سيرة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله
اسمه ونسبه :
هو الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الخزرجي السعدي - نسبة إلى سعد بن عبادة - الصحابي الجليل - , ولد سنة 1343 هـ ببلدة يقال لها ( تاد مكة ) في مالي بأفريقيا .
رحلته في الطلب :
كانت علامات النجابة باديةُ عليه منذ الصغر , محباً للعلم , حيث نشأ عند عمه الملقب بالبحر لسعة علمه ودقة فهمه , حيث حفظ القرآن مبكراً وعمره ثمان سنوات , وعلوم الآلة , وكذلك الحديث , والكثير من المتون والمنظومات قبل سن الرشد , فقد كان يحفظ ( الملحة ) للحريري , و( الكافية والالفية ) لابن مالك , و ( الالفية ) للسيوطي , و( جمع الجوامع ) للسبكي , والمعلقات السبع وقصائد العرب ,,, وغيرها .
خرج من بلده , مهاجراً بسبب الإستعمار الفرنسي .
وكان عمره إحدى وعشرون سنة , فتوجه إلى الحرمين , فلما حط رحاله في الحرم المكي , أخذ ينهل من العلم في حلقات المسجد الحرام , وكان من شيوخه فيها , الشيخ حامد الفقي , والشيخ عبدالله المشاط , والشيخ محمد أمين الحلبي ….
وما لبث حتى أذن له الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ بالتدريس في حلقات الحرم المكي .
ثم انتقل رحمه الله إلى المدينة المنورة , والتحق بدار العلوم , ودَرَسَ على عدد من العلماء فيها , منهم : محمد الحافظ , وعمر بري , وعبده خديع , وغيرهم …
ثم رجع إلى مكة , وفي موسم الحج , حصل لقاء مع الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم والشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ , فأشارا عليه بالذهاب إلى الرياض , فذهب , وأصبح يُدَرِّس في كلية الشريعة , ثم انتقل إلى معهد إمام الدعوة العلمي , ثم عاد إلى الكلية , ثم نُقل إلى الجامعة الاسلامية بالمدينة .(1/1)
حبه للعلم والمذاكرة :
وقد اشتهر رحمه الله بحبه للعلم وطلابه , حيث كان يقضي غالب وقته في المذاكرة معهم , وكان مقصد الكثير من العلماء وطلاب العلم في بيته العامر بالمدينة المورة , حيث يجدون عنده بغيتهم , وكانت مكتبته مشهورة لدى طلاب العلم باحتوائها على المراجع والمصنفات في شتى فنون الشريعة , وكان ييسر لهم ما يريدون من الكتب بتصويره لهم , وكن رحمه الله يهتم بجمع المخطوطات خصوصاً في علم الحديث , وقد كان له الفضل بعد الله في طباعة الكثير من كتب الحديث وإخراجها لطلاب العلم , ويقدر عدد الكتب في مكتبته بأكثر من ثلاثة آلاف مجلد أغلبها في علم الحديث .
تلاميذه :
هذا وقد تتلمذ على يديه - رحمه الله - جمع غفير من طلاب العلم والمشايخ , ونذكر منهم : ( الشيخ عبدالله بن جبرين , الشيخ بكر أبو زيد , والشيخ ربيع بن هادي , والشيخ صالح العبود , والشيخ صالح آل الشيخ , والشيخ علي الفقيهي , والشيخ صالح السحيمي , والشيخ عطية سالم ( قرأ عليه في النحو ) , والشيخ محمد بن ناصر العجمي من الكويت , والشيخ عبدالرزاق البدر , والشيخ عمر فلاته , وغيرهم من كبار طلاب العلم .....
مؤلفاته :
وقد ترك رحمه الله إرثاً عظيماً من المؤلفات في فنون مختلفة , فمنها : في النحو ( الأجوبة الوفية عن أسئلة الألفية ) وفي العقيدة , كتاب ( أبو الحسن الأشعري وعقيدته ) ومنها في الفقه ( تحفة السائل عن صوم المرضع والحامل ) وفي الحديث ( إتحاف ذوي الرسوخ بمن دلس من الشيوخ ) وكتاب ( سبيل الرشد في تخريج أحاديث بداية ابن رشد ) والكثير من المؤلفات النفيسة التي يحرص طلاب العلم على اقتنائها والإفادة منها , وقد شارك رحمه الله في جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مع ابن قاسم رحمه الله .
من أقواله وأحواله :
قال رحمه الله : ( كنت كلما رأيت مخطوطةً نسختها )
وقال : ( كنت في شبابي أقرأ وأكتب إلى الفجر , ولا أنام إلا شيئاً قليلاً من الظهر )(1/2)
وقال : ( أعطيت الجامعة الإسلامية أربعمائة مخطوط , بعضها بخطّي )
وقال : ( الكتب عندي أفضل من قصور الملوك )
وقال : ( عندي إجازات في كل علم حتى في الهندسة ! )
وقال : ( كنا لا ندرس شيئاً من العلم حتى نحفظه )
قال ابنه عبدالأول : كان كثيراً ما يجلس في صالة المنزل قبل الظهيرة وبعدها , ويأخذ أي كتاب من مكتبته , ويقرأ بصوتٍ عالٍ على طريقة أهل بلده , وكان لها نغمة خاصة .
وقال رحمه الله : ( أخذت في مكتبة الحرم سبع سنوات أنسخ المخطوطات , ولم يكن هناك تصوير )
وكان يقول : ( أنا لست بمفتي , أنا خادم طلبة العلم )
ولما أرادوا فتح جامعة إسلامية أشار على الشيخ محمد بن ابراهيم أن تكون في المدينة , وقال : ( سبق وأن كانت في المدينة جامعة إسلامية ألا وهي أبو بكر رضي الله عنه , يمثل العرب , وبلال يمثل الحبشة , وهكذا .. )
وقال : ( كان لي شيخ يقول لي : لا بد أن تسافر إلى نجد فإنك إذا عشت معهم كأنك تعيش مع الصحابة ) - لكثرة العلماء فيها وصفاء معتقدهم .
وقال : ( أيامي في الرياض , كانت الأيام الذهبية )
من وصاياه وحِكَمِه :
قوله : ( ما أكثر ما كُتِب وما أقلّ ما قُرئ )
وقوله : ( أنا لاحظت طلبة العلم في هذا العصر لا يتذاكرون )
وقال لبعض الطلبة : ( خذوا كتاب ابن جماعة في آداب السامع والمتعلم , واقرأوا كل يوم فصلاً منه )
وقال رحمه الله : ( إن طلبة العلم اليوم شَغَلَهُم العدو - أي الكفار - عن الطلب , وأن طلب العلم واجب عليهم في هذا الوقت )
وقال عن النساء ( إنهن في هذا الزمان امتزن بالنشاط والاستعداد للبحث )
وقال عن الدعوة ( إنها ميدان لا ينبغي أن يدخل فيه إلا أهل البصيرة )
وقال رحمه الله ( على العلماء أن يُحدِّثوا الناس بما يعقلون , وأن لا يُدخلوهم في المتاهات )
وقال عن جماعة الإخوان المسلمين : ( لا تقربوهم , فكل ما عندهم شُبَه )(1/3)
وقال : ( إن هذا العصر مريب , وخاصة بعد فتنة الحرم , وأنا أعمل بالحديث الضعيف " احترسوا من الناس بسوء الظن " وأنا أتحفظ كثيراً من أهل هذا العصر وبالأخص من الشباب )
وقال عن علم النفس : ( يسمونه تربية وأنا أسميه "تردية " )
وقال لطالب علم : ( لا تكثر قراءة الكتب التي فيها الشذوذ العلمي )
وقال عن فتنة الخليج : ( إنها أحدثت سكوناً وكسلاً بين طلاب العلم)
وقال عن الصحوة التي تُذكر في هذا الزمان ( هذه ليست صحوة , بل غفلة عن طلب العلم )
ومناقبه رحمه الله وفضائلة كثير لا حصر لها .
وفاته :
هذا وقد توفي الشيخ حماد رحمه الله في يوم الاربعاء 21 \ 6 \ 1418هـ بعد مرض لازمه عدة أشهر , وصُلّيَ عليه في المسجد النبوي الشريف بعد صلاة العصر , وأم المصلين الشيخ عبدالباري الثبيتي , وشيَّعه جمع غفير لا يُحصون من طلبة العلم والمشايخ .
فرحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته , وجمعنا به في مقعد صدق عنده سبحانه إنه جواد كريم , والله أعلم , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الترجمة , مستقاة من كتاب ( المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد الأنصاري ) تأليف وجمع : عبدالأول بن حماد الأنصاري .(1/4)
المفهوم الصحيح للتوسل على ضوء السنة
لفضيلة الأستاذ حماد بن محمد الأنصاري الأستاذ بالجامعة الإسلامية
[ مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 42 ]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.. فقد اطلعت على رسالة صغيرة كتبها شخص باسم عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني وسماها (اتحاد الأذكياء في التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين والأولياء) يدعو فيها إلى التوسل بذوات الصالحين مستدلاً على دعواه فيها بخمسة أحاديث مرفوعة وبخمسة آثار موقوفة، وعقب على كل واحد منها بأنه صحيح، وأنها دالة كلها على مرامه..
هذا وقد ألفت رسائل كثيرة في الرد على مثل هذه الرسالة، منها قاعدة التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وصيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ زيني دحلان للشيخ السهسواني، وغاية الأماني في الرد على النبهاني للألوسي، ومنهاج التأسيس في الرد على ابن جرجيس للشيخ عبد اللطيف، وتأسيس التقديس في الرد على ابن جرجيس لبابطين النجدي، ومصباح الظلام في الرد على ابن منصور للشيخ عبد اللطيف وغير ذلك كثير.(2/1)
فمشاركة لهؤلاء الأعلام في الذب عن السنة المطهرة وحفاظاً على العقيدة السلفية من أن يعبث بها كل لاعب رأيت من الواجب على بيان الحق نحو الأخبار والآثار التي لبس بها الغمارى على العامة فوضعت قلمي على هذه الأوراق مستعيناً بالله وحده، فإذا تلك الأخبار والآثار على قسمين، قسم دال مرامه ولكنه ضعيف جداً أو موضوع، وقسم خارج عن الموضوع على فرض صحته، وقد قدمت الكلام على الأحاديث المرفوعة التي ساقها في رسالته الصغيرة التي تقدمت الإشارة إليها. وكذلك ما ساق في أصل رسالته هذه ثم قفيته بالكلام على ما أورده من الآثار الموقوفة، وسميت هذه الرسالة (بتحفة القاري في الرد على الغمارى)
أدلة الغماري :
فإليك أيها القارئ أدلة الغمارى التي لا تنطلي إلا على الأغمار لأنك إذا نظرت إليها تجد أن أسانيدها كلها لا تخلو من كذاب أو متهم بالكذب متروك الحديث أو مجهوله تنقطع أعناق الإبل دون أن يعرف. إضافة إلى أنه أورد فيها حديث عمر في الصحيحين وحديث الأعمى في السنن مع أنهما خارجان عن الموضوع، كما ستقرؤه إن شاء الله في محله.(2/2)
1- الحديث الأول من أحاديث الغمارى قال: "أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي تجوعين وتشبعينني وتعرين وتكسينني وتمنعين نفسك طيباً وتطعمينني تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة"، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع فيه وقال:" الله الذي يحيى ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين"، وكبر عليها أربعاً وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر رضي الله عنهما ". قال: قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير روح بن صلاح، وقد وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف. قال فالحديث صحيح وله طرق، منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في المعرفة والديلمي في مسند الفردوس بإسناد حسن كما قال الحافظ السيوطي"، انتهى كلام الغمارى. قلت: قال الحافظ ابن حجر في اللسان: "إن روح بن صلاح ذكره يونس في تاريخ الغرباء وقال: هو من أهل الموصل قدم مصر وحدث بها.رويت عنه مناكير ". قال الدارقطني:"ضعيف في الحديث ". وقال ابن ماكولا:"ضعفوه، سكن مصر ". وقال ابن عدى بعد أن أخرج له حديثين:"وله أحاديث كثيرة في بعضها نكرة "، وقال الذهبي في الديوان:"روح بن صلاح عن ابن لهيعة قال ابن عدى: ضعيف ". وقال السهسواني في الصيانة:"روح ضعيف(2/3)
ضعفه ابن عدى، وهو داخل في القسم المعتدل من أقسام من تكلم في الرجال، كما في فتح المغيث للسخاوى، ولا اعتداد بذكر ابن حبان له في الثقات فإن قاعدته معروفة من الإحتجاج بمن لا يعرف كما في الميزان، وكذلك لا اعتداد بتوثيق الحاكم وتصحيحه فإنه داخل في القسم المتسمح "، قال السخاوى: وقسم متسمح كالترمذي والحاكم ". وقال السيوطى في التدريب:"وهو متساهل فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحاً ولا تضعيفاً، حكمنا بأنه حسن إلا أن تظهر فيه علية توجب ضعفه ".
وقال البدر بن جماعة:"والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الضعف أو الصحة "، ووافقه العراقي وقال:"أن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم ". فقول الحاكم وابن حبان عند التعارض لا يقام له وزن حتى ولو كان الجرح مبهماً لم يذكر له سبب، فكيف مع بيانه، كما هو الحال في ابن صلاح هذا، فأنت ترى أئمة الجرح قد اتفقت عباراتهم على تضعيفه، وبينوا أن السبب رواية المناكير، فمثله إذا انفرد بالحديث يكون منكراً لا يحتج به، فلا يغتر بعد هذا بتوثيق من سبق ذكره إلا جاهل أو مغرض.
فحديث أنس هذا الذي تبين أنه ضعيف أوهم الغمارى أنه صحيح بتمسكه بتوثيق ابن حبان والحاكم لروح بن صلاح، وقد بينا ضعفه وعدم اعتداد العلماء بتوثيق المذكورين فتذكر. ولم يكتف بهذا التلبيس بل قال عقبه:
ولهذا الحديث طرق منها عن ابن عباس عند أبي نعيم في المعرفة والديلمى في الفردوس بإسناد حسن كما قاله الحافظ السيوطى.
فهذا كذب منه على ابن عباس رضي الله عنهما وربما على السيوطى أيضاً فليس في حديث ابن عباس موضع الشاهد من حديث أنس وهو قوله (بحق نبيك والأنبياء الذين قبلي فإنك أرحم الراحمين).(2/4)
قال ابن الأثير في أسد الغابة ما نصه:"أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء إجازة بإسناده عن أبي بكر بن أبي عاصم حدثنا عبد الله بن شبيب بن خالد القيس حدثنا يحيى بن إبراهيم بن هاني أخبرنا حسين بن زيد بن على عن عبد الله بن محمد بن عمر بن على عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن فاطمة بنت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجزاها خيراً ".
وروى عن ابن عباس نحو هذا وزاد:"فقالوا: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه؟ قال: إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر " [1] .
وقال ابن عبد البر:"روى سعدان بن الوليد السابرى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم على بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه؟ فقال: "إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها " [2] .
ورواه الطبراني في الأوسط أيضاً بدون هذا الشاهد مثل رواية ابن عبد البر، وقال الهيثمى:"وفيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات " [3] . ولفظه في المجمع عن ابن عباس قال:"لما ماتت فاطمة أم على بن أبي طالب خلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسها إياه واضطجع في قبرها، فلما سوى عليها التراب قالوا: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد؟ فقال:"إني ألبستها قميصي لتكسى من ثياب الجنة واضطجعت معها في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر، إنما كانت أحسن خلق الله إلي صنيعاً بعد أبى طالب ". وليس في هذه الروايات عن ابن عباس ذكر للشاهد الذي تقدم في حديث أنس رضي الله عنه ".
2- وعند الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة "أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك ".(2/5)
قلت: قال الهيثمى في المجمع:"وفيه فضالة بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه ". وقال الذهبي في الميزان:"قال ابن عدى عامة أحاديثه غير محفوظة ". وقال ابن حبان:"لا يحل الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها "هكذا في الفوائد المجموعة للشوكاني رحمه الله.
3- وعن ابن عباس قال:"سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال: "سأل بحق محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت على فتاب عليه .." انتهى. قلت: قال الدارقطني:"تفرد به عمرو بن ثابت أبو المقدام بن هرمز الكوفي يكنى أبا ثابت وقد قال يحيى: أنه لا ثقة ولا مأمون ". وقال ابن حبان:"يروي الموضوعات". وقال الذهبي في الميزان:"قال النسائي: متروك الحديث "، وقال أبو داود:" رافضي".
وقال عبد الله بن المبارك:"لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف "وفي سؤالات الآجري أبا داود عنه أنه قال:"رافضي خبيث وهو المشئوم ليس يشبه حديثه أحاديث الشيعة "، ذكره ابن عراق في الوضاعين وقال:"عمرو بن ثابت أبي المقدام "قال ابن حبان:"روى الموضوعات عن الثقات "وذكره الفتني أيضاً في قانون الضعفاء وقال:"متروك ".
قال يحيى:"عمرو بن ثابت لا ثقة ولا ثابت، إن الله تعالى قد بين الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فدعا بها هو وحواء بقوله تعالى: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . وهذا أقوى رد للمتن الذي رواه هذا الوضاع المجوسي الأصل من غلاة الروافض ".
4- حديث الأعمى عند الترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه، وهذا الحديث على القول بصحته فليس فيه متمسك على دعواه لأن الأعمى إنما توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره في قاعدة التوسل والوسيلة.(2/6)
ذكر أن العز بن عبد السلام أوقف القول بجواز التوسل به صلى الله عليه وسلم على صحة هذا الحديث، ولكنه لا يدل على التوسل بذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم بل إنما يدل على التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم للأعمى لقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى :"إن شئت دعوت وإن شئت صبرت" ولقول الأعمى في آخر دعائه "اللهم فشفعه في".
وسيأتي بسط الكلام على هذا الحديث عن قريب إن شاء الله عند الكلام على حديث الطبراني في توسل عثمان بن حنيف.
5- الحديث الخامس أخرج الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ في كتابه ثواب الأعمال من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه "أن أبا بكر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتعلم القرآن ويتفلت مني، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول:"اللهم إني أسألك بمحمد نبيك وإبراهيم خليلك وموسى نجيك وعيسى كلمتك وروحك وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وفرقان محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين " (الحديث) لم يزد الغمارى على قوله في هذا الحديث (وهو ضعيف لضعف عبد الملك، ولأن فيه انقطاعاً بين أبيه وبين أبي بكر كما قال الحافظ العراقي في المغنى).
قلت: قصر في البحث أو أراد التلبيس كما هو عادته لأن عبد الملك بن هارون بن عنترة قال السعدي:"دجال كذاب "، وقال يحيى بن معين أيضاً:" كذاب ". وقال أبو حاتم:"متروك ذاهب الحديث "، وقال ابن حبان:"يضع الحديث وهو الذي يقال به عبد الملك بن أبي عمرو ". وقال الذهبي:"واتهم بوضع الحديث "، وكذلك ابن عراق ذكر في الكذابين ما قال السعدي وابن حبان فيه. وقال الفتني في قانون الضعفاء:"عبد الملك بن هارون الشيباني كذاب دجال يضع ".
وقال الحافظ في اللسان:"قال صالح بن محمد عامة حديثه عن أبيه كذب، وأبوه هارون ثقة ". وقال الحاكم في المدخل:"روى عن أبيه أحاديث موضوعة ".(2/7)
وقال أبو نعيم:"يروى عن أبيه مناكير وأبوه هارون بن عنترة الشيباني الكوفي فقد قال الحافظ في التقريب: لا بأس به ، الدارقطني يحتج به وأبوه يعتبر به وأما ابنه عبد الملك فمتروك يكذب "- الميزان.
6- قال الطبراني في الصغير ثنا محمد بن داود بن أسلم السدفي المصري ثنا أحمد بن سعيد المدني الفهري ثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أذنب آدم عليه السلام الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش فقال:"أسألك بحق محمد إلا غفرت لي " الحديث ورواه الحاكم في المستدرك أيضاً قال ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر به ففي هذا الحديث آفات كثيرة سكت عنها الغمارى لأنها لا تتلاءم مع غرضه من التلبيس. منها إن الذهبي قال في الميزان:"عبد الله بن مسلم أبو الحارث الفهري روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبراً باطلاً فيه:( يا آدم لو لا محمد ما خلقتك ). قال في تلخيص المستدرك: بل هو موضوع وعبد الرحمن واه ".(2/8)
وقال أيضاً:"رواه عبد الله بن مسلم الفهري ولا أدري من ذا عن إسماعيل بن مسلمة "قال الحافظ في اللسان:"لا استبعد أن يكون هو عبد الله بن مسلم بن رشيد وقد ذكره ابن حبان من المتهمين بوضع الحديث، لا يحل كتب حديثه، وهو شيخ لا يعرفه أصحابنا وإنما ذكرته لئلا يحتج به أحد من أصحاب الرأي لأنهم كتبوا عنه فيتوهم من لم يتبحر في العلم أنه ثقة وهو الذي روى عن أبي هدبة نسخة كأنها معمولة، ضبط الخطيب أباه بالتشديد وجده بالتصغير ". قلت: وإسماعيل بن مسلمة هذا صدوق يخطئ، وفيه أيضاً مجاهيل كما قال الهيثمى في المجمع رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم [4] .
وقال الطبراني:"لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن صعيد المدني الفهري عن عبد الله به إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده [5] . عبد الرحمن بن زيد، قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: سأل رجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثك أبوك عن أبيه أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين؟ قال: نعم. قال محمد بن عبد الله: سمعت الشافعي يقول: ذكر لمالك حديث فقال: من حدثك به؟ فذكر به إسناداً منقطعاً فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه عن نوح عليه السلام- "انتهى.
وقال في الصارم قال الحاكم أبو عبد الله:"روى عبد الرحمن عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ".
وأما عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فضعيف غير محتج به عند أهل الحديث. قال الفلاس:"لم أسمع عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ". وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل:"ضعيف ".(2/9)
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين:"ليس حديثه بشيء ". وقال البخاري وأبو حاتم الرازي:"ضعفه علي بن المديني جداً ". وقال أبو داود وأبو زرعة والنسائي والدارقطني:"ضعيف ". وقال ابن حبان:" كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوفات فاستحق الترك ". وقال الحاكم أبو عبد الله:"روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ". وقال ابن خزيمة:"عبد الرحمن بن زيد ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه ". وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني:"حدث عن أبيه، لا شيء ".
وما ذكرناه في هذا المكان من كلام أئمة هذا الشأن في بيان حال عبد الرحمن وحال الفهري فيه كفاية لمن له أدنى معرفة بهذا الشأن فكيف يسوغ لأحد الإحتجاج بحديث في إسناده مثل هذين الضعيفين المشهورين بالضعف ومخالفة الثقات اللذين لو كان أحدهما وحده في طريق الحديث لكان محكوماً عليه بالضعف وعدم الصحة فكيف إذا كانا مجتمعين في الإسناد.(2/10)
وقال ابن عبد الهادي:"وإني لأتعجب من السبكي كيف قلد الحاكم فيما صححه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الذي رواه في التوسل وفيه قول الله لآدم: (ولو لا محمد ما خلقتك)، مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث ضعيف في الإسناد جداً، وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بن زيد بصحيح بل هو مفتعل على عبد الرحمن ولو كان صحيحاً إلى عبد الرحمن لكان ضعيفاً غير محتج به لأن عبد الرحمن في طريقه. وقد أخطأ الحاكم وتناقض تناقضاً فاحشاً كما عرف له ذلك في مواضع، فإنه قال في كتاب الضعفاء بعد أن ذكر عبد الرحمن منهم وقال: ما حكيت عنه فيما تقدم أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه. ثم قال في آخر هذا الكتاب: فهؤلاء الذين قدمت ذكرهم قد ظهر عندي جرحهم لأن الجرح لا يثبت إلا ببينة، فهم الذين أبين جرحهم لمن طالبني به فإن الجرح لا أستحله تقليداً والذي أختار لطالب هذا الشأن أن لا يكتب حديث واحد من هؤلاء الذين سميتهم فالراوي لحديثهم داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين "هذا كله كلام الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك، وهو متضمن أن عبد الرحمن بن زيد قد ظهر جرحه بالدليل وأن الراوي لحديثه داخل في قوله صلى الله عليه وسلم :"من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " ثم إنه رحمه الله لما جمع المستدرك على الشيخين ذكر فيه من الأحاديث الضعيفة والمنكرة بل والموضوعة جملة كثيرة وروى فيه لجماعة من المجروحين الذين ذكرهم في كتابه في الضعفاء وذكر أنه تبين له جرحهم، وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة هذا الفعل وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره فلذلك وقع منه ما وقع وليس ذلك ببعيد ".(2/11)
ومن جملة ما خرجه في المستدرك حديث لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في التوسل قال بعد روايته هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب، فانظر إلى ما وقع للحاكم في هذا الموضوع من الخطأ العظيم والتناقض الفاحش.
ثم إن السبكي عمد إلى هذا الذي أخطأ فيه الحاكم وتناقض فيه فقلده فيه واعتمد عليه وأخذ في التشنيع على من خالفه فقال:"والحديث المذكور لم يقف ابن تيمية عليه بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه، ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك يعنى أنه كذب". ولنعرض للجواب عنه قال: وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم وذكر قبل ذلك بقليل أنه مما تبين له صحته.
قال في الصارم فانظر إلى هذا الخذلان البين والخطأ الفاحش كيف جاء هذا المعترض إلى حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث موضوع فصححه واعتمد عليه وقلد في ذلك الحاكم مع ظهور خطئه وتناقضه ومع معرفة هذا المعترض بضعف رواية وجرحه واطلاعه على الكلام المشهور فيه وأخذ يشنع على من رد هذا الحديث المنكر ولم يقبله ويبالغ في تخطئته وتضليله [6] .
ويقول الغمارى عن هذا الحديث الموضوع لا من أجل عبد الرحمن بن زيد وحده قال:"وفي علمي أن الذهبي تعقبه فحكم بوضع الحديث وأعله بعبد الرحمن المذكور ".(2/12)
وهذا منه غلو ومحازفة فإن عبد الرحمن من رجال الترمذي وابن ماجه وقد أخذ عنه الثقات الإثبات مثل مالك بن مغول ويونس بن عبيد وسفيان بن عيينة ووكيع وغيرهم، وهو وإن كان ضعيفاً لم يبلغ به الضعف إلى حد أن يحكم على حديثه بالوضع إذ لم يتهم بكذب له هو في نفسه صالحاً وفي الحديث واهياً، وقال في محل آخر:"هو أحب إلي من ابن أبي الرجال ". وقال ابن عدي:"له أحاديث حسان وهو ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم وهو ممن يكتب حديثه ". وقال ابن خزيمة:"ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه لسوء حفظه هو رجل صناعته العبادة والتقشف ليس من أحلاس الحديث "، ثم قال (قلت) وكذا جميع من ضعفه مثل أحمد والنسائي وابن سعد وابن حبان، إنما ضعفوه لسوء حفظه ولغفلته مع وصف بعضهم له بالصلاح والعبادة.
فملخص ما يقال في حديثه هذا أنه ضعيف فقط ليس بصحيح كما قال الحاكم ولا بموضوع كما قال الذهبي وكيف يكون موضوعاً وقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة وهو ملتزم أن لا يخرج في كتبه حديثاً موضوعاً كما ذكره الحافظ السيوطي في اللآلي راداً به على ابن الجوزي إذ أورد في الموضوعات من طريق ابن شاهين حديثاً هو عند البيهقي في الأسماء والصفات وبهذا امتازت كتب البيهقي على سائر من يلتزم أصحابها الصحة، وقد طعن في الحديث ابن تيمية أيضاً كما نقله عنه التقى السبكي في شفاء السقام ولم نشتغل برد كلامه لكونه في معنى كلام الذهبي. انتهى كلام الغمارى الذي إن دل على شيء فإنما يدل على المغالطة إذ تقدم أن عبد الرحمن بن زيد يروي عن أبيه أحاديث موضوعة وهذا الحديث من جملتها.
هذه أدلته المرفوعة على جواز التوسل بذوات الصالحين مع بيان عدم صلاحيتها للاستدلال بها على ما يريد.(2/13)
الآثار التي دلس بها الغماري على مطلوبه:
1 - منها ما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمن إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فانزل الله {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد، إلى قوله {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ثم قال الغماري تلبيساً كعادته:" هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الملك بن هارون ".
قلت: قال الحاكم في المستدرك:"أدت الضرورة على إخراجه في التفسير وهو غريب من حديثه ". وقال الذهبي في التلخيص:"قلت لا ضرورة في ذلك فعبد الملك متروك هالك لكن للأثر طرق، فأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريقي عطاء والضحاك عن ابن عباس قال:"كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يستفتحون لله، يدعون على الذين كفروا، يقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلى نصرتنا عليهم، فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا - يريد محمداً صلى الله عليه وسلم- ولم يشكوا فيه كفروا به ".
وأخرج أيضاً من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:"كان يهود المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون عليهم ويستنصرون، يدعون عليهم باسم نبي الله فيقولون: ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه الذي وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان ".(2/14)
قلت: هذا الأثر فيه الكذاب عبد الملك بن هارون بن عنترة وقد تقدم الكلام عليه في الأخبار المرفوعة. قال أبو نعيم في الدلائل: حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا أحمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أنه قال بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس:"أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله عز وجل من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبسر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا وقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد وإنا أهل الشرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما هو بالذي كنا نذكر لكم، ما جاءنا بشيء نعرفه، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} " [ 7 ] .
قال ابن جرير: ثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت قال حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس "أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه "، الحديث.
قال حديث عن المنجاب قال حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قال:"كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمداً عليهم وليس كذلك يكذبون ".(2/15)
قال العلائي في المراسيل:"الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير كان شعبة ينكر أن يكون لقي ابن عباس وروى عن يونس بن عبيد أنه قال: ما رأى ابن عباس قط وعن عبد الملك بن ميسرة أنه لم يلقه، إنما لقي سعيد ابن جبير بالري فأخذ عنه التفسير، وروى شعبة عن مشاش أنه قال:"سألت الضحاك لقيت ابن عباس؟ قال: لا "، وقال الأثرم:" سمعت أحمد بن حنبل يسأل الضحاك لقي بن عباس قال: ما علمت ، وقيل له فممن التفسير؟ قال: يقولون سمعه من سعيد بن جبير ".(2/16)
وأما كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب فهذا لا يعرف بل المعروف خلافه، والله تعالى قد أخبرنا بما يدل على ذلك فقال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [ 8 ] . لم يكونوا بمجردهم ينتصرون على العرب ولا على غيرهم. وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام، والذلة ضربت عليهم من حين بعث المسيح عليه السلام فكذبوه قال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} الآية. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} إلى آخر السورة.. وكانوا قد قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} فأنزل الله تعالى هذه الآيات {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} الآية. وروى محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن رجال من قومه قالوا:"مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه ما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك وأصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا وكان لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: قد تقارب زمان نبي يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، كثيراً ما كنا نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله محمداً رسولاً من عند الله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هؤلاء الآيات التي في البقرة {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} الآيات ". ولم يذكر ابن أبي حاتم(2/17)
وغيره ممن جمع كلام مفسري السلف إلا هذا، وهذا لم يذكر فيه السؤال به أحد من السلف بل ذكروا الأخبار به أو سؤال الله أن يبعثه فقد روى ابن أبي حاتم عن أبي رزين عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قال:" يستظهرون يقولون نحن نعين محمداً عليهم وليسوا كذلك يكذبون ".
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قال:"كانوا يقولون إنه سيأتي نبي {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } ".
وروى بإسناده عن ابن إسحاق ثنا محمد بن أبي محمد قال أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود ابن سلمة:"يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلام ابن مشكم أخو بنى النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى من قولهم {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآيات ".
وروى بإسناده عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال:"كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم، فلما بعث الله محمداً ورأوا أنه من غيرهم كفروا به، حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} ".(2/18)
وأما الحديث الذي يروى عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:" كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت اليهود فعاذت بهذا الدعاء " اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية "وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه وقال:"أدت الضرورة إلى إخراجه "، وهذا مما أنكره عليه العلماء فإن عبد الملك بن هارون من أضعف الناس وهو عند أهل العلم بالرجال متروك بل كذاب. وقد تقدم ما ذكره يحيى بن معين وغيره من الأئمة في حقه. قلت: وهذا الحديث من جملتها، وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه عن أبي بكر كما تقدم في الأحاديث المرفوعة.
ومما يبين ذلك أن قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية إنما نزلت باتفاق أهل التفسير والسير في اليهود المجاورين للمدينة أولاً كبني فينقاع وبني قريظة والنضير، وهم الذين كانوا يحالفون الأوس والخزرج وهم الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ثم لما نقضوا العهد حاربهم فحارب أولاً بني قينقاع ثم النضير وفيهم نزلت سورة الحشر. ثم بني قريظة عام الخندق فكيف يقال نزلت في يهود خيبر وغطفان فإن هذا من كذب جاهل لم يحسن كيف يكذب ومما يبين ذلك أيضاً أنه ذكر فيه انتصار اليهود على غطفان لما دعوا بهذا الدعاء، وهذا مما لم ينقله أحد غير هذا الكذاب، ولو كان هذا مما وقع لكان مما تتوفر دواعي الصادقين على نقله، .. انتهى (21 ص 86)..(2/19)
وأما قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، فكانت اليهود تقول للمشركين:"سوف يبعث هذا النبي ونقاتلكم معه فنقتلكم لم يكونوا يقسمون على الله بذاته ولا يسألون به بل يقولون اللهم ابعث هذا النبي الأمي لنتبعه ونقتل هؤلاء معه ". هذا هو النقل الثابت عند أهل التفسير وعليه يدل القرآن الكريم فإنه تعالى قال: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} والاستفتاح الاستنصار وهو طلب الفتح والنصر، فطلب الفتح والنصر به هو أن يبعث فيقاتلون معه بهذا ينصرون، ليس هو بأقسامهم به وسؤالهم به إذ لو كان كذلك لكانوا كلما سألوا أو أقسموا به نصروا، ولم يمكن الأمر كذلك بل لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نصر الله من آمن به وجاهد معه على من خالفه. وما ذكره بعض المفسرين من أنهم كانوا يقسمون به أو يسألون به فهو نقل مخالف للنقول الكثيرة المستفيضة المخالفة لهذا النقل وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في دلائل النبوة. وفي كتاب الاستغاثة الكبير، وكتب السيرة ودلائل النبوة والتفسير مشحونة. بمثل هذا النقول الكاذبة قال أبو العالية وغيره:"كان اليهود إذا استنصروا بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي نجده مكتوباً عندنا حتى نغلب المشركين ونقتلهم فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، ولفظ الآية إنما فيه {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} وهذا كقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} والاستفتاح طلب الفتح وهو النصر، ومنه الحديث المأثور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين أي يستنصر بهم أي بدعائهم كما قال "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بصلاتهم ودعائهم وإخلاصهم "، وهذا قد يكون بأن يطلبوا من الله تعالى أن ينصرهم(2/20)
بالنبي المبعوث في آخر الزمان بأن يعجل بعث ذلك النبي إليهم لينصروا به عليهم لا لأنهم أقسموا على الله وسألوه به، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } .
فلو لم ترد الآثار التي تدل على أن هذا معنى الآية لم يجز لأحد أن يحمل الآية على ذلك المتنازع فيه بلا دليل لأنه لا دلالة فيها عليه فكيف وقد جاءت الآثار بذلك.
وأما ما ذكر عن اليهود من أنهم كانوا ينصرون لقد بينا أنه شاذ وليس هو من الآثار المعروفة في هذا الباب فإن اليهود لم يعرف أنها غلبت العرب بل كانوا مغلوبين معهم، وكانوا يحالفون العرب فيحالف كل فريق فريقاً كما كانت قريظة حلفاء الأوس وكانت بنو النضير حلفاء الخزرج. ومما ينبغي أن يعلم أن مثل هذا اللفظ لو كان مما يقتضي السؤال به والأقسام به على الله تعالى لم يكن مثل هذا مما يجوز أن يعتمد عليه في الأحكام لأنه أولاً لم يثبت وليس في الآية ما يدل عليه، ولو ثبت لم يلزم أن يكون هذا شرعاً لنا فإن الله تعالى قد أخبر عن سجود إخوة يوسف وأبويه له وأخبر عن الذين غلبوا على أهل الكهف أنهم قالوا: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} ونحن قد نهينا عن بناء المساجد على القبور"انتهى.(2/21)
2 - وأخرج الدارمي في مسنده في باب ما أكرم الله تعالى به نبيه بعد موته قال حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال:"قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت: انظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال: ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق "، وقال على بن محمد القاري في شرح المشكاة:"قيل في سبب كشف قبره أنه صلى الله عليه وسلم كان يستشفع به عند الجدب فتمطر السماء فأمرت عائشة رضي الله عنها بكشف قبره مبالغة في الاستشفاع به، فلا يبقى منه بينه وبين السماء حجاب، قال الغماري:"وإسناده لا بأس به، أبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي البصري الملقب بعارم ثقة من رجال الصحيحين، وسعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد، قال ابن معين: ثقة. وعمرو بن مالك النكري ثقة من رجال الأربعة.
وأبو الجوزاء ثقة من رجال السنة "، انتهى كلامه.
قلت: فيه أربع آفات:
(ألف) أبو النعمان عارم قد اختلط في آخر عمره.
(ب) أبو الجوزاء أوس بن عبد الله، قال البخاري: في إسناده نظر ويختلفون فيه، قال الحافظ في التهذيب: إنما قاله عقب حديث رواه له في التاريخ من رواية عمر بن مالك النكري، والنكري ضعيف عنده. وقال الحافظ في التهذيب أيضاً: وقول البخاري في إسناده نظر، يريد أن أبا الجوزاء لم يسمع من عائشة وابن مسعود وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده. وأحاديثه مستقيمة، وحديثه عند مسلم عن عائشة في الافتتاح بالتكبير. وذكر ابن عبد البر في التمهيد أيضاً أنه لم يسمع من عائشة، قال الحافظ في التقريب: ثقة يرسل كثيراً.
(ج) وعمرو بن مالك النكري صدوق له أوهام قاله في التقريب، قال ابن حبان:"يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يخطئ ويغرب ".(2/22)
(د) سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد صدوق له أوهام، وقال ابن حبان:"كان صدوقاً حافظاً ممن كان يخطئ في الأخبار ويهم حتى لا يحتج به إذا انفرد "، انتهى من التقريب وأصله.
3 - ذكر الغماري الحكاية التي ذكرها القاضي عياض في الشفاء فيما جرى بين مالك وأبي جعفر المنصور، وقال بعد ذكرها بسندها ما نصه:"وقد زعم ابن تيمية على عادته في التسرع إلى الإطلاقات الكاذبة أن هذا الأثر مكذوب على الإمام مالك، ورد عليه جماعة من العلماء مبينين خطأه وجهله، منهم عصريه السبكي في شفاء السقام وكذا محمد بن عبد الباقي الزرقاني قال في شرح المواهب عقب نقل صاحبها عنه ما نقلناه ما لفظه: هذا تهور عجيب فإن الحكاية رواها أبو الحسن علي بن فهر في كتابه فضائل مالك بإسناد لا بأس به، وأخرجه القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن شيوخ عدة من ثقات مشايخه فمن أين أنها كذب، وليس في إسنادها وضاع ولا كذاب.
وقال الخفاجي في نسم الرياض بعد تخريج عياض للأثر المذكور:"وفي هذا رد على ما قاله ابن تيمية من أن استقبال القبر الشريف في الدعاء عند الزيارة أمر منكر لم يقل به أحد ولم يرو إلا في حكاية مفتراة على مالك، يعنى هذا القصة التي أوردها المصنف، ولله دره حيث أوردها بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه، فقوله أنها كذب محض مجازفة من ترهاته".(2/23)
هذا كله كلام الغماري، وهو كلام رجل إمعة كل من يمشي يمشي معه وإلا فهذه الحكاية من نظر في سندها جزم بأنها مفتراة وكذب وهي كما يلي، رواها القاضي عياض في الشفاء عن غير واحد بإسناد غريب منقطع مظلم فإليك سندها، قال القاضي عياض في الشفاء: حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقى الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالوا ثنا أبو العباس أحمد بن عمرو بن دلهاث ثنا أبو الحسن علي بن فهر ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج ثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ثنا ابن حميد قال:"ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية، ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الآية، وذم قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآية.
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك "، هذه هي الحكاية المكذوبة مع سندها المظلم.(2/24)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وهذه الحكاية منقطعة فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً ولا سيما في زمن أبي جعفر المنصور فإن أبا جعفر توفي سنة 158هـ وتوفي مالك سنة 179 هـ وتوفي ابن حميد سنة 248هـ ولم يخرج من بلده في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه، وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث، كذبه أبو زرعة وابن وارة وآخر من روى الموطأ عن مالك هو أبو مصعب الزبيري وتوفي سنة 242هـ وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي توفي سنة 259هـ وفي الإسناد المذكور أيضاً من لا تعرف حاله ".
قال ابن عبد الهادي في الصارم المنسكي في الرد على السبكي:"والمعروف عن مالك أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء، وهذه الحكاية التي ذكرها القاضي عياض ورواها بإسناده عن مالك بصحيحه عنه وإسنادها مظلم منقطع مشتمل على من يهتم بالكذب وعلى من يجهل حاله، وابن حميد ضعيف كثير المناكير غير محتج بروايته ولم يسمع من مالك شيئاً ولم يلقه، بل روايته عنه منقطعة غير متصلة ".
قال إسحاق بن منصور:"أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله أنهما كذابان "، وقال أبو زرعة:"كان يكذب "، وقال ابن حبان:" ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبة ولا يسما إذا حدث عن شيوخ بلده "، فإذا كانت هذه حال ابن حميد عند أئمة هذا الشأن فكيف يقول السبكي في حكاية روايتها منقطعة إسنادها جيد، مع أن في طريقها إليه من ليس بمعروف وقد قال السبكي بعد أن ذكرها وتكلم على روايتها:"فانظر هذه الحكاية وثقة رواتها وموافقتها لما رواه ابن وهب عن مالك "، هكذا قال السبكي.
والذي حمله هو ومقلدوه على ارتكاب هذا السقطة قلة علمه بهذا الشأن وارتكاب هواه، والذي ينبغي أن يقال: فانظر إلى هذه الحكاية وضعفها وانقطاعها ونكارتها وجهالة بعض رواتها ونسبة بعضهم إلى الكذب ومخالفتها لما ثبت عن مالك وغيره من العلماء.(2/25)
هذا كلام الحافظين الناقدين في هذه الحكاية المفتراة التي تدور بين متهم بالكذب وبين مجاهيل لا يمكن للغماري وغيره أن يعرفهم.
وأذكر هنا كلام الحفاظ الآخرين الذي يؤيد كلام الحافظين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن عبد الهادي حول ابن حميد الرازي فأقول: إن ابن حميد الرازي ذكره برهان الدين الحلبي في الكشف عمن رمي بوضع الحديث وقال: قال صالح جزرة:"كنا نتهم ابن حميد في كل شيء يحدثنا به، ما رأيت أجرأ على الله منه، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه على بعض ". وقال أبو أحمد العسال:"سمعت فضلك الرازي يقول: دخلت على محمد بن حميد وهو يركب الأسانيد على المتون ". وقال الذهبي في الميزان:"قال أبو على النيسابوري قلت لابن خزيمة: لو أخذت الإسناد عن ابن حميد فإن أحمد بن حنبل أحسن الثناء عليه، فقال: إنه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه لما أثنى عليه أصلا ". وقال صالح جزرة:"ما رأيت أحذق بالكذب من ابن حميد ومن ابن الشاذكوني ". وقد حدث عنه أحمد بن حنبل وابن معين وآخر أصحابه البغوي وابن جرير، مات سنة 248هـ.
وذكره ابن عراق أيضاً في الكذابين وقال فيه كما قال البرهان وغيره. وقال البخاري في الجزء الأول من تاريخه الكبير:"محمد بن حميد أبو عبد الله الرازي سمع يعقوب القمي وجريراً، فيه نظر، مات سنة 248هـ "، وسئل أبو عبد الله عن محمد بن حميد الرازي لماذا تكلم فيه فقال:"لأنه أكثر على نفسه ".(2/26)
وقال أبو حاتم الرازي في الجرح: قال ابن معين:"ابن حميد ثقة ليس به بأس رازي كيس، وهذا الأحاديث التي يحدث بها ليست هي من قبله، إنما هي من قبل الشيوخ الذين يحدث بها عنهم ". وقال أبو حاتم:"سألني ابن معين عن ابن حميد من قبل أن يظهر منه ما ظهر قال: أي شيء تنقمون عليه؟ فقلت: يكون في كتابه الشيء فنقول ليس هذا هكذا إنما هو كذا وكذا فيأخذ القلم فيغيره على ما نقول. قال ابن معين: لبئس هذه الخصلة، قدم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي ففرقنا الأوراق بيننا ومعنا أحمد بن حنبل فسمعناه ولم نر إلا خيراً ". هذا قبل أن يعرفه أحمد وابن معين كما يدل عليه كلام ابن خزيمة الذي تقدم آنفاً.
4 - قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري حدثنا المفضل بن الموفق أبو الجهم حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك حق السائلين عليك " الحديث.
ثم قال الغماري ورواه أحمد عن يزيد بن هارون والطبراني في الدعاء عن بشر ابن موسى عن عبد الله بن صالح العجلي وابن خزيمة في كتاب التوحيد عن طريق محمد بن فضيل بن غزوان. ومن طريق أبي خالد الأحمر وأبو نعيم الأصبهاني من رواية أبي نعيم الكوفي خصتهم عن فضيل بن مرزوق به، فزال ما يحشى من ضعف الفضيل بن الموفق بمتابعة هؤلاء له، ولم يبق إلا النظر في حل فضيل وشيخه، فأما فضيل فثقة كما قال ابن عيينة وابن معين وغيرهما، وروى له مسلم والأربعة، وأكبر ما عيب به تشيعه، وليس ذلك بعائبه على ما تقرر في هذا الشأن.
وأما عطية فقال ابن سعد:"كان ثقة إن شاء الله "، وقال الحافظ السيد محمد مرتضى الحسيني:"هو صدوق في نفسه "، حسن له الترمذي عدة أحاديث انفرد بها.(2/27)
وقال الغماري:" فهذا الحديث حسن كما قال الحافظ العراقي في المغني ". هذا، وللحديث طريق آخر عن بلال رضي الله عنه قال ابن السنى في عمل اليوم والليلة: حدثنا ابن منيع حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا علي بن ثابت الجزري عن الوزاع بن نافع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عن بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قاله: "بسم الله آمنت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" الحديث.
ثم قال الغماري:" ولم أجد في التوسل بهم يعني الصالحين، حدثنا أصرح من هذا الحديث. وغيره من الأحاديث ليس صريحاً مثله ثم ذكر حديث الإبدال "، انتهى كلام الغماري.
قلت: هذا كله كلام الغماري حول هذا الخبر الذي حاول أن يلبس به على العامة موهماً أنه وجد ضالته وإلا ففي هذا الخبر أمران لم يتناولهما الغماري لأن تناوله لهما ينقض عليه ما يريد من التلبيس:
(1) في سنده ضعيف وهو فضيل بن مرزوق، قال الحافظ:"صدوق بهم ورمي بالتشيع ". وقال ابن حبان:"منكر الحديث جداً، كان ممن يخطيء على الثقات ويروى عن عطية الموضوعات. وقال الذهبي في الميزان:"عطية أضعف من فضيل بن مرزوق ". وقال أبو عبد الله الحاكم:"فضيل بن مرزوق ليس من شرط الصحيح، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح ". وروى أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين:" ضعيف "، اختلف فيه قول ابن معين كما قال ابن شاهين في ثقاته. وقال أبو حاتم:"صالح الحديث صدوق بهم كثيراً يكتب حديثه ولا يحتج به "، كذا في التهذيب، وقال ابن عدي:"إذا وافقه الثقات يحتج به ". وفي روايته هذا الحديث لا يعلم أحد تابعه إلا من لا يعتد بمتابعته.(2/28)
(ب) الفضل بن الموفق بن أبي المتئد الكوفي فيه ضعف. قاله في التقريب وقال الذهبي في الميزان:"ضعفه أبو حاتم وكذا في الترغيب والترهيب للمنذري والكاشف للذهبي والتلخيص للحافظ ". فإن قلت قد وثقه ابن حبان كما ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، قلت: لا اعتداد بتوثيق ابن حبان إذا تفرد به، قال الذهبي في الميزان في ترجمة عمارة بن حديد:"ولا تفرح بذكر ابن حبان له في الثفات فإن قاعدته معروفة من الإحتجاج بمن لا يعرفه "، ونص الحافظ في التهذيب، قال أبو حاتم:"كان شيخنا صالحاً ضعيف الحديث وكان قرابة لابن عيينة له عند ابن ماجة حديث أبي سعيد في القول: إذا خرج إلى الصلاة ".
(ج) عطية بن سعد العوفي صدوق يخطيء كثيراً كان شيعياً مدلساً قاله في التقريب. وقال الإمام أحمد:"بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، كان يكنيه بأبي سعيد فيقول قال أبو سعيد: يعنى يوهم أنه الخدري فهذا تدليس أي تدليس ".
قال في توضيح الأفكار فإن: صادف شهرة راو ثقة يمكن أخذ ذلك الراوي عنه فمفسدته أشد كما وقع لعطية العوفي في تكنية محمد بن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري لأن عطية كان قد لقيه وروى عنه، وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ، وقد اجتمع في عطية من وجوه الضعف ثلاثة: تدليس، وعدم الضبط، وكثرة الخطأ، كما صرح بذلك الحافظان ابن القيم في الهدي والحافظ بن حجر في التقريب وطبقات المدلسين. فعلى كل حال فالذين جرحوا عطية أكثر ممن وثقه، ومن المعلوم أن الجرح المبين مقدم على التعديل، فالذين جرحوه خمسة عشر من النقاد (1) أبو حاتم (2) وسالم المرادي (3) وأحمد (4) وهشيم (5) ويحيى (6) والنسائي (7) والبيهقي (8) والثوري (9) وابن عدي (10) وعبد الحق الأشبيلي (11) والذهبي (12) والمنذري (13) والحافظ ابن القيم (14) والحافظ ابن حجر (15) والدارقطني.(2/29)
وأما الموثقون فمنهم ابن معين على قول والترمذي، فابن معين قال فيه صالح كما في الميزان وهذه اللفظة في المرتبة السادسة من مراتب التوثيق فهي توثيق لين وحكمه أنه يكتب حديثه للإعتبار فهذا التوثيق لا ينافي القول بالضعف وأما الترمذي فلم يصرح بتوثيقه، نعم حسن له غير حديث، وتحسينه لا يدل على أن عطية ممن يحتج بحديثه في كل موضع فإنه ربما يحسن الحديث لمجيئه من طريق أخرى ولاحتمال أن يكون التحسين في موضع قد ثبت عند الترمذي التصريح بالتحديث فيه فإن عطية مدلس كما تقدم، وحديث المدلس إنما يقبل إذا صرح بالتحديث على أن الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين، ولذا لم يعتمد العلماء عليه في هذا الباب وردوا على تصحيحه وتحسينه في غير موضع.
فإن قلت: إن الحافظ ابن حجر قال في تخريج الأذكار للنووي وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم عن فضيل عن عطية قال: حدثني أبو سعيد فذكره لكن لم يرفعه فقد أمن من ذلك تدليس عطية العوفي.(2/30)
(هنا بقي) فالجواب أنه لا يحصل الأمن من تدليس عطية بهذا فإن عطية تقدم أنه يكنى محمد بن السائب الكلبي أبا سعيد فكان إذا حدث عنه يقول حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري، والأشبه أن هذا الحديث موقوف. قال الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن صالح العجلي الكوفي:"وله عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا خرج الرجل من بيته قال اللهم بحق السائلين عليك "الحديث، قال: خالفه أبو نعيم ورواه عن فضيل فما رفعه "، قال أبو حاتم:"وقفه أشبه، والموقوف ليس بحجة عند المحققين ". وقد صدر المنذري هذا الحديث في باب الترغيب في المشي إلى المساجد بلفظ ( روى ) وأهمل الكلام عليه في آخره وهذا عنده دلالة للإسناد الضعيف كما قال في ديباجة الكتاب وصرح النووي في الأذكار بضعفه، فبطل قول الغماري أنه بسند صحيح، وهذا كله مع أن الحديث خارج عن الموضوع لأن الغماري ساقه مستدلاً به على التوسل بالذوات فليس في هذا الحديث توسل بالذوات بل هو توسل بحق تفضل الله به على من سأله ودعاه وحده وهو الإجابة في قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .
وأما الشاهد الذي فرح به الغماري فهو من رواية الوازع بن نافع العقيلي قال فيه ابن معين:"ليس بثقة "، وقال البخاري:"منكر الحديث "، وقال النسائي:" متروك "، وقال أيضاً:"ليس بثقة "، قاله في الميزان.(2/31)
(5) حدثنا إبراهيم بن علي الباهلي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح السمان عن مالك قال:"أصاب الناس قحط في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال:"ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم يسقون وقل له عليك بالكيس الكيس"، فأتى الرجل فأخبر عمر فقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه "، قال الحافظ:" إسناده صحيح، وأخرجه البيهقي في الدلائل بإسناد صحيح ". وقال الحافظ في الفتح:"وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة "انتهى كلام الغماري.
