فالحاصل أن المسلم لا يجوز له أن يكون معينًا لأهل الباطل، ولا يكون أجيرًا في أماكن الشرك، ومواطن الوثنية كالكنائس والأضرحة وغير ذلك من أعمال الكفار والمشركين، لأنه بذلك يكون معينًا لهم على الباطل ومقرًّا لهم على المنكر، ويكون كسبه حرامًا، والعياذ بالله .
123 ـ أنا رجل متزوج وقد حصل ذات مرة سوء تفاهم بيني وبين زوجتي فضربتها ضربًا شديدًا، ومن شدة غضبها قد مزقت ثيابها التي كانت عليها، وقد سمعت أن من يشق ثوبه فإنه يخرج من الدين، ويجب عليه أن يذهب إلى شيخ ليقرأ عليه آيات من القرآن وأحاديث نبوية وهو يردد خلفه وبذلك يكون أعاده الشيخ إلى دينه، فهل هذا صحيح وهل عليَّ إثم في ضرب لها ضربًا شديدًا أم لا ؟
أولاً : أنت أخطأت في تصرفك في ضربها؛ لأنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته إلا بمبرر شرعي، وبالحد الذي أذن فيه الشرع كما إذا نشزت وامتنعت من طاعته، فإن الله جل وعلا يقول : { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ سورة النساء : آية 24 ] .
أما بالنسبة لما فعلته هي من شق ثيابها فهذا خطأ منها، لأن المسلم لا يجوز له أن يشق ثيابه عند الجزع، وهذا من أفعال الجاهلية، والواجب على المسلم الصبر والاحتساب، فما عملته هذه المرأة لا يجوز، لأنه ينبئ عن الجزع، ولكن لا تخرج بذلك من الدين، ولكن هذا أمر لا يجوز وحرام عليها، وأما الذهاب إلى شيخ ليعمل كذا وكذا فهذا خطأ كبير، وهذا ليس من دين الإسلام فالمذنب إذا حصل منه ذنب فإنه يتوب إلى الله عز وجل بدون أن يذهب إلى شيخ، وإنما هذا من فعل النصارى فهم الذين يذهبون إلى رهبانهم وكنائسهم ليخلصوهم من المعصية كما يزعمون، أما المسلم فإن الله أمره بالتوبة بينه وبينه، والله جل وعلا يقبل التوبة ممن تاب ولا يحتاج أن يذهب إلى شيخ، والله أعلم .
124 ـ ما رأيكم بفتح عيادات متخصصة للقراءة ؟(83/6)
هذا لا يجوز أن يفعل؛ لأنه يفتح باب فتنة، ويفتح باب احتيال للمحتالين، وما كان هذا من عمل السلف أنهم يفتحون دورًا أو يفتحون محلات للقراءة . والتوسع في هذا يحدث شرًّا، ويدخل فيه فساد، ويدخل فيه من لا يحسن، لأن الناس يجرون وراء الطمع، ويريدون أن يجلبوا الناس إليهم ولو بعمل أشياء محرمة، ولا يقال : هذا رجل صالح؛ لأن الإنسان يفتن والعياذ بالله، ولو كان صالحًا ففتح هذا الباب لا يجوز .
125 ـ سائل يقول : زوجتي تعاني من أمراض مختلفة وعرضت على أطباء فأفادوا بعدم وجود أي أمراض عضوية، وهي تشك أن بها سحرًا، وكثيرًا ما تطلب مني عرضها على بعض الأشخاص الذين يكشفون السحر، وأنا أرفض لما في ذلك من التحريم وأنا لا أحس بالراحة والحياة الزوجية معها . فما رأي فضيلتكم وما هو الحل . ؟
أولاً ما كل من أصيب بمرض يكون مسحورًا، فالأمراض كثيرة، فما كل مرض يكون سحرًا، فهذا من باب الظن، والواجب ترك هذا الظن وهذا الوسواس، والإلحاح على الله بالدعاء، وعمل الرقية الجائزة الشرعية بقراءة القرآن على هذه المريضة، والإكثار من ذلك، وتعويذها بالتعويذات الشرعية . وأيضًا لا بأس بالذهاب إلى الأطباء النفسانيين ربما يعرفون نوع مرضها وعندهم علاج لهذا الشيء .
وحتى لو ثبت أنه سحر، فالسر لا يحل بسحر مثله، وإنما يحل بالعلاج الشرعي، الذي هو قراءة القرآن، وإذا كان هناك أدوية مباحة معروفة لحل السحر فإنها تستعمل .(83/7)
ولا يذهب إلى السحرة لأجل حل السحر؛ لأن هذا لا يجوز قال الحسن : لا يحل السحر إلا ساحر (15). ولما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النشرة قال : ( هي من عمل الشيطان ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 3/294 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/5، 6 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 9/351 ) ، كلهم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . وانظر " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " ( 5/102 ) ] . والنشرة هي حل السحر عن المسحور بسحر بمثله .
126 ـ هل يجوز الذهاب بالمرأة المسحورة إلى أحد المشائخ للقراءة عليها ؟
إذا كان هذا الشيخ معروفًا بالصلاح والدين وصلاح العقيدة، ويقرأ عليها من القرآن مع التستر والاحتجاب وعدم الخلوة بها، والشيخ يكون عنده تحفظ من الفتنة فلا بأس بذلك، لعدم المحذور .
أما إذا كان هذا الشخص غير معروف لا بسلامة العقيدة فلا يذهب إليه أو كان من المتساهلين في أمور النساء ولمس النساء والنظر إلى النساء فلا يذهب إليه لوجود الفتنة في هذا .
127 ـ هناك عائلة تشكو من كثرة المشاكل بشكل ملحوظ جدًّا، وهنا خلافات بين هذه العائلة وقد كان لهم احتكاك ببعض الجنسيات التي يسهل عندهم عمل السحر وسبب شكهم في ذلك أنهم وجدوا في أحد حقائب الخادمات بعضًا من الأظافر والشعر، وسؤالهم كيف العلاج وهم لا يدرون مكان السحر وكيف يعالجون هذا . ؟
يأخذون هذا الذي وجدوه ويتلفونه ويبادرون بتسفير هذه الخادمة وإبعادها عن البلاد ولا يتركونها لا عندهم ولا عند غيرهم .
128 ـ ما حكم استعمال الحجب ؟ وهل الذي يعمل هذه الحجب يكون من الكهان والسحرة ؟
الحجب إذا كانت بغير كلام عربي أو كانت حروفًا مقطعة فإنها لا يجوز تعليقها واستعمالها بإجماع أهل العلم .(83/8)
أما إن كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن أو من الأحاديث والأدعية الشرعية فهذه فيها خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنها لا تجوز أيضًا؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن تعليق التمائم . والتمائم هي ما يعلق من التعويذات سواء كانت من القرآن أو من غيره .
129 ـ ما رأي فضيلتكم في امرأة تضع المصحف بجانب طفلها الصغير بقصد حمايته من الجن . عند انشغالها وتركه وحده ؟
هذا لا يجوز لأن فيه إهانة للمصحف الشريف ولأنه عمل غير مشروع .(83/9)
11 ـ أحكام الجنائز والقبور وبدعها
130 ـ أمرنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نستغفر لصاحبنا عند القبر، وأن نسأل له التثبيت (1)رواه أبو داود في سننه ( 3/213 ) من حديث هاني مولى عثمان بن عفان رضي الله عنهما " ، ولم يحدد لنا كيفية ذلك أو يخصص الأمر بما يفيد الترجيح لأي كيفية في الدعاء سرًّا وجهرًا، فهل دعاؤنا للميت عند القبر عبادة أم من الفضائل . . ؟ وهل يستوي الدعاء سرًّا وجهرًا . . ؟ أم أن الدعاء سرًّا من السنة والدعاء جهرًا من البدعة كما يراه بعض الأخوة . . ؟ علمًا بأن الأمر بالدعاء خطاب مطلق يحتمل السر والجهر، وترجيح إحدى الكيفيتين يقتضي الدليل الترجيحي، فهل من دليل على الدعاء سرًّا والدعاء جهرًا، من الكتاب أو السنة أو الإجماع القولي أو الإجماع الفعلي من الصحابة رضي الله عنهم . . ؟
أمرنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالاستغفار للميت المسلم وسؤال التثبيت له بعد دفنه مباشرة، وعَلَّلَ ذلك بأن هذا الوقت وقت سؤال الملكين له، فهو بحاجة للدعاء له بالتثبيت وطلب المغفرة (2) ، ولم يرد في الحديث أنهم جهروا بالدعاء والاستغفار .
ومعلوم أن الإسرار بالدعاء والاستغفار أفضل من الجهر لأنه أقرب إلى الإخلاص، ولأن الله سبحانه يسمع الدعاء سرًّا كان أو جهرًا، فلا يشرع الجهر إلا بدليل، علاوة على أن الجهر يحصل به تشويش على الآخرين، ولم يعرف - فيما أعلم - أن السلف كانوا يجهرون بالدعاء عند القبر بعد دفنه أو يدعون بصوت جماعي، وقد روى أبو داود النهي عن اتباع الميت بصوت أو نار (3)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 24/294 ) قال قيس بن عبَّاد - وهو من كبار التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال، وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة انتهى .(84/1)
وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يرفعون الأصوات بالدعاء للميت لا مع الجنازة ولا بعد الدفن عند القبر وهم أعلم الناس بالسنة، فيكون رفع الصوت بذلك بدعة . . والله أعلم .
131 ـ من العادات المعروفة والمشهورة عندنا تلقين الميت بعد وضعه في قبره وبعد أن يوارى عليه التراب، ونرى أن معظم العلماء على هذا وبعضهم لا يلقي له بالاً - أعني : علماء بلدنا - ويستشهدون على ذلك بأنه قد ثبت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما توفي ابنه إبراهيم أنه وقف عليه الصلاة والسلام عند قبره ولقنه فقال أحد الصحابة : يا رسول الله أنت خير الخلق وبعد وفاتك من يلقننا ؟ فقال لهم : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ . . . } [ سورة إبراهيم : آية 27 ] الآية .
والسؤال : ما مدى صحة هذا الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ وإذا كان التلقين مشروعًا ما هي صيغته وكيفيته ؟ ونرجو أن تقرنوا الإجابة بالأدلة المقنعة ما أمكن ذلك . وجزاكم الله خيرًا ؟
التلقين المشروع هو تلقين المحتضر عند خروج روحه بأن يلقن : لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/631 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] يعني عند الاحتضار لتكون هذه الكلمة العظيمة آخر كلامه من الدنيا حتى يلقى الله تعالى بها، ويختم له بها، فيلقن هذه الكلمة وهو في الاحتضار برفق ولين، وإذا تلفظ بها فإنها لا تعاد عليه مرة أخرى إلا إذا تكلم بكلام آخر، فإن تكلم بكلام آخر فإنها تعاد عليه برفق ولين ليتلفظ بها، وتكون آخر كلامه، هذا هو التلقين المشروع .(84/2)
أما بعد خروج الروح فإن الميت لا يلقن لا قبل الدفن ولا بعد الدفن، ولم يرد بذلك سنة صحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم، وإنما استحب تلقين الميت بعد دفنه جماعة من العلماء، وليس لهم دليل ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الحديث الوارد في ذلك مطعون في سنده، فعلى هذا يكون التلقين بعد الدفن لا أصل له من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما قال به بعض العلماء اعتمادًا على حديث غير ثابت .
فالتلقين بعد الدفن لا أصل له في السنة، وإنما التلقين المشروع هو عند الاحتضار، لأنه هو الذي ينفع المحتضر ويعقله المحتضر لأنه مازال على قيد الحياة ويستطيع النطق بهذه الكلمة وهو لا يزال في دار العمل، أما بعد الموت فقد انتهى العمل .
132 ـ بعد دفن الميت في قبره أليس من المشروع أو من المطلوب الدعاء له وسؤال التثبيت له كما أمر بذلك الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض الأحاديث ؟
نعم الثابت عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنسبة للميت بعد دفنه أنه كان يقف على قبره ويدعو له ويستغفر له ويقول لأصحابه : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/213 ) من حديث هاني مولى عثمان بن عفان رضي الله عنهما ] .
فالذي يشرع للمسلمين إذا دفنوا الميت وانتهوا من دفنه أن يقفوا على قبره، وأن يستغفروا له، وأن يسألوا الله له التثبيت؛ لأنه وقت سؤال الملكين في القبر فيقولون : اللهم اغفر له، اللهم ثبته، ويكررون هذا الدعاء المبارك، فإن الله ينفعه بذلك؛ لأن دعاء المسلمين للأموات يرجى وصوله إليهم وانتفاعهم به .(84/3)
وأما ما يفعله الجهال والقبوريون من أنهم يطلبون من الميت أن يدعو لهم، وأن يستغفر لهم وأن يشفع لهم، فهذا عكس ما شرعه الله ورسوله، وهذا من المحادة لله ورسوله، إنما المشروع العكس أن الحي هو الذي يدعو للميت ويستغفر له، والله جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ سورة محمد : آية 19 ] وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا مرَّ بالقبور استقبلهم بوجهه عليه الصلاة والسلام، وقال : ( السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن في الأثر، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ) [ ورد بألفاظ . . انظر مثلاً " صحيح الإمام مسلم " ( 2/671 ) ، من حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما، وانظر " سنن النسائي " ( 4/94 ) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما ] .
أما ما يفعل مع الجنائز من هذه البدع المحدثة ومن الأمور التي اعتادها الناس وهي ليس لها أصل في شريعة الإسلام، فالواجب الحذر منها والمنع منها والتحذير منها .
133 ـ هل ذبح الذبائح ليلة دخول الميت القبر جائز من الناحية الشرعية وهي ما يسميه الناس ( عشاء الميت ) حيث يدعى لها الناس ليأكلوا من هذه الذبائح ويعتبرون ذلك صدقة عن روح الميت ؟
ذبح الذبائح ليلة وفاة الميت وإطعام الناس من هذه الذبائح وهذه الوليمة هذا من البدع المحرمة؛ لأنه لم يرد في الشرع ما يدل على هذا العمل وعلى تخصيص وقت معين بالصدقة عن الميت .(84/4)
ومن ناحية ثانية هذا إجحاف بالورثة ( ورثة الميت ) إذا كانت هذه الذبائح وهذا الطعام من تركة الميت، وربما يكون فيهم صغار وفقراء، فيكون هذا إجحافًا بهم علاوة على ما ذكرنا من أن هذه بدعة في الشرع لا يجوز عمله والاستمرار عليه، ومن أراد أن يتصدق عن الميت بطعام أو لحم أو غير ذلك فإنه يتصدق عنه من ماله الخاص وفي أوقات الحاجة دون تقيد بليلة معينة أو وقت معين . والعوائد المخالفة للشرع لا يجوز العمل بها .
134 ـ ما هي الطريقة الشرعية لعمل المآتم أو المعازي ؟ وما هي الطريقة الشرعية للقيام بالعزاء والمواساة ؟
ليس من الشرع إقامة المآتم، بل هذا مما نهى الله عنه؛ لأنه من الجزع والنياحة والابتداع الذي ليس له أصل في الشريعة .
وأما المشروع في العزاء فهو إذا لقيت المصاب أن تدعو له وتدعو للميت، فتقول : أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك، وغفر الله لميتك، إذا كان الميت مسلمًا . هذا هو العزاء المشروع وفيه دعاء للحي المصاب ودعاء للميت المسلم . ولا بأس - بل يستحب - أيضًا أن يصنع طعام ويهدي لأهل الميت إذا كانوا قد اشتغلوا عن الطعام وعن إصلاح الطعام بالمصيبة فينبغي لجيرانهم ومن يعلم حالهم أن يصنع لهم طعامًا ويهديه إليهم .
أما إقامة المآتم وإقامة السرادقات وجمع الناس والقراء وطبخ الطعام فهذا لا أصل له في دين الإسلام .
135 ـ كيف يكون العزاء في الميت ؟ وهل هو بالاجتماع في منزل المتوفى طوال الثلاثة أيام مع ما يحصل من لهو وغيبة ويقولون : إنها تسلية لأهل الميت ؟ وكذلك الذبح للقادمين للعزاء ولأهل الميت وكذلك الذبح للمتوفى بقولهم : إنها صدقة عنه وتوزيعها على الجماعة ؟ ولأن سؤالي هذا ذو أهمية أود منكم إصدار نشرة أو كتيب . ؟(84/5)
تعزية أهل الميت بميتهم مشروعة لأنها من باب المواساة، ولكن تكون في حدود ما ذكره أهل العلم من الدعاء للمصاب والدعاء للميت وتكون في أيام المصيبة، ومن التعزية لأهل الميت صنعة الطعام لهم وتقديمه إليهم إذا شغلتهم المصيبة عن صنعة الطعام لأنفسهم كما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يصنع لآل جعفر طعامًا لأنه جاءهم ما يشغلهم [ (4) ] . ويكون هذا الطعام بقدر حاجة أهل الميت .
أما التوسع في العزاء بالاجتماعات الكبيرة وعمل الولائم واستئجار المقرئين فكل هذه الأمور آصار وأغلال أو بدع ما أنزل الله بها من سلطان يجب على المسلمين تركها والتحذير منها .
وقد كتبت في هذا الموضوع رسالة في أحكام الجنائز وفي آخرها تكلمت عن هذه المسألة، وقد طبعت الرسالة ضمن مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأيضًا يعاد طبعها الآن في إحدى دور النشر ونرجو أن تحصل عليها .
136 ـ إعلانات التعازي في الصحف والشكر على التعزية والإعلان عن وفاة شخص . . ما رأي الشريعة في ذلك . ؟(84/6)
الإعلان في الصحف عن وفاة شخص إذا كان لغرض صحيح وهو أن يعلم الناس بوفاته فيحضروا للصلاة عليه وتشييعه والدعاء له، وليعلم من كان له على الميت دين أو حق حتى يطالب به أو يسامحه، فالإعلان لأجل هذه الأغراض لا بأس به، ولكن لا يبالغ في كيفية نشر الإعلان من احتجاز صفحة كاملة من الصحيفة، لأن ذلك يستنفذ مالاً كثيرًا لا داعي إليه . ولا تجوز كتابة هذه الآية التي اعتاد كثير من الناس كتابتها في الإعلان عن الوفاة وهي قوله تعالى : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي } [ سورة الفجر : الآيات 27-30 ] لأن هذا فيه تزكية للميت وحكم بأنه من أهل الجنة، وهذا لا يجوز، لأنه تقوُّل على الله سبحانه وشبه ادعاء لعلم الغيب، إذ لا يحكم لأحد معين بالجنة إلا بدليل من الكتاب والسنة، وإنما يرجى للمؤمن الخير ولا يجزم له بذلك . . والله الموفق .
137 ـ عندنا عادة : عندما يموت شخص فإنهم قبل دفنه يذهبون إلى قبرة على قبر ولي كما يزعمون ويقولون : إن الحضرة النبوية توجد عند هذه القبة، والغرض من ذلك كما يعتقدون هو أن لا يعذب في قبره بل ولا يحاسب، فما حكم هذا العمل ؟
هذا من الباطل وأعمال الجاهلية، والبناء على القبور مما نهى عنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد النهي، قد نهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبنى على القبر (5) وأن يجصص (6)، أو يكتب عليه (7) ، أو يسرج بالمصابيح (8) ، فالبناء على القبور من أفعال الجاهلية ومن وسائل الشرك .
وكذلك الذهاب بالجنازة إلى قبر الولي لا يجوز، وإذا كان يعتقد لذلك أن الولي ينفع الميت وأنه تغفر للميت ذنوبه فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن هذا معناه الاستغاثة بالميت صاحب القبر وطلب البركة منه والشفاعة منه، وهذا من الشرك الأكبر .(84/7)
وأما قولهم : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحضر عند هذا الضريح فهذا من الخرافات والأباطيل التي يروجها شياطين الإنس والجن ليغرروا بالجاهلين والعوام ويعلقوهم بالقبور والأضرحة، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن البناء على القبور، ونهى عن طلب الحوائج منها أو الاستشفاع بها، فكيف يحضر عليه الصلاة والسلام عندها وهو قد حرمها ونهى عنها ؟ !
138 ـ إذا مات أحد عندنا نأتي بالخطيب يقرأ القرآن لمدة خمسة أيام، وبعدها نذبح ذبيحة ونفرقها على الناس، وهذه عادة وجدناها وسرنا عليها، ما حكم هذا العمل يا فضيلة الشيخ بارك الله فيكم ؟
هذا العمل بدعة محرمة، فاستئجار المقرئ خمسة أيام يقرأ بعد وفاة المريض، لا أصل له في دين الإسلام ولا ينفع الحي ولا الميت، وديننا الحنيف وشرعنا المطهر بيَّن لنا ما يُعمل بالميت، وأنه يجهز بالتغسيل، والتكفين، ويصلى عليه، ويدفن، ويدعى له ويحج عنه ويعتمر، ويتصدق عنه، ويضحى عنه في وقت الأضحية؛ هذا ما يشرع في حق الميت .
أما أن نستأجر من يقرأ القرآن أيامًا معينة ونذبح ذبيحة في ختامها كل هذا من الآصار والأغلال ومن البدع والخرافات، وهذه لا تنفع الحي ولا الميت، وإنما هي من الأعمال الضارة والأعمال البدعية، وأي أجر يأتي من قراءة مستأجرة؛ لأن هذا القارئ لا يقرأ طمعًا في ثواب القراءة وإنما يقرأ طمعًا في الأجر الذي يدفع له، والعبادات لا يؤخذ عليها أجور .
139 ـ ما هي الأشياء التي ينتفع بها الميت من قبل الأحياء ؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية، نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل أفتونا بارك الله فيكم ؟(84/8)
ينتفع الميت من عمل الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته . وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت . والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى } [ سورة النجم : آية 39 ] والله أعلم .
140 ـ ما حكم الشرع في نظركم فيمن جمع قومًا ليتلوا كتاب الله بقصد أن تعود فائدة الذكر لصاحب الدعوة أو لشخص متوفى ؟
إن تلاوة القرآن من أفضل القربات، والله جل وعلا أمرنا بتلاوة كتابه وبتدبره وتأمل معانيه، أما أن يتخذ للتلاوة شكلاً خاصًا أو نظامًا خاصًا هذا يحتاج إلى دليل .
ومثل ما ذكره السائل من جمع الناس ليقرءوا القرآن لتحصل له الفائدة أو يهدى ثوابه للأموات هذا لا دليل عليه على هذه الصفة، وإنما هو بدعة من البدع، وكل بدعة ضلالة هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن هؤلاء المقرئين إذا كانوا يقرءون بالإيجار كما هو الواقع من كثير منهم، فهذه القراءة لا ثواب فيها؛ لأنهم لم يقرءوا القرآن تعبدًا لله عز وجل، وإنما قراءة من أجل الأجرة، والعبادات إذا فعلت من أجل الأجرة، فإنها لا ثواب فيها وإرادة الإنسان بعمله الدنيا . هذا مما يبطل العمل .
وإنما تنفع قراءة القرآن إذا كان القصد منها التقرب إلى الله من القارئ ومن المستمع، وأن تكون على الصفة المشروعة لا الصفة المحدثة والرسوم التي أحدثها الجهال وابتدعوها فمثل هذه القراءة على هذا الشكل وإهداء ثوابها للأموات أو الأحياء من البدع المحدثة ولا ثواب فيها .(84/9)
فالواجب على المسلم أن يترك مثل هذا العمل، وإذا أراد أن ينفع الأموات فإنه ينفعهم بما وردت به الأدلة من الترحم عليهم والاستغفار لهم والدعاء لهم والتصدق عنهم والحج أو العمرة عن الميت، هذه هي الأمور التي وردت الأدلة بأنها تنفع المسلمين أحياء وأمواتًا، أما فعل شيء لم يقم عليه دليل من الشرع فهذا يعتبر من البدع المخالفة .
141 ـ ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا ؟
الأعمال هي برهما في حياتهما، والإحسان إليهما بالقول والعمل، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما، والكلام الطيب معهما وخدمتهما، لقوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ سورة الإسراء : آية 23 ] خصوصًا في كبرهما .
أما بعد الممات فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء والصدقة لهما والحج والعمرة عنهما وقضاء الديون التي في ذمتهما، وصلة الرحمن المتعلقة بهما وكذلك برُّ صديقهما وتنفيذ وصاياهما المشروعة .
142 ـ زوجي استشهد منذ سنتين وكنت أصلي قبل أن يستشهد لنفسي، وبعد أن استشهد بدأت أصلي لي وله منذ سنتين، وأنا على هذه الحالة فهل يجوز لي ذلك أم لا ؟
لا يصلي أحد عن أحد، ولكن عليك بالدعاء لزوجك والإكثار من الدعاء والاستغفار له والتصدق عنه .
أما الصلاة فإنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يُصلى عن الميت ولا عن الحي؛ لأن الصلاة لا تدخلها النيابة لأنها عمل بدني، وقد شرع الله الدعاء للأموات والاستغفار لهم والصدقة عنهم إذا كانوا مسلمين، وفي ذلك كفاية إذا تقبله الله .
143 ـ إذا توفي شخص وهو لا يصلي في حياته بتاتًا أو كان يصلي حينًا ويتركها أحيانًا ؟ فهل يجوز أن تؤدى عنه الصلاة بعد وفاته ؟ وإذا لم يكن ذلك جائز فهل ينفع أن يتصدق عنه أو يقرأ القرآن له ؟ وما هي الأشياء التي ينتفع بها الميت بعد وفاته مما خلفه ؟(84/10)
أولاً : الصلاة لا تفعل عن أحد، لا يصلي أحد عن أحد؛ لأن الصلاة عملٌ بدنيٌّ لا تدخله النيابة لا عن الحي ولا الميت .
ثانيًا : من ترك الصلاة متعمدًا واستمر على ذلك حتى مات فإنه كافر - والعياذ بالله - لا يجوز للمسلم أن يترحم عليه ولا يدعو له ولا يتصدق عنه، لأنه مات على الكفر .
أما بالنسبة لما يلحق الميت بعد وفاته من الأعمال فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1255 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
فهذه الأمور تلحق الميت إذا أوقف وقفًا ينتفع به في سبيل الخير، واستمر هذا الوقف يفعل بعد وفاته فإنه يلحقه الأجر ما بقي هذا الوقف، كذلك إذا علَّم علمًا ينتفع به من العلوم الشرعية النافعة فإن هؤلاء المتعلمين الذين صاروا ينفعون الناس من بعده يعود إليه الأجر وهو ميت؛ لأنه علَّم الخير، وكذلك إذا ألَّف مؤلفات ينتفع المسلمون بها، فإن هذا علمٌ ينتفع به ويعود أجره له ما انتفع بهذه المؤلفات وما بقيت .
وكذلك إذا طبع كتبًا نافعة وأوقفها على المسلمين ينتفعون بها أو مصاحف من القرآن الكريم، كل هذا من العلم الذي ينتفع به بعد موته، ويلحق من بذل فيه، الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى .
وكذلك الذرية الصالحة الذين يدعون له من ذكور وإناث فإن هذا يلحقه الأجر إذا تقبل الله دعواتهم .
كذلك الصدقة عن الميت، لأنه ورد أن الميت يتصدق عنه، وأن ذلك ينفعه، وعمم بعض من أهل العلم أنه أي طاعة فعلها مسلم وجعل ثوابها لأي مسلم حي أم ميت أن ذلك ينفعه .
كذلك الحج ورد في الدليل أنه ينفع الميت وأنه يبرئ ذمته إذا كان واجبًا عليه وينفعه إذا كان تطوعًا، فالحج والصدقة والدعاء والوقف كل هذا مما يلحق الميت بعد وفاته .(84/11)
144 ـ إذا نذر الإنسان نذرًا وقال على سبيل المثال : ( إن شفى الله مريضي لأذبحن ذبيحة لله عند قبر فلان تقربًا لله ) ، فهل يجوز مثل هذا العمل ؟ وهل هناك أماكن نهي عن الذبح فيها لله تعالى ؟
إذا نذر أن يذبح لله عند قبر من القبور، فهذا نذر معصية لا يجوز الوفاء به، والذبح عند القبور إن كان القصد منه التقرب إلى صاحب القبر فهو شرك أكبر يُخرج من الملة ولو ذكر اسم الله على الذبيحة .
وإن كان القصد منه التقرب إلى الله فهو معصية كبيرة ووسيلة من وسائل الشرك؛ لأنه لا يجوز التّعبُّد عند القبور، فلا يجوز لنا أن نصلي عند القبور ولا أن ندعو عند القبور، ولا أن نذبح عند القبور، وإن كنا لا نقصد إلا الله؛ لأن هذا مشابهة للمشركين وهو وسيلة إلى الشرك .
روى أبو داود بسنده عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال : نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد ؟ ) قالوا : لا، قال : ( فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ ) ، قالوا : لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/235 ) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ] ، وإسناده على شرط الشيخين .
قال في " فتح المجيد " : قلت : وفيه سد الذريعة وترك مشابهة المشركين، والمنع مما هو وسيلة إلى ذلك (9) . انتهى .
وبهذا يتبين أنه لا يجوز الذبح لله تعالى عند القبور، ولا في الأماكن التي كان فيها أوثان للمشركين ولو كانت قد أزيلت، ولا في المواطن التي يتخذها المشركون مكانًا لأعيادهم وشعائرهم .(84/12)
145 ـ كيف تكون زيارة القبور ؟ وهل يجوز الدعاء للأموات عند القبر ؟ وهل يكون الواقف أمام القبر مستقبلاً القبلة أم مستدبرها ؟ وما أفضل الأيام لزيارة القبور إذا كان هناك فضيلة ؟ وهل يجوز وضع حجر محفور عليه حرف كرمز يدل على القبر لكي يستدل عليه الزائر ؟
زيارة القبور بقصد الدعاء للأموات المسلمين والترحم عليهم وبقصد الاعتبار والتذكر زيارة مستحبة، قال صلى الله عليه وسلم : ( زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة ) [ انظر " فتح المجيد " ( 1/284 ) بتحقيق الدكتور الوليد بن عبد الرحمن آل الفريان ] ، وإنما تكون مشروعة في حق الرجال، أما النساء فيحرم عليهن زيارة القبور لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/671 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : ( . . فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/9 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/216 ) من حديث بريدة رضي الله عنه بلفظ : ( . . فزوروها فإن في زيارتها تذكرة ) ] ، وهذا يدل على شدة تحريم زيارة النساء للقبور، لما فيهن من الفتنة؛ ولأن المرأة ضعيفة قد يحصل منها ما لا يجوز من الأفعال والأقوال كالجزع والنياحة .
وكذلك إذا كان القصد من زيارة القبور التبرك بها وطلب الحوائج من الأموات والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم، كما يُفعل اليوم عند الأضرحة، فهذه زيارة شركية لا تجوز لا للرجال ولا للنساء .(84/13)
وكذا إن كان القصد من زيارة القبور الصلاة عندها والدعاء عندها بحيث يظن أن في ذلك فضيلة، فهذه زيارة بدعية، وهي وسيلة من وسائل الشرك، وقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد وأماكن للعبادة والدعاء، وقد لعن ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اتخذ القبور مساجد (10) ، ونهى وشدد عن البناء عليها (11)، وعن إسراجها (12) والكتابة عليها (13) ، وعن تجصيصها (14) ، لأن هذه الأفعال من وسائل الشرك .
وإذا زار القبر الزيارة الشرعية فإنه يقف أمام وجهه ويستقبله ويستدبر القبلة ويسلم عليه، وليس للزيارة وقت محدد ولا يوم معين، ويجوز وضع حجر على القبر ليعرفه إذا زاره (15) ، ولا يجوز أن يكتب عليه شيئًا (16) ، لأن هذه وسيلة إلى تعظيمها ووقع الشرك عندها، وسواء كانت الكتابة حرفًا أو أكثر كل ذلك محرم وممنوع لما يؤول إليه من الشرك وتعظيم القبور والغلو بها .
146 ـ هل صحيح ما يقال : إن الله لعن زائرات القبور ؟ وقد سمعت بعض الناس يقولون : إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إذا ضاقت الصدور عليكم بزيارة القبور ) ، وأنا أزور قبر زوجي كل يوم خميس وأقرأ الفاتحة على روحه وأترحم على جثمانه دون بكاء أو عويل، ثم أعود، هل عليَّ شيء في ذلك ؟
أما ما ذكرت من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعن زائرات القبور، فقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسند صحيح أنه قال : ( لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها السرج ) لا يجوز للمرأة أن تزور القبور لا قبر زوجها ولا غيره؛ لأنها لو فعلت ذلك استحقت اللعنة، وما فعلتيه على قبر زوجك من زيارة وقراءة الفاتحة عليه كل هذا لا يجوز، فزيارتك القبر محرمة، وقراءة الفاتحة عند القبور بدعة، فعليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى، وألا تستمري في زيارة قبره، وإذا كان عندك حرص على نفعه فعليك بالدعاء له والاستغفار والتصدق عنه، فإن ذلك ينفعه إن شاء الله .(84/14)
أما ما ذكرت من أنه ورد : ( إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور ) ، فهذا باطل وموضوع، ولا أصل له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشريع زيارة القبور للرجال خاصة دون النساء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/671 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : ( . . فزوروا القبور فإنها تذكر بالموت ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/9 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/216 ) من حديث بريدة رضي الله عنه بلفظ : ( . . فزوروها فإن في زيارتها تذكرة ) ] ، فزيارة القبور مشروعة في حق الرجال دون النساء بقصد الدعاء للأموات والاستغفار لهم والترحم عليهم إذا كانوا مسلمين، ونقصد الاتعاظ والاعتبار وتليين القلوب بمشاهدة القبور وأحوال الموتى، لا بقصد التبرك بها والتمسح بترابها تبركًا بها، وطلب الحاجات منها، كما يفعله المشركون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والله تعالى أعلم .
وهذا لابد أن تكون زيارة الرجال للقبور بدون سفر؛ لأن السفر لزيارة القبور بقصد العبادة فيها محرمة إلا السفر لزيارة المساجد الثلاثة، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/56 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .(84/15)
147 ـ ورد في الأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه دخل مقابر المدينة فنادى : السلام عليكم يا أهل القبور : أتخبرونا بأخباركم أم نخبركم بأخبارنا ؟ فسمع صوتًا يقول : عليك السلام ورحمة الله وبركاته، أخبرنا بما كان بعدنا، فقال علي : أما أزواجكم فقد تزوجت، وأما أموالكم فقد قسمت، وأما أولادكم فقد حشروا في زمرة اليتامى، وأما البناء الذي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم، فهذه أخبار ما عندنا فما أخبار ما عندكم ؟ فسمع صوتًا يقول : قد تمزقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطعت الجلود، ما قدمناه وجدناه، وما كسبناه خسرناه، ونحن مرتهنون بالأعمال .
فهل هذا الأثر صحيح ؟ وإذا كان كذلك فكيف يكون الجمع بينه وبين قوله تعالى : { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ سورة النمل : آية 80 ] ، فإن ظاهر هذه الآية أن الموتى لا يسمعون الكلام من الأحياء، أم أن للآية تفسيرًا آخر غير المتبادر إلى الذهن ؟
الذي وقفت عليه من كلام علي رضي الله عنه كما ذكرته كتب الوعظ أنه لم يخاطب الموتى ولم يخاطبوه، وإنما تكلم يعظ أصحابه الذين معه، ثم قال موجهًا الكلام للموتى : هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم قال لأصحابه : أما إنهم لا يتكلمون ولو تكلموا لقالوا كذا وكذا (17)، فأجاب على لسان الموتى .
ومن واقع أحوال الموتى وما يقولونه لو تكلموا ولو نطقوا فهذا من باب الافتراض من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الميت لو تكلم لقال كذا نظرًا لحالته وما لاقى، وهذا يقصد به علي رضي الله عنه موعظة الأحياء وتذكير الناس بأحوال الموتى، وليس في القصة أن أحدًا من الموتى كلمه بهذا الكلام، وإنما هو الذي قاله على لسان الأموات تذكيرًا للأحياء .(84/16)
وأما قضية سماع أهل القبور لمن يخاطبهم فلا شك أن أحوال أهل القبور من أمور الغيب ومن أمور الآخرة، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها إلا بموجب الأدلة الصحيحة، وقد ورد : ( أن الميت إذا وضع في قبره وانتهى من دفنه وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ) هذا الذي ورد أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين إذا أدبروا عنه، فما أثبته الدليل أثبتناه، وما لم يرد دليل فإننا نتوقف عنه .
148 ـ في بلدتنا مسجد يصلي به الناس ولكن يوجد أمامه من جهة اليسار قليلاً وعلى بعد مترين غرفة بها قبر، وكذلك أمامه من ناحية القبلة مباشرة وعلى بعد عشرة أمتار توجد مقابر، فهل يصح الصلاة في هذا المسجد ما دامت المقابر خارجًا وليست منه ؟ أم لا تصح بأي حال مادامت محيطة به ؟
إذا كانت المقابر مفصولة عن المسجد بشارع أو بسور ولم يبن هذا المسجد من أجل المقابر فلا بأس أن يكون المسجد قريبًا من المقبرة إذا لم يوجد مكان بعيد عنها، أما إذا كان وضع المسجد عند القبور مقصودًا ظنًّا أن في ذلك بركة، أو أن ذلك أفضل، فهذا لا يجوز، لأنه من وسائل الشرك .
149 ـ يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة علمًا بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، وكما هو معلوم أن هذه المقبرة يمر في وسطها طريق للرجال والنساء، وأيضًا طريق للسيارات فما هو الحكم في هذا ؟
إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما بني للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنه لم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه من غير قصد ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصل فلا مانع من الصلاة في المسجد؛ لأن هذا المسجد لم يقم على قبور .(84/17)
أما قضية مرور الطريق في وسط المقبرة، فالواجب منع ذلك، وتسوير المقبرة وتجنيب الطريق عنها .
150 ـ في بعض بلاد المسلمين قبور لعدد من الصحابة والصالحين وغيرهم، هذه القبور يزورها بعض الناس بصفة منتظمة ويطوفون بها ويصلون عندها ويعتقدون أنها تجلب البركة، فإلى أي حد يؤثر هذا العمل على عقيدة المسلم ؟
زيارة القبور من أجل التذكر والاعتبار والدعاء لأموات المسلمين مستحبة قد أمر بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( زوروا القبور فإنها تُذكر بالآخرة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/671 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه بلفظ : ( . . فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/9 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/216 ) من حديث بريدة رضي الله عنه بلفظ : ( . . فزوروها فإن في زيارتها تذكرة ) ] ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا مر بقبور المسلمين سلّم عليهم ودعا لهم، فقال : ( السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ) (18) .
هذه هي الزيارة الشرعية التي فيها نفع للزائر بحصول الأجر والتذكر والاعتبار ونفع للميت المزور بالسلام عليه والدعاء له .
أما زيارة القبور من أجل التبرك بتربتها والتمسح بجدرانها وسؤال الموتى قضاء الحاجات وتفريج الكربات وتقديم النذور لهم والذبح لهم والطواف بقبورهم والصلاة عندها أو إليها، فهذه زيارة بدعية شركية قد حرَّمها الله ورسوله .(84/18)
قال الله تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [ سورة الجن : آية 18 ] ، وقال تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ سورة يونس : آية 18 ] ، سمى عملهم هذا شركًا نزه نفسه عنه مع أنهم يزعمون أن هؤلاء الموتى مجرد شفعاء لهم عند الله يسألونه بحقهم وجاههم وهذا ما عليه القبوريون اليوم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) (19) ، ومعنى يتخذونها مساجد : يصلون عندها رجاء بركاتها وقبول دعائهم بواسطتها .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يبنون المساجد على القبور ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 1/405 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعض أزواجه لما ذكرن له ما رأينه بأرض الحبشة من كنائس النصارى وما فيها من التصاوير : ( أولئك شرار الخلق عند الله ) .
وهذا بعينه هو ما يفعله القبوريون اليوم : يبنون المشاهد الشركية على القبور، ويسمونها مساجد، ويغرون العامة والسُّذَّج بزيارتها وصرف الذبائح والنذور لها واعتبروها موارد مالية يستغلونها للكسب من هؤلاء الطعام وأشباه الأنعام، وهذا شرك أكبر يبطل العقيدة ويخرج من الملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(84/19)
والواجب على ولاة أمور المسلمين وعلى علمائهم إنكار هذا الشرك القبيح وإزالة هذه المساجد، بل المشاهد المبنية على القبور، وتحكيم شرع الله في هؤلاء الذين أضلوا الناس، وزينوا لهم هذه الأعمال الشركية القبيحة، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويّته ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/666 ) من حديث أبي الهياج الأسدي ] ، وهذا أمر لجميع الأمة .(84/20)
12 ـ الجامع في البدع
151 ـ بعض المؤذنين عندنا قبل أذان الفجر يدعون بأدعية بصوت مرتفع كأن يقولون : يا أرحم الراحمين، وسبحان من خلق السماوات بغير عمد، ولجاه المصطفى ارحمنا، وغير ذلك من الأدعية فما حكم هذا العمل ؟
حكم هذا العمل أنه بدعة، لأنه ليس مما شرعه لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل الأذان، وإنما يقول بعد الأذان : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/152 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ] ، وهذا هو الوارد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقوله بلا رفع صوت .
152 ـ في بلادنا قبل صلاة الجمعة يردد المصلون الصلاة الإبراهيمية بأصوات عالية وجماعية حتى يصلي الإمام ويخطب، وكذلك إذا قال الإمام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قبل الخطبة يرد عليه المصلون بأصوات عالية وجماعية أيضًا بقولهم : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فما الحكم في ذلك ؟ وما هي نصيحتكم لهذه الجماعة ؟
ترديد الصلاة الإبراهيمية قبل دخول الإمام لا أصل له في الشريعة، فهو بدعة، إنما المشروع الصلاة حتى يدخل الإمام، أو الاشتغال بذكر الله وتلاوة القرآن والتسبيح والتهليل بصفة انفرادية لا صفة جماعية .
وأما ردهم السلام على الإمام إذا دخل وