارج الآيات: 33-35.
(2) سورة الفرقان الآية: 72.
(3) سورة البقرة الآية: 283.
(4) سورة البقرة الآية: 140.
(5) سورة الطلاق الآية: 2.
(1) سورة الحج الآية: 30.
(2) سورة الإسراء الآية: 36.
(3) سورة الأعراف الآية 33.
(1) زاد المسير في علم التفسير 3/192.(3/15)
(2) البخاري 3/151 والبخاري مع الفتح 5/261 ومسلم 1/91 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/16.
(3) مسند الإمام أحمد (رحمه الله) 4/321، و4/178.
(4) البخاري 3/151 ومسلم 1/92 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان1/16.
(1) البخاري 3/151.
(2) البخاري 3/151.
(1) البخاري 3/151.
(2) البخاري 3/151.
(1) البخاري مع الفتح 11/555 و12/264 والجملة التي فيها آخر الحديث السائل فيها هو فراس والمسؤول عامر الشعبي انظر فتح الباري 11/556.
(2) انظر فتح الباري 11/556.
(2) البخاري 7/87.
(1) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5/263.
(2) البخاري مع الفتح 5/288.
(1) البخاري مع الفتح 5/288.
(2) أبو داود والترمذي 5/578 وانظر جامع الأصول 4/145.
(3) مسلم، برقم 137، 1/122.
(1) سورة النحل الآية: 116.
(2) انظر مجلة البحوث الإسلامية مجلة دورية تصدرها الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض. العدد السابع عشر، ص 255-272، بحث أعده فضيلة الشيخ عبد الله بن صالح القصير وفقه الله.(3/16)
الباب الثالث
القذف والخصومات
وبذاءة اللسان
الفصل الأول: القذف
وفيه مبحثان
الفصل الثاني: الجدال والخصومة
وفيه ثلاثة مباحث
الفصل الثالث: بذاءة اللسان بقبيح الكلام
وفيه خمسة وعشرون مبحثاً
الفصل الرابع: وجوب حفظ اللسان
الفصل الأول: القذف
المبحث الأول
تعريف القذف
يقال: قذف بالحجارة (أي) رمى بها، والمحصنة رماها بزنية... والتقاذف الترامي...(1).
وهو في الأصل رمي الشيء بقوة ثم استعمل في الرمي بالزنا ونحوه(2).
المبحث الثاني
الترهيب من الوقوع في القذف
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(3).
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}(1).
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(2).(4/1)
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآيات(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله ما هن؟ قال: ”الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات“(2).
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم بمنى: ”أتدرون أي يوم هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ”فإن هذا يوم حرام. أتدرون أي بلد هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ”بلد حرام. أتدرون أيَّ شهر هذا“؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ”شهر حرام“ قال: ”فإن الله حرم عليكم دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا“(3).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (والغرض – من هذا الحديث- بيان تحريم العرض – الذي هو موضع المدح والذم من الشخص – أعم من أن يكون في نفسه، أو نسبه، أو حسبه)(1).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله“(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من قذف مملوكه وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال“(3).
وحديث الإفك الطويل فيه أحكام كثيرة لا يتسع المقام لذكره(4).
الفصل الثاني: الخصومات والجدال
المبحث الأول
الجدال بالباطل
الجدل اللدد في الخصومة والقدرة عليها(1) يقال: جادل مُجادلةً وجدالاً: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب(2) والجدال نوعان:(4/2)
النوع الأول: الجدال المحمود الممدوح: وهو كل جدال أيّد الحق أو أوصل إليه بنية صالحة خالصة وطريق صحيح(3). قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(4). وقال عز وجل: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}(1). والمجادلة بالتي هي أحسن هي التي تكون عن علم، وبصيرة، وبحسن الخلق، ولطف، ورفق، ولين، وحسن خطاب، ودعوة إلى الحق، وتحسينه، ورد الباطل وبيان قبحه بأقرب طريق موصل إلى ذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق(2).
النوع الثاني: الجدال المذموم: وهو كل جدال أيد الباطل أو أوصل إليه أو كان بغير علم وبصيرة.
وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}(1). {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ، ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}(2). {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا}(3). {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}(4).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار“(5).(4/3)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى، وينفذ ما سواه)(1).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما ضلّ قومٌ بعد هُدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}“(2).
وقد ضمن النبي صلّى الله عليه وسلّم بيتاً في الجنة لمن ترك الجدال بالباطل من أجل الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام: ”أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وأن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه“(3).
الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل
لا شك أن الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل كثيرة منها:
1- الغرور، والكبرياء، والخيلاء.
2- إظهار العلم والفضل.
3- الاعتداء على الغير بإظهار نقصه وقصد أذاه.
وعلاج ذلك بالتوبة إلى الله تعالى، وبأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله، والعدوان الباعث على احتقار غيره وتنقصه(1).
المبحث الثاني
الخصومة والنزاع
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِمُ“(2).
والألدُّ: هو شديد اللدد كثير الخصومة. والخَصِمُ الذي يخصم أقرانه ويحاجهم بالباطل ولا يقبل الحق(3).(4/4)
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم“(4). فالشيطان يحرش بين المصلين بالخصومات والشحناء، والحروب، والإغراء بين الناس بأنواع المعاصي والفتن وغيرها(5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله يبغض كل جعظريّ، جوَّاظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة“(1).
الجعظري: الفظُّ الغليظُ المتكبر. والجوّاظ: الجموع المنوع. والسخاب: كالصخاب: كثير الضجيج والخصام المتكبر.
جيفة: أي كالجيفة؛ لأنه يعمل كالحمار طوال النهار لدنياه، وينام طوال ليله كالجيفة التي لا تتحرك(2).
عالم بأمر الدنيا: أي بما يبعده عن الله عز وجل من السعي في تحصيلها. جاهل بأمر الآخرة، أي بما يقربه ويدنيه من الآخرة(3).
وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله لا يحب الفاحش المتفحش“(1) والفاحش الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي، وذو الفحش وهو القبيح في الأقوال والأفعال. والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعاطاه ويستعمله(2).
وقال عليه الصلاة والسلام: ”هلك المتنطعون“ قالها ثلاثاً(3).
التنطع في الكلام: التعمق فيه والتفاصح: فهم المتعمقون، الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم(4).
وقال عليه الصلاة والسلام: ”إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها“(1). وهو الذي يظهر التفاصح تيهاً على الغير، وتفاصحاً واستعلاءً ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم، أو تعظيم حقير، أو بقصد تعجيزه، أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه، أو يقصد إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته. وهو يتشدق بلسانه كما تتشدق البقرة بلسانها. ووجه الشبه: إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل. وهذا كله ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم(2).(4/5)
المبحث الثالث
علاج الخصومات والغضب
من أسباب السلامة من اللجاج والخصومات كظم الغيظ والابتعاد عن الغضب وأسبابه. وعلاج الغضب بالأدوية المشروعة يكون بطريقتين:
الطريق الأول: الوقاية ومعلوم أن الوقاية خير من العلاج، وتحصل الوقاية من الغضب قبل وقوعه باجتناب أسبابه والابتعاد عنها ومن هذه الأسباب التي ينبغي لكل مسلم أن يطهر نفسه منها: الكبر، والإعجاب بالنفس، والافتخار، والتيه، والحرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة، أو الهزل، أو ما شابه ذلك(1).
الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب وينحصر في أربعة أنواع كالتالي:
النوع الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم(2).
النوع الثاني: الوضوء(1).
النوع الثالث: تغيير الحالة التي عليها الغضبان، بالجلوس، أو الاضطجاع، أو الخروج، أو الإمساك عن الكلام، أو غير ذلك(2).
النوع الرابع: استحضار ما ورد في فضل كظم الغيظ من الثواب، وما ورد في عاقبة الغضب من الخذلان العاجل والآجل قال عليه الصلاة والسلام: ”من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيرهُ من الحور ما شاء“(1).
الفصل الثالث: بذاءة اللسان
المبحث الأول
الترهيب من الوقوع في بذاءة اللسان
قال الله تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(1).
قال ابن كثير - رحمه الله -: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} يعني كلام الناس(2).
وقال سبحانه: { لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}(1).
أي ولا يحب الله الفحش قي القول ولا الإيذاء باللسان، إلا المظلوم فإنه يباح له أن يجهر بالدعاء على ظالمه، وأن يذكره بما فيه من السوء.(4/6)
قال ابن عباس (رضي الله عنهما): (المعنى لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً)(2).
وقال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}(3). وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}(4).
وعن أبي موسى الأشعري قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: ”من سلم المسلمون من لسانه ويده“(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، ويزل بها في النار أبعد ما بين المشرق“(2).
وفي رواية مسلم: ”إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب“(3).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يَرفَعُ الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم“(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأساً فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً“(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذه جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه“(2).
وعن سهل بن سعد (رضي الله عنه) عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة“(3).
وعن المغيرة قال: إني سمعته صلّى الله عليه وسلّم يقول عند انصرافه من الصلاة: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير“ ثلاث مرات، وقد كان ينهى عن: ”قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومنعٍ وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات“(1).(4/7)
وعن بلال ابن الحارث المزني (رضي الله عنه) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه“(2).
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: (اجتمع عند البيت قرشيان، وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، كثيرة شحم بطونهم، قليلة فقه قلوبهم فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله عز وجل {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ...} الآية(1).
وعن سفيان بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: ”قل ربي الله ثم استقم“ قال قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: ”هذا“(2).
وعن عمر أنه دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه فقال له عمر: مه غفر الله لك فقال أبو بكر: (إن هذا أوردني الموارد)(2).
وعن جندب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك“ أو كما قال(1). ويُذكر أن أبا هريرة قال: ”والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته“(2).
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال:قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي“(3).(4/8)
وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر(4) اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا“(1).
وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) في حديثه الطويل وفي عجزه (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه ثم قال: ”كف عليك هذا“ قلت يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ”ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم“(2).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن أبغض الرجال إلى الله الألد والخصم“(3) والألد الخصم شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه، لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: ”تقوى الله وحسن الخلق“ وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: ”الفم والفرجُ“(2).
المبحث الثاني
الاسستسقاء بالأنواء
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: ”هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب“(1).
المبحث الثالث
الحلف بغير الله تعالى
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من حلف بالأمانة فليس منا“(2).
وعن عمر قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم“ فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذاكراً ولا آثراً(3).(4/9)
وعن ابن عمر أيضاً: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت“(1).
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه سمع رجلاً يقول لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك“(2).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق“(3).
المبحث الرابع
الحلف الكاذب والمن بالعطية
قال الله تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} الآية(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}“ الآية(2).
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم“ قال قرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرار قال أبو ذر: خابوا وخسروا مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: ”المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب“(1).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الحلف منفقة للسلعة ممحققة للبركة“(2).
المبحث الخامس
التسمي بملك الأملاك(4/10)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك“(3).
المبحث الخامس
سبّ الدّهر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”قال الله عز وجلَّ يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار“(1).
المبحث السابع
النياحة على الميت
عن أم عطية (رضي الله عنها) قالت: (أخذ علينا النبي صلّى الله عليه وسلّم عند البيعة أن لا ننوح فما وفَّتْ منا امرأة غير خمس نسوة: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة مُعَاذ، وامرأتين أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى)(2).
وعن أبي مالك الأشعري: (رضي الله عنه) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة“ وقال: ”النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب“(1).
وقد وجع أبو موسى وجعاً شديداً فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً فلما أفاق قال: (أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة)(2).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية“(3).
المبحث الثامن
النّجش
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لبادٍ، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعاً من تمرٍ“(1).
المبحث التاسع
المدح المذموم الذي يفتن الممدوح
أو فيه إفراط(4/11)
عن أبي بكر رضي الله عنه قال: أثنى رجلٌ على رجلٍ عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك“ مراراً ثم قال: ”من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه“(1).
وعن أبي موسى (رضي الله عنه) قال: سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يثني على رجل، ويطريه في مدحه فقال: ”أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل“(2).
وقال ابن بطال: (حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب، لظنه أنه بتلك المنزلة فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به، ولذلك تأول العلماء في الحديث... ”احثوا في وجوه المدَّاحين التراب“(3). أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل. وقال عمر- رضي الله عنه – المدح هو الذبح)(1).
وعن همام بن الحارث أن رجلاً جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثى على ركبتيه وكان رجلاً ضخماً فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا رأيتم المدَّاحين، فاحثوا في وجوههم التراب“ وفي رواية عن المقداد أيضاً: (أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نحثي في وجوه المدّاحين التراب)(2).
المبحث العاشر
ما يجوز من المدح
لا شك أن المدح من آفات اللسان، إذا كان المدح يعود بالفتنة على الممدوح، أو فيه مجازفة، أو إفراط، أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس.
قال الإمام البخاري (رحمه الله تعالى): (باب من أثنى على أخيه بما يعلم).
ثم قال: قال سعد: (ما سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام)(1).
وعن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين ذكر في الإزرار ما ذكر، قال أبو بكر: يا رسول الله، إن إزاري يسقط من أحد شقيه. قال: ”إنك لست منهم“(2).(4/12)
فهذا جائز ومستثنى من الذي قبله. والضابط أن لا يكون المدح مجازفة ويُؤْمَن على الممدوح الإعجاب والفتنة... ومن جملة ذلك الأحاديث في مناقب الصحابة (رضي الله عنهم) ووصف كل واحد منهم بما وصف به من الأوصاف الجميلة كقوله صلّى الله عليه وسلّم لعمر: ”ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك“(1). فمن مُدِح بما فيه فلا يدخل في النهي، فقد مُدح النبي صلّى الله عليه وسلّم في الشعر، والخطب، والمخاطبة، ولم يحثُ في وجه مادحه تراباً(2).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (قد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه، قال العلماء: وطريق الجمع بينها أن النهي محمول على المجازفة في المدح، والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف على فتنته من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح. وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله، ومعرفته، فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة؛ بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير والازدياد منه، أو الدوام عليه، والاقتداء به كان مستحباً والله أعلم)(3).
المبحث الحادي عشر
هتك الإنسان ستر نفسه
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: (يا فلان عمات البارحة كذا ,وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)“(1) ولفظ مسلم ”وإن من الإجهار والمجانة عدم المبالاة بالقول والفعل“(2).
المبحث الثاني عشر
السب والشتم، والسخرية بالمؤمنين(4/13)
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(1).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه“(2).
قال النووي رحمه الله تعالى: (واعلم أن سب الصحابة (رضي الله عنهم) حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم، وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون...)(3).
وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك“(1).
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”سباب المسلم فسوق وقتاله كفر“(2).
وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما“(3).
وفي رواية مسلم ”أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال. وإلا رجعت عليه“(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”المستبان ما قالا فعلى المبتدئ منهما ما لم يعتد المظلوم“(5) ومعنى الحديث أن المتشاتمين الَّلذَين يسب كل منهما الآخر يكون إثمهما على الذي ابتدأ بالشتم ما لم يعتد المظلوم الحد بأن سبه أكثر وأفحش منه أما إذا اعتدى كان إثم ما اعتدى عليه والباقي على البادي. والحاصل إذا سب كل واحد الآخر فإثم ما قالا على الذي بدأ بالسب وهذا إذا لم يعتدِ ويتجاوز المظلوم الحد والله أعلم(1).(4/14)
وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه“(2). قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من حيث أن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل، والزنا، وكذا قوله لأخيه يا كافر، من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، وإذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه:
أحدها: أنه محمول على المستحل لذلك وهذا يكفر وعلى هذا معنى باء بها- أي بكلمة الكفر- وكذا حار عليه، وهو معنى رجعت إليه- أي كلمة الكفر – فباء، وحار، ورجع بمعنى واحد.
والوجه الثاني: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره.
الوجه الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين وهذا نقله القاضي عياض (رحمه الله) عن الإمام مالك وهو ضعيف، لأن المذهب المختار الذي اختاره المحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع.
والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي كما قالوا: بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر...
والوجه الخامس: فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المسلم كافراً فكأنه كفّر نفسه، إما لأنه كفّر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام والله أعلم.
وأما قوله فيمن ادعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه كفر. فقيل فيه تأويلان:
التأويل الأول: أنه في حق المستحل.
التأويل الثاني: أنه كفر النعمة، والإحسان، وحق الله تعالى، وحق أبيه وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة الإسلام، وهذا كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ”تكفرن“ ثم فسره بكفرانهن الإحسان، وكفران العشير(1).(4/15)
ونص الحديث كما ورد في مسلم: ”يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار“ فقالت امرأة منهن جَزْلَةٌ: وما لنا يا رسول الله، أكثر أهل النار؟ قال: ”تُكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن“ قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: ”أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين“(1).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قول الشخص لمن يخاصمه: يا حمار، يا تيس، يا كلب، ونحو ذلك فهذا قبيح من وجهين:
أحدهما: أنه كذب.
والآخر: أنه إيذاء...(2).
والسب والشتم منهي عنه حتى للحيوان أو الطير والبهائم فعن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة“(1).
المبحث الثالث عشر
شتم الرجل والديه من كبائر الذنوب
عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من الكبائر شتم الرجل والديه“ قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ”نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه“(2).
المبحث الرابع عشر
اللعن
اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ومن صفات المؤمن أن لا يكون لعاناً، ولا طعاناً ولا فاحشاً، ولا بذيئاً، إنما ذلك من سمات وأخلاق الفساق ناقصي الإيمان.
عن ثابت بن الضحاك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعن المؤمن كقتله“(1).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّاناً“(2).
وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يكون الّلعّانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة“(3).(4/16)
وعن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار“(4).
وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ليس المؤمن بالطّعّان، ولا الّلعان، ولا الفاحش، ولا البذيء“(5).
وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها. ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مَسَاغاً رجعت إلى الذي لُعِنَ، فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها“(1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه“(2).
وعن عمران بن حصين (رضي الله عنه) قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة“ قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد(1).
وعن أبي برزة (رضي الله عنه) قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت النبي صلّى الله عليه وسلّم وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل اللهم العنها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تصاحبنا راحلة عليها لعنة من الله“(2).
المبحث الخامس عشر
جواز لعن أصحاب المعاصي والكفار
عموماً بدون تعيين أحد بعينه
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (اعلم أن لعن المسلم المصون حرام بإجماع المسلمين. ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة، كقولك:
(لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الفاسقين، ولعن الله المصورين ونحو ذلك...)(1).
ثم ساق رحمه الله أدلة كثيرة منها:(4/17)
1- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد“(2).
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثاً ولعن الله من لعن والديه ولعن الله من غير المنار“ وفي رواية ”منار الأرض“(3).
3- وقوله صلّى الله عليه وسلّم: في حديث جابر رضي الله عنه – حينما رأى حماراً قد وسم في وجهه فقال: ”لعن الله الذي وسمه“(4).
4- وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”اللهم العن رعلاً وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله“(1). وهذه ثلاث قبائل من العرب.
(وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي أو نصراني، أو ظالم، أو زانٍ، أو مصور، أو سارق أو آكل ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر، كأبي لهب وأبي جهل، وفرعون، وهامان، وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإبعاد عن رحمة الله تعالى وما ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر قال: ويقرب من اللعن الدعاء على الإنسان بالشر حتى الدعاء على الظالم كقول الإنسان لا أصح الله جسمه، ولا سلمه الله، وما جرى مجراه...)(2).(4/18)
قلت والأصواب والله أعلم ما ذهب إليه الغزالي من أنه لا يجوز لعن من اتصف بشيء من المعاصي إذا كان معلوماً بعينه إلا في حق من عُلِم بعينه، وقد علمنا أنه مات على الكفر وذلك، لأننا لا ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر فكم رأينا وكم سمعنا من أناس كانوا متلبسين بالمعاصي، أو الكفر فهداهم الله وختم لهم بخير فأصبحوا من أنصار الحق بعد أن كانوا من أنصار الباطل(1). ثم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد نهى عن سب الأموات وبيّن صلّى الله عليه وسلّم أنهم قد وصلوا إلى ما قدموا لأنفسهم قال عليه الصلاة والسلام: ”لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا“(1) وروى الترمذي عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تسبوا الأموات فتؤذو الأحياء“(3).
المبحث السادس عشر
قول: ما شاء الله وشاء فلان،
أو لولا الله وفلان
عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان“(1).
والمراتب في ذلك ثلاث:
1- ما شاء الله وحده، أو لولا الله وحده وهذه أفضل المراتب.
2- ما شاء الله ثم شاء فلان أو لولا الله ثم فلان. وهذه المرتبة لا بأس بها.
3- ما شاء الله وشاء فلان، أو لولا الله وفلان وهذه المرتبة لا تجوز.
المبحث السابع عشر
اللو وعدم تفويض الأقدار لله تعالى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان“(1).
المبحث الثامن عشر
قول الرجل هلك الناس(4/19)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا قال الرجل هلك الناسُ فهو أهلكهُم“(2). ومعنى الحديث فهو أشدهم هلاكاً، وقد اتفق العلماء على أن هذا الذّمّ إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم، وتقبيح أحوالهم؛ لأنه لا يعلم سر الله في خلقه. فأما من قال ذلك تحزناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه(1). وقيل معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم وأسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أوصله ذلك إلى العجب بنفسه وأنه خير منهم والله أعلم(2).
المبحث التاسع عشر
الغناء والشعر المحرم
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(1). والصحابة رضي الله عنهم هم أعلم بكتاب الله تعالى ولهذا قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية:
(الغناء والله الذي لا إله إلا هو" يرددها ثلاث مرات)(2).
وقال عليه الصلاة والسلام: ”ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَّ والحريرَ، والخمر والمعازف..."(3) {أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ، وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}(4). والشعر نوعان:
النوع الأول: ما فيه مدح للإسلام والمسلمين، ونصرة للحق وأهله وهذا لا بأس به.
النوع الثاني: ما فيه مدح قوم بباطل، أو ذم قوم بباطل، أو قول زور وبهتان فهذا النوع محرم ومن أعظم آفات اللسان.(4/20)
قال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}(1).
المبحث العشرون
الوعد الكاذب
قال عليه الصلاة والسلام: ”آية المنافق ثلاثة، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان“(1) وقال عليه الصلاة والسلام: ”أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر“(2).
المبحث الحادي والعشرون
من يأمر بالمعروف ولا يفعله
وينهى عن المنكر ويفعله
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قيل له: لو أتيت فلاناً فكلمته قال: إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم. إني أكلمه في السر دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه، ولا أقول لرجل إن كان عليَّ أميراً: إنه خير الناس بعد شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: ”يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أقتابه، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تَأمُرُنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه“(1).
وهذا لا يعني أن الإنسان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر حتى يكون كاملاً فلو لم يأمر بالمعروف إلا من كَمُلَ لما أمر بالمعروف أحد إلا ما شاء الله. والمقصود أن على المسلم واجبان:
الواجب الأول: أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر ويكون عاملاً بما عَلِمَ.(4/21)
الواجب الثاني: أن يأمر غيره بالمعروف وينهى عن المنكر عن علم وبصيرة فإذا قام بأحد الواجبين وترك الآخر بقي عليه ما ترك وسقط عنه ما قام به إذا خلصت نيته والله أعلم.
المبحث الثاني والعشرون
إفشاء سر الزوجة أو الزوج
قال عليه الصلاة والسلام: ”إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته(1) وتفضي إليه ثم ينشر سرها“(2) وهذا أعظم خيانة الأمانة(3).
المبحث الثالث والعشرون
من حلف على ملةٍ غير الإسلام
عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من حلف على ملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء [عذّب به في نار جهنم] ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله“(4).
المبحث الرابع والعشرون
تسويد الفاسق
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يكُ سيّداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل“(1).
المبحث الخامس والعشرون
سبّ الحمى
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على أم السائب أو أم المسيَّب فقال: ”مالك يا أم السائب أو أم المسيب تزفرين“(2) قالت: الحُمّى لا بارك الله فيها فقال: ”لا تَسُبِّي الحُمَّى فإنها تُذْهِب خطايا بني آدم كما يُذْهِب الكير خبث الحديد“(3).
المبحث السادس والعشرون
الرّدّة بالقول(4/22)
الردة بالقول من نواقص الإسلام وهي أخطر آفات اللسان على الإنسان مثل: أن يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله، أو يُكذّب على الله، أو يُكذّب أحداً من رسله عليهم الصلاة والسلام، أو يُكذِّب بعض ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو يستهزئ بالله، أو بأحد من رسله، أو بشيء من دين الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو ثوابه، أو عقابه، أو يسب الله، أو يسب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو يسب دين الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو يصف الله بالنقص أو العيب أو بما لا يليق به تعالى، أو يقول: إن هدي غير الرسول صلّى الله عليه وسلّم أكمل من هديه أو حكم غيره أحسن من حكمه، أو يساويه، أو يجوِّز الحكم بغير حكم الله تعالى، أو يُصحِّح مذهب المشركين، أو يجوّز الخروج عن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم(1).
الفصل الرابع
وجوب حفظ اللسان
قال الإمام النووي (رحمه الله تعالى): (اعلم أنه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجز الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء)([1]). وقد قال عليه الصلاة والسلام: ”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“(2). قال الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
وقال الآخر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه
وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجلِ
فعثرته بلسانه تُذْهِبُ رأسه
وعثرته برجله تبراء على مهل(4/23)
فينبغي للإنسان المسلم أن لا يخرج لفظةً ضائعة فعليه أن يحفظ ألفاظه بأن لا يتكلم إلا فيما يرجوا فيه الربح والزيادة في دينه فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يتكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل يفوت بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى. قال يحيى بن معاذ: (القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض وعذب، وأجاج، وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه)(1) أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقة ذلك، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك.
ومن العجب: أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتزاز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحرز من حركة لسانه حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين، والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى لها بالاً ينزل بالكلمة الواحدة منها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي... وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى ما رواه مسلم من حديث جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك“(1).
فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء الله أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله.(4/24)
وقد كان السلف يحاسب أحدهم نفسه في قوله "يوم حار ويوم بارد" ولقد رُؤيَ بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسئل عن حاله فقال: أنا موقوف على كلمةٍ قلتها قلت: ما أحوج الناس إلى غيث فقيل لي: وما يدريك أنا أعلم بمصلحة عبادي.
وقال بعض الصحابة لجاريته يوماً: هاتي السفرة نعبث بها ثم قال: أستغفر الله ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها إلا هذه الكلمة خرجت مني بغير خطام ولا زمام، أو كما قال(1).
وقال ابن بريدة رأيت ابن عباس رضي الله عنهما آخذ بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم أو اسكت عن سوءٍ تسلم وإلا فاعلم أنك ستندم. فقيل له يا ابن عباس لِمَ تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان أراه قال: ليس على شيءٍ من جسده أشد حنقاً وغيظاً يوم القيامة منه على لسانه إلا من قال خيراً أو أملى به خيراً(2).
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لساني(1).
وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحداً لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله(2).
واعلم أن أيسر حركات الجوارح حركة اللسان وهي أضرها على العبد. واختلف السلف والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به أو الخير والشر فقط؟ على قولين: أظهرهما القول الأول.
واعلم أن في اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى:
آفة الكلام، وآفة السكوت وقد يكون كلُّ منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاصٍ لله ومراء مداهن إذا لم يخف على نفسه.(4/25)
والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاصٍ لله وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته. فهم بين هذين النوعين وأهل الوسط - وهم أهل السراط المستقيم - كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه في الآخرة فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلاً أن تضره في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به(1).
ولهذا جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: عظني وأوجز فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غداً واجمع اليأس مما في أيدي الناس“(2).
فهذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا إذا أخذ بها العبد تمت أموره وأفلح(1).
ولهذا قال عقبة بن عامر رضي الله عنه يا رسول الله: ما النجاة فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”أمسك عليك لسانك وليسعْك بيتُكَ، وابكِ على خطيئتك“(2).
الخاتمة
تم بحمد الله تعالى هذا البحث بعد التحري، والعناية، والتدقيق قدر المستطاع، والموضوع له أهمية كبيرة، وجدير بالعناية من الباحثين، والعلماء المخلصين. فإن اللسان إن استعمل في جمع الأمة ونشر الخير بينها فهو أداة نافعة للمسلمين. إذا به يحصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإن استعمل في تفريق الأمة الإسلامية فهو أداة ضارة للفرد والمجتمع، واللسان له آفات خطيرة على المجتمعات الإسلامية بل والأفراد الأسرية، فبه يحصل التفريق بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، والصديق وصديقه، بل والدولة والدولة...(4/26)
وقد اجتهدت في التحري في هذا البحث بأن ألتزم الأمانة العلمية وأن أنسب كل قول إلى قائله، وخَرَّجتُ الأحاديث، واجتهدت على قدر علمي ومعرفتي على أن لا أذكر في هذا البحث حديثاً ضعيفاً إذا تبين لي ضعفه بل أضرب عنه صفحاً: لأن في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة ما يغني عن التشبث بالأحاديث الضعيفة والأقوال المرجوحة.
كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة
إلا الحديث وعلم الفقه في الدين
العلم ما قال فيه حدَّثنا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
هذا وأسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن ينفعنا بما علمنا إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
---
(1) القاموس المحيط فصل القاف باب الفاء 3/183.
(2) الروض المربع بشرح زاد المستنقع 3/314.
(3) سورة النور الآيات: 4-6.
(1) سورة النور الآيات: 6-9.
(2) سورة النور الآية: 23-24.
(1) سورة النور الآية: 11.
(2) البخاري 3/195 ومسلم 1/92 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/17.
(3) البخاري 7/83 والبخاري مع فتح الباري 10/463.
(1) الفتح 10/464.
(2) مسلم 4/1986.
(3) البخاري 8/35 ومسلم 3/1282 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 2/174.
(4) البخاري 5/54 ومسلم 4/2129 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/254.
(1) انظر القاموس المحيط، فصل الجيم، باب اللام، ص1261 والمصباح المنير ص93 والمعجم الوسيط 1/111.
(2) انظر المصباح المنير ص 93.
(3) انظر منهاج الجدل في القرآن الكريم ص 50.
(4) سورة النحل الآية: 125.
(1) سورة العنكبوت الآية: 46.
(2) انظر تفسير ابن كثير 2/592 و3/416 وتفسير السعدي 4/254 و6/92.(4/27)
(1) سورة الحج الآية: 3-4.
(2) سورة الحج الآيتان: 8، 9.
(3) سورة الكهف الآية: 56.
(4) سورة البقرة الآية: 197.
(5) ابن ماجه 1/93 وانظر صحيح الترغيب والترهيب 1/46 وصحيح ابن ماجه 1/46.
(1) الدارمي موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه 1/70.
(2) الترمذي 5/378 وابن ماجه 1/19 وأحمد في المسند 5/252 و256 وانظر صحيح الترمذي 3/103.
(3) أبو داود 4/253 وانظر جامع الأصول 11/754.
(1) انظر إحياء علوم الدين للغزالي 3/116 ومنهاج الجدل ص 59.
(1) سورة البقرة الآيات: 204 – 206.
(2) البخاري مع الفتح 5/106 ومسلم 4/2054.
(3) انظر جامع الأصول لابن الأثير 2/752 وفتح الباري 13/181.
(4) مسلم 4/2166.
(5) انظر جامع الأصول لابن الأثير 2/754.
(1) البيهقي في السنن الكبرى 10/194 وابن حبان (موارد) برقم 1975 ص485 وانظر صحيح الجامع برقم 1874، 2/144 وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 195، 1/171.
(2) انظر الأحاديث الصحيحة [التعليق] 1/172.
(3) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/285.
(1) البخاري مع الفتح بنحوه 10/452 ومسلم بنحوه 4/2002 وأبو داود بلفظه 4/251.
(2) انظر جامع الأصول لابن الأثير 11/739 وفيض القدير شرح الجامع الصغير 2/285.
(3) مسلم 4/2055.
(4) انظر شرح النووي وجامع الأصول لابن الأثير 11/733.
(1) الترمذي 5/141 وأحمد في المسند 2/165، 187 وانظر صحيح الترمذي 2/375.
(2) انظر فيض القير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف المناوي 2/283.
(1) انظر الدعائم الخلقية والقوانين الشرعية لصبحي محمصاني ص 227.
(2) انظر سورة الأعراف الآية: 200 وسورة المؤمنون الآية: 97 وسورة فصلت الآية: 36، والبخاري مع الفتح 10/518 ومسلم 4/2015.
(1) انظر سنن أبي داود 4/249 وتهذيب السنن 7/165-168 وعون المعبود 13/141 وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله إسناده جيد.(4/28)
(2) دليل ذلك ما أخرجه أحمد في المسند 5/152 وأبو داود 4/249 وابن حبان برقم 484 (موارد) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رجال أحمد رجال الصحيح 8/70 وانظر شرح السنة للبغوي 13/162 فقد حسنه الشيخ الأرناؤوط.
(1) أبو داود 4/248 والترمذي 4/656 وابن ماجه 2/1400 وانظر صحيح الترمذي 2/305 وصحيح ابن ماجه 2/407.
(1) سورة النساء الآية: 114.
(2) مختصر تفسير ابن كثير 1/437.
(1) سورة النساء الآية: 148.
(2) صفوة التفاسير للصابوني 1/314.
(3) سورة ق الآية: 18.
(4) سورة الفجر: الآية 14.
(1) البخاري 1/9 ومسلم 1/65.
(2) البخاري 7/184 ومسلم 4/2290 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/325 ولفظه عند مسلم ينزل بها في النار.
(3) مسلم 4/2290.
(4) البخاري 7/185.
(1) ابن ماجه بلفظه 2/1313 والترمذي 4/557 وانظر صحيح ابن ماجه 2/358 وصحيح الترمذي 2/268.
(2) البخاري 7/184 ومسلم 1/68.
(3) البخاري 7/184 وفي الترمذي ”من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة“ انظر صحيح الترمذي 2/287.
(1) البخاري 7/183 وفي أوله قصة.
(2) موطأ الإمام مالك 2/985 والبخاري 7/185 وأهل السنن وانظر صحيح الترمذي 2/269.
(1) البخاري 6/37 تفسير سورة فصلت ومسلم 4/2141 وانظر اللؤلؤ 3/270.
(2) مسلم 1/65 وأحمد في مسنده 3/413 والترمذي 4/607.
(2) موطأ الإمام مالك 2/988.
(1) أخرجه مسلم 4/2023.
(2) شرح السنة للبغوي 14/385 وأحمد 2/328 وأبو داود برقم 4901.
(3) الترمذي 4/607 وقال حسن غريب وقال عبد القادر الأرنؤوط إسناده حسن انظر الأذكار للنووي بتحقيق الأرنؤوط ص 285.
(4) أي تذل وتخضع.
(1) الترمذي 4/615 وقال عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على الأذكار للنووي إنه حسن. انظر الأذكار 286. وانظر صحيح الترمذي 2/287.
(2) الترمذي 5/11 وقال حديث حسن صحيح.
(3) البخاري 3/100 ومسلم 4/2054 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/216.(4/29)
(1) تعليق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم نقلاً عن النووي م4/2054.
(2) أخرجه الترمذي 4/363 وانظر صحيح الترمذي 2/194.
(1) البخاري 1/207 ومسلم 1/83 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/14.
(2) أبو داود 3/223 وانظر صحيح الجامع 5/282.
(3) البخاري 7/221 ومسلم 3/1266 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/170.
(1) البخاري 7/98 ومسلم 3/1267 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/172.
(2) رواه الترمذي وغيره وانظر صحيح الترمذي 2/99.
(3) البخاري 6/51 ومسلم 3/1267 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/170.
(1) سورة البقرة الآية 264.
(2) البخاري 3/75 ومسلم 1/103 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/20 والآية 77 من سورة آل عمران.
(1) مسلم 1/102.
(2) البخاري 3/12 ومسلم 3/1228 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/156.
(3) البخاري 7/119 ومسلم 3/1688 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/47.
(1) البخاري 6/40 ومسلم 4/1762 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/76.
(2) البخاري 2/87 ومسلم 2/645 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/188.
(1) مسلم 2/644.
(2) البخاري 2/83 ومسلم 1/99 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/20.
(3) البخاري 2/83 ومسلم 1/99 وانظر اللؤلؤ والمرجان 1/19.
(1) البخاري 3/26 ومسلم 3/1154 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/ 134.
(1) البخاري 3/185 ومسلم 4/2296 وانظر اللؤلؤ والمرجان 2/328.
(2) البخاري 3/185 ومسلم 4/2297 وانظر اللؤلؤ والمرجان 3/328.
(3) مسلم 4/2297.
(1) فتح الباري 10/477.
(2) مسلم 4/2297.
(1) البخاري 7/78 والبخاري مع الفتح 10/478.
(2) البخاري 7/78 والبخاري مع الفتح 10/487.
(1) مسلم 4/1864 والبخاري مع الفتح 10/479.
(2) الفتح 10/477.
(3) شرح الإمام النووي على مسلم 18/126.
(1) البخاري 7/89 ومسلم 4/2291 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/326 ولفظ مسلم ”وإن من الإجهاز“.
(2) من تعليق لمحمد فؤاد عبد الباقي على اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/326.(4/30)
(1) سورة الحجرات الآية 11.
(2) مسلم 4/1967 وشرح النووي 16/93.
(3) شرح النووي 16/93.
(1) البخاري مع الفتح 10/464 وأحمد في المسند 5/181.
(2) البخاري 1/17 ومسلم 1/18 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/13.
(3) البخاري 7/97 ومسلم 1/79 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/13.
(4) مسلم 1/73.
(5) أخرجه أبو داود 4/274.
(1) انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/237.
(2) مسلم 1/80.
(1) شرح النووي 1/49.
(1) صحيح مسلم 1/86.
(2) الأذكار للنووي 314.
(1) أخرجه أبو داود 4/327 وانظر صحيح الجامع 6/161.
(2) البخاري 7/69 ومسلم 1/92 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/3.
(1) البخاري 7/223 ومسلم 1/104.
(2) مسلم 4/2005 والترمذي 4/371.
(3) مسلم 4/2006 وأبو داود 4/278.
(4) الترمذي وقال حسن صحيح 4/350 وأبو داود 4/277.
(5) الترمذي وحسنه 4/350. وانظر صحيح الترمذي 8/189.
(1) أبو داود 4/277.
(2) أبو داود 4/278 والترمذي 4/351 وهو حديث صحيح كما قال الشيخ عبد القادر في تعليقه على الأذكار للنووي صحيفة 302 وانظر صحيح الترمذي 2/189 وتحفة الأحوذي 6/112.
(1) مسلم 4/2004.
(2) مسلم 4/2005.
(1) الأذكار للنووي 303.
(2) مسلم 1/367 والبخاري 2/90.
(3) مسلم 3/1567.
(4) مسلم 3/1673.
(1) مسلم 4/1953.
(2) الأذكار للنووي 304.
(1) وقد قرر ابن تيمية عدم جواز لعن المعيَّنين؛ لجواز توبتهم، انظر: فتاوى ابن تيمية 21/156 و6/511.
(1) البخاري مع الفتح 3/258 وغيره.
(3) الترمذي 4/353 وانظر صحيح الترمذي 2/190 ورواه أيضاً أحمد.
(1) أبو داود برقم 4980، 4/295 وأحمد في المسند 5/384 وغيرهما.
(1) مسلم برقم 2664، 4/2052.
(2) مسلم برقم 2623، 4/2024.
(1) انظر شرح النووي على صحيح مسلم 16/175.
(2) انظر المرجع السابق 16/176.
(1) سورة لقمان الآيتان: 6، 7.
(2) أخرجه ابن جرير في تفسيره وانظر تفسير ابن كثير 3/442.(4/31)
(3) البخاري مع الفتح برقم 5590، 10/51.
(4) سورة النجم الآيات: 59-61.
(1) سورة الشعراء الآيات: 224-227.
(1) البخاري مع الفتح، 1/89 ومسلم1/78.
(2) البخاري مع الفتح 1/89 ومسلم 1/18.
(1) البخاري 4/90 ومسلم 4/2290 وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 3/325.
(1) يفضي إلى امرأته: أي يصل إليها بالمباشرة أو المجامعة. انظر شرح النووي.
(2) أخرجه مسلم 2/1060.
(3) انظر صحيح مسلم 2/1061.
(4) البخاري مع الفتح 10/464 و10/514 واللفظ له. ورواه مسلم 1/105.
(1) أبو داود 4/295 والنسائي، وأحمد في المسند 3/346- 347، وانظر صحيح الجامع 6/170.
(2) تزفرين: أي تتحركين حركة شديدة: أي ترتعدين.
(3) أخرجه مسلم، 4/1993.
(1) انظر قضية التكفير للمؤلف ص 95-127.
([1]) الأذكار للإمام النووي ص 284.
(2) أخرجه الترمذي 4/558 وابن ماجه 2/1316 وانظر صحيح الترمذي 2/269 وابن ماجه 2/360.
(1) حلية الأولياء 10/63.
(1) أخرجه مسلم 4/2023 وتقدم في بذاءة اللسان وانظر بقية احاديث الترهيب من أخطار اللسان هناك.
(1) انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله ص 276-281.
(2) ذكره ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم ص 241.
(1) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 242.
(2) المرجع السابق ص 242.
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله ص 276-281.
(2) ابن ماجه وانظر صحيح ابن ماجه 2/405 وأخرجه أحمد 5/412.
(1) انظر بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار لعبد الرحمن السعدي الحديث رقم 74.
(2) أخرجه الترمذي 4/605 وانظر صحيح الترمذي 2/287 وصحيح الجامع برقم 1388.(4/32)
الفهارس
1. فهرس الآيات القرآنية.
2. فهرس الأحاديث والآثار.
3. فهرس المراجع.
4. فهرس الموضوعات.
1- فهرس الآيات القرآنية
طرف الآية
الآية
الصفحة
{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة }.
(النحل 125)
{ أفمن هذا الحديث تعجبون }.
(النجم 59- 61)
{ إن ربك لبالمرصاد }.
(الفجر 14)
{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون }.
(النحل 105)
{ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم }.
(النور 11)
{إن الذين يرمون المحصنات الغافلات}.
(النور 23)
{ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم }.
(آل عمران 77)
{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له}.
(الحج 30)
{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان }.
(الحج 30)
{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً }.
(الأنعام 144)
{ فمن أظلم ممن كذب بآيات الله }.
(الأنعام 157)
{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.
(البقرة 197)
{قل إن الذين يفترون على الله الكذب}.
(يونس 69)
{قل إنما حرم ربي الفواحش }.
(الأعراف 33)
{ ما ضربوه لك إلا جدلاً }.
(الزخرف 58)
{ ما يلفظ من قول إلا لديه }.
(ق 18)
{ هماز مشاء بنميم مناع للخير }.
(القلم 11،12)
{ وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به }.
(الطلاق 2)
{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع}.
(الإسراء 36)
{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب }.
(النحل 116)
{ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه }.
(البقرة 283)
{ ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا }.
(الأنعام 150)
{ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا }.
(العنكبوت 46)
{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي}.
(النجم 4،3)
{وما كنتم تستترون أن يشهد }.
(فصلت 22)
{ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب}.
(الأنعام 21)
{ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال}.
(الأنعام 93)
{ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله }.
(البقرة 140)
{ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}.
(الحج 3)
{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}.
(الحج 8،9)(5/1)
{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل}.
(لقمان 6، 7)
{ ومن الناس من يعجبك قوله }.
(البقرة 204-206)
{ والذين هم بشهاداتهم قائمون }.
(المعارج 33-35)
{ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا }.
(الفرقان 72)
{ والذين يرمون المحصنات ثم يأتوا }.
(النور 4 -7)
{ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن }.
(النور 7-9)
{ والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر }.
(الشعراء 224-227)
{ ويجادلون الذين كفروا بالباطل }.
(الكهف 56)
{ ويل لكل همزة لمزة }.
(الهمزة 1)
{ لا خير في كثير من نجواهم إلا }.
(النساء 114)
{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول }.
(النساء 148)
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله }.
(آل عمران 102)
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله }.
(الأحزاب 70، 71)
{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا }.
(الحجرات 12)
{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين }.
(المائدة 8)
{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا }.
(البقرة 264)
{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم }.
(الحجرات 11)
{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين }.
(النساء 135)
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم }.
(النساء 1)
{ يوم لا ينفع مال ولا بنون }.
(الشعراء 88)
2- فهرس الأحاديث والآثار
طرف الحديث
الصفحة
أتدرون أي يوم هذا.
أتدرون ما الغيبة.
اجتنبوا السبع الموبقات.
احثوا في وجوه المداحين التراب.
أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك.
إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم.
إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم.
إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه.
إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان.
إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع.
أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً.
أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن.
اعلم أنه ليس يسلم من حدث بكل ما سمع...[أثر].
ألك ولد سواه ؟.
أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نحثوا.
أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك.(5/2)
أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك.
إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله.
إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون.
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريء من الصالقة والحالقة.
إن الرجل يصدق حتى يكتب صديقاً.
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله.
إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان.
إن شر الناس ذو الوجهين.
إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في.
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة.
إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها.
إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها.
إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله.
إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت.
إن الله يبغض كل جعظري جواظ.
إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل.
إن الله لا يحب الفاحش والمتفحش.
إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب [أثر].
إنك لست منهم.
إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد.
إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن.
إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي.
إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم.
إن من أشر الناس عند الله منزلة.
إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير أبيه.
إن هذا أوردني الموارد...[أثر].
إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير.
أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل.
ألا أخبرك بملاك ذلك كله.
ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- ثلاثاً-؟.
ألا أنبئكم ما العضة هي النميمة؟.
ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد.
أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد.
آية المنافق ثلاث.
بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع..[أثر].
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.
تقوى الله وحسن الخلق.
تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي.
ثلاثة لا ترد دعوتهم.
ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة..(5/3)
الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة..
خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة.
خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف..
خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم.
خير الناس قرني ثم الذين يلونهم.
رحم الله موسى لقد أوذي أكثر من هذا فصبر.
زنيتَ؟ (قاله صلّى الله عليه وسلّم) لماعز.
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر..
الإشراك بالله وعقوق الوالدين.
الإشراك بالله قال ثم ماذا ؟.
عباد الله وضع الله الحرج إلا من اقترض.
عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله.
عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر.
الغناء والله الذي لا إله إلا هو...[أثر].
فلما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً.
قل ربي الله ثم استقم.
القلوب كالقدور تغلي بما فيها...[أثر].
كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع...[أثر].
كل أمتي معافى إلا المجاهرين.
كل مخموم القلب صدوق اللسان.
كل المسلم على المسلم حرام دمه.
لعن المؤمن كقتله.
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور.
لعن الله من ذبح لغير الله ولعن.
لعن الله الذي وسمه.
لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.
لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي.
لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس.
ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس.
ليس لك عليه نفقه.
ليس من رجل أدعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر.
ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب.
ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش.
ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير..
اللهم العن رعلاً وذكوان..
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم..
ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا..[أثر]..
ما سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لأحد على الأرض إنه..[أثر].
ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليها إلا.
ما فعل كعب بن مالك؟..
ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك..
ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لساني...[ أثر]..(5/4)
ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم...[أثر]..
ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع..
ما يقول ذو اليدين..
من أكل برجل مسلم أكلةً..
من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له.
من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين.
من حدَّثَ عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد..
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه..
من حلف بالأمانة فليس منا..
من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك..
من حلف على ملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال..
من حلف فقال في حلفه واللات والعزى..
من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟..
من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقّاً على الله.
من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار.
من سلم المسلمون من لسانه ويده..
من سمّع سمع الله به يوم القيامة..
من تعمد علي كذباً فليتبوأ مقعده..
من قذف مملوكه وهو بريء مما قال..
من كان له وجهان في الدنيا كان له..
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل..
من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده..
من الكبائر شتم الرجل والديه..
من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه.
من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة..
من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه..
من يقل عليَّ ما لم أقل فلتبوأ مقعده..
المسلم أخو المسلم..
المستبان ما قالا فعلى المبتدئ منهما..
المدح هو الذبح...[أثر]..
المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير.
نحن من ماء..
النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة..
هل تدرون ماذا قال ربكم..
هلك المتنطعون..
ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث..
ويحك قل خير تغنم أو اسكت عن سوء تسلم...[أثر]..
ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم..
ويلك قطعت عنق صاحبك..
لا أشهد على جور..
لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا.
لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء.
لا تعلموا العلم لثلاث.(5/5)
لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده.
لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة.
لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا.
لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء.
لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم.
لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة.
لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله.
لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا.
لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً.
لا تقولوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع.
لا تكذبوا علي فإن من كذب علي.
لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله.
لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضه ولا بالنار..
لا تلعن الريح فإنها مأمورة..
لا يدخل الجنة قتات.
لا يدخل الجنة نمام..
لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ولا يرميه بالكفر..
لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة..
لا يكون الرجل إماماً يقتدى به حتى...[أثر]..
لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً..
يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار.
يؤذني ابن آدم يسب الدهر وأنا.
يعذبان وما يعذبان في كبيرة.
يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان.
يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار.
3- فهرس المراجع.
1- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية بتحقيق محمد حامد الفقي ط مكتبة حميدو. بدون تاريخ.
2- جامع البيان في تفسير القرآن. محمد بن جرير الطبري ط دار المعرفة بيروت 1400هـ.
3- تفصيل آيات القرآن الحكيم وضعه بالفرنسية جول لابوم، ويليه المستدرك، ادوارد مونتيه نقلها إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي ط دار الكتاب العربي.
4- زاد المسير في علم التفسير. عبد الرحمن بن الجوزي ت 596. ط 1 المكتب الإسلامي.
5- الروض المربع لشرح زاد المستقنع ط مكتبة الرياض الحديثة. بدون تاريخ.
6- سنن أبي داود بمراجعة محمد محي الدين عبد الحميد ط دار الفكر.
7- سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي وحاشية السندي ط 1 دار الفكر 1348هـ.(5/6)
8- سنن الترمذي الطبعة المحققة لمجموعة من العلماء. ط شركة مصطفى البابي.
9- شرح النووي على مسلم ط دار إحياء التراث العربي.
10- صحيح البخاري ط المكتبة الإسلامية- باستانبول –تركيا.
11- صحيح مسلم بتحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء التراث العربي.
12- صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني ط 2 دار القرآن الكريم-بيروت.
13- عون المعبود شرح سنن أبي داود. أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي ط المكتبة السفلية.
14- فتح الباري بشرح صحيح البخاري تصحيح العلامة ابن باز ط مكتبة الرياض الحديثة.
15- القاموس المحيط. مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي ط دار الفكر.
16- موطأ الإمام مالك بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء التراث العربي.
17- مسند الإمام أحمد ط المكتب الإسلامي.
18- المعجم الفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف.
19- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وضعه محمد فؤاد ط دار الفكر.
20- تيسير الوصول إلى مواضع الحديث في الكتب الأصول ط الكويت عبد الحميد محمد حسين.
21- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. وضعه محمد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء التراث العربي- بيروت.
22- مختصر تفسير ابن كثير للصابوني ط 7 دار القرآن- بيروت.
23- الأذكار للإمام النووي بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط طبعة خاصة للدكتور محمد فياض البارودي بالاشتراك مع دار الملاح للطباعة والنشر.
24- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم رحمه الله ط دار التراث بالمدينة المنورة الطبعة المحققة 1408هـ.
25- جامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه الله.
26- تطهير العيبة من دنس الغيبة لابن حجر الهيتمي.
27- قرة عيون الأخيار للسعدي رحمه الله.
4- فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
المقدمة
الباب الأول: الغيبة والنميمة
الفصل الأول: الغيبة
المبحث الأول: تعريف الغيبة
المبحث الثاني: الفرق بين الغيبة والنميمة(5/7)
المبحث الثالث: حكم الغيبة
المبحث الرابع: الترهيب من الوقوع في الغيبة
المبحث الخامس: ما ينبغي لمن سمع غيبة أخيه المسلم
المبحث السادس: الأسباب الباعثة على الغيبة
المبحث السابع: علاج الغيبة
المبحث الثامن: طريق التوبة من الغيبة
المبحث التاسع: ما يباح من الغيبة
الفصل الثاني: النميمة
المبحث الأول: تعريف النميمة
المبحث الثاني: حكم النميمة
المبحث الثالث: الترهيب من الوقوع في النميمة
المبحث الرابع: ما ينبغي لمن حملت إليه النميمة
المبحث الخامس: ذو الوجهين
المبحث السادس: الدوافع الباعثة على النميمة
المبحث السابع: علاج النميمة
المبحث الثامن: ما يباح من النميمة
الباب الثاني: القول على الله بغير علم
الفصل الأول: الكذب على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم
المبحث الأول: تعريف الكذب
المبحث الثاني: الترهيب من الكذب على الله ورسوله
المبحث الثالث: ما يمتاز به الكاذب على الله ورسوله
الفصل الثاني: الكذب عموماً
المبحث الأول: حكم الكذب
المبحث الثاني: الترهيب من الوقوع في الكذب
المبحث الثالث: الكذب في الرؤيا أو الحلم
المبحث الرابع: ما يباح من الكذب
الفصل الثالث: شهادة الزور
المبحث الأول: تعريف الزور
المبحث الثاني: الترهيب من الوقوع في شهادة الزور
المبحث الثالث: ما يترتب على شهادة الزور من الجرائم
الباب الثالث: القذف والخصومات وبذاءة اللسان
الفصل الأول: القذف
المبحث الأول: تعريف القذف
المبحث الثاني: الترهيب من الوقوع في القذف
الفصل الثاني: الخصومات والجدال
المبحث الأول: الجدال بالباطل
البواعث على الجدال بالباطل
المبحث الثاني: الخصومات والنزاع
المبحث الثالث: علاج الخصومات
الفصل الثالث: بذاءة اللسان
المبحث الأول:الترهيب من الوقوع في بذاءة اللسان
المبحث الثاني:الاستسقاء بالأنواء
المبحث الثالث: الحلف بغير الله
المبحث الرابع: والحلف الكاذب والمن بالعطية(5/8)
المبحث الخامس: التسمي بملك الأملاك
المبحث السادس: سب الدهر
المبحث السابع: النياحة على الميت
المبحث الثامن: النجش
المبحث التاسع: المدح المذموم
المبحث العاشر: ما يجوز من المدح
المبحث الحادي عشر: هتك الإنسان ستر نفسه
المبحث الثاني عشر: السب والشتم والسخرية بالمؤمنين
المبحث الثالث عشر: من الكبائر شتم الرجل والديه.
المبحث الرابع عشر: اللعن.
المبحث الخامس عشر: جواز لعن أصحاب المعاصي والكفار عموماً بدون تعيين.
المبحث السادس عشر: قول ما شاء الله وشاء فلان أو لولا الله وفلان.
المبحث السابع عشر: الو وعدم تفويض الأقدار لله تعالى
المبحث الثامن عشر: قول الرجل هلك الناس.
المبحث التاسع عشر: الغناء والشعر المحرم.
المبحث العشرون: الوعد الكاذب.
المبحث الواحد والعشرون: من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهي عن المنكر ويفعله
المبحث الثاني والعشرون: إفشاء سر الزوج أو الزوجة.
المبحث الثالث والعشرون: من حلف على ملة غير الإسلام
المبحث الرابع والعشرون: تسويد الفاسق.
المبحث الخامس والعشرون: سب الحمى.
الفصل السادس والعشرون: الردة بالقول.
الفصل الرابع: وجوب حفظ اللسان.
الخاتمة.
الفهارس.
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث والآثار.
فهرس المراجع.
فهرس الموضوعات.(5/9)
الإمامة في الصلاة(/)
الإمامة في الصّلاة
مفهوم، وفضائل، وأنواع، وآداب، وأحكام
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في ”الإمامة في الصلاة“ بيّنت فيها بإيجاز: مفهوم الإمامة، وفضل الإمامة في الصلاة والعلم، وحكم طلب الإمامة إذا صلحت النّيّة، وأولى الناس بالإمامة، وأنواع الأئمة والإمامة، وأنواع وقوف المأموم مع الإمام، وأهمية الصفوف في الصلاة وترتيبها، وتسويتها، وألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسويتها، وفضل الصفوف الأُوَل وميامين الصفوف، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف، وصلاة المأمومين بين السواري، وجواز انفراد المأموم لعذر، وانتقال المنفرد إماماً، والإمام مأموماً، والمأموم إماماً، وأحوال المأموم مع الإمام، وأحكام الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه، والاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو ركن ولم يعلم المأموم، والاقتداء بمن ذكر أنه مُحدث وحكم الاستخلاف، وآداب الإمام، وآداب المأموم، وغير ذلك من الأحكام المهمة المتعلقة بالإمامة وآدابها، وكل ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، حسب الإمكان.
وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -.(6/1)
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الأمين، نبينا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله ، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
المؤلف
حرّر في يوم الأحد الموافق 12/6/1421هـ(6/2)
الإمامة في الصّلاة
أولاً: مفهوم الإمامة والإمام:
الإمامة: مصدر أمَّ الناس: صار لهم إماماً يتبعونه في صلاته([1]). أي: تقدّم رجل المصلين ليقتدوا به في صلاتهم، والإمامة: رياسة المسلمين، والإمامة الكبرى: رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والخلافة هي الإمامة الكبرى، وإمام المسلمين: الخليفة ومن جرى مجراه([2]). والإمامة الصغرى: ربط صلاة المؤتم بالإمام بشروط([3]).
الإمام: كل من اقتُدِي به، وقُدِّم في الأمور، والنبي صلّى الله عليه وسلّم إمام الأئمة، والخليفة : إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام الجند: قائدهم.
والإمام جَمْعُهُ: أئمة، والإمام في الصلاة: من يتقدم المصلين ويتابعونه في حركات الصلاة. والإمام: من يأتم به الناس من رئيس وغيره، محقّاً كان أو مبطلاً، ومنه: إمام الصلاة، والإمام: العالم المقتدى به، وإمام كل شيء: قيمه والمصلح له([4]).
ثانياً: فضل الإمامة في الصلاة والعلم:
1_ الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله“([5]). ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها([6]).(7/1)
2_ الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول الله عز وجل في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}([7]). المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير([8]). فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما}([9])، وامتنّ الله – عز وجل – على من وفقه للإمامة في الدين فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}([10]) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله – عز وجل – وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين – وهو العلم التام الموجب للعمل – كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر([11]).
3_ دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين“([12]).(7/2)
4_ الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين“. ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية الخير([13]).
واختار شيخ الإسلام – رحمه الله – أن الأذان أفضل من الإمامة([14]). وأما إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإمامة الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل([15]).
5_ عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم“([16]). والمعنى: ”يصلون“ أي الأئمة ”لكم“ أي لأجلكم، ”فإن أصابوا“ في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن ”فلكم“ ثواب صلاتكم، ”ولهم“ ثواب صلاتهم، ”وإن أخطأوا“ أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين ”فلكم“، ثوابها، ”وعليهم“ عقابها([17]). وعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم“([18]).(7/3)
وعن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء – يعني – فعليه ولا عليهم“([19]).
ثالثاً: طلب الإمامة في الصلاة إذا صلحت النية لا بأس به، لحديث عثمان بن أبي العاص – رضي الله عنه – قال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، فقال: ”أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً“([20]).
والحديث يدلّ على جواز طلب الإمامة في الخير، وقد ورد في أدعية عباد الرحمن الذين وصفهم الله بتلك الأوصاف الجميلة أنهم يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}([21]). وليس ذلك من طلب الرياسة المكروهة، فإن ذلك فيما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يُعَانُ مَنْ طلبها، ولا يستحق أن يُعْطَاهَا مَنْ سألها([22])، فإذا صَلحت النية وتأكدت الرغبة في القيام بالواجب والدعوة إلى الله – عز وجل – فلا حرج من طلب ذلك.
رابعاً: أولى الناس بالإمامة: الأقرأ([23]) العالم فقه صلاته([24])، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأقدمهم إسلاماً، لحديث أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله([25]) فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة([26])، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سلماً – وفي رواية - سنّاً([27]) ولا يؤمّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في سلطانه([28]) ولا يقعد في بيته على تكْرِمَتِه([29]) إلا بإذنه“. وفي لفظ: ”يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواءً...“([30]).(7/4)
أما حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – الذي فيه: ”فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم“([31]). فقدم الأكبر، لأنهم استووا في باقي الخصال والشروط، لأنهم هاجروا جميعاً، وصحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولازموه عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه، ولم يبق ما يقدم به إلا السن([32]).
فالمراتب خمس: يقدم الأقرأ، فالأعلم بالسنة، فالأقدم هجرة، فالأقدم إسلاماً، فالأكبر سِنّاً ([33]).
خامساً: أنواع الإمامة في الصلاة على النحو الآتي:
1_ إمامة الصبي جائزة على الصحيح([34])، لحديث عمرو بن سلمة قال: كنا بماء ممرِّ الناس([35]) وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟([36]) فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح([37]) فيقولون اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم([38]) فلما قَدِمَ قال: ”جئتكم والله من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم حقّاً، فقال: ”صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذن أحدكم، ليؤمكم أكثركم قرآناً“ فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً منّي، لِمَا كنت أتلقَّى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني([39])، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا([40]) فقطعوا لي قميصاً فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص“. وفي أبي داود زيادة: ”قال عمرو بن سلمة فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا“([41]).(7/5)
وهذا هو الصّواب أنّ إمامة الصّبي تصحّ بالفرض والنّفل إذا قدّمه القوم وكان أكثرهم قرآناً، وقد بلغ سبع سنين، لأنه لا قياس في مقابلة النّصّ، ولأنّ إمامة عمرو بن سلمة بقومه كانت زمن الوحي، فلو كانت الصّلاة باطلة وعمله منكراً، لأنكره الله تعالى، ولأنّ الذين قدموا عمراً كانوا كلهم صحابة([42])، وقد قال جابر – رضي الله عنه -: ”كنّا نعزل والقرآن ينزل“ وفي لفظ: ”كنّا نعزل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“([43]). وفي رواية مسلم: ”كنّا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن“.
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يرجّح صحّة إمامة الصبي الذي بلغ سبع سنين في الفرض والنّفل، وأنه يعتدّ بالصّبي في المصافة في الصّلاة، وأنّ الأصل في الفرائض والنّوافل سواء إلا ما خصّه الدّليل([44]).
2_ إمامة الأعمى صحيحة بلا كراهة، لحديث أنس – رضي الله عنه – أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم استخلف ابن أمِّ مكتوم يؤم الناس وهو أعمى([45])، وفي رواية عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استخلف ابن أمِّ مكتوم على المدينة مرتين([46]). وقد عُدَّت مراتُ استخلاف ابن أم مكتوم فبلغت ثلاث عشرة مرة، وهذا دليل على صحّة إمامة الأعمى من دون كراهة في ذلك([47])، ويدلّ على ذلك ما رواه محمود بن الربيع الأنصاري – رضي الله عنه – أن عتبان بن مالك كان يؤمُّ قومهُ وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يا رسول الله: إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مُصلَّى، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”أين تحبّ أن أصلّي“؟ فأشار إلى مكان من البيت فصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم([48]).(7/6)
3_ إمامة العبد والمولى صحيحة، لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: لَمّا قَدِمَ المهاجرون الأوّلون العقبة – موضع بقباء – قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة – رضي الله عنه – وكان أكثرهم قرآناً([49]).
وفي رواية: عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجد قباء، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة([50]).
وكان سالم مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكانت إمامته بهم قبل أن يُعتق، وإنما قيل له: مولى أبي حذيفة، لأنه لازم أبا حذيفة بعد أن أعتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له: مولاه، وسبب تقديمهم له، لأنه كان أكثرهم قرآناً([51])، قال البخاري – رحمه الله -: ”باب إمامة العبد المولى، وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف. وولد البغي والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”يؤمهم أقرأهم لكتاب الله“ ولا يمنع العبد من الجماعة بغير علة“([52]).
4_ إمامة المرأة للنساء صحيحة، لحديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤمَّ أهل دارها. قال عبد الرحمن بن خلاَّد الراوي عنها: ”أنا رأيتُ مؤذنها شيخاً كبيراً“([53]). وهذا يدلّ على مشروعية صلاة النساء جماعة منفردات عن الرجال([54])، ورجح الإمام ابن القيم – رحمه الله – استحباب صلاة النساء جماعة، لحديث أم ورقة، ولأن عائشة – رضي الله عنها – أمَّت نسوة في المكتوبة فأمتهنَّ بينهن وسطاً([55])، ولأن أم سلمة – رضي الله عنها – أمَّت نساء فقامت وسطهن([56])، ولو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة“([57]) لكفى([58]).(7/7)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث ورقة: ”وأنه يدلّ على مشروعية ذلك، ولا بأس به، ويستحب ذلك، والحديث وإن كان في إسناده كلام، ولكن مثله نوع مستقل ويعمل به، ويعضده ما جاء عن عائشة، وأم سلمة أنهما كانتا تؤمان أهل بيتهما، لكن تقف في وسط النساء، وصلاة الجماعة لا تجب عليهن، ولكن تستحب“([59]).
5_ إمامة الرجل للنساء فقط صحيحة، لأخبار وردت في ذلك([60])، ولأن الأصل صحة صلاة الجماعة وانعقادها بالنساء مع الرجل، بل بالمرأة مع الرجل ومن منع فعليه الدليل([61])، إلا إذا كانت أجنبية وحدها فإنه يحرم أن يؤمها، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – يرفعه: ”لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم“([62])، والصحيح أن إمامة النساء لا تكره إلا إذا خاف الفتنة، ابتعد عن ذلك، لأن ما كان ذريعة إلى حرام فهو حرام([63])، وقد كان ذكوان مولى عائشة – رضي الله عنهما – يؤمها من المصحف([64]).
6_ إمامة المفضول للفاضل صحيحة، لحديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – حينما كان مع النبي في غزوة تبوك، وذكر وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وأنه جاء معه قال: حتى نجد الناس قد قدَّموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، قال: ووجدنا عبد الرحمن وقد صلى بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمُّ صلاته، قال: فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته أقبل عليهم ثم قال: ”أحسنتم“ أو ”قد أصبتم“ يغبطهم أن صلّوا الصلاة لوقتها([65])، وهذا يدلّ على صحّة إمامة المفضول للفاضل.(7/8)
7_ إمامة المتيمم للمتوضئ جائزة، لحديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب“؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}([66]) فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئاً([67]). وفي رواية: ”فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلّى بهم...“([68]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وقال البيهقي: يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي، وقال النووي: وهو متعيّن“([69]). وفي لفظ البخاري: ”فذكر للنبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعنِّف“ ووقع في رواية ”فلم يعنِّفه“ قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان من أجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين..“([70]). قال ابن قدامة – رحمه الله -: ”ويصبح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا أعلم فيه خللاً“([71]). ولكن لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر منه([72]).
8_ إمامة المسافر للمقيم صحيحة ويتم المقيم بعد سلام المسافر، للآثار في ذلك([73]) والإجماع، قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله -: ”أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر وسلم المسافر من ركعتين أن على المقيم إتمام الصلاة“([74]). وعن عمر – رضي الله عنه – أنه كان إذا قدم بمكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: ”يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قومٌ سفْرٌ“([75]).(7/9)
فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلى خلف المسافر صلاة الفريضة: كالظهر، والعصر، والعشاء، فإنه يلزمه أن يكمل صلاته أربعاً، أما إذا صلى المقيم خلف المسافر طلباً لفضل الجماعة، وقد صلى المقيم فريضته، فإنه يصلي مثل صلاة المسافر: ركعتين، لأنها في حقه نافلة([76]).
وإذا أمّ المسافر المقيمين فأتمَّ بهم فصلاتهم تامّة صحيحة وخالف الأفضل([77]).
9_ إمامة المقيم للمسافر صحيحة، ويتمّ المسافر مثل صلاة إمامه، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو أقل، وحتى لو دخل معه في التشهد الأخير قبل السلام فإنه يتم، وهذا هو الصواب من قولي أهل العلم، لِمَا ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – من حديث موسى بن سلمة – رحمه الله – قال: كنّا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كُنّا معكم صلّينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: ”تلك سنّة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم“([78]). وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً وإذا صلاها وحده صلّى ركعتين([79]).
وذكر الإمام ابن عبد البر – رحمه الله – أن في إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه أن يصلي أربعاً([80]). وقال: ”قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف المقيم قبل سلامه أنه تلزمه صلاة المقيم، وعليه الإتمام“([81]).
ومما يدلّ على أنّ المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه الإتمام عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما جُعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبِّروا...([82])“([83]).
10_ إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها صحيحة على القول الصحيح من قولي أهل العلم، مثال ذلك رجل وجد الناس يصلون ظهر اليوم وذكر أن عليه صلاة الظهر بالأمس، فإنه يدخل معهم خلف الإمام وينوي ظهر أمس، فصلاته صحيحة، لأنه قاضٍ صلى خلف مؤدٍّ، ولأنّ التّرتيب بين الصّلوات واجب فيصلي الصّلاة بنيّة الفائتة ثم يصلي الحاضرة([84]).(7/10)
11_ إمامة من يقضي الصلاة بمن يؤديها عكس المسألة السابقة صحيحة على القول الصحيح، فيكون الإمام هو الذي يقضي والمأموم هو الذي يؤدي، مثال ذلك رجل عليه ظهر أمس فصلى فدخل معه من يصلي ظهر اليوم، فالإمام يصلي بنية ظهر أمس، والمأموم بنية ظهر اليوم، فصحّة المؤداة خلف المقضية وبالعكس، لأنّ الصلاة واحدة وإنما اختلف الزّمن([85]).
12_ إمامة المفترض للمتنفل صحيحة بلا خلاف، لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ”ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلي معه“([86])، ولأحاديث إعادة صلاة الجماعة لمن أدرك الجماعة وقد صلى قبل ذلك([87])، ومنها حديث يزيد بن الأسود وفيه: ”إذا صليتما في رحالكم ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة“([88]).
قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله -: ”ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً“([89]).
13_ إمامة المتنفل للمفترض جائزة على القول الصحيح، لحديث جابر – رضي الله عنه – أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – ”كان يصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء ثم يأتي مسجد قومه فيصلي بهم تلك الصلاة“([90]). ومعلوم أن الصلاة الأولى هي الفريضة والثانية لمعاذ هي النافلة، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض أنواع صلاة الخوف بالطائفة الأولى ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين ثم سلم([91])، فالصلاة الأولى فرض النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثانية نفلاً([92])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –([93]). فعلى هذا تجوز صلاة العشاء خلف من يصلي صلاة التراويح وغيرها([94]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذين الحديثين: ”وهذا واضح في جواز إمامة المتنفل بالمفترض“([95]).(7/11)
14_ إمامة من يصلي العصر أو غيرها بمن يصلي الظهر أو غيرها جائزة على القول الصحيح، لأنها فرع من إمامة المتنفل بالمفترض على الصحيح، وهي مثلها في الحكم، بل هنا أولى، لصحة صلاة من يصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة، فلو أدرك المأموم الإمام في صلاة الجمعة بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من صلاة الجمعة دخل معه بنية الظهر فإذا سلم الإمام قام فصلى أربعاً ظهراً([96]). وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخنا الإمام ابن باز وغيرهما – رحمهم الله –([97]).(7/12)
وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّما جُعِل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه...“([98]). فالاختلاف المراد به في الحديث الاختلاف في الأفعال والأقوال([99])، كما جاء مفسراً بقوله: ”إنّما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا ولا تكبروا حتى يُكبِّر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربّنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون“([100]). قال الإمام الصنعاني – رحمه الله -: ”الحديث لم يشترط المساواة في النية، فدلّ أنها إذا اختلفت نية الإمام والمأموم – كأن ينوي أحدهما فرضاً والآخر نفلاً، أو ينوي هذا عصراً، والآخر ظهراً أنها تصحّ الصلاة جماعة“([101]). وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول في شرحه لهذا الحديث: ”فقد ذكر الأفعال والأقوال ولم يذكر النية فدلّ على أن النية مغتفرة“([102])، فعلى ذلك لا يؤثر اختلاف النية: فتصح إمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العشاء، وإمامة من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي العصر بمن يصلي الظهر، ومن يصلي صلاة أكثر بمن يصلي أقل، ومن يصلي أقل بمن يصلي أكثر ؛ مثال من يصلي صلاة أكثر خلف من يصلي أقل: كمن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، فإنه يصلي مع الإمام فإذا سلّم إمامه قام وأتى بركعة. ومثال من يصلي صلاة أقل خلف من يصلي صلاة أكثر، كمن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، فإنه إن أدرك الإمام في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال، لأنه يتابع إمامه ويسلم معه، وإن دخل في الركعة الثالثة أتى بعده بركعة، وإن دخل في الرابعة أتى بعده بركعتين، لكن إن أدرك الإمام في الركعة الأولى فإنه يلزمه إذا قام الإمام إلى الرابعة أن يجلس ولا يقوم معه بل ينتظر في التشهد حتى يسلم مع إمامه، هذا هو الأفضل، وإن نوى الانفراد وقرأ(7/13)
التشهد الأخير ثم سلم فلا حرج([103])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([104]) وشيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز([105]) والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ([106]) – رحمهم الله تعالى –([107]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”... وهكذا على الأرجح لو جاء وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب بسبب السفر أو المرض [فقد] اختلف العلماء: فقيل يصلي معهم العشاء نافلة ثم يصلي المغرب، وقيل: يجوز عدم الترتيب، وقيل: يصلي معهم المغرب بنية المغرب فإذا قاموا إلى الرابعة جلس ينتظرهم ثم يسلم معهم، وهذا قول حسن وجيد وهو معذور في الجلوس كما يجلس المسبوق ثم يتم صلاته، حتى ولو لم يدرك إلا ركعة جلس معهم ثم أتم، فالتأخر لعذر والمتابعة لعذر شرعي“([108]).
15_ إمامة الفاسق الذي تصحّ صلاته لنفسه صحيحة على القول الصحيح من قولي أهل العلم، إذا كانت معصيته أو بدعته لا تخرجه عن الإسلام، لكن ينبغي أن لا يرتب إماماً في الصلاة وغيرها([109]).(7/14)
ومما يدلّ على صحّة إمامة الفاسق حديث أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها“؟ قال: قلت فما تأمرني؟ قال: ”صلِّ الصلاة لوقتها، فإذا أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة لأولا تقل إني قد صلّيت فلا أصلي]“([110])، ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلّون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم“([111])، ولأن جمعاً من الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يصلون الجمعة، والجماعة، والأعياد خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون الصلاة، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف([112]) وابن عمر كان – رضي الله عنه – من أشدّ الناس تحرّياً لاتباع السنة، واحتياطاً لها، والحجاج معروف بأنه من أفسق الناس.
وكذا أنس – رضي الله عنه – كان يصلي خلف الحجاج، وكذلك عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وغيره من الصحابة كانوا يصلّون خلف الوليد بن أبي معيط، وقد صلّى بهم الصبح يوماً ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان عند عثمان – رضي الله عنه – فأقام عليه الحدّ، فجلده أربعين، ثم قال: جلد النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة وهذا أحب إليّ([113]).
وفي الصحيح عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وهو محصور فقال: إنك إمام عامة ونزل بكما نرى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: ”الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم“([114]).(7/15)
وصلى أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – خلف مروان بن الحكم صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة([115]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”... وقد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعليّاً ولا يبعد أن يكون قوليّاً على الصلاة خلف الجائرين، لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم، في كل بلدة فيها أمير“([116]). وقال: ”والحاصل أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحّت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره... واعلم أن محلّ النّزاع إنما هو صحة الجماعة خلف من لا عدالة له، وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك“([117]). قال الإمام الطحاوي – رحمه الله -: ”ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم“([118]). وقد تكلم الشارح كلاماً نفيساً رجح فيه صحة الصلاة خلف الفاسق، وأن من أظهر بدعته وفسقه لا يرتب إماماً للمسلمين، لأنه يستحق التعزير حتى يتوب، وإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة، فهذا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة – رضي الله عنهم – وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية، فلا يترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلفه أفضل، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، ولا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية دون دفع المفسدة.(7/16)
أما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر. وحينئذٍ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء: منهم من قال: يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد([119]) والأقرب أنه لا يعيد([120]). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز – رحمه الله – يقول: ”من يسلم من الأئمة من الفسق ولا سيما آخر الزمان، فالقول بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق فيه حرج عظيم، ومشقة كبيرة، فالصواب أنها تصح، ولكن على المسؤولين أن يختاروا“([121]) والله المستعان([122]).
16_ إمامة من يكرهه أكثر الجماعة بحق مكروهة على أقل الأحوال، لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الأبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون“([123]). وعن عمرو بن الحارث بن المصطلق قال: كان يقال: أشدُّ الناس عذاباً [يوم القيامة] اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قومٍ وهم له كارهون([124]).
قال الإمام الترمذي – رحمه الله تعالى -: ”وقد كره قوم من أهل العلم أن يؤم الرجل قوماً وهم له كارهون، فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه، وقال أحمد وإسحاق في هذا: إذا كره واحدٌ، أو اثنان، أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم“([125]). وذكر الشوكاني – رحمه الله -: أنه ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون، وقيّد جماعة من أهل العلم ذلك بالكراهة الدينية لسبب شرعي، فأما الكراهة لغير الدين فلا عبرة بها، وقيدوه بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين، ولا اعتبار بكراهة الواحد، والاثنين، والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعاً كثيراً، لا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة، فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم معتبرة، والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم([126]).(7/17)
وقال الترمذي – رحمه الله -: ”قال هناد: قال جرير: قال منصور: فسألنا عن أمر الإمام، فقيل لنا: إنما عنى بهذا الأئمة الظلمة، فأما من أقام السنة فإنما الإثم على من كرهه“([127]). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز – رحمه الله – يقول: ”ذكر أهل العلم – رحمهم الله – أن كراهة المأمومين فيها تفصيل: فمراد النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كرهوه بحق، أما إذا كانت كراهتهم له، لأنه صاحب سنة، أو، [لأنه] يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فلا وجه لكراهتهم، وهذا مأخوذ من الأدلة الشرعية، أما إذا كرهوه لشحناء بينهم، أو لفسقه، أو يشق عليهم، أو لعدم عنايته بالصلاة، أو عدم مواظبته، فلا ينبغي أن يصلي بهم، لأنه مسيء إليهم، فلا يجوز له أن يصلي بهم في هذه الحال، وهو داخل في هذا الوعيد في هذه الأحاديث“([128]).
17_ إمامة الزائر لقوم منهيٌّ عنها إلا بإذنهم، لحديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من زار قوماً فلا يؤمَّهم، وليؤُمَّهم رجل منهم“([129]). قال الإمام الترمذي – رحمه الله -: ”والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وغيرهم، قالوا: ”صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر“. قال: ”وقال بعض أهل العلم: إذا أذن فلا بأس أن يصلي به“([130]). وقال أبو البركات ابن تيمية: ”وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان([131])، لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي مسعود – رضي الله عنه -: ”إلا بإذنه“([132]).(7/18)
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا يحلّ لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف“. وقال: ”ولا يحلّ لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختصّ نفسه بدعوة دونهم([133])، فإن فعل فقد خانهم“([134]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وقوله في حديث أبي هريرة ”إلا بإذنهم“ يقتضي جواز إمامة الزائر عند رضا المزور، قال العراقي: ويشترط أن يكون المزور أهلاً للإمامة، فإن لم يكن أهلاً كالمرأة في صورة كون الزائر رجلاً، والأمي في صورة كون الزائر قارئاً ونحوهما فلا حق له في الإمامة“([135]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وفي حديث أبي مسعود في آخره: ”ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه“ هذا يفيد أن من زار قوماً فلا يؤمهم كما في حديث مالك بن الحويرث وإن كان في سنده ضعف لكن حديث أبي مسعود صحيح، فالزائر لا يؤم إلا بإذنٍ إذا زار [القوم] في مسجدهم أو في بيتهم، وحضرت الصلاة فالإمام صاحب البيت، وإن كان في المسجد فصاحب السلطان، فلا يتقدم عليه، وإن كان الزائر أعلم أو أكبر سنّاً، إلا أن يقدمه ويأذن له فلا بأس، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إلا بإذنه“ أما حديث ”من زار قوماً“ لو صحَّ فهو محمول على بغير الإذن، وحديث: ”من زار قوماً“ تعضده الأدلة الأخرى، وبعض الناس قد يأذن حياءً، فينبغي للزائر أن لا يعجل في التقدم حتى يلح عليه صاحب السلطان ويشدد ويلزم“([136]).
18_ الإمامة في مسجد قبل إمامه لا تجوز إلا إذا تأخر عن الوقت المحدد أو بإذنه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه“([137]). فلا يجوز للإنسان أن يؤم في مسجد له إمام راتب إلا بإذن الإمام، كأن يوكله فيقول: صلِّ بالناس، أو يقول للجماعة إذا تأخرت عن موعد الإقامة فصلوا.(7/19)
ويجوز للجماعة إذا تأخر الإمام تأخراً ظاهراً أن يقدموا أحدهم، لفعل الصديق – رضي الله عنه –([138]) وعبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – حين غاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”أحسنتم“([139])، وإذا أمَّ في مسجد قبل إمامه بدون إذن الإمام أو عذره فقيل: الصلاة لا تصحّ، ويجب عليهم الإعادة مع الإمام الرّاتب، وقيل: تصحّ مع الإثم وهذا هو الصواب، لأن الأصل الصّحّة حتى يقوم الدليل على الفساد([140]).
19_ الإمامة من المصحف صحيحة على الصحيح من قولي أهل العلم، لأن عائشة – رضي الله عنها – كان يؤمُّها عبدُها ذكوان من المصحف([141]). قال الإمام ابن باز – رحمه الله -: ”يجوز ذلك إذا دعت الحاجة إليه، كما يجوز القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وتطويل القراءة في صلاة الفجر سنة، فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن وأن يجتهد“([142]).
سادساً: وقوف المأموم مع الإمام أنواع:
1_ وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام، لحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وفيه: ”فقام النبي [صلّى الله عليه وسلّم] يصلي فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه“ وهذا يدلّ على أن موقف الواحد مع الإمام عن يمينه، بدليل الإدارة، إذ لو كان اليسار موقفاً له لما أداره في الصلاة([143]) وهذا هو الأفضل والأكمل([144]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وهذا يدلّ على أن المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام مساوياً له لا يتقدم ولا يتأخر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقل لابن عباس لا تتأخر عني“([145]). وسمعته – رحمه الله – يقول: ”لو صلى عن يسار الإمام صحت صلاته، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أمره بإعادة التحريمة، لكن السنة عن يمين الإمام“([146]).(7/20)
2_ وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام، لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – وفيه: ”جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه“([147]). وهذا يدلّ على أن موقف الرجلين فأكثر مع الإمام في الصلاة خلفه([148])، ومما يدل على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثم انصرف“([149]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”فدلّ على جواز مصافة الصغير وأن المرأة الواحدة تصلي خلف الصف“([150]). وسمعته يقول: ”فدلت السنة على أن الواحد يقف عن يمين الإمام كما في حديث جابر، وأنس، وابن عباس، في الفرض والنفل جميعاً، أما إذا كانوا اثنين فأكثر فإن السنة أن يكونوا خلفه. أما أثر ابن مسعود، وهو أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، وهو أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، ونقله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال العلماء فيه: إنه موقوف، وأعلّه بعضهم، وقال بعضهم: إنه منسوخ، والصواب أنه موقوف من اجتهاده أو منسوخ([151]).(7/21)
3_ وقوف الإمام تلقاء وسط الصف، العمل عليه عند أهل العلم، فينبغي أن يجعل الإمام مقابلاً لوسط الصف. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وسِّطوا الإمام وسدوا الخلل“([152]): الحديث وإن كان فيه ضعف ولكن العمل عليه عند أهل العلم، فالسنة أن يكون الإمام وسطاً في المساجد، هذه السنة العملية التي درج عليها المسلمون([153])“([154]). وقال رحمه الله: ”الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره، والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله. ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر، ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يُصفّ في الثاني حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمر بذلك“([155]).
4_ وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا“([156]). وقال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -: ”أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها صفّاً، وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه“([157]). ولكن لا تجوز الخلوة بالمرأة وحدها كما تقدم([158]).
5_ وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال، لحديث أنس السابق، ولحديثه الآخر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل عليه وصلى به وبأمه وقال: ”فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا“([159]). وإذا زاد النساء عن واحدة صلين خلف الرجال، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمي وأم سليم خلفنا“([160]). وإذا لم يوجد إلا الإمام صلى بالنساء وهن خلفه إلا إذا خاف الفتنة فلا يصلي بهن، لأن ما كان ذريعة إلى الحرام فهو حرام([161]).
6_ وقوف المرأة الواحدة مع المرأة كوقوف الرجل مع الرجل الواحد، تقف عن يمينها([162]).(7/22)
7_ وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها، فإمامتهن تقوم وسطهن في صفهن، استحباباً، لأن أم سلمة – رضي الله عنها – كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([163])، وعائشة – رضي الله عنها – أيضاً كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([164])، لأن ذلك أستر للمرأة، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع([165])، وإذا كن عراة فكذلك تقوم إمامتهم وسطهن، وتجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية([166]).
8_ وقوف العراة مع إمامهم العاري عن يمينه وشماله، فيكون إمامهم وسط صفهم ولو طال الصف، لأن ذلك أستر له([167]). قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – في المغني: ”وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء مع أن الستر في حقهن آكد، والجماعة في حقهن أخف فللرجال أولى وأحرى، وغض البصر يحصل بكونهم صفّاً واحداً يستر بعضهم بعضاً، إذا ثبت هذا فإنهم يصلون صفّاً واحداً ويكون إمامهم وسطهم، ليكون أستر له“([168]). وهذا على سبيل الوجوب إلا إذا كانوا عمياً، أو في ظلمة فإنه يصلي بهم أمامهم([169]).
9_ وقوف الرجال، والصبيان، والنساء مع الإمام على النحو الآتي:
أ_ يصف الرجال خلف الإمام إن سَبقُوا.
ب _ ثم يصف الصبيان خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع.
ج _ ثم يصف النساء خلف الصبيان.(7/23)
ويدل على هذا الترتيب حديث أبي مسعود – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: ”استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلِني منكم أُولوا الأحلام والنهى([170])، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“([171]). وفي حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم – ثلاثاً – وإياكم وهيشات([172]) الأسواق“([173]). قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: ”فالأفضل إلى الأمام، لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما يحتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لِمَا لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها، وينقلوها ويعملوها للناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس: كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث، ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك“([174]).(7/24)
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في أصحابه تأخراً فقال: ”تقدّموا فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم([175])، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم([176]) الله“([177]). وفي لفظ أبي داود عن عائشة – رضي الله عنها -: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([178]). والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال، ثم بعد ذلك الصبيان، ذكور وقد فضّل الله الذكور على أفناث فهم أقدم من النساء، ثم بعد ذلك النساء، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها“([179]). ويلزم من ذلك تأخر صفوف النساء عن صفوف الرجال([180]).
أما ترتيب صفوف الصبيان فلا شك أن الأولى أن يكونوا خلف الرجال إلا إذا حصل بذلك تشويش على المصلين فإنا نجعل بين كل صبيين رجلاً بالغاً، ليخشع الناس في الصلاة([181]).
وتقديم الرجال ثم الصبيان يكون في ابتداء الأمر، كأن يجتمع الناس للصلاة في وقت واحد ولم يتقدم أحد قبل أحد، أما إذا جاء الصبي إلى الصفوف الأُوَّل وسبق إلى مكان فالصواب أنه أحق به من غيره([182])، لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه“. وفي لفظ: ”نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه“ فقيل لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها([183]). وفي لفظ لمسلم: ”لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه ولكن تفسّحوا وتوسّعوا“.(7/25)
وإقامة الصبي من مكانه وتأخيره يؤدي إلى تنفير الصبيان من المساجد، وكراهتهم للرجل الذي أخّرهم عن الصف([184]) وهذه مفسدة([185]). قال الإمام شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -: ”إذا كان الصبي مميزاً عاقلاً فلا يؤخر من مكانه، لأنه قد سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فكان أولى، ولِمَا فيه من التشجيع للصبيان على المسابقة إلى الصلاة، وإذا كان دون التمييز أو غير عاقل فإنه يؤخر، لأن صلاته غير صحيحة“([186]).
سابعاً: متى يقوم المأمومون لأداء الصلاة؟
وقت قيام المأمومين للصلاة ليس له حدّ محدود، والأمر فيه واسع: سواء كان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو في آخرها، والمطلوب أن يكبر تكبيرة الإحرام بعد تكبير الإمام ولا تفوته مع الإمام([187]) ولا يقوم المصلون إذا أخذ المؤذن في الإقامة حتى يخرج الإمام، لحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني [قد خرجت]“([188])، وعن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: ”كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس([189]) فلا يقيم حتى يخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه“([190]). ويجمع بين هذا الحديث وحديث أبي قتادة السابق أن بلالاً – رضي الله عنه – كان يراقب خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيراه أول خروجه قبل أن يراه غيره أو إلا القليل، فعند أول خروجه صلّى الله عليه وسلّم يقيم بلال ولا يقوم الناس حتى يروا النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم لا يقوم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حتى يُعدِّلوا صفوفهم([191]). قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر هذا الجمع: ”وبهذا الترتيب يصحّ الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى“([192]).(7/26)
وأما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ”أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلّى الله عليه وسلّم مقامه“([193]) فقال الإمام النووي – رحمه الله – عنه: ”وقوله في رواية أبي هريرة – رضي الله عنه -: فأخذ الناس مصافهم قبل خروجه: لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز، أو لعذر، ولعل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فلا تقوموا حتى تروني“ كان بعد ذلك، قال العلماء: ”والنهي عن القيام قبل أن يروه، لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه“([194]).
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – عن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ”... يجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنهاهم عن ذلك، لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس الآتي([195]): أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً، أو فعله، لبيان الجواز“([196]).
ثامناً: الصفوف في الصلاة والعناية بها:
1_ ترتيب الصفوف، لحديث أبي مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه: ”لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“([197])، وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم – ثلاثاً – وإياكم وهيشات الأسواق“([198]).(7/27)
ففي هذا الحديث ترتيب الصفوف على حسب الأفضلية خلف الإمام: الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء، ما لم يسبق الصبيان إلى الصفوف الأُول، أو يمنع مانع، فإن سبقوا فهم أولى بها، أما إذا كان المأموم واحد، فإنه يقف على يمين الإمام، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما –([199]).
وإذا كان المأمومون اثنان وقفا خلفه، لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – في قصته وجبار بن صخر، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعلهما خلفه([200])، وإذا كانت امرأة واحدة وقفت خلف الرجال، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا“([201]).
وإذا كان المأمومون: امرأتان ورجل وقف الرجل على يمين الإمام والمرأتان خلف الإمام لرواية أنس وفيها: ”ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فقامت أمُّ سليم وأم حرام خلفنا“ قال: ”أقامني عن يمينه على بساط“([202]).
2_ تسوية الصفوف تجب على الصحيح، لحديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم“. وفي لفظ لمسلم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح([203]) حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: ”عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم“([204]).
وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وجوب تسوية الصفوف، لهذا الحديث([205])، ولحديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”سوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة“. وفي لفظ مسلم: ”من تمام الصلاة“([206])، وفي حديث أبي هريرة يرفعه: ”... وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة“([207]).(7/28)
ومن ذكر الإجماع على استحباب تسوية الصفوف فمراده: ثبوت استحباب ذلك لا نفي وجوبه، والله أعلم([208]). قال العلامة محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله -: ”... القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسوُّوا الصف فهم آثمون وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله“([209]).
3_ ألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسوية الصفوف أنواع:
النوع الأول: ”أقيموا صفوفكم وتراصُّوا“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([210]).
النوع الثاني: ”سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([211]).
النوع الثالث: ”سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([212]).
النوع الرابع: ”أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة“، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه –([213]).
النوع الخامس: ”استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم“، لحديث أبي مسعود، وعبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما -، ولفظ حديث أبي مسعود: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: الحديث“([214]).
النوع السادس: ”أتموا الصفوف“، لحديث أنس – رضي الله عنه – يرفعه: ”أتموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري“([215]).
النوع السابع: ”أقيموا الصفوف..“، لحديث أنس – رضي الله عنه – يرفعه: ”أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري“ وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه([216]).
النوع الثامن: ”أقيموا صفوفكم – ثلاثاً –“، لحديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الناس بوجهه فقال: ”أقيموا صفوفكم – ثلاثاً – والله لتقيمنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم“ قال: ”فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه“([217]).(7/29)
النوع التاسع: ”أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدُّوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم([218]) ولا تذروا فُرجات للشيطان، ومن وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله“، لحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما –([219]).
النوع العاشر: ”رصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق“، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف([220])“([221]). في لفظ النسائي: ”فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف“([222]).
النوع الحادي عشر: ”أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([223]).
النوع الثاني عشر: ”استووا، استووا، استووا...“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([224]).
النوع الثالث عشر: ”أقيموا صفوفكم وتراصوا..“، لحديث أنس – رضي الله عنه –([225]).
النوع الرابع عشر: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: ”لا تختلفوا فتختلف قلوبكم“([226]).
النوع الخامس عشر: ”أحسنوا إقامة الصفوف“، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه –([227]).
النوع السادس عشر: ”ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها“؟ فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ”يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصون في الصف“([228]).(7/30)
4_ الصف الأول أفضل الصفوف، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا“([229])، ولحديث أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة“([230])، أي في القرب من الله ونزول الرحمة، وإتمامه، واعتداله([231])، والصف الأول خير الصفوف، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه: ”خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها“([232])، والله – عز وجل – وملائكته يصلون على الصف الأول، لحديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، أو الصفوف الأولى“([233])، وعن البراء – رضي الله عنه – يرفعه: ”إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة“([234]). والنبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني مرة واحدة، لحديث العرباض – رضي الله عنه – يرفعه: ”كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً وعلى الثاني واحدة“. ولفظ ابن ماجه: ”كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً، والثاني مرة“([235])، وقد حذر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التأخر عن الصفوف الأُوَل، فعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([236])، عن أبي سعيد – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”تقدموا فأتمُّوا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله“([237]).(7/31)
5_ ميامن الصفوف أفضل، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف“([238])، وعن البراء – رضي الله عنه – قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: ”رب قني عذابك يوم تبعث عبادك“([239]).
6_ وصل الصفوف رغَّب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحذّر عن قطعها، لحديث عائشة – رضي الله عنها – ترفعه وفيه: ”إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلُون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة“([240]). وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – يرفعه: ”من وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله“([241]).
7_ صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح على القول الصحيح، لحديث وابصة – رضي الله عنه – ”أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة“([242])، ولحديث علي بن شيبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً فَرْداً يصلي خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”استقبل صلاتك فلا صلاة لرجل فرد خلف الصف“([243])، وهذان الحديثان يدلان على بطلان صلاة الرجل الذي صلى منفرداً وحده خلف الصف([244])، لكن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو دخل معه رجل آخر قبل السجود أجزأته الركعة وصلاته صحيحة، لحديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه انتهى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذُكر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”زادك الله حرصاً ولا تعد“([245])، ولم يأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بقضاء الركعة، فدل ذلك على إجزائها، وأن مثل هذا العمل مستثنى من قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا صلاة لمنفرد خلف الصف“ والله ولي التوفيق([246]).(7/32)
8_ صلاة الصفوف بين السواري مكروهة لغير حاجة، لحديث أنس – رضي الله عنه – فعن عبد الحميد بن محمود قال: كنا مع أنس فصلينا مع أمير من الأمراء، فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين ساريتين، فجعل أنس يتأخر، وقال: ”قد كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“. وفي لفظ: ”صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعونا إلى السواري... الحديث. وفي لفظ: ”صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرَّنا الناس فصلينا بين الساريتين...“ الحديث([247]). وعن قرة – رضي الله عنه – قال: ”كنا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونُطردُ عنها طرداً“([248])، ويجوز للإمام والمنفرد الصلاة بين السواري، لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لَمّا دخل الكعبة صلى بين الساريتين“([249]).
9_ كمال الصفوف وتسويتها يشمل عدة أمور:
الأمر الأول: أن يدنوَ أُولو الفضل من الإمام، لحديث أبي مسعود يرفعه: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم...“، لحديث أبي مسعود وابن مسعود – رضي الله عنهما – في أول الباب.
الأمر الثاني: ترتيب الصفوف: الرجال، ثم الصبيان إن لم يسبق الصبيان إلى الصفوف الأُوَل، ثم النساء، لحديث أبي سعيد السابق.
الأمر الثالث: تسوية محاذاة الصفوف وقد سبقت.
الأمر الرابع: التراص في الصف، لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك.
الأمر الخامس: إكمال الصف الأول فالأول.
الأمر السادس: التقارب بين الصفوف، وبينها وبين الإمام، وأنهم جماعة والجماعة مأخوذة من الاجتماع، ولا اجتماع مع التباعد، وكلما قربت الصفوف بعضها إلى بعض، وقربت إلى الإمام كان أفضل وأجمل.
الأمر السابع: تفضيل اليمين في الصفوف: يمين الإمام على شماله، ولكن ليس على سبيل الإطلاق.
الأمر الثامن: أن تفرد النساء وحدهن بحيث يكن النساء خلف الرجال، ولا يختلط النساء بالرجال.(7/33)
الأمر التاسع: اقتداء كل صف بمن أمامه عند الحاجة إذا كان صوت الإمام خفيّاً وليس هناك من يبلغ عنه، فكل صف يقتدي بمن أمامه.
الأمر العاشر: عدم صلاة الفذ خلف الصف.
الأمر الحادي عشر: عدم صلاة المأمومين بين السواري([250]).
10_ جواز انفراد المأموم عن الإمام لعذر، لحديث صالح بن خوَّات عمن شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: ”أن طائفة صلّت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم“([251])، ولحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن معاذًا – رضي الله عنه – كان يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا([252])، وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ سورة البقرة فتجوَّزت فزعم أني منافق؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”يا معاذ أفتان أنت؟“ – ثلاثاً – اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ونحوهما“. وفي لفظ لمسلم: ”كان يصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة“([253]).(7/34)
وفي رواية لمسلم: ”كان معاذ يصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف..“([254]). وفي حديث أنس عند الإمام أحمد، وفيه: ”فلما رأى معاذاً طول تجوَّز في صلاته ولحق بنخله يسقيه...“([255]). وفي حديث بريدة الأسلمي – رضي الله عنه – ”أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَة} فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب...“ دلّ حديث جابر بلفظ الإمام البخاري – رحمه الله – وحديث أنس وحديث بريدة الأسلمي بلفظ الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – على أن الرجل قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفرداً حتى أتمها([256]). ودلّت رواية الإمام مسلم على أن الرجل قطع الصلاة وابتدأها من جديد، ولهذا قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في شرحه لمنتقى الأخبار: ”استدلّ المصنف بحديث أنس وبريدة – رضي الله عنهما – المذكورين على جواز صلاة من قطع الائتمام بعد الدخول فيه لعذر وأتم لنفسه، وجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أنه سلم، ثم استأنف بتعدد الواقعة“([257]). قال ابن تيمية – رحمه الله – في منتقى الأخبار: ”... فَعُلِم بذلك أنهما قضيتان إما لرجل أو رجلين“([258]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث أنس وبريدة – رضي الله عنهما -: ”فيه الدلالة على جواز الانفراد عن الإمام لعذر، سواء أتمَّ لنفسه أو قطعها وابتدأها من جديد، كما في القصتين، وهذا عذر شرعي، لإطالة الإمام، ويظهر من هذا أنه ينبغي للإمام ألا يطول، ويراعي الناس حتى لا يشق عليهم“([259]).(7/35)
11_ انتقال المنفرد إماماً لا بأس به، لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل آخر فقام أيضاً، حتى كنَّا رهطاً، فلما حس النبي صلّى الله عليه وسلّم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله([260]) فصلى صلاة لا يصليها عندنا، قال – قلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ فقال: ”نعم ذلك الذي حملني على الذي صنعت“([261])، ولحديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اتخذ حُجرة في المسجد من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم، جعل يقعد فخرج إليهم فقال: ”قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة“. وفي رواية: ”ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، فلم يخرج عليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضباً، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم [ولو كتب عليكم ما قمتم به] فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة“([262]).(7/36)
ولحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام ليلة الثانية فقام معه ناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: ”إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل“([263]). قال أبو البركات – ابن تيمية – رحمه الله -: ”باب انتقال المنفرد إماماً في النوافل“ ثم ساق الأحاديث السابقة([264]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”والأحاديث المذكورة تدل على ما بوّب له المصنف – رحمه الله – من جواز انتقال المنفرد إماماً في النوافل، وكذلك في غيرها لعدم الفارق“([265]).(7/37)
12_ انتقال الإمام مأموماً إذا استُخلف فحضر مستَخْلِفُه، لحديث سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال: أتصلي للناس فأقيمَ؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس في الصلاة، فتخلَّص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر – رضي الله عنه – يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما انصرف قال: ”يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟“ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قُحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابَهُ([266]) شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التُفت إليه، وإنما التصفيق للنساء“. وفي رواية: ”أن هذه الصلاة هي صلاة العصر، وأن النبي لما جاء وأبو بكر يصلي بالناس شق الصفوف حتى قام خلف أبي بكر فتقدم في الصف الذي يليه...“([267]).
والحديث يدلّ على جواز انتقال الإمام مأموماً إذا استُخلف فحضر مستخلفهُ([268]).(7/38)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”فيه الدلالة على أنه لا بأس أن يتأخر الإمام إذا كان خليفة وجاء المستخلف، فيكون في أول [الصلاة إماماً] وفي أثنائها مأموماً، لا حرج في ذلك، كما فعل الصديق لما حضر النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو استمر إماماً فلا حرج، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أشار إليه أن يستمر، ولكنه كره ذلك وقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث عبد الرحمن بن عوف عند مسلم في غزوة تبوك([269]) أنه صلى بالناس وأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصلى خلفه، وكان عبد الرحمن قد صلى بالناس ركعة من صلاة الفجر، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي فقضى ركعة هو المغيرة، فإذا جاء الإمام والمستخلف قد صلى ركعة فينبغي له ألا يتقدم، بل يصلي مع الناس، أما إذا كان في أولها فهو مخير إن شاء تقدم وتأخر الخليفة، وإن شاء تركه يكمل وصلى مع الناس، والأفضل أن يتركه يكمل، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر الصديق أن يكمل ولكن الصديق تأدب“([270]).
ويدل على ذلك أيضاً حديث عائشة – رضي الله عنها -: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته وجد خفة فخرج فوجد أبا بكر يصلي بالناس فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك، ثم جيء به صلّى الله عليه وسلّم يهادى بين رجلين حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائماً، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ للبخاري: أنها صلاة الظهر، وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([271]).(7/39)
13_ انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه الإمام لا بأس به، لحديث عمرو بن ميمون قال: ”إني لقائم ما بيني وبين عمر – غداة أصيب – إلا عبد الله بن عباس، فما هو إلا أن كبَّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة“([272]).
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وفيه جواز الاستخلاف للإمام عند عروض عذر يقتضي ذلك، لتقرير الصحابة لعمر على ذلك، وعدم الإنكار من أحد منهم فكان إجماعاً، وكذلك فعل علي وتقريرهم له على ذلك“([273]). والله عز وجل أعلم([274]).
تاسعاً: الاقتداء وشروطه ولوازمه على النحو الآتي:
1_ صفة الاقتداء بالإمام وعدم سبقه ومقارنته، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما جعل الإمام ليؤتم به، [فلا تختلفوا عليه] فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([275]). هذا الحديث دل على أن شرعية الإمامة، ليُقتدَى بالإمام، ومن شأن التابع والمأموم أن لا يتقدم متبوعه، ولا يساويه، ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على إثرها بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال، وقد فصل الحديث ذلك، ويقاس ما لم يذكر من أحواله: - كالتسليم – على ما ذكر، فمن خالفه في شيء مما ذكر فقد أثم([276]).(7/40)
2_ مسابقة الإمام. قد توعّد النبي صلّى الله عليه وسلّم من سابق إمامه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”أمَا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحوَّل رأسُهُ رأس حمار“ وفي لفظ البخاري: ”أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار“([277])، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: ”أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف([278]) فإني أراكم أمامي ومن خلفي، والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً“ قالوا: ما رأيت يا رسول الله؟ قال: ”الجنة والنار“([279]).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – موقوفاً عليه: ”الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان“([280]). قال الإمام مالك – رحمه الله – فيمن سها فرفع رأسه قبل الإمام في الركوع أو السجود: ”إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً، ولا ينتظر الإمام، وذلك خطأ ممن فعله، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إنّما جُعِلَ الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه“. وقال أبو هريرة: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام: ”إنما ناصيته بيد شيطان“[281]. وعن البراء عن عازب – رضي الله عنه – قال: ”كنا نصلي خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإذا قال: ”سمع الله لمن حمده“ لم يحنِ أحدٌ منَّا ظهره حتى يضع النبي صلّى الله عليه وسلّم جبهته على الأرض [ثم يخرّ من وراءه ساجداً]“([282]).
وعن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تبادروني بركوع ولا بسجود، إنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت إني قد بدَّنت([283])“([284]).(7/41)
وعن عمرو بن حريث – رضي الله عنه – قال: ”صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم الفجر، فسمعته يقرأ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}([285]) وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً“([286]). قال النووي – رحمه الله -: ”في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن الإمام قليلاً بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل فراغه منه والله أعلم“([287]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن حديث أبي هريرة أول هذه الأحاديث: ”المقصود أنهم يتأخرون عنه قليلاً لا كثيراً، إذا انتهى صوته مكبراً كبروا، وإذا استوى راكعاً ركعوا، وإذا استوى ساجداً سجدوا في غير مهلة، وقد ذكر الأفعال والأقوال ولم يذكر النية، فدل على أن النية مغتفرة“([288]).
3_ أحوال المأموم مع إمامه: أربعة أحوال: مسابقة، وموافقة أو مقارنة، وتأخر، ومتابعة، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
الحال الأول: المسابقة: وهي أن يسبق المأموم إمامه في شيء من الأفعال أو الأقوال في الصلاة، مثل: أن يتقدمه في تكبير، أو ركوع، أو رفع، أو سجود، أو سلام، أو غير ذلك من الأفعال أو الأقوال داخل الصلاة([289]).
ومسابقة الإمام حرام متوعد عليها بالعقوبة، باتفاق العلماء، للأدلة السابقة آنفاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: ”... أما مسابقة الإمام فحرام باتفاق الأئمة: لا يجوز لأحد أن يركع قبل إمامه، ولا يرفع قبله، ولا يسجد قبله“([290]). ثم قال: ”ومن فعل ذلك استحق العقوبة والتعزير الذي يردعه وأمثاله، كما رُوي عن عمر: أنه رأى رجلاً يسابق الإمام، فضربه، وقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت“([291]).(7/42)
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله تعالى -: ”والصواب أن مسابقة الإمام عمداً، إذا كان المسابق عالماً بالحال والحكم، أنها مبطلة للصلاة بمجرد ذلك، سواء سبقه إلى ركن([292]) أو بركن([293])، أو ركنين([294])، وسواء كان ذلك ركوعاً، أو سجوداً، أو غيرهما، وسواء أدركه الإمام أو رجع إلى ترتيب الصلاة([295])، لأن النهي والوعيد يتناول هذا، وما نهي عنه لخصوص العبادة كان من مفسداتها، وأما القول: بأن ذلك محرَّم، والإبطال يتوقف على السبق بركن الركوع، أو بركنين غيره، فهذا القول لا دليل عليه، وكما أنه خلاف النص، فإنه خلاف نص الإمام أحمد كما صرح بذلك في رسالته المشهورة“([296]).
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – أيضاً: ”وأما إذا وقع السبق نسياناً أو جهلاً فلا يخلو: إما أن يرجع فيأتي بما سبق به مع الإمام أو لا، فإن رجع صحت ركعته مطلقاً سواء كان السبق إلى ركن، أو بركن، أو ركنين، أو أكثر، فإن لم يرجع حتى لحقه الإمام فإن كان سبقه إلى ركن الركوع: بأن ركع ساهياً أو جاهلاً قبل إمامه، ثم ركع الإمام والسابق في ركوعه صحت ركعته واعتد بها، ومثله السبق بركن واحد غير الركوع، وإن كان السبق بركن الركوع، أو بركنين غير الركوع فإن رجع قبل وصول الإمام له صحت أيضاً ركعته، وإن لحقه الإمام لغت الركعة التي وقع فيها السبق“([297]).
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله -: ”والصحيح أنه متى سبق إمامه عالماً ذاكراً فصلاته باطلة بكل أقسام السبق([298])، وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة إلا أن يزول عذره([299]) قبل أن يدركه الإمام، فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه، فإن لم يفعل عالماً ذاكراً بطلت صلاته وإلا فلا“([300]).(7/43)
الحال الثاني: الموافقة أو المقارنة، وهي أن يوافق المأموم الإمام عند الانتقال إلى ركن، كأن يركع أو يسجد معه سواء بسواء، وهي مكروهة في غير تكبيرة الإحرام، لأن تكبيرة الإحرام يشترط أن يأتي بها بعد إمامه فلو أتى بها معه لم يعتد بها.
والموافقة قسمان: الموافقة في الأقوال والموافقة في الأفعال:
القسم الأول: الموافقة في الأقوال، لا تضر إلا في تكبيرة الإحرام والسلام.
أما تكبيرة الإحرام، فإن المأموم لا يكبر إلا بعد أن يتم الإمام تكبيرة الإحرام، فإن كبر قبل انتهاء إمامه نهائياً منها لم تنعقد صلاته.
وأما الموافقة في السلام فيكره أن يسلم مع الإمام، فالأولى أن يسلم المأموم عقب فراغ الإمام من التسليمتين([301]).
القسم الثاني: الموافقة في الأفعال، مكروهة على القول الصحيح من قولي أهل العلم، مثل: أن يركع المأموم مع الإمام، أو يسجد، أو يرفع، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”... إذا ركع الإمام فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد“([302]). فإن قارن المأموم إمامه في أفعاله كره له ذلك([303]).
الحال الثالث: التأخر أو التخلف عن متابعة الإمام، مثل: أن يتخلف عنه بركن، أو بركنين، أو ركعة أو ركعتين، أو أقل أو أكثر([304]).
والتخلف عن الإمام قسمان: تخلف بعذر، وتخلف بغير عذر:
القسم الأول: التخلف بعذر، مثل: النوم والسهو، والزحام، والجهل، والنسيان، أو لم يسمع الإمام حتى سبقه، أو عجلة إمام، فإن المأموم في هذه الحالة يأتي بما تخلف به عن الإمام، سواء كان: ركناً، أو ركنين، أو أقل، أو أكثر، ويدرك إمامه فيتابعه ولا شيء عليه، إلا إذا وصل الإمام إلى المكان الذي هو فيه، فإنه لا يأتي به ويبقى مع الإمام وتصح له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه: الركعة التي تخلف فيها، والركعة التي وصل إليها الإمام وهو في مكانه، فإذا سلم الإمام قام المتخلف فأتى بركعة كاملة.(7/44)
أما إذا تخلف عن إمامه بركعة أو ركعتين أو أكثر، فإنه يتابع إمامه، وبعد سلام الإمام يقضي ما تخلف به عن إمامه([305]).
القسم الثاني: تخلف أو تأخر بغير عذر، فإما أن يكون تخلفاً في ركن أو تخلفاً بركن، والتخلف في ركن: هو أن يتأخر المأموم في المتابعة لكن يدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه، مثل: أن يركع الإمام وقد بقي على المأموم آية أو آيتين فيكملها ثم يدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع، فالركعة هنا صحيحة لكن الفعل مخالف للسنة.
أما التخلف بالركن، فهو: أن يتأخر المأموم حتى يسبقه الإمام بركن، مثل: أن يركع ويرفع من الركوع قبل أن يركع المأموم، فهذا كما قال الفقهاء – رحمهم الله -: ”التخلف عن الإمام كسبقه“ فهذا تكون صلاته باطلة على الصحيح، سواء كان الركن ركوعاً أو سجوداً أو غيرهما، لأن المأموم تخلف بغير عذر([306]).
الحال الرابع: المتابعة، وهي أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة، من: الركوع، والرفع، والسجود بعد فراغ الإمام، وكذلك يتابعه في التكبير فلا يكبر حتى يكبر. وهذا هو السنة، وهو المطلوب من المأموم([307])، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([308]).(7/45)
4_ ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأمومين لا يضر، لحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – وفيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر في أول يوم وُضِعَ فكبر وهو عليه، ثم ركع، ثم نزل القهقرى([309]) فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال: ”أيها الناس، إنما صنعت هذا، لتأتموا بي، ولتعلَّموا صلاتي“. وفي لفظ: ”وقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين عمل ووُضِع فاستقبل القبلة، كبَّر وقام الناس خلفه فقرأ وركع، وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه، قال أبو عبد الله([310]) قال علي بن المديني: سألني أحمد بن حنبل – رحمه الله – عن هذا الحديث، قال: فإنما أردت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أعلى من الناس بهذا الحديث...“([311]). ولحديث أنس – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سقط عن فرسه فجحش([312]) ساقه أو كتفه، وآلى من نسائه([313]) شهراً، فجلس في مَشْرُبة([314]) له درجتها من جذوع، فأتاه أصحابه يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام، فلما سلم قال: ”إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً“([315]).
وهذان الحديثان فيهما جواز الارتفاع اليسير لمكان الإمام على المأموم عند الحاجة لذلك.(7/46)
أما حديث أبي مسعود: ”أن حذيفة – رضي الله عنه – أمَّ الناس بالمدائن([316]) على دكان([317]) فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددْتني“([318]). وحديث حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصلاة على الدكان المرتفع، فاتَّبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”إذا أمَّ الرجل القوم، فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم“ أو نحو ذلك([319])، فهذان الحديثان وما في معناهما يدلان على كراهة علوِّ الإمام على المأموم علوّاً أكثر مما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، جمعاً بين الأخبار([320]) والله أعلم([321]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”يكره العلو الكثير من الإمام على المأمومين، أما العلو اليسير فلا بأس به عند أحمد وجماعة، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم، لأنه قد يؤثر في نفس الإمام شيئاً، فمن التواضع أن يصلي مساوياً لهم، وهذا إذا لم يكن حاجة، أما إذا كان هناك حاجة [مثل]: الزحمة، زالت الكراهة، ثم إذا كان معه بعض الصفوف زالت الكراهة، أما علو المأموم فلا كراهة في ذلك، كما يفعل الناس أيام الجمع من الصلاة فوق السطوح، وإنما جاءت الكراهة للإمام، وإذا كان العلو للتعليم والتوجيه زالت الكراهة“([322]).
أما إذا كان مع الإمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال المنع فلا حرج ولا كراهة، لأن الإمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه([323]) فحينئذ يُصلى معه وفوقه، وتحته([324]).(7/47)
أما علوّ المأموم على الإمام فلا بأس به، مثل أن يصلي على السطوح أو في مكان أعلى من الإمام بحيث لا يكون فذّاً وحده، لأن أبا هريرة – رضي الله عنه – صلى على سقف المسجد بصلاة الإمام([325])، ولما جاء من الآثار عن ابن عمر – رضي الله عنهما – والحسن البصري([326]). أما إذا كان المؤتم فوق الإمام وكان ارتفاعه ارتفاعاً مفرطاً بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع بالإجماع، وإن كان دون ذلك فالأصل الجواز حتى يقوم الدليل على المنع، ويعتضد هذا الأصل بفعل أبي هريرة – رضي الله عنه – ولم ينكر عليه([327]).
وقيل يكره دخول الإمام في الطاق الذي يقال له: المحراب، لآثار وردت في ذلك عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وغيره من السلف الصالح([328])، ولأنه إذا دخل في الطاق استتر عن بعض المأمومين فلا يرونه لو أخطأ في الركوع أو السجود، فإن لم يمنع المحراب رؤية الإمام لم يكره، وكذلك إذا احتاج إليه الإمام لكثرة الزحام فلا بأس أن يتقدم فيدخل([329]) فيه([330]).
5_ الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه، والحوائل بينه وبين المأمومين على النحو الآتي:
أولاً: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير، حتى لو لم تتصل الصفوف، لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به بسماع التكبير، أشبه المشاهدة، ولو كان بينهما حائل إذا علم حال الإمام بالتكبير أو غيره([331])، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من الليل في حجرته([332]) وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم فقام أناس يصلون بصلاته...“ الحديث([333]).(7/48)
ثانياً: إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله صحّ الاقتداء إن رأى المأموم الإمام أو بعض المأمومين الذين وراء الإمام ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة، أو من شباك ونحوه([334]) والله عز وجل أعلم([335]).
ثالثاً: إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله وفصل بينهم نهر أو طريق كبير لم تتصل فيه الصفوف مع رؤية المأمومين للإمام أو بعض الصفوف خلفه فقيل تصحّ([336]) وقيل لا تصح([337]). قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -: ”إذا كان المأمومون خارج المسجد ويرون بعض الصفوف أمامهم ولو فصل بينهم بعض الشوارع فلا حرج في ذلك لوجوب الصلاة في الجماعة، وتمكنهم منها بالرؤية للإمام أو بعض المأمومين، لكن ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام، لأن ذلك ليس موقفاً للمأموم“([338]). وقد جاء بعض الآثار في ذلك عن بعض السلف الصالح، قال الإمام البخاري – رحمه الله -: بابٌ: إذا كان بين الإمام والمأموم حائط أو سُترة. ثم قال. وقال الحسن: ”لا بأس أن تُصلِّي وبينك وبينه نهر“([339]).
وقال أبو مجلز: ”يأتم بالإمام – وإن كان بينهما طريق أو جدار – إذا سمع تكبير الإمام“([340]).(7/49)
ورجح العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله -: ”أن المأموم إذا أمكنه الاقتداء سواء كان في المسجد، أو خارج المسجد، وسواء حال بينهما نهر، أو طريق، لأنه لا دليل على المنع، ولا على التفريق، وإن قدرنا أن الطريق لا تصح فيه الصلاة فلا يضر حيلولته بينه وبين إمامه، إذا كان الموضع الذي يصلي فيه الإمام لا مانع فيه، والذي يصلي فيه المأموم كذلك“([341]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”من أهل العلم من يقول: لا يجوز الحائل ولو في المسجد، ولو سمع الصوت، لأنه قد ينقطع الصوت، وهناك من يقول: إذا كان في المسجد فلا بأس، لأنه محل التعبد، ولأنه قد لا ينقطع الصوت عنه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة. ولعل الأقرب أنه لا حرج إذا كانوا في المسجد، بخلاف خارج المسجد فلابد من رؤية الإمام أو المأموم، ولو سمع الصوت، ولا بأس لو انقطعت الصفوف، لأنه يرى المأمومين“([342]).
6_ المسبوق إذا أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة“([343]). وعنه – رضي الله عنه – يرفعه: ”إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة“([344]). وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني والبيهقي: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقم الإمام صلبه“([345]). والمسبوق يصلي ما أدرك مع الإمام، فإذا سلم إمامه صلى ما بقي من صلاته من غير زيادة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حينما تأخر هو والمغيرة في غزوة تبوك، صلى عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – بالناس صلاة الفجر، فأدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم والمغيرة الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضى كل واحد منهما ركعة([346]).(7/50)
وما يدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته، لقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: ”فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا“([347]). والمأموم إذا أتى والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام، ثم يتم ما فاته من صلاته([348]).
7_ اقتداء الصف الأول ومن بعده بالإمام، واقتداء الثاني بالأول، والصف الثالث بالثاني، ونحوه أو بمن يبلغ عن الإمام، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: ”تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله“([349]). ولفظ أبي داود: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([350]). قال الإمام النووي – رحمه الله -: ”معنى وليأتم بكم من بعدكم: أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مُبلِّغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعاً للإمام“([351]).
8_ الاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك ولم يعلم المأموم، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم“([352])، ولحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء – يعني – فعليه ولا عليهم“([353])، ولحديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم“([354]).
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف([355]) فوجد في ثوبه احتلاماً، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته بعد أن طلعت الشمس ولم يعد الناس([356]).(7/51)
وكذلك عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه –([357]) وروي عن علي – رضي الله عنه – من قوله([358]).
وقد دلّت هذه الأحاديث والآثار على أن صلاة الإمام إذا فسدت لم تفسد صلاة المأمومين إذا لم يعلموا فساد صلاة إمامهم، وحتى لو علموا بعد انتهاء الصلاة لا يؤثر ذلك في صحة صلاتهم، ويعيد الإمام ولا يعيد المأمومون([359]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”والإمام إذا أخل بشيء من اجتهاد، أو تأويل، أو عن جهل، أو نسيان، ولم يعلم به المأمومون فصلاتهم صحيحة، وعليه الإعادة هو إذا كان ما فعله يوجب الإعادة، كمن صلى ناسياً حدثه، ولم يعلم إلا بعد الصلاة، أو علم واستحى ولم يقل لهم شيئاً([360]) فإنه يعيد ولا يعيدون، وهكذا لو اعتقد أن ما خرج منه لا ينقض وضوءه: كالحجامة، فإن الجمهور يرون أنها لا تنقض الوضوء، فصلاة المأمومين صحيحة، وصلى عمر بالناس ثم ذكر أنه جنب فأعاد ولم يعيدوا، وهكذا فعل عثمان وعلي، فمن صلى صلاة يعتقد أنها مجزئة فصلاة المأمومين صحيحة، أو صلاها يعتقد طهارته ثم بان أنه على غير وضوء، فإنه يعيد ولا يعيدون، فهم معذورون، لأنهم ما علموا، وإذا علم أثناء الصلاة فلا يجوز له أن يمضي [في صلاته] [ولكن] لو جهل ومضى ولم ينبههم فصلاتهم صحيحة، [حتى] لو علموا بعد الصلاة لا يعيدون، [و] الواجب عليه إذا علم أنه ليس على طهارة أو سبقه الحدث([361]) [أن] يستخلف: يقدم واحداً يكمل بهم الصلاة، كما فعل عمر لما طُعِنَ قَدّم عبد الرحمن بن عوف وصلى بالناس. وقال بعض أهل العلم: إنه إن دخل بغير وضوء ينتظرونه ويستأنف بهم الصلاة، أو يقدم واحداً يستأنف بهم الصلاة، ولكن الصواب لا يستأنف، [بل] يقدم واحداً يكمل بهم ما بقي، لأنهم معذورون، ما أخطأوا هم، لكن لو أعاد بهم من جديد صحت إذا كان يرى هذا المذهب وهذا الرأي فلا بأس، لكن الأفضل أن يكمل بهم“([362]).(7/52)
9_ الاقتداء بمن ذكر أنه مُحدث أو خرج لحدث سبقه وحكم الاستخلاف:
عن أبي بكرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استفتح الصلاة فكبّر ثم أومأ أن مكانكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال: ”إنما أنا بشر وإني كنت جنباً“([363]). وفي لفظ أبي داود: ”دخل في صلاة الفجر [فكبر] فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما قضى الصلاة قال: ”إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جنباً“([364]).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: ”أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: ”مكانكم“ ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه“([365]). وفي رواية: ”أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: ”على مكانكم...“([366]). وفي لفظ لمسلم: ”حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: ”مكانكم“ فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماءً فكبر فصلى بنا“. وفي لفظ: ”فأومأ إليهم بيده أن مكانكم“([367]).
في حديث أبي بكرة دلالة على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم صحيحة ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر أنهم قد دخلوا في الصلاة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم([368]).(7/53)
وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – دلالة صريحة على أنه صلّى الله عليه وسلّم انصرف بعدما قام في مصلاه وقبل أن يكبر، وحديث أبي هريرة هذا معارض لحديث أبي بكرة([369])، وقد أشكل ذلك على كثير من العلماء فقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ”كبّر“ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالاً وقال النووي إنه الأظهر وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح“([370]). وقال النووي – رحمه الله – عن حديث أبي بكرة: ”فتحمل هذه الرواية على أن المراد بقوله: دخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها، ويحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر“([371]). وقال القرطبي – رحمه الله -: ”وقد أشكل هذا الحديث على هذه الرواية على كثير من العلماء، ولذلك سلكوا فيه مسالك: فمنهم من ذهب إلى ترجيح الرواية الأولى([372]) ورأى أنها أصح وأشهر، ولم يعرج على هذه الرواية([373]). ومنهم من رأى أن كليهما صحيح، وأنه لا تعارض بينهما إذ يحتمل أنهما نازلتان في وقتين فيقتبس من كل واحدة منهما ما تضمنته من الأحكام“([374]).
وعن عمرو بن ميمون قال: ”إني لقائم ما بيني وبين عمر – غداة أصيب – إلا عبد الله بن عباس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عمر عبد الرحمن بن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة“([375]).
وعن أبي رزين قال: ”صلى عليٌّ – رضي الله عنه – ذات يوم فرعُف، فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف“([376]).
وقال أحمد بن حنبل – رحمه الله -: ”إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعليّ، وإن صلوا وحداناً فقط طُعن معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طعن أتموا صلاتهم“([377]).(7/54)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”هذه الأحاديث فيما يتعلق بصلاة الإمام وهو محدث، أو سبقه الحدث بعدما دخلها وهو على طهارة: حديث أبي بكرة وما جاء في معناه كلها تدل على أن الإمام إذا دخل وهو على غير طهارة ثم ذكر أنه على غير طهارة فإنه ينفتل ويتطهر ويأتيهم على حالهم ويكمل بهم، لأنه صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مكانكم“ وبقوا صفوفاً. وقد اختلفت الروايات في هذا، ففي روايات أبي بكرة وبعض روايات أبي هريرة أنه كبَّر ودخل في الصلاة، وفي رواية في الصحيحين أنه وقف وانتظر الناس تكبيرهُ ثم قال لهم: ”مكانكم“ قبل أن يكبر وذهب واغتسل.
اختلف العلماء في ذلك: هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فذهب قوم إلى أنهما قصة واحدة ورجحوا رواية الصحيحين وأنه لم يكبر وإنما ذكر قبل أن يكبر ثم ذهب واغتسل وجاء عليه الصلاة والسلام.
وقال آخرون: كالنووي، وابن حبان، وجماعة: إنهما قصتان: قصة فيها أنه كبَّر، وقصة فيها أنه لم يكبر، وكل واحدة لها حكمها، فالتي فيها أنه كبر بنى على صلاته بالنسبة إليهم، فإنهم بقوا على حالهم، فلما جاء كبر وصلى بهم فدل ذلك على أن صلاتهم لا تبطل بسبقه الحدث، أو تذكره أنه محدث وهذا هو الصواب، فإذا صلى بهم مثلاً: ركعة أو ركعتين ثم بان له أنه ليس على طهارة فإن شاء قال مكانكم، ثم ذهب فتطهر ثم جاء وكمل بهم ثم ينتظرونه حتى يكمل ما عليه.
وإن شاء استخلف كما استخلف عمر لما طعن قدّم عبد الرحمن وصلى بالناس وهذا أرفق بالناس، ولا سيما إذا كان مكانه بعيد، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مكانه قريب في المسجد، ولهذا ذهب بسرعة ورجع عليه الصلاة والسلام وصلى بهم.(7/55)
وإن صلوا وحداناً كلٌّ صلى لنفسه، وكمَّل لنفسه كما فُعِل في قصة معاوية فلا حرج، لكن الأفضل أن يفعل كما فعل عمر وأن يقدِّم من يصلِّي بهم، فيتم ما بقي على الإمام، ولا ينتظرون، لأن الانتظار قد يكون فيه مشقة كبيرة في بعض الأحيان.
أما إذا تذكر وهو واقف قبل أن يكبِّر فحينئذ إن أمرهم أن ينتظروه فلا بأس، وإن أمرهم أن يصلوا حتى لا يشق عليهم فعل، والناس يحتاجون مثل هذا: منهم من يكون محله قريب يستطيع أن يرجع عليهم بسرعة، ومنهم من يكون محله بعيد يشق عليهم الانتظار، فالإمام ينظر ما هو الأصلح، وفعله صلّى الله عليه وسلّم يدل على أن انتظارهم هو الأولى إذا كان قريباً ولا مشقة في ذلك، لأنه قال: ”مكانكم“ ولم يستخلف، فيدل على أن هذا هو الأفضل إذا تيسر ولم يكن فيه مشقة، أما إذا كان هناك مشقة فالدلة الشرعية تدل على أنه يشرع الرفق بالجماعة، وعدم المشقة، والاستخلاف يكون أصلح في هذه الحالة وأرفق بالمأمومين، كما فعل عمر – رضي الله عنه –“([378])، والله أعلم([379]).
10_ اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور، لحديث عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – أنها قالت: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيته وهو شَاكٍ فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ”إنما جُعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً“([380]).
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: سقط النبي صلّى الله عليه وسلّم عن فرس فجُحِشَ شقّه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعداً فصلينا وراءه قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: ”إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، [فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً] وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([381]).(7/56)
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: ”إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً“([382]). وفي حديث أبي هريرة: ”وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون“([383]).
وهذه الأحاديث فيها حجة على أن الإمام إذا عجز عن القيام صلى جالساً ويصلي الناس قعوداً متابعة له، أما صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم جالساً في مرضه والناس قياماً فهذا يدل على الجواز، ولكن الأفضل إذا صلى الإمام قاعداً أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً([384]).
11_ اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس“ فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفسه خفة فخرج يهادى([385]) بين رجلين، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم أن مكانك، ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكرن وكان أبو بكر يصلي قائماً، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ للبخاري: ”فخرج يهادى بين رجلين في صلاة الظهر“. وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([386]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله -: ”وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز ائتمام القائم بالقاعد“([387]).(7/57)
وقرر الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: أن الروايات تضافرت عن عائشة – رضي الله عنها – بالجزم بما يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان هو الإمام في تلك الصلاة، ثم بيّن بعد أن ذكر الخلاف أن من العلماء من سلك الترجيح فقدّم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموماً للجزم بها، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجّح أنّ أبا بكر كان إماماً، ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد، وأنه صلّى الله عليه وسلّم صلى تارة إماماً وتارة مأموماً في مرض موته هذا([388]).
12_ اقتداء الجالس المعذور بالقائم لا بأس به، لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به“([389])، ولحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: ”صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعداً“([390]). قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – عن هذين الحديثين: ”فيهما دليل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم، ولا أعلم فيه خلافاً“([391]).
وقد تقدم الجمع بين الأحاديث التي تبين هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الصلاة إماماً أو مأموماً([392]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”لا بأس أن يصلي القاعد خلف القائم، يكون الإمام قائماً والمأموم قاعداً إذا عجز عن ذلك ولا حرج، كالعكس: كما يصلي المأموم قائماً والإمام قاعداً، لا حرج أن يكون الإمام قاعداً والمأموم قائماً كما تركهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأحيان لم يأمرهم بالجلوس، وفي بعض الأحيان أمرهم بالجلوس، فقال: ”إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون“([393]).(7/58)
والمحفوظ في الصحيحين أن صلاته صلّى الله عليه وسلّم مع أبي بكر كان هو الإمام، وكان الصديق مأموماً مبلغاً عنه، أما رواية من روى أنه كان مأموماً ففيها نظر، وإنما المحفوظ أنه كان مأموماً في قصة عبد الرحمن بن عوف في تبوك، لما جاء وقد صلى بهم عبد الرحمن الركعة الأولى من صلاة الفجر، فصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم هو والمغيرة معهم الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قاما فقضيا ما عليهما، ولما سلم صلّى الله عليه وسلّم قال: ”أصبتم وأحسنتم“([394]).
ويحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم صلى خلف أبي بكر في مرض موته في بعض الأحيان، حينما كان أبو بكر إماماً للناس“([395]).
13_ قراءة المأموم خلف الإمام واجبة على القول الصحيح في الصلاة السرية والجهرية، لحديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟“ قلنا: نعم هذّاً يا رسول الله، قال: ”لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها“([396])، ولحديث محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ؟“ قالوا: إنا لنفعل، قال: ”لا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب“([397]).
وقد اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في صلاة الجماعة على أقوال ثلاثة: فقيل: القراءة خلف الإمام واجبة فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه، وقيل: لا يقرأ المأموم في الصلاة الجهرية ولا في السرية، وقيل: يقرأ المأموم فيما أسرّ به الإمام، ولا يقرأ فيما جهر به([398]).(7/59)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”هذه الروايات تدل على أن قراءة الفاتحة فرض، واختلف في قراءتها للمأموم: فقيل: فرض مطلقاً وهذا أرجح الأقوال وأظهرها في الدليل، وقيل لا تجب مطلقاً، وقيل: إنها فرض في السرية لا في الجهرية، والراجح القول الأول، لكن إن تركها المأموم جهلاً، أو نسياناً، أو تقليداً صحت صلاته، أما إذا تركها عمداً مع علمه بالأدلة فهذا محل الخطر“([399]).
عاشراً: آداب الإمام في الصلاة على النحو الآتي:(7/60)
1_ تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض [وذا الحاجة] فإذا صلى وحده فليصلِّ كيف شاء“([400])، ولحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – كان يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاة العشاء ثم يرجع فيؤمُّ قومه، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا معاذ أفتانٌ أنت؟ أو فاتنٌ أنت؟“ ثلاث مرات. ”فلولا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فإنه يصلي ورائك: الكبير، والضعيف، وذو الحاجة“([401])، ولحديث أبي مسعود - رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدَّ مما غضب يومئذٍ، ثم قال: ”أيها الناس، إن منكم منفِّرين([402])، فأيكم أمَّ الناس فليخفف، فإن فيهم [المريض]، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة“([403])، ولحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز([404]) في صلاتي كراهية أن أشق على أمِّه“([405])، ولحديث عثمان بن أبي العاص، وفيه: ”أمَّ قومك، فمن أمَّ قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء“([406])، ولحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوجز في الصلاة ويكمِّلُها“([407]).(7/61)
والتخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إلى ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، وواظب عليه، وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه الناس، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبيّن قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلوات الخمس، وسبق بيان ذلك في صفة الصلاة، ففعل النبي صلّى الله عليه وسلّم هو التخفيف الذي أمر به، ولهذا قال ابن عمر – رضي الله عنهما -: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر بالتخفيف ويؤمنا بالصافات“([408])، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: ”فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي أُمِرَ به والله أعلم“([409]).
والتخفيف المطلوب من الإمام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: تخفيف لازم، وهو ألا يتجاوز ما جاءت به السنة، فإن تجاوز ما جاءت به السنة فهو مطول، والدليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف“([410]).
القسم الثاني: تخفيف عارض، وهو أن يكون هناك سبب يقتضي الإيجاز عما جاءت به السنة فيخفف أكثر مما جاءت به السنة، والدليل على ذلك تخفيف النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلاة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن يشق على أمه([411])، وهذان النوعان كلاهما من السنة([412]).
2_ تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: ”لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الركعة الأولى مما يطيلها“([413]).
واستثنى العلماء مسألتين:
المسألة الأولى: إذا كان الفرق يسيراً فلا حرج، مثل: سبح والغاشية في يوم الجمعة وفي يوم العيد، فإن الغاشية أطول، ولكن الطول يسيراً.(7/62)
المسألة الثانية: الوجه الثاني في صلاة الخوف، فإن من الأوجه أو الأنواع التي وردت أن الإمام يقسم الجيش إلى قسمين، قسم يبقون أمام العدو، وقسم يدخل مع الإمام يصلي، فإذا قام إلى الركعة الثانية انفرد الذين يصلون معه وأتموا صلاتهم، والإمام واقف، ثم انصرفوا إلى مكان الطائفة الثانية، وجاءت الطائفة الثانية ودخلوا مع الإمام وصلوا معه الركعة التي بقيت، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. فهذا جاءت به السنة مراعاة للطائفة الثانية([414]).
3_ تطويل الركعتين الأوليين وتقصير الأخريين من كل صلاة، لحديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه – وفيه أن سعداً – رضي الله عنه – قال لعمر بن الخطاب: ”إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمدُّ في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“([415]).
4_ مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألا يخالف السنة، لحديث جابر – رضي الله عنه – فقد راعى فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم مصلحة الناس فيؤخر العشاء إذا لم يجتمع أصحابه، قال جابر: ”والعشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رأهم أبطؤا أخَّر“([416]). فالصلاة هنا يسن تأخيرها ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يراعي أحوالهم ولا يشق عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا، أما غير العشاء من الصلوات الأخرى فكان يصليها في أول وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر([417]).
فظهر أن أحوال المأمومين يراعيها الإمام إذا لم يخالف بمراعاته السنة، ومما يدل على هذه المراعاة: إيجاز النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن يشق على أمه، وتطويله الركعة الأولى في الصلاة، ليدرك الناس الركعة الأولى، وانتظاره الطائفة الثانية في صلاة الخوف، ويؤخذ من هذا استحباب انتظار الداخل أثناء الركوع حتى يدرك الركوع ما لم يشق على المأمومين، والله أعلم([418]).(7/63)
5_ لا يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة، لما روي عن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – يرفعه: ”لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه، حتى يتحول“([419]). وقد جاءت آثار في كراهة تطوع الإمام في مكانه الذي أمَّ فيه الناس حتى يتحول من مكانه، فعن علي – رضي الله عنه – قال: ”إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام“([420]). وعن ابن عمر: ”أنه كره إذا صلى الإمام أن يتطوع في مكانه لوم ير به لغير الإمام بأساً“([421]). وعن عبد الله بن عمرو: ”أنه كره للإمام أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة“([422]). وعن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا يعجبهما إذا سلم الإمام أن يتقدم“([423]). وعن علي – رضي الله عنه – قال: ”لا يتطوع الإمام في المكان الذي أمَّ فيه القوم حتى يتحول أو يفصل بكلام“([424]). قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى -: ”قال لنا آدم، حدثنا شعبة عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، وفعله القاسم([425]) ويذكر عن أبي هريرة رفعه: ”لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح“([426]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال: ”من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه“([427]). وحكى الإمام ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد أنه كره ذلك([428]). قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وكأن المعنى في كراهة ذلك: خشية التباس النافلة بالفريضة“([429]).(7/64)
وعن السائب بن يزيد أن معاوية – رضي الله عنه – قال له: ”إذا صليت الجمعة فلا تَصِلُها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بذلك: أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج“([430]). قال الإمام النووي – رحمه الله -: ”هذا فيه دليل لما قاله أصحابنا أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد، أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: ”حتى يتكلم“ دليل إلى أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضاً، ولكن بالانتقال أفضل، لما ذكرناه والله أعلم“([431]).
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة ويؤخذ من مجموع الأدلة: أن للإمام أحوالاً، لأن الصلاة: إما أن تكون مما يتطوع بعدها أو لا يتطوع، الأول: اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر. وعند الحنفية يبدأ بالتطوع. وحجة الجمهور حديث معاوية، ويمكن أن يقال: لا يتعين الفصل بين الفريضة والنافلة بالذكر بل إذا تنحى من مكانه كفى، فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي؟ قلنا: قد ثبت في حديث معاوية ”أو تخرج“([432]) ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة“، ثم قال – رحمه الله -: ”وأما الصلاة التي لا يتطوع بعدها فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إن شاءوا انصرفوا وذكروا، وإن شاءوا مكثوا وذكروا..“([433]).
وعن أبي هريرة مرفوعاً: ”أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله في الصلاة“ يعني في السبحة([434]).(7/65)
وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله – بعد الكلام على حديث المغيرة، وحديث أبي هريرة هذا: ”والحديثان يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل، أما الإمام بنص الحديث الأول، وبعموم الثاني، وأما المؤتم والمنفرد فبعموم الحديث الثاني، وبالقياس على الإمام، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة، كما قال البخاري والبغوي، لأن مواضع السجود تشهد له... وهذه العلة تقتضي أن ينتقل إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل، فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام، لحديث النهي عن أن توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلي أو يخرج. أخرجه مسلم وأبو داود“([435]) والله تعالى أعلم([436]) وأحكم([437]).
6_ يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً، لحديث أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم“. وفي لفظ: ”كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“. قال ابن شهاب: فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم([438]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ”وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت“([439]). ولفظ النساء ”أن النساء في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام الرجال“([440]).(7/66)
7_ يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم، لحديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – قال: ”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه“([441])، والمعنى: إذا صلى صلاة ففرغ منها وسلم استقبل المأمومين بوجهه، لأن استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين. والله أعلم([442]).
8_ لا يخص نفسه بالدعاء الذي يؤمن عليه المأمومون دونهم، لِمَا روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم([443]) فإن فعل فقد خانهم“([444]).
9_ لا يصلي في مكان مرتفع جدّاً عن المأمومين إلا أن يكون معه بعض الصفوف فلا حرج، أما المأموم فلا يكره إذا كان الإمام هو الذي في الأسفل([445]).
10_ لا يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين([446]).
11_ لا يطيل القعود بعد السلام مستقبل القبلة، لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام“([447]) ثم يستقبل الناس بوجهه كما تقدم في حديث سمرة – رضي الله عنه –([448]).
12_ ينصرف إلى الناس بعد السلام تارة عن يمينه وتارة عن شماله، لا حرج في شيء من ذلك، لحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: ”لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقّاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم كثيراً ينصرف عن يساره“. ولفظ مسلم: ”أكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصرف عن شماله“([449]). وعن أنس – رضي الله عنه – قال: ”أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينصرف عن يمينه“. وفي رواية لمسلم: ”كان ينصرف عن يمينه“([450]).(7/67)
قال الإمام النووي – رحمه الله -: ”وجه الجمع بينهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل تارة هذا، وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدلّ على جوازهما، ولا كراهة في واحد منهما، وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانحراف عن اليمين أو الشمال، وإنما هي في حق من يرى أن ذلك لابد منه، فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ، ولهذا قال: يرى أن حقّاً عليه، فإنما ذم من رآه حقّاً عليه، ومذهبنا أنه لا كراهة في واحد من الأمرين، لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته، سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها. هذا صواب الكلام في هذين الحديثين، وقد يقال فيهما خلاف الصواب، والله أعلم"([451]).
13_ يتخذ سترة، لأنها سترة له ولمن خلفه، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – يرفعه: ”إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة وليدنُ منه“([452])، ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سار بحماره بين يدي بعض الصف الأول ثم نزل عنه ولم ينكر ذلك أحد([453])، فدل ذلك على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه([454]).
الحادي عشر: آداب المأموم في الصلاة على النحو الآتي:
1_ إذا سمع الإقامة فلا يسرع وعليه السكينة والوقار، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا“. وفي لفظ: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمسون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا“([455]).(7/68)
2_ لا يركع قبل الدخول في الصف، لحديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه انتهى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”زادك الله حرصاً ولا تعد“([456]).
3_ لا يقوم المأموم إذا أقيمت الصلاة حتى يخرج الإمام، لحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني [قد خرجت]“. وفي لفظ للبخاري: ”وعليكم السكينة“([457]).
4_ يبلغ صوت الإمام عند الحاجة، لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: ”صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظهر وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كبَّر أبو بكر يُسمعنا“([458]).
وأصله في البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – وفيه: ”وكان أبو بكر يصلي قائماً وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والناس بصلاة أبي بكر“. وفي لفظ لمسلم: ”وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير“([459]).
5_ يقول خلف الإمام ”ربنا لك الحمد“ بعد قول الإمام ”سمع الله لمن حمده“، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد..“([460])، ولقول عامر الشعبي: ”لا يقول القوم خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد“([461]).
6_ إذا تأخر الإمام تأخراً ظاهراً قدَّم المأمومون أفضلهم، لحديث سهل بن سعد في تقديم الصحابة – رضي الله عنهم – لأبي بكر حينما ذهب النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلح بين بني عمر فتأخر([462])، ولحديث المغيرة بن شعبة في تقديم الصحابة لعبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك، فصلى بهم صلاة الفجر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”أحسنتم أو قد أصبتم“([463]).(7/69)
7_ إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة“([464]).
8_ لا يتطوع مكان المكتوبة حتى يفصل بينهما بكلام أو يخرج، لحديث السائب بن يزيد عن معاوية أنه قال له: إذا صليت الجمعة فلا تَصِلُها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بذلك: ”أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج“([465]).
9_ لا ينصرف قبل الإمام بل ينتظر حتى يستقبل الإمام الناس، لحديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بهم يوماً فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه فقال: ”أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف([466])“([467]). فيستحب أن لا ينصرف المأموم قبل انصراف إمامه عن القبلة، لئلا يذكر سهواً فيسجد، إلا أن يخالف إمامه السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة، فلا بأس بانصراف المأموم حينئذٍ([468]).
10_ لا يصف في صف بين السواري إلا لحاجة، لحديث أنس – رضي الله عنه – قال: ”قد كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم“([469])، ولحديث قرة – رضي الله عنه -: ”كُنّا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونطرد عنها طرداً“([470]).
11_ يدخل مع الإمام إذا سبقه على أي حال يدركه، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه وفيه: ”فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا“([471]).
12_ لا يلازم بقعة بعينها في المسجد لا يصلي إلا فيها، لحديث عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثلاث: ”عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير“([472]).(7/70)
13_ الفتح على الإمام إذا لُبِّس عليه في القراءة، لحديث المسور بن يزيد المالكي – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي لفظ: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”هلا أذْكَرْتَنِيها“؟ [قال: كنت أُرَاها نسخت]([473]).
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى صلاة فقرأ فيها فَلُبِسَ عليه، فلما انصرف قال: لأبيٍّ: ”أصليت معنا“؟ قال: نعم، قال: ”فما منعك“؟([474]).
14_ لا يصلي قدَّام الإمام([475])، لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه، وفيه: ”إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به“([476]). وذكر المرداوي رحمه الله: أن ذلك في غير الكعبة، فإن المأمومين إذا استداروا حول الكعبة والإمام منها على ذراعين والمقابلون له على ذراع صحت صلاتهم، وذكر أن المجد قال في شرحه: لا أعلم فيه خلافاً. وقال أبو المعالي: صحت إجماعاً. هذا إذا كانوا في جهات، أما إذا كانوا في جهة فلا يجوز تقدم المأمومين عليه([477]).
والله عز وجل أعلم وأحكم.
والحمد لله على التمام، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كان الفراغ من تحريره يوم السبت بعد الظهر الموافق 11/6/1421هـ.
---
([1]) حاشية الروض المربع، للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/296.
([2]) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو حبيب ص24.
([3]) انظر: المصدر السابق ص24.
([4]) انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، كتاب الهمزة، باب الهمزة في الذي يقال له مضاعف، ص48، ولسان العرب، لابن منظور، باب الميم، فصل الهمزة 12/25، ومفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة: ”أمَّ“، ص87، ومعجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد رواس ص68-69.(7/71)
([5]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم 673، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
([6]) انظر: الشرح الممتع، للعلامة محمد بن صالح العثيمين 2/36.
([7]) سورة الفرقان، الآية: 74.
([8]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري 19/319، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص966.
([9]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 19/319.
([10]) سورة السجدة، الآية: 24.
([11]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري 20/194، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص1019، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي ص604، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/340.
([12]) أبو داود، برقم 517، والترمذي برقم 207، وابن خزيمة، برقم 528، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/105، وتقدم تخريجه في فصل الأذان.
([13]) انظر: المغني لابن قدامة 2/55، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/136-140، وحاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/36.
([14]) انظر: شرح العمدة 2137، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، ورجح قول شيخ الإسلام العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/36.
([15]) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، وشرح العمدة له 2/139.
([16]) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، برقم 694 وما بين المعكوفين في نسخة دار السلام، وعند أحمد 2/355.
([17]) انظر: فتح الباري لابن حجر 2/187، وإرشاد الساري للقسطلاني 2/341.
([18]) أحمد 4/154، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 983، أبو داود، كتاب الصلاة، باب جماع الإمامة وفضلها، برقم 580، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/115: ”حسن صحيح“ وصححه في صحيح سنن ابن ماجه 1/293.(7/72)
([19]) ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 981، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/292.
([20]) أبو داود، برقم 531، والترمذي، برقم 209، والنسائي برقم 672، وتقدم تخريجه في الأذان، آداب المؤذن، وصححه الألباني في الإرواء 5/315.
([21]) سورة الفرقان، الآية: 74.
([22]) انظر: سبل السلام للصنعاني 2/86، والمنهل العذب المورود في شرح سنن الإمام أبو داود، للشيخ محمود بن محمد بن خطاب السبكي ، 4/208 .
([23]) الأقرأ: قيل: الأقرأ: هو أكثرهم قرآناً، وقيل: أجودهم وأحسنهم وأتقنهم قراءة، والصواب القول الأول، لحديث عمرو بن سلمة وفيه: ”... وليؤمكم أكثركم قرآناً“ [البخاري برقم 4302]، ولحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – وفيه: ”وأحقهم بالإمامة أقرؤهم“ [مسلم برقم 672] ومعناه: أكثرهم قرآناً، ولكن لو استووا في القرآن بحيث قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها، وأحسن ترتيلاً، لأنه الأقرأ بالنسبة لهؤلاء الذين استووا في كثرة الحفظ. [انظر: المفهم للقرطبي 2/297 والمغني لابن قدامة، 2/14، ونيل الأوطار للشوكاني 2/390].
([24]) العالم فقه صلاته: أي يعلم شروطها، وأركانها، وواجباتها، ومبطلاتها، ونحو ذلك، قال الحافظ ابن حجر: ”ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً“ فتح الباري 2/171، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/291.(7/73)
([25]) يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله: فيه دليل واضح على أنه يقدم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي، وقال الإمام مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، لكن في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة“: دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً، والصواب أن الأقرأ يقدم إذا كان عارفاً فقه صلاته. [انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/178، والمفهم في تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/297، والمغني لابن قدامة 3/11-12، وفتح الباري لابن حجر، 2/171، ونيل الأوطار للشوكاني 2/389، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/289-2901، وسبل السلام للصنعاني 3/95].
([26]) فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة: الهجرة المقدَّم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره صلّى الله عليه وسلّم، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في الأحاديث، لأن الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام قربة وطاعة، فقدم السابق إليها، لسبقه إلى الطاعة. انظر: المغني لابن قدامة 3/15، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/179، ونيل الأوطار للشوكاني 2/390، وسبل السلام للصنعاني 3/96.(7/74)
([27]) الأقدم سلماً وفي رواية ”سنّاً“ وفي الرواية الأخرى ”فأكبرهم سنّاً“ وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، والرواية الأخرى ”سنّاً“ راجع إلى سبق السن بالإسلام، لأن الأكبر سبق الأصغر. [انظر: المفهم للقرطبي 2/298] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 436: ”ومن كان أقدم سلماً فهو أكبرهم سنّاً إلا أن يكونوا كفاراً ثم أسلموا، فأقدمهم إسلاماً هو من جنس أقدمهم هجرة“ [وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/180، ونيل الأوطار 2/390، وسبل السلام للصنعاني 3/96، والمغني لابن قدامة 3/15].
([28]) ولا يؤمّنّ الرجل الرجل في سلطانه أي في موضع سلطته وهو ما يملكه أو يتسلط عليه بالتصرف فيه، ويدخل فيه صاحب البيت والمجلس، وإمام المسجد، وأعظم السلطة السلطان الأعظم، لأن ولايته عامة، وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة للحاضرين، لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء، والسلطان مقدم على إمام المسجد وصاحب البيت، ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. [انظر: المفهم للقرطبي 2/299، والمغني لابن قدامة 3/42، وشرح النووي 5/180، ونيل الأوطار للشوكاني 2/391، وسبل السلام للصنعاني، 3/97، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/299].
([29]) ”ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه“ وفي رواية: ”ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذنه“ والتكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها، وإذا منع القعود فمنع التصرف بنقلها أو بيعها أولى. المفهم للقرطبي 2/299، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/180.
([30]) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم 673.(7/75)
([31]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم 628، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من الأحق بالإمامة، برقم 674.
([32]) انظر: شرح النووي على مسلم 5/181، والمفهم للقرطبي 2/310.
([33]) انظر: الشرح الممتع 4/296.
([34]) اختلف أهل العلم في إمامة الصبي: فمذهب الشافعية أنها تصح مطلقاً في الفريضة والنفل، ومذهب المالكية، والحنفية، والحنابلة أن إمامة الصبي لا تصح في الفرض بالبالغ. انظر: المغني لابن قدامة 3/70، والشرح الكبير ومعه المقنع والإنصاف 4/387، وفتح الباري لابن حجر 8/23، ونيل الأوطار للشوكاني 2/401.
([35]) بماء ممر الناس: موضع مرورهم. انظر: فتح الباري لابن حجر 8/23، وإرشاد الساري للقسطلاني 9/284.
([36]) ما هذا الرجل: يسألون عن حال النبي صلّى الله عليه وسلّم وحال العرب معه. فتح الباري لابن حجر 8/23.
([37]) تلوَّم: تنتظر. فتح الباري لابن حجر 8/23.
([38]) بدر: سبق. المرجع السابق 8/23.
([39]) بردة: كساء صغير مربع ويقال كساء أسود، ومعنى: تقلصت: انكشفت عنه. انظر: فتح الباري لابن حجر 8/23، ونيل الأوطار للشوكاني 2/401.
([40]) فاشتروا: أي ثوباً، انظر: فتح الباري 8/23.
([41]) البخاري، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة زمن الفتح، برقم 4302، وزيادة أبي داود ”فاشتروا لي قميصاً عُمانيّاً“ برقم 585، وزاد في روايته رقم 587: ”فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا“.
([42]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/401، وفتح الباري لابن حجر 8/23، و2/185، وسبل السلام للصنعاني 3/94، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/198، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/317-318.
([43]) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب العزل، برقم 5207-5209، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم 1440.(7/76)
([44]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 435، وأثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 4302.
([45]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إمامة الأعمى، برقم 595، وأحمد في المسند 3/192، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/88، وله شاهد عن عائشة – رضي الله عنها – عند ابن حبان في [الإحسان 5/506 برقم 2134] وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/118: ”حسن صحيح“.
([46]) أبو داود، كتاب الخراج، باب في الضرير يولى، برقم 2931، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/566.
([47]) انظر: سبل السلام للصنعاني، 3/120، ونيل الأوطار للشوكاني 2/395.
([48]) البخاري، كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله، برقم 667.
([49]) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، برقم 692.
([50]) البخاري، كتاب الأحكام، باب استقضاء الموالي واستعمالهم، برقم 7175.
([51]) انظر: فتح الباري لابن حجر 2/186، ونيل الأوطار للشوكاني 2/396.
([52]) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، قبل الحديث رقم 692.
([53]) أبو داود، بلفظه، كتاب الصلاة، باب إمامة النساء، برقم 592، وأحمد 6/405، والحاكم 1/203، والبيهقي 3/130، والدارقطني 1/403، وابن خزيمة وصححه، 3/89، برقم 1676، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/118.
([54]) اختلف العلماء في صلاة الجماعة للنساء منفردات عن الرجال في بيوتهن: فقيل: سنة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر ورقة أن تؤم أهل دارها، وقيل: مكروهة، وقالوا: بأن حديث ورقة ضعيف، وقيل: مباحة، لأن النساء من أهل الجماعة في الجملة، ولهذا أبيح لها أن تحضر في المسجد لإقامة الجماعة، فتكون إقامة الجماعة في بيتها مباح مع ما في ذلك من التستر. انظر: المغني لابن قدامة 3/37، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/198-199.(7/77)
([55]) عبد الرزاق في المصنف 3/141 برقم 5086، وابن أبي شيبة 2/89، والحاكم 1/203، والدارقطني 1/404، والبيهقي 3/131، وابن حزم 3/171.
([56]) عبد الرزاق في المصنف 2/140، برقم 5082، وابن أبي شيبة 2/88، والشافعي في المسند 6/86، والدارقطني 1/404، والبيهقي 3/131، وابن حزم 3/172.
([57]) متفق عليه، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([58]) إعلام الموقعين 3/357.
([59]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 447، وانظر: مجموع فتاوى ومقالات له 12/130.
([60]) مسند أبي يعلى 3/336 برقم 1801، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 2/74، وسبل السلام للصنعاني 3/119.
([61]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/369.
([62]) متفق عليه: البخاري برقم 1862، ومسلم برقم 1341، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([63]) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين 4/352.
([64]) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، قبل الحديث رقم 692.
([65]) متفق عليه: البخاري، برقم 182، ومسلم برقم 274، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([66]) سورة النساء، الآية: 29.
([67]) أبو داود، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ برقم 334، وأحمد 4/203، والدارقطني 1/178، والحاكم 1/177، والبيهقي 1/226، وابن حبان برقم 1315، والبخاري تعليقاً في كتاب التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم، قبل الحديث رقم 345، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/68.
([68]) أبو داود في الكتاب والباب المذكور برقم 335، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/68.
([69]) فتح الباري 1/454.
([70]) فتح الباري 1/454، والمغني لابن قدامة 3/66.
([71]) المغني 3/66.
([72]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 1/294.(7/78)
([73]) روي عن عمران – رضي الله عنه – يرفعه: ”أنه صلّى الله عليه وسلّم أقام بمكة زمان الفتح ثماني عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم يقول: يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا سفر“ أحمد بلفظه 4/430، وأبو داود، كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر، برقم 1229 ولفظه: ”يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر“ وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف، قال الشوكاني: ”وإنما حسّن الترمذي حديثه (545) كشواهده“، نيل الأوطار 2/402.
([74]) المغني 3/146، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/403.
([75]) مالك في الموطأ موقوفاً، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء الإمام برقم 19، 1/149. قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار 2/402: ”وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات“.
([76]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز 12/259-261.
([77]) انظر: المغني لابن قدامة 3/146، ومجموع فتاوى ابن باز 12/260، وقد كان عثمان – رضي الله عنه – يتم بالناس في الحج في السنوات الأخيرة من خلافته، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتم الصلاة في السفر، وتقول: إنه لا يشق عليها، فلا حرج في إتمام المسافر، ولكن الأفضل ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنه المشرع المعلم صلّى الله عليه وسلّم. انظر: مجموع فتاوى ابن باز 12/260، وحديث عثمان في مسلم برقم 694، 695.
([78]) أحمد في المسند 1/216، قال الألباني في إرواء الغليل 3/21: ”قلت وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح“ والحديث أخرجه مسلم بلفظ: ”كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصلي مع الإمام؟ فقال: ”ركعتين سنة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم“، مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 688.
([79]) مسلم، الكتاب والباب السابق، برقم 17 (688) وانظر آثاراً في موطأ الإمام مالك 1/149-150.
([80]) التمهيد 16/311-312.(7/79)
([81]) التمهيد 16/315.
([82]) متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 414.
([83]) انظر: المغني لابن قدامة، 3/146، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/159، 260، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/519.
([84]) انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص104، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 4/408، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/328، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/357، ومجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/182.
([85]) انظر: الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 4/409، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص104، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/328، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/357، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز 12/182، 184، 186، 188، 189، 191.
([86]) أبو داود برقم 574، والترمذي برقم 220، وأحمد 3/45، 64، وغيرهم، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/316، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب آخر صلاة التطوع.
([87]) تقدم تخريجها في صلاة الجماعة فيمن صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة.
([88]) الترمذي برقم 219، وأبو داود، برقم 575، والنسائي، برقم 858، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب آخر صلاة التطوع.
([89]) المغني 3/68.
([90]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى، برقم 700، ومسلم بلفظه، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 180 و181 [464].
([91]) النسائي، كتاب صلاة الخوف، برقم 1552، وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي 1/340.(7/80)
([92]) انظر: سبل السلام للصنعاني 3/210، ونيل الأوطار للشوكاني 2/404، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/310، وفتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/178، والإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم 1/381.
([93]) انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص104.
([94]) المغني لابن قدامة 3/69، وانظر: مجموع فتاوى الإمام ابن تيمية 23/386، ومجموع فتاوى ابن باز 12/181 جمع الشويعر، و4/413-414، 443 جمع الطيار.
([95]) سمعته منه أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الحديث رقم 1438.
([96]) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/330.
([97]) انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص104، ومجموع فتاوى ابن باز 12/191، وهو مذهب الشافعي كما في المجموع للنووي، 4/150، واختاره أيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه 2/306.
([98]) متفق عليه: البخاري برقم 722، ومسلم برقم 414، وتقدم تخريجه في إمامة المقيم للمسافر.
([99]) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 4/412، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/329، والإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم 1/382، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/365.
([100]) أبو داود بلفظه، كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، برقم 603، وهو حديث صحيح، وأصله متفق عليه: البخاري، برقم 722، ومسلم، برقم 414، وتقدم تخريجه في إمامة المقيم للمسافر.
([101]) سبل السلام شرح بلوغ المرام 3/79.
([102]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 429.
([103]) انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 4/413-414 وذكر أنه اختيار المجد في شرحه، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
([104]) انظر: الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص104-105.
([105]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للإمام ابن باز، 12/186، 190.(7/81)
([106]) انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، 2/305-306.
([107]) وانظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين، 4/364-368.
([108]) سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 429 من بلوغ المرام. وانظر: مجموع الفتاوى له، 12/186، 190.
([109]) انظر: مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/112، ومن 106-127، والمغني لابن قدامة، 3/22، والكافي لابن قدامة، 1/415.
([110]) مسلم، برقم 648، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب في آخر صلاة التطوع.
([111]) البخاري، برقم 694، وتقدم تخريجه في فضل الإمامة.
([112]) البخاري، كتاب الحج، باب التهجير بالرواح يوم عرفة، برقم 1660، وباب الجمع بين الصلاتين بعرفة، برقم 1662، وباب قصر الخطبة بعرفة، برقم 1663.
([113]) مسلم، كتاب الحدود، باب حدّ الخمر، برقم 1707.
([114]) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة المفتون والمبتدع، برقم 695.
([115]) صحيح مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 889.
([116]) نيل الأوطار 2/398.
([117]) نيل الأوطار 2/399، وانظر الشرح الممتع لابن عثيمين 4/407.
([118]) الطحاوية مع شرحها ص421.
([119]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص423.
([120]) انظر: مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/116، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/307، والإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم، 1/377-378، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص107، واختار أن الصلاة لا تصح خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة مع القدرة على الصلاة خلف غيرهم. وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/307-308، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4/355.
([121]) سمعته أثناء تقريره على الأحاديث رقم 1429-1432 من المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، لأبي البركات ابن تيمية.(7/82)
([122]) فكل من صحّت صلاته لنفسه صحّت إمامته، قال العلامة محمد بن عثيمين في الشرح الممتع، 4/307: ”وهذا القول لا يسع الناس اليوم إلا هو، لأننا لو طبقنا القول الأول على الناس ما وجدنا إماماً يصلح للإمامة“.
([123]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في من أمّ قوماً وهم له كارهون، برقم 360، وقال: ”هذا حديث حسن غريب“، والبيهقي 3/128 وقال: ”إسناده ليس بالقوي“ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وذكر تحسين الترمذي له وأقرّه، 1/382، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/228، وله شاهد من حديث طلحة في صحيح الترغيب 1/228، ومن حديث الذهلي، 1/228، وقد جاء لهذا شواهد: عن أنس عند الترمذي برقم 358، وعن عبد الله بن عمرو عند أبي داود برقم 593، وابن ماجه برقم 970، وعن ابن عباس عند ابن ماجه برقم 971. والحديث صححه أحمد شاكر في شرحه على سنن الترمذي 2/193، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي، 2/348: ”قال النووي في الخلاصة: والأرجح هنا قول الترمذي“. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/113، وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: 2/417: ”وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً“.
([124]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن أمّ قوماً وهم له كارهون، برقم 359، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/113: ”صحيح الإسناد“.
([125]) سنن الترمذي ص97.(7/83)
([126]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/417-418، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص106 وقال: ”وإذا كان بين الإمام والمأمومين معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء أو المذاهب لم ينبغ أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة جماعة الائتلاف، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تختلفوا فتختلف قلوبكم“ [مسلم برقم 432] فإن أمهم فقد أتى بواجب ومحرم يقاوم الصلاة فلم تقبل إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها“ ص106-107، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/327 والشرح الممتع لابن عثيمين 4/353-355.
([127]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن أم قوماً وهم له كارهون، بعد الحديث رقم 359، وانظر: المغني لابن قدامة 3/171.
([128]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لأبي البركات ابن تيمية، الأحاديث رقم 1456، 1457.
([129]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إمامة الزائر، برقم 596، والترمذي، كتاب الصلاة، باب فيمن زار قوماً فلا يصلي بهم، برقم 3556، وقال: ”هذا حديث حسن صحيح“، والنسائي، كتاب الإمامة، باب إمامة الزائر، برقم 787، وأحمد 5/53، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/112.
([130]) الترمذي بعد الحديث رقم 356، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
([131]) المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، بعد الحديث رقم 1422.
([132]) مسلم، برقم 673، وتقدم تخريجه في أولى الناس بالإمامة.
([133]) قوله: ”ولا يختص نفسه بدعوة دونهم“ أي الذي يؤمنون عليه خلف: كالدعاء في القنوت وغيره والله أعلم. هكذا سمعته من شيخنا ابن باز.
([134]) أبو داود، كتاب الطهارة، باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟ برقم 91، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/20: ”صحيح إلا جملة الدعو“.
([135]) نيل الأوطار للشوكاني 2/394.
([136]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، الأحاديث 1414-1422.(7/84)
([137]) مسلم، برقم 673، وتقدم تخريجه في أولى الناس بالإمامة.
([138]) متفق عليه: البخاري برقم 684، ومسلم برقم 421، ويأتي تخريجه في انتقال الإمام مأموماً.
([139]) متفق عليه: البخاري برقم 182، ومسلم برقم 274، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([140]) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 2/267-268، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/218، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز 12/143.
([141]) البخاري، كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، في ترجمة الباب، قبل الحديث رقم 692.
([142]) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، جمع الطيار 4/388، وحاشية ابن باز على فتح الباري 2/185.
([143]) انظر: سبل السلام للصنعاني 3/106، والمغني لابن قدامة 3/53.
([144]) فإن صلى الواحد عن يسار الإمام أو صلى اثنان: واحد عن يمينه والآخر عن شماله أو صلى معه واحد أو أكثر عن شماله مع خلوِّ يمينه صحّت الصلاة على الصحيح، وكان ذلك خلاف الأفضل. انظر: المغني لابن قدامة 3/53، والكافي لابن قدامة 1/429، واختيارات السعدي ص62، وسبل السلام للصنعاني 3/106، ونيل الأوطار للشوكاني 2/421، والشرح الممتع 4/375.
([145]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 697 مغرب الأحد بتاريخ 27/8/1419هـ.
([146]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 728، ورقم 726، مغرب الأحد الموافق 7/10/1419هـ.
([147]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعائه بالليل، برقم 766، وفي كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم 3010.
([148]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/420، وسبل السلام للصنعاني، 3/107، والمغني لابن قدامة 3/53.
([149]) متفق عليه: البخاري برقم 380، ومسلم برقم 658، وتقدم تخريجه في جواز صلاة التطوع جماعة أحياناً.(7/85)
([150]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 871، وذلك يوم الأحد بعد المغرب في مسجد سارة، الموافق 9/11/1419هـ، وانظر المغني لابن قدامة 3/53، ونيل الأوطار للشوكاني 2/427، وسبل السلام للصنعاني 3/107.
([151]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار لأبي البركات ابن تيمية الأحاديث 1458-1464.
([152]) الحديث رواه أبو داود، برقم 681، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص56، قال: ”لكن الشطر الثاني منه صحيح“.
([153]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى للمجد أبي البركات ابن تيمية، الحديث رقم 1465.
([154]) وانظر: نيل الأوطار 2/422، وفتاوى ابن باز 12/205، والكافي لابن قدامة 1/434.
([155]) فتاوى ابن باز، 12/205.
([156]) متفق عليه، وتقدم قبل ست حواشي.
([157]) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 6/249، وانظر: المغني لابن قدامة 3/53-54.
([158]) انظر: ما تقدم في صلاة الجماعة: انعقاد الجماعة باثنين.
([159]) مسلم، برقم 660، وتقدم تخريجه في جواز صلاة التطوع جماعة أحياناً.
([160]) البخاري، كتاب الأذان، باب المرأة وحدها تكون صفّاً، برقم 727، وهو طرف الحديث رقم 380.
([161]) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/352.
([162]) انظر: المرجع السابق 4/389، والكافي لابن قدامة 1/434، والروض المربع 2/340، ومجموع فتاوى ابن باز 12/131، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص109.
([163]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم 5082، وابن أبي شيبة 2/88، والشافعي في المسند 6/82، والدارقطني 1/404، والبيهقي 3/131، وابن حزم في المحلى واحتج به 3/172.
([164]) أخرجه عبد الرزاق برقم 5086، وابن أبي شيبة 2/89، والحاكم 1/203، والدارقطني 1/404، والبيهقي 3/131، وابن حزم في المحلى واحتج به 3/171.(7/86)
([165]) انظر: الإنصاف للمرداوي، مع الشرح الكبير 4/462، والشرح الممتع 4/370، و3/125، المغني لابن قدامة 3/37، و2/319-320، وحاشية الروض لابن قاسم 2/339.
([166]) مجموع فتاوى ابن باز 12/130.
([167]) انظر: المغني لابن قدامة 2/318، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/370 و2/184.
([168]) المغني لابن قدامة 2/318-320.
([169]) الشرح الممتع لابن عثيمين 2/184، 4/370.
([170]) الأحلام والنهى: العقول والألباب، وهما بمعنى واحد: وهي العقول: واحدها: نهية، لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، انظر: المفهم للقرطبي 2/62، وجامع الأصول لابن الأثير 5/599.
([171]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول، والمسابقة إليها، وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام، برقم 122- ”432“.
([172]) هيْشات الأسواق: اختلاطها، والمنازعة، والخصومات وارتفاع الأصوات، واللفظ والفتن التي فيها. شرح النووي على صحيح مسلم 4/400.
([173]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول، والمسابقة إليها، وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام، برقم 123- ”432“.
([174]) شرح النووي على صحيح مسلم 4/399-400.
([175]) معنى وليأتم بكم من بعدكم: أي يقتدوا بي مستدلين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه، وصف قدامه يراه متابعاً للإمام. شرح النووي على صحيح مسلم 4/403.
([176]) لا يزال قوم يتأخرون: أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة، وعن العلم ونحو ذلك، شرح النووي 4/403.
([177]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 438.
([178]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول برقم 479، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/200.(7/87)
([179]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم 440.
([180]) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/390.
([181]) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/391.
([182]) وهو اختيار أبي البركات جد شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف: ”وهو الصواب“ الإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 3/406، و4/429-430.
([183]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجمعة، باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه برقم 911، وكتاب الاستئذان، باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، برقم 6269، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه، برقم 2177.
([184]) رأيت رجلاً كبيراً في السن معه عكازه جاء متأخراً إلى الجامع الكبير بالرياض قبل عام 1405هـ فوجد صبياً في الصف الأول فقرعه في رأسه بالعصا وقال: تأخّر وجلس مكانه وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى“ فاستغربت هذا العمل، وسألت العلامة شيخنا عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – وكان إمام الجامع آنذاك فبيّن – رحمه الله – أن هذا خطأ ولا يجوز، وإنما تأخير الصبيان إذا جاء الناس للصلاة في وقت واحد ولم يتقدم أحد على أحد، وذكر أنه ينبغي لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا ويسبقوا إلى الصف الأول.
([185]) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 3/20-21 و4/389-393، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/341، والمغني لابن قدامة 3/57، والإنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 4/429-430 و3/406، ونيل الأوطار، للشوكاني 2/426.
([186]) مجموع فتاوى ابن باز، جمع الطيار، 4/416.(7/88)
([187]) اختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس للصلاة على أقوال: فقيل: يقوم المصلي عند ”حي على الفلاح“ يذكر عن أبي حنيفة، وقيل: عند ”حي على الصلاة“ يذكر عن أبي حنيفة أيضاً، وقيل: يستحب ألا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، ويذكر عن الشافعي، وقيل: يقوم إذا أخذ المؤذن في الإقامة، يذكر عن مالك، وقيل: القيام موكول إلى قدرة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف، وليس في ذلك حد محدود، ويذكر ذلك عن مالك في الموطأ أيضاً. وقيل: يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، يذكر ذلك عن أنس – رضي الله عنه – وبه قال أحمد، وقيل: إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وإذا لم يكن الإمام في المسجد فلا يقوموا حتى يروه. انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم 5/106، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسل للقرطبي 2/221، وفتح الباري لابن حجر 2/120، والمغني لابن قدامة 2/123، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 3/401، ونيل الأوطار للشوكاني 2/438، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/6-7، والشرح الممتع لابن عثيمين 3/9-10، وصلاة الجماعة للسدلان ص97، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الهل – يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 637، وعلى الروض المربع حاشية ابن قاسم 2/6: ”والصواب أنه لا حرج في القيام في أول الإقامة أو في أثنائها أو في آخرها، فالأمر واسع“.
([188]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة، برقم 637، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 604، وما بين المعكوفين له.
([189]) إذا دحضت الشمس: أي إذا زالت عن كبد السماء، وأصل الدحض: الزلق. المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 2/222.(7/89)
([190]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 606.
([191]) انظر: المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/222، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/106.
([192]) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/222.
([193]) متفق عليه واللفظ لمسلم، البخاري، كتاب الأذان، باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة، برقم 639، ومسلم، كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 605.
([194]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106، وانظر: بدائع الفوائد، لابن القيم 3/69.
([195]) حديث أنس: قال: ”أقيمت الصلاة والنبي صلّى الله عليه وسلّم يناجي رجلاً في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم“ البخاري برقم 642.
([196]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/120.
([197]) مسلم، برقم 432، وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([198]) مسلم، برقم 123 – (432) وتقدم في موقف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([199]) متفق عليه: البخاري، برقم 6316، ومسلم، برقم 763، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع جماعة.
([200]) مسلم، برقم 766، ورقم 3010، وتقدم تخريجه في موقف الاثنين خلف الإمام.
([201]) متفق عليه: البخاري برقم 380، ومسلم واللفظ له، برقم 269 –(660) وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
([202]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان، برقم 608، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/182.
([203]) القداح: خشب السهام حينما تنحت وتبرى واحدها، قدح بكسر القاف، معناه يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. شرح النووي على صحيح مسلم 4/401.
([204]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، برقم 717، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 436.
([205]) انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص75-76.(7/90)
([206]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 723، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 433.
([207]) متفق عليه: البخاري واللفظ له،
([208]) انظر: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص76.
([209]) الشرح الممتع على زاد المستقنع 4/11.
([210]) البخاري بلفظه، كتاب الأذان، باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف، برقم 719.
([211]) البخاري بلفظه، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 723.
([212]) مسلم، بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 433.
([213]) مسلم، بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 435، وأصله عند البخاري بلفظ: ”وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة“، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722.
([214]) مسلم بلفظه، كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف، برقم 122 –(432) و123 –(432).
([215]) مسلم بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 434.
([216]) البخاري بلفظه، كتاب الصلاة، باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، برقم 725.
([217]) أبو داود بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 662، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/196.
([218]) لينوا بأيدي إخوانكم: قال أبو داود: ومعنى ولينوا بأيدي إخوانكم: إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يُلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف. سنن أبي داود برقم 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/197.
([219]) أبو داود بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/197.(7/91)
([220]) الحذف: الغنم الصغار الحجازية، وقيل: غنم صغار ليس لها أذناب ولا آذان، يجاء بها من جُرَش اليمن، سميت حذفاً، لأنها محذوفة عن مقدار الكبار. جامع الأصول لابن الأثير 5/609، وثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”خياركم ألينكم مناكب في الصلاة“ أبو داود برقم 672 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/198.
([221]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف برقم 667، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/198.
([222]) النسائي، كتاب الإمامة، باب حث الإمام على رصّ الصفوف والمقاربة بينها، برقم 814، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/269.
([223]) أبو داود بلفظه، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 671، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/198.
([224]) سنن النسائي بلفظه، كتاب الإمامة، باب كم مرة يقول: استووا، برقم 812، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/269.
([225]) البخاري بلفظه، كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، برقم 719، والنسائي بلفظه، كتاب الإمامة، باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها، برقم 813، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/269.
([226]) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 664، عن البراء بن عازب، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/197.
([227]) أحمد في المسند 2/485، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/334.
([228]) مسلم، برقم 430، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([229]) متفق عليه: البخاري برقم 615، ومسلم برقم 137، 139، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة وفي فضل الصلاة.
([230]) أبو داود برقم 554، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/165، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([231]) بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني 5/171.
([232]) مسلم، برقم 440، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.(7/92)
([233]) أحمد 4/269، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/197، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([234]) النسائي، برقم 811، وابن ماجه، برقم 997، لكن بلفظ: ”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول“ وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/175، وأبو داود، برقم 664، لكن بلفظ: ”إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأُوَل“، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([235]) النسائي، برقم 817، وابن ماجه برقم 996، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/177، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([236]) أبو داود، برقم 479، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1م220، وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([237]) مسلم، برقم 438، وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([238]) أبو داود، برقم 676، وابن ماجه برقم 1005، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/199، لكن قال بلفظ: ”على الذين يصلون الصفوف“ قلت: وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري 2/213، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([239]) مسلم، برقم 709، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([240]) ابن ماجه بلفظه، برقم 995، وقال الألباني في صحيح الترغيب، 1/335، ”صحيح لغيره“. وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
([241]) النسائي، برقم 819 بلفظه، وأبو داود برقم 666، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/335.
([242]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وحده خلف الصف، برقم 682، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده، برقم 230، 231، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده، برقم 1004، وأحمد 4/228، وابن حبان، [الإحسان]، 5/576، برقم 2199، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/299، وفي إرواء الغليل برقم 541.(7/93)
([243]) أحمد في المسند 4/23، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده، برقم 1003، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/299، وفي إرواء الغليل 2/328.
([244]) اختلف السلف في صلاة الرجل المأموم خلف الصف وحده، فقالت طائفة: لا يجوز ولا يصح، وممن قال بذلك النخعي، والحسن بن صالح، وأحمد، وإسحاق، وحماد، وابن أبي ليلى، ووكيع، لهذين الحديثين الثابتين الصريحين. وقالت طائفة: يجوز، وممن قال بذلك، الحسن البصري، والأوزاعي، ومالك والشافعي، وأصحاب الرأي، واستدلوا بحديث أبي بكرة، قالوا: لأنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالإعادة، ومما تمسكوا به أيضاً: حديث ابن عباس عند البخاري برقم 6316، ومسلم 763، وحديث جابر عند مسلم، برقم 766، إذ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤتمّاً به وحده فأدار كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، فعلى هذا فقد صار كل واحد منهما خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك الإدارة. وهذا متمسك غير مفيد، لأن المدار من اليسار إلى اليمين لا يسمى مصليّاً خلف الصف وإنما هو مصل عن اليمين، وهذا القول الثاني هو قول أكثر أهل العلم أن الصلاة منفرداً خلف الصف صحيحة سواء كان لعذر أو غير عذر، ولو كان في الصف سعة، وهو رواية عن أحمد أيضاً.(7/94)
والقول الثالث: قال بعض العلماء: المسألة فيها تفصيل، فإن صلى خلف الصف منفرداً لعذر صحت الصلاة، وإن لم يكن له عذر لم تصح الصلاة. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ومحمد بن صالح العثيمين. انظر: المغني لابن قدامة، 3/49، ونيل الأوطار للشوكاني 2/429، وسبل السلام للصنعاني 3/110-111، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/367-385، وفتاوى ابن باز 12/219-229، والمختارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص108، وفتاوى ابن تيمية 23/393-400، وإعلام الموقعين لابن القيم 2/41، والفتاوى السعدية 1/171، والمختارات الجلية للسعدي ص62.
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يرجح القول الأول وذلك أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 443 و444، فيقول: ”هذان الحديثان يدلان على أنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، وكما يدل عليه حديث أبي بكرة المتقدم: زادك الله حرصاً ولا تعد، والمراد: لا تركع خلف الصف، فدل ذلك على أن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو جاء معه آخر قبل الاستمرار في السجود فلا حرج، أما إذا استمر وسجد فإنه يؤمر بالإعادة جمعاً بين النصوص. وذهب الأكثرون إلى صحة الصلاة وأنه من باب الأدب ومن الكمال، وليس من باب الإيجاب، والحق قول من قال: بالوجوب، لأن هذا هو الأصل في النفي ”لا صلاة لمنفرد خلف الصف“ هذا هو الأصل، ثم فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعيد يوضح هذا المعنى، وأن المراد نفي الإجزاء، واحتج بعضهم بأن الإمام يصلي وحده، وهذه حجة باطلة، لأن الإمام مأمور بهذا فلا يقاس ما أمر به على ما نهي عنه“.
([245]) البخاري، كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف، برقم 783.
([246]) مجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز 12/228.(7/95)
([247]) النسائي، كتاب الإمامة، باب الصف بين السواري، برقم 820، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الصفوف بين السواري، برقم 673، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري، برقم 229، وأحمد 3/831، والحاكم وصححه 1/218، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/271.
([248]) سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب الصلاة بين السواري في الصف، برقم 1002، والحاكم وصححه 1/218، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/298: ”حسن صحيح“.
([249]) متفق عليه: البخاري، برقم 504، ومسلم برقم 1329، وتقدم تخريجه في المساجد ”الصلاة بين السواري“.
([250]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 3/13-22، وتقدمت جميع الأدلة على ذلك.
([251]) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع برقم 4129، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، برقم 842.
([252]) النواضح: الإبل التي يستقى عليها. شرح النووي على صحيح مسلم، 4/427.
([253]) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، برقم 6106، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 81 (465).
([254]) مسلم، برقم 465، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
([255]) الإمام أحمد في المسند 3/101، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 2/194.
([256]) اختلف العلماء – رحمهم الله – هل الرجل استأنف صلاته أم أتمها خفيفة، وانظر: التحقيق في ذلك: فتح الباري لابن حجر 2/194-ذ95، 197، وشرح النووي على صحيح مسلم 4/426-428، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/371-373.
([257]) نيل الأوطار 2/371-373.
([258]) المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، لأبي البركات عبد السلام ابن تيمية الحراني 1/609، على الحديث رقم 1386.
([259]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار لأبي البركات ابن تيمية، الأحاديث رقم 1383-1386.(7/96)
([260]) رحله: منزله، ويتجوز في صلاته: أي يخفف ويقتصر على الجنائز المجزي مع بعض المندوبات. شرح النووي على صحيح مسلم 7/221.
([261]) مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال، برقم 1104.
([262]) البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة الليل، برقم 731، وكتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى، برقم 6113، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه، برقم 7290.
([263]) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، برقم 729.
([264]) المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم 1/609.
([265]) نيل الأوطار 2/375.
([266]) وفي رواية للبخاري برقم 1218: ”من نابه شيء في صلاته“ والمعنى: من أصابه شيء يحتاج فيه إلى إعلام الغير“.
([267]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته، برقم 684، وكتاب الأحكام، باب الإمام يأتي قوماً يصلح بينهم، برقم 7190، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، برقم 421.
([268]) نلي الأوطار للشوكاني 2/377، وانظر: المغني لابن قدامة 3/65.
([269]) مسلم، برقم 274، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([270]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، الحديث رقم 1390.
([271]) متفق عليه: البخاري، باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، برقم 713، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، برقم 418.
([272]) البخاري مختصراً، كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان، برقم 3700.
([273]) نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار 2/416.(7/97)
([274]) وتأتي أحكام الاستخلاف، وأحكام الاقتداء بمن أخطأ بترك شرطٍ أو ركن، والاقتداء بمن ذكر أنه محدث، بعد صفحات.
([275]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، برقم 603، وأصله في صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 414، وما بين المعكوفين من لفظ البخاري ومسلم.
([276]) سبل السلام للصنعاني 3/78، وانظر: فتح الباري لابن حجر 2/209، 217، وشرح النووي على صحيح مسلم 4/377.
([277]) متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الأذان باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام، برقم 691، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع وسجود أو نحوهما، برقم 427.
([278]) الانصراف: المراد به السلام.
([279]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام: بركوع، أو سجود، أو نحوهما، برقم 426.
([280]) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام 1/92، برقم 57، وانظر: فتح الباري 2/183.
([281]) موطأ مالك، كتاب الصلاة، باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام 1/92.
([282]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب متى يسجد مَن خلف الإمام؟ برقم 690، وباب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، برقم 747، وباب السجود على سبعة أعظم، برقم 811، ومسلم، كتاب الصلاة، باب متابعة الإمام والعمل بعده، برقم 474، واللفظ للبخاري، وما بين المعكوفين لمسلم.
([283]) بدَّنت: بدَّن الرجل: إذا كبر، وبَدُن: إذا سمن. جامع الأصول لابن الأثير، 5/629.
([284]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام، برقم 619، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/184 ”حسن صحيح“.
([285]) سورة التكوير، الآيتان: 15، 16.
([286]) مسلم، كتاب الصلاة، باب متابعة الإمام والعمل بعده، برقم 475.
([287]) شرح النووي على صحيح مسلم 4/436.(7/98)
([288]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 429.
([289]) انظر: المغني، لابن قدامة 2/208-212، والمقنع لابن قدامة مع الشرح الكبير 4/217-327، والشرح الكبير لابن قدامة مع المقنع، 4/317-327، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي مع المقنع والشرح الكبير، 4/317-326، ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي 1/287-293، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/4، وإرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للسعدي ص56-58، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/257-270، وصلاة الجماعة، للسدلان ص174-181، والمختارات الجلية للسعدي ص55، والإقناع لطالب الانتفاع، لأبي النجا الحجاوي 1/251-252، ونيل الأوطار للشوكاني 2/363-366، ومنار السبيل للضويان 1/164، 165.
([290]) مجموع فتاوى ابن تيمية 23/336.
([291]) مجموع فتاوى ابن تيمية 23/337.
([292]) سبقه إلى ركن، مثل: أن يركع أو يسجد أو يرفع قبل إمامه.
([293]) سبقه بركن، مثل: أن يركع ويرفع قبل ركوع إمام [ولا يعد سابقاً بركن حتى يتخلص منه، فلا يعد سابقاً بالركوع حتى يرفع، ولا بالرفع حتى يهوي إلى السجود] حاشية منتهى الإرادات للنجدي 1/289.
([294]) سبقه بركنين، مثل: أن يسجد المأموم قبل سجود إمامه ثم يرفع، ثم يسجد الثانية قبل أن يصله الإمام.
([295]) أو رجع إلى ترتيب الصلاة، مثل: أن يرجع إلى ما سبق به إمامه فيأتي به بعده. انظر هذه الأمثلة: إرشاد أولي البصائر للسعدي ص57، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 4/322، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/287.
([296]) المختارات الجلية للسعدي ص55، وانظر: المغني لابن قدامة، 2/210، أما رسالة الإمام أحمد: فهي الرسالة السنية، انظر: مجموعة الحديث النجدية: 446.
([297]) إرشاد أولي البصائر والألباب ص57-58.(7/99)
([298]) أقسام السبق: السبق إلى ركن، والسبق بركن الركوع، والسبق بركن غير الركوع، والسبق بركنين غير الركوع. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين،
([299]) والعذر: كالجهل والنسيان.
([300]) الشرح الممتع 4/263.
([301]) انظر: المغني لابن قدامة 2/208، ومنار السبيل، للضويان 1/164، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي 4/323، وقال في هذا الموضع: قال ابن رجب في شرح البخاري: ”الأولى أن يسلم المأموم عقيب فراغ الإمام من التسليمتين، فإن سلم بعد الأولى جاز عند من يقول إن الثانية غير واجبة، ولم يجز عند من يرى أن الثانية واجبة لا يخرج من الصلاة بدونها“ وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/286، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/267-268، وصلاة الجماعة للسدلان ص178، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر 6/147-148.
([302]) أبو داود، برقم 603، وأصله في البخاري برقم 722، ومسلم، برقم 414، وتقدم تخريجه في أول الاقتداء وشروطه قبل صفحات.
([303]) انظر: الإنصاف للمرداوي 4/323، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم، 2/286.
([304]) المغني لابن قدامة 2/211، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي 4/324، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/288، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/264، وصلاة الجماعة للسدلان ص178.
([305]) انظر: المغني لابن قدامة 2/211-212، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي 4/324-325، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/288-289، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/264-265، وصلاة الجماعة، للسدلان ص178-179.
([306]) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين 4/265-267، وصلاة الجماعة للسدلان ص178-188، وينظر أيضاً: المغني لابن قدامة 2/211-212، والإنصاف للمرداوي 4/324-325، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/288-289.(7/100)
([307]) انظر: المغني لابن قدامة 2/161، 2/208-209، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، 4/323، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/269-270، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم 2/285.
([308]) أبو داود برقم 603، والبخاري، برقم 722، ومسلم، برقم 414، وتقدم تخريجه في الاقتداء وشروطه.
([309]) القهقرى: المشي إلى الخلف، والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة، انظر: نيل الأوطار للشوكاني 2/443.
([310]) هو الإمام البخاري رحمه الله.
([311]) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح، والمنبر، والخشب، برقم 377، وكتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم 917، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة، وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليم الصلاة أو غير ذلك، برقم 544.
([312]) الجحش: الخدش، أو أشد منه قليلاً. فتح الباري لابن حجر 1/487.
([313]) آلى من نسائه: أي حلف لا يدخل عليهن شهراً. فتح الباري لابن حجر 1/489.
([314]) مشربة: الغرفة المرتفعة: فتح الباري لابن حجر 1/488.
([315]) متفق عليه: البخاري برقم 378، ومسلم برقم 411، ويأتي تخريجه في اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور.
([316]) المدائن: مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد. نيل الأوطار للشوكاني 2/441.
[317] الدكان: الدكة، وهو الموضع المرتفع يجلس عليه، جامع الأصول لابن الأثير 5/633.
([318]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم 597، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/178.
([319]) أبو داود، الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم 598، قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/179: ”حسن بما قبله إلا ما خالفه“.(7/101)
([320]) انظر: المغني، لابن قدامة، 3/48، والإنصاف مع شرح الكبير والمقنع، 4/455، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/350-351، والكافي لابن قدامة 1/437، وفتح الباري لابن حجر 2/486-488، ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي 1/317، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/423-426، ونيل الأوطار للشوكاني 2/440-442، ومنار السبيل للضويان 1/173، وفتاوى الإمام ابن باز 12/94.
([321]) اختلف العلماء – رحمهم الله – في مسألة علوِّ الإمام على المأموم، فقيل: يمنع ارتفاع الإمام على المأموم مطلقاً، وأما صلاته صلّى الله عليه وسلّم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعلم، وقيل: الصلاة على مكان مرتفع من خصائص النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: إنه لا يكره مطلقاً، لأن الحديث ضعيف. والصواب أن الذي يكره هو الارتفاع الكثير، أما اليسير فلا بأس به.
انظر: المغني لابن قدامة 3/47-48، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع، 4/453، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/426.
([322]) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، لأبي البركات المجد ابن تيمية، الأحاديث: 1496-1498، وذلك يوم الاثنين الموافق 11/11/1410هـ.
([323]) انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4/457، وفتاوى الإمام ابن باز 12/94 و95، والشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/350. وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/350.
([324]) سمعته من شيخنا عبد العزيز ابن باز، أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 377.
([325]) البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، قبل الحديث رقم 377.
([326]) البخاري، قبل الحديث رقم 377.
([327]) انظر: نيل الأوطار، للشوكاني 2/442، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم 2/351، والشرح الكبير مع الإنصاف 4/456، ومنار السبيل لابن ضويان 1/174، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/426، 4/419.(7/102)
([328]) انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/59-60، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم 2/351.
([329]) اختلف في صلاة الإمام في الطاق الذي يقال له: المحراب، فقيل: يكره لما تقدم، وقيل: لا يكره، وقيل: تستحب الصلاة فيه، ومحل الخلاف في الكراهة إذا لم تكن له حاجة، فإن كان ثَمّ حاجة، كضيف المسجد زالت الكراهة، ومحلّ الخلاف إذا كان المحراب يمنع رؤية المأمومين للإمام فإن كان لا يمنعه، كالخشب ونحوه لم يكره الوقوف فيه. انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي، مع الشرح الكبير 4/457-458.
([330]) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين 4/427.
([331]) انظر: الروض المربع من حاشية ابن قاسم 2/347، ونيل الأوطار للشوكاني 2/443، وفتاوى ابن باز 12/213، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/419، والشرح الكبير مع الإنصاف 4/445، والمغني لابن قدامة 3/44.
([332]) حجرته: قيل حجرة بيته وهو الظاهر، ويحتمل أن المراد الحجرة التي احتجرها في المسجد. فتح الباري لابن حجر 2/214.
([333]) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، برقم 729.
([334]) ينظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 2/448، والشرح الكبير مع الإنصاف 4/445، والمغني لابن قدامة 3/45.
([335]) قال بعض أهل العلم: لابد أيضاً من اتصال الصفوف في هذه الحالة، وقال بعضهم: لا يشترط اتصال الصفوف وإنما رؤية المأموم للإمام أو بعض المأمومين هي المشروطة. انظر المغني لابن قدامة 3/44، والإنصاف مع الشرح الكبير 4/445-447، والشرح الممتع، لابن عثيمين 4/419-422، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/348، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/404-410، وفتاوى ابن باز 12/212، 215، 217.(7/103)
([336]) انظر: المغني لابن قدامة 3/44-45، والإنصاف مع الشرح الكبير، 4/446، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/349، والمختارات الجلية للسعدي ص62، وإرشاد أولي البصائر له ص60، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/412-422.
([337]) انظر: المراجع السابقة في نفس الصفحات المشار إليها.
([338]) مجموع الفتاوى 12/212.
([339]) البخاري مع الفتح، كتاب الأذان، باب إذا كان بين الإمام وبين المأموم حائط أو سترة، الباب رقم 80، قبل الحديث رقم 729، 2/213.
([340]) البخاري مع الفتح في الكتاب والباب السابقين، قبل الحديث رقم 729، 2/213.
([341]) المختارات الجلية للسعدي ص62-63، وقرر هذا القول أيضاً في كتاب: إرشاد أولي البصائر والألباب ص60-61.
([342]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى لأبي البركات، الحديث رقم 1499، يوم الأحد 11/4/1411هـ.
([343]) متفق عليه: البخاري، برقم 580، ومسلم، برقم 607، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([344]) أبو داود، برقم 893، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/169، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([345]) الدارقطني 1/346، وسنن البيهقي الكبرى 2/89، وصحيح ابن خزيمة 3/45، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة، وانظر: الإرواء الحديث رقم 89، 2/260.
([346]) القصة متفق عليها: البخاري برقم 182، ومسلم برقم 274، وتقدم تخريجها في صلاة الجماعة.
([347]) متفق عليه: البخاري برقم 636، ومسلم برقم 908، وتقدم تخريجه صلاة الجماعة.
([348]) تقدم البحث عن أحكام المسبوق في صلاة الجماعة.
([349]) مسلم، برقم 438، وتقدم تخرجيه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([350]) أبو داود، برقم 479، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/220، وتقدم تخريجه في وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام.
([351]) شرح النووي على صحيح مسلم 4/403، وانظر: سبل السلام للصنعاني 3/84.(7/104)
([352]) البخاري، برقم 694، وأحمد 2/355، وتقدم تخريجه في عظم شأن الإمامة.
([353]) ابن ماجه برقم 981، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/292، وتقدم تخريجه في عظم شأن الإمامة.
([354]) أبو داود، برقم 580، وابن ماجه برقم 983، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/293، وتقدم تخريجه في عظم شأن الإمامة.
([355]) الجُرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. معجم البلدان 1/128.
([356]) موطأ الإمام مالك 1/49، برقم 81، 82، وعبد الرزاق في المصنف 2/348، برقم 3648، 3649، قال العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في كتابه التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل ص24: ”بإسناد صحيح“ والدارقطني 1/364.
([357]) ابن المنذر في الأوسط 4/212، والدارقطني في سننه 1/364، ورواه الأثرم كما ساقه ابن عبد البر في التمهيد 1/182، ولفظه: ”أن عثمان بن عفان صلى بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار فغذا هو بأثر الجنابة فقال: كبرت والله، كبرت والله، فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا“.
([358]) مصنف ابن أبي شيبة 2/45، والأثرم في سننه كما في التمهيد لابن عبد البر 1/182.
([359]) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/369، وفتح الباري، لابن حجر 2/187-188، وفتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز 12/134-142، ونيل الأوطار للشوكاني 2/413-414، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/576-577، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/312-318، و4/337-342، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص105، والاختيارات الجلية للسعدي ص45، والمغني لابن قدامة 2/504-512.
([360]) ولكن هذا حرام عليه أن يستمر في صلاته.
([361]) سبقه الحدث: أي غلبه فأحدث أثناء الصلاة. انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/576، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/314.
([362]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الحديث رقم 1450 ورقم 1451.(7/105)
([363]) أحمد في المسند 5/41.
([364]) أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الجنب يصلي بالقوم، برقم 233، ورقم 234، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/70.
([365]) متفق عليه: البخاري، كتاب الغسل، باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم، برقم 275، وكتاب الأذان باب هل يخرج من المسجد لعلة، برقم 639، وباب: إذا قال الإمام مكانكم حتى نرجع انتظروه، برقم 640، ومسلم، كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 605.
([366]) البخاري، الطرف رقم 639.
([367]) مسلم برقم 605 و158 –(605).
([368]) معالم السنن للخطابي المطبوع مع مختصر المنذري لسنن أبي داود، 1/159.
([369]) انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، 1/396-398.
([370]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/122.
([371]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/107.
([372]) أي حديث أبي هريرة في الصحيحين.
([373]) أي حديث أبي بكرة في سنن أبي داود ومسند أحمد.
([374]) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 2/229.
([375]) البخاري، رقم 3700، وتقدم تخريجه في انتقال المأموم إماماً.
([376]) ذكره أبو البركات ابن تيمية في منتقى الأخبار برقم 1455، وعزاه إلى سعيد بن منصور في سننه.
([377]) ذكره المجد أبو البركات ابن تيمية في منتقى الأخبار، بعد الحديث رقم 1455.
([378]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، لأبي البركات ابن تيمية، الأحاديث رقم 1452-1455.
([379]) انظر: التمهيد لابن عبد البر 1/173-190، والمغني لابن قدامة 2/504-512 وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/576، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/312-318، و4/337-342، وفتاوى ابن باز 12/132-142.
([380]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم 688، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 412.(7/106)
([381]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم 689، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 411.
([382]) مسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 413.
([383]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 414.
([384]) اختلف العلماء في الجلوس خلف الإمام المعتل الذي لا يقدر على القيام. فقال قوم: يجب أن يصلي المأمومون خلفه قعوداً، وقال بعضهم: لا تصح صلاة القائم خلف القاعد لا قائماً ولا قاعداً. وقال آخرون: تصح صلاة القائم خلف القاعد، ولا يتابعه في القعود، لأن الصحابة – رضي الله عنهم – صلوا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته قياماً فكان ذلك ناسخاً لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقعود، فإن ذلك كان في صلاته حين جحش وانفكت قدمه فكان هذا آخر الأمرين، وقيل: الأمر بالجلوس للاستحباب، وقيل: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى برؤه، فإنهم يصلون خلفه قعوداً، وإذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً. انظر: فتح الباري لابن حجر 2/175-176، والمغني لابن قدامة 3/60-65، وسبل السلام للصنعاني 3/80-83، ونيل الأوطار للشوكاني 2/408-411.(7/107)
وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”قوله وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً..“ هذا فيه حجة على أن الإمام إذا اعتل فلا بأس أن يصلي قاعداً والناس قعوداً متابعة له، وصرف هذا الأمر عن الوجوب ما فعل آخر حياته صلّى الله عليه وسلّم، فقد صلى بالناس قاعداً والناس قياماً يقتدون بأبي بكر مبلغاً، وهذا يدل على جواز قيام المأمومين، فالراجح أن الصلاة مع الإمام القاعد قعوداً أفضل، وإذا صلوا خلفه قياماً جاز، وقيل: هذا ناسخ للجلوس، والصواب أنه ليس بناسخ، لأن القاعدة أن الجمع مقدم إذا أمكن، والجمع ممكن، وهو أن الجلوس أفضل متابعة للإمام، وإن قاموا وصلوا قياماً كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم آخر حياته فلا بأس، وقيل: إن شرع الإمام قائماً ثم اعتل أتموا قياماً، وإن شرع جالساً صلوا جلوساً“. سمعته منه – رحمه الله – أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 429.
([385]) يهادى: أي يعتمد على رجلين متمايلاً يميناً وشمالاً في مشيته من شدة الضعف. انظر: المفهم للقرطبي 2/51، ونيل الأوطار 2/378.
([386]) متفق عليه: البخاري، برقم 713، ومسلم برقم 418، وتقدم تخريجه في انتقال الإمام مأموماً.
([387]) نيل الأوطار 2/379.
([388]) انظر: فتح الباري لابن حجر 2/155، و176، وسبل السلام للصنعاني 3/89، ونيل الأوطار، للشوكاني 2/378-379، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 2/51، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 2/353-357.
([389]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب منه، برقم 363، والنسائي، كتاب الإمامة، باب صلاة الإمام خلف رجل من رعيته، برقم 785، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/211، وفي صحيح النسائي 1/260.
([390]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب منه، برقم 362، والنسائي، كتاب الإمامة، برقم 786، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/211، وفي صحيح سنن النسائي 1/260.
([391]) نيل الأوطار للشوكاني 2/406.(7/108)
([392]) انظر: ما تقدم في الصفحات السابقة.
([393]) مسلم، برقم 413، من حديث أنس – رضي الله عنه -، وتقدم تخريجه في اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور.
([394]) مسلم، برقم 374، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة.
([395]) سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أحاديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لأبي البركات، الحديث رقم 1441 و1442.
([396]) أبو داود، برقم 823، والترمذي، برقم 311، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([397]) أحمد في المسند 5/410، وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير، 1/231.
([398]) انظر: فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر 5/108، وصلاة الجماعة للسدلان، ص165، وفتاوى ابن تيمية، 23/265-330، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/245-255، وحاشية ابن قاسم على الروض 2/278، والمغني لابن قدامة 2/259-268.
([399]) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الأحاديث رقم: 294-296، وانظر مجموع فتاوى ابن باز للطيار 4/382.
([400]) متفق عليه: البخاري، كتاب باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، برقم 703، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 467، واللفظ لمسلم.
([401]) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، برقم 705، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء برقم 465.
([402]) منفرين: المنفر الذي يذكر للإنسان شيئاً يخافه ويكرهه فينفر منه. جامع الأصول لابن الأثير 5/591.
([403]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود، برقم 702، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 466، وما بين المعكوفين من رواية للبخاري، برقم 90.
([404]) فأتجوز: التجوز في الأمر: التخفيف والتسهيل. جامع الأصول لابن الأثير، 5/591.(7/109)
([405]) البخاري، كتاب الأذان، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي، برقم 707، وثبت أيضاً من حديث أنس عند البخاري برقم 709، ومسلم، برقم 473.
([406]) مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 468.
([407]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، برقم 706، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 469.
([408]) النسائي، كتاب الإمامة، باب الرخصة للإمام في التطويلن برقم 826، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/272.
([409]) زاد المعاد 1/214.
([410]) البخاري، برقم 703، ومسلم، برقم 467، وتقدم تخريجه في أول آداب الإمام.
([411]) البخاري، رقم 707، وتقدم تخريجه في أول آداب الإمام.
([412]) الشرح الممتع لابن عثيمين 4/271.
([413]) مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 454.
([414]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 4/275-276.
([415]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب يطوِّل في الأوليين ويحذف في الأخريين، برقم 770، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 453.
([416]) متفق عليه: البخاري برقم 560، ومسلم برقم 646، وتقدم تخريجه في شروط الصلاة.
([417]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 4/276-277.
([418]) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 2/291-292، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/276-283.(7/110)
([419]) أبو داود، في كتاب الصلاة، باب الإمام يتطوع في مكانه، برقم 616، وابن ماجه في كتاب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة، برقم 1428، وصححه الألباني فقال في مشكاة المصابيح 1/300، بعد أن ذكر انقطاعه وعلته: ”لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدين ذكرتهما في صحيح أبي داود 629“. وصححه الألباني أيضاً لهذين الشاهدين في صحيح سنن أبي داود، 1/184، وفي صحيح سنن ابن ماجه 1/429. علي – رضي الله عنه – قال: ”من السنة أن لا يصلي الإمام في مكانه“ بل يقوم من مكانه، حتى لا يظن أنه في الفريضة، وهذا أولى [و] من السنة“.
([420]) المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الصلوات، باب من كره للإمام أن يتطوع في مكانه 2/209.
([421]) المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الصلوات، باب من كره للإمام أن يتطوع في مكانه 2/209.
([422]) المرجع السابق، 2/209.
([423]) المرجع السابق، 2/209.
([424]) المرجع السابق، 2/210.
([425]) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. فتح الباري لابن حجر 2/335.
([426]) البخاري، كتاب الأذان، باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، قبل الحديث رقم 848، ورقم الباب 157.
([427]) فتح الباري 2/335، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/209-210.
([428]) المغني لابن قدامة 2/257-258.
([429]) فتح الباري 2/335.
([430]) مسلم، برقم 883، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع: الفصل بين النوافل والفرائض بخروج أو كلام.
([431]) شرح النووي على صحيح مسلم 6/420.
([432]) فتح الباري 2/335.
([433]) فتح الباري 2/335.
([434]) أبو داود، برقم 1006، وابن ماجه برقم 1427، وأحمد 2/425، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/279، الطبعة الجديدة والطبعة القديمة 1/188.
([435]) مسلم، برقم 883، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
([436]) نيل الأوطار 2/446.(7/111)
([437]) سبق الكلام مع الأدلة في الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كلام، في صلاة التطوع، وانظر للفائدة: فتح الباري لابن حجر 2/335، والمصنف لابن أبي شيبة 2/208-210، ونيل الأوطار للشوكاني 2/445-446، وسبل السلام للصنعاني 3/182-183، والمغني لابن قدامة 2/257-258، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/429-430، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/352.
([438]) البخاري، كتاب الأذان، باب التسليم برقم 837، وباب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، برقم 849، 850.
([439]) فتح الباري، لابن حجر 2/336.
([440]) النسائي، كتاب السهو، باب جلسة الإمام بين التسليم والانصراف، برقم 1333، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/428.
([441]) البخاري، كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، برقم 845.
([442]) انظر: فتح الباري، لابن حجر 2/334.
([443]) ولا يختص نفسه بدعوة دونهم: أي الذي يؤمنون عليه: كالدعاء في القنوت وغيره، والله أعلم، هكذا سمعته من شيخنا ابن باز – رحمه الله -.
([444]) أبو داود، برقم 91، وله شاهد عند الترمذي برقم 357، وأحمد 2/250، من حديث ثوبان، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/35: ”صحيح إلا جملة الدعوة“ وتقدم تخريجه في إمامة الزائر.
([445]) تقدم الدليل على كراهة ارتفاع الإمام على المأموم في ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأمومين. وانظر: المغني لابن قدامة 3/48، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/423-426.
([446]) انظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/59-60، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، المطبوع مع الشرح الكبير 4/457-458، والشرح الممتع 4/427-428، وحاشية الروض المربع لابن قاسم 2/351.
([447]) مسلم، برقم 591، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([448]) البخاري، برقم 845، وتقدم تخريجه في البند السابع.(7/112)
([449]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الانفتال والانصراف عن اليمين وعن الشمال، برقم 852، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال، برقم 707.
([450]) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال، برقم 708.
([451]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/227-228، وانظر: فتح الباري، لابن حجر 2/338.
([452]) أبو داود، برقم 698، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/135: ”حسن صحيح“ وتقدم تخريجه في صفة الصلاة في سترة المصلي.
([453]) متفق عليه: البخاري، برقم 493، ومسلم، برقم 504، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
([454]) وانظر: الأحاديث في سترة المصلي: صفة الصلاة فقد ذكرت هناك جملة منها.
([455]) متفق عليه: البخاري، برقم 636، ورقم 908، ومسلم، برقم 602، وتقدم تخريجه في آداب المشي إلى صلاة الجماعة.
([456]) البخاري، برقم 783، وتقدم تخريجه في صلاة الجماعة، في إدراك الجماعة بإدراك ركعة.
([457]) متفق عليه: البخاري، برقم 637، ومسلم برقم 604، وتقدم تخريجه في وقت قيام المأمومين للصلاة.
([458]) النسائي، كتاب الإمامة، باب الائتمام بمن يأتم بالإمام، برقم 798، ورقم 1199، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/264.
([459]) متفق عليه: البخاري برقم 713، ومسلم برقم 418، وتقدم تخريجه في انتقال الإمام مأموماً.
([460]) متفق عليه: البخاري برقم 722، ومسلم برقم 414، وتقدم تخريجه في الاقتداء وشروطه.
([461]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 849، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/239: ”حسن مقطوع“.
([462]) متفق عليه: البخاري، برقم 684، ومسلم برقم 421، وتقدم تخريجه في انتقال المأموم إماماً.
([463]) متفق عليه: البخاري برقم 182، ومسلم، برقم 284، وتقدم تخريجه في مسألة المسبوق يصلي ما بقي من صلاته.(7/113)
([464]) مسلم، برقم 710، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع في ترك الرواتب وغيرها إذا أقيمت الصلاة.
([465]) مسلم، برقم 883، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع في الفصل بين الرواتب والفرائض بخروج أو كلام.
([466]) ولا بالانصراف: قال النووي: المراد بالانصراف السلام، شرح النووي 4/394، وقال القرطبي في المفهم: ”وذهب الحسن والزهري إلى أن حق المأموم ألا ينصرف حتى ينصرف الإمام أخذاً بظاهر هذا الحديث، والجمهور على خلافهما، لأن الاقتداء بالإمام قد تم بالسلام من الصلاة، ورأوا أن ذلك خاصّاً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ويحتمل أن يريد بالانصراف المذكور: التسليم، فإنه يقال: انصرف من الصلاة: أي سلم منها“، المفهم 2/2159.
([467]) مسلم، كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، برقم 426.
([468]) انظر: المغني، لابن قدامة، وفتاوى ابن تيمية 22/505، 2/257، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 4/461، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع 2/354-355، والكافي لابن قدامة 1/325.
([469]) النسائي، برقم 820، وأبو داود، برقم 229، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1م177، وتقدم تخريجه في الصلاة بين السواري.
([470]) ابن ماجه، برقم 1002، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه 1/298: ”حسن صحيح“، وتقدم تخريجه في الصلاة بين السواري.
([471]) متفق عليه: البخاري، برقم 636، ومسلم برقم 908، وتقدم في صلاة الجماعة.
([472]) النسائي، كتاب التطبيق، باب النهي عن نقرة الغراب، برقم 1111، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه، برقم 1429، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، برقم 862، وأحمد في المسند 5/446-447، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/229، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 1/360.(7/114)
([473]) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الفتح على الإمام في الصلاة، برقم 907 "أ" وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/254.
([474]) سنن أبي داود، الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً برقم 907 "ب" وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/254.
([475]) وهو مذهب الحنابلة، والشافعية والحنفية: أن من صلى قدَّام الإمام فصلاته باطلة، لحديث أبي هريرة: ”إنما جعل الإمام ليؤتم به“، ولأنه يحتاج إلى الالتفات إلى ورائه. أما مالك وإسحاق فقالا: تصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء. واختار ابن تيمية قولاً ثالثاً وقال: إنه رواية عن أحمد أنها تصح صلاة المأموم قدام الإمام مع العذر. انظر: فتاوى ابن تيمية 23/404-406، والاختيارات الفقهية له، ص108، ورجحه ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/372، ورجحه ابن القيم في إعلام الموقعين 2/22، أما صاحب المغني 3/52، والشرح الكبير 4/418، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4/418 فكلهم قال ببطلان صلاة من صلى قدَّام الإمام مطلقاً، وقال الإمام ابن باز: ”ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام، لأن ذلك ليس موقفاً للمأموم، والله ولي التوفيق“ الفتاوى له 12/212.
([476]) البخاري، برقم 722، ومسلم، برقم 414، وتقدم تخريجه في الاقتداء وشروطه.
([477]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 4/419، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير 4/419.(7/115)
الفهرس
المقدمة ........................................................................................
الإمام في الصلاة ..............................................................................
أولاً: مفهوم الإمامة والإمام ..................................................................
ثانياً: فضل الإمامة في الصلاة والعلم ........................................................
1- الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل ...................................
2- الإمام في الصلاة يقتدى به في الخير ..........................................
3- دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد ...............................
4- الإمام فلها مشهور ..............................................................
5- عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ............................
ثالثاً: طلب الإمامة في الصلاة إذا صلحت النية ..............................................
رابعاً: أولى الناس بالإمامة ...................................................................
خامساً: أنواع الإمامة .........................................................................
1- إمامة الصبي جائزة على الصحيح ...................................................
2- إمامة الأعمى صحيحة ...............................................................
3- إمامة العبد والمولى صحيحة ........................................................
4- إمامة المرأة للنساء صحيحة .........................................................
5- إمامة الرجل للنساء فقط صحيحة ....................................................
6- إمامة المفضول للفاضل صحيحة ....................................................(8/1)
7- إمامة المتيمم للمتوضئ جائز ........................................................
8- إمامة المسافر للمقيم صحيحة ........................................................
9- إمامة المقيم للمسافر صحيحة ........................................................
10- إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها ...............................................
11- إمامة من يقضي الصلاة بمن يؤديها ...............................................
12- إمامة المفترض للمتنفل جائزة .....................................................
13- إمامة المتنفل للمفترض جائزة .....................................................
14- إمامة من يصلي العصر بمن يصلي الظهر .......................................
15- إمامة الفاسق الذي تصح صلاته لنفسه .............................................
16- إمامة من يكرهه أكثر الجماعة ....................................................
17- إمامة الزائر لقوم منهي عنها إلا بإذنهم ............................................
18- الإمامة في مسجد قبل إمامه .......................................................
19- الإمامة من المصحف صحيحة .....................................................
سادساً: وقوف المأموم مع الإمام أنواع ......................................................
1- وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ..............................................
2- وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام .....................................................
3- وقوف الإمام وسط الصف ...........................................................
4- وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل ..................................................(8/2)
5- وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال ........................................
6- وقوف المرأة الواحدة مع المرأة .....................................................
7- وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها ........................................
8- وقوف العراة مع إمامهم العاري ....................................................
9- وقوف الرجال والصبيان والنساء مع الإمام .........................................
سابعاً: متى يقوم المأمومون لأداء الصلاة ...................................................
ثامناً: الصفوف في الصلاة والعناية بها على النحو الآتي:..................................
1- ترتيب الصفوف ......................................................................
2- تسوية الصفوف تجب على الصحيح .................................................
3- ألفاظ النبي صلّى الله عليه وسلّم في تسوية الصفوف ................................
النوع الأول: أقيموا صفوفكم وتراصوا ................................................
النوع الثاني: سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة ..................
النوع الثالث: سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة .....................
النوع الرابع: أقيموا الصف في الصلاة ...............................................
النوع الخامس: استووا ولا تختلفوا ....................................................
النوع السادس: أتموا الصفوف ........................................................
النوع السابع: أقيموا الصفوف .........................................................
النوع الثامن: أقيموا صفوفكم .................................................................(8/3)
النوع التاسع: أقيموا الصفوف .........................................................
النوع العاشر: رصوا صفوفكم .........................................................
النوع الحادي عشر: أتموا الصف المقدم ..............................................
النوع الثاني عشر: استووا، استووا، استووا ...........................................
النوع الثالث عشر: أقيموا صفوفكم وتراصوا .........................................
النوع الرابع عشر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية
النوع الخامس عشر: أحسنوا إقامة الصفوف ..........................................
4- الصف الأول أفضل الصفوف .......................................................
5- ميامن الصفوف أفضل ...............................................................
6- وصل الصفوف رغَّب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم ...............................
7- صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح .................................................
8- صلاة الصفوف بين السواري ........................................................
9- كمال الصفوف وتسويتها يشمل عدة أمور:...........................................
الأمر الأول: أن يدنو أولو الفضل .....................................................
الأمر الثاني: ترتيب الصفوف .........................................................
الأمر الثالث: تسوية محاذاة الصفوف .................................................
الأمر الرابع: التراص في الصف لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ...................
الأمر الخامس: إكمال الصف الأول فالأول ...........................................
الأمر السادس: التقارب بين الصفوف .................................................(8/4)
الأمر السابع: تفضيل اليمين في الصفوف .............................................
الأمر الثامن: أن تفرد النساء وحدهن .................................................
الأمر التاسع: اقتداء كل صف بمن أمامه .............................................
الأمر العاشر: عدم صلاة الفذ خلف الصف ...........................................
الأمر الحاديث عشر: عدم صلاة المأمومين بين السواري ............................
10- جواز انفراد المأموم عن الإمام لعذر ..............................................
11- انتقال المنفرد إماماً لا بأس به .....................................................
12- انتقال الإمام مأموماً إذا استخلف ...................................................
13- انتقال المأموم إماماً إذا استخلفه الإمام ............................................
تاسعاً: الاقتداء وشروطه ولوازمه على النحو الآتي:.........................................
1- صفة الاقتداء بالإمام وعدم سبقه ومقارنته ...........................................
2- مسابقة الإمام قد توعد النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها بالعقوبة ...................
3- أحوال المأموم مع إمامه أربع .......................................................
الحال الأولى: المسابقة ................................................................
الحال الثاني: الموافقة أو المقارنة .....................................................
الموافقة قسمان: الموافقة في الأقوال والأفعال ........................................
القسم الأول: الموافقة في الأقوال ......................................................
القسم الثاني: الموافقة في الأفعال .....................................................(8/5)
الحال الثالث: التأخر أو التخلف .......................................................
التخلف عن الإمام قسمان تخلف بعذر وبغير عذر ....................................
القسم الأول: التخلف بعذر .............................................................
القسم الثاني: التخلف أو التأخر بغير عذر .............................................
الحال الرابع: المتابعة .................................................................
4- ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأموم لا يضر ....................................
5- الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه ..............................................
أولاً: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد .........................................
ثانياً: إذا كان المأموم خارج المسجد ..................................................
ثالثاً: إذا كان المأموم خارج المسجد والإمام داخله ...................................
6- المسبوق إذا أدرك ركعة من الصلاة ................................................
7- اقتداء الصف الأول ومن بعده بالإمام ...............................................
8- الاقتداء بمن أخطأ بترك شرط أو غير ذلك .........................................
9- الاقتداء بمن ذكر أنه محدث أو خرج لحدث ........................................
10- اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور ................................
11- اقتداء القائم بالجالس المعذور جائز ................................................
12- اقتداء الجالس المعذور بالقائم لا بأس به ..........................................
13- قراءة المأموم خلف الإمام واجبة عند الذكر .......................................(8/6)
عاشراً: آداب الإمام على النحو الآتي: .......................................................
1- تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام ...................................................
التخفيف المطلوب من الإمام ينقسم إلى قسمين:........................................
القسم الأول: تخفيف لازم ...........................................................
القسم الثاني: تخفيف عارض .......................................................
2- تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية ...............................................
3- تطويل الركعتين الأوليين وتقصير الأخريين .........................................
4- مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألا يخالف السنة ..................................
5- لا يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة ......................................
6- يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً ...................................................
7- يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم ....................................................
8- لا يخص نفسه بالدعاء ...............................................................
9- لا يصلي في مكان مرتفع جداً .......................................................
10- لا يصلي في مكان يستتر فيه عن جميع المأمومين ...............................
11- لا يطيل القعود بعد السلام مستقبلاً القبلة .........................................
12- ينصرف إلى الناس بعد السلام ....................................................
13- يتخذ سترة .........................................................................
الحادي عشر: آداب المأموم على النحو الآتي:...............................................(8/7)
1- إذا سمع الإقامة فلا يسرع وعليه السكينة ............................................
2- لا يركع قبل الدخول في الصف .....................................................
3- لا يقوم المأموم إذا أقيمت الصلاة ...................................................
4- يبلغ صوت الإمام عند الحاجة .......................................................
5- يقول خلف الإمام ربنا لك الحمد .....................................................
6- إذا تأخر الإمام تأخراً ظاهراً قدم المأمومون أفضلهم ...............................
7- إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة ............................................
8- لا يتطوع مكان المكتوبة .............................................................
9- لا ينصرف قبل الإمام ................................................................
10- لا يصف في صف بين السواري إلا لحاجة .......................................
11- يدخل مع الإمام إذا سبقه على أي حال ...........................................
12- لا يلازم بقعة بعينها في المسجد ..................................................
13- الفتح على الإمام إذا لُبِّس عليه في القراءة .......................................
14- لا يصلي قدَّام الإمام ..............................................................
الفهرس .....................................................................................
انتهى الكتاب ولله الحمد.(8/8)
الجهاد في سبيل الله(/)
الجهاد في سبيل الله
فضله، ومراتبه، وأسباب النصر على الأعداء
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:..
فهذه كلمات مختصرة في "فضل الجهاد في سبيل الله تعالى، وأسباب النصر على الأعداء"، أوجهها إلى كل مجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى، في مشارق الأرض ومغاربها، وفوق كل أرض وتحت كل سماء، وقد بيّنت فيها: مفهوم الجهاد، وحكمه، ومراتبه، والحكمة من مشروعيته، وأنواع الجهاد، وفضله، والترهيب من ترك الجهاد، وبيان شهداء غير المعركة، وأسباب وعوامل النصر على الأعداء، والله أسال – عز وجل – أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان، وأن يوفقهم للعمل بعوامل النصر وأسبابه، والإخلاص في القول والعمل، والرغبة فيما عند الله من الثواب العظيم والتجارة الرابحة، والفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل مباركًا، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه أكرم مأمول وخير مسؤول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
الرياض في 6/2/1411هـ(9/1)
المبحث الأول: مفهوم الجهاد لغة وشرعًا:
لغة: بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل([1]).
شرعًا: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار، والبغاة، والمرتدين ونحوهم.
المبحث الثاني: حكم الجهاد في سبيل الله تعالى:
الجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين([2]). قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. ويكون الجهاد فرض عين في ثلاث حالات([3]):
1ـ إذا حضر المسلم المكلف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان، قال الله تعالى: {آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]. وقال سبحانه: {آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من السبع الموبقات([4]).
2ـ إذا حضر العدو بلدًا من بلدان المسلمين تعين على أهل البلاد قتاله وطرده منها، ويلزم المسلمين أن ينصروا ذلك البلد إذا عجز أهله عن إخراج العدو ويبدأ الوجوب بالأقرب فالأقرب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123].(10/1)
3ـ إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك، قال الله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]. وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونِيَّة، وإذا استُنفِرْتُم فانْفِروا"([5]). وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38].
وجنس الجهاد فرض عين: إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد. فيجب على المسلم أن يجاهد في سبيل الله بنوع من هذه الأنواع حسب الحاجة والقدرة. والأمر بالجهاد بالنفس والمال كثير في القرآن والسنة، وقد ثبت من حديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بألسنتكم، وأنفسكم، وأموالكم، وأيديكم"([6]).
المبحث الثالث: مراتب الجهاد في سبيل الله:
الجهاد له أربع مراتب: جهاد النفس، والشيطان، والكفار، والمنافقين، وأصحاب الظلم والبدع والمنكرات:
أولاً: جهاد النفس أربع مراتب:
1ـ جهادها على تعلم أمور الدين والهُدى الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
2ـ جهادها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
3ـ جهادها على الدعوة إليه ببصيرة، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
4ـ جهادها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، وأن يتحمل ذلك كله لله. فمن علم وعمل، وصبر فذاك يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات.(10/2)
ثانيًا: جهاد الشيطان وله مرتبتان:
1ـ جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
2ـ جهاده على دفع ما يلقي إليه من الشهوات والإرادات الفاسدة، فالجهاد الأول بعد اليقين والثاني بعد الصبر، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. والشيطان أخبث الأعداء، قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
ثالثًا: جهاد الكفار والمنافقين:
وله أربع مراتب:
1ـ بالقلب.
2ـ واللسان.
3ـ والمال.
4ـ واليد.
وجهاد الكفار أخصّ باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان.
رابعًا: جهاد أصحاب الظلم والعدوان، والبدع والمنكرات:
وله ثلاث مراتب:
1ـ باليد إذا قدر المجاهد على ذلك.
2ـ فإن عجز انتقل إلى اللسان.
3ـ فإن عجز جاهد بالقلب، فعن أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"([7]).
فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد؛ ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله محمد خاتم أنبيائه ورسله؛ فإنه كمّل مرات بالجهاد وجاهد في الله حق جهاده([8])، فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار.(10/3)
ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعًا على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد الله – رضي الله عنه -: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"([9]). كان جهاد النفس مقدَّمًا على جهاد العدو في الخارج وأصلاً له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرها الله به وتترك ما نهاها الله عنه ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار عليه وعدوه الذي بين جنبيه غالب له وقاهر له؟ ولا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج. فهذان عدوان([10]) وبينهما عدو ثالث لا يمكن للعبد أن يجاهدهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط الإنسان عن جهادهما ويخوِّفه ويخذله، ولا يزال يخوفه ما في جهادهما من المشاق، وفوات اللذات، والشهوات، فلا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاد هذا العدو الثالث وهو الأصل لجهادهما وهو الشيطان([11]).
المبحث الرابع: الحكمة من مشروعية الجهاد:
بيّن الله عز وجل الهدف والغاية من الجهاد في سبيل الله تعالى، قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39]. وقال – عز وجل -: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]. فعلى هذا يكون الهدف والحكمة من الجهاد الأمور التالية:(10/4)
أولاً: إعلاء كلمة الله تعالى؛ لحديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"([12]).
ثانيًا: نصر المظلومين، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].
ثالثًا: ردّ العدوان وحفظ الإسلام، قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]. وقال سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].
المبحث الخامس: أنواع جهاد الأعداء:
جهاد الأعداء أنواع منها ما يلي:
1ـ جهاد الكفار، والمنافقين، والمرتدين([13]).(10/5)
2ـ جهاد البغاة المعتدين الذين يريدون تغيير نظام الحكم أو الحكام المسلمين ولهم تأويل سائغ وفيهم منعة وقوة([14]) والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10]. وعن عرفَجَة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون هنات وهنات([15]) فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان". وفي لفظ: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"([16]).
3ـ الدفاع عن الدين، والنفس، والأهل والمال. ويدخل في هذا النوع جهاد قطاع الطرق([17]). وعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"([18]). وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – أنه قال لخالد بن العاص: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد"([19]).
وعن مخارق – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل يأتيني يريد مالي؟ قال: "ذكِّرهُ بالله" قال فإن لم يذكر؟ قال: "فاستعن عليه من حولك من المسلمين" قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: "فاستعن عليه السلطان" قال: فإن نأى السلطان عني [وعجل عليَّ] قال: "قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك"([20]).(10/6)
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار"([21]).
المبحث السادس: فضل الجهاد في سبيل الله تعالى:
جاء في فضل الجهاد نصوص كثيرة وأنواع من الثواب الجزيل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1ـ الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة:(10/7)
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]. وقد بيّن الله تعالى الصفات الجميلة والأعمال الجليلة لهؤلاء الأبطال الذين وعدهم الله بهذه البشارة، فقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ([22]) الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]. وقال تعالى في تجارة المجاهدين الرابحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10-13]. وقال سبحانه وتعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].
2ـ فضل الرباط في سبيل الله تعالى:(10/8)
الثغور التي يمكن أن تكون منافذ ينطلق منها العدو إلى دار الإسلام يجب أن تحصن تحصينًا منيعًا حتى لا تكون جانب ضعف يستغله العدو ويجعله منطلقًا له. ولهذا جعل الله للمرابطين في سبيله الثواب العظيم فعن سلمان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان([23])"([24]).
3ـ فضل الحراسة في سبيل الله تعالى:
عن أبي ريحانة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله"([25]). وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"([26]).
4ـ فضل الغدوة أو الروحة في سبيل الله:
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عيها"([27]). وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خير من الدنيا وما فيها"([28]) ([29]).
5ـ فضل من اغبرَّت قدماه في سبيل الله:
عن عبد الرحمن بن جبر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار"([30]). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم"([31]).
6ـ الجنة تحت ظلال السيوف:(10/9)
عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"([32]).
7ـ الجهاد لا يعدله شيء:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: "لا أجده" قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر"؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟([33]).
8 ـ درجات المجاهدين في سبيل الله:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة"([34]).
9ـ ضيافة الشهداء عند ربهم:
عن المقدام بن مَعْدِيكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ستُّ خصال: يغفرُ له في أول دُفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنسانًا من أقاربه"([35]). وفي حديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الحور العين: "ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحًا، ولنصيفها([36]) على رأسها خير من الدنيا وما فيها"([37]).
10ـ دم الشهيد يوم القيامة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكلم([38]) أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيل إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك"([39]).
11ـ تمني الشهيد أن يقتل عشر مرات:(10/10)
عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة..". وفي لفظ: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة"([40]).
12ـ أرواح الشهداء تسرح في الجنة:
سئل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن هذه الآية: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]. قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا"([41]).
13ـ ما يجد الشهيد من ألم القتل:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهيد لا يجد من القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يُقرصُها"([42]).
14ـ فضل النفقة في سبيل الله تعالى:
قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. وعن خزيم بن فاتك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة ضعف"([43]). وعن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة"([44]).
15ـ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون:(10/11)
قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169-171].
16ـ الجهاد باب من أبواب الجنة:
عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم"([45]).
17ـ ما يُبلِّغ منازل الشهداء:
ويحصل هذا الخير العظيم لمن سأل الله الشهادة بصدق، فعن سهل بن حنيف – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"([46]). وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه"([47]).
18ـ فضل المجاهدين على القاعدين:
قال الله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا، دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95، 96].
19ـ الرحمة والمغفرة للشهداء:(10/12)
قال الله تعالى: {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ، وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 157، 158].
20ـ القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدَّين:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين"([48]).
وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم: "أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال" فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت"؟ فقال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفَّر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك"([49]).
21ـ المجاهد بنفسه وماله أفضل الناس:
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه ويدع الناس من شره"([50]).
22ـ من خرج من بيته مجاهدًا فمات فقد وقع أجره على الله:(10/13)
قال الله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 100]. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انتدب([51]) الله لمن خرج في سبيله، لا يخرج إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل". وفي لفظ: "وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة". وفي لفظ: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة"([52]). والأعمال بالنيات، وقد روي في مسند الإمام أحمد: "من خرج من بيته مجاهدًا في سبيل الله عز وجل فخرَّ عن دابته ومات فقد وقع أجره على الله تعالى، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله عز وجل"([53]).
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن مات في الرباط في سبيل الله: "وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجري عليه رزقه وأمن الفتان"([54]). وهذا يؤكد فضل الموت في سبيل الله تعالى مرابطًا، والمعنى والله أعلم: "إن مات في حال الرباط أجري عليه أجر عمله الذي كان يعمله في حال رباطه، فينمو له عمله، وأجري عليه رزقه فيرزق في الجنة كما يرزق الشهداء الذين تكون أرواحهم في حواصل الطير، تأكل من ثمر الجنة، ويُؤمَنُ من كل فتنة، وقيل: من فتاني القبر"([55]).
23ـ مثل المجاهد في سبيل الله تعالى:(10/14)
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة، ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله"([56]).
24ـ ذروة الإسلام الجهاد في سبيل الله تعالى:
عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"([57]).
25ـ سياحة أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله:
عن أبي أمامة – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل"([58]). عندما كان الإسلام لا يأمر بالذهاب في الأرض ومفارقة الوطن والأحباب قهرًا للنفس بمفارقة المألوف وهجر المباحات بين النبي عليه الصلاة والسلام "أن الإسلام دين الحياة والجهاد في سبيل الله في هذه الأرض ولن يعدم المسلم بابًا من أبوابه"([59]).
26ـ الرمي بسهم في سبيل الله يعدل إعتاق رقبة:
عن أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمي – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررٍ"([60]). ولفظ ابن ماجه: "من رمى العدو بسهم، فبلغ سهمه العدوَّ، أصاب، أو أخطأ، فيعدل رقبة"([61]).
27ـ عمل قليلاً وأجر كثيرًا:
عن البراء – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُقَنَّعٌ([62]) بالحديد فقال يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أسلم ثم قاتل" فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمل قليلاً وأجر كثيرًا"([63]).
28ـ من جهّز غازيًا فقد غزا:
عن زيد بن خالد – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جهَّز غازيًا فقد غزا([64])، ومن خلف غازيًا في أهله فقد غزا"([65]).
المبحث السابع: الترهيب من ترك الجهاد:(10/15)
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق"([66]).
وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يغز، أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة"([67]).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم([68]).
وللحث على الاستعداد للجهاد في سبيل الله تعالى ثبت من حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم: "من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى"([69]).
المبحث الثامن: الشهداء في غير المعركة:
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء في غير المعركة في عدة أحوال، وخصال، وأدلة هذه الخصال ثابتة في السنة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِقُ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"([70]). وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطاعون شهادة لكل مسلم"([71]).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهيد فيكم"؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: "إن شهداء أمتي إذًا لقليل" قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد" وفي رواية: "والغريق شهيد"([72]).(10/16)
وعن جابر بن عتيك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغَرِقُ شهيد، وصاحب ذات الجَنبِ شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمعٍ شهيد"([73]).
وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في القتل شهادة، وفي الطاعون شهادة، وفي البطن شهادة، وفي الغرق شهادة، وفي النفساء يقتلها ولدها جمعاء شهادة"([74]).
وعن راشد بن حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعلمون من الشهيد من أمتي"؟ فقال عبادة – رضي الله عنه -: يا سول الله الصابر المحتسب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شهداء أمتي إذًا لقليل: القتل في سبيل الله – عز وجل – شهادة، والطاعون شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسره إلى الجنة، والحرق، والسِّلُّ"([75]).
وعن سعيد بن زيد – رضي الله عنه – يرفع للنبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"([76]). وعن سويد بن مقرن يرفعه: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد"([77]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: "والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك، فذكرها في وقت آخر، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك، وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة"([78]). قلت: وهي التي اشتملت عليها هذه الأحاديث التي ذكرتها هنا وهي على النحو الآتي:
1ـ من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد.
2ـ من مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد، يعني لم يباشر الحرب ولو لم يشاهده وبأي صفة مات.(10/17)
3ـ المطعون شهيد، وهو الذي يموت بالطاعون، وهو الوباء.
4ـ المبطون شهيد، وهو الذي يموت من علة البطن، كالاستسقاء وهو انتفاخ الخوف، والإسهال، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا.
5ـ الغَرِقُ شهيد، وهو الذي يموت غريقًا في الماء، يروى بغير ياء كحذِر، ويروى بالياء، وهو للمبالغة: كعليم.
6ـ وصاحب الهدم شهيد، وهو الذي يموت تحت الهدم.
7ـ والحريق شهيد، وهو الذي يموت بحرق النار، ومن فرط في هذه الثلاثة ولم يتحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات فهو عاصٍ وأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه([79]).
8ـ صاحب ذات الجنب شهيد، وهي قرحة تكون في الجنب وورم شديد باطنًا.
9ـ المرأة تموت بجُمع شهيدة، ويقال بضم الجيم وكسرها وهي المرأة تموت حاملاً، وقد جمعت ولدها في بطنها، وقيل: هي البكر، وصحح القرطبي والنووي الأول([80]).
10ـ من قتل دون ماله فهو شهيد.
11ـ من قتل دون أهله فهو شهيد.
12ـ من قتل دون دينه فهو شهيد.
13ـ من قتل دون دمه فهو شهيد.
14ـ من قتل دون مظلمته فهو شهيد.
15ـ السِّلُّ شهادة، بكسر السين وضمّها، وتشديد اللام، وهو داءٌ يحدث في الرئة يؤول إلى ذات الجنب، وقيل: زكام أو سعال طويل مع حمى هادية، وقيل: غير ذلك([81]).
المبحث التاسع: أسباب النصر على الأعداء:
من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم، بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1ـ الإيمان والعمل الصالح:(10/18)
وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم، وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوهم وإن طال الزمن، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 51، 52]. وقال سبحانه: {حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. والمؤمنون الموعودون بالنصر هم الموصوفون بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2-4]. وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وقال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
2ـ نصر دين الله تعالى:(10/19)
ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى والقيام به قولاً، واعتقادًا، وعملاً، ودعوة. قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 40، 41]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 7، 8]. وقال – عز وجل -: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
3ـ التوكل على الله والأخذ بالأسباب:
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة: 11]. وقال سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]. وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. وقال – عز وجل -: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: 3]. وقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58]. وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا"([82]). ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى.(10/20)
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. وعن أنس – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا رسول الله أعقلها وأتول أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل"([83]).
4ـ المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه مع كمال عقله وسداد رأيه امتثالاً لأمر الله تعالى وتطييبًا لنفوس أصحابه، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. وقال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
5ـ الثبات عند لقاء العدو:
من عوامل النصر الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه التي خاضها، كما فعل في بدر، وأحد وحنين، وكان يقول في حنين حينما ثبت وتراجع بعض المسلمين: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. اللهم نزل نصرك"([84])، وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأسوتنا الحسنة قال الله – عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وثبت أصحابه من بعده – رضي الله عنهم -.(10/21)
وعن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"([85]).
6ـ الشجاعة والبطولة والتضحية:
من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة والتضحية بالنفس والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت ولا يؤخره، قال الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
قال الشاعر:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
ولهذا كان أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى التي قاتل فيها ومنها على سبيل المثال:
أولاً: شجاعته البطولية الفذة في معركة بدر، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا)([86]). وقال – رضي الله عنه -: (كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه)([87]).
ثانيًا: في معركة أحد قاتل قتالاً بطوليًّا لم يقاتله أحد من البشر([88]).(10/22)
ثالثًا: في معركة حنين: قال البراء: كنا إذا احمر الباس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به يعني النبي صلى الله عليه وسلم([89]). وركوبه صلى الله عليه وسلم على البغلة في معركة حنين وغيرها يدل على شجاعته العظيمة؛ ولهذا ذكر العلماء أن ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس: هو النهاية في الشجاعة والثبات؛ لأن ركوب الفحولة أو الفرس مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وكذلك نزوله إلى الأرض حين غشوه يدل على المبالغة في الثبات، والشجاعة والصبر([90])، ومما يؤكد ذلك رواية لمسلم عن سلمة – رضي الله عنه – قال فيها: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا([91]) وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله: "لقد رأى ابن الأكوع فزعًا" فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوه القوم فقال: "شاهت الوجوه"([92])، فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين"([93]). وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشر غزوة قاتل في ثمان منهن([94])، بل ذكر النووي – رحمه الله – وغيره أنه كان عدد سراياه صلى الله عليه وسلم التي بعثها ستًّا وخمسين سرية، وسبعًا وعشرين غزوة، وقاتل في تسع من غزواته([95]).
وهكذا أصحابه – رضي الله عنهم – ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فينبغي للمجاهدين أن يقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].(10/23)
وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فعن أنس – رضي الله عنه – قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" وهو على فرس لأبي طلحة عُرِيٍّ ما عليه سرج.."([96]).
7ـ الدعاء وكثرة الذكر:
من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ونصر أوليائه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. وقال – عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]. وقد أمر الله بالذكر والدعاء عند لقاء العدو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]؛ لأنه سبحانه النصير فنعم المولى ونعم النصير. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه في معاركه ويستغيث به، فينصره ويمده بجنوده، ومن ذلك أنه نظر صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه واستغاث بالله، وما زال يطلب المدد من الله وحده مادًّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه(10/24)
فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله – عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة([97]). وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو الله في جميع معاركه ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب [مجري السحاب] [هازم الأحزاب] اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم"([98]). وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي([99])، وأنت نصيري، بك أحول([100])، وبك أصول، وبك أقاتل"([101]). وعن أبي بردة بن عبد الله أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم"([102]). وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال له الناس {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}([103]). وهكذا ينبغي أن يكون المجاهدون في سبيل الله تعالى؛ لأن الدعاء يدفع الله به من البلاء ما الله به عليم.
فعن سلمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرُّ القضاء إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ"([104]).
8 ـ طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:(10/25)
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر، فيجب على كل مجاهد في سبيل الله تعالى بل على كل مسلم أن لا يعصي الله طرفة عين، فما أمر الله تعالى به وجب الائتمار به، وما نهى عنه تعالى وجب الابتعاد عنه، ولهذا قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وقال سبحانه وتعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم"([105]).
9 ـ الاجتماع وعدم النزاع:(10/26)
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله، والتكاتف، وعدم النزاع والافتراق، قال الله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وقال – عز وجل -: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
10 ـ الصبر والمصابرة:(10/27)
لابد من الصبر في الأمور كلها ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. وقال سبحانه وتعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وجاء في الخبر: "واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا"([106]). وقال تعال: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146-148].
11ـ الإخلاص لله تعالى:(10/28)
لا يكون المقاتل والغازي مجاهدًا في سبيل الله إلا بالإخلاص، قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47] الآية. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر([107]). والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"([108]). وقد ثبت عنه – عليه الصلاة والسلام – أن أول من يُقضى عليه يوم القيامة ثلاثة وذكر منهم من قاتل ليقال: هو جريء – أي شجاع –([109]).
12 ـ الرغبة فيما عند الله تعالى:
مما يعين على النصر على الأعداء هو الطمع في فضل الله وسعادة الدنيا والآخرة؛ ولهذا نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، ومما يدل على الرغبة فيما عند الله تعالى ما يأتي:
أولاً: ما فعل عمير بن الحمام في بدر حينما قال عليه الصلاة والسلام: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" فقال يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: "نعم" قال: بخٍ بخٍ([110])، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بخ بخ"؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات من قرنه([111]) فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل([112]).(10/29)
ثانيًا: ما فعل أنس بن النضر – عمّ أنس بن مالك – يوم أحد. تأخر – رضي الله عنه – عن معركة بدر، فشق عليه ذلك وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه وإن أراني الله مشهدًا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرانيَ اللهُ تعالى ما أصنع([113])، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فاستقبل سعد بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو واهًا لريح الجنة([114])، أجده دون أحد، فاقتلهم حتى قتل، فَوُجِدَ في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، فما عرفته أخته – الربيع بنت النضر – إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23]. فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه([115]).
والمسلم المجاهد في سبيل الله تعالى إذا رغب فيما عند الله تعالى، فإنه لا يبالي بما أصابه رغبة في الفوز العظيم.
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا
على أي جنب كان في الله مصرعي
13ـ إسناد القيادة لأهل الإيمان:
من أسباب النصر تولية قيادة الجيوش، والسرايا، والأفواج، والجبهات لمن عُرفوا بالإيمان الكامل والعمل الصالح، ثم الأمثل فالأمثل؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. والله – عز وجل – يحب أهل التقوى، ومحبته سبحانه للعبد من أعظم الأسباب في توفيق عبده وتسديده ونصره على أعدائه، قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76].
14ـ التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب:(10/30)
إن العباد لهم منجيات ودعائم تنجيهم من المهالك والهزائم إذا حلت بهم، وهذه الأمور هي من أعظم العلاج لمن أصيب بالمهلكات أو الحروب والأوبئة، وهي كذلك وقاية من حلول المصائب قبل نزولها، وتتلخص في اتباع الدعائم المنجيات الآتية:
أولاً: التوبة والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها ولا تقبل التوبة إلا بشروط على النحو الآتي:
1ـ الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها.
العزيمة على عدم العودة إليها.
الندم على فعلها. فإن كانت المعصية في حق آدمي فلها شرط رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق، ولا تنفع التوبة عند الغرغرة أو بعد طلوع الشمس من مغربها. ولا شك أن التوبة النصوح والاستغفار من أعظم وسائل النصر، قال اله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 11]، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
ثانيًا: تقوى الله تعالى، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك. وهي كما قال طلق بن حبيب – رحمه الله – "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله"([116]).(10/31)
ثالثًا: أداء جميع الفرائض وإتباعها بالنوافل؛ لأن محبة الله لعبده تحصل بذلك، فإذا أحبه نصره، ووفقه، وسدده وأعانه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"([117]).
رابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لحديث حذيفة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم"([118]). وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].
خامسًا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات، والأقوال والأفعال.
سادسًا: الدعاء والضراعة إلى تعالى([119]).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
---
([1]) انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/319 باب الجيم مع الهاء، والمصباح المنير، مادة "جهد" 1/112.
([2]) انظر: المغني لابن قدامة 13/6.
([3]) انظر: المغني لابن قدامة 13/8.(10/32)
([4]) متفق عليه: البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} برقم 2766، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 89، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([5]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم 2783، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، برقم 1353.
([6]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، برقم 2504، والنسائي، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، برقم 3098، وأحمد واللفظ له، 3/153، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/475.
([7]) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، برقم 49.
([8]) انظر زاد المعاد لابن القيم 3/10 و12.
([9]) أحمد في المسند، 6/21، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/11، قال الألباني في إسناد الإمام أحمد: "وهذا إسناد صحيح" انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/81، برقم 549.
([10]) النفس، والعدو في خارجها.
([11]) انظر زاد المعاد 3/6.
([12]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، برقم 2810، ومسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله برقم 1904.
([13]) انظر التفصيل في ذلك زاد المعاد 3/100 و6-11 والمغني لابن قدامة 12/264.
([14]) انظر المغني 12/237.
([15]) الهنات: الفتن والأمور الحادثة.
([16]) مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، برقم 1852.
([17]) انظر: المغني لابن قدامة 12/474، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 34/241.(10/33)
([18]) أبو داود، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، برقم 4772، والنسائي، كتاب المحاربة، باب من قاتل دون أهله برقم 4099، 4100، واللفظ له، وأخرجه الترمذي مختصرًا، كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 1418، وابن ماجه مختصرًا، كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 2580، وأحمد بلفظ [ترتيب] أحمد شاكر، 3/118 برقم 1651 و1653، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في الموضع السابق، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/858.
([19])مسلم،كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه برقم 141.
([20]) النسائي، كتاب المحاربة، باب ما يفعل من تعرض لماله، برقم 4086، وأحمد في المسند، وما بين المعكوفين له، 5/294، 295، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 3/856.
([21]) مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل فهو شهيد، برقم 140.
([22]) فسرت السياحة هنا بالصيام. ابن كثير 2/393 ولها معان أخرى، انظر: تفسير السعدي 3/304.
([23]) الفُتَّان: جمع فاتن، أي يُؤمَن من كل ذي فتنة، ورواه الطبراني بفتح الفاء، يعني به: فتَّان القبر، ورواه أبو داد مفسرًا بالإضافة إلى القبر "وأمن من فتاني القبر" شرح النووي على صحيح مسلم، 13/65، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/756.
([24]) مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل، برقم 1913.
([25]) أحمد 4/134، بلفظه، والنسائي، كتاب الجهاد، باب ثواب عين سهرت في سبيل الله، برقم 3119، ولفظه: "حرمت على النار عين سهرت في سبيل الله"، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/653.
([26]) الترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله، برقم 1639، وحسنه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/127.(10/34)
([27]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم 2794، ولفظه من الطرف رقم 2892، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله برقم 1881.
([28]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم 2792، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله برقم 1880.
([29]) الغدوة: مأوذ من الغدُوِّ: وهو سير أول النهار، والروحة، رواح العشي، وهو من زوال الشمس إلى الليل، النهاية في غريب الحديث، باب الغين مع الدال 3/346، وباب الراء مع الواو 2/273، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص346.
([30]) البخاري، كتاب الجهاد، باب من اغبرت قدماه في سبيل الله، برقم 2811.
([31]) الترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله، برقم 1633، وقال: "حسن صحيح" وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/126.
([32]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الجنة تحت بارقة السيوف، برقم 2818، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء، برقم 1742.
([33]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم 2785، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، برقم 1878.
([34]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، برقم 2790.
([35]) ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله برقم 2799، والترمذي، كتاب الجهاد، باب ثواب الشهيد، برقم 1663، وقال: "حسن صحيح" وأخرجه أحمد 4/131، 4/200، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/129، وفي مشكل المصابيح، برقم 2834.
([36]) نصيفها: يعني الخمار كما في رواية البخاري برقم 6568.(10/35)
([37]) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الجهاد، باب الغدوة والروحة في سبيل الله برقم 2792، ولفظه من الطرف رقم 2796، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله برقم 1880.
([38]) يكلم: يجرح، قال العلماء: الحكمة في بعثه كذلك: أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى. فتح الباري، لابن حجر 6/20.
([39]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب من يجرح ي سبيل الله عز وجل، برقم 2803، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم 1876.
([40]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الحور العين وصفتهن، برقم 2795، والطرف رقم 2817، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله برقم 1877.
([41]) مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم 1887.
([42]) النسائي، كتاب الجهاد، باب ما يجد الشهيد من ألم القتل، برقم 3163، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله، برقم 2802، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/665، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 2/130: "حسن صحيح".
([43]) سنن الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله، برقم 1625، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/124.
([44]) مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الصدقة في سبيل الله تضعيفها، برقم 1892] [مخطومة: أي فيها خطام وهو قريب من الزمام.
([45]) أحمد 5/314، 316، 319، 326، 330، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/75، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/272، وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وأحد أسانيد أحمد وغيره ثقات. وحسن إسناده شعيب وعبد القادر الأرنؤوط في حاشيتهما على زاد المعاد لابن القيم، 3/77.
([46]) مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى برقم 1908.(10/36)
([47]) مسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى، برقم 1908.
([48]) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدَّين، برقم 1886.
([49]) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، برقم 1885.
([50]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم 2786، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط، برقم 1888.
([51]) انتدب: أسرع بثوابه وحسن جزائه، وقيل: معناه أجاب إلى المراد، وقيل: معناه تكفل بالمطلوب. فتح الباري لابن حجر 1/93.
([52]) متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، برقم 36، وما بين المعكوفين من الطرف رقم 2787، ورقم 3123، ورقم 7457، ورقم 7463، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم 1876.
([53]) أحمد في المسند 4/36.
([54]) مسلم برقم 1913، وتقدم تخريجه في فضل الرباط في سبيل الله تعالى.
([55]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/756.
([56]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم 2785، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله، برقم 1878.
([57]) الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الحياء من الإيمان برقم 2616، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم 3973، وأحمد 5/230، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/359، وإرواء الغليل، برقم 413، 2/138.
([58]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في النهي عن السياحة، برقم 2486، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/472.
([59]) انظر: دليل الراغبين إلى رياض الصالحين ص652.
([60]) المحرَّرُ: الرقبة المعتقة، والعدل: المثل.(10/37)
([61]) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، برقم 1638، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وأبو نجيح: هو عمرو بن عبسة السلمي"، وأخرجه ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الرمي في سبيل الله برقم 2812، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/126.
([62]) مقنع بالحديد: مغطى بالسلاح، وقيل: هو الذي على رأسه خوذة، انظر: النهاية لابن الأثير، باب القاف مع النون 4/114، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص130.
([63]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب عمل صالح قبل القتال، برقم 2808، ومسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد برقم 1900.
([64]) من جهز غازيًا: تجهيز الغازي: تحميله، وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه، ومعنى خلف غازيًا في أهله: أي قام مقامه في مراعاة أحوال أهله. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الجيم مع الهاء 1/321، وباب الخاء مع اللام 2/66.
([65]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب فضل من جهّز غازيًا، برقم 2843، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، مركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير برقم 1895.
([66]) مسلم، كتاب الإمارة، باب من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، برقم 1910.
([67]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، برقم 2503، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/75.
([68]) أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة برقم 3462، ومسند الإمام أحمد 2/84، وصححه الألباني لمجمع طرقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 11.
([69]) مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ونسيه برقم 1919.
([70]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الشهادة سبع سوى القتل، برقم 2829، ومسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء برقم 1914.
([71]) مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء برقم 1916.(10/38)
([72]) مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء، برقم 1915.
([73]) مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت 1/334، واللفظ له، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب فضل من مات في الطاعون برقم 3111، والنسائي، كتاب الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت برقم 1847، وقال النسائي في المرأة "شهيدة" بالتاء المربوطة، وصححه النووي في شرح صحيح مسلم 13/66، والألباني في أحكام الجنائز ص40.
([74]) أحمد 5/314، 315، 317، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/300: "رواه الطبراني وأحمد بنحوه، ورجالهما ثقات".
([75]) أحمد 3/489، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/299: "رواه أحمد ورجاله ثقات" وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز ص39.
([76]) أبو داود برقم 4772، والنسائي برقم 4099، والترمذي برقم 1418، وابن ماجه برقم 2580، وأحمد برقم 1652، وتقدم تخريجه.
([77]) النسائي، كتاب المحاربة، باب من قتل دون مظلمته برقم 4101، وصححه الألباني في صحيح النسائي 3/858.
([78]) فتح الباري 6/43، وذكر: من وقصه فرسه في سبيل الله، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى، فهو شهيد، وصحح الدارقطني "موت الغريب شهادة" ولابن حبان "من مات مرابطًا مات شهيدًا".
([79]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/757.
([80]) كل هذه الشروح للكلمات من المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 3/756-758، وشرح النووي على صحيح مسلم 13/66-67، وانظر: فتح الباري، لابن حجر 6/43.
([81]) الترغيب والترهيب للمنذري 2/309.
([82]) الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل على الله برقم 2344، وابن ماجه كتاب الزهد، باب التوكل واليقين برقم 4164، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/274.
([83]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حديث اعقلها وتوكل برقم 2517، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/309.(10/39)
([84]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب برقم 2864، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، 1776 عن البراء بن عازب – رضي الله عنه -.
([85]) متفق عليه: البخاري برقم 2818، ومسلم برقم 1742، وتقدم تخريجه.
([86]) أحمد في المسند 1/86، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/143.
([87]) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/143، وعزاه ابن كثير في البداية والنهاية 3/279 إلى النسائي.
([88]) انظر: زاد المعاد 3/199.
([89]) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين برقم 1776.
([90]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/358، وفتح الباري لابن حج 8/32.
([91]) قال العلماء: قوله: "منهزمًا" حال من ابن الأكوع وليس النبي صلى الله عليه وسلم، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/364.
([92]) شاهت الوجوه: أي قبحت والله أعلم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/365.
([93]) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين برقم 1777.
([94]) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم برقم 1814.
([95]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/436، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/241، و5/216-217، وزاد المعاد لابن القيم 3/5.
([96]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل برقم 6033، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب برقم 2307.
([97]) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} برقم 3953، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة برقم 1763.
([98]) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، برقم 1742 من حديث عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنهما -.
([99]) أنت عضدي: يعني عوني. سنن الترمذي برقم 3584.(10/40)
([100]) أحول: أي أتحرك، قيل: احتال، وقيل: أدفع وأمنع، من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر. النهاية في غريب الحديث، باب الحاء مع الواو، 1/462، وانظر: عون المعبود 7/296.
([101]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يدعى عند اللقاء برقم 2632، واللفظ له، والترمذي بنحوه، كتاب الدعوات، باب في الدعاء إذا غزا، برقم 3584، وحسنه وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/499، وفي صحيح الترمذي 3/183.
([102]) أبو داود، كتاب الوتر، باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا، برقم 1537، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 2/142، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 10/286.
([103]) البخاري، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} برقم 4563، 4564.
([104]) الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء: لا يرد القدر إلا الدعاء، برقم 2139، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/225، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 154.
([105]) أحمد بلفظه 2/92، والبخاري معلّقًا، كتاب الجهاد، باب ما قيل في الرماح، في ترجمة الباب قبل الحديث رقم 2914. وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى – أثناء تقريره على البخاري الحديث رقم 2914 يقول: "إسناده حسن".
([106]) مسند أحمد، 1/307، وقد تكلم على الحديث الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، 2/459 فينظر.
([107]) يقاتل للذكر: أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة.
([108]) متفق عليه: البخاري برقم 2810، ومسلم برقم 1904، وتقدم تخريجه.
([109]) مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، برقم 1905.
([110]) كلمة تقال لتعظيم الأمر وتفخيمه في الخبر.
([111]) أي جعبة النشاب.
([112]) مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد برقم 1901.
([113]) أي ليرى الله ما أصنع.
([114]) كلمة تحنن وتلهف.(10/41)
([115]) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة أحد برقم 4048، ومسلم واللفظ له، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد برقم 1903.
([116]) جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/400.
([117]) البخاري، كتاب الرقاق باب التواضع برقم 6502.
([118]) الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم 2169، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/223، وصحيح الجامع 6/99.
([119]) وتقدم في السبب السابع من أسباب النصر.(10/42)
فهرس الموضوعات
الموضوع
المقدمة ........................................................................
المبحث الأول: تعريف الجهاد لغة وشرعًا ......................................
فرض كفاية إذا قام به من يكفي ..............................................
ويكون فرض عين في ثلاث حالات .........................................
المبحث الثالث: مراتب الجهاد ...................................................
1- جهاد النفس وله أربع مراتب ...........................................
2- جهاد الشيطان وله مرتبتان .............................................
3- جهاد الكفار، والمنافقين، والمرتدين وله أربع مراتب ....................
4- جهاد أصحاب الظلم والعدوان وله ثلاث مراتب .........................
المبحث الرابع: الهدف والغرض من الجهاد .....................................
1- إعلاء كلمة الله .........................................................
2- نصر المظلومين .......................................................
3- رد العدوان وحفظ الإسلام ..............................................
المبحث الخامس: أنواع جهاد الأعداء ..........................................
1- جهاد الكفار ............................................................
2- جهاد البغاة المعتدين ....................................................
3- الدفاع عن الدين، والأهل، والنفس، والمال ..............................
المبحث السادس: فضل الجهاد في سبيل الله ....................................
1- الجهاد في سبيل الله تعالى تجارة رابحة .................................
2- الرباط في سبيل الله تعالى ..............................................(11/1)
3- الحراسة في سبيل الله ..................................................
4- الغدوة والروحة في سبيل الله ...........................................
5- فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله ....................................
6- الجنة تحت ظلال السيوف ..............................................
7- الجهاد لا يعدله شيء ...................................................
8- درجات المجاهدين في سبيل الله تعالى ..................................
9- ضيافة الشهداء عند ربهم ...............................................
10- دم الشهيد يوم القيامة .................................................
11- تمني الشهيد القتل عشر مرات ........................................
12- أرواح الشهداء تسرح في الجنة .......................................
13- ما يجد الشهيد من ألم القتل ...........................................
14- النفقة في سبيل الله تعالى .............................................
15- الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ......................................
16- الجهاد باب من أبواب الجنة ..........................................
17- ما يبلِّغ منازل الشهداء ................................................
18- فضل المجاهدين على القاعدين .......................................
19- الرحمة والمغفرة للشهداء .............................................
20- القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين ...........................
21- المجاهد بنفسه وماله أفضل الناس .....................................
22- من خرج من بيته مجاهدًا فمات فقد وقع أجره على الله ................
23- مثل المجاهد في سبيل الله تعالى ......................................(11/2)
24- ذروة الإسلام الجهاد في سبيل الله تعالى ...............................
25- سياحة أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله .............
26- الرمي بسهم في سبيل الله يعدل إعتاق رقبة ...........................
27- عمل قليلاً وأُجر كثيرًا ................................................
28- من جهز غازيًا فقد غزا ...............................................
المبحث السابع: الترهيب من ترك الجهاد .......................................
المبحث الثامن: الشهداء في غير المعركة ......................................
المبحث التاسع: أسباب النصر على الأعداء .....................................
1- الإيمان والعمل الصالح .................................................
2- نصر دين الله تعالى ....................................................
3- التوكل على الله والأخذ بالأسباب .......................................
4- المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية ......................
5- الثبات عند لقاء العدو ...................................................
6- الشجاعة والبطولة والتضحية ...........................................
7- الدعاء وكثرة الذكر .....................................................
8- طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .................................
9- الاجتماع وعدم النزاع ..................................................
10- الصبر والمصابرة ....................................................
11- الإخلاص لله تعالى ...................................................
12- الرغبة فيما عند الله تعالى ............................................
13- إسناد القيادة لأهل الإيمان .............................................(11/3)
14- التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب ........
أولاً: التوبة والاستغفار ......................................................
ثانيًا: تقوى الله تعالى ........................................................
ثالثًا: أداء جميع الفرائض وإتباعها بالنوافل ..................................
رابعًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...................................
خامسًا: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاعتقادات والأقوال والأفعال..
سادسًا: الدعاء والضراعة إلى الله ............................................
فهرس الموضوعات ............................................................
انتهى الكتاب ولله الحمد.(11/4)
بيان عقيدة
أهل السنة والجماعة ولزوم اتِّباعها
إشراف سماحة الشيخ العلاّمة
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
إعداد الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
المقدمة
إن الحمد لله، نحمدُه، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
__________
(1) محاضرة اختار عنوانها وأمر بإعدادها وأشرف على إلقائها، وسمعها من أولها إلى آخرها، وأقرّها وعلّق عليها سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله، وذلك بعد صلاة المغرب من يوم الخميس الموافق 10/5/1418هـ، في الجامع الكبير "جامع الإمام تركي بن عبد الله" رحمه الله بمدينة الرياض.(12/1)
أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار(1).
لا شك أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة فإن كانت العقيدةُ فاسدةً غير صحيحة بطل ما يتفرع منها من أعمال، وهذا يؤكد أن تعلم العقيدة الصحيحة من أهم المهمات وأعظم الواجبات؛ لأن قبول الأعمال موقوف عليها، والسعادة في الدنيا والآخرة لا تكون إلا بالتمسكِ بها والسلامةِ مما ينافيها، والعقيدةُ الصحيحةُ هي عقيدةُ الفرقةِ الناجيةِ المنصورة: أهل السنةِ والجماعة، وهي مبنية على الإيمان الصادق بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره وما يتبع هذه الأصول ويدخل فيها، وما يتفرع منها، وجميع ما أخبر الله به، وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) انظر: خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، ص3-35.(12/2)
والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآية [البقرة: 177]، وقال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 136]، وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]، وقال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وفي حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(1)، هذه هي أصولُ عقيدةِ السنةِ والجماعةِ إجمالاً. ولكن ما هو مفهومُ العقيدة؟ ومن هم أهلُ السنةِ والجماعة؟ وما أسماؤُهم وصفاتهم؟ وما أصولُ عقيدَتِهم تفصيلاً؟ وما الذي يدخل ي هذه الأصول؟ وما الذي يتفرع منها من أمور العقيدة؟ وإلى الإجابة على ذلك بالتفصيل والاختصار:
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان، 1/37، برقم 8.(12/3)
أولاً: مفهومُ عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة:
(أ) مفهوم العقيدة لغة:
كلمة "عقيدة" مأخوذة من العقد والربط والشّدِّ بقوة، ومنه الإحكام والإبرامُ، والتماسك والمراصة، يقال: عقد الحبل يعقده: شدّه، ويقال: عقد العهدَ والبيعَ: شدّه، وعقد الإزارَ: شده بإحكام، والعقدُ: أهلِ ضد الحل(1).
(ب) مفهوم العقيدة اصطلاحًا:
العقيدة تطلق على الإيمان الجازم والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شكٌّ، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد عليه قلبَه وضميرَه، ويتخذه مذهبًا ودينًا يدين به؛ فإذا كان هذا الإيمان الجازم والحكم القاطع صحيحًا كانت العقيدة صحيحة، كاعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن كان باطلاً كانت العقيدةُ باطلة كاعتقاد فرق الضلال(2).
(ج) مفهوم أهل السنة:
السنة في اللغة: الطريقة والسيرة، حسنة كانت أم قبيحة(3)، وهي في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: الهدي الذي كان عليه رسول الله صل وأصحابُه، علمًا واعتقادًا، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويّحمد أهلُها، ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي من أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة(4).
(د) مفهوم الجماعة:
__________
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور، بال الدال، فصل العين، 3/296، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، باب الدال، فصل العين، ص383، ومعجم المقاييس في اللغة لابن فارس، كتاب العين، ص679.
(2) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للشيخ الدكتور ناصر العقل، ص9-10.
(3) لسان العرب، لابن منظور، باب النون فصل السين، 13/225.
(4) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة، ص13.(12/4)
الجماعة في اللغة مأخوذة من مادة جمع وهي تدور حول الجمع والإجماع والاجتماع وهو ضد التفرق، قال ابن فارس رحمه الله: "الجيم والميم والعين أصل واحد يدل على تضام الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعًا"(1)، والجماعة في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على الحق الصريح(2) من الكتاب والسنة(3).
(هـ) أسماءُ أهلِ السُّنَّة وصِّفاتُهُم:
1ـ أهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وهم المتمسكون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة، والتابعون، وأئمة الهدى المُتَّبِعون لَهُم، وهم الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة(4)، وسمُّوا بذلك لانتسابهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجتماعهم على الأخذ بها: ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد(5).
__________
(1) معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، كتاب الجيم، باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوله جيم، ص224.
(2) وتطلق الجماعة على من وافق الحق، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك" قال نعيم بن حماد: "يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ" ذكره الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/70، وعزاه إلى البيهقي.
(3) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، ص68، وشرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، تأليف العلامة محمد خليل هراس، ص61.
(4) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، ص13-14.
(5) انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص10، وشرح العقيدة الواسطية، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص10.(12/5)
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار"، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: "الجماعة"(1)، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: "ما أنا عليه وأصحابي"(2).
2ـ الفرقة الناجية: أي الناجية من النار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثناها عندما ذكر الفرق، وقال: "كلها في النار إلا واحدة"، أي ليست في النار(3).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه بلفظه، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، 2/321، برقم 3992، وأبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، 4/197، برقم 4596، وابن أبي عاصم، في كتاب السنة، 1/32، برقم 63، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/364.
(2) سنن الترمذي 5/26، برقم 2641.
(3) انظر: من أصول أهل السنة والجماعة، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص11.(12/6)
3ـ الطائفة المنصورة: فعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهُم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"(1)، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه نحوه(2)، وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"(3)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه نحوه(4).
4ـ المعتصمون المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؛ ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا عليه وأصحابي"(5)، أي هم من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي.
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، 4/225، برقم 3641، ومسلم بلفظه، في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 3/1524ن برقم 1037.
(2) متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، بابٌ: حدثنا محمد بن المثنى، 4/225، برقم 3640، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 2/1523، برقم 1921.
(3) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 2/1523، برقم 1920.
(4) صحيح مسلم، في الكتاب والباب السابقين، 2/1523، برقم 1923.
(5) سنن الترمذي 5/26، برقم 2641.(12/7)
5ـ القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون، قال أيوب السَختيَانِي رحمه الله: "عن من سعادةِ الحَدَث(1)، والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة"(2)، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إن لله عبادًا يُحيى بِهمُ العباد والبِلادَ وهم أصحاب السنة ومن كان يعقل ما يَدخُلُ جَوفَه من حله كان من حزب الله"(3).
6ـ أهل السنة خيار الناس ينهون عن البدع وأهلِها، قيل لأبي بكر بن عياش: من السني؟ قال: "الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصب لشيء منها"(4)، وذكر ابن تيمية رحمه الله: أن أهل السنة هم خيار الأمة ووسطها الذين على الصراط المستقيم: طريق الحق والاعتدال(5).
__________
(1) الحَدَث: الشاب. النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الحاء مع الدال، مادة: "حدث"، 1/351.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي 1/66، برقم 30.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي 1/72، برقم 51، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 8/104.
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/72، برقم 53.
(5) انظر: فتاوى ابن تيمية 3/368-369.(12/8)
7ـ أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء"(1)، وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قيل: ومن الغرباء؟ قال: النُّزَّاع(2) من القبائل"(3)، وفي رواية عند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقيل: ومن الغرباء يا رسول الله، قال: "أناس صالحون في أناسِ سوءٍ كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهُم"(4)، وفي رواية من طريق آخر: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"(5)، فأهل السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع والأهواء والفرق.
__________
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا 1/130، برقم 145.
(2) هو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته: أي بَعُدَ وغاب، والمعنى طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى. النهاية لابن الأثير 5/41.
(3) المسند 1/397.
(4) المسند 2/177 و222.
(5) مسند الإمام أحمد 4/173.(12/9)
8ـ أهل السنة هم الذين يحملون العلم ويَحزنُ الناسُ لِفِراقِهم، أهل السنة هم الذين يحملون العلم وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ ولهذا قال ابن سيرين رحمه الله: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فيُنظَرُ إلى أهل السنّةِ فيؤخذ حديثُهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"(1)، وأهل السنة هم الذين يحزن الناس لفراقهم؛ ولهذا قال أيوب السَختياني رحمه الله: "إني أُخبَرُ بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي"(2)، وقال: "إن الذين يتمنون موتَ أهلِ السُّنّةِ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون"(3).
ثانيًا: أصولُ أهلِ السنةِ والجماعة:
إن أهل السنة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة، في الاعتقادِ والعمل والسلوكِ، وهذه الأصول مُستمدةٌ من كتاب الله عز وجل، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلفُ هذه الأمةِ: من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من القرون الثلاثة المفضلة ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذه الأصول على النحو الآتي:
الأصل الأول: الإيمان بالله عز وجل:
الإيمانُ بالله تعالى: هو الاعتقاد الجازم الذي لا يتطرقُ إليه شك بأن الله عز وجل ربُّ كلِّ شيء ومليكه، وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه وأن يُفردَ بالعبادة مع كمال المحبة والذُّلِّ والخضوع، وأنه المتصف بصفات الكمال فله الأسماءُ الحسنى والصفاتُ العليا، وهو سبحانه منزَّهٌ عن كل عيب ونقص.
__________
(1) مسلم، في المقدمة، باب الإسناد من الدين 1/15.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/66، برقم 29، وأبي نعيم في الحلية 3/9.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 1/68، برقم 35.(12/10)
فظهر من ذلك أن الإيمان بالله عز وجل يتضمنُ أربعة أمور:(1)
الأول: الإيمان بوجود الله عز وجل، وقد دلّ على ذلك الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
1ـ أما دلالة الفطرة على وجوده، فإن كلَّ مخلوقٍ قد فُطِر على الإيمان بخالقه من غير تفكير أو تعليم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه، أو يمجسانه"(2).
__________
(1) انظر: شرح العقيدة الواسطة لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرحه العلامة محمد بن صالح العقيمين 1/55-59، ويرى سماحة العلامة عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز حفظه الله: أن الإيمان بوجود الله عز وجل يدخل في الإيمان بالربوبية، ذكر ذلك في تعليقه على هذه المحاضرة.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟ 2/119، برقم 1358، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم أطفال الكفار وأطفال المسلمين، 4/2047، برقم 2658.(12/11)
2ـ أما دلالة العقل على وجود الله عز وجل؛ فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها على هذا النظام البديع؛ ولهذا ذكر الله هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي فقال عز وجل: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ، أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35-37]، ولما سمع جُبير بنُ مُطعِم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآيات وكان مشركًا قال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أولُ ما وقر الإيمان في قلبي"(1).
3ـ أما دلالة الشرع على وجود الله عز وجل؛ فلأن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب السماوية تنطق بذلك.
4ـ أما دلالة الحس على وجود الله عز وجل فمن وجهين:
( أ) إننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين وغوث المكروبين ما يدل دلالة قاطعة على وجود الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء: 76]، وغير ذلك.
__________
(1) متفق عليه من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الطور، بابٌ: حدثنا عبد الله بن يوسف 6/68، برقم 4854، وكتاب المغازي، بابٌ: حدثني خليفة 5/25، برقم 4023، ومسلم بنحوه في كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، 1/338، برقم 463.(12/12)
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أعرابيًّا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيالُ فادعُ الله يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" قال أنس رضي الله عنه: فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثالَ الجبالِ، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيتُ المطرَ يتحادرُ على لحيته، فمطرنا فوالله ما رأينا الشمس سبتًا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسولَ الله، هلكت الأموال وانقطعت السُّبُلُ فادع الله يمسكها عنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا"، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت(1).
(ب) إن آيات الأنباء التي تُسمَّى المعجزات دليل قاطع على وجود الله عز وجل؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر يجريها الله تأييدًا لرسله ونصرًا لهم.
الثاني: الإيمان بالربوبية، وأن الله عز وجل هو الرب الخالق، المالكُ المدبر، قال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13]، ولم يُعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا أن يكون مكابرًا، قال عز وجل عن آل فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
__________
(1) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة 2/22، برقم 1014، ومسلم، في كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، 2/612، برقم 897.(12/13)
الثالث: الإيمان بالألوهية، وأن الله عز وجل هو الإله الحق المستحق للعبادة دون ما سواه؛ لكونه خالق العباد والمحسن إليهم، والقائم بأرزاقهم، والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم، وعقاب عاصيهم؛ ولهذه العبادة خلق الله الثقلين، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22]، وقد أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا التوحيد "توحيد العبادة" والدعوة إليه، قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، وكل من اتخذ إلهًا من دونه فإلهيته باطلة، قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]، وقال عز وجل: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ(12/14)
الرَّحِيمُ} [البقرة: 163].
وقد أبطل الله عز وجل اتخاذ المشركين آلهة من دونه فبيّن ضَعفَها من كلِّ وجه، فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22-23]، فالعبادة حق الله عز وجل؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"(1).
__________
(1) متفق عليه من حديث معاذ رضي الله عنه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من جاهد نفسه في طاعة الله 7/243، برقم 6500، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا 1/58، برقم 30.(12/15)
الرابع: الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا: أهل السنّةِ والجماعة يُثبتون ما أثبتَهُ اله عز وجل لنفسه، وما أثبتَه له رسولُهُ صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ويُمِرّونها كما جاءت مع الإيمان بما دلّت عليه من المعاني العظيمة، فكل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسولُه من جميع الأسماء والصفات أثبتوه على الوجه اللائق به تعالى، إثباتًا مفصلاً على حد قوله سبحانه {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم نفيًا إجماليًّا غالبًا على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والنفي يقتضي إثباتَ ما يُضادُه من الكمال، فكل ما نفى الله عن نفسه من النقائص فإن ذلك يدل على ضِدِّهِ من أنواع الكمال، وقد جمع الله النفي والإثبات في آية واحدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فهذه الآية تضمنت تنزيه الله من مُشابَهةِ خلقه، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وفي أولها ردٌّ على المشبِّهَةِ وهو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وفي آخرها ردّ على المعطلة وهو قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وفي أولها نفي مجمل، وفي آخرها إثبات مفصل. وقال الله عز وجل: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 74]، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان. نَقَلَهم عنهم أئمة أهل السنّةِ(1)، قال الويد بن مسلم رحمه الله: سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقالوا: "أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف"(2)،
__________
(1) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي 3/582، برقم 875 و930.
(2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/582.(12/16)
وقد ذكر أهل السنة كلام الأئمة على قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن ذلك يدل على علوِّ الله على خلقه كما قال سبحانه وتعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} [الأنعام: 61]، قال أبو القاسم اللالكائي رحمه الله: "فدلت هذه الآية أنه تعالى في السماء وعلمه مُحيطٌ بكلِّ مكان من أرضه وسمائه، وقال: وروى ذلك من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأمُّ سلمة رضي الله عنهم، ومن التابعين ربيعةُ بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وبه قال من الفقهاء مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل(1).
وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق"(2)، وقال رجل للإمام مالك رحمه الله: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقال: "الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة فإني أخاف أن تكون ضالاً وأَمَر به فَأُخرِج"(3).
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 3/430.
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 3/442 برقم 665.
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 3/441 برقم 664، وجود إسناده ابن حجر في فتح الباري 13/406.(12/17)
وقيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائنٌ من خلقه، وقدرتُه وعلمه في كل مكان؟ قال: "نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان"(1)، وفي رواية: "أنه سئل عن قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} فقال الكلام السابق.
وهذه النقولات تدل على أن أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات وما دلت عليه من المعاني العظيمة مع إمرارها كما جاءت بلا كيف. والمعية معيتان: معية عامة لجميع الناس، ومعية خاصة تقتضي التوفيق(2).
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور(3):
1ـ الإيمان بوجودهم.
2ـ الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالاً.
3ـ الإيمان بما علمنا به من صفاتهم، كصفة جبريل فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خُلِقَ عليها وله ستمائة جناح كل جناح قد سد الأفق.
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 3/446 برقم 674.
(2) والإلهام، والنصرة.
(3) انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين ص27.(12/18)
4ـ الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله عز وجل. كتسبيحه تعالى كما قال عز وجل: {وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19-20]، وعن أبي ذري رضي الله عنه يرفعه: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطتِ السماء وحُقَّ لها أن تئِطَّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله.."(1)، وهذا يدل على كثرتهم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع له البيت المعمور في السماء يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك بلا رجعة(2).
ومن أعمالهم: أن جبريل أمين الوحي، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكّل بقبض الأرواح وغير ذلك.
الأصل الثالث: الإيمان بالكتب:
__________
(1) الترمذي، كتاب الزهد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً"، 4/556، برقم 2312، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء 2/1402، برقم 4190، وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/268، وصحيح سنن ابن ماجه 2/407.
(2) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: البخاري، في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة 4/93 برقم 3207، ولفظه: "فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم"، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات 1/150 برقم 164، ولفظه: "فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كُلَّ يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخرُ ما عليهم".(12/19)
يجب الإيمان بالكتب إجمالاً وأن الله عز وجل أنزلها على أنبيائه ورسله لبيان حقيقة التوحيد والدعوة إليه، قال عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها: كالتوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن العظيم، والقرآن أفضلُها وخاتمُها والمُهَيمِنُ عليها، والمصدّقُ لها، وهو الذي يجب على جميع العباد اتباعه وتحكيمه، مع ما صحت به السنة(1).
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل:
الإيمان بالرسل، فيُصدّق المُسلم تَصدِيقًا جازمًا بأن الله عز وجل أرسل الرسل؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فيجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سَمَّى الله منهم على وجه التفصيل، قال الله عز وجل: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165] فيؤمن العبد أن من أجاب الرسل فاز بالسعادة ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم(2)
__________
(1) فظهر أن الإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:
الإيمان بأنها من عند الله عز وجل.
الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه.
تصديق ما صحّ من أخبارها.
العمل بأحكام ما لم ينسخ منها والرضا والتسليم به، وجميع الكتب منسوخة بالقرآن الكريم، فهو الذي يجب العمل بما فيه.
انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة العثيمين ص32.
(2) والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله عز وجل.
الإيمان بمن علمنا اسمه منه باسمه.
تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نَسَخَت شريعته جميع الشرائع السابقة.
انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد العثيمين ص36(12/20)
.
الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر يدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ومن ذلك ما يأتي:
1ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق"(1)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه وإن تَكُن غير ذلك فشرٌّ تضعونَهُ عن رقابكم"(2).
2ـ الإيمان بفتنة القبر وأن الناس يمتحنون في قبورهم بعد الموت فيقال للإنسان: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، والفاجر يقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فيقال له: لا دريت ولا تليت فيضرب بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، وفي رواية "يسمعها من يليه إلا الثقلين".
قال الله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(3).
__________
(1) البخاري، كتاب الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء 2/108، برقم 1314، وباب قول الميت على الجنازة: "قدموني"، 2/108 برقم 1316.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة 2/108 برقم 1315، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة 2/651 برقم 944.
(3) انظر: صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر 2/123 برقم 1369، ورقم 1374، ومسند الإمام أحمد 4/287، 288، 295، 296، ومستدرك الحاكم 1/37-40، والآية من سورة إبراهيم: 27.(12/21)
3ـ الإيمان بنعيم القبر وعذابه: فقد ثبت بالكتاب والسنة وهو حق يجب الإيمان به، والعذاب يجري على الروح والجسد تبع له ويوم القيامة على الروح والبدن جميعًا. فعذاب القبر ونعيمه حق دلّ عليه كتاب الله وسنةُ رسوله صلى الله عليه وسلم(1).
4ـ القيامة الكبرى: حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى ثم ينفخ نفخة البعث والنشور فتعاد الأرواح إلى أجسادها فيقول الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً.
5ـ الميزان الذي توزن به الأعمال، ويوزن العاملُ وعملُه {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102-103].
6ـ الدواوين وتطاير الصحف، فآخذ كتابه وصحائِفَ أعماله بيمينه، وآخذ كتابه بشماله من وراءِ ظهره: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [الحاقة: 19-29]، وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا، وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 10-12].
__________
(1) انظر: الروح لابن القيم 1/263، 311.(12/22)
7ـ الحساب؛ فإن الله يوقف عباده على أعمالهم قبل الانصراف من المحشر فيرى كلُّ إنسان عمله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30] {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
8 ـ الحوض؛ فيجب التصديق الجازم بأن حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ماءُهُ أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا(1)، وهذا مختص بمحمد صلى الله عليه وسلم ولكن نبي حوض ولكن أعظمها حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
9ـ الصراط؛ وبعده القنطرة بين الجنة والنار يجب الإيمان بذلك وهو منصوب على متن جهنم، يمر عليه الأولون والآخِرون، وهو أحدُّ من السيف وأدقّ من الشعر، يمرّ عليه الناس على حسب أعمالهم فمنهم من يتجاوزه كلمح البصر، وكالبرق، والكريح، وكالفرس الجواد، وكركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يسقط في جهنم، وعلى حافة الجسر كلاليب تخطف من أمرت بخطفه، فإذا تجاوز المؤمنون وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا نُقُّوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة(2).
__________
(1) انظر: صحيح البخاري، كتاب الرقاق، بابٌ ي الحوض، وقول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 7/261، الأحاديث 6575-6593، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، 4/1792-1802، الأحاديث: 2289-2305.
(2) انظر: صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب قصاص المظالم، الحديث رقم 2440، وكتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، الأحاديث: 6533-6335، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان 1/163-187، الأحاديث: 182-195.(12/23)
10ـ الشفاعة وهي سؤال الخير للغير، وهي أنواع(1)، منها: الشفاعة العظمى لأهل الموقف، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوها والشفاعة في تخفيف العذاب عن أبي طالب، وهذه الثلاثة خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم. والشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها، ويخرج الله عز وجل من النار أقوامًا بغير شفاعة، بل برحمته وفضله، وهذه الشفاعة يشترك فيها النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهي تتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات:
يشفع فيمن كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان.
يشفع فيمن كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان.
ثم فيمن كان في قلبه أدنى حبة من خردل من إيمان.
ثم فيمن قال: لا إله إلا الله ويقول الله تعالى: "شفت الملائكة وشفع النبيين، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط"(2).
__________
(1) وقد أوصلها ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية إلى ثمانية أقسام:
الشفاعة العظمى لفصل القضاء.
الشفاعة في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم.
الشفاعة في أقوام أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها.
الشفاعة في رفع درجات من دخل الجنة.
الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب.
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأن يؤذن لجميع المؤمنين بدخول الجنة.
الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص:252-262.
(2) انظر: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} برقم 7410، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية 1/170، برقم 183، وباب أدنى أهل الجنة منزلة 1/80، برقم 193.(12/24)
11ـ الجنة والنار، يجب الاعتقاد بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، والجنة دار أوليائه والنار دار أعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون وأهل الناس من الكفار مخلدون، والجنة والنار موجودتان الآن وقد رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، وليلة المعراج، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الموت يجاء به في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ويذبح ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت(1).
الأصل السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره:
ويتضمن الإيمان بأمور أربعة:
1ـ الإيمان بأن الله تعالى علم أحوالَ عباده وأرزاقَهم وآجالهم وأعمالهم وما كان ويكون لا يخفى عليه شيء: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: 62]، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].
2ـ كتابتهُ عز وجل لكل المقادير(2)
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء 4/2188، برقم 2849.
(2) الإيمان بكتابة المقادير يدخل فيه خمسة مقادير:
التقدير الشامل لجميع المخلوقات، بمعنى أن الله عز وجل: علمها، وكتبها، وشاءها، وخلقها، وهذه مراتب القدر الأربع.
كتابة الميثاق، لقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا}.
التقدير العمري: تقدير رزق العبد وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد في بطن أمه بنهاية الشهر الرابع.
التقدير السنوي؛ فإنه يكتب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة: من الخير، والشر، والأرزاق.
التقدير اليومي، لقوله عز وجل: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فيغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين. وهذا التقدير اليومي تفصيل من التقدير الحولي، والحولي تفصيل من التقدير العُمري عند نفخ الروح في الجنين في بطن أمه، والعُمري تفصيل من التقدير العُمري الأول يوم الميثاق، وهو تفصيل من التقدير الذي خطه القلم في الإمام المبين.
انظر: معارج القبول، لحافظ ابن أحمد الحكمي 3/928-940.(12/25)
، قال عز وجل: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]، وفي صحيح مسلم: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"(1).
3ـ الإيمان بمشيئة الله النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال عز وجل: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
4ـ الإيمان بأن الله هو الخالق لكل شيء وما سواه مخلوق له، قال عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].
أمور تدخل في الإيمان بالله عز وجل:
1ـ يدخل في الإيمان بالله الصادق بجميع ما أوجبه الله على عباده وفرضه عليهم كأركان الإسلام الخمسة وغيرها مما أوجب الله على عباده.
2ـ ومن الإيمان بالله: الاعتقاد بأن الإيمان قول وعمل.
3ـ ومن الإيمان الحب في الله والبغض في الله(2).
ثالثًا: وسطيّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة:
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى 4/2044، برقم 2653، من حدث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(2) انظر: العقيدة الصحيحة وما يضادها، للعلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ص20.(12/26)
1ـ أهل السنة وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل التعطيل وأهل التمثيل: قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فأهل الإسلام وسط بين الملل، وأهل السنة وسط بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام، فهم وسط بين أهل التعطيل الذين ينفون صفات الله عز وجل وبين أهل التمثيل الذين أثبتوها وجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين. فأهل السنة أثبتوا صفات الله إثباتًا بلا تمثيل، وينزهون الله عز وجل عن مشابهة المخلوقين تنزيهًا بلا تعطيل، فجمعوا بين التنزيه والإثبات وقد ردَّ الله على الطائفتين بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رَدٌّ على المشبهة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ردّ على المعطّلة(1).
2ـ أهل السنة وسط في باب أفعال العباد بين الجبرية والقدرية: فالجبرية الذين هم أتباع جهم بن صفوان يقولون إن العبد مجبور على فعله كالريشة في مهب الريح، والقدرية الذين هم المعتزلة أتباع معبد الجهني ومن وافقهم قالوا: إن العبد هو الخالق لأفعاله دون مشيئة الله وقدرته، وهدى الله أهلَ السنة والجماعة لأن يكونوا وسطًا بين هاتين الفرقتين فقالوا إن الله هو الخالق للعباد وأفعالِهِم، والعبادُ فاعلون حقيقة ولهم قدرة على أعمالهم والله خالقهم وخالق أعمالهم وقدراتهم {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وأثبتوا للعبد مشيئة واختيارًا تابعين لمشيئة الله عز وجل: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] والله المستعان(2).
__________
(1) انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس ص126، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية، لعبد العزيز بن سلمان ص494، وشرح العقيدة الواسطية للكاتب ص49.
(2) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب 250.(12/27)
3ـ أهل السنة وسط في باب وعيد الله بين الوعيدية والمرجئة: المرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة فعندهم أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان وهذا باطل.
والوعيدية: هم الذين قالوا: إن الله يجب عليه عقلاً أن يعذب العاصي كما يجب عيه أن يُثيب الطائع فمن مات على كبيرة ولم يتب منها فهو مخلد في النار، وهذا أصل من أصول المعتزلة، وبه تقول الخوارج.
أما أهل السنة فقالوا: مرتكب الكبيرة إذا لم يستحلها، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته أو مؤمن ناقص الإيمان وإن ماتَ ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه برحمته، وإن شاء عذبه بعدله بقدر ذنوبه ثم يخرجه، قال الله سبحانه(1): {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48].
4ـ أهل السنة وسط في باب أسماء الدين والإيمان والأحكام بين الخوارج والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية: المراد بأسماء الدين هنا: مثل مؤمن، مسلم، كافر، فاسق، والمراد بالأحكام: أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة.
(أ) الخوارج عندهم أنه لا يسمى مؤمنًا إلا من أدى جميع الواجبات واجتنب الكبائر ويقولون إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد، ولكنه لا يزيد ولا ينقص فمن أتى كبيرة كفر في الدنيا وهو في الآخرة خالد مخلد في النار إن لم يتب قبل الموت.
(ب) المعتزلة قالوا بقول الخوارج إلا أنه وقع الاتفاق بينهم في موضعين:
نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة، وخلوده في النار مع الكافرين.
ووقع الخلاف بينهم في موضعين:
الخوارج سموه في الدنيا كافرًا، والمعتزلة قالوا في منزلة بين المنزلتين: فهو خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر.
والخوارج استحلوا دمه وماله والمعتزلة لم يستحلوا ذلك.
__________
(1) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب ص51.(12/28)
(ج) المرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فهم يقولون إن الإيمان مجرد التصديق بالقلب فمرتكب الكبيرة عندهم كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار، وهذا يبين أن إيمان أفسق الناس عندهم كإيمان أكمل الناس.
(د) الجهمية وافقوا المرجئة في ذلك تمامًا، فالجهم قد ابتدع التعطيل، والجبر، والإرجاء كما قال ابن القيم رحمه الله.
( هـ) أما أهل السنة فوفقهم الله للوسطية بين هذين المذهبي الباطلين فقالوا: الإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقول القلب تصديقه وإيقانه، وقول اللسان النطق بالشهادتين والإقرار بلوزامها، وعمل القلب: النية والإخلاص والمحبة والانقياد، والإقبال على الله عز وجل والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه، وكل ما هو من أعمال القلوب، وعمل اللسان، ما لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله عز وجل، وغير ذلك، وعمل الجوارح: القيام بالمأمورات واجتناب المنهيات، ومن ذلك الركوع والسجود وغير ذلك.
فمرتكب الكبيرة عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً كالخوارج والمعتزلة، ولا يقولون بأنه كامل الإيمان كالمرجئة والجهمية، أما حكمه في الآخرة فهو تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء أدخله الجنة من أول وهلةٍ رحمةً منه وفضلاً وإن شاء عذبه بقدر معصيته عدلاً منه سبحانه ثم يخرجه بعد التطهير ويدخله الجنة. هذا إن لم يأتِ بناقض من نواقض الإسلام(1).
__________
(1) انظر: شرح العقيدة الواسطية، للهراس ص131، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية ص502، وشرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب ص53-56.(12/29)
5ـ أهل السنة وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج: الرافضة غلوا في علي رضي الله عنه وأهل البيت، ونصبوا العداوة لجمهور الصحابة كالثلاثة، وكفروهم ومن والاهم، وكفَّروا من قاتل عليًّا، والخوارج قابلوا هؤلاء فكفرا عليًّا ومعاوية ومن معهما من الصحابة. والنواصب نصبوا العداوة لأهل البيت وطعنوا فيهم.
أما أهل السنة فهداهم الله للحق فلم يغلوا في عليٍّ وأهل البيت، ولم ينصبوا العداوة للصحابة رضي الله عنهم ويم يكفروهم ولم يفعلوا كما فعل النواصب من عداوة أهل البيت، بل يعترفون بحق الجميع وفضلهم ويدعون لهم، ويوالونهم، ويكفون عن الخوض فيما جرى بينهم، ويترحمون على جميع الصحابة فكانوا وسطًا بين غلوِّ الرافضة وجفاء الخوارج، ويقول أهل السنة أفضل الصحابة: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم يرتبون الصحابة على حسب مراتبهم ومنازلهم رضي الله عنهم(1).
__________
(1) انظر: الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، للسلمان ص505، وشرح العقيدة الواسطية، بقلم الكاتب ص57-58.(12/30)
6ـ أهل السنة وسط في التعامل مع العلماء: أهل السنة يحبون علماءَهم، ويتأدبون معهم، ويذبون عن أعراضهم، وينشرون محامدَهم، ويأخذون عنهم العلمَ بالأدلة، ويرون أن العلماء من البشر غير معصومين، إلا أنه إذا حصل شيء من الخطأ والنسيان والهوى لا ينقص ذلك من قدرهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر، فلا يجوز سبهم ولا التشهير بهم، ولا تَتَبُّع عَثَراتِهم ونشرها بين الناس؛ لأن في ذلك فسادًا كبيرًا(1)، وقد أحسن ابن عساكر رحمه الله فيما نُقل عنه أنه قال: "اعلم يا أخي – وفقني الله وإياك لمرضاتِهِ وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته – أن لحومَ العلماءِ مسمومة، وعادةُ الله في هتكِ أستار منتقصيهم معلومة"(2) وأن من أطال لسانَه في العلماءِ بالثلبِ بلاه الله قبل موته بموت القلب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
7ـ أهل السنة وسط في التعامُلِ مع ولاة الأمور: فهم وسط بين المُفْرِطِين والمفرِّطين، فأهل السنة يحرمون الخروج على أئمة المسلمين، ويوجبون طاعتهم والسمع لهم في غير معصية الله، ويدعون لِوِلاتهم بالتوفيق والسداد؛ لأن الله أمر بطاعتهم فقال عز وجل: {آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
__________
(1) انظر: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن الفتاوى، جمع عبد الرحمن القاسم 20-231-293، وقواعد في التعامل مع العلماء، للدكتور عبد الرحم اللويحق ص19-184.
(2) تبيين كذب المفتري ص29-30.(12/31)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة"(1).
وعن حذيفة رضي الله عنه يرفعه: "يكون بعدي أئمةٌ لا يهتدون بِهُداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبُهم قُلوبُ الشياطين في جُثماِن إنس"، قال قلت: كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمَعُ وتطيعُ للأمير وإن ضرب ظهرَك وأخذ مالَك فاسمع وأطع"(2)، وقد حث أهل السنة والجماعة على ذلك. قال الإمام أبو الحسن علي بن خلف البربَهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة: "إذا رأيتَ الرجلَ يَدعُو على السلطان فاعلم أنه صاحبُ هوىً، وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحبُ سُنَّةٍ إن شاء الله"(3).
وساق بسنده عن الفضيل بن عياض أنه قال: "لو أن لي دعوةً مستجابة ما جعلتُها إلا في السلطان"، قيل له: "يا أبا علي فسّر لنا هذا؟" قال: "إذا جعلتُها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتُها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد"(4).
رابعًا: أخلاق أهل السنة والجماعة:
من أعظم صفات وأخلاق أهل السنة والجماعة ما يأتي:
__________
(1) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، 8/134، برقم 7144، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية 3/1469، برقم 1839.
(2) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن 3/1476 برقم 1847.
(3) ص116.
(4) شرح السنة للبربهاري ص117.(12/32)
1ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(1).
2ـ النصيحة لله وكتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأئمة المسلمين، وعامتهم، وأن المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
3ـ يرحمون إخوانهم المسلمين ويحثون على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويأمرون بالصبر والإحسان إلى عباد الله على حسب أحوالهم، وما يجب لهم من أقارب، وأيتام، وفقراء، وغير ذلك من مكارم الأخلاق(2).
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، 1/69 برقم 49.
(2) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، للعلامة محمد خليل الهراس ص258، وشرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب ص86-87.(12/33)
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الفرقة الناجية التي لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين(1)
__________
(1) هذه نبذة مختصرة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة ولزوم اتباعها، ولم أزد عليها رغبة في الاقتصار على ما سمعه سماحة الوالد العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله في هذه المحاضرة، ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى أصول السنة، لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241هـ، وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، المتوفى سنة 290هـ، وكتاب السنة للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك المتوفى 287هـ، وكتاب التوحيد للإمام ابن خزيمة، المتوفى 311هـ، ومقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري، المتوفى 330هـ، وشرح السنة للإمام أبي محمد الحسن بن علي البربهاري المتوفى 329هـ، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، للإمام ابن بطة، المتوفى 387هـ، وكتاب الإيمان لابن منده، المتوفى 395هـ، وأصول أهل السنة لابن زمنين، المتوفى 399هـ، وكتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد للحافظ ابن منده، المتوفى 395هـ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للإمام أبي القاسم اللالكائي، المتوفى 418هـ، والعقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي، المتوفى 321هـ، وشرح السنة للإمام البغوي، المتوفى 516هـ، ولمعة الاعتقاد، للإمام عبد الله بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة 620هـ، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، المتوفى 792هـ، والعقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، المتوفى 728هـ، وهو مطبوع ضمن الفتاوى له 3/12-159، والفتوى الحموية له، وهو مطبوع ضمن الفتاوى له أيضًا 5/5-120، وكتاب التوحيد، للإمام محمد بن عبد الوهاب، المتوفى 1206هـ، وشرحه فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن حمد بن عبد الوهابن المتوفى 1285هـ، ومن المؤلفات الحديثة النافعة لأصحاب الفضيلة العلماء: شرح العقيدة الواسطية للعلامة محمد خليل الهراس، والعقيدة الصحيحة وما يضادها للعلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، وعقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة محمد بن صالح العثيمين، وشرح أصول الإيمان له، ومفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل، ومباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة له، ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ومجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر العقل، وعقيدة أهل السنة والجماعة: مفهومها وخصائصها، وخصائص أهلها للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد بتقديم سماحة العلامة ابن باز.(12/34)
.
الفهرس
الموضوع
المقدمة ...
أولاً: مفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة ...
أ ـ مفهوم العقيدة في اللغة ...
ب ـ مفهوم العقيدة اصطلاحًا ...
ج ـ مفهوم أهل السنة ...
د ـ مفهوم الجماعة ...
هـ ـ أسماء أهل السنة وصفاتهم ...
أهل السنة: من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ...
الفرقة الناجية ...
الطائفة المنصورة ...
المعتصمون المتمسكون بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
القدوة الصالحة ...
خيار الناس ...
الغرباء إذا فسد الناس ...
يحملون العلم ويحزن الناس لفراقهم ...
ثانيًا: أصول أهل السنة والجماعة ...
الأصل الأول: الإيمان بالله عز وجل ويتضمن أربعة أمور: ...
* الأمر الأول: الإيمان بوجود الله عز وجل وقد دل على ذلك: ...
دلالة الفطرة ...
دلالة العقل ...
دلالة الشرع ...
دلالة الحس ...
* الأمر الثاني: الإيمان بالربوبية ...
* الأمر الثالث: الإيمان بالألوهية ...
* الأمر الرابع: الإيمان بالأسماء والصفات ...
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة، ويتضمن أربعة أمور: ...
* الأمر الأول: الإيمان بوجودهم ...
* الأمر الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم ...
* الأمر الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم ...
* الأمر الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم ...
الأصل الثالث: الإيمان بالكتب ويتضمن أربعة أمور: ...
* الأمر الأول: الإيمان بأنها من عند الله حقًّا ...
* الأمر الثاني: الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه ...
* الأمر الثالث: تصديق ما صح من أخبارها ...
* الأمر الرابع: العمل بأحكام ما لم ينسخ منها ...
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، ويتضمن أربعة أمور: ...
* الأمر الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله ...
* الأمر الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه ...
* الأمر الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم ...(12/35)
* الأمر الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم صلى الله عليه وسلم ...
الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر ويتضمن أمورًا منها: ...
الإيمان بما يحصل عند الموت إلى دخول القبر ...
الإيمان بفتنة القبر ...
الإيمان بنعيم القبر وعذابه ...
الإيمان بالقيامة الكبرى ...
الإيمان بالميزان ...
الإيمان بالدواوين والصحف ...
الإيمان بالحساب ...
الإيمان بالحوض المورود ...
الإيمان بالصراط، والقنطرة بعده ...
الإيمان بالشفاعة وأنواعها ...
الشفاعة العظمى لفصل القضاء ...
الشفاعة في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم ...
الشفاعة في أقوام أمر بهم إلى النار ...
الشفاعة في رفع درجات من دخل الجنة ...
الشفاعة في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب ...
الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه ...
الشفاعة لأن يؤذن لجميع المؤمنين بدخول الجنة ...
الشفاعة في أهل الكبائر وهي تتكرر أربع مرات ...
الشفاعة فيمن كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ...
الشفاعة فيمن كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ...
الشفاعة فيمن كان في قلبه أدنى حبة من خردلة من إيمان ...
الشفاعة فيمن قال لا إله إلا الله ...
الإيمان بالجنة والنار ...
الأصل السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره ويتضمن أربعة أمور: ...
* الأمر الأول: الإيمان بالعلم الأزلي ...
* الأمر الثاني: الإيمان بالكتابة ...
والإيمان بكتابة المقادير يدخل فيها خمسة مقادير: ...
التقدير الشامل ...
كتابة الميثاق ...
التقدير العمري ...
التقدير السنوي ...
التقدير اليومي ...
* الأمر الثالث: الإيمان بالمشيئة النافذة ...
* الأمر الرابع: الإيمان بالخلق ...
أمور تدخل في الإيمان ...
الإيمان الصادق بجميع ما أوجبه على الله عباده ...
الاعتقاد بأن الإيمان قول وعمل ...
الحب في الله والبغض في الله ...
ثالثًا: وسطية أهل السنة ...
وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل التعطيل وأهل التمثيل ...(12/36)
وسط في باب أفعال العباد بين الجبرية والقدرية ...
وسط ي باب وعيد الله بين الوعيدية والمرجئة ...
وسط في أسماء الدين والإيمان والأحكام بين الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية.
وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج ...
وسط في التعامل مع العلماء ...
وسط في التعامل مع ولاة الأمور ...
رابعًا: أخلاق أهل السنة والجماعة ...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
النصيحة: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ...
الرحمة بالمسلمين ...
الأمر بالصبر والإحسان إلى عباد الله عز وجل ...
النهي عن الكبر والخيلاء ...
انتهى الكتاب ولله الحمد.(12/37)
شرح
أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }
كتبه
الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
راجعه :
الشيخ / د. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو الإفتاء بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية سابقاً
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد :
فإنَّ الله قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه ، والإيمان هو أعظم المطالب وأهمها ، وقد جعل الله له أسباباً تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .(13/1)
ومن أعظم ما يقوِّي الإيمان ويجلبه معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله بها قال الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }(1) وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله تسعةً وتسعين اسماً ؛ مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة " (2) أي من حفظها ، وفهم معانيها ومدلولها ، وأثنى على الله بها ، وسأله بها ، واعتقدها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون . فُعُلِمَ أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان ، وقوته وثباته . ومعرفة الأسماء الحسنى بمراتبها الثلاث : إحصاء ألفاظها وعددها ، وفهم معانيها ومدلولها ، ودعاء الله بها دعاءَ الثناء والعبادة ، ودعاء المسألة – وهي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إليها ، لأن معرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 و مسلم 4/2063 واللفظ لمسلم .(13/2)
وهذه الأنواع هي روح الإيمان وأصله وغايته ، فكلما ازداد العبد معرفةً بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه ، وقوي يقينه . فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، من غير تعطيل ولا تمثيل ، ولا تحريف ولا تكييف . بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه ، وقوة يقينه ، وطمأنينة في أحواله ، ومحبة لربه فمن عرف الله بأسمائه ، وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة . ولهذا كانت المعطلة والفرعونية ، والجهمية قُطَّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى محبة الله تعالى .(1)
ومن الأمور التي تقوّي الإيمان وتجلبه تدبر القرآن الكريم ، فإنَّ المتدبر للقرآن لا يزال يستفيد من علومه ومعارفه ما يزداد به إيماناً ، وكذلك إذا نظر إلى انتظامه ، وإحكامه وأنه يصدِّق بعضه بعضاَ ويوافق بعضه بعضاً ليس فيه تناقض ولا اختلاف ؛ فإذا قرأه العبد بالتدبُّر ، والتفهم لمعانيه ، وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ، ليتفهَّم مراد صاحبه منه ، فهذا من أعظم مقويِّات الإيمان . وحسن التأمل لما يرى العبد ويسمع من الآيات المشهودة والآيات المتلوَّة يثمر صحة البصيرة . وملاك ذلك كله هو أن ينقل العبد قلبه من وطن الدنيا ، ويسكنه وطن الآخرة . ثم يُقبل به كله على معاني القرآن ويتدبَّر معانيه ويفهم ما يراد منه ، وما أنزل لأجله ويأخذ نصيبه وحظه من كل آية من آياته وينزلها على داء قلبه ، فهذه طريقة مختصرة قريبة سهلة موصلة إلى الرفيق الأعلى ، وهي من أقرب الطرق لتدبر القرآن الكريم (2) .
__________
(1) انظر مدارج السالكين لابن القيم 3/17 والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان لعبد الرحمن السعدي ص 39 وبدائع الفوائد لا بن القيم 1/164.
(2) أنظر مدارج السالكين لابن القيم 2/28(13/3)
وكذلك معرفة أحاديث النبي ‘ وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله ، وكل ذلك من محصِّلات الإيمان ومقوياته ، فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ازداد إيمانه ويقينه وقد يصل في علمه وإيمانه إلى مرتبة اليقين .
ومن طرق موجبات الإيمان وأسبابه : معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية ، والأوصاف الكريمة ، فإنَّ من عرفه حق المعرفة لم يَرْتَبْ في صدقه وصدق ما جاء به : من الكتاب والسنة والدين الحق .
ومن أسباب الإيمان ودواعيه : التفكر في الكون : في خلق السماوات والأرض ، وما فيهن من المخلوقات المتنوعة ، والنظر في نفس الإنسان وما هو عليه من الصفات ، فإن ذلك داع قوي للإيمان ، لما في هذه الموجودات من عظمة الخلق الدَّال على قدرة خالقها وعظمته وما فيها من الحسن والانتظام والإحكام – الذي يحيِّر العقول – الدال على سعة علم الله وشمول حكمته .
وكذلك النظر إلى فقر المخلوقات كلها ، واضطرارها إلى ربها من كل الوجوه ، وأنها لا تستغني عن الله طرفة عين .. وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع وكثرة الدعاء والافتقار إلى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ويوجب له قوة التوكل على الله ، وشدة الطمع في بره وإحسانه ، وكمال الثقة بوعد الله ، وبهذا يتحقق الإيمان ويقوى ، وكذلك التفكر في كثرة نعم الله التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين .
ومن الأسباب التي تقوِّي الإيمان الإكثار من ذكر الله تعالى ومن الدعاء الذي هو العبادة ، ويكون هذا الذِّكر على كل حال : باللسان ، والقلب ، والعمل ، والحال . فنصيب العبد من الإيمان على قدر نصيبه من هذا الذِّكر .(13/4)
ومن الأسباب أيضاً : معرفة محاسن الإسلام فإنَّ الدين الإسلامي كله محاسن : عقائده أصح العقائد وأصدقها ، وأنفعها ، وأخلاقه أجمل الأخلاق ، وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها . وبهذا النظر يزين الله الإيمان في قلب العبد ويحببه إليه .
ومن أعظم مقويات الإيمان : الاجتهاد في الإحسان في عبادة الله ، والإحسان إلى خلْق الله ، فيجتهد العبد في عبادة الله كأنه يشاهده ، فإن لم يقوَ على ذلك استحضر أن الله يشاهده ويراه فيجتهد في العمل وإتقانه ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى يقوى إيمانه ويقينه ويصل في ذلك إلى حق اليقين الذي هو أعلى مراتب اليقين فيذوق حلاوة الطاعات .
ومن مقويات الإيمان الدعوة إلى الله وإلى دينه والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر . وبذلك يكمل العبد بنفسه ويكمل بغيره .
ومن أهم أسباب تقوية الإيمان الابتعاد عن شعب الكفر والنفاق والفسوق والعصيان .
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض وتقديم ما يحبه الله على كل ما سواه عند غلبة الهوى .
ومن ذلك الخلوة بالله وقت نزوله ، لمناجاته ، وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
ومن الأسباب المقوية للإيمان مجالسة العلماء الصادقين المخلصين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر .
ومن ذلك الابتعاد عن كل سبب يحول بين قلب العبد وبين الله تبارك وتعالى .(1)
__________
(1) انظر مدارج السالكين لابن القيم 3/17 والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي ص40-62(13/5)
ومعرفة أسماء الله الحسنى بمراتبها الثلاث هي من أعظم مقويات الإيمان بل معرفة الله بأسمائه وصفاته هي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إلى هذا الأصل العظيم ، ولهذا السبب وغيره جمعت ما يسر الله لي من الأسماء الحسنى وذكرت لكل اسم دليلاً من الكتاب أو السنة ثم عرضت هذه الأسماء كلها على سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ، جزاه الله خيراً فما أقره أثبتّه ، وما توقف عنه أو نفاه أسقطته ، حتى اجتمع لي أكثر من تسعة وتسعين من الأسماء الحسنى بأدلتها الصريحة(1) ، ثم اخترت من هذه الأسماء تسعة وتسعين اسماً وشرحتها شرحاً مختصراً إلا في بعض الأسماء فقد أطلت في شرحها لأن المقام يقتضي هذا ونقلت الشرح لهذه الأسماء من المصادر المعتمدة وخاصة لأهل التحقيق من أهل السنة كابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، والشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمة واسعة ، وهو لا شك من العلماء الذين نفع الله بعلمهم (2) وقد قسّمت هذا البحث خمسة عشر مبحثاً :
المبحث الأول : أسماء الله تعالى توقيفية .
المبحث الثاني : أركان الإيمان بالأسماء الحسنى .
المبحث الثالث : أقسام ما يوصف به الله تعالى .
المبحث الرابع : دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع .
البحث الخامس : حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى .
المبحث السادس : إحصاء الأسماء الحسنى أصل للعلم .
المبحث السابع : أسماء الله تعالى كلها حسنى .
المبحث الثامن : أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله .
المبحث التاسع : من أسماء الله الحسنى ما يكون دالاً على عدة صفات .
__________
(1) ومن الأسماء التي عرضتها على سماحته ولم أذكرها في الشرح : المستعان ، والمسعر ، والطيب ، والوتر.
(2) وانظر قائمة المراجع في آخر الكتاب.(13/6)
المبحث العاشر : الأسماء الحسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات .
المبحث الحادي عشر : أسماء الله وصفاته مختصة به واتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات .
المبحث الثاني عشر : أمور ينبغي أن تعلم .
المبحث الثالث عشر : مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى .
المبحث الرابع عشر : الأسماء الحسنى لا تحدّ بعدد .
المبحث الخامس عشر : شرح أسماء الله الحسنى بلا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه .
وختمت ذلك بفتاوى في الأسماء الحسنى . للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية .
وقد سمَّيته شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة . هذا ما يسر الله لي جمعه . فما كان من صواب فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان ، والله بريء من ورسوله . والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل خالصاً لوجهه الكريم ، مقرِّباً لجامعه وقارئه ، وطابعه من جنان النعيم وأن يجعله حجة لنا ولا يجعله حجة علينا ، وأن ينفع به جامعه ، ومن انتهى إليه إنه خير مسؤول ، وأكرم مأمول ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى :
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
ليلة السبت 12/7/1409هـ
المبحث الأول
أسماء الله تعالى توقيفية(13/7)
أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص ؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم ٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً }(1)وقوله : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(2)ولأن تسميته تعالى بما لم يسمِّ به نفسه ، أو إنكار ما سمَّى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .(3)
المبحث الثاني
أركان الإيمان بالأسماء الحسنى
1) الإيمان بالاسم .
2) الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى .
3) الإيمان بما يتعلق به من الآثار .
فنؤمن بأنَّ الله رحيم ذو رحمة وسعت كل شيء ، ويرحم عباده ، قدير ذو قدرة ، ويقدر على كل شيء ، غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده (4).
المبحث الثالث
أقسام ما يوصف به الله تعالى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
ما يجري صفة أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسام :
أحدها : ما يرجع إلى نفس الذات كقولك : ذات ، وموجود ، وشيء .
الثاني : ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم والقدير ، والسميع .
الثالث : ما يرجع إلى أفعاله نحو : الخالق ، والرزاق .
الرابع : ما يرجع إلى التنزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتاً إذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس السلام .
__________
(1) سورة الإسراء آية 36.
(2) سورة الأعراف آية 33.
(3) القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين 13 وانظر بدائع الفوائد لابن القيم 1/162 .
(4) مختصر الأجوبة الأصولية شرح العقيدة الواسطية لعبد العزيز السلمان ص 27(13/8)
الخامس : ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو : المجيد ، العظيم ، الصمد ، فإنَّ المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة ، والكثرة ، والزيادة ، فمنه : استمجد المرخ والغفار وأمجد الناقة علفا . ومنه ( رب العرش المجيد ) صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه (1). وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترناً بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علَّمَناه صلى الله عليه وسلم ، لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه فأتى في هذا المطلوب باسم تقتضيه كما تقول : اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ولا يحسن أنك أنت السميع البصير فهو راجع إلى المتوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه . ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي : (( ألظّوا بياذا الجلال والإكرام )) (2) ومنه (( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام )) (3) فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده وأنه الذي لا إله إلا هو المنان فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعاً عند المسؤول ، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة وقد فتح لمن بصَّره الله .
__________
(1) قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: المجيد فيه قراءتان : الرفع على أنه صفه للرب عز وجل ، والجر على أنه صفه للعرش وكلاهما معنى صحيح 4/497 .
(2) أخرجه الترمذي 5/539 واحمد 4/177 وانظر صحيح الترمذي 3/172 فقد صححه هناك .
(3) أخرجه أهل السنن وأنظر صحيح ابن ماجه 2/329(13/9)
ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفات عديدة . فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال . وكذلك الصمد قال ابن عباس : هو السيد الذي كمل في سؤدده ، وقال ابن وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده . وقال عكرمة : الذي ليس فوقه أحد ، وكذلك قال الزجاج : الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة إنَّ الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم و أمورهم . واشتقاقه يدل على هذا فإنه من الجمع والقصد الذي اجتمع القصد نحوه واجتمعت فيه صفات السؤدد وهذا أصله في اللغة كما قال :
الأبكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد
والعرب تسمي أشرافها بالصمد لاجتماع قصد القاصدين إليه واجتماع صفات السيادة فيه .
السادس : صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو : الغني الحميد ، العفو القدير ، الحميد المجيد . وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن فإنَّ الغنى صفة كمال والحمد كذلك واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر فله ثناء من غناه ، وثناء من حمده ، وثناء من اجتماعهما ، وكذلك العفو القدير ، والحميد المجيد ، والعزيز الحكيم ، فتأمله فإنه من أشرف المعارف .(13/10)
وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوت كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والألوهية . والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله وكذلك الإخبار عنه بالسلوب هو لتضمنها ثبوتاً كقوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم }(1) فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته ، وكذلك قوله تعالى : { وما مسَّنا من لغوب } (2) متضمن لكمال قدرته وكذلك قوله : { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة }(3) متضمن لكمال علمه ، وكذلك قوله : { لم يلد ويولد } (4) متضمن لكمال صمديته وغناه ، وكذلك قوله : { ولم يكن له كفوا أحد }(5)متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له . وكذلك قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار }(6)متضمن لعظمته وأنه جلَّ عن أن يدرك بحيث يحاط به وهذا مطرد في كل ما وصف به نفسه من السلوب .(7)
المبحث الرابع
دلالة الأسماء الحسنى
دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع :
أسماء الله كلها حسنى ، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق ، وكلها مشتقة من أوصافها ، فالوصف فيها لا ينافي العلمية ، والعلمية لا تنافي الوصف ، ودلالتها ثلاثة أنواع :
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله .
ودلالة تضمن إذا فسرناه ببعض مدلوله .
__________
(1) سورة البقرة آية 254
(2) سورة ق آية 38
(3) سورة يونس آية 61
(4) سورة الإخلاص آية 3
(5) سورة الإخلاص آية 4
(6) سورة الأنعام آية 103
(7) بدائع الفوائد 1/159 -161 ثم قال يجب أن يعلم هنا أمور وذكر عشرين فائدة تكتب بماء الذهب فارجع إليها في 1/159-170 .(13/11)
ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها . فمثلاً ( الرحمن ) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة . وعلى أحدهما دلالة تضمن ، لأنها داخلة في الضمن ، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة ، والعلم ، الإرادة والقدرة ، ونحوها دلالة التزام ، وهذا الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل ، ويتفاوت فيها أهل العلم ، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدلُّ عليه من المعنى وفهمته فهما جيداً ففكر فيما يتوقف عليه ولا يتمُّ بدونه . وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة (1).
المبحث الخامس
حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة إما بإثبات المشاركة فيها لأحد من الخلق ، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلهتهم من صفات الله مالا يصلح إلا لله ، كتسميتهم اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وكل مشرك تعلَّق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية من برر له عبادته . وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الاتحادية الذين من قولهم : إن الرب عين المربوب فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيراً . وإما أن يكون الإلحاد بنفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها كما فعل الجهمية ومن تفرَّع عنهم ، وإما بجحدها وإنكارها رأساً إنكاراً لوجود الله كما فعل زنادقة الفلاسفة فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم ويمَّموا طرق الجحيم (2).
__________
(1) توضيح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ص132 .
(2) المرجع السابق ص33(13/12)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }(1) والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ل ح د . فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط . ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل . قال ابن السكيت الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه . ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك . وقوله تعالى : { ولن تجد من دونه ملتحدا }(2) أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره . تقول العرب : التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه . إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع :
أحدها : أن تسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية ، والعزى من العزيز . وتسميتهم الصنم إلاهاً وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .
الثاني : تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك .
وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود : إنه فقير . وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه . وقولهم : { يد الله مغلولة غلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا } (3)وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته .
__________
(1) سورة الأعراف آية 180
(2) سورة الكهف آية 27.
(3) سورة المائدة الآية 64(13/13)
ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع ، والبصير ، والحي ، والرحيم والمتكلم ، والمريد ، ويقولون : لا حياة له ، ولا سمع ، ولا بصر ، ولا كلام ، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً ، وشرعاً، ولغة ، وفطرة وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسمائه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب . وكل من جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر .(13/14)
وخامسها : تشبيه صفاته بصفات خلقه ، تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً ، فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها ، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ولم يجحدوا صفاته ، ولم يشبهوها بصفات خلقه ، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظاً ولا معنى بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه وتنزيههم خالياً من التعطيل لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنماً أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدماً . وأهل السنة وسط في النحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل ، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء . فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب. (1)
المبحث السادس
إحصاء الأسماء الحسنى أصل للعلم
__________
(1) بدائع الفوائد لا بن القيم رحمه الله تعالى بتصرف يسيرجداً 1/169 -170 وقد ذكر رحمه الله عشرين فائدة في أسماء الله الحسنى قال في نهايتها : (( فهذه عشرون فائدة مضافة إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الرب تبارك وتعالى فعليك بمعرفتها ومراعاتها ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلباً عاقلاً ، ولساناً قائلاً ، ومحلا قابلاً و إلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال { وفوق كل ذي علم عليم } حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علماً . وعسى الله ٍأن يعين بفضله على تعليق شرح الأسماء الحسنى مراعياً فيه أحكام هذه القواعد بريئاً من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته فهو المنان بفضله والله ذو الفضل العظيم )) وانظر بدائع الفوائد 1/159-170.(13/15)
إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً ، إما علم بما كوّنه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسماءه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد ، والرأفة ، والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه فأمره كله مصلحة ، وحكمة ، ورحمة ، ولطف ، وإحسان إذ مصدره أسماؤه الحسنى وفعله كله لا يخرج عن العدل ، والحكمة ، والمصلحة والرحمة ، إذ مصدره أسماؤه الحسنى فلا تفاوت في خلقه , ولا عبث ، ولم يخلق خلقه باطلاً ، ولا سدىً ، ولا عبثاً . وكما إن كل موجود سواه فبإيجاده فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى ولهذا لا تجد فيها خللاَ ولا تفاوتاً ، لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته . وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ، ولا تفاوت ، ولا تناقض.(1)
المبحث السابع
أسماء الله كلها حسنى
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/163(13/16)
أسماء الله كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلاً وقد تقدم أن من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق ، والرازق ، والمحيي ، والمميت وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها ، لأنه لو فعل الشر لاشتق له منه اسم ولم تكن أسماؤه كلها حسنى وهذا باطل فالشر ليس إليه فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته لا يدخل في أفعاله فالشر ليس إليه لا يضاف إليه فعلاً ولا وصفاً وإنما يدخل في مفعولاته . وفرق بين الفعل والمفعول فالشر قائم بمفعوله المباين له لا بفعله الذي هو فعله فتأمل هذا فإنه خفي على كثير من المتكلمين وزلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1)..
المبحث الثامن
أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/163 .(13/17)
إنَّ أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء . فالقدير ، والسميع ، والبصير ، والعزيز ، والحكيم ، وهذا يسوغ أن يدعا به مفرداً ومقترناً بغيره فتقول : يا عزيز يا حليم ، يا غفور يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع . ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله كالمانع ، والضار ، والمنتقم ، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمعطي ، والنافع ، والعفو فهو المعطي المانع ، الضار النافع ، المنتقم العفو ، المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية ، وتدبير الخلق ، والتصرف فيهم عطاءً ، ومنعاً ، ونفعاً ، وضراً ، وعفواً ، وانتقاماً . وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع ، والانتقام ، والإضرار ، فلا يسوغ . فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه (فلو قلت ) يا مذل ،يا ضار ، يا مانع ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنياً عليه ولا حامداً له حتى تذكر مقابلها(1).
المبحث التاسع
من أسماء الله الحسنى ما يكون دالاً على عدة صفات
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم 1/167 .(13/18)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( من أسمائه الحسنى ما يكون دالاً على عدة صفات . ويكون ذلك الاسم متناولاً لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها . كاسمه العظيم ، والمجيد ، والصمد ، كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره : الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه . وهذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفواً أحد ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار . هذا لفظه . وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ، ففسر الاسم بدون معناه ،ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يحط بهذا علماً بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره ) .(1)
المبحث العاشر
الأسماء الحسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة : اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود – تبارك وتعالى – بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى ، والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها وهي : الله ، والرب ، والرحمن وبنيت السورة على الإلهيه ، والربوبية ، والرحمة ، فـ { إياك نعبد } مبني على الإلهية ، و{ إياك نستعين } على الربوبية ، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة . والحمد يتضمن الأمور الثلاثة : فهو المحمود في إلهيته ، وربوبيته ، ورحمته ، والثناء والمجد كما لان لجده.. وتضمنت – يعني سورة الفاتحة – إثبات النبوات من جهات عديدة :
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى 1/168 نشر مكتبة الرياض الحديثه بتصرف يسير جداً .(13/19)
كون الله ( رب العالمين ) . فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملاً لا يعرِّفهم ما ينفعهم في معاشهم ، ومعادهم ، وما يضرهم فيهما فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به وما قدره حق قدره من نسبه إليه .
من اسم (الله) وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله عليهم الصلاة والسلام .
من اسمه ( الرحمن ) فإن رحمته تمنع إهمال عباده ، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم . فمن أعطى اسم ( الرحمن ) حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، أعظم من تضمنه إنزال الغيث ، وإنبات الكلأ ، وإخراج الحب ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب . وأدرك منه أولو الألباب أمراً وراء ذلك ...(1)
واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم . وهي :
1) التوحيد العلمي – سمي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة – ويسمى أيضاً بـ( توحيد الأسماء والصفات ) .
2) التوحيد القصدي الإرادي – سمي بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة – وهذا الثاني نوعان : توحيد في الربوبية ، وتوحيد في الإلهية . فهذه ثلاثة أنواع .
فأما التوحيد العلمي [ توحيد الأسماء والصفات ] فمداره على إثبات صفات الكمال ، وعلى نفي التشبيه ، والمثال ، والتنزيه عن العيوب والنقائص وقد دل على هذا شيئان :
أ) مجمل ، ب) مفصل.
أ ) أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه .
ب ) وأما المفصل فذكر صفة ( الإلهيه، والربوبية ، والرحمة ، والملك ) وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات .
__________
(1) مدارج السالكين 1/8 وذكر بعد ذلك - رحمه الله تعالى - جهات عديدة لتضمن سورة الفاتحة لإثبات النبوات ولكني اقتصر على ما يختص بالأسماء الحسنى .(13/20)
* فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله ، ونعوت جلاله ، مع محبته والرضا عنه ، والخضوع له . فلا يكون حامداً من جحد صفات المحمود ، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له ، وكلما كانت صفات المحمود أكثر كان حمده أكمل وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها . ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها . لأجل هذا لا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه . كما قال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ))(1) فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات .
* وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها ( أي على الأسماء والصفات ) وهي : ( الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، والملك ) فمبني على أصلين :
الأصل الأول : أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهي مشتقة من الصفات . فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى ، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال . ولساغ وقوع أسماء الانتقام ، والغضب في مقام الرحمة والإحسان وبالعكس فيقال : اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر إنك أنت المنتقم . واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع ، ونحو ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
__________
(1) مسلم 1/352 .(13/21)
ونفي معاني الأسماء الحسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } (1) ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصدرها ويوصف بها . لكن الله أخبر عن نفسه بمصدرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم . كقوله تعالى : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } (2) فعلم أنَّ ( القوي ) من أسمائه ومعناه : الموصوف بالقوة . وكذلك قوله تعالى : { فلله العزة جميعاً }(3) فالعزيز من له العزة ، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يسمَّ قوياً ولا عزيزاً ، وكذلك قوله تعالى : { أنزله بعلمه }(4) وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله ، أو سمعه، أو بصره، أو قوته أو عزته ، أو عظمته انعقدت يمنيه وكانت مكفرة لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه . وأيضاً لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها . فلا يقال : يسمع، ويرى ، ويعلم ، ويقدر ، ويريد ، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها .. فنفي معاني أسمائه سبحانه من أعظم الإلحاد فيها والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها .
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة ، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم . فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن ، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة ، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم . فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة .
وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن ، ويدل على اسم ( الحي) وصفة الحياة بالالتزام . وكذلك سائر أسمائه وصفاته .. ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180 .
(2) سورة الذاريات الآية 58 .
(3) سورة فاطر الآية 10 .
(4) سورة النساء الآية 166 .(13/22)
* إذا تقرر هذان الأصلان فاسم ( الله ) دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث ( المطابقة ، والتضمن ، واللزوم ) فإنه دال على إلهيتة المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه . وصفات الإلهية –يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له – هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل ، وعن العيوب والنقائص ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كقوله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى } ويقال : ( الرحمن ، والرحيم ، والقدوس ، والسلام , والعزيز، والحكيم ) من أسماء الله ولا يقال : الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز . ونحو ذلك .
فعلم أن اسمه ( الله ) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى ، دال عليها بالإجمال ، والأسماء الحسنى تفصيل ، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ( الله ) واسم (الله) دال على كونه مألوهاً معبوداً ، تألهه الخلائق محبة ، وتعظيماً خضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد . وإلهيته وربوبيته ، ورحمانيته ، وملكه ، مستلزم لجميع صفات كماله . إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ، ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ، ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أفعاله .
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم (الله) .
وصفات الفعل ، والقدرة والتفرد بالضر والنفع ، والعطاء والمنع ، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ( الرب ) .
وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف ، أخص باسم ( الرحمن) .(13/23)
وكرر إيذاناً بثبوت الوصف ، وحصول أثره ، وتعلقه بمتعلقاته . فالرحمن الذي الرحمة وصفه ، والرحيم : الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى : { وكان بالمؤمنين رحيماً }(1) ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين مع ما في اسم ( الرحمن ) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ... فبناء فعلان للسعة والشمول . ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً كقوله تعالى : { الرحمن على العرش على استوى }(2) لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم قال تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء }(3)وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش (( إن رحمتي تغلب غضبي )) وفي لفظ : (( فهو عنده على العرش ))(4)فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ، ووضعه عنده على العرش وطابق بين ذلك وبين قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } (5)وقوله : { ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيراً } (6) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهيم .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 43 .
(2) سورة طه الآية 5 .
(3) سورة الأعراف الآية 156 .
(4) البخاري مع الفتح 6/187 ومسلم 4/2107 .
(5) سورة طه الآية 5 .
(6) سورة الفرقان الآية 59 .(13/24)
* وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز، والإذلال، والقهر، والحكم، ونحوها أخص باسم ( الملك ) وخصه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل لتفرده بالحكم فيه وحده، ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة، ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه .وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى : { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين }(1)وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته ، محمود في ربوبيته ، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه وأنه إله محمود، ورب محمود، وملك محمود . فله بذلك جميع أقسام الكمال .
كمال من هذا الاسم بمفرده ، وكمال من الآخر بمفرده وكمال من اقتران أحدهما بالآخر. مثال ذلك قوله تعالى : { والله غني حميد }(2) ، {والله عليم حكيم }(3) ، {والله قدير والله غفور رحيم }(4)، فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال ، واقتران غناه بحمده كمال أيضاً وعلمه كمال وحكمته كمال واقتران العلم بالحكمة كمال أيضاً . وقدرته كمال ، ومغفرته كمال واقتران القدرة بالمغفرة كمال ، وكذلك العفو بعد القدرة : { إن الله كان عفواً قديراً } (5).
فما كل من قدر عفا ، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة ، ولا كل من علم يكون حليماً ، ولا كل حليم يكون عالم في قرن شئ إلى شئ أزين من حلم إلى علم ، ومن عفو إلى قدرة ، ومن مللك إلى حمد ، ومن عزة إلى رحمة , {وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (6) وفي هذا أظهر دلالة على أن أسماء الرب تبارك وتعالى مشتقة من أوصاف ومعان قامت به ، وإن كل اسم يناسب ما ذكر معه واقترن به من فعله وأمره والله الموفق للصواب .(7)
__________
(1) سورة الفاتحة 1-3
(2) سورة التغابن الآية 6
(3) سورة النساء الآية 26
(4) سورة الممتحنة 7
(5) سورة النساء الآية 43
(6) سورة الشعراء الآية 191
(7) مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله تعالى 1/24-37 بتصرف(13/25)
إذا قال السائل (( اللهم إني أسألك )) كأنه قال : أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه وصفاته . فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم ، إيذاناً بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (( ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماض فيَّ حكمك ، عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً )) قالوا يا رسول الله أفلا نتعلمهن ؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن )) (1) .
فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم (( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم )) (2).
والدعاء ثلاثة أقسام :
أن تسأل الله بأسمائه وصفاته .
أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلِّك فتقول أنا العبد الفقير المسكين الذليل المستجير ونحو ذلك .
أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحداً من الأمرين فالأول أكمل من الثاني والثاني أكمل من الثالث فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل . وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم .
فالدعاء الذي علَّمه صديق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة :
فإنه قال في أوله : (( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ))(3) وهذا حال السائل .
ثم قال : (( وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) وهذا حال المسؤول .
__________
(1) رواه أحمد 1/391 وصححه الألباني
(2) رواه أهل السنن ، وانظر صحيح ابن ماجه 2/329 .
(3) البخاري 1/68 ومسلم 4/2078(13/26)
ثم قال : ((فاغفر لي )) فذكر حاجته وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه ، ثم قال ابن القيم رحمه الله : وهذا القول الذي اخترناه قد جاء عن غير واحد من السلف. قال الحسن البصري: (( اللهم )) مجمع الدعاء ، وقال أبو رجاء العطاردي : إن الميم في قوله (( اللهم )) فيها تسعة وتسعون اسماً من أسماء الله تعالى . وقال النضر بن شميل : من قال : (( اللهم )) فقد دعا الله بجميع أسمائه .(1)
المبحث الحادي عشر
أسماء الله وصفاته مختصة به ، واتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( سمّى الله نفسه بأسماء وسمّى صفاته بأسماء ، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره ، وسمّى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص ، لا اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلاً عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص .
فقد سمى الله نفسه حياً ، فقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم }(2)وسمى بعض عباده حياً فقال : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } (3)وليس هذا الحي مثل هذا الحي ، لأن قوله : { الحي } اسم الله مختص به، وقوله : { يخرج الحي من الميت } اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجرِّدا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .
__________
(1) التفسير القيم لابن القيم ص 210-211 بتصرف يسير جداً .
(2) سورة البقرة الآية 255 ...
(3) سورة الروم الآية 19(13/27)
ولا بدَّ من هذا في جميع أسماء الله وصفاته ، يفهم منها ما دلَّ عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق ، وما دلَّ عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى .
وكذلك سمّى الله نفسه عليماً حليماً ، وسمّى بعض عباده عليماً : { وبشروه بغلام عليم }(1) يعني إسحاق ، وسمّى آخر حليماً فقال : { فبشرناه بغلام حليم } (2) يعني إسماعيل ، وليس العليم كالعليم ، ولا الحليم كالحليم .
وسمّى نفسه سميعاً بصيراً فقال : {إن يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنَّ الله نعمّا يعظكم به إنَّ الله كان سميعاً بصيراً }(3) وسمَّى بعض خلقه سميعاً بصيراً فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً } (4)وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير .
وسمَّى نفسه بالرؤوف الرحيم ، فقال : { إن الله بالناس لرءوف رحيم }(5)وسمى بعض عباده بالرؤوف الرحيم فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }(6) وليس الرءوف كالرءوف ولا الرحيم كالرحيم .
وسمّى نفسه بالملك فقال : { الملك القدوس } (7)وسمى بعض عباده بالملك ، فقال : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً }(8)، {وقال الملك ائتوني به }(9)وليس الملك كالملك .
وسمى نفسه بالمؤمن فقال : { المؤمن المهيمن } (10)وسمى بعض عباده بالمؤمن ، فقال : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون }(11) وليس المؤمن كالمؤمن .
__________
(1) سورة الذاريات الآية 28 .
(2) سورة الصافات الآية 101 .
(3) سورة النساء الآية 58 .
(4) سورة الإنسان الآية 2 .
(5) سورة البقرة الآية 143 .
(6) سورة التوبة الآية 128 .
(7) سورة الحشر الآية 23 .
(8) سورة الكهف الآية 79 .
(9) سورة يوسف الآية 50 .
(10) سورة الحشر الآية 23 .
(11) سورة السجدة الآية 18 .(13/28)
وسمى نفسه بالعزيز ، فقال : { العزيز الجبار المتكبر } (1)وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال : { قالت امرأة العزيز }(2)وليس العزيز كالعزيز .
وسمى نفسه الجبار المتكبر، وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار }(3) وليس الجبار كالجبار ، ولا المتكبر كالمتكبر.
ونظائر هذا متعددة.
وكذلك سمّى صفاته بأسماء ، وسمّى صفات عباده بنظير ذلك ، فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }(4) وقال : { أنزله بعلمه}(5)، وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }(6) ، وقال : { أولم يروا أنَّ الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة }(7).
وسمَّى صفة المخلوق علماً وقوة فقال: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }(8)، وقال : { وفوق كل ذي علم عليم }(9) ، وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم }(10) ، وقال : {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير }(11)، وقال : { ويزدكم قوَّة إلى قوتكم }(12)وقال: { والسماء بنيناها بأيد}(13)، أي: بقوة ، وقال: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد }(14)أي: ذا القوة ، وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة .
وكذلك وصف نفسه بالمشيئة ، ووصف عبده بالمشيئة ، فقال: { لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } (15) .
وقال: { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً * وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً } (16).
__________
(1) سورة الحشر الآية 23 .
(2) سورة يوسف الآية 51 .
(3) سورة غافر الآية 35
(4) سورة البقرة الآية 255
(5) سورة النساء الآية 166
(6) سورة الذاريات الآية 58
(7) سورة فصلت الآية 15
(8) سورة الإسراء 85
(9) سورة يوسف الآية 76
(10) سورة غافر الآية 83
(11) سورة الروم الآية 54
(12) سورة هود الآية 52
(13) سورة الذاريات الآية 47
(14) سورة ص الآية 17
(15) سورة التكوير الآية 28-29
(16) سورة الإنسان الآية 29-30(13/29)
وكذلك وصف نفسه بالإرادة ، ووصف عبده بالإرادة فقال : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم }(1)ووصف نفسه بالمحبة ، [ووصف عبده بالمحبة ] فقال : { فسوف بأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }(2) ، وقال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }(3) .
ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا , فقال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه }(4).
ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد ، ولا إرادته مثل إرادته ، ولا محبته مثل محبته ، ولا رضاه مثل رضاه .
وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم بالمقت فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون }(5)، وليس المقت مثل المقت .
وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد ، كما وصف عبده بذلك ، فقال: { ويمكرون ويمكر الله }(6) ، وقال:{ إنهم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً } (7)وليس المكر كالمكر ، ولا الكيد كالكيد .
ووصف نفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون }(8) ، ووصف عبده بالعمل ، فقال: { جزاء بما كانوا يعملون }(9)وليس العمل كالعمل .
ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة ، في قوله : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً }(10)وقوله : { ويوم يناديهم }(11)وقوله : { وناداهما ربهما }(12) .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 67
(2) سورة المائدة الآية 54
(3) سورة آل عمران الآية 31
(4) سورة المائدة الآية 119
(5) سورة غافر الآية 10
(6) سورة الأنفال الآية 30
(7) سورة الطارق الآية 9
(8) سورة يس الآية 71
(9) سورة السجدة الآية 17
(10) سورة مريم الآية 52
(11) سورة القصص الآية 62
(12) سورة الأعراف الآية 22(13/30)
ووصف عبده بالمناداة والمناجاة ، فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون }(1)وقال : { إذا ناجيتم الرسول }(2)وقال:{ إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان}(3)وليس المناداة كالمناداة ، ولا المناجاة كالمناجاة .
ووصف نفسه بالتكليم في قوله : { وكلَّم الله موسى تكليماً } (4) ، وقوله : {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربه }(5)، وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } (6)، ووصف عبده بالتكليم في مثل قوله : { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلَّمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين }(7)، وليس التكليم كالتكليم .
ووصفه نفسه بالتنبئة ، [ ووصف بعض الخلق بالتنبئة ، فقال : { وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } (8) وليس الإنباء كالإنباء .
ووصف نفسه بالتعليم ، ووصف عبده بالتعليم ، فقال : {الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علَّمه البيان }(9).
وقال : {تعلمونهن مما علمكم الله }(10)، وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة }(11)وليس التعليم كالتعليم .
وهكذا وصف نفسه بالغضب في قوله : { وغضب الله عليهم ولعنهم }(12)ووصف عبده بالغضب في قوله : {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } (13) وليس الغضب كالغضب .
__________
(1) سورة الحجرات الآية 4
(2) سورة المجادلة الآية 12
(3) سورة المجادلة الآية 9
(4) سورة النساء الآية 164
(5) سورة الأعراف الآية 143
(6) سورة البقرة الآية 253
(7) سورة يوسف الآية 54
(8) سورة التحريم الآية 3
(9) سورة الرحمن الآية 1-4
(10) سورة المائدة الآية 4
(11) سورة آل عمران الآية 164
(12) سورة الفتح الآية 6
(13) سورة الأعراف الآية 150(13/31)
ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه ، فذكر في سبع آيات(1)من كتابه أنه استوى على العرش ، ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره ، في مثل قوله : { لتستووا على ظهوره}(2)، وقوله { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك}(3)وقوله : { واستوت على الجودي }(4) وليس الاستواء كالاستواء .
ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } (5) ، ووصف بعض خلقه ببسط اليد ، في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط }(6) وليس اليد كاليد ، ولا البسط كالبسط ، وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ، ولا جوده كجودهم . ونظائر هذا كثيرة .
فلا بدَّ من إثبات ما أثبته الله لنفسه ، ونفي مماثلته لخلقه ، فمن قال : ليس لله علم ، ولا قوة ، ولا رحمة ولا كلام ، ولا يحب ولا يرضى ، ولا نادى ولا ناجى ولا استوى – كان معطلاً، جاحداً ، ممثلا لله بالمعدومات والجمادات . ومن قال : [له ] علم كعلمي، أو قوة كقوتي ، أو حب كحبي ، أو رضا كرضاي ، أو يدان كيدي أو استواء كاستوائي –كان مشبهاً ، ممثلا لله بالحيوانات ، بل لابد من إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل (7).
__________
(1) وهذه الآيات هي : 1- { الرحمن على العرش استوى } طه آية 5 ، 2- { ثم استوى على العرش } الأعراف آية 54 ، 3- { ثم استوى على العرش } يونس آية 3 ، 4 – { ثم استوى على العرش } الرعد الآية 2 ، 5 – { ثم استوى على العرش } الفرقان الآية 59 ، 6- { ثم استوى على العرش } السجدة الآية 4 ، 7- { ثم استوى على العرش } سورة الحديد الآية 3 .
(2) سورة الزخرف الآية 13
(3) ورة المؤمنون الآية 28
(4) سورة هود الآية 44
(5) سورة المائدة الآية 64
(6) سورة الإسراء الآية 29
(7) التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص21-30 .(13/32)
وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (( أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاث اعتبارات :
الاعتبار الأول : اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد .
الاعتبار الثاني : اعتباره مضافاً إلى الربِّ مختصاً به .
الثالث : اعتباره مضافاً إلى العبد مقيداً به . فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتاً للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد منه ما يليق به . وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات والبصير الذي يلزمه رؤية المبصرات والعليم والقدير وسائر الأسماء ، فإنَّ شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها فما لزم هذه الأسماء لذاتها فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه بل يثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله . ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه ومن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه بل كما يليق بجلاله وعظمته فقد برئ من فرث التشبيه ودم التعطيل وهذا طريق أهل السنة ، وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله كما يلزم حياة العبد من النوم والسنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك . وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به . وكذلك ما يلزم علوه من احتياجه إلى ما هو عال عليه وكونه محمولا به مفتقراً إليه محاطا به . كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم وقدرته وإرادته وسائر صفاته فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق فإذا أحطت بهذه القاعدة خبراً وعقلتها كما ينبغي خلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين آفة التعطيل وآفة التشبيه فإنك إذا وفيت هذا المقام حقه من التصوُّر(13/33)
أثبتَّ لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة فخلصت من التعطيل ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم فخلصتَ من التشبيه فتدبر هذا الموضع واجعله جنتك التي ترجع إليها في هذا الباب والله الموفق للصواب .(1)
وقال ابن القيم رحمه الله أيضاً : اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي ، والسميع، والبصير، والعليم ، والقدير، والملك ونحوها فقالت طائفة من المتكلمين هي حقيقة في العبد مجاز في الرب وهذا قول غلاة الجهمية وهو أخبث الأقوال وأشدها فساداً . الثاني مقابله وهو أنها حقيقة في الرب مجاز في العبد وهذا قول أبي العباس الناشي . الثالث أنها حقيقة فيهما وهذا قول أهل السنة وهو الصواب. واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجهما عن كونها حقيقة فيهما . وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله وللعبد منها ما يليق به .(2)
المبحث الثاني عشر
أمور ينبغي أن تعلم
الأمر الأول: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء،والموجود ، والقائم بنفسه ، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا .
__________
(1) بدائع الفوائد للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى 1/165-166 بتصرف يسير جداً وانظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 2/37 فقد قال : إن هذه الألفاظ التي تستعمل في حق المخلوق والخالق لها ثلاث اعتبارات : أحدها أن تكون مقيدة بالخالق : كسمع الله وبصره ووجهه ويديه واستوائه ونزوله وعلمه وقدرته وحياته . والثاني : أن تكون مقيدة بالمخلوق كيد الإنسان ووجهه ويديه واستوائه . الثالث : أن تجرد عن كلا الإضافتين وتوجد مطلقة .. ثم شرح ذلك شرحاً جيداً .انظر مختصر الصواعق 2/37
(2) بدائع الفوائد 1/164 ببعض التصرف .(13/34)
الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها هذا كالمريد ، والفاعل ، والصانع ، فإنَّ هذه الألفاظ لا تدخل من أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإنَّ الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلاً وخبراً .
الثالث : أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل ، الفاتن ، الماكر ، تعالى الله عن قولهم فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة والله أعلم .
الرابع : أن أسماءه الحسنى هي أعلام وأوصاف والوصف بها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة بخلاف أوصافه تعالى.
الخامس : أنَّ أسماءه الحسنى لها اعتباران اعتبار من حيث الذات واعتبار من حيث الصفات فهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة .
السادس : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الإخبار لا يجب أن يكون توقيفياً كالقديم ، والشيء، والموجود ، والقائم بنفسه . فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع .
السابع : أنَّ الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلاً ومصدراً نحو السميع ، البصير ، القدير ، يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو ( قد سمع الله ) . ( وقدرنا فنعم القادرون ) هذا إن كان الفعل متعدياً . فإن كان لازماً لم يخبر عنه به نحو الحي بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل فلا يقال حيي .(13/35)
الثامن : أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم فالرب تبارك وتعالى فعاله عن كماله . والمخلوق كماله عن فعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل . فالرب لم يزل كاملاً فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وصفاته فأفعاله صادرة عن كماله كَمُلَ ففعل والمخلوق فَعَل فَكَمُلَ الكمال اللائق به (1).
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله 1/161-162 بتصرف يسير .(13/36)
التاسع : أن الصفات ثلاثة أنواع : صفات كمال ، وصفات نقص ، وصفات لا تقتضي كمال ولا نقصاً وإن كانت القسمة التقديرية تقتضي قسماً رابعاً وهو ما يكون كمالاً ونقصاً باعتبارين والرب تعالى منزه عن الأقسام الثلاثة وموصوف بالقسم الأول وصفاته كلها صفات كمال محض فهو موصوف من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله . وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيراً بمرادف محض بل هو على سبيل التقريب والتفهيم . وإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمّه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص فله من صفة الإدراكات العليم الخبير دون العاقل الفقيه ، والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر . ومن صفات الإحسان البر ، الرحيم ، الودود، دون الشفوق ونحوه . وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف . وكذلك الكريم دون السخي ، والخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المشكل ، والغفور العفو دون الصفوح الساتر . وكذلك سائر أسمائه تعالى يجرى على نفسه منها أكملها وأحسنها ومالا يقوم غيره مقامه فتأمل ذلك فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون .(1)
المبحث الثالث عشر
مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى
التي من أحصاها دخل الجنة
هذا بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح.
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }(2)وهو مرتبتان :
إحداهما : ثناء وعبادة .
__________
(1) المرجع السابق 1/167-168 بتصرف يسير جداً .
(2) سورة الأعراف الآية 180(13/37)
والثاني : دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال : يا موجود ، أو يا شيء ، أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم . ومن تأمل أدعية الرسل ولاسيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا وهذه العبارة أولى من عبارة من قال : يتخلق بأسماء الله فأنها ليست بعبارة سديدة وهي منتزعة من قول الفلاسفة بالتشبه بالإله قدر الطاقة . وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن برهان وهي التعبد وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال . فمراتبها أربعة أشدها إنكاراً عبارة الفلاسفة وهي التشبه . وأحسن منها عبارة من قال التخلُّق ، وأحسن منها عبارة من قال التعبد . وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن (1).
المبحث الرابع عشر
الأسماء الحسنى لا تحدّ بعدد
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى 1/164 .(13/38)
الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد فإنَّ لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما في الحديث الصحيح : (( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ))(1)فجعل أسماءه ثلاثة أقسام : قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه ، وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده ، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه ولهذا قال : ((استأثرت به )) أي انفردت بعلمه وليس المراد انفراده بالتسمي به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه . ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : (( فيفتح عليَّ من محامده بما لا أحسنه الآن ))(2)وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ))(3) وأما قوله صلى الله عليه سلم : (( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة))(4) فالكلام جملة واحدة . وقوله (( من أحصاها دخل الجنة )) صفة لا خبر مستقبل . والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة . وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها . وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك قد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدّون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه .(5)
المبحث الخامس عشر
شرح أسماء الله الحسنى
__________
(1) أخرجه أحمد 1/391 وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني انظر تخريج الكلم الطيب ص 73 .
(2) مسلم 1/183و 185 وغيره .
(3) مسلم 1/352 .
(4) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 ومسلم 4/2063 وقد شرحه ابن حجر في الفتح 11/214 – 228 والحديث في آخره (( وهو وتر يحب الوتر )) .
(5) بدائع الفوائد للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى 1/166-167 وانظر أيضا فتاوى ابن تيمية 6/379-382 .(13/39)
الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن
قال الله تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }(1) هذه الأسماء الأربعة المباركة قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً جامعاً واضحاً فقال يخاطب ربه : (( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء)) (2) إلى آخر الحديث ، ففسر كل اسم بمعناه العظيم ، ونفى عنه ما يضاده وينافيه . فتدبَّر هذه المعاني الجليلة الدالّة على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق والإحاطة المطلقة الزمانية في قوله( الأول والآخر ) والمكانية في ( الظاهر والباطن ). فالأول يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن ، ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية، إذ السبب والمسبب منه تعالى . والآخر يدل على أنه هو الغاية ، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألهها، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها ، ( والظاهر ) يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات على علوه ، (والباطن ) يدل على إطلاعه على السرائر ، والضمائر، والخبايا، والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه . ولا يتنافى الظاهر والباطن لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت(3).
العلي ، الأعلى ، المتعال
__________
(1) سورة الحديد آية 3
(2) مسلم 4/2084
(3) الحق الواضح المبين ص 25 وشرح النونية للهراس2/67(13/40)
قال الله تعالى : { ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم }(1) ، وقال تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى }(2)، وقال تعالى : {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال }(3)وذلك دال على أنَّ جميع معاني العلو ثابته لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى العرش استوى أي علا وارتفع . وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى : { ولا يحيطون به علما }(4) وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه .(5)
العظيم
قال الله تعالى : {ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم}(6) الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم ، فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه كما ينبغي له ولا يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده .
واعلم أنه معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان :
__________
(1) سورة البقرة آية 255
(2) سورة الأعلى آية 1
(3) سورة الرعد الآية 13
(4) سورة طه آية 110
(5) الحق الواضح المبين ص26 وشرح النونية للهراس2/68
(6) سورة البقرة آية 255.(13/41)
أحدهما: أنه موصوف بكل صفة كمال ، وله من ذلك الكمال أكمله، وأعظمه، وأوسعه، فله العلم المحيط ، والقدرة النافذة ، والكبرياء والعظمة ، ومن عظمته أن السماوات والأرض في كفِّ الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره ، وقال تعالى: { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه }(1)، وقال تعالى : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده }(2)، وقال تعالى : { وهو العلي العظيم } ، { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن }(3)الآية. وفي الصحيح عنه صلى الله عله وسلم : (( إن يقول الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما عذبته ))(4) فلله تعالى الكبرياء والعظمة ، الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما .
__________
(1) سورة الزمر آية 67
(2) سورة فاطر الآية 41
(3) سورة الشورى الآية 5
(4) رواه مسلم 4/2023 وأبو داود 4/59وابن ماجه 2/1397، وأحمد 2/376 بألفاظ متقاربة .(13/42)
النوع الثاني : من معاني عظمته تعالى أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما يعظم الله فيستحق جل جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم، وألسنتهم ، وجوارحهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ، ومحبته والذل له ، والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته، فيطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(1)وقوله تعالى { ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} (2)ومن تعظيمه أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه(3).
المجيد
(المجيد ) الذي له المجد العظيم ، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه :
فهو العليم الكامل في علمه ، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه ، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته(4)التي بلغت غاية المجد فليس في شيء منها قصور أو نقصان(5) قال تعالى : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }(6).
الكبير
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى.
__________
(1) سورة الحج آية 32 ...
(2) سورة الحج آية 30 ...
(3) الحق الواضح المبين ص27-28 وشرح القصيدة النونية للهراس 2/68 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/214
(4) الحق الواضح المبين ص33 وشرح النونية للهراس2/71
(5) المرجع السابق 2/71
(6) سورة هود الآية 73(13/43)
وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه،وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه(1) قال الله تعالى : { ذلك بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير }(2).
السميع
قال الله تعالى : { وكان الله سميعاً بصيراً }(3) وكثيراً ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ، والباطنة فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرّها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ، لا تختلط عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء : { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار }(4) ، { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير }(5) قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها }(6)الآية ، وسمعه تعالى نوعان :
أحدهما : سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية ، وإحاطته التامة بها .
الثاني : سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم ، ومنه قوله تعالى: { إن ربي لسميع الدعاء}(7)وقول المصلي (سمع الله لمن حمده ) أي استجاب .
البصير
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي 5/622
(2) سورة غافر الآية 12
(3) سورة النساء الآية 134
(4) سورة الرعد الآية 10 .
(5) سورة المجادلة الآية 1 .
(6) سورة المجادلة الآية1
(7) سورة إبراهيم الآية39(13/44)
الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات، حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك . فسبحان من تحيرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته، ولطفه، وخبرته بالغيب، والشهادة، والحاضر والغائب، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان، قال تعالى : { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم }(1) ، { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور }(2) ، {والله على كل شيءٍ شهيد }(3) ، أي مطلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات.(4)
العليم ، الخبير
__________
(1) سورة الشعراء الآيات 218-220
(2) سوة غافر الآية 19
(3) سورة البروج الآية 9
(4) الحق الواضح المبين ص 34-36 وشرح النونية للهراس 2/72(13/45)
قال الله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(1) ، { إن الله بكل شيء عليم }(2) ، فهو العليم المحيط علمه بكل شيء : بالواجبات، والممتنعات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة ، ونعوته المقدسة ، وأوصافه العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها ، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت. كما قال تعالى: { لو كان فيها ءالهة إلا الله لفسدتا }(3) وقال تعالى :{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض }(4) فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها وإخباره بما ينشأ عنها لوجدت على وجه الفرض والتقدير ويعلم تعالى الممكنات ، وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده ، فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة ، والظواهر والبواطن ، والجلي والخفي، قال الله تعالى : { إن الله بكل شيء عليم }(5) والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جداً لا يمكن حصرها وإحصاؤها وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأن علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلت وتلاشت،كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة إليها بوجه من الوجوه ، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون ،وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين . وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي ، وما فيه من المخلوقات ذواتها ، وأوصافها، وأفعالها، وجميع أمورها، فهو يعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم أحوال
__________
(1) سورة الأنعام الآية 18
(2) سورة الانفال الآية 75
(3) سورة الأنبياء الآية 22
(4) سورة المؤمنون الآية 91
(5) سورة الانفال الآية 75(13/46)
المكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يميتهم وبعد ما يحييهم، قد أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها وشرها وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار (1).
والخلاصة : أنَّ الله تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والإسرار والإعلان، وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي، والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (2).
الحميد
قال الله تعالى : {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}(3)ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن الله حميد من وجهين :
أحدهما: أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده، فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم والآخرين، وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة، وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضاً ومقدراً حيثما تسلسلت الأزمان واتصلت الأوقات، حمداً يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي، ويملأ نظير الوجود من غير عدٍّ ولا إحصاء، فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة : منها أن الله هو الذي خلقهم، ورزقهم، وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وصرف عنهم النقم والمكاره، فما بالعباد من نعمة فمن الله، ولا يدفع الشرور إلا هو، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات، وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 37-38 وشرح النونية للهراس 2/73 ، وتفسير السعدي 5/621 .
(2) تفسير العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله 5/621 .
(3) سورة فاطر الآية 15(13/47)
الوجه الثاني: أنه يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة ، فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها، فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد والثناء، فكيف بجميع الأوصاف المقدسة، فله الحمد لذاته، وله الحمد لصفاته، وله الحمد لأفعاله، لأنها دائرة بين أفعال الفضل والإحسان، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد، وله الحمد على خلقه، وعلى شرعه، وعلى أحكامه القدريّة، وأحكامه الشرعيّة، وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة، وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحصيها الأقلام(1).
العزيز ، القدير ، القادر ، المقتدر ، القوي ، المتين
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة ، فهو تعالى كامل القوة ، عظيم القدرة، شامل العزة { إن العزة لله جميعاً }(2) وقال تعالى : { إن ربك هو القوي العزيز}(3)فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم.
عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت. قال الله تعالى : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(4) وقال : { والله قدير والله غفور رحيم }(5) ، وقال عز وجل : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } (6) ، وقال تعالى : { وكان الله على كل شيء مقتدراً }(7) ، وقال عز وجل : { إنَّ المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر }(8) .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 39-40 وشرح القصيدة النونية للهراس 2/75 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/215
(2) سورة يونس الآية 65
(3) سورة هود الآية 66
(4) سورة الذاريات الآية 58
(5) سورة المتحنة الآية 7
(6) سورة الأنعام الآية 65
(7) سورة الكهف الآية 45
(8) سورة القمر الآية 55(13/48)
وعزة الامتناع فإنه هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع.
وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به. فمن قوته واقتداره أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأنه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون : {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة }(1)، {وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه }(2) ، ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين والكفار الظالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك، وما زادوهم غير تتبيب ، وخصوصاً في هذه الأوقات ، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من إقدَار الله لهم وتعليمه لهم مالم يكونوا يعلمونه، فمن آيات الله أن قواهم وقُدَرَهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صد ما أصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك، ولكن أمر الله غالب، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي.
__________
(1) سورة لقمان الآية 28
(2) سورة الروم الآية 27(13/49)
ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما : أنه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم ، وهي أيضاً أفعالهم ، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة ، ولا منافاة بين الأمرين ، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق السبب التام خالق للمسبب، قال تعالى : { والله خلقكم وما تعملون}(1) .
ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصره أولياءه ، على قلة عددهم وعدَدِهم على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد والعدة ، قال تعالى : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}(2).
ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه لأهل النار ولأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لا ينقطع ولا يتناهى(3) .
فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبّرها، وبقدرته سوّاها وأحكمها، وبقدرته يحي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسنين بإحسانه والمسيء بإساءته، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء الذي إذا أراد شيئاً قال له : { كن فيكون }(4) قال الله تعالى : { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير }(5) .
الغني
__________
(1) سورة الصافات الآية 96
(2) سورة البقرة الآية 249
(3) الحق الواضح المبين ص45-46 وانظر شرح النونية للهراس 2/78 وتفسير السعدي5/624
(4) تفسير العلامة السعدي 5/624 والآية من سورة يس الآية 82
(5) سورة البقرة الآية 148(13/50)
قال الله تعالى : {وأنه هو أغنى وأقنى}(1)، وقال الله تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }(2) فهو تعالى ( الغني ) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته، كما لا يكون إلا محسناً، جواداً ، براً ، رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها، فهي مفتقرة إليه في إيجادها، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات ، وأنَّ يده سحاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار .
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم، ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق وآخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلاً منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه مثقال ذرة .
ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم واللذات المتتابعات، والخيرات المتواصلات، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة، ولا ولداً، ولا شريكا في الملك، ولا ولياً من الذل فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه، المغني لجميع مخلوقاته .(3)
والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو المغني جميع خلقه، غنىً عاماً ، المغني لخواص خلقه، بما أفاض على قلوبهم، من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية(4).
الحكيم
__________
(1) سورة النجم الآية 48
(2) سورة فاطر الآية 15
(3) الحق الواضح المبين ص 47-48 وشرح النونية للهراس 2/78 .
(4) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/629(13/51)
قال الله تعالى : { وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(1) ، هو تعالى (الحكيم ) الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد، تام القدرة ، غزير الرحمة فهو الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال .
وحكمته نوعان :
أحدهما : الحكمة في خلقه، فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق، وكان غايته والمقصود به الحق، خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللاً، ولا نقصاً ، ولا فطوراً ، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطَّلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والتأمل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 18(13/52)
النوع الثاني: الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ، وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه ، فأي حكمه أجلّ من هذا ، وأي فضل وكرم أعظم من هذا، فأن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وحمده، وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجلُّ الفضائل لمن يمنَّ الله عليه بها. وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه، إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت كافية شافية .
هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير ، فأخباره تملأ القلوب علماً ، ويقيناً ، وإيماناً، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، وتثمر كل خلُق جميل ، وعمل صالح وهدى ورشد .
وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.(13/53)
ومن حكمة الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإنَّ أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه ولم يسترشدوا بتعاليمه العالية، انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم. وكذلك انظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القوة، والحضارة والمدنية مبلغاً هائلاً، ولكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله، كان ضررها أعظم من نفعها، وشرها أكبر من خيرها وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها، ولن يقدروا على ذلك ما داموا على حالهم . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به.(13/54)
وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع، وكلها في غاية الإحكام، فهو الحكيم في أحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية، والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكوَّنه وقدَّره ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وأحكام الشرع متعلِّقة بما شرعه. والعبد المربوب لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر والطاعات، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع الحكم الشرعي ومتعلَّقه . والله أعلم. (1)
الحليم
قال الله تعالى : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنَّ الله غفور حليم}(2)الذي يَدِرُّ على خلقه النعم الظاهرة والباطنة ، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 48-54 وانظر شرح النونية للهراس 2/80 وانظر تفسير السعدي 5/621 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/226 .
(2) سورة البقرة الآية 235(13/55)
ويستعتبهم كي يتوبوا ، ويمهلهم كي ينيبوا.(1)وهو الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان ، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم ، فإنَّ الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم(2) كما قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً }(3) وقال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(4).
العفو ، الغفور ، الغفار
قال الله تعالى : { إن الله لعفو غفور}(5)الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً .
كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى(6): { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى }.(7)
والعفوُّ هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة، عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه .
__________
(1) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/630
(2) شرح النونية للهراس 2/86
(3) سورة فاطر آية 45
(4) سورة النحل الآية 61
(5) سورة الحج الآية 60
(6) تفسير السعدى 5/623 . وانظر أيضا الحق الواضح المبين ص56
(7) سورة طه الآية 82(13/56)
ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها(1) قال الله تعالى : { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }(2) وفي الحديث ( إن الله يقول ): ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) (3)وقال تعالى : {إن ربك واسع المغفرة }(4) وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار، والإيمان ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته .(5)
التواب
قال الله تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم }(6)(التواب) الذي لم يزل يتوب على التائبين ، ويغفر ذنوب المنيبين. فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً ، تاب الله عليه .
فهو التائب على التائبين : أولا بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه. وهو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولاً لها،وعفواً عن خطاياهم.(7)
... وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعان :
... أحدهما: يوقع في قلب عبده التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي ، والندم على فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها. واستبدالها بعمل صالح .
__________
(1) شرح القصيدة النونية للهراس 2/86 والحق الواضح المبين 56
(2) سورة الزمر الآية 53
(3) أخرجه الترمذي 4/122 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5/548
(4) سورة النجم الآية 32
(5) الحق الواضح المبين ص 73-74 ... ... ...
(6) سورة التوبة الآية 104
(7) تفسير الشيخ عبد الرحمن بن السعدي 5/623(13/57)
... والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها، فإن التوبة النصوح تجبُّ ما قبلها .(1)
الرقيب
المطلع على ما أكنته الصدور ، القائم على كل نفس بما كسبت . قال الله تعالى : {إن الله كان عليكم رقيباً }(2).
والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها ، على أحسن نظام وأكمل تدبير.(3)
الشهيد
أي المطلع على جميع الأشياء .
سمع جميع الأصوات، خفيها وجليَّها.
وأبصر جميع الموجودات ، دقيقها وجليلها ، صغيرها وكبيرها . وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، وعلى عباده، بما علموه (4).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : (الرقيب) و ( الشهيد) مترادفان، وكلامها يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى : { إن الله كان عليكم رقيباً }(5) { والله على كل شيء شهيد}(6)ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد ، فمتى علم العبد أنَّ حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله ، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله ، وتعبَّد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه ، فإن الله يراه.(7).
فإذا الله كان رقيباً على دقائق الخفيات، مطلعاً على السرائر والنيات، كان من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات، وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي الجوارح.(8)
__________
(1) الحق الواضح المبين ص74
(2) سورة النساء الآية 1
(3) تفسير السعدي 5/623
(4) المرجع السابق 5/628 وانظر اسم ( الشهيد) و ( المؤمن) في مدارج السالكين 3/466
(5) سورة النساء الآية 1
(6) سورة المجادلة الآية 6
(7) الحق الواضح المبين ص 58-59
(8) شرح القصيدة النونية للهراس 2/88(13/58)
الحفيظ
قال الله تعالى : { إن ربي على كل شيء حفيظ}(1)(للحفيظ) معنيان:
أحدهما: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية، فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكل بالعباد ملائكة كراماً كاتبين ( يعلمون ما تفعلون )، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة ، وعلمه بمقاديرها ، وكمالها ونقصها ، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله .
والمعنى الثاني: من معنيي( الحفيظ) أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون، وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص .
فالعام : حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها وتمشي إلى هدايته وإلى مصالحها بإرشاده وهدايته العامة التي قال عنها : { الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى }(2) أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر له وقضى له من ضروراته وحاجاته ، كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح ، والسعي في أسباب ذلك ، وكدفعه عنهم أصناف المكاره والمضار ، وهذا يشترك فيه البر والفاجر بل الحيوانات وغيرها، فهو الذي يحفظ السماوات والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه ، وقد وكَّل بالآدمي حفظةً من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله ، أي يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد أن يضره لولا حفظ الله .
__________
(1) سورة هود الآية 57
(2) سورة طه الآية 50(13/59)
والنوع الثاني : حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم ، يحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشبه والفتن والشهوات ، فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس، فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم، قال الله تعالى : { إن الله يدافع عن الذين ءامنوا }(1)وهذا عام في دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه ، وفي الحديث : ((أحفظ الله يحفظك ))(2) أي احفظ أوامره بالامتثال ، ونواهيه بالاجتناب ، وحدوده بعدم تعدِّيها ، يحفظك في نفسك ، ودينك ، ومالك ، وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله(3).
اللطيف
قال الله تعالى : { الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز}(4)وقال تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}(5) .
(اللطيف) من أسمائه الحسنى ، وهو الذي يلطف بعبده في أموره الداخلية المتعلقة بنفسه، ويلطف بعبده في الأمور الخارجية عنه ، فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر. وهذا من آثار علمه وكرمه ورحمته، فلهذا كان معنى اللطيف نوعين :
أنه الخبير الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور ، وما لطف ودقّ من كل شيء .
__________
(1) سورة الحج الآية 38
(2) أخرجه الترمذي 4/667 وصححه الألباني في صحيح الجامع 6/300
(3) الحق الواضح المبين ص 60-61
(4) سورة الشورى الآية 19
(5) سورة الأنعام الآية113(13/60)
النوع الثاني: لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتمَّ عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقيه إلى المنازل العالية فييسره لليسرى ويجنبه العسرى ، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه ، وهي عين صلاحه والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله، وكما ذكر الله عن يوسف صلى الله عليه وسلم وكيف ترقت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدَّره عليه من تلك الأحوال التي حصل له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا والآخرة، وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون .
فكم لله من لطف وكرم لا تدركه الأفهام ، ولا تتصوره الأوهام ، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية، أو رياسة، أو سبب من الأسباب المحبوبة، فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلا تضره في دينه ، فيظل العبد حزيناً من جهله وعدم معرفته بربه ، ولو علم ما ذخر له في الغيب وأريد إصلاحه فيه لحمد الله وشكره على ذلك ، فإن الله بعباده رؤوف رحيم لطيف بأوليائه، وفي الدعاء المأثور(1): (( اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب ، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب ))(2).
القريب
قال الله تعالى : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب }(3) .
من أسمائه ( القريب )، وقربه نوعان :
قرب عام وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء ، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد وهو بمعنى المعية العامة .
__________
(1) الحق الواضح المبين ص61-62 وانظر شرح النونية للهراس 2/91 وتوضيح المقاصد 2/228
(2) أخرجه الترمذي 5/523 وحسنه وقال عبد القادر الأرنؤوط وهو كما قال أنظر جامع الأصول 4/341
(3) سورة هود الآية 61 ...(13/61)
وقرب خاص بالداعين والعابدين المحبين ، وهو قرب يقتضي المحبة، والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإثابة للعابدين (1)قال تعالى: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }(2)وإذا فهم القرب بهذا المعنى في العموم والخصوص لم يكن هناك تعارض أصلاً بينه وبين ما هو معلوم من وجوده تعالى فوق عرشه فسبحان من هو عليّ في دنوه قريب في علوه(3).
المجيب
من أسمائه تعالى ( المجيب ) لدعوة الداعين وسؤال السائلين وعبادة المستجيبين، وإجابته نوعان :
إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة ، قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }(4)فدعاء المسألة أن يقول العبد اللهم أعطني كذا أو اللهم ادفع عني كذا ، فهذا يقع من البر والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحال المقتضية وبحسب ما تقتضيه حكمته. وهذا يُستدل به على كرم المولى وشمول إحسانه للبر والفاجر، ولا يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعيُّن الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم الله ، فإنه يدل على صدقهم فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه كثيراً ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته ، وذلك من دلائل نبوته وآيات صدقه ، وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات، فإنه من أدلة كراماتهم على الله .
__________
(1) الحق الواضح المبين64 و شرح النونية للهراس 2/92
(2) سورة البقرة الآية 186
(3) شرح النونية للهراس 2/92 وتوضيح المقاصد 2/229
(4) سورة غافر الآية60(13/62)
وأما الإجابة الخاصة فلها أسباب عديدة ، منها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة، فإنَّ الله يجيب دعوته، قال تعالى : {أمن يجيب المضطر إذا دعاه }(1) وسبب ذلك شدَّة الافتقار إلى الله وقوة الانكسار وانقطاع تعلقه بالمخلوقين ، ولسعة رحمه الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها، فكيف بمن اضطر إليها، ومن أسباب الإجابة طول السفر والتوسل إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه وصفاته ونعمه، وكذلك دعوة المريض، والمظلوم، والصائم والوالد على ولده أو له ، وفي الأوقات والأحوال الشريفة(2)مثل أدبار الصلوات، وأوقات السحر، وبين الأذان والإقامة، وعند النداء، ونزول المطر واشتداد البأس، ونحو ذلك(3){ إن ربي قريب مجيب}(4).
الودود
قال تعالى : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنَّ ربي رحيم ودود }(5)وقال تعالى : { وهو الغفور الودود}(6)والود مأخوذ من الوُد بضم الواو بمعنى خالص المحبة فالودود هو المحب المحبوب بمعنى واد مودود ، فهو الواد لأنبيائه ، وملائكته، وعباده المؤمنين، وهو المحبوب لهم بل لا شيء أحبَّ إليهم منه، ولا تعادل محبة الله من أصفيائه محبة أخرى، لا في أصلها، ولا في كيفيتها، ولا في متعلقاتها، وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة ، غالبة لكل محبة ويتعين أن تكون بقية المحاب تبعاً لها .
__________
(1) سورة النمل الآية 62 .
(2) الحق الواضح المبين ص65-66 وشرح النونية للهراس 2/93 .
(3) شرح النونية للهراس 2/93-94 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/229 .
(4) سورة هود الآية 61 .
(5) سورة هود الآية 90 .
(6) سورة البروج الآية 14 .(13/63)
ومحبة الله هي روح الأعمال ، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله . ومحبة العبد لربه فضل من الله وإحسان ، ليست بحول العبد ولا قوته فهو تعالى الذي أحبَّ عبده فجعل المحبة في قلبه ، ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بحب آخر ، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة ، إذ منه السبب ومنه المسبب ، ليس المقصود منها المعاوضة،وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ولشكرهم ، فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين ، ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب ، وتسلِّيهم عن الأحباب، وتهون عليهم المصائب، وتلذذ لهم مشقة الطاعات، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه .
فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه :
فمحبة قبلها صار بها محباً لربه ، ومحبة بعدها شكراً من الله على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين .
وأعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي هي أعظم المطالب، الإكثار من ذكره والثناء عليه، وكثرة الإنابة إليه ، وقوة التوكل عليه ، والتقرُّب إليه بالفرائض والنوافل ، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال ، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً(1)كما قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }(2).
الشاكر ، الشكور
قال الله تعالى : { ومن تطوَّع خيراً فإنَّ الله شاكرٌ عليم}(3)وقال تعالى: { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم }(4)، {وكان الله شاكراً عليماً }(5).
__________
(1) الحق الواضح المبين ص69-70 وشرح النونية للهراس 2/96 وتوضيح المقاصد 2/230 .
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة البقرة الآية 158
(4) سورة التغابن الآية 17
(5) سورة النساء الآية 147(13/64)
من أسمائه تعالى ( الشاكر، الشكور ) الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة، فإنَّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وقد أخبر في كتابه وسنة نبيه بمضاعفة الحسنات الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، وذلك من شكره لعباده، فبعينه ما يتحمل المتحملون لأجله ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن ترك شيئاً لأجله عوضه خيراً منه ، وهو الذي وفق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكل هذا ليس حقاً واجباً عليه، وإنما هو الذي أوجبه على نفسه جوداً منه وكرماً.(1)
وليس فوقه سبحانه من يوجب عليه شيئاً قال تعالى : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}(2) فلا يجب عليه سبحانه إثابة المطيع ، ولا عقاب العاصي بل الثواب محض فضله وإحسانه، والعقاب محض عدله وحكمته؛ ولكنه سبحانه الذي أوجب على نفسه ما يشاء فيصير واجباً عليه بمقتضى وعده الذي لا يخلف كما قال تعالى : {كتب ربكم على نفسه الرحمة، أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}(3)وكما قال سبحانه : { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}(4)ومذهب أهل السنة أنه ليس للعباد حق واجب على الله وأنه مهما يكن من حق فهو الذي أحقه وأوجبه ولذلك لا يضيع عنده عمل قام على الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فإنهما الشرطان الأساسيان لقبول الأعمال.(5)
فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم ، فإنه من الله تعالى فضلاً منه وكرماً، وإن نعًّمهم فبفضله وإحسانه ، وإن عذبهم فبعدله وحكمته ، وهو المحمود على جميع ذلك.(6)
السيد ، الصمد
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 70
(2) سورة الأنبياء الآية 23
(3) سورة الأنعام الآية 54
(4) سورة الروم الآية47
(5) شرح النونية للهراس 2/98 وانظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/231
(6) الحق الواضح المبين ص 72(13/65)
قال الله تعالى : { قل هو الله أحد ، الله الصمد }(1) وقال النبي صلى الله عليه سلم : ((السيد الله تبارك وتعالى))(2)و (السيد) يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج ومتحمل أذى قومه والله عز وجل هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم فالسؤدد كله حقيقة لله والخلق كلهم عبيده. وهذا لا ينافي السيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف.(3)
(الصمد ) المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسرّ به هذا الاسم الكريم، فهو الصمد الذي تصمد إليه أي تقصده جميع المخلوقات بالذُّل والحاجة والافتقار، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي قد كمل في علمه ، وحكمته، وحلمه ، وقدرته ، وعظمته ورحمته ، وسائر أوصافه، فالصمد هو كامل الصفات ، وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات.(4)
فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار.(5)
القاهر ، القهار
__________
(1) سورة الإخلاص الآية2
(2) أبو داود 4/254 وأحمد 3/241 و 4/25 وإسناده صحيح وانظر فتح المجيد ص613 بتحقيق الأرنوؤط .
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/418 وانظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/161
(4) الحق الواضح المبين ص 75
(5) شرح نونية ابن القيم للهراس 2/100 وتوضيح المقاصد وتصحيح القواعد 2/232(13/66)
قال الله تعالى : { قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}(1)وقال تعالى : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }(2) ، وقال عز وجل : {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}(3).
وهو الذي قهر جميع الكائنات ، وذلَّت له جميع المخلوقات، ودانت لقدرته ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسفلي ، فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وجميع الخلق فقراء إلى الله عاجزون ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا ضراً، ولا خيراً ولا شراً .
وقهره مستلزم لحياته وعزته وقدرته فلا يتمّ قهره للخليقة إلا بتمام حياته وقوة عزته واقتداره(4). إذ لولا هذه الأوصاف الثلاثة لا يتم له قهر ولا سلطان.(5)
الجبار
قال الله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار}(6) .
للجبار من أسمائه الحسنى ثلاثة معان كلها داخلة باسمه ( الجبار ) :
فهو الذي يجبر الضعيف وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير، ويغني الفقير، وييسر على المعسر كل عسير، ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر ويعوضه على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها ، ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية، فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي ، فقال : (( اللهم اجبرني )) فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع المكاره عنه .
والمعنى الثاني : أنه القهار لكل شيء، الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء.
والمعنى الثالث : أنه العلي على كل شيء.
فصار الجبار متضمناً لمعنى الرءوف القهار العلي.
__________
(1) سورة الرعد آية16
(2) سورة غافر االآية16
(3) سورة الأنعام الآية 18
(4) الحق الواضح المبين ص 76
(5) شرح النونية للهراس 2/101
(6) سورة الحشر الآية 23(13/67)
وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء ونقص ، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه(1)
الحسيب
قال الله تعالى : { وكفى بالله حسيباً}(2)وقال سبحانه : {ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}(3)والحسيب :
هو الكافي للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضار.
والحسيب بالمعنى الأخص هو الكافي لعبده المتقي المتوكل عليه كفاية خاصة يصلح بها دينه ودنياه .
والحسيب أيضاً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. قال تعالى : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}(4) أي كافيك وكافي أتباعك . فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية الله تعالى.(5)
الهادي
قال الله تعالى : { وكفى بربك هادياً ونصيراً }(6).قال تعالى : { وإن الله لهادي الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم }(7).
[الهادي] أي: الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع ، وإلى دفع المضار، ويعلمهم مالا يعلمون ،ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره.(8)
والهداية:هي دلالة بلطف وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه :(9)
الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل ، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر فيه حسب احتماله كما قال تعالى : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى }(10).
__________
(1) الحق الواضح المبين ص77 وانظر شرح النونية للهراس 2/102 وانظر توضيح المقاصد 2/233
(2) سورة النساء الآية 4
(3) سورة الأنعام الآية 62
(4) سورة الأنفال الآية 64
(5) الحق الواضح المبين ص 78 وشرح النونية للهراس 2/103
(6) سورة الفرقان الآية 31
(7) سورة الحج الآية 54
(8) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/631
(9) بدائع الفوائد 2/36-38
(10) سورة طه الآية 50(13/68)
الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } .
الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعني بقوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى } ، وقوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } ، وقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم } ، وقوله : {والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا } .
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعنيُّ بقوله : {سيهديهم ويصلح بالهم}... وقوله : {الحمد لله الذي هدانا لهذا } وهذه الهدايات الأربع مترتبة فإنَّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل الثانية بل لا يصح تكليفه ، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها ، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله . ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الثانية أشار بقوله : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} ،{ يهدون بأمرنا } ، {ولكل قوم هاد} أي داع. وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : { إنك لا تهدي من أحببت}(1).
__________
(1) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص538 والآية من سورة القصص 56(13/69)
فهو الذي قوله رشد ، وفعله كله رشد، وهو مرشد الحيران الضال فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً، وتعليماً، وتوفيقاً، فأقواله القدرية التي يوجد بها الأشياء ويدبر بها الأمور كلها حق لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية هي أقوله التي تكلم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الأخبار والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدق من الله قيلاً ولا أحسن منه حديثاً : {وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً} (1)في الأمر والنهي، وهي أعظم وأجل ما يرشد بها العباد، بل لا حصول إلى الرشاد بغيرها، فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد، فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق، والأصول، والفروع، والمصالح والمضار الدينية والدنيوية، ويحصل بها الرشد العلمي فإنها تزكي النفوس وتطهر القلوب وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق، وتحث على كل جميل، وترهب عن كل ذميم رذيل ، فمن استرشد بها فهو المهتدي، ومن لم يسترشد بها فهو ضال. ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدى المطلق، فكم هدى بفضله ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً من تعلق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنه المنفرد بالهداية(2).
وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي : الهداية الثالثة [وهي هداية التوفيق والإلهام] الذي يختص به المهتدون ،والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة كقوله عز وجل : {والله لا يهدي القوم الظالمين} وقوله : {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 115
(2) الحق الواضح المبين ص78-79 وانظر شرح النونية للهراس 2/103(13/70)
وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة كقوله تعالى : {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } فأسأل الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1)
الحكم
قال الله تعالى : { فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}(2) وقال تعالى : { وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته}(3)وقال تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان }(4) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله هو الحكم وإليه الحكم))(5)وقال تعالى : { أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً }(6) الآية.
والله سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ، ولا يحمل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه . وهو العدل في تدبيره وتقديره(7) .
__________
(1) المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص539بتصرف يسير
(2) سورة الأعراف الآية 87
(3) سورة الأنعام الآية 115
(4) سورة النحل الآية 90
(5) أبو داود 4/289 والنسائي 8/226 وإسناده جيد انظر فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب بتحقيق عبد القادر الأرنؤوط ص 517
(6) سورة الأنعام الآية 114
(7) تفسير العلامة السعدي5/627(13/71)
وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة كما قدمنا.وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا، وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة فإنما فعل بهم ما يستحقونه فإنه لا يأخذ إلا بذنب، ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة ، وأقواله كلها عدل، فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة. ولا ينهاهم إلا عما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء، ووزنه لأعمالهم عدل لا جور فيه(1).
كما قال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }(2) وهو سبحانه ( الحكم ) بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط . وهذا معنى قوله : { إن ربي على صراط مستقيم}(3)فإن أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ، فهي كلها أفعال رشيدة وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من الوجوه ، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب(4).
القدوس ، السلام
قال الله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام }(5).
( القدوس ، السلام ) معناهما متقاربان ، فإنَّ القدوس مأخوذ من قدَّس بمعنى : نزَّهه وأبعده عن السوء مع الإجلال والتعظيم . والسلام مأخوذ من السلامة . فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه ، ومن النقص ، ومن كل ما ينافي كماله(6) .
__________
(1) شرح النونية للهراس 2/104
(2) سورة الأنبياء الآية 47
(3) سورة هود الآية 56
(4) الحق الواضح المبين ص80
(5) سورة الحشر الآية 23
(6) شرح النونية للهراس 2/105(13/72)
فهو المقدَّس المعظَّم المنزه عن كل سوء ، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله . فهذا ضابط ما ينزه عنه : ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه، وينزه ويعظم أن يكون له مثيل ، أو شبيه أو كفوء ، أو سمي ، أو ندّ ، أو مضاد، وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها .
ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له، فإنَّ التنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة . كظن الجاهلية الذين يظنون به ظن السوء، ظن غير ما يليق بجلاله ، وإذا قال العبد مثنيا على ربه : ((سبحان الله )) أو (( تقدس الله)) أو ((تعالى الله )) ونحوها كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال.(1)
__________
(1) الحق الواضح المبين ص 81-82(13/73)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في اسم ( السلام ): [الله] أحق بهذا الاسم من كل مسمىً به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك . ولذلك إذا نظرت إلى إفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها ، فحياته سلام من الموت ومن السِّنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما ، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه ، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلماً، أو تشفياً، أو غلظة، أو قسوة ، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما(13/74)
يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة.
وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله حكمة، ورحمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى.
ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاجاً إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصوراً في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله.
وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوَّله معطل. وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال : {وقال الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً }(1)فلم ينف أن يكون له ولي مطلقاً بل نفى أن يكون له ولي من الذل .
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه ، وسلام مما يتقوله المعطلون فيها.
__________
(1) سورة الإسراء الآية 111(13/75)
وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل. فتأمل كيف تضمَّن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان.(1)
البر ، الوهاب
قال الله تعالى : {إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البرُّ الرحيم}(2)وقال سبحانه : {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}(3).
من أسمائه تعالى ( البر الوهاب ) الذي شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه، فهو مولى الجميل ودائم الإحسان وواسع المواهب، وصفه البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة و الباطنة، فلا يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين.
وإحسانه عام و خاص:
فالعام المذكور في قوله : {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}(4){ورحمتي وسعت كل شيء}(5) ، قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله }(6)وهذا يشترك فيه البر والفاجر و أهل السماء و أهل الأرض و المكلفون وغيرهم .
__________
(1) بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله 2/150-152 والطبعة المصرية نشر مكتبة القاهرة 2/135-137 التي طبعتها مكتبة الرياض الحديثة بتصرف يسير جداً.
(2) سورة الطور الآية 28
(3) سورة آل عمران الآية 8
(4) سورة غافر الآية 7
(5) سورة الأعراف الآية 156
(6) سورة النحل الآية 53(13/76)
والخاص رحمته و نعمه على المتقين حيث قال : { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي }(1) الآية ... ، وقال : { إن رحمة الله قريب من المحسنين}(2)وفي دعاء سليمان : { و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}(3)وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها الأنبياء و أتباعهم، تقتضي التوفيق للإيمان، والعلم، والعمل، و صلاح الأحوال كلها، والسعادة الأبدية، والفلاح والنجاح، وهي المقصود الأعظم لخواص الخلق.(4)
وهو سبحانه المتصف بالجود : وهو كثرة الفضل والإحسان ، وجوده تعالى أيضاً نوعان :
جود مطلق عم جميع الكائنات وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة.
جود خاص بالسائلين بلسان المقال أو لسان الحال من بر وفاجر و مسلم وكافر، فمن سأل الله أعطاه سؤله و أناله ما طلب فإنه البر الرحيم ، {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون} (5)ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.(6)
الرحمن ، الرحيم ، الكريم ، الأكرم ، الرءوف
قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم }(7) الآيات ، وقال تعالى : { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم }(8) ، وقال سبحانه : { ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد}(9)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2) سورة الأعراف الآية 56
(3) سورة النمل الآية 19
(4) الحق الواضح المبين ص 82-83 و انظر شرح النونية للهراس 2/106
(5) سورة النحل الآية 53
(6) الحق الواضح المبين ص66-67انظر شرح النونية للهراس 2/94
(7) سورة الفاتحة الآية 1-2
(8) سورة النمل الآية 40
(9) سورة آل عمران الآية 30(13/77)
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: الرحمن ، الرحيم، والبر، الكريم، الجواد، الروءف، الوهاب – هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب، بالرحمة، والبر، والجود، والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عمّ بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته. وخص المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر، والحظ الأكمل ، قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}(1)الآية.
والنعم والإحسان، كله من آثار رحمته، وجوده، وكرمه. وخيرات الدنيا و الآخرة، كلها من آثار رحمته.(2)
وقال ابن تيمية رحمه الله في تفسيرة قوله تعالى : {اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم } سمّى ووصف نفسه بالكرم، وبأنه الأكرم بعد إخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى : {الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى } ، { ربنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى} ، { الذي خلقني فهو يهدين } فالخلق يتضمن الابتداء والكرم تضمن الانتهاء . كما قال في سورة الفاتحة { رب العالمين} ثم قال { الرحمن الرحيم }ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء بل الإعطاء من تمام معناه، فإن الإحسان إلى الغير تمام والمحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته.. والله سبحانه أخبر أنه الأكرم بصيغة التفضيل والتعريف لها. فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف لو قال (وربك أكرم) فإنه لا يدل على الحصر. وقوله { الأكرم } يدل على الحصر ولم يقل ((الأكرم من كذا)) بل أطلق الاسم، ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مقيد فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه.(3)
الفتاح
قال الله تعالى : {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم }(4)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 156
(2) تفسير العلامة السعدي5/621
(3) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 16/293-296 بتصرف يسير.
(4) سورة سبأ الآية 26(13/78)
الفاتح : الحاكم والفتاح من أبنية المبالغة. فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد، وفتحه تعالى قسمين:
أحدهما: فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي.
والثاني: الفتاح بحكمه القدري.
ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون، ويستقيمون به على الصراط المستقيم. وأما فتحه بجزائه فهو فتحه بين أنبيائه ومخالفيهم وبين أوليائه وأعدائهم بإكرام الأنبياء وأتباعهم ونجاتهم ، وبإهانة أعدائهم وعقوباتهم.
وكذلك فتحه يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفي كل عامل ما عمله.
وأما فتحه القدري فهو ما يقدِّره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع، قال تعالى:{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم }(1)فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه ، ويفتح على أعدائه ضد ذلك ، وذلك بفضله وعدله.(2)
الرزاق ، الرازق
وهو مبالغة من: رازق للدلالة على الكثرة.
والرازق من أسمائه سبحانه. قال تعالى : {إن الله هو الرزاق}(3){وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها}(4).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرازق}(5)ورزقه لعباده نوعان: عام وخاص.
__________
(1) سورة فاطر الآية 2
(2) الحق والواضح المبين ص 83 وانظر شرح النونية للهراس 2/107
(3) سورة الذاريات الآية 58
(4) سورة هود الآية 6
(5) أخرجه بلفظه أبو داود 3/272 والترمذي 3/596 وابن ماجه 2/741 وأحمد في المسند 3/156 و286 بنحوه. والدارمي بنحوه 2/165 وهو حديث صحيح الإسناد انظر صحيح الترمذي 2/32وصحيح ابن ماجه 2/15(13/79)
فالعام إيصاله لجميع الخليقة جميع ما تحتاجه في معاشها وقيامها، فسهل لها الأرزاق، ودبرها في أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر، بل للآدميين والجن والملائكة والحيوانات كلها.وعام أيضاً من وجه آخر في حق المكلفين،فإنه قد يكون من الحلال الذي لا تبعة على العبد فيه، وقد يكون من الحرام و يسمى رزقاً ونعمة بهذا الاعتبار، ويقال (( رزقه الله )) سواء ارتزق من حلال أو حرام وهو مطلق الرزق.
وأما الرزق المطلق فهو النوع الثاني، وهو الرزق الخاص، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة، وهو الذي على يد رسول الله وهو نوعان:
رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك، فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق مريدة له متألهة لله متعبدة، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها.
ورزق البدن بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه، فإن الرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منه شامل للأمرين، فينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين، فمعنى ((اللهم ارزقني)) أي ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن ، وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهنيّ الذي لا صعوبة فيه ولا تبعة تعتريه.(1)
الحي ، القيوم
قال الله تعالى : {الله لا إله هو الحي القيوم}(2)وقال سبحانه : {آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}(3)وقال عز وجل : {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً}(4)وهما من أسماء الله الحسنى.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص85-86 انظر شرح النونية للهراس 2/108 وتوضيح المقاصد 2/234 .
(2) سورة البقرة الآية 254
(3) سورة آل عمران الآية 2
(4) سورة طه الآية 111(13/80)
و(الحي القيوم) جمعها في غاية المناسبة كما جمعها الله في عدة مواضع في كتابه، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال، فالحي هو كامل الحياة، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم، والعزة، والقدرة والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذات المقدسة، والقيوم هو كامل القيومية وله معنيان :
هو الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته.
وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها، فهو الغني عنها من كل وجه وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، فالحي والقيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد.(1)
...
نور السموات والأرض(2)
قال تعالى : { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريٌّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء }(3)وقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ..))(4)الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))(5).
__________
(1) الحق الواضح المبين 87-88 انظر شرح النونية للهراس2/109 وتوضيح المقاصد 2/236 .
(2) انظر فتاوى ابن تيمية فقد تكلم كلاماً نفيساً في هذا 6/382 -396
(3) سورة النور الآية 35
(4) البخاري مع الفتح 13/464 و البخاري مع الفتح 11/116 ومسلم 1/532
(5) رواه مسلم 1/161(13/81)
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الل ه: من أسمائه جل جلاله ومن أوصافه (النور) الذي هو وصفه العظيم، فإنه ذو الجلال والإكرام وذو البهاء والسبحات الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهو الذي استنارت به العوالم كلها، فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان.
والنور نوعان:
حسي كهذه العوالم التي لم يحصل لها نور إلا من نوره.
ونور معنوي يحصل في القلوب والأرواح بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة نبيه . فعلم الكتاب والسنة والعمل بهما ينير القلوب والأسماع والأبصار، ويكون نوراً للعبد في الدنيا والآخرة {يهدي الله لنوره من يشاء }(1)لما ذكر أنه نور السماوات والأرض وسمّى الله كتابه نوراً ورسوله نوراً ووحيه نوراً...
ثم إنَّ ابن القيم رحمه الله حذر من اغترار من اغتر من أهل التصوف ، الذين لم يفرقوا بين نور الصفات وبين أنوار الإيمان والمعارف، فإنهم لما تألهوا وتعبدوا من غير فرقان وعلم كامل ، ولاحت أنوار التعبد في قلوبهم ، لأن العبادات لها أنوار للقلوب، فظنوا هذا النور هو نور الذات المقدسة، فحصل منهم من الشطح والكلام القبيح ما هو أثر هذا الجهل والاغترار والضلال.
وأما أهل العلم والإيمان الفرقان فإنهم يفرقون بين نور الذات والصفات، وبين نور المخلوق الحسي منه والمعنوي، فيعترفون أن نور أوصاف الباري ملازم لذاته لا يفارقها ولا يحل بمخلوق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
__________
(1) سورة النور آية 35(13/82)
وأما النور المخلوق فهو الذي تتصف به المخلوقات بحسب الأسباب والمعاني القائمة بها.والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار الله قلبه، فانكشفت له حقائق الأشياء، وحصل له فرقان يفرق به بين الحق والباطل، وصار هذا النور هو مادة حياة العبد وقوته على الخير علماً وعملاً، وانكشفت عنه الشبهات القادحة في العلم واليقين، والشهوات الناشئة عن الغفلة والظلمة، وكان قلبه نوراً وكلامه نوراً وعمله نوراً، والنور محيط به من جهاته.
والكافر، أو المنافق، أو المعارض، أو المعرض الغافل كل هؤلاء يتخبطون في الظلمات، كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها والله الموفق وحده(1).
الرب
قال الله تعالى : { قل أغير الله أبغي رباً وهو ربّ كل شيء}(2)هو: المربي جميع عباده، بالتدبير، وأصناف النعم. وأخص من هذا، تربيته لأصفيائه، بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم وأخلاقهم.
ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة.
الله
هو المألوه المعبود، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، لما أتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال.
الملِكُ , المليكُ , مالك الملك
قال الله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم }(3) وقال تعالى : {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}(4)، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}(5).
فهو الموصوف ، بصفة الملك. وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق، والأمر، والجزاء.
__________
(1) الحق الواضح المبين ص93-95 وانظر توضيح المقاصد 2/237 وانظر أيضاً شرح النونية للهراس 2/114 بتصرف يسير .
(2) سورة الأنعام الآية 164
(3) سورة المؤمنون الآية 116
(4) سورة القمر الآية 55
(5) سورة آل عمران الآية26(13/83)
وله جميع العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه.(1) فهو الرب الحق، الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلاهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق. رب الناس ملك الناس إله الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني أسمائه الحسنى أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن ( الرب) هو القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما(الملك ) فهو الآمر، الناهي، المعز، المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز، الجبار، المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز، المذل، العظيم، الجليل، الكبير، الحسيب، المجيد، الولي، المتعالي، مالك الملك، المقسط، الجامع، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.
وأما ( الإله): فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وإن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى فكان المستعيذ بها جديراً بأن يعاذ، ويحفظ، ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه.(2)
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/620
(2) بدائع الفوائد ابن القيم رحمه الله 2/249(13/84)
وإذا كان وحده هو ربنا، وملكنا، وإلهنا فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه، ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه، وتخافه، وتدعوه، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومتولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقاً وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلاهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك، وروحك، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان ربهم، وملكهم، وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجؤا إلى غير حماه فهو كافيهم، وحسبهم، وناصرهم، ووليهم، ومتولي أمورهم جميعاً بربوبيته، وملكه، وإلاهيته لهم. فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه، ومالكه، وإلهه.(1)
الواحد ، الأحد
قال الله تعالى : {قل هو الله أحد}(2)، وقال سبحانه : {قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}(3)وهو الذي توحَّد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك.
ويجب على العبيد توحيده ، عقداً وقولاً وعملاً ، بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة .(4)
والأحد يعني : الذي تفرَّد بكل كمال ، ومجد وجلال ، وجمال وحمد ، وحكمة ، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال. فليس له مثيل ولا نظير، ولا مناسب بوجه من الوجوه. فهو الأحد في حياته وقيوميته، وعلمه وقدرته، وعظمته وجلاله، وجماله وحمده، وحكمته ورحمته، وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال ونهايته، من كل صفة من هذه الصفات.
__________
(1) المرجع السابق 2/248
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الرعد الآية 16
(4) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 5/620(13/85)
ومن تحقيق أحديته وتفرده بها أنه ((الصمد)) أي: الرب الكامل، والسيد العظيم، الذي لم يبق صفة كمال إلا اتصف بها. ووصفه بغايتها وكمالها، بحيث لا تحيط الخلائق ببعض تلك الصفات بقلوبهم ، ولا تعبر عنها ألسنتهم.(1)
المتكبر
قال الله تعالى : {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون}(2)فهو سبحانه المتكبر عن السوء، والنقص والعيوب، لعظمته وكبريائه .
الخالق ، البارئ ، المصوِّر ، الخلاق
قال تعالى : {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى}(3)، {إن ربك هو الخلاق العليم}(4) .
الذي خلق جميع الموجودات وبرأها، وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم.
المؤمن
الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال ، وبكمال الجلال والجمال. الذي أرسل رسله، وأنزل كتبه بالآيات والبراهين. وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به.
المهيمن
المطَّلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً(5)وقال البغوي: الشهيد على عباده بأعمالهم وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما يقال: هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيباً على الشيء...(6)
المحيط
__________
(1) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار ص291 لعبد الرحمن السعدي .
(2) سورة الحشر الآية 23
(3) سورة الحشر الآية 24
(4) سورة الحجر الآية 86
(5) تفسير السعدي 5/624
(6) تفسير البغوي4/326(13/86)
قال الله تعالى : {ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطاً}(1)وقال عز وجل : {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}(2) وهو الذي أحاط بكل شيء علماً، وقدرة، ورحمة، وقهراً. وقد أحاط علمه بجميع المعلومات، وبصره بجميع المبصرات، وسمعه بجميع المسموعات ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات، ووسعت رحمته أهل الأرض والسماوات، وقهر بعزته كل مخلوق ودانت له جميع الأشياء(3).
المقيت
قال الله تعالى : {وكان الله على كل شيء مقيتاً}(4)فهو سبحانه الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات . وأوصل إليها أرزاقها وصرّفها كيف يشاء ، بحكمته وحمده.(5)
__________
(1) سورة النساء الآية 126
(2) سورة آل عمران الآية 120
(3) تفسير العلامة السعدي 2/179
(4) سورة النساء الآية 85
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/625(13/87)
قال الراغب الأصفهاني : القوت ما يمسك الرمق وجمعه: أقوات ، قال تعالى : {وقدَّر فيها أقواتها}(1)، وقاته يقوته قوتاً: أطعمه قوته . وأقاته يقيته جعل له ما يقوته وفي الحديث : ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت))(2)قيل مقتدراً، وقيل: شاهداً. وحقيقته قائماً عليه يحفظه ويقيته..(3) وقال في القاموس المحيط : ((المقيت: الحافظ للشيء، والشاهد له، والمقتدر، كالذي يعطي كل أحد قوته ))(4) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: مقتدراً أو مجازياً، وقال مجاهد: شاهداً، وقال قتادة حافظاً وقيل:معناه على كل حيوان مقيتاً: أي يوصل القوت إليه(5) وقال ابن كثير : {وكان الله على كل شيء مقيتاً}أي حفيظاً، وقال مجاهد: شهيداً، وفي رواية عنه: حسيباً، وقيل قديراً، وقيل: المقيت الرازق، وقيل مقيت لكل إنسان بقدر عمله.(6)
الوكيل
قال الله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل}(7)فهو سبحانه المتولي لتدبير خلقه ، بعلمه، وكمال قدرته، وشمول حكمته. الذي تولى أوليائه، فيسرهم لليسرى، وجنبهم العسرى وكفاهم الأمور. فمن اتخذه وكيلاً كفاه : {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}(8).
ذو الجلال والإكرام
أي ذو العظمة والكبرياء، وذو الرحمة، والجود، والإحسان العام والخاص. المكرم لأوليائه وأصفيائه، الذين يجلونه، ويعظمونه، ويحبونه،(9)قال تعالى : {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام }(10).
جامع الناس ليوم لا ريب فيه
__________
(1) سورة فصلت الآية10
(2) أبو داود 2/132 وأحمد 2/160 ومسلم بلفظ ((كفى بالمرء إثماُ أن يحبس عمن يملك قوته))مسلم 1/692.
(3) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص414
(4) القاموس المحيط ص202
(5) تفسير البغوي 1/457.
(6) تفسير ابن كثير 1/531 بتصرف يسير.
(7) سورة الزمر الآية 62
(8) سورة البقرة الآية 257
(9) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/626
(10) سورة الرحمن الآية78(13/88)
قال الله تعالى: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد}(1)فالله سبحانه وتعالى هو جامع الناس ، وجامع أعمالهم وأرزاقهم، فلا يترك منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين، بكمال قدرته، وسعة علمه.(2)
بديع السموات والأرض
قال الله تعالى : {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول كن فيكون}(3)أي: خالقهما ومبدعهما، في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع، والنظام العجيب المحكم.
وقال تعالى : {وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده}(4)ابتدأ خلقهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، ثم يعيدهم، ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي المسيئين بإساءتهم. وكذلك، هو يبدأ إيجاد المخلوقات شيئاً فشيئاً، ثم يعيده كل وقت.
وقال تعالى : {إن ربك فعّال لما يريد}(5)وقال سبحانه : {ذو العرش المجيد * فعال لما يريد}(6).
وهذا من كمال قوته، ونفوذ مشيئته، وقدرته، أن كل أمر يريده يفعله بلا ممانع، ولا معارض. وليس له ظهير ولا عوين، على أي أمر يكون. بل إذا أراد شيئاً قال له (كن فيكون).ومع أنه الفعال لما يريد، فإرادته، تابعة لحكمته وحمده. فهو موصوف بكمال القدرة، ونفوذ المشيئة.وموصوف بشمول الحكمة، لكل ما فعله ويفعله.(7)
الكافي
قال الله تعالى : {أليس الله بكاف عبده}(8).
فهو سبحانه الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه. الكافي كفاية خاصة، من آمن به، وتوكل عليه، واستمد منه حوائج دينه ودنياه.
الواسع
__________
(1) سورة آل عمران الآية9
(2) نفس المرجع السابق 5/627
(3) سورة البقرة الآية 117
(4) سورة الروم الآية 27
(5) سورة هود الآية 107
(6) سورة البروج الآية 16
(7) تيسير الكريم الرحمن 5/628-629
(8) سورة الزمر الآية 36(13/89)
قال الله تعالى : {والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم}(1).فهو سبحانه وتعالى واسع الصفات، والنعوت، ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .واسع العظمة ، والسلطان، والملك واسع الفضل، والإحسان، عظيم الجود والكرم.
الحق
الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته.فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته. ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به. فهو الذي لم يزل، ولا يزال، بالجلال، والجمال، والكمال موصوفاً.
ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً. فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له، هي الحق، وكل شيء ينسب إليه، فهو حق.(2){ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وأن الله هو العلي الكبير}(3){وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(4){فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الضلال}(5){وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً}(6)وقال الله تعالى : {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}(7).
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، و عبادته هي الحق، ووعده حق، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.(8)
الجميل
__________
(1) سورة البقرة الآية 268.
(2) تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/631-632 بتصرف يسير
(3) سورة الحج الآية 62
(4) سورة الكهف الآية29
(5) سورة يونس الآية 32
(6) سورة الإسراء الآية 81
(7) سورة النور الآية25
(8) تفسير السعدي 5/405 وابن كثير3/277(13/90)
قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله جميل يحب الجمال))(1)فهو سبحانه جميل بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته، حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم وتلاشى ما فيه من الأفراح، وودّوا أن لو تدوم هذه الحال، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب.
__________
(1) أخرجه مسلم 1/93(13/91)
وكذلك هو الجميل في أسمائه، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(1)وقال تعالى : {هل تعلم له سمياً}(2)فكلها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال، لا يسمى باسم منقسم إلى كمال وغيره. وكذلك هو الجميل في أوصافه، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقاً، خصوصاً أوصاف الرحمة، والبر، والكرم، والجود، وكذلك أفعاله كلها جميلة، فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويثنى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث، ولا سفه، ولا سدى، ولا ظلم، كلها خير، وهدى، ورحمة، ورشد، وعدل : {إن ربي على صراط مستقيم}(3)فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع: أتقن ما صنعه : {صنع الله الذي أتقن كل شيء}(4)وأحسن خلقه.{الذي أحسن كل شيء خلقه}(5){ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}(6)والأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال وأعطاها الحسن، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال، فكل جمال في الدنيا والآخرة باطني وظاهري، خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كفّ واحدة من الحور العين إلى الدنيا، لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومنّ عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.فهذا دليل عقلي واضح مسلّم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى : {ولله المثل الأعلى}(7)فكل ما وجد في
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة مريم الآية 65
(3) سورة هود الآية 56
(4) سورة النمل الآية 88
(5) سورة السجدة الآية 7
(6) سورة المائدة الآية 50
(7) سورة النحل الآية 60(13/92)
المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطى بما لا نسبة بينهم ، كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته، فالذي أعطاهم السمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحق منهم بذلك، وكيف يعبِّر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به : ((لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك))(1)وقال صلى الله عليه وسلم : ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))(2) فسبحان الله وتقدس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته.(3)
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم))(4)وقال أيضاً في الصحيح: قال الله تعالى : ((كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك.وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني.وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته.وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد))(5)فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم والعاصي، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء دينه، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون، يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم ، وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان ، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمرهم.(6)
الرفيق
__________
(1) أخرجه مسلم 1/352
(2) أخرجه مسلم 1/161
(3) توضيح الحق المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص29-32 بتصرف يسير
(4) البخاري مع الفتح 10/511 ومسلم 4/2160
(5) البخاري مع الفتح 8/168 و8/739
(6) الحق الواضح المبين ص 57-58 بتصرف يسير(13/93)
مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطى على ما سواه ))(1)فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة. ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء شاهد من ذلك العجب العجيب، فالمتأني الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار، اتباعاً لسنن الله في الكون واتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم. فإن من هذا هديه وطريقه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطر إلى الرفق واللين، وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الراحة والطمأنينة والرزانة والحلم.(2)
والله عز وجل يغيث عباده إذا استغاثوا به سبحانه فعن أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ثم قال يا رسول الله : هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:((اللهم أغثنا.اللهم أغثنا. اللهم أغثنا ))(3)فالله عز وجل يغيث عباده في الشدائد والمشقات، فهو يغيث جميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في الشدائد والكربات: يطعم جائعهم ويكسو عاريهم، ويخلص مكروبهم، وينزل الغيث عليهم في وقت الضرورة والحاجة، وكذلك يجيب إغاثة اللهفان أي دعاء من دعاه في حالة اللهف والشدة والاضطرار، فمن استغاثه أغاثه.وفي الكتاب والسنة من ذكر تفريجه للكربات، وإزالته الشدائد، وتيسيره للعسير شيء كثير جداً معروف(4).
الحي ، الستير
__________
(1) أخرجه مسلم 4/2004
(2) الحق الواضح المبين ص63
(3) البخاري مع الفتح 2/507 ومسلم 2/612
(4) الحق الواضح المبين ص67(13/94)
هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حيي يستحي من عبده إذا مدّ يديه إليه أن يردهما صفراً ))(1) وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله عز وجل حليم، حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر))(2)وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهره بالمعاصي مع فقره الشديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه وفضيحته وإحلال العقوبة به ، فيستره بما يقيّض له من أسباب الستر، ويعفو عنه ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغّضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات وشرهم إليه صاعد، ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي وكل قبيح.
ويستحي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفراً، ويدعو عباده إلى دعائه ويعدهم بالإجابة وهو الحيي الستِّير يحب أهل الحياء والستر، ومن ستر مسلماً ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصياً والله يستره ، فيصبح يكشف ستر الله عليه ، وقال تعالى :{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}(3)وهذا كله من معنى اسمه (الحليم) الذي وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان ، ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلاً،فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصروا واستمروا في طغيانهم ولم ينيبوا.(4)
الإله
__________
(1) أخرجه أبو داوود 2/78 والترمذي 5/556 وابن ماجه /وانظر صحيح ابن ماجه 2/331 وصحيح الترمذي 3/179
(2) أبو داود 4/40 والنسائي 1/200 والبيهقي 1/198 وأحمد 4/224 وهو حديث صحيح انظر إرواء الغليل 7/367 وصحيح النسائي 1/87
(3) سورة النور الآية 19.
(4) الحق الواضح المبين ص54-55(13/95)
هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال ، فقد دخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن (الله) أصله (الإله) وأن اسم (الله) هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم(1)
قال الله تعالى : {إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً}(2).
القابض ، الباسط ، المعطي
قال الله تعالى : {والله يقبض وبسط وإليه ترجعون}(3)وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرزاق ..))(4) وقال صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم..)) (5) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل ))(6) الحديث.
وقال تعالى : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}(7)وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ))(8)وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد السلام من الصلاة حينما ينصرف إلى الناس : ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ))(9).
__________
(1) المرجع السابق ص104، وانظر ص164 من هذا الكتاب
(2) سورة النساء الآية 171
(3) سورة البقرة الآية 245
(4) ابن ماجه 2/741 والترمذي 3/596 وأبو داود 3/272 وأحمد 3/156 و286 والدارمي 2/165 وانظر صحيح الترمذي 2/32 وصحيح ابن ماجه 2/15
(5) البخاري مع الفتح 6/217 و 13/293
(6) مسلم 1/161
(7) سورة آل عمران الآية 26
(8) البخاري مع الفتح 1/255 ومسلم 1/414
(9) البخاري مع الفتح 2/507 ومسلم 612(13/96)
هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر، لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب . وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان ، الخافض لأعدائه. وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي، فإنَّ المطيع لله عزيز وإن كان فقيراً ليس له أعوان ، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلاً في الدنيا والآخرة. فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه حشوه الذل وإن لم يشعر به لانغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة الله والذل بمعصيته {ومن يهن الله فما له من مكرم}(1){من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً}(2){ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} (3) وهو تعالى المانع المعطي فلا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى.
وهذه الأمور كلها تبع لعدله وحكمته وحمده، فإن له الحكمة في خفض من يخفضه ويذله ويحرمه، ولا حجة لأحد على الله، كما له الفضل المحض على من رفعه وأعطاه وبسط له الخيرات، فعلى العبد أن يعترف بحكمة الله، كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه وجنانه وأركانه ، وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور وكلها جارية تحت أقداره، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسباباً، ولضد ذلك أسباباً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكلٌ ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله، والاعتماد على ربه في حصول ما يحب ، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة فإنها محل حكمة الله.(4)
المقدم ، والمؤخر
__________
(1) سورة الحج الآية 18
(2) سورة فاطر الآية 10
(3) سورة المنافقون الآية8
(4) الحق الواضح المبين ص89-90(13/97)
كان من آخر ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : (( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم، وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت))(1) .
المقدم والمؤخر هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له. ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر من أخَّر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته.
فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات الباري، وإن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال.(2)
قال الله عز وجل : {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير }(3)وقال الله تعالى : {قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً }(4).
__________
(1) مسلم 1/535
(2) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين ص100
(3) سورة الأنعام الآية 17
(4) سورة الفتح الآية 11(13/98)
وصفة الضر والنفع هما كما تقدم من الأسماء المزدوجة المتقابلة . فالله تعالى النافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدينية والدنيوية، الضار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلكٍ، وكل هذا تبع لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإنَّ الله تعالى جعل مقاصد للخلق وأموراً محبوبة في الدين والدنيا، وجعل لها أسباباً وطرقاً، وأمر بسلوكها ويسَّرها لعباده غاية التيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النافع، ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومنّ إلا نفسه، وليس له حجة على الله، فإن الله أعطاه السمع، والبصر، والفؤاد، والقوة’ والقدرة، وهداه النجدين، وبين له الأسباب، والمسببات، ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني ولا دنيوي، فتخلفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها.
واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة، والحكمة الشاملة التامة. وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير، والنفع والضر، والعطاء والحرمان، والخفض والرفع، لا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين دينيها ودنيويها. فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل.(1)
المبين
المبين : اسم الفاعل من أبان يبين فهو مبين إذا أظهر وبينّ إما قولاً، وإما فعلاً.
والبينة هي الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة والبيان هو الكشف عن الشيء .. وسمي الكلام بياناً لكشفه عن المقصود وإظهاره نحو {هذا بيان للناس}.
__________
(1) توضيح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص131 -132(13/99)
فالله عز وجل هو المبين لعباده سبيل الرشاد والموضح لهم الأعمال التي يستحقون الثواب على فعلها والأعمال التي يستحقون العقاب عليها، وبين لهم ما يأتون، وما يذرون يقال: أبان الرجل في كلامه ومنطقه فهو مبين والبيان: الكلام ويقال: ( بان الكلام وأبان بمعنىً واحد فهو: مُبِّينٌ ومُبينٌ(1)وقد سمى الله نفسه بالمبين {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}.(2)
وهو سبحانه الذي بين لعباده طرق الهداية وحذرهم وبين لهم طرق الضلال وأرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب ليبين لهم قال الله عز وجل : {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }(3)وهذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى في كتبه التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) انظر مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص68-69 واشتقاق الأسماء للزجاجي ص180
(2) سورة النور الآية25
(3) سورة البقرة الآية 195(13/100)
وقال عز وجل : {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون}.(1)، {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }(2)، {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم}،(3) وقال عز وجل : {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.(4)ويقول عز وجل : { انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون}.(5){ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}،(6)والله عز وجل يبين للناس الأحكام الشرعية ويوضحها ويبين الحكام القدرية وهو عليم بما يصلح عباده حكيم في شرعه وقدره،(7)فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
وقال عز وجل:{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}،(8)وقال:{وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم}،(9)يخبر الله عن نفسه الكريمة وحكمه العادل أنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة.(10)
المنان
__________
(1) سورة البقرة الآية 118
(2) سورة البقرة الآية 266
(3) سورة النساء الآية 26
(4) سورة المائدة الآية15-16
(5) سورة المائدة الآية 75
(6) سورة النور الآية18
(7) تفسير ابن كثير 3/274
(8) سورة آل عمران الآية 103
(9) سورة التوبة 115
(10) تفسير ابن كثير 2/396(13/101)
المنان من أسماء الله الحسنى التي سماه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: ((اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت[وحدك لا شريك لك]المنان[يا]بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)).(1)
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث : (المنان) هو المنعم المعطي من المنِّ:العطاء، لا من المنة. وكثيراً ما يرد المنّ في كلامهم:بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة.... كالوهاب.(2)ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنه ليس من الناس أحد أمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل ))(3) ومعنى ((إن من أمنّ الناس )) أكثرهم جوداً لنا بنفسه، وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة ) (4) والله عز وجل هو المنان:من المن العطاء ، والمنان: هو عظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن وأنعم فأجزل، وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح )) (5) قال وقوله الحق : {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}.(6)
__________
(1) أخرجه أهل السنن الأربع وابن حبان وأحمد والحاكم. وانظر صحيح النسائي للألباني 1/279وصحيح ابن ماجه 2/329 وصفة الصلاة للألباني ص204
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4/365
(3) البخاري مع الفتح 1/558
(4) فتح الباري 1/558
(5) الأسماء والصفات للبيهقي 1/120
(6) سورة إبراهيم الآية34(13/102)
ومن أعظم النعم بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك.(1) قال الله تعالى:{لقدمن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. (2)
فالله عز وجل هو الذي منّ على عباده: بالخلق، والرزق، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، أسبغ عليهم النعم الظاهرة و الباطنة، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها- بل أصل النعم – الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شيء.(3)
ومعنى (( لقد من الله على المؤمنين )) أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل .(4) ، والمنة : النعمة العظيمة . قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة وهي على نوعين:
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله 1/449
(2) سورة آل عمران الآية 164
(3) انظر تفسير السعدي 7/142
(4) الأسماء والصفات للبيهقي 1/49(13/103)
النوع الأول: أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال: منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى:{لقد منّ الله على المؤمنين}.(1)وقوله تعالى:{كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً}،(2)وقال عز وجل:{ولقد مننا على موسى وهارون}(3){ولقد مننا عليك مرة أخرى}(4)، {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}،(5){فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}،(6){ولكن الله يمنُّ على من يشاء من عباده}.(7)وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي منّ على عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة.
النوع الثاني : أن يكون المنّ بالقول . وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال الله تعالى : {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}.(8)فالمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام،(9)والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المنّ المذموم : وهو المنة بالقول فقال : {ولا تمنن تستكثر}(10)قال ابن كثير : (( لا تمنن بعملك على ربك تستكثره))(11)وقيل غير ذلك.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 164
(2) سورة النساء الآية94
(3) سورة طه الآية114
(4) سورة طه الآية 37
(5) سورة القصص الآية 5
(6) سورة الطور الآية 27
(7) سورة إبراهيم الآية11
(8) سورة الحجرات الآية17
(9) مفردات غريب القرآن للأصفهاني ص474
(10) سورة المدثر الآية 6
(11) تفسير ابن كثير 4/242(13/104)
وقال الله عز وجل : {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم * يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين}.(1) وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم المنّ بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم )) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات . قال أبو ذر: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله قال : (( المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ))(2) هذا هو المنّ المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان، والجود فهو المحمود .
والخلاصة:أنَّ الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو عظيم المواهب، أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن، وأنعم فأجزل ، وأكثر العطايا والمنح ، وأنقذ عباده المؤمنين ، ومنّ عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله. ومن على عباده أجمعين: بالخلق، والرزق، والصحة، والأمن لعباده المؤمنين. وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم. فاللهم مُنَّ علينا بنعمة الإيمان ، واحفظنا وأجزل لنا من كل خير ، واصرف عنا كل شر وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا كريم يا منان، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، يا بديع السموات والأرض، يا الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
الولي
__________
(1) سورة البقرة الآيات 262-264
(2) أخرجه مسلم 1-102(13/105)
الولي: يطلق على كل من ولي أمراً أو قام به، والنصير، والمحب، والصديق، والحليف، والصهر، والجار، والتابع، والمعتق، والمطيع يقال: المؤمن ولي الله، والمطر يسقط بعد المطر، والولي ضد العدو، والناصر والمتولي لأمور العالم والخلائق، ويقال للقيِّم على اليتيم الولي، وللأمير الوالي.(1)
قال الراغب الأصفهاني: الولاء والتوالي يطلق على القرب من حيث المكان ومن حيث النسب ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، ومن حيث النصرة، ومن حيث الاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولي الأمر.. والوَليُّ والموْلى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموُاِلي وفي معنى المفعول أي المُوالَى: يقال للمؤمن هو ولي الله، ويقال الله ولي المؤمنين.(2)
وولاية الله عز وجل ليست كغيرها : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.(3)فهو سبحانه الولي الذي تولى أمور العالم والخلائق، وهو مالك التدبير، وهو الولي الذي صرف لخلقه ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم)) (4) وقد سمى الله نفسه بهذا الاسم فهو من الأسماء الحسنى قال الله عز وجل:{أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير}،(5)وقال عز وجل:{وهو الذي ينزِّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}.(6)
فالله عز وجل هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته والتقرب إليه بما أمكن من القربات وهو الذي يتولى عباده عموماً بتدبيرهم ونفوذ القدر فيهم، ويتولى عباده بأنواع التدبير.
__________
(1) انظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5/227 والمعجم الوسيط ص1058 والقاموس المحيط ص1732 والمصباح المنيرص672 ومختار الصحاح ص306
(2) مفردات الراغب الأصفهاني ص533
(3) سورة الشورى الآية11
(4) انظر تفسير ابن كثير 4/116 و1/277 وتفسير العلامة السعدي 6/617 و6/595
(5) سورة الشورى الآية 9
(6) سورة الشورى الآية28(13/106)
ويتولى عباده المؤمنين خصوصاً بإخراجهم من الظلمات إلى النور ويتولى تربيتهم بلطفه ويعينهم في جميع أمورهم وينصرهم، ويؤيدهم بتوفيقه، ويسددهم قال الله عز وجل:{الله ولي الذي ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}،(1)وقال عز وجل:{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}.(2)
فالله عز وجل هو نصير المؤمنين وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .. وإنما جعل الظلمات للكفر مثلاً، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها وكذلك الكفر حاجب لأبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان، والعلم بصحته وصحة أسبابه فأخبر عز وجل عباده أنه ولي المؤمنين ومبصِّرهم حقيقة الإيمان، وسبله، وشرائعه، وحججه، وهاديهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر أبصار القلوب.(3)
__________
(1) سورة البقرة الآية257
(2) سورة الجاثية الآية19
(3) تفسير الطبري ببعض التصرف 3/14(13/107)
والخلاصة : أن الله تعالى أخبر أن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة، ويتولى تربيتهم فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر، والمعاصي، والغفلة، والإعراض، إلى نور العلم، واليقين، والإيمان والطاعة، والإقبال الكامل على ربه، وينور قلوبهم بما يقذف فيها من نور الوحي والإيمان، وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ويجلب لهم المنافع، ويدفع عنهم المضار فهو يتولى الصالحين : {إن ولييّ الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين}(1) الذين صلحت نياتهم ، وأقوالهم، فهم لمَّا تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر تولاهم الله ولطف بهم، وأعانهم على ما فيه الخير، والمصلحة في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه(2)كما قال عز وجل : {إن الله يدافع عن الذين ءامنوا}(3).
__________
(1) سورة الأعراف الآية 196
(2) تفسير العلامة السعدي ببعض التصرف1/318و 3/132 وانظر تفسير ابن كثير 1/312 .
(3) سورة الحج الآية 38(13/108)
وأما الذين كفروا، فإنهم لما تولوا غير وليهم ولاهم الله ما تولوا لأنفسهم، وخذلهم ووكلهم، إلى رعاية من تولاهم ممن ليس عنده نفع ولا ضر، فأضلوهم، وأشقوهم، وحرموهم هداية العلم النافع، والعمل الصالح، وحرموهم السعادة الأبدية وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدينٍ: اللهم تولنا فيمن توليت.(1)والله عز وجل يحب أولياءه وينصرهم ويسددهم والولي لله هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته المبتعد عن معصية الله.ومن عادى هذا الولي لله فالله عز وجل يعلمه بالحرب ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : ((إن الله يقول من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرَّب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه . وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن أستعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).(2)والمعنى أنه إذا كان ولياً لله عز وجل فالله يحفظه ويسدده، ويوفقه حتى لا يسمع إلا إلى ما يرضي مولاه، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه مولاه ، ولا تبطش يداه إلا فيما يرضي الله ، ولا تمشي قدماه إلا إلى الطاعات فهو موفق مسدد مهتد ملهم من المولى وهو الله عز وجل ولهذا فسَّر هذا الحديث بهذا أهل العلم كابن تيمية وغيره ولأنه جاء في رواية الحديث رواية أخرى : ((فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش وبي يمشي ))(3) هذا يدل على نصرة الله لعبده، وتأييده، وإعانته، فيوفقه الله للأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله عز وجل.(4)
__________
(1) تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله 1/318 وانظر تفسير ابن كثير 1/312 وانظر الأسماء والصفات للبيهقي 1/123 تحقيق عماد الدين أحمد
(2) البخاري مع الفتح 11/340
(3) فتح الباري 11/344
(4) فتح الباري 11/344(13/109)
المولى
(المولى) اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والصهر، والعبد، والمنعم عليه، وأكثرها قد جاء في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه، ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء: فالوَلايَةُ- بالفتح – في النسب، والنصرة والمُعتِق.
والوِلاية-بالكسر-في الإمارة، والولاء المعتَق، والموالا من والى القوم.(1)
والله عز وجل هو المولى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}(2)فهو المولى، والرب الملك، السيد، وهو المأمول منه النصر والمعونة. لأنه هو المالك لكل شيء. وهو الذي سمى نفسه عز وجل بهذا الاسم فقال سبحانه {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير }.(3) وقال سبحانه وتعالى : { وإن تولّوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير }(4) وقال الله سبحانه:{ذلك بأنَّ الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}(5)والله سبحانه وتعالى هو مولى الذين آمنوا وهو سيدهم وناصرهم، على أعدائهم فنعم المولى ونعم النصير،(6) فالله عزَّ وجل هو الذي يتولى عباده المؤمنين ويوصل إليهم مصالحهم، وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية (ونعم النصير) الذي ينصرهم ويدفع عنهم كيد الفجار وتكالب الأشرار ، ومن الله مولاه وناصره فلا خوف عليه ومن كان الله عليه فلا عز له ولا قائمة تقوم له.(7)
__________
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5/228 وانظر القاموس المحيط ص1782 والمعجم الوسيط ص1058والمصباح المنير2/672
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الحج الآية78
(4) سورة الأنفال الآية 40
(5) سورة محمد الآية 11
(6) انظر تفسير ابن كثير 4/310
(7) انظر تفسير العلامة السعدي 3/168 و5/331 وتفسير ابن كثير 4 / 310 و 2/238 و 1/344(13/110)
فالله سبحانه هو مولى المؤمنين فيدبرهم بحسن تدبيره فنعم المولى لمن تولاه فحصل له مطلوبه ونعم النصير لمن استنصره فدفع عنه المكروه ، وقال الله عز وجل:{بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}(1)ومن دعاء المؤمنين لربهم تبارك وتعالى ما أخبر الله عنهم بقوله:{أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}(2)أي أنت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا وأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.(3)وقال عز وجل:{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنَّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}.(4)وقال:{قد فرض الله لكم تحلَّة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم } (5) .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة حينما قال لهم أبو سفيان لنا العُزى ولا عُزى لكم فقال : (( قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ))(6).
النصير
__________
(1) سورة آل عمران الآية 150
(2) سورة البقرة الآية286
(3) تفسير ابن كثير 1/344
(4) سورة التحريم الآية 4
(5) سورة التحريم الآية2
(6) البخاري مع الفتح 3/20 كتاب المغازي باب غزوة أحد عن البراء رضي الله عنه.(13/111)
النصير: فعيل بمعنى فاعل أو مفعول لأنَّ كل واحد من المتناصرين ناصر ومنصور وقد نصره ينصره نصراً إذا أعانه على عدوه وشدَّ منه. (1)والنصير هو الموثوق منه بأن لا يسلم وليه ولا يخذله. (2) والله عز وجل النصير ونصره ليس كنصر المخلوق : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}،(3)وقد سمى نفسه تبارك وتعالى باسم النصير فقال:{وكفى بربك هاديا ونصيراً}،(4){والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً}(5) ، {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}،(6){فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير}.(7)
والله عز وجل هو النصير الذي ينصر عباده المؤمنين ويعنيهم كما قال عز وجل:{إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون},(8) وقال عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }،(9){إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}،(10){ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}،(11){ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}،(12){وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}،(13){من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبنَّ كيده ما يغيظ}،(14) ونصرة الله للعبد ظاهرة من هذه الآيات وغيرها فهو ينصر من ينصره ويعينه ويسدده.
__________
(1) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/64
(2) الأسماء والصفات للبيهقي بتحقيق الشيخ عماد الدين أحمد 1/127 -128
(3) سورة الشورى الآية 11
(4) سورة الفرقان الآية 31
(5) سورة النساء الآية 45
(6) سورة الحج الآية78
(7) سورة الأنفال الآية40
(8) سورة آل عمران الآية 160
(9) سورة محمد الآية 7
(10) سورة غافر الآية 51
(11) سورة الروم الآية 5
(12) سورة الحج الآية 40
(13) سورة الروم الآية 47
(14) سورة الحج الآية 15(13/112)
أما نُصرَة العبد لله فهي: أن ينصر عباد الله المؤمنين والقيام بحقوق الله عز وجل، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، والابتعاد عما حرم الله عليه فهذا من نصرة العبد لربه كما قال عز وجل:{إن تنصرو الله ينصركم}وقال:{كونوا أنصار الله } (1) وقال:{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز}(2)ومن نصر الله بطاعته والابتعاد عن معصيته نصره الله نصراً مؤزراً،(3)والله عز وجل: ينصر عباده المؤمنين على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم، ويعينهم عليهم فولايته تعالى فيها حصول الخير ونصره فيه وزوال الشر.(4)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا غزا : ((اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أجول وبك أصول، وبك أقاتل)).(5)
والله عز وجل ينصر عباده المؤمنين في قديم الدهر وحديثه في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم ففي صحيح البخاري يقول الله تبارك وتعالى: (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) (6) ولهذا أهلك الله قوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط، وأهل مدين، وأشباههم ممن كذب الرسل وخالف الحق. و أنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحداً وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحداً ، وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وكذبه، وعاداه، فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان .. ودخل الناس في دين الله أفواجاً وانتشر دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.(7)
__________
(1) سورة الصف الآية 14
(2) سورة الحديد الآية 25
(3) انظر مفردات الأصفهاني ص495
(4) تفسير السعدي 2/76
(5) أخرجه أبو داود 3/42 والترمذي 5/572 وانظر صحيح الترمذي 3/183
(6) البخاري مع الفتح 11/340
(7) تفسير ابن كثير 4/84(13/113)
وقد وعد الله من ينصره بالنصر والتأييد فمن نصر الله بالقيام بدينه والدعوة إليه، وجهاد أعدائه وقصد بذلك وجه الله، نصره الله وأعانه وقواه، والله وعده وهو الكريم وهو أصدق قيلاً وأحسن حديثاً فقد وعد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر من الثبات وغيره.(1)وقد بين الله عز وجل علامة من ينصر الله فمن ادعى أنه ينصر الله وينصر دينه ولم يتصف بهذا الوصف فهو كاذب.قال الله عز وجل:{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.(2)فهذه علامة من ينصر الله وينصره الله.(3)
وقد أمر الله عباده المؤمنين بنصره عز وجل فقال:{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله} ومن نصر دين الله تعلُّم كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(4)
الشافي
الشفاء في اللغة هو البرء من المرض. يقال: شفاه الله يشفيه، واشتفى افتعل منه، فنقله من شفاء الأجسام إلى شفاء القلوب والنفوس.(5)
والله سبحانه وتعالى هو الشافي فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول : ((اللهم رب الناس أذهب البأس واشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً ))(6) وقال أنس رضي الله عنه لثابت البناني حينما اشتكى إليه : ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله علية وسلم ؟قال:بلى. قال : ((اللهم رب الناس مذهب البأس أشفي أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً)).(7)
__________
(1) تفسير العلامة السعدي6/66
(2) سورة الحج الآية 40-41
(3) انظر تفسير السعدي 5/302
(4) المرجع السابق 7/374
(5) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/488 وانظر مختار الصحاح ص 144
(6) البخاري مع الفتح 10/206 و10 /210 ومسلم 4/1721 وأبو داود 4/11
(7) البخاري مع الفتح 10/206(13/114)
فالله عز وجل هو الشافي من الأمراض والعلل والشكوك وشفاؤه شفاءان أو نوعان:
النوع الأول: الشفاء المعنوي الروحي وهو الشفاء من علل القلوب .
النوع الثاني: الشفاء المادي وهو الشفاء من علل الأبدان. وقد ذكر عز وجل هذين النوعين في كتابه وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته فقال صلى الله عليه وسلم:(( ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء))(1).
النوع الأول:شفاء القلوب والأرواح. قال الله عز وجل:{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين}.(2)
والموعظة:هي ما جاء في القرآن الكريم من الزواجر عن الفواحش والإنذار عن الأعمال الموجبة لسخط الله عز وجل المقتضية لعقابه ، والموعظة هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب، وفي هذا القرآن الكريم شفاء لما في الصدور من أمراض الشبه، والشكوك، والشهوات، وإزالة ما فيها من رجس ودنس. فالقرآن الكريم فيه الترغيب والترهيب، والوعد، والوعيد وهذا يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة عن الشر ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين. وإذا صلح القلب من مرضه تبعته الجوارح كلها فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.
__________
(1) البخاري مع الفتح 10/134 عن أبي هريرة رضي الله عنه
(2) سورة يونس الآية 57(13/115)
وهذا القرآن هدى ورحمة للمؤمنين.وإنما هذه الهداية والرحمة للمؤمنين المصدقين الموقنين كما قال تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}(1)وقال:{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمىً أولئك ينادون من مكان بعيد}(2)فالهدى هو العلم بالحق والعمل به، والرحمة ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى بهذا القرآن العظيم. فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمةً إلا في حق المؤمنين، وإذا حصل الهدى، وحصلت الرحمة الناشئة عن الهدى حصلت السعادة، والربح، والنجاح، والفرح والسرور.
ولذلك أمر الله بالفرح بذلك فقال:{قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}(3).
والقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة وليس ذلك لكل أحد وإنما ذلك كله للمؤمنين به المصدقين بآياته العاملين به. أما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلاخساراً. إذ به تقوم عليهم الحجة. والشفاء الذي تضمنه القرآن شفاء القلوب .. وشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.
فالله عز وجل يهدي المؤمنين { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}يهديهم لطريق الرشد، والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة.
__________
(1) سورة الإسراء الآية 82
(2) سورة فصلت الآية 44
(3) سورة يونس الآية 58(13/116)
ويشفيهم تبارك وتعالى بهذا القرآن من الأسقام البدنية والأسقام القلبية لأن هذا القرآن يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال ويحثُّ على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلوب. وأما الذين لا يؤمنون بالقرآن ففي آذانهم صمم عن استماعه وإعراض وهو عليهم عمىً فلا يبصرون به رشداً ولا يهتدون به ولا يزيدهم إلا ضلالاً.وهم يدعون إلى إلا يمان فلا يستجيبون وهم بمنزلة الذي ينادى وهو في مكان بعيد لا يسمع داعياً ولا يجيب منادياً والمقصود : أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه ولا يبصرون بنوره ولا يستفيدون منه خيراً لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى بإعراضهم وكفرهم(1) ويجد الإنسان مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاءً ويحييها إحياءً ويصنع بها ومنها العظائم في ذاتها وفيما حولها.
وناس يثقل هذا القرآن على آذانهم وعلى قلوبهم ولا يزيدهم إلا صمماً وعمىً وقلوبهم مطموسة لا تستفيد من هذا القرآن. وما تغيَّر القرآن ولكن تغيرت القلوب(2).
والله عز وجل يشفي صدور المؤمنين بنصرهم على أعدائهم وأعدائه قال سبحانه:{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم}. (3)
فإن في قلوب المؤمنين الحنق والغيظ عليهم فيكون قتالهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم، والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله فيزيل الله ما في قلوبهم من ذلك وهذا يدل على محبة الله للمؤمنين واعتنائه بأحوالهم.(4)
النوع الثاني شفاء الله للأجساد والأبدان:
__________
(1) انظر تفسير العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي 3/363 و4/309و6/584وانظر تفسير ابن كثير 2/422 و3/60 و4/104 وانظر تفسير الجزائري أبو بكر2/286
(2) في ظلال القرآن 5/3128
(3) سورة التوبة الآية 14-15
(4) تفسير العلامة السعدي رحمه الله 3/206(13/117)
والقرآن كما إنه شفاء للأرواح والقلوب فهو شفاء لعلل الأبدان كما تقدم فإن فيه شفاء للأرواح والأبدان. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك ، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال : (( وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي بسهم ))(1) وعن عائشة رضي الله عنها (( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها))(2)
قال ابن القيم رحمه الله : ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة فما الظن بكلام رب العالمين الذي فضله على كل كلام كفضل الله على خلقه الذي هو الشفاء التام والعصمة النافعة، والنور الهادي والرحمة العامة الذي لو أنزل على جبل لتصدَّع من عظمته وجلالته قال تعالى:{ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}(3)، ومن هنا لبيان الجنس لا للتبعيض هذا هو أصح القولين .(4)
وعلى هذا فالقرآن فيه شفاء لأرواح المؤمنين وشفاء لأجسادهم.
__________
(1) البخاري 7/22و6/150طبعة تركيا ومسلم 4/1727
(2) البخاري 7/22 و6/605 طبعة تركيا ومسلم 4/1723
(3) سورة الإسراء الآية 82
(4) زاد المعاد لابن القيم 4/177(13/118)
والله عز وجل هو الشافي من أمراض الأجساد وعلل الأبدان قال عز وجل : {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقومٍ يتفكرون}(1) قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} : ما بين أبيض، وأصفر، وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها ، وقوله{فيه شفاء للناس}أي في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه شفاء للناس لكان دواء لكل داء ولكن قال فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحدٍ من أدواءٍ باردة فإنه حار والشيء يداوى بضده.. والدليل على أن المراد بقوله تعالى : { فيه شفاء للناس } هو العسل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أسقه عسلاً)) فسقاه. ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً فقال له ثلاث مرات.ثم جاء الرابعة فقال: ((أسقه عسلاً)) فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((صدق الله وكذب بطن أخيك ))فسقاه فبرأ(2).
قال بعض العلماء بالطب : كان هذا الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلاً وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالاً فاعتقد الأعرابي أنَّ هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ثم سقاه فازداد ثم سقاه فكذلك فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته عليه الصلاة والسلام.(3)
__________
(1) سورة النحل الآية 68-69
(2) البخاري مع الفتح 10/139 ومسلم 4/1736
(3) تفسير ابن كثير 2/576(13/119)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( الشفاء في ثلاث:شربة عسل ، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي))(1) والله عز وجل هو الذي هدى هذه النحلة الصغيرة هذه الهداية العجيبة ويسَّر لها المراعي ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى وتمام لطفه بعباده وأنه الذي ينبغي أن لا يحب غيره ولا يدعى سواه.(2)
وأخبر الله عز وجل عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقوله تبارك وتعالى : {الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين}(3)قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى:{وإذا مرضت فهو يشفين} أسند إبراهيم عليه الصلاة والسلام المرض إلى نفسه وإن كان عن قدر الله وقضائه، وخلقه ولكن أضافه إلى نفسه أدباً.
ومعنى ذلك: إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر تبارك وتعالى من الأسباب الموصلة إلى الشفاء.(4)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد الأمة إلى طلب الشفاء من الله الشافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه ومن ذلك ما رواه مسلم وغيره عن عثمان بن العاص أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد و أحاذر))(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 10/136
(2) تفسير العلامة السعدي 4/218
(3) سورة الشعراء الآية 78-80
(4) تفسير ابن كثير بتصرف 3/339
(5) رواه مسلم 4/1728(13/120)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ))(1)فهذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أن يعتمدوا على ربهم مع الأخذ بالأسباب المشروعة فإنَّ الله عز وجل هو الشافي لا شفاء إلا شفاءه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بالشفاء، لأنه هو الذي يملك الشفاء والشفاء بيده تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم لسعدٍ : ((اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً ))(2).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يرقي بعض أصحابه ويطلب الشفاء من الله الشافي : ((بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ))(3)وقد أوضح صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذي أنزل الدواء وهو الشافي فقال صلى الله عليه وسلم : ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء))(4).
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (( لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عزَّ وجل))(5)
وقال عليه الصلاة والسلام : ((إنَّ الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام ))(6).
__________
(1) أخرجه أبو داود 3/187 والترمذي 2/410 وأحمد 1/293 وانظر صحيح الترمذي 2/210وصحيح الجامع 5/180
(2) البخاري مع الفتح 10/120 ومسلم 3/1253
(3) البخاري 7/24 الطبعة التركية ومسلم 4/1721
(4) البخاري مع الفتح 10/134عن أبي هريرة رضي الله عنه
(5) مسلم 4/1729
(6) أخرجه أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه 4/7(13/121)
وجاءت الأعراب فقالت: يا رسول الله ألا نتداوى ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ((نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء، إلا داء واحداً)) فقالوا يا رسول الله ما هو؟ قال:((الهرم))(1).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ما أنزل الله داءً إلا قد أنزل له شفاءً علمه من علمه وجهله من جهله ))(2).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها ويجوز أن يكون قوله ((لكل داء دواء )) على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة والأدواء التي لا يمكن للطبيب أن يبرئها ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمها عن البشر ولم يجعل لهم إليه سبيلاً لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله.(3)
فالله عز وجل هو الشافي الذي يشفي من يشاء ويطوي علم الشفاء عن الأطباء إذا لم يرد الشفاء. فنسأل الله الذي لا إله إلا هو بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يشفي قلوبنا وأبداننا من كل سوء ويحفظنا بالإسلام إنه ولي ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
المبحث السادس عشر
من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
في الأسماء الحسنى
فتوى رقم 11865وتاريخ 30/3/1409
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
__________
(1) أخرجه أبو داود 4/3 والترمذي 4/383 وابن ماجه. وانظر صحيح الترمذي 2/201 وصحيح ابن ماجه 2/252
(2) أخرجه أحمد بترتيب أحمد شاكر5/201 برقم 3578 وابن ماجه برقم 3438 قال أحمد شاكر إسناده صحيح ورواه الحاكم 4/196
(3) زاد المعاد في هدي خير العباد 4/14(13/122)
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الأسئلة المقدمة من د. مروان إبراهيم العيش إلى سماحة الرئيس العام والمحالة إليها برقم 196 في 8/1/1409 هـ وأجابت عن كل منها عقبه فيما يلي :
س1:صفات الذات التي وردت في الكتاب والسنة . هل تعني الواحدة منها معنى واحداً في كل النصوص التي وردت بها أم أن لكل سياق معناه الخاص به. يرجى تزويدنا بما تعنيه صفات الذات الآتية في السياق الخاص بها :
اليد: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية:{ قل من بيده ملكوت كل شيء}(1) {قل إن الفضل بيد الله }(2) ( يد الله مع الجماعة) وفي حديث آخر ( يد الله على الجماعة) حديث ، وفي آية كريمة {يد الله فوق أيديهم }(3) وما المراد بجمع اليدين في قوله{بأيد}.(4)
العين: ما المراد بها في كل نص من النصوص الآتية:{واصنع الفلك بأعيننا}(5){واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}(6){وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني }(7)وما الدليل على أن لله تعالى عينين ؟
الوجه: ما المراد بالوجه في كل نص من النصوص الآتية: {فأينما تولوا فثمَّ وجه الله}(8) {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله}(9)، {إنما نطعمكم لوجه الله }(10) ، {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }(11)من المفيد أن تتضمن الإجابة عن هذه الأسئلة مراجع نرجع إليها لمزيد من العلم المفيد ؟
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 88
(2) سورة آل عمران الآية 73
(3) سورة الفتح الآية 10
(4) سورة الذاريات الآية 47
(5) سورة هود الآية 37
(6) سورة الطور الآية 49
(7) سورة طه الآية 39
(8) سورة البقرة الآية 115
(9) سورة البقرة الآية 272
(10) سورة الإنسان الآية 9
(11) سورة الرحمن الآية 27(13/123)
ج1 أ ) كلمة (يد) في النصوص المذكورة في فقرة (أ) يراد بها معنى واحد هو إثبات صفة اليد لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله دون تشبيه ولا تمثيل لها بيد المخلوقين ودون تحريف لها ولا تعطيل، فكما أن له تعالى ذاتاً حقيقة لا تشبه ذوات العباد فصفاته لا تشبه صفاتهم وقد وردت نصوص أخرى كثيرة تؤيد هذه النصوص في إثبات صفة اليد لله مفردة ومثناة ومجموعة فيجب الإيمان بها على الحقيقة مع التفويض في كيفيتها عملاً بالنصوص كتاباً وسنة واتباعاً لما عليه أئمة الأمة.
وأما كلمة- بأيد في قوله تعالى:{ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} فهي مصدر (فعله) آد يئد أيداً ومعناه القوة ويضعّف فيقال: ايّده تأييداً ومعناه قواه، وليس جمعاً ليد فليس من آيات الصفات المتنازع فيها بين مثبتة الصفات ومؤليها لأن وصف الله سبحانه بالقوة ليست محل نزاع.
وأما معنى الجُمل في هذه النصوص فمختلف باختلاف سياقها وما اشتملت عليه من قرائن فقوله: {قل من بيده ملكوت كل شيء}يدل على كمال قدرة الله من جهة جعل ملكوت كل شيء بيده ومن جهة سياق الكلام سابقه ولاحقه، وقوله:{قل إن الفضل بيد الله }يدل على أن الفضل والإنعام إلى الله وحده. وقوله:(يد الله مع الجماعة)يراد به الحث على التآلف والاجتماع والوعد الصادق برعاية الله لهم وتأييدهم ونصرهم على غيرهم إذا اجتمعوا على الحق. وقوله : { يد الله فوق أيديهم }يراد به توثيق البيعة وإحكامها بتنزيل بيعتهم للرسول منزلة بيعتهم لله تعالى وذلك لا يمنع من إثبات اليد لله حقيقة على ما يليق به كما لا يمنع من إثبات الأيدي حقيقة للمبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم.(1)
__________
(1) كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التدمرية لا بن تيمية وص 153 ج2 من مختصر الصواعق المرسلة للموصلي وص307 ج2من شرح النونية(13/124)
ج2:ب) كلمة(بأعيننا وبعيني) في النصوص المذكورة في فقرة-ب-يراد بها إثبات صفة العين لله حقيقة على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل لها بعين المخلوقين، ولا تحريف لها عن مسماها في لغة العرب، فسياق الكلام لا تأثير له في صرف تلك الكلمات عن مسماها، وإنما تأثيره في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات،فالمقصود بهذه الجمل كلها هو أولاً:أمر نوح عليه السلام أن يصنع السفينة وهو في رعاية الله وحفظه، وثانياً: أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن يصبر على أذى قومه حتى يقضي الله بينه وبينهم بحكمه العدل وهو مع ذلك بمرأى من الله وحفظه ورعايته، وثالثاً: إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بأنَّ الله تعالى قد من عليه مرة أخرى إذ أمر أمه بما أمرها به ليربيه تربية كريمة في حفظه تعالى ورعايته ثم يدل على أن لله تعالى عينين كلمة (بأعيننا )في النصوص المذكورة في السؤال فإن لفظ عينين إذا أضيف إلى ضمير الجمع جمع كما يجمع مثنى قلب إذا أضيف إلى ضمير مثنى أو جمع كما في قوله : {إن تتوبا إلى فقد صغت قلوبكما }(1)ويدل على ذلك أيضاً ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الله وعن الدجال (من أن الدجال أعور) (2)وأن الله ليس بأعور، فقد استدل به أهل السنة على إثبات العينين لله سبحانه.(3)
__________
(1) سورة التحريم الآية 4
(2) البخاري مع الفتح 13 /91 ومسلم 4/2248
(3) كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التدمرية لا بن تيمية وص34-37 ج1 من مختصر الصواعق المرسلة للموصلي .(13/125)
ج-كلمة (وجه الله ) في الجملة الأولى يراد بها قبلة الله كما ذكر مجاهد والشافعي رحمها الله، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من قرائن، وقد دل السياق و القرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة-القبلة-لقوله تعالى:{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا }(1)فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس، فتكون هذه الآية كآية {ولكل وجهة هو موليها}(2)وإذا فليست الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة وأما كلمة (وجه ) في الجمل الباقية في السؤال فالمراد بها إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه، لأن الأصل الحقيقة، ولم يوجد ما يصرف عنها، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين، لأن لكل وجها يخصه ويليق به. (3)
س2:تسمية الخلق بأسماء الخالق، ما الأدلة على تحريمها؟وإن كانت مباحة فهل هناك قيود معينة؟ إنني أقصد الأسماء لا الصفات. إذ من المعلوم أنه يجوز وصف الخلق بصفات الخالق وقد ورد ذلك كثيراً في كتاب الله تعالى وسؤالي عن التسمية لا الوصف.فهل لكم أن تبينوا القواعد الفاصلة في الموضوع ؟
أولاً: الفرق بين الاسم والصفة أنَّ الاسم ما دل على الذات وما قام بها من صفات، وأما الصفة فهي ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من معان ذاتية كالعلم والقدرة أو فعلية كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 115
(2) سورة البقرة الآية 148
(3) كتاب مختصر الصواعق المرسلة للموصلي ج2 وص299 -307 من مختصر الصواعق المرسلة للموصلي(13/126)
ثانياً:قد يسمى المخلوق بما سمى الله به نفسه كما يوصف بما وصف سبحانه به نفسه، لكن على أن يكون لكل من الخصائص ما يليق به ويميز به عن الآخر فلا يلزم تمثيل الخلق بخالقهم ولا تمثيله بهم وإن حصلت الشركة في التعبير والمعنى الكلي للفظ لأن المعنى الكلي ذهني فقط لا وجود له في الخارج ومن ذلك أن الله سمى نفسه حياً فقال الله : {الله لا إلا هو الحي القيوم }(1) وسمى بعض عباده حياً فقال : {يخرج الحي من الميت}(2)وليس الحي كالحي بل لكل منهما في الخارج ما يخصه ، وسمى أحد ابني إبراهيم حليماً وابنه الآخر عليماً عليه الصلاة والسلام كما سمى نفسه حليماً عليماً ولم يلزم من ذلك التمثيل لأنَّ لكل مسمى بذلك ما يخصه ويميز به في خارج الأذهان وإن اشتركوا في مطلق التسمية والتعبير، وسمى نفسه سميعاً وبصيراً، فقال:{إن الله كان سميعاً بصيراً}(3)وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً فقال:{فجعلناه سميعاً بصيراً}(4)ولم يلزم التمثيل، لأن لكل مسمى ما يخصه ويتميز به عن الآخر كما تقدم إلى أمثال ذلك ومن ذلك أن الله وصف نفسه بالعلم فقال: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } ووصف بعض عباده بالعلم فقال:{وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}(5)ووصف نفسه بالقوة فقال: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }(6)ووصف بعض عباده بالقوة فقال:{الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة}(7)الآية ، وليست القوة كالقوة وإن اشتركا في العبارة والمعنى الكلي لكن لكل من الموصوفَين ما يخصه ويليق به إلى أمثال ذلك من الصفات(8)
س3 هل يصح ما يأتي دليلاً على تحريم تسمية الخلق بأسماء الخالق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 254
(2) سورة الأنعام الآية 95
(3) سورة النساء الآية 158
(4) سورة الإنسان الآية 2
(5) سورة الإسراء الآية 85
(6) سورة الذاريات الآية 58
(7) سورة الروم الآية 54
(8) كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التدمرية لابن تيمية وص37 ج2 من مختصر الصواعق المرسلة للموصلي .(13/127)
حيث إن تسمية المخلوق بالاسم العلم ( الله ) ممنوعة، كانت تسمية المخلوق بأسماء الخالق الأخرى أيضاً ممنوعة إذ لا وجوه للتفرقة بين أسماء الله تعالى؟
من المعلوم في اللغة أنَّ الجار والمجرور إذا سبق المعرفة أفاد القصر فملاحظ ذلك في قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى }فتفيد الآية قصر الأسماء الحسنى على الله وعدم جواز تسمية الخلق بها، فهل يصح هذا دليلاً ؟
ج3 ما كان من أسماء الله تعالى علم شخص كلفظ (الله) امتنع تسمية غير الله به لأن مسماه معين لا يقبل الشركة وكذا ما كان من أسمائه في معناه في عدم قبول الشركة كالخالق والبارئ فإن الخالق من يوجد الشيء على غير مثال سابق والبارئ من يوجد الشيء بريئاً من العيب، وذلك لا يكون إلا من الله وحده فلا يسمى به إلا الله تعالى، أما ما كان له معنى كلي تتفاوت فيه أفراده من الأسماء والصفات كالملك والعزيز والجبار والمتكبر فيجوز تسمية غيره بها فقد سمى الله نفسه بهذه الأسماء وسمى بعض عباده بها مثال:{ قالت امرأة العزيز}وقال : {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} إلى أمثال ذلك، ولا يلزم التماثل، لاختصاص كل مسمى بسمات تميزه عن غيره وبهذا يعرف الفرق بين تسمية الله بلفظ الجلالة وتسميته بأسماء لها معان كلية تشترك أفرادها فيها فلا تقاس على لفظ الجلالة.
أما الآية { ولله الأسماء الحسنى } فالمراد منها قصر كمال الحسن في أسمائه تعالى ، لأنَّ كلمة الحسنى اسم تفضيل وهي صفة للأسماء لا قصر مطلق أسمائه عليه تعالى كما في قوله تعالى : {والله هو الغني الحميد } فالمراد قصر كمال الغنى والحمد عليه تعالى لا قصر اسم الغني والحميد عليه فإن غير الله يسمى غنياً حميداً.
س 4: إذا ثبت أنَّ أسماء الله تعالى يجوز تسمية الخلق بها فهل من أسماء الله تعالى مالا يجوز تسمية الخلق بها ؟ وهل يدخل ضمن هذا المنع الرحمن والقيوم وهل هناك أسماء أخرى لا يجوز وصف الخلق بها ؟(13/128)
ج 4: تقدم في جواب السؤال الثاني والثالث بيان الضابط مع أمثلة لما يجوز تسمية المخلوق به من أسماء الله تعالى وما لا يجوز وبناء على ذلك لا يجوز تسمية المخلوق بالقيوم لأن القيوم هو المستغني بنفسه عن غيره المفتقر إليه كل ما سواه وذلك مختص بالله لا يشركه فيه غيره قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
هذا ومن أوصافه القيوم والقيوم في أوصافه أمران
أحداهما القيوم قام بنفسه ... والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره ... والفقر من كل إليه الثاني
وكذا لا يسمى المخلوق (بالرحمن) لأنه بكثرة استعماله اسماً لله تعالى صار علماً بالغلبة عليه مختصاً به كلفظ الجلالة فلا يجوز تسمية غيره به(1).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... ... نائب رئيس اللجنة ... ... الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
*****************************
فتوى رقم 3862 وتاريخ 12/8/1401 هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
__________
(1) تفسير آية (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )) لا بن كثير وغيره وص 278 ج1 وص110 ج2 من مختصر الصواعق المرسلة للموصلي وص 236 ج2 من كتاب النونية لا بن القيم مع شرحها للشيخ احمد بن عيسى(13/129)
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من معالي وزير المعارف السعودية إلى سماحة الرئيس العام والمحال إليها برقم 818 في 3/5/1401هـ ونصه : (أحيل لسماحتكم استفسار إدارة الامتحانات في الوزارة رقم 2121 وتاريخ 7/4/1401هـ مع جدول لأسماء الله الحسنى بشأن الاستفسار حول اسم ((الفضيل)) هل هو من أسماء الله الحسنى؟وماذا يعمل مع من اسمه عبد الفضيل ، هل يعدل الاسم أم يبقى على حالته؟ وحيث إن الاستفسار قد بدأ يتكرر من كثير من الجهات حول الأسماء الحسنى نتيجة لوجود عدد من المتعاقدين يحملون من الأسماء مالا يقره الشرع مثل عبد النبي وعبد الإمام وعبد الزهراء وغيرها من الأسماء. آمل موافاتنا ببيان تحدد فيه الأسماء التي تجوز إضافة ((العبد)) إليها والتسمي بها خاصة وإن كثير من الكتب تشير إلى أنَّ أسماء الله تعالى لا تنحصر في التسعة والتسعين اسماً بل أن الروايات تختلف حتى في تعداد هذه الأسماء التسعة والتسعين ويتجه بعض العلماء إلى أن أسماء الله فوق الحصر مستشهدين بالحديث ((اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك...الحديث))؟
وأجابت بما يلي:(13/130)
أولاً: قال الله تعالى:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } فأخبر سبحانه عن نفسه بأنه اختص بالأسماء الحسنى المتضمنة لكمال صفاته، ولعظمته وجلاله وأمر عباده أن يدعوه بها تسمية له بما سمى به نفسه، وأن يدعوه بها تضرعاً وخفيه في السراء والضراء ونهاهم عن الإلحاد فيها بجحدها أو إنكار معانيها ، أو بتسميته بما لم يسمِّ به نفسه ، أو بتسمية غيره بها وتوعد من خالف في ذلك بسوء العذاب. وقد سمى الله نفسه بأسماء في محكم كتابه، وفيما أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من السنة الثابتة وليس من بينها اسم الفضيل وليس لأحد أن يسميه بذلك لأن أسماءه تعالى توقيفية فإنه سبحانه هو أعلم بما يليق بجلاله ، وغيره قاصر عن ذلك فمن سماه بغير ما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ألحد في أسمائه وانحرف عن سواء السبيل وليس لأحد من خلقه أن يُعِّبد أحداً لغيره من عباده فلا تجوز التسمية بعبد الفضيل، أو عبد النبي، أو عبد الرسول أو عبد علي أو عبد الحسين أو عبد الزهراء أو غلام أحمد أو غلام مصطفى أو نحو ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد مخلوق لمخلوق لما في ذلك من الغلو في الصالحين والوجهاء والتطاول على حق الله ولأنه ذريعة إلى الشرك والطغيان وقد حكى ابن حزم إجماع العلماء على تحريم التعبيد لغير الله وعلى هذا يجب أن يغير ما ذكر في السؤال من الأسماء وما شابهها.
ثانياً : ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن لله تسعاً وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ))رواه البخاري ومسلم.وروى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم وزادوا فيه تعيين الأسماء التسعة والتسعين مع اختلاف في تعيينها وللعلماء في ذلك مباحث :(13/131)
منها : أن المراد بإحصائها معرفتها وفهم معانيها والإيمان بها والثقة بمقتضاها والاستسلام لما دلت عليه وليس المراد مجرد حفظ ألفاظها وسردها عداً.
ومنها أن المعوَّل عليه عند العلماء أن تعيين التسعة والتسعين اسما مدرج في الحديث استخلصه بعض العلماء من القرآن فقط أو من القرآن والأحاديث الصحيحة وجعلوها بعد الحديث كتفسير له وتفصيل للعدد المجمل فيه وعملاً بترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إحصائها رجاء الفوز بدخول الجنة.
ومنها أنه ليس المقصود من الحديث حصر أسماء الله في تسعة وتسعين اسما- لأن صيغته ليست من صيغ الحصر وإنما المقصود الإخبار عن خاصة من خواص تسعة وتسعين اسما من أسمائه تعالى وبيان عظم جزاء إحصائها ويؤيده ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك أسالك بكل هو اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وحزني وذهاب همي إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً )) فقيل يا رسول الله أفلا نتعلمها ؟ فقال : ((بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها )) فبين صلى الله عليه وسلم أنه استأثر بعلم بعض أسمائه فلم يطلِع عليها أحداً من خلقه فكانت من الغيبيات التي لا يجوز لأحد أن يخوض فيها بخرص وتخمين لأن أسماءه تعالى توقيفية كما سيجيء إن شاء الله .(13/132)
ومنها : أنَّ أسماء الله توقيفية فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يسمى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه خلافاً للمعتزلة والكرَّامية فلا يجوز تسميته بناءً ولا ماكراً ولا مستهزئاً أخذاً من قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيد}وقوله : { ومكروا ومكر الله}وقوله : {الله يستهزئ بهم }ولا يجوز تسميته زارعاً، ولا ماهداً ولا فالقاً ولا منشئاً ولا قابلاً، ولا شديداً، ونحو ذلك آخذاً من قوله تعالى : {ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} وقوله {فنعم الماهدون}وقوله {ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون} وقوله تعالى {فالق الحب والنوى } وقوله {قابل التوب شديد العقاب} لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة وفي أخبار على غير طريق التسمي لا مطلقة فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي وردت عليها في النصوص الشرعية.
فيجب ألا يعبَّد في التسمية إلا لاسم من الأسماء التي سمى بها نفسه صريحاً في القرآن أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من الأحاديث كأسمائه التي في آخر سورة الحشر ، والمذكورة أول سورة الحديد ، المنشورة في سور أخرى من القرآن وصلى الله عليه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... ... نائب رئيس اللجنة ... ... الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وأمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
**************************************************
ملاحظة : لم تكتب الفهارس ويمكن الرجوع إليها في الكتاب ، نظراً لتغيُّر الترقيمات حسب فتح الملف من جهاز إلى جهاز ..
ولا تنسونا من صالح دعواتكم بالتوفيق والسداد ..(13/133)
لأي ملاحظة أو إشكال حول هذا الملف مراسلة المشرف على كتابته :
sawi40@hotmail.com(13/134)
شروط الدعاء
وموانع الإجابة
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في شروط الدعاء وموانع إجابته، أخذتها وأفردتها من كتابي ”الذكر والدعاء والعلاج بالرقى“(1) وزدت عليها فوائد مهمة يحتاجها المسلم في دعائه، ورتبتها كالتالي:
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه.
الفصل الثاني: فضل الدعاء.
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة.
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأحوال وأوقات الإجابة.
الفصل الخامس: عناية الأنبياء بالدعاء واستجابة الله لهم.
الفصل السادس: الدعوات المستجابات.
الفصل السابع: أهم ما يسأل العبد ربه.
والله أسأل أن يجعله عملاً صالحاً متقبلاً، نافعاً لي ولكل من انتهى إليه؛ فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الجمعة 17/6/1416هـ
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه
المبحث الأول: مفهوم الدعاء
الدعاء لغة: الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير(2) ودعا الله: طلب منه الخير ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر(3).
__________
(1) من ص 186-123 نشر مكتبة الرشد بالرياض عام 1407هـ.
(2) المصباح المنير 1/194.
(3) المعجم الوسيط1/268.(14/1)
والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتحميد ونحوهما(1).
والدعاء نوع من أنواع الذكر؛ فإن الذكر ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ذكر أسماء الله وصفاته ومعانيها والثناء على الله بها، وتوحيد الله بها وتنزيهه عما لا يليق به. وهو نوعان أيضاً:
إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث نحو: ”سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر“.
الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله عز وجل على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، وهو يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم.
النوع الثاني: ذكر الأمر، والنهي، والحلال والحرام، وأحكامه فيعمل بالأمر ويترك النهي، ويُحرِّمُ الحرامَ ويُحلُّ الحلالَ، وهو نوعان أيضاً:
ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا.
ذكره عند أمره فيبادر إليه ويعمل به، وعند نهيه فيهرب منه ويتركه.
النوع الثالث: ذكر الآلاء والنعماء والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلِّ أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع.
وهي تكون ثلاثة أنواع أيضاً:
ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاها.
ذكرٌ بالقلب وحده، وهو في الدرجة الثانية.
ذكرٌ باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة(2).
ومفهوم الذكر: هو التخلص من الغفلة والنسيان، والغفلة: هي تركٌ باختيار الإنسان، والنسيان تركٌ بغير اختياره.
والذكر على ثلاث درجات:
الذكر الظاهر: ثناءً على الله تعالى كقول: ”سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر“.
__________
(1) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ص 131.
(2) مدارج السالكين لابن القيم 2/430 و1/23، والوابل الصيب لابن القيم ص 178-181.(14/2)
أو ذكر دعاء: نحو {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1). ونحو قوله: ”يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث“. ونحو ذلك.
أو ذكر رعاية: مثل قول القائل: الله معي، الله ينظر إليَّ، الله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة، والاعتصام بالله من الشيطان وشر النفس.
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة، فإنها تضمنت الثناء على الله، والتعرض للدعاء والسؤال، والتصريح به. وهي متضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان.
الذكر الخفي: وهو الذكر بمجرد القلب والتخلص من الغفلة، والنسيان، والحجب الحائلة بين القلب وبين الرب سبحانه، وملازمة الحضور بالقلب مع الله كأنه يراه.
3- الذكر الحقيقي: وهو ذكر الله تعالى للعبد(2) {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(3).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ”يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرّب إليَّ شبراً تقرّبتُ إليه ذراعاً، وإن تقرّب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة“(4).
المبحث الثاني: أنواع الدعاء
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 23.
(2) مدارج السالكين 2/434-435.
(3) سورة البقرة، الآية: 152.
(4) البخاري واللفظ له برقم 7405، ومسلم 4/2061، برقم 2675، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(14/3)
النوع الأول: دعاء العبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: كالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذبح لله، والنذر له، وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال كالصلاة. فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية فقد دعا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصة أنه يتعبد لله طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه. وهذا النوع لا يصح لغير الله تعالى، ومن صرف شيئاً منه لغير الله فقد كفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وعليه يقع قوله تعالى(1): {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}(2). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(3).
النوع الثاني: دعاء المسألة: وهو دعاء الطلب: طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، وطلب الحاجات، ودعاء المسألة فيه تفصيل كالتالي:
إذا كان دعاء المسألة صدر من عبد لمثله من المخلوقين وهو قادر حي حاضر فليس بشرك. كقولك: اسقني ماءً، أو يا فلان أعطني طعاماً، أو نحو ذلك فهذا لا حرج فيه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه“(4).
__________
(1) انظر: فتح المجيد ص 180 والقول المفيد على كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين 1/117، وفتاوى ابن عثيمين 6/52.
(2) سورة غافر، الآية: 60.
(3) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163.
(4) أبو داود برقم 1672، والنسائي 5/82، وأحمد في المسند 2/68، 99، وانظر: التعليق المفيد على كتاب التوحيد لسماحة الشيخ العلامة ابن باز ص 91 وص 245.(14/4)
أن يدعو الداعي مخلوقاً ويطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله وحده، فهذا مشرك كافر سواء كان المدعو حيّاً أو ميتاً، أو حاضراً أو غائباً، كمن يقول: يا سيدي فلان اشف مريضي، رد غائبي، مدد مدد، أعطني ولداً، وهذا كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير}(1). وقال سبحانه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(2).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3).
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}(4).
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُواْ لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(5).
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 17.
(2) سورة يونس، الآيتان: 106، 107.
(3) سورة الأعراف، الآية: 194.
(4) سورة الأعراف، الآية: 197.
(5) سورة الحج، الآيات: 11-13.(14/5)
وقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(1).
وقال تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَالِمُونَ}(2).
وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}(3).
قال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(4).
__________
(1) سورة الحج، الآيتان: 73-74.
(2) سورة العنكبوت، الآيات: 41-43.
(3) سورة سبأ، الآيتان: 22، 23.
(4) سورة فاطر، الآيتان: 13، 14.(14/6)
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}(1). وكل من استغاث بغير الله أو دعا غير الله دعاء عبادة أو دعاء مسألة فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك مرتد كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَآئِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(2).
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا}(3).
وقال تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}(4).
وقال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}(5).
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(6).
الفرق بين الاستغاثة والدعاء:
الاستغاثة: طلب الغوث: وهو إزالة الشدة، كالاستنصار: طلب النصر، والاستغاثة: طلب العون.
__________
(1) سورة الأحقاف، الآيتان: 5، 6.
(2) سورة المائدة، الآية: 72.
(3) سورة النساء، الآية: 116، وفي آية 48 {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
(4) سورة الشعراء، الآية: 213.
(5) سورة الزمر، الآيتان: 65، 66.
(6) سورة الأنعام، الآية: 88.(14/7)
فالفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة، لأنه يكون من المكروب وغيره.
فإذا عُطِفَ على الدعاء الاستغاثة فهو من باب عطف العام على الخاص، فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الدعاء عنها في مادة، فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة.
ودعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، ويراد بالدعاء في القرآن دعاء العبادة تارة، ودعاء المسألة تارة، ويراد به تارة مجموعهما(1).
الفصل الثاني: فضل الدعاء
جاء في فضل الدعاء آيات وأحاديث كثيرة منها:
1 ـ قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
2 ـ وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(3).
3 ـ وقال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين، وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(4).
4 ـ وقال تبارك وتعالى: { فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }(5).
5 ـ وقال عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(6).
__________
(1) انظر: فتح المجيد ص 180.
(2) سورة البقرة، الآية: 186.
(3) سورة غافر، الآية: 60.
(4) سورة الأعراف، الآيتان: 55، 56.
(5) سورة غافر، الآية: 14.
(6) سورة غافر، الآية: 65.(14/8)
6 ـ وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”الدُّعاءُ هوَ العبادةُ“. وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }(1).
7 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ليس شيءٌ أكرَمَ على الله تعالى من الدعاء“(2).
8 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”منْ لم يَسألِ الله يَغْضَبْ عليهِ“(3).
وأنشد القائل:
لا تَسأَلنَّ بُنَيَّ آدم حاجةً
وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ
اللهُ يغضبُ إن تركت سؤاله
وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ
9 ـ وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثر. قال: ”الله أكثر“.
__________
(1) أبو داود 2/77، برقم 1479، والترمذي 5/211 برقم 2969، وابن ماجه 2/1258، والبغوي في شرح السنة5/184، وانظر: صحيح الجامع الصغير 3/150 برقم 3401، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الترمذي 1/138.
(2) الترمذي 5/456، برقم 3373، وابن ماجه 2/1258، وأحمد 2/442، وحسن إسناده الألباني في صحيح الترمذي 3/138.
(3) أحمد في المسند 3/18، وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله برقم 3381، وعن عبادة بن الصامت برقم 3573، وحسنهما الألباني في صحيح الترمذي 3/140، 181.(14/9)
10 ـ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً“(1).
والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه،ويمنع نزوله،ويرفعه، أو يخففه إذا نزل،وهو سلاح المؤمن، وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات:
1- أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه.
2- أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن يخففه وإن كان ضعيفاً.
3- أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء“(3).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر“(4).
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة
__________
(1) أبو داود 2/78 برقم 1488، والترمذي 5/557، وابن ماجه 2/1271، والبغوي في شرح السنة 5/185، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179 وصحيح ابن ماجه برقم 3865.
(2) الجواب الكافي للإمام ابن القيم ص22، 23، 24. نشر مكتبة دار التراث 1408هـ الطبعة الأولى، وطبع دار الكتاب العربي، ط2، 1407هـ ص25، وطبع دار الكتب العلمية ببيروت، ص4، وهي طبعة قديمة بدون تاريخ.
(3) الحاكم 1/493، وأحمد 5/234 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3/151 برقم 3402.
(4) الترمذي بلفظه برقم 2239، والحاكم بنحوه 1/493 من حديث ثوبان وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي 2/225، لشاهده من حديث ثوبان عند الحاكم كما تقدم، وعند ابن ماجه برقم 4022، وأحمد 5/277.(14/10)
”الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفة به، والساعدُ ساعداً قوياً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير“(1)، وإليك شروط الدعاء وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: شروط الدعاء
الشرط: لغة العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته(2).
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي:
الشرط الأول: الإخلاص: وهو تصفية الدعاء والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كله لله وحده، لا شرك فيه، ولا رياء ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه(3).
__________
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ص36 دار الكتاب العربي الطبعة الأولى 1407هـ.
(2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص12 وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد ص4.
(3) انظر: مقومات الداعية الناجح للمؤلف ص283.(14/11)
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(1). وقال: {فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(2). وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(3). وقال سبحانه: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ}(4).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْكَ، احفظِ الله تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ“(5).
وسؤال الله تعالى: هو دعاؤه والرغبة إليه كما قال تعالى: {وَسْئَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(6).
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: 29.
(2) سورة غافر، الآية: 14.
(3) سورة الزمر، الآية: 3.
(4) سورة البينة، الآية: 5.
(5) أخرجه الترمذي 4/667 وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد 1/293، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/309.
(6) سورة النساء، الآية: 32.(14/12)
الشرط الثاني: المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(1). والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع الله تعالى ويُراد به وجه الله سبحانه. فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم(2)، ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(3). قال: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ”إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة“(4). ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(5). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}(6) وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
__________
(1) سورة الكهف، الآية: 110.
(2) انظر: تفسير ابن كثير 3/109.
(3) سورة الملك، الآيتان: 1، 2.
(4) انظر: مدارج السالكين لابن القيم 2/89.
(5) سورة الكهف، الآية: 110.
(6) سورة النساء، الآية: 125.(14/13)
وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}(1).
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته(2).
فيجب على المسلم أن يكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في كل أعماله، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(3). وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(4). وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(5). وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}(6).
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم يكون باطلاً، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ“.
الشرط الثالث: الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة(7):
__________
(1) سورة لقمان، الآية: 22.
(2) انظر: مدارج السالكين 2/90.
(3) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(4) سورة آل عمران، الآية: 31.
(5) سورة الأعراف، الآية: 158.
(6) سورة النور، الآية: 54.
(7) انظر: جامع العلوم والحكم 2/407 ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار 1/258.(14/14)
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى، وأنه على كل شيء قدير، لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(1). وقال سبحانه: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(2). ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}(3).
__________
(1) سورة النحل، الآية: 4.
(2) سورة يس، الآية: 82.
(3) سورة الحجر، الآية: 21.(14/15)
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى: ”... يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركُم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحْرَ“(1). وهذا يدل على كمال قدرته سبحانه وتعالى، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد(2)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يدُ الله(3) ملأى لا يَغِضُها نَفَقةٌ سحّاءُ(4) الليلَ والنهارَ أرأيتُم ما أنفقَ مُذْ خلَقَ السماءَ(5) والأرض فإنه لم يغِضْ ما في يده وكان عرشُهُ على الماءِ وبيده(6) الميزان يخفض ويرفع“(7).
__________
(1) مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه برقم 2577.
(2) جامع العلوم والحكم 2/48.
(3) في رواية مسلم: ”يمين الله ملأى“ رقم 993.
(4) سحَّاءُ: أي دائمة الصب تصب العطاء صبّاً ولا ينقصها العطاء الدائم في الليل والنهار، انظر: الفتح 13/395.
(5) في رواية للبخاري بالجمع للسموات والأرض برقم 7441.
(6) وفي رواية للبخاري ومسلم ”وبيده الأخرى“ رقم 7411، وفي مسلم 993، والترمذي برقم 3045.
(7) البخاري بلفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم 4684، ومسلم بنحوه برقم 993، والترمذي بلفظ: ”يمين الرحمن ملأى“ برقم 3045.(14/16)
فالمسلم إذا علم ذلك فعليه أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، لما تقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة...“(1) الحديث. ولهذا بين صلى الله عليه وسلم أن الله يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع فقال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث“(2) الحديث.
الشرط الرابع: حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى الله تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}(3).
__________
(1) الترمذي 5/517 وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني، في الأحاديث الصحيحة برقم 594، وفي صحيح الترمذي برقم 2766، وأخرجه أحمد 2/177، والحاكم 1/493.
(2) أحمد في المسند 3/18، وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله برقم 3381، وعن عبادة بن الصامت برقم 3573، وحسنهما الألباني في صحيح الترمذي 3/140، 181.
(3) سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90.(14/17)
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى(1)، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ”ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ“(2). وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(3).
الشرط الخامس: العزمُ والجَزم ُوالجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم ويعزم بالدعاء، ولهذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مُسْتَكْرِهَ لهُ“(4). وفي رواية: ”فإن الله لا مُكْرِهَ له“(5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه“(6).
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء
__________
(1) جامع العلوم والحكم 2/403.
(2) الترمذي برقم 3479، وله شاهد عند أحمد 2/177 من حديث عبد الله بن عمر ولكنه من طريق ابن لهيعة، والحديث حسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة برقم 594، وفي صحيح سنن الترمذي برقم 2766.
(3) سورة الأعراف، الآية: 205.
(4) البخاري برقم 6338، ومسلم برقم 2678.
(5) والمراد باللفظين جميعاً أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة هو الذي يحصل إكراهه على الشيء فيُخفف الأمر عليه حتى لا يشق عليه والله مُنزّهٌ عن ذلك فتح الباري 11/140 وشرح النووي 17/10.
(6) البخاري برقم 339، ومسلم واللفظ له برقم 2679.(14/18)
المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط(1).
ومن هذه الموانع ما يأتي:
المانع الأول: التوسع في الحرام: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية(2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يا أيها الناس إن الله طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(4). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك“(5). وقد قيل كما ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً، فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات(6) والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً. ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان لأبي بكر غلامٌ
__________
(1) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد ص7.
(2) جامع العلوم والحكم 1/277.
(3) سورة المؤمنون، الآية: 51.
(4) سورة البقرة، الآية: 172.
(5) مسلم برقم 1015.
(6) جامع العلوم والحكم 1/259.(14/19)
يُخرج له الخراجَ وكان أبو بكر يأكل من خراجه(1)، فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده(2) فقاءَ كلَّ شيء في بطنه“(3). ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد ”فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به“ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة(4).
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
__________
(1) أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح 7/154.
(2) فأدخل أبو بكر يده: أي أدخلها في حلقه.
(3) البخاري برقم 3842، مع الفتح 7/149.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/31، وأحمد في الزهد بمعناه ص164، وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر عند أحمد والدارمي والحاكم. انظر: صحيح الجامع 4/172.(14/20)
الأول: إطالة السفر، والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”ربَّ أشْعَثَ(1) مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره“(2). والثالث: يمد يديه إلى السماء ”إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين“(3). والرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ومع ذلك كله قال صلى الله عليه وسلم: ”فأنى يستجاب لذلك“ وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد(4).
فعلى العبد المسلم التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويرد المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء، لتأخر الإجابة(5)، فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء(6).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي“(7).
__________
(1) الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
(2) مسلم برقم 2622.
(3) أبو داود 2/78 برقم 1488، والترمذي 5/557، وابن ماجه 2/1271، والبغوي في شرح السنة 5/185، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179 وصحيح ابن ماجه برقم 3865.
(4) جامع العلوم والحكم 1/269، 275 و1/269-275.
(5) جامع العلوم والحكم 2/403.
(6) جامع العلوم والحكم 2/403.
(7) البخاري برقم 6340، ومسلم برقم 2735.(14/21)
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل“. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: ”يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي فيستحسر(1) عند ذلك ويدعُ الدعاءَ“(2).
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء، لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، والله تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(3). فما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له(4).
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما يسأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل(5).
المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة(6)، ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ
ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ
__________
(1) ومعنى يستحسر: أي ينقطع عن الدعاء ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا ينقطعون عنها. انظر: شرح النووي، والفتح 11/141.
(2) مسلم 4/2096.
(3) سورة الأعراف، الآية: 56.
(4) جامع العلوم والحكم 2/404.
(5) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز 1/261 جمع الطيار.
(6) جامع العلوم والحكم 1/275.(14/22)
كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ
قد سددْنا طريقها بالذنوب(1)
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(2).
المانع الرابع: ترك الواجبات التي أوجبها الله:
كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء(3)، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم“(4).
المانع الخامس: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
المانع السادس: الحكمة الربانية فيُعطى أفضل مما سأل:
__________
(1) جامع العلوم والحكم 1/377، وانظر: الحاكم 2/302 وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1805.
(2) سورة الرعد، الآية: 11.
(3) جامع العلوم والحكم 1/275.
(4) الترمذي 4/468 وحسنه برقم 2169، والبغوي في شرح السنة 14/345، وأحمد 5/388، وانظر: صحيح الجامع برقم 6947، 6/97، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ”يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم“ أحمد 6/159. وانظر: المجمع 7/266.(14/23)
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها“. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ”الله أكثر“(1). فقد يظن الإنسان أنه لم يجب وقد أجيب بأكثر مما سأل أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل أو أخَّره له إلى يوم القيامة(2).
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأماكن وأوقات الإجابة
المبحث الأول: آداب الدعاء
يبدأ بحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بذلك.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ”كلُّ دُعاءٍ محجوب حتَّى يُصلَّى على محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد“(3).
__________
(1) أحمد في المسند 3/18 وتقدم تخريجه ص20.
(2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز 1/258-268 جمع الطيار.
(3) أخرجه الطبراني في الأوسط 4/448 مصورة الجامعة الإسلامية موقوفاً على علي رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/160: رجاله ثقات، ووافقه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/57، والحديث له شواهد كثيرة عن معاذ بن جبل مرفوعاً، وعن عبد الله بن بسر مرفوعاً، وعن أنس رضي الله عنه، وعن عمر قال: ”إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلّى الله عليه وسلّم“. الترمذي برقم 490 قال العلامة الألباني: وخلاصة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى على أقل الأحوال. انظر: الأحاديث الصحيحة 5/57، رقم 2035، وصحيح الجامع 4/73، وصحيح الترمذي 1/150.(14/24)
عن فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجِّد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”عجَّل هذا“ ثم دعاه فقال له أو لغيره: ”إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعدُ بما شاء“(1). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً آخر يصلي فمجَّد الله، وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أيها المصلي ادعُ تُجَبْ [وسَلْ تُعْطَ]“(2).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”سَلْ تُعطَهْ، سَلْ تُعطَهْ“(3).
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أن للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى.
المرتبة الثانية: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره.
المرتبة الثالثة: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في أوله، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما(4).
__________
(1) أبو داود 2/77 برقم 1481، والترمذي 5/516 برقم 3477، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم 1314، وصحيح الترمذي برقم 2767.
(2) النسائي 3/44، والترمذي 5/516 برقم 3476، وما بين المعكوفين عند النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم 1217، وفي صحيح الترمذي برقم 2765.
(3) الترمذي 2/488، وقال حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح 1/294 برقم 931.
(4) انظر: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام صلّى الله عليه وسلّم ص375.(14/25)
الدعاء في الرخاء والشدة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”منْ سَرَّهُ أنْ يستَجيبَ الله لهُ عِندَ الشَّدائدِ والكُرَبِ فلْيُكثِر الدُّعاءَ في الرَّخاءِ“(1).
والمعنى: من أحب أن يستجيب الله له عند الشدائد، وهي الحادثة الشاقة، والكُرَب: وهي الغم الذي يأخذ النفس، فليكثر الدعاء في حالة الصحة والفراغ والعافية، لأن من شيمة المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى ويكون دائم الصلة به، ويلتجئ إليه قبل الاضطرار(2). قال الله تعالى في يونس عليه الصلاة والسلام حينما دعاه فأنجاه واستجاب له: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(3).
لا يدعو على أهله، وماله، أو ولده، أو نفسه:
عن جابر رضي الله عنه في الرجل الذي لعن بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من هذا اللاعِنُ بعيرَهُ“؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ”انزل عنهُ فلا تصحبنا بملعونٍ، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقُوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءٌ فيستجيبُ لكم“(4).
4- يخفِضُ صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر:
أ ـ قال الله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(5).
ب ـ وقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(6).
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/462، برقم 3382، والحاكم 1/544، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/140، وانظر: الأحاديث الصحيحة برقم 593.
(2) انظر: تحفة الأحوذي 9/324.
(3) سورة الصافات، الآيتان: 143، 144.
(4) أخرجه مسلم 4/2304 برقم 3009.
(5) سورة الأعراف، الآية: 55.
(6) سورة الأعراف، الآية: 205.(14/26)
جـ ـ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم [لا تدعون] أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم“(1). والمعنى وهو معكم بعلمه واطلاعه، لأن المعية معيتان: معية عامة ومعية خاصة، فالعامة: معية العلم والاطلاع وهو مستوٍ على عرشه، كما يليق بجلاله، ويعلم ما في نفوس عباده لا تخفى عليه خافية.
والمعية الخاصة: معية النصر، والتأييد والتوفيق، والإلهام لعباده المؤمنين.
5 ـ يتضرع إلى الله في دعائه:
الضراعة: الذل والخضوع والابتهال، يقال: ضَرَعَ، يَضْرَعُ ضراعةً: خضع وذلَّ واستكان وتضرع إلى الله: ابتهل(2).
أ ـ قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(3).
ب ـ وقال سبحانه: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(4).
جـ ـ وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً}(5).
6 ـ يلحُّ على ربه في دعائه:
__________
(1) البخاري برقم 4205 ومسلم بلفظه برقم 2704 إلا ما بين المعكوفين لفظ البخاري.
(2) انظر: المصباح المنير ص361، والقاموس المحيط ص958، والمعجم الوسيط ص538، ومفردات ألفاظ غريب القرآن للأصفهاني ص506.
(3) سورة الأنعام، الآيتان: 42، 43.
(4) سورة الأنعام، الآية: 63.
(5) سورة الأعراف، الآية: 205.(14/27)
الإلحاح: الإقبال على الشيء ولزوم المواظبة عليه، يقال: ألحَّ السحابُ: دام مطره، وألحَّت الناقة: لزمت مكانها، وألحَّ الجمل: لزم مكانه وحَرَن، وألحَّ فلان على الشيء: واظب عليه، وأقبل عليه(1). وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: ”ألظُّواْ بياذا الجلالِ والإكرام“(2).
فالعبد يكثر من الدعاء، ويكرره، ويلحُّ على الله بتكرير ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وذلك من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، كما ذكر صلى الله عليه وسلم(3): ”الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ“. الحديث(4). وهذا يدل على الإلحاح في الدعاء، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ”يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي“(5).
7 ـ يتوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة:
والوسيلة لغة: القربة، والطاعة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به إليه. يقال: وسَّل فلان إلى الله تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إليه. ويقال: وسَلَ فلان إلى الله تعالى بالعمل يَسِلُ وَسْلاً وتوسُّلاً وتوسيلاً: رغب وتقرب إليه. أي: عمل عملاً تقرب به إليه(6).
__________
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/236، والمصباح المنير ص550، والقاموس المحيط ص306.
(2) الترمذي برقم 3773-3775 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/172.
(3) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/269-275.
(4) مسلم برقم 1015.
(5) البخاري مع الفتح 11/140، ومسلم 4/2095.
(6) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/185، والقاموس المحيط ص1379، والمصباح المنير ص660.(14/28)
قال الراغب الأصفهاني: الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمُّنها معنى الرغبة، قال تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}(1). وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم، والعبادة، وتحري مكارم الشريعة.وهي كالقربة، والواسِلُ: الراغب إلى الله تعالى(2).
ومعنى قوله تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه(3).
النوع الأول: التوسل في الدعاء باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، كأن يقول الداعي قي دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي، ولهذا قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(4). ومن دعاء سليمان عليه الصلاة والسلام ما قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(5).
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 35.
(2) مفردات غريب ألفاظ القرآن ص871.
(3) تفسير ابن كثير 2/53، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص5-160. والتوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، ص8-156.
(4) سورة الأعراف، الآية: 180.
(5) سورة النمل، الآية: 19.(14/29)
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: ”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد“ قال فقال: ”والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى“(1). وفي رواية: ”لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم“.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا ”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم“. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى“(2).
وعن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، وهو يقول: ”اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم“. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له“ ثلاث مرات(3).
__________
(1) أبو داود 2/79، والترمذي 5/515، وأحمد 5/260، وابن ماجه 2/1267، والحاكم 1/604، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.
(2) أبو داود بلفظه 2/80 وابن ماجه 2/1268 والترمذي 5/550 وأحمد 3/120، والنسائي 3/52 وصححه ابن حبان برقم 2382 (موارد) والحاكم 1/503 ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.
(3) أحمد 4/338 والنسائي 3/52 وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/280، وصحيح أبي داود 1/185.(14/30)
وعن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعملٍ صالح قام به الداعي، كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك، أو محبتي لك، أو اتباعي لرسولك أن تغفر لي.
أو يقول: اللهم إني أسألك بمحبتي لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيماني به أن تفرج عني. ومن ذلك أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بال، فيه خوفه من الله سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسل به إلى الله في دعائه، ليكون أرجى لقبوله وإجابته.
ويدل على مشروعية ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(2).
وقوله تعالى: {رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}(3).
ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار فإن كلاً منهم ذكر عملاً صالحاً تقرب به إلى الله ابتغاء وجهه سبحانه، فتوسل بعمله الصالح فاستجاب الله له(4).
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر:
__________
(1) الترمذي 5/529، وأحمد 1/170، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/505، قال الأرنؤوط في تخريجه للكلم ص86 وهو كما قالا وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168.
(2) سورة آل عمران، الآية: 16.
(3) سورة آل عمران، الآية: 53.
(4) أخرجه البخاري 4/37 ومسلم 4/3099.(14/31)
كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيحب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله تعالى، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح، والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة فيطلب منه أن يدعو له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه. ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصابت الناس سَنَةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا. فرفع يديه ثم قال: ”اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا“ وما نرى في السماء قَزَعةً، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ”اللهم حوالينا ولا علينا“ فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهراً ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدَّث بالجود“(1).
ومن ذلك سؤال أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأمه بالهداية إلى الإسلام، فدعا لها صلى الله عليه وسلم فهداها الله تعالى(2).
ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطلب من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم الله عز وجل أن يغيثهم فيغيثهم سبحانه(3).
__________
(1) أخرجه البخاري 1/224، ومسلم 2/612 برقم 897.
(2) مسلم 4/1939 ويأتي تخريجه في ص107.
(3) انظر: البخاري مع الفتح 2/494 كتاب الاستسقاء باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا. حديث رقم 1008.(14/32)
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ”يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل“(1).
8 ـ الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء:
عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار أن تقول: ”اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت“. قال: ”ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة“(2).
9 ـ عدم تكلف السجع في الدعاء:
عن ابن عباس قال: حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أبيت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك – يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب –(3).
10 ـ الدعاء ثلاثاً:
__________
(1) أخرجه مسلم 4/1968، برقم 2542.
(2) البخاري 7/144 و150 برقم 6306 والترمذي 5/467، والنسائي 8/279، في الاستعاذة باب الاستعاذة من شر ما صنع وأحمد 4/122.
(3) البخاري 7/197، برقم 6337.(14/33)
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس. إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه ثم قال: ”اللهم عليك بقريش“ ثلاث مرات. فشق عليهم إذ دعا عليهم قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى: ”اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط“. وعد السابع فلم نحفظه قال: فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب. قليب بدر(1).
11 ـ استقبال القبلة:
عن عبد الله بن زيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه(2).
12 ـ رفع الأيدي في الدعاء:
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه(3).
وقال ابن عمر رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ”اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد“(4).
__________
(1) أخرجه البخاري 1/74 في كتاب الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي جيفة لم تفسد صلاته برقم 240، ومسلم 3/1418 كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم من أذى المشركين والمنافقين حديث رقم 1794.
(2) أخرجه البخاري بلفظ 7/99، برقم 6343 في كتاب الدعوات باب الدعاء مستقبل القبلة.
(3) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.
(4) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.(14/34)
وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه(1).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً“(2).
13 ـ الوضوء قبل الدعاء إن تيسر(3):
__________
(1) البخاري 7/198 كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء قبل رقم 6341.
(2) أبو داود 2/78 والترمذي 5/557 وغيرهما وقال ابن حجر سنده جيد، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/179.
(3) الوضوء قبل الدعاء مستحب. وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر الله على كل أحيانه وعلى هذا فالدعاء جائز للجنب، لكنه لا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يغتسل.(14/35)
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرُمِيَ أبو عامر في ركبته. رماه جشميٌّ بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولَّى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت فكف. فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك قال: فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء فقال: يا ابن أخي ! انطلِقْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئهُ منِّي السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس فمكث يسيراً ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مُرْمَلٍ وعليه فراش قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبه. فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقلت له: قال: قل له: استغفر لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ فتوضأ منه ثم رفع يديه فقال: ”اللهم اغفر لعبيد أبي عامر“ ورأيت بياض إبطيه ثم قال: ”اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس“. فقلت: ولي يا رسول الله، فاستغفر، فقال: ”اللهم اغفر لعبد الله ابن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مُدْخَلاً كريماً“(1).
14 ـ البكاء في الدعاء من خشية الله تعالى:
__________
(1) أخرجه البخاري 5/101 ومسلم 4/1943، وانظر: الفتح فهناك فوائد 8/42.(14/36)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(1). وقول عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(2). فرفع يديه وقال: ”اللهم أمتي أمتي وبكى“ فقال الله عز وجل: ”يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال. وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك“(3).
15 ـ إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والشكوى إليه:
قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(4).
ومن ذلك دعاء زكريا: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}(5).
ودعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَّبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(6).
16 ـ يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره:
__________
(1) سورة إبراهيم، الآية: 36.
(2) سورة المائدة، الآية: 118.
(3) مسلم 1/191 كتاب الإيمان باب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمته وبكائه شفقة عليهم.
(4) سورة الأنبياء، الآية: 83.
(5) سورة الأنبياء، الآية: 89.
(6) سورة إبراهيم، الآية: 37.(14/37)
عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه(1). وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بنفسه، كدعائه لأنس، وابن عباس، وأمِّ إسماعيل رضي الله عنهم(2).
17 ـ لا يعتدي في الدعاء:
عن ابن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها، وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا فقال: يا بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”سيكون قوم يعتدون في الدعاء“ فإياك أن تكون منهم، إن أُعطيت الجنة أُعطيتها وما فيها، وإن أُعذت من النار أُعذت منها وما فيها من الشر(3).
وعن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني: سل الله الجنة، وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء“(4).
18 ـ التوبة ورد المظالم:
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/463 وقال: حديث حسن غريب صحيح. وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تخريجه لجامع الأصول 4/175.
(2) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 15/144 وفتح الباري 1/218، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 9/328.
(3) أبو داود 2/77 وصحيح الجامع 3/218 برقم 3565 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/277.
(4) أبو داود 1/24 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/21 وإرواء الغليل 1/171 برقم 140، وأخرجه أحمد 4/87.(14/38)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أيها الناس إن الله طيّب لا يقبل إلا طيّباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَآ أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(1). وقال: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(2) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام فأنَّى يُستجابُ لذلك“(3).
19 ـ يدعو لوالديه مع نفسه:
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(4). وقال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}(5).
وقال تعالى إخباراً عن نوح عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا}(6).
20 ـ يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه:
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(7).
21 ـ لا يسأل إلا الله وحده:
__________
(1) سورة المؤمنون، الآية: 51.
(2) سورة البقرة، الآية: 172.
(3) مسلم 4/703.
(4) سورة الإسراء، الآية: 24.
(5) سورة إبراهيم، الآية: 41.
(6) سورة نوح، الآية: 28.
(7) سورة محمد، الآية: 19.(14/39)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف“(1).
المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة
1 ـ ليلة القدر:
قال الله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةَ القدر. ما أقول فيها ؟ قال: ”قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني“(3).
2 ـ دبر الصلوات المكتوبات:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله! أي الدعاء أسمع ؟ قال: ”جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات“(4).
3 ـ جوف الليل الآخر:
__________
(1) أخرجه الترمذي 4/667، وقال: حسن صحيح، وأحمد 1/293، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/309.
(2) سورة القدر، الآيات: 1-5.
(3) الترمذي 5/534 وصححه، وابن ماجه 2/1265 وأحمد 6/182 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/170، وصحيح ابن ماجه 2/328، وانظر: مشكاة المصابيح بتحقق الشيخ الألباني 1/648.
(4) الترمذي 5/526 برقم 3499 وحسنه وله شواهد انظرها في جامع الأصول 4/143، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/168.(14/40)
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن“(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له“(2).
وعن عثمان بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائل فَيُعطى، هل من مكروب فَيُفَرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً“(3).
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار فقال سبحانه وتعالى: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(4).
4 ـ بين الأذان والإقامة:
__________
(1) الترمذي 5/569 برقم 3579 وصححه وهو كما قال وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه والنسائي والحاكم وصححه. انظر: جامع الأصول 4/144 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/173.
(2) البخاري 2/59، برقم 1145، ومسلم 1/521، برقم 758، وانظر: روايات مسلم 4/521-523.
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وصحح إسناده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/126 رقم 1073، وصحيح الجامع الصغير 3/47 برقم 2968. والعشَّار هو الذي يأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق القوة والجاه ومثلها الضرائب وهي المكوس، انظر: المرجع السابق 3/126.
(4) سورة الذاريات، الآيتان: 17، 18. وانظر: سورة آل عمران، الآية: 17.(14/41)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا“(1).
5 ـ عند النداء للصلوات المكتوبات:
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً“(2).
6 ـ عند إقامة الصلاة:
وعن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ساعتان لا تُرَدُّ على داع دعوته: حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله“(3).
7 ـ عند نزول الغيث وتحت المطر:
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً“. وفي الحديث من طريق موسى عن رزق عن أبي حازم عن سهل ابن سعد به: ”ووقت المطر“ ولفظ الحاكم: ”وتحت المطر“(4).
8 ـ عند زحف الصفوف في سبيل الله:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم يعضهم بعضاً“(5).
9 ـ ساعة من كل ليلة:
__________
(1) أخرجه الترمذي 1/415 و5/577، وأبو داود 1/144، وأحمد 3/155 و3/225، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/185، وإرواء الغليل رقم 244، 1/261 وصحيح الجامع 3/150.
(2) أبو داود 3/21، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/483، وفي رواية له ووقت المطر. والدارمي 1/217 وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن صحيح، وانظر تخريجه في الدارمي 1/217 وانظر ما بعده.
(3) ابن حبان في صحيحه (موارد) وصححه الشيخ ناصر الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/106 برقم 256، ورقم 262.
(4) أخرجه أبو داود 3/21 وحسنه الشيخ ناصر الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1469، 3/453-454، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/114.
(5) أبو داود 3/21 والدارمي 1/217 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/283.(14/42)
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة“(1).
10 ـ ساعة من ساعات يوم الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ”فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه“ وأشار بيده يقللها(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر“(3).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”يوم الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر“(4).
وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال عبد الله بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة ؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة“(5).
ورجح ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم: أن الساعة في يوم الجمعة هي بعد العصر(6).
__________
(1) مسلم 1/521.
(2) البخاري 1/253، برقم 935، ومسلم 2/583، برقم 852.
(3) أحمد 2/272 ويشهد له ما بعده.
(4) أبو داود 1/275 برقم 1048 والنسائي 3/99-100 في الجمعة باب وقت الجمعة وإسناده جيد وصححه الحاكم 1/279 ووافقه الذهبي. وانظر: زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط 2/391 والفتح 2/351.
(5) مسلم 1/584، برقم 853.
(6) انظر: زاد المعاد 2/388-397.(14/43)
قال ابن القيم: ”وعندي أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم، لا تتقدم ولا تتأخر. وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت، لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة. فساعة اجتماعهم ساعة تُرجى فيها الإجابة وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها...“(1).
11 ـ عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة:
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ماء زمزم لما شُرِبَ له“(2).
12 ـ في السجود:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء“(3).
13 ـ عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي – أو دعا - استجيب له. فإن توضأ وصلى قبلت صلاته“(4).
14 ـ عند الدعاء بـ”دعوة ذي النون“:
__________
(1) زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط 2/394.
(2) ابن ماجه 2/1018 وأحمد 3/357 و372 وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/320 برقم 1123 وفي الأحاديث الصحيحة برقم 883 وفي صحيح الجامع 5/116 برقم 5378، وفي صحيح ابن ماجه 3/386.
(3) مسلم 1/350.
(4) البخاري مع الفتح 3/39 برقم 1154، والترمذي 5/480.(14/44)
عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
15 ـ عند الدعاء في المصيبة بالمأثور:
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجُرْني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها“(2).
16 ـ عند دعاء الناس بعد وفاة الميت:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: ”إن الروح إذا قبض تبعه البصر“ فضج ناس من أهله فقال: ”لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون“. ثم قال: ”اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره ونور له فيه“(3).
17 ـ عند قولك في دعاء الاستفتاح:
”الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً. وسبحان الله بكرة وأصيلاً“ استفتح به رجل من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم: ”عجبت لها فتحت لها أبواب السماء“(4).
18 ـ عند قولك في دعاء الاستفتاح:
__________
(1) الترمذي 5/529 برقم 3505 وأحمد 1/170 والحاكم 1/505 وصححه ووافقه الذهبي. قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه للكلم الطيب ص86: وهو كما قالا: وحسنه ابن حجر وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168.
(2) مسلم 2/632 و633.
(3) مسلم 2/634.
(4) مسلم 2/420.(14/45)
”الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“ استفتح رجل به صلاته فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ”أيكم المتكلم بالكلمات“ فأرم القوم. فقال: ”أيكم المتكلم فإنه لم يقل بأساً“ فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها فقال: ”لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها“(1).
19 ـ عند قراءة الفاتحة في الصلاة بالتدبر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج“. ثلاثاً ”غير تمام“ فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي. (وقال مرة: فوض إلي عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل“(2).
20 ـ عند رفع الرأس من الركوع وقولك:
”ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“:
عن رفاعة قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: ”سمع الله لمن حمده“. قال رجل وراءه: ”ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه“ فلما انصرف قال: ”من المتكلم“؟ قال: أنا. قال: ”رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول“(3).
21 ـ عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة:
__________
(1) مسلم 2/419.
(2) مسلم 1/296.
(3) البخاري مع الفتح 2/284 وموطأ مالك 1/212 والترمذي 2/254 وأبو داود 2/204 وأحمد 4/340.(14/46)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه“(1).
وعنه رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(2).
22 ـ عند قولك في رفعك من الركوع:
”اللهم ربنا ولك الحمد“.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(3).
23 ـ بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”سلْ تُعطه. سلْ تُعطه“(4).
__________
(1) البخاري 1/190 ومسلم واللفظ له 1/307.
(2) البخاري واللفظ له 1/190 ومسلم 1/307.
(3) البخاري 1/193 ومسلم 1/306.
(4) أخرجه الترمذي 2/488 وقال حديث حسن صحيح، والنسائي، وأحمد 1/26 و38 وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2765، وفي صحيح النسائي برقم 1217.(14/47)
وعن فضالة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”ادعُ تجب، وسل تُعْطَ“(1).
24 ـ عند قولك قبل السلام في الصلاة:
”اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم“، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم عندما سمع هذا الدعاء من رجل يصلي: ”قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له“ ثلاث مرات(2).
25 ـ وكذلك عند قولك:
”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم“. قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع رجلاً يصلي يدعو بهذا الدعاء: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى“(3).
26 ـ وكذلك عند الدعاء بهذا الدعاء:
__________
(1) أخرجه النسائي 3/44 و45 باب فضل التمجيد والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم والترمذي 5/516 قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: وصححه ابن خزيمة وابن حبان "موارد" برقم 510 والحاكم 1/268 ووافقه الذهبي. انظر: شرح السنة للإمام البغوي بتحقيق الأرناؤوط 3/187، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/275.
(2) أخرجه أحمد 4/338 وأبو داود والنسائي 3/52 وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279 وقال الشيخ الألباني وأخرجه ابن خزيمة: وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. انظر: تخريج صفة صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص203.
(3) أخرجه أبو داود 2/80 وابن ماجه 2/1268 والترمذي 5/550 وأحمد 3/120 والنسائي 3/52 وصححه ابن حبان برقم 2382 (موارد) والحاكم 1/503 ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.(14/48)
”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد“ قال صلى الله عليه وسلم لرجل سمعه يدعو بهذا الدعاء: ”لقد سألت الله عز وجل باسمه الأعظم“ وفي رواية: ”لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب“(1).
27 ـ عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء“(2).
28 ـ عند الدعاء يوم عرفة في عرفة للحاج:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير“(3).
29 ـ الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر:
عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: ”إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح“(4).
__________
(1) أبو داود 2/79 والترمذي 5/515 وأحمد 5/360 وابن ماجه 2/1267 والحاكم 1/504 وصححه وأقره الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.
(2) أخرجه مسلم 1/210 وأحمد 4/146. وانظر: تخريجه بتمامه في إرواء الغليل 1/134 برقم 96.
(3) أخرجه الترمذي ومالك في الموطأ 1/422. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/184. وانظر: تخريج مشكاة المصابيح 2/797 برقم 2595 وصحيح الجامع 3/121 برقم 3269 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/6 رقم 1503.
(4) أخرجه الترمذي 2/342 برقم 478 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1/147 انظر: مشكاة المصابيح للألباني 1/237 وأخرجه أيضاً أحمد 3/411.(14/49)
وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: ”إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس فلا ترتج حتى يُصَلّى الظهر، فأحب أن يصعد لي إلى السماء خير“(1).
30 ـ في شهر رمضان:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين“(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا كان رمضانُ فُتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين“(3).
31 ـ عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل – وهو أعلم منهم – ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك...“ الحديث وفيه. ”فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم“(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده“(5).
32 ـ عند صياح الديكة:
__________
(1) أخرجه أحمد مرفوعاً 5/420 وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2/39 برقم 1529 وصحيح الترغيب 1/238 برقم 584، وصحيح سنن أبي داود 1/236.
(2) البخاري مع الفتح 6/336 ومسلم 2/758.
(3) مسلم 2/758.
(4) البخاري 7/168 كتاب الدعوات باب فضل ذكر الله عز وجل، ومسلم 4/2069 كتاب الذكر والدعاء.
(5) أخرجه مسلم 4/2074 في كتاب الذكر والدعاء باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما. رقم 2700.(14/50)
”إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً“(1).
33 ـ حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص:
ومن الأدلة على ذلك قصة أصحاب الصخرة(2).
34 ـ الدعاء في عشر ذي الحجة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام“ - يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ”ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء“(3).
المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات
1 ـ عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق:
”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها“(4).
2 ـ الدعاء داخل الكعبة أو داخل الحجر:
عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها(5).
__________
(1) أخرجه البخاري بلفظه 4/89، وأخرجه مسلم 4/2092 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود 4/327 والترمذي 5/508 وأحمد 2/307.
(2) وتقدم تخريج الحديث، وانظر: صحيح البخاري 4/37، ومسلم 4/2099.
(3) البخاري برقم 969، وأبو داود واللفظ له برقم 2438، وغيرهما.
(4) أخرجه البخاري 2/194 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(5) أخرجه مسلم 2/968 برقم 1320.(14/51)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت في أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم صلى بين العمودين اليمانيين“(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر(2) أمن البيت هو؟ قال: ”نعم“ قلت: فلِمَ لم يدخلوه في البيت؟ قال: ”إن قومك قصرت بهم النفقة“(3).
ومن دعا داخل الحِجْرِ فقد دعا داخل الكعبة، لأن الحِجْرَ من البيت، لما سبق من الأحاديث.
3 ـ الدعاء على الصفا والمروة للمعتمر والحاج:
قال جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}(4) ”أبدأ بما بدأ الله به“ فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحَّد الله، وكبَّرهُ، وقال: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده“ ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات. الحديث. وفيه: ”ففعل على المروة كما فعل على الصفا“(5).
4 ـ الدعاء عند المشعر الحرام يوم النحر للحاج:
قال جابر رضي الله عنه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره، وهلَّله، ووحَّده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس“ الحديث.
5 ـ دعاء الحاج في عرفة يوم عرفة.
__________
(1) أخرجه مسلم 2/967 برقم 1329 والبخاري مع الفتح 3/463 برقم 1598.
(2) الجدر: حِجر الكعبة المعروف.
(3) أخرجه مسلم 2/973 برقم 1333 والبخاري مع الفتح 3/439 برقم 1584.
(4) سورة البقرة، الآية: 158.
(5) مسلم 2/888، برقم 1218.(14/52)
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير“(1).
الفصل الخامس: اهتمام الرسل بالدعاء واستجابة الله لهم
اهتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من عباد الله الصالحين بالدعاء، فاستجاب الله دعاءهم، وهذا كثير في القرآن والسنة، وأنا أذكر نماذج من باب الأمثلة لا من باب الحصر ومن ذلك ما يأتي:
1 ـ آدم صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(2). فغفر الله لهما كما قال سبحانه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(3). ثم أكرمه الله بالاصطفاء فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}(4). وخصه بالاجتباء فقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}(5).
__________
(1) أخرجه الترمذي ومالك في الموطأ 1/422. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/184. وانظر: تخريج مشكاة المصابيح 2/797 برقم 2595 وصحيح الجامع 3/121 برقم 3269 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/6 رقم 1503.
(2) سورة الأعراف، الآية: 23.
(3) سورة البقرة، الآية: 37.
(4) سورة آل عمران، الآية: 33.
(5) سورة طه، الآية: 122.(14/53)
2 ـ نوح صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}(1). وقال: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}(2). وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَآءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ}(3). وقال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلا يَلِدُواْ إِلاّ فَاجِرًا كَفَّارًا، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاّ تَبَارًا}(4).
__________
(1) سورة الصافات، الآيتان: 75، 76.
(2) سورة الأنبياء، الآيتان: 76، 77.
(3) سورة القمر، الآيات: 9-14.
(4) سورة نوح، الآيات: 26-28.(14/54)
3 ـ إبراهيم صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى عن دعائه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ، وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}(1). فاستجاب الله له فقال في طلبه الأول: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}(2). وقال في قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(3). وقال في قوله: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}(4).
4 ـ أيوب صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}(5).
5 ـ يونس صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(6).
__________
(1) سورة الشعراء، الآيات: 83-85.
(2) سورة النساء، الآية: 54.
(3) سورة البقرة، الآية: 30.
(4) سورة الصافات، الآيات: 108-111.
(5) سورة الأنبياء، الآيتان: 83، 84.
(6) سورة الأنبياء، الآيتان: 87، 88.(14/55)
6 ـ زكريا صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}(1). وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ}(2).
__________
(1) سورة آل عمران، الآيتان: 38، 39.
(2) سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90.(14/56)
7 ـ يعقوب صلى الله عليه وسلم: قال الله في قصة يعقوب مع أبنائه: {وَجَآءُواْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(1). وقال الله تعالى عنهم: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(2). وقال يعقوب: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَآ أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُواْ تَاللَّهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَاْيْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(3).
__________
(1) سورة يوسف، الآية: 18.
(2) سورة يوسف، الآية: 64.
(3) سورة يوسف، الآيات: 83-87.(14/57)
ثم استجاب الله دعاءه ورد عليه يوسف وأخيه قال الله: {قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَآ أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ، قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ، قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ، فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، قَالُواْ يَآ أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(1).
8 ـ يوسف صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى عنه وعن النسوة: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(2).
__________
(1) سورة يوسف، الآيات: 90-98.
(2) سورة يوسف، الآيات: 32-34.(14/58)
9 ـ موسى صلى الله عليه وسلم: قال الله عن دعائه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُواْ قَوْلِي، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}(1). وقال الله تعالى عن موسى وهارون: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ، قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}(2). وقال تعالى عن موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}(3).
__________
(1) سورة طه، الآيات: 25-36.
(2) سورة يونس، الآيتان: 88، 89.
(3) سورة القصص، الآيتان: 16، 17.(14/59)
10 ـ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه: قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1). وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ، بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(2). وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(3).
والأدعية التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشوهدت إجابتها كالشمس في رابعة النهار كثيرة جدَّاً لا تُحصر، ولكن منها على سبيل المثال:
__________
(1) سورة الأنفال، الآيتان: 9، 10.
(2) سورة آل عمران، الآيات: 123-126.
(3) سورة آل عمران، الآيتان: 173، 174.(14/60)
أ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ”اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته(1) [وأطل حياته، واغفر له](2) قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة اليوم(3) [وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة](4) وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة“(5).
وكان له رضي الله عنه بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك(6).
__________
(1) البخاري مع الفتح 4/228 و11/144، ومسلم 4/1928.
(2) البخاري في الأدب المفرد برقم 653، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص214.
(3) مسلم 4/1929.
(4) البخاري مع الفتح 4/228.
(5) الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص244.
(6) الترمذي 5/683، وانظر: صحيح الترمذي 3/234.(14/61)
ب ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة فأسلمت فوراً، قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم اهد أمَّ أبي هريرة“ فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجافٌ(1) فسمعت أمي خشف قدميَّ(2) فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء(3) قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمَّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قال: قلت يا رسول الله! ادعُ الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم حبب عُبيدك هذا وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين“ فما خُلِقَ مُؤمِنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحببني(4).
__________
(1) أي مغلق.
(2) أي صوتهما في الأرض.
(3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(4) مسلم 4/1939.(14/62)
جـ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعروة بن أبي الجعد البارقي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه(1). وفي مسند الإمام أحمد أنه قال له: ”اللهم بارك له في صفقة يمينه“ فكان يقف في الكوفة ويربح أربعين ألفاً قبل أن يرجع إلى أهله(2).
د ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم على بعض أعدائه فلم تتخلف الإجابة، ومن ذلك أن المشركين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وأمر أبو جهل بعض القوم أن يضع سلا الجزور بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ففعل ذلك عقبة بن أبي معيط فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم: ”اللهم عليك بقريش“ ثلاث مرات. فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: ”اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط“. قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذي سمّى صرعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب، قليب(3) بدر“(4). وفي رواية: فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس وكان يوماً حارّاً“(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 6/632.
(2) مسند أحمد 4/376.
(3) القليب: البئر التي لم تطوَ.
(4) مسلم 3/1418.
(5) مسلم 3/1420.(14/63)
هـ ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم على سراقة بن مالك رضي الله عنه. لحق سراقة النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقتله وأبا بكر، لكي يحصل على دية كل واحدٍ منهما، لأن قريشاً جعلوا لمن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر أو أسرهما دية كل واحد منهما، فلحق سراقة النبي صلى الله عليه وسلم وعندما رآه أبو بكر قال: يا رسول الله! هذا فارسٌ قد لحق بنا، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”اللهم اصرعه“ وساخت يدا فرس سراقة في الأرض حتى بلغت الركبتين. فقال سراقة: يا رسول الله! ادع الله لي، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجحت فرسه، ورجع يخفي عنهما، فكان أول النهار جاهداً على النبي صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة(1) له يخفي عنه(2).
__________
(1) المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، ويرقبون العدو لئلا يطرقهم، فكذلك سراقة كان مدافعاً ومخفياً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، انظر النهاية 2/388، والقاموس المحيط ص287.
(2) البخاري مع الفتح 7/238 و240 و249، برقم 3906، 3908، 3911.(14/64)
و ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم بدر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف(1) بربه: ”اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض“ فما زال يهتف بربه مادَّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك(2) مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(3). فأمده الله بالملائكة(4). قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً. فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة“ فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين(5).
__________
(1) يهتف: يستغيث بالله ويدعوه.
(2) كذاك: أي كفاك، وفي بعض النسخ كفاك، والمعنى صحيح.
(3) سورة الأنفال، الآية: 9.
(4) مسلم 3/1384.
(5) مسلم 3/1384-1385.(14/65)
ز ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، كان المحاربون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، وكان من حضر الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم شهراً ولم يكن بينهم قتال إلا ما كان من عمرو بن وُدٍّ العامري مع علي بن أبي طالب فقتله علي رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة(1). ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: ”اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم“(2). وأرسل الله على الأحزاب جنداً من الريح فجعلت تقوِّض خيامهم، ولا تدع لهم قدراً إلا كفأته، ولا طنباً إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف(3). قال الله تعالى: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيدًا}(4).
__________
(1) انظر: زاد المعاد 3/269-276.
(2) البخاري مع الفتح 7/406 برقم 415.
(3) زاد المعاد 3/274.
(4) سورة الأحزاب، الآيات: 9-11.(14/66)
ح ـ دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم حنين، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه عن قتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين قال: ”فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض من ترابٍ من الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: ”شاهت الوجوه“(1) فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين“(2).
الفصل السادس: الدعوات المستجابات
كل من عمل بالشروط، وابتعد عن الموانع، وعمل بالآداب، وتحرّى أوقات الإجابة، والأماكن الفاضلة فهو ممن يستجيب الله دعاءه، وقد بينت السنة أنواعاً وأصنافاً ممن طبق هذه الشروط واستجاب الله دعاءهم ومنهم:
1 ـ دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب:
عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت لصفوان: أتريد الحج العام ؟ قال: فقلت: نعم، قالت: فادعُ الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ”دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل“(3). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ ولكَ بِمِثلٍ“(4).
2 ـ دعوة المظلوم:
__________
(1) شاهت الوجوه: أي قبحت.
(2) مسلم 3/1402.
(3) مسلم 4/2094 برقم 2733.
(4) مسلم 4/2094.(14/67)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وساق الحديث وقال فيه: ”واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب“(1). ومن هذه الإجابة قصة سعد رضي الله عنه مع أبي سعدة عندما قال لمن سأله عن سعد: ”أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزُهُن“(2).
وخاصمت أروى بنت أويس سعيد بن زيد رضي الله عنه عند مروان ابن الحكم وادعت عليه أنه أخذ من أرضها، فقال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طُوِّقه إلى سبعين أرضين“ ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تتلمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه“(4).
وأنشد بعضهم فقال:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مُقتدراً
__________
(1) البخاري برقم 1395، 2448.
(2) البخاري 2/236 برقم 755 ومسلم 1/334 برقم 453، وهو أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة.
(3) مسلم برقم 1610، 2/1230.
(4) أحمد 2/367، وأبو داود الطيالسي في مسنده برقم 1266، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/407 برقم 767، وفي صحيح الجامع 3/145 برقم 3377.(14/68)
فالظالم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
3 ـ دعوة الوالد لولده.
4 ـ دعوة الوالد على ولده.
5 ـ دعوة المسافر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثلاث دعوات يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده“(1) وفي رواية أحمد والترمذي: ”على ولده“(2).
فينبغي الحذر من دعوة هؤلاء، فإن دعوتهم مستجابة.
6 ـ دعوة الصائم:
عن أبي هريرة يرفعه: ”ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويَفتَحُ لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين“(3).
7 ـ دعوة الصائم حتى يفطر.
8 ـ الإمام العادل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديثه الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الجنة ونعيمها قال في آخره: ”... ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتُفَتَّحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين“(4).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه: ”إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرد“(5).
__________
(1) الترمذي 4/314 برقم 1905، 5/502، برقم 3448، وأبو داود 2/89، وابن ماجه 2/1270، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/286، وفي صحيح الترمذي 3/156 وصحيح ابن ماجه 2/331.
(2) الترمذي 5/502، برقم 3448، وأحمد 2/258.
(3) الترمذي بلفظه 5/578، برقم 3598 ورواه الترمذي بإسناد آخر بعد شيخه عن أبي هريرة رضي الله عنه ولكن قال: ”الصائم حين يفطر“ 4/672 برقم 2526 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/311، وابن ماجه 1/557، وأخرجه أيضاً البغوي 5/196.
(4) الترمذي 4/672، برقم 2526، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/311.
(5) ابن ماجه 1/557 وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار 4/342.(14/69)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”ثلاثة لا يُردُّ دعاؤُهم: الذاكر لله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المُقسِط“(1).
9 ـ دعوة الولد الصالح:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له“(2).
10 ـ دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استُجيب [له] [فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته]“(3).
11 ـ دعوة المضطر:
قال الله تعالى: {أمَّن يُجيبُ المضطَرَّ إذا دعَاهُ ويكشِفَ السُّوءَ}(4).
ومما يدل على أن من أقوى أسباب الإجابة الاضطرار حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل أغلقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى واسألوا الله بها لعله يفرجها عنكم، فدعوا الله تعالى بصالح أعمالهم فارتفعت الصخرة فخرجوا يمشون(5).
__________
(1) البيهقي في الشعب 2/399، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/212 برقم 1211.
(2) مسلم 3/1255.
(3) البخاري برقم 1154 والترمذي بلفظه إلا قوله: اللهم فإنها عنده ”ربِّ“ برقم 3414.
(4) سورة النمل، الآية: 62.
(5) البخاري، كتاب الأدب، باب إجابة دعاء من بر والديه، برقم 5974، ومسلم 4/2099.(14/70)
وعن عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء(1) لحيٍّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت فوضعته أو وقع منها فمرت به حُديّاة(2) وهو ملقى فحسبته لحماً فخطفته قالت: فطفقوا يفتشوا حتى فتشوا قُبُلها. قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحديّاةُ فألقته، قالت: فوقع بينهم. قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة وهوذا، قالت فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. قالت عائشة فكانت لها خباء في المسجد أو حفش(3) قالت فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: لا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:
ويوم الوشاحِ من تعاجيبِ ربِّنا
ألا إنه من بلدةِ الكفر أنجاني
قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث(4) وهذا سبب إسلامها، فرب ضارة نافعة.
12 ـ دعوة من بات طاهراً على ذكر الله:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ما من مسلم يبيتُ على ذكر الله طاهراً فيتعارَّ من الليل فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه“(5).
13 ـ دعوة من دعا بدعوة ذي النون:
قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(6).
__________
(1) وفي رواية للبخاري في حديث رقم 3835 ”أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب“.
(2) وفي رواية البخاري ”الحُديا“ رقم 3835.
(3) الحفش: هو البيت الضيق الصغير.
(4) البخاري برقم 439، و3835.
(5) أبو داود برقم 5042، وأحمد 4/114 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/951، وصحيح الترغيب والترهيب 1/245.
(6) سورة الأنبياء، الآيتان: 87، 88.(14/71)
عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”دعوة ذِي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له“(1).
14 ـ دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها“. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف لي خيراً منه. رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
15 ـ دعوة من دعا بالاسم الأعظم:
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، قال فقال: ”والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطى“(3).
__________
(1) أخرجه الترمذي 5/529، وأحمد في المسند 1/170، والحاكم 1/505، وصححه ووافقه الذهبي، قال عبد القادر الأرناؤوط في تخريج الكلم: ص86: وهو كما قالا. وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/168، وانظر: ص56، وص79 من هذا الكتاب.
(2) مسلم 2/632 برقم 918.
(3) الترمذي 5/515 وأبو داود 2/79، وأحمد 5/360، وابن ماجه 2/1267، والحاكم 1/504، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/163.(14/72)
وعن أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى“(1).
16 ـ دعوة الولد البار بوالديه:
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وقال بيده نحو السماء فرفعهما(2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذه ؟ فيقول باستغفار ولدك لك“(3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له“(4).
ومن ذلك حديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة، فإن منهم رجلاً كان برَّاً بوالديه فتوسل بذلك العمل الصالح، فاستجاب الله دعاءه(5).
ومن ذلك إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل التابعين، وأنه لو أقسم على الله لأبره، والسبب أن له والدة هو بها برٌ.
__________
(1) أبو داود 2/80، والترمذي 5/550، وابن ماجه 2/1268، والنسائي 3/52، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/279.
(2) أخرجه الإمام مالك 1/217 وقال المحقق عبد الباقي: قال ابن عبد البر هذا لا يدرك بالرأي وقد جاء بسند جيد.
(3) أخرجه أحمد في المسند 2/509، وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره، 4/243.
(4) أخرجه مسلم 3/1255 في كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته رقم 1631.
(5) البخاري 4/37 ومسلم 4/2099.(14/73)
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل“(1).
17 ـ دعوة الحاج.
18 ـ دعوة المعتمر.
19 ـ دعوة الغازي في سبيل الله:
لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر وفد الله: دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم“(2).
20 ـ دعوة الذاكر لله كثيراً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ثلاثة لا يُردُّ دُعاؤُهم: الذاكر لله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط“(3).
21 ـ دعوة من أحبه الله ورضي عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره المؤت وأنا أكره مساءَتهُ“(4).
__________
(1) أخرجه مسلم 4/1968 في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أويس القرني رقم 2542.
(2) ابن ماجه برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/149، وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 182، 4/433.
(3) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/399، والطبراني في الدعاء برقم 1211، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/211 برقم 1211.
(4) البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع برقم 6502.(14/74)
وهذا المحبوب المقرب الذي له عند الله منزلة عظيمة إذا سأل الله شيئاً أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه، وإن دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على ربه عز وجل، وقد كان كثير من السلف الصالح معروف بإجابة الدعوة(1)، وفي الصحيحين أن الرُّبيِّع بنت النضر كسرت ثنية جارية فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، فطلبوا منهم العفو فأبوا، فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتُكسر ثنية الرُّبيِّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فرضي القوم وأخذوا الأرش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره“(2). وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”كم من ضعيف متضعَّف(3) ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك“(4). ولفظه عند الترمذي: ”كم من أشعث أغبر ذي طمرين(5) لا يُؤْبَهُ لهُ(6) لو أقسم على الله لأبرَّه منهم البراء بن مالك“(7). وكان الحرب إذا اشتدت على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء أقسم على ربك، فيقول: يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، فَيُهزم العدو، فلما كان يوم تُستر قال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً(8).
__________
(1) انظر: جامع العلوم والحكم 2/348.
(2) البخاري برقم 2703، ومسلم برقم 1635 وغيرهما.
(3) الذي يتضعفه الناس ويتجبرون عليه في الدنيا للفقر ورثاثة الحال.
(4) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 3/292.
(5) ذي طمرين: أي صاحب ثوبين خلقين.
(6) لا يؤبه له: لا يُبالى به ولا يلتفت إليه.
(7) الترمذي 5/693 برقم 3854، وقال صحيح حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/239.
(8) أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/350 وانظر: أسد الغابة 1/172، وابن كثير في البداية والنهاية 7/95.(14/75)
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم أمثلة كثيرة على استجابة الله تعالى لكثير من عباده المؤمنين(1)، وشيخ الإسلام ذكر أموراً عظيمة من ذلك في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان(2)، وأبو بكر بن أبي الدنيا ذكر في كتابه ”كتاب مجابي الدعوة“ أموراً عظيمة(3).
الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة
المبحث الأول: افتقار العباد وحاجتهم إلى ربهم
__________
(1) انظر: جامع العلوم والحكم ص348-356.
(2) ص306-320.
(3) ذكر مائة وثلاثين إجابة ص17-18.(14/76)
جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم، في أمور دينهم ودنياهم، قال تعالى: {يا أيها النَّاسُ أنتُمُ الفُقراءُ إلى اللهِ واللهُ هوَ الغنيُّ الحَميدُ}(1). ومما يوضح ذلك ويبينه حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: ”يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه“(2).
وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً من ذلك كله، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق، فإنه يحرمها في الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أوْبَقَتْه خطاياه في الآخرة(3).
المبحث الثاني: أهم ما يسأل العبد ربه
__________
(1) سورة فاطر، الآية: 15.
(2) مسلم برقم 2577 وغيره.
(3) جامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه الله 2/37.(14/77)
العبد يسأل ربه كل شيء يحتاجه في أمر دينه ودنياه، لأن الخزائن كلها بيده سبحانه وتعالى، قال سبحانه: {وإنْ من شيءٍ إلا عندَنا خزآئِنُهُ وما نُنَزِّلهُ إلا بقدَرٍ مَّعلومٍ}(1). وهو سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ”اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ“(2). أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة(3).
والله تعالى يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، من المطاعم والمشارب، كما يسألونه الهداية، والمغفرة، والعفو والعافية(4) في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وسئَلُواْ اللهَ من فضلِهِ إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً}(5). وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج“(6). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ليسأل أحدكم ربَّه حاجتهُ كلَّها حتى يسأل شِسْعَ نعْلِهِ إذا انقطع“(7).
ولكن العبد يهتم اهتماماً عظيماً بالأمور المهمة العظيمة التي فيها السعادة الحقيقية ومن أهم ذلك ما يأتي:
__________
(1) سورة الحجر، الآية: 21.
(2) أخرجه مسلم 1/415.
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/244.
(4) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب 2/38-40.
(5) سورة النساء، الآية: 32.
(6) الترمذي برقم 3571 في الدعوات، باب رقم 116، وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول 4/166.
(7) أخرجه الترمذي، ولم أجده في نسختي قال عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول 4/166: ”أخرجه الترمذي رقم 3607، 3608 في الدعوات، باب 149، وحسنه الترمذي وهو كما قال“.(14/78)
1 ـ سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}(1). والهداية نوعان: هداية مجملة، وهي الهداية للإيمان والإسلام وهي حاصلة للمؤمن، وهداية مفصلة، وهي هدايته إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام، وإعانته على فعل ذلك، وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليلاً ونهاراً، ولهذا أمر الله عباده أن يقرأوا في كل ركعة من صلاتهم قوله تعالى: {إيَّاكَ نعبُدُ وإيَّاكَ نستَعينُ}(2). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الذي يستفتح به صلاته بالليل: ”... اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم“(3). وأوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة: ”اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك“(4). ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في استفتاح صلاة الليل: ”... اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت“(5). وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل الله الهُدى والسداد: ”اللهم إني أسألك الهُدى والسداد“(6). وعلم الحسن بن علي رضي الله عنهما أن يقول في قنوت الوتر: ”اللهم اهدني فيمن هديت“(7).
2 ـ سؤال الله مغفرة الذنوب، لأن من أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ودخول الجنة(8).
__________
(1) سورة الكهف، الآية: 17.
(2) سورة الفاتحة، الآية: 6.
(3) مسلم 1/534، برقم 770.
(4) أبو داود 2/86، والنسائي 3/53 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/284.
(5) مسلم 1/534، برقم 771.
(6) مسلم 4/209 برقم 2725.
(7) أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/172، وفي صحيح سنن الترمذي 1/144، وفي صحيح ابن ماجه 1/194.
(8) جامع العلوم والحكم 2/41، 404.(14/79)
والعبد محتاج إلى الاستغفار من الذنوب، وطلب مغفرة ذنوبه من الله تعالى، لأنه يخطئ بالليل والنهار، والله يغفر الذنوب جميعاً، ولعظم هذا الأمر قال عليه الصلاة والسلام: ”يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة“(1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ”ربِّ اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيم“(2). ولفظ الترمذي ورواية عند الإمام أحمد: ”رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الغفور“(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له وإن كان فرَّ من الزحف“(4).
__________
(1) مسلم 4/2076.
(2) أبو داود برقم 1516، وابن ماجه برقم 3814، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/283، وصحيح ابن ماجه 2/321، وأخرجه أحمد بهذا اللفظ أيضاً 1/21.
(3) الترمذي برقم 3444 وأحمد بلفظ الترمذي إلا أنه قال بالشك ”التواب الرحيم أو التواب الغفور“ 1/67.
(4) أبو داود 2/85 والترمذي واللفظ له 5/569 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/511، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/182، وانظر: تحقيق الأرناؤوط لجامع الأصول 4/389.(14/80)
والله عز وجل يقول: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}(1). وقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}(2). وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنَانَ السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة“(3).
__________
(1) سورة النساء، الآية: 110.
(2) سورة طه، الآية: 82.
(3) الترمذي 4/122 والدارمي 2/230، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5/548، وانظر: تحفة الأحوذي 9/525 وجامع العلوم والحكم 2/400-418.(14/81)
وكثيراً ما يُقْرَنُ الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح، وقد وعد الله في سورة آل عمران(1) بالمغفرة لمن استغفر من ذنوبه ولم يصر على ما فعله فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد، وأما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة(2)، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول(3) ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون“(4).
وإن قال أستغفر الله وأتوب إليه فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يقول ذلك وهو مصر بقلبه على المعصية فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه، لأنه غير تائب، فهو يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب.
والثانية: أن يكون مقلعاً عن المعصية بقلبه، ويسأله توبة نصوحاً ويعاهد ربه على أن لا يعود إلى المعصية، فإن العزم على ذلك واجب عليه فقوله ”وأتوب إليه“ يخبر بما عزم عليه في الحال(5).
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 135.
(2) جامع العلوم والحكم 2/407-411.
(3) جمع: قمع كضلع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان شبه أسماع اللذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يحفظونه ولا يعملون كالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجازاً كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً.
(4) أخرجه أحمد 2/165، 219، ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم 380 وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1/112، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص151، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 482.
(5) انظر: جامع العلوم والحكم 2/410-412.(14/82)
3 ـ سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: ”ما تقول في الصلاة“؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار. أما والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة مُعاذ. فقال: ”حولها ندندنُ“(1) يعني حول سؤال الجنة والنجاة من النار. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار“(2).
وعن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتَيْتُهُ بِوَضُوئهِ وحاجته فقال لي: ”سَلْ“ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ”أو غير ذلك“؟ قلت: هو ذاك. قال: ”فأعني على نفسك بكثرة السجود“(3). وهذا يدل على كمال عقل ربيعة رضي الله عنه ورغبة في أعظم المطالب العالية الباقية وقد دله صلى الله عليه وسلم على كثرة السجود، لحديث ثوبان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال: بأحب الأعمال إلى الله فقال: ”عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة“(4).
__________
(1) أبو داود برقم 792، 793 عن جابر وبعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وابن ماجه عن أبي هريرة برقم 910 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/150 وصحيح ابن ماجه 1/150.
(2) الترمذي 4/700 وابن ماجه 2/1453، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/319 وصحيح النسائي 3/1121.
(3) مسلم 1/353 برقم 489.
(4) مسلم 1/353 برقم 488.(14/83)
4 ـ سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، لحديث العباس ابن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ قال: ”سل الله العافية“ فمكثت أياماً ثم جئت فقلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ فقال لي: ”يا عباسُ، يا عمَّ رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة“(1).
ولحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال على المنبر: ”سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية“(2).
__________
(1) الترمذي 5/534 برقم 3761 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/170.
(2) الترمذي برقم 3811 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3/180، وصحيح ابن ماجه برقم 3849. وللحديثين شواهد في مسند الإمام أحمد بترتيب أحمد شاكر 1/156-157. ومن حديث أنس بن مالك في الترمذي برقم 3846، وانظر: صحيح الترمذي 3/170، 180، 185.(14/84)
5 ـ سؤال الله تعالى الثبات على دينه وحسن العاقبة في الأمور كلها، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرِّفه حيث شاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم مصرف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك“(1). وحديث أم سلمة رضي الله عنها عندما سُئِلت عن أكثر دعائه إذا كان عندها قالت: كان أكثر دعائه: ”يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك“. قالت: قلت: يا رسول الله مالِ أكثر دعائك: ”يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك“؟ قال: ”يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ“(2). ولحديث بسر بن أرطأة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: ”اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة“(3).
6 ـ سؤال الله تعالى دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها، وأعظم النعم نعمة الدين، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر“(4). وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك“(5).
__________
(1) مسلم 4/2045 برقم 2654.
(2) الترمذي 5/238، وأحمد 4/182، والحاكم 1/525 و528 وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/171.
(3) أحمد 4/181 وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/178 إلى الطبراني في الكبير وقال: رجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني ثقات.
(4) مسلم 4/2087 برقم 2720.
(5) مسلم 4/2097 برقم 2739.(14/85)
7 ـ الاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ”كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء“(1).
وهذه نماذج من أهم المطالب التي ينبغي للعبد أن لا يُغْفِلها، وعليه ألا يغفل الدعاء بالصلاح له ولذريته ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفهرس
الموضوع
المقدمة ...
الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه ...
المبحث الأول: مفهوم الدعاء ...
المبحث الثاني: أنواع الدعاء ...
النوع الأول: دعاء العبادة ...
النوع الثاني: دعاء المسألة ...
الفصل الثاني: فضل الدعاء ...
الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة ...
المبحث الأول: شروط الدعاء ...
الشرط الأول: الإخلاص ...
الشرط الثاني: المتابعة ...
الشرط الثالث: الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة ...
الشرط الرابع: حضور القلب والرغبة فيما عند الله ...
الشرط الخامس: العزم والجزم والجد في الدعاء ...
المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء ...
المانع الأول: التوسع في الحرام ...
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء ...
المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات ...
المانع الرابع: ترك الواجبات ...
المانع الخامس: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم ...
المانع السادس: الحكمة الربانية فيُعطى خير مما سأل ...
الفصل الرابع: آداب الدعاء وأماكن وأوقات وأحوال الإجابة ...
المبحث الأول: آداب الدعاء ...
يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم ...
الدعاء في الرخاء والشدة ...
لا يدعو على أهله أو ماله أو ولده ...
يخفض صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر ...
يتضرع في دعائه إلى ربه ...
يلح في دعائه ...
يتوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة ...
__________
(1) مسلم 4/2080 برقم 2707.(14/86)
أنواع التوسل ثلاثة: ...
النوع الأول: التوسل باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته ...
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي ...
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بدعاء المسلم الحي الحاضر ...
الاعتراف بالذنب والتوبة منه والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها ...
عدم تكلف السجع في الدعاء ...
الدعاء ثلاثاً ...
استقبال القبلة ...
رفع الأيدي في الدعاء ...
الوضوء قبل الدعاء إن تيسر ...
البكاء في الدعاء من خشية الله تعالى ...
إظهار الافتقار إلى الله تعالى والشكوى إليه ...
يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره ...
لا يعتدي في الدعاء ...
التوبة ورد المظالم ...
يدعو لوالديه مع نفسه ...
يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه ...
لا يسأل إلا الله وحده ...
المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة ...
ليلة القدر ...
دبر الصلوات المكتوبات ...
جوف الليل الآخر ...
بين الأذان والإقامة ...
عند النداء للصلوات المكتوبات ...
عند إقامة الصلاة ...
عند نزول الغيث وتحت المطر ...
عند زحف الصفوف في سبيل الله ...
ساعة من الليل ...
ساعة من ساعات يوم الجمعة ...
عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة ...
في السحر ...
عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور ...
عند الدعاء بـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ...
عند الدعاء في المصيبة بـ إنا لله وإنا إليه راجعون ...
عند الدعاء بعد وفاة الميت بالمأثور ...
عند قولك في دعاء الاستفتاح ”الله أكبر كبيراً“ ...
عند قولك في دعاء الاستفتاح ”الحمد لله حمداً كثيراً“ ...
عند قراءة الفاتحة في الصلاة واستحضار ما يقول فيها ...
عند رفع الرأس من الركوع والدعاء بالمأثور ...
عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة ...
عن قول ”ربنا ولك الحمد“ في الرفع من الركوع ...
بعد الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في التشهد الأخير والدعاء بالمأثور ...(14/87)
عند قولك قبل السلام في الصلاة: اللهم إني أسألك يا الله ...
عند قولك قبل السلام ”اللهم إني أسألك بأن لك الحمد“ ...
عند الدعاء بـ”اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله“ ...
عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور ...
عند الدعاء في عرفة للحاج في عرفة ...
الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر ...
في شهر رمضان ...
عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر ...
عند صياح الديكة ...
الدعاء حالة إقبال القلب على الله تعالى ...
الدعاء في عشر ذي الحجة ...
المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات ...
عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق للحاج ...
داخل الكعبة ومن دعا أو صلى داخل الحجر فهو من البيت ...
الدعاء على الصفا والمروة للحاج والمعتمر ...
الدعاء عند المشعر الحرام للحاج يوم النحر ...
الدعاء في عرفة يوم عرفة للحاج ...
الفصل الخامس: اهتمام الأنبياء بالدعاء واستجابة الله لهم ...
آدم عليه الصلاة والسلام ...
نوح عليه الصلاة والسلام ...
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ...
أيوب عليه الصلاة والسلام ...
يونس عليه الصلاة والسلام ...
زكريا عليه الصلاة والسلام ...
يعقوب عليه الصلاة والسلام ...
يوسف عليه الصلاة والسلام ...
موسى عليه الصلاة والسلام ...
محمد عليه الصلاة والسلام ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لأنس بن مالك ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لأمِّ أبي هريرة ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم لعروة البارقي ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم على بعض أعدائه ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم على سراقة بن مالك ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ...
دعاؤه صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين ...
الفصل السادس: الدعوات المستجابات ...
دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب ...
دعوة المظلوم ...
دعوة الوالد لولده ...
دعوة الوالد على ولده ...
دعوة المسافر ...
دعوة الصائم ...(14/88)
دعوة الصائم حين يفطر ...
دعوة الإمام العادل ...
دعوة الولد الصالح لوالديه ...
دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور ...
دعوة المضطر ...
دعوة من بات طاهراً على ذكر الله ...
دعوة من دعا بدعوة ذي النون ...
دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور ...
دعوة من دعا بالاسم الأعظم ...
دعوة الولد البار بوالديه ...
دعوة الحاج ...
دعوة المعتمر ...
دعوة الغازي في سبيل الله ...
دعوة الذاكر لله كثيراً ...
دعوة من أحبه الله ورضي عنه ...
الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة ...
المبحث الأول: افتقار العباد وحاجتهم إلى ربهم ...
المبحث الثاني: أهم ما يسأل العبد ربه ...
سؤال الله الهداية ...
سؤال الله مغفرة الذنوب ...
سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار ...
سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة ...
سؤال الله الثبات على دينه وحسن العاقبة ...
سؤال الله دوام النعمة والاستعاذة به من زوالها ...
الاستعاذة بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء ...
انتهى الكتاب ولله الحمد.(14/89)
صلاة الجماعة
مفهوم، وفضائل، وأحكام، وفوائد، وآداب
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
الدكتور / سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في "صلاة الجماعة" بيّنت فيها: مفهوم صلاة الجماعة، وحكمها، وفوائدها، وفضلها، وفضل المشي إليها، وآداب المشي إليها، وانعقادها باثنين، وإدراكها بركعة، وأن صلاة الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى مع الإمام، وأن من صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة، وأن المسبوق يدخل مع الإمام على أي حال وجده، ولكن لا يعتد بركعة لا يدرك ركوعها، ويصلي ما بقي من صلاته إذا سلم إمامه. وقرنت كل مسألة بدليلها.
وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله- ورفع درجاته في جنات النعيم.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الأربعاء الموافق 27/2/1421هـ
المبحث الأول: مفهوم صلاة الجماعة لغة واصطلاحاً:(15/1)
1- الصلاة لغة: الدعاء، قاله الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [سورة التوبة، الآية: 103] أي ادعُ لهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إذا دُعي أحدكم فليُجِبْ، فإن كان صائماً فليصلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم“(1).
أي فليدعُ بالبركة والخير والمغفرة(2)، والصلاة من الله حسن الثناء، ومن الملائكة الدعاء، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. [سورة الأحزاب، الآية: 56] قال أبو العالية: "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء"(3)، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما-: "يصلون: يبرِّكون"(4)، وقيل: إن صلاة الله الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، والصواب القول الأول(5). فالصلاة من الله: الثناء، ومن المخلوقين: الملائكة، والإنس، والجن: القيام، والركوع، والسجود، والدعاء، والاستغفار، والتسبيح. والصلاة من الطير والهوام: التسبيح(6).
__________
(1) مسلم، برقم 1431، وتقدم تخريجه في أول الصلاة.
(2) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الصاد مع اللام، 3/50، ولسان العرب لابن منظور، باب اللام فصل الصاد، 14/464، والتعريفات للجرجاني ص174.
(3) البخاري معلقًا مجزوماً به، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قبل الحديث رقم 4797.
(4) البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب التفسير، تفسير سورة الأحزاب، باب قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، قبل الحديث رقم 4797.
(5) انظر: تفسير ابن كثير، ص76، والشرح الممتع لابن عثيمين 3/228.
(6) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الياء فصل الصاد، 14/465.(15/2)
2- الصلاة في الاصطلاح الشرعي: عبادة لله ذات أقوال، وأفعال معلومة مخصوصة، مفتَتَحة بالتكبير، مختَتَمة بالتسليم، وسُمِّيت صلاة؛ لاشتمالها على الدعاء(1)؛ فإنها كانت اسماً لكل دعاء فصارت اسماً لدعاء مخصوص، أو كانت اسماً لدعاء فنقلت إلى الصلاة الشرعية؛ لما بينها وبين الدعاء من المناسبة، والأمر في ذلك متقارب، فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا الصلاة المشروعة(2)، وقد اشتملت على الدعاء بنوعيه:
دعاء المسألة: وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب النفع أو دفع ضر أو كشفه، وسؤال الحاجات من الله بلسان الحال.
ودعاء العبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: من القيام، والركوع، والسجود، فمن فعل هذه العبادات فقد دعا ربه وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، فاتضح بذلك أن الصلاة كلها: دعاء مسألة ودعاء عبادة؛ لاشتمالها على ذلك كله(3).
__________
(1) انظر: المغني لابن قدامة، 3/5، والشرح الكبير 3/5، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع الشرح الكبير 3/5، والتعريفات للجرجاني ص174.
(2) انظر: شرح العمدة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/30.
(3) انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد للعلامة محمد بن حسين آل الشيخ ص180، والقول المفيد على كتاب التوحيد، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين، 1/117، وانظر: شروط الدعاء وموانع الإجابة للمؤلف ص10.(15/3)
3- الجماعة لغة: عدد كل شيء وكثرته، والجمعُ: تأليف المتفرِّق؛ والمسجدُ الجامعُ: الذي يجمع أهله، نعتٌ له؛ لأنه علامة للاجتماع، ويجوز: مسجد الجامع بالإضافة، كقولك: الحقُ اليقينُ وحقُّ اليقين، بمعنى: مسجد اليوم الجامع، وحق الشي اليقين؛ لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقرير، والجماعة: عدد من الناس يجمعهم غرض واحد(1).
4- الجماعة في الاصطلاح الشرعي: تطلق على عدد من الناس، مأخوذة من معنى الاجتماع، وأقل ما يتحقق به الاجتماع اثنان: إمام ومأموم(2) وسميت صلاة الجماعة: لاجتماع المصلين في الفعل: مكانا وزماناً، فإذا أخلوا بهما أو بأحدهما لغير عذر كان ذلك منهيّاً عنه باتفاق الأئمة(3).
المبحث الثاني: حكم صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة فرض عين على الرجال المكلفين القادرين، حضراً وسفراً، للصلوات الخمس(4)
__________
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور، فصل الجيم، باب العين، 8/55، والقاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب العين، فصل الجيم، ص917، والموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف بالكويت، 15/280، وصلاة الجماعة للأستاذ الدكتور صالح السدلان ص13.
(2) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، 1/156، وصلاة الجماعة للأستاذ الدكتور، صالح السدلان، ص14.
(3) حاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع، 2/255.
(4) اتفق علماء الإسلام على أن إقامة الصلوات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات، وأجل القربات، ولكن تنازع العلماء بعد ذلك في كونها، واجبة على الأعيان، أو على الكفاية، أو سنة مؤكدة على النحو الآتي:
1- فرض عين، وهذا المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف وفقهاء الحديث.
2- فرض كفاية، وهذا المرجح في مذهب الشافعي، وقول بعض أصحاب مالك وقول في مذهب أحمد.
3- سنة مؤكدة، وهذا هو المعروف عن أصحاب أبي حنيفة، وأكثر أصحاب مالك، وكثير من أصحاب الشافعي، ويذكر رواية عن أحمد.
4- فرض عين وشرط في صحة الصلاة، وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد وطائفة من السلف، واختاره ابن حزم وغيره، ويذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد قوليه كما في الاختيارات الفقهية ص103، وعن تلميذه ابن القيم كما في كتاب الصلاة ص82-87 والقول الصواب هو الأول والله أعلم.
انظر: كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي، للإمام النووي، 4/87، والمغني لابن قدامة، 3/5، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/225- 254، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي، مع المقنع والشرح الكبير، 4/265، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/340، والأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص103، وكتاب الصلاة لابن القيم ص 69-86، وصلاة الجماعة للأستاذ الدكتور صالح بن غانم السدلان، ص61-72، وأهمية صلاة الجماعة للأستاذ الدكتور فضل إلهي ص41-110، وفتاوى الإمام ابن باز 12/7، والشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين، 4/204، والإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم 1/239.(15/4)
؛ لأدلة صريحة كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، والآثار، ومنها ما يأتي:
1- أمر الله تعالى حال الخوف بالصلاة جماعة فقال: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [سورة النساء، الآية: 102]. فالله – عز وجل- أمر بالصلاة في الجماعة في شدة الخوف، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية، فلو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لأسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، فدّل ذلك على أن الجماعة فرض على الأعيان.
2- أمر الله – عز وجل- بالصلاة مع المصلين فقال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}. [سورة البقرة، الآية: 43]، فقد أمر الله – عز وجل- بالصلاة مع جماعة المصلين والأمر يقتضي الوجوب.(15/5)
3- عاقب الله من لم يُجب المؤذن فيصلي مع الجماعة بأن حال بينهم وبين السجود يوم القيامة، قال – عز وجل-: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [سورة القلم، الآيتان: 42-43]. فقد عاقب سبحانه من لم يجب الداعي إلى الصلاة مع الجماعة بأن حال بينه وبين السجود يوم القيامة، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ”يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً“. وفي لفظ: ”.. فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه..“(1).
وهذا فيه عقوبة للمنافقين وأن ظهورهم يوم القيامة تكون طبقاً واحداً: أي فقار الظهر كله يكون كالفقارة الواحدة فلا يقدرون على السجود(2).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة {ن وَالْقَلَمِ} باب "يوم يكشف عن ساق" برقم 4919، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} برقم 7439، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، برقم 182.
(2) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/114.(15/6)
4- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة مع الجماعة، فعن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة – وكان رحيماً رفيقاً- فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ”ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم“(1).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة الجماعة، والأمر يقتضي الوجوب.
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم 628، ومسلم، كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، برقم 674.(15/7)
5- هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة الجماعة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: ”لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أُخالف(1) إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو عَلِمَ أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها“. وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: ”والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ فأحرِّق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً(2) أو مرماتين حسنتين(3) لشهد العشاء“. وفي لفظ مسلم: ”إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتموهما ولو حبواً(4)، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار“(5). وفي هذا الحديث دلالة على أن صلاة الجماعة فرض عين(6).
__________
(1) أخالف إلى رجال: أي أذهب إليهم، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/160.
(2) عَرقا: العرق: العظم بما عليه من بقايا اللحم بعدما أخذ عنه معظم اللحم. جامع الأصول لابن الأثير، 5/568.
(3) المرماة: قبل هو ما بين ظلفي الشاة، وقيل: سهمان يرمي بهما الرجل. انظر جامع الأصول لابن الأثير، 5/568.
(4) حبواً: الحبو حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/160.
(5) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، برقم 644، ومسلم، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم 651.
(6) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/161.(15/8)
6- لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى بعيد الدار في التخلف عن الجماعة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له؛ فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: ”هل تسمع النداء بالصلاة؟“ فقال: نعم، قال: ”فأجب“(1).
وعن ابن أم مكتوم – رضي الله عنه- أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: ”هل تسمع النداء؟“ قال: نعم، قال: ”لا أجد لك رخصة“(2). وفي لفظ أنه قال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”أتسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح؟ فحي هلا(3).
وهذا يصرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا رخصة للمسلم في التخلف عن صلاة الجماعة إذا سمع النداء، ولو كان مخيراً بين أن يصلي وحده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير هذا الأعمى الذي قد اجتمع له سنة أعذار: كونه أعمى البصر، وبعيد الدار، والمدينة كثيرة الهوام والسباع، وليس له قائد يلائمه، وكبير السن، وكثرة النخل والشجر بينه وبين المسجد(4).
__________
(1) مسلم، كتاب المساجد، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء، برقم 653.
(2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب في ترك الجماعة، برقم 552، وقال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود: "حسن صحيح" 1/110.
(3) "حي" أي هلمَّ، وكلمة "هلا" بمعنى عجل وأسرع. جامع الأصول لابن الأثير، 5/566]“ [أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، برقم 553، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/110.
(4) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص76، وصحيح الترغيب والترهيب للألباني ص173.(15/9)
7- بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له؛ فعن ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر“(1). وهذا يدل على أن صلاة الجماعة فرض عين، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول: "معنى لا صلاة له: أي لا صلاة كاملة بل ناقصة، والجمهور على الإجزاء..."(2).
__________
(1) ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم 793، والدارقطني في سننه، 1/420 برقم 4، وابن حبان "الإحسان" 5/415 برقم 2064، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، 1/245، وأخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، برقم 551، وصححه ابن القيم في كتاب الصلاة، ص76، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/132، وصحيح سنن أبي داود 1/110، وفي إرواء الغليل 2/327، وسمعت الإمام ابن باز أثناء تقريره على الحديث رقم 427 من بلوغ المرام يقول: "لا بأس به على شرط مسلم" وهذا كما قال الحافظ ابن حجر في البلوغ: "وإسناده على شرط مسلم".
(2) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 427.(15/10)
8- تركُ صلاة الجماعة من علامات المنافقين ومن أسباب الضلال؛ لقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-: "لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهُدى، وإن من سنن الهُدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه". وفي رواية: أن عبد الله قال: "من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيثُ ينادى بهِنَّ؛ فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى(1) وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم(2)، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين(3) حتى يقام في الصف"(4).
__________
(1) سنن الهدى، روي بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب، أي طرائق الهدى والصواب. شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
(2) وفي رواية أبي داود برقم 550 "ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم" . قال الألباني في صحيح سنن أبي داود" لضللتم" وهو المحفوظ، 1/110.
(3) يهادى: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
(4) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى، برقم 654.(15/11)
وهذا يدل على أن التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم، وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه، ومعلوم أن من استقرأ علامات النفاق في السنة وجدها إما بترك فريضة أو فعل محرم(1) وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها(2).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنةٌ، وطعامهم نُهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هَجْراً(3)، ولا يأتون الصلاة إلا دَبْراً(4) مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خُشُبٌ(5) بالليل، صُخُبٌ بالنهار“(6). وفي لفظ: ”سُخُبٌ بالنهار“(7).
__________
(1) انظر: كتاب الصلاة، لابن القيم ص77.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
(3) لا يقربون المساجد إلا هجراً: يعني لا يقربون المساجد بل يهجرونها، انظر: شرح المسند، لأحمد شاكر، 15/51.
(4) دَبْراً: أي آخراً، حين كاد الإمام أن يفرغ. شرح المسند، لأحمد شاكر، 15/61.
(5) خشب بالليل: أي ينامون الليل لا يصلون، شبههم في تمددهم نياماً بالخشب المطرحة، شرح المسند لأحمد شاكر، 15/51.
(6) صخب: سخب وصخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام على الدنيا شحّاً وحرصاً. انظر: شرح المسند لأحمد شاكر، 15/51.
(7) أحمد في المسند، 2/293، وحسن إسناده العلامة أحمد محمد شاكر، في شرحه للمسند 15/50-51، برقم 7913.(15/12)
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: "كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء وصلاة الفجر أسأنا به الظن"(1). وفي رواية عنه – رضي الله عنه-: "كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الغداة أسأنا به الظن"(2).
9- تارك صلاة الجماعة متوعد بالختم على قلبه؛ لحديث ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم- أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواده(3): ”لينتهين أقوامٌ عن ودعهم(4) الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين“(5). وهذا التهديد لا يكون إلا على ترك واجب عظيم.
__________
(1) ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلوات، في التخلف في العشاء والفجر، وفضل حضورهما، 1/332، ورواه الطبراني في المعجم الكبير، 12/271 برقم 13085، والبزار [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد لابن حجر، 1/228 برقم 301] قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/40: "رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجال الطبراني موثوقون".
(2) البزار [مختصر زوائد مسند البزار لابن حجر، 1/228، برقم 302]، وقال ابن حجر: "وهذا إسناد صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/40: رواه البزار ورجاله ثقات".
(3) على أعواده: أي على المنبر الذي اتخذه من الأعواد: شرح السندي على سنن ابن ماجه، 1/436.
(4) عن ودعهم الجماعات: أي تركهم. شرح السندي على سنن ابن ماجه، 1/436.
(5) ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم 794، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/132، والحديث أخرجه مسلم، برقم 865 لكنه بلفظ: "الجُمُعات".(15/13)
10- استحواذ الشيطان على قوم لا تقام فيهم الجماعة؛ لحديث أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من ثلاثة في قرية، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة(1) إلا قد استحوذ عليهم الشيطان(2) فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية“(3). قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة(4)، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذان، وإقامة الصلاة، ولو كانت الجماعة ندباً يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها(5).
__________
(1) لا تقام فيهم الصلاة: أي جماعة. عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي 2/251.
(2) استحوذ عليهم الشيطان: أي غلبهم وحولهم إليه، عون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/251.
(3) فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، أي إن الشيطان يتسلط على الخارج عن الجماعة. انظر: عون المعبود 2/251.
(4) أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، برقم 547، والنسائي، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة، برقم 847، وأحمد 6/446، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/246 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/109، وفي صحيح سنن النسائي، 11/182.
(5) انظر: كتاب الصلاة، لابن القيم، ص80.(15/14)
11- تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي صلاة الجماعة؛ لحديث أبي الشعثاء قال: كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة – رضي الله عنه- فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة – رضي الله عنه-: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"(1). فقد جعله أبو هريرة – رضي الله عنه- عاصياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجه بعد الأذان؛ لتركه الصلاة جماعة(2).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى-: "فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر والله أعلم"(3). وقد جاء النهي صريحاً، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي“(4). وعنه – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق“(5).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يذكر أنه لا يجوز الخروج من المسجد الذي أذن فيه، إلا لعذر: كأن يريد الوضوء أو يصلي في مسجد آخر.
__________
(1) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن، برقم 655.
(2) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص81.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/163.
(4) أخرجه أحمد في المسند، 2/537، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/5، "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 2/22، برقم 643] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/5: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح".(15/15)
قلت: قال الترمذي – رحمه الله-: "وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم، أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، أو يكون على غير وضوء، أو أمرٌ لا بد منه"(1).
وذكر المباركفوري – رحمه الله-: أن الحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد، بعدما أذن فيه، إلا للضرورة، كمن كان جنباً، أو عليه حدث أصغر، أو الذي حصل له رعاف أو الحاقن، ونحوهم، وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر، ومن في معناه(2).
12- تفقد النبي صلى الله عليه وسلم للجماعة في المسجد يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لحديث أبي بن كعب – رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح، فقال: ”أشاهد فلان؟“ قالوا: لا، قال: ”أشاهد فلان؟“ قالوا: لا، قال: ”إن هاتين الصلاتين(3) أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما، لأتيتموها ولو حبوا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى“(4).
__________
(1) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن، بعد الحديث رقم 204.
(2) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري، 2/607.
(3) إن هاتين الصلاتين: أي صلاة العشاء والفجر، كما تقدم.
(4) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، برقم554، واللفظ له، والنسائي، كتاب الإمامة، باب الجماعة إذا كانوا اثنين، برقم 843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/110، وفي صحيح سنن النسائي، 1/183.(15/16)
13- إجماع الصحابة – رضي الله عنهم- على وجوب صلاة الجماعة؛ فقد ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى- إجماع الصحابة على وجوب صلاة الجماعة، وذكر نصوصهم في ذلك، ثم قال: "فهذه نصوص الصحابة كما تراها: صحةً وشهرةً، وانتشاراً، ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك، وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة، لو كان وحده، فكيف إذا تعاضدت وتظافرت، وبالله التوفيق"(1).
وقال الترمذي – رحمه الله-: "وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له"(2). وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر"(3).
وقال مجاهد: "وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يشهد جمعة ولا جماعة؟ قال: هو في النار"(4).
قال الترمذي – رحمه الله-: "ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها، واستخفافاً بحقها، وتهاوناً بها"(5).
المبحث الثالث: فوائد صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة فيها فوائد كثيرة، ومصالح عظيمة، ومنافع متعددة شرعت من أجلها، وهذا يدل على أن الحكمة تقتضي أن صلاة الجماعة فرض عين، ومن هذه الفوائد والحكم التي شرعت من أجلها ما يأتي:
__________
(1) كتاب الصلاة ص81-82.
(2) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب، بعد الحديث رقم 217.
(3) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب، بعد الحديث رقم 217.
(4) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب، برقم 218، قال العلامة أحمد محمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي، 1/424: "وهذا إسناد صحيح، وهذا الحديث وإن كان موقوفاً ظاهراً على ابن عباس إلا أنه مرفوعاً حكماً؛ لأن مثل هذا مما لا يعلم بالرأي...".
(5) سنن الترمذي، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب، 1/424.(15/17)
1- شرع الله – عز وجل- لهذه الأمة الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكرراً وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها ما هو عامٌّ في السنة وهو الوقوف بعرفة؛ لأجل التواصل وهو الإحسان، والعطف، والرعاية؛ ولأجل نظافة القلوب، والدعوة إلى الله – عز وجل- بالقول والعمل.
2- التعبد لله تعالى بهذا الاجتماع؛ طلباً للثواب وخوفاً من عقاب الله ورغبة فيما عنده.
3- التوادد، وهو التحاب؛ لأجل معرفة أحوال بعضهم لبعض، فيقومون بعيادة المرضى، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين، وإعانة المحتاجين؛ ولأن ملاقاة الناس بعضهم لبعض توجب المحبة، والألفة.
4- التعارف؛ لأن الناس إذا صلى بعضهم مع بعض حصل التعارف، وقد يحصل من التعارف معرفة بعض الأقرباء فتحصل صلته بقدر قرابته، وقد يعرف الغريب عن بلده فيقوم الناس بحقه.
5- إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام؛ لأن الناس لو صلوا كلهم في بيوتهم ما عرف أن هنالك صلاة.
6- إظهار عز المسلمين، وذلك إذا دخلوا المساجد ثم خرجوا جميعاً، وهذا فيه إغاظة لأهل النفاق والكافرين، وفيه البعد عن التشبه بهم والبعد عن سبيلهم.
7- تعليم الجاهل؛ لأن كثيراً من الناس يستفيد مما شرع في الصلاة بواسطة صلاة الجماعة، ويسمع القراءة في الجهرية فيستفيد ويتعلم، ويسمع أذكار أدبار الصلوات فيحفظها، ويقتدي بالإمام ومن بجانبه وأمامه فيتعلم أحكام صلاته، ويتعلم الجاهل من العالم.
8- تشجيع المتخلف عن الجماعة، والقيام بإرشاده وتوجيهه، والتواصي بالحق والصبر عليه.
9- تعويد الأمة الإسلامية على الاجتماع وعدم التفرق؛ فإن الأمة مجتمعة على طاعة ولي الأمر، وهذه الصلاة في الجماعة ولاية صغرى؛ لأنهم يقتدون بإمام واحد يتابعونه تماماً، فهي تشكل النظرة العامة للإسلام.(15/18)
10- تعويد الإنسان ضبط النفس؛ لأنه إذا اعتاد على متابعة الإمام متابعة دقيقة، لا يكبر قبله، ولا يتقدم ولا يتأخر كثيراً، ولا يوافقه بل يتابعه تعود على ضبط النفس.
11- استشعار المسلم وقوفه في صف الجهاد كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [سورة الصف، الآية: 4]. فهؤلاء الذين صاروا صفّاً في الجهاد لا شك أنهم إذا تعودوا ذلك في الصلوات الخمس سوف يكون ذلك وسيلة إلى ائتمامهم بقائدهم في صف الجهاد، فلا يتقدمون ولا يتأخرون عن أوامره.
12- شعور المسلمين بالمساواة، وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ لأنهم يجتمعون في المسجد: أغنى الناس بجنب أفقر الناس، والأمير إلى جنب المأمور، والحاكم إلى جنب المحكوم، والصغير إلى جنب الكبير، وهكذا، فيشعر الناس بأنهم سواء، فتحصل بذلك الألفة؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمساواة الصفوف حتى قال: ”ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم“(1).
13- تفقد أحوال الفقراء، والمرضى، والمتهاونين بالصلاة؛ فإن الناس إذا رأوا الإنسان يلبس ثياباً بالية وتبدو عليه علامات الجوع رحموه، وأحسنوا إليه، وإذا تخلف بعضهم عن الجماعة عرفوا أنه كان مريضاً، أو عاصياً فينصحوه فيحصل التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14- استشعار آخر هذه الأمة بما كان عليه أولها؛ لأن الصحابة كانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم فيستشعر الإمام أنه في مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ويستشعر المأموم أنه في مقام الصحابة – رضي الله عنهم- وهذا يعطي الأمة الحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
15- اجتماع المسلمين في المسجد راغبين فيما عند الله من أسباب نزول البركات.
__________
(1) مسلم، كتبا الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 432.(15/19)
16- يزيد نشاط المسلم فيزيد عمله عندما يشاهد أهل النشاط في العبادة، وهذا فيه فائدة عظيمة.
17- تضاعف الحسنات ويعظم الثواب.
18- الدعوة إلى الله – عز وجل- بالقول والعمل، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة(1).
19- اجتماع المسلمين في أوقات معينة يربيهم على المحافظة على الأوقات.
المبحث الرابع: فضل صلاة الجماعة:
الصلاة مع الجماعة لها فضائل كثيرة، منها ما يأتي:
__________
(1) انظر: حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن قاسم، 2/255، والإحكام شرح أصول الأحكام له، 1/340، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/19-20، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/192-195، وصلاة الجماعة للأستاذ الدكتور غانم السدلان ص23.(15/20)
1- صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاة فرادى، فالمصلي مع جماعة يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد سبع وعشرين مرة(1)؛ لحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة“. ولفظ مسلم: ”صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة“. وفي لفظ له: ”صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين“(2). وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ”الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بخمس وعشرين درجة“(3). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”تفضل صلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده خمساً وعشرين درجة“. قال: ”وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر“. قال أبو هريرة: "واقرأوا إن شئتم {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. وفي لفظ: ”بخمس وعشرين جزءًا“(4). والجزء والدرجة بمعنى واحد(5).
__________
(1) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/347، وسب السلام للصنعاني، 3/67.
(2) متفق عليه: البخاري كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 645، ومسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 650.
(3) البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 646.
(4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، برقم 648، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 649.
(5) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/158، وسبل السلام للصنعاني، 3/66.(15/21)
وقد جُمع بين هذه الروايات: بأن حديث الخمس والعشرين ذكر فيه الفضل الذي بين صلاة المنفرد والصلاة في الجماعة، والفضل خمس وعشرون، وحديث السبع والعشرين ذكر فيه صلاته منفرداً وصلاته في الجماعة، والفضل بينهما، فصار المجموع سبعاً وعشرين(1). وقال الإمام النووي – رحمه الله-: "والجمع بينها من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا منافاة بينها فذكر القليل لا ينفي الكثير، ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين.
والثاني: أن يكون أخبر أولاً بالقليل، ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها.
والثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة: فيكون لبعضهم خمس وعشرون، ولبعضهم سبع وعشرون، بحسب كمال الصلاة، ومحافظته على هيئتها، وخشوعها، وكثرة جماعتها، وفضلهم وشرف البقعة، ونحو ذلك فهذه هي الأجوبة المعتمدة"(2). وسمعت سماحة الإمام شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول: "وأما التفاوت فهذا والله أعلم كان لعدم نزول فضل الزائد إلا بعد الناقص، فأخبر بخمس وعشرين، ثم أخبر بسبع وعشرين"(3).
__________
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/222-223.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/156-157، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 2/133-134، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/346.
(3) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 421، 422، 423، وقال رحمه الله في تعليقه على جميع الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/134: "وفي هذا الترجيح نظر، والأظهر عموم الحديث لجميع الصلوات الخمس، وذلك من زيادة فضل الله سبحانه لمن يحضر الصلاة في الجماعة. والله أعلم.(15/22)
وقد استدل القائلون بأن صلاة الجماعة غير واجبة بهذه الأحاديث، وأن صيغة أفضل تدل على الاشتراك في أصل الفضل(1). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول: "هذه الأحاديث تدل على فضل الجماعة، وهذا التفضيل لا يلزم منه عدم الوجوب، فصلاة الجماعة واجبة، ومفضلة، فلا منافاة بين التفضيل والوجوب، ومن لم يصلِّها مع الجماعة فصلاته صحيحة على الراجح، مع الإثم"(2).
والمنفرد الذي لا يحصل على ثواب صلاة الجماعة هو غير المعذور والله أعلم، أما إذا كان من عادته أنه يصلي الصلاة مع الجماعة فمنعه عذرٌ: كمرضٍ أو سفر، أو حبس وتعذرت عليه الجماعة، والله يعلم أن من نيته لو قدر على الصلاة مع الجماعة لما تركها، فهذا يكمل له أجره؛ لأن من كان عازماً على الفعل عزماً جازماً، وفعل ما يقدر عليه منه كان بمنزلة الفاعل(3)؛ لحديث أبي بردة – رضي الله عنه- عن أبي موسى – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً“(4).
__________
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/158.
(2) سمعته من سماحته أثناء تقريره على الحديث رقم 421، 422 ،423 من بلوغ المرام.
(3) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/236، وكتاب الصلاة لابن القيم، ص85، والاختيارات العلمية من الاختبارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص102، والإحكام شرح أصول الأحكام للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، 1/346، وحاشية الروض المربع له، 2/260، والشرح الممتع لابن عثيمين 4/206.
(4) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996.(15/23)
2- يعصم الله بالصلاة مع الجماعة من الشيطان؛ لحديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الشيطان ذئب للإنسان كذئب الغنم(1)، يأخذ الشاة القاصية، والناحية(2)، وإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة(3)، والعامة“(4)؛ ولحديث أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”ما من ثلاثة في قرية ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية“(5).
3- يزيد فضل الصلاة مع الجماعة بزيادة عدد المصلين؛ لحديث أبيّ بن كعب – رضي الله عنه-، وفيه: ”...إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل“(6). وهذا يرغب في الصلاة مع الجماعة الكثيرة مع أمن المفاسد، وعدم فوات المصالح.
__________
(1) كذئب الغنم: يعني أن الشيطان مفسد للإنسان مهلك له، بإغوائه كإفساد الذئب إذا أرسل في قطيع من الغنم. الفتح الرباني مع بلوغ الأماني، للبناء، 5/175.
(2) الناحية، التي غفل عنها وبقيت في جانب منفرد، الفتح الرباني مع بلوغ الأماني، 5/176.
(3) وعليكم بالجماعة: أي الزموا ما عليه جماعة أهل السنة في كل شيء، ومن ذلك الجماعة في الصلاة، الفتح الرباني مع بلوغ الأماني، 5/176.
(4) أخرجه أحمد في المسند، 5/243، وقال عنه البناء في بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، 5/176: "وسنده جيد".
(5) أبو داود، برقم 547، والنسائي، برقم 847، وأحمد، 6/446، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
(6) أبو داود، برقم 554، والنسائي، برقم 843، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.(15/24)
4- براءة من النار وبراءة من النفاق لمن صلَّى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام؛ لحديث أنس – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتِبَ له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق“(1).
وهذا فيه فضل الإخلاص في الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ”من صلى لله“ أي خالصاً لله تعالى، ”براءة من النفاق النار“ أي نجاة وخلاص منها، وكتب له ”براءة من النفاق“ أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويوفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه مما يعذبه المنافق، ويشهد له بأنه غير منافق، يعني بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى" وحال هذا بخلافهم(2).
5- من صلى الصبح في جماعة فهو في ضمان الله وأمانه حتى يمسي؛ لحديث جندب بن عبد الله – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من صلى الصبح فهو في ذمة الله(3)، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه(4) على وجهه في نار جهنم“(5).
__________
(1) الترمذي، كتاب الصلاة، باب فضل التكبيرة الأولى، برقم 241، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 2652، وبرقم 1979، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/77، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/165، برقم 407.
(2) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري، 2/45.
(3) في ذمة الله: ضمان الله، وقيل: أمان الله، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/164.
(4) يكبه: يقلبه فيها على وجهه. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 2/282.
(5) مسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، برقم 657.(15/25)
وهذا يؤكد أن من صلى الصبح فهو في أمان الله، وفي جواره، فهو قد استجار بالله تعالى، والله قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى، فمن فعل ذلك فالله يطلبه بحقه، ومن يطلبه لم يجد مفرّاً ولا ملجأ، وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين، وترغيب في حضور صلاة الصبح(1). وقد جاءت بعض الأخبار تقيد ذلك بصلاة الصبح مع الجماعة(2).
6- من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس فله أجر حجة وعمرة؛ لحديث أنس – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة: تامة، تامة، تامة“(3).
7- عظم ثواب صلاة العشاء والصبح في جماعة؛ لحديث عثمان بن عفان – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله“(4).
__________
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/282.
(2) انظر: الترغيب والترهيب للمنذري، 1/365، برقم 647، وصحيح الترغيب والترهيب للألباني، 1/170، برقم 418، ومجمع الزوائد للهيثمي، 2/41.
(3) الترمذي، برقم 586، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/181، وسمعت الإمام ابن باز يحسنه لكثرة طرقه. وتقدم تخريجه في فضل صلاة الضحى.
(4) مسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، برقم 656.(15/26)
قيل: المراد بذلك من صلى الصبح في جماعة وقد صلى العشاء في جماعة فكأنما صلى الليل كله، ويد على ذلك لفظ أبي داود: ”من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة“(1). واختار هذا المنذري، وأن اجتماعهما كقيام ليلة(2).
وقيل: المراد بذلك أن من صلى العشاء في جماعة كانت له كقيام نصف ليلة، أما من صلى الصبح في جماعة فتكون له كقيام الليل كله، وهذا فضل الله – عز وجل-. وأيد ذلك الإمام ابن خزيمة – رحمه الله- فقال: "باب فضل صلاة العشاء والفجر في الجماعة، والبيان أن صلاة الفجر في الجماعة أفضل من صلاة العشاء في الجماعة، وأن فضلها في الجماعة ضعفي فضل العشاء في الجماعة"، ثم ساق الحديث بنحو لفظ مسلم(3)، وفضل الله عز وجل واسع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح والعشاء: ”...ولو يعلمون ما فيهما لأتوها ولو حبواً“(4).
__________
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 555، والترمذي، كتاب الصلاة، باب فضل العشاء والفجر في جماعة، برقم 221، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/111.
(2) انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري، 1/293، والترغيب والترهيب للمنذري، 1/343، وفيض القدير للمناوي، 6/165، وتحفة الأحوذي للمباركفوري 1/13.
(3) انظر: صحيح ابن خزيمة، 2/365.
(4) متفق عليه، البخاري برقم 644، ومسلم برقم 651، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.(15/27)
8- اجتماع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر والعصر؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهو يصلون، وأتيناهم وهو يصلون“(1). قال الإمام النووي – رحمه الله-: "ومعنى يتعاقبون: تأتي طائفة بعد طائفة، ومنه تعقب الجيوش، وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجيء آخرون، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمته لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم، ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير"(2). والأظهر وهو قول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتّاب، وقيل: يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة. والله أعلم(3).
__________
(1) متفق عليه: البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 555، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 632.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/138.
(3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/138.(15/28)
وعن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: ”إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامُون(1) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا“ يعني الفجر والعصر، ثم قرأ جرير: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}(2).
وقد ثبت الفضل العظيم لمن حافظ على صلاة الفجر والعصر مع الجماعة، فعن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها“ يعني الفجر والعصر(3).
__________
(1) لا تضامون: أي لا يلحقكم ضيم وهو المشقة، وفي رواية بتشديد الميم (تضامُّون: أي لا ينضم بعضكم إلى بعض بل كل يراه منفرداً، وجاء "هل تضارُّن" أي لا تضارن غيركم في حالة الرؤية، وكل هذا صحيح. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 3/18.
(2) متفق عليه، البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 554، ومسلم واللفظ له، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633، والآية من سورة طه 130، أما في صحيح البخاري فقرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} سورة ق، الآية:39.
(3) مسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم634.(15/29)
وعنه – رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”من صلى البردين دخل الجنة“(1)، وهما: الصبح والعصر(2). وقد جاء الوعيد الشديد لمن ترك صلاة العصر، أو فاتته، فعن بريدة – رضي الله عنه- أنه قال لأصحابه في يوم ذي غيم: بكِّروا بصلاة العصر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله“(3).
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلُهُ وماله“(4).
ذكر الإمام القرطبي – رحمه الله-: أن قوله "وُتِرَ أهلُه ومالُه" روي بالرفع على أن المعنى: نُزع وأُخذ، وروي بالنصب "أهلَه ومالَه" على أن المعنى: سُلب، وقيل في تفسير الحديث: هذا يحصل لمن لم يصلها في الوقت المختار، وقيل: هو أن يؤخرها إلى أن تصفر الشمس. وقيل: خصت العصر بالذكر؛ لكونها مشهودة للملائكة، وعلى هذا يشاركها في ذلك الصبح. وقيل: خصت صلاة العصر بالذكر؛ لأنها صلاة تأتي في انشغال الناس، وعلى هذا فالصبح أولى بذلك؛ لأنها تأتي وقت النوم. أما قوله صلى الله عليه وسلم: ”من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله“ فليس ذلك خاصاً بالعصر، بل ذلك حكم غيرها من الصلوات كذلك(5).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر، برقم 574، ومسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم 635.
(2) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/262.
(3) البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من ترك العصر، برقم 553.
(4) متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب إثم من فاتته العصر، برقم 556، ومسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم 535.
(5) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/252.(15/30)
9- يعجب الله تعالى من الصلاة في الجماعة؛ لمحبته لها سبحانه، فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع“(1). وهذا العجب يليق بالله تعالى، ولا يشبه فيه أحداً من خلقه؛ لأن عجبه سبحانه ليس كعجب خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى، الآية:11].
10- منتظر الصلاة مع الجماعة في صلاة، قبل الصلاة وبعدها مادام في مصلاه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يُحدِث“. قلت: ما يحدث؟ قال: ”يفسو أو يضرط“. وفي لفظ لمسلم: ”والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلَّى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ ما لم يحدث“(2). وقوله: "ما لم يؤذ" أي ما لم يصدر عنه ما يتأذى به بنو آدم والملائكة، والله أعلم(3).
__________
(1) أحمد في المسند، 2/50، وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1/337: "رواه أحمد بإسناد حسن، وكذلك رواه الطبراني بإسناد حسن"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/163، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1652، وصحيح الجامع الصغير برقم 1816.
(2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 647، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، برقم 649.
(3) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/290.(15/31)
11- الملائكة يدعون لمن صلى مع الجماعة قبل الصلاة وبعدها مادام في مصلاه، ما لم يحدث أو يؤذ؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وفيه: ”لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث..“ وفي مسلم: ”والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ ما لم يحدث“(1).
وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول: "والملائكة تصلي عليه في مصلاه، قبل الصلاة في المسجد، وبعدها مادام في مصلاه، ما لم يؤذِ بغيبة أو نميمة، أو كلام باطل، وما لم يحدث"(2).
12- فضل الصف الأول وميامن الصفوف في صلاة الجماعة، وفضل وصلها، ثبت في ذلك فضائل كثيرة منها ما يأتي:
الفضل الأول: القرعة على الصف الأول وأنه مثل صف الملائكة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا..“(3). وفي رواية لمسلم: ”لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف المقدم، لكانت القرعة“(4).
وقد ثبت أن الصف الأول على مثل صف الملائكة؛ لحديث أبيّ بن كعب – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ”...وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فيه لابتدرتموه“ الحديث(5).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 647، ومسلم، برقم 649، وتقدم تخريجه آنفا.
(2) سمعته منه أثناء تقرير سماحته على صحيح البخاري، الحديث رقم 4119.
(3) متفق عليه: البخاري، برقم 615، ومسلم، برقم 437، وتقدم تخريجه في فضل الصلاة.
(4) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الصف الأول، برقم 439.
(5) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 554، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/111.(15/32)
قال الشيخ أحمد البنا في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ”على مثل صف الملائكة...“ "أي في القرب من الله – عز وجل-، ونزول الرحمة، وإتمامه واعتداله، ويستفاد منه أن الملائكة يصفون لعبادة الله تعالى(1)، وقد جاء ذلك صريحاً عن جابر – رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ”ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟“ فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ”يتمون الصفوف الأوَلَ ويتراصون في الصف“(2).
الفضل الثاني: الصف الأول خير من الصفوف؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها“(3).
قال الإمام النووي – رحمه الله-: "أما صفوف الرجال فهي على عمومها، فخيرها أولها أبداً، وشرها آخرها أبداً، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال، خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخير بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال، لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك، والله أعلم"(4).
__________
(1) بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، 5/171.
(2) مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام، وإتمام الصفوف الأوَل والتراص فيها، والأمر بالاجتماع، برقم 430.
(3) مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها، برقم 440.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم، 4/403.(15/33)
الفضل الثالث: الله تعالى وملائكته يصلون على الصفوف الأول، والصف المقدم أكثرها صلاة؛ لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول“ قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: ”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول“، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني؟ قال: ”وعلى الثاني“(1).
وصلاة الله تعالى: ثناؤه عليهم عند الملائكة، وصلاة الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم، وسائر الناس: الدعاء والاستغفار(2).
وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول، أو الصفوف الأولى“(3).
وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: “إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة“(4).
__________
(1) أحمد في المسند، 5/262، قال المنذري في الترغيب والترهيب، مجمع الزوائد، 2/91: "رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد موثقون" وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/197.
(2) انظر: صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 4797، وتقدم تخريجه في مفهوم الصلاة.
(3) أحمد، 4/269، وقال المنذري في الترغيب والترهيب، 1/385: "رواه أحمد بإسناد جيد" وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/197.
(4) النسائي، كتاب الإمامة، باب كيف يقوّم الإمام الصفوف، برقم 811، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب فضل الصف المقدم، برقم 997، لكن بلفظ: ”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول“ وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/175.(15/34)
الفضل الرابع: النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الصف الأول ثلاثاً، وعلى الثاني مرة واحدة، لحديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً، وعلى الثاني واحدة". ولفظ ابن ماجه: "كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً، والثاني مرة"(1).
الفضل الخامس: صلاة الله تعالى وملائكته على ميامين الصفوف؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف“(2)، وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه- قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: ”رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك“(3).
__________
(1) النسائي، كتاب الإمامة، باب فضل الصف الأول على الثاني، برقم 817، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب فضل الصف المقدم، برقم 996، وابن خزيمة، 3/27، مثل لفظ ابن ماجه، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهو بلفظ ابن ماجه، 1/214، وابن حبان في صحيحه "الإحسان" 5/531، برقم 2158 مثل لفظ النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/177، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/196.
(2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف، برقم 676، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب فضل ميمنة الصف، برقم 1005، وقال المنذري في الترغيب والترهيب، 1/388: "رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن" وقال الألباني في صحيح أبي داود 1/132: حسن بلفظ "الذين يصلون الصفوف" قلت: وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/213.
(3) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب يمين الإمام، برقم 709، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.(15/35)
الفضل السادس: من وصل صفّاً وصله الله وعليه صلاة الله تعالى وملائكته؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلُون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة“(1).
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”من وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله عز وجل“(2).
__________
(1) ابن ماجه، واللفظ له، كتاب إمامة الصلاة والسنة فيها، باب إقامة الصفوف، برقم 995، وأحمد، 6/67، وابن خزيمة، 3/23، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/214، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/200.
(2) النسائي، كتاب الإمامة، باب من وصل صفاً، برقم 819 بلفظه، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 666، وابن خزيمة، 3/23، والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، 1/213، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/200، وفي صحيح النسائي، 1/177.(15/36)
13- مغفرة الله وحبته لمن وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(1)؛ ولحديثه الآخر – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه“(2)؛ ولحديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- وفيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: ”إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين يحبكم الله“ الحديث(3).
الله أكبر ما أعظم هذا الثواب: مغفرة ما تقدم من الذنوب، ومحبة الله تعالى، لمن وافق تأمينه تأمين الملائكة!
المبحث الخامس: فضل المشي إلى صلاة الجماعة:
المشي لأداء الصلاة جماعة من أعظم الطاعات، وقد ثبت في ذلك فضائل عظيمة كثيرة، منها:
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 780، ومسلم، برقم 410، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
(2) متفق عليه: البخاري، برقم 782، ومسلم، برقم 410، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
(3) مسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 404.(15/37)
1- شديد الحب لصلاة الجماعة بالمسجد في ظل الله يوم القيامة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه“. وفي لفظ لمسلم: ”ورجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه“(1).
قال الإمام النووي – رحمه الله- في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ”ورجل قلبه معلق في المساجد“ ومعناه شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد"(2). وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله-: ”معلق في المساجد“ هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق، كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد، كالقنديل مثلاً، إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجاً عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي: ”كأنما قلبه معلق في المسجد“ ويحتمل أن يكون من العلاقة: وهي شدة الحب. ويدل عليه رواية أحمد: ”معلق بالمساجد“(3).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد، برقم 660، وكتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، برقم 1423، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031.
(2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/126.
(3) فتح الباري لابن حجر، 2/145.(15/38)
2- المشي إلى صلاة الجماعة ترفع به الدرجات، وتحط الخطايا، وتكتب الحسنات؛ لحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أنه قال: ”وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله لها بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة...“(1)؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- يرفعه وفيه: ”... وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رُفِعَ له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة...“(2).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته: إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة“(3).
قال الإمام القرطبي – رحمه الله-: "قال الداودي: إن كانت له ذنوب حطت عنه وإلا رفعت له بها درجات، قلت: وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة درجة واحدة، إما الحط وإما الرفع، وقال غيره: بل الحاصل بالخطوة الواحدة: ثلاثة أشياء؛ لقوله في الحديث الآخر: ”كتب الله له بكل خطوة حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة“ والله أعلم انتهى(4).
__________
(1) مسلم، برقم 654، وتقدم تخريجه في أدلة وجوب الصلاة مع الجماعة.
(2) متفق عليه: البخاري، برقم 647، ومسلم، برقم 649، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
(3) مسلم، برقم 666، وتقدم تخريجه في فضل الصلاة.
(4) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/290.(15/39)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز –ر حمه الله- يقول: "كل خطوة واحدة: يرفع بها درجة، وتحط عنه بها خطيئة، وتكتب له حسنة، وهذه الزيادة الأخيرة "الحسنة" في مسلم عن ابن مسعود، وإذا صحت رواية إحداهما يرفع بها درجة، والأخرى يحط عنه بها خطيئة، فتكون هذه الرواية أولاً ثم تفضل الله بالزيادة، فجعل بكل خطوة واحدة ثلاث فضائل: رفع درجة، وحط خطيئة، وكتب حسنة"(1).
3- يكتب له المشي إلى بيته كما كتب له المشي إلى الصلاة، إذا احتسب ذلك؛ لحديث أبي بن كعب – رضي الله عنه- قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”قد جمع الله لك ذلك كله“. وفي لفظ: ”إن لك ما احتسبت“(2).
قال الإمام النووي – رحمه الله-: "فيه إثبات الثواب في الخطا في الرجوع كما يثبت في الذهاب"(3).
وعن أبي موسى – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام“(4).
__________
(1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري على الحديث رقم 2119.
(2) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد برقم 663.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/174.
(4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، برقم 651، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد برقم 662.(15/40)
وعن جابر – رضي الله عنه- قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: ”إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد“ قالوا: نعم، يا رسول الله، قد أردنا، فقال: ”يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم“(1).
4- المشي إلى صلاة الجماعة تمحى به الخطايا؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟“ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ”إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط“(2).
محو الخطايا: كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلاً على غفرانها، ورفع الدرجات: أعلى المنازل في الجنة، وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره: تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك، وكثرة الخطا: تكون ببعد الدار وكثرة التكرار(3).
5- المشي إلى صلاة الجماعة بعد إسباغ الوضوء تغفر به الذنوب؛ لحديث عثمان بن عفان – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد غفر الله له ذنوبه“(4).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب احتساب الآثار، برقم 656، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد، برقم 665.
(2) مسلم، برقم 251، وتقدم تخريجه في فضل الصلاة.
(3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 3/143.
(4) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة، برقم 232.(15/41)
6- إعداد الله تعالى الضيافة في الجنة لمن غدا إلى المسجد أو راح كلما غدا أو راح؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح“(1).
وأصل "غدا" خرج بِغَدْوٍ، أي: أتى مبكراً، وراح: رجع بعشيٍّ، ثم قد يستعملان في الخروج والرجوع مطلقاً توسعاً، و "أعد" هيأ، و"النزل" ما يهيأ للضيف من الكرامة عند قدومه، ويكون ذلك بكل غدوة أو روحة(2)، وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من قام بهذا الغدو والرواح، تعد له في الجنة ضيافة بذهابه، وضيافة برجوعه.
7- من ذهب إلى صلاة الجماعة فسُبق بها وهو من أهلها فله مثل أجر من حضرها؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً“(3).
8- من تطهر وخرج إلى صلاة الجماعة فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل: هكذا“ وشبك بين أصابعه(4).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد أو راح، برقم 662، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، برقم669.
(2) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/294، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/176.
(3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها، برقم 564، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/113.
(4) ابن خزيمة، 1/229، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/206، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/118.(15/42)
9- أجر من خرج إلى صلاة الجماعة متطهراً كأجر الحاج المحرم؛ لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم“(1).
10- الخارج إلى صلاة الجماعة ضامن على الله تعالى؛ لحديث أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل: رجل خرج غازياً في سبيل الله عز وجل فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل“(2).
وهذا من فضل الله – عز وجل- أن جعل كل واحد من هؤلاء الثلاثة في ضمانه – عز وجل- حتى يجزيه الجزاء الأوفى؛ فإن معنى "ضامن" أي مضمون، أما قوله صلى الله عليه وسلم: ”ورجل دخل بيته بسلام“ فيحتمل وجهين:
الوجه الأول: أن يسلم إذا دخل منزله.
الوجه الثاني: أن يكون أراد بدخول بيته بسلام: أي لزوم البيت طلب السلامة من الفتن، يرغب بذلك في العزلة ويأمره بالإقلال من الخلطة(3), وهذا عند ظهور الفتن وخشية المسلم على دينه، أما مع الأمن من ذلك فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويدعوهم إلى الله أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم والله أعلم.
__________
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، برقم 558، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/111، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/127.
(2) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب فضل الغزو في البحر، برقم 2494، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/473.
(3) انظر: معالم السنن للخطابي، 3/361.(15/43)
11- اختصام الملأ الأعلى في المشي على الأقدام إلى صلاة الجماعة؛ لحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: أن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام: ”... يا محمد هل تدري فيما يختصم(1) الملأ الأعلى(2)؟ قلت: نعم، في الكفارات: المكث في المسجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه...“(3).
__________
(1) يختصم: يبحث، واختصامهم: عبارة عن تبادرهم إلى ثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء، وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها، وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل، لاختصاصهم بها وتفضلهم على الملائكة بسببها مع تهافتهم في الشهوات، وإنما سماه مخاصمة؛ لأنه ورد مورد سؤال وجواب، وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه... وذكر ابن كثير رحمه الله أن هذا الاختصام ليس هو الاختصام المذكور في القرآن. انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 9/193، 109.
(2) الملأ الأعلى: الملائكة المقربون، والملأ: هم الأشراف الذين يملئون المجالس والصدور عظمة وإجلالاً، ووصفوا بالأعلى إما لعلو مكانتهم عند الله تعالى، وإما لعلو مكانهم. تحفة الأحوذي للمباركفوري، 9/3.
(3) سنن الترمذي، كتاب التفسير، سورة ص، برقم 3233، ورقم 3234، وله شاهد من حديث معاذ – رضي الله عنه- عند الترمذي، برقم 3235، وصححهما الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/98-99.(15/44)
12- المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ”فمن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير“، ولقول الله تعالى(1): {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة النحل، الآية: 97].
13- المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب تكفير الخطايا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ”وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه“.
14- إكرام الله تعالى لزائر المسجد؛ لحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحقٌ على المزُور أن يكرم الزائر“(2).
وعن عمرو بن ميمون – رحمه الله- قال: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: "المساجد بيوت الله وإنه حق على الله أن يكرم من زاره"(3)، وفي لفظ عن عمرو بن ميمون عن عمر – رضي الله عنه- قال: "المساجد بيوت الله في الأرض وحق على المزور أن يكرم زائره"(4).
__________
(1) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 9/104.
(2) الطبراني في المعجم الكبير، 6/253، برقم 6139، 6145، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/31: "رواه الطبراني في الكبير، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 13/319، برقم 16465.
(3) أخرجه بإسناده ابن جرير في جامع البيان، 19/189.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 13/318، برقم 16463.(15/45)
15- فرح الله تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يتوضأ أحد فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته“(1). وقد بوَّب الإمام ابن خزيمة على هذا الحديث بقوله: "باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً"(2). وجميع صفات الله تعالى تثبت على الوجه اللائق به عز وجل.
16- النور التام يوم القيامة لمن مشى في الظلم إلى المساجد؛ لحديث بريدة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة“(3).
المبحث السادس: آداب المشي إلى الصلاة في الجماعة:
المشي إلى الصلاة له آداب عظيمة، منها ما يأتي:
1- يتوَضأ في بيته ويسبغ الوضوء؛ لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه-: ”ما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة“(4).
__________
(1) ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الإمامة في الصلاة، باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً، 2/374، برقم 1491، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/123، برقم 301.
(2) صحيح ابن خزيمة 2/347.
(3) أبو داود، برقم 561، والترمذي، برقم 223، وتقدم تخريجه في فصل الصلاة.
(4) مسلم، برقم 654، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.(15/46)
2- يبتعد عن الروائح الكريهة؛ لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته“. وفي لفظ لمسلم: ”فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس“. وفي لفظ لمسلم: ”من أكل البصل والثوم والكراث، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم“(1).
3- يأخذ زينته ويتجمل؛ لقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سورة الأعراف، الآية: 31]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ”إن الله جميل يحب الجمال“(2).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 855، ومسلم، برقم 564، و561 –567، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
(2) مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم 91.(15/47)
4- يدعو دعاء الخروج ويخرج بنية الصلاة؛ فيقول: ”بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله“(1). ”اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أَزِلَ، أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَم ، أو أجهل أو يُجهل عليَّ“(2). ”اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نورًا، وعظِّم لي نورًا، واجعل لي نورًا، واجعلني نوراً، اللهم أعطني نوراً، واجعل في عصبي نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي دمي نوراً، وفي شعري نوراً، وفي بشري نوراً“(3).
__________
(1) إذا قال ذلك يقال حينئذ: "هُديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي، وكفى ووقي" أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقال إذا خرج من بيته، برقم 5095، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء ما يقول إذا خرج من بيته، برقم 3426، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/151.
(2) أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول الرجل إذا خرج من بيته، برقم 5094، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء فيما يقول إذا خرج من بيته، برقم 3427، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب ما يدعو الرجل إذا خرج من بيته، برقم 3884، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/336.
(3) جميع هذه الألفاظ من صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه من الليل، برقم 6316، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه، برقم 763، وفي رواية 191- (763) فخرج إلى الصلاة وهو يقول. وكل هذه الروايات من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما-.(15/48)
5- لا يشبك بين أصابعه في طريقه إلى المسجد ولا في صلاته؛ لحديث كعب بن عجرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه، فإنه في صلاة“(1).
6- يمشي وعليه السكينة والوقار؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا“. وفي لفظ: ”إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا“(2).
وفي هذا الحديث الحث على إتيان الصلاة بسكينة ووقار، والنهي عن إتيانها سعياً، سواء في صلاة الجمعة وغيرها، وسواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أو لا، وقوله ”إذا سمعت الإقامة“ إنما ذكر الإقامة للتنبيه على ما سواها؛ لأنه إذا نهي عن إتيانها سعياً في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها، فقبل الإقامة أولى وأكَّد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وسلم: ”فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة“ وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكد ذلك تأكيداً آخر، فقال: ”فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا“. فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة، فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات، وبيَّن ما يفعل فيما فات(3).
__________
(1) الترمذي، برقم 387، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/121، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
(2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بالسكينة والوقار، برقم 636، وكتاب الجمعة، باب المشي إلى الجماعة، برقم 908، ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعياً، برقم 602.
(3) انظر: شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، 5/103.(15/49)
7- ينظر في نعليه قبل دخول المسجد، فإن رأى فيهما أذى مسحه بالتراب؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- وفيه: ”إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصلِّ فيهما“(1). وتطهير النعلين يكون بمسحهما بالتراب؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا وطئَ أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور“. وفي لفظ: ”إذا وطئَ الأذى بخفيه فطهورهما التراب“(2).
8- يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد ويقول: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم"(3). [بسم الله والصلاة](4) [والسلام على رسول الله](5) [اللهم افتح لي أبواب رحمتك]؛ لحديث أبي حميد أو أبي أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك“(6).
__________
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعلين برقم 650، وابن خزيمة، برقم 1017، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/128.
(2) أبو داود، كتاب الطهارة، باب الأذى يصيب النعل برقم 385، 386، وصححهما الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/77.
(3) فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم، أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل عند دخوله المسجد، برقم 446، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/92، من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما-.
(4) ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم 88 وحسنه الألباني.
(5) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل عند دخول المسجد، برقم 465، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 92.1.
(6) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يقول إذا دخل المسجد، برقم 113.(15/50)
9- يسلم إذا دخل المسجد على من فيه بصوت يسمعه من حوله؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم“(1). وقال عمار بن ياسر – رضي الله عنه-: ”ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار“(2).
10- يصلي تحية المسجد، فإن كان المؤذن قد أذن بعد دخول الوقت صلى الراتبة إن كان للصلاة راتبة، فإن لم يكن لها راتبة قبلها فسنة ما بين الأذانين؛ لأن بين كل أذانين صلاة، وتجزئ عن تحية المسجد، فإن دخل المسجد قبل دخول وقت الصلاة صلى ركعتين؛ لحديث أبي قتادة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين“(3).
11- إذا خلع نعليه داخل المسجد وضعهما بين رجليه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصلِّ فيهما“. وفي لفظ: ”إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه“(4).
__________
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، برقم 54.
(2) البخاري، كتاب الإيمان، باب السلام من السلام، 1/15.
(3) متفق عليه: البخاري، برقم 44، ومسلم، برقم 714، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(4) أبو داود، كتاب الصلاة، باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما؟ برقم 654، 655، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/128.(15/51)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز - رحمه الله- يقول: "الصلاة في النعال سنة خلاف اليهود، لكن بعد العناية، فإن رأى فيها شيئاً أزاله بالتراب أو الحجر أو غيره، أما المساجد المفروشة فقد يحصل عليها الغبار للتساهل من بعض الناس، فيحصل تنفير الناس، فالأولى عندي والله أعلم أن يوضع لها محل"(1).
12- يختار الجلوس في الصف الأول على يمين الإمام إن تيسير، بلا مزاحمة ولا أذى لأحد؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا“(2)؛ ولحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف“(3).
13- يجلس مستقبلاً القبلة يقرأ القرآن أو يذكر الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن لكل شيء سيد، وإن سيد المجالس قبالة القبلة“(4).
__________
(1) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 232، ورقم 233.
(2) متفق عليه: البخاري، برقم 615، ومسلم، برقم 437، وتقدم تخريجه في فضل الأذان.
(3) أبو داود، برقم 676، وابن ماجه برقم 1005، وحسنه المنذري، وابن حجر في فتح الباري 2/213، وتقدم تخريجه في فضل الصف الأول وميامن الصفوف.
(4) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 5/278، برقم 3062]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/59: "رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن".(15/52)
14- ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي؛ فإنه في صلاة ما انتظر الصلاة، وتصلي عليه الملائكة، قبل الصلاة وبعدها مادام في مصلاه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه...“. وفي لفظ لمسلم: ”والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ، ما لم يحدث“(1).
15- إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة“(2).
16- يقدم رجله اليسرى عند الخروج من المسجد بعكس دخوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجله، وتنعله(3). وكان ابن عمر – رضي الله عنهما- يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى(4). وقال أنس – رضي الله عنه-: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى(5). ويقول: ”بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك(6) [اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم]“(7).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 647، ومسلم، برقم 649، وتقدم تخريجه في فضل صلاة الجماعة.
(2) مسلم، برقم 710، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(3) البخاري، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، برقم 426.
(4) البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، قبل الحديث 426.
(5) الحاكم، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/118.
(6) مسلم، برقم 113، وأبو داود، برقم 465، وتقدم تخريجه في دعاء دخول المسجد.
(7) ابن ماجه، كتاب المساجد، والجماعات، برقم 773، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/129.(15/53)
المبحث السابع: تنعقد الجماعة باثنين: إمام ومأموم، ولو مع صبي على الصحيح أو امرأة ذات محرم عند الخلوة؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه"(1). وعن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه- أنه قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إذا أنتما خرجتما فأذِّنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما“(2)؛ ولحديث أنس – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أنس، وأمه، وأم حرام خالة أنس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”قوموا فلأصلي بكم“ في غير وقت صلاة، فصلى بهم، وجعل أنساً عن يمينه، وأقام المرأة خلفهم(3). ومما يدل على صحة الجماعة وانعقادها برجل وامرأة، حديث أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات“(4). والأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما تنعقد بالرجل مع الرجل، ومن منع فعليه الدليل(5). إلا إذا كانت أجنبية وحدها وليس عندهم أحد فإنه يحرم عليه أن يؤمها؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا يخلون أحدكم
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 117، 699، ورقم 992، ومسلم برقم 82 (763) وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(2) البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين، برقم 630، وبابٌ: اثنان فما فوقهما جماعة، برقم 658.
(3) مسلم، كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة، برقم 660.
(4) ابن ماجه، برقم 1335، وأبو داود، برقم 1309، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/243، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(5) نيل الأوطار للشوكاني، 2/369، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/351 –352.(15/54)
بامرأة إلا مع ذي محرم“(1).
والصواب صحة مصافة الصبي وإمامته في الفرض والنفل؛ لعموم الأدلة ومن أصرحها حديث عمرو بن سلمة – رضي الله عنه- قال أبي: جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقّاً فقال: ”صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا“. فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني؛ لما كنتُ أتلقَّى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ستٍّ أو سبْعِ سنين"(2).
قال الوزير ابن هبيرة - رحمه الله-: "وأجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة اثنان: إمام ومأموم قائم عن يمينه"(3).
وقال الإمام ابن قدامة – رحمه الله-: "وتنعقد الجماعة باثنين فصاعداً، لا نعلم فيه خلافاً"(4).
وقال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله-: "أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها صفاً، وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه"(5).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، برقم 1862، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى الحج، برقم 1341.
(2) البخاري، كتاب المغازي، بابٌ: وقال الليث. برقم 4302.
(3) الإفصاح عن معاني الصحاح، 1/155.
(4) المغني لابن قدامة، 2/7.
(5) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 6/249.(15/55)
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول في تقريه على حديث عمرو بن سلمة آنف الذكر: "هذا الحديث يدل على جواز إمامة الصبي إذا عقل وميَّز، وكثير من الفقهاء يقول: لا يؤم ولا يعتد به في المصافة، وهذا قول غلط وضعيف، والصواب أنه يؤم ويصاف، وقد صف أنس مع اليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم(1)، والأصل في الفرائض والنوافل سواء، إلا ما خصه الدليل، وحديث عمرو هذا يدل على جواز إمامة العاقل المميز، ويحمل الشك على السبع؛ لأن الغالب أن المميز ابن سبع، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ”مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين“(2) فإذا كان يتقن الصلاة قدم"(3) أي إذا كان أكثرهم قرآنًا.
__________
(1) مسلم، برقم 658، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(2) أبو داود، برقم 495، وأحمد، 2/180، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 1/266، و2/7، وتقدم تخريجه في منزلة الصلاة في الإسلام.
(3) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 435.(15/56)
المبحث الثامن: تدرك الجماعة بإدراك ركعة، ولا يُعتدُّ بركعة لا يدرك ركوعها؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة“(1)؛ وإذا أدرك الركوع قبل أن يقيم الإمام صلبه من ركوعه فقد أدرك الركعة(2)؛ لحديث أبي بكرة – رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أم يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ”زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ(3). وزاد أبو داود فيه: "فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف"(4).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة، برقم 580، ومسلم، كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 607.
(2) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/381 ومجموع فتاوى ابن باز، 12/161.
(3) ولا تعد: قيل: معناها: لا تُعِدْ صلاتك فإنها صحيحة، وقيل: لا تَعْدُ: من العدو والسعي، وقيل: لا تَعُدْ، من العود: أي لا تَعُدْ ساعياً إلى الدخول في الركوع قبل وصولك الصف، وهذا هو الأقرب، واختاره الصنعاني في سبل السلام 3/109، وابن باز في مجموع الفتاوى، 12/160، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/430، وقال ابن عبد البر: "زادك الله حرصاً ولا تعد" معناه عند أهل العم: "زادك الله حرصاً إلى الصلاة ولا تعد إلى الإبطاء عنها". الاستذكار 6/250، وقال ابن قدامة: بل إنما يعود النهي إلى المذكور والمذكور الركوع دون الصف، المغني 2/77]“ [البخاري، كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف برقم 783.
(4) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يركع دون الصف، برقم 684، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/133.(15/57)
ومما يدل على أن من أدرك الركوع قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدرك الركعة حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة“(1).
__________
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع، برقم 893، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/169، وقال الإمام ابن باز "وحديث أبي هريرة قد جاء من طريقين يشد أحدهما الآخر، وتقوم بمثلهما الحجة. انظر مجموع فتاوى ابن باز، 12/161.(15/58)
وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني والبيهقي: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه“(1). وهذا مذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف: أن من أدرك الإمام راكعاً فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة، ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة فلا يُعتد بها، وهذا مذهب الإمام مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر – رضي الله عنهم-(2)
__________
(1) سنن الدارقطني، كتاب الصلاة، باب من أدرك الإمام قبل إقامة صلبه فقد أدرك الصلاة، 1/346، برقم 1، وسنن البيهقي الكبرى، كتاب الصلاة، باب إدراك الإمام في الركوع، 2/89، وصحيح ابن خزيمة، كتاب الصلاة، باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركاً للركعة إذا ركع إمامه قبل، 3/45، برقم 1595، قال الألباني في حاشيته على صحيح ابن خزيمة 3/45: "إسناده ضعيف لسوء حفظ قره، لكن الحديث له طرق أخرى وشواهد كما حققته في صحيح أبي داود (832)، والإرواء (89) قلت الطبعة التي عندي صحيح أبي داود، 1/169، والإرواء 2/260، وحسنه في صحيح أبي داود وصححه في الإرواء.
(2) وهذا القول هو الصواب الذي عليه جمهور الأئمة، وهو المتفق عليه عند أصحاب المذاهب الأربعة كما تقدم، ورجحه: الإمام ابن عبد البر، والإمام النووي، والشوكاني في قوله الثاني، والإمام ابن باز – رحمهم الله-.
والقول الثاني: أن من أدرك الإمام راكعاً ودخل معه في الركوع لا يعتد بتلك الركعة؛ لأن قراءة الفاتحة فرض ولم يأتِ به، روي هذا القول عن أبي هريرة ورجحه البخاري في كتابه "جزء القراءة" وحكاه عن كل من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، ورجحه الشوكاني في قوله الآخر في النيل وبسط أدلته.
والصواب القول الأول كما تقدم. انظر: مجموع هذه الأقوال في عون المعبود شرح سنن أبي داود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، 3/145-161 فقد أبدع في النقل، وانظر: المجموع للنووي 4/215، والاستذكار لابن عبد البر، 5/64-68 و6/245-250، والمغني لابن قدامة، 3/76، ونيل الأوطار للشوكاني، 1/784-792، و2/381، وسبل السلام للصنعاني، 3/108، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/157-162، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/240-244.(15/59)
. أما من تأخر عن صلاة الجماعة لعذر وهو من المحافظين دائماً على صلاة الجماعة، ثم جاء وأدرك جزءاً من الصلاة أقل من ركعة فقد فاتته صلاة الجماعة، لكن له أجر وفضل الجماعة لحسن نيته ولعذره؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله – عز وجل- مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً“(1)؛ ولحديث أبي موسى - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً“(2)؛ ولحديث أنس بن مالك – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك: ”إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر“. وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: ”إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم“ قالوا يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: ”وهم بالمدينة حبسهم العذر“(3). فدل ذلك على أن من حبسه عذر شرعي يكون له أجر من عمل العمل على الوجه الشرعي(4).
__________
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسُبِق بها، برقم 564، والنسائي، كتاب الإمامة، باب حد إدراك الجماعة، برقم 855، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 6/137 "إسناده قوي"، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/113، وقد سبق تخريجه في فضل الصلاة.
(2) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة برقم 2996.
(3) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو برقم 2838، وبرقم 4423.
(4) انظر: الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص102، ومجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/165.(15/60)
المبحث التاسع: صلاة الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى مع الإمام في المسجد(1)
__________
(1) تكرار الجماعة في المسجد الواحد له صور، منها:
الصورة الأولى: أن يكون إعادة الجماعة أمراً راتباً، بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً: الجماعة الأولى، والجماعة الثانية، أو أكثر، فهذا بدعة.
الصورة الثانية: أن يكون إعادة الجماعة أمراً عارضاً، والإمام الراتب هو الذي يصلي بالمسجد، لكن أحياناً يتخلف رجلان، أو ثلاثة،أو أكثر لعذر، فهذا هو محل الخلاف، فمن العلماء من يقول: لا تعاد الجماعة، بل يصلون فرادى، ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا هو الصواب وهو الصحيح، وهو مذهب الحنابلة، للأدلة المذكورة في متن هذه الرسالة.
الصورة الثالثة: أن يكون المسجد في طريق الناس، أو سوقهم، فيأتي الرجلان والثلاثة يصلون ثم يخرجون، ثم يأتي غيرهم فيصلون فلا تكره الإعادة في هذا المسجد أيضاً، قال الإمام النووي في المجموع، 4/222: "إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية بالإجماع". وانظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/226-232. وفي المسألة صور أخرى: انظر: صلاة الجماعة للعلامة صالح بن غانم السدلان، ص100.(15/61)
؛ لحديث أبي سعيد – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: ”ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟“(1). ولفظ الترمذي: جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ”أيُّكم يتّجرُ على هذا؟“ فقام رجل فصلى معه. ولفظ الإمام أحمد: أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من يتصدق على هذا فيصلي معه؟“ فقام رجل من القوم فصلى معه. قال الإمام الشوكاني – رحمه الله-: "فقام رجل من القوم فصلى معه" هو أبو بكر الصديق كما بيّن ذلك ابن أبي شيبة"(2).
__________
(1) أبو داود، برقم 574، والترمذي، برقم 220، وأحمد، 3/45، 64، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/209 وابن حبان، 6/157، برقم 2397-2399، وأبو يعلى، 2/321، برقم 1075، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/316، برقم 535، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب آخر صلاة التطوع.
(2) نيل الأوطار، 2/380.(15/62)
والحديث يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفرداً، وإن كان الداخل قد صلى في جماعة(1). قال الترمذي – رحمه الله-: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من التابعين. قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صُلِّيَ فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق"(2). وهذا هو الصواب؛ لعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة؛ ولحديث أبيّ بن كعب – رضي الله عنه- وفيه: ”وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى“(3). ومن قال: إن فضل الجماعة يختص بالجماعة الأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس بحجة(4)، وقد ثبت عن أنس – رضي الله عنه- أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا، فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة(5)
__________
(1) نيل الأوطار، 2/380.
(2) قال الترمذي: "وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، يختارون الصلاة فرادى. سنن الترمذي، الحديث رقم 220.
(3) أبو داود، برقم 554، والنسائي، برقم 843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبو داود، 1/110، وفي سنن النسائي، 1/183، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
(4) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/166.
(5) البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، قبل الحديث رقم 645، في ترجمة الباب، ولفظه: "وجاء أنس إلى مسجدٍ قد صُلِّيَ فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة" قال ابن حجر في فتح الباري، 2/131: "وصله أبو يعلى في مسنده، من طريق الجعد أبي عثمان" ، قال: مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فذكر نحوه، قال: وذلك في صلاة الصبح، وفيه "فأمر رجلاً فأذن وأقام، ثم صلى بأصحابه" وفي رواية ابن أبي شيبة، من طرق عن الجعد، والبيهقي من طريق أبي عبد الصمد عن الجعد نحوه، وقال: مسجد بني رفاعة، وقال: "فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه" قال الحافظ ابن حجر: "وهو يؤيد ما قلنا من إرادة التجميع في المسجد" فتح الباري 2/131.(15/63)
. والمقصود أن الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته الجماعة الأولى، وهذا هو الأصل ولا يخرج منه إلا بدليل(1)، والله الموفق سبحانه وتعالى(2)
__________
(1) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/166
(2) أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" أبو داود، برقم 579، والنسائي، 2/114، برقم 860 وأحمد 2/19، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/115، فقال ابن عبد البر: "اتفق أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه على أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاتصلوا صلاة في يوم مرتين" أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضاً، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها له نافلة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أمرهم بإعادة الصلاة في جماعة: "إنها لكم نافلة" فليس ذلك ممن أعاد الصلاة في يوم مرتين؛ لأن الأولى فريضة والثانية نافلة". الاستذكار لابن عبد البر، 5/357-358، وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، 23/260-261، أن حديث ابن عمر في النهي عن إعادة الصلاة مرتين في الإعادة مطلقاً من غير سبب، ولا ريب أن هذا منهي عنه، وأما حديث ابن الأسود فهو إعادة مقيدة بسبب اقتضى الإعادة، فسبب الإعادة حضور الجماعة الراتبة، أو إعادة الصلاة؛ ليحصل من فاتته صلاة الجماعة على فضل الجماعة، وقال الإمام الخطابي: "هذه صلاة الإيثار والاختيار، دون ما كان له سبب كالرجل يدرك الجماعة وهم يصلون فيصلي معهم ليدرك فضيلة الجماعة، توفيقاً بين الأخبار ورفعاً للاختلاف بينها" معالم السنن 1/301، وانظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/287، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/296-298 و380، و1/508-510، ومجموع فتاوى ابن باز 12/165-175، وقال الإمام ابن عبد البر أيضاً في جواز إعادة الجماعة في المسجد لمن فاتته الجماعة الأولى: "وممن أجاز ذلك ابن مسعود، وأنس، وعلقمة، ومسروق، والأسود، والحسن، وقتادة، وعطاء على اختلاف عنه" الاستذكار، 4/68، وقال ابن قدامة في المغني، 3/10: "ولا يكره إعادة الجماعة في المسجد، ومعناه أنه إذا صلى إمام الحي وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة".(15/64)
.
المبحث العاشر: من صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة؛ لحديث أبي ذر – رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟“ قال: قلت فما تأمرني؟ قال: ”صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة [ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي]“(1)؛ ولحديث يزيد بن الأسود، وفيه: ”...إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم فإنها لكما نافلة“. وفي لفظ: ”إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصلِّ فليصلِّ معه؛ فإنها له نافلة“(2)؛ ولحديث محجن، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ما منعك أن تصلي ألست برجل مسلم؟“ قال: بلى ولكني كنت قد صليت في أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا جئت فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت“(3)؛ ولحديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه-(4)؛ ولحديث ابن مسعود – رضي الله عنه-(5) والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل(6).
__________
(1) مسلم، برقم 648، وتقدم تخريجه في الصلوات ذات الأسباب في آخر صلاة التطوع.
(2) الترمذي، برقم 219، وأبو داود، برقم 575، والنسائي، برقم 858، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/186، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب.
(3) النسائي، برقم 857، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/186، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب.
(4) أحمد 5/169، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت، برقم 433، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/88.
(5) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت برقم 432، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/87.
(6) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 1/508-510 و2/296، 384، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/219، وصلاة الجماعة، للسدلان، ص103.(15/65)
المبحث الحادي عشر: المسبوق يصلي ما بقي من صلاته إذا سلم إمامه من غير زيادة؛ لحديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه- حينما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وضوءه، وأن ذلك قبل صلاة الفجر، قال: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدَّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن وقد صلى بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم، ثم قال: ”أحسنتم، أو قد أصبتم“ يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها"(1). وقوله: ”يتم صلاته“ يدل على أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا“(2). وجاء في بعض الروايات: ”فاقضوا“(3) والقضاء يطلق على أداء الشيء فهو بمعنى أتموا، فلا مغايرة بين اللفظين(4)، ولا حجة لمن تمسك برواية ”فاقضوا“ على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، وإنما
__________
(1) متفق عليه: البخاري مختصراً، كتاب الوضوء، باب الرجل يوضئ صاحبه، برقم 182، ومسلم مختصراً، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم 274، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم 149، وأحمد 4/251، وألفاظه من سنن أبي داود ومسند أحمد.
(2) متفق عليه: البخاري، برقم 636، ومسلم، برقم 908، وتقدم تخريجه في آداب المشي إلى الصلاة.
(3) أحمد، 2/270، وأبو داود، برقم 573، والنسائي، 2/114.
(4) انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/257، 383، وسبل السلام للصنعاني، 2/115.(15/66)
الصواب أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته(1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله- يقول: ”وما فاتكم فأتموا“ هذا أكثر الروايات، وفي بعض الروايات: ”فاقضوا“ بمعنى أتموا سواء بسواء، فالروايتان مجتمعتان بمعنى الإتمام والإكمال، فما أدرك فهو أول صلاته، وما قضى فهو آخرها(2).
__________
(1) قال الإمام النووي: "واختلف العلماء في المسألة، فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: ما أدركه المسبوق مع الإمام أول صلاته، وما يأتي به بعد سلامه آخرها، وعكسه أبو حنيفة وطائفة، وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين، وحجة هؤلاء "واقضِ ما سبقك" وحجة الجمهور أن أكثر الروايات "وما فاتكم فأتموا" وأجابوا عن رواية "واقضِ ما سبقك" أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل" شرح النووي على صحيح مسلم 5/104.
(2) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 445.(15/67)
والمسبوق يدخل مع الإمام في أي جزء أدركه فيه؛ لحديث علي بن أبي طالب ومعاذ – رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام“(1). قال الترمذي – رحمه الله-: "والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام"(2).
__________
(1) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما ذكر في الرجل يدرك الإمام وهو ساجد كيف يصنع، برقم 591، قال العلامة أحمد محمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي: قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، 2/42، فيه ضعف وانقطاع، ويريد بالضعف الإشارة إلى تضعيف حجاج بن أرطأة وهو عندنا ثقة إلا أنه يدلس ولم يصرح بالسماع هنا، ويشير بالانقطاع إلى أن ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ولكن له شاهد من حديثه أيضاً عند أبي داود، برقم 506، يقول فيه ابن أبي ليلى: حدثنا أصحابنا ثم ذكر الحديث وفيه فقال معاذ: "لا أراه على حال إلا كنت عليها" قال: فقال إن معاذاً قد سن لكم سنة كذلك فافعلوا". وهذا متصل؛ لأن المراد بأصحابه الصحابة كما صرح بذلك في رواية ابن أبي شيبة: "حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" [حاشية أحمد شاكر على سنن الترمذي، 2/486]، وذكر له العلامة الألباني شاهداً عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أخرجه المروزي في مسائل أحمد وإسحاق، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/185: "وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين". والحديث صحيح المعنى لقوله صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
(2) سنن الترمذي، 2/486.(15/68)
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة“(1).
المبحث الثاني عشر: يعذر في ترك الجماعة بأشياء، هي على النحو الآتي:
* الخوف أو المرض؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر“(2).
* المطر، أو الدحض(3)؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: ”إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا، فقال: فعله من هو خير مني...“(4).
__________
(1) أبو داود، برقم 893، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/169، وتقدم تخريجه في إدراك الجماعة بركعة.
(2) ابن ماجه، برقم 793، وأبو داود، برقم 551، وصححه الألباني في الإرواء، 2/327، وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
(3) الدحض: الزلق. فتح الباري لابن حجر، 1/384.
(4) متفق عليه: البخاري، كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، برقم 901، وسبق في كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان برقم 616، وفي باب هل يصلي الإمام بمن حضر، برقم 668، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال، برقم 699.(15/69)
* الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- أنه أذَّن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في رحالكم(1) ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، يقول: ”ألا صلوا في الرحال“ وفي لفظ للبخاري: ”أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذناً يؤذن، ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في الرحال" في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر“ وفي لفظ لمسلم: "أن ابن عمر نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"(2).
__________
(1) الرحل: المنزل وسكن الرجل وما فيه من أثاثه. فتح الباري لابن حجر، 1/98، ونيل الأوطار، 2/387.
(2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين، برقم 632، وباب الرخصة في المطر، والعلة أن يصلي في رحله، برقم 666، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال، برقم 699.(15/70)
وعن جابر – رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: ”ليصلِّ من شاء منكم في رحله“(1) والأفضل أن يأتي بألفاظ الأذان كاملة ثم يقول: ”صلوا في بيوتكم“. أو يقول: ”صلوا في رحالكم“(2)
__________
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر، برقم 698.
(2) قال الإمام القرطبي رحمه الله عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ظاهر قوله: "في آخر ندائه" أنه قال ذلك بعد فراغه من الأذان، ويحتمل أن يكون في آخره قبل الفراغ، ويكون هذا مثل حديث ابن عباس". ثم قال: "هذه الحديث قد رواه أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة، قال فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة، أمر المؤذن فأذن بالأذان الأول، فإذا فرغ نادى: الصلاة في الرحال أو في رحالكم". [رواه ابن عدي في الكامل، 6/2263] وهذا نص يرفع ذلك الاحتمال. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/338] وقال الإمام النووي رحمه الله: "... في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه يقول: "ألا صلوا في رحالكم" في نفس الأذان، وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه، والأمران جائزان نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم في كتاب الأذان، وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه؛ لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس – رضي الله عنهما- ولا منافاة بينه وبين الحديث الأول –حديث ابن عمر رضي الله عنهما-؛ لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت وكلاهما صحيح"، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/214.
وقال الحافظ ابن حجر على قوله: "إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة: وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري "حذف حي على الصلاة في يوم المطر" وكأنه نظر إلى المعنى؛ لأن حي على الصلاة، والصلاة في الرحال، وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان، وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم" [فتح الباري، 2/98]، وقال الحافظ في موضع آخر في كلامه على حديث عبد الله بن عمر: "كان يأمر المؤذن يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال": "..صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان" ثم قال عن اجتماع كلمة صلوا في الرحال وكلمة حي على الصلاة: "وقد قدمنا في باب الكلام في الأذان، عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال: بدلاً من الحيعلة، نظراً إلى المعنى؛ لأن معنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى: "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معاً، لأن أحدهما نقيض الآخر، ويمكن أن يجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفريضة ولو تحمل المشقة، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال: "ليصلِّ من شاء منكم في رحله" [مسلم برقم 698] فتح الباري، 2/113، وقال الحافظ أيضاً في موضع آخر على حديث ابن عباس: "والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان، وإنما أبدل قوله: "حي على الصلاة" بقوله: "صلوا في بيوتكم" الفتح، 2/384، وانظر المغني لابن قدامة، 2/378-379، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/386.
وأقرب الأقوال قول النووي رحمه الله تعالى، وقد سمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 616، يقول: "الأفضل أن يكمل الأذان ثم يقول بعده صلوا في بيوتكم". وقال على الحديث رقم 666: "يقول ذلك بعد الأذان" وقال على الحديث رقم 668: "المعروف أنه قاله بعد الأذان".(15/71)
.
* حضور الطعام ونفسه تتوق إليه؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة“(1)؛ ولحديث عائشة – رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ”إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء“(2).
* مدافعة الأخبثين [البول والغائط]؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان“(3).
* يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما- أنه ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – وكان بدريّاً- مرض في يوم جمعة فركب إليه بعد أن تعالى النهار، واقتربت الجمعة وترك الجمعة(4).
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: "من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ"(5).
فظهر أنه يتعذر بترك الجماعة بثمانية أشياء:
__________
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 674، ومسلم، برقم 559، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
(2) متفق عليه: البخاري برقم 671، ومسلم، برقم 558، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
(3) مسلم برقم 560، وتقدم تخريجه في مكروهات الصلاة.
(4) البخاري، كتاب المغازي، باب: حدثني عبد الله بن محمد، برقم 3990.
(5) البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، قبل الحديث رقم 671، وقال ابن حجر في فتح الباري: "وصله ابن المبارك في كتاب الزهد" [رقم 1142] وأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب قدر الصلاة.(15/72)
المرض، والخوف على النفس، أو المال، أو العرض، والمطر، والدحض [الوحل]، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة، وحضور الطعام والنفس تتوق إليه، ومدافعة الأخبثين أو أحدهما، وأن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره. وتقدمت الأدلة على كل مسألة من هذه الأشياء(1).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفهرس
المقدمة ...
المبحث الأول: مفهوم صلاة الجماعة لغة واصطلاحاً ...
الصلاة لغة ...
الصلاة في الاصطلاح الشرعي ...
الجماعة لغة ...
الجماعة في الاصطلاح الشرعي ...
المبحث الثاني: حكم صلاة الجماعة ...
أمر الله تعالى حال الخوف بالصلاة جماعة ...
أمر الله عز وجل بالصلاة مع المصلين ...
عاقب الله من لم يجب المؤذن فيصلي مع الجماعة ...
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة مع الجماعة ...
هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة
الجماعة ...
لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى بعيد الدار في التخلف
عن الجماعة ...
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له ...
ترك الجماعة من علامات النفاق ومن أسباب الضلال ...
تارك صلاة الجماعة متوعد بالختم على قلبه ...
10- استحواذ الشيطان على قوم لا تقام فيهم الجماعة ...
11- تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي مع الجماعة ...
12- تفقد النبي صلى الله عليه وسلم للجماعة يدل على وجوب صلاة الجماعة ...
13- إجماع الصحابة رضي الله عنهم على وجوب صلاة الجماعة ...
المبحث الثالث: فوائد صلاة الجماعة ...
شرع الله عز وجل لهذه الأمة الاجتماع في أوقات معلومة ...
التعبد لله تعالى بهذا الاجتماع ...
التوادد وهو التحاب ...
التعارف ...
إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام ...
إظهار عز المسلمين ...
تعليم الجاهل ...
__________
(1) انظر: المغني لابن قدامة، 2/276-380، والكافي لابن قدامة، 1/398-401.(15/73)
تشجيع المتخلف عن الجماعة ...
تعويد الأمة الإسلامية على الاجتماع وعدم التفرق ...
10- تعويد الإنسان ضبط النفس ...
11- استشعار المسلم وقوفه في صف الجهاد ...
12- شعور المسلمين بالمساواة وتحطيم الفوارق الاجتماعية ...
13- تفقد أحوال الفقراء والمرضى والمتهاونين بالصلاة ...
14- استشعار آخر هذه الأمة بما كان عليه أولها ...
15- اجتماع المسلمين في المسجد من أسباب نزول البركات ...
16- يزيد نشاط المسلم فيزيد عمله عندما يشاهد أهل النشاط ...
17- تضاعف الحسنات ويعظم الثواب ...
18- الدعوة إلى الله عز وجل بالقول والعمل ...
19- اجتماع المسلمين في أوقات معينة يربيهم على المحافظة على الأوقات ...
المبحث الرابع: فضل صلاة الجماعة ...
صلاة الجماعة بسبع وعشرين صلاة فرادى ...
يعصم الله بالصلاة مع الجماعة من الشيطان ...
يزيد فضل الصلاة مع الجماعة بزيادة عدد المصلين ...
براءة من النار وبراءة من النفاق لمن صلى لله أربعين يوماً ...
من صلى الصبح في جماعة فهو في ضمان الله حتى يمسي ...
من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ...
عظم ثواب صلاة العشاء والصبح في جماعة ...
اجتماع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر والعصر ...
يعجب الله تعالى من الصلاة في الجماعة ...
10- منتظر الصلاة مع الجماعة في صلاة قبل الصلاة وبعدها ...
11- الملائكة يدعون لمن صلى مع الجماعة قبل الصلاة وبعدها ...
12- فضل الصف الأول وميامن الصفوف في صلاة الجماعة ...
13- مغفرة الله ومحبته لمن وافق تأمينه تأمين الملائكة ...
المبحث الخامس: فضل المشي إلى صلاة الجماعة في المساجد ...
شديد الحب لصلاة الجماعة في المسجد في ظل الله يوم القيامة ...
المشي إلى صلاة الجماعة ترفع به الدرجات وتحط الخطايا ...
يكتب له المشي إلى بيته كما كتب له المشي إلى الصلاة ...
المشي إلى صلاة الجماعة تمحى به الخطايا ...(15/74)
المشي إلى صلاة الجماعة بعد إسباغ الوضوء تغفر به الذنوب ...
إعداد الله تعالى الضيافة في الجنة لمن غدا إلى المسجد ...
من ذهب إلى صلاة الجماعة فسُبق بها وهو من أهلها ...
من تطهر وخرج إلى صلاة الجماعة فهو في صلاة حتى يرجع ...
أجر من خرج إلى صلاة الجماعة متطهراً كأجر الحاج المحرم ...
10- الخارج إلى صلاة الجماعة ضامن على الله تعالى ...
11- اختصام الملأ الأعلى في المشي على الأقدام إلى صلاة الجماعة ...
12- المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة ...
13- المشي إلى صلاة الجماعة من أسباب تكفير الخطايا ...
14- إكرام الله تعالى لزائر المسجد ...
15- فرح الله تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضئاً ...
16- النور التام يوم القيامة لمن مشى في الظلم إلى المساجد ...
المبحث السادس: آداب المشي إلى صلاة الجماعة ...
يتوضأ في بيته ويسبغ الوضوء ...
يبتعد عن الروائح الكريهة ...
يأخذ زينته ويتجمل ...
يدعو دعاء الخروج ويخرج بنية الصلاة ...
لا يشبك بين أصابعه في طريقه إلى المسجد ولا في صلاته ...
يمشي وعليه السكينة والوقار ...
ينظر في نعليه قبل دخول المسجد ...
يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد ...
يسلم إذا دخل المسجد على من فيه بصوت يسمعه من حوله ...
10-يصلي تحية المسجد ...
11-إذا خلع تعليه داخل المسجد وضعها بين رجليه ...
12- يختار الجلوس في الصف الأول على يمسن الإمام إن تيسر ...
13- يجلس مستقبلاً القبلة يقرأ القرآن أو يذكر الله ...
14- ينوي انتظار الصلاة ولا يؤذي ...
15- إذا أقيمت الصلاة فلا يصلي إلا المكتوبة ...
16- يقدم رجله اليسرى عند الخروج من المسجد ويقول ...
المبحث السابع: تنعقد الجماعة باثنين: إمام ومأموم ...
المبحث الثامن: تدرك الجماعة بإدراك ركعة ولا يعتد بركعة لا يدرك ركوعها ...
المبحث التاسع: صلاة الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى ...(15/75)
المبحث العاشر: من صلى ثم أدرك جماعة أعادها معهم نافلة ...
المبحث الحادي عشر: المسبوق يصلي ما بقي من صلاته إذا سلم إمامه ...
المبحث الثاني عشر: يعذر في ترك الجماعة بأشياء هي على النحو الآتي: ...
* الخوف أو المرض ...
*المطر أو الدحض ...
* الريح الشديد في الليلة المظلمة الباردة ...
* حضور الطعام ونفسه تتوق إليه ...
* مدافعة الأخبثين ...
* يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره ...
الفهرس ...
تمّ الكتاب ولله الحمد.(15/76)
طهور المسلم
في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم وفضائل وآداب وأحكام
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة: 222.
وقال صلى الله عليه وسلم:
”الطهور شطر الإيمان“.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه, ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في مفهوم، وفضائل، وآداب، وأحكام الطهارة التي هي شطر الإيمان، ومفتاح الصلاة، بيّنت فيها كل ما يحتاجه المسلم في طهارته ونظافته ونزاهته، كل ذلك مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة، فما كان من صواب فمن الله الواحد المنّان، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم(1).
وقد عرضت ما أشكل عليّ من مسائله الخلافية على سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، حفظه الله، وجزاه خيراً، وأعظم مثوبته، فأخذت بما يرجحه(2)، أطال الله عمره على طاعته وأحسن عمله.
وقد قسمت البحث إلى تسعة مباحث وتحت كل مبحث مطالب ومسالك في الغالب مرقمة كالتالي:
المبحث الأول: مفهوم الطهارة وأنواعها.
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها.
المبحث الثالث: سنن الفطرة وأنواعها.
__________
(1) اقتداء بما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انظر: سنن أبي داود برقم 2116 وصححه الألباني. في صحيح أبي داود 2/397, وانظر: الروح لابن القيم ص 30.
(2) سواء كان ذلك عن طريق المقابلة والاستفتاء أو الرجوع إلى مؤلفاته وترجيحاته وتقريراته عند العجز عن المقابلة.(16/1)
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة.
المبحث الخامس: الوضوء.
المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة.
المبحث السابع: الغسل.
المبحث الثامن: التيمم.
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس.
وأسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً خالصاً لوجهه الكريم، مقرباً لمؤلفه، وقارئه، وطابعه، وناشره من جنات النعيم، وأن ينفعني به، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، إنه خير مسئول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الناس أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر يوم الاثنين يوم التروية 8/12/1415هـ
المبحث الأول: تعريف الطهارة وأنواعها
1 ـ مفهوم الطهارة:
- الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية.
- وشرعاً: ارتفاع الحدث بالماء أو التراب الطهورين المباحين، وزوال النجاسة والخبث، فالطهارة هي زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها(1).
2 – الطهارة نوعها: معنوية وحسية:
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة 1/12 وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام لعبد الله البسام 1/87.(16/2)
النوع الأول: الطهارة الباطنة المعنوية، وهي: الطهارة من الشرك والمعاصي، وتكون بالتوحيد والأعمال الصالحة، وهي أهم من طهارة البدن، بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن مع وجود نجس الشرك {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}(1)، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن المؤمن لا ينجس“(2)، فيجب على كل مكلف أن يطهر قلبه من نجاسة الشرك، والشك، وذلك بالإخلاص والتوحيد، واليقين. ويطهر نفسه وقلبه من أقذار المعاصي، وآثار الحسد، والحقد, والغلّ, والغش, والكبر، والعجب, والرياء والسمعة... وذلك بالتوبة الصادقة من جميع الذنوب والمعاصي. وهذه الطهارة هي شطر الإيمان والشطر الثاني هي الطهارة الحسية.
النوع الثاني: الطهارة الحسية: وهي الطهارة من الأحداث والأنجاس، وهذا هو شطر الإيمان الثاني، قال صلّى الله عليه وسلّم: ”الطهور شطر الإيمان“(3). وتكون بما شرع الله من الوضوء، والغسل, أو التيمم عن فقد الماء. وزوال النجاسة أو إزالتها من اللباس، والبدن، ومكان الصلاة(4).
3- تكون الطهارة بطهورين:
__________
(1) سورة التوبة , الآية: 28.
(2) البخاري مع الفتح 1/390 برقم 283 ومسلم 1/282 برقم 372 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه مسلم 1/203.
(4) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/19 ومنهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص170 وشرح عمدة الأحكام للمقدسي لسماحة العلامة ابن باز ص2 مخطوط.(16/3)
الأول: الطهارة بالماء، وهي الأصل، فكل ماءٍ نزل من السماء، أو خرج من الأرض وهو باقٍ على أصل خلقته فهو طهور، يُطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير طعمه، أو لونه، أو ريحه بشيء طاهر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الماء طَهورٌ لا ينجِّسُهُ شيء“(1)، ومن ذلك: ماء المطر، ومياه العيون، والآبار، والأنهار، والأودية، والثلوج الذائبة، والبحار، قال صلّى الله عليه وسلّم في ماء البحر: ”هو الطهور ماؤه الحل ميتته“(2).
أما ماء زمزم فقد ثبت من حديث علي رضي الله عنه ”أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا بسجل من زمزم فشرب منه وتوضأ“(3)، فإن تغير لون الماء، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة فهو نجس بالإجماع ويجب اجتنابه(4).
الثاني: الطهارة بالصعيد الطاهر، وهو بدل عن الطهارة بالماء، إذا تعذر استعمال الماء لأعضاء الطهارة أو بعضها لعدمه، أو خوف ضرر باستعماله فيقوم التراب الطاهر مقام الماء(5).
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها أو زوالها
__________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي, والنسائي وصححه أحمد, وانظر: صحيح سنن أبي داود الألباني 1/16.
(2) أخرجه أصحاب السنن, ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/19, وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 480.
(3) أخرجه الإمام أحمد في "زوائد المسند" 1/76 وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/45 برقم 13 وتمام المنة ص 46.
(4) انظر فتاوى ابن تيمية 21/30 وسبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني 1/22.
(5) انظر: منهاج السالكين وتوضيح الفقه في الدين للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 13.(16/4)
النجاسة: هي القذارة التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها ويغسل ما أصابه منها، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(1), وقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(2) ومن هذه النجاسات ما يأتي:
1 – بول الآدمي وغائطه ويكون تطهيره بالغسل والإزالة كالتالي:
أ – تطهير بول الغلام والجارية.. قال صلّى الله عليه وسلّم: ”بول الغلام ينضح(3) وبول الجارية يغسل“(4) وهذا ”ما لم يطعما فإن طعما غسلا جميعاً“(5).
ب- تطهير النعل يكون بالدلك في الأرض؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى؛ فإن التراب له طهور“(6).
__________
(1) سورة المدثر, الآية: 4.
(2) سورة البقرة, الآية: 222.
(3) النضح: هو البل بالماء والرش. فبول الغلام الذي لم يطعم ولم يأكل يكفي فيه أن يرش فيُتبع بالماء دون فرك ولا عصر حتى يشمله كله. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/69 والقاموس المحيط ص313 والمصباح المنير 2/609 والشرح الممتع 1/372.
(4) أحمد 1/76, وأبو داود, والترمذي وغيرهم وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/188 برقم 166.
(5) أبو داود, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/76 برقم 364 وأصل نضح بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام في صحيح البخاري 1/125-226 برقم 222 و223 وفي صحيح مسلم 1/237 برقم 286 و287.
(6) رواه أبو داود, وانظر: صحيح أبي داود 1/77 رقم 371.(16/5)
ج – تطهير ذيل ثوب المرأة: يطهره التراب، فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن المرأة إذا مشت في الطريق القذر وبعده مكان طاهر أطيب منه فإن ذيل ثوبها يطهر بذلك؛ ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: ”يطهره ما بعده“(1).
د – تطهير الأرض والفراش، إذا أصاب البول أو الغائط الأرض أو الفراش، فإن الغائط يزال ويصب على مكانه ماء، أما البول فيكاثر بالماء؛ ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم في الأعرابي الذي بال في المسجد: ”دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوبًا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين“(2)، وتزال آثار الغائط والبول بالاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
2- دم الحيض، يطهر بالدلك والغسل، قال صلّى الله عليه وسلّم في دم الحيض يصيب الثوب: ”تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه“(3).
__________
(1) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/77 برقم 369 و370.
(2) البخاري مع الفتح 1/323 برقم 220, ومسلم 1/236 برقم 284 وانظر: شرح العمدة لابن باز ص 27.
(3) البخاري مع 1/330 برقم 227، ومسلم 1/240 برقم 291.(16/6)
3- ولوغ الكلب في الإناء(1)
__________
(1) آسار البهائم، والحيوانات، والسباع فيه تفصيل: ولا شك أن السؤر: هو الفضلة وبقية الشراب أو الطعام. ومعلوم أن الحيوان قسمان: نجس وطاهر. فالقسم الأول نجس وهو نوعان: النوع الأول نجس قولاً واحداً: وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهو نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه. النوع الثاني مختلف فيه، وهو الحمار الأهلي والبغل، وجوارح الطير: كالصقر والحدأة، وسباع البهائم: كالذئب، والنمر، والأسد. والراجح كما ذهب إليه أكثر أهل العلم أن آسار هذه الحيوانات طاهر؛ لأنه يشق التحرز منها غالباً. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/380 والمغني 1/68 والشرح الممتع 1/396. القسم الثاني: طاهر في نفسه وسؤره وعرقه وهو ثلاثة أنواع: النوع الأول الآدمي فهو طاهر وسؤره طاهر؛ لأن المؤمن لا ينجس، وحيضة المرأة ليست في يدها. النوع الثاني مأكول اللحم: طاهر وسؤره طاهر بالإجماع، إلا الجلاّلة مختلف في سؤرها فتكون من النوع الثاني من القسم الأول وتقدم النوع الثالث الهرة سؤرها طاهر؛ لأنها من الطوافين. انظر: المغني لابن قدامة 1/64-70 ومعلوم أن الحيوان نوعان: ما ليس له نفس سائلة، وما له نفس سائلة: النوع الأول: ما ليس له نفس سائلة أي لا يسيل دمه إذا قتل أو جرح: وهو على قسمين: الأول: ما يتولد من الطاهر فهو طاهر، حياً وميتاً: كالديدان، والذباب ونحو ذلك، ولكن الذباب إذا وقع في الإناء يغمس فيه لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء. والثاني ما يتولد من النجس كالصراصير متولدة من نجاسة= البالوعة فهو نجس حياً وميتاً. النوع الثاني ما له نفس سائلة وهو ثلاثة أقسام: الأول ما تباح ميتته وهو السمك والجراد وجميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في الماء فهو طاهر حياً وميتاً. الثاني ما لا تباح ميتته كحيوان البر المأكول وحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والتمساح ونحو ذلك فهذا نجس بعد الموت. النوع الثالث: الآدمي طاهر حياً وميتاً. المغني 1/59-63 والشرح الممتع 1/74 و77 و393-397 و378.(16/7)
، قال صلّى الله عليه وسلّم: ”طهور إناء أحدهما إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب“ وفي رواية ”فليرقه...“ الحديث(1).
4- الدم المسفوح ولحم الخنزير والميتة، {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}(2).
وجلد الميتة – التي يؤكل لحمها في حياتها(3) بعد ذكاتها – يطهر بالدباغ، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا دُبغ الإهاب فقد طهُر“(4).
__________
(1) مسلم 1/234 برقم 279.
(2) سورة الأنعام، الآية: 145.
(3) قال سماحة شيخنا ابن باز في شرحه لبلوغ المرام حديث رقم 20: واختلف في إهاب ما لا يؤكل لحمه هل يطهر بالدبغ أم لا؟ فقيل: حديث الدباغ عام لجميع الجلود حتى جلود السباع. وقيل إنه خاص بما يؤكل لحمه, وأحسن الأقوال وأقربها, وأظهرها أن الدباغ خاص بما يؤكل لحمه, وإن كان القول الآخر قوي. وانظر: فتاوى ابن تيمية 21/90-96 , والفتاوى الإسلامية 1/202, وتهذيب السنن 6/64-72, وزاد المعاد 5/754-756 والشرح الممتع 1/75.
(4) مسلم 1/277 برقم 363, وأما حديث عبد الله بن عكيم قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم, كتب إلينا ”لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب“ أخرجه أحمد وأهل السنن وصححه الألباني في الإرواء 1/76-77. فهذا الحديث قيل فيه: إنه ضعيف ولا يقابل الحديث الصحيح في مسلم, ولو صح وثبت أنه بعد حديث ميمونة لكان محمولاً على الإهاب قبل الدبغ فحينئذ يحصل الجمع بينه وبين حديث =ميمونة. ورجح هذا سماحة العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام حديث رقم 23, والعلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 1/71 وانظر: التلخيص الحبير 1/47.(16/8)
أما ميتة الجراد والسمك فقد جاء عنه صلّى الله عليه وسلّم: ”أُحلّ لنا ميتتان و دمان: أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال“(1).
5 – الوَدْيُ: ماء أبيض ثخين، يخرج كَدِرا بعد البول، ويُطهّرُ بغسل الذكر، ثم الوضوء(2)، وإذا أصاب البدن منه شيء غُسل.
6- المذي: وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند الملاعبة، وهو من النجاسات التي يشق الاحتراز عنها فخُفِّف تطهيره، فمن حصل له ذلك: ”فليغسل ذكره وأنثييه(3) وليتوضأ وضوءه للصلاة“(4) ويغسل ما أصاب البدن، ويرش كفاً من ماء على ما أصاب الثوب أو السراويل؛ لحديث سهل بن حنيف، رضي الله عنه(5).
__________
(1) رواه أحمد, وابن ماجه, والحاكم، والبيهقي وغيره, وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1118.
(2) المغني لابن قدامة 1/233, قال الإمام العلامة ابن باز: غسل الأنثيين خاص بالمذي دون الودي.
(3) أنثييه: خصيتيه.
(4) أبو داود, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/41 برقم 190-192 وأصله في صحيح البخاري برقم 269.
(5) أخرجه أبو داود 1/54 برقم 210, والترمذي 1/197 برقم 115, وابن ماجه 1/169 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/142.(16/9)
7 – المني: و هو ما يخرج دفقا بلذة، ويوجب الغسل، وهو طاهر على الصحيح(1)، ولكن يستحب غسله إذا كان رطباً وفركه إذا كان يابساً، فقد ثبت عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت لرجل يغسل ثوبه من المني: ”إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن تَرَ نضحت حوله ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيصلِّي فيه“(2), وفي رواية ”وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يابساً بظفري“(3)، وقالت: ”إن رسول الله كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه“(4).
8 – الجلاّلة: وهي الدابة التي تأكل العذرة ، فإذا حُبِست حتى يزول عنها اسم الجلاّلة فلحومها وألبانها طاهرة حلال بعد الحبس، فقد ثبت عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه قال: ”نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن لحوم الجلاّلة وألبانها“(5), وكان ابن عمر إذا أراد أكل الجلاّلة حبسها ثلاثاً(6), وعنه يرفعه: ”نهى عن الجلاّلة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها“(7).
__________
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 3/197 – 199 وهو الذي يرجحه ويفتي به سماحة شيخنا ابن باز حفظه الله تعالى.
(2) مسلم 1/238 برقم 288.
(3) مسلم 1/2340 برقم 290.
(4) مسلم 1/289.
(5) رواه أبو داود, والترمذي, وابن ماجه وغيرهم, وانظر: إرواء الغليل للألباني 8/149 -151.
(6) أخرجه ابن أبي شيبة ولفظه: ”أنه كان يحبس الدجاجة الجلاّلة ثلاثاً“, انظر إرواء الغليل 8/151 برقم 2505.
(7) رواه أبو داود وغيره, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 2/721, وإرواء الغليل 8/150.(16/10)
9- الفأرة: إذا وقعت الفأرة في السمن – سواء كان مائعاً أو جامداً - تُلْقَى وما حولها، فعن ميمونة رضي الله عنها، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ”ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم“(1)، هذا إذا لم يكن في السمن المتبقي أثر النجاسة في طعمه، أو لونه، أو رائحته، وإلا ألقي ما تبقى، فيكون كالماء: إذا لم يتغير أحد أوصافه بنجاسة فهو طهور والله أعلم(2).
10 – بول وروث ما لا يؤكل لحمه نجس؛ لحديث جابر، رضي الله عنه: ”نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُتمسح بعظم أو ببعر“(3), وثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم امتنع من الاستجمار بالروث وقال: ”هذا ركس“(4).
أما بول وروث مأكول اللحم فطاهر؛ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابة بالشرب من بول الإبل(5), ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبني المسجد“(6).
11 – إذا كان في الثوب أو البدن أو البقعة نجاسة وذكرها المصلي في الصلاة أو بعد الصلاة؛ فإن ذلك فيه تفصيل:
أ – إذا ذكر ذلك وهو في الصلاة، أزال النجاسة أو ألقى ما عليه نجاسة بشرط عدم كشف العورة، واستمر في صلاته، وصلاته صحيحة.
ب- إذا لم يستطع إزالتها أثناء الصلاة بحيث لو ألقى ما عليه النجاسة انكشفت عورته، أو كانت النجاسة على بدنه، فحينئذ ينصرف من صلاته ثم يزيل النجاسة ثم يعيد الصلاة.
__________
(1) البخاري مع الفتح 9/667 برقم 5538، و5539، و5540.
(2) انظر فتاوى ابن تيمية 21/19-21 و38-39, و488-502 ورجح هذا القول ابن باز في شرح بلوغ المرام, مخطوط.
(3) أخرجه مسلم 1/224 برقم 263.
(4) البخاري مع الفتح 1/256.
(5) انظر: البخاري مع الفتح 1/335.
(6) البخاري مع الفتح 1/341, وانظر: شرح العمدة "كتاب الطهارة" لابن تيمية ص108.(16/11)
ج- إذا ذكر بعد الانصراف من الصلاة أنه صلى في ثوب فيه نجاسة أو صلى على بقعة فيها نجاسة، أو صلى وفي جسده نجاسة فصلاته صحيحة، ويدل على ذلك كله حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، حيث قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته، صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ما بالكم ألقيتم نعالكم“؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً أو قال أذى، فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذراً، أو قال: أذىً فليمسحهما وليصلّ فيهما“(1).
وهذا خاص بإزالة النجاسة، أما من صلى وذكر وهو في صلاته أو بعد الانصراف منها أنه على غير وضوء، أو ذكر أن عليه جنابة؛ فإن صلاته باطلة من أولها سواء ذكر أثناء الصلاة أو بعد الانصراف منها، وعليه أن يرفع الحدث ثم يعيد الصلاة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تقبل صلاة بغير طهور...“(2).
__________
(1) أحمد في المسند 3/20، 92، وأبو داود برقم 650، وصححه الألباني في الإرواء برقم 284.
(2) مسلم 1/204 برقم 224.(16/12)
2 – الخمر: جماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى: (...والمائعات المسكرة كلها نجسة؛ لأن الله سماها رجساً والرجس هو القذر والنجس الذي يجب اجتنابه، وأمر باجتنابه مطلقاً وهو يعم الشرب، والمس وغير ذلك، وأمر بإراقتها ولعن النبي صلّى الله عليه وسلّم عينها...)(1) وقال الشنقيطي رحمه الله: (وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة، والليث، والمزني صاحب الشافعي وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره، واستدلوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية(2): من مال ميسر، ومال قمار، وأنصاب، وأزلام ليست نجسة العين وإن كانت محرمة الاستعمال، وأجيب من جهة الجمهور بأن قوله: "رجس" يقتضي نجاسة العين في الكل فما أخرجه إجماع أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات لا يسقط الاحتجاج به في الباقي كما هو مقرر في الأصول.. وعلى هذا فالمسكر الذي عمت به البلوى اليوم بالتطيب به المعروف في اللسان الدارج: (بالكلونيا) نجس لا تجوز الصلاة به، ويؤيده أن قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكر، وما معه في الآية بوجه من الوجوه.. فلا يخفى على منصف إن التضمخ بالطيب المذكور والتلذذ بريحه واستطابته واستحسانه - مع أنه مسكر، والله يصرح في كتابه بأن الخمر رجس – فيه ما فيه: {إنَّهُ رِجْسٌ} كما هو واضح ويؤيده، أنه صلّى الله عليه وسلّم أمر بإراقة الخمر، فلو كانت
__________
(1) شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة) لشيخ الإسلام ص 109.
(2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. المائدة, الآية: 90.(16/13)
فيها منفعة أخرى لبيّنها كما بين جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولما أراقها(1).
13- والخلاصة: أن الأصل في الأشياء: الطهارة والإباحة، فإذا شك المسلم في نجاسة ماء، أو ثوب، أو بقعة أو غيرها فهو طاهر، وكذلك إذا تيقن الطهارة ثم شك هل تنجس أم لا بنى على ما تيقنه من طهارة، وكذلك إذا تيقن النجاسة وشك في الطهارة بنى على ما تيقنه، وكذلك إذا تيقن الحدث وشك في زواله بنى على ما تيقنه، وإذا شك في عدد الركعات، أو الأطواف، أو الطلقات بنى على اليقين وهو الأقل، وهذه قاعدة عظيمة وهي استصحاب الحال المعلوم وإطراح الشك(2)؛ ولهذا قال، صلّى الله عليه وسلّم ، للرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: ”لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً“(3).
__________
(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/129 بتصرف يسير جداً، وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 1/366 فقد رجح عدم النجاسة. أما سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز فيرجح ما يراه الجمهور وأن الخمر نجسة ولا =يجوز التطيب بالمسكر؛ ولأن التطيب به وسيلة إلى استخدامه و بيعه و شرائه وشربه.
(2) انظر: شرح العمدة "كتاب الطهارة" لابن تيمية ص83, ومنهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين لعبد الرحمن السعدي ص6.
(3) البخاري مع الفتح 1/237 برقم 137, ومسلم 1/276 برقم 361.(16/14)
14 – وجميع الأواني مباحة؛ لأن الأصل فيها الإباحة(1) إلا ما خصه الدليل بالتحريم، كآنية الذهب والفضة وما فيه شئ منهما – إلا الضبة اليسيرة من الفضة في الإناء للحاجة(2) -؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة“(3).
المبحث الثالث: سنن الفطرة
الفطرة المقصودة في هذا المبحث: هي السنة عند أكثر أهل العلم.
قالوا: والمعنى: إنها من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا شك أن بعض الخصال واجبة وبعضها مستحبة، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره(4) ومن هذه الخصال ما يلي:
__________
(1) حتى آنية الكفار سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم؛ لأن الله أحل لنا ذبائح أهل الكتاب؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكل من الشاة المسمومة التي أهديت له في خيبر, واستعمل الماء من مزادة امرأة مشركة, وأما حديث أبي ثعلبة عند البخاري برقم 5496 ومسلم برقم 1930: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها“ فرجح سماحة شيخنا ابن باز حفظه الله تعالى أن الأمر بالغسل للاستحباب, إلا إذا رأى المسلم أثر الخمر أو لحم الخنزير في الإناء وجب عليه أن يغسله وانظر: الشرح الممتع 1/69.
(2) لحديث أنس رضي الله عنه: ”أن قدح النبي صلّى الله عليه وسلّم انكسر فاتخذ مكان الشَّعْب سلسلة من فضة“ البخاري مع الفتح 6/212 برقم 3109, ورقم 5638, وانظر: الشرح الممتع 1/64.
(3) البخاري مع الفتح 9/554 برقم 5426, ومسلم 3/1637 برقم 2067.
(4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 3/148, وفتح الباري 10/340, والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3/457, والمغني لابن قدامة 1/114, ومعالم السنن 6/101.(16/15)
1 – الختان: وهو قطع جميع الجلدة التي تغطي حشفة الرجل حتى تنكشف جميع الحشفة، وأما المرأة فيقطع الجزء الأعلى من اللحمة التي كالنواة وهي تشبه عرف الديك، وهي في أعلى الفرج فوق محل الإيلاج، ويستحب أن لا تؤخذ كلها؛ لأن المقصود تقليل شهوتها(1)؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم لبعض الختانات في المدينة: ”إذا خفضت(2) فأشمِّي(3) ولا تنهكي(4) فإنه أسرى للوجه عند الزوج“(5).
والختان يجب على الرجال ويستحب في حق النساء على الصحيح من أقوال أهل العلم(6)؛ ولهذا ”اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقَدُّوم“(7)؛ ولحديث: ”ألقِ عنك شعر الكفر واختتن“(8).
2 – حلق العانة.
3 – نتف الإبط.
4- تقليم الأظافر.
__________
(1) انظر: المراجع السابقة نفس الجزء والصفحة والروض المربع بحاشية ابن القاسم 1/160, والشرح الممتع 1/134.
(2) الخفض للنساء كالختان للرجال, انظر: النهاية في غريب الحديث 2/54.
(3) شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة, والنهك بالمبالغة فيه؛ أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها, النهاية 2/503 و5/137.
(4) أي: لا تبالغي في استقصاء الختان. النهاية في غريب الحديث 5/137.
(5) أخرجه أبو داود 4/368, واللفظ للطبراني وذكره الهيثمي في المجمع 5/172, وذكر الألباني له طرقاً كثيرة وقال: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح, والله أعلم. انظر: سلسة الأحاديث الصحيحة 2/357.
(6) انظر: المغني لابن قدامة 1/115 والشرح الممتع 1/133, وشرح النووي 3/148 , والفتح 10/340, وشرح العمدة ص243. وهو الذي يفتي به سماحة شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله 0
(7) البخاري مع الفتح 6/388 برقم 3356، ومسلم 4/1839 برقم 2370.
(8) أخرجه أبو داود برقم 356, وحسنه الألباني في الإرواء برقم 79.(16/16)
5 – قص الشارب. وهو واجب(1)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب“(2). وقد وقَّت النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر المدة التي تترك فيها هذه الخصال، قال أنس رضي الله عنه: ”وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة“(3).
6- إعفاء اللحية. وهو واجب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأحفّوا الشوارب“(4). وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس“(5). ومن حديث ابن عمر يرفعه: ”أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى“(6). وقد جاء الوعيد فيمن لم يأخذ من شاربه، ففي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: ”من لم يأخذ من شاربه فليس منَّا“(7).
7 ـ السواك: يستحب السواك في جميع الأوقات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”السّواك مطهرة للفم مرضاةٌ للرّبِّ“(8).
ويتأكد استحباب السواك في عدة أحوال:
__________
(1) لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: ”من لم يأخذ من شاربه فليس منا“ ويأتي تخريجه ص39.
(2) البخاري مع الفتح 10/334، ومسلم 1/221.
(3) مسلم 1/222، والنسائي وفيه ”وقَّت لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم“ الحديث.
(4) البخاري مع الفتح 10/349، ومسلم 1/222.
(5) مسلم 1/222.
(6) البخاري مع الفتح 10/351، ومسلم 1/222.
(7) الترمذي بلفظه 5/93 برقم 2761، والنسائي 1/15، وأحمد 4/366، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/5، وصحيح الجامع برقم 6409.
(8) النسائي 1/10، والبخاري مع الفتح معلقًا مجزومًا به 4/158، وصححه الألباني في الإرواء برقم 66، وصحيح النسائي 1/4.(16/17)
الأول: عند الانتباه من النوم؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه قال: ’كان النبي، صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك“(1).
الثاني: عند كل وضوء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء“(2).
الثالث: عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لولا أن أشقَّ على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة“(3).
الرابع: عند دخول المنزل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك“(4).
الخامس: عند تغير رائحة الفم أو طعمه، أو اصفرار لون الأسنان من طعام أو شراب؛ لما رُويَ في ذلك(5)؛ ولأن السواك إنما شرع لتطييب رائحة الفم وتطهيره وتنظيفه, فإذا تغير فقد تحقق السبب المقتضي له فكان أولى منه عند الاستيقاظ من النوم(6).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/356 برقم 245، ومسلم 1/20 برقم 225.
(2) البخاري مع الفتح 4/158 معلقاً مجزوماً به، والموطأ 1/66، وأحمد 2/433 برقم 400 و460 أحمد شاكر، وصححه ابن خزيمة، وغيرهم.
(3) البخاري مع الفتح 2/374، ومسلم 1/220 برقم 252 واللفظ للبخاري .
(4) مسلم 1/220.
(5) انظر: مسند الإمام أحمد 1/214, ومجمع الزوائد 1/221.
(6) انظر: شرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة) لابن تيمية ص217-218.(16/18)
السادس: عند قراءة القرآن الكريم؛ لحديث علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ،صلّى الله عليه وسلّم: ”إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلي قام الملكُ خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه – أو كلمة نحوها – حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهِّروا أفواهكم للقرآن“(1).
السابع: قبل الخروج من البيت إلى الصلاة؛ لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: ”ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخرج من بيته لشيء من الصلاة حتى يستاك“(2).
ويستحب الاستياك على اللسان؛ لأن أبا موسى قال: أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيته ”يستاك على لسانه“(3). ويستحب التيامن في سواكه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله“(4). ويستحب أن يستاك بيده اليسرى؛ لأنه إماطة أذى يفعل بإحدى اليدين فكان باليسرى كالاستنجاء(5) والله الموفق(6).
__________
(1) قال المنذري في الترغيب: رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به, وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1/91 وقال في سلسة الأحاديث الصحيحة 3/214 برقم 1213: إسناده جيد رجاله رجال البخاري.
(2) قال المنذري في الترغيب: رواه الطبراني بإسناد لا بأس به, وحسنه الألباني في صحيح الترغيب 1/90.
(3) البخاري مع الفتح 1/355 ومسلم 1/220.
(4) البخاري مع الفتح 1/269 برقم 168, ومسلم 1/226 برقم 268، ومعنى تنعله: لبسه نعله, وترجله: ترجيل شعره وتسريحه ودهنه. وهذا عام مخصوص؛ لأن دخول الخلاء, والخروج من المسجد, ونحوهما يبدأ فيهما باليسار. انظر فتح الباري 1/270.
(5) 4 شرح العمدة في الفقه لابن تيمية ص 224.
(6) قال ابن تيمية: ”الأفضل أن يستاك باليسرى نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور الكوسج ذكره في مسائله, وما علمنا أحداً من الأئمة خالف في ذلك“. انظر: مجموع الفتاوى 21/108, والاختيارات ص 10, والشرح الممتع 1/127.(16/19)
8 – غسل البراجم، قيل هي عُقد الأصابع التي في ظهر الكف(1), وقيل: عقد الأصابع ومفاصلها كلها، ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن(2). وقيل: هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ، الواحدة: بُرْجُمة(3).
9 - الاستنشاق: ويأتي إن شاء الله تعالى.
10 – الاستنجاء أو الانتضاح: ويأتي إن شاء الله تعالى(4).
وقد ثبت دليل هذه الخصال من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص(5) الماء“. ونسي مصعب العاشرة، قال إلا أن تكون المضمضة(6) قال الإمام النووي. قال القاضي عياض: ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهي أولى(7).
والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهي هذه الخصال وما في معناها، فالأولى تزكي النفس والروح وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها(8).
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة
للقاضي حاجته آداب بعضها مستحب وبعضها واجب ومنها ما يلي:
__________
(1) انظر فتح الباري 10/338, وشرح النووي 3/150.
(2) شرح النووي 3/150.
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/113.
(4) الانتضاح: هو أن يأخذ قليلاً من الماء فيرش به فرجه ومذاكيره بعد الوضوء؛ ليزيل عنه الوسواس. انظر: النهاية في غريب الحديث 5/69, وفتح الباري 1/338.
(5) انتقاص الماء: قيل هو الاستنجاء, وقيل هو الانتضاح, انظر: فتح الباري 1/338, وشرح النووي 3/150.
(6) مسلم 1/223.
(7) شرح النووي 3/150 , وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن خصال الفطرة تبلغ ثلاثين خصلة 10/337.
(8) انظر: تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص 99 -100.(16/20)
1 – أن لا يستصحب ما فيه اسم الله تعالى إلا إن خاف عليه الضياع؛ لِمَا ذُكر عن أنس رضي الله عنه، أنه قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل الخلاء وضع خاتمه“(1) وكان خاتمه نقشه ”محمد رسول الله“.
2 – أن يبتعد عن الناس ويستتر عنهم؛ لئلا يُسمع له صوت أو يُشم له رائحة، فعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ،”كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد“(2).
__________
(1) أبو داود 1/5 برقم 19, والترمذي 4/229 برقم 1746, والنسائي 8/178 برقم 5213, وابن ماجه 1/110 برقم 303, والحديث ضعفه بعض أهل العلم وبعضهم صححه كالمنذري, وانظر تفصيل ذلك التلخيص الحبير لابن حجر 1/108. قال: لأنه من رواية ابن جريج عن الزهري عن أنس, وابن جريج لم يسمعه من الزهري وإنما سمعه من زياد بن سعد عن الزهري بلفظ آخر ”أنه صلّى الله عليه وسلّم، اتخذ خاتماً من ذهب ثم ألقاه“ قال سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز في شرحه لبلوغ المرام ص 19 مخطوط: قيل هذا الحديث معلول والأقرب أن ابن جريج سمعه بدون واسطة عن الزهري، وسمعه بواسطة عن زياد عن الزهري في حديث لبسه صلّى الله عليه وسلّم خاتم الذهب ثم ألقاه فهذا صحيح سمعه بواسطة وهذا صحيح سمعه بدون واسطة وتوهيم الثقات يحتاج إلى دليل, فالأفضل عدم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى.
(2) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/4 برقم 2.(16/21)
3 – أن يقول عند الدخول في البنيان، وعند تشمير الثياب في الفضاء: ”بسم الله(1) اللهم إني أعوذ بك من الخُبثِ والخبائث“(2) ثم يقدم رجله اليسرى فيدخل.
4 – أن لا يرفع ثوبه إذا كان خارج البنيان حتى يدنو من الأرض حتى لا تنكشف عورته؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”كان إذا أراد حاجةً لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض“(3).
__________
(1) زيادة البسملة زادها سعيد بن منصور في سننه, وأخرجها ابن أبي شيبة في المنصف 1/1 وقال الحافظ في الفتح 1/244 زادها العمري و إسناده على شرط مسلم, وقد جاء قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: "بسم الله"“ أخرجه الترمذي 2/504 وابن ماجه 1/109, وصححه الألباني في الإرواء 1/88- 89.
(2) البخاري مع الفتح 1/242, ومسلم 1/283, وأصحاب السنن وأحمد.
(3) أبو داود 1/4 برقم 14, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/6.(16/22)
5 – أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا“(1) قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بُنيت قِبَل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله(2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ”رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعداً لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة“(3) فأبو أيوب رضي الله عنه حمل الحديث على العموم وأنه عام في المباني والصحراء وعلى ذلك جمعٌ من أهل العلم، وأنه يدل على التحريم مطلقاً(4). وقال بعضهم: النهي عن الاستقبال والاستدبار خاص بالفضاء؛ لحديث عبد الله بن عمر السابق، والقاعدة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمر بأمر ثم فعل خلافه دلّ على أن النهي ليس للتحريم بل للكراهة، وحديث أبي أيوب عام، وحديث ابن عمر خاص، والقاعدة أن الخاص يقدم على العام في النصوص، لكن الأفضل للمسلم أن لا يستقبلها مطلقاً لا في البناء ولا في الصحراء؛ لأن حديث عبد الله بن عمر يحتمل أنه كان قبل النهي ويحتمل أنه خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، كما قال جماعة من أهل العلم(5).
__________
(1) هذا بالنسبة لأهل المدينة ومن كان خلفها وهكذا من كان جنوبها, أما من كان في شرقها أو غربها فإنه يجنب أو يشمل حتى لا يستقبل القبلة.
(2) البخاري مع الفتح 1/498 برقم 394, ومسلم 1/224 برقم 264.
(3) البخاري مع الفتح 1/250 برقم 148, ومسلم 1/225 برقم 266.
(4) انظر: تمام المنة في التعليق على فقه السنة للألباني ص 60 ط 2.
(5) هذا ترجيح سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز في شرحه لبلوغ المرام, وشرحه لعمدة الأحكام للحافظ المقدسي, وانظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/98, وشرح العمدة لابن تيمية ص 148.(16/23)
6 – أن يبتعد عن طرق الناس وظلهم، ومواردهم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ”اتقوا اللعانين“(1) قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ”الذي يتخلَّى في طريق الناس أو في ظلهم“(2). وعن معاذ رضي الله عنه يرفعه: ”اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل“(3).
7 – أن يطلب مكانا ليناً منخفضاً ويحترز من البول؛ لكي لا يصيب البدن أو الثياب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله على قبرين فقال: ”إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه(4) من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة“(4).
8- أن لا يتكلم وهو يقضي حاجته، ولا يرد سلاماً ولا يجيب بلسانه مؤذناً، إلا ما لا بدّ منه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ”أن رجلا ًمرّ ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يبول فسلَّم، فلم يردّ عليه“(5)؛ ولحديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: ”إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر“ أو قال: ”على طهارة“(5).
__________
(1) أي الأمرين الجالبين للعن؛ لأن من تغوط أو بال في موضع يمر به الناس فمن عادة الناس لعنه وشتمه. انظر: النهاية في غريب الحديث 4/255.
(2) مسلم 1/226 برقم 269.
(3) أبو داود 1/7 برقم 25, وابن ماجه 1/119 برقم 328, وحسنه الألباني في الإرواء 1/100 برقم 62.
(4) جاء في ذلك ثلاثة ألفاظ في عدة روايات: (يستتر، و يستنزه، و يستبرئ)، وكلها صحيحة والمعنى أنه لا يتجنبه، ولا يتحرز منه. انظر فتح الباري 1/318، وشرح النووي 3/201.
(5) أبو داود 1/5 برقم 17، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/6.(16/24)
9- أن لا يبول في الماء الراكد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه“(1).
10- أن لا يغتسل في الماء الراكد وهو جنب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب“(2).
11- أن لا يبول في مستحمة الذي يغتسل فيه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه“(3).
12- أن لا يمسك فرجه بيمنه ولا يستنجي بها؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمنه، ولا يتمسح بيمينه“(4).
13- أن لا يستجمر بروث ولا عظم؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه، في قصة الجن عندما سألوه الطعام فقال لهم: ”لكم كل عظم ذُكِرَ اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علفاً لدوابكم“. فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”فلا تستنجوا بهما فإنها طعام إخوانكم [من الجن]“(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/346 برقم 239، ومسلم 1/235 برقم 282.
(2) مسلم 1/236 برقم 283.
(3) أخرجه أبو داود 1/7 برقم 27، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/8 رقم 22.
(4) البخاري مع الفتح 1/253 برقم 153، ومسلم 1/225 برقم 267.
(5) مسلم 1/332 برقم 450، وما بين المعكوفين عند أحمد برقم 4149، 6/94 وغيره.(16/25)
14- إذا استجمر بالحجارة فلا بد أن يستجمر بثلاثة فأكثر؛ لحديث سلمان رضي الله عنه يرفعه إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم: ”لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع(1) أو بعظم“(2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه "(3).
15 – أن لا يدخل يده في الإناء إذا كان مستيقظاً من النوم حتى يغسلها ثلاثاً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده“(4).
16 - أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوباً بالماء، أو بالحجارة وما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة – كالخشب، والخرق والمناديل، وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على الصحيح(5). والاستنجاء على ثلاثة مراتب:
أ – الاستجمار بالحجارة، ثم الاستنجاء بالماء هو الأكمل بدون مشقة أو ضرر.
ب – الاستنجاء بالماء وحده.
ج – الاستجمار بالحجارة وحدها، ولكن لا بد من ثلاث فأكثر ولا يجزئ أقل منها. والأفضل أن يقطع على وتر إذا أنقى(6).
__________
(1) الرجيع: الروث والعذرة.
(2) مسلم 1/223 برقم 262.
(3) أبو داود 1/11 برقم 40, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/10.
(4) البخاري مع الفتح 1/263 برقم 162, ومسلم 1/233 برقم 278.
(5) انظر: المغني لابن قدامة 1/213 وقال: وهو قول أكثر أهل العلم.
(6) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/104 و109, وشرح بلوغ المرام لسماحة العلامة ابن باز, وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/7.(16/26)
والأدلة على الاستجمار بالحجارة تقدمت، أما الاستنجاء بالماء؛ فلحديث أنس رضي الله عنه، قال: ”كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوة(1) من ماء، وعنزة(2) فيستنجي بالماء“(3)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ”نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ}(4) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية“(5).
17 – أن يقطع على وتر إذا استجمر بالحجارة وأنقى؛ لقوله، صلّى الله عليه وسلّم: ”ومن استجمر فليوتر“(6).
18 – أن يدلك يده بالأرض بعد الاستنجاء ثم يغسلها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”قضى حاجته ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأرض“(7).
19 – أن ينضح فرجه وسراويله بالماء؛ ليدفع عن نفسه الوسوسة؛ لحديث الحكم بن سفيان قال: كان رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ”إذا بال يتوضأ وينتضح“(8).
20- أن لا يطيل الجلوس والمكث في الحمام أو الخلاء فوق حاجته؛ لأن في ذلك كشفاً للعورة بلا حاجة؛ ولأن الحشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث؛ لأنه لا يذكر الله عز وجل بلسانه أثناء جلوسه على قضاء حاجته(9).
__________
(1) إناء صغير من جلد.
(2) العنزة: الحربة الصغيرة.
(3) البخاري مع الفتح 1/250 برقم 50، ومسلم 1/227 برقم 271.
(4) سورة التوبة, الآية: 108.
(5) أبو داود 1/11 برقم 44, وابن ماجه، والترمذي وغيرهم وصححه الألباني في الإرواء 1/84.
(6) البخاري مع الفتح 1/263, ومسلم 1/212.
(7) أبو داود 1/12، وابن ماجه 1/128, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/11, وصحيح ابن ماجه 1/63.
(8) أبو داود 1/43, ورقم 166, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/34, وانظر معنى النضح ص 14 وص 38.
(9) انظر: الشرح الممتع 1/101.(16/27)
21- يُستحب أن لا يتطهر الرجل بفضل طهور المرأة، ولا المرأة بفضل طهور الرجل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً“(1) وهذا النهي على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثبت عنه أنه ”كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها“(2)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت: إني كنت جنباً، فقال: ”إن الماء لا يجنب“(3) أما إذا دعت الحاجة لاغتسال الرجل بفضل المرأة أو المرأة بفضل الرجل زالت الكراهية(4).
22- أن يقدم رجله اليمنى عند خروجه من الخلاء ويقول: ”غفرانك“؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من الغائط قال: ”غفرانك“(5).
المبحث الخامس: الوضوء
1- ما يجب له الوضوء:
يجب الوضوء لأمور ثلاثة:
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم 81، والنسائي برقم 238 ، وأحمد 4/110 وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/19، وصحيح النسائي 1/50 وصححه ابن حجر في بلوغ المرام برقم 9 وفي الفتح 1/300.
(2) مسلم 1/257.
(3) أحمد وأصحاب السنن، وصححه الألباني في المشكاة 1/142، وصحيح سنن أبي داود 1/16.
(4) رجح ذلك العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام حديث رقم 9. وانظر: الشرح الممتع لابن عثيمين 1/36 و37، وقال: من غرائب العلم أنهم استدلوا بالحديث الأول على أن الرجل لا يتوضأ بفضل المرأة ولم يستدلوا به على أن المرأة لا تتوضأ بفضل الرجل...1/36.
(5) أبو داود 1/1 برقم 30 والترمذي 1/12 برقم 7 وابن ماجه 1/110 برقم 300 وابن خزيمة، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/9 برقم 30 وصحيح ابن ماجه 1/55 وإرواء الغليل 1/91 برقم 52.(16/28)
الأول: الصلاة مطلقاً: سواء كانت فرضاً أو نفلاً حتى صلاة الجنازة؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(1)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“(2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ”لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول“(3) ولحديث علي رضي الله عنه يرفعه: ”مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم“(4).
الثاني: الطواف بالبيت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الطواف بالبيت صلاة..“ الحديث(5)؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم، لعائشة رضي الله عنها: ”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“(6).
الثالث: مس المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام وابن عمر رضي الله عنهم: ”لا يمسَّ القرآن إلا طاهر“(7).
2- فضل الوضوء:
للوضوء فضائل كثيرة منها على سبيل المثال ما يلي:
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 6.
(2) البخاري مع الفتح 12/329، 1/234 برقم 135 و6954، ومسلم 1/204 برقم 225.
(3) مسلم 1/204 برقم 224.
(4) أبو داود 1/16، والترمذي 1/10 وغيرهما، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/8.
(5) النسائي، والترمذي، وابن خزيمة 4/222، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/614، وصحيح الترمذي 1/283، و إرواء الغليل 1/154.
(6) البخاري مع الفتح 3/496، ومسلم 2/906.
(7) أخرجه مالك في الموطاً 1/199، والدارقطني 1/122، والحاكم 1/397، وصححه الألباني بشواهده من حديث حكيم وابن عمر. انظر: إرواء الغليل 1/158، والتلخيص الحبير لا بن حجر 1/131، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/261.(16/29)
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء“(1).
ب – وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال حينما توضأ وضوءاً كاملاً: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ نحو وضوئي هذا وقال: ”من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه“(2).
جـ - وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها“(3).
د - وعنه أيضاً: ”ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءَهَا، و خُشوعَها، وركُوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة وذلك الدهر كله“(4).
هـ – وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه يرفعه: ”ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءهُ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة“(5).
و - وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيّاً من الذنوب“(6).
ز - وعن عثمان رضي الله عنه يرفعه: ”من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره“(7).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/235 برقم 136، ومسلم 1/216 برقم 246.
(2) البخاري مع الفتح 1/66 برقم 164، ومسلم 1/204 برقم 226.
(3) مسلم 1/206 برقم 227.
(4) مسلم 1/206 برقم 228.
(5) مسلم 1/210 برقم 234.
(6) مسلم 1/215 برقم 244، وأخرج قريباً منه من حديث عمرو بن عبسة وفيه فوائد انظرها: 1/570 برقم 832.
(7) مسلم 1/216 برقم 245.(16/30)
ح – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات! قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط“(1).
3 – صفة الوضوء الكامل وكيفيته:
صفة الوضوء الكامل المشتمل على الفروض والواجبات والمستحبات كالتالي:
1 – ينوي الوضوء بقلبه؛ لحديث عمر رضي الله عنه: ”إنما الأعمال بالنيات“(2). ولا ينطق بالنية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لم ينطق بها؛ ولأن الله يعلم ما في القلب، فلا حاجة إلى الإخبار بما فيه.
2 – يقول: بسم الله ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه“(3).
3 – يغسل كفيه ثلاث مرات؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه(4)، وحديث حُمران عن عثمان رضي الله عنه(5).
__________
(1) مسلم 1/219 برقم 251.
(2) البخاري مع الفتح 1/9 برقم 1, ومسلم 1/1515 برقم 1907.
(3) أخرجه أبو داود، وابن ماجه, وأحمد، وغيرهم, وحسنه الألباني لكثرة طرقه وشواهده في إرواء الغليل برقم 81.
(4) البخاري مع الفتح 1/289 برقم 185 و186, ومسلم 1/210 برقم 235.
(5) البخاري مع الفتح 1/266 برقم 164, ومسلم 1/204 برقم 226.(16/31)
4 – يتمضمض ويستنشق من كف واحد بيده اليمنى، ويستنثر بيده اليسرى(1). يفعل ذلك ثلاث مرات بثلاث غرفات بكفه؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه(2). ويسبغ الوضوء ويبالغ في الاستنشاق إلا أن يكون صائماً؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه(3) ويستاك؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه(4).
5 – يغسل وجهه ثلاث مرات من الأذن إلى الأذن عرضاً، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحية والذقن طولاً؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه(5)، وحديث حمران عن عثمان رضي الله عنه(6)، ويخلل لحيته؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه(7).
6 – يغسل يده اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى المرفق(8)، ويدلك ذراعه(9)، ويغسل مرفقه(10)، ويخلل بين الأصابع(11). ثم غسل يده اليسرى مثل ما غسل اليمنى.
__________
(1) أخرجه النسائي من حديث علي رضي الله عنه 1/67 برقم 91 وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/21 برقم 89.
(2) تقدم تخريجه.
(3) أخرجه أصحاب السنن الأربع, وابن خزيمة, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/29 برقم 129.
(4) البخاري مع الفتح معلقاً مجزوماً به 4/158 وغيره، وتقدم تخريجه.
(5) البخاري مع الفتح 1/289 برقم 185 و186, ومسلم 1/210 برقم 235.
(6) البخاري مع الفتح 1/266 برقم 164, ومسلم 1/204 برقم 226.
(7) أخرجه أبو داود, والبهيقي, والحاكم، وغيرهم, وصححه الألباني لكثرة طرقه وشواهده في إرواء الغليل 1/130 برقم 92, وقال الحافظ في البلوغ: أخرجه الترمذي من حديث عثمان وصححه ابن خزيمة.
(8) لحديث حمران عن عثمان, وعبد الله بن زيد, وتقدم تخريجهما ص69.
(9) ابن خزيمة في صحيحه 1/62 برقم 118, والحاكم 1/161, وأحمد، وصححه ابن خزيمة.
(10) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم غسل يديه حتى أشرع في العضد, مسلم 1/216.
(11) أخرجه أصحاب السنن الأربع, وصححه ابن خزيمة من حديث لقيط رضي الله عنه, وتقدم تخريجه ص 70.(16/32)
7 – يمسح رأسه مرة واحدة، يبل يديه بالماء ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه(1)، ثم يدخل أصبعيه السبَّابتين في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أُذنيه(2).
8 - يغسل رجله اليمنى ثلاث مرات من رؤوس الأصابع إلى الكعب(3)، ويغسل كعبه(4)، ويخلل بين الأصابع(5)، ثم يغسل رجله اليسرى مثل ما غسل اليمنى.
9 – ثم يقول: ”أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله“(6). ”اللهم اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهرين“(7). ”سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك“(8).
__________
(1) لحديث عبد الله بن زيد وتقدم تخريجه.
(2) أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم 123، ورواه الترمذي وابن ماجه والنسائي من حديث عبد الله بن عباس، وصححه الألباني في الإرواء برقم 90، 1/129.
(3) تقدم تخريجه من حديث عبد الله بن زيد, وحمران عن عثمان رضي الله عنه.
(4) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم, غسل رجله حتى أشرع في الساق, أخرجه مسلم1/216.
(5) لحديث لقيط رضي الله عنه وتقدم تخريجه.
(6) أخرجه مسلم 1/209.
(7) الترمذي 1/78, وانظر: صحيح الترمذي 1/18.
(8) النسائي في عمل اليوم والليلة ص173 برقم81, وانظر إرواء الغليل 1/135, 2/94.(16/33)
10 – من توضأ مثل هذا الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث عثمان رضي الله عنه(1)، وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: ”ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة“(2)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: ”يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دفّ نعليك بين يديّ في الجنة“؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً [تامّاً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطّهور، ما كتب الله لي أن أصلي]“(3).
4 – فروض الوضوء وأركانه:
فروض الوضوء هي أركانه؛ لأن هذه الفروض هي التي تتكون منها ماهية الوضوء، وكل أقوال وأفعال تتكون منها ماهية العبادة فإنها أركان(4) وفروض الوضوء ستة:
أولا: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق والاستنثار؛ للآية؛ ولحديث لقيط رضي الله عنه: ”وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما“(5)؛ ولحديثه أيضاً: ”إذا توضأت فمضمض“(6)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”من توضأ فليستنثر“(7). ولِمواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم المضمضة والاستنشاق.
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/66, ومسلم 1/204, وتقدم تخريجه.
(2) مسلم 1/206 وتقدم تخريجه.
(3) البخاري مع الفتح 3/34 برقم 1149, ومسلم 4/1910 برقم 2458 وما بين المعكوفين من لفظ مسلم.
(4) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/147 -148.
(5) تقدم تخريجه.
(6) أبو داود 144, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/30 برقم 131.
(7) البخاري مع الفتح 1/262 برقم 161 د 162, ومسلم 1/212.(16/34)
ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين، اليمنى ثم اليسرى، للآية؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم“(1).
ثالثاً: مسح الرأس كله ومنه الأذنان؛ للآية؛ ولحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: ”الأذنان من الرأس“(2). ولمواظبته صلّى الله عليه وسلّم على مسح الأذنين. وللمسح على الرأس ثلاث صفات:
أ – مسح جميع الرأس؛ لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدَّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه“(3).
ب – المسح على العمامة المحنّكة وحدها؛ لحديث عمرو ابن أمية عن أبيه قال: ”رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، يمسح على عمامته وخفَّيه“(4).
ويشترط للمسح على العمامة وحدها أو عليها مع الناصية ما يشترط للمسح على الخفين. واختار العلامة ابن باز رحمه الله، وابن تيمية رحمه الله تعالى(5).
جـ – المسح على الناصية والعمامة المحنّكة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه“(6)؛ ولحديث بلال ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مسح على الخفين والخمار“(7).
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم 4141، وابن ماجه برقم وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم 323, وصحيح أبي داود برقم 3488, ومشكاة المصابيح برقم 402, وقال الحافظ في بلوغ المرام: أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة.
(2) أخرجه ابن ماجه برقم 443, 444, 445 وغيره, وصححه الألباني لكثرة طرقه وشواهده في صحيح ابن ماجه برقم 357 – 359, والإرواء برقم 84, والصحيحة برقم 36.
(3) البخاري مع الفتح 1/289, ومسلم 1/210، وتقدم تخريجه.
(4) البخاري مع الفتح 1/308 برقم 205 وغيره. وانظر: زاد المعاد 1/199.
(5) انظر: شرح العمدة لابن تيمية ص 271.
(6) مسلم 1/230 برقم 274.
(7) مسلم 1/231 برقم 275.(16/35)
رابعاً: غسل الرجلين إلى الكعبين، مع العناية بالعقبين؛ للآية؛ ولحديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم: ”ويل للأعقاب من النار“(1)؛ ولمواظبته صلّى الله عليه وسلّم على ذلك.
وما تقدم من الفرائض هو المنصوص عليه قي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(2).
خامساً: الترتيب؛ لأن الله تعالى ذكر الوضوء مرتباً، وأدخل المسموح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، توضأ مرتَّباً؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”أبدأ بما بدأ الله به“(3).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/143 برقم 60, 96, 163, ومسلم 1/213-215 برقم 241.
(2) سورة المائدة, الآية: 6.
(3) مسلم 1/888 برقم 1218.(16/36)
سادساً: الموالاة: وهي عبارة عن الإتيان بالطهارة في زمن متصل، فلا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه فأبصره النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فقال: ”ارجع فأحسن وضُوءَك“ فرجع ثم صلى(1). وعند أبي داود، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، ”فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعيد الوضوء والصلاة“(2). فلو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط(3).
5 ـ شروط الوضوء:
شروط الوضوء عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب، واستنجاء أو استجمار قبله, وطهورية ماء وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه(4).
6 – سنن الوضوء:
أ – السواك؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء“(5).
__________
(1) مسلم 1/215 برقم 243.
(2) أبو داود 1/45 برقم75 وغيره وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/36, وفي إرواء الغليل 1/127 لطرقه وشواهده الكثيرة.
(3) انظر: منار السبيل 1/24, والشرح الممتع على زاد المستقنع 1/148, والروض المربع حاشية ابن القاسم 1/181, والمغني لابن قدامة 1/155, ومؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب قسم الفقه المجلد الثاني رسالة شروط الصلاة وأركانها وواجباتها, وفتاوى سماحة الشيخ ابن باز 3/294.
(4) انظر: هذه الشروط مشروحة في الروض المربع حاشية ابن قاسم 1/189 و193, وانظرها: في فتاوى سماحة العلامة ابن باز 3/294, ورسالة شروط الصلاة للإمام محمد قسم الفقه من مؤلفاته المجلد الثاني.
(5) النسائي 1/10, والبخاري معلقاً مجزوماً به 4/158, وتقدم تخريجه.(16/37)
ب – غسل الكفين في أول الوضوء، إلا إذا كان مستيقظاً من نوم، فإنه يجب غسلهما ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء(1).
ج – الدلك؛ لحديث عبد الله بن زيد ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أُتي بثُلُثي مد فجعل يدلك ذراعه“(2).
د – تثليث الغسل في الوضوء؛ لحديث حمران عن عثمان رضي الله عنه، وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه(3).
فقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم، أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وهذا كثير، وثبت أنه ”توضأ مرتين مرتين“(4). وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم، أنه ”توضأ مرة مرة“(5)، وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه ”غسل بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثاً“(6).
ه - الدعاء بعد الوضوء؛ لحديث عمر رضي الله عنه(7).
و - صلاة ركعتين بعد الوضوء؛ لحديث حمران عن عثمان، وعقبة بن عامر، وبلال رضي الله عنهم(8).
ز - الاعتدال في الوضوء مع الإسباغ: فالأفضل أن يتوضأ المسلم ثلاثاً بدون إسراف ولا اعتداء، لا في الوضوء ولا الغسل، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ”كان يغتسل من إناء – هو الفرق – من الجنابة“(9) قال سفيان: والفرق: ثلاثة آصع(10).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/263, ومسلم 1/233, وتقدم تخريجه.
(2) ابن خزيمة 1/62, والحاكم 1/161, وتقدم تخريجه في صفة الوضوء.
(3) البخاري مع الفتح 1/266 و289، ومسلم 1/204 و210 وتقدم تخريجه.
(4) البخاري مع الفتح 1/258 برقم 158 من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(5) البخاري مع الفتح 1/258 برقم 157 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) البخاري مع الفتح 1/289 من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(7) أخرجه مسلم 1/209 وتقدم في صفة الوضوء.
(8) البخاري مع الفتح 1/66 و3/34، ومسلم 1/206 و4/1910 وتقدم تخريجها.
(9) مسلم 1/55 برقم 319.
(10) مسلم 1/55.(16/38)
وعن أنس رضي الله عنه قال: ”كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد“(1).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلّى الله عليه وسلّم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك(2).
وعن أم عمارة(3) وعبد الله بن زيد(4) رضي الله عنهما ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أُتي بثُلُثي مدّ فجعل يدلك ذراعه“.
قال البخاري رحمه الله تعالى: ”بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن فرض الوضوء مرة مرة، وتوضأ أيضاً مرتين، وثلاثاً ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوز فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم“(5).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الجمع بين الروايات السابقة: ”وهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة“(6).
ولا شك أن هديه صلّى الله عليه وسلّم، يدل على الاقتصاد في الماء مع الإسباغ والكمال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ”بت عند خالتي ميمونة ليلة، فلما كان في بعض الليل قام النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فتوضأ من شن معلَّق وضوءاً خفيفاً وقام يصلي...“(7).
فينبغي الاقتصاد في الماء وعدم الإسراف، فعن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: ”هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء، وتعدى، وظلم“(8).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/304 برقم 201، ومسلم واللفظ له 1/258 برقم 325.
(2) مسلم 1/256 برقم 321.
(3) حديث أم عمارة عند أبي داود 1/23 برقم 94, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/20.
(4) ابن خزيمة 1/61, والحاكم 1/161 وتقدم تخريجه.
(5) البخاري مع الفتح 1/232.
(6) الفتح 1/305.
(7) البخاري مع الفتح 1/238 برقم 138.
(8) أخرجه النسائي واللفظ له 1/88، وابن ماجه 1/146، وأحمد 2/180، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 1/31.(16/39)
وعن عبد الله بن مغفل أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء“(1).
7 ـ نواقض الوضوء:
1- الخارج من السبيلين: كالبول، و الغائط(2)، و الريح(3)، والمذي(4)، والودي، والمني(5)، فهذه الخوارج تنقض الطهارة إجماعاً كما قال ابن قدامة(6)، ودم الاستحاضة ينقض الوضوء على الصحيح(7) وهو قول عامة أهل العلم(8).
__________
(1) أبو داود برقم 96، 1/24، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/21.
(2) لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} سورة المائدة، الآية: 6، ولحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه: ”ولكن من غائط، وبول، ونوم“ أحمد 4/240، والترمذي 1/159 برقم 96، وابن ماجه برقم 478، وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 1/30.
(3) لقوله صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: ”لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً“ البخاري برقم 137، ومسلم برقم 361، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما سئل ما الحدث؟ فقال: ”فساء أو ضراط“. البخاري مع الفتح 12/329 ومسلم 1/204.
(4) لحديث علي رضي الله عنه، وتقدم تخريجه ص 24.
(5) لقول ابن عباس: ”المني، والودي، والمذي: أما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما إسباغ الطهور“. ذكره ابن قدامة وعزاه للأثرم، انظر: المغني 1/233.
(6) المغني لابن قدامة 1/230.
(7) لحديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: ”ثم توضئي لكل صلاة“ رواه البخاري، وسيأتي تخريجه إن شاء الله في الاستحاضة.
(8) المغني لابن قدامة 1/230.(16/40)
2- خروج النجاسة من بقية البدن، فإن كان بولاً أو غائطاً نقض الوضوء سواء كان قليلاً أو كثيراً، وإن كان الخارج غير البول والغائط: كالدم الكثير، والقيء الكثير، والصديد الكثير، ونحو ذلك، فقيل ينقض إذا كان كثيراً نجساً(1).
3 - زوال العقل بنوم أو غيره. فأما النوم فينقض المستغرق منه على الصحيح؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه(2) وأما غيره: كالجنون، والإغماء، والسكر، وما أشبه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره(3).
4 – مس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً من غير حائل؛ لحديث جابر، وبسرة بنت صفوان رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”من مسّ ذكره فليتوضأ“(4). ولحديث أم حبيبة وأبي أيوب رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”من مسّ فرجه فليتوضأ“(5)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ“(6)
__________
(1) ذكر سماحة العلامة ابن باز هذا الناقض ضمن نواقض الوضوء في مجموع فتاواه 3/294، وذكر العلامة ابن عثيمين أقوال الطرفين بأدلتها في كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/223، وانظر: المغني 1/247-250.
(2) تقدم تخريجه، وانظر: المغني 1/235, والشرح الممتع 1/226.
(3) انظر: المغني لابن قدامة 1/234, وقال: ”... ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً“.
(4) حديث بسرة أخرجه أحمد, وأصحاب السنن الأربع, وغيرهم, وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/150 برقم 116, أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه برقم 480, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/79.
(5) أخرجه ابن ماجه برقم 481, وحديث أبي أيوب برقم 482, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/79.
(6) ابن حبان, والدارقطني, والبيهقي, وقال الألباني في الأحاديث الصحيحة برقم (1235): إسناد ابن حبان جيد.
قلت: أما حديث طلق فقال عنه سماحة العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام: كان مس الذكر في أول الإسلام لا ينقض الوضوء, ثم نسخ بحديث بسرة, وقيل: نأخذ بالترجيح فحديث بسرة أصح من حديث طلق بن علي [و]ما دل عليه حديث بسرة هو الصواب, وأن مس الذكر ينقض الوضوء. اهـ.(16/41)
. وحلقة الدبر فرج؛ لأنه منفرج عن الجوف ويخرج منه ما يخرج فمن مس حلقة الدبر بدون حائل فله حكم من مس ذكره(1).
5 – أكل لحم الإبل؛ لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ”إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ“. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ”نعم فتوضأ من لحوم الإبل..“ الحديث(2).
6 – الردة عن الإسلام أعاذنا الله والمسلمين من ذلك؛ لقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(3). وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(4).
أما غسل الميت فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء وهو قول أكثر أهل العلم، لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء، والواجب عليه ألا يمس فرج الميت إلا من وراء حائل.
وهكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان ذلك عن شهوة أو غير شهوة في أصح قولي العلماء ما لم يخرج منه شيء؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، أما قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}(5) فالمراد به الجماع في الأصح من قولي العلماء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة(6).
8 – الأمور التي يستحب لها الوضوء:
__________
(1) انظر الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 1/242.
(2) أخرجه مسلم 1/275 برقم 360.
(3) سورة المائدة, الآية: 6.
(4) سورة الزمر, الآية: 65.
(5) سورة النساء, الآية: 43.
(6) مجموع فتاوى العلامة ابن باز 3/394.(16/42)
1 – عند ذكر الله تعالى ودعائه، لحديث أبي موسى أنه أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، بخبر أبي عامر وأنه قال له: أقرئ النبي صلّى الله عليه وسلّم، منّي السلام وقل له: استغفر لي. فلما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بماءٍ فتوضأ منه ثم رفع يديه ثم قال: ”اللهم اغفر لعبيد أبي عامر...“ الحديث(1).
2 – الوضوء عند النوم، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن“.(2)الحديث
3 – الوضوء عند كل حدث؛ لحديث بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يوماً فدعا بلالاً فقال: ”يا بلال بما سبقتني إلى الجنة؟ إنني دخلت الجنة البارحة فسمعت خشخشتك(3) أمامي“؟ فقال بلال: ”ما أذّنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت...“(4). الحديث.
4 – الوضوء عند كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك“(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 8/41، ومسلم 4/1944 وفيه قصة.
(2) البخاري مع الفتح 11/113, ومسلم 4/2081.
(3) الخشخشة: حركة لها صوت كصوت السلاح: أي صوت مشيتك.
(4) الترمذي برقم 3954, وأحمد 5/360, وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/205, وصحيح الترغيب والترهيب 1/87 برقم 196, ويفتي به سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى.
(5) أخرجه أحمد, وحسنه المنذري, وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/86 برقم 95.(16/43)
5 – الوضوء من حمل الميت؛ لحديث أبي هريرة يرفعه: ”من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ“(1).
6 – الوضوء من القيء، لحديث معدان عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”قاء، فأفطر، فتوضأ“. الحديث(2).
7 - الوضوء مما مست النار؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”توضَّؤوا مما مست النار“(3). ثم ثبت من حديث ابن عباس، وعمرو بن أمية، وأبي رافع رضي الله عنهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكل من لحم ما مست النار ثم ”قام فصلى ولم يتوضأ“(4)، فدل ذلك على استحباب الوضوء مما مست النار.
8 - الوضوء للجنب إذا أراد الأكل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ،إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة“(5).
9 - الوضوء لمعاودة الجماع؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ“(6).
__________
(1) أبو داود، والترمذي، وأحمد وغيرهم، وصححه الألباني في الإرواء 1/173 برقم 144، وتمام المنة ص 112. ويرى العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام أن الوضوء من حمل الميت لا يستحبّ؛ لأن الحديث ضعيف، أما الغسل من تغسيل الميت فسنة لأحاديث أخرى منها حديث عائشة، وأسماء وستأتي إن شاء الله تعالى.
(2) الترمذي, وأحمد, وغيرهما وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/147 برقم 111, وفي تمام المنة ص111، وانظر: التلخيص الحبير 2/190, وشرح العمدة لابن تيمية ص 108, ورجح شيخنا ابن باز الاستحباب في شرحه لبلوغ المرام.
(3) مسلم 1/272.
(4) البخاري برقم 5408، ومسلم 1/273، وقد سألت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز: هل الوضوء مما مست النار مستحبّاً؟ فقال: "نعم يستحب".
(5) مسلم 1/248 برقم 305.
(6) مسلم 1/249 برقم 308، قال سماحة العلامة ابن باز في شرحه لبلوغ المرام: ظاهر الأمر للوجوب.(16/44)
أما الغُسل فقد كان صلّى الله عليه وسلّم ، يطوف على نسائه بغسل واحد(1).
10 - الوضوء للجنب إذا نام دون اغتسال؛ لحديث عائشة عندما سُئلت: أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرقد وهو جنب؟ قالت: ”نعم ويتوضأ“(2). وعن ابن عمر رضي الله عنهما استفتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل ينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ”ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء“(3). قال العلامة ابن باز: وجاء عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه ربما اغتسل قبل أن ينام، فالأحوال ثلاثة:
إحداها أن ينام من غير وضوء ولا غسل وهذا مكروه، وهو خلاف السنة.
الحالة الثانية: يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة، وهذا لا بأس به.
الحالة الثالثة: أن يتوضأ ويغتسل وهذا هو الأكمل(4).
المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة
أ- حكم المسح على الخفين: مشرع بالكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة، لقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ برءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(5) على قراءة الجر، أما قراءة النصب فتحمل على غسل الرجلين المكشوفتين.
أما السنة فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم(6). قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما رفعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما وقفوا)(7).
__________
(1) مسلم من حديث أنس رضي الله عنه 1/249 برقم 309.
(2) البخاري برقم 286، ومسلم 1/248 برقم 305.
(3) البخاري 1/392 برقم 287، ومسلم 1/249 برقم 306.
(4) شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ ابن باز، مخطوط ص 30.
(5) سورة المائدة، الآية: 6.
(6) الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/183، وفتح الباري 1/306.
(7) ذكره ابن قدامة في المغني 1/360، وتعرف تلك الآثار بالتتبع، وقد روى أكثرها ابن أبي شيبة 1/175-184.(16/45)
وقال الحسن البصري رحمه الله: (حدثني سبعون من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه مسح على الخفين)(1). والأفضل في حق كل أحد بحسب قدرته، فَلِلاَبس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفه إذا اكتملت الشروط، اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه رضي الله عنهم، وَلِمَن قدامه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه(2)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته“(3). وفي حديث ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما: ”إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه“(4).
ب - شروط المسح على الخفين وما في معناهما:
1- أن يلبسهما على طهارة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: ”دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين“ فمسح عليهما(5).
__________
(1) ذكره ابن حجر في الفتح 1/306، وعزاه لابن أبي شيبة، وذكره في التلخيص الحبير 1/158، وعزاه لابن المنذر، انظر: الأوسط لابن المنذر 1/433 و1/427.
(2) الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص13، وانظر: زاد المعاد 1/99، والمغني 1/360.
(3) أحمد في المسند 2/108 وغيره، وصححه الألباني في الإرواء 3/9 برقم 564.
(4) الطبراني، وابن حبان وغيرهما، وصححه الألباني في الإرواء 3/11-13، والعزائم هي الفرائض. وعند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: ”عليكم برخصة الله الذي رخص لكم“ 2/786 برقم 1115.
(5) البخاري مع الفتح 1/309 برقم 206، ومسلم 1/230 و1/274.(16/46)
2 - أن يكون المسح في الحدث الأصغر؛ لحديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم“(1) فلا يجوز المسح في الجنابة ولا فيما يوجب الغسل(2).
__________
(1) أخرجه أحمد 4/239, والنسائي, والترمذي واللفظ له, وابن خزيمة, وصححاه. وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/140 برقم 104.
(2) انظر: فتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين ص8, والمغني 1/561, وشرح الزركشي 1/388, والشرح الممتع6/186.(16/47)
3 – أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ”جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم“(1)؛ ولحديث صفوان رضي الله عنه المتقدم. ولحديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ،”أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما“(2). وهذه المدة على الصحيح تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث(3) وتنتهي بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم، واثنين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر(4).
__________
(1) مسلم 1/232 برقم 276.
(2) ابن خزيمة 1/96, وابن حبان "موارد" برقم 184, والدارقطني, وانظر: التلخيص الحبير 1/157.
(3) الفتاوى الإسلامية 1/236, وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/243, وشرح العمدة لابن تيمية ص556 وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين ص8، وفتاوى ابن عثيمين 4/186, وإرشاد أولي البصائر والألباب للسعدي ص14, والشرح الممتع لابن عثيمين 1/187, وشرح عمدة الأحكام لابن باز ص22 مخطوط, وانظر: تمام النصح للألباني فقد نقل آثاراً تنص على أن المسح يبدأ من المسح بعد الحدث ص 89–92, وشرح بلوغ المرام لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز حديث رقم 69.
(4) المغني لابن قدامة 1/369, وشرح العمدة في الفقه لابن تيمية ص 256, وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين ص 8.(16/48)
4 – أن يكون الخفان أو الجوربان أو العمامة طاهرة(1)؛ فإن كانت نجسة؛ فإنه لا يجوز المسح عليها، والطاهر ضد النجس والمتنجس، والنجس: نجس العين كما لو كانت الخفاف من جلد حمار. والمتنجس كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة، إلا أن المتنجس إذا طهر جاز المسح عليه والصلاة فيه؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته قال: ”ما حملكم على إلقائكم نعالكم“؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً“ وقال: ”إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه [بالأرض] وليصلِّ فيهما“(2).
وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يصلي فيما فيه نجاسة؛ فلا يصح المسح عليه(3).
5 – أن يكون ساتراً لمحل الفرض، وأن يكون صفيقاً لا يصف البشرة(4) ويُعفى عن الخروق اليسيرة، وقد رجح القول بهذا الشرط العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى(5).
__________
(1) انظر: الفتاوى الإسلامية 1/235, والشرح الممتع 1/188.
(2) أخرجه أبو داود برقم 650, و أحمد 3/20 وما بين المعكوفين من رواية الإمام أحمد, وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم 605, وفي الإرواء برقم 284, وتقدم تخريجه ص 29.
(3) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/188, وفتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين ص 7.
(4) انظر: المغني لابن قدامة 1/372, 373, وشرح العمدة في الفقه لابن تيمية ص 250, ومنار السبيل 1/30, وشرح الزركشي 1/391, والشرح الممتع على زاد المستقنع 1/90.
(5) الفتاوى الإسلامية 1/235, وشرح عمدة الأحكام للمقدسي لسماحته ص 21 مخطوط, وفتاوى اللجنة الدائمة 5/238, 243, 246, والفتاوى الإسلامية 1/234.(16/49)
6 – أن يكون مباحاً لا مغصوباً، ولا حريراً لرجل، ولا مسروقاً، فإن المحرم نوعان: محرم لكسبه كالمغصوب والمسروق، ومحرم لعينه: كالحرير للرجل، وكذا اتخاذ ما فيه صور لذوات الأرواح، فلا يجوز أن يمسح على هذين النوعين؛ لأن المسح على الخفين رخصة فلا تستباح به المعصية؛ ولأن القول بالجواز مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرم، والمحرم يجب إنكاره(1).
7 - أن لا ينزع بعد المسح قبل انقضاء المدة؛ فإن خلع خفيه أو ما في معناهما بعد المسح عليهما أعاد الوضوء مع غسل الرجلين(2).
ورجح هذا القول الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، وقال: هو قول الجمهور وهو الصواب(3).
وهناك بعض الشروط ذكرها بعض أهل العلم ليس عليها دليل أو تدخل فيما سبق(4).
جـ – مبطلات المسح:
1 – إذا حدث ما يوجب الغسل كالجنابة بطل المسح ولا بد من غسل(5).
2 – إذا خلع الخفين أو ما في معناهما بعد المسح عليهما بطل وضوءه على القول الراجح كما تقدم(6).
__________
(1) الشرح الممتع 1/189, والمغني لابن قدامة 1/373, وشرح الزركشي 1/396, ومنار السبيل 1/30, ويفتي به سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
(2) المغني لابن قدامة 1/367, وشرح العمدة في الفقه [كتاب الطهارة] لابن تيمية ص 257, وانظر: الشرح الممتع لزاد المستقنع 1/215.
(3) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/251 – 252, وشرح بلوغ المرام لسماحة الشيخ ابن باز , مخطوط.
(4) انظر: منار السبيل 1/30, والسلسبيل في معرفة الدليل 1/142, وهي: إمكان المشي بهما عرفاً, وثبوتهما بنفسهما, وألا يكون واسعاً يرى منه محل الفرض, وانظر: شرح الزركشي 1/395 – 396.
(5) لحديث صفوان بن عسال, وتقدم تخريجه في الشرط الثاني ص 100.
(6) لما تقدم في الشرط السابع ص 105.(16/50)
3 – إذا انقضت المدة المعتبرة شرعاً بطل المسح(1). ورجح سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى أن انقضاء المدة يبطل المسح لمفهوم أحاديث التوقيت، فإذا انقضت المدة خلع الخفين وغسل الرجلين، وخلع العمامة ومسح الرأس(2).
د – كيفية المسح على الخفين والجوربين والعمائم:
يمسح على ظاهر الخفين أو الجوربين؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: ”لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يمسح على ظاهر خفيه“(3)؛ ولحديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”كان يمسح على الخفين“ وقال:"على ظهر الخفين "(4). قال ابن قدامة رحمه الله : "روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين“(5). قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا (أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى، واليسرى لليسرى), وقال أحمد: (كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين)(4).
والمسح على الجوربين كالمسح على الخفين تماماً؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ”توضأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومسح على الجوربين والنعلين“(5).
__________
(1) انظر: شرح العمدة في الفقه كتاب الطهارة لابن تيمية ص 257, والمغني لابن قدامة 1/366.
(2) ذكر ذلك سماحة الشيخ في شرحه لبلوغ المرام, وهو يفتي به كثيراً.
(3) أبو داود برقم 162 وصححه ابن باز, والألباني في صحيح أبي داود 1/33, وانظر: إرواء الغليل برقم 103.
(4) المغني 1/378, وانظر: شرح العمدة ص372, وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/403, وزاد: قال في البلغة: ويسن تقديم اليمين.
(5) أبو داود برقم 159، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/33.(16/51)
وذكر ابن قدامة أنه إذا مسح على الجوربين والنعلين جميعاً فاِنه بعد المسح لا يخلع النعلين(1).
أما المسح على العمائم وخمار المرأة على الصحيح فهوعلى صفتين:
المسح على العمامة المحنكة والخمار المحنك.
المسح على الناصية والتكميل على العمامة أو الخمار(2).
ويشترط للعمامة والخمار ما يشترط للخفين على الصحيح كما رجح ذلك سماحة العلامة ابن باز(3).
هـ - المسح على الجبائر:
الأحاديث التي وردت في الجبائر قال جماعة من أهل العلم إنها ضعيفة(4) ولكن ذكر العلامة ابن باز أن أحاديث الجبائر مع أحاديث المسح على الخفين تدل على شرعية المسح على الجبائر؛ لأن المسح على الخفين للتيسير، فالمسح على الجبائر أولى بالشرعية؛ ولكونه ضروري لم يشرع فيه التوقيت(5) ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من وجوه:
1 – لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها والخف خلاف ذلك.
2 – يجب استيعابها بالمسح إلا ما زاد على محل الفرض في الوضوء؛ لأنه لا ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فإنه يشق تعميمه بالمسح فيجزئ فيه مسح بعضه كما وردت به السنة(6).
3 – يمسح على الجبيرة من غير توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فيقدر بقدرها.
4 – يمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر بخلاف الخف، فإنه لا يمسح عليه إلا في الأصغر.
__________
(1) المغني لابن قدامة 1/375، وشرح العمدة لبن تيمية ص251، وزاد المعاد 1/199، والاختيارات الفقهية لبن تيمية ص 14.
(2) وتقدم تخريج الأدلة ص 76 و77.
(3) وانظر المغني لابن قدامة 1/383.
(4) منها حديث علي بن أبي طالب، وحديث ابن عباس، وحديث جابر، انظر: بلوغ المرام من حديث 145-147.
(5) شرح بلوغ المرام للعلامة ابن باز حديث 145-147 مخطوط.
(6) قال ابن تيمية رحمه الله: وهو مذهب الفقهاء قاطبة , انظر: فتاوى ابن تيمية 21/178-182.(16/52)
5 – لا يشترط تقدم الطهارة على شدها على القول الراجح بخلاف الخف(1).
6 – الجبيرة لا تختص بعضو معين والخف يختص بالرجل(2).
- كيفية المسح على الجبائر:
إذا وجد جرح في أعضاء الطهارة فله مراتب:
المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفاً ولا يضره الغسل فيجب غسله.
المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح لا يضره فيجب مسحه.
المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح، فحينئذ يشد عليه جبيرة ويمسح عليها، فإن عجز فهنا يتيمم له.
المرتبة الرابعة: أن يكون مستوراً بجبس، أو لزقة، أو جبيرة، أو شبه ذلك ففي هذه الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل(3).
والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفي ويغني عن التيمم فلا يجمع بين المسح والتيمم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يمسح عليه(4).
المبحث السابع: الغسل
أ – موجبات الغسل:
__________
(1) المغني 1/356, وفتاوى ابن تيمية 21/176 -179. وانظر: الأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان 1/31, فقد زاد بعض الفروق.
(2) الشرح الممتع 1/204.
(3) فتاوى المسح على الخفين لابن عثيمين ص 25.
(4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/248, والشرح الممتع 1/202.(16/53)
1- خروج المني دفقا بلذة؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ”إنما الماء من الماء“(1)؛ ولحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت(2) الماء فاغتسل“(3)؛ ولحديث أمِّ سلمة أم المؤمنين وأنس، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أن أم سُليم امرأة أبي طلحة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غُسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”نعم إذا رأت الماء“(4). فعُلِمَ أن المني إذا خرج من نائم وجب عليه الغسل مطلقاً سواء كان دفقاً بلذة أو بدون لذة؛ لأن النائم قد لا يحس به، فإذا احتلم الرجل أو المرأة ثم استيقظ فرأى الماء فعليه الغسل، فإن استيقظ ولم ير الماء فلا غسل عليه، قال ابن المنذر: (أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم)(5).
والنائم إذا استيقظ من نومه فوجد بللاً فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن أنه مني ففي هذه الحالة يجب عليه أن يغتسل سواء ذكر احتلاماً أم لم يذكر؛ ولهذا عندما رأى عمر رضي الله عنه في ثوبه احتلاماً وقد صلى بالمسلمين الفجر، اغتسل وغسل ثوبه وصلى(6). فقد أعاد الصلاة من أحدث نومة نامها في ذلك الثوب.
__________
(1) مسلم 1/269 برقم 343.
(2) فضخ الماء: دفقه وخروجه على وجه الشدة.
(3) أبو داود برقم 206, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/40 برقم 190, وفي إرواء الغليل 1/162.
(4) البخاري مع الفتح 1/388 برقم 282, ومسلم 1/250- 251 برقم 310-313.
(5) المغني 1/266, وانظر: الشرح الممتع 1/279.
(6) المغني 1/269، والأثر رواه البيهقي 1/170، وانظر: المغني أيضاً 1/270.(16/54)
الحالة الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني ففي هذه الحالة لا يجب عليه الغسل لكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه؛ لأن حكمه حكم البول(1).
الحالة الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا(2) وهذه الحالة لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يذكر أنه قد لاعب أهله أو فكر في الجماع، أو نظر إليهم بشهوة، فإنه يجعله مذياً؛ لأنه يخرج بعد التفكير في الجماع في الغالب بدون إحساس، وليس عليه غسل وإنما يتوضأ وضوءه للصلاة بعد غسل ذكره وأنثييه، وما أصاب ثيابه.
الأمر الثاني: أن لا يسبقه تفكير في الجماع ولا ملاعبة لأهله ففيه قولان للعلماء:
القول الأول: يجب أن يغتسل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: ”يغتسل“ وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ قال: ”لا غسل عليه“(3). فالأولى أن يغتسل لموافقة هذا الخبر، وإزالة الشك، ويكون ذلك احتياطاً(4).
القول الثاني: لا يجب عليه أن يغتسل؛ لأن الأصل الطهارة ولا تزول بالشك بل لا بد من اليقين(5).
__________
(1) الشرح الممتع 1/280.
(2) المغني 1/270.
(3) أبو داود برقم 236، وابن ماجه برقم 612، 1/200، والترمذي 1/189 برقم 113، والدارمي 1/195، وأحمد في المسند 6/256، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/46 برقم 216.
(4) المغني لابن قدامة 1/270، والشرح الممتع 1/280.
(5) المغني 1/270, والشرح الممتع 1/280، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/277.(16/55)
2 – التقاءُ الختانين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل“(1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا جلس بين شعبها الأربع ومسَّ الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل“(2). ويدل على الموجب الأول والثاني قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ}(3).
3 – إسلام الكافر سواء كان أصليّاً أو مرتدّاً؛ لحديث قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم, أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر(4)؛ لأنه طهَّر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل. وقال بعض العلماء: لا يجب على الكافر الغسل إذا أسلم وإنما هو مستحب؛ لأنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر عام مثل: من أسلم فليغتسل، وقد أسلم كثير من الصحابة ولم ينقل أنه أمرهم بالغسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة الناس إليه. ورُدّ على ذلك أن القول بالوجوب أقوى؛ لأن أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لواحد من الأمة أمر للأمة جميعاً. وقال آخرون: إن أتى في كفره بما يوجب الغسل وجب عليه الغسل، وإن لم يأت بموجب فلا يجب عليه الغسل(5).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/395 برقم 291, ومسلم 1/271برقم 348.
(2) مسلم 1/272 برقم 349.
(3) سورة المائدة, الآية: 6.
(4) أخرجه أبو داود برقم 355, والنسائي برقم 188, والترمذي برقم 605, وأحمد 5/61, وصححه الألباني في الإرواء 1/163.
(5) الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/284-285, والمغني لابن قدامة 1/274-276.(16/56)
قال العلامة ابن باز: (الغسل للإسلام سنة وليس بواجب؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر الجمَّ الغفير بالغسل)(1). وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وقد صحّ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم به، وأصح الأقوال وجوبه على من أجنب حال كفره ومن لم يجنب)(2).
4 – موت المسلم غير شهيد المعركة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال فيمن وقصته ناقته وهو محرم بعرفة: ”اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه“(3)؛ ولحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: دخل علينا النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحن نغسل ابنته فقال: ”اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك“(4).
5 – الحيض, وانقطاع الحيض شرطٌ لصحة الغسل فلو اغتسلت قبل لا أن تطهر لم يصح؛ لأن من شرط صحة الاغتسال الطهارة؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(5)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي“(6).
__________
(1) شرح بلوغ المرام للعلامة ابن باز حديث رقم 121 وهو مخطوط.
(2) زاد المعاد في فقه قصة قدوم وفد دوس 3/627.
(3) البخاري مع الفتح 3/136 برقم 1266, ومسلم 2/865 برقم 1206.
(4) البخاري مع الفتح 3/124 برقم 1253, ومسلم 2/646 برقم 939.
(5) سورة البقرة, الآية: 222.
(6) البخاري مع الفتح 1/420 برقم 320, ومسلم 1/262 برقم333.(16/57)
6 – النفاس، وانقطاع دم النفاس شرط لصحة الاغتسال؛ فإن النفاس كالحيض سواء؛ لأن دم النفاس هو دم الحيض، وإنما كان في مدة الحمل ينصرف إلى غذاء الولد مع السرة، فحين خرج الولد خرج الدم لعدم مصرفه وسمِّي نفاساً(1) ويكون دم النفاس الخارج مع الولادة أو بعدها، أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة ومعه الطلق(2) ومما يدل على أن دم النفاس هو دم الحيض قوله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: ”مالكِ أنفست“؟(3). وأجمع العلماء على وجوب الغسل بالنفاس كالحيض(4).
ب – ما يُمنع منه الجنب:
يمنع الجنب من خمسة أمور:
1 – الصلاة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ}(5)؛ ولحديث أبي هريرة، وحديث علي، وحديث ابن عمر رضي الله عنهم(6).
2- الطواف بالبيت الحرام؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الطواف بالبيت صلاة..“(7).
__________
(1) المغني لابن قدامة 1/377, وانظر: شرح الزركشي 1/289.
(2) الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/287 و441.
(3) البخاري مع الفتح 3/400 برقم 294, ومسلم 2/873 برقم 1211.
(4) انظر: الشرح الممتع 1/288.
(5) سورة النساء, الآية: 43.
(6) البخاري مع الفتح 12/329، 1/234 برقم 135 و6954، ومسلم 1/204 برقم 225. مسلم 1/204 برقم 224. أبو داود 1/16، والترمذي 1/10 وغيرهم، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/8.
(7) النسائي، والترمذي، وابن خزيمة 4/222، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/614، وصحيح الترمذي 1/283، و إرواء الغليل 1/154.(16/58)
3- مسّ المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر رضي الله عنهم: ”لا يمسّ القرآن إلا طاهر“(1).
4- قراءة القرآن الكريم؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً“(2). وبلفظ: ”كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه – أو قال – يحجزه عن القرآن شيء سوى الجنابة“؛ ولحديثه رضي الله عنه أنه توضأ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: ”هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية“(3).
__________
(1) أخرجه مالك في الموطاً 1/199، والدارقطني 1/122، والحاكم 1/397، وصححه الألباني بشواهده من حديث حكيم وابن عمر. انظر: إرواء الغليل 1/158، والتلخيص الحبير لابن حجر 1/131، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/261.
(2) الترمذي بلفظه، وقال حسن صحيح 1/214، وأبو داود 1/59، وابن ماجه 1/195، والنسائي 1/144، وأحمد 1/184 وغيرهم. وقال الحافظ في التلخيص الحبير 1/139: صححه ابن السكن وعبد الحق والبغوي، وقال ابن باز في شرحه لبلوغ المرام حديث رقم 124: حديث حسن وله شواهد. وحسنه الأرنؤوط في =جامع الأصول 4/304، وانظر: فتح الباري 1/348، وشرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/386.
(3) أحمد في المسند برقم 882, وصحح إسناده أحمد شاكر, وقال العلامة ابن باز في الفتاوى الإسلامية: إسناده جيد 1/239, وانظر: الفتاوى الإسلامية 1/222أيضاً.(16/59)
5 – المكث في المسجد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ}(1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه: ”وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“(2). أما مرور الجنب واجتيازه المسجد فلا حرج فيه؛ لنص الآية: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} وكذلك مرور الحائض والنفساء إذا تحفظت ولم تخش تلويث المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ناوليني الخُُمْرَة(3) من المسجد“ فقلت: إني حائض، فقال: ”تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك“(4)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فقال: ”يا عائشة ناوليني الثوب“ فقالت إني حائض، فقال: ”حيضتك ليست في يدك“(5)؛ ولحديث ميمونة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن، ثم تقوم إحدانا بِخُمرته فتضعها في المسجد وهي حائض“(6). قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: (والصحابة كانوا يمرون في المسجد؛ لعلمهم رضي الله عنهم بهذا الاستثناء، أما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“(7) فهذا في حق من يجلس في المسجد، وأما ما رواه
__________
(1) سورة النساء, الآية: 43.
(2) أبو داود 1/60, قال ابن حجر في التلخيص الحبير: قال أحمد ما أرى به بأساً, وقد صححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان, وقال ابن باز في شرحه لبلوغ المرام لحديث رقم 132: سنده لا بأس به, وحسنه الأرنؤوط في جامع الأصول 11/205.
(3) الخمرة: السجادة.
(4) مسلم 1/245.
(5) مسلم 1/245.
(6) رواه أحمد والنسائي كما قال المجد ابن تيمية في المنتفى 1/143.
(7) تقدم تخريجه.(16/60)
زيد بن أسلم أن بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، كانوا إذا توضؤوا جلسوا في المسجد(1) فهذا احتج به من قال بالجواز كأحمد وإسحاق رحمهما الله وجماعة. والقول الثاني إنه لا يجلس في المسجد ولو توضأ لعموم الآية: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} والوضوء لا يخرجه من كونه جنباً؛ ولعموم الحديث: ”إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“. وهذا أظهر وأقوى، وفعل من جلس من الصحابة يحمل على أنه خفي عليه الدليل الدال على أنه يمنع الجنب من الجلوس في المسجد، والأصل الأخذ بالدليل: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} وزيد بن أسلم وإن روى له مسلم ففي القلب منه شيء إذا تفرد بالحديث(2).
ج – شروط الغسل:
شروط الغسل ثمانية: النية(3)، والإسلام، والعقل، والتمييز، والماء الطهور المباح، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، وانقطاع موجب الغسل(4).
د - صفة الغسل الكامل وكيفيته:
صفة الغسل الكامل المشتمل على الفروض، والواجبات والمستحبات كالتالي:
1- ينوي الغسل الكامل بقلبه؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى“(5).
__________
(1) رواه سعيد بن منصور، وحنبل بن إسحاق كما في المنتقى للمجد ابن تيمية 1/141-142, و شرح العمدة لابن تيمية 1/391, وفي زيد بن أسلم كلام انظره في حاشية المنتقى 1/142.
(2) قاله رحمه الله في تعليقه على المنتقى للمجد ابن تيمية حديث رقم 396 مسجل في مكتبتي الخاصة, وانظر: الشرح الممتع 1/294.
(3) نقل ابن قاسم في حاشية الروض المربع أنه يجب استصحاب حكمها بحيث لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة 1/198, فينظر هل هذا شرط أم واجب؟.
(4) حاشية الروض لا بن قاسم 1/189 و193-194، ومنار السبل 1/39.
(5) البخاري مع الفتح 2/9 برقم 1, ومسلم 1/1515 برقم 1907.(16/61)
2- يسم الله فيقول: ”بسم الله“ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه(1).
3- يبدأ فيغسل كفيه ثلاثاً، لحديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما(2).
4- يغسل فرجه بشماله ويزيل ما به من أذىً؛ لحديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما(3).
5- يضرب بشماله الأرض ويمسحها بالتراب الطاهر ويدلكها دلكاً جيداً، ويغسلها؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما(4) أو يدلكها بالحائط ويغسلها لحديث ميمونة رضي الله عنها(5)، أو يغسلها بالماء والصابون.
6- يتوضأ وضوءً كاملاً كما يتوضأ للصلاة(6)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها(7)، وإن شاء توضأ وضوءه للصلاة وأخر رجليه إلى نهاية الغسل؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها(8).
__________
(1) أخرجه أبو داود، وابن ماجه, وأحمد، وغيرهم, وحسنه الألباني لكثرة طرقه وشواهده في إرواء الغليل برقم 81.
(2) البخاري مع الفتح 1/368 برقم 256، ورقم 257، ومسلم 1/253 برقم 316 و317.
(3) البخاري مع الفتح 1/368 برقم 257 و259، ومسلم 1/253 برقم 316 و317.
(4) البخاري مع الفتح 1/368 برقم 257 و259، ومسلم 1/254 برقم 317.
(5) البخاري مع الفتح 1/372 برقم 260 و274.
(6) انظر صفة الوضوء الكامل ص 68.
(7) مسلم 1/253 برقم 316، والبخاري مع الفتح 1/360 برقم 248.
(8) البخاري مع الفتح 1/361 برقم 249، ورقم 257 و259 و266.(16/62)
7- يدخل أصابعه في الماء، ثم يخلل شعره حتى يروي بشرته، ثم يصب على رأسه ثلاث حفنات بيديه؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما(1) يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم الوسط؛ لحديث عائشة رضي الله عنها(2). وليس على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها(3). ويستحب أن تنقضه لغسل الحيض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها(4).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/360 برقم 248 و383، ومسلم 1/253 برقم 316 و317.
(2) البخاري مع الفتح 1/369 برقم 258، و1/834 برقم 377، ومسلم 1/255 برقم 318. ولحديث جابر رضي الله عنه في البخاري مع الفتح 1/367 برقم 255 و256، ومسلم 1/259 برقم 329، وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه في البخاري مع الفتح 1/367 برقم 254، ومسلم 1/258 برقم 327.
(3) قالت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة، قال: ”لا، إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين“. مسلم 1/259 برقم 330. وفي رواية لمسلم 1/260: ”أفأنقضه للحيض والجنابة“ قال: ”لا“.الحديث.
(4) قال صلّى الله عليه وسلّم لها عندما حاضت في الحج: ”دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي“. البخاري 1/418، قال العلامة ابن باز في تعليقه على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية: (يستحب للحائض أن تنقض شعرها لغسل الحيض، ولا يستحب نقضه للجنابة), وانظر فتح الباري 1/418, والحيض والنفاس ص 175.(16/63)
8 – يفيض الماء على جلده كله وسائر جسده؛ لحديث ميمونة وعائشة رضي الله عنهما(1)، يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله“(2). ويعتني بغسل الإبطين ومطاوي الأعضاء وأصول الفخذين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها(3)، ويدلك بدنه إذا لم يصل الطهور إلى محله بدونه(4).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/360 برقم 248 و249 و257 و265 و266 و274 و276, ومسلم 1/253 برقم 316 و317.
(2) البخاري مع الفتح 1/269, ومسلم 1/226وتقدم.
(3) وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم, كان يغسل مرافعه. وهي أصول المغابن, رواه أبو داود برقم 243, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/48.
(4) انظر: شرح العمدة لابن تيمية 1/368, وذلك؛ لحديث عائشة في مسلم 1/260: ”ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً“.(16/64)
9 – يتحول فينتقل من مكانه فيغسل قدميه؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها(1) والأفضل أن لا ينشِّف أعضاءه في الغسل؛ لحديث ميمونة رضي الله عنها(2)، وينبغي له أن لا يسرف في استعمال الماء، فلا إفراط ولا تفريط(3)، وما تقدم هو الغسل الكامل(4).
هـ – الأغسال المستحبة:
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/361 برقم 249 و257 و259 و260 و266, ومسلم 1/254 برقم 317. قال العلامة ابن باز: يغسل رجليه في نهاية الغسل سواء غسلها قبله مع الوضوء أو لم يغسلها.
(2) قالت: ”ثم أتيته بالمنديل فردّه و[لم ينفض به]". البخاري 1/372 برقم 259 و266, ومسلم 1/254 برقم 317, واللفظ الأول من مسلم والثاني من البخاري.
(3) انظر: مقدار غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم ووضوءه في سنن الوضوء.
(4) أما الغسل المجزئ فهو أن ينوي, ويسمي, ويتمضمض ويستنشق ويعم جميع جسده بالماء. انظر الشرح الممتع 1/304 و297-300 وشرح العمدة 1/365. قال ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة 1/370: الغسل قسمان: غسل مجزئ, وغسل كامل... والكامل هو اغتسال الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو يشتمل على إحدى عشرة خصلة: النية, والتسمية, ويغسل يديه ثلاثاً, ويغسل فرجه ويدلك يده, ويتوضأ, ويخلل أصول شعر رأسه ولحيته بالماء, ويفيض على رأسه ثلاث حثيات, ويفيض الماء على سائر جسده, ويدلك بدنه, ويبدأ بشقه الأيمن, وينتقل من مكانه فيغسل قدميه.(16/65)
1 – غسل يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ”غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم“(1). وحديثه رضي الله عنه يرفعه: ”الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيباً إن وجد“(2). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده“(3). وحديثه رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام“(4). وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط رقاب الناس(5) ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة ما بينه وبين الجمعة قبلها [وزيادة ثلاثة أيام]“(6).
وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: ”من غسل يوم الجمعة، واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها“(7).
__________
(1) البخاري مع الفتح 2/357 برقم 879, ومسلم 2/580 برقم 846.
(2) البخاري مع الفتح 2/364 رقم 880, ومسلم 2/581 برقم 897 ومعنى يستن: يستاك.
(3) مسلم 2/582 برقم 849, والبخاري مع الفتح 2/382 برقم 897.
(4) مسلم 1/587 برقم 857.
(5) وعند ابن خزيمة من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ”ولم يفرق بين اثنين“ رقم 1763.
(6) أبو داود برقم 343 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/70, والزيادة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) أبو داود برقم 345, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/70.(16/66)
وعن سمرة رضي الله عنه يرفعه: ”من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل“(1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ”من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغى“(2).
وقد اختلف أهل العلم هل غسل الجمعة واجب أم مستحب؟ ورجح سماحة العلامة ابن باز أن غسل الجمعة سنة مؤكدة، وينبغي للمسلم أن يحافظ عليه خروجاً من خلاف من قال بالوجوب، وأقوال العلماء في غسل الجمعة ثلاثة: منهم من قال بالوجوب مطلقاً وهذا قول قوي، ومنهم من قال: بأنه سنة مؤكدة مطلقاً، ومنهم من فصَّل فقال: غسل يوم الجمعة واجب على أصحاب الأعمال الشاقة لما يحصل لهم من بعض التعب والعرق، ومستحب في حق غيرهم، وهذا قول ضعيف، والصواب أن غسل الجمعة سنة مؤكدة، أما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”غسل الجمعة واجب على كل محتلم“ فمعناه عند أكثر أهل العلم متأكد كما تقول العرب: ”العدة دين وحق عليَّ واجب“. ويدل على هذا المعنى اكتفاؤه صلّى الله عليه وسلّم، بالأمر بالوضوء في بعض الأحاديث.. وهكذا الطيب والاستياك، ولبس الحسن من الثياب، والتكبير إلى الجمعة كله من السنن المرغَّب فيها وليس شيء منها واجب(3).
__________
(1) أخرجه الخمسة كما قال الحافظ في بلوغ المرام وحسنه الترمذي, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود1/72.
(2) مسلم 2/588 برقم 857.
(3) هذا مقتبس من كلام شيخنا العلامة ابن باز. انظر: الفتاوى الإسلامية 1/419, وقال رحمه الله بعض هذا الكلام في تعليقه على بلوغ المرام حديث رقم 120 و123 وتعليقه على منتقى الأخبار للمجد الأحاديث 400-407 وهو مسجل في مكتبتي الخاصة.(16/67)
2 – غسل الإحرام؛ لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”تجرَّد لإهلاله واغتسل“(1).
3 – الاغتسال عند دخول مكة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل، ويَذْكُرُ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم(2).
4 – الاغتسال لكل جماع؛ لحديث أبي رافع ”أن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه“ قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: ”هذا أزكى وأطيب“(3).
__________
(1) الترمذي, وابن خزيمة 4/161, والحاكم, وصححه ووافقه الذهبي 1/447، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1/250, وانظر: إرواء الغليل برقم 149.
(2) البخاري مع الفتح 3/436, ومسلم 2/919.
(3) أبو داود برقم 219, والنسائي, والطبراني, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/43, وآداب الزفاف ص 32.(16/68)
5 – الاغتسال من غسل الميت؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ”من غسَّل الميت فليغتسل“(1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت“(2). ويدل على عدم الوجوب أن أسماء بنت عميس ـ امرأة أبي بكر ـ غسلت أبا بكر رضي الله عنه حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد، فهل عليَّ من غسل؟ فقالوا: "لا"(3). وبيّن العلامة ابن باز أن هذا يدل على أن الغسل من غسل الميت معلوم عند الصحابة؛ ولكنه سنة(4).
6 – الاغتسال من دفن المشرك؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: ”اذهب فواره“ قال إنه مات مشركاً. قال: “اذهب فواره“ فلما واريته رجعت إليه فقال لي: ”اغتسل“(5).
__________
(1) أحمد 2/280, 433 و472 و415 وأبو داود 4/316 برقم 3161, والترمذي 2/309 برقم 993، قال عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول 7/335: وهو حديث حسن بطرقه وشواهده. وانظر: إرواء الغليل برقم 144.
(2) أبو داود 1/96 برقم 3160، وقال الحافظ في بلوغ المرام: وصححه ابن خزيمة، وقال سماحة الشيخ ابن باز: إسناده لا بأس به على شرط مسلم، وانظر: جامع الأصول بتحقيق الأرنؤوط 7/337.
(3) أخرجه مالك في الموطأ 1/223, وحسن إسناده عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول 7/338.
(4) قال ذلك في تعليقه على منتقى الأخبار حديث رقم 412، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/318.
(5) أبو داود برقم 3214, والنسائي 1/110 و4/79, وأحمد وغيرهم, قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريج جامع الأصول 7/337: وهو حديث صحيح, وانظر: التلخيص 2/114, وصحيح النسائي برقم 184, وقال ابن باز: إذا صح الحديث فالغسل من دفن المشرك سنة. قلت: وقد صححه من تقدم ذكرهم.(16/69)
7 – الاغتسال للمستحاضة لكل صلاة(1)، أو عند الجمع بين الصلاتين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها ”أن أم حبيبة رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمرها بالغسل لكل صلاة“(2). وفي حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال لها: ”سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم“. ثم قال في آخر الحديث: ”وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك“. قال صلّى الله عليه وسلّم: ”وهذا أعجب الأمرين إليَّ“(3).
والواجب على المستحاضة هو الغسل عندما تخرج من عادة الحيض، أما بعد ذلك فيستحب لها الغسل كما تقدم، ويجب عليها أن تتوضأ في وقت كل صلاة، أما الغسل فمندوب كما تقدم(4). وهذا ما يفتي به شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.
__________
(1) انظر الشرح الممتع 1/441.
(2) أبو داود برقم 292 وغيره, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/58 برقم 274.
(3) أبو داود برقم 287, وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/57, والإرواء 1/202.
(4) انظر سنن أبي داود برقم 281 و292 وصححهما الألباني في صحيح أبي داود 1/54 برقم 254 و1/58 برقم 276, والبخاري برقم 228 و327.(16/70)
8 – الاغتسال من الإغماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثقل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”أصلَّى الناس“؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ”ضعوا لي ماء في المخضب“(1) قالت: ففعلنا فاغتسل، فذهب لينوء(2) فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”أصلَّى الناس“؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ”ضعوا لي ماء في المخضب“ فقعد فاغتسل...(3). فعل ذلك ثلاث مرات وهو مثقل بالمرض فدل ذلك على استحبابه(4).
9 – الاغتسال من الحجامة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يغتسل من أربع: من الجنابة, ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت“(5).
10 – غسل الكافر إذا أسلم عند من يقول باستحبابه، ومنهم من قال بالوجوب؛ لحديث قيس بن عاصم رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر(6). ورجح سماحة العلامة ابن باز أن غسله سنة(7).
__________
(1) قيل: هو إناء صغير تغسل فيه الثياب.
(2) أي: لينهض.
(3) البخاري مع الفتح برقم 687, ومسلم برقم 418.
(4) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 1/366.
(5) أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وتقدم تخريجه ص 138.
(6) أخرجه الأربعة إلا ابن ماجه, وأخرجه أحمد وتقدم تخريجه ص 118.
(7) انظر: كلامه ص119.(16/71)
11 – غسل العيدين؛ قال العلماء لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم(1). قال العلامة الألباني: وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين: ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان قال: سأل رجل عليّاً عن الغسل؟ قال: "اغتسل كل يوم إن شئت". فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: "يوم الجمعة، ويوم عرفة(2)، ويوم النحر، ويوم الفطر"(3). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: "سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال"(4)، وثبت أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يَغدُوَ إلى المصلى"(5).
12 – غسل يوم عرفة(6).
المبحث الثامن: التيمم
التيمم في اللغة: القصد، وفي الشرع: التعبد لله تعالى بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به بنية رفع الحدث لمن فقد الماء أو عجز عن استعماله(7).
__________
(1) سمعت ذلك من شيخنا ابن باز مرات.
(2) أي يوم عرفة للحاج.
(3) قال في إرواء الغليل 1/177: وسنده صحيح: أي موقوف على علي رضي الله عنه.
(4) قال الألباني: رواه الفريابي, وإسناده صحيح. انظر: إرواء الغليل 3/104.
(5) موطأ الإمام مالك 1/177. وانظر آثاراً نقلت في وقفات للصائمين للشيخ سلمان بن فهد ص 97.
(6) تقدم دليله في الذي قبله.
(7) انظر: شرح العمدة لابن تيمية 1/411, وفتح الباري 1/431, والمغني لابن قدامة 1/310, وشرح الزركشي 1/324, والشرح الممتع 1/313.(16/72)
1 – حكمه: مشروع بالكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب، فلقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَد منكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1). وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة منها حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا في سفر مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فصلى بالناس فلما [انصرف] من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: ”ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم“؟ قال: يا نبي الله أصابتني جنابة ولا ماء، قال: ”عليك بالصعيد فهو يكفيك“(2). وأما الإجماع: فأجمع أهل العلم على مشروعية التيمم في الجملة(3).
__________
(1) سورة المائدة, الآية: 6, وانظر: سورة النساء, الآية: 43.
(2) البخاري مع الفتح 1/447 برقم 344, ومسلم 1/474 برقم 682، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ”أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي...“ الحديث, وفيه: ”جعلت لي الأرضُ مسجداً وطهوراً فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ“. البخاري برقم 335, ومسلم برقم 521.
(3) انظر المغني لابن قدامة 1/310، وشرح الزركشي 1/324, وشرح العمدة لابن تيمية 1/411.(16/73)
والمسلمون لهم طهارتان: طهارة بالماء، وطهارة بالتيمم لمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله، فمن وجد الماء أو قدر على استعماله وجب عليه أن يتطهر به، ومن تعذر عليه استعماله أو لم يجده قام مقامه التيمم وهو رافع إلى وجود الماء على الصحيح، فيجب لما تجب له الطهارة بالماء، ويستحب لما تستحب له الطهارة بالماء, والصواب أن المسلم إذا عجز عن الماء أو لم يجده تيمم في أي وقت شاء، وأجزأه حتى يجد الماء، أو يأتي بناقض من نواقض الوضوء أو موجب من موجبات الغسل، ويجزئ التيمم الواحد عن جميع الأحداث الكبرى والصغرى إذا نواها(1).
2 – من يجوز له التيمم ؟ يجوز التيمم ويشرع لمن حصل له ناقض من نواقض الوضوء أو موجب من موجبات الغسل في الحضر أو السفر إذا وُجد سبب من الأسباب الآتية:
أ – إذا لم يجد الماء؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}(2)؛ ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنه: ”عليك بالصعيد فإنه يكفيك“(3).
ب – إذا لم يجد من الماء ما يكفيه في وضوئه أو غسله فإنه يتوضأ بما وجد أو يغتسل إذا كان عليه جنابة ثم يتيمم للأعضاء التي لم يصل إليها الماء؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(4)؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم“(5).
__________
(1) انظر: الشرح الممتع 1/314 و321, وفتاوى ابن تيمية 21/346-360, ورجح ذلك كله العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز في شرحه لبلوغ المرام حديث رقم 636-148 وتعليقه على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية, ويفتي بذلك كثيراً, وانظر زاد المعاد 1/200، وفتاوى اللجنة 5/344 و349 و355.
(2) سورة المائدة, الآية: 6.
(3) تقدم تخريجه ص 146.
(4) سورة التغابن, الآية: 16.
(5) البخاري مع الفتح 13/251 برقم 7288, ومسلم 2/975 برقم 1337, وانظر: المغني 1/314, وشرح العمدة 1/433-438.(16/74)
ج – إذا كان الماء شديد البرودة ويحصل له ضرر باستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه؛ لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب“؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(1) فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئا"(2).
__________
(1) سورة النساء، الآية: 29، وانظر: الشرح الممتع 1/318.
(2) أحمد, وأبو داود برقم 334, 335, والدارقطني, والحاكم وغيرهم, وحسن إسناده الأرنؤوط في جامع الأصول, قال: وله شاهد عند الطبراني من حديث ابن عباس وأبي أمامة. وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/68.(16/75)
د – إذا كان به جراحة أو مرض إذا استعمل الماء زاد المرض أو تأخر الشفاء؛ لحديث جابر بن عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهم، أن رجلاً أصابه جرح في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم احتلم فسأل أصحابه هل له رخصة بالتيمم؟ فقالوا له: لا، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العِي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم...“(1).
هـ – إذا حال بينه وبين الماء عدو، أو حريق، أو لصوص، أو خاف على نفسه، أو ماله، أو عرضه، أو كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم(2).
و – إذا خاف العطش والهلاك حبس الماء وتيمم، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافرإذا كان معه ماء وخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم(3).
والخلاصة: أن التيمم يشرع إذا تعذر استعمال الماء: إما لعدمه وإما لحصول الضرر باستعماله(4).
3 – كيفية التيمم وصفته:
__________
(1) أبو داود برقم 336 و337 وابن ماجه برقم 572, وابن حبان (موارد) برقم 201, والحاكم 1/165 و1/178, وحسنه الألباني في تمام المنة ص131, ونقل عن ابن السكن تصحيحه, وحسنه الأرنؤوط لشواهده في جامع الأصول 7/265- 266, ويميل سماحة العلامة ابن باز إلى أن هذه الطرق كلها ضعيفة؛ ولكن تعتضد بالمسح على الخفين فإذا كان المسح على الخفين من باب التيسير, فإنه من باب أولى أن يمسح على الجبائر, وأن يكون التيمم لمن عجز عن استعمال الماء لجراحة مشروعاً. وانظر: صحيح سنن أبي داود برقم 325 و326.
(2) المغني لابن قدامة 1/315 و316, وشرح العمدة لابن تيمية 1/430.
(3) المغني لابن قدامة 1/343, وشرح العمدة لابن تيمية 1/428.
(4) انظر: الشرح الممتع 1/321, وشرح العمدة لابن تيمية 1/422, وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/331.(16/76)
1 – ينوي؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما الأعمال بالنيات“(1). ومحلها القلب فلا يتلفظ بها.
2 – يسمي الله تعالى فيقول: ”بسم الله“(2).
3 – يضرب بكفيه الصعيد الطيب من الأرض ضربة واحدة؛ ثم يمسح بكفيه، ثم يمسح الكفين بعضهما ببعض من أطراف الأصابع إلى مفصل الكف من الذراع، والمفصل الذي يلي الكف داخل في المسح(3)؛ لحديث عمار رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء قتمرغت في الصعيد كما تمرَّغ الدابة ثم أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له فقال: ”إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا“, ثم ضرب بكفيه الأرض [ضربة واحدة] ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه(4). وفي لفظ لمسلم: ”وضرب بيديه إلى الأرض فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه“(5). فإذا كان الغبار كثيراً في الكفين نفخ فيهما أو نفضهما(6).
4 – نواقض التيمم ومبطلاته:
1 – ينقض التيمم ويبطله ما ينقض الوضوء؛ لأن التيمم بالصعيد الطيب قام مقام الماء فينقض الطهارة بالتيمم ما ينقض الطهارة بالماء، فإذا تيمم عن الحدث الأصغر ثم بال أو حصل له ناقض من نواقض الوضوء بطل تيممه؛ لأن البدل له حكم المبدل. وكذا التيمم عن الحدث الأكبر يبطل بموجبات الغسل(7).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/9 برقم 1, ومسلم 1/1515 برقم 1907.
(2) أخرجه أبو داود، وابن ماجه, وأحمد، وغيرهم, وحسنه الألباني لكثرة طرقه وشواهده في إرواء الغليل برقم 81.
(3) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/447 -350, وفتاوى اللجنة الدائمة 5/354.
(4) البخاري مع الفتح 1/443 برقم 338, ومسلم 1/280 برقم 368, وما بين المعكوفين في لفظ مسلم.
(5) مسلم 1/280 برقم 368.
(6) ويفتي بذلك العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.
(7) انظر: المغني لابن قدامة 1/30, والشرح الممتع على زاد المستقنع 1/341, والأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان 1/47.(16/77)
2 – وينقض التيمم وجود الماء، فإذا تيمم لعدم الماء بطل بوجوده؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير“(1). أما إذا تيمم لمرض يمنعه من استعمال الماء لم يبطل التيمم بوجود الماء، ولكن يبطل بالقدرة على استعمال الماء(2).
5 - فاقد الطهورين: الماء والتراب:
__________
(1) أبو داود برقم 332 و333, والترمذي برقم 124, والنسائي 1/171 برقم 322, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/67, وفي الإرواء برقم 153, وذكره الحافظ في بلوغ المرام برقم 142, وعزاه إلى البزار عن أبي هريرة, وانظر: التلخيص الحبير 1/154.
(2) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/341.(16/78)
إذا لم يجد المسلم الماء ولا التراب ولم يستطع الحصول على ذلك، أو وجدهما ولكن عجز عن الوضوء والتيمم؛ فإنه يصلي على حسب حاله كالمربوط الذي لا يستطيع الوضوء ولا التيمم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت(1)، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاكِ الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة(2). فيجب على المسلم أن يتطهر بالماء فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى على حسب حاله(3). قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(4). وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(5). وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم“(6).
6 – من تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت:
__________
(1) هلكت: ضاعت.
(2) البخاري مع الفتح 1/440 برقم 336, ومسلم 1/279 برقم 367 واللفظ له.
(3) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/346.
(4) سورة التغابن، الآية: 16.
(5) سورة الحج، الآية: 78.
(6) البخاري برقم 7288, ومسلم برقم 1337, وتقدم تخريجه.(16/79)
إذا فقد المسلم الماء ثم تيمم وصلى ثم وجد الماء أو قدر على استعماله بعد الفراغ من الصلاة؛ فإنه لا يعيد الصلاة ولو كان الوقت باقياً، وهكذا لو فقد الماء والتراب أو عجز عن ذلك ثم وجده بعد أن صلى؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: ”أصبت السنة وأجزأتك صلاتك“. وقال للذي توضأ وأعاد: ”لك الأجر مرتين“(1). فدل ذلك على أن الذي لم يعد الوضوء والصلاة أصاب السنة؛ لأنه فعل ما قدر عليه، أما الآخر فاجتهد وأعاد فله أجر صلاته الأولى والأجر الثاني على اجتهاده في إعادة الصلاة، لكن المقصود هو إصابة السنة(2).
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس
المطلب الأول: الحيض
1 – تعريفه: الحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال. وهو مصدر: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً وتحيّضاً فهي حائض وحائضة من حوائض وحُيّض إذا سال دمها(3).
وشرعاً: دم طبيعة وجبلّة يخرج من قعر الرحم، يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة(4).
__________
(1) أبو داود برقم 338, والنسائي, وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/92, وصحيح أبي داود 1/69.
(2) قال ذلك: العلامة ابن باز في شرحه لهذا الحديث في بلوغ المرام ,وفي المنتقى للمجد ابن تيمية.
(3) القاموس المحيط فصل الحاء باب الضاد.
(4) انظر: المغني لابن قدامة 1/386, وشرح الزركشي 1/405. وشرح العمدة لابن تيمية 1/457, والروض المربع بحاشية ابن قاسم 1/370, والحيض والاستحاضة لرواية بنت أحمد ص 17-46.(16/80)
2 – حكمته: خلق الله دم الحيض وكتبه على بنات آدم لحكمة غذاء الولد وتربيته، فالولد يخلقه الله من ماء الرجل والمرأة، ثم يغذِّيه في الرحم بدم الحيض عن طريق السرة؛ ولهذا لا تحيض الحامل في الغالب، فإذا وضعت، خرج ما فضل عن غذاء الولد من ذلك الدم، ثم يقلبه الله تعالى بحكمته لبناً يتغذَّى به الطفل عن طريق الثدي؛ ولهذا لا تحيض المرضع في الغالب، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم في محله ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة، وقد يزيد على ذلك ويقل، ويطول ويقصر، على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع، والله أعلم(1).
3 – لون دم الحيض يأتي على ألوان أربعة كالتالي:
أ – السواد؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا كان دم الحيض فإنه أسودُ يُعرَف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق“(2).
ب- الحمرة؛ لأنها أصل لون الدم(3).
ج- الصفرة: وهي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار(4).
__________
(1) المغني لابن قدامة 1/386, وشرح الزركشي 1/405, وشرح العمدة 1/457.
(2) أبو داود برقم 286، والنسائي، والحاكم، وغيرهم، وصححه الألباني في الإرواء 1/223.
(3) انظر: الحيض والنفاس والاستحاضة لرواية بنت أحمد ص37 وص48.
(4) انظر: فتح الباري 1/426.(16/81)
د- الكدرة: وهي التوسط بين البياض والسواد كالماء الوسخ ولونه ينحو نحو السواد(1)؛ لحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة رضي الله عنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدِّرَجة(2) فيها الكُرسف(3) فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تَعْجَلْنَ حتى ترين القصة البيضاء(4) تريد بذلك الطهر من الحيضة(5).
والصفرة والكدرة لا تكون حيضاً إلا في أيام الحيض أما بعد انقضاء أيام العادة فلا تعد حيضاً ولو تكرر ذلك؛ لحديث أمِّ عطية رضي الله عنها قالت: ”كنا لا نعد الكُدرة والصفرة [بعد الطهر] شيئاً“(6). فدل ذلك بمنطوقه على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر لا تعد شيئاً وإنما هي مثل البول تنقض الوضوء، ودل بمفهومه على أن الصفرة والكدرة قبل الطهر تعد حيضاً بشرط أن تكون في أيام عادة الحيض، ورجح ذلك العلامة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى.
__________
(1) انظر: المعجم الوسيط 2/779، وفقه السنة لسيد سابق 1/83.
(2) الدِّرجَة: جمع: دُرْج: وهو السفط الصغير تضع فيه المرأة خِفَّ متاعها وطيبها. انظر: النهاية في غريب الحديث 2/113، وفتح الباري 1/420.
(3) الكرسف: القطن.
(4) القصة البيضاء: هو أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة، وقيل: هي شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله. النهاية في غريب الحديث 4/71.
(5) الإمام مالك 1/59، والبخاري مع الفتح 1/420 معلقاً، والدارمي 1/214، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/218.
(6) البخاري مع الفتح 1/426، وأبو داود برقم 307، والحاكم وغيرهم، وصححه الألباني في الإرواء 1/219، وانظر: المغني 1/413، وما بين المعكوفين لغير البخاري.(16/82)
4- زمن الحيض ومدته، اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في السن الذي يأتي الحيض فيه المرأة، وفي الحيض ومقدار زمنه(1) كالتالي:
أ- السن الذي تحيض فيه الصغيرة:
ليس فيه تحديد من السنة الصحيحة للسن الذي تحيض فيه المرأة؛ لكن في الغالب أنه يكون ما بين اثنتي عشرة سنة إلى خمسين سنة وربما حاضت المرأة قبل ذلك أو بعده بحسب حالتها وجوِّها وبيئتها. وقد اختلف العلماء في تحديد السن الذي يأتي فيه الحيض بحيث لا تحيض الأنثى قبله ولا بعده، وأن ما يأتيها قبله أو بعده فهو دم فساد لا حيض. قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات: "كل هذا عندي خطأ؛ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود(2) فأي قدر وجد في أي حال وسن وجب جعله حيضاً"(3) إذا صلح أن يكون حيضاً، فمتى رأت المرأة الدم المعروف عند النساء أنه حيض فهو حيض(4).
__________
(1) الحيض والنفاس والاستحاضة ص62، و49-62، وانظر: الدماء الطبيعية لابن عثيمين الفصل الأول.
(2) أي وجود دم الحيض.
(3) نقله عن الدارامي العلامة ابن عثيمين في رسالة في الدماء الطبيعية في الفصل الأول.
(4) انظر: الشرح الممتع 1/402، وفتاوى ابن تيمية 19/237، والمختارات الجلية للسعدي ص32.(16/83)
ب- مدة الحيض ومقدار زمنه، لقد اختلف العلماء في أقل مدة الحيض وأكثره، وفي أقل مدة الطهر بين الحيضتين وأكثره(1)، فقالت طائفة: ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حد بالأيام، وقيل: أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً(2). ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره، ولا لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لأكثره، قال: والعلماء منهم من يحد أكثره وأقله ثم يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله، والقول الثالث أصح: أنه لا حدّ لأقله ولا لأكثره. ثم قرر أن كل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض، وإن قُدّر أنه أقل من يوم استمر بها على ذلك فهو حيض، وإن قُدّر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض، وأما إذا استمر الدم بها دائما فهذا قد عُلم أنه ليس بحيض(3).
5 – أحكام الحيض:
أ – ما يمنع الحيض:
يمنع الحيض ثمانية أشياء على الصحيح:
__________
(1) انظر: الحيض والنفاس ص96 و105 وص78-105.
(2) ورجح شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً وهو قول الجمهور.
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 19/237. قلت: يفتي العلامة الجهبذ عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز بأن المرأة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً وما زاد على ذلك فهو دم فساد, والله أعلم. وانظر: المغني لابن قدامة 1/388, وفتح الباري 1/425.(16/84)
1 – الصلاة: فالحيض يمنع الصلاة وجوباً وفعلاً؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أنها كانت تستحاض فسألت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي“(1). ولا تفعل الصلاة قضاء بعد الطهر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كنا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة“(2). لكن عند جمهور العلماء: كمالك، والشافعي، وأحمد، أن المرأة إذا طهرت في وقت العصر - قبل غروب الشمس – صلت الظهر والعصر، وإذا طهرت في وقت العشاء – قبل طلوع الفجر – صلت المغرب والعشاء، جاء ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم(3)، ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمها فرض الثانية(4). قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده(5).
وإذا طهرت المرأة في وقت الفجر – قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة – صلت الفجر وحده؛ لأنها أدركت الصلاة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر“(6).
__________
(1) البخاري مع الفتح 1/420 برقم 320, ومسلم 1/262 برقم 333.
(2) البخاري مع الفتح 1/421 برقم 321، ومسلم 1/265 برقم 335.
(3) السنن الكبرى للبهيقي 1/386-387, وذكر هذه الآثار المجد ابن تيمية في المنتقى رقم 491 و492, وعزاها إلى سنن سعيد بن منصور, واعتمد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 21/434 ويفتي بذلك مفتي عام السعودية العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى. وانظر المغني 2/46.
(4) انظر المغني لابن قدامة 2/47.
(5) المغني 2/46.
(6) مسلم 1/424, برقم 608، 609. وانظر: الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص 34.(16/85)
أما إذا أدركت المرأة وقت الصلاة ثم حاضت قبل أن تصلي فقد اختلف أهل العلم هل تقضي أو لا تقضي؟ على قولين:
القول الأول: يجب عليها القضاء وهو قول الجمهور(1)، ولكنهم اختلفوا في مقدار الوقت الذي إذا أدركته وجب عليها القضاء إلى عدة أقوال:
فقيل: إذا أدركت من الوقت قدر تكبيرة ثم حاضت وجب عليها القضاء(2).
وقيل: إذا أدركت من الوقت قدر ركعة لأنه إدراك تعلق به إدراك الصلاة فلم يكن بأقل من ركعة كإدراك الجمعة(3).
وقيل: إذا أدركت من الوقت ما يتسع لفعل الصلاة فيه فتمكنت من الصلاة قبل حصول العذر فلم تصلِّ فحينئذ تبقى الصلاة في ذمتها حتى تطهر ثم تصلي(4).
وقيل: إذا أدركت من الوقت قدر خمس ركعات(5).
وقيل: إذا أدركت الوقت ثم تضيّق بحيث لا تستطيع أداء الصلاة كاملة في آخره ثم حصل المانع وجب عليها القضاء بعد الطهر(6).
__________
(1) الحنابلة, والشافعية, والمالكية. انظر: بداية المجتهد في نهاية المقتصد 1/73والحيض والنفاس ص 286-288.
(2) وهو قول للحنابلة والشافعية. انظر: المغني لابن قدامة 2/11, والحيض والنفاس ص286-288.
(3) وهو قول للشافعي, انظر المغني 2/47.
(4) وهو قول للحنابلة والشافعية. انظر: المغني لابن قدامة 2/12 و47, والحيض والنفاس ص 286-289.
(5) وهو منسوب إلى الإمام مالك, انظر المغني 2/46، 47.
(6) وهو قول للحنفية والحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي يفتي به سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، انظر: المغني 2/11، 46-47، والاختيارات الفقهية لابن تيمية ص 34، والحيض والنفاس ص286 و288.(16/86)
القول الثاني: لا يجب على المرأة قضاء الصلاة مطلقاً سواء حاضت في أول الوقت أو في آخره؛ لأن الله جعل للصلاة وقتاً محدداً أوله وآخره، وصح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلى في أول الوقت وفي آخره، فصح أن المؤخر لها إلى آخر وقتها ليس عاصياً. وهذا قولٌ للأحناف ومذهب الظاهرية(1).
__________
(1) انظر: الحيض والنفاس ص288، والمحلى لا بن حزم 2/175. وبداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/73. واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين أن المرأة إذا حاضت بعد دخول الوقت أو طهرت في آخر الوقت لا تجب عليها الصلاة إلا إذا أدركت من وقتها مقدار ركعة كاملة سواء أدركت ذلك من أول الوقت – كامرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة كاملة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب؛ لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض –أو أدركت مقدار ركعة كاملة من آخر الوقت – كامرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة كاملة – فيجب عليها إذا اغتسلت قضاء صلاة الفجر؛ لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة“؛ البخاري مع الفتح 1/57 برقم 580، ومسلم 1/423 برقم 607. ولحديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر“. مسلم 1/424 برقم 608، 609. ومفهومه أن من أدرك من الوقت أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة. انظر رسالة في الدماء الطبيعية لابن عثيمين ضمن فتاواه 4/309, وهو قول للشافعي, انظر: المغني 1/47, وبداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/73.(16/87)
والراجح والصواب من هذه الأقوال إن شاء الله تعالى: أن المرأة إذا أدركت وقت الصلاة، ثم لم تصلّ حتى تضيّق الوقت – بحيث لا تستطيع الصلاة كاملة في آخره – ثم حاضت قبل أن تصلي وجب عليها أن تقضي هذه الصلاة بعد أن تطهر؛ لأنها فرطت في الصلاة، وهذا الذي يفتي به سماحة الإمام العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(1).
الصوم، والحيض يمنع الصوم وجوباً لا فعلاً بل يبقى في الذمة حتى تقضيه؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم“(2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها: "كنا نحيض على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة“(3). وهذا من رحمة الله تعالى؛ فإن الصلاة تكثر في أوقات كثيرة، في كل شهر في الغالب ستة أيام أو سبعة، ويكون في هذه الأيام ثلاثون صلاة أو خمس وثلاثون صلاة، أي:102 ركعة إذا كانت ستة أيام، وإذا كانت سبعة أيام 119 ركعة. وقضاء هذه الصلوات فيه مشقة عظيمة، فمن رحمة الله تعالى أنه لم يوجب قضاء الصلاة على الحائض والنفساء، وأما الصوم فأمره يسير؛ فإنه لا يتكرر إلا مرة واحدة في السنة في شهر رمضان، فقضاء ستة أيام أو سبعة في الغالب لا مشقة فيه ولا تعب؛ فلهذا وجب القضاء للصوم وأسقطت الصلاة، فالحمد لله على تيسيره وإحسانه.
__________
(1) انظر ص171, والاختيارات الفقهية لا بن تيمية رحمه الله ص34.
(2) البخاري مع الفتح 1/405 برقم 304، ومسلم 1/86 برقم 79.
(3) البخاري مع الفتح 1/421 برقم 321، ومسلم 1/265 برقم 335.(16/88)
الطواف بالبيت الحرام، فلا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت حتى تطهر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الطواف بالبيت صلاة“(1)؛ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم، لعائشة رضي الله عنها لَمّا حاضت: ”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“(2). لكن إذا كان الحيض بعد طواف الإفاضة سقط عنها طواف الوداع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ”أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض“(3).
4 – مس المصحف؛ فلا يجوز للحائض والنفساء مس المصحف على الصحيح؛ لحديث عمرو بن حزم، وحكيم بن حزام، وابن عمر رضي الله عنهم: ”لا يمس القرآن إلا طاهر“(4).
أما قراءة القرآن للحائض والنفساء فمنع منها جمع من أهل العلم؛ لِمَا رُوِيَ: ”لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن“(5).
__________
(1) النسائي، والترمذي، وابن خزيمة 4/222، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/614، وصحيح الترمذي 1/283، و إرواء الغليل 1/154.
(2) البخاري مع الفتح 3/496، ومسلم 2/906.
(3) مسلم 2/963.
(4) أخرجه مالك في الموطاً 1/199، والدارقطني 1/122، والحاكم 1/397، وصححه الألباني بشواهده من حديث حكيم وابن عمر. انظر: إرواء الغليل 1/158، والتلخيص الحبير لا بن حجر 1/131، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/261.
(5) الترمذي 1/236 برقم 131, وابن ماجه 1/195 برقم 595, وضعفه الألباني في إرواء الغليل 1/206 برقم 192, وضعفه العلامة ابن باز في تعليقه على بلوغ المرام ومنتقى الأخبار وفي الفتاوى الإسلامية 1/239.(16/89)
والصواب أن هذا الخبر ضعيف لا يحتج به، وأنه يجوز للحائض والنفساء أن تقرأ القرآن؛ لأن هذا الخبر ضعيف؛ ولأن قياس الحائض والنفساء على الجنب ليس بظاهر؛ ولأن الجنب وقته يسير وفي إمكانه أن يغتسل في الحال؛ لأن مدته لا تطول، وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيديهما وإنما هو بيد الله عز وجل، ويحتاج ذلك إلى وقت طويل وربما نسيت ما حفظت من القرآن، وربما احتاجت إلى التدريس للبنات أو النساء؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال لعائشة رضي الله عنها عندما حاضت وهي محرمة: ”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“(1). ومن أفضل أعمال الحاج قراءة القرآن ولم يقل لها لا تقرئي القرآن، وقد أباح لها أعمال الحاج كلها فدل ذلك كله على أن الصواب جواز قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب بدون مس للمصحف(2).
__________
(1) البخاري مع الفتح 3/496، ومسلم 2/906.
(2) وانظر في ذلك ما رجحه العلامة ابن باز في الفتاوى الإسلامية 1/239 وفي شرحه لبلوغ المرام على حديث رقم 124 ورقم 149 و159, وانظر: حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم, للألباني ص69, وانظر: كلاماً جيداً في حكم قراءة القرآن للحائض وأن الراجح جوازه بالأدلة, وأن الصواب أنها لا تمس المصحف وأنه قول الأئمة الأربعة, الحيض والنفاس ص225 و270.(16/90)
5 – الجلوس في المسجد واللبث فيه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ”... فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“(1). أما المرور إذا تحفظت ولم تخش تلويث المسجد فلا حرج، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}(2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها: ”إن حيضتك ليست في يدك“(3). وحديث ميمونة في وضع الخمرة في المسجد(4)؛ وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ”حيضتك ليست في يدك“(5).
__________
(1) أبو داود 1/60, قال ابن حجر في التلخيص الحبير: قال أحمد ما أرى به بأساً, وقد صححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان, وقال ابن باز في شرحه لبلوغ المرام لحديث رقم 132: سنده لا بأس به, وحسنه الأرنؤوط في جامع الأصول 11/205.
(2) سورة النساء, الآية: 43.
(3) مسلم 1/245.
(4) رواه أحمد والنسائي كما قال المجد ابن تيمية في المنتقى 1/143.
(5) مسلم 1/245. وانظر: الحيض والنفاس لرواية ص 221.(16/91)
6 – الوطء في الفرج، فيحرم وطء الحائض والنفساء؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(1)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ”من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد“(2). وإذا انقطع دم الحيض والنفاس فلا يجوز وطؤها حتى تغتسل، لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}(3). وإذا واقع الحائض أو النفساء فعليه التوبة، وأن يتصدق بدينار أو نصف دينار؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله ،صلّى الله عليه وسلّم، في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ”يتصدق بدينار أو بنصف دينار“(4). وهو مخير بين هاتين الصدقتين على الصحيح والدينار اليوم يساوي 4/7 من الجنيه السعودي ونصفه يساوي 2/7 من الجنيه نفسه فإذا تصدق بأربعة أسباع الجنيه أو سُبعي الجنيه السعودي مع التوبة والاستغفار كفاه(5) وقد وزنه بعضهم فكان الدينار 4.25 غرام ونصف الدينار 2.13(6).
__________
(1) سورة البقرة, الآية: 222.
(2) أخرجه أهل السنن الأربع إلا النسائي, وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/739, وصحيح سنن الترمذي 1/44, وصحيح سنن ابن ماجه 1/105, والإرواء برقم 2006, وآداب الزفاف ص 31.
(3) سورة البقرة، الآية: 222.
(4) أخرجه أصحاب السنن الأربع, وأحمد, وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/217 برقم 197.
(5) من ترجيح سماحة شيخنا عبد العزيز ابن باز في شرحه لبلوغ المرام والمنتقى للمجد ابن تيمية, وانظر: الفتاوى الإسلامية 1/238.
(6) الحيض والنفاس ص 553.(16/92)
7 – الطلاق، فالحيض يمنع سنة الطلاق، فمن طلق امرأته وهي حائض كان طلاقاً محرماً وكان مبتدعاً بذلك(1)؛ لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}(2) يعني طاهراً من غير جماع؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ”مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء“(3).
8 – الاعتداد بالأشهر، فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر إذا حصلت الفرقة في الحياة ويجب الاعتداد بالحيض نفسه؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}(4). ولقوله تعالى: {وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}(5). فدل ذلك على أن المرأة التي تحيض تعتد بالحيض، وأن الآيسة التي لا تحيض والصغيرة التي لم تحض تعتد بالأشهر، فأما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشراً، سواء كانت صغيرة أو آيسة، أو ممن تحيض؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}(6). فعم في هذه الآية جميع المتوفى عنهن(7)، لقوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}(8). ومن أحكام الحيض أنه يوجب الغسل، ويوجب البلوغ(9).
ب- ما يباح مع الحائض والنفساء:
__________
(1) شرح العمدة لابن تيمية 1/471, والمغني 1/416-420.
(2) سورة الطلاق, الآية: 1.
(3) البخاري مع الفتح 9/345 برقم 5251, ومسلم 2/1093 برقم 1471.
(4) سورة البقرة, الآية: 228.
(5) سورة الطلاق. الآية: 4.
(6) سورة البقرة، الآية: 234.
(7) شرح العمدة في الفقه لابن تيمية 1/472.
(8) سورة الطلاق، الآية: 4.
(9) شرح العمدة في الفقه لابن تيمية 1/472.(16/93)
1- المباشرة فيما دون الفرج لحديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يخالطوها في البيوت، فسأل أصحاب النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}(1) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”اصنعوا كل شيء إلا النكاح“(2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها في مضاجعة الحائض(3)؛ وحديث عم حرام بن حكيم أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: ”ما فوق الإزار“(4). وذكر سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى، أن الحائض يحرم جماعها(5) ولكن لا حرج في الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة وهذا هو المعبر عنه بما فوق الإزار، أما ما تحت الإزار فاختلف العلماء في ذلك هل يجوز أو لا يجوز، والأصح أنه يجوز، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”اصنعوا كل شيء إلا النكاح“. فعلى هذا يكون للحائض ثلاث حالات:
الحالة الأولى: الجماع وهذا محرم بالإجماع حتى تطهر.
الحالة الثانية: الاستمتاع بها فوق الإزار وهذا حلال بالإجماع.
الحالة الثالثة: ما تحت الإزار وهو ما بين السرة والركبة، وهذا محل خلاف، والأرجح أنه يجوز، ولكن الأفضل تركه احتياطاً وحمىً وبعداً عن المحرم(6).
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض“(7).
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 222.
(2) مسلم 1/246 برقم 302.
(3) البخاري مع الفتح 1/403 برقم 302 ومسلم 1/242 برقم 293.
(4) أبو داود برقم 212، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/42 برقم 197.
(5) نقل ابن تيمية في الفتاوى 21/624 اتفاق الأئمة على تحريم وطء الحائض.
(6) ذكر ذلك أثناء شرحه لمنتقى الأخبار للمجد، وانظر: الحيض والنفاس ص 321-370، والمغني لابن قدامة 1/414.
(7) مسلم 1/243 برقم 294.(16/94)
2 – الأكل والشرب معها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلّى الله عليه وسلّم, فيضع فاه على موضع في فيشرب“. وكانت رضي الله عنها ”تتعرق العرق – وهو العظم الذي عليه بقية من اللحم – ثم تناوله النبي صلّى الله عليه وسلّم فيضع فاه على موضع فيها“(1)؛ ولحديث: ”إن حيضتك ليست في يدك“(2).
3 – إباحة بل استحباب خروج الحائض في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة والخير ودعوة المسلمين؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ”أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن نخرج في العيدين العواتق(3) والحيض، وذوات الخدور(4), فأما الحيَّض فيعتزلن مصلى المسلمين – وفي لفظ – فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين“(5).
4 - جواز قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن“(6).
5 – غسل الحائض رأس زوجها وترجيله؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ”كنت أُرجِّل رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا حائض“(7).
__________
(1) مسلم 1/245 برقم 300, والمعنى: يضع فمه على موضع فمها.
(2) مسلم 1/245.
(3) الجارية البالغة, وقيل هي التي قاربت البلوغ, وقيل هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج, والتعنيس: طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن.
(4) ذوات الخدور: جمع خِدْر: والخدور البيوت, وقيل: الخِدر: ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه. انظر شرح النووي, وفتح الباري 1/424, والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
(5) البخاري مع الفتح 1/423 برقم 324, ومسلم 1/605 برقم 890, واللفظ من روايات مسلم.
(6) البخاري مع الفتح 1/401 برقم 297، 749, ومسلم 1/246 برقم 301.
(7) البخاري مع الفتح 1/401 برقم 295، 296, ومسلم 1/244 برقم 297.(16/95)
6 – تعمل جميع العبادات ما عدا ما تقدم، فتذكر الله عز وجل بأنواع الأذكار المشروعة، والأدعية المأثورة، وإذا أرادت الحج أو العمرة فلا حرج ولكنها تُحرِم وتعمل ما يعمل الحاج أو المعتمر إلا الطواف بالبيت حتى تطهر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: ”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“(1).
جـ - علامة الطهر:
للطهر علامتان هما:
العلامة الأولى: القصة البيضاء: وهي ماء أبيض يعقب الحيض، وقيل: هو شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ”لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء“(2). وقيل هي: أن تخرج القطنة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة(3).
العلامة الثانية: الجفوف: وهي أن تدخل المرأة القطنة أو الخرقة في فرجها فتخرجها جافة لا شيء عليها أو ترى عليها القصة البيضاء،فان لم تر القصة البيضاء تكتفي برؤية الجفوف(4).
المطلب الثاني: النفاس
تعريفه لغة: النفاس في اللغة بالكسر: ولادة المرأة، فإذا وضعت فهي نفساء(5).
وشرعاً: دم يرخيه الرحم بسبب الولادة إما معها أو قبلها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق، أو بعدها إلى مدة معلومة(6).
الفرق بين دم النفاس والحيض:
__________
(1) البخاري مع الفتح 3/496، ومسلم 2/906.
(2) القصة البيضاء: هو أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحشي بها المرأة كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة، وقيل: هي شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله. النهاية في غريب الحديث 4/71.
(3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/71، والحيض والنفاس لراوية بنت أحمد ص 534.
(4) الحيض والنفاس والاستحاضة لراوية ص 534، ومنهاج المسلم ص 189، والشرح الممتع 1/433.
(5) انظر لسان العرب، باب السين فصل النون، والقاموس المحيط، فصل النون باب السين.
(6) انظر الحيض والنفاس والاستحاضة، لراوية بنت أحمد ص 446 وص 467، والدماء الطبيعية للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 39.(16/96)
دم النفاس هو نفسه دم الحيض المحتقن في الرحم الفاضل من رزق الولد، فلما خرج الولد تنفست الرحم فخرج بخروجه(1).
أحكام النفاس: حكم النفاس كحكم الحيض فيما يحل، ويحرم، ويجب، ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض؛ لأن النفاس حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل، فحكمه حكمه سواء بسواء إلا في الأمور الآتية:
أ- العدة، فالنفاس لا يعتبر من العدة إذا طلقت المرأة بعد ولادتها والحيض يعتبر؛ لأنه إن كان الطلاق قبل وضع الحمل انقضت العدة بوضعه لا بالنفاس، وإن كان الطلاق بعد الوضع انتظرت رجوع الحيض وجلست ثلاث حيض.
ب- مدة الإيلاء يحسب منها مدة الحيض ولا يحسب منها مدة النفاس.
ج- البلوغ يحصل بالحيض ولا يحصل بالنفاس؛ لأن البلوغ يسبق النفاس، فقد حصل بالإنزال ثم الحمل.
د- دم الحيض يأتي في أوقات معلومة من الشهر، ودم النفاس عقب الولد، أو قبله بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق(2).
__________
(1) شرح العمدة لابن تيمية 1/516.
(2) انظر هذه الفروق في الحيض والنفاس والاستحاضة لراوية ص 447 و478، والدماء الطبيعية للعلامة ابن عثيمين ص 40، والشرح الممتع 1/450-453 و454، ورجح أن طلاق النفساء ليس بحرام 1/453.(16/97)
4- أقل النفاس وأكثره: الصواب أن النفاس لا حد لأقله، أما أكثره فهو على الصحيح أربعون يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ”كانت النفساء على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً“(1). قال الترمذي: (وقد أجمع العلماء من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتابعين ومن بعدهم أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، وإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء)(2). وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى(3).
المطلب الثالث: الاستحاضة
1 – تعريفه: الاستحاضة: استفعال من الحيض: وهي دم غالب ليس بالحيض(4).
والاستحاضة شرعاً: سيلان الدم واستمراره في غير زمن الحيض من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يقال له: العاذل(5).
2- الفرق بين دم الاستحاضة والحيض: هناك فروق بين دم الاستحاضة والحيض يعرفها غالب النساء ومنها:
أ- دم الحيض أسود غليظ له رائحة كريهة منتنة، أما دم الاستحاضة فيتميز عنه بأنه دم رقيق أحمر لا رائحة له.
ب- دم الحيض يخرج من أقصى الرحم، ودم الاستحاضة يخرج من أدنى الرحم من عرق يقال له: العاذل، فهودم عرق لا دم رحم.
__________
(1) أبو داود برقم 311، والترمذي برقم 139، وابن ماجه برقم 648، وغيرهم، وحسنه الألباني في الإرواء 1/222 و1/226، وفي صحيح أبي داود 1/62.
(2) الترمذي 1/256.
(3) وهذا هو الذي يفتي به شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/415، والفتاوى الإسلامية 1/238.
(4) المصباح المنير 1/159.
(5) انظر: فتح الباري 1/409. والحيض والنفاس لراوية بنت أحمد ص 483-488، ورسالة في الدماء الطبيعية لابن عثيمين، الفصل الخامس.(16/98)
ج – دم الحيض دم صحة وطبيعة يخرج في أوقات معلومة، ودم الاستحاضة دم علة و مرض وفساد ليس له أوقات معلومة(1).
3 – أحوال المستحاضة:
المستحاضة لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض وتثبت لها أحكام الحيض والباقي الزائد استحاضة تثبت لها أحكام المستحاضة؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستفتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ”لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلّفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلِّ“(2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت“(3). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لها: ”امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضك ثم اغتسلي وصلي“(4). فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر عادتها من كل شهر ثم تغتسل وتصلي ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل إلى دخول وقت الصلاة الأخرى.
__________
(1) الحيض والنفاس والاستحاضة، ص 387.
(2) أبو داود, وابن ماجه, والنسائي, وغيرهم, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/52.
(3) البخاري مع الفتح 1/330 برقم 227 واللفظ له، ومسلم 1/262 برقم 333.
(4) مسلم 1/263 برقم 334.(16/99)
الحالة الثانية: أن لا يكون لها عادة بحيث لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن دم الفساد، فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة تثبت له أحكام الحيض وما عداه تثبت له أحكام الاستحاضة؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعرَف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق“(1).
__________
(1) أبو داود برقم 286، والنسائي، والحاكم، وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 1/55 برقم 263، وصحيح النسائي برقم 350، وإرواء الغليل 1/223 برقم 204.(16/100)
الحالة الثالثة: أن لا يكون لها أيام حيض معلومة ولا يكون لها تمييز صالح، إما لأنها بلغت مستحاضة ولا تستطيع التمييز، أو نسيت واضطرب عليها الأمر، فهذه تعمل بغالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة على حسب عادة قريباتها كأمها أوأختها أو خالتها أو عمتها فتختار الأقرب من ذلك ستة أيام أو سبعة من كل شهر تبتدئ من أول المدة التي رأت فيها الدم وما عدا ذلك يكون استحاضة؛ لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال لها: ”... إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن“(1). فعلى هذا تمت أحوال المستحاضة: مستحاضة لها عادة تعمل بعادتها، ومستحاضة ليس لها عادة ولكن تميز بين الدمين فتعمل بالتمييز، ومستحاضة ليس لها عادة ولا تمييز فتعمل بحديث حمنة ستة أيام أو سبعة(2).
4 ـ أحكام الاستحاضة:
المستحاضة حكمها حكم الطاهرات في الصلاة، والصيام، والاعتكاف، ومس المصحف، والقراءة، والمكث في المسجد، ووجوب العبادات الواجبة على الطاهرات، وتحل لزوجها(3) ولا فرق بينها وبين الطاهرات إلا فيما يلي:
__________
(1) أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وغيرهم، وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/202 برقم 188، وفي صحيح أبي داود برقم 267، وفي صحيح الترمذي برقم 110، وصحيح ابن ماجه برقم 510.
(2) انظر: الحيض والنفاس والاستحاضة، لراوية بنت أحمد ص489-534، والدماء الطبيعية للعلامة ابن عثيمين، الفصل الخامس، ومنار السبيل 1/59.
(3) انظر البخاري مع الفتح في جماع المستحاضة بعد غسلها من الحيض 1/428 وصحيح سنن أبي داود برقم 302 و304.(16/101)
أ ـ لا يجب عليها الغسل لوقت من الأوقات إلا مرة واحدة حينما ينقطع حيضها؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم ،لأم حبيبة بنت جحش: ”امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي“(1). ثم بعد ذلك تتوضأ لوقت كل صلاة.
ب ـ وجوب الوضوء عليها لوقت كل صلاة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم، في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: ”ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت“(2). فلا تتوضأ للصلاة المؤقتة إلا بعد دخول وقتها وتصلي بذلك الوضوء - ما لم يأت ناقض آخر غير الدم - ما شاءت من الصلاة الفرض والنفل حتى يخرج وقت الصلاة.
ج ـ إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم، فتغسل فرجها وتعصب عليه خرقة، أو تتحفظ بقطن يمسك الدم؛ لحديث حمنة رضي الله عنها، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال لها: ”أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم“. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: ”فاتخذي ثوباً“. قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. قال: ”فتلجمي“(3).
وفي حديث فاطمة بنت أبي حبيش: ”فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلِّ“(4) ولا يضرها ما خرج بعد ذلك؛ لأنها اتقت الله ما استطاعت؛ ولحديث فاطمة بنت أبي حبيش: ”وتوضئي لكل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير“(5).
__________
(1) مسلم 1/263 برقم 334.
(2) البخاري مع الفتح 1/330 برقم 227 واللفظ له، ومسلم 1/262 برقم 333.
(3) أبو داود، والترمذي، وابن ماجه وغيرهم، وانظر: صحيح سنن أبي داود 1/52 وصحيح سنن ابن ماجه 1/103، وإرواء الغليل برقم 188.
(4) أبو داود وابن ماجه، والنسائي وغيرهم، وتقدم تخريجه ص 194.
(5) ابن ماجه برقم 624، وانظر: صحيح ابن ماجه 1/102، وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ”اعتكفت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي“. البخاري مع الفتح 1/411 برقم 310.(16/102)
د- الجمع الصوري، فيجوز للمستحاضة الجمع الصوري؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم لحمنة بنت جحش: ”...فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر، فافعلي...“ الحديث(1)، وإن جمعت بين المغرب والعشاء في وقت احداهما أو جمعت بين الظهروالعصر في وقت إحداهما – جمع تقديم أو تأخير – فلا حرج؛ لأنها مريضة(2). والله المستعان(3).
5 – استحاضة الحامل أو حيضها:
__________
(1) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي, وحسنه الألباني في إرواء الغليل 1/202برقم 188, وتقدم.
(2) يفتي بذلك سماحة العلامة مفتي عام المملكة العربية السعودية عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى.
(3) انظر: الحيض والنفاس والاستحاضة ص 535-548, والمغني لابن قدامة 1/449.(16/103)
الغالب الكثير أن المرأة إذا حملت انقطع دم الحيض عنها، لكن إن حصل لها دم أثناء الحمل فقد اختلف أهل العلم هل هو دم حيض أو دم فساد، فقيل بأنه دم فساد؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة“(1). ونقل ابن قدامة أنه قول جمهور التابعين، وحمل قول من قال بأنه حيض على ما تراه الحامل قبل ولادتها بيوم أو يومين أو ثلاثة مع الطلق، فهذا يلحق بالنفاس(2). وقيل بأنه دم حيض؛ لأن أصل الدم هو دم الحيض، ورجح سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله القول الأول، وهو أن الحامل لا تحيض ودمها دم فساد كالاستحاضة(3).
المطلب الرابع: أحكام السلس
- المصاب المبتلي بسلس البول المستمر الذي لا ينقطع عليه أن يغسل ما أصاب الثوب أو البدن، ويغسل فرجه بعد دخول وقت كل صلاة، وعليه أن يتحفظ فيشد على مخرج البول ما يمنع وصوله إلى البدن، أو الثوب، أو البقعة، أو المسجد، ثم يتوضأ.
- وصاحب الريح المستمرة التي لا تنقطع حكمه حكم السلس.
__________
(1) أبو داود، والدرامي, والدارقطني, والحاكم, وغيرهم, وصححه الألباني في الإرواء 1/200 برقم 187.
(2) المغني 1/443-444.
(3) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/392, وشرح العمدة لابن تيمية 1/514, وشرح الزركشي 1/450, وانظر: للفائدة ما ذهب إليه العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الدماء الطبيعية في آخر الفصل الثاني, والشرح الممتع 1/403-405.(16/104)
- وصاحب المذي المستمر الذي لا ينقطع، ينضح ما أصاب ثوبه ويغسل فرجه، وأنثييه(1) بعد دخول الوقت ثم يتوضأ كل واحد من هؤلاء الثلاثة لوقت كل صلاة كالمستحاضة تماماً، ويصلي بذلك الوضوء الفرائض والنوافل، ولا يضره ما خرج بعد ذلك سواء كان قبل الصلاة أو أثناءها إلى أن يخرج وقت الصلاة كله. وعلى صاحب سلس البول أن يخصص ثوباً طاهراً للصلاة إذا لم يشق عليه ذلك؛ لأن البول نجس، فإن شق عليه ذلك عُفي عنه؛ لما في إزالته من المشقة والحرج، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(2). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(3) وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}(4). وقال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(5). وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم“(6). أما صلاة الجمعة فيتوضأ كل واحد من هؤلاء قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنهم من سماع الخطبة وأداء الصلاة(7) وعلى كل واحد من هؤلاء أن يسأل الله العافية ويبحث عن العلاج المشروع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. والله أسأل أن يعافينا وجميع المسلمين والمسلمات من كل سوءٍ ومكروه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الناس أجمعين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ...
المبحث الأول: تعريف الطهارة وأنواعها ...
1- مفهوم الطهارة لغة وشرعا ...
__________
(1) أُنثييه: خصيتيه.
(2) سورة التغابن, الآية: 16.
(3) سورة الحج, الآية: 78.
(4) سورة البقرة: الآية: 286.
(5) سورة البقرة, الآية: 185.
(6) البخاري مع الفتح 13/251, ومسلم 2/975, وتقدم تخريجه ص 112.
(7) انظر المغني لابن قدامة 1/421, وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 5/406-414, والفتاوى الإسلامية 1/192.(16/105)
2- الطهارة نوعان ...
النوع الأول: الطهارة الباطنة المعنوية ...
النوع الثاني: الطهارة الحسية الظاهرة ...
3- الطهارة تكون بطهورين ...
الأول: الطهارة بالماء ...
الثاني: الطهارة بالصعيد الطيب ...
المبحث الثاني: أنواع النجاسات ووجوب تطهيرها ...
1- بول الآدمي وكيفية تطهيره ...
أ- تطهير بول الغلام والجارية ...
ب – تطهير النعل ...
ج- تطهير ذيل المرأة ...
د- تطهير الأرض والفراش ...
2ـ دم الحيض وكيفية تطهيره ...
3- ولوغ الكلب في الإناء ...
- آسار البهائم والحيوانات وحكمها وأنواعها ...
4- الدم المسفوح ولحم الخنزير والميتة ...
- يطهر جلد ميتة مأكول اللحم بالدباغ ...
- وهل يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بالدباغ؟ ...
5- الودي ...
6- المذي ...
7- المني ...
8- الجلاّلة ...
9- الفأرة ...
10- بول و روث ما لا يؤكل لحمه ...
11- كيفية إزالة النجاسة أثناء الصلاة من الثوب والبدن والبقعة ...
12- الخمر ...
13-الأصل في الأشياء الطهارة والبناء على اليقين ...
14- جميع الأواني مباحة إلا أواني الذهب والفضة ...
- آنية الكفار ...
المبحث الثالث: سنن الفطرة ...
1- الختان ...
2- حلق العانة ...
3- نتف الإبط ...
4- تقليم الأظافر ...
5- قص الشارب ...
6- إعفاء اللحية ...
7- السواك ...
- السواك مشروع في كل وقت ويتأكد استحبابه في أحوال ...
الأول: عند الانتباه من النوم ...
الثاني: عند كل وضوء ...
الثالث: عند كل صلاة ...
الرابع: عند دخول المنزل ...
الخامس: عند تغير رائحة الفم ...
السادس: عند قراءة القرآن ...
السابع: قبل الخروج من البيت إلى المسجد ...
8- غسل البراجم ...
9ـ الاستنشاق ...
10ـ الاستنجاء أو الانتضاح ...
الفطرة فطرتان: قلبية، وعملية ...
المبحث الرابع: آداب قضاء الحاجة ...
1ـ لا يستصحب ما فيه ذكر الله تعالى ...
2ـ يبتعد عن الناس ...
3ـ دعاء دخول الخلاء والبدء بالدخول بالرجل اليسرى ...(16/106)
4ـ لا يرفع ثوب في الصحراء حتى يقرب من الأرض ...
5ـ لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ...
6ـ يبتعد عن طرق الناس وظلهم ومواردهم ...
7ـ يطلب مكانًا لينًا ...
8ـ لا يتكلم وهو يقضي حاجته إلا لضرورة ...
9- لا يبول في الماء الراكد ...
10- لا يغتسل في الماء الراكد وهو جنب ...
11- لا يبول في مستحمه ...
12- لا يمسك فرجه بيمينه ...
13- لا يستجمر بروث ولا عظم ...
14- لا يستجمر بأقل من ثلاثة أحجار ...
15- لا يدخل يده في الإناء إذا استيقظ من النوم حتى ...
16- يزيل ما على السبيلين من النجاسة ولذلك أحوال: ...
أ – الاستجمار بالحجارة ثم الاستنجاء بالماء ...
ب- الاستنجاء بالماء وحده ...
ج- الاستجمار بالحجارة وحدها ...
17- يقطع على وتر إذا استجمر ...
18- يدلك يده بالأرض بعد الاستنجاء أو يغسلها بالصابون ...
19- ينضح فرجه وسراويله ...
20- لا يطيل الجلوس والمكث في الحمام أو الخلاء ...
21- يستحب أن لا يتطهر الرجل بفضل المرأة وبالعكس ...
22- يقدم رجله اليمنى عند الخروج ويدعو بالمأثور ...
المبحث الخامس:الوضوء ...
1- ما يجب له الوضوء ...
الأول: الصلاة مطلقاً ...
الثاني: الطواف بالبيت ...
الثالث: مس المصحف ...
2- فضل الوضوء ...
3- صفة الوضوء الكامل: عشر دراجات ...
4- فروض الوضوء وأركانه ...
أولاً: غسل الوجه ...
ثانياً: غسل اليدين ...
ثالثاً: مسح جميع الرأس وأحوال المسح ...
رابعاً: غسل الرجلين ...
خامساً: الترتيب ...
سادساً:الموالاة ...
5- شروط الوضوء عشرة ...
6- سنن الوضوء ...
ا- السواك ...
ب – غسل الكفين ...
ج- الدلك ...
د- التثليث ...
ه- الدعاء بعد الوضوء بالمأثور ...
و- صلاة ركعتين بعده ...
ز- عدم الإسراف ...
7- نواقض الوضوء ...
1- الخارج من السبيلين ...
2- الخارج النجس الفاحش من بقية البدن ...
3- زوال العقل بنوم أو غيره ...
4- مس الفرج قبلا ًأو دبراً ...
5- أكل لحم الإبل ...
6- الردة عن الإسلام ...(16/107)
8- الأمور التي يستحب لها الوضوء ...
1- عند ذكر الله تعالى ...
2-الوضوء عند النوم ...
3- الوضوء عند كل حدث ...
4- الوضوء عند كل صلاة ...
5- الوضوء من حمل الميت ...
6- الوضوء من القيء ...
7- الوضوء مما مست النار ...
8- الوضوء للجنب إذا أراد الأكل ...
9- الوضوء للمعاودة للجماع ...
10- الوضوء للجنب إذا نام دون اغتسال ...
المبحث السادس: المسح على الخفين، والعمائم المحنكة، والجبيرة ...
أ- حكمه ...
ب- شروطه سبعة ...
ج- مبطلات المسح على الخفين ثلاثة ...
د- كيفية المسح على الخفين ...
ه- المسح على الجبائر ...
* كيفية المسح على الجبائر ...
المبحث السابع:الغسل ...
أ- موجبات الغسل ...
1-خروج المني دفقاً بلذة ...
2- إلتقاء الختانين ...
3- إسلام الكافر على قول ...
4- موت المسلم ...
5- الحيض ...
6- النفاس ...
ب- ما يمنع منه الجنب: ...
1- الصلاة ...
2- الطواف ...
3- مس المصحف ...
4- قراءة القرآن ...
5- الجلوس في المسجد ...
ج- شروط الغسل ثمانية ...
د- صفة الغسل الكامل وكيفيته إحدى عشرة درجة ...
ه- الأغسال المستحبة:اثنا عشر ...
1- غسل يوم الجمعة ...
2- غسل الإحرام ...
3- الاغتسال لدخول مكة المكرمة ...
4- الاغتسال لكل جماع ...
5- الاغتسال من غسل الميت ...
6- الاغتسال من دفن المشرك ...
7- اغتسال المستحاضة لكل صلاة أو عند الجمع ...
8- الاغتسال من الإغماء ...
9-الاغتسال من الحجامة ...
10- غسل الكافر إذا أسلم على قول ...
11- غسل العيدين ...
12- غسل يوم عرفة ...
المبحث الثامن: التيمم ...
1- حكمه ومشروعيته ...
2- من يجوز ويشرع له التيمم ...
أ- من لم يجد الماء ...
ب- من لم يجد من الماء ما يكفيه ...
ج- إذا كان الماء شديد البرودة ويحصل به الضرر ...
د- من عجز عن استعمال الماء لمرض ...
ه- إذا حال بينه وبين الماء عدو أو خاف على نفسه ...
و- إذا خاف العطش والهلاك حبس الماء وتيمم ...(16/108)
فالحاصل أن التيمم يشرع إذا تعذر وجود الماء ...
3- كيفية التيمم وصفته ...
4- نواقض التيمم ومبطلاته هي كالتالي ...
1- نواقض الوضوء وموجبات الغسل ...
2- وجود الماء، والقدرة على استعماله ...
5- فاقد الطهورين: الماء و التراب ...
6- من تيمم وصلى ثم وجد الماء في الوقت ...
المبحث التاسع: الحيض والنفاس والاستحاضة والسلس ...
المطلب الأول: الحيض ...
1- تعريفه ...
2- حكمته ...
3- لون دم الحيض ...
4- زمن الحيض ومدته ...
5- أحكام الحيض ...
أ- ما يمنع الحيض ...
1- الصلاة ...
2- الصوم ...
3- الطواف ...
4- مس المصحف ...
5- المكث في المسجد ...
6- الوطء في الفرج ...
7- الطلاق ...
8- الاعتداد بالأشهر ...
ب- ما يباح مع الحائض والنفساء ...
1- المباشرة ...
2- الأكل والشرب معها ...
3- خروج الحائض في العيدين ...
4- قراءة القرآن في حجر الحائض ...
5- غسل الحائض رأس زوجها ...
6- تعمل جميع العبادات ما عدا ما تقدم ...
ج- علامة الطهر ...
1- القصة البيضاء ...
2- الجفاف ...
المطلب الثاني: النفاس ...
1- تعريفه ...
2-الفرق بينه وبين الحيض ...
3- أحكام النفاس: كأحكام الحيض إلا في عدة أمور ...
أ- العدة ...
ب- مدة الإيلاء ...
ج – البلوغ ...
د- دم الحيض يأتي في أوقات معلومة ...
4- أقل النفاس وأكثره ...
المطلب الثالث: دم الاستحاضة ...
1- تعريفه ...
2- الفرق بينه وبين الحيض ...
3- أحوال المستحاضة ...
الحالة الأولى: مدة الحيض معروفة لها ...
الحالة الثانية: ليس لها عادة ولها تمييز صالح ...
الحالة الثالثة: لا يكون لها عادة ولا تمييز ...
4- أحكام الاستحاضة ...
أ- يجب عليها الغسل عند انقطاع دم الحيض ...
ب – وجوب الوضوء عليها لدخول كل وقت ...
ج – تحتاط فتستثفر ...
د- الجمع الصوري ...
5-استحاضة الحامل أو حيضها....................................
المطلب الرابع: أحكام السلس ...
- المصاب بسلس البول ...(16/109)
- المصاب بالريح المستمرة ...
- المصاب بالمذي الذي لا ينقطع ...
الفهرس ...(16/110)
نور التوحيد
وظلمات الشرك
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في: "نور التوحيد وظلمات الشرك"، بيّنت فيها: مفهوم التوحيد، وأدلته، وأنواعه، وثمراته، ومفهوم الشرك، وأدلة إبطاله، والشفاعة: المنفية، والمثبتة، وأسباب ووسائل الشرك، وأنواعه، وأقسامه، وأضراره وآثاره.
ولا شك أن التوحيد نور يوفق الله له من يشاء من عباده، والشرك ظلمات بعضها فوق بعض يُزيَّن للكافرين قال الله عز وجل: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(1)، وقد بيّن الله عز وجل أنه أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم الآيات الواضحات والدلائل الباهرات، وأعظمها القرآن الكريم؛ ليخرج الناس بإرسال الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة: من ظلمات الضلالة والشرك، والجهل، إلى نور الإيمان والتوحيد، والعلم والهدى، قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(2).
وقد قسمت البحث إلى مبحثين، وتحت كل مبحث مطالب على النحو الآتي:
المبحث الأول: نور التوحيد:
المطلب الأول: مفهوم التوحيد.
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 122.
(2) سورة الحديد، الآية: 9.(17/1)
المطلب الثاني: البراهين في إثبات التوحيد.
المطلب الثالث: أنواع التوحيد.
المطلب الرابع: ثمرات التوحيد وفوائده.
المبحث الثاني: ظلمات الشرك:
المطلب الأول: مفهوم الشرك.
المطلب الثاني: أدلة إبطال الشرك.
المطلب الثالث: الشفاعة المنفية والمثبتة.
المطلب الرابع: مسبغ النعم المستحق للعبادة.
المطلب الخامس: أسباب ووسائل الشرك.
المطلب السادس: أنواع الشرك وأقسامه.
المطلب السابع: أضرار الشرك وآثاره.
والله سبحانه أسأل باسمه الأعظم الذي إذا سُئِلَ به أعطى أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه عز وجل خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على عبده ورسوله الأمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ظهر يوم الثلاثاء الموافق 16/10/1419هـ.
المبحث الأول: نور التوحيد
المطلب الأول: مفهوم التوحيد:
التوحيد المطلق: هو: العلم والاعتراف المقرون بالاعتقاد الجازم، بتفرد الله عزَّ وجلَّ بالأسماء الحسنى، وتوحده بصفات الكمال، والعظمة والجلال، وإفراده وحده بالعبادة(1)، قال سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}(2) قال العلامة السعدي رحمه الله: "أي متوحد منفرد في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فليس له شريك: في ذاته، ولا سمي له ولا كفء، ولا مثل، ولا نظير، ولا خالق ولا مدبر غيره؛ فإذا كان كذلك فهو المستحق، لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه"(3).
المطلب الثاني: البراهين الساطعات في إثبات التوحيد:
__________
(1) انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد، للسعدي، ص18.
(2) سورة البقرة، الآية: 163.
(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص60.(17/2)
البراهين الساطعات، والبينات الواضحات في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم على إثبات التوحيد كثيرة لا تحصر، ولكن منها على سبيل المثال ما يأتي:
1 ـ قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(1) والمعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا ليوحدون(2).
2 ـ وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}(3) يخبر الله عزَّ وجلَّ أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة، أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولاً، وكلهم متفقون على دعوة واحدة، ودين واحد، وهو: عبادة الله وحده لا شريك له، فانقسمت الأمم بحسب استجابتها لدعوة الرسل قسمين {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ} فاتبعوا المرسلين، {وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} فاتبع سبيل الغي(4).
__________
(1) سورة الذاريات، الآيات: 56 – 58.
(2) الجامع لأحكام القرآن الكريم، للقرطبي، 17/57.
(3) سورة النحل، الآية: 36.
(4) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص393.(17/3)
3 ـ وقال عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ}(1) فكل الرسل عليهم الصلاة والسلام قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم: زبدة رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة(2)؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ}(3).
4 ـ وقال الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(4) فالله عزَّ وجلَّ قضى، ووصَّى، وحكم، وأمر بالتوحيد فقال {وَقَضَى رَبُّكَ} قضاءً دينيًا، وأمرًا شرعيًّا، {أَلاَّ تَعْبُدُواْ} أحدًا: من أهل الأرض والسماوات، الأحياء، والأموات، {إِلاَّ إِيَّاهُ} لأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد(5).
5 ـ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون لأممهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(6) والمعنى اعبدوا الله وحده؛ لأنه الخالق الرازق، المدبر لجميع الأمور، وما سواه مخلوق مُدبَّر ليس له من الأمر شيء(7).
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية: 25.
(2) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 18/427، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص470.
(3) سورة الزخرف، الآية: 45.
(4) سورة الإسراء، الآية: 23.
(5) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 17/413، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/34، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص407.
(6) سورة الأعراف، الآية: 59، 65.
(7) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص255.(17/4)
6 ـ وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(1).
7 ـ وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(2) أمر الله عزَّ وجلَّ نبيه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم أن يقول للمشركين:إن صلاتي وذبحي، وحياتي وما آتيه فيها، وما يجريه الله عليَّ وما يقدر علي في الجميع لله رب العالمين، لا شريك له في العبادة، كما أنه لا شريك له في الملك والتدبير، وبذلك أمرني ربي، وأنا أول من أقرَّ، وأذعن، وخضع من هذه الأمة لربه(3).
__________
(1) سورة البينة، الآية: 5.
(2) سورة الأنعام، الآيتان: 162 – 163.
(3) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 12/283، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص245.(17/5)
8 ـ وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: له: “يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده”؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا” ثم سار ساعة ثم قال: “يا معاذ، هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه” قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا”(1)، وهذا الحديث العظيم يبيّن أن حق الله على عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له بما شرعه لهم من العبادات، ولا يشركوا معه غيره، وأن حق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، ولا شك أن حق العباد على الله: هو ما وعدهم به من الثواب، فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق، وقوله الحق، الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر، ولا الخلف في الوعد، فهو حق جعله الله سبحانه على نفسه، تفضلاً وكرمًا، فهو سبحانه الذي أوجب على نفسه حقًّا لعباده المؤمنين، كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه، ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته، وعدله، كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم(2).
9 ـ وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه، يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: “.. فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله”(3).
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، 7/89، برقم 5967، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، قطعًا، 1/58، برقم 30، واللفظ للبخاري برقم 2856، ورقم 6500.
(2) انظر: المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 1/203، وشرح النووي على صحيح مسلم، 1/345 ومجموع فتاوى ابن تيمية، 1/213.
(3) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، 1/125، برقم 425، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، 1/455، برقم 33.(17/6)