قلت: في هذا الأثر مالك بن عياض الداري، ذكره البخاري في التاريخ الكبير وسكت عنه (ج 4:ص 304هـ) وكذلك ابن أبي حاتم ذكره في الجرح والتعديل بما نصه:
" مالك بن عياض مولى عمر بن الخطاب روى عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وروى عنه أبو صالح السمان سمعت أبي يقول ذلك وسكت عنه أيضاً انتهى منه "(ج 4:قسم (1) ص 213).(2/32)
وكل من سكت عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فهو مجهول، فإنه قال في الجزء الأول من الجرح والتعديل ما نصه:"وقصدنا بحكاياتنا الجرح والتعديل في كتابنا هذا إلى العارفين به العالمين له متأخراً بعد متقدم إلى أن انتهت بنا الحكاية إلى أبي وأبي زرعة رحمهم الله، ولم نحك عن قوم قد تكلموا في ذلك لقلة معرفتهم به ونسبنا كل حكاية إلى حاكيها، والجواب إلى صاحبه ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسئولين عنهم فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم وألحقنا بكل مسئول عنه ما لاق به وأشبهه من جوابهم على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله تعالى "، انتهى (ج1: ص 38 من الجرح والتعديل) وقد قال الأخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة فهذه القصة غير ثابتة وقد أوهم المؤلف صحتها محرفاً لكلام بعض الأئمة مقلداً في ذل بعض ذوي الأهواء قبله وقد وعد بتفصيل ذلك في رسالة أفردها في هذا الموضوع، انتهى من السلسلة ( ج 1:ص 47 ) وفي هذه القصة أيضاً أن سيف بن عمر الضبي الأسدي المعروف هو الذي روى في فتوحه أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث، فعلم بهذا أن الأثر المذكور ليس فيه أن الجائى أحد الصحابة بل الذي روى أن الجائي أحد الصحابة ضعيف غاية الضعف فإن سيفاً صاحب الفتوح الذي روى هذا الكلام الأخير، قال فيه يحيى:"فليس خير منه "وقال أبو داود:"ليس بشيء "وقال أبو حاتم:"متروك "وقال ابن حبان:"أتهم بزندقة "وقال ابن عدى:"عامة حديثه منكر "هكذا في الميزان للذهبي. وقال الحافظ في التقريب:"ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ "، أفحش ابن حبان القول فيه، وقال الخزرجي في الخلاصة:"ضعفوه ". وقال البرهان في الكشف الحثيث فيمن رمى بوضع الحديث:"سيف كالواقدي "وقال مكحول البيروتي: سمعت جعفر بن أبان قال: سمعت ابن نمير(2/33)
يقول:"سيف الضبي تميمي كان يقول حدثني رجل من بني تميم، وكان سيف يضع الحديث وقد اتهم بالزندقة ". وقال ابن عراق في الكذابين:"سيف بن عمر متهم بالزندقة ووضع الحديث ". وقال الفتني في قانون الضعفاء:"متروك اتهم بالوضع والزندقة "، فعلى هذا فهذا الأثر كما قال الأخ الألباني غير ثابت لا سيما وهو منام والمنام لا تثبت به الأحكام الشرعية إلاّ إذا كان من نبي.
وأما ما قاله ابن سعد في الطبقات من أن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب معروف فهذه الكلمة لا تفيد شيئاً لأنه- أعني ابن سعد- لم يذكر في ترجمته من روى عنه إلا أبا صالح السمان حيث قال في الجزء الخامس ص 12 ما نصه:"مالك الدار مولى عمر بن الخطاب وقد انتموا إلى جبلان من حمير وروى مالك الدار عن أبي بكر الصديق وعمر رحمهما الله، روى عنه أبو صالح السمان وكان معروفاً، فمن المعلوم أن المعروف هو الذي روى عنه اثنان فأكثر، وإلا فهو مجهول العين والحال معاً إذا لم يوثق بحديثه في قسم الضعيف إلا إذا وثقه غير من روى عنه، وكذلك إذا وثقه من روى عنه إذا كان أهلاً لذلك على القول الأصح.(2/34)
6- ومنها ما رواه الطبراني في الكبير قال حدثنا طاهر بن عيسى بن قريش (وفي نسخة قيرس) المصري المقري حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا أبن وهب يعنى عبد الله عن أبي سعيد المكي يعنى شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الختمى المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف:"أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان ابن حنيف: ائت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك ورح إلى حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة فقال: ما حاجتك، فذكر حاجته وقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها ثم أن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلى حتى كلمته في فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أو تصبر"فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضاة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات"، قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط "، ورواه في المعجم الصغير من هذا الطريق بهذا اللفظ ثم قال: لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي، وهو ثقة وهو الذي يروي عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد(2/35)
وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة والحديث صحيح.
وأقر على هذا التصحيح الحافظان زكى الدين المنذرى ونور الدين الهيثمى، انتهى كلام الغمارى. قلت: في هذا الحديث آفتان: إحداهما شبيب بن سعيد التميمى الحبطى أبو سعيد البصري، قال الذهبي في الميزان والحافظ في التهذيب:"قال ابن عدي حدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير وقال ولعل شبيباً لما قدم مصر في تجارته كتب عنه ابن وهب من حفظه فغلط ووهم وأرجو أن لا يتعمد الكذب"، وقال ابن المديني:"ثقة وكتابه كتاب صحيح "، وقال الحافظ في التقريب:"شبيب بن سعيد التميمى الحبطى أبو سعيد لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب، وفيه أيضاً طاهر بن عيسى بن قريش أو ابن قيرس أستاذ الطبراني مجهول لا يعرف بالعدالة ". قال الشيخ سليمان صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد شرح الكتاب التوحيد: قال الذهبي:"طاهر بن عيسى صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد: قال الذهبي: بن بكير وأصبغ بن الفرج وعنه الطبراني توفي سنة 292هـ ولم يذكر فيه الذهبي جرحاً ولا تعديلاً، فهو إذا مجهول الحال لا يجوز الاحتجاج بخبره لا سيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة ". انتهى من التيسير (ص 211-212 منه).
قال الطبراني:" تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة وهذا من الطبراني إخبار منه بمبلغ علمه ولم تبلغه رواية روح بن عبادة عن شعبة، وذلك إسناد صحيح يبين أن عثمان لم ينفرد به وطريق ابن وهب هذه نؤيد ما ذكره ابن عدي فإنه لم يحرر لفظ الرواية كما حررها ابن شبيب بل ذكر فيها أن الأعمى دعى بمثل ما ذكره عثمان بن حنيف في هذا الأثر، وليس كذلك بل في حديث الأعمى أنه قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه أو قال في نفسي.. وهذه لم يذكرها ابن وهب في روايته هذه فيشبه أنه أن يكون حدث ابن وهب به من نفسه كما قال ابن عدي فلم يتقن الرواية ".(2/36)
قال ابن أبي خيثمة وأبو جعفر الذي حدث عنه حماد بن سلمة في حديث الأعمى اسمه عمير بن يزيد، وهو أبو جعفر الذي يروي عنه شعبة ثم ذكر الحديث من طريق عثمان بن عمر عن شعبة، وهذه الطريق فيها "فشفعني في نفسي "مثل طريق روح بن القاسم وفيها زيادة أخرى وهي قوله "وإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك " أو قال:"فعل مثل ذلك "وهذه قد يقال إنها توافق قول عثمان بن حنيف لكن شعبة وروح بن القاسم أحفظ من حماد بن سلمة، واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى وقوله :"وإن كانت حاجته فعل مثل ذلك "قد يكون مدرجاً من كلام عثمان لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل "وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك "، بل قال:"وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك "وبالجملة فهذه الزيادة لو كانت ثابتة لم تكن فيها حجة وإنما غايتها أن يكون عثمان بن حنيف ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض فإنه لم يأمره بادعاء المشروع بل ببعضه وظن أن هذا مشروع بعد موته صلى الله عليه وسلم على فرض صحة هذا الأثر. ولفظ الحديث المعروف يناقض ذلك فإن في الحديث أن الأعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره في الدعاء أن يقول "اللهم فشفعه في "وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم داعياً شافعاً له بخلاف من لم يكن كذلك فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس في محياه في الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم وفيه أيضاً أنه قال "وشفعني فيه "وليس المراد أن يشفع للنبي صلى الله عليه وسلم في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا مأمورين بالصلاة والسلام عليه وأمرنا أن نسأل الله له الوسيلة فسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له صلى الله عليه وسلم وهو معنى الشفاعة ولهذا كان الجزاء من جنس العمل فمن صلى عليه صلى الله عليه كذلك الأعمى سال منه الشفاعة فأمره أن يدعو الله بقبول هذه الشفاعة، وهو كالشفاعة في الشفاعة فلهذا قال: "اللهم(2/37)
فشفعه في وشفعني فيه"وذلك أن قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا من كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته فهو كشفاعته يوم القيامة في الخلق ولهذا أمر الأعمى أن يقول:"فشفعه في وشفعني فيه "بخلاف قوله " وشفعني في نفسي "فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من طريق غريب.
وأما قوله "وشفعني فيه"فإنه رواه عن شعبة رجلان جليلان عثمان بن عمرو وروح بن عبادة وشعبة أجل من روى حديث الأعمى. ومن طريق عثمان بن عمرو عن شعبة رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ورواه الإمام أحمد في المسند عن روح بن عبادة عن شعبة فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث مع أن قوله "وشفعني فيه"إن كان محفوظاً مثل ما ذكرنا وهو أنه طلب أن يكون شفيعاً لنفسه مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم كان سائلاً مجرداً كسائر السائلين، ولا يسمى مثل هذا شفاعة وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً فيكون أحدهما شفيعاً للأخر بخلاف الطالب والواحد الذي لم يشفع غيره، فهذه الزيادة فيها عدة علل.
أولاً: انفراد راويها بها عمن أبر وأحفظ منه.(2/38)
ثانياً: إعراض أهل السنن عنها، وثالثاً اضطراب لفظها، ورابعاً أن راويها عرف له عن روح أحاديث منكرة، ومثل هذا يقتضي حصول الريب والشك في كونها ثابتة، فلا حجة فيها إذ الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما فهمه إذا كان اللفظ الذي رواه لا يدل على ما فهمه بل على خلافه. ومن المعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال:"اللهم شفعه في وشفعني فيه "مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع له كان هذا كلاماً باطلاً مع أن عثمان بن حنيف لم يأمر صاحب الحاجة أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا أن يقول (فشفعه في) ولم يأمر بالدعاء المأثور على وجهه، وإما أمره ببعضه وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته (فشفعه في) لكان كلاماً لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان صاحب الحجة، كما أنه لم يأمره بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم بل الذي أمره به ليس مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا تثبت به شريعة كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لم يكن فعل ذلك الصحابي سنة يجب على المسلمين اتباعها، لا غايته أن يكون مما يسوغ فيه الاجتهاد ومما تنازعت فيه الأمة فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة مثل ما كان ابن عمر يدخل الماء في عينيه في الوضوء ويأخذ لأذنيه ماء جديداً، وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين في الوضوء ويقول من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وروى عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول: هو موضع الغل، فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعاً لهما فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضؤون هكذا، والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء(2/39)
جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مع العنق، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، بل هذا من كلام أبي هريرة جاء مدرجاً في بعض الأحاديث، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وأنكم تأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ حتى يشرع في العضد والساق، قال أبو هريرة: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل. وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له، فإن الغرة في الوجه لا في اليد والرجل، وإنما في اليد والرجل الحجلة والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله لا يغسل الرأس ولا غرة في الرأس والحجلة لا يستحب إطالتها وإطالتها مثلة، وكذلك ابن عمر كان يتحرى أن يسير مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم وينزل مواضع منزلة ويتوضأ في السفر حيث رآه يتوضأ ويصب فضل مائه على شجرة صب عليها ونحو ذلك مما استحبه طائفة من العلماء ورأوه مستحباً ولم يستحب ذلك جمهور العلماء كما لم يستحبه ولم يفعله أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهم، ولم يفعلوا مثل ما فعل ابن عمر ولو رأوه مستحباً لفعلوه كما كانوا يتحرون متابعته والإقتداء به وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي فعل فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة وأن يلتمس الحجر الأسود وأن يصلى خلف المقام وكان يتحرى الصلاة خلف أسطوانة مسجد المدينة وقصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما. وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلى فيه لكونه نزله لا قصداً لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه، فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين بل هذا(2/40)
من البدع التي كان ينهي عنها عمر بن الخطاب كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمى عن المعرور بن سويد قال:"كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً، فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض "، فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة ومتشبه باليهود والنصارى بالقصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبهت على كثير من العلماء جلسة الاستراحة هل فعلها استحباباً أو لحجة عارضة تنازعوا فيها وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه عليهم فعله لأنه كان أسمح بخروجه أو لكونه سنة تنازعوا في ذلك، ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حريث بالكوفة فإن هذا لم يفعله سائر الصحابة، ولم يمكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، ولم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة بل غايته أن يقال هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أو يقال في التعريف أنه لا بأس به أحياناً لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة هكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله تارة يكرهونه وتارة يسوغون فيه الاجتهاد وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة ولا يقول عالم بالسنة أن هذه سنة مشروعة للمسلمين فإن ذلك إنما يقال فيما(2/41)
شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه ولا يكون في الدين واجباً إلا ما أوجبه ولا حراماً إلا ما حرمه ولا مستحباً إلا ما استحبه ولا مكروهاً إلا ما كرهه ولا مباحاً إلا ما أباحه.
وهكذا في الإباحات كما استباح أبو طلحة أكل البرد وهو صائم واستباحة حذيفة السحور بعد طهور الضوء المنتشر إلا أن الشمس لم تطلع وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك فوجب الرد إلى الكتاب والسنة.
وهكذا الكراهة والتحريم مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع أو التمتع مطلقاً أو رأى تقدير مسافة القصر بحد حده وأنه لا يقصر بدون ذلك أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم في السفر، ومن ذلك قول سلمان أن الريق نجس وقول ابن عمر في الكتابية لا يجوز نكاحها، وتوريث معاذ ومعاوية للمسلم من الكافر ومنع عمر وابن مسعود للجنب أن يتيمم وقول علي وزيد وابن عمر في المفوضة أنه لا مهر لها إذا مات الزوج وقول علي وابن عباس في المتوفى عنها الحامل أنها تعتد إلى أبعد الأجلين وقول ابن عمر لا يجوز الاشتراط في الحج وقول ابن عباس وغيره في المتوفى عنها ليس عليها لزوم المنزل وقول عمر وابن مسعود أن المبتوتة لها السكنى والنفقة وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة فإنه يجب الرد إلى الله والرسول، ونظائرها كثيرة فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال من العلماء إن قول الصحابي حجة، فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على قول فقد يقال "هذا إجماع إقراري"إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل. وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال "حجة ".(2/42)
وأما إذا عرف أن غيره خالفه فليس بحجة بالاتفاق، وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يخالفها لا ريب عند أهل العلم.
وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لن يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل معنا حتى يخصب الناس لما استسقى بالناس قال:"اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا "فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة ولم ينكره أحد مع شهرته. وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية ابن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم به في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما؟ ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟ فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته.(2/43)
وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء "اللهم شفعه في"وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المخالف لعمر محجوجاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له. والله أعلم.
وأما القسم الثالث مما يسمى توسلاً فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يحتج به أهل العلم وهو الأقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين والسؤال بأنفسهم فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ثابتاً لا في الأقسام أو السؤال به ولا في الأقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين وإن كان في العلماء من سوغه فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه فتكون مسألة نزاع فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويبدي كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء والمنكر عليه ليس معه نقل يجب اتباعه لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة.
وإتماماً للفائدة نختم هذه الرسالة بما ذكره ابن كثير في تفسيره وغيره عند قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} .. الآية.(2/44)
قال ابن كثبر ما نصه:"ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله. سمعت الله يقول {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا} الآية، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشد يقول:
فطاب من طيبهن القاع والأكم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
عند الصراط إذا ما زلت القدم
أنت الرسول الذي ترجى شفاعته
ولا نجوم ولا لوح ولا قلم
لولاك ما خلقت شمس ولا قمر
فأنت أكرم من دانت له الأمم
صلى عليك إله الدهر أجمعه
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: "يا عتبى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ".
فهذه القصة الباطلة أخرجها ابن النجار في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة بالسند التالي، قال أخبرنا عبد الرحمن ابن أبي الحسن في كتابه أخبرنا أبو الفرج ابن أحمد أخبرنا أحمد بن نصير أخبرنا محمد بن القاسم سمعت غالب بن غالب الصوفي يقول سمعت إبراهيم بن محمد المزكي يقول سمعت أبا الحسن الفقيه يحكى عن الحسن بن محمد عن ابن فضيل النحوي عن محمد بن روح عن محمد بن حرب الهلالي قال:"حج أعربي فلما جاء على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر، وذكر القصة بتمامها ".(2/45)
فهذه الحكاية ذكرها أيضاً بعض الفقهاء والمحدثين، وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي، وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم، وبعض العلماء يرويها عن العتبي لا إسناد كما في تفسير ابن كثير عند الآية المقدمة الذكر آنفاً وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم أيضاً عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبو حرب الهلالي وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً آخر إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه، روى أبو الحسن على بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن على بن محمد بن على حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي قال حدثني أبي عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي رضي الله عنه فذكر هذه الحكاية، فهذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتقاد عليه ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض. والهيثم جد أحمد بن محمد بن الهيثم إن كان ابن عدى الطائي فهو متروك كذاب وإلا فهو مجهول، وقد ولد الهيثم ابن عدى بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ثم انتقل إلى بغداد فسكنها: قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول:"الهيثم بن عدى كوفي ليس بثقة كان يكذب "، وقال العجلي وأبو داود:"كذاب "، وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي:"متروك الحديث ". وقال السعدي:"ساقط قد كشف قناعه "، وقال أبو زرعة:"ليس بشيء "، وقال البخاري:"سكتوا عنه أي تركوه ". وقال ابن عدي:"ما أقل ما له من المسند وإنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وأشعار "، وقال ابن حبان:"كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب إلى أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعة يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها ". قال الحاكم أبو أحمد الكبير:"هو ذاهب الحديث "، وقال الحاكم أبو عبد الله صاحب المستدرك:"الهيثم ابن عدى الطائي في علمه ومحله(2/46)
حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة "، وقال العباس بن محمد:"سمعت بعض أصحابنا يقول قالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب "، وفي الجملة فليست هذه الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به حجة لأن إسنادها مظلم مختلق ولفظها مختلف أيضاً، ولو كانت ثابتة لم تكن فيها حجة على مطلوب المعترض ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم. وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم.
وأما سند ابن النجار فهو أيضاً مجاهيل غير معروفين ابتداء من شيخه إلى محمد بن حرب الهلالي، قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم"قال ما نصه:"ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند قبر غيره من الأنبياء، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، واتفق الأئمة على أنه إذا دعى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقبل قبره، وتنازعوا عند السلام عليه فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه، وقال أبو حنيفة: بل يستقبل القبلة ويسلم عليه ".
"هذا "(2/47)
وقد أغنانا الله عز وجل عما حرم من التوسلات الشركية والبدعية بما شرع لنا من التوسل المشروع وهو التوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وكذلك شرع لنا التوسل إليه بالأعمال الصالحة من دعائه وطاعته واتباع رسوله عليه الصلاة والسلام وحبه والإيمان به كما في حديث أصحاب الغار الذين توسلوا إليه لما وقعوا في الشدة بأعمالهم الصالحة ففرج عليهم. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان أن الوسيلة إليه تعالى في هذه الآية هي طاعة الله تعالى بما شرع والانتهاء عما نهى عنه ومنع. وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .. الآية.
فهذا هو التوسل المشروع، وأما التوسل غير المشروع فهو قسمان:
1 - توسل شركي، كالحلف بغير الله ودعاء غير الله قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} ، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ..
وكذلك الاستغاثة والاستعاذة بغير الله وتعليق التمائم والحلقات والطِيَرَة هذه كلها من الشرك. لا يجوز لمؤمن بالله أن يصرف الاستغاثة والذبح والاستعاذة لغير الله فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك كما جاءت به النصوص.(2/48)
2 - التوسل البدعي، كأن يقول توسلت بجاه فلان أو بحرمته أو بحقه عليك أو بفضله أو بعمله فإن هذه الألفاظ بدعية لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في واحد منها شيء صحيح ولا حسن بل كل ما نقل في هذا الباب موضوع أو ضعيف جداً لا يصلح للاحتجاج به أو صحيح خارج عن الموضوع كما تقدم في توسل عمر رضي الله عنه بالعباس وكما في حديث الأعمى على القول بصحته.
ونسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب في القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أمين..
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أسد الغابة ج 5 ص 517 .
[2] الاستيعاب ج 4 ص 370 .
[3] ج 9 ص 257 .
[4] ج 8 : ص 253.
[5] الميزان ص ؟
[6] الصارم ص 31 ، 32 .
[ 7 ] الدلائل ص 44. سورة البقرة.
[ 8 ] السورة.(2/49)
كشفُ السُتور
في نهي النساء عن زيارة القبور
للشيخ حماد الأنصاري
الأستاذ بالدراسات العليا بالجامعة
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد:
فلما كان حكم زيارة النساء للقبور من المسائل المختلف فيها بين العلماء ما بين مبيح ومانع ومفصل، والحاجة إلى معرفة حكم اللّه فيها تهم الجميع ، رأيت من الواجب علي أداءً للنصيحة للخاصة والعامة بيان الحق الذي يجب أن يدين به كل مسلم غيور. بذكر النصوص الصحيحة المانعة من زيارة النساء للقبور على الإطلاق، مبيناً أن الاستدلال على الجواز برواية "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور" غير مسلم به، كما أن تضعيف رواية "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور" ليس صحيحاً؛ لما سأذكره عن أئمة الشأن الذين يجب الرجوع إليهم في مثل هذا الميدان. هذا وقد سميت هذه العجالة " كشف الستور عن حكم زيارة النساء للقبور" مرتباً لها على العناوين التالية:
1- اختلاف العلماء في هذه المسألة.
2- المخرجون لأحاديث اللعن إجمالاً.
3- تفصيل روايات المخرجين .
4- سند حديث ( زائرات ) بطريقيه.
5- الكلام على سندي هذا الحديث .
6- ضبط زاي (زوارات).
7- تفصيل أدلة المنع.
8- أدلة المجيزين والجواب عنها.
9- نقل جملة من كلام أئمة التحقيق في هذه المسألة.
10- خاتمة: في أن هدي السلف في الاتباع ومجانبة الابتداع.
والآن الشروع في المقصود ومن اللّه المدد المزيد.(3/1)
1- اختلاف العلماء في هذه المسألة:
اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد رحمه الله:
أولاً: الكراهة من غير تحريم كما هو منصوص الإمام أحمد رحمه اللّه في إحدى الروايات عنه، واستدل له بحديث أم عطية المتفق عليه "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" وإليه ذهب أكثر الشافعية وبعض الحنفية.
ثانياً: أنها مباحة لهن غير مكروهة، وبه قال أكثر الحنفية والمالكية وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى. واستدل له بحديث مسلم عن بريدة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها". وبحديث عائشة في زيارة أخيها عبد الرحمن؛ وبحديثها أيضا عند مسلم "ما أقول لهم؟ قال قولي" الحديث. وبحديث أنس رضي اللّه عنه "مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بامرأة تبكى عند قبر" الحديث.
ثالثا: التحريم لأحاديث اللعن وغيرها مما يعضدها وهو مذهب بعض المالكية والشافعية والحنفية، وإليه ذهب أكثر أهل الحديث وهو الرواية الثالثة عن الإمام أحمد رحمه اللّه. كما حكاها العلامة علي بن سليمان المرداوي في كتابه (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل) قال ما نصه: "وعنه أي عن الإمام أحمد رواية ثالثة: يحرم كما لو علمت بأنه يقع منها محرم، ذكره المجد واختار هذه الرواية بعض الأصحاب، وحكاها ابن تميم وجها. اهـ
قلت: وهو اختيار شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والنووي في مجموعه والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وكثير من أئمة التحقيق الآتي ذكر أقوالهم بعد إن شاء اللّه تعالى.
واعلم أن القائل بالإباحة مقيد لها بما إذا لم تشتمل زيارة النساء للقبور على ما يفعله كثير من نساء زماننا من المنكر قولاً وفعلاً، بل ما يفعله كثير من جهلة الرجال أيضا، فلا خلاف إذاً في الحرمة كما لا يخفى على المطلع الخبير إذا حصل ما ذكر.
وهذه مذاهب العلماء في هذه المسألة. وقد ذهب بعض أَهل زماننا إلى جواز زيارة النساء للقبور ما لم تتكرر محتجا برواية "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور" على أنها للمبالغة مضعفاً رواية "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور" تقليداً لمن فهم ذلك قبله من غير تحقيق، وهو خلاف لا يعتد به إذ ليس له حظ من نظرٍ وقد قيل:(3/2)
وليس كل خلاف جاء معتبراً. ... إلا خلاف له حظ من النظر
أي من نظر صحيح وسيأتي الجواب عن أدلة الجميع إن شاء اللّه تعالى غير منكرين ما صح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بل كما قال العلامة شمس الدين بن القيم رحمه اللّه تعالى: "ندين اللّه بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نجعل بعضه لنا وبعضه علينا، فنقر ما لنا على ظاهره ونتأول ما علينا على خلاف ظاهره، بل الكل لنا لا نفرق بين شيء من سننه ، بل نتلقاها كلها بالقبول ونقابلها بالسمع والطاعة، ونتبعها أين توجهت ركائبها وننزل معها أين نزلت مضاربها، فليس الشأن في الأخذ ببعض سنن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وترك بعضها، بل الشأن في الأخذ بجملتها وتنزيل كل شيء منها منزلته ووضعه بموضعه والله المستعان وعليه التكلان".
2- المخرجون لأحاديث اللعن إجمالاً:
1- أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه حديث النهي عن زيارة النساء للقبور من ثلاثة طرق:
أولاً: من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه.
ثانياً: من طريق أبي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما.
ثالثاً: من طريق عبد الرحمن بن حسان عن أبيه رضي اللّه عنهما.
2- وخرجه أبو داود 3- والنسائي 4- وأبو داود الطيالسي عن ابن عباس فقط.
وكذلك 5- خرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة وابن عباس ، 6- والحاكم عن حسان بن ثابت رضي اللّه عنه.
3- تفصيل روايات المخرجين:
أما الإمام أحمد فقد رواه بلفظين:
أولاً: رواه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه بلفظ "إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن زوارات القبور".
وأيضاً: عن حسان مثله.
ثانيا: عن ابن عباس بلفظ "لعن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج".(3/3)
وأما أبو داود والنسائي وأبو داود الطيالسي فقد أخرجوه كلهم عن ابن عباس مثل لفظ الإمام أحمد المتقدم عنه. وكذلك ابن حبان فقد رواه عن ا بن عباس وأبي هريرة مثله. وأما الترمذي فقد رواه من طرق الإمام أحمد الثلاثة المتقدمة ولفظه عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور" وعن أبي هريرة وحسان بلفظ " لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور". بعد أن ترجم لها بقوله: باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء, ثم قال: هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن.
ورواه أيضا ابن ماجه في سننه من الطرق الثلاثة المتقدمة عند الإمامين أحمد والترمذي كلها بلفظ "لعن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم زُوَّارات القبور", بعد أن بوب لها بقوله: باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء للقبور, وقال في الزوائد: إسناد حديث حسان بن ثابت صحيح ورجاله ثقات.
فتبين من هذا أن لفظ "لعن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور" جاء من الطرق الثلاثة المتقدمة أعني : عن ابن عباس، وثانيا عن أبي هريرة وثالثا عن حسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.
وأن لفظ "لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور" جاء من طريقين.
أولاً: عن ابن عباس عند الإمام أحمد وأبى داود والنسائي والترمذي وابن حبان وأبي داود الطيالسي.
وثانيا: عن أبي هريرة عند ابن حبان والله أعلم.
4- سند حديث "زائرات" بطريقيه:
وسند الجميع عن ابن عباس ما يلي:
قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره.(3/4)
ومثله بإسناده عند من تقدمت الإشارة إليهم, إلا أن ابن حبان رواه أيضا بسند آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن الجنيد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: "لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" فهذا الحديث روي عن كل من أبي هريرة وابن عباس رضي اللّه عنهم بلفظ "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور"، وبلفظ "لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور"، كما صرح به الترمذي في جامعه، وابن ماجه في سننه، فلهذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لكثرة طرقه، وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه اللّه تعالى: هذا مع أنه ليس في الإسنادين من يتهم بالكذب ومثل هذا حجة بلا ريب، وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي ، فإنه جعل الحسن ما تعددت طرقه ولم يكن شاذاً، وهذا الحديث تعددت طرقه وليس فيها متهم ولا خالفه أَحد من الثقات، هذا لو كان عن صاحب واحد فكيف إذا كان هذا رواه عن صاحب وذاك عن آخر فهذا كله يبين أن الحديث في الأصل معروف.(3/5)
5- الكلام على سند هذا الحديث:
1- وأما أبو صالح الراوي عن ابن عباس، فقد اختلف في اسمه على قولين:
القول الأول: أنه ميزان البصري أبو صالح، وبهذا جزم ابن حبان في الصحيح في النوع السادس من الثاني وفى التاسع والمائة من الثاني أيضا بعد أن أورد هذا الحديث من رواية عبد الوارث عن محمد بن جحادة، وأقره ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وقوّى هذا القول بأنه (ميزان) ولكن صحف في طبعة مختصر سنن أبي داود بلفظ: (مهران) والصحيح أنه (ميزان) كما في تهذيب التهذيب لابن حجر. وميزان هذا قال فيه يحيى بن معين- وهو من أشد الناس مقالة في الرجال-: "إنه ثقة مأمون". وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحاكم في الصحيح: "هو ثقة". ولم يذكره المزي ولا الخلاصة ولا الميزان ولا لسانه. وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: "إن أبا صالح ميزان روى الترمذي عن طريقه في كتاب الجنائز من طريق عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أيى صالح عن ابن عباس" يشير إلى هذا الحديث.
القول الثاني: أن أبا صالح هذا هو (باذام مولى أم هانئ) ويقال بالنون (باذان) وجزم بهذا الحاكم وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام وابن القطان وابن عساكر والمنذري وابن دحية وغيرهم قاله في التهذيب.(3/6)
فعلى كلا القولين فإن الحديث برواية "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور" حديث صحيح سواء كان من رواية (ميزان) أو من رواية (باذام مولى أُم هانئ ) فقد قال أبو حاتم في الجرح والتعديل: "لم أر أحداً من أَصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ وما سمعت أحداً من الناس يقول فيه شيئاً، ولم يتركه سعيد ولا زائدة ولا عبد اللّه بن عثمان", وقال يحيى بن معين: "أبو صالح مولى أُم هانئ ليس به بَأس فإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء وإذا روى عنه غير الكلبي فليس به بأس، لأن الكلبي يحدث به مرة من رأيه ومرة عن أبي صالح" اهـ. وهذا واللّه أعلم هو أعدل الأقوال في أمر أبي صالح مولى أُم هانئ كما أشار إلى ذلك العلامة المحقق الشيخ أحمد شاكر, قال في حاشيته على مسند الإمام أحمد: "والحق أن أبا صالح مولى أم هانئ ثقة ليس لمن ضعفه حجة وإنما تكلموا فيه من أجل التفسير الكثير المروي عنه والحمل في ذلك على تلميذه محمد بن السائب الكلبي ودعوى ابن حبان أنه لم يسمع من ابن عبا س غلط عجيب، فإن أبا صالح تابعي قديم روى عمن هو أقدم من ابن عباس كأبي هريرة وعلى بن أبي طالب وأم هانئ واللّه أعلم".
2- الطريق الثاني: عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن الجنيد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة فذكر الحديث. وعمر هذا هو: عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف أخو مسلم مديني الأصل، قال أبو حاتم: "هو عندي صالح صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به يخالف في بعض الشيء". وقال الذهبي: صحح له الترمذي حديث "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور"، فناقشه عبد الحق وقال: "عمر ضعيف عندهم" - فأسرف عبد الحق. وقال ابن معين في رواية أحمد بن أبى خيثمة عنه:" ليس به بأس" وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب:"صدوق يخطئ مات سنة 132 هـ".(3/7)
وبكلام الحافظ ابن حجر هذا عرفنا أن عمر المذكور وإن كان يخطئ إذا انفرد كما يشير إليه كلام الحافظ ، ولكن مع وجود طريق آخر لهذا الحديث عن (ميزان البصري) على الصحيح وعن مولى أم هانئ على قول يتبين أن عمر في هذا الحديث لم يخطئ فصح على هذا تصحيح الترمذي لهذا الحديث كما صرح بتصحيح الترمذي له الذهبي وبإسراف الإشبيلي في تضعيفه. فتبين من هذا صحة هذا الحديث من غير مدافعة والله أعلم.
6- ضبط زاي زوارات:
هذا مع أن رواية "لعن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم زوارات القبور" هي بمعنى زائرات لأن زوَّارات بضم الزاي المعجمة كما قاله الجلال المحلي في شرح المنهاج والسيوطي وأقره السندي والمناوي وصاحب تنقيب الرواة شرح المشكاة قال هؤلاء: "الدائر على الألسنة ضم الزاي من زوارات، جمع زوار جمع زائرة سماعا وزائر قياساً. وقيل زوّارات للمبالغة فلا يقتضي وقوع اللعن على وقوع الزيارة إلا نادراً. ونوزع بأنه إنما قابل المقابلة بجميع القبور، ومن ثم جاء في رواية أبي داود زائرات بلا مبالغة" انتهى. فعلى هذا الضبط فهي بمعنى زائرات لا للمبالغة كما ظنه كثير من طلبة العلم فصيغة المبالغة بفتح الزاي لا بضمها، كما أن الصيغة الدالة على النسب بالفتح أيضا كقوله عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} وذلك معلوم عند أهل التصريف قال ابن مالك في ألفيته:
فعّال أو مِفعَال أو فعُول ... بكثرة عن فاعل بديل
وقال في النسب:
ومع فاعل وفعَّال فعل ... في نسب أَغنى عن اليا فقبل
.
.(3/8)
فيكون معنى زوّارات القبور: ذوات زيارة القبور على أن الصيغة للنسب. فاتفقت الروايتان على منع النساء من زيارة القبور مطلقاً. فعلى هذا فليس في هذه الرواية دليل على جواز زيارة النساء للقبور إن لم تتكرر، كما يقول به بعض الناس، مع أن صحة رواية "زائرات" كما تقدم نص صريح في أن زوّارات ليست للمبالغة. بل إما أن تكون هذه الصيغة على ما تقدم من أنها بالضم وإما أن تكون للنسب توفيقاً بين الدليلين فإن الجمع بين الدليلين متى أمكن فهو أولى من طرح أحدهما أو دعوى التعارض بينهما، قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كانت زيارة النساء للقبور مظنة وسبباً للأمور المحرمة والحكمة هنا غير مضبوطة فإنه لا يمكن أن يحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع" إلى آخر ما سيأتي من كلامه إن شاء اللّه تعالى.
فإذا استقر وضوح دلالة هذا الحديث على المنع مطلقا وأن اختلاف اللفظين لفظي ليس بينهما فارق على ما ذكرنا فاعلم أن هناك نصوصاً صحيحة تؤيد ما أسلفناه دافعة لتأويل سنة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم إلى مالا يحتمله النص إلا بتكلف ظاهر، مقررة لذلك المعنى العظيم وتلك القاعدة الشرعية الكبرى التي أجمعت عليها الأمة، وذلك أن سد الذرائع مطلوب ومقدم على جلب المنافع قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}, وفي الحديث الصحيح "ولولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم" مع العلم أنه ليس هناك مصلحة راجحة في زيارتها للقبور كما هو الحال بالنسبة للرجال والله أعلم.(3/9)
7- تفصيل أدلة المنع:
أولاً: ما تقدم عن ثلاثة من سادات أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مخبرين عنه بلعنه زائرات القبور، وهو إما خبر عن اللّه فهو خبر صدق, وإما دعاء من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيا ويل من دعا عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا اللعن مفيد لحكمين هما: التحريم والوعيد فهذا الوعيد الشديد دليل على أن زيارة النساء للقبور محرمة بل وكبيرة من الكبائر، لأن معنى اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة اللّه تعالى. قال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)- ما نصه: "إن العلماء متفقون على وجوب العمل بأحاديث الوعيد فيما اقتضته من التحريم، وإنما خالف بعضهم في العمل بآحادها في الوعيد خاصة، فأما بالتحريم فليس فيه خلاف معتد به" إلى أن قال: "بل إذا كان في الحديث وعيد كان ذلك أبلغ في اقتضاء التحريم على ما تعرفه القلوب".
ثانيا: روى الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود والنسائي في سننهما، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك من حديث ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبُلى عن عبد الله بن عمرو قال: "قبرنا مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يوماً، فلما فرغنا انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذينا به وتوسط الطريق إذا نحن بامرأة مقبلة، فلما دنت إذا هي فاطمة فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ قالت: يا رسول اللّه رحمت على أهل هذا الميت ميتهم، فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فلعلك بلغت الكُدَى - يعني: المقابر، بضم الكاف وفتح الدال المهملة مقصورا- قالت: معاذ اللّه وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر. قال: لو بلغت معهم الكُدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك. فسألت ربيعة عن الكُدى فقال: القبور".(3/10)
ثالثا: روى ابن ماجه والبيهقي عن علي رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة. قال: هل تغسلن ؟ قلن: لا، قال: هل تدلين فيمن يدلى؟ قلن: لا، قال فارجعن مأزورات غير مأجورات". وهذا كما قال الإمام ابن القيم رحمه اللّه تعالى "يدل على أن اتباعهن الجنائز وزر لا أجر لهن فيه إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها، بل فيه مفسدة للحي والميت" اهـ.
رابعاً: روى البخاري ومسلم وأحمد وابن جرير وأبو يعلى الموصلي والطبراني عن أم عطية قالت: "لما قدم رسول الله صلى اللّه عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت وفيه ونهانا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا".
والدلالة من الأحاديث الثلاثة المتأخرة- على منع النساء من زيارة القبور- ظاهرة، إذ في منعهن من اتباع الجنائز دليل على منعهن من زيارة المقابر، والعلة بين الحكمين مشتركة وسيأتي ما يشد المنع ويؤيده.
وفى حديثي عبد اللّه بن عمر وعلي رضي الله عنهم دليل على أن نهي النساء عن اتباع الجنائز في حديث أم عطية نهي تحريم لا نهي تنزيه كما قال به بعض أهل العلم رحمهم اللّه تعالى. وقد رأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نساءً في جنازة فطردهن وقال: "واللّه لأرجع إن لم ترجعن وحصبهن بالحجارة" ، ذكره ابن الحاج في المدخل واللّه أعلم.
8- أدلة المجيزين والجواب عنها:
استدل المجيزون لزيارة النساء للقبور بما يلي:
أولاً: بحديث أم عطية المتفق عليه قال البخاري في صحيحه: حدتنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن خالد عن أم الهذيل عن أم عطية رضي اللّه عنها قالت: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا".(3/11)
ثانياً: حديث أنس عند البخاري قال في صحيحه: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتق الله واصبري، قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها إنه النبي صلى اللّه عليه وسلم فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت:لم أعرفك فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
ثالثاً: حديث بريدة عند مسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور. فزوروها فإنها تذكر الموت".
رابعاً: حديث عائشة عند مسلم والنسائي وفيه قالت: "كيف أقول لهم يا رسول اللّه؟ قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين" الحديث.
خامساً: حديث عبد اللّه بن أبي مليكة عند الترمذي في زيارة عائشة رضي اللّه عنها قبر أخيها عبد الرحمن بن أبى بكر قال ابن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشى ، فحمل إلى مكة فدفن فيها فلما قدمت عائشة رضي اللّه عنها أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فذكر الحديث وفيه أنها قالت: "لو شهدتك لما زرتك".
سادساً: رواية البيهقي عن بسطام بن مسلم عن أَبي التياح يزيد بن حميد عن عبد اللّه بن أبي مليكة " أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قالت: كان نهى ثم أمر بزيارتها".
سابعاً: ما رواه الحاكم في مستدركه قال: حدثنا أبو حميد أحمد بن محمد بن حامد العدل بالطابران- حدثنا تميم بن محمد، حدثنا أبو مصعب الزهري، حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، أخبرني سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أَبيه عن علي بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.(3/12)
قال الحاكم: "رواته عن آخرهم ثقات", وتعقبه الذهبي في تلخيصه فقال: "هذا منكر جداً وسليمان ضعيف".
هذه جملة ما استدلوا به على الجواز وقد أوردها شيخ الإسلام ابن تيمية وفصّل الجواب عنها في كثير من كتبه، كما استوفى ذكرها والجواب عنها شمس الدين بن القيم- رحمه اللّه تعالى- وذلك في تهذيبه لسنن أبي داود ونحن إن شاء الله نلخص ما ذكره هذان الإمامان وما ذكره غيرهما مع ما يفتح الله به علينا في هذا المقام واللّه المستعان.
أما حديث أم عطية رضي اللّه عنها: فمحل استدلالهم من قولها "ولم يعزم علينا"، والجواب عنه كما قال الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه اللّه قال ما نصه: "وأما قول أم عطية: (ولم يعزم علينا) فقد يكون مرادها لم يؤكد النهي وهذا يقتضي التحريم وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لا في ظن غيره". وقال ابن القيم رحمه اللّه تعالى: "وأما قول أُم عطية فهو حجة للمنع وقولها ولم يعزم علينا إنما نفت فيه وصف النهي وهو النهي المؤكد بالعزيمة وليس ذلك شرطاً في اقتضاء التحريم بل مجرد النهي كاف، ولما نهاهن انتهين لطواعيتهن للّه ولرسوله صلى الله عليه وسلم فاستغنين عن العزيمة عليهن, وأم عطية لم تشهد في ذلك النهي وقد دلت أحاديث لعنة الزائرات على العزيمة فهي مثبتة للعزيمة فيجب تقديمها".
قلت: وفي حديثي عبد اللّه بن عمرو وعلي رضي اللّه عنهم المتقدم ذكرهما ما يدل على أن نهيهن عن اتباع الجنائز نهي تحريم لا تنزيه، وفي ذلك دليل واضح على منعهن من زيارة القبور إذ العلة بين الحكمين مشتركة فصح أن الاستدلال به في جانب المنع أولى وأَرجح واللّه أعلم.(3/13)
وأما حديث أنس عند البخاري: "مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بامرأَة تبكي عند قبر على صبي لها، فقال: اتق اللّه واصبري" الحديث؛ فهو كذلك حجة للمنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرها بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أَمر به وترك ما نهى عنه ومن جملتها النهي عن زيارة النساء للقبور وقال لها: "اصبري" ومعلوم أن مجيئها للقبر وبكاءها مناف للصبر، فلما أبت أن تقبل منه لأنها لم تعرفه انصرف عنها، فلما علمت أنه صلى الله عليه وسلم هو الآمر لها جاءته تعتذر إليه من مخالفة أمره . فأي دليل في هذا الحديث على جواز زيارة النساء للقبور ؟ ومع هذا فلا يعلم أن هذه القضية كانت بعد لعنه صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور، ونحن نقول إما أن تكون دالة على الجواز فلا دلالة على تأخرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالة على المنع لأمرها بتقوى اللّه فلا دلالة فيها على الجواز، وعلى كلا التقديرين فلا تعارض هذه القضية أحاديث المنع ولا يمكن دعوى نسخها بها والله أعلم.
وأَما حديث بريدة رضي اللّه عنه: فقد قال المجيزون: إن هذا الخطاب يتناول النساء بعمومه، بل هن المراد به فإنه إنما علم نهيه عن زيارتها للنساء دون الرجال وهذا صريح في النسخ لأنه قد صرح فيه بتقديم النهي ولا ريب في أن المنهي عن زيارة القبور هو المأذون له فيها والنساء قد نهين عنها فيتناولهن الإذن.(3/14)
والجواب عن هذا: أَن الصيغة في هذا الحديث هي خطاب للذكور, والنساء وإن دخلن فيه تغليباً فهذا حيث لا يكون دليل صريح يقتضي عدم دخولهن, وأَما حديث التحريم فمن أظهر القرائن على عدم دخولهن في خطاب الذكور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام قد نهي عن زيارة القبور صيانة لجانب التوحيد وقطعاً للتعلق بالأموات وسدا لذريعة الشرك، التي أصلها تعظيم القبور وعبادتها كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فلما تمكن التوحيد من قلوبهم واضمحل الشرك واستقر الدين أذن في زيارة يحصل بها مزيد الإيمان وتذكير ما خلق العبد له من دار البقاء فأذن حينئذٍ فيها فكان نهيه عنها للمصلحة وإذنه فيها للمصلحة. وأما النساء فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة، والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة". اهـ، من كلام ابن القيم ملخصاً.
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: "إن الخطاب في الإذن في قوله: فزوروها لم يتناول النساء فلا يدخلن في الحكم الناسخ، والعام إذا عرف أنه بعد الخاص لم يكن ناسخا له عند الجمهور فكيف إذا لم يعلم أن هذا العام بعد الخاص، إذ قد يكون قوله: "لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زوارات القبور" بعد إذنه للرجال في الزيارة يدل على ذلك أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج ، ومعلوم أن اتخاذها المنهي عنه محكم كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والصحيح أَن النساء لم يدخلن في الإذن في زيارة القبور لعدة أوجه:(3/15)
الأول: أن قوله صلى اللّه عليه وسلم "فزوروها" صيغة تذكير وصيغة التذكير إنما تناول الرجال بالوضع وقد تتناول النساء أيضا على سبيل التغليب لكن هذا فيه قولان.
الثاني: أَن النبي صلى اللّه عليه وسلم علل الإذن للرجال بأن ذلك يذكر الموت ويرقق القلب ويدمع العين ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنياحة لما فيها من الضعف وقلة الصبر، وإذا كانت زيارة النساء مظنة وسبباً للأمور المحرمة والحكمة هنا غير مضبوطة فإنه لا يمكن أن يحد المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك ولا التمييز بين نوع ونوع، ومن أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها فيحرم هذا الباب سدا للذريعة كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة وكما حرمت الخلوة بالأجنبية وليس في ذلك من المصلحة ما يعارض هذه المفسدة فانه ليس في ذلك إلا دعاؤها للميت وذلك ممكن في بيتها", إلى أن قال رحمه اللّه: "إن قوله صلى اللّه عليه وسلم "من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان" معلوم أنه أدل على العموم من صيغة التذكير المتقدمة فإن لفظ (من) يتناول الرجال والنساء باتفاق الناس، وقد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لنهي النبي صلى اللّه عليه وسلم لهن عن اتباع الجنائز فإذا لم يدخلن في هذا العموم فكذلك لا يدخلن في العموم المتقدم بطريق الأولى... فإذا كان النساء لم يدخلن في عموم اتباع الجنائز مع ما في ذلك من الصلاة على الميت فأن لا يدخلن في زيارة القبور التي غايتها دون الصلاة عليه بطريق الأولى، وعلى هذا فيكون الإذن في زيارة القبور مخصوصاً بالرجال، وخص بلعنه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور فيكون من العام المخصوص" اهـ وبمثل هذا قال العلامة النووي في شرح مسلم: "هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأَجمع على أن زيارتها سنة لهم، أما النساء(3/16)
ففيهن خلاف لأصحابنا وقدمنا أن مَنْ منعهن قال: النساء لا يدخلن في خطاب الرجال وهو الصحيح عند الأصوليين" اهـ. منه بلفظه.
وأما حديث عائشة: عند مسلم والنسائي الذي فيه قالت: "كيف أقول لهم" الحديث فالجواب عنه من وجوه:
أولها: حمل سؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه إياها على ما إذا اجتازت بقبر في طريقها بدون قصد للزيارة، ولفظ الحديث ليس فيه تصريح بالزيارة عند من خرّجه بل قالت: ماذا أقول لهم؟ ولذلك صرح العلماء- رحمهم اللّه تعالى- بأنه يجوز لها أن تدعو بهذا الدعاء في هذه الحال، بل ولا تسمى زائرة والحالة هذه، فكأنها رضي اللّه عنها قالت ماذا أقول إذا جزت بقبر في الطريق فقال: "قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين" الحديث.. ولا أدل على ذلك من قولها في زيارتها لأخيها عبد الرحمن "لو شهدتك لما زرتك" وإلا لما كان لقولها هذا كبير معنى، وإن في حمل الحديث على هذا جمعاً بينه وبين أدلة المنع ودفعاً للتعارض عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن الجمع بين الدليلين متى أمكن فهو أولى من طرح أحدهما أو دعوى التعارض بينهما قال صاحب مراقي السعود في ذلك:
والجمع واجب متى ما أمكنا ... إلا فللأخير نسخ بينا
وثانيها: أن حديث عائشة هذا يحتمل احتمالاً قوياً أَنه كان على البراءة الأصلية ثم نقل عنها إلى التحريم العام فنسخ نهي الرجال عن الزيارة وبقي نهي النساء على عمومه كما أشار إلى ذلك المنذري رضي اللّه عنه بقوله: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور نهيا عاماً للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهي في حق النساء لورود ما يقتضي تخصيصهن في ذلك الحكم من أحاديث اللعن وغيرها".(3/17)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: وقد قرن الرسول صلى اللّه عليه وسلم لعننة الزائرات بلعنة المتخذين عليها المساجد والسرج، ومعلوم أَن اتخاذ المساجد والسرج، لم يقل أحد من العلماء بجوازه فكذلك ما قرن به من لعنة الزائرات واللّه أعلم.
والثالث: أن عائشة رضي اللّه عنها ليست كغيرها من النساء لما تحلت به من الآداب اللائقة بزيارة القبور لقوة إيمانها وعظيم صبرها وكمال عقلها ووفور فضلها، قال اللّه تعالى في عموم نساء النبي صلى الله عليه وسلم {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (الأحزاب / 33) وقال عليه الصلاة والسلام: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أما غيرها من النساء فإنه لا يؤمن ممن زارت القبر لجهالتها وضعف عزيمتها وقرب جزعها أن ترتكب شيئا من المحظورات كالنياحة والجزع والتعديد خصوصا في زماننا هذا الذي انضم إلى ما ذكر كثرة تبرج النساء وارتكابهن فتنة العري والتبرج والاختلاط ، ومن له غيرة في الدين و بصيرة بقواعد الشريعة عرف وجاهة ما ذكر واللّه المستعان.(3/18)
الرابع: حمل سؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه إياها على أنها مبلغة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومثل هذا في السنة كثير في تعلمها وأخذها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما تخبر به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رضوان اللّه عليهم مع عدم شرعيته في حق النساء. قال الزركشي- في الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة- أخرج مسلم عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد اللّه بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة إنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها نم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها تم رجع كان له من الأجر مثل أحد" فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت. وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض وقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة" اهـ.
وقد لاح لك مما تقدم من الأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لورود النهي الخاص من النبي صلى اللّه عليه وسلم عن اتباعهن الجنائز فكذلك ما هنا فاحفظ ذلك وكن به حفيا وتدبر بعين البصير بمرامي الشريعة وقواعدها فسيظهر لك بمعونة الله صحة ما ذكرناه ورجحان ما أبديناه ولا حوله ولا قوة إلا بالله.
وخلاصة القول أن في حمل الحديث على أحد الوجوه المذكورة جمعاً بعين الأحاديث وتأليفاً لسنن كثيرة نذكر فيها ما يلي:
أولاً: موافقته للنهي الخاص من النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور كما في أحاديث اللعن وما في معناها كحديثي عبد اللّه بن عمرو وعلي رضي الله عنهم.(3/19)
ثانياً: أن في حمل الحديث على ذلك جمعاً بينه وبين قولها المتأخر قطعاً على ذلك - لو شهدتك لما زرتك- وإلا لما كان في قولها هذا كبير معنى.
ثالثاً: موافقته لحال الصحابة رضوان اللّه عليهم حيث لم ينقل فيما نعلم أَن نساءهم كن يزرن المقابر، ولو كان شيء من ذلك لنقل إلينا كما نقل إلينا سائر سيرهم وما جرى بينهم من القضايا والمناظرات في الأحكام الشرعية، فلما لم ينقل إلينا شيء من ذلك دل على أنهم آمنوا بالنهي وأقروه على ظاهره كما جاء من غير بحث ولا نظر، وهذا هو مذهب أهل الحديث وأئمة التحقيق كثر اللّه سوادهم، قال الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه اللّه : "وما علمنا أن أحداً من الأئمة استحب لهن زيارة القبور ولا كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور كما يخرج الرجال" اهـ بلفظه.
رابعاً: أن المحرم لا بد أن يشتمل على مفسدة محضة أو راجحة وزيارة النساء للقبور تشتمل على مفاسد كثيرة في الغالب فالتحريم إذاً ألصق بأصول الفرع ومقاصده.
خامساً: أن أحاديث النهي تضمنت حكماً منطوقاً به، وحديث عائشة عند مسلم صحيح غير صريح فيما استدل به عليه، إذ لم تقل ماذا أقول إذا زرت القبور بل قالت ما أقول لهم، وهذا يحتمل الزيارة وغيرها. قال أبو بكر الحازمي في كتابه الاعتبار: "الوجه الثالث والثلاثون من وجوه الترجيح أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقاً به وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملاً" اهـ. أي فيجب تقديم ما هو منطوق به.
سادساً: أن عامة العلماء قد رجحوا الدليل الحاظر كحديث اللعن في هذا المقام على دليل الإباحة كحديث عائشة عند مسلم على احتماله، فمن ادعى بعد ذلك أنه أبيح بعد المنع فعليه البيان لاسيما وقد ذكر هذا الوعيد الشديد في جانب المنع فالمسألة إذاً لا مسرح فيها للاجتهاد واللّه أعلم.(3/20)
سابعاً: أن مما يرجح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجانبين وهى مؤثرة في باب الرواية لأنها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر كما حكى ذلك الحافظ أبو بكر الحازمي في اعتباره.
قلت: وقد لاح لك مما تقدم أن عدد جانب المنع أكثر والاستدلال بها أظهر وباللّه التوفيق.
والجواب عن حديثها في زيارتها لأخيها عبد الرحمن هو كما قال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن: "إن المحفوظ في هذا الحديث حديث الترمذي مع ما فيه، وعائشة إنما قدمت مكة للحج فمرت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه وهذا لا بأس به، إنما الكلام في قصدها الخروج لزيارة القبور ولو قدر أنها عدلت إليه وقصدت زيارته فهي قد قالت: "لو شهدتك لما زرتك" وهذا يدل بالصراحة أن من المستقر المعلوم عندها أن النساء لا يشرع لهن زيارة القبور وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى" اهـ.(3/21)
وأما رواية الحاكم التي فيها أن عائشة قالت لمن سألها نهى عنها ثم أمر بزيارتها فقد قال الإمام تقي الدين بن تيمية: "لا حجة في حديث عائشة هذا، فإن المحتج عليها احتج بالنهي العام فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ وهو كما قالت رضى اللّه عنها ولم يذكر لها المحتج النهي المختص بالنساء الذي فيه لعنهن على الزيارة يبين ذلك قولها قد أمر بزيارتها فهذا يبين أنه أمر بها أمراً يقتضي الاستحباب، والاستحباب إنما هو ثابت للرجال خاصة ولكن عائشة بينت أن أمره الثاني نسخ نهيه الأول فلم يصلح أن يحتج به, وهو أن النساء على أصل الإباحة، ولو كانت عائشة تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك كما يفعله الرجل ولم تقل لأخيها لما زرتك". وقال ابن القيم رحمه اللّه في هذه الرواية: إنها من رواية بسطام بن مسلم، ولا صح فإن عائشة رضي اللّه عنها تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء في الإذن، والحجة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي، وتأويل الراوي إنما يكون مقبولاً حيث لا يعارضه ما هو أقوى منه وهذا الحديث قد عارضه أحاديث منع زيارة النساء للقبور" اهـ.
( تنبيه ): قول ابن القيم رحمه اللّه تعالى إن هذا الحديث من رواية بسطام ابن مسلم ولو صح قد يفهم منه أن هذا الحديث ضعيف من جهة بسطام هذا وليس الأمر كما يظن بل بسطام بن مسلم ثقة كما قال الحافظ في التقريب: "بسطام بن مسلم بن نمير العوذي بفتح المهملة وبسكون الواو، بصري ثقة من السابعة" اهـ. وقال أحمد: "صالح الحديث ليس به بأس", وقال ابن معين وأبو زرعة: "ثقة" والله أعلم.
وأما ما رواه الحاكم أن فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة الحديث. فهو حديث ضعيف منكر كما قاله الذهبي في تلخيصه وتضعيفه من سليمان بن داود وقال البيهقي في سننه الكبرى بعد سياقه لهذا الحديث: "إن حديث فاطمة رضي اللّه عنها في زيارتها قبر عمها حمزة منقطع" اهـ.(3/22)
وقال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في سبل السلام بشرح بلوغ المرام- ما نصه: "وما أخرجه الحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة رضي الله عنها كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. قلت: وهو حديث مرسل فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعموم ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرسلاً: "من زار قبر الوالدين أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب باراً" " اهـ.
فهذا الحديث كما رأيت قد رمي بالضعف والنكارة والانقطاع والإرسال فلا يكون مثل هذا حجة في الدين واللّه أعلم.
9- نقل جملة من كلام أئمة التحقيق في هذه المسألة:
قال أبو العباس على بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي في ترتيبه اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه- ما نصه: "ونهي النساء عن زيارة القبور هل هو نهي تنزيه أو تحريم فيه قولان: وظاهر كلام أبى العباس ترجيح التحريم لاحتجاجه بلعن النبي صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور وتصحيحه إياه، ورواه الإمام أحمد و ابن ماجه والترمذي وصححه وأنه لا يصح ادعاء النسخ بل هو باق على حكمه، والمرأة لا يشرع لها الزيارة الشرعية ولا غيرها اللهم إلا إذا اجتازت بقبر في طريقها فسلمت عليه ودعت له فهذا حسن" اهـ.
وقال صاحب المهذب: "ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور".(3/23)
وقال السيوطي في كتابه زهر الربى على المجتبى للنسائي عند الحديث المتكلم عليه في النهي: "وبقين أي النساء تحت النهي لقلة صبرهن وكثرة جزعهن". قال السندي: "وهو الأقرب لتخصيصهن بالذكر" والله أعلم. وقال ا بن حجر الهيثمي الشافعي في كتابه الزواجر ما نصه: "الكبيرة الحادية والثانية والثالثة والعشرون بعد المائة اتخاذ المساجد أو السرج على القبور وزيارة النساء لها، وتشييعهن الجنائز" فساق حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر ثم قال: "تنبيه: عد هذه الثلاثة هو صريح الحديث الأول في الأولين لما فيه من لعن فاعلها وصريح الحديث الثاني في الثانية وظاهر حديث فاطمة في الثالثة بل صريح رواية النسائي: ما رأيتن الجنة إلى آخره. ولم أر من عد شيئاً من ذلك بل كلام أصحابنا في الثلاثة مصرح بكراهتها دون حرمتها فضلاً عن كونها كبيرة فليحمل كون هذه كبائر على ما إذا عظمت مفاسدها كما يفعل كثير من النساء من الخروج إلى المقابر وخلف الجنائز بهيئة قبيحة جداً إما لاقترانها بالنياحة وغيرها أو بالزينة عند زيارة القبور بحيث يخشى منها الفتنة.." إلى آخر كلامه رحمه اللّه تعالى.
قلت: وقد تقدم كلام النووي رحمه اللّه -وهو من كبار الشافعية- مصرحا بالتحريم وأما حمل ابن حجر الهيثمي التحريم على ما إذا عظمت الفتنة فهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما نعلم وقد صرح بذلك غير واحد، وأما بدون اقتران ذلك فتبين لك مما تقدم ومما يأتي أن مقتضى نصوص الشريعة وقواعدها التحريم وما أحسن ما قاله العيني رحمه اللّه تعالى: "إن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا الزمان ولاسيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه الفساد والفتنة وإنما رخص في الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهيد في الدنيا" قاله صاحب عون المعبود نقلاً عنه.(3/24)
وهذا قاله العيني في نساء مصر القرن التاسع فكيف لو رأى هو وأمثاله من الغيورين على الإسلام نساء القرن الرابع عشر وما يرتكبنه من التبرج والسفور وفتنة العري والاختلاط لما تردد هو وأمثاله في منعهن من الزيارة قولاً واحداً والله أعلم.
وقال الساعاتي في الفتح الرباني: "قال صاحب المدخل المالكي: قد اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: أولاً المنع مطلقاً. ثانياً الجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم. ثالثاً: يفرق بين الشابة والمنجالة أي العجوز-. ثم قال: اعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ اللّه أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة في الدين بجوازه".
وقال العلامة صديق بن حسان البخاري في كتابه حسن الأسوة: "الراجح نهي النساء عن زيارة القبور وإليه ذهب عصابة أهل الحديث كثر اللّه سوادهم". وقال صاحب المرعاة: "قال أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي: النهى ورد خاصا بالنساء والإباحة لفظها عام والعام لا ينسخ الخاص بل الخاص حاكم عليه ومقيد له".
وقد سئل سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف عن حكم وقوف النساء -عند دخولهن المسجد النبوي الشريف- على قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأجاب رحمه اللّه بفتوى قال فيها بعد أن ذكر أحاديث اللعن: "إن التعبير برواية زائرات القبور يدل على عدم تخصيص النهى بالإكثار من الزيارة كما توهمه بعضهم من التعبير في الروايات الأخرى بلفظ "زوّارات القبور" ثم قال بعد أَن ذكر تحقيقاً جلياً في المسألة "والخلاصة: أنه لا يجوز للنساء قصد القبور بحالة ولا يدخلن في عموم الإذن بل الإذن خاص بالرجال والله أعلم".(3/25)
قلت: فالقول بالتحريم مطلقاً هو القول الذي ندين اللّه به ولا نعتقد سواه، إذ هو الموافق لأمر رسول اللّه ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته فأما موافقته لأمره فإنه صلى اللّه عليه وسلم حكم على المرأة التي تبكي عند قبر على صبي لها بمنافاة ذلك للصبر والتقوى فأمرها بقوله لها: "اتق اللّه واصبري" فهذا موافق لأمره, وأما موافقته لنهيه فلقوله: "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زائرات القبور" فاجتمع في هذه المسألة أبلغ الطرق لإثبات هذا الحكم من أمره ونهيه صلى اللّه عليه وسلم. وأما موافقته لقواعد شريعته ومصالح أُمته فمن وجوه عديدة نذكر منها ما يلي:
أولاً: من المستقر المعلوم من قواعد الشريعة المطهرة: أن درء المفاسد مغلب على جلب المنافع لاسيما عند عظمة المفاسد كالحالة هذه إذ ليس في زيارة النساء للمقابر أي مصلحة راجحة كما هي في حق الرجال،والخروج في حقهن لا يكون إلا لحاجة فكيف يقدم ما ليس بواجب على الواجب بل كيف إذا لم يكن مشروعاً.
ثانيا: إن النساء ناقصات عقل ودين مع ضعف صبرهن وكثرة جزعهن ومن جراء هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجزع المؤدي إلى لطم الخدود وشق الجيوب وزيارتهن مجددة للحزن والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن الناتجة من نقصان الدين والعقل وقلة الصبر وكثرة الجزع فلو لم تحرم زيارة النساء للقبور إلا من هذا الباب لكفى فكيف إذا ترتب عليها من المخالفات الباطلة مالا يخفى على كل من شهد ما يقع منهن في زماننا هذا من تبرج بزينة واختلاط وغير ذلك مما أنكره الشرع.(3/26)
ثالثاً: إن حرمة التبرج والاختلاط- معلوم بالضرورة من الدين والعقل السليم.فخروج المرأة من بيتها لغير ضرورة يؤدي في الغالب إلى ارتكاب هذه الممنوعات شرعا بل والى ترك ما هو أهم من إحصانها وقرارها في بيتها والقيام بحقوق زوجها كما قال اللّه عز وجل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} بل يؤدي إلى أعظم مما تقدم من وقوع اللعنة عليها على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن شهد ما يقع في عصرنا هذا عند مزارات قبور الصالحين وغيرهم لاسيما عند قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم وصاحبيه علم غاية العلم أن ما ذكرناه من المفاسد المترتبة على فتح هذا الباب أمر واقع لا يحتمل الشك والارتياب وأن منعهن من زيارة القبور هو مقتضى شرعه وحكمه ومن محاسن شريعته. وكم من مسائل منعها الشارع لا لذاتها ولكن لما يتوصل إليه بأسبابها من ذلك نهيه عن تجصيص القبور وتشريفها والبناء عليها وعن الصلاة إليها وعندها وعن شد الرحال إليها- كل ذلك لئلا يكون ذريعة إلى اتخاذها أوثانا,ً وهذا التحريم عام في حق من قصد ومن لم يقصد، كل ذلك حماية لجناب التوحيد وسلامة الفطرة، والمحافظة على ذلك معروفة بطبيعة العقائد الإسلامية واللّه المستعان.(3/27)
10- خاتمة: في أن هدي السلف في الاتباع ومجانبة الابتداع.
لا يخفى على كل من كان هدفه التمسك بآداب شريعة الإسلام أن الخير كله في اتباع السلف وأن الشر في ابتداع الخالفين، فمن ثم لما لم ينقل عن القرون المشهود لها بالخير أن نساءهم يزرن المقابر تيقنا يقينا لا يساوره شك أنهم فهموا المنع من الشارع من غير قيد، ومن المعلوم أيضا لما هم عليه من قوة التمسك بالسنة والولوع بها ومن الورع وحب التسابق إلى الخير وتبليغ ما جاء عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، أنه لو كانت زيارة النساء خيراً لسبقونا إليها ولنقل عنهم جوازها كما نقل عنهم منعها على لسان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .وقد قال الأول:
والحق أَبلج لا تزيغ سبيله ... والحق يعرفه ذوو الألباب
فلنفعل كما فعلوا وليسعنا ما وسعهم من الاستغناء بما أحل الله عما حرمه فما أحسن الاقتصار على الطريقة المأثورة عن سلف هذه الأمة فإنهم كانوا أعلم بشريعة اللّه وأقوى تعظيما لأوامره وأوامر رسوله من سائر الأمم، ومن ظن أن في قدرته وإمكانه أن يفوقهم في تعظيم أوامره فقد خاب ظنه ورجع بخفي حنين فواللّه لو أنفق أحدنا مثل أحدٍ ذهباً لما بلغ مد واحد منهم ولا نصيفه كما ورد عنه ذلك عليه الصلاة والسلام ويذكر أن الإمام مالكاً رحمه الله كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع
فما من بدعة تحدث في الإسلام إلا ويرفع في مقابلتها سنة من سنن الهدى، وحسبك في وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع ما رواه المقدسي في المختارة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "إن اللّه حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته".(3/28)
وساق الشاطبي في الاعتصام من حديث: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا" وهذا الحديث في سياق العموم فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع، والبدع من أقبح الحدث وهو وإن كان مختصاً بالمدينة فغيرها أيضا يدخل في المعنى... ويروى عن أبي أويس الخولاني أنه قال: "لأن أرى في المسجد ناراً لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها".
وقال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وعليكم بالأمر العتيق". وكان السلف يقولون: "احذروا من الناس صنفين: صاحب فتنة فتنهُ هواه، وصاحب دنيا أعجبته دنياه". وقال أبو عمير عيسى بن محمد النحاس في صفة الإمام أحمد رحمه اللّه: "عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه وبالصالحين ما كان ألحقه، أتته البدع فنفاها والدنيا فأباها، وخصه اللّه بنصرة دينه والقيام بحفظ سنته ورضيه لإقامة حجته ونصر كلامه حين عجز عنه الناس".
ويروى عن الإمام مالك رحمه الله: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً".
وإلى هنا انتهى ما أردنا جمعه وكان ذلك في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الله آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين والحمد لله الذي بتوفيقه تتم الصالحات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(3/29)
الفقه في الدين
للشيخ حماد الأنصاري
المدرس في الجامعة
[ مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 1 ]
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" الحديث أخرجه البخاري في صحيحة. وزاد أبو يعلى الموصلي عنه "ومن لم يتفقه لم يبال الله به".
عن عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن مسعود"قلت: "لبيك يا رسول الله ثلاث مرات". قال: "أتدري أي عرى الإيمان أوثق". قال: "قلت الله ورسوله أعلم". قال: "الولاية في الله الحب فيه والبغض فيه". ثم قال: "يا عبد الله بن مسعود"قلت: "لبيك يا رسول الله ثلاث مرات". قال: "أتدري أي الناس أفضل؟"قال: "قلت الله ورسوله أعلم". قال: "إن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم". ثم قال: "يا عبد الله بن مسعود"قلت: "لبيك يا رسول الله ثلاث مرات". قال: "أتدري أي أناس أعلم". قال: "قلت الله ورسوله أعلم". قال: "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا في العمل".
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه". قالوا: "بلى"قال: "من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تريث".(4/1)
سئل الإمام مالك بن أنس قيل له: "لمن تجوز الفتوى؟"فقال: "لا تجوز إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه". قيل له: "اختلاف أهل الرأي". قال: "لا، اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم". قال أبو حيان التيمي: "العلماء ثلاثة عالم بالله وبأمر الله، وعالم بالله وليس بعالم بأمر اله . وعالم بأمر الله وليس بعالم بالله. فأما العالم بالله وبأمره فذلك الخائف لله العالم بسنته وحدوده وفرائضه. وأما العالم بالله وليس بعالم بأمر الله فذلك الخائف لله وليس بعالم بسنته ولا حدوده ولا فرائضه. وأما العالم بأمر الله وليس بعالم بالله فذالك العالم بسنته وحدوده وفرائضه وليس بخائف له".
وقال الخليل بن أحمد: "الرجال أربعة، رجل يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلموه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك مائِق فاحذروه".
وكان الحسن البصري كثيرا ما يتمثل بهذا البيت :
يسر الفتى ما كان قدم من تقى ..... إذا عرف الداء الذي هو قاتله
أخرجها كلها الحافظ ابن عبد البر ما عدا الأول(4/2)
كَشْفُ السِّتْرِ عَمَّا وَرَدَ فيِ السَّفَرِ إِلىَ القَبْرِ
لمحدِّث المدينة النبوية
الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد ورد إليّ سؤال صورته:
وقع بين شخصين نزاع، هل يجوز لشخص أن ينوي السفر لمجرد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون المسجد أفتونا والله يحفظكم؟
والجواب:
إن زيارة القبور كان منهيا عنهاً في أول الإسلام لقرب الناس آنذاك من عبادة الأصنام، ثم نسخ ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ))(1).
وأبيحت الزيارة للرجال دون النساء وبقيت في حق النساء محرمة إلى يوم القيامة لحديث ابن عباس(2) رضي الله عنهما عند أبي داود والترمذي وغيرهما:
((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور)) الحديث(3)
__________
(1) أخرجه مسلم (رقم 977)، وأبو داود (رقم 3235)، والترمذي (رقم 1054)، والنسائي (4/89)، وأحمد (5/356)، وغيرهم من حديث بريدة.
(2) قال الشيخ: حديث صحيح من طريق أبي صالح عن ابن عباس، وأبو صالح هذا؛ قيل: باذام مولى أم هانئ، وقيل: ميزان البصري، فعلى كلا من القولين فالحديث صحيح، لأن باذام إذا روى عنه محمد بن جحادة فحديثه صحيح، وهذه الرواية من روايته عنه، بخلاف ما إذا روى عنه الكلبي وأمثاله، وأما على القول بأن أبا صالح هذا هو ميزان البصري فلا خلاف في صحة هذه الرواية، لأنه ثقة، وليس في سنده انقطاع، ولا تدليس، ولا إرسال. (كذا في هامش الطبعة السابقة).
(3) أخرجه أبو داود (رقم 3236)، والترمذي (رقم 320)، والنسائي (4/95)، وابن ماجه (رقم 1575)، من طريق أبي صالح عن ابن عباس مرفوعا.
وأبو صالح هذا: قيل: هو باذام مولى أم هانئ.
وله شاهدان أحدهما حديث أبي هريرة: أخرجه الترمذي (رقم 1056)، وابن ماجه (رقم 1576) عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه مرفوعا: (لعن الله زوارات القبور).
وحديث حسان بن ثابت: أخرجه ابن ماجه (رقم 1574)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/29)، وأحمد (3/442ـ443)، وابن أبي شيبة (3/345) من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور).(5/1)
كما أن شدّ الرحل إلى قبر مخصوص محرّم لحديث أبي هريرة في الصحيحين: (( لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد …))(1) الحديث.
وفي هذا الحديث الأخير مشروعية شد الرحل إلى أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
وأما ما سوى هذه المساجد الثلاثة فقد دل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز شدّ الرحل إليه بمجرده، وذلك إذا كان يقصد الزائر مجرد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون المسجد، وأما إذا قصد المسجد ثم زار القبر الشريف فهذا مشروع لما تقدم من مشروعية زيارة القبر للرجال.
ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص صحيح في جواز شد الرحال إلى قبر مخصوص سواء كان قبره - صلى الله عليه وسلم - أو قبر غيره، فمن ثَمَّ لم ينقل عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن أحد من التابعين لهم بإحسان أنه شد رحلاً لمجرد قصد زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - ولا لمجرد زيارة قبر غيره.
وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))(2)، فالخير في اتباع السلف والشر في ابتداع الخلف.
هذا وقد استدل بعض المتأخرين ممن ينتمي إلى العلم على مشروعية مجرد قصد زيارة القبر الشريف أو غيره ـ بأدلة إما موضوعة أو ضعيفة جداً لا تثبت بمثلها الأحكام الشرعية كما هو معلوم عند أهل التحقيق والمعرفة بالحديث، أذكرها مع بيان بطلانها أو ضعفها بما قاله أئمة الشأن، فأقول بعد الاستعانة بالله:
أدلة المجيزين لشد الرحل وعدم قابليتها للاستدلال بها على دعواهم
أربعة عشر حديثا
1ـ (( من زار قبري وجبت له شفاعتي )).
__________
(1) أخرجه البخاري (رقم 1189)، ومسلم (رقم 1397).
(2) أخرجه مسلم (رقم 1718).(5/2)
أخرجه أبو الشيخ وابن أبي الدنيا، عن ابن عمر، وهو في صحيح ابن خزيمة، وأشار إلى تضعيفه(1)، وقال: "في القلب من سنده شيء، وأنا أبرأ إلى الله من عهدته"(2).
قلت: فيه مجهولان:
أ ـ عبد الله بن عمر العمري، قال أبو حاتم: مجهول.
ب ـ موسى بن هلال البصري العبدي، قال أبو حاتم: مجهول(3).
وقال العقيلي: لا يصح حديثه، ولا يتابع عليه، يعني هذا الحديث(4).
وقال الذهبي: وأنكر ما عنده حديثه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر … فذكر هذا الحديث(5).
وفي رواية: (( (من زار قبري حلت له شفاعتي )).
2ـ (( من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي )).
أخرجه الطبراني والبيهقي(6)، عن ابن عمر.
وفيه حفص بن سليمان القاري:
وقال الإمام أحمد بن حنبل: متروك الحديث(7).
وقال البخاري: تركوه(8).
وقال ابن خراش: كذاب يضع الحديث.
وذكر الذهبي هذا الحديث من منكراته بما لفظه: " وفي ترجمته في كتاب "الضعفاء" للبخاري تعليقاً: ابن أبي القاضي حدثنا سعيد بن منصور حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا: (( من حج وزارني بعد موتي…)) الحديث"(9).
3ـ (( من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)).
أخرجه البيهقي عن أنس(10).
وفيه أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي:
قال الذهبي: متروك.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث(11).
__________
(1) انظر: المقاصد الحسنة (رقم1125).
(2) انظر: التلخيص الحبير (2/267)، لسان الميزان (6/135).
(3) الجرح والتعديل (8/166).
(4) الضعفاء (4/170).
(5) ميزان الاعتدال (4/226).
(6) الطبراني في معجمه الكبير (12/406)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/246)، وشعب الإيمان (8/92ـ93).
(7) العلل (2298).
(8) التاريخ الكبير (2/363).
(9) ميزان الاعتدال (1/559).
(10) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (8/95)، من طريق سليمان بن يزيد عن أنس.
(11) الجرح والتعديل (4/149).(5/3)
وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به(1).
4ـ (( من حج ولم يزرني فقد جفاني )).
قال السخاوي في "المقاصد"(2): "لا يصح، أخرجه ابن عدي في "الكامل"، وابن حبان في "الضعفاء"، والدارقطني في "العلل"، و"غرائب مالك"، عن ابن عمر مرفوعاً.
وقال الذهبي في "الميزان"(3): "بل هو موضوع".
5ـ (( من زار قبري ـ أو قال: من زارني ـ كنت له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات بأحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة )).
أخرجه أبو داود الطيالسي(4) في مسنده عن عمر بن الخطاب.
وفيه مجهول، وسنده كما يلي:
قال أبو داود: حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي، قال: حدثني رجل من آل عمر، عن عمر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول… الحديث.
6ـ (( من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة )).
أخرجه الدارقطني في سننه، وابن عساكر عن حاطب(5).
وفيه هارون أبو قزعة أو ابن أبي قزعة:
قال البخاري: لا يتابع على هذا الحديث(6).
وشيخ أبي قزعة أيضاً مجهول.
وقد ذكر الذهبي في "الميزان"(7) حديث حاطب هذا، وحديث عمر الذي قبله من منكرات هارون بن أبي قزعة.
7ـ (( من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة )).
قال النووي في المجموع(8): "حديث موضوع، لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث".
8ـ (( من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة )).
__________
(1) المجروحين (3/151).
(2) المقاصد الحسنة (رقم 1178).
(3) ميزان الاعتدال (4/265).
(4) مسند أيي داود الطيالسي (رقم 65).
(5) أخرجه الدارقطني في سننه (2/278)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/278)، من طريق هارون أبي قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب.
(6) انظر: الضعفاء للعقيلي (4/363)، الكامل لابن عدي (7/2577).
(7) ميزان الاعتدال (4/285).
(8) المجموع شرح المهذب (8/261).(5/4)
أخرجه ابن النجار في "الدرة الثمينة في تاريخ المدينة"(1)، والدارقطني(2).
وفيه مسلمة بن سالم:
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء"(3): "فيه تجهم".
وقال ابن عبد الهادي: مجهول الحال لم يعرف بنقل العلم، ولا يحل الاحتجاج بخبره، وهو شبيه موسى بن هلال العبدي المتقدم(4).
9ـ (( من لم يزر قبري فقد جفاني )).
رواه ابن النجار في "تاريخ المدينة" بلا سند بصيغة التمريض، ولفظه: "ورُوي عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : … الحديث"(5).
قال ابن عبد الهادي: هذا الحديث من الموضوعات المكذوبة على علي بن أبي طالب(6).
قلت: وفي سنده النعمان بن شبل الباهلي، كان متهماً.
وقال ابن حبان: يأتي بالطامات(7).
وذكره الذهبي في "الميزان"(8).
وفي سنده أيضاً: محمد بن الفضل بن عطية المديني، كذاب مشهور بالكذب، ووضع الحديث.
قال الذهبي في "الميزان"(9): قال أحمد: حديثه حديث أهل الكذب(10).
وقال ابن معين: الفضل بن عطية ثقة، وابنه محمد كذاب(11).
وقال الذهبي: مناكير هذا الرجل كثيرة، لأنه صاحب حديث(12).
وقال أيضاً: قال الفلاس: كذاب(13).
وقال البخاري: سكتوا عنه، رماه ابن أبي شيبة بالكذب(14).
__________
(1) الدرة الثمينة (ص143)، من طريق مسلمة بن سالم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبيه مرفوعا.
(2) في الأفراد والغرائب (كما في أطرافه 3/376).
(3) ديوان الضعفاء (ص385).
(4) الصارم المنكي (ص36).
(5) الدرة الثمينة (ص144).
(6) الصارم المنكي (ص151).
(7) المجروحين (3/73).
(8) ميزان الاعتدال (4/65).
(9) ميزان الاعتدال (4/6).
(10) العلل (2/549).
(11) انظر: الجرح والتعديل (8/75).
(12) ميزان الاعتدال (4/7).
(13) ميزان الاعتدال (4/6).
(14) انظر: التاريخ الكبير (1/208)، ميزان الاعتدال (4/6).(5/5)
وقد رُوي هذا الحديث عن علي مرفوعاً(1) بسند فيه عبد الملك بن هارون بن عنترة، وهو متهم بالكذب، ووضع الحديث.
قال يحيى: كذاب(2).
وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث(3).
وقال السعدي: كذاب(4).
وقال الذهبي: واتهم بوضع حديث: (( من صام يوماً من أيام البيض عُدِل عشرة آلاف سنة )) (5).
ولهذا الكذاب ـ أعني عبد الملك بن هارون ـ له بلايا كثيرة تراجع في "الميزان"(6) للذهبي.
10ـ (( من أتى زائراً لي وجبت له شفاعتي … )) الحديث.
أخرجه يحيى الحسيني عن بكير بن عبد الله مرفوعاً.
وقال ابن عبد الهادي: "هذا حديث باطل، لا أصل له، مع أنه ليس فيه دليل على محل النزاع، وهو السفر إلى القبر"(7).
11ـ (( من لم تمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل )).
قال ابن عبد الهادي: "هذا من الأحاديث المكذوبة والأخبار الموضوعة، وأدنى من يعدّ من طلبة العلم يعلم أنه حديث موضوع، وخبر مفتعل مصنوع، وإن ذكر مثل هذا الكذب من غير بيان لحاله لقبيح بمن ينتسب إلى العلم"(8).
12ـ (( من حج حجة الإسلام، وزار قبري، وغزا غزوة، وصلى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه )) (9).
رواه أبو الفتح الأزدي في الجزء الثاني من فوائده بسنده إلى أبي سهل بدر بن عبد الله المصيصي عن الحسن بن عثمان الزيادي.
قال الذهبي: حديث بدر عن الحسن بن عثمان الزيادي باطل ـ يعني هذا الحديث ـ، وقد رواه عنه النعمان بن هارون(10).
هذا مع أن أبا الفتح الأزدي ضعيف.
__________
(1) انظر: الصارم المنكي (ص151 ـ 152).
(2) تاريخ الدوري (2/376).
(3) الجرح والتعديل (5/374).
(4) انظر: ميزان الاعتدال (2/666).
(5) ميزان الاعتدال (2/667).
(6) ميزان الاعتدال (2/666ـ667).
(7) الصارم المنكي (ص 153).
(8) الصارم المنكي (ص53).
(9) انظر: الصارم المنكي (ص139 ـ141).
(10) ميزان الاعتدال (1/300).(5/6)
وقال ابن الجوزي: كان حافظاً ولكن في حديثه مناكير، وكانوا يضعفونه(1).
وقال الخطيب: متهم بوضع الحديث(2).
ضعفه البرقاني، وأهل الموصل لا يعدونه شيئاً(3).
13ـ (( من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو قال شفيعا )).
أخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4) عن ابن عباس مرفوعا، ومن طريقه أخرجه ابن عساكر.
هذا حديث موضوع على ابن جريج.
قال ابن عبد الهادي: "قد وقع تصحيف في متنه وإسناده، أما التصحيف في متنه فقوله: (( من زارني ))، من الزيارة، وإنما هو (( من رآني في المنام كان كمن رآني في حياتي ))، هكذا في كتاب العقيلي في نسخة ابن عساكر (( من رآني))، من الرؤيا، فعلى هذا يكون معناه صحيحاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من رآني في المنام فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل بي )).
وأما التصحيف في سنده فقوله: "سعيد بن محمد الحضرمي"، والصواب "شعيب بن محمد"، كما في رواية ابن عساكر.
فعلى كل حال فهذا الحديث ليس بثابت، سواء كان بلفظ الزيارة أو الرؤيا، لأن راويه فضالة بن سعيد ابن زميل المزني شيخ مجهول، لا يعرف له ذكر إلا في هذا الخبر الذي تفرد به، ولم يتابع عليه"(5).
وقال الذهبي: "قال العقيلي: حديثه غير محفوظ، حدثناه سعيد بن محمد الحضرمي، حدثنا فضالة، حدثنا محمد بن يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا: (( من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي)).
وقال الذهبي: هذا موضوع على ابن جريج"(6).
14ـ (( ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر)).
أخرجه ابن النجار في "تاريخ المدينة" عن أنس(7).
وفيه سمعان بن المهدي:
__________
(1) الضعفاء لابن الجوزي (2/53).
(2) تاريخ بغداد (2/244).
(3) انظر: ميزان الاعتدال (3/523).
(4) الضعفاء للعقيلي(3/457).
(5) الصارم المنكي (ص150).
(6) ميزان الاعتدال (3/348ـ349).
(7) الدرة الثمينة لابن النجار (ص143ـ144).(5/7)
قال الذهبي: سمعان بن المهدي عن أنس بن مالك حيوان لا يعرف،ألصقت به نسخة مكذوبة رأيتها قبّح الله من وضعها(1).
قال ابن حجر في "اللسان"(2): وهذه النسخة من رواية محمد بن المقاتل الرازي، عن جعفر بن هارون الواسطي، عن سمعان، فذكر النسخة، وهي أكثر من ثلاث مائة حديث اهـ.
قلت: هذه أربعة عشر حديثاً يستدل بها القائلون على جواز شدّ الرحل إلى القبر، وهذا جملة ما احتج به من أجاز شدّ الرحل إلى زيارة القبر الشريف بمجرده.
فقد تبين لك أن جميع هذه الأخبار ليس فيها حديث صحيح، ولا حسن، بل كلها ضعيفة جداً، أو موضوعة لا أصل لها كما تقدم لك عن أئمة هذا الشأن مفصلاً، فلا تغتر بكثرة طرقها وتعددها، فكم من حديث له طرق أعاف هذه الطرق التي سردناها عليك، ومع ذلك فهو موضوع عند أهل الباب، لأن الكثرة لا تفيد إذا كان مدارها على الكذابين، أو المتهمين، أو المتروكين، أو المجهولين كما سمعت في هذه الأحاديث، فإنها لا تخلو من كذاب، أو متهم، أو متروك، أو مجهول لا يعرف أبداً، ومثل هذا لا يصلح للتقوية كما هو معلوم عند أهل هذا الفن، هذا إذا لم يكن من الصحيح ما يُبطلها، فكيف وهو موجود ومعلوم في الصحيح كما تقدم مِنْ منع شدّ الرحل إلى غير المساجد الثلاثة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم"(3):
__________
(1) ميزان الاعتدال (2/234).
(2) لسان الاعتدال (3/114).
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (2/772ـ773).(5/8)
"لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا أهل الصحيح ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره، وأجل حديث روي في ذلك حديث رواه الدارقطني، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بالأحاديث المروية في زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - كقوله: (( من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة))، و (( من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي))، و (( من لم يحج ولم يزرني فقد جفاني )) ، ونحو هذه الأحاديث مكذوبة موضوعة".
قلت: هذا هو الصواب الذي يجب أن يدان الله به، ومن كان عنده حديث صحيح في هذا الموضوع ـ أعني في جواز شدّ الرحل إلى قبر مخصوص ـ فعليه البيان.
وأما هذه الأحاديث فهي كما قدمت إما أحاديث موضوعة مكذوبة، وإما أحاديث ليست في شدّ الرحل بل هي في الزيارة المشروعة المجمع عليها.
وفي هذه الزيارة نصوص صحيحة صريحة تغني عن هذه البواطل، التي لا يصح الاحتجاج بها في ثبوت حكم من الأحكام الشرعية كائنا ما كان، بل ولا تجوز روايتها إلا مع بيان أنها موضوعة أو ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها لئلا يدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( من حدّث عني بحديث يُرى انه كذب فهو أحد الكاذبين)) عند مسلم وغيره عن المغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب مرفوعا بألفاظ متعددة(1).
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
__________
(1) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1/9) من حديث المغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب.(5/9)
التدليس والمدلسون
لفضيلة الشيخ
حماد الأنصاري
رحمه الله
هذا واحد وستون ومائة راو من المدلسين ما بين متفق عليه ومختلف فيه جمعتهم من مراجع مختلفة إسعافا لمن له رغبة في الحديث, وإن قل من يشتغل بهذا الفن في عصرنا هذا .
وقبل سردهم أبدأ بمعنى التدليس, ثم أثني بأقسام التدليس, ثم أثلث بطبقات المدلسين. فلأقول -بعد الاستعانة بالله فإنه خير مستعان به- :
التدليس
في اللغة: هو التلبيس والتغطية وهو مشتق من الدلس -محركة- وهو الظلام.
وفي الاصطلاح: أن يروي الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه بلفظ يوهم السماع (كعن, وقال, وأن), ووجه الشبه بين المعنى اللغوي والاصطلاحي أن الظلمة تغطي ما فيها كما أن المدلس يغطي المروي عنه فكأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره.
أقسام التدليس:
ثلاثة:
1- تدليس الإسناد:
وهو أن يحدف اسم شيخه الذي سمع منه ويرتقي إلى شيخ شيخه بلفظ يوهم السماع كعن أو واحدة من أختيها, أو يسقط أداة الرواية بالكلية ويسمي الشيخ فقط فيقول: فلان. قال علي بن خشرم كنا عند ابن عيينة فقال: الزهري فسكت, فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا, ولا ممن سمعه من الزهري, حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
اختلف أهل الصناعة في أهل هذا القسم, فقال بعضهم: يرد حديثهم مطلقا سواء أثبتوا السماع أو لا, وأن التدليس نفسه جرح, والصحيح التفصيل: فإن صرح بالاتصال كقوله: سمعت, أو حدثنا, أو أخبرنا, فهو مقبول يحتج به, وإن أتى بلفظ يحتمل فحكمه حكم المرسل.
2- تدليس الشيوخ:(6/1)
وهو أن يصف شيخه الذي سمع منه بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو لقب أو نسب إلى قبيلة أو بلدة أو صنعة أو نحو ذلك, قال ابن الصلاح: "وأمر هذا القسم أخف من الأول وقد جزم ابن الصباغ بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره, وإن يعتقد فيه الثقة فقد غلط في ذلك؛ لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لم يعرفه هو, وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول, لا يجوز قبول خبره حتى يعرف من روى عنه.
3- تدليس التسوية:
وهو أن يروي حديثا عن شيخ ثقة غير مدلس, وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة, فيأتي المدلس الذي سمع من الثقة الأول غير المدلس فيسقط الضعيف الذي في السند, ويجعل الحديث عن شيخه الثقة الثاني بلفظ محتمل, فيستوي الإسناد كله ثقات, وهذا شر أقسام التدليس, قادح فيمن تعمد فعله.
قال العلائي في كتابه التحصيل في المراسيل: "ولا ريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع, وقد وقع فيه جماعة من الأئمة الكبار ولكن يسيرا كالأعمش والثوري".
وممن نقل عنه فعل ذلك بقية بن الوليد, والوليد بن مسلم, والحسن بن ذكوان.
وقد نقل الذهبي عن أبي الحسن بن القطان في بقية أنه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك, وهذا إن صح عنه مفسد لعدالته, وعلق الذهبي على هذا بأنه صح عنه أنه يفعله, وكذلك صح عن الوليد بن مسلم وعن جماعة كبار فعله, وهذا يليه منهم ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد, وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس أنه تعمد الكذب, وهذا أمثل ما يعتذر به عنهم.
وقال السيوطي في التدريب: "وهذا النوع من التدليس يسميه القدماء تجويدا, فيقولون: "جوده فلان" أي ذكر من فيه الأجواد وحذف غيرهم", قال الشافعي: "يثبت أصل التدليس بمرة واحدة" وقال ابن الصلاح: "والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين, قد أجراه الشافعي فمن عرفناه دلس مرة, وممن حكى هذا القول عن الشافعي البيهقي في المدخل".(6/2)
طبقات المدلسين:
المدلسون ليسوا على حد واحد بحيث تتوقف في كل ما قال فيه كل واحد منهم (عن) أو وحدة من أختيها اللتين تقدمتا معها أو بغير أداة ولم يصرح بالسماع بل هم خمس طبقات:
أولا: من لم يوصف بالتدليس إلاّّ نادرا جدا بحيث ينبغي ألا يعد في المدلسين كيحيي بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وموسى بن عقبة, ممن سيأتي ذكرهم في طبقتهم إن شاء الله.
ثانيا: من احتمل الأئمة تدليسه وخرّجوا له في الصحيح وإن لم يصرح بالسماع, وذلك لواحد من أسباب ثلاثة:
أ - إما لإمامته.
ب - وإما لقلة تدليسه في جنب ما روى
ج - وإما لأنه لا يدلس إلاّ عن ثقة, كالزهري وسليمان الأعمش وإبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي وحميد الطويل والحكم بن عتيبة ويحي بن أبي كثير وابن جريح والثوري وابن عيينة وشريك القاضي وهشيم, ممن ستأتي تراجمهم في طبقتهم - إن شاء الله -, ففي الصحيحين وغيرهما لهؤلاء الحديث الكثير مما ليس فيه التصريح بالسماع وحمل بعض الأئمة ذلك على أن الشيخين اطلعا على سماع الواحد من أمثال هؤلاء لذلك الحديث الذي أخرجه بلفظ (عن) ونحوها عن شيخه, ولكن في هذا نظر؛ بل الظاهر أن ذلك لواحد من الأسباب الثلاثة التي تقدمت آنفا, وهذا هو الراجح, قال البخاري: "لا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب ابن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور في جملة مشايخ كثيرين من قال: لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسا ...ما أقل تدليسه".
ثالثا: من توقف فيهم جماعة فلم يحتجوا إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع, وقبلهم آخرون مطلقا, كالطبقة التي قبله, لأحد أسباب التي تقدمت كالحسن وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير المكي وأبي سفيان طلحة بن نافع وعبد الملك بن عمير.(6/3)
رابعا: من اتفقوا على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع لغلبه تدليسهم وكثرته عن الضعفاء والمجاهيل ... وذلك كمحمد بن إسحاق وبقية وحجاج بن أرطاة وجابر الجعفي والوليد بن مسلم وسويد بن سعيد وأضرابهم ممن يأتي ذكره إن شاء الله.
فهؤلاء الذين يحكم على ما رووه بلفظ (عن) بحكم المرسل.
خامسا: من قد ضعف بأمر آخر غير التدليس, فرَدُّ حديثهم بالتدليس لا وجه له؛ إذ لو صرح بالتحديث لم يكن محتجا به .. كأبي خباب الكلبي وأبي سعيد البقال ونحوهما, فليعلم هذا فإنه نافع في معرفة هؤلاء.
وهذا كله في تدليس الراوي ما لم يتحمله أصلا بطريق, فأما تدليس الإجازة والمناولة والوجادة بإطلاق (أخبرنا), فلم يعده أئمة هذا الفن في هذا الباب, كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب, ورواية مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه, وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري, وشبه ذلك, بل هذا النوع إما محكوم له بالانقطاع أو يعد متصلا, ومن أمثلته ما ذكره محمد بن طاهر المقدسي عن الحافظ أبي الحسن الدار قطني أنه كان يقول - فيما لم يسمع من البغوي-: "قرىء علي أبي القاسم البغوي حدثكم فلان" ويسوق السند إلى آخره, بخلاف ما هو سماعه فإنه يقول فيه: "قرىء علي أبي القاسم البغوي وأنا أسمع" أو "أخبرنا أبو القاسم البغوي قراءة", ونحو ذلك ..فأما أن يكون للدار قطني إجازة شاملة بمرويات البغوي كلها فيكون ذلك متصلا أو لا يكون كذلك فيكون وجادة, وهو قد تحقق صحة ذلك عنه.
هذا مع أن التدليس بعد سنة ثلاثمائة يقل جدا, قال الحاكم: "لا أعرف في المتأخرين من يذكر بالتدليس إلاّ أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي".
قال أبو عمر بن عبد البر: "التدليس في محدثي أهل الكوفة كثير".
قال يزيد بن هارون: "لم أر بالكوفة أحد إلاّ وهو يدلس إلاّ مسعرا وشريكا".
قال الحاكم: "وأهل الحجاز والحرمين ومصر وخراسان, وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان و ما وراء النهر لا نعلم أحدا من أئمتهم دلسوا", ثم قال: "وأكثر أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة, وأما أهل بغداد فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلا أبا بكر الباغندي فإنه أول من أحدث التدليس ببغداد, ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك..(6/4)
المدلسين :
هذا وإليك المدلسين مرتبين على الحروف الأبجدية.
(الهمزة)
1- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيي الأسلمي الشافعي: من الطبقة الخامسة لأنه ضعفه الجمهور, قال يحيي بن سعيد: "سألت مالكا عنه أكان ثقة في الحديث؟ فقال: لا, ولا في دينه", وقال الإمام أحمد: "تركوا حديثه", قدري معتزلي من رجال ابن ماجة, وضعفه الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما بالتدليس, توفي سنة 184.
2- إبراهيم بن سليمان الأفطس: عن مكحول وغيره, من الطبقة الثانية, قال أبو حاتم: "لا بأس به", وأشار البخاري إلى أنه كان يدلس وهو من رجال الترمذي وابن ماجة.
3- إبراهيم بن زيد النخعي: الفقيه المشهور في التابعين من أهل الكوفة, ذكر الحاكم أنه كان وهو من الطبقة الثانية, قال أبو حاتم: "لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة رضي الله عنها, ولم يسمع منها, وكان يرسل كثيرا, ولاسيما عن ابن مسعود وجدث عن أنس وغيره مرسلا, وحكى خلف بن سالم عن عدة من مشايخه أن تدليسه من أحمض شيء وكانوا يتعجبون منه, وهو من رجال الجماعة.. توفي سنة 93.
4- أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني: الحافظ أبو نعيم صاحب التصانيف الكثيرة الشائعة, منها حلية الأولياء, ومعرفة الصحابة, وغيرها, كانت له إجازة من أدركهم ولم يلقهم فكان يروي عنهم بصيغة (أخبرنا) ولا يبين كونها إجازة, لكنه كان إذا حدث عمن سمع منه يقول (حدثنا), ساء أكان ذلك قراءةً أو سماعاً, وهو اصطلاح له, تبعه عليه بعضهم, وفيه نوع من التدليس بالنسبة لمن لا يعرف ذلك.(6/5)
5- أحمد بن محمد إبراهيم بن حازم السمرقندي: أبو يحيي الكرابيسي, محدث مشهور في الطبقة الأولى, سمع محمد بن نصر المروزي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب كتاب التوحيد المشهور في عقيدة السلف, قال الإدريسي: "أكثر عن محمد بن نصر فاتهم في ذلك", يعني أنه دلس عنه الإجازة فإن له منه إجازة صحيحة, قال الإدريسي: "رأيتها بخط محمد بن نصر".
6- أحمد بن محمد بن يحيي بن حمزة الدمشقي القاضي: أكثر عن أبيه عن جده, قال أبو حاتم الرازي:" سمعته يقول: "لم أسمع من أبي شيئا", وقال أبو عوانة الاسفراييني:" أجاز له أبوه فروى عنه بذلك", يعني ولم يبين كونها إجازة من الطبقة الأولى. لم أجد له وفاة.
7- أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي: محدث مشهور, تكلموا فيه, من الطبقة الثالثة, قال ابن عدي: "لا أعلم له خبرا منكرا, وإنما نسبوه إلى أنه لم يسمع من كثير ممن حدث عنهم".
8- إسحاق بن راشد الجزري: - بالجيم - هكذا في طبقات المدلسين للحافظ, وفي الميزان للذهبي: الجندي - بالجيم والنون والدال المهملة - من الطبقة الأولى, كان يطلق (حدثنا) في الوجادة, فإنه حدث عن الزهري, فقيل له: "أين لقيته؟" قال مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا", حكى ذلك الحاكم في علوم الحديث عن الإسماعيلي.
9- إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي: من صغار التابعين, ومن الطبقة الثانية, وصفه بالتدليس النسائي وغيره, قال أبو نعيم: "مات 146هـ".
10- إسماعيل بن عياش أبو عتبة العنسي: - بعين مهملة ونون ساكنة - عالم أهل الشام في عصره, مختلف في توثيقه, وحديثه عن الشاميين مقبول عند الأكثر, من الثالثة, أشار ابن معين ثم ابن حبان في ثقاته إلى أنه كان يدلس, توفي سنة 181هـ.(6/6)
11- أشعت بن عبد الملك الحمراني البصري: من الطبقة الثانية, قال معاذ بن معاذ: "سمعت الأشعت يقول: "كل شيء حدثتكم عن الحسن البصري فقد سمعته منه إلاّ ثلاثة أحاديث: حديث زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه ركع قبل أن يصل الصف, وحديث حمزة الضبي عن الحسن أن رجلا قال لرسول الله: "متى تحرم علينا الميتة؟". وحديث عثمان البتي عن الحسن عن علي في الخلاص. ويعني الخلاص في هذا الحديث: الخلاص في البيع, كما في مصنف ابن أبي شيبة في كتاب البيوع تحت عنوان (الخلاص في البيع) قال ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عثمان عن البتي عن الحسن أن عليا كان يحسن في الخلاص, قال ابن الأثير: "الخلاص الرجوع على البايع بالثمن إذا خرجت العين مستحقة", ويؤخذ من تصرف ابن أبي شيبة أنهم كانوا يشرطون الخلاص, وهو أنه إذا خرج البيع مستحقا رجع المشتري على البائع بالثمن مع ما يلحقه من غرم إن كان, والله أعلم.
"توفي الحمراني سنة 146هـ" قاله ابن سعد.
12- أيوب ابن أبي تميمة السختياني: - بفتح السين المهملة وكسرها - أحد الأئمة, متفق على الاحتجاج به, رأى أنسا ولم يسمع منه, فحدث عنه بعدة أحاديث بالعنعنة, أخرجها عنه الدار قطني والحاكم في كتابيهما, وهو في الطبقة الأولى, روى له الجماعة توفي سنة 131هـ.
13- أيوب بن النجار: وهو أيوب بن يحي, والنجار لقب له, يمامي من الطبقة الأولى, صح عنه أنه قال: "لم أسمع من يحيي بن أبي كثير إلاّ حديثا واحد", وقد روى عنه أكثر من حديث.
الباء
(ع) بشير بن زاذان: روى عن رشدين بن سعد وغيره, وروى عنه قاسم بن عبد الله السراج, ضعفه الدارقطني وغيره, ووصفه بن الجوزي بالتدليس عن الضعفاء, من الطبقة الخامسة, لم أجد له وفاة.
(ب) بشير بن المهاجر الغنوي: من رجال مسلم, كوفي يروي عن الحسن وطبقته, وثقه بن معين وغيره, وقال بن حبان في ثقاته: "روى عن أنس", ولم يره دلس عنه, من الطبقة الثانية من طبقة المدلسين .(6/7)
(ع،ب،س) بقية بن الوليد الحمصي: المحدث المشهور والمكثر, له في مسلم حديث واحد, وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين, وتعافى تدليس التسوية. وقال أبو مسهر: كُن من بقية على تقية؛ فإن أحاديثه غير نقية", توفي سنة 197هـ من الرابعة.
(ب) بكير بن سليمان الكوفي : وهو تليد بن سليمان الآتي في التاء بعده, قال فيه أحمد بن صالح العجلي :"كان يدلس", من الخامسة.
التاء
(ب،ع) تليد بن سليمان بالمثناة فوق اللام على وزن عظيم, وهو تليد بن سليمان المحاربي الكوفي: رافضي مشهور بالضعف, وهو الذي قبله, قال الحافظ : "وهم فيه العلائي وتبعه العراقي والبرهان الحلبي فذكروه ترجمتين ونسبوه للعجلي, إحداهما هكذا والأخرى بكير بالوحدة وهذا خلط وتصحيف فاحش؛ فإن بكير بن سليمان غير موجود في الكتب, بل هو تليد بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة: رافضي خبيث, قال صالح جزره: كانوا يسمونه بليدا بالموحدة مات سنة 90هـ من الطبقة الخامسة".
الثاء
(ب) ثور بن يزيد الكلاعي: أبو خالد الحمصي أحد الحفاظ الأثبات العلماء, عن خالد بن معدان وغيره, وعنه الثوري, ثقة ثبت, قال بن المبارك : "سألت سفيان عن الأخذ عن الثور؟ فقال: خذوا عنه و اتقوا قرنيه", قال أبو داود في سننه في باب مسح الخفين: "بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء - يعني بن حيوة -", وقد تقدم كلام الشافعي في مثل هذا, توفي سنة 153 هـ من الطبقة الأولى.
الجيم
( ب) جابر بن يزيد الجعفي: أحد كبار علماء الشيعة, عن الشعبي وغيره, قال أبو نعيم: "قال الثوري : "كل ما قال فيه جابر: سمعت أو حدثنا فاشدد يديك به, وما كان سوى ذلك فتوقه", وقال النسائي : "متروك", له في سنن أبي داود فرد حديث ..من الطبقة الخامسة توفي سنة 128هـ.(6/8)
(ع) جبير بن نفير الحضرمي: أبو عبد الرحمن الشامي, مخضرم أسلم في زمن أبو بكر الصديق, عن عبادة وعيينة, وثقه أبو حاتم, وقال ابن عبد الهادي الإمام شمس الدين الحنبلي في طبقات الحفاظ : "لم يخرج له البخاري؛ لأنه ربما دلس عن قدماء الصحابة", من الطبقة الثانية توفي سنة 752 هـ وقيل سنة 85هـ.
(ع) جرير بن حازم الأزدي : وصفه بالتدليس يحي الحماني في حديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم, من الطبقة الأولى مات سنة 170 هـ بعد أن اختلط، ولكنه لم يحدث في حال اختلاطه .
الحاء
(ع ب) حبيب بن أبي ثابت: من ثقات التابعين, يروي عن ابن عمر وابن عباس, تكلم فيه بن عون, وغاية ما قال فيه: "كان أعور", وهذا وصف لا جرح, مشهور بكثرة التدليس, وصفه ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما. ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول : "لو أن رجل حدثني عنك ما باليت أن أرويه عنك" يعني وأسقطته من الوسط, من الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين, توفي سنة 119هـ, وقيل غير ذلك.
(ع ب) حجاج بن أرطاة الكوفي المشهور: أخرج له مسلم مقرونا بغيره, وصفه النسائي و ابن معين بالتدليس عن الضعفاء, و ممن أطلق عليه التدليس ابن المبارك و يحي القطان و أحمد, قال أبو حاتم : "إذا قال: حدثنا فهو صالح لا يرتاب في حفظه و صدقه وليس بالقوي", من الرابعة توفي سنة 147هـ.
(ع) الحسن بن علي بن محمد: أبو علي بن المذهب بضم الميم وكسر الهاء التميمي البغدادي الواعظ رواية المسند عن القطيعي, قال الخطيب: روى عن القطيعي حديث لم يسمعه منه, وقال الذهبي : "لعله استجاز روايته بالإجازة و الوجادة".(6/9)
قال الخطيب: "وحدثني عن أبي عمرو بن مهدي بحديث فقلت :لم يكن هذا عند بن المهدي فضرب عليه" . قال الخطيب: وكان سماعه صحيحا في المسند إلا في أجزاء منه ألحق اسمه فيها", وتعقبه ابن نقطة بأنه لم يحدث بمسندي فضالة بن عبيد و عوف بن مالك, وبقطعة من مسند جابر, فلو كان يلحق اسمه لألحقه في الجميع, و لعل ما ذكر الخطيب أنه ألحقه كان يعرف أنه سمعه أو رواه بالإجازة. من الطبقة الثانية توفي سنة 444 هـ.
(ع ب) الحسن بن أبي الحسن البصري: الإمام المشهور, من سادات التابعين, رأى عثمان وسمع خطبته, ورأى عليا ولم يثبت سماعه منه, كان مكثر من الحديث, ويرسل كثيرا عن كل أحد, وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره, قال بن معين وغيره : "لم يسمع الحسن من سمرة غير حديث العقيقة" وقال البخاري: "قد سمع منه أحاديث كثيرة", و صح سماعه من سمرة فيما ذكره أبو عيسى الترمذي عن الإمام البخاري. من الثانية 110هـ.
(ع ب) الحسن بن ذكوان: مختلف في الاحتجاج به, وله في صحيح البخاري حديث واحد له شواهد, ذكره محمد بن نصر المروزي في حديث عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن حمزة عن علي "نهى عن ثمن الميتة" الحديث, و لهذا قال بن معين في كل ما رواه الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت أن بينه و بين حبيب رجل ليس بثقة. من الطبقة الثالثة لم أجد له وفاة.
(ع) الحسن بن عمارة الكوفي الفقيه المشهور أبو محمد: ضعفه الجمهور, وقال ابن حبان: "كان بليته التدليس", ورماه ابن المديني بالوضع. من الخامسة سنة 153 هـ.
(ع ب) الحسن بن مسعود بن الحسن أبو علي بن الوزير الدمشقي, محدث مكثر, مذكور بالحفظ, قال بن عساكر: "كان يدلس عن شيوخه ما لم يسمعه منهم". من الثانية مات سنة 543 هـ.
(ع) حسان بن يزيد الجعفي: ضعفه الجمهور, ووصفه الثوري والعجلي وابن سعد بالتدليس. من الخامسة, لم أجد له وفاة.(6/10)
(ب) الحسين بن عطاء بن يسار: من أهل المدينة, يروي عن زيد بن أسلم, روى عنه عبد الحميد بن جعفر, "يخطئ ويدلس", قاله ابن حبان في ثقاته. من الخامسة .
(ع ب) الحسين بن واقد المروزي: أحد الثقات من أتباع التابعين, وصفه الدارقطني و أبو يعلى الخليلي بالتدليس, من الأولى, توفي سنة 159هـ.
(ع ب) حفص بن غياث الكوفي القاضي: أحد الثقات من أتباع التابعين, وصفه أحمد بن حنبل والدارقطني بالتدليس. من الطبقة الأولى, توفي سنة 194هـ على الأصح.
(ع ب) الحكيم بن عتبة - بمثناة ثم موحدة مصغّر-: تابعي صغير من فقهاء الكوفة مشهور, وصفه النسائي بالتدليس, و حكاه عن السلمي عن الدارقطني. من الثانية, "مات سنة 115هـ" قاله أبو نعيم.
(ع ب) حميد الطويل صاحب أنس: مشهور,كثير التدليس عنه, حتى قيل: "إن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتادة", وصفه بالتدليس النسائي وغيره, و قد وقع تصريحه عن أنس بالسماع وبالتحديث في أحاديث كثيرة في البخاري وغيره. من الثالثة توفي سنة 142هـ.
(ع ب) حميد بن الربيع بن مالك بن سحيم: أبو الحسن اللخمي الخزاز, في ترجمته في ميزانه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة "أنه يدلس", وهو من طبقة عثمان, قال محمد بن عثمان قال أبي : "إني لأعلم الناس بحميد بن الربيع", كان ثقة ولكنه يدلس, وقال الخليلي: "طعنوا عليه في أحاديث تعرف بالقدماء فرواها عن هشيم", قال الحافظ: "وهذا هو التدليس". من الطبقة الرابعة, لم أجد له وفاة.
(ع) حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي: من الحفاظ, من أتباع التابعين, مشهور بكنيته, متفق على الاحتجاج به, وصفه بالتدليس القبطي قال :"كان كثير التدليس ثم رجع عنه", وقال بن سعد: "كان كثير الحديث, ويدلس ويبين تدليسه" وقد قال أحمد : "كان صحيح الكتاب ضابط لحديثه", وقال أيضا: "كان ثبتا ما كان أثبته لا يكاد يخطئ". من الثانية, توفي سنة 201هـ.(6/11)
(ع) حماد بن أبي سليمان: الكوفي, الفقيه المشهور, ذكر الشافعي أن شعبة بحديث عن حماد عن إبراهيم, قال: فقلت لحماد : سمعته من إبراهيم قال: لا ،أخبرني به المغيرة بن مقسم عنه. من الثانية, توفي سنة 120هـ.
الخاء
(ع ب) خارجة بن مصعب الخراساني: ضعفه الجمهور, قال ابن معين: "كان يدلس عن الكذابين", وفي الجرح والتعديل: "أنه يدلس عن غياث". من الخامسة, توفي سنة 168هـ.
(ع) خالد بن معدان الشامي الثقة المشهور, قال الذهبي: "كان يرسل ويدلس", من الثانية, مات سنة 103هـ.
(ع) خالد بن مهران الحذاء وليس بالحذاء ولكنه كان يجلس عند الحذائين ..أحد الأثبات المشهورين, روى عن عراك بن مالك حديثا سمعه من خالد بن أبي الصلت عته في استقبال القبلة في البول, قال بن سعد : "ثقة لم يكن بالحذاء بل كان يجلس إليهم". من الأولى, توفي سنة 142هـ.
الدال والذال :فارغتان وكذلك الراء
الزاي
(ع) زيد بن أسلم العمري مولاهم, روى عن ابن عمر رضي الله عنه في رد السلام بالإشارة, قال عبيد: "قلت لإنسان سله: "أسمعه من ابن عمر؟", فسأله فقال: "أما أني فكلمني وكلمته" أخرجه البيهقي. وفي هذا الجواب إشعار بأنه لم يسمع هذا بخصوصه منه مع أنه مكثر عنه فيكون قد دلسه. من الأولى, مات سنة 136هـ.
السين
(ع) سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ثقة من كبار الشاميين من الطبقة الأوزاعي روى عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو الحسن ابن القطان: "لا ندري أسمعه منه أو دلسه". من الثانية توفي سنة 197هـ.
(ع.ب. س) سعيد بن أبي عروبة البصري: رأى أنس رضي الله عنه وأكثر عن قتادة وهو ممن اختلط. وصفه النسائي وغيره بالتدليس. من الطبقة الثانية من طبقات المدلسين ذكرته في الثقات المختلطين توفي سنة 156هـ.(6/12)
(ع.ب.س) سفيان بن سعيد الثوري الإمام المشهور الفقيه العابد الحافظ الكبير وصفه النسائي وغيره بالتدليس وقال البخاري: "ما أقل تدليسه". من الثانية مات سنة 161هـ عن أربعة وستين سنة.
(ع) سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي: الإمام المشهور بقية الحجاز في زمنه. كان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة كثقته. وحكى بن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا: يقبل تدليس بن عيينة؛ لأنه إن وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما. وهذا عين ما رجحه ابن حبان وقال: "هذا شيء ليس في الدنيا إلا لابن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته". ثم مثل لذلك بمراسيل كبار الصحابة فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي. وقد سبق ابن عبد البر إلى هذا الكلام أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي ولفظهما: "أن من كان هذه صفته وجب قبول حديثه". وكذا قال أبو بكر الصيرفي في دلائله: "كل من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت". من الطبقة الثانية توفي 198هـ عن إحدى وسبعين سنة.
(ع.ب) سفيان بن عيينة آخر: سمع عمر وجابرا، يدلس ليس بشيء، وهو مولى مسعر بن كدام من أسفل. قاله البرهان الحلبي في تبينه انتهى لفظ العجلي في ثقاته. ثم قال البرهان: "فإن صحت الكتابة فقد ذكره تمييزا رأيته كذلك في الثقات التي رتبها شيخنا الحافظ نور الدين الهيثمي وأثبت أنها صحيحة".(6/13)
قال الحافظ في طبقاته: "ليس الأمر كما ظن البرهان من أن سفيان بن عيينة شخصان وذلك لأن بن عيينة مولى بني هلال. وقد ذكر الذهبي في فوائد رحلته أنه لما اجتمع بابن دقيق العيد سأله من أبو محمد الهلالي؟ فقال: سفيان بن عيينة. فأعجبه استحضاره وإنما نسب لمسعر لأن مسعرا من بني هلال صليبة ولعل العجلي إنما قال فيه ليس بشيء لأمر آخر وهو علة الاختلاط." ثم راجعت أصل الثقات للعجلي فوجدته قال ما نصه: "سفيان بن عيينة وقال ولد البرهان موفق الدين أبو ذر لم يظن والدي بل حقق ذلك بقول والدي غير الأول". وقد قال العجلي: "سمع عمر وجابرا". وأين الأول منهما من السماع. نعم فالأول يروي عن عمرو بن دينار والزهري وزيد بن أسلم وسفيان ابن سليم وعنه شعبة ومسعر من شيوخه وابن المبارك من أقرانه وأحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وطبقتهم وتبين من هذا أنهما شخصان كما قال البرهان في التبين. من الثانية لم أجد وفاته.
(ع.س) سلمة بن تمام الشقري: من أتباع التابعين. ذكره بن حبان في ثقات التابعين. وذكر بن أبي حاتم ما يدل على أنه كان يدلس. ولذلك قال العلائي في كتابه التحصيل في المراسيل: "كأنه يدلس". من الطبقة الأولى لم يذكر الحافظ ولا الخزرجي وفاته.
سليمان بن داود أبو داود الطيالسي: الحافظ المشهور بكتبه من الثقات المكثرين. قال محمد بن المنهال: "حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة فذكر حديثين، قال يزيد: حدثت بهما أبا داود فكتبهما عني ثم حدث بهما عن شعبة". قال الذهبي: "دلسهما وكان ماذا". قال الحافظ: "قال يزيد بن زريع سألته يعني أبا داود عن حديثين لشعبة فقال: لم أسمعهما منه. ثم حدث بهما عن شعبة ويحتمل أن يكون تذكرهما وإن كان دلسهما". نظر فإن صيغة محتملة فهو تدليس الإسناد وإن ذكر صيغة صريحة فهو تدليس الإجازة. من الطبقة الثانية توفي سنة 204هـ.
(تنبيه) تقدم في المقدمة أن الإمام الشافعي قال: "إن الشخص إذا دلس مرة واحدة كان مدلسا".(6/14)
(ع) سليمان بن طرخان التيمي: تابعي مشهور من صغار تابعي أهل البصرة وكان فاضلا. وصفه النسائي وغيره بالتدليس. من الطبقة الثانية .
(ع.ب.س) سليمان بن مهران - بكسر الميم - الملقب بالأعمش: مشهور بالتدليس. وفي الميزان: كان يدلس على الحسن البصري وغيره ما لم يسمعه. وفيه أيضا: يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به. فمتى قال : حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم النخعي وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. ذكرته في فتح الوهاب في الألقاب. من الثانية توفي سنة 148 هـ.
(ع.ب) سويد بن سعيد الحدثاني: بفتح المهملة والمثلثة نسبة إلى حديثة بلد على الفرات مشهور. وهو من الموصوفين بالتدليس، وصفه به الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما. وقد تغير في آخر عمره بسبب العمى فضعف بسبب ذلك. وكان سماع الإمام مسلم منه قبل ذاك في صحته. من الرابعة توفي سنة 240 هـ .
الشين
(ع.ب) شياك الضبي: صاحب إبراهيم النخعي من أهل الكوفة. ثقة له ذكر في صحيح مسلم ذكره الحاكم في علومه فيمن كان يدلس. من الطبقة الأولى .
(ع.ب) شريك بن عبد الله النخعي القاضي: مشهور وكان من الأثبات فلما ولي القضاء تغير حفظه وكان يتبرء من التدليس. ونسبه عبد الحق في الأحكام إلى التدليس وسبقه إلى وصفه به الدارقطني. من الطبقة الثانية توفي ستة 177 هـ .
(ب) شعيب بن أيوب الصريفني: قال فيه ابن حبان: "كان يدلس". من الثالثة مات سنة 261 هـ ولأبي داود عنه فرد حديث.
(ع) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: يروي عن جده روى عنه ابنه عمرو مشهور. وروى عنه أيضا ولد له آخر عمر وثابت البناني وعطاء الخراساني وغيرهم. وجل ما يروي عنه عن ولده عمرو وستأتي ترجمته إن شاء الله في العين.(6/15)
واختلفوا في سماعه منه فجزم بأنه سمع منه ابن المديني والبخاري والدارقطني وأحمد ابن سعيد الدارمي وأبو بكر بن زياد النيسابوري وقال أحمد بن حنبل: "أراه سمع منه".
وجزم بأنه لم يسمع منه ابن معين وقال إنه وجد كتاب عبد الله بن عمرو فحدث منه وقال ابن حبان: "من قال إنه سمع من جده فليس بصحيح".
وقال الحافظ: "وقد صرح بسماعه من جده في أحاديث قليلة فإن كان الجميع صحيحا وجدت صورة التدليس". من الثانية.
(ع) شعيب بن عبد الله: قال علي بن المديني: "حدثني حسين بن الحسن الأشقر عن شعيب بن عبد الله عن أبي عبد الله عن نوف عن علي رضي الله عنه فذكر حديثا قال: "فقلت لحسين ممن سمعته قال من شعيب فقلت لشعيب من حدثك قال: أبو عبد الله الجصاص عن حماد القصاب فقلت لحماد القصاب من حدثك قال: بلغني عن فرقد عن نوف", فإذا هو قد دلس عن ثلاثة, أي أسقطهم. من الثالثة .
الصاد :
(ع) صالح بن أبي الأخضر: ذكر روح بن عبادة أنه سئل عن حديث عن الزهري فقال : "سمعت بعضا وقرأت بعضا وذكر روح بن عبادة ووجدت بعضا ولست أفصل ذا من ذا. من الطبقة الخامسة توفي سنة بضع وخمسين ومائة..
(ع) صقران بن صالح بن دينار الدمشقي أبو عبد الله المؤذن: وثقه أبو داود وغيره. ينسب إلى تدليس التسوية يأتي خبره في ذلك في ترجمة محمد بن المصطفى الحمصي. من الثالثة توفي سنة 237 هـ .
الطاء
(ع.ب) طاوس بن كيسان الفقيه اليماني: التابعي المشهور أحد الأعلام ذكر حسين الكرابيسي في أثناء كلام له أنه أخذ عن عكرمة كثيرا من علم ابن عباس رضي الله عنه. قال بن معين: "لا أراه سمع عنهما". وقال أبو داود: "لا أعلمه سمع منهما". وقال الحافظ العلائي: "لم أر أحدا وصفه بذلك". من الأولى مات سنة 106 هـ .
(ع.) طلحة ابن نافع الواسطي أبو سفيان الراوي عن جابر: صدوق مشهور بكنيته معروف بالتدليس. وصفه بذلك الدارقطني والحاكم. من الثالثة لم أجد له وفاة.(6/16)
العين:
(ب) عاصم بن عمرو بن قتادة الظفري العلاّمة في المغازي: ذكر له الحاكم في سند حديثا في الزكاة عن قيس بن سعد بن عبادة في بعثه ساعيا، ثم قال: "على شرط مسلم". وقال الذهبي عقيبه: "بل منقطع عاصم لم يدرك قيسا". وإذا كان كذلك فقد تقدم إن هذا إرسال خفي وليس بتدليس على الأصح فلا ينبغي أن يعد عاصم من المدلسين.
(ع) عبادة بن منصور الناجي البصري قال مهنا: "سألت الإمام أحمد عنه فقال: "كان قد رأوا أحاديثه منكرة وكان يدلس". وقال الساجي: "ضعيف مدلس". وقال البخاري: "ربما يدلس عبادة عن عكرمة". من الرابعة توفي سنة 152هـ.
(ع) عبد الله بن زياد بن سمعان المدني: ضعفه الجمهور، ويكنى بأبي عبد الرحمن. قال البخاري: "سكتوا عنه". وقال بن معين: "ليس بثقة". وكان أحمد بن إبراهيم بن سعد يحلف أن ابن سمعان يكذب. وقال الجوزجاني: "ذاهب الحديث". وروى ابن قاسم عن مالك كذاب. ووصفه ابن حبان بالتدليس. من الخامسة.
(ع) عبد بن عطاء الطائفي نزيل مكة: من صغار التابعين. قضيته في التدليس مشهورة رواها شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال شعبة: "سألت أبا إسحاق السبيعي عن عبد الله بن عطاء الذي روى عن عقبة وكان تناوب رعية الإبل؟ قال: شيخ من أهل الطائف. فلقيت بن عطاء فسألته أسمعته من عقبة بن عامر فقال: لا حدثنيه سعد ابن إبراهيم. فلقيت سعدا فقال: حدثنيه زياد بن محمد المحدق. فلقيت زياد فقال: حدثني رجل عن شهر بن حوشب". رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وقد رواه نصر بن عواد عن شعبة بقصة أطول من هذا من الطبقة الأولى.
(ع.ب) عبد الله بن أبي نجيح المكي: أكثر عن مجاهد وكان يدلس عنه وصفه بذلك النسائي روى عنه ابن الحداد الإمام أبو بكر الفقيه المصري الشافعي. من الثالثة توفي سنة 131هـ.
(ع.ب) عبد الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر: اختلط في آخر عمره وكثرت عنه المناكير في روايته قال بن حبان: "كان صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء". من الخامسة توفي سنة 174هـ.(6/17)
(ب) عبد الله بن مروان أبو الشيخ الحراني: يروي عن زهير عن معاوية وغيره روى عنه حسين بن منصور وإبراهيم الهيثم. قال عنه بن حبان في ثقاته: "يعتبر حديثه إذا بيّن السماع في خبره". ومقتضى هذا أنه يدلس. من الطبقة الثالثة.
(ع) عبد الله بن وهب المصري: الفقيه المشهور، وصفه بالتدليس محمد بن سعد في طبقاته. من الأولى مات سنة 199هـ عن أربع وسبعين سنة.
(ع) عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني: متفق على ضعفه قال الحافظ: "متروك وكان أحمد يثني عليه وقال يعني أحمد لعله كبر واختلط وكان يدلس". من الخامسة توفي سنة 210هـ.
(ع.ب) عبد الجليل بن عطية القيسي أبو صالح المصري: عن شهر بن حوشب وغيره. صدوق، وثقه ابن معين وروى عنه أبو نعيم. قال البخاري: "ربما وهم". وقد ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: "ويعتبر حديثه عند بيان السماع في خبره إذا روى عن الثقات وكان دونه ثبت". ومعنى هذا أنه يدلس. من الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين الخمسة.
(ع) عبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط بالمهملة والنون نزيل المدائن: وثقه بن معين ولينه النسائي وأشار الخطيب في مقدمة تاريخه إلى أنه دلس حديثا. من الأولى توفي سنة 171هـ.
(ع.ب) عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي: ذكر بن حبان في الضعفاء أنه كان يدلس. وكذا وصفه به الدارقطني. قال أبو العرب: "سمع الإفريقي من جلة التابعين وكان قد ولي قضاء إفريقيا وكان عدلا صلبا في قضائه، وأنكروا عليه أحاديث ذكرها البهلول بن راشد قال: سمعت سفيان الثوري يقول جاءنا الإفريقي بستة أحاديث يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمع أحدا يرفعها :
أولا: حديث أمهات الأولاد.
ثانيا: حديث الصدائي: حين أذن قبل بلال فأراد بلال أن يقيم فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم".
ثالثا: "إذا رفع الرجل رأسه من آخر سجدة واستوى جاسا فقد تمت صلاته وإن أحدث".(6/18)
رابعا: حديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا خير في من لم يكن عالما أو متعلما".
خامسا: حديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغد عالما أو متعلما ولا تكن الثالث فتهلك".
سادسا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل؛ آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة".
قال أبو العرب فهذه الغرائب التي لم يرويها غيره ضعف ابن معين حديثه. قال عيسى بن سكين قال محمد بن سحنون قلت لسحنون: "إن أبا حفص الفلاس قال ما سمعت يحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي يحدثان عن الإفريقي". فقال سحنون: "لم يصنعا شيئا فإن عبد الرحمن ثقة". من الخامسة توفي سنة 156هـ.
(ع) عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: ثقة. قال بن معين: "لم يسمع من أبيه". وقال بن مديني: "لقي أباه وسمع منه حديثين حديث الضب وحديث تأخير الوليد الصلاة". وقال العجلى: "يقال إنه لم يسمع من أبيه إلا حرفا واحدا محرم الحلال كمستحل الحرام". وذكر البخاري في التاريخ الأوسط من طريق بن خثيم عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه أني مع أبني فذكر الحديث في تأخير الوليد الصلاة". قال البخاري: "سمعته يقول: "لم يسمع من أبيه" وحديث ابن خثيم أولى عندي". وقال أحمد: "كان له عند موت أبيه ست سنين"، و الثوري وشريك يقولان: "سمع من أبيه" وإسرائيل يقول في حديث الضب عنه: "سمعت". وأخرج البخاري في التاريخ الصغير من طريق القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه: "لما حضرت عبد الله الوفاة قلت له: "أوصني". قال: "إياك من خطيئتك". وسنده لا بأس به. قال الحافظ: "فعلى هذا يكون الذي صرح فيه بالسماع من أبيه أربعة، أحدها موقوف وحديثه عنه كثير ففي السنن خمسة عشر وفي المسند زيادة على ذلك سبعة أحاديث معظمها بالعنعنة وهذا هو التدليس". من الثالثة. توفي سنة 77هجرية.(6/19)
(ع) عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي: محدث مشهور من طبقة عبد الله بن نمير تكلم فيه بالتدليس: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: "بلغنا أنه كان يدلس". من الثالثة .توفي سنة 195هجرية.
80- عبد الرزاق بن همام الصنعاني الحافظ المشهور متفق على تخريج حديثه وقد نسبه بعضهم إلى التدليس وقد جاء عنه أنه تبرئ من التدليس.قال: "حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة فقلت يا رب مالي أكذاب أنا أمدلس أنا أبقيه بن الوليد أنا فرجعت إلى البيت فجاءوني" ويحتمل أن يكون نفي الإكثار من التدليس بقرينة ذكره بقية من الثانية. قال ابن سعد: "مات سنة 211هـ عن 85سنة".
81- (ع) عبد العزيز بن عبد الله القرشي البصري أبو وهب الجدعاني روى عن سعيد ابن أبي عروبة وخالد الحذاء وبهز بن حكيم وروى عنه الحسن ابن مذري وغيره قال ابن حبان في الثقات: "يعتبر حديثه إذا بين السماع" تكلم فيه ابن عدي قال: "عامة ما يرويه لا يتابع" من الثالثة.
82- (ع) عبد العزيز بن عبد الله بن وهب الكلاعي ضعيف قال: "ابن حبان يعتبر حديثه إذا بين السماع" من الطبقة الخامسة.
83- عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد المكي صدوق نسب إلى الإرجاء وفي حفظه شيء ذكره في جامع التحصيل في المراسيل ونسبة إلى التدليس العلائي وهو من الثالثة ما سنة 206هـ.
84- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي فقيه الحجاز مشهور بالعلم والتثبت كثير الحديث وصفه النسائي وغيره بالتدليس وقال الدار قطني: "شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس ولا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح" من الثالثة قال أبو نعيم: "توفي سنة 150هـ" .
85- عبد الملك بن عمير القبطي الكوفي تابعي مشهور بالتدليس وصفه بذلك الدارقطني وابن حبان وغيرهما من الثالثة مات سنة 136هـ وقد جاوز المائة.(6/20)
86- عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بتشديد الفاء البصري صدوق معروف من طبقة أبي أسامة قال البخاري فيما نقله الخطيب: "كان يدلس عن ثور الحمصي وأقوام أحاديث مناكير". قال صالح جزره: "أنكروا على الخفاف حديث ثور في فضل العباس ما أنكروا عليه غيره" أخرجه الترمذي بسند فيه الخفاف إلى ابن عباس مرفوعا ً"اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة" الحديث قال ابن معين: "هذا حديث موضوع" وقال: "لم يقل فيه عبد الوهاب حدثنا ثور" من الثالثة قال ابن قانع مات سنة 204هـ.
87- عبيده بضم العين المهملة ابن الأسود بن سعيد الهمداني أشار ابن حبان في الثقات إلى أنه كان يدلس من الطبقة الثالثة.
88- عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي المؤدب قال الحافظ قال ابن حبان: "روى عن قوم ضعاف أشياء فدلسها عنهم". وقد تعقب الذهبي كلام ابن حبان هذا بقوله: "أن ابن حبان يقعقع كعادته حيث قال في عثمان الطرائفي يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل الناس عليه في الجرح فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها بحال. وقال الذهبي نقله كلام ابن حبان هذا لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئاً ولو كان عنده شيء موضوع لأسرع بإحضاره وما علقت أحداً قال في عثمان الطرائفي أنه يدلس عن الهلكى إنما قالوا يأتي عنهم بمناكير. والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع". وكذا أسرف فيه محمد ابن عبد الله بن نصير فقال: "كذاب" وقال أبو عروبة: "هو في الجزريين كبقية في الشاميين". وقال إسحاق الكوسج وابن معين: "ثقة". وقال أبو حاتم: "يحول من الضعفاء للبخاري" من الطبقة الخامسة توفي سنة 203هـ.
89- عثمان بن عمر الحنفي عن ابن جريج وعنه محمد بن حرب الشامي قال ابن حبان في ثقاته: "يعتبر حديثه إذا بين السماع" من الثالثة توفي سنة 209هـ وقال خليفة بن خياط في تاريخه: "مات سنة 207هـ".(6/21)
90- عطية بن سعد أبو الحسين العوفي الكوفي تابعي معروف ضعيف الحفظ مشهور بالتدليس القبيح ولا يحل كتب حديثة إلا على جهة التعجب يدلس في الكلبي ابن سعيد فيظن الخدري من الرابعة مات سنة 111هـ.
91- عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي تابعي مشهور وصفة بالتدليس الحافظ الذهبي في ارجوزيته حيث قال: "ثم أبو سعيد البقال. عكرمة الصغير هلال". وكذلك وصفة به العلائي في جامع التحصيل في المراسيل.وقال الذهبي في ميزانه: "مكي ثقة من مشيخة ابن جريج أخطأ ابن حزم في تضعيفه وذلك لأن أبا محمد فيما حكاة ابن القطان كان وقع إليه كتاب الحافظ زكريا الساجي في الرجال فاختصره ورتبة على الحروف فزلق هذا الرجل بعكرمة بن خالد بن سلمة المخزومي عن أبية ولم يتفطن لذلك" من الثانية توفي قبل العشرين ومائة بعد عطاء .
92- عكرمة بن عمار اليمامي من صغار التابعين وصفه الإمام أحمد وأبو حاتم و الدار قطني بالتدليس من الثالثة مات سنة 159 هـ وروايته عن يحي بن أبي كثير عند البخاري معلقة.
93- (ع على)بن عمر بن مهدي الدارقطني الحافظ المشهور صاحب السنن قال أبو الفضل ابن طاهر: "كان له مذهب خفي في التدليس يقول قرئ على أبي القاسم حدثكم فلان فيوهم أنه سمع منه لكن لا يقول وأنا أسمع" وقد تقدم تفصيل هذ1 النوع في أقسام التدليس من الطبقة الأولى توفي في ثامن ذي العقيدة سنه385 هـ.
94- علي بن غالب النهدي مصري وفي اللسان الفهري بدل النهدي بصري بدل مصري والأول هو الصواب كما في التقريب وغيرة يروي عن واهب بن عبد الله المعافري ثم الكعبي ابن عبد الله المصري وعنه يحي بن أيوب قال ابن حبان كان كثير التدليس ويأتي بمناكير فبطل الاحتجاج بروايته وتوقف فيه الإمام أحمد من الطبقة الخامسة.
95- علي بن غراب أبو يحيى الغزاوي الكوفي القاضي اختلف فيه وثقه ابن معين ووصفه الإمام أحمد والدراقطني بالتدليس وأفرط ابن حبان في تضعيفه من الثالثة مات سنه 184 هـ قاله مطين.(6/22)
96- (ع عمر) بن علي بن أحمد بن الليث البخاري الليثي أبو مسلم الحافظ المشهور كان واسع الرحلة كثير التصانيف في المتأخرين وصفه ابن منده بالتدليس وقال شيرويه: "كان يحفظ ويدلس" من الثالثة توفي سنة 468هـ.
97- عمر بن علي المقدمي بتشديد الدال المهملة المفتوحة نسبه إلى مقدم وزن محمد جده من اتباع التابعين ثقة مشهور وكان يدلس تدليساً شديداً يقول حدثنا ثم يسكت ثم يقول هشام ابن عروة أو الأعمش أو غيرهما. قال الحافظ: "وهذا ينبغي أن يسمى تدليس القطع" من الرابعة توفي سنة 190هـ وقيل بعدها.
98- (ع عمرو) بن حكام قال الحاكم: "كان يدلس عمن لم يسمع منه" قال ابن المديني: "سمع في شبابه من شعبة فلما مات أخذ كتبه". قال أبو حاتم خرج إلى خراسان ورجع فأخرج حديثاً كثيراً عن شعبة فلم ينكر عليه إلا حديث الزنجبيل قال عمرو بن حكام ثنا شعبةعن علي بن زيد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "اهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا فكان فيها جره زنجبيل فأطعم كل إنسان قطعة وأطعمني قطعة". قال الحافظ في لسانه: "هذا منكر من وجوه أحدها أنه لا يعرف أن ملك الروم أهدى شيئاً للنبي صلى الله عليه وسلم. وثانيها أن هدية الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل فهو نظير هدية التمر من الروم إلى المدينة المنورة" وهو من الطبقة الخامسة ولم أجد له وفاة.
99- عمرو بن عبد الله أبو الحسن السبيعي الكوفي مشهور وهو تابعي ثقة وصفه النسائي وغيره بالتدليس. قلت واختلط بأخرة قال الذهبي في الميزان من أئمة التابعين وإثباتهم إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط وقد سمع منه سفيان بن عينية وقد تغير قليلاً.(6/23)
وقال العراقي في التبصرة ثقة احتج به الشيخان وقال الخليلي سماع ابن عيينة منه بعدما اختلط ولم يخرج له الشيخان من رواية ابن عيينة عنه شيئا إنما أخرج له من طريق الترمذي وكذلك النسائي في عمل اليوم والليلة. من الثالثة. اختلف في وفاته قيل في سنة 126هـ وقيل سنة8 وقيل سنة129هـ
100- (ع عمرو) بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي تابعي صغير مشهور يروى عن أبيه عن جده وطاوس والربيع بنت معوذ وعنه عمرو بن دينار مختلف فيه والأكثر على أنه صدوق في نفسه وحديثه عن غير أبيه عن جده قوي. قال ابن معين إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب فمن ههنا جاء ضعفه وإذا حدث عن سعيد بن المسيب وسليمان بن اليسار وعروة فهو ثقة، وقال أبو زرعه روى عنه الثقات وإنما أنكروه عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده وقالوا إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وعامة المناكير في حديثة من رواية الضعفاء عنه وهو ثقة في نفسه وإنما تكلم فيه بسبب كتاب عنده. وقال ابن أبي خيثمة سمعت هارون بن معروف يقول: "لم يسمع عمرو من أبيه شيئاً إنما وجده في كتاب أبيه"، وقال ابن عدي روى أئمة الناس وثقاتهم وجماعة من الضعفاء إلا أن أحاديثه عن أبيه عن جده مع احتمالهم إياه لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا وقالوا هي صحيفة، فعلى مقتضي قول هؤلاء يكون تدليساً لأنه ثبت سماعه من أبيه وقد حدث عنه بشيء كثير مما لم يسمعه منه مما أخذه عن الصحيفة بصيغة (عن) وهذا أحد صور التدليس من الثانية توفي سنة 118هـ.
101- عمرو بن دينار المكي الثقة المشهور التابعي أشار الحاكم في علومه إلى أنه كان يدلس من الأولى توفي سنة 116هـ.
102- عيسى بن موسى أبو أحمد التيمي من أهل بخارى يعرف بغنجار لحمرة وجنتيه صدوق لكنه مشهور بالتدليس عن الثقات ما حمله عن الضعفاء والمجهولين.
ذكرته في ألقاب المحدثين من الرابعة توفي في آخر سنة 186هـ.
(باب الفاء):(6/24)
103- (ع الفضل) بن دكين بن زهير أبو نعيم الكوفي مشهور من كبار شيوخ البخاري وصفه الحافظ أحمد بن صالح المصري بالتدليس من الأولى مات سنه 119هـ.
(باب القاف):
104- قتادة بن دعامة بكسر الدال المهملة السدوسي البصري. صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه كان حافظ عصره ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو مشهور بالتدليس وصفه النسائي وغيره وقد تقدم أن رواية عنه متصلة مطلقاً عنعن أم لم يعنعن من الطبقة الثالثة توفي سنة 117هـ.
(باب الكاف فارغ)
(باب اللام فارغ)
(باب الميم)
105- مبارك بن فضالة البصري مشهور بالتدليس وصفه به أبو زرعه وأبو داود والدارقطني وقد أكثر عن الحسن البصري مات سنة 166هـ.
106- محرز بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي ابن عبد الله أبو رجاء الجزري من اتباع التابعين وصفة ابن حبان بالتدليس في ثقاته من الثالثة.
107- مالك بن أنس الإمام المشهور قال الحافظ ابن حجر: "يلزم من جعل التسوية تدليسا أن يذكره في المدلسين لأنه كان يروى عن ثور بن زيد حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وكان يحذف عكرمة وقع ذلك في غيرما حديث في الموطأ يقول عن ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ولا يذكر عكرمة وكذا كان يسقط عاصم بن عبد الله من إسناد آخر ذكر ذلك الدارقطني" انتهى كلام الحافظ في رسالة التدليس.(6/25)
قلت وأنكر ابن عبد الله في مقدمة تمهيده أن يكون ما ذكر تدليساً بل هو إرسال والتحقيق أنه متى قيل تدليس التسوية فلابد وأن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص بشيخ شيخه في ذلك الحديث وإذ قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل الإمام مالك فإنه لم يقع في التدليس أصلاً ووقع في هذا النوع وهو التسوية وأما تدليس التسوية فلم يقع فيه كما قاله السيوطي في تدريبه. وأما روايته عن ثور عن ابن العباس رضي الله عنهما فهذا لا يسمى تدليساً عند أهل التحقيق لأن ثور لم يلقه مالك بن أنس إمام دار الهجرة في وقته وإنما روى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجه عنده فعلى هذا يفارق المنقطع بأن الساقط هنا أن يكون ضعيفاً فهو منقطع خاص من الطبقة الأولى ولد الإمام سنة 93هـ وحملت به أمه ثلاثة سنين وتوفي سنة 179هـ ودفن بالبقيع.
108- مالك بن سليمان الهروي قاضي هراة ضعفه النسائي هكذا قال الحافظ في كتاب التدليس، وفي الميزان قال العقيلي: "فيه نظر" وضعفه الدارقطني أيضاً ووصفه ابن حبان بالتدليس من الخامسة.
109- محمد بن إسحاق بن يسار المطلب المدني صاحب المغازي صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجاهيل وعن شر منهم وصفة بذلك الإمام أحمد والدراقطني وغيرهما من الرابعة توفي سنة 151هـ.
110- محمد بن الحسين البخاري يروى عن وكيع وغنجار وعنه والده عمر وإبراهيم يعتبر حديثه إذا بين السماع قال ابن حبان: "ومقتضى هذا أنه كان مدلساً" من الثالثة.
111- محمد بن حماد الطهراني بكسر الطاء المهملة يروى عن عبد الرزاق أشار أبو محمد ابن حزم الظاهري إلى أنه دلس حديثاً من الثانية توفي سنة 151هـ.
112- محمد بن خازم بمعجمتين الكوفي أبو معاوية الضرير مشهور بكنيته معروف بسعة الحفظ أثبت أصحاب الأعمش فيه وصفة الدارقطني وأحمد بن أبي طاهر من الثانية مات سنة 195هـ.(6/26)
113- محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الإمام صاحب الصحيح وصفه بالتدليس أبو عبد الله بن منده في كلام له اعنى في جزء له في شروط الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة قال فيه ما نصه: "أخرج البخاري (قال فلان) وهو تدليس" ولم يوافق ابن منده على ذلك أحد. قال الحافظ والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع (قال) وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفاً قال لي أو قال لنا يعني أن البخاري يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة وهو محتمل لكنه ليس يطرد لأنه وجد كثير مما قال فيه (قال لنا) في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة (حدثنا وقد عرف ذلك بالاستقراء من صنيعه).
114- محمد بن صدقه الفدكي أبو عبد الله سمع مالك بن أنس وعنه إبراهيم بن النذر الحزامي ذكرة ابن الاثير في اللباب و قال: " أنه كان مدلسا" ووصفه بذلك قبله ابن حبان والدارقطي من الثالثة.
115- محمد بن عجلان المدني تابعي صغير مشهور من شيوخ الإمام مالك بن أنس وصفه ابن حبان بالتدليس وذكر محمد بن أبي حاتم حديثه عن الأعرج عن أبي هريرة "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" فقال إنما سمعه من ربيعه بن عثمان عن الأعرج. قال العلائي في جامع التحصيل في المراسيل قلت رواة عبد الله بن إدريس عن ربيعه بن عثمان عن محمد بن يحي بن حبان عن الأعرج من الطبقة الثالثة و هذا ممن حمل به ثلاث سنين وتوفي سنه 148هـ.
116- محمد بن عيسي بن نجيح أبو جعفر بن الطباع ثقة مشهور قال صاحبه أبو داود: "كان مدلسا" وكذا وصفه الدار قطي من الثالثة مات سنه 224هـ .
117- محمد بن عيسي بن القاسم بن سميع ذكر ابن حبان أنه روى حديث مقتل عثمان رضي الله عنه عن ابن أبي ذئب قال ولم يسمعه منه وإنما سمعه من إسماعيل بن يحي أحد الضعفاء عنه وكذلك قال صالح بن محمد وغيرة قال الحافظ دمشقي فيه ضعف وصفه ابن حبان بالتدليس من الرابعة مات سنه204هـ(6/27)
118- محمد بن عبد الرحمن الطفاوي من اتباع التابعين وصفه الإمام أحمد الدارقطي بالتدليس من الثالثة قال ابن قانع مات سنه 189هـ
119- محمد بن عبد الملك الواسطي الكبير أبو إسماعيل روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته وعنه وهب بن بقية وصفه ابن حبان بالتدليس وكذا أطلقه عليه الذهبي في التهذيب من الطبقة الثالثة مات بعد المائة.
120- محمد بن كثير الصنعاني قال العقيلي في ترجمه عمر ابن الأموي أحد الضعفاء روى الثوري عن أبي حزام عن سهل حديث "ازهد في الدنيا" قال هذا لا أصل له عن الثوري وقد تابعه عليه محمد ابن كثير الصنعاني عن الثوري ولعله أخذه عنه ودلسه لأن المشهور به خالد قال البخاري لين جدا من الخامسة مات سنه 216 هـ.
121- محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الحافظ المعمرة قال البرهان الحلبي فيما نقله عن الإسماعيلي وغيره: "أنه مدلس". وقال زميله الحافظ بن حجر: "مشهور بالتدليس مع الصدق والأمانة" قال ابن المظفر لا ينكر منه إلا التدليس وهو أول من أحدث التدليس ببغداد ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك كما تقدم في المقدمة من الثالثة.
122- محمد بن عمران بن موسى المرزباني الكاتب الإخباري كان يطلق التحديث والأخبار في الإجازة ولا يبين. ذكر ذلك الخطيب وغيره من الطبقة الأولى.(6/28)
123- محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي من التابعين مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سعد قال: "جئت أبا الزبير فدفع إليّ كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفسي لو أني عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر قال فسألته فقال منه ما سمعت ومنه ما حدثت عنه فقلت له أعلم لي ما سمعته منه فأعلم لي على هذا الذي عندي"، ولهذا توقف جماعة من الأئمة عن الاحتجاج بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر وليست من طريق الليث وكأن مسلماً رحمه الله إطلع على أنها مما رواه الليث عنه لم يروها من طريقة والله أعلم. من الثالثة قال ابن المديني: "مات سنة 128هـ".
124- محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الفقيه المدني نزيل الشام المشهور بالإمامة والجلالة من التابعين وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس ولكن قال البرهان في التبيين في أسماء المدلسين قد قبل الأئمة قوله (عن) من الطبقة الثالثة قال إبراهيم ابن سعد: "مات الزهري سنة 124هـ".
125- محمد بن مصطفى قال أبو حاتم بن حبان سمعت الحسن بن جوصا يقول سمعت أبا زرعه الدمشقي يقول: "كان صفوان بن صالح ومحمد بن مصطفى يسويان الحديث كبقية ابن الوليد" ذكره في آخر مقدمة الضعفاء وقد سبق الكلام على صفوان بن صالح في باب الصاد المهملة من الثالثة.
126- محمد بن خنيس العابد قال ابن حبان يعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته من الطبقة الأولى تأخر إلى ما بعد العشرين ومائتين.
127- محمد بن يوسف بن مسدي بضم الميم على وزن أسم الفاعل من الرباعي الحافظ الأندلسي نزيل مكة في المائة السابعة قال الحافظ: كان يدلس الإجازة وله معجم مشهور من الطبقة الأولى توفي سنة 663هـ.(6/29)
128- مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج قال ابن المدني سمع من أبيه قليلاً وقيل لم يسمع شيئاً وقد حدث عنه بالكثير، وقال أبو داود لم يسمع منه إلا حديث الوتر. وصفة الحافظ بالتدليس. وقال الإمام مالك بن أنس: "حلف لي مخرمة أنه سمع من أبيه" وقال موسى ابن سلمة قلت لمخرمة بن بكير: "سمعت من أبيك فقال لي لم أدري أبي وهذه كتبه" من الطبقة الأولى مات سنة 1549هـ.
129- مروان بن معاوية الفزاري من اتباع التابعين كان مشهوراً بالتدليس وكان يدلس الشيوخ أيضاً قال ابن معين: "ما رئيت أحيل للتدليس منه" وكذا وصفه الدارقطني به من الثالثة توفي فجأة سنة 193هـ
130- مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الإمام المشهور صاحب الصحيح قال ابن منده: "إنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه (قال لنا فلان) وهو تدليس" وقد رد الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر هذا القول من ابن منده وهو كما قالا وقد تقدم بطلانه عند الكلام على الإمام البخاري من الأولى توفي لخمس بقين من رجب سنة 261هـ وله سبع وخمسون سنة.
131- مصعب بن سعيد أبو خثيمة المصيصي أصله من خراسان روى عن ابن خيثمة الجعفي وابن المبارك وغيرهما وعنه الحسن بن سفيان وأبو حاتم الرازي وجماعة قال ابن عدي كان يصحف وقال ابن حبان في ثقاته كان يدلس وتوفي آخر عمره من الثالثة.
132- المغيرة بن مقسم بكسر الميم الأولى الضبي الكوفي صاحب إبراهيم النخعي ثقة مشهور وصفه النسائي بالتدليس وحكاه عن ابن فضيل قال أبو داود: "كان لا يدلس" وكأنه أراد ما حكاه العجلي أنه كان يرسل عن إبراهيم فإذا وقف أخبرهم ممن سمعه وقال أحمد ابن حنبل: "وعامة حديثه عن إبراهيم مدخول إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العلكي" وجعل أحمد يضعفه عن إبراهيم من الثالثة قال الإمام أحمد توفي سنة 123.(6/30)
133- مقاتل بن حيان النبطي أبو بسطام مولى لبكر بن وائل لا يصح له عن صحابي لقي إنما تلك أخبار مدلسة كان يسكن مروه مدة وبلخ زماناً وله بمرو خطه وكان ممن عنى بعلم القرءان وواظب على الورع في السر والإعلان وهم أخوة أربعة مقاتل هذا والحسن ويزيد ومصعب بنو حيان من الطبقة الأولى ومات بكابل عاصمة أفغانستان وكان قد هرب من أبي مسلم إليها هكذا قال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار. قال الحافظ: "مات قبل الخمسين ومائة بأرض الهند".
134- مكحول الشامي الفقيه المشهور تابعي يقال أنه لم يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل ووصفه بالتدليس ابن حبان وكذلك أطلق عليه الذهبي أنه كان يدلس وقال الحافظ: "ولم أر هذا للمتقدمين إلا في قول ابن حبان" من الثالثة توفي سنة 113هـ.
135- موسى بن عقبه المدني تابعي صغير ثقة متفق عليه وصفه الدارقطني وأشار إلى ذلك الإسماعيلي قال العلائي في جامع التحصيل: "وهذا بعيد يعني قول الإسماعيلي يقال لم يسمع من الزهري شيئاً لأن البخاري لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء ثم قال ولم أر من ذكر موسى بن عقبه بالتدليس غير الإسماعيلي" وهذا يدل على أن العلائي لم يقف على قول الدارقطني الذي ذكره الحافظ قال البرهان في التبيين: "قد نظم الإمام أبو محمود تلميذ الحافظ الذهبي في المدلسين" وقال: "ثم ابن عقبة عن الزهري روى". وقال في البخاري "سوى". وقيل لم يسمعه منه فاعلم. والحمد الله به فلنختم.(6/31)
ثم قال البرهان : "وأنا استبعد أن يكون ابن عقبة لم يسمع من الزهري وكلاهما مدني وقد روى ابن عقبة جماعة من الصحابة وسمع من أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص الصحابية وقد توفي الزهري بأطراف الشام بقرية يقال لها (شغب) بفتح أوله وسكون ثانيه قرية خلف وادي القرى كانت للزهري وبها قبره. وابدا بالفتح والقصر واد قرب آيلة من ساحل البحر، وقيل بوادي القرى مات سنة 124هـ وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وابن عقبة توفي سنة 141هـ كذا أرخه غير واحد وقيل سنة ثلاثين وفي ثقات ابن حبان القول الأول قيل سنة 135هـ وقد نقل الذهبي في تذهيبه والظاهر أنه في التهذيب للحافظ المزي عن ابن معين أنه قال: "كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب" ثم قال البرهان: "رئيت في الاستيعاب في ترجمة رقيه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها ما نصه فلم يقم موسى المعنى وجاء فيه بالمقارنة وليس موسى بن عقبه في ابن شهاب بحجة إذا خالفه غيره ومما يرد ويزيق ما قيل في ابن عقبه ما في كتاب المحدث الفاصل لمحمد ابن خالد الرامهرمزي حدثنا محمد بن مكرم ثنا أحمد بن محمد المقدمي ثنا الفروي قال سمعت الإمام مالك ابن أنس يقول دخلت أنا وموسى بن عقبه ومشيخة كثيرة على ابن شهاب فسألنا شاب منهم عن حديث فقال تركتم العلم حتى إذا كنتم كالشن وقد هي طلبتموه لاجئتم والله بخير أبداً. من الطبقة الأولى وقد تقدم أنه مات سنة 141هـ.
136- ميمون بن أبي شبيب متكلم فيه قال البرهان: "لم أر أحداً من الحفاظ وصفه بالتدليس غير أني رئيت بخط بعض فضلاء الحنفية الفقهاء حاشية في أوائل صحيح مسلم قال قيل ميمون بن أبي شبيب يدلس وقد روى عن المغيرة بالعنعنة فلا تقبل روايته" قلنا مسلم إنما رواه عنه استشهاده بعد أن رواه من حديث ابن أبي ليلى عن سمرة، وما أدري من أين أخذ هذا ثم مر بي نقل ذلك عن اثنين من الحفاظ وما أدري أين مر بي.(6/32)
ويعني البرهان بقوله في أوائل صحيح مسلم ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه حيث قال عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ذكر هذا الحديث استشهاداً بعد أن رواه عن عفان بن مسلم ثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: "من روى عني حديثاً وهو يدري أنه كذب فهو أحد الكاذبين" قال الحافظ في تقريبه: "ميمون صدوق كثير الإرسال" وقال في الأصل: "قال أبو داود لم يدرك عائشة رضي الله عنها" وقال ابن خراش: "لم يسمع من علي رضي الله عنه وصحح له الترمذي روايته عن أبي ذر" من الأولى قتل في الجماجم.
137- ميمون بن موسى المرئي نسبه إلى المرئي القيس بطن من مضر صاحب الحسن البصري قال الإمام أحمد بن حنبل والنسائي والدارقطني: "كان يدلس" من الطبقة الثالثة لم أجد له وفاة.
(باب النون فارغ)
(باب الهاء)
138- هشام بن حسان البصري وصفه بالتدليس علي بن المديني وأبو حاتم قال جرير بن حازم: "قاعدت الحسن سبع سنين ما رئيت هشاماً عنده قيل له قد حدث عن الحسن بأشياء فممن تراه أخذها قال من حوشب أراه". وقال ابن المديني: "كان أصحابنا يثبتون حديثه ويحيى بن سعيد يضعف حديثه عن عطاء وكان الناس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب" قال يحيى بن آدم: "حدثنا أبو شهاب قال لي شعبة عليك بحجاج ومحمد ابن إسحاق فإنهما حافظان، واكتم على عند البصريين في خالد وهشام". وقال الذهبي زلة من عالم فإن خالداً الحداء وهشام بن حسان ثقتان ثبتان والآخران فالجمهور على أنه لا يحتج بهما فهذا هدبة بن خالد يقول عنك يا شعبة أنك ترى الأرجاء نسأل الله التوبة من الطبقة الثالثة سنة 148هـ.(6/33)
هشام بن عروة بن الزبير بن العوام تابعي صغير مشهور ذكره بالتدليس أبو الحسن القطان وأنكره الذهبي وابن القطان فإن الحكاية المشهورة عنه أنه قدم العراق ثلاث مرات ففي الأولى حدث عن أبيه فصرح بسماعه وفي الثانية حدث بالكثير فلم يصرح. القصة.
وهذه الحكاية تقتضي أنه حدث عنه بما لم يسمعه منه وهذا هو التدليس. وقال ابن المديني: "سمعت يحيى بن سعيد يقول كان هشام بن عروة يحدث عن أبية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ماخير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما وما ضرب بيده شيئاً" الحديث فلما سألته قال أخبرني أبي عن عائشة قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين" لم أسمع من أبي إلا هذا والباقي لم أسمعه إنما هو عن الزهري". هكذا رواه الحاكم في علومه وقال العلائي: "وفي جعل هشام بمجرد هذا مدلساً نظر وقال ولم أر من وصفه بالتدليس" من الطبقة الأولى توفي سنة 145وقيل سنة6.
هشيم بن بشير الواسطي من اتباع التابعين مشهور بالتدليس مع ثقته وصفه النسائي وغيره به. ومن عجائبه في التدليس أن أصحابه قالوا له: "نريد أن لا تدلس لنا شيئاً" فواعدهم فلما أصبح أملى عليهم مجلساً يقول في أول كل حديث منه: "حدثنا فلان وفلان عن فلان فلما فرغ قال هل دلست لكم اليوم شيئاً" قالوا: "لا" قال: "فإن كل شي حدثتكم عن الأول سمعته وكل شي حدثتكم عن الثاني فلم اسمعه منه" قال الحافظ: "فهذا ينبغي أن يسمى بتدليس العطف" من الثالثة.
الهيثم بن عدي الطائي اتهمه البخاري بالكذب وتركه النسائي وغيره وقال أحمد: "كان صاحب أخبار وتدليس" من الطبقة الخامسة.
(باب الواو)
الوليد بن مسلم الدمشقي معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ويعاني التسوية التي تقدمت صفتها وحكمها.
وأما الوليد بن مسلم أبو بشر العنبري فتابعي ثقة بصري.فالدمشقي من الطبقة الرابعة قال: "دحيم مات سنة 195هـ".
(باب لا)(6/34)
لاحق بن حميد أبو مجلر بكسر الميم البصري التابعي المشهور صاحب أنس مشهور بكنيته أشار ابن أبي خيثمة عن ابن معين إلى أنه كان يدلس وجزم بذلك الدارقطني من الأولى قال خليفة في تاريخه: "توفي سنة 106هـ".
(باب الياء)
يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي ضعفوه قال أبو زرعه: "وأبو نعيم وابن نمير ويعقوب بن سفيان والدارقطني وغير واحد كان مدلساً" من الخامسة قال أبو سعد: "مات سنة 147هـ".
يحيى بن سعيد بن قهد بالقاف في أوله بن قيس الأنصاري المدني تابعي صغير مشهور وصفه بالتدليس علي بن المديني فيما ذكره عبد الغني بن سعيد الأزدي وكذا وصفه به الدارقطني ونقله الذهبي في الميزان عن عبد الغني في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة من الأولى قال القطان: "توفي سنة 143هـ".
يحيى بن أبي كثير اليمامي من صغار التابعين حافظ مشهور كثير الإرسال ويقال لم يصح له سماع من صحابي وصفه النسائي بالتدليس من الثانية قال الفلاس: "توفي سنة 129هـ".
يزيد بن أبي زياد الكوفي من اتباع التابعين تغير في آخر عمره وضعف بسبب ذلك. وصفه الدارقطني والحاكم وغيرهما بالتدليس من الثالثة.
يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني مشهور بكنيته وهو من اتباع التابعين وثقة ابن معين وغيره ووصفه حسين الكلابيسي بالتدليس من الثالثة توفي سنة 100هـ
يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمذاني الدمشقي وصفه أبو مسهر بالتدليس من الثالثة توفي سنة 130هـ
يزيد بن هارون الواسطي أحد الإعلام من اتباع التابعين قال: "ما دلست قط إلا في حديث واحد عن عون فما بورك لي فيه" من الأولى قال يعقوب بن شيبة: "توفي سنة 206هـ".
153 (يعقوب) ابن عطاء بن أبي رباح في ترجمته في ثقات ابن حبان ما يقتضي أنه يدلس توفي سنة 155هـ من الطبقة الرابعة.(6/35)
154 (ع س يونس) بن عبيد البصري من حفاظ البصرة ثقة مشهور وصفه النسائي بالتدليس وكذا ذكره السلمي عن الدارقطني، وقال ابن سعد في طبقاته: "توفي سنة 140هـ" من الطبقة الثانية.
155 (ع يونس) بن عبد الأعلى الصدفي المصري عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي حديث أنس الذي أخرجه ابن ماجه وأشار الذهبي إلى أن يونس هذا سواه تفرد عنه الشافعي بذاك الحديث "لامهدي إلا عيسى" وهو حديث منكر جدا، من الطبقة الثانية سنة 164هـ.
156 (ع يونس) بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي حافظ مشهور كوفي يقال إنه روى عن الشعبي حديثا وهو حديثه عن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه "أبو بكر وعمر سيدا كُهولِ أهل الجنة" فأسقط الحارث وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق فقال: كذا وكذا، قال الذهبي: "هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد بن حنبل كثيرا فيما يجيبه والده وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين"، من الطبقة الثانية، قال ابن سعد توفي سنة 159هـ.
الكنى
157 (أبو إسرائيل) الملائي اسمه إسماعيل بن خليفة العبسي مُتَكَلّمٌ فيه، وخرّج الترمذي من طريقه عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال حديث "لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر" قال الترمذي: "لم يسمع أبو إسرائيل هذا الحديث من الحكم وإنما رواه عن الحسن ابن عمارة عنه من الخامسة توفي سنة 169هـ عن أكثر من 80 سنة.
(أبو حرة) الرقاشي واسمه واصل بن عبد الرحمن صاحب الحسن البصري وعنه يحيي بن سعيد القطان, وصفه أحمد والدارقطني بالتدليس، قال الفلاس: "مات سنة 152هـ" من الطبقة الثالثة.(6/36)
(أبو سعد) البقال واسمه سعيد بن المرزبان متكلم فيه مشهور بالتدليس رماه به أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم قال ابن المبارك قلت لشريك بن عبد الله النخعي تعرف أبا سعد البقال فقال إي والله أعرفه عالي الإسناد أنا حدثته عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم وروي عن عبد الله بن معقل عن ابن مسعود حديث "الندم توبة" فتركني وترك عبد الكريم وزياد بن أبي مريم وروى عن عبد الله بن معقل عن ابن مسعود هذا الحديث. من الطبقة الخامسة مات سنة بضع وأربعين ومائة.
(أبو قلابة) عبد بن زيد الجرمي ذكر الذهبي في ميزانه أنه كان يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم وكان له صحف يحدث منها ويدلس من الأولى قال خليفة مات بالشام سنة 104هـ وقيل سنة 6 وقيل سنة 7.
(ع أبو عبيدة) بن عبد الله بن مسعود ثقة مشهور من أهل الكوفة اسمه عامر حديثه عن أبيه في السنن وعن غير أبيه في الصحيح واختلف في سماعه من أبيه والأكثر على أنه لم يسمع منه وثبت له لقاؤه وسماع كلامه فروايته عنه داخلة في التدليس وهو أولى بالذكر من أخيه عبد الرحمن من الطبقة الثالثة توفي سنة 81هـ.
تنبيه
ومما يستغرب ما ذكر عن شعبة في ذلك مع كراهيته للتدليس وذلك ما قرأه الحافظ على فاطمة بنت المنجا عن عيسى بن عبد الرحمن المطعم قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب وأنا أسمع عن محمد بن أحمد بن عمرو الباعنان أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده أنا أبو عمرو عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب إملاء ثنا أبو عبد الله أحمد بن يونس بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد الأصفر حدثني النفيلي ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت؟ فقال أبو قزعة: حدثني مهاجر المكي أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت" فقال: "قد كنا مع رسول الله فلم يكن يفعله".(6/37)
قال الأصفر: "ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادنيه فأعدته عليه" فقال: "ما كنت أظن أن شعبة يدلس"، حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها ولم يذكر فيه عمرو بن دينار, قال الحافظ: "اسم أبي قزعة سويد بن حجر"، وهذا شيء قاله الإمام أحمد ظنا والذي عندي أن شعبة لم يدلسه بل كان يسأل عمرو بن دينار فحدثه بهذا ثم لقي أبا قزعة فسأله عنه فحدثه به والدليل على ذلك أنه صرح بسماعه منه لهذا الحديث فيما رواه أبو داود في السنن عن يحيى بن معين عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن شعبة سمعت أبا قزعة به، وكيف يظن بشعبة التدليس وهو القائل: "لأن أخر من السماء أحب من أن أقول عن فلان ولم أسمعه عنه" وهو القائل: "لأن أزني أحب إلي من أن أدلس".
وقال البيهقي في المعرفة: "روينا عن شعبة قال: "كنت أتفقد فم قتادة فإذا قال: حدثنا وسمعت حفظته وإذا قال حدث فلان تركته".
قال: وروينا عن شعبة أنه قال: "كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق السبيعي وقتادة"، وقال الحافظ: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعة".
ونظير هذا حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر فإنه لم يسمع منه إلا مسموعه عن جابر قال سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير فدفع إليّ كتابين فسألته أسمعت هذا كله عن جابر؟ قال: "لا فيه ما سمعت وفيه ما لم أسمع" قال: "فأعلم لي على ما سمعت منه", فأعلم لي على هذا الذي عندي" فتبين بهذا أن حديث الليث عن أبي الزبير عن جابر محمول على الاتصال ولا فرق فيه بين العنعنة وغيرها.
خاتمة في منظومة الحافظ الذهبي في المدلسين
قال التاج أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ومن نظم الذهبي في أسماء المدلسين.
خذ المدلسين يا ذا الفكر ... جابر الجعفي ثم الزهري
والحسن البصري قل مكحول ... قتادة حميد الطويل(6/38)
ثم ابن عبد الملك القطيعي ... وابن أبي نجيح المكي
والثبت يحيى بن أبي كثير ... والأعمش الناقل بالتحرير
وقل مغيرة أبو إسحاق ... والمرئي ميمون باتفاق
ثم يزيد بن أبي زياد ... حبيب ثابت من الأجداد
أبو جناب وأبو الزبير ...والحكم الفقيه أهل الخير
عباد منصور قل ابن عجلان ... وابن عبيد يونس ذو الشان
ثم أبو حرة وابن إسحاق ... حجاج أرطاة لكل مشتاق
ثم أبو سعيد البقال ... عكرمة الصغير يا نقال
ثم ابن واقد حصين المروزي ... وابن أبي عروبة اسمع تفُز
وليد مسلم كذا بقية ... في حذف واه خلة دنية
قصيدة أخرى في المدلسين لأبي محمود المقدسي
وهنا أيضا قصيدة أخرى في المدلسين لأبي محمود المقدسي تلميذ الحافظ الذهبي وجدتها ضمن مجموعة في مكتبة عارف حكمت تحت رقم (66) أصول الحديث.
يقول فيها :
قتادة والحسن البصري ... حميد الطويل والتيمي
هشيم الثوري أبو الزبير ... مغيرة وابن أبي كثير
والقارئ الأعمش والزهري ... وابن جريج جابر الجعفي
سفيانهم ابن عيينة الحكم ... شريك القاضي ابن إسحاق العلم
أبو عبيد يونس سعيد ... ابن أبي عروبة تليد
وابن أبي خالد الوليد ... هو ابن مسلم كذا يزيد
وابن أبي يحيى كذا ميمون ... مع ابن واقد هو الحسين
وابن عمير وأبو إسحاقا ... وابن فضالة معاً وفاقا
وابن غياث وابن عمار عمر ... هو المقدمي شباك في الأثر
هو الطفاوي مع الأنصاري ... ابن سعيد فاعن بالأخبار
وابن أبي حبة والبقال ... مع ابن طائي من ذوي النقال
وابن أبي ثابت وابن انعم ... وابن غراب ثم مروان افهم
وطلحة ابن نافع مكحول ... ثم ابن أرطاة سويد قولوا
ثم الصريفيني شعيب الواعية ... ثم جريرهم أبو معاوية
ثم ابن منصور لمن تحققه ... ثم محمد هو ابن صدقه
وابن أبي زائدة عن عامر ... والقيد فيه ظاهر للماهر
ثم بقية عن المجهول ... ثم الضعيف جاء في المنقول
ثم أبو حرة الرقاشي ... يقول تارة بلا تحاشي
حدثنا وتارة عن الحسن ... ثم ابن عجلان عن الأعرج عن
صاحبه أبي هريرة ... وإنما يرويه عن ربيعة
ثم ابن عقبة عن الزهري روى ... بعن وقال في البخاري سوا
وقيل لم يسمعه منه فاعلم ... والحمد لله به فلنختم
هذا آخر من رمي بالتدليس من الرواة, جمعتهم من ثلاث رسائل لثلاثة حفاظ البرهان الحلبي والحافظ ابن حجر والسيوطي وزدت عليهم شيئا قليلا من المراجع المعتبرة كالميزان للذهبي ولسانه للحافظ وغيرهما من كتب الجرح التي تعنى بهذا النوع من علوم الحديث. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين آمين…(6/39)
( مناجاة )
لقد عشت دهراً غير أني لم أزل ... أهيم بأرض الله ألهو وألعب
فلا النفس تنهاني ولا العقل ردني ... وما زلت في دوامة أتقلب
وإني أرى الشيطان يحتال دائما ... عليّ وإني خائف أترقب
فيارب رفقاً بي فما زلت خائفاً ... لعلمي بتقصيري وأني مذنب
فصُنّي من الشيطان والنفس والهوى ... فَهُنَ يمين الله دائي المجرب
وإلا أرحني من حياتي وشقوتي ... فلا خير فيها حينما أنت تغضب
أحمد عبد الحميد عباس(6/40)
أبُو الحسن الأشعري
بقلم: الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس في كلية الشريعة بالجامعة
[ مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 23 ]
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: لما كان أكثر الناس في الأقطار الإسلامية ينتسب عقيدة إلى أبي الحسن الأشعري، ومع ذلك لا يعرف شيئاً عن أبي الحسن الأشعري، ولا عن عقيدته التي استقر عليها أمره أخيراً واستحق بها أن يكون من الأئمة المقتدى بهم، أحببنا أن نفيد أولئك عن حقائق هذا الإمام المجهول عند كثير ممن ينتسب إليه وينتحل عقيدته، حسب ما تتبعنا من المراجع المعتبرة.
وقبل كل شيء نتحف القارئ بنبذة قليلة من ترجمة الأشعري فأقول وبالله أستعين:
التعريف بالإمام:
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، ولد سنة ستين ومائتين من الهجرة النبوية، ترجمه أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في كتابه ( تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي موسى الأشعري ) والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) وابن خلكان في وفيات الأعيان والذهبي في ( تاريخ الإسلام ) وابن كثير في ( البداية والنهاية ) و( طبقات الشافعية ) والتاج السبكي في ( طبقات الشافعية الكبرى ) وابن فرحون المالكي في ( الديباج المذهب في أعيان أهل المذهب ) ومرتضى الزبيدي في ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ) وابن العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب في أعيان من ذهب ) وغيرهم.(7/1)
دخل هذا الإمام بغداد وأخذ الحديث عن الحافظ زكريا بن يحيى الساجي أحد أئمة الحديث والفقه [1] وعن أبي خليفة الجمحي وسهل بن سرح ومحمد بن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف البصريين، وروى عنهم كثيراً في تفسيره ( المختزن ) وأخذ علم الكلام عن شيخه زوج أمه أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة.
ولما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ فيه الغاية كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس ولا يجد فيها جواباً شافياً فتحير في ذلك.
فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليك بسنتي "فانتبهت!! وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهرياً.
قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 463ه في الجزء الحادي عشر من تاريخه المشهور صفحة 346: "أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة، والجهمية، والخوارج وسائر أصناف المبتدعة.
إلى أن قال: وكانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم".
قال ابن فرحون في الديباج: "أثنى على أبي الحسن الأشعري أبو محمد بن أبي زيد القيرواني وغيره من أئمة المسلمين"اه.
وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات الجزء الثاني صفحة 303:(7/2)
ومما بيض به أبو الحسن الأشعري وجوه أهل السنة النبوية وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج، ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مراء وهي أعني المناظرة كما قال ابن خلكان: "سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمناً براً تقياً والثاني كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة، فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟
فقال الجبائي: لا !! لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري فإن قال: ذلك التقصير ليس مني، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبائي: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلمَ راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي"!!
وقال ابن العماد "وفي هذه المناظرة دلالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته واختص آخر بعذابه"اه .
وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: "أبو الحسن الأشعري كبير أهل السنة بعد الإمام أحمد بن حنبل وعقيدته وعقيدة الإمام أحمد رحمه الله واحدة لا شك في ذلك ولا ارتياب وبه صرح الأشعري في تصانيفه وذكره غير ما مرة من أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، هذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه"اه.
وفضائل أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في هذه العجالة، ومن وقف على تواليفه بعد توبته من الاعتزال رأى أن الله تعالى قد أمده بمواد توفيقه، وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه.(7/3)
وقد تنازع فيه أهل المذاهب، فالمالكي يدعي أنه مالكي، والشافعي يزعم أنه شافعي، والحنفي كذلك. قال ابن عساكر: لقيت الشيخ الفاضل رافعاً الحمال الفقيه، فذكر لي عن شيوخه أن أبا الحسن الأشعري كان مالكياً فنسب من تعلق اليوم بمذهب أهل السنة وتفقه في معرفة أصول الدين من سائر المذاهب إلى الأشعري لكثرة تواليفه وكثرة قراءة الناس لها.
قال ابن فورك: توفي أبو الحسن الأشعري سنة 324ه. اه.
وبعد ذكر هذه النتفة من ترجمة هذا الإمام نذكر فيما يلي إثبات رجوعه عن الاعتزال وإثبات نسبة ( الإبانة ) إليه ننقل ذلك من المراجع الموثوق بها، فنقول وبالله التوفيق.
رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى عقيدة السلف:
قال الحافظ مؤرخ الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571ه في كتابه ( التبيين ):
قال أبو بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة: إن أبا الحسن الأشعري كان معتزلياً وأنه أقام على مذهب الاعتزال أربعين سنة، وكان لهم إماماً ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع بالبصرة فصعد المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق، فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس، فمنها كتاب اللمع وغيره من تواليفه الآتي ذكر بعضها قريباً إن شاء الله: فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إماما حتى نسب مذهبهم إليه فصار عند المعتزلة ككتابيٍ أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة.(7/4)
وكذلك أبو الحسن الأشعري أعدى الخلق إلى المعتزلة، فهم يشنعون عليه وينسبون إليه الأباطيل وليس طول مقام أبي الحسن الأشعري على مذهب المعتزلة، مما يفضي به إلى انحطاط المنزلة، بل يقضي له في معرفة الأصول بعلو المرتبة ويدل عند ذوي البصائر له على سمو المنقبة، لأن من رجع عن مذهب كان بعواره أخبر وعلى رد شبه أهله وكشف تمويهاتهم أقدر، وبتبيين ما يلبسون به لمن يهتدي باستبصاره أبصر، فاستراحة من يعيره بذلك كاستراحة مناظر هارون بن موسى الأعور.
وقصته أن هارون الأعور كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو، وناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له: أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هارون فبئس ما صنعت فغلبه هارون في هذا. واتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث، ومذهبه مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة - سيفاً مسلولاً ومن طعن فيه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة، ولم يكن أبو الحسن الأشعري أول متكلم بلسان أهل السنة وإنما جرى على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف، فزاده حجة وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به وليس له في المذهب أكثر من بسطه وشرحه كغيره من الأئمة.
وقال أبو بكر بن فورك: رجع أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب أهل السنة سنة 300ه.
وممن قال من العلماء برجوع الأشعري عن الاعتزال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان الشافعي المتوفى سنة 681ه قال في ( وفيات الأعيان ) الجزء الثاني صفحة 446: كان أبو الحسن الأشعري معتزلياً ثم تاب.
ومنهم عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774ه.(7/5)
قال في البداية والنهاية الجزء الحادي عشر صفحة 187:"إن الأشعري كان معتزلياً فتاب منه بالبصرة فوق المنبر ثم أظهر فضائح المعتزلة وقبائحهم ".
ومنهم شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي الشهير بالذهبي المتوفى سنة 748 قال في كتابه ( العلو للعلي الغفار ):
"كان أبو الحسن أولاً معتزلياً أخذ عن أبي علي الجبائي ثم نابذه ورد عليه وصار متكلماً للسنة، ووافق أئمة الحديث، فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن ولزموها - لأحسنوا ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء ومشوا خلف المنطق فلا قوة إلا بالله".
وممن قال برجوعه تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة 771ه قال في طبقات الشافعية الكبرى، الجزء الثاني صفحة 246: أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إماماً فلما أراده الله لنصرة دينه وشرح صدره لاتباع الحق غاب عن الناس في بيته، وذكر كلام ابن عساكر المتقدم بحروفه.
ومنهم برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي المتوفى سنة 799ه قال في كتابه ( الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ) صفحة 193: كان أبو الحسن الأشعري في ابتداء أمره معتزلياً، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق، ومذهب أهل السنة فكثر التعجب منه وسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فأمره بالرجوع إلى الحق ونصره، فكان ذلك والحمد لله تعالى.(7/6)
ومنهم السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى الحنفي المتوفى سنة 1145ه قال في كتابه ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ) الجزء الثاني صفحة 3. قال: أبو الحسن الأشعري أخذ علم الكلام عن الشيخ أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة. ثن فارقه لمنام رآه، ورجع عن الاعتزال، وأظهر ذلك إظهاراً. فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن، وإن الله لا يرى بالدار الآخرة بالأبصار وإن العباد يخلقون أفعالهم.
وها أنا تائب من الاعتزال معتقداً الرد على المعتزلة، ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف على خلافهم.
ثم قال: قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:
أولها حال الانعزال التي رجع عنها لا محالة.
والحال الثاني إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك [2] .
والحال الثالث إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً.
وبهذه النقول عن هؤلاء الأعلام ثبت ثبوتاً لا شك فيه ولا مرية أن أبا الحسن الأشعري استقر أمره أخيراً بعد أن كان معتزلياً على عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم وسنة النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.
كتاب الإبانة:
وبعد إتمام هذا الحديث حول رجوعه عن الاعتزال نقرأ بحثا ثانيا في صحة نسبة ( الإبانة في أصول الديانة ) إليه رداً على بعض الأغمار الذين زعموا أنها مدسوسة عليه - وهذا هو بيت القصيد فنقول: وبالله نستعين.
قال الحافظ بن عساكر في كتابه ( تبيين كذب المفتري ) ذكر ابن حزم الظاهري أن لأبي الحسن الأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً، ثم قال: ترك ابن حزم من عدد مصنفاته أكثر من مقدار النصف، وبعد ذلك سردها فقال:(7/7)
منها كتاب اللمع، وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سمّاه بكتاب ( كشف الأسرار وهتك الأسرار).
ومنها تفسيره المختزن، وهو خمسمائة مجلد [3] - على ما يزعم - لم يترك فيه آية تعلق بها بدعي إلا أبطل تعلقه بها، وجعلها حجة لأهل الحق، وبيّن المجمل وشرح المشكل ونقض فيه ما حرفه الجبائي والبلخي في تفسيريهما.
ومنها الفصول في الرد على الملحدين والخارجين على الملة كالفلاسفة والطبائعيين والدهريين وأهل التشبيه.
ومنها مقالات المسلمين [4] استوعب فيه جميع اختلافهم ومقالاتهم وذكرها الحافظ بن عساكر بأسمائها وموضوعاتها في كتابه التبيين من صفحة 128 إلى صفحة 136، وقد اطلعت أنا الجامع لهذه الرسالة على ثلاثة من الكتب المذكورة وهي مطبوعة: اللمع، والإبانة، والمقالات الإسلامية.
وقال ابن عساكر في صفحة 28 من التبيين، وتصانيف أبي الحسن الأشعري بين أهل العلم مشهورة معروفة، وبالإجادة والإصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة، ومن وقف على كتابه المسمى بالإبانة، عرف موضعه من العلم والديانة.
ثم قال في صفحة 152: فإذا كان أبو الحسن كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد، مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد، فلا بدّ أن نحكي عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ونتجنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركاً للخيانة، لتعلم حقيقة حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة، فاسمع ما ذكره في أول كتابه الذي سمّاه بالإبانة وذكر ما يأتي في آخر الرسالة إن شاء الله تعالى:
ثم قال في صفحة 171 في جملة أبيات نسبها لبعض المعاصرين له:
غير الإبانة واللمع
لو لم يصنف عمره
تفنن في العلوم بما جمع
لكفى فكيف وقد
ين مما قد صنع
مجموعة تربى على المئتـ
أخذاً بأحسن ما استمع
لم يأل في تصنيفها
ين ومن تصفحها انتفع
فهدى بها المسترشد
فوق المنابر في الجمع
تتلى معاني كتبه
أهل الكنائس والبيع(7/8)
ويخاف من إفحامه
ترك المحجة وابتدع
فهو الشجا في حلق من
وممن عزا الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المتوفي سنة 458 قال في كتابه ( الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ) في باب القول في القرآن صفحة 31، ذكر الشافعي رحمه الله ما دل على أن ما نتلوه من القرآن بألسنتنا ونسمعه بآذاننا، ونكتبه في مصالحنا يسمى كلام الله عز وجل، وأن الله عز وجل كلم به عباده بأن أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبمعناه ذكره أيضاً علي بن إسماعيل في كتاب الإبانة.
وقال في صفحة 32 من الكتاب المذكور آنفاً: قال أبو الحسن علي بن إسماعيل في كتابه، يعني الإبانة:
"فإن قال قائل: تقولون أن كلام الله عز وجل في اللوح المحفوظ، قيل له نقول ذلك، لأن الله قال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فالقرآن في اللوح المحفوظ وهو في صدور الذين أوتوا العلم، وهو متلو بالألسنة قال تعالى : {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة محفوظ في صدورنا في الحقيقة متلو بألسنتنا في الحقيقة مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ثم قال في صفحة 26 بعد سرد الأدلة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق:
وقد احتج علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله بهذه الفصول", اه من نسخة مخطوطة يرجع تاريخ خطها إلى سنة 1086ه [5] .
وممن ذكر الإبانة وعزاها لأبي الحسن الأشعري الحافظ المعروف بالذهبي، قال في كتابه ( العلو للعلي الغفار ) صفحة 278: قال الأشعري في كتاب ( الإبانة في أصول الديانة ) له في باب الاستواء.
فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟
قيل نقول إن الله مستوٍ على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إلى آخر ما في الإبانة.(7/9)
ثم قال: وكتاب الإبانة من أشهر تصانيف أبي الحسن الأشعري شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي.
وذكر الذهبي عن الحافظ أبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي أنه قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الأشعري الموسوم بالإبانة أدلة على إثبات الاستواء. ونقل عن أبي علي الدقاق أنه سمع زاهر بن أحمد الفقيه يقول: مات الأشعري رحمه الله ورأسه في حجري فكان يقول شيئاً في حال نزعه. لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا. اه كلام الذهبي.
وممن نسبها إلى أبي الحسن الأشعري ابن فرحون المالكي قال في كتابه الديباج صفحة 193: إلى ص194 ولأبي الحسن الأشعري كتب منها كتاب اللمع الكبير، وكتاب اللمع الصغير، وكتاب الإبانة في أصول الديانة. اه.
وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري أبو الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089ه.
قال في الجزء الثاني من كتابه، ( شذرات الذهب في أعيان من ذهب ) صفحة 303، قال أبو الحسن الأشعري في كتابه ( الإبانة في أصول الديانة ) وهو آخر كتاب صنفه. وعليه يعتمد أصحابه في الذب عنه عند من يطعن عليه، ثم ذكر فصلاً كاملاً من الإبانة.
وممن عزاها لأبي الحسن الأشعري السيد مرتضى الزبيدي.
قال في ( إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين )في الجزء الثاني صفحة 2، قال: صنف أبو الحسن الأشعري بعد رجوعه من الاعتزال ( الموجز ) وهو في ثلاث مجلدات، كتاب مفيد في الرد على الجهمية والمعتزلة، ومقالات الإسلاميين، وكتاب الإبانة.
وقد تقدمت الحكاية عن ابن كثير أن الإبانة هي آخر كتاب صنفه أبو الحسن الأشعري.(7/10)
وممن ذكر أن الإبانة تأليف أبي الحسن الأشعري أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس الشافعي [6] قال في رسالته ( الذب عن أبي الحسن الأشعري): اعلموا معشر الإخوان أن كتاب الإبانة عن أصول الديانة، الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده وبه كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمن الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها وكيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها.
وروى وأثبت أنه ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين.
وأن ما فيه هو الذي يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهل يسوغ أن يقال: إنه رجع عن هذا إلى غيره فإلى ماذا يرجع أتراه يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة الحديث المرضيون وقد علم أنه مذهبهم، ورواه عنهم؟؟!! هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين وكيف بأئمة الدين، أو هل يقال: إنه جهل الأمر فيما نقله عن السلف الماضين مع إفنائه جل عمره في استقراء المذاهب وتعرف الديانات، هذا مما لا يتوهمه منصف، ولا يزعمه إلا مكابر مسرف، وقد ذكر الإبانة واعتمد عليها وأثبتها عن الإمام أبي الحسن الأشعري وأثنى عليه بما ذكره فيها وبرأه من كل بدعة نسبة إليه، ونقل منها إلى تصنيفه جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام وأئمة القراء وحفاظ الحديث وغيرهم.(7/11)
وذكر ابن درباس طائفة من الذين قدمنا ذكرهم وزاد الحافظ أبا العباس أحمد بن ثابت العراقي، وذكر عنه أنه قال في بيان مسألة الاستواء من تأليفه: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي علو الله على العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري، وما هذا بأول باطل ادعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه الموسوم بالإبانة عن أصول الديانة أدلة من جملة ما ذكرته على إثبات الاستواء، ومنهم الإمام الأستاذ الحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني ذكر عنه أنه ما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا بيده كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري ويظهر الإعجاب به، ويقول ما الذي ينكر علي من هذا الكتاب شرح مذهبه ( هذا قول الإمام أبي عثمان وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان ).
ومنهم إمام القراء أبو الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي ذكر الإمام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه، فقال: وله كتاب في السنة سمّاه كتاب الإبانة صنفه ببغداد لما دخلها، وذكر ابن درباس أنه وجد كتاب الإبانة في كتب أبي الفتح نصر المقدسي رحمه الله ببيت المقدس وقال: رأيت في بعض تآليفه في الأصول فصولاً منها بخطه.(7/12)
ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه، قال ابن درباس أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك ابن علي البغدادي ونقلته أنا من خطه في آخر كتاب الإبانة قال نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه المجلي الشافعي أخرجها في مجلدة فنقلتها وعارضت بها وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكره فيها ويقول لله من صنفه ويناظر على ذلك من ينكره وذكر ذلك لي وشافهني به قال: هذا مذهبي وإليه أذهب نقلت هذا في سنة 540ه بمكة وهذا آخر ما نقلت من خط ابن الطباخ. وذكر فيمن عزاها إلى أبي الحسن أبا محمد بن علي البغدادي نزيل مكة قال ابن درباس شاهدت نسخة من كتاب الإبانة بخطه من أوله إلى آخره، وهي بيد شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن بن المفضل المقدسي ونسخت منها نسخة، وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الإمام نصر المقدسي ببيت المقدس ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراء إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس فأنكرها وجحدها وقال ما سمعنا بها قط ولا هي من تصنيفه واجتهد آخراً في أعمال رويته ليزيل الشبهة بفطنته فقال بعد تحريك لحيته لعله ألفها لما كان حشوياً، قال ابن درباس فما دريت من أين أمريه أعجب أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في تصانيفه من العلماء أو من جهله بحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه، واشتهاره قبل توبته من الاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها، فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة فكيف يكونون بحال السلف الماضين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين وهم لا يلون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم وهم والله بذلك أجهل وأجهل كيف لا وقد قنع بعض من ينتمي منهم إلى أبي الحسن الأشعري بمجرد دعواه وهو في الحقيقة مخالف لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها قد(7/13)
ذهب صاحب التأليف إلى المقالة الأولى، وكان خلاف ذلك أحرى به وأولى لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة اه كلام ابن درباس رحمه الله.
وممن ذكر الإبانة ونسبها إلى أبي الحسن الأشعري تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الشهير بابن تيمية المتوفى سنة 728هـ قال في الفتوى الحموية الكبرى صفحة 70: قال أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الإبانة قي أصول الديانة وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه فقال: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة وذكر ما في كتاب الإبانة بحروفه وسيأتي ذكره إن شاء الله قريباً.
وممن عزاها إلى أبي الحسن الأشعري شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي المتوفي سنة 751ه قال في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية الطبعة الهندية صفحة 111 قال شيخ الإسلام ابن تيمية ولما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق أهل السنة والحديث وانتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها. ثم قال ابن القيم: وأبو الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كالحسن الطبري وأبي عبد الله بن المجاهد والقاضي أبي بكر الباقلاني متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين وعلى إبطال تأويلها وليس للأشعري في ذلك قولان أصلاً، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين ولكن لاتباعه قولان في ذلك.
ولأبي المعالي الجويني في تأويلها قولان: أولها في الإرشاد ورجع عن تأويلها في رسالته النظامية [7] وحرمه، ونقل إجماع السلف على تحريمه وأنه ليس بواجب ولا جائز، ثم ذكر ابن القيم قول أبي الحسن الأشعري إمام الطائفة الأشعرية، ثم قال: نذكر كلامه فيما وقفنا عليه من كتبه كالموجز والإبانة والمقالات.(7/14)
وقال ابن القيم في قصيدته النونية التي سماها الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الطبعة المصرية صفحة 68:
بحقيقة استولى من البهتان
والأشعري قال: تفسير استوى
اع لجهم وهو ذو بطلان
هو قول أهل الاعتزال وقول اتب
وإبانة ومقالة ببيان
في كتبه قد قال ذا من موجز
وقال في صفحة 69 من الكتاب المذكور آنفاً:
وكتاب الاستذكار غير جبان
وحكى ابن عبد البر في تمهيده
ق العرش بالإيضاح والبرهان
إجماع أهل العلم أن الله فو
لكنه مرض على العميان
وأتى هناك بما شفى أهل الهدى
في كتبه قد جاء بالتبيان
وكذا علي الأشعري فإنه
ورسائل للثغر ذات بيان
من موجز وإبانة ومقالة
ق العرش بالإيضاح والبرهان
وأتى بتقرير استواء الرب فو
ير فانظر كتبه بعيان
وأتى بتقرير العلو بأحسن التقر
قلت: هذه نقول الأئمة الأعلام التي تضمنت بالصراحة التي لا يتناطح عليها عنزان ولا يمتري فيها اثنان: إن كتاب الإبانة ليس مدسوساً على أبي الحسن الأشعري كما زعمه بعض الأغمار من المقلدة بل هو من تواليفه التي ألفها أخيراً واستقر أمره على ما فيها من عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية.
عقيدة الإمام :
وبعد هذا رغبت أن أتحف القارئ بقطعة من عقيدة هذا الإمام التي رجع إليها وذكرها في إبانته، أذكرها بفصها ونصها ليظهر كل منصف قرأها بفهم أن أبا الحسن الأشعري تاب من التعطيل والتأويل كما أنه ليس بممثل بل هو مثبت ومعتقد كل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه أو أخبر به عنه نبيه عليه الصلاة والسلام من غير تعطيل ولا تأويل ولا تمثيل.
فأقول قال أبو الحسن الأشعري في إبانته ( باب في إبانة قول أهل الحق والسنة ):
فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون.(7/15)
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم مفخم.
وجملة قولنا أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله وما رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئاً.
وأن الله عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.
وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ}.
وأن له يدين بلا كيف كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} وكما قال :{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}.
وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}.
وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً.
وأن لله علماً كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وكما قال :{ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}.
ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج.
ونثبت أن لله قوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ونقول أن كلام الله غير مخلوق وأنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له كن كما قال :{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.(7/16)
وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلا ما شاء الله.
وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله ولا يستغني عن الله ولا يقدر على الخروج عن علم الله عز وجل، وأنه لا خالق إلا الله، وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدرة كما قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يُخلقون كما قال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} وكما قال :{لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وكما قال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُق} وكما قال : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهذا في كتاب الله كثير، وأن الله وفق المؤمنين لطاعته ولطف بهم ونظر لهم وأصلحهم وهداهم وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم بالآيات، كزعم أهل الزيغ والطغيان ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم وطبع على قلوبهم.
وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وإنا نؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا.
وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا بالله كما قال عز وجل.
ونلجأ في أمورنا إلى الله ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه.
ونقول إن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر.
وندين بأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونقول: إن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال عز وجل :{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.(7/17)
وأن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية في الدنيا، وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكا فأعلم بذلك موسى أنه لا يراه في الدنيا.
وندين بأن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمور كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون.
ونقول إن كل من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمهما كان كافراً.
ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيماناً.
وندين الله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل.
وأنه عز وجل يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والممسكين بالإيمان جنة ولا ناراً إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول إن الله عز وجل يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما جاءت به الروايات عن الرسول صلوات الله عليه وسلم.
ونؤمن بعذاب القبر، وبالحوض.
وأن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين.
وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقاة عدل عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه عليه السلام ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين.
ونقول إن الإمام الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضوان الله عليه.
وإن الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون بالإمامة كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسموه جميعهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(7/18)
ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه وإن الذين قاتلوه، قاتلوه ظلماً وعدواناً.
ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة .
ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونكف عمّا شجر بينهم.
وندين الله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول هل من سائل، هل من مستغفر، وبسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل،ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به، ولا نقول على الله ما لا نعلم.
ونقول إن الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال :{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}.
وإن الله عز وجل يقرب من عباده كيف شاء كما قال :{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وكما قال :{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.
ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وغيره. كما روي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج.
وإن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لمن أنكر ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة.
وندين بإنكار الخروج بالسيف وترك القتال في الفتنة ونقر بخروج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بعذاب القبر ونكير ومنكر ومسائلتهما المدفونين بقبورهم. ونصدق بحديث المعراج.
ونصحح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيراً.(7/19)
ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم: ونؤمن أن الله ينفعهم بذلك، ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحراً، وأن السحر كائن موجود في الدنيا.
وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم.
ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان، وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل، وأن الأرزاق من قبل الله يرزقها عباده حلالاً وحراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويسلكه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية كما قال الله عز وجل : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وكما قال : {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} .
ونقول: "إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله عز وجل بآيات يظهرها عليهم. وقولنا في أطفال المشركين أن الله يؤجج لهم في الآخرة ناراً ثم يقول لهم اقتحموها كما جاءت بذلك الرواية. وندين الله عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون وما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعته ومجانبة أهل الهوى"انتهى بحروفه.
هذا مجمل عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي استقر أمره عليها بعد أن أقام على مذهب الاعتزال أربعين عاماً. ذكره في أول كتابه الإبانة وفصله باباً باباً فراجعها إن شئت تجد ما يشفي ويكفي.
فتأمل أيها الأخ المنصف هذه العقيدة ما أوضحها وأبينها واعترف بفضل هذا الإمام العالم الذي شرحها وبينها وانظر سهولة لفظها فما أفصحه وأحسنه. وكن ممن قال الله فيهم : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وتبين فضل أبي الحسن الأشعري واعرف إنصافه واسمع وصفه للإمام أحمد بن حنبل بالفضل والعلم لتعلم أنهما كانا في الاعتقاد متفقين وفي أصول الدين ومذهب السنة غير مفترقين.(7/20)
ولعمري أن هذه العقيدة ينبغي لكل مسلم أن يعتقدها ولا يخرج عن شيء منها إلا من في قلبه غش ونكد.
نسأل الله تعالى الثبات عليها ونستودعها عند من لا تضيع عنده وديعة. والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد معلم الخيرات وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تجزى فيه الحسنات.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] وأحد تلامذة أحمد بن حنبل وعنه أخذ تحرير مقالة أهل الحديث والسلف كما في التذكرة للذهبي ج2 ص709.
[2] وفي هذا الطور سلك طريقة ابن كلاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب البصري المتوفى سنة 240ه راجع كتاب العقل والنقل لابن تيمية ج2 ص5 طبعة حامد فقي رحمه الله.
[3] المجلد عندهم يطلق على الجزء المستقل وعلى كراس كبر أو صغر.
[4] وقد عقد في المقالات فصلا بعنوان: (حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة ) قال في آخره: "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب". فراجعه إن شئت ج1 ص320.
[5] وهي محفوظة لدى الأخ إسماعيل الأنصاري طبعت في مصر قريباً.
[6] المتوفى سنة 605ه.
[7] راجع ص23 من النظامية مطبعة سنة 1948 المعروفة بمطبعة الأنوار بالقاهرة تجد ما ذكره ابن القيم من رجوع الجويني إلى عقيدة السلف.(7/21)
أين القمر؟
للشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس بكلية الشريعة
[ مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 6 ]
أقوال السلف تومئ إلى أن القمر وغيره من الكواكب في فلك دون السماء
الحمد لله وكفى، وصلى الله على المصطفى، وبعد:
فعلى إثر الحادثة التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية وبلغت أخبارها أنحاء العالم وهي ما أشيع عن وصول الإنسان إلى سطح القمر، تساءل كثير من الناس عن القمر هل هو مغروز في السماء المبنية أو هو دون السماء؟
وانقسم الناس في ذلك إلى مصدق بهذا النبأ تصديقا كاملا وإلى مكذب به وربما تجاوز في ذلك إلى تفسيق القائلين بالصعود أو تكفيرهم بينما وقف فريق ثالث من أخبار هذه الحادثة موقف التثبت والإستبانة حيث أنه لا يمكنه إعطاء معلومات يقينية على الرحلة إلى القمر ولم يظهر لهم مقتضى النصوص الشرعية في ذلك لوجود ظواهر ألفاظ آيات يحسبونها تقتضي استحالة النزول على القمر ولوجد ما ذكر توقف هؤلاء عن التصديق والتكذيب.(8/1)
هذا وقد قام فضيلة نائب رئيس الجامعة الإسلامية في هذا المجال بجهد مشكور أبان فضيلته أنه لا يعلم نصا صريحا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يمنع من وصول الإنسان إلى القمر، وما أحب أن أضيف زيادة إلى ما ذكره فضيلته فقد وفى البحث حقه، غير أني سبق أن جمعت في هذا الموضوع بعض النقول عن أئمة الإسلام وعلماء التفسير بمعالجة الموضوع من زاوية غير التي تناولها بالبحث والتحقيق فضيلته، وذلك أن بحثي في خصوص ما قرره علماء التفسير على بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالأفلاك مما يبين أن القمر والشمس وغيرهما من الكواكب كل يسبحون دون السماء المبنية، وقد تناوله علماء الإسلام بالبحث فأبدوا فيه وأعادوا مما يدل على اطلاعهم وعمق تفكيرهم، وبعد نظرهم، وأنهم حينما يدرسون النصوص القرآنية يدرسونها ككل، ويحاولون التوفيق بين نصوصها، وأنهم بذلك قد خلفوا لنا ثروة فكرية وعلمية لا يمكن تقديرها، وأن التقصير والإهمال وعدم متابعة البحث كان ممن جاء بعدهم، وهذا هو ما دفعني إلى نشر هذه النقول ليشاركني في العلم بها إخواني من القراء الذين يعتزون بتراثهم الإسلامي؛ فأقول مستعينا بالله فإنه خير مستعان به:
إن الآيات التي تعرضت للقمر وغيره من الكواكب كثيرة أذكر منها خمس آيات وأقرنها بما روي عن السلف في تفسيرها مع ملاحظة أن مثل هذا التفسير ليس للرأي فيه مجال.
فالآية الأولى - من سورة الأنبياء قال تعالى -: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .(8/2)
ذكر ابن جرير في تفسيره الجليل بسنده إلى ابن زيد أنه قال - في قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } -: "أي الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر"، وقرأ ابن زيد قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً}، وقال تلك البروج بين السماء والأرض وليست في الأرض {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال ابن زيد فيما بين السماء والأرض النجوم والشمس والقمر".
وقال القرطبي (ج 15- ص33) قال الحسن البصري: "الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة ولو كانت ملصقة ما جرت".
قال القرطبي أيضا: "والأصح أن السيارة تجري في الفلك وهي سبعة أفلاك دون السماوات المطبقة التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت فالقمر في الفلك الأولى ثم عطارد ثم الزهرة ثم الشمس ثم المريخ ثم المشتري ثم زحل والثامن فلك البروج والتاسع الفلك الأعظم "(ج11ـ ص 286).
وقال البغوي في تفسيره المعروف عند الآية المتقدمة الذكر آنفا {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: "وقال آخرون - يعني من علماء التفسير - الفلك موج مكفوف دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم".
وقال السيوطي في الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور: "أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو الشيخ عن حسان بن عطية في قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال: "الشمس والقمر والنجوم مسخرة في فلك بين السماء والأرض".(8/3)
وأما آية سورة يس: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فقد ذكر ابن كثير في تفسيره المشهور أن عبد الرحمن بن زيد ين أسلم قال: "فيها يسبحون في فلك بين السماء والأرض"، وقال ابن كثير - بعد ذكره هذا الأثر - "ورواه بن أبي حاتم وهو غريب جدا بل منكر"، قلت: وليس بغريب ولا منكر لأنّ هذا الأثر روي عن عبد الرحمن بن زيد كما ذكره ابن كثير، وروي أيضا عن حسان بن عطية كما مرّ عند ابن أبي حاتم فانتفت الغرابة والنكرة، وأضف إلى هذا أن ابن جرير أسند هذا التفسير عن ابن زيد حيث قال: حدثني يونس قال أخبرني ابن وهب قال: قال زيد فذكره.
وأما آية سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} الآية، فقد تقدم قريبا عند آية سورة الأنبياء أن ابن زهير قرأها وقال: "تلك البروج بين السماء والأرض وليس في الأرض".
وأما آية سورة نوح: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً, وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} الآية…فقد قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف للزمخشري: أخرج ابن مردويه في تفسيره من رواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنّه قال: "إنّ الشمس والقمر ووجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض"، قلت: أخرجه الحاكم في مستدركه قال: أخبرنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الحسين بن الفضل حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن يونس عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنه: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}، قال ابن عباس: "وجهه إلى العرش وقفاه إلى الأرض"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ورمز له الذهبي في تلخيصه (م) يعني أنّه على شرط مسلم.(8/4)
وقال السيوطي في الدر عند هذه الآية: أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} قال ابن عباس رضي الله عنه: "وجهه يضيء السماوات وظهره يضيء الأرض".
وقال السيوطي أيضا: "أخرج عبد بن حميد عن شهر بن حوشب أنّه قال: اجتمع عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار وكان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال عبد الله بن عمرو لكعب الأحبار: "سلني عما شئت ولا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك بتصديق قولي من القرآن"، فقال له كعب الأحبار: "أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السماوات السبع كما هو في الأرض؟", قال: "نعم, قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً, وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} الآية.
وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق وعبد حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة واللفظ لابن جرير قال: حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: "إنّ الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً}".
وقال ابن جرير أيضا: حدثني محمد بن بشار قال ثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة في قوله عز وجل: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} الآية، قال قتادة: ذكر لنا أن عبد الله ابن عمرو بن العاص كان يقول: "إن ضوء الشمس والقمر في السماء اقرؤا إن شئتم: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} الآية".
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: عبد الله بن عمر في الآية المذكورة: "إن الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض".(8/5)
وروى ابن جرير من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا التفسير كما مرّ - وهي أعني الواسطة - شهر بن حوشب فانتفى التدليس عن رواية قتادة فصار الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص متصل السند ولم يبق فيه إلاّ شهر بن حوشب، قال صاحب الخلاصة: "وثقه يحي بن معين والإمام أحمد"وقال يعقوب بن سفيان: "شهر وإن قال عنه ابن عون تركوه فهو ثقة"، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق كثير الإرسال والأوهام"، قلت: قال الذهبي :"قد ذهب إلى الاحتجاج به جماعة"، قال حرب الكرماني عن أحمد: "ما أحسن حديثه ووثقه"، قال أبو عيسى الترمذي: "قال محمد - وهو الإمام البخاري - شهر حسن الحديث وقوى أمره"، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: "ثقة شامي"وروى عباس الدوري عن ابن معين: "ثبت".
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبوالشيخ صاحب كتاب العظمة كما في الدر المنثور عن عطاء في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} قال عطاء: "إن القمر يضيء لأهل السماوات كما يضيء لأهل الأرض".
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن الحسن البصري في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} قال: "وجوههما في السماء وظهورهما إليكم"، ويعني بقوله في السماء أي في العلو فالسماء تطلق على معاني كثيرة منها السحاب كقوله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} يعني من السحاب، ومنها مجرد العلو، كقوله تعالى: {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} أي في العلو، ومنها السقف كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء} الآية، أي إلى سقف البيت، ومنها المطر كقول الشاعر: ...
إذا نزل السماء بأرض قوم .... رعيناه وإن كانوا غضابا(8/6)
يعني إذا نزل المطر، وسمي المطر بالسماء لأنّه يأتي من علو، ومنها السماء المبنية كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} .
وأخرج ابن المنذر كما في الدر المنثور عن عكرمة في قوله تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} قال عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما: "يضيء نور القمر فيهن كلهن كما لو كان سبع زجاجات أسفل منها شهاب أضاءت كلهن فكذلك نور القمر في السماوات كلهن لصفائهن".
وأما آية سورة يونس: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} ، فقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أنّه قال: "وجوههما إلى السماء وأقفيتهما إلى الأرض".
قال القرطبي في تفسيره: "إن وجه القمر إلى السماء وإذا كان كذلك فنوره في السماوات"، وقال: "معنى (نورا) أي لأهل الأرض ولأهل السماء"، وقال أيضا (ج11ص28): "قال ابن زيد الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر وهي بين السماء والأرض"، وقال القشيري: "إن الشمس وجهها في السماوات وقفاها في الأرض".
قال الآلوسي في روح المعاني (ج17ص37) عند آية سورة الأنبياء التي تقدمت في أول البحث قال: "قال أكثر المفسرين: الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر"، وكذلك قال أبو حيان في البحر المحيط (ج6ص310).
وقال النسفي في تفسيره (ج3ص78) عند آية سورة الأنبياء ما نصه: "والجمهور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر".
فهؤلاء ثلاثة من أئمة الصحابة في مقدمتهم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم تومئ النقول المسند عنهم في تفسير الآيات المتقدمة إلى أنّ القمر والشمس وسائر الكواكب دون السماء المبنية في فلك يسبحون وليس مغروزة في السماء المبنية بل الذي في داخلها نورها لا جرمها.(8/7)
كما أن سبعة من أئمة التابعين وتابعيهم: الحسن البصري، وأبو العالية والرياحي وعكرمة وقتادة وعطاء وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحسان بن عطية ـ تصرح تفاسيرهم للآيات السابقة بأنّ جميع الكواكب بما فيها القمر والشمس كل في فلك دون السماء المبنية يجرون، وقد نقل عنهم هذه الروايات بأسانيدها العلماء من أئمة التفسير منهم: أبو جعفر بن جرير في تفسيره، وأبو القاسم البغوي، وابن كثير الدمشقي، والقرطبي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والسيوطي في الدر، وأبو حيان في البحر المحيط والنسفي والآلوسي وغيرهم ممن يطول البحث بذكرهم.
هذا وفي قول عكرمة وعطاء في قوله عز وجل: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} في قولهما: "يضيء نور القمر فيهن كلهن"، دليل صريح على أنّ (فيهن) متعلق بقوله عز وجل (نورا) لا بـ (جعل) كما ظنه بعض المعاصرين، على أن تقديم المجرور على عامله في اللغة العربية وفي القرآن الكريم والسنة النبوية، من أمثلته قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} حيث تقدمت (فيها) على عاملها (خالدون) والتقدير والله أعلم بأسرار كتابه: هم خالدون فيها، هكذا (وجعل القمر فيهن نورا) أي وجعل القمر نورا فيهن، ولو استقصينا ما قيل في هذا الموضوع لطال بنا الكلام، ولكن نكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية.
وننتقل إلى إمكان الصعود على القمر وغيره من الكواكب فنقول: هذه المسالة قد وفاها حقها من البحث فضيلة نائب رئيس الجامعة الإسلامية وبيّنها بيانا شافيا كافيا، إلاّ أنّه لا نصدق كل من ادعى الوصول إلى القمر حتى يثبت ذلك بخبر ثقات عدول، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية.
هذا كل ما أستطيع أن أدلي به في مثل هذه الحادثة الغريبة في بابها وأقول كما قال الناظم: ...
وإذا لم تر الهلال فسلم ... لأناس رأوه بالأبصار
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(8/8)
لَعَمري
بقلم: فضيلة الشيخ حماد محمد الأنصاري
المدرس بالجامعة الإسلامية
[ مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 26 ]
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فلقد جرى بيني وبين بعض الإخوان بحث مهم حول زعم النحويين إن كلمة "لعمري"نص في اليمين كما قال ابن مالك في ألفيته:
وفي نص يمين "ذا استقر" ... وبعد لولا غالباً حذف الخبر
وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالاً عميقاً لأنها لا تتلاءم مع نهي الشارع عن الحلف بغير الله على القول بأنها يمين شرعاً، لما ثبت في حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند الشيخين.
قال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة قال: قال عمر: "حدثت قوماً حديثاً فقلت لا وأبي. فقال رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم". قال الحافظ وهذا مرسل يتقوى بشواهده. وعند الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر: "أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". قال الترمذي حسن وصححه الحاكم. وقال النووي: "قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر".
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال: "قال عبد الله لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر: "لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً". اهـ ج8 ص469. من المنصف91.(9/1)
قال الهيثمي: "ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح". ج4 ص177.
وقال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده وقال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها وجزم غيره بالتفصيل فقال فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك كافراً وعلى هذا يتنزل حديث الترمذي المذكور.
وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه. قال الماوردي لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله - انتهى.
وهذا هو سبب الاستشكال المذكور آنفاً حول كلمة "لعمري" وفي ضمن البحث قلت إن لفظ "لعمري"ليس يميناً شرعياً بل هو يمين لغوية لخلوه من حروف القسم المعروفة المحصورة في الواو والباء والتاء ولعدم الكفارة على من أقسم بها. هذا مع ثبوت الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بها وصح عن بعض أصحابه رضي الله عنهم التفوه بها منهم ابن عباس وعثمان ابن أبي العاص وعائشة أم المؤمنين وأسماء بنت أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وغيرهم رضي الله عنهم وكذلك صح عن التابعين لهم بإحسان استعمالها منهم عطاء وقتادة وغيرهما كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى. ولم يثبت عن أحد حسب الاستقراء مخالفتهم إلا ما حكي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي.(9/2)
قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره "لعمرك"ولا يرى بـ"لعمري بأسا"قال معمر وكان الحسن يقول لا بأس بـ"وأيم الله"، ويقول قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيم الذي نفسي بيده". انتهى ج8 ص469- 471. وهما محجوجان بالنصوص الواردة في جواز التكلم بها إن لم نحمل قولهما على عدم بلوغ النصوص إليهما وهذا هو الأظهر المظنون بمثلهما أو على أنهما منعا ذلك سداً للذريعة. وأما قياس إبراهيم النخعي هذه الكلمة "لعمري"على قول الإنسان "وحياتي" فقياس مع فارق وهو باطل كما هو معروف في فن الأصول لأن الأخيرة معها واحد من حروف القسم التي أجمع على أنها صريحة في اليمين بخلاف تلك أي "لعمري" فإن اللام فيه ليست من أدوات القسم لما تقدم. بل مثل هذه اللفظة تعتبر جرياً على رسم اللغة تذكر لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البر به وليس الغرض فيه اليمين الشرعي فصورة القسم على هذا الوجه المذكور لا بأس به ولهذا شاع بين المسلمين استعمالها. وقد قال النووي في شرحه على حديث مسلم والدارمي وأبي داود أعني حديث إسماعيل بن جعفر قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه حدثني يحيى بن جعفر قال مسلم النييسابوري القشيري في صحيحه حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد جميعاً عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه واسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ونافع هذا عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمى أنس بن مالك عن طلحة بن عبيد الله: أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان. فقال: هل عليّ غيره؟ قال: لا إلا أن(9/3)
تطوع. وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه أو دخل الجنة وأبيه إن صدق" وقال الحافظ محيى الدين النووي في شرحه: "هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه" ليس حلفاً إنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى فهذا هو الجواب المرضي وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم".
وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام النووي هذا وزاد: "ولأبي داود مثل رواية مسلم لكن بحذف (أو) في قوله: "أفلح وأبيه إن صدق ودخل الجنة وأبيه إن صدق". ثم قال: "إن هذه كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرت على لسانهم ( عقري وحلقي) وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب. وكأنه قال ورب أبيه وقيل هو خاص به صلى الله عليه وسلم ويحتاج هذا القول إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف، وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال أنه يجزم الثقة بالرواية الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ "وأبيه" لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه".(9/4)
قال البيهقي: "وأما الذي روينا في كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفلح وأبيه إن صدق". فيحتمل أن يكون هذا القول منه صلى الله عليه وسلم قبل النهي ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفو عنه. ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا كان منه على وجه التوقير والتعظيم لحقه دون ما كان بخلافه ولم يكن ذلك منه على وجه التعظيم بل كان على وجه التوكيد.
ويحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا ورب أبيه وغيره لا يضمر بل يذهب فيه مذهب التعظيم لأبيه". قال السهيلي في روض الأنف ج6 ص548 غزوة خيبر حول شرح "فاغفر فداء لك ما أبقينا" بعنوان "استعمال الكلمة في غير موضعها"قال في ذلك: "فرب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل في غير ما وضعت له أولا كما جاءوا بلفظ القسم في غير موضع القسم إذا أرادوا تعجباً واستعظاماً لأمر كقوله عليه الصلاة و السلام في حديث الأعرابي من رواية إسماعيل بن جعفر: "أفلح وأبيه إن صدق" ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله تبارك وتعالى لا سيما برجل مات عليه الكفر وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه مستعظم ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظ على هذا الوجه قال الشاعر:
فلا وأبي أعدائها لا أخونها ... فإن تك ليلى استودعتني أمانة(9/5)
لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها ولكنه ضرب من التعجب وقد ذهب أكثر شراح الحديث إلى النسخ في قوله: "أفلح وأبيه" قالوا نسخه قوله: "لا تحلفوا بآبائكم" وهذا قول لا يصح لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف قبل النسخ بغير الله ويقسم بقوم كفار وما أبعد هذا من شيمته صلى الله عليه وسلم تالله ما فعل هذا قط ولا كان له بخلق، وقال قوم رواية إسماعيل بن جعفر مصفحة وإنما هو "أفلح والله إن صدق"وهذا أيضاً منكر من القول واعتراض على الاثبات العدول فيما حفظوا. وقد خرج مسلم في كتاب الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام لرجل سأله أي الصدقة أفضل فقال: "وأبيك لأنبئنك أو قال لأخبرنك "وذكر الحديث. وخرج في كتاب البر والصلة قوله لرجل سأله: "من أحق الناس بأن أبره؟ أو قال: "أصله فقال وأبيك لأنبئك صل أمك" الحديث.
فقال: "في هذه الأحاديث كما ترى "وأبيك" فلم يأت إسماعيل بن جعفر إذا في روايته بشيء إمر ولا بقول بدع. وقد حمل عليه في روايته رجل من علماء بلادنا وعظماء محدثيها يعني الحافظ بن عبد البر وغفل عفا الله عنه عن الحديثين اللذين تقدم ذكرهما وقد خرجهما مسلم بن الحجاج وفي تراجم أبي داود في كتاب الإيمان في مصنفه ما يدل على أنه كان يذهب إلى قول من قال بالنسخ وأن القسم بالآباء كان جائزاً. والذي ذكرناه ليس في باب الحلف بالآباء كما قدمنا ولا قال في الحديث وأبي، وإنما قال وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب أو الغائب وبهذا الشرط يخرج عن معنى الحلف إلى معنى التعجب الذي ذكرناه هكذا في الروض الآنف ج6 ص548 في غزوة خيبر الطبعة الأخيرة.
وقال الحافظ: "وأقوى الأجوبة الأولان وهما أن هذا كان قبل النهي أو أنها كلمة جارية على اللسان كما تقدم في كلام النووي. وكونه منسوخاً أصح لحديث عمر وابنه".(9/6)
فصل في ذكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً وموقوفاً ومقطوعاً.
فهاك أيها القارئ الطالب للحق بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً اسرده لك بعدما مهدت به على هذه المسألة ولقد فتشت وسألت عمن ألف في خصوصيتها فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا.
فأقول وبالله التوفيق (الأحاديث المرفوعة) في المسألة قولاً وتقريراً من الشارع صلى الله عليه وسلم قال أبو داود سليمان بن الأشعث في سننه حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه بن صحار التميمي أنه مر بقوم فأتوه فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال فأعطوه شيئاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق" وقال أبو داود أيضا في سننه حدثنا عبد الله بن مسلمة عبد مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: "نزلت وأنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئاً نأكله فجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أجد ما أعطيك"فتولى الرجل وهو مغضب وهو يقول: "لعمري إنك لتعطي من شئت"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغضب عليّ أن لا أجد ما أعطيه. من سأل منكم وله أوقية أو عد لها فقد سأل إلحافا". قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية والأوقية أربعون درهماً قال فرجعت ولم أسأله فقدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل"، قال أبو داود هكذا روى الثوري كما قال مالك . انتهى.(9/7)
"فصل"في الآثار عن الصحابة
وقد تقدم أن سبعة من الصحابة نطقوا بهذه الكلمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي روى حديث النهي عن الحلف بغير الله فقد ثبت عنه في كتابه إلى أبي عبيدة بن الجراح أنه قال:
"أما بعد فقد قدم عليّ أخو ثمالة بكتابك يخبرني فيه بنفر الروم إلى المسلمين براً وبحراً وبما جاشوا عليكم من أساقفتهم وقسيسهم ورهبانهم وإن ربنا المحمود عندنا والصانع لنا والعظيم ذا المن والنعمة الدائمة علينا قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأعزه بالنصرة ونصره بالرعب على عدوه وقال وهو لا يخلف الميعاد {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فلا تهولنك كثرة ما جاءك منهم فإن الله منهم بريء من برئ الله منه كان قمنا أن لا تنفعه كثرة وإن يكله الله إلى نفسه ويخذله ولا توحشنك قلة المسلمين في المشركين فإن الله معك وليس قليلاً من كان الله معه فأقم بمكانك الذي أنت فيه حتى تلقى عدوك وتناجزهم وتستظهر بالله عليهم وكفى به ظهيراً وولياً ونصيراً. وقد فهمت مقالتك احتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا ودينهم إن هم تفرقوا فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلا أن يمدهم الله بملائكته ويأتيهم بغياث من قبله.(9/8)
وأيم الله لولا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت ولعمري إن أقام لهم المسلمون وصبروا فأصيبوا لما عند الله خير الأبرار ولقد قال الله عز وجل {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} فطوبى للشهداء وإن لمن عقل عن الله ممن معك من المسلمين لأسوة بالمصرعين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطنه فما عجز الذين قاتلوا في سبيل الله ولا هابوا الموت في جنب الله ولا وهن الذين بقوا من بعده ولا استكانوا لمصيبتهم ولكنهم تأسوا بها وجاهدوا في الله من خالفهم منهم وفارق دوينهم ولقد أثنى الله على قوم بصبرهم فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة واقرأ كتابي هذا على الناس ومرهم فليقاتلوا في سبيل الله وليصيروا كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. فأما قولك أنهم قد جاءهم ما لا قبل لهم به فإن لا يكن لكم بهم قبل فإن لله بهم قبلا ولم يزل ربنا عليهم مقتدرا ولو كنا والله إنما نقاتل الناس بحولنا وقوتنا وكثرتنا لهيهات ما قد أبادونا وأهلكونا ولكن نتوكل على الله ربنا ونبرأ إليه من الحول والقوة ونسأله النصرة والرحمة وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال فأخلصوا لله نيتكم وارفعوا إليه رغبتكم واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم فتفلحون".(9/9)
قال أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة ذكرها صاحب فتوح الشام ص 162.
قلت: قال أبو عبد الله الواقدي مؤلف فتوج الشام والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة ما اعتمدت في أخبار هذه الفتوح إلا الصدق وما نقلت أحاديثها إلا عن الثقات.
قال الخطيب البغدادي في كتابه الموضح: "أخبرنا السكري أخبرنا جعفر الواسطي أخبرنا ابن المتوكل أخبرنا المدائني قال: قال عبد الله بن فائد وغسان ابن عبد الحميد عن جعفر بن عبد الله بن مسور بن مخرمة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لمتمم بن نويرة أنشدني مرثيتك أخاك مالكاً فأنشده:
ولا جزعاً مني وإن كنت موجعا ... لعمري وما عمري بتابين هالك
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي فإذا أنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت فجلست إلى الأرض فمر سعد رضي الله عنه وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوّف على أطراف سعد قالت وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس وأطولهم فمر وهو يرتجز ويقول:
ما أحسن الموت إذا حان الأجل ... ليث قليلاً يشهد الهيجا حمل
قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وإذا فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيهم رجل عليه تسبغة له تعني المغفر فقال عمر رضي الله عنه ما جاء بك"لعمري"والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تخور قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت في ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التخور أو الفرار إلا إلى الله" الحديث ذكره ابن كثير بطوله جـ3 ص479.(9/10)
ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما فقد جاء عن جويرية بنت أسماء عن نافع بن شيبة قال: "لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم فأخذ بخطام راحلته فأناخ به ثم ساره طويلاً وانصرف فزجر معاوية الراحلة فقال له ابنه يزيد لا يزال الرجل قد عرض لك فأناخ بك"قال: "دعه لعله يطلبها من غيري فلا يسوغه فيقتله"في كلام طويل إلى أن قال: "وقال ابن عمر للحسين: "لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وإنك بضعة منه ولا تنالها ثم اعتنقه وبكى وودعه فكان ابن عمر يقول غلبنا بخروجه ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن يتحرك". انتهى من سير النبلاء جـ3ص199.
ومنهم ابن عباس قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري من بني قشير قبيلة من العرب معروفة النيسابوري في باب النساء الغازيات جـ12 ص190: "حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن خمس خلال فقال ابن عباس لولا أن أكتم علماً ما كاتبت إليه كتب إليه نجدة [1] أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهم بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى يتقضى يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو؟(9/11)
فكتب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم"فلعمري" إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء منها فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو، وإنا كنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك"وأخرج مسلم عن عروة ابن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال ان ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه أنك لجلف جاف"فلعمري"لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لأن فعلتها لأرجمنك بأحجارك والمراد بالرجل ابن عباس انتهى من مسلم في باب نكاح المتعة جـ1 ص452.
وأما عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقد نطقت بـ"لعمري".
قال محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه في باب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قال قلت: "أكذبوا أم كذّبوا"قالت عائشة: "كذّبوا"قلت: "فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن"قالت: "أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك"فقلت لها: "وظنوا أنهم قد كذبوا"قالت: "معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها"قلت: "فما هذه الآية؟"قالت: "هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأسوا ممن كذبوهم من قومهم فظنت الرسل أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك".(9/12)
وأخرج الحاكم في مستدركه بسنده إلى عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث أن بكيراً حدثه أن أمه حدثته: أنها أرسلت إلى عائشة رضي الله عنها بأخيه مخرمة وكانت تداوي من قرحة تكون بالصبيان فلما داوته عائشة وفرغت منه رأت في رجليه خلخالين جديدين فقالت عائشة أظننتم أن هذين الخلخالين يدفعان عنه شيئاً كتبه الله عليه لو رأيتهما ما تداوى عندي وما مرّ عندي لعمري للخلخالين من فضة أطهر من هذين قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص سمعه ابن وهب منه.
وأما عثمان بن أبي العاص فقد أخرج إسحاق بن راهويه في مصنفه عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: "كانت يمين عثمان بن أبي العاص لعمري" [2] وقال الحافظ بن حجر في الإصابة في أسماء الصحابة: "ذكر المرزباني في معجم الشعراء أن عثمان بن بشر بن دهمان كان قد شد في الجاهلية على عمرو بن معد يكرب فهرب عمرو فقال عثمان:
حواسر يخمشن الوجوه على عمرو ... لعمرك لولا الليل قامت مآتم
وأما أبو عبيدة بن الجراح: فإنه ثبت أنه تكلم بها في كتابه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ولفظه: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح.
سلام عليكم فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد:(9/13)
فإن الروم قد أقبلت فنزلت فحل طائفة منهم مع أهلها وقد سارع إليهم أهل البلد ومن كان على دينهم من العرب وقد أرسلوا إلي أن أخرج من بلادنا التي تنبت الحنطة والشعير والفواكه والأعناب وأنكم لستم لها بأهل والحقوا ببلادكم بلاد الشقاء والبؤس فإن أنتم لم تفعلوا سرنا إليكم بما لا قبل لكم به ثم أعطينا لله عهداً أن لا ننصرف عنكم ومنكم عين تطرف فأرسلت إليهم: أما قولكم أخرجوا من بلادنا فلستم بأهله فلعمري ما كنا لنخرج منها وقد دخلناها وورّثناها الله منكم ونزعناها من أيديكم وإنما البلاد بلاد الله والعباد عباده وهو ملك الملوك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وأما ما ذكرتم من بلادنا وزعمتم أنها بلاد البؤس والشقاء فقد صدقتم قد أبدلنا الله بها بلادكم بلاد العيش الرفيغ أي الواسع والسعر الرخيص والفواكه الكثيرة فلا تحسبونا بتاركيها ولا منصرفين عنها ولكن أقيموا لنا فوالله لا نجشمكم إتياننا ولتأتينكم إن أقمتم لنا فكتبت إليك حين نهضت إليهم متوكلاً على الله راضياً بقضاء الله واثقاً بنصر الله كفانا الله وإياكم والمؤمنين مكيدة كل كائد وحسد كل حاسد ونصر الله أهل دينه نصراً عزيزاً وفتح لهم فتحاً يسيراً وجعل لهم من لدنه سلطاناً نصيراً . انتهى . من جمهرة رسائل العرب وقد عزاها صاحبها إلى فتوح الشام ص109.
وروى البزار بسند فيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو ضعيف جداً وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به عن جابر قال دخل علي بن أبي طالب على فاطمة رضي الله عنها يوم أحد فقال-
فلست برعديد ولا بلئيم أفاطمة هاك السيف غير ذميم
ومرضاة رب بالعباد عليم
"لعمري"لقد أبليت في نصر أحمد(9/14)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت أحسنت القتال فقد أحسنه سهل بن حنيف وابن الصمة وذكر آخر فنسيه علي فقال جبريل صلى الله عليه وسلم يا محمد هذا وأبيك المواساة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل إنه مني فقال جبريل وأنا منكما انتهى من مجمع الزوائد جـ6 ص 122.
وأما أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقد ذكر الحافظ الذهبي في سير النبلاء انها فاهت بهذه الكلمة بما لفظه سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي قال قدمت أسماء من الحبشة فقال لها عمر يا حبشية سبقناكم بالهجرة فقالت "لعمري"لقد صدقت كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء الطرداء أما والله لأذكرنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان.
وكذلك الصحابي الذي جاءه الأسدي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أقره صلى الله عليه وسلم على النطق بها لما تولى وهو مغضب حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أعطيك فقال "لعمري" إنك لتعطي من شئت الحديث تقدم عند أبي داود في باب الأحاديث المرفوعة ومنهم أبو هريرة.
(قال عبد الرزاق) باب الحلف بغير الله وأيم الله "ولعمري"
قال الراوي أخبرها عبد الرزاق قال أخبرها ابن جريج قال سمعت عطاء يقول كان خالد بن العاص وشيبة بن عثمان يقولان إذا أقسما "وأبي" فنهاهما أبو هريرة عن ذلك أن يحلفا بآبائهما قال فغير شيبة فقال"لعمري"وذلك أن إنساناً سأل عطاء عن "لعمري"وعن"لا"ها الله إذا أبهما بأس فقال لا ثم حدث هذا الحديث عن أبي هريرة وأقول ما لم يكن حلف بغير الله فلا بأس فليس"لعمري"بقسم.انتهى منه جـ8 ص469 إلى 471.(9/15)
ورور عبد الرزاق أيضاً عن الثوري عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذا الصلوات المكتوبة حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى"ولعمري"ما أخال أحدكم إلا وقد اتخذ مسجداً في بيته ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه أو معروف نفاقه ولقد رأيت الرجل يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف فما من رجل يتطهر فيحسن الطهور فيخطو خطوة يعمد بها إلى مسجد لله تعالى إلا كتب الله له بها حسنة ورفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى إن كنا لنقارب في الخطا جـ -1 ص 516 [3] .
الأحاديث المقطوعة في المسألة.
وقد ذكرنا في أول التمهيد أن كلمة "لعمري" تكلم بها التابعون منهم عمر بن عبد العزيز فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة وكان عاملاً على البصرة: أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أن قبلك عمالاً قد ظهرت خيانتهم وتسألني أن آذن لك في عذابهم كأنك ترى أن لك جنة من دون الله فإذا جاءك كتابي هذا فإن قامت عليهم بينة فخذهم بذلك وإلا فاحلفهم دبر صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما اختانوا من مال المسلمين شيئاً فإن حلفوا فخل سبيلهم فإنما هو مال المسلمين وليس للشحيح منهم إلا جهد إيمانهم "ولعمري" لأن يلقوا الله بخياناتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم والسلام - انتهى سيرة عمر بن عبد العزيز للإمام مالك ص55.
وذكر ابن كثير أنه لما احتضر عمر بن عبد العزيز سمع غسالاً يغسل الثياب فقال ما هذا فقالوا غسالاً فقال يا ليتني كنت غسالاً أكسب ما أعيش به يوماً بيوم ولم آل الخلافة ثم تمثل فقال:
ودانت في الدنيا بوقع البواتر
لعمري لقد عمرت في الملك برهة(9/16)
ولي سلّمت كل الملوك الجبابر
وأعطيت حمر المال والحكم والنهي
كحلم مضى في المزمنات الغوابر
وأضحى الذي قد كان مما برني
ولم أسع في لذات عيش نواضر
فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة
وقد أنشد هذه الأبيات أيضاً معاوية بن أبي سفيان عند موته وقال عمر بن عبد العزيز لزوجته فاطمة بنت عبد الملك قد علمت حال هذا الجوهر كلها وما صنع فيه أبوك ومن أين أصابه فهل لك أن أجعله في تابوت ثم أطبع عليه وأجعله في أقصى بيت مال المسلمين وأنفق ما دونه فإن خلصت إليه أنفقته وإن مت قبل ذلك "فلعمري"ليردنه إليك قالت له افعل ما شئت ففعل ذلك فمات رحمه الله تعالى ولم يصل إليه فرد ذلك عليها أخوها يريد بن عبد الملك فامتنعت من أخذه وقالت ما كنت لأتركه ثم آخذه فقسمه يزيد بين نسائه ونساء بنيه. انتهى من سيرة عمر بن عبد العزيز برواية مالك بن أنس تأليف أبي محمد عبد الله بن عبد الحكم ص53.
وقال أيضاً كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان والي المدينة أما بعد فقد قرأت كتابك إلى سليمان تذكر فيه أنه كان يقطع لمن كان قبلك من أمراء المدينة من الشمع كذا وكذا يستضيئون به في مخرجهم فابتليت بجوابك فيه "ولعمري"لقد عهدتك يا ابن أم حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح "ولعمري "لأنت يومتئذ خير منك اليوم ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك والسلام- انتهى منه ص55.(9/17)
وقال أيضاً دخل عمر بن عبد العزيز على الوليد بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحة فإذا خلا لك عقلك واجتمع فهمك فسلني عنها قال ما يمنعك منها الآن قال أنت أعلم إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم، فمكث أياماً ثم قال يا غلام من بالباب فقيل له ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز فقال أدخله فدخل عليه فقال نصيحتك يا أبا حفص فقال عمر إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم وإن عمالك يقتلون ويكتبون أن ذنب فلان المقتول كذا وكذا وأنت المسؤول عنه ومأخوذ به فاكتب إليهم أن لا يقتل أحد منهم أحدا حتى يكتب إليك بذنبه ثم يشهد عليه ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك قال بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك عليّ بكتاب فكتب إلى أمراء الأمصار كلهم فلم يخرج من ذلك إلا الحجاج فإنه أمضه وشق عليه وأقلقه وظن أنه لم يكتب إلى أحد غيره، فبحث عن ذلك فقال من أين دهينا أو من أشار على أمير المؤمنين بهذا فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك فقال هيهات إن كان عمر فلا نقض لأمره ثم أن الحجاج أرسل إلى أعرابي حروري جاف من بكر بن وائل ثم قال له الحجاج ما تقول في معاوية فنال منه قال له ما تقول في يزيد فسبه قال فما تقول في عبد الملك فظلّمه قال فما تقول في الوليد فقال اجورهم حين ولاك وهو يعلم عداءك وظلمك قال فسكت عنه الحجاج واقترضها منه ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه أنا أحوط لديني وأرعى لما استرعيتني وأحفظ له من أن أقتل أحداً لم يستوجب ذلك وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم فقال له الوليد ما تقول فيّ قال ظالم جائر جبار قال ما تقول في عبد الملك قال جبار عات قال فما تقول في معاوية قال ظالم قال الوليد لابن الريان اضرب عنقه فضرب عنقه ثم قام فدخل منزله وخرج الناس من عنده فقال يا غلام اردد عليّ عمر فرده عليه فقال يا أبا حفص ما تقول(9/18)
في هذا أصبنا فيه أم أخطأنا فقال عمر ما أصبت بقتله ولغير ذلك أرشد وأصوب كنت تسجنه حتى يراجع الله عز وجل أو تدركه منيته فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري أفتستحل ذلك قال "لعمري" ما أستحله لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه فقام الوليد مغضباً فقال ابن الريان لعمر يغفر الله لك يا أبا حفص لقد راددت أمير المؤمنين حتى ظننت أن يأمرني بضرب عنقك فقال عمر ولو أمرك كنت تفعل قال أي"لعمري"قال عمر أذهب إليك - انتهى ص115.
ومنهم قتادة،قال ابن جرير في تفسيره الجليل حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} قال فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري "لعمري"أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفته الأنبياء قبلك قال نبي الله نوح عليه السلام: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} وقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } .(9/19)
ومنهم عطاء فقد أخرج الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه في باب طواف النساء مع الرجال قال وقال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت بعد الحجاب أو قبل قال إي "لعمري"لقد أدركته بعد الحجاب قلت كيف يخالطن الرجال قال لم يكن يخالطن. وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له أيحق على النساء إذا سمعن الأذان أن يجبن كما هو حق على الرجال قال لا "لعمري" جـ3 ص 147.
فصل في أقوال أئمة التفسير واللغة في "لعمرك"
قال الإمام أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الفقيه الحنفي الخوارزمي المولود سنة 538 المتوفى سنة 616 في كتابه المغرب في ترتيب المعرب العمر بالضم والفتح البقاء إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه إلا الفتح ويقال لعمرك ولعمر الله لأفعلن كذا وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف.
وقال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير في النهاية في غريب الحديث وفي الحديث أنه اشترى من أعرابي حمل خبط فلما وجب البيع قال له اختر فقال له الأعرابي عمرك الله بيّعا أي أسأل الله تعميرك وأن يطيل عمرك والعمر بالفتح العمر ولا يقال في القسم إلا بالفتح وبيعا منصوب على التمييز أي عمرك الله من بيّع ومنه حديث لعمر الهك هو قسم ببقاء الله ودوامه وهو رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره لعمر الله قسمي أو ما أقسم به واللام للتوكيد فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر، فقلت عمر الله وعمرك الله أي بإقرارك لله وتعميرك له بالبقاء.(9/20)
قال القرطبي في تفسيره والعمر بضم العين وفتحها لغتان ومعناهما واحد إلا أنه لا يستعمل في القسم إلا بالفتح لكثرة الاستعمال، وتقول عمرك الله أي أسأل الله تعميرك وكره كثير من العلماء أن يقول الإنسان لعمري لأن معناه وحياتي قال إبراهيم النخعي يكره للرجل أن يقول لعمري لأنه حلف بحياة نفسه وذلك من كلام ضعفة الرجال ونحو هذا قال مالك أن المستضعفين من الرجال والمؤنثين يقسمون بحياتك وعيشك وليس من كلام أهل الذكران وإن كان الله سبحانه أقسم به في قصة لوط عليه السلام فذلك بيان لشرف المنزلة والرفعة لمكانه فلا يحمل عليه سواه ولا يستعمل في غيره وقال ابن حبيب ينبغي أن يصرف"لعمرك"في الكلام لهذه الآية وقال قتادة هو من كلام العرب قال ابن العربي وبه أقول لكن الشرع قد قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه وقال القرطبي القسم بلعمرك ولعمري في أشعار العرب وفصيح كلامهم كثير قال النابغة الذبياني:
لقد نطقت بطلا عليّ الاقارع ... لعمري وما عمري عليّ بهين
أراد بالأقارع بني قريع بن عوف وكانوا قد وشوا به إلى النعمان.
وقال طرفة العبد:
لك الطول المرضى وثنياه باليد ... لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
والطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل قوله وثنياه أي ما ثنى منه ثم قال وقال بعض أهل المعاني لا يجوز هذا لأنه لا يقال لله عمر وإنما هو تعالى أزلي ذكره الزهراوي وقال أبو حيان في البحر المحيط وهذا الكلام يوهم أن العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع وليس كذلك العمر والعمر البقاء.
وقال الجوهري في صحاحه قال ابن الأعرابي احتشمته أغضبته وأنشد:
بطئ النضج محشوم الاكيل ... لعمرك إن قرص أبي خبيب
وقال في صحاحه أيضا:(9/21)
عمر الرجل بالكسر يعمر عمراً وعمراً وعلى غير قياس مصدره التحريك أي عاش زمناً طويلاً ومنه قولهم أطال الله عمرك والعمر وهما وإن كانا مصدرين بمعنى واحد إلا أنه استعمل في القسم أحدهما وهو المفتوح فإذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء قلت لعمر الله واللام لتوكيد الابتداء والخبر محذوف والتقدير لعمر الله قسمي أو ما أقسم به، فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر وقلت عمر الله ما فعلت كذا وعمرك الله ما فعلت ومعنى لعمر الله وعمر الله أحلف ببقاء الله ودوامه وإذا قلت عمرك الله فكأنك قلت بتعميرك الله أي بإقرارك له بالبقاء.
وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
قمرك الله كيف يلتقيان ... أيها المنكح الثريا سهيلاً
أي سألت الله أن يطيل عمرك لأنه لم يرد القسم بذلك.
قال أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم المعروف بابن المنظور الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي في كتابه لسان العرب العمر بالفتح والعمر بالضم والعمر بضم العين والميم الحياة يقال قد طال عمره وعمره لغتان فصيحتان فإذا أقسموا قال في القسم "لعمري ولعمرك"يرفعونه بالابتداء ويضمرون الخبر كأنه قال "لعمرك"قسمي أو يميني أو ما أحلف به.
قال ابن جني ومما يجيزه القياس غير أنه لم يرد به الاستعمال خبر العمر من قولهم لعمرك لأقومنّ فهذا مبتدأ محذوف الخبر وأصله لو أظهر خبره لعمرك ما أقسم به فصار طول الكلام بجواب القسم عوضاً من الخبر.
وقيل العمر هاهنا الدين وأياً كان فإنه لا يستعمل في القسم إلا مفتوحاً وفي التنزيل العزيز {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} لم يقرأ إلا بالفتح.(9/22)
وقال أبو حيان قال أبو الهيثم النحوي"لعمرك" لدينك الذي تعمر وقال ابن الأعرابي عمرت ربي أي عبدته وفلان عامر لربه أي عابد قال ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده فعلى هذا لعمرك لعبادتك وقال الزجاج ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمري فلزموا الأخف وقد تقدم من كلام القرطبي أن قتادة قال لعمري ولعمرك من كلام العرب قال ابن العربي وبه أقول لكن الشرع قطعه في الاستعمال ورد القسم إليه وقال ابن منظور روى عن ابن عباس في قوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ} الآية أي لحياتك قال وما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قال أبو الهيثم ويقولون معنى لعمرك لدينك الذي تعمر وأنشد بيت عمر بن أبي ربيعة المتقدم قال عمرك الله عبدتك الله فنصب وأنشد:
وذرينا من قول من يؤذينا ... عمرك الله ساعة حدثينا
فأوقع الفعل على الله عز وجل في قوله "عمرك الله وقال الأخفش في قوله {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ} الآية وعيشك وإنما يريد العمر وقال أهل البصرة اضمر له ما رفعه لعمرك المحلوف به وقال الفراء الإيمان يرفعها جواباتها.
قال الأزهري وتدخل اللام في لعمرك فإذا أدخلتها رفعت بها بالابتداء فقلت لعمرك ولعمر أبيك فإذا قلت لعمر أبيك الخير نصبت الخير وخفضت فمن نصب أراد أن أباك عمر الخير يعمره عمراً وعمارة فنصب الخير بوقوع العمر عليه ومن خفض الخير جعله نعتاً لأبيك وقال المبرد في قوله عمرك الله إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته وإن شئت نصبته بواو حذفته وعمرك الله وإن شئت كان على قولك عمّرتك الله تعميرا وأنشدتك الله نشيداً ثم وضعت عمرك في موضع التعمير وأنشد فيه:
هل كنت جارتنا أيام ذي سلم ... عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا(9/23)
يريد ذكرتك الله وقال الأزهري عمرك الله مثل نشدتك الله قال أبو عبيد سألت الفراء لم أرتفع لعمرك فقال على إضمار قسم ثان كأنه قال وعمرك فلعمرك عظيم وكذلك لحياتك مثله قال والدليل على ذلك قول الله عز وجل {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} الآية.. كأنه أراد والله ليجمعنكم فأضمر القسم، قال المبرد وفي لغة وعملك يريدون لعمرك ومنه قول عمارة بن عقيل الحنظلي:
تعرض لي من طائر لصدوق ... عملك ان الطائر الواقع الذي
وتقول إنك عمري لظريف وقال ابن منظور العرب تقول عمرك الله افعل كذا وإلا فعلت كذا بالنصب وهو من الأسماء الموضوعة في موضع المصادر المنصوبة على إضمار الفعل المتروك إظهاره وأصله من عمّرتك الله تعميرا فحذفت زيادته فجاء على الفعل وأعمرك الله أن تفعل كذا كأنك تحلّفه بالله وتسأله بطول عمرك قال الشاعر:
ألوي عليك لو أن لبك يهتدي ... عمرتك الله الجليل فإنني
قال الكسائي عمرك الله لا أفعل ذاك نصب على معنى عمرتك الله أي سألت الله أن يعمّرك كأنه قال عمرت الله إياك قال ويقال أنه يمين بغير واو وقد يكون عمر الله وهو قبيح وعمر الله يعمر عمراً وعمارة وعمراً وعمر يعمر ويعمر الأخيرة عن سيبويه كلاهما عاش وبقي زمناً طويلاً .
قال لبيد:
لو كان للنفس اللجوج خلود ... وعمرت حرسا قبل مجرى داحس
وأنشد محمد بن سلام كلمة جرير:
لقد حديت تيم حداء عصبصبا ... لئن عمرت تيم زماناً بغرة
ومنه قولهم أطال الله عمرك قال الحافظ بن عبد البر في الاستيعاب قال عمرو بن الأهتم التميمي:
لصالح أخلاق الرجال سروق ... ذريني فإن البخل يا أم هيتم
ولكن أخلاق الرجال تضيق ... لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
وقال الحافظ بن حجر قال هشام بن الكلبي حدثني جعفر بن كلاب أن عمر بن الخطاب ولى علقمة بن علاثة العامري حوران فنزلها إلى أن مات وخرج إليه الحطيئة في جده قد مات وأوصى له بجائزة فرثاه بقصيدة منها:
وبين الغنى إلا ليال قلائل ... فما كان بينني لولقيتك سالماً(9/24)
بحور أن أمسى أدركته الحبائل ... لعمري لنعم المرء من آل جعفر
وأقوال الشعراء في هذه الكلمة كثيرة.
فصل في بيان أقوال أئمة المذاهب في الكلمة المسؤول عن حكمها
أما الإمام مالك ففي المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم وغيره عن مالك رحمه الله قال سحنون قلت أرايت قوله "لعمري "أتكون هذه يميناً قال قال مالك لا تكون يميناً.
قال الحطاب في كتابه مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبي المودة الجندي التركي المالكي ما نصه وقوله"لعمري"أو هو زان أو سارق أو قال والصلاة والصيام والحج أو قال هو يأكل لحم الخنزير والميتة أو يشرب الدم أو الخمر أو يترك الصلاة أو عليه لعنة الله أو غضبه أو أدخله الله النار وكل ما دعى به على نفسه لم يكن بشيء من هذا يميناً.
وأما الإمام امام أهل السنة أحمد بن حنبل الشيباني فقد قال الموفق بن قدامة في المغني قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقد سئل عن الرفع إي "لعمري"ومن يشك في هذا كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه وأمره أن يرفع وقال في موضع آخر في نفس الكتاب وإن قال "لعمري"أو "لعمرك"أو"عمرك"فليس بيمين، في قول أكثرهم وقال الحسن في قوله "لعمري"عليه الكفارة ثم قال والدليل على أنه ليس بيمين أنه أقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذاك لأن هذا اللفظ يكون قسماً بحياة الذي أضيف إليه العمر فإن التقدير لعمرك قسمي أو أقسم به والعمر الحياة والبقاء وقال أبو عبد الله محمد بن مفلح في كتابه الفروع وإن قال "لعمري"أو قطع الله يديه ورجليه أو أدخله الله النار إن فعل كذا فذلك لغو نص عليه الإمام أحمد ولا يلزمه إبرار القسم في الأصح.(9/25)
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مختصر الإنصاف وإن قال لعمري أو لعمرك فليس بيمين في قول الأكثر وقال الحسن في قول"لعمري" كفارة وبمثل هذا أفتى حفيده الشيخ عبد اللطيف في منهاج التأسيس في الرد على ابن جرجيس العراقي حيث قال إن المذهب والأكثر لا يرى أن لعمري أو لعمرك يمين وانتفاء الكفارة لانتفاء اليمين . وأما قول الحسن فمرجوح كما تقدم وقد يكون يوجب الكفارة لمعصية القائل وفجوره مع أن اليمين غير مقصودة بها بل هذا يجري على ألسنتهم من غير قصد كقوله عقري وحلقي وقوله ثكلتك أمك بل هو غير معلوم وغير مفهوم من كلام أهل العلم والإيمان وأئمة هذا الشأن أنه يمين بل صريح كلامهم نفي هذا وأنه ليس بقسم ثم قال وليس الغرض اليمين الشرعية وتشبيه غير الله به وفي التعظيم حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته عز وجل مكروه كما صرح به النووي في شرحه على مسلم بل الظاهر من كلام الحنفية أنه كفر إن كان باعتقاد أنه حلف يجب البر به وحرام إن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء.
3- الأحناف أما المذهب الحنفي فقد قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري وإذا قال "لعمري"فقال الحسن البصري عليه الكفارة إذا حنث فيها وسائر الفقهاء لا يرون فيها كفارة لأنها ليست عندهم يمينا انتهى.(9/26)
خاتمة المطاف
لقد تبين مما تقدم من النصوص الدالة على أن كلمة "لعمري" ليست يميناً شرعية تجب الكفارة به تبين من ذلك أن اليمين الشرعية هي اليمين التي تجب الكفارة على من حلف بها إذا حنث. وأما ما ذكره ابن القيم في كتابه ( التبيان في أقسام القرآن ص 428 من أن أكثر المفسرين من السلف والخلف بل لا يعرف من السلف فيه نزاع أن "لعمرك "في قوله تعلى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} قوله إن هذا قسم من الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته وهذه مزية لا تعرف لغيره ولم يوافق الزمخشري على ذلك فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط عليه الصلاة والسلام "لعمرك"إنهم لفي سكرتهم يعمهون "وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على ما فهمه السلف لا أهل التعطيل والاعتزال . قال ابن عباس رضي الله عنهما والعمر بفتح العين المهملة والعمر بضمها واحد إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف لكثرة دوران الحلف بها على ألسنتهم وأيضاً فإن العمر حياة مخصوصة فهو عمر شريف عظيم أهل أن يقسم به لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم ولا ريب أن عمره وحياته صلى الله عليه وسلم من أعظم النعم والآيات فهو أهل أن يقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات - انتهى.
فهذا الكلام من الإمام ابن القيم يحمل على أنه إنما أراد أن هذه الكلمة قسم لغة وإلا فإن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تمنع وتنهى عن الحلف بغير الله من المخلوقات فإن ذلك من أعظم المحرمات كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة هذا كله في غير قسم الله تعالى بما شاء من مخلوقاته فإنه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وقد تقدم في النصوص التي سردناها عن الأئمة أن هذه الكلمة ليست من الإيمان الشرعية التي تجب الكفارة بها عند الحنث بل هي محمولة على أحد الوجوه المتقدمة.(9/27)
أولاً : حمله على حذف مضاف وقد نقل ذلك عن بعض أهل العلم فيكون التقدير "لواهب عمري"كما في أمثالها مما أقسم فيه بغير الله على قول كقوله تعالى والشمس والليل، والقمر.
وثانياً: أن يكون المراد بها وبأمثالها ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به وليس الغرض اليمين الشرعية وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم بل الظاهر من كلام الأحناف أنها كفر إن كان يعتقد أنه حلف يجب البر به. وحرام إن كان بدون ذلك كما صرح به بعض الفضلاء فعلى هذا فذكر صورة القسم على أحد الوجوه المذكورة لا بأس به ولهذا شاع استعمال هذه الكلمة بين العلماء بإجماعهم. كما تقدمت عليه النصوص.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه هداة الأمم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هو نحدة بن عامر الحروري بن وؤس الخوارج زائغ عن الحق ذكر في الضعفاء الجرجاني وهو ابن عمير اليماني خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية وقدم مكة وله مقالات معروفة واتباع انقرضوا وقد ذكر له الحافظ ترجمة في تهذيب التهذيب قتل بعد ابن عباس بقليل في سنة 70 اللسان للحافظ.
[2] قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كانت يمين عثمان بن أبي العاص"لعمري" انتهى من العلل للإمام أحمد ص406.
[3] أخرجه مسلم وأبو داود ففي مسلم ج1 ص232 وفي أبي داود ج1 ص81.(9/28)
مائة فائدة عن التراث و المخطوطات
من كلام العلامة حمَّاد الأنصاري
ـ رحمه الله ـ
جمع و إعداد
أبو الوليد التلمساني
غفر الله له و لوالديه و للمسلمين
توطئة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلا الله، وحدَه لا شَريك له، و أشهدُ أن محمداً عبده و رسوله.
أرسله بالهدى و دين الحق، ليُظهرَه على الدِّين كله. و كفى بالله شَهِيداً. صلى الله عليه و آله، و سلم تسليما.
أما بعد :
فإن جهود الشيخ حمَّاد بن محمد الأنصاري ـ رحمه الله ـ العلمية، و عنايته الفائقة بتراث السلف الصالح لا تخفى على طلاب العلم، فقد أفنى حياته في جمع الكتب، وخلَّف مكتبةً من أندر و أشمل المكتبات الخاصة تضم بين جدرانها و على رفوفها أكثر من خمسة آلاف عنوان، و الآلاف من المُجلدات، و مثلها من المخطوطات النادرة، و كان الشيخ ذا شغفٍ كبير بتراث السلف الصالح جمعًا و تحقيقًا و نشرًا، و كان قبلةً للمهتمين بالمخطوطات ، لا يبخل بشيء منها، لحبه لطلبة العلم، و نشر تراث السلف، و قد قال فيه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في معرض كلام طويل له : '' مع اعترافي بعلمه و فضله و إفادته للطلبة و بخاصة في الجامعة الإسلامية، جزاه الله خيرًا ''.
و كان رحمه لا يخبل على من يقصده بفائدة تنفعه، و قد جمع كثير منها إبنه الشيخ عبد الأول ـ وفقه الله ـ في ترجمته لوالده سمَّاه بـ '' المجموع في ترجمة العلامة المحدِّث الشيخ حمَّاد الأنصاري رحمه الله تعالى و سيرته و أقواله و رحلاته '' ، و قد جمعت الفوائد المتعلقة بالمخطوطات و التراث ليطلع عليها القراء، و يستفيدوا منها، و الله الموفق.
وكتب : أبو الوليد التلمساني
مدينة تلمسان : 05 شعبان 1425هـ
و الآن أترككم تستمتعون في رحاب هذه الفوائد .(10/1)
1- قال العلاَّمة المُحدِّث حمَّاد بن محمد النصاري ـ رحمه الله ـ : ’’ أعطيتُ الجامعة الإسلامية أربعمائة مخطوط، بعضها بخطي ‘‘ فائدة رقم 46 صفحة 394.
2- ’’ مَن أراد أن يبحث عن المخطوطات فعليه بتركيا و ألمانيا فقط ‘‘ ف48/394.
3- ’’ أنا أهتم جدًا في رحلاتي لجلب المخطوطات بثلاثة فنون من العلم : علم الحديث، علم رجال الحديث، العقيدة السلفية و بالذات المسندة ‘‘ ف100/402.
4- ’’ عملتُ على تحقيق ’’ الأحكام الكبرى ‘‘ لعبد الحق الإشبيلي ثم توقفت‘‘ ف101/402.
5- ’’ كنت إذا أردت اقتناء بعض المخطوطات لم أستطع الحصول عليها أقوم بإعطاء بعض الناس ملاً من اجل أن يصوره لي، و قد فعلت ذلك في الهند ‘‘ ف 107/403.
6- ’’ عند حصولي على مخطوطة ’’ التتبع و الإلزامات ‘‘ للإمام الدارقطني على البخاري و مسلم قال لي رجل مصري من أهل العلم : أنتم تنتقدون هذين الإمامين ؟ قال الشيخ حمَّاد : ’’ ظن أني أنا الذي انتقد البخاري، فقلت له إنَّه الدارقطني، فلم يقتنع، وقال : إن كتابي هذين الإمامين قد جازا القنطرة ‘‘ ف 110/403.
7- ’’ فَهْرَستُ المكتبة السَّعودية سنة 1371 هـ أو 1372 هـ في ثلاثين ألف بطاقة ‘‘. ثم قال : ’’ و كان ابن قاسم يرسل المخطوطات إلي بعد العشاء لأفهرسها، و قد قدم العهد بها فمن ذلك الزمان ‘‘.
8- ’’ كنتُ أقرأ أي خط من خطوط أهل العل، و كنت أقرأ خط شيخ الإسلام ابن تيميَّة و ابن حجر، و هما من الصعب أن أي أحد يقرأ ما يكتبانه لضعف خطهما. و كنت إذا حصلت على مخطوط أقرأه حتى أعرف مضمونه و أفهرسه كذلك بعد قراءته. و أقرأ خط الحافظ الذهبي الرقعة منه و النسخ.
و اما الان فقد ضعف البصر، بل و كلَّ الجسد، و هذا من علامات انتهاء العمر، و الله المستعان‘‘ ف145/408.
9- ’’ لقد قمت بفهرسة كتاب ’’ الوهم و الإيهام ‘‘ في وقت دراسته، و السبب في ذلك توثيقا لنقلٍ نقَلَه منه الحافظ ابن حجر ‘‘ ف 158/410.(10/2)
10- ’’ إن مكتبة الحرم المكي أعرفها تمامًا، أخذت فيها سبع سنوات أنقل ما فيها من المخطوطات و غيرها، و في ذلك الوقت لا يوجد تصوير ‘‘ ف202/418.
11- ’’ إن فتاوى ابن تيميَّة التي جمعها الشيخ ابن قاسم ـ رحمه الله تعالى ـ كنتُ ممن شارك في ترتيبها و ذلك سنة 1375هـ أنا و جماعة، و كتبنا عليها ملاحظات منها : 1- عدم الأصول. 2- كثرة الأخطاء و التصحيفات‘‘ ف337/532.
12- ’’ إن مكتبة محمود سبكتكين لا يوجد نظيرها في القرن الثامن و ما بعده، و كانت في زمن الحفاظ ‘‘ ف441/549.
13- ’’ ينبغي لطالب العلم أن يكون له أصول مخطوطة ، لأن النَّاس اليوم يطبعون من غير تحقيق و يقوم بتحقيق الكتب غير العلماء‘‘ ف28/558.
14- ’’ إن في هذا العصر يلزم كل محقق للكتب إذا مر معه أسماء بعض الكتب في الكتاب الذي يحققه أن يذكر في الحاششية هل هو مطبوع أم مخطوط، و إذا لم يكن مخطوطًا و لا مطبوعًا يشير إلى من تكلَّم عنه أو ذكره من أهل العلم، فإن هذا العمل متيسر في هذا العصر ‘‘ ف119/569.
15- ’’ كتبتُ كلمةً قلتُ فيها : ’’ إن كتب العلم المخطوطة اليوم اشتغل في إخراجها و تحقيقها مَن ليس من أهل العلم ، و أهل العلم تركوا إخراجها إما كسلاً و هذا لا ينبغي و إما أنَّهم لا يستطيعون لانشغالهم ‘‘ ف124/570.
16- ’’ قال عبد الأول عن والده الشيخ حمَّاد ـ : ’’ كثيرًا بعد الفراغ من أي كتاب قام بمقابلته يقول : ’’ إن لم تقابل فارمٍ في المَزَابل ‘‘ . قلت ـ عبد الأول ـ : كان ـ رحمه الله تعالى ـ كثيرًا ما يقابل مع تلامذته أو من يحضر مجلسه من أهل العلم أو مع أحد أبنائه . ف130/570.
17- ’’ ينبغي للمحقق أن يكتب مقدمة في أول الكتاب الذي يحققه يذكر فيها منهجه الذي يسلكه في التحقيق ‘‘ف133/570.
18- ’’ لو شُكِّلت لجنة من العلماء باسم المحافظة على التراث و ذلك من أجل أن يحافظوا على ما يطبع و كيف يطبع ‘‘ ف196/578.(10/3)
19- ’’ ينبغي للناس أن يبحثوا عن كتب شيخ الإسلام و خصوصًا أهل نجد ‘‘ ف240/584.
20- ’’ أحمَد شَاكر أعطاني تحقيقه لكتابه ’’ صحيح ابن حبَّان ‘‘ فقلتُ له : متى ينتهي يا شيخ ؟ ثم قلت له : و كيف تنتهي و أنت يا شيخ تعمل في أكثر من كتاب في آن واحد : تعمل في ’’ المسند و ابن جرير و الترمذي و صحيح ابن حبان ‘‘ و غير ذلك ؟ فقال لي : ’’ أنا أعمل في كتاب ثم أدخل في غيره لأني أريد أن أسْتَرِد النَّشَاط في الدخُول في غيره‘‘ . ثم قال ـ الشيخ حمَّاد ـ و هذا الحوار سنة 1376 هـ ‘‘ ف04/591.
21- ’’ إن أبا تُراب رجلٌ جمَّاع لكل ما وجد من كتب العلم سواء في الحديث أو التاريخ أو غيره، و كنتُ أطالع في مكتبته.
و كان ساكنًا في غرفة صغيرة في الحرم المكي، و عنده مخطوطات، و كنتُ كلَّما احتجتُ إلى شيء من الكتب آتيه و اكتب و أنقل من الكتب التي عنده‘‘ ف20/594.
22- ’’ كتاب السنَّة لبن أبي عاصم المخطوط أرسلتُه للشيخ ناصر الألباني فحققه و طبعه، و لكن لم يخدمه خدمة جيِّدة ‘‘ 69/601.
23- قال عبد الأول : حدثني فضيلة الشيخ ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ قال : إن والدك الشيخ حمَّاد الأنصاري ـ رحمه الله تعالى ـ ناولني مخطوط ’’ المدخل إلى الصحيح ‘‘ للحافظ أبي عبد الله الحاكم ـ رحمه الله تعالى ـ و قال لي : حقِّق هذا الكتاب.
24- ’’ إن الشيخ عبد الله بن حُميد ـ رحمه الله تعالى ـ كان كفيفًا و قد صوَّرت من مكتبته رحمه الله تعالى سنة 1393هـ كتاب ’’ المتفق و المفترق ‘‘ للخطيب البغدادي ’’ المجلد الأول فقط ‘‘ و اشترط عليّ إذا وجدت المجلد الثاني أصوِّره له فبسَّر الله تعالى و وجدت المجلد الثاني بمصر فصوَّرت نسخة منه للشيخ ـ رحمه الله ـ.
و كان الشيخ عبد الله بن حميد كثيرًا ما يسألني عن الجديد في عالم الكتب عندما ألتقي بهـ بمكة المكرمة ـ.(10/4)
و آخر مرة التقيتُ فيها معه قلت له يا شيخ اسمح لي أن أدخل مكتبتك فقال لي : إن المكتبة غير مرتبة فقلت له : لا بأس أَنظر فيها على حالها، فقال لصالح ابنه إذهب مع الشيخ و افتح له المكتبة ففتحها لي فبينما أنا في البحث و النظر في موجوداتها إذ عثرت على كتاب الحافظ الخطيب ’’ المتفق و المفترق ‘‘ فصورته ‘‘ 89/605-606.
25- ’’ إن الشيخ حافظ الحكمي ـ رحمه الله تعالى ـ كَان يُضرب بذكائه المثل ـ و كان يعرف الكتب المطبوع و المخطوط منها معرفة قويَّة ‘‘ 98/607.
26- ’’ إن سنن سعيد بن منصور ـ المخطوط ـ كان طلبة العلم بالرياض يقرأونه على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ و لم أكن وقتها بالرياض و عندما قدمت الرياض للتدريس و العمل سألت الشيخ محمد عن هذا الكتَّاب فقال لي : حقًا كان يُقرأ عليَّ و لكن لا أدري أين هو الآن و لكن اذهب و ابحث عنه في مكتبة الشيخ صالح فذهبت إلى هذه المَكتبة بعد أن أمر الشيخ محمد آل الشيخ بفتها لي فدخلتها فإذا الغبار و الحشرات قد سيطرا عليها ـ و بحثت عن هذا الكتَّاب فلم أعثر عليه و لكن عثرت على كتاب الحافظ الذهبي ـ تهذيب سنن البيهقي ـ نسخة مخطوطة جيِّدة ـ و لأول مرَّة أرَى هذا الكتَّاب ‘‘ 100/608.
27- قال عبد الأول : سمعته يقول لأحد الحاضرين بالمكتبة : ’’ لو دخلت مكتبة عبد العزيز القارئ لَقُلت إنَّها لا تحوي سوى الكتب المؤلفة في تاريخ المدينة النَّبوية من اهتمامه بها و حرصه عليها ‘‘ 101/608.
28- ’’ كنَّا أشرنا على الشيخ ابن قاسم أن يوثق المخطوطات عند نسخها فيذكر مصادرها و لكن ضَعُفَ عن ذلك فنسخها فقط.
و كان الشيخ ابن قاسم سألني عن كتب شيخ الإسلام فجمعت له شيئًا منها من بعض البلاد ‘‘ 103/609.(10/5)
29- ’’ كان الشيخ عبد العزيز بن مرشد لا يرد لي طلبًا و طلبتُ منه مرَّة أن أدخل المكتبة التَّابعة له فأذِنَ لي فدخلتُهَا فعثرت فيها على كتابين المجلد الأول من السنة للمروزي . المجلد الول من كتاب إكمال الإكمال لابن نقطة و قُمتُ بطَبعِ كِتاب السنَّة للمروزي في ذلك الوقت، و كنتُ جَارًا للشيخ بحارة آل حمَّاد، و كنتُ إذا وَجَدتُ فَرَاغًا أدخُاُ مكتبته و أقرأ فيها بإذنه ‘‘ 107/609.
30- ’’ إن صُبحِي السَّامرَّائي العراقي مُحقق بعض كُتب التُراث كان يزورني بالمدينة فلما وقعت حادثة الخليج انقطع‘‘
قال عبد الأول : و قد رأيت بعض كُتبه التي حققها أغلبها كاتب عليها إهداء للوالد ـ رحمه الله تعالى ـ . 114/610-611.
الفائدة رقم 31 : - ’’ إن أبا تراب الظاهري ابن الشيخ عبد الحق الهاشمي كانت مكتبته هي المرجع لما فيها من النوادر، و كان أبو تراب يرحل لجمع المخطوطات و الكتب المطبوعة و الشيخ أبو تراب لولا الأثر الذي أصيب به لكان عالم هذه الدِّيار حيث أنه كان أديبًا و عَالِمًا باللغة العربية و غير ذلك و كنت استفيد منه كثيرًا في حال المُذّاكَرة، و لما تزوج خف عليه مرضه.''124/612.
- '' كنت أسافر من مكة إلى جدة من أجل مكتبة الشيخ محمد نصيف فأمكث فيها من العصر إلى المغرب و ذلك سنة 1367 هـ و 1368 هـ و 1369هـ و هذه المكتبة استفدت منها و كانت لا نظير لها .''125/612.
- '' تُراثُ السَّلف الذي صُوِّر للجامعة الإسلامية أغلبه في عهد الشيخ عبد المحسن العبَّاد عندما كان رئيسًا للجامعة الإسلامية''137/615.
- '' لما كنت في دمشق كنت أزور الألباني في بيته في سفح جبل قاسيون، أسهر عنده بعد العشاء حتى يذهب الليل، و ذلك لأنظر في كتبه و مكتبته لا بأس بها و إن الشام حُرمت من الشيخ ناصر الألباني فهو لا يوجد مثله في الشام، خاصة في تخصصه''190/625.(10/6)
- '' إن الشيخ شيعب الأرنؤوط فني لا علمي'' قال عبد الأول : يعني : تحقيقاته للكتب عمله فيها فني لا علمي .195/626.
- '' إن عبد الله الغماري كانت له مكتبة فيها مراجع قلَّ أن توجد عند غيره و مرَّة رأيت له نقلاً من كتاب لابن دقيق العيد عنوانه ''ما خالف فيه الأئمة النُّصوص '' و بعد أن ينتهي من النقل من هذا الكتاب يقول : '' هذا النَّقل من نُسختي'' و طلبتُ منه هذه النُّسخة فأبى عليَّ جدًا ''202/627.
- '' إن أحمد شاكر عمله في المسند يُضاهي عمل المتقدمين و قد أحسن في عمله هذا'' قال عبد الأول : كان الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ يُثني كَثيرًا على أحمد شَاكِر و عمله في المسند.209/629.
- '' إن ملا خاطر طَلبتُ منه تَصوير كتاب '' الشافي العي '' لانب الأثير فامتنع عن تصويره لي و هذا الرجل من عادته إذا كان عنده مَخطُوط لا يُخبر به أحَدًا ''223/632.
- '' منذ أن عرفت سيد حَبيب و ذلك سنة 1368 هـ ما طلبت منه شَيئًا دنيويًّا '' ثم قال : '' أول معرفتي بسيد حبيب سمعت أن له مكتبة كبيرة، فبحثت عنه حتى وجدت الدليل إليه فذهبت معه، فلما جئت إلى بيته استأذنت فأذن لي بالدخول فكلمته عن مكتبته فسمح لي برؤيتها و أطلعني عليها ثم تركني فيها و ذهب إلى عمله و قال لي إذا انتهيت من المطالعة فأخبرني''231/634.
الفائدة رقم 40 : - '' إن الشاذلي النَّفير لا يُوجد كتاب من كتب المالكية إلاَّ عنده منه نسخة''244/636.
- قال عبد الأول : '' كان ـ رحمه الله تعالى ـ يُكلِّف بعض تلامذته أن ينسخ له بعض المخطوطات و بعض مؤلفاته تارة، فمن ذلك أنه كلَّف ياسر البرزنجي أن ينسخ له كتاب '' ذوي العاهات من المحدثين لابن المِبْرَدِ '' فنسخه ثم أتى به إلى الوالد و قال له الوالد الآن نقابله فقابل معه الوالد بنفسه، و ذلك سنة 1415هـ في شهر ذي القعدة'' 8/676.(10/7)
- '' لو ترك المستعمر التُّراث الذي في مصر لاستغنى طلبة العلم عن كلّ تراث في الدُنيا، لأنَّ الحُفَّاظ الذين كانوا هناك لم يفتهم شيء من الكتب، و الشاهد على ذلك : كتاب الحافظ '' المعجم المفهرس'' فرحمة الله تعالى عليه'' 1/683.
- '' المكتبة السليمانية في تركيا أكبر مكتبة في الدنيا، تحتوي على التّراث الإسلامي''2/683.
- '' الفهارس عَمَل المُسلمين، و هذا هو الحقّ، لا عمل المُستشرقين'' 9/683.
- '' كُتب بغداد ذهب بها التتار فأهلكوها و دمّروا المكاتب الموجودة في بغداد، و هكذا فعلت فرنسا بما عندنا من الكتب في البلاد '' مالي''.'' 12/684.
- ''المكتبة الظاهرية بسوريا أغلبها مجاميع'' قال عبد الأول : المكتبة الظاهرية بالشام مكتبة كلها في المخطوطات أو جلّها . 21/685.
- '' تُكتب الكلمة الأعجمية بالأحمر في بعض المخطوطات ''33/687.
- '' إن الهنود الذين طبعوا كتب الحديث و غيرها كانت قلّة الورق سبب في أن يجمعوا أكثر من كتاب و رسالة في مجلّد واحد أو أكثر، و طبعهم للكتب يُعدُّ عَملاً جبّارًا عظيمًا.جزاهم الله خيرًا''45/689.
- '' إن مكتبة بولاق أحسن مكتبة في العالم '' .
قال عبد الأول : أظنه يعني في طباعة الكتب في وقتها، و ذلك لأنه كان المشرفون على الطباعة علماء في شتى العلوم و الفنون. 47/689.
الفائدة رقم 50 : - '' دار الكتب المصرية أو المحمودية كانت حاوية على جميع التراث الإسلامي، و لكن سطا عليها نابليون ففرَّقها'' 48/689.
- '' التُراث يوجد في الثلاثة المعروفة ثم المتحف البريطاني : '' مكتبة لندن ''، ثم الهند : '' حيدر آباد الدكن'' فيها خمس مكاتب للمخطوطات '' ثم سردها كلها.
قال عبد الأول : يعني بالثلاثة : تركيا، مصر، الشام.
'' إن أفريقيا ليس لهم علم إلا النحو.''
قلت : يعني يغلب عليهم علم النحو و علوم اللغة العربية. 49/689-690.(10/8)
- ''إن الهنود يطبعون الكتب و لا يقومون بتحقيقها البتة، إنَّما قصدهم نشرها فقط، و لم يُحَّي علم الحديث بعد أن مات إلا الهنود و هم تلاميذ الصنعاني و الشوكاني اليمانيين'' 67/692.
- '' إن الكتب التي كانت في بلاد وراء النّهر في المشرق لا أمل في الحصول عليها، لأن التتر أخذوها و رموها في النهر عن بكرة أبيها'' 70/692.
- ''إن المكاتب التي حوت التراث المخوط هي : مكاتب تركيا، مكاتب الهند، مكاتب مصر، مكاتب العراق. ثم قال : لولا هذه الحوادث و الفتن في العراق لاستفدنا منها '' 90/695.
- '' أتمنى العثور على تاريخ نيسابور لأهميته ثم قال : و إن هذا التاريخ كان في القرن العاشر موجودًا و أنا أكاد أجزم أنه موجود الآن في إيران و البرهان على هذا ـ أن أحد الروافض من طهران قام باختصار التاريخ ـ و هذا الاختصار في مجلد موجود عندي بالمكتبة و له مقدمة بالفارسية'' 135/701.
- '' إن مكتبة بولاق أحسن مكتبة في العالم ''153/704.
- '' إنَّ السِّواك ألف فيه مؤلفات عديدة، أحسنها كتاب أبي بكر الشّافعي، عنوانه : '' السواك و ما أشبه ذاك '' موجود، و هو مخطوط '' 65/717.
- '' إن كتاب النابلسي في النسيان ـ مخطوط ـ قرأته فرأيت أنه لا يُستفاد منه و هو كتاب مُلئ بالخُرافات'' 76/718.
- '' إن أحسن نسخ الترمذي ـ النُّسخة التي اعتمدها الحافظ ابن سيد النّاس ـ في شرحه لسنن الترمذي '' 78/719.
الفائدة رقم 60 : - '' إن الخلاَّل هو الذي جمَع كُتب و مقالات الإمام أحمد في '' السنَّة ''، و الخلاَّل هذا تلميذ الأثرم، و الأثرم تلميذ الإمام أحمد''44/749.
- '' عندما دخلت المكتبة الكبرى التي في مصر أخذني رجل في المكتبة '' عَامِل'' إلى غُرفة حَجَريَّة قديمة واسعة و قال لي : هذه الغرفة التيكان يجلس فيها الحفّاظ للمطالعة و هم : الزركشي، و العلائي، و الحافظ، و السيوطي، و السخاوي، و العيني، و غيرهم، و الله أعلم''03/771.(10/9)
- '' دخلت مكتبة حامد فقي بمصر قسم المخطوطات فوجدت المخطوطات ملقاة على الأرض تمشي عليها من بعثرتها، و لا تكاد تجد مخطوطًا كاملاً، و صوّرت منها مائة كلّها تالفة، و كذلك الذي بقي من المخطوطات. و غلَّوا علينا في هذه المخطوطات'' يعني : أحفاد الشيخ الفقي ـ رحمه الله تعالى ـ. 09/773.
- '' لما كنا بدمشق سهرنا الشيخ ناصر الألبانب ـ يعني العلامة الممشهور ـ في مكتبته للإطلاع عليها لعلنا أن نجد شيئًا نصوِّره منها و كان الشيخ الألباني نشيطًا و اشتغل معنا '' 12/773.
- '' في رحلتي إلى تونس نزلنا في إيطاليا و أخذنا بالتجول فيها، ثم ذهبنا إلى تونس و أثناء ما كنا في إيطاليا ذهبنا إلى مكتبة الفاتيكان، فوجدناها مغلقة و أخبرني بعضهم إن مكتبة الفاتيكان فيها من الكتب المخطوطة شيء عظيم'' 17/774.
- '' في رحلتي إلى تونس : التقينا بالشيخ '' حبيب بالخوجة '' و قد ساعدنا في تصوير كثير من المخطوطات، و قد ألقيت في تونس عشر محاضرات و جامع الزيتونة ألقيت فيه خمس محاضرات '' 56/780.
- '' إن كتاب التتبع و الإلزامات للدارقطني أول من اقتناه في المملكة أنا '' 15/847.
- '' إن شرح كتاب الإلمام و كذلك كتاب الإمام كلاهما لابن دقيق العيد لا يوجدان إلا عندي، أنا صورتهما من مصر من دار الكتب و كل من صورها بعد ذلك فقد صورها من عندي''
قال عبد الأول : وقد طبع الكتاب، حققه سعد الحميد، و على المخطوطة التي اعتمدها خطّ الوالد، و لكن ... '' 16/847.
-'' في مكتبتي ستون نوعًا من أنواع علم الحديث المائة '' 20/848.
-''أول كتاب مخطوط صورته في حياتي '' تخريج أحاديث البيضاوي لابن همات؟ و كتاب الكامل لابن عدي ''23/848.
الفائدة رقم 70 : -'' كتاب المدخل للبيهقي أول من جَتء به أنا و نَسختُه'' 25/848.(10/10)
- '' كانت مكتبتي في أول الأمر يغلب عليها الطبعات الهندية ثم أرسلت هذه المكتبة سنة 1373 هـ إلى عمي بأفريقيا، ثم أخذت بالجمع من جديد و بدأت الجمع من سنة 1373هـ إلى الآن '' 26/848.
-'' الذين صوروا من مكتبتي كتبًا سواء مخطوطة أم مطبوعة مئات لا أستطيع إحصاءهم. ثم قال : و هذه المكتبة فتحتها لهذا '' 30/849.
-'' كانت عندي نسخة من القاموس لفيروز أبادي مطبوعة تُضرب إليها فرامل الكدلكات '' 33/849.
- '' إن الدفاتر التي عندي سواء كانت مخطوطة أو منسوخة أو فوائد أو نحو ذلك صورتها الجامعة الإسلامية لتجعلها أثرًا ''35/849.
- '' شرطي في المخطوطات التي أجلبها لنفسي أن لا أجلب إلا المخطوط الذي لم يطبع قبل و ذلك لأني لا أستطيع إحضار ما طبع و ما لم يطبع و ذلك لأن هذا العمل لا يقدر عليه إلا أحد رجلين ( الدولة أو الأثرياء). مكتبتي أسستها سنة 1366 هـ و لله الحمد '' 39/850.
- '' فهرس مسيل اللعاب... له عندي ثلاثون سنة، امتلكه سنة 1374هـ'' 41/850. قال عبد الأول : و هو فهرس عجائب و غرائب المخطوطات التي ألفها كبار الحفاظ و المحدثين و هذا الفهرس مكتوب فيه أسماء مؤلفات عظيمة المكانة عند الناس و مذكور فيه أنها كلها في ألمانيا في مكتبة في هذه الدولة.'' هامش صفة850.
- '' تركيا هي أم في المخطوطات و التراث الإسلامي. ثم مصر تليها.ثم حيدر أباد الدكن. هذه الأماكن الثلاثة إذا توصل الإنسان أن يُصوّر منها كل ما يحتاج من المخطوطات العلمية سيحصل على علمٍ جمٍّ.. و الفاتيكان فيه مكتبة عظيمة''25/685-686.
- '' تكتب الكلمة الأعجمية بالأحمر في بعض المخطوطات'' 33/687.(10/11)
الفائدة رقم 80 : - '' إن كتاب الحد له قصة معي و ذلك أني لما زرت جامعة أم القرى دخلت قسم المخطوطات فوقفت على رسالة الحد فطلبت تصويرها فقالوا لي ممنوع فقلت لهم : هذا الكتاب لا يجوز أن يكون ممنوعًا فإنه من كتب السلف فامتنع المسئول من تصويره لي فذهبت لمدير الجامعة راشد الراجح فطلبت منه أن يسمح ليبتصويره لي فأمر بتصويره لي و الحمد لله'' . قال عبد الأول : كتاب الحد في العقيدة، و يتكلم عن علة الله عز و جل، و مؤلفه الدشتي. 12/846-847.
- '' لم يطبع لشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب وقفت عليه إلا اشتريته و قد اجتمع عندي من كتبه المطبوعة ما لم يجتمع لأحد.'' 22/848.
- '' بدأت في إنشاء مكتبتي سنة 1366 هـ و كانت البداية من السودان '' 29/849.
- '' وُجِدَ لمُسنَد الإمام أحمد خمس نسخ، عندي منها نسختان'' 31/849.
- '' كتاب مسائل الإمام أحمد للخلاَّل أعتقد أنه لم يصل لأحد قبلي، صُوِّر لي من المتحف البريطاني، و من مكتبتي صوره النَّاس''32/849.
- '' إن المكتبة المحمودية يضرب بها المثل في جمع التراث العلمي''99/696.
- '' أكثر التراث المخطوط في تركيا، و لما وقعت المعركة بين الشريف و تركيا أرسلت تركيا عشرات المركبات المتصل بعضها ببعض لغرض أن يُحمل فيها جميع ما يمكن الحصول عليه من المخطوطات سواء بمكة أو بمصر أو بالمدينة أو الشام ثم العودة بها إلى تركيا، و قد حصل لها ذلك، و قد أخبرني أحد مشايخ المدينة أنه رأى هذا القطار و هو يحمل الكثير من المخطوطات التي بالمدينة''. قال عبد الأول : و هذا الشيخ الذي أخبر عنه الوالد هو أبو بكر الشريف التنبكتي والد عبد الرحيم و محمد الطيب. 114/698-699.
- '' إن أوروبا كلما تغلبت على بلد من بلاد المسلمين سرقت تراثه من المخطوطات و غيرها و هم يعرفون أهمية هذا التراث'' 139/702.(10/12)
- '' فهرس الظاهرية للشيخ الألباني صوَّرنا ما فيه كلّه للجامعة الإسلامية في أثناء رحلاتي إلى سوريا و غيرها على نفقة الجامعة الإسلامية '' 01/771.
- '' شرطي على الشيخ عبدالمحسن العبّاد أثناء إدارته للجامعة الإسلامية بالمدينة النَّبوية أن لا أصوِّر في رحلاتي لجلب المخطوطات إلا كتب الحديث المُسنَدَة و العَقيدَة السَّلفيَّة '' 02/771.
الفائدة رقم 90 : - '' جلبت للجامعة الإسلامية أثناء رحلاتي على حسابها خمسة آلاف مخطوطة، و أغلب الرحلات التي من أجل جلب المخطوطات و تصويرها و كانت في وقت رئاسة الشيخ عبد المحسن العباد للجامعة '' 22/775.
- '' إن مجاميع المكتبة الظاهرية بدمشق صورتها للجامعة الإسلامية كلها ـ و هي ثمانين مجلدًا ''54/780.
- '' إن أكثر مخطوطات السؤالات التي وجهت للحافظ ابن معين صُوِّرت من عندي و حُقِّقت '' قال عبد الأول : و للأسف أن كثيرا ممن صوّر مخطوطا من مكتبة الوالد أو أكثر ثم طبعه لم يذكر في كتاابه أن المخطوط صوَّره من عند الشيخ حماد الأنصاري، بل إن بعضهم يقول : إن هذا المخطوط من مكتبة كذا في ألمانيا أو مصر أو غيرهما ـ و هو لم يصوِّره إلا من مكتبة الوالد ـ ، و الله المستعان. و سأفرد لهؤلاء فصلاً من هذا الكتاب إن شاء الله.02/845.
- '' عندي ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي نسخة الشيخ الإمام العلامة عبد الله بن المحمود الشريف ـ رحمه الله تعالى ـ '' قال عبد الأول : و هو شيخ الوالد. و هذه النسخة طبعت عام 1325هـ، الطبعة الأولى بمطبعة السّعادة.03/845.
- '' إن الفهرس الذي عنده له ثلاثون سنة يعني : '' مسل اللُّعاب''. قال عبد الأول : هذا الفهرس فيه نوادر المخطوطات من كتب التفسير و الحديث، و قد لقَّبه الوالد بمسيل اللُّعاب لما فيه من النوادر، و هو فهرسٌ لأسماء المخطوطات لمكتبة في ألمانيا ـ برلين.04/845.(10/13)
فائدة 95 : -‘‘ حقَّقت كتابًا للذهبي، و هو ديوان الضعفاء للذهبي. و كذلك حقَّقت ‘‘ ذيل ديوان الضعفاء ’’ أيضًا. فهذان أيضًا مطبوعان ’’ ص837.
-‘‘ أما المخطوطات ما بين مصوَّر و مخطوط على الطبيعة فعندي منها تقريبًا ألف مخطوطة، و هذا الألف يتكوَّن مما يلي :
أولا :مخطوطات في الحديث، يعني : متون الحديث.
وثانيًا : مخطوطات في رجال الحديث.
و ثالثا :مخطوطات في العقيدة السلفيَّة
و رابعًا : مخطوطات في التفسير السلفي فقط.’’ ص838.
-‘‘ أول مخطوطة حصلت عليها : ‘‘ التعريف و الإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء و الأعلام ’’ للسُّهيلي... و تُعد هذه المخطوطة أندر مخطوطة لهذا الكتاب، رغم أن هذه المخطوطة ـ هذا الكتاب ـ قد حُقِّق ثلاث مرات و لكن أولئك المحققين الذين حققوه لم يعثروا على هذه النُّسخة النَّادرة؛ لأن هذه النسخة بخطّ تلميذ المؤلِّف عند المؤلف، المؤلِّف جالس و نسخها تلميذه، و المؤلف لكونه كفيفًا لم يستطع أن يوقِّع عليه، و لكن أقرَّها، و هي تُعدُّ أقدم مخطوطة عندي أنا... حصلت عليها في مكة المكرمة، عثرت عليها في مكة المكرمة سنة واحد و سبعين هجري، و في ذلك الوقت ما كنت متجهًا للمخطوطات كنت متجهًا للمطبوعات...’’ ص839.
-‘‘التقريب للحافظ ابن حجر في رجال الستّة، و بهامشه : ‘‘ التقعيب ’’ شرحٌ له، هذا نادر لا يوجد، ‘‘ التقريب ’’ موجود بكثرة و لكن هذا لا يوجد... هذا اشتريته في ذلك الوقت سنة واحد و سبعين اشتريته بثمانين ريالاً فضّة من الريالات السعودية في مكة.. و هذا الكتاب لازم يكون معي في كلّ مجلس، كلما جلست في المكتبة هو ما يدخل في الرفوف، حتى الرفوف لا يدخل فيها، لابد يكون دائمًا في المجلس الذي أجلس فيه في المكتبة..’’ ص840.(10/14)
- سئل الشيخ حمَّاد : هل كتاب ‘‘ زغل العلم ’’ من مؤلفات الحافظ الذهبي ؟ فأجاب : أنا في شك من نسبة هذا الكتاب إلى الحافظ الذهبي، و ذلك لأن فيه كلامًا لا تصح نسبته للذهبي عندي.
و الذين نسبوه للذهبي أغلبهم يفرحون بنسبته إلى الذهبي، و ذلك لأن فيه جرح لشيخ الإسلام ابن تيمية، الرجل الذي حمل أعباء العقيدة السلفية على كاهله.
و أيضا الرسالة الملحقة بهذا الكتاب مشكوكٌ في نسبتها إلى الحافظ الذهبي، و لم ينسبها إليه إلا السخاوي، و معلومٌ أن السخاوي أشعري مقلّد لأشياخه في مصر. و الله أعلم ’’ 4/759.
الفائدة رقم 100 : - ‘‘ لم يكتب الإمام الشافعي بيده مؤلفا إلا ‘‘ الرسالة ’’ حيث كتبها في الحجاز و اليمن ثم كتبها من جديد بآراء جديدة بمصر. و أما كتاب ‘‘ الأم ’’ و غيره من التآليف فهي مما يمليه الإمام فيكتبه الطلبة .
و كذلك الإمام احمد ـ لم يؤلف شيئا من كتبه إلا المسند ـ و المسند ليس كله للإمام أحمد بل ضُمَّ إليه ما رواه ابنه عبد الله عنه و عن غيره من الأئمة ـ و فيه أيضا ما رواه القطيعي عن غير عبد الله و أما الكتب التي تنسب إلى الإمام أحمد فهي إملاءات من الإمام على تلاميذه ’’ 94/755.
فائدة 101 : - ‘‘ الذهبي الدمشقي المصري، هكذا يقول أهل العلم عن الذهبي الحافظ ’’ 06/743.
و في ختام هذا الجمع؛ أسأل الله أن ينفع بهذه الفوائد، و يرحم الشيخ و يسكنه فسيح الجنان .(10/15)
إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس
من الشيوخ
كتبه
فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
أستاذ مشارك بقسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد: فهذا مختصر جمعت فيه بين ثلاث رسائل في أسماء المدلسين لثلاثة حفاظ :
اثنان منهم متعاصران : الحافظ ابن حجر ، وبرهان الدين الحلبي ، والثالث مجتهد عصره أبو بكر السيوطي .
وكانت رسالة الحافظ ابن حجر مرتبة على خمس طبقات ، والأخريان مرتبتان على الحروف الأبجدية ، وفي كل واحدة منها ما ليس في الأخرى ، فمن ثم رأيت جمعها في هذا الموجز أنفع لطلاب الحديث ، على أن الحصول على جميعها ليس من السهل على كل واحد .
وذلك لأن رسالتي الحافظ والبرهان وإن كانتا مطبوعتين فقد قلّ وجودهما ، وأما رسالة السيوطي فهي ما زالت مخطوطة على حسب علمي ، رأيت منها نسخة خطية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية .
هذا ؛ وقد نظم الحافظ الذهبي غالب المدلسين في قصيدة وجدت بعضها في طبقا الشافعية الكبرى للتاج السبكي ، وسأذكر ما وجدت منها في خاتمة هذا المختصر إن شاء الله .
وقد رمزت للعسقلاني بالعين (ع) ، وللبرهان بالباء (ب) ، وللسيوطي بالسين (س) .
ورتبته على الحروف الهجائية ، وسميته بـ ( إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ ) ، مع ذكر طبقة كل واحد منهم ، ومهدت له بمقدمة في معنى التدليس وأقسامه وطبقات المدلسين ،
فقلت وبالله أستعين :
" مقدمة في معنى التدليس وأقسامه "(11/1)
التدليس
اعلم أن التدليس في اللغة من الدّلس ، وهو اختلاط الظلام بالنور ، وفي الاصطلاح : أن يحدّث الرجل عن شيخ قد لقيه وأدرك زمانه ، وأخذ عنه ، وسمع منه ، وحدث عنه بما لم يسمع منه ، بلفظ يوهم السماع كـ " عن فلان " أو " قال فلان " ، وسُمي هذا بالتدليس لاشتراكه مع المعنى اللغوي في الخفاء في كل منهما .
وينقسم ثلاثة أقسام :
تدليس الإسناد : وهو أن يسقط اسم شيخه الذي سمع منه ، ويرتقي إلى شيخ شيخه بلفظ يوهم السماع كعن وأن وقال ، أو يسقط أداة الرواية ويسمي الشيخ فقط ، فيقول : فلان . مثلا .
واختلف في أهل هذا القسم ، فقيل : يرد حديثهم مطلقا ، سواء أثبتوا السماع أم لا ، وأن التدليس نفسه جرح ، والصحيح التفصيل فإن صرح بالاتصال كقوله " سمعت " أو "حدثنا" أو "أنبأنا" فهو مقبول يحتج به ، وإن أتى بلفظ يحتمل فحكمه حكم المرسل .
تدليس الشيوخ : وهو أن يصف الشيخ المسمع بوصف لا يعرف به من اسم أو كنية أو لقب أو نسب إلى قبيلة أو بلدة أو صنعة أو نحو ذلك .
قال ابن الصلاح : وأمر هذا أخف من القسم الأول .
وقد جزم ابن الصباغ بأن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب أن لا يقبل خبره ، وإن كان يعتقد فيه الثقة فقد غلط في ذلك ، لجواز أن يعرف غيره من جرحه مالا يعرفه هو ، وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول ، لا يجب قبول خبره حتى يُعرف من روى عنه .
تدليس التسوية : وهو أن يروي حديثا عن شيخ ثقة غير مدلس ، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة ، فيأتي المدلس الذي سمع من الثقة الأول غير المدلس فيسقط الضعيف الذي في السند ، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة الثاني بلفظ محتمل ، فيستوي الإسناد كله ثقات .(11/2)
وهذا أشر الأقسام ؛ قادح فيمن تعمد فعله ، وقال العلائي في التحصيل في المراسيل : ( ولا ريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع ) ، وقد وقع فيه جماعة من الأئمة الكبار لكن يسيرا كالأعمش والثوري ، وممن نقل عنه فعل ذلك بقية بن الوليد والوليد بن مسلم والحسن بن ذكوان ، ونقل الذهبي عن أبي الحسن بن القطان في بقية أنه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك ، وهذا إن صح عنه مفسد لعدالته .
قال الذهبي في الميزان : قلت : نعم والله صح هذا عنه أنه يفعله ، وصح عن الوليد بن مسلم بل وعن جماعة كبار فعله ، وهذا بلية منهم ، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد ، وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس أنه تعمد الكذب ، وهذا أمثل ما يعتذر به عنهم .
يعني أنهم لا يفعلون ذلك إلا في حق من يكون ثقة عندهم ضعيفا عند غيرهم ، والقدماء يسمونه تجويدا ، فيقولون جوّده فلان ، أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم .
تنبيه :
اعلم أن الشافعي أثبت أصل التدليس بمرة واحدة ، قال ابن الصلاح : والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة ، وممن حكاه عن الشافعي البيهقي في المدخل .
واعلم أنه لا يدخل في المدلسين القسم الذي أرسلوا ، وقد ذكر منهم العلائي في كتابه المراسيل جملة ، لكن الفرق بين التدليس وبين الإرسال الخفي أن الإرسال رواية الشخص عمن لم يسمع منه ، قال الحفاظ أبو بكر البزار : إن الشخص إذا روى عمن لم يدركه بلفظ موهم فإن ذلك ليس بتدليس على الصحيح المشهور .. والتدليس إذا روى بعن أو أن أو قال ، وكان قد عاصر المروي عنه أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولم يسمع منه ذلك الحديث الذي دلّسه عنه .(11/3)
وقد حكى ابن عبد البر في التمهيد عن قومٍ الذي ذكرتُه في الإرسال أنه تدليس ، فجعلوا التدليس أن يحدّث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه عنه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع وإلا لكان كذابا ، والصحيح الأول ، وهو الفرق بين التدليس والإرسال . والله أعلم .
ولفظ ابن عبد البر في تمهيده هو كما يلي :
قال الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الأندلسي المتوفى سنة 463 هـ في مقدمة التمهيد :
والتدليس أن يحدث الرجل عن الرجل قد لقيه وأدرك زمانه وأخذ عنه وسمع منه وحدث عنه بما لم يسمعه منه ، وإنما سمعه من غيره ممن ترضى حاله أو لا ترضى ، على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مَرضيّة لذكره ، وقد يكون لأنه استصغره .
واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه مثل مالك عن سعيد بن المسيب ، والثوري عن إبراهيم النخعي ، وما أشبه هذا ، فقالت فرقة : هذا تدليس لأنهما لو شاءا لسميا من حدثهما كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما ، قالوا : وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علمه به دلسة ، قال أبو عمر : فإن كان هذا تدليسا فما أعلم أحدا من العلماء سلم منه في قديم الدهر ولا في حديثه ، اللهم إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان ، فإن هذين ليس يوجد لهما شيء من هذا ، لا سيما شعبة ، فهو القائل : لأن أزني أحب إلي من أن أدلس .
وقالت طائفة من أهل الحديث : ليس ما ذكرنا يجري عليه لقب التدليس وإنما هو إرسال ، قالوا : وكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو لم يسمع منهما ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسا ، كذلك مالك عن سعيد بن المسيب .(11/4)
والإرسال قد تبعث عليه أمور لا تضيره ، مثل أن يكون الرجل سمع ذلك الخبر من جماعة عن المعزي إليه الخبر وصح عنده ووقر في نفسه ، فأرسله عن ذلك المعزي إليه علما بصحة ما أرسله ، وقد يكون المرسل للحديث نسي من حدثه به ، وعرف المعزي إليه الحديث ، فذكره عنه ، فهذا أيضا لا يضر إذا كان أصل مذهبه أن لا يأخذ إلا عن ثقة كمالك وشعبة ، أو تكون مذاكرة ، فربما ثقل معها الإسناد وخف الإرسال ، إما لمعرفة المخاطبين بذلك الحديث ، واشتهاره عندهم ، أو لغير ذلك من الأسباب ، والأصل في هذا الباب اعتبار حال المحدث ، فإن كان لا يأخذ إلا عن ثقة وهو في نفسه ثقة وجب قبول حديثه مرسله ومسنده ، وإن كان يأخذ عن الضعفاء ويسامح نفسه في ذلك وجب التوقف عما أرسله حتى يسمي من الذي أخبره به .
قال ابن عبد البر : وعلى قولهم : " بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع " فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره ، وهذا قول مردود كما تقدم قريبا .
طبقات المدلسين
ثم اعلم أن هؤلاء المدلسين الذين ستسمع تراجمهم _ إن شاء الله _ ليسوا على حد واحد بحيث تتوقف في كل ما قال فيه كل واحد منهم " عن" أو "أن" أو "قال" أو بغير أداة ولم يصرح بالسماع ، بل هم على خمس طبقات :
أولها : من لم يوصف بذلك إلا نادرا جدا بحيث إنه ينبغي أن لا يعد فيهم كيحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وابن عقبة .(11/5)
وثانيها : من احتمل الأئمة تدليسه وخرّجوا له في الصحيح ، وإن لم يصرح بالسماع ، وذلك إما لإمامته أو لقلة تدليسه في جنب ما روى أو لأنه لا يدلس إلا عن ثقة وذلك كالزهري وسليمان الأعمش وإبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي وحميد الطويل والحكم بن عتيبة ويحيى بن أبي كثير وابن جريج والثوري وابن عيينة وشريك وهشيم ، ففي الصحيحين وغيرهما لهؤلاء الحديث الكثير ما ليس فيه التصريح بالسماع ، وبعض الأئمة حمل ذلك على أن الشيخين اطلعا على سماع الواحد لذلك الحديث الذي أخرجه بلفظ "عن" ونحوها عن شيخه ، وفيه نظر بل الظاهر أن ذلك لبعض ما تقدم آنفا من الأسباب .
قال البخاري : لا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور... وذكر مشايخ كثيرة ، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسا ، ما أقل تدليسه .
وثالثها : من توقف فيهم جماعة فلم يحتجوا إلا بما صرحوا فيه بالسماع ، وقبلهم آخرون مطلقا ، كالطبقة التي قبله لأحد الأسباب التي تقدمت كالحسن وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير المكي وأبي سفيان طلحة بن نافع وعبد الملك بن عمير .
ورابعها : من اتفقوا على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لغلبة تدليسهم وكثرته عن الضعفاء والمجهولين كابن إسحاق وبقية وحجاج بن أرطأة وجابر الجعفي والوليد بن مسلم وسويد بن سعيد وأضرابهم ممن يأتي ، فهؤلاء الذين يحكم على ما رووه بلفظ "عن" بحكم المرسل كما تقدم .
وخامسها : من قد ضعف بأمر آخر غير التدليس فرد حديثهم به لا وجه له ، إذ لو صرح بالتحديث لم يكن محتجا به كأبي جناب الكلبي وأبي سعيد البقال ونحوهما ، فليعلم ذلك .(11/6)
وهذا كله في تدليس الراوي ما لم يتحمله أصلا بطريق ، فأما تدليس الإجازة والمناولة والوجادة بإطلاق "أخبرنا" فلم يعده أئمة هذا الفن في هذا الباب ، كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب ، ورواية مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه ، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري ، وشبه ذلك .
ومن هذا القبيل ما ذكره محمد بن طاهر المقدسي عن الحافظ أبي الحسن الدارقطني أنه كان يقول فيما لم يسمع من البغوي : "قرئ على أبي القاسم البغوي : حدثكم فلان" ، ويسوق السند إلى آخره ، بخلاف ما هو سماعه ، فإنه يقول فيه : "قرئ على أبي القاسم البغوي وأنا أسمع" أو " أخبرنا أبو القاسم البغوي قراءة " ونحو ذلك ، فإما أن يكون له من البغوي إجازة شاملة بمروياته كلها فيكون متصلا أو لا يكون كذلك ، فيكون وجادة وهو قد تحقق صحة ذلك عنه ، على أن التدليس بعد سنة ثلاثمائة يقل جدا ، قال الحاكم : لا أعرف في المتأخرين من يُذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي .
قال أبو عمر : التدليس في محدثي أهل الكوفة كثير . قال يزيد بن هارون : لم أر بالكوفة أحدا إلا وهو يدلس إلا مسعرا وشريكا . قال الحاكم : وأهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي وخراسان والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما رواء النهر لا نعلم أحدا من أئمتهم دلسوا .
قال : وأكثر المحدثين تدليسا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة وأما أهل بغداد فلم يذكر عن أحد من أهلها التدليس إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي ، فهو أول من أحدث التدليس بها ، ومن دلس من أهلها إنما تبعه في ذلك .(11/7)
تنبيه :
ومما يستغرب ما ذكروه عن شعبة في ذلك مع كراهته له ، وذلك فيما قرأه الحافظ ابن حجر على فاطمة بنت المنجا عن عيسى بن عبدالرحمن المطعم قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب وأنا أسمع عن محمد بن أحمد بن عمرو العنان أخبرنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده أخبرنا أبو عمرو عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب إملاء حدثنا أبو عبد الله أحمد بن يونس بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد الأصفر حدثني النفيلي حدثنا مسكين بن بكير حدثنا شعبة قال : سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت ، فقال : قال أبو قزعة : حدثني مهاجر المكي أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت ؟ فقال : قد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله .
قال الأصفر : ألقيته على أحمد بن حنبل ، فاستعادنيه فأعدته عليه ، فقال : ما كنت أظن أن شعبة يدلس ! حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث ، هذا أحدها ولم يذكر فيه عمرو بن دينار .
قال الحافظ ابن حجر : اسم أبي قزعة سويد بن حجر ، وهذا شيء قاله الإمام أحمد بن حنبل ظنا ، والذي عندي أن شعبة لم يدلسه ، بل كان يسأل عمرو بن دينار فحدثه بهذا ، ثم لقي أبا قزعة فسأله عنه فحدثه به ، والدليل على ذلك أنه صرح بسماعه منه لهذا الحديث فيما رواه أبو داود في السنن عن يحيى بن معين عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن شعبة سمعت أبا قزعة به ، وكيف يُظن بشعبة التدليس وهو القائل : لأن أخرّ من السماء أحب إلي من أن أقول عن فلان ولم أسمعه عنه ؟! وهو القائل : لأن أزني أحب إلي من أن أدلس ، وقال البغوي : حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي ، حدثنا معاذ عن شعبة ، قال : ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يدلس إلا عبد الله بن عون وعمرو بن مرة .(11/8)
وقال البيهقي في المعرفة : روينا عن شعبة قال : كنت أتفقّد فم قتادة ، فإذا قال "حدثنا " و " سمعت " حفظته ، وإذا قال "حدث فلان" تركته .
قال : وروينا عن شعبة أنه قال : كفيتكم تدليس ثلاثة : الأعمش وأبي إسحاق وقتادة ، قال الحافظ : فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة ، أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة .
ونظير هذا حديث الليث عن أبي الزبير عن جابر ؛ فإنه لم يسمع منه إلا مسموعه عن جابر ، قال سعيد بن أبي مريم ، قال سعيد بن أبي مريم : حدثنا الليث ، قال : جئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين ، فسأتله : أسمعت هذا كله عن جابر ؟ قال : لا ، فيه ما سمعت وفيه ما لم أسمع ، قال : فأعلم لي على ما سمعت منه ، فأعلم لي هذا الذي عندي . فتبين بهذا أن حديث الليث عنه عن جابر محمول على الاتصال ولا فرق فيه بين العنعنة وغيرها .
هذا وقد ألف في هذا الفن من القدماء جمع منهم الحسين بن علي الكرابيسي صاحب الشافعي ، ثم النسائي ، ثم الدارقطني ، ثم تتابع الحفاظ بعدهم في جمع هؤلاء كل على حسب ما وجد منهم ، ثم الذهبي في قصيدة له خاصة بهم تقدمت الإشارة إليها ، ثم تلميذه أبو محمود أحمد بن المقدسي فزاد عليه من تصنيف العلائي شيئا كثيرا مما فات الذهبي ذكره ، ثم ذيل الحافظ العراقي في هوامش كتاب العلائي أسماء وقعت له زائدة ثم ضمها ولي الدين أبو زرعة ابن الحافظ العراقي إلى من ذكره العلائي وجعله تصنيفا مستقلا وزاد من تتبعه شيئا يسيرا جدا ، وعلّم بما زاده على العلائي "ز" ، هذا بإضافة ما ذكر إلى رسائل الثلاثة الحفاظ التي جمعتها في هذه الخلاصة .
فجميع ما في كتاب العلائي من الأسماء ثمانية وستون نفسا ، وزاد العراقي ثلاثة عشر نفسا ، وزاد عليه الحلبي اثنين وثلاثين نفسا ، وزاد الحافظ تسعة وثلاثين نفسا .(11/9)
وجميع ما في كتاب الحافظ مائة واثنان وخمسون نفسا ، وأما رسالة البرهان في المدلسين فجميع ما فيها مائة وثلاثة عشر نفسا ، وأما رسالة السيوطي فتسعة وثمانون لا غير .
وأما رسالتنا هذه فقد احتوت على مائة واثنين وستين راويا ، ما بين المتفق على تدليسه والمختلف فيه .
وقد ذكرت عند ترجمة كل واحد منهم طبقته ليطبق عليه حكمها .
وهذا أوان الشروع بالمقصود ، ومن الله المدد والمزيد .
[ المدلسون بالترتيب الأبجدي ]
_ حرف الهمزة _
(ب.ع.س) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي :
شيخ الإمام الشافعي ، ضعفه الجمهور ، ووصفه الإمام أحمد بن حنبل والدارقطني وغيرهما بالتدليس ، توفي سنة 184هـ ، من الخامسة .
إبراهيم بن سليمان الدمشقي الأفطس :
عن مكحول وغيره ، وعن يحيى بن حمزة وجماعة ، قال أبو حاتم : لا بأس به ، وأشار البخاري إلى أنه كان يدلس ، من الثانية .
(ع) إبراهيم بن يزيد النخعي :
الفقيه المشهور في التابعين من أهل الكوفة ، ذكر الحاكم أنه كان يدلس ، وقال أبو حاتم : لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة رضي الله عنها ، ولم يسمع منها ، وكان يرسل كثيرا ولا سيما عن ابن مسعود ، وحدّث عن أنس وغيره مرسلا ، وحكى خلف بن سلام عن عدة من مشايخه أن تدليسه من أحمض شيء ، وكانوا يتعجبون منه . توفي سنة 93هـ ، من الثانية .
(ع) أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني الحافظ ، أبو نعيم :(11/10)
صاحب التصانيف الكثيرة الشائعة ، منها حلية الأولياء ومعرفة الصحابة والمستخرجين على الصحيحين ، كانت له إجازة من أناس أدركهم ولم يلقهم ، فكان يروي عنهم بصيغة "أخبرنا" ولا يبين أنها إجازة ، لكنه إذا حدّث عمن سمع منه يقول "حدثنا" ، سواء كان ذلك قراءة أو سماعا ، وهو اصطلاح له تبعه عليه بعضهم وفيه نوع تدليس بالنسبة لمن لا يعرف ذلك ، قال الخطيب : رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها ، منها أن يطلق في الإجازة "أخبرنا" ولا يبين . قال الذهبي : هذا مذهب رآه أبو نعيم ، وهو ضرب من التدليس ، وقد فعله غيره .
وهو من الطبقة الأولى ، وهي من لم يوصف بالتدليس إلا نادرا جدا .
(ع) أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حازم السمرقندي أبو يحيى الكرابيسي :
محدث مشهور ، سمع محمد بن نصر المروزي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة . قال الإدريسي : أكثر عن محمد بن نصر فاتهم في ذلك ، يعني أنه دلس عنه الإجازة فإن له منه إجازة صحيحة . قال الإدريسي : رأيتها بخط محمد بن نصر ، من الطبقة الأولى .
(ع) أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي القاضي :
أكثر عن أيبه عن جده ، فقال أبو حاتم الرازي : سمعته يقول : لم أسمع من أبي شيئا ، وقال أبو عوانة الاسفراييني : أجاز له أبوه فروى عنه بذلك ، يعني ولم يبين كونها إجازة ، من الطبقة الأولى .
(ع) أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي :
مشهور ، تكلموا فيه ، وقال ابن عدي : لا أعلم له خبرا منكرا ، وإنما نسبوه إلى أنه لم يسمع من كثير ممن حدث عنهم ، من الثالثة .
(ع) إسحاق بن راشد الجزري _ وفي الميزان الجندي _ :
كان يطلق "حدثنا" في الوجادة ، فإنه حدث عن الزهري ، فقيل له : أين لقيته ؟ قال : مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا . حكى ذلك الحاكم في علوم الحديث عن الإسماعيلي ، من الأولى .
(ع،ب) إسماعيل بن أبي خالد :
المشهور الكوفي الثقة ، من صغار التابعين ، وصفه بالتدليس النسائي وغيره ، توفي سنة 132هـ ، من الثانية .(11/11)
إسماعيل بن أوسط الجبلي :
والي الكوفة ، قال ابن حبان في كتاب المشاهير : لا يصح له صحبة لصحابي ، وتلك كلها أخبار مدلسة لا أعتمد على شيء منها . مات سنة 117هـ .
(ع) إسماعيل بن عياش أبو عتبة العنسي _ بمهملة ثم نون ساكنة _ :
عالم أهل الشام في عصره ، مختلف في توثيقه ، وحديثه عن الشاميين مقبول عند الأكثر ، وأشار ابن معين ثم ابن حبان في الثقات إلى أنه كان يدلس ، توفي سنة 181هـ ، من الثالثة .
(ع) أشعث بن عبد الملك الحمراني البصري :
قال معاذ : سمعته يقول : كل شيء حدثتكم عن الحسن سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث : حديث "الذي يركع دون الصف" ، وحديث "عدة الحائض" ، وحديث علي "في الخِلاص" . قال عمرو بن علي : سمعت معاذ بن معاذ يقول : سمعت الأشعث يقول : كل شيء حدثتكم عن الحسن فقد سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث : حديث زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف ، وحديث عثمان البتي عن الحسن عن علي في الخلاص ، وحديث حمزة الضبي عن الحسن أن رجلا قال : يا رسول اله ! متى تحرم علينا الميتة ؟ وحديث عثمان البتي عن الحسن عن علي في الخلاص _ يريد حديث الخلاص في البيع _ ، وحديث علي هذا في مصنف ابن أبي شيبة في كتاب البيوع ، في الخلاص في البيع : قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عثمان البتي عن الحسن أن عليا كان يحبس في الخلاص .
وفي النهاية لابن الأثير تفسير الخلاص بأنه الرجوع على البائع بالثمن إذا خرجت العين مستحقة ، والذي يؤخذ من مصنف ابن أبي شيبة أنهم كانوا يشرطون الخلاص وهو أنه إذا خرج المبيع مستحقا رجع المشتري على البائع بالثمن مع ما يلحقه من غرم إن كان والله أعلم .
من الثانية ، توفي سنة 146. قاله ابن سعد .
(ع) أيوب بن أبي تميمة السختياني :(11/12)
أحد الأئمة متفق على الاحتجاج به ، رأى أنسا ولم يسمع منه ، فحدث عنه بعدة أحاديث بالعنعنة ، أخرجها عنه الدارقطني والحاكم في كتابيهما ، توفي سنة 131هـ ، من الأولى .
(ع) أيوب بن النجار اليمامي :
صحّ أنه قال : لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا . وقد روى عنه أكثر من حديث ، من الأولى .
_ حرف الباء _
(ب.ع) بشير بن المهاجر الغنوي :
قال ابن حبان في ثقاته : روى عن أنس ولم يره ، دلس عنه ، من الثانية .
(ع) بشير بن زاذان :
روى عن رشدين بن سعد وغيره ، روى عنه قاسم بن عبد الله السراج ، ضعّفه الدارقطني ووصفه ابن الجوزي بالتدليس عن الضعفاء ، من الخامسة .
(ع.ب.س) بقية بن الوليد الحمصي :
المحدث المشهور المكثر ، له في مسلم حديث واحد ، وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين ، وتعانى تدليس التسوية ، وقال أبو مسهر : كن من بقية على تقية ، فإن أحاديثه غير نقية . توفي سنة 197 ، من الرابعة .
(ب) بكير بن سليمان الكوفي :
قال فيه أحمد بن صالح العجلي : كان يدلس ، من الخامسة ، وهو الآتي بعده .
_ حرف التاء _
(ب.ع) تليد بن سليمان _ بالمثناة فوق واللام على وزن عظيم _ ، وهو تليد بن سليمان المحاربي الكوفي :
مشهور بالضعف ، وهو الذي قبله ، أعني بكير بن سليمان الكوفي ، قال الحافظ : وهم فيه العلائي وتبعه العراقي والبرهان فذكروه ترجمتين ونسبوه للعجلي ، إحداهما هكذا والأخرى بكير بالموحدة ، وهذا غلط وتصحيف فاحش ، فإن بكير بن سليمان غير موجود في الكتب ، بل هو تليد _ بفتح ثم كسر ثم تحتانية ساكنة _ ، رافضي خبيث . قال صالح جزرة : كانوا يسمونه بليدا بالموحدة . مات سنة 190هـ ، من الخامسة .
_ حرف الثاء _
(ب) ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي :(11/13)
قال أبو داود في سننه في مسح الخفين : بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء _ يعني ابن حيوة _ . وقد تقدم كلام الشافعي في مثل هذا ، توفي سنة 55هـ ، وقيل سنة 53 ، وقيل غير ذلك ، من الأولى .
_ حرف الجيم _
(ب) جابر بن يزيد الجعفي :
قال أبو نعيم : قال الثوري : كل ما قال فيه جابر "سمعت" أو "حدثنا" فاشدد يديك به ، وما كان سوى ذلك فتوقه . مات سنة 128هـ ، من الخامسة .
(ع.ب) جبير بن نفير :
قال ابن عبد الهادي الإمام شمس الدين الحنبلي في طبقات الحفاظ : لم يخرج له البخاري لأنه ربما دلس عن قدماء الصحابة وكان مخضرما . توفي سنة 75، وقيل سنة 85هـ ، من الثانية .
(ع) جرير بن حازم الأزدي :
أحد الثقات ، وصفه بالتدليس يحيى الحماني في حديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، مات سنة 170هـ بعد أن اختلط ولم يحدّث في حال اختلاطه ، من الأولى .
_حرف الحاء _
(ع.ب) حبيب بن أبي ثابت الكوفي :
تابعي مشهور ، يكثر التدليس ، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما ، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول : لو أن رجلا حدثني عنك ما باليت أن أرويه عنك ، يعني أنه أسقطته من الوسط . توفي سنة 119هـ ، وقيل غير ذلك ، من السادسة .
(ع.ب) حجاج بن أرطأة الكوفي المشهور :
أخرج له مسلم مقرونا ، ووصفه النسائي وغيره بالتدليس عن الضعفاء ، وممن أطلق عليه التدليس ابن المبارك ويحيى بن القطان ويحي بن معين وأحمد ، وقال أبو حاتم : إذا قال "حدثنا" فهو صالح ، وليس بالقوي . مات سنة 147هـ ، من الرابعة .
(ع) الحسن بن التميمي أبو علي المذهب :(11/14)
راوي مسند أحمد عن القطيعي ، قال الخطيب : روى عن القطيعي حديثا لم يسمعه منه . قال الذهبي : لعله استجاز روايته بالإجازة والوجادة . قال الخطيب : وحدثني عن أبي عمر بن مهدي بحديث ، فقلت : لم يكن هذا عند ابن مهدي ، فضرب عليه ، قال الخطيب : وكان سماعه صحيحا في المسند إلا في أجزاء منه ، ألحق اسمه فيها ، وتعقبه ابن نقطة بأنه لم يحدّث بمسندي فضالة بن عبيد وعوف بن مالك وبقطعة من مسند جابر ، فلو كان يلحق اسمه لألحقه في الجميع ، ولعل ما ذكره الخطيب أنه ألحقه كان يعرف أنه سمعه أو رواه بالإجازة ، من الثانية .
(ع.ب) الحسن بن أبي الحسن البصري :
الإمام المشهور ، من سادات التابعين ، رأى عثمان وسمع خطبته ، ورأى عليا ولم يثبت سماعه منه ،كان مكثرا من الحديث ، ويرسل كثيرا عن كل أحد ، وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره ، قال ابن معين وغيره : لم يسمع الحسن من سمرة غير حديث العقيقة . وقال البخاري : قد سمع منه أحاديث كثيرة ، وصح سماعه من سمرة فيما ذكره الترمذي أبو عيسى عن البخاري ، مات سنة 110هـ ، من الثانية .
(ع.ب) الحسن بن ذكوان :
مختلف في الاحتجاج به ، وله في صحيح البخاري حديث واحد . ذكره محمد بن نصر المروزي في حديث عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي حديث " نهى عن ثمن الميتة .." الحديث ؛ قال محمد بن نصر : سمعه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت ، فدلسه بإسقاط عمرو بن أبي خالد لأنه منكر الحديث ، ولذلك قال ابن معين في كل ما رواه الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت أن بينه وبين حبيب رجلا ليس بثقة ، من الثالثة .
(ع) الحسن بن عمارة الكوفي أبو محمد :
الفقيه المشهور ، ضعفه الجمهور ، وقال ابن حبان : كان بليته التدليس . ورماه ابن المديني بالوضع ، توفي سنة 153هـ ، من الخامسة .
(ع.ب) الحسن بن مسعود بن الحسن أبو علي الوزير الدمشقي :(11/15)
محدث مكثر ، مذكور بالحفظ ، قال ابن عساكر : كان يدلس عن شيوخه ما لم يسمعه منهم . مات سنة 543هـ ، من الثانية .
(ع) حسان بن يزيد الجعفي :
ضعفه الجمهور ، ووصفه الثوري والعجلي وابن سعد بالتدليس ، من الخامسة .
(ب) الحسين بن عطاء بن يسار :
من أهل المدينة ، يروي عن زيد بن أسلم ، روى عنه عبد الحميد بن جعفر ، يخطئ ويدلس . قاله ابن حبان في ثقاته ، من الخامسة .
(ع.ب) الحسين بن واقد المروزي :
أحد الثقات ، من أتباع التابعين ، وصفه الدارقطني وأبو يعلى الخليلي بالتدليس ، توفي سنة 159هـ ، من الأولى .
(ع.ب) حفص بن غياث الكوفي القاضي :
أحد الثقات من أتباع التابعين ، وصفه أحمد بن حنبل والدارقطني بالتدليس ، مات سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة ، من الأولى .
(ع.ب) الحكم بن عتيبة _ بمثناة ثم موحدة مصغرا _ :
تابعي صغير من فقهاء الكوفة مشهور ، وصفه النسائي بالتدليس ، وحكاه السلمي عن الدارقطني ، من الثانية ، مات سنة 115هـ . قاله أبو نعيم .
(ع) حماد بن أسامة أبو أسامة الكوفي :
من الحفاظ من أتباع التابعين ، مشهور بكنيته ، متفق على الاحتجاج به ، وصفه بالتدليس القبطي ، فقال : كان كثير التدليس ثم رجع عنه . وقال ابن سعد : كان كثير الحديث ويدلس ويبين تدليس . وقال أحمد : كان صحيح الكتاب ضابطا لحديثه . وقال أيضا : كان ثبتا ، ما كان أثبته ، لا يكاد يخطئ . مات سنة 201هـ ، من الطبقة الثانية .
حماد بن أبي سليمان الكوفي :
الفقيه المشهور ، ذكر الشافعي أن شعبة حدث بحديث عن حماد عن إبراهيم ، قال : فقلت لحماد سمعته من إبراهيم ؟ قال : لا ، أخبرني به مغيرة بن مقسم عنه ، من الثانية ، مات سنة 120هـ .
(ع.ب) حميد الطويل :(11/16)
صاحب أنس ، مشهور ، كثير التدليس عنه ، حتى قيل أن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتادة ، وصفه بالتدليس النسائي وغيره ، وقد وقع تصريحه عن أنس بالسماع وبالتحديث في أحاديث كثيرة في البخاري وغيره ، من الثالثة ، توفي سنة 142هـ .
(ع.ب) حميد بن الربيع بن مالك بن سحيم أبو الحسن اللخمي الخزاز :
ذكر الذهبي في ترجمته من ميزانه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة أنه يدلس . وهو من طبقة عثمان ، قال محمد بن عثمان : قال أبي : أنا لأعلم الناس بحميد بن الربيع ، كان ثقة لكنه يدلس . وقال الخليلي : طعنوا عليه في أحاديث تعرف بالقدماء ، فرواها عن هشيم . قال الحافظ : وهذا هو التدليس ، من الرابعة .
_ حرف الخاء _
(ع.ب) خارجة بن مصعب الخراساني :
ضعفه الجمهور ، وقال ابن معين : كان يدلس عن الكذابين . وفي الجرح والتعديل أنه يدلس عن غياث ، من الخامسة ، مات 168هـ .
(ع) خالد بن معدان الشامي :
الثقة المشهور ، قال الذهبي : كان يرسل ويدلس . مات سنة 103هـ ، من الثانية .
(ع) خالد بن مهران الحذاء :
أحد الأثبات المشهورين ، روى عن عراك بن مالك حديثا سمعه من خالد بن أبي الصلت عنه في استقبال القبلة في البول ، قال ابن سعد : ثقة ، لمن يكن بالحذاء بل كان يجلس إليهم . وقال فهد بن حيان : لم يحذ حذاء قط ، وإنما كان يقول : احذ على هذا النحو ، فلقب بالحذاء . مات سنة 142هـ ، من الأولى .
_ حرف الزاي _
(ع) زيد بن أسلم العمري ، مولاهم :
روى عن ابن عمر رضي الله عنه في رد السلام بالإشارة ، قال ابن عبيد لإنسان : سله أسمعه من ابن عمر ؟ فسأله ، فقال : أما إني فكلمني وكلمته . أخرجه البيهقي ، وفي هذا الجواب إشعار بأنه لمن يسمع هذا بخصوصه منه ، مع أنه مكثر عنه ، فيكون قد دلسه ، مات سنة 136هـ ، في ذي الحجة ، من الأولى .
(ع.ب) زكريا بن أبي زائدة الكوفي :(11/17)
من أتباع التابعين ، أكثر عن الشعبي ، قال أبو حاتم : كان يدلس عن الشعبي وابن جريج . ووصفه الدارقطني بالتدليس ، مات سنة 149هـ ، من الثانية .
_ حرف السين _
(ع) سالم بن أبي الجعد الكوفي ، ثقة مشهور من التابعين ، قال الذهبي : يدلس ويرسل ، من الثانية مات سنة 100 ، وقيل غير ذلك .
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي :
ثقة من كبار الشاميين ، من طبقة الأوزاعي ، روى عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو الحسن ابن القطان : لا ندري سمعه منه أو دلسه عنه . مات سنة 197 ، من الثانية .
سعيد بن أبي عروبة البصري :
رأى أنسا رضي الله عنه وأكثر عن قتادة ، وهو ممن اختلط ، ووصفه النسائي وغيره بالتدليس ، توفي سنة 156، من الثانية .
سفيان بن سعيد الثوري :
الإمام المشهور الفقيه العابد الحافظ الكبير ، وصفه النسائي وغيره بالتدليس ، وقال البخاري : ما أقل تدليسه . من الثانية ، مات سنة 161هـ ، وله 64 سنة .
سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي :
الإمام المشهور ، بقية الحجاز في زمانه ، كان يدلس ، لكن لا يدلس إلا عن ثقة كثقته ، وحكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا : يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إن وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما ، وهذا ما رجحه ابن حبان ، وقال : هذا شيء ليس في الدنيا إلا لابن عيينة فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ، ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته . ثم مثل ذلك بمراسيل كبار الصحابة ، فإنهم لا يرسلون إلا عن صحابي وقد سبق ابن عبد البر أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي ولفظهما : من كان هذه صفته وجب قبول حديثه . وكذا قال أبو بكر الصيرفي في دلائله : كل من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت . توفي في رجب سنة 198هـ ، وله إحدى وتسعون سنة ومولده سنة سبع ، من الثانية .
(ب) سفيان بن عيينة آخر :(11/18)
سمع عمر وجابرا ، يدلس ، ليس بشيء ، وهو مولى مسعر بن كدام من أسفل ، وقال البرهان : انتهى لفظ العجلي في ثقاته ، فإن صحت الكتابة فقد ذكره تمييزا ، رأيته كذلك في الثقات التي رتبها شيخنا الحافظ نور الدين الهيثمي ، وأثبت أنها صحيحة . وقال الحافظ : ليس الأمر كما ظن البرهان من أن سفيان بن عيينة شخصان ، وذلك لأن ابن عيينة مولى بني هلال وقد ذكر الذهبي في فوائد رحلته أنه لما اجتمع بابن دقيق العيد سأله من أبو محمد الهلالي ؟ فقال سفيان بن عيينة ، فأعجبه استحضاره ، وإنما نسب لمسعر لأن مسعرا من بني هلال صليبة ، ولعل العجلي إنما قال فيه ليس بشيء لأمر آخر ، وهو علة الاختلاط ، ثم راجعت أصل الثقات للعجلي ، فوجدته قال ما نصه : " سفيان بن عيينة " ، وقال ولد البرهان موفق الدين أبو ذر : لم يظن والدي ، بل حقق ذلك بقول والدي غير الأول ، وقد قال العجلي سمع عمر وجابرا وأين الأول منهما من السماع ؟ نعم فالأول يروي عن عمرو بن دينار والزهري وزيد بن أسلم وصفوان بن سليم وعنه شعبة ومسعر من شيوخه وابن المبارك من أقرانه وأحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وطبقتهم ، فتبين من هذا أنهما ترجمتان كما قال البرهان . والله أعلم ، من الثانية .
( س.ع ) سلمة بن تمام الشقري :
من أتباع التابعين ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وذكر ابن أبي حاتم ما يدل على أنه كان يدلس ، ولذلك قال العلائي في كتاب المراسيل : كأنه مدلس ، من الطبقة الأولى .
سليمان بن داود أبو داود الطيالسي :(11/19)
الحافظ المشهور بكنيته ، من الثقات المكثرين ، قال محمد بن المنهال : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا شعبة ، فذكر حديثين ، قال يزيد : حدثت بهما أبا داود فكتبهما عني ، ثم حدث بهما عن شعبة . قال الذهبي : دلسهما وكان ماذا . قال الحافظ : قال يزيد بن زريع : سألته – يعني أبا داود – عن حديثين لشعبة ، فقال : لم أسمعهما منه . قال : ثم حدث بهما عن شعبة ، ويحتمل أن يكون تذكرهما ، وإن كان دلسهما نظر ، فإن كان ذكر صيغة محتملة فهو تدليس الإسناد ، وإن ذكر صيغة صريحة فهو تدليس الإجازة . وقال البخاري في كتاب الفتن من صحيحه : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وغيره – يعني بغيره أبا دواد هذا - . توفي سنة 204 من الثانية .
واعلم أن الشافعي قال أن الشخص إذا دلس مرة واحدة كان مدلسا كما تقدم في التمهيد .
سليمان بن طرخان التيمي :
تابعي مشهور ، من صغار تابعي أهل البصرة ، وكان فاضلا ، وصفه النسائي وغيره بالتدليس ، من الثانية .
سليمان بن مهران – بكسر الميم – الملقب بالأعمش :
مشهور بالتدليس ، وفي الميزان : قيل أنه كان يدلس عن الحسن وغيره ما لم يسمعه . وقال الذهبي أيضا : يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به ، فمتى قال "حدثنا" فلا كلام ، ومتى قال "عن" تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم النخعي وأبي وائل وأبي صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال . وقد ذكرته في فتح الوهاب في الألقاب ، مات سنة 148هـ ، من الثانية .
سويد بن سعيد الحدثاني _ بفتح المهملة والمثلثة _ :
موصوف بالتدليس ، وصفه به الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما ، وقد تغيّر في آخر عمره بسبب العمى ، فضُعِّف بسبب ذلك ، وكان سماع مسلم منه قبل ذلك في صحته ، والحدثاني نسبة إلى حديثة ، بلد على الفرات مشهور ، قال البخاري : مات سنة 240 هـ . من الرابعة .
_ حرف الشين _
شباك الضبي :(11/20)
صاحب إبراهيم النخعي ، من أهل الكوفة ، ذكره الحاكم في علومه فيمن كان يدلس ، من الأولى .
شريك بن عبد الله النخعي القاضي :
مشهور ، وكان من الأثبات ، فلما ولي القضاء تغير حفظه ، وكان يتبرأ من التدليس ، ونسبه عبد الحق في الأحكام إلى التدليس ، وسبقه إلى وصفه به الدارقطني ، مات سنة 177 هـ ، من الثانية .
شعيب بن أيوب الصيريفيني :
قال فيه ابن حبان : كان يدلس ، من الثالثة .
(ب) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو العاص :
يروي عن جده ، روى عنه ابنه عمرو ومشيخته ، مشهور ، وروى عنه أيضا ولد آخر اسمه عمير _ بضم العين _ وثابت البناني وعطاء الخراساني وغيرهم ، وجلّ ما يروى عنه عن ولده عمرو ، ستأتي ترجمته في العين إن شاء الله تعالى ، واختلفوا في سماعه من جده ، فجزم بأنه سمع منه ابن المديني والبخاري والدارقطني وأحمد بن سعيد الدارمي وأبو بكر زياد النيسابوري ، وقال أحمد بن حنبل أراه سمع منه . وجزم بأنه لم يسمع منه ابن معين ، وقال أنه وجد كتاب عبد الله بن عمرو فحدث منه . وقال ابن حبان : من قال أنه سمع من جده فليس ذاك بصحيح . وقال الحافظ : وقد صرح بسماعه من جده في أحاديث قليلة ، فإن كان الجميع صحيحة وجدت صورة التدليس ، من الثانية .
(ع) شعيب بن عبد الله :
قال علي بن عبد الله المديني : حدثني حسين بن الحسن الأشقر ، عن شعيب بن عبد الله عن أبي عبدالله ، عن نوف ، عن علي رضي الله عنه : فذكر حديثا ، قال : فقلت لحسين : ممن سمعته ؟ قال : من شعيب . فقلت لشعيب : من حدثك ؟ قال : أبو عبدالله الجصاص عن حماد القصاب ، فقلت لحماد القصاب : من حدثك ؟ قال : بلغني عن فرقد عن نوف ، فإذا هو قد دلس عن ثلاثة _ أي أسقطهم _ . من الثالثة .
_ حرف الصاد _
(ع) صالح بن أبي الأخضر :(11/21)
روح بن عبادة أنه سئل عن حديث عن الزهري ، فقال : سمعت بعضا وقرأت بعضا . وذكر روح بن عبادة : ووجدت بعضا ولست أفضل ذا من ذا . توفي سنة بضع وخمسين ومائة ، من الخامسة .
(ع) صفوان بن صالح بن دينار الدمشقي أبو عبد الملك المؤذن :
وثقه أبو داود وغيره ، وينسب إلى التسوية ، يأتي خبره في ذلك في ترجمة محمد بن المصفى الحمصي ، توفي سنة 237 هـ ، من الثالثة .
_ حرف الطاء _
طاووس بن كيسان :
الفقيه اليماني التابعي المشهور ، أحد الأعلام ، ذكر حسين الكرابيسي في أثناء كلام له أنه أخذ عن عكرمة كثيرا من علم ابن عباس رضي الله عنهما ، وكان يرسله بعد ذلك عن ابن عباس ، وروى عن عائشة ، قال ابن معين : لا أراه سمع منها ، وقال أبو داود : ولا أعلمه سمع منها . وقال الحافظ العلائي : لم أر أحدا وصفه بذلك . مات سنة 106 هـ .
طلحة بن نافع الواسطي أبو سفيان :
الراوي عن جابر ، صدوق مشهور بكنيته ، معروف بالتدليس ، وصفه بذلك الدارقطني والحاكم ، من الثالثة .
_ حرف العين _
(ب) عاصم بن عمر بن قتادة الظفري :
العلامة في المغازي ، ذكر له الحاكم في المستدرك حديثا في الزكاة عن قيس بن سعد بن عبادة في بعثه ساعيا ، ثم قال : على شرط مسلم . قال الذهبي عقيبه : بل منقطع عاصم لم يدرك قيسا . وإذا كان كذلك فقد تقدم أن هذا إرسال خفي وليس بتدليس على الأصح ، فلا ينبغي أن يذكر عاصم مع المدلسين .
عباد بن منصور التاجي البصري :
قال مهنا : سألت أحمد عنه ، فقال : كان قد رأوا أحادثه منكرة وكان يدلس . وقال الساجي : ضعيف مدلس . وقال البخاري : ربما يدلس عباد عن عكرمة . مات سنة 152 هـ ، من الرابعة .
(ع) عبد الله بن زياد بن سمعان المدني :(11/22)
ضعفه الجمهور ، ويكنى أبا عبد الرحمن . قال البخاري : سكتوا عنه . وقال ابن معين : ليس بثقة ، وكان أحمد بن إبراهيم بن سعد يحلف أن ابن سمعان يكذب . وقال الجوزجاني : ذاهب الحديث . وروى ابن القاسم عن مالك : كذاب . ووصفه ابن حبان بالتدليس ، من الخامسة .
(ع) عبد الله بن عطاء الطائفي :
زيل مكة ، من صغار التابعين ، قضيته في التدليس مشهورة ، رواها شعبة عن أبي إسحاق السبيعي ، قال شعبة : سألت أبا إسحاق السبيعي عن عبد الله بن عطاء الذي روى عن عقبة : كنا نتناوب رعية الإبل؟ فقال : شيخ من أهل الطائف ، فلقيت ابن عطاء فسألته : أسمعته من عقبة ؟ فقال : لا ، حدثنيه سعد بن إبراهيم ، فلقيت سعدا ، وقال : حدثنيه زياد بن محمد المحدق ، فلقيت زيادا ، فقال : حدثني رجل عن شهر بن حوشب . رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة ، وقد رواه نصر بن حماد عن شعبة بقصة أطول من هذا ، من الأولى .
عبد الله بن أبي نجيح المكي :
أكثر عن مجاهد ، وكان يدلس عنه ، وصفه بذلك النسائي ، روى عنه ابن الحداد الإمام أبو بكر الفقيه المصري الشافعي . توفي سنة 131 هـ ، من الثالثة .
عبد الله بن لهيعة الحضرمي :
قاضي مصر ، اختلط في آخر عمره ، وكثر عنه المناكير في روايته ، وقال ابن حبان :كان صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء . توفي سنة 174 هـ ، من الخامسة .
عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الربير بن العوام :
روى عن هشام بن عروة ، وهو ابن عم جده ، روى عنه عمرو بن علي الفلاس وغيره ، ضعفه البخاري والنسائي ، ولفظ البخاري : منكر الحديث . وقد أشار ابن حبان إلى تدليسه ، من الخامسة .
عبد الله بن مروان الحراني أبو شيخ :
يروي عن زهير عن معاوية وغيره ، روى عنه حسين بن منصور وإبراهيم بن الهيثم ، قال ابن حبان في ثقاته : يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره . ومقتضى هذا أنه يدلس ، من الثالثة .
(ع) عبد الله بن وهب المصري الفقيه المشهور :(11/23)
وصفه بالتدليس محمد بن سعد في طبقاته ، مات سنة 199 هـ ، عن أربع وسبعين سنة ، من الأولى ، قال عباس الدوري : سمعت ابن معين يقول : أن ابن وهب ليس بذلك في ابن جريج ؛ كان يستصغر . وقال أحمد بن حنبل في حديث ابن وهب عن ابن جريج شيء . قال أبو عوانة : صدق لأنه يأتي عنه بأشياء ويأتي بها غيره .
(ع) عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني :
متفق على ضعفه ، قال الحافظ في تقريبه : أصله من خراسان متروك ، وكان أحمد يثني عليه ، وقال – يعني أحمد - : لعله كبر واختلط ، وكان يدلس . مات سنة 210 هـ ، من الخامسة .
عبد الجبار بن وائل :
م يسمع من أبيه ، وكذا علقمة بن وائل على قول ، كما في التقريب والميزان والتهذيب والخلاصة .
عبد الجليل بن عطية القيسي أبو صالح البصري :
عن شهر بن حوشب وغيره ، صدوق ، وثقه ابن معين ، وروى عنه أبو نعيم ، قال البخاري : ربما كان يهم . وقد ذكره ابن حبان في ثقاته ، وقال : يعتبر حديثه عند بيان السماع في حديثه إذا روى عن الثقات وكان راويه ثبتا . ومعنى هذا أنه يدلس ، من الثالثة .
(ع) عبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط _ بالمهملة والنون _ :
نزيل المدائن ، وثقه ابن معين وأثبته النسائي ، وأشار الخطيب في بداية تاريخه إلى أنه دلس حديثا ، من الأولى .
عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي :(11/24)
ذكر ابن حبان في الضعفاء أنه كان مدلسا ، وكذا وصفه بذلك الدارقطني ، توفي سنة 156 هـ ، من الخامسة ، قال أبو العرب : عبد الرحمن بن زياد سمع من جلة التابعين ، وكان قد ولي قضاء أفريقية ، وكان عدلا صلبا في قضائه ، وأنكروا عليه أحاديث ذكرها البهلول بن راشد ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : جاءنا عبد الرحمن بن زياد الأفريقي بستة أحاديث يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمع أحدا يرفعها : (1) حديث أمهات الأولاد . (2) حديث الصدائي حين أذن قبل بلال فأراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أن أخا صداء قد أذن ، ومن أذن فهو يقيم " (3) وحديث إذا رفع الرجل رأسه من آخر سجدة واستوى جالسا فقد تمت صلاته وإن أحدث " (4) وحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا خير فيمن لم يكن عالما أو متعلما " (5) وحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اغد عالما أو متعلما ، ولا تكن الثالث فتهلك " (6) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة " . قال أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني في طبقات علماء أفريقيا : فلهذه الغرائب التي لم يروها غيره ضعّف ابن معين حديثه . قال أبو العرب : أخبرني عيسى بن مسكين عن محمد بن سحنون أنه قال : قلت لسحنون أن أبا حفص الفلاس قال : ما سمعت يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن ابن مهدي يحدثان عن عبد الرحمن بن زياد . فقال سحنون : لم يصنعا شيئا ، عبد الرحمن ثقة .
(ع) عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود :(11/25)
ثقة ، قال ابن معين : لم يسمع من أبيه . وقال ابن المديني : لقي أباه وسمع منه حديثين : حديث الضب وحديث تأخير الصلاة . وقال العجلي : يقال أنه لم يسمع من أبيه إلا حرفا واحدا : محرم الحرام . وذكر البخاري في التاريخ الأوسط من طريق ابن خثيم عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه ، قال : إني مع أبي فذكر الحديث في تأخير الصلاة . قال البخاري : سمعته يقول : لم يسمع من أبيه ، وحديث ابن خثيم أولى عندي . وقال أحمد : كان له عند موت أبيه ست سنين ، والثوري وشريك يقولان سمع ، وإسرائيل يقول في حديث الضب عنه سمعت . وأخرج البخاري في التاريخ الصغير من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه لما حضرت عبد الله الوفاة قلت له : أوصني . قال : ابك من خطيئتك . وسنده لا بأس له ، قال الحافظ : فعلى هذا يكون الذي صرح فيه بالسماع من أبيه أربعة ، أحدها موقوف ، وحديثه عنه كثير ، في السنن خمسة عشر، وفي المسند زيادة على ذلك سبعة أحاديث ، معظمها بالعنعنة ، وهذا هو التدليس . توفي سنة 77 هـ ، من الثالثة .
عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي :
محدث مشهور ، من طبقة عبد الله بن نمير ، تكلم فيه للتدليس ، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : بلغنا أنه كان يدلس ، من الثالثة .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني :
الحافظ المشهور ، متفق على تخريج حديثه ، وقد نسبه بعضهم إلى التدليس ، وقد جاء عن عبد الرزاق التبرؤ من التدليس ، قال : حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث ، فتعلقت بالكعبة ، فقلت : يا رب مالي ؟! أكذاب أنا ؟ أمدلس أنا ؟ أبقية بن الوليد أنا ؟ فرجعت إلى البيت فجاؤوني ، ويحتمل أن يكون نفى الإكثار من التدليس بقرينة ذكره بقية ، قال ابن سعد : مات سنة 211 عن 85 سنة . من الثانية .
(ع) عبد العزيز بن عبد الله بن وهب الكلاعي :
ضعيف ، قال ابن حبان : يعتبر حديثه إذا بين السماع . من الخامسة .(11/26)
(ع) عبد العزيز بن عبد الله القرشي البصري أبو وهب الجدعاني :
روى عن سعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء وبهز بن حكيم ، وروى عنه الحسن بن مدرك وغيره ، قال ابن حبان في الثقات : يعتبر حديثه إذا بين السماع . تكلم فيه ابن عدي ، قال : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، من الثالثة .
عبد الحميد بن عبد العزيز بن أبي رواد المكي :
صدوق ، نسب إلى الإرجاء ، وفي حفظه شيء ، ونسب إلى التدليس ، وممن ذكره فيهم العلائي ، توفي سنة 206 هـ ، من الثالثة .
عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج المكي :
فقيه الحجاز ، مشهور بالعلم والتثبت ، كثير الحديث ، وصفه النسائي وغيره بالتدليس ، وقال الدارقطني : شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس إلا فيما سمعه من مجروح . قال أبو نعيم : مات سنة 150 هـ ، من الثالثة .
عبد الملك بن عمير القبطي الكوفي :
تابعي مشهور ، من الثقات ، مشهور بالتدليس ، وصفه بذلك الدارقطني وابن حبان وغيرهما ، توفي سنة 136 وقد جاوز المائة ، من الثالثة .
عبد الوهاب بن عطاء الخفاف – بتشديد الفاء – البصري :
صدوق معروف ، من طبقة أبي أسامة ، قال البخاري فيما نقله الخطيب : كان يدلس عن ثور الحمصي وأقوام أحاديث مناكير . قال صالح جزرة : أنكروا على الخفاف حديث ثور في فضل العباس ، ما أنكروا عليه غيره ، أخرجه الترمذي بسند فيه الخفاف إلى ابن عباس مرفوعا : " اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة .. " الحديث . قال ابن معين : موضوع ، وقال : لم يقل عبد الوهاب فيه حدثنا ثور . قال ابن قانع مات سنة 204 هـ ، من الثالثة .
عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر :
قال الحاكم : كان يدلس عن شيوخ ما سمع منهم قط ، وروى عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد مع أنه لم يسمع من أبيه شيئا ، وإنما أخذ الكتب . من الخامسة .
عبيدة _ بضم العين المهملة _ ابن الأسود بن سعيد الهمداني :
أشار ابن حبان في الثقات إلى أنه كان يدلس ، من الثالثة .(11/27)
عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي المؤدب :
قال الحافظ : قال ابن حبان : روى عن قوم ضعاف أشياء فدلسها عنهم . وقد تعقب الذهبي كلام ابن حبان هذا ، بقوله : فإن ابن حبان يقعقع كعادته ، حيث قال في عثمان هذا : يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات ، حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها ، فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات ، وحمل الناس عليه في الجرح ، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها بحال . وقال في مناقشته له : لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئا ، ولو كان عنده شيء موضوع لأسرع بإحضاره ، وما علمت أن أحدا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا أنه يدلس عن الهلكى ، إنما قالوا يأتي عنهم بمناكير ، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع ، وكذا أسرف فيه محمد بن عبد الله بن نمير فقال : كذاب ، وقال أبو عروبة : هو في الجزريين كبقية في الشاميين . وقال إسحاق الكوسج وابن معين : ثقة . وقال أبو حاتم : يحول من الضعفاء للبخاري . مات سنة 203 هـ ، من الخامسة .
(ع) عثمان بن عمر الحنفي :
عن ابن جريج ، وعنه محمد بن حرب الشامي ، قال ابن حبان في الثقات : يعتبر حديثه إذا بين السماع . توفي سنة 209 وقال خليفة سنة 7 هـ ، من الثالثة .
عطية بن سعد أبو الحسن العوفي :
تابعي معروف ، ضعيف الحفظ ، مشهور بالتدليس القبيح ، ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ، يدلس في الكلبي بأبي سعيد فَيُظن الخدري . توفي سنة 111 هـ ، من الرابعة .
عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي :(11/28)
تابعي مشهور وصفه بالتدليس الحافظ الذهبي في أرجوزته والعلائي في المراسيل ، وقال الذهبي في ميزانه : مكي ثقة من مشيخة ابن جريج ، أخطأ ابن حزم في تضعيفه ، وذلك لأن أبا محمد فيما حكاه ابن القطان كان وقع إليه كتاب الساجي في الرجال فاختصره ورتبه على الحروف ، فزلق في هذا الرجل بعكرمة بن خالد بن سلمة المخزومي عن أبيه ، ولم يتفطن لذلك . مات قبل العشرين ومائة ، من الثانية .
عكرمة بن عمار اليمامي :
من صغار التابعين ، وصفه الإمام أحمد وأبو حاتم والدارقطني بالتدليس ، من الثالثة .
(ع) علي بن عمر بن مهدي الدارقطني :
الحافظ المشهور ، قال أبو الفضل بن طاهر : كان له مذهب خفي في التدليس ، يقول : قرئ على أبي القاسم " حدثكم فلان " ، فيوهم أنه سمع منه ، لكن لا يقول " وأنا أسمع " . وقد تقدم تفصيل هذا النوع في أقسام التدليس ، من الأولى .
علي بن غالب النهدي :
مصري ، يروي عن وهب بن عبدالله ، وعنه يحيى بن أيوب ، قال ابن حبان : كان كثير التدليس ، ويأتي بمناكير فبطل الاحتجاج بروايته ، وتوقف فيه أحمد ، من الطبقة الخامسة .
علي بن غراب أبو يحيى الفزاري الكوفي القاضي :
اختلف فيه ، ووثقه ابن معين ، ووصفه الإمام أحمد والدارقطني بالتدليس . توفي سنة 184 هـ ، من الثالثة .
(ع) عمر بن علي بن أحمد بن الليث البخاري الليثي أبو مسلم :
الحافظ المشهور ، كان واسع الرحلة كثير التصانيف في المتأخرين ، وصفه يحيى بن منده بالتدليس ، وقال شيرويه : كان يحفظ ويدلس . مات سنة 466 هـ ، وقيل سنة 68 هـ ، من الطبقة الثالثة .
(ع) عمرو بن حكام :
قال الحاكم : كان يدلس عمن لم يسمع منه . قال ابن المديني سمع في شبابه من شعبة ، فلما مات أخذ كتبه ، من الخامسة .
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي الكوفي :
مشهور ، وهو تابعي ثقة ، وصفه النسائي وغيره بالتدليس ، من الثالثة .
(ع) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي :(11/29)
تابعي صغير مشهور ، مختلف فيه ، الأكثر على أنه صدوق في نفسه ، وحديثه عن غير أبيه عن جده قوي . قال ابن معين : إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب ، فمن ههنا جاء ضعفه ، وإذا حدث عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة فهو ثقة . وقال أبو زرعة : روى عنه الثقات وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده ، وقالوا : إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها ، وعامة المناكير في حديثه من رواية الضعفاء عنه ، وهو ثقة في نفسه ، وإنما تكلم فيه بسبب كتاب كان عنده . وقال ابن أبي خيثمة : سمعت هارون بن معروف يقول : لم يسمع عمرو من أبيه شيئا ، إنما وجده في كتاب أبيه . وقال ابن عدي : روى عنه أئمة الناس وثقاتهم وجماعة من الضعفاء إلا أن أحاديثه عن أبيه عن جده مع احتمالهم إياه يدخلوها في صحاح ما خرجوا ، وقالوا هي صحيفة . قال الحافظ : فعلى مقتضى قول هؤلاء يكون تدليسا ، لأنه ثبت سماعه من أبيه ، وقد حدث عنه بشيء كثير مما لم يسمعه منه مما أخذه عن الصحيفة بصيغة "عن" ، وهذا أحد صور التدليس ، والله أعلم . قال البخاري : مات سنة 118 هـ ، من الثانية .
عمر بن علي المقدمي :
من أتباع التابعين ، ثقة مشهور ، كان شديد الغلو في التدليس ، وصفه بذلك أحمد وابن معين وعفان بن مسلم وأبو حاتم وابن سعد والدارقطني . وقال ابن سعد : ثقة وكان يدلس تدليسا شديدا ، يقول "حدثنا " ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة أو الأعمش أو غيرهما . قال الحافظ : وهذا ينبغي أن يسمى تدليس القطع . مات سنة 190 هـ ، من الطبقة الرابعة .
(ع) عمرو بن دينار المكي :
الثقة المشهور التابعي ، أشار الحاكم في علومه إلى أنه كان يدلس . مات سنة 116 هـ ، من الأولى .
عيسى بن موسى أبو أحمد التيمي ، من أهل بخارى ، يعرف بغنجار :(11/30)
صدوق ، لكنه مشهور بالتدليس عن الثقات ما حمله عن الضعفاء والمجهولين . مات في آخر سنة 186 هـ ، من الرابعة . وقد ذكرته في فتح الوهاب فيمن اشتهر من المحدثين بالألقاب ، مع ذكر سبب تلقيبه بهذا اللقب .
_ حرف الفاء _
(ع) الفضل بن دكين بن زهير أبو نعيم الكوفي :
مشهور من كبار شيوخ البخاري ، وصفه الحافظ أحمد بن صالح المصري بذلك ، توفي سنة 219 هـ ، من الطبقة الثالثة .
_ حرف القاف _
قتادة بن دعامة السدوسي البصري :
صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه ، كان حافظ عصره ، وهو مشهور بالتدليس ، وصفه بن النسائي وغيره ، مات سنة 117 هـ ، من الطبقة الثالثة .
_ حرف الميم _
مبارك بن فضالة البصري :
مشهور بالتدليس ، وصفه به أبو زرعة وأبو داود والدارقطني ، وقد أكثر عن الحسن البصري ، مات سنة 164 ، من الثالثة .
(ع) مالك بن أنس الإمام المشهور :(11/31)
قال الحافظ : يلزم من جعل التسوية تدليسا أن يذكره فيهم ، لأنه كان يروي عن ثور بن زيد حديث عكرمة عن ابن عباس ، وكان يحذف عكرمة ، وقع ذلك في غير ما حديث في الموطأ ، يقول : عن ثور عن ابن عباس . ولا يذكر عكرمة ، وكذا كان يسقط عاصم بن عبيد الله من إسناد آخر ، ذكر ذلك الدارقطني ، وأنكر ابن عبدالبر أن يكون تدليسا كما تقدم في المقدمة ، وابن القطان إنما سماه تسوية بدون لفظ التدليس ، يقولون : سوّاه فلان ، وهذه تسوية القدماء يسمونه تجويدا ، فيقولون جوّده فلان أي ذكر من فيه من الأجواد وحذف غيرهم . والتحقيق أن يقال متى قيل تدليس التسوية فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث ، وإن قيل تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك ، فإنه لم يقع في التدليس أصلا ، ووقع في هذا ، فإنه يروي عن ثور عن ابن عباس ، وثور لم يلقه ، وإنما روى عن عكرمة عنه فأسقط عكرمة لأنه غير حجة عنده ، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفا فهو منقطع خاص . ولد الإمام سنة 93 وحملت به أمه ثلاث سنين ، وتوفي سنة 179 هـ . ودفن بالبقيع .
محرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري :
من أتباع التابعين ، وصفه ابن حبان بذلك في ثقاته ، من الثالثة .
(ع) مالك بن سليمان الهروي :
قاضي هراة ، ضعفه النسائي ، هكذا في طبقات المدلسين للحافظ ، وفي الميزان قال العقيلي : فيه نظر . وضعفه الدارقطني ، ووصفه ابن حبان بالتدليس ، من الخامسة .
محمد بن الحسين البخاري :
يروي عن وكيع وغنجار ، وعنه ولداه عمر وإبراهيم ، يعتبر حديثه إذا بين السماع . قاله ابن حبان . ومقتضى هذا أنه كان مدلسا ، من الثالثة .
محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني :(11/32)
صاحب المغازي ، صدوق ، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم ، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهم ، من الرابعة . مات سنة 151 هـ .
(ع) محمد بن حماد الطهراني _ بكسر الطاء المهلة _ :
الراوي عن عبد الرزاق ، أشار أبو محمد بن حزم الظاهري إلى أنه دلس حديثا ، توفي سنة 151 هـ ، من الطبقة الثانية .
محمد بن خازم الكوفي أبو معاوية الضرير :
مشهور بكنيته معروف بسعة الحفظ ، أثبت أصحاب الأعمش فيه ، وصفه الدارقطني وأحمد بن أبي طاهر بالتدليس ، مات 195 هـ ، من الثانية .
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الإمام :
وصفه بالتدليس أبو عبد الله بن منده في كلام له ، أعني في جزء له في شروط الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة ، قال فيه : أخرج البخاري " قال فلان وقال لنا فلان " وهو تدليس . ولم يوافق ابن منده على ذلك أحد . والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع " قال " ، وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفا " قال لي أو قال لنا " ، قال الحافظ في فتح الباري : لا يقول ذلك إلا فيما حمله مذاكرة وهو محتمل ، وليس يطرد ، لأني وجدت كثيرا مما قال فيه " قل لنا " في الصحيح قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة " حدثنا " وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه . قال أبو الحسن بن القطان : وأما البخاري فذلك باطل عنه . ومن الأدلة على بطلان كلام ابن منده هذا في الإمام البخاري أنه قد ضم معه مسلما في ذلك ، ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد عن شيوخه " قال فلان " وإنما روى عنهم بالتصريح فهذا يدلك قطعا على توهين كلام ابن منده بل على بطلانه ، قال ابن معين : مات سنة 256 ليلة عيد الفطر ، وكان مولده سنة 194 ، من الأولى .
محمد بن صدقة الفدكي أبو عبد الله :
سمع مالك بن أنس ، وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ذكره ابن الأثير في اللباب ، وقال أنه كان مدلسا . ووصفه بذلك قبله ابن حبان والدارقطني ، من الثالثة .(11/33)
محمد بن عجلان المدني :
تابعي صغير مشهور من شيوخ مالك ، وصفه ابن حبان بالتدليس ، وذكر محمد بن أبي حاتم حديثه عن الأعرج عن أبي هريرة " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " فقال : إنما سمعه من ربيعة بن عثمان الأعرج . قال العلائي : قلت :رواه عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج . حمل به ثلاث سنين ، توفي سنة 148 هـ ، من الثالثة .
محمد بن عيسى بن نجيح أبو جعفر بن الطباع :
ثقة مشهور ، قال صاحبه أبو داود : كان مدلسا ، وكذا وصفه الدارقطني ، قال البخاري : مات سنة 224 هـ . من الثالثة .
(ب) محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع :
ذكر ابن حبان أنه روى حديث مقتل عثمان عن ابن أبي ذئب ، قال : ولم يسمعه منه ، وإنما سمعه من إسماعيل بن يحيى أحد الضعفاء عنه ، وكذلك قال صالح بن محمد وغيره . وقال الحافظ : دمشقي فيه ضعف ، وصفه ابن حبان بالتدليس ، مات سنة 204 هـ ، من الرابعة .
(ع) محمد بن عبد الرحمن الطفاوي :
من أتباع التابعين ، وصفه أحمد والدارقطني بالتدليس ، قال ابن قانع مات سنة 189 هـ ، من الثالثة .
(ع) محمد بن يزيد بن خنيس العابد :
قال ابن حبان : يعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته . من الأولى ، تأخر إلى بعد العشرين ومائتين .
(ع) محمد بن يوسف بن مسدي الحافظ الأندلسي :
نزيل مكة في المائة السابعة ، كان يدلس الإجازة وله معجم مشهور ، من الطبقة الأولى ، مات سنة 663 هـ .
(ع) محمد بن كثير الصنعاني :
قال العقيلي في ترجمة عمر بن الأموي أحد الضعفاء : روى الثوري عن أبي حازم عن سهل حديث " ازهد في الدنيا " قال : هذا لا أصل له عن الثوري ، وقد تابعه عليه محمد كثير الصنعاني عن الثوري ، ولعله أخذه عنه ودلسه ، لأن المشهور به خالد . قال البخاري : لين جدا . مات سنة 216 هـ ، من الخامسة .
محمد بن محمد بن سليمان الباغندي :(11/34)
الحافظ المعمر ، قال البرهان : مدلس . ناقلا له عن الإسماعيلي وغيره . وقال الحافظ : مشهور بالتدليس مع الصدق والأمانة . مات بعد 300 ، قال ابن المظفر : لا ينكر منه إلا التدليس ، من الثالثة .
(ع) محمد بن عمران بن موسى المرزباني :
الكاتب الأخباري ، كان يطلق التحديث والإخبار في الإجازة ولا يبين . ذكر ذلك الخطيب وغيره ، من الأولى .
محمد بن مسلم بن تدرس المكي أبو الزبير :
من التابعين ، مشهور بالتدليس ، قال سعيد بن أبي مريم : حدثنا الليث بن سعد ، قال : جئت أبا الزبير فدفع لي كتابين ، فانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو أني عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر ؟ قال : فسألته فقال : منه ما سمعته ، ومنه ما حدثت عنه ، فقلت له : أعلم لي ما سمعته منه ، فأعلم لي على هذا الذي عندي ، ولهذا توقف جماعة من الأئمة على الاحتجاج لما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ "عن" . وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيها أبو الزبير " عن جابر " وليست من طريق الليث وكأن مسلما رحمه الله اطلع على أنها مما رواه الليث عنه ولم يروها من طريقه . والله أعلم . قال ابن المديني : مات سنة 128 هـ ، من الثالثة .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري :
الفقيه المدني ، نزيل الشام ، مشهور بالإمامة والجلالة ، من التابعين ، وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس ، ولكن قال البرهان في التبيين في أسماء المدلسين : قد قبل قوله "عن" . قال إبراهيم بن سعد : مات الزهري سنة 124 هـ . من الثالثة .
محمد بن مصفى :
قال أبو حاتم بن حبان : سمعت الحسن بن جوصا ، يقول : سمعت أبا زرعة الدمشقي ، يقول : كان صفوان بن صالح ومحمد بن مصفى يسويان الحديث كبقية بن الوليد . ذكره في آخر مقدمة الضعفاء ، وقد تقدم الكلام على صفوان بن صالح في الصاد ، من الثالثة .
محمد بن عبد الملك الواسطي الكبير ، أبو إسماعيل :(11/35)
روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته ، وعنه وهب بن بقية ، وصفه ابن حبان بالتدليس ، وكذا أطلق عليه الذهبي في تذهيب التهذيب ، من الثالثة .
(ع) مخرمة بن بكير بن عبدا لله بن الأشج :
قال ابن المديني : سمع من أبيه قليلا ، وقيل لم يسمع منه شيئا وحدث عنه بالكثير . وقال أبو داود : لم يسمع منه إلا حديث الوتر . وصفه زكريا الساجي بالتدليس ، وقال مالك : حلف لي مخرمة أنه سمع من أبيه . موسى بن سلمة قلت لمخرمة بن بكير : سمعت من أبيك ؟ فقال : لم أدرك أبي ، وهذه كتبه . مات سنة 159 هـ ، من الأولى .
مروان بن معاوية الفزاري :
من أتباع التابعين كان مشهورا بالتدليس ، وكان يدلس الشيوخ أيضا ، قال ابن معين : ما رأيت أحيل للتدليس منه . وكذا وصفه الدارقطني به ، مات فجأة سنة 193 هـ ، من الثالثة .
مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري :
الإمام المشهور ، قال ابن منده أنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه " قال لنا فلان " وهو تدليس . ورد ذلك الحافظ العراقي وهو كما قال كما تقدم في الكلام على البخاري ، توفي لخمس بقين من رجب سنة 261 وله 57 سنة ، من الأولى .
مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي :
أصله من خراسان ، روى عن أبي خيثمة الجعفي وابن المبارك وغيرهما ، وعنه الحسن بن سفيان وأبو حاتم الرازي وجماعة . قال ابن عدي : كان يصحف . وقال ابن حبان في الثقات : كان يدلس وكفّ في آخر عمره ، من الثالثة .
المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي :
صاحب إبراهيم النخعي ، ثقة مشهور ، وصفه النسائي بالتدليس ، وحكاه العجلي عن ابن فضيل ، وقال أبو داود : كان لا يدلس ؛ وكأنه أراد ما حكاه العجلي أنه كان يرسل عن إبراهيم ، فإذا وقف أخبرهم ممن سمعه . وقال أحمد بن حنبل : وعامة حديثه عن إبراهيم مدخول ، إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي ، وجعل أحمد يضعف " عن إبراهيم النخعي " . قال الإمام أحمد : توفي سنة 133 هـ ، من الثالثة .(11/36)
مقاتل بن حيان النبطي أبو بسطام مولى لبكر بن وائل :
لا يصح له عن صحابي لقي ، إلا عن نفر قليل ، إنما تلك أخبار مدلسة ، كان يسكن مرو مدة وبلخ زمانا ، وله بمرو خطة ، وكان ممن عني بعلم القرآن وواظب على الورع في السر والإعلان ، وهم أخوة أربعة : مقاتل والحسن ويزيد ومصعب بنو حيان . ومات بكابل ، وكان قد هرب من أبي مسلم إليها . قاله ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار ، من الأولى ، قال الحافظ : مات قبل الخمسين ومائة بأرض الهند .
مكحول الشامي :
الفقيه المشهور ، تابعي ، يقال أنه لم يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل ، ووصفه بذلك ابن حبان ، وأطلق الذهبي أنه كان يدلس ، قال الحافظ : ولم أر هذا للمتقدمين إلا في قول ابن حبان . توفي سنة 113 هـ ، من الثالثة .
موسى بن عقبة المدني :
تابعي صغير ، ثقة متفق عليه ، وصفه الدارقطني بالتدليس ، وأشار إلى ذلك الإسماعيلي . قال العلائي : وهذا بعيد . يعني قول الإسماعيلي ، يقال لم يسمع من الزهري شيئا ، لأن البخاري لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء . ثم قال : ولم أر من ذكر موسى بن عقبة بالتدليس غيره . قال البرهان : وقد نظم في المدلسين الإمام أبو محمود ، فقال :
ثم ابن عقبة عن الزهري روى…بعن وقال في البخاري سوى
وقيل لم يسمعه منه فاعلم……والحمد لله فلنختم(11/37)
ثم قال : أنا أستبعد أن يكون ابن عقبة لم يسمع من الزهري وكلاهما مدني ، وقد رأى ابن عقبة جماعة من الصحابة ، وسمع من أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص الصحابية ، وقد توفي الزهري بأطراف الشام بقرية يقال لها شغب _ بفتح أوله وسكون ثانيه _ قرية خلف وادي القرى كانت للزهري ، وبها قبره . و"أبدا" بالفتح والقصر واد قرب أيلة من ساحل البحر ، وقيل بوادي القرى ، مات سنة 124 هـ ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ، وابن عقبة توفي سنة 141 هـ ، وكذا أرخه غير واحد ، وقيل سنة ثلاثين ، وفي ثقات ابن حبان القول الأول ، وقيل سنة 135 هـ ، وقد نقل الذهبي في تذهيبه : الظاهر أنه في التهذيب للمزي عن ابن معين أنه قال : كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب . وقال البرهان : رأيت في الاستيعاب ما قد يشهد لقول الإسماعيلي ، وذلك لأنه ذكر أبو عمر في استيعابه في ترجمة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم _ رضي الله عنها _ ما لفظه : فلم يقم موسى المعنى ، وجاء فيه بالمقاربة وليس موسى بن عقبة في ابن شهاب بحجة إذا خالفه غيره . ومما يرد ما قيل في ابن عقبة ما في كتاب المحدث الفاصل للحسن بن خلاد الرامهرمزي : حدثنا محمد بن مكرم ، ثنا أحمد بن محد المقدمي ، ثنا الفروي ، قال : سمعت مالكا ، يقول : دخلت أنا وموسى بن عقبة ومشيخة كثيرة على ابن شهاب ، فسألنا شاب منهم عن حديث ، فقال : تركتم العلم حتى إذا كنتم كالشن وقد وهى طلبتموه ؟!! ما جئتم والله بخير أبدا . قال القطان : مات سنة 141 هـ ، من الأولى .
(ب) ميمون بن أبي شبيب :(11/38)
متكلم فيه ، قال البرهان : لم أر أحدا من الحفاظ وصفه بالتدليس غير أني رايت بخط بعض الفضلاء الحنفية الفقهاء حاشية في أوائل صحيح مسلم في المقدمة(1) ، قال : قيل : ميمون بن أبي شبيب يدلس ، وقد روى عن المغيرة بالعنعنة ، فلا تقبل روايته . قلنا : مسلم إنما رواه عنه استشهادا بعد أن رواه من حديث ابن أبي ليلى عن سمرة . وما أدري من أين أخذ هذا ، ثم مرّ بي نقل ذلك عن اثنين من الحفاظ وما أدري أين مرّ بي . قال الحافظ في تقريبه : صدوق كثير الإرسال . وفي التهذيب : قال عمرو بن علي : كان رجلا تاجرا كان من أهل الخير وليس يقول في شيء من حديثه ، ولم أخبر أن أحدا يزعم أنه سمع من الصحابة ، وقال أبو داود : لم يدرك عائشة . وقال ابن خراش : لم يسمع من علي . وصحح له الترمذي روايته عن أبي ذر . قتل في الجماجم .
ميمون بن موسى المرئي نسبة إلى امرئ القيس(2) :
صاحب الحسن البصري ، قال الإمام أحمد والنسائي والدارقطني : كان يدلس ، من الثالثة .
_ حرف الهاء _
(ع) هشام بن حسان البصري :
__________
(1) أسند مسلم عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( نم حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) . وأسنده كذلك عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب مرفوعا : " من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) .
(2) بطن من مضر .(11/39)
وصفه بالتدليس علي بن المديني وأبو حاتم ، قال جرير بن حازم : قاعدت الحسن سبع سنين ، ما رأيت هشاما عنده ، قيل له : قد حدث عن الحسن بأشياء فممن تراه أخذها ؟ قال : من حوشب أراه . وقال ابن المديني : كان أصحابنا يثبتون حديثه ويحيى بن سعيد يضعف حديثه عن عطاء ، وكان الناس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب . قال يحيى بن آدم حدثنا أبو شهاب ، قال لي شعبة : عليك بحجاج ومحمد بن إسحاق فإنهما حافظان ، واكتم علي عن البصريين في خالد وهشام . قال الذهبي : هذا قول مطروح ، وليس شعبة بمعصوم من الخطأ في اجتهاده ، وهذه زلة من عالم ، فإن خالدا الحذاء وهشام بن حسان ثقتان ، والآخران فالجمهور على أنه لا يحتج بهما . فهذا هدبة بن خالد يقول عنك يا شعبة أنك ترى الإرجاء ، نسأل الله التوبة . مات سنة 148 ، من الثالثة .
هشام بن عروة بن الزبير بن العوام :
تابعي صغير مشهور ، ذكره بالتدليس أبو الحسن القطان وأنكره الذهبي وابن القطان ، فإن الحكاية المشهورة عنه أنه قدم العراق ثلاث مرات ، ففي الأولى حدث عن أبيه فصرح بسماعه وفي الثانية حدث بالكثير فلم يصرح ... القصة ، وهي تقتضي أنه حدث عنه بما لم يسمعه منه ، وهذا هو التدليس ، وقال ابن المديني : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين . لم أسمع من أبي إلا هذا والباقي لم أسمعه إنا هو عن الزهري ، رواه الحاكم في علومه ، قال العلائي : وفي جعل هشام بمجرد هذا مدلسا نظر . قال : ولم أر من وصفه به . قال أبو نعيم توفي سنة 145هـ ، وقيل سنة ست ، من الأولى .
هشيم بن بشير الواسطي :(11/40)
من أتباع التابعين ، مشهور بالتدليس مع ثقته ، وصفه النسائي وغيره بذلك ، ومن عجائبه في التدليس أن اصحابه قالوا له : نريد أن لا تدلس لنا شيئا ، فواعدهم . فلما أصبح أملى عليهم مجلسا ، يقول في أول كل حديث منه ثنا فلان وفلان عن فلان ، فلما فرغ ، قال : هل دلست لكم اليوم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإن كل شيء حدثتكم عن الأول سمعته ، وكل شيء حدثتكم عن الثاني فلم أسمعه منه . قال الحافظ : فهذا ينبغي أين يسمى تدليس العطف ، من الثالثة .
(ع) الهيثم بن عدي الطائي :
اتهمه بالكذب البخاري ، وتركه النسائي وغيره ، وقال أحمد : كان صاحب أخبار وتدليس ، من الخامسة .
_ حرف الواو _
الوليد بن مسلم الدمشقي :
معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ، ويعاني التسوية التي تقدمت صفتها وحكمها ، وأما الوليد بن مسلم أبو بشر العنبري فتابعي ثقة بصري ، قال دحيم مات سنة 195 هـ ، من الرابعة .
_ حرف اللام ألف _
(ع) لا حق بن حميد أبو مجلز البصري :
التابعي المشهور صاحب أنس ، مشهور بكنيته ، أشار ابن أبي خيثمة عن ابن معين إلى أنه كان يدلس ، وجزم بذلك الدارقطني ، قال خليفة : مات سنة 106 هـ ، من الأولى .
_ حرف الياء _
يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي :
ضعفوه ، قال أبو زرعة وأبو نعيم وابن نمير ويعقوب بن سفيان والدارقطني وغير واحد : كان مدلسا . قال ابن سعد : مات سنة 147 ، من الخامسة .
(ع) يحيى بن سعيد بن قهد _ بالقاف _ بن قيس الأنصاري المدني :
تابعي صغير مشهور ، وصفه بذلك علي بن المديني فيما ذكره عبد الغني بن سعيد الأزدي ، وكذا وصفه به الدارقطني ونقله الذهبي في الميزان عن عبد الغني في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة ، قاله القطان . مات سنة 143 هـ ، من الأولى .
يحيى بن أبي كثير اليمامي :(11/41)
من صغار التابعين ، حافظ مشهور ، كثير الإرسال ، ويقال لم يصح له سماع من صحابي ، ووصفه النسائي بالتدليس ، قال الفلاس : توفي سنة 129 هـ ، من الطلقة الثانية .
(ع) يزيد بن أبي زياد الكوفي :
من أتباع التابعين ، تغير في آخر عمره وضعف بسبب ذلك ، وصفه الدارقطني والحاكم وغيرهما بالتدليس ، من الثالثة .
(ع) يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني :
مشهور بكنيته ، وهو من أتباع التابعين ، وثقه ابن معين وغيره ووصفه حسين الكرابيسي بالتدليس ، مات سنة 100 هـ ، من الثالثة .
يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني الدمشقي :
وصفه أبو مسهر بالتدليس ، مات سنة 130 هـ ، من الثالثة .
يزيد بن هارون الواسطي :
أحد الأعلام ، من أتباع التابعين ، قال : ما دلست قط إلا في حديث واحد فما بورك لي فيه . قال يعقوب بن شيبة : توفي سنة 206 هـ . من الأولى .
يعقوب بن عطاء بن أبي رباح :
في ترجمته في ثقات ابن حبان ما يقتضي ذلك . مات سنة 155 هـ .
(ع.س) يونس بن عبيد البصري :
من حفاظ البصرة ، ثقة مشهور ، وصفه النسائي بالتدليس ، وكذا ذكر السلمي عن الدارقطني ، قال ابن سعد : مات سنة 140 هـ ، من الثانية .
(ع) يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري :
روى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي حديث أنس الذي أخرجه ابن ماجه . وأشار الذهبي إلى أن يونس سواّه ، تفرد عن الشافعي بذاك الحديث ( لا مهدي إلى عيسى ) ، وهو منكر جدا . مات سنة 164 هـ ، من الثانية .
(ع) يونس بن أبي إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي :(11/42)
حافظ مشهور كوفي ، يقال أنه روى عن الشعبي حديثا وهو حديثه عن الحارث عن علي رضي الله عنه حديث : ( أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ) فأسقط الحارث ، وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق ؟ فقال : كذا وكذا . قال الذهبي : هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيرا فيما يجيبه والده وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين ، توفي سنة 159 . قاله ابن سعد ، من الطبقة الثانية .
_ الكنى _
(ب) أبو إسرائيل الملائي ، اسمه إسماعيل بن خليفة العبسي :
متكلم فيه وخرج الترمذي من طريقه عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حديث ( لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر ) ، قال الترمذي : لم يسمع أبو إسرائيل هذا الحديث من الحكم . قال : إنما رواه عن الحسن بن عمارة عنه . مات سنة 169 عن أكثر من 80 سنة ، من الخامسة .
أبو حرة الرقاشي ، واسمه واصل بن عبد الرحمن :
صاحب الحسن وعنه يحيى بن سعيد القطان ، وصفه أحمد والدارقطني بالتدليس ، قال الفلاس : مات سنة 152 هـ ، من الثالثة .
أبو سعيد البقال :
واسمه سعيد بن المرزبان ، متكلم فيه ، مشهور بالتدليس ، رماه به أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم ، قال ابن المبارك : قلت لشريك بن عبد الله النخعي : تعرف أبا سعد البقال ؟ فقال : أي والله أعرفه ؛ عالي الإسناد ، أنا حدثته عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم ، وروى عن عبد الله بن معقل عن ابن مسعود حديث ( الندم توبة ) فتركني وترك عبد الكريم وزياد بن أبي مريم وروى عن عبدالله بن معقل عن ابن مسعود هذا الحديث . مات سنة بضع وأربعين ومائة ، من الخامسة .
أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي :
ذكر الذهبي في الميزان أنه كان يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم ، وكان له صحف يحدث منها ويدلس . قال خليفة : مات بالشام سنة 104 وقيل سنة 6 وقيل سنة 7 ، من الأولى .
(ع) أبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود :(11/43)
ثقة مشهور . حديثه عن أبيه في السنن وعن غيره في الصحيح واختلف في سماعه من أبيه ، والأكثر على أنه لم يسمع منه ، وثبت له لقاؤه وسماع كلامه ، فروايته عنه داخلة في التدليس ، وهو أولى بالذكر من أخيه عبد الرحمن . توفي سنة 81 هـ ، من الثالثة .
هذا آخر الرسالة في المدلسين ، تمت ولله الحمد والمنة فما كان فيها صوابا فمن الله ، وما كان فيها من خطأ فمن قصوري .
فرغ من تبييضها يوم الأحد الموافق الرابع من ذي الحجة سنة 1403 . بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(11/44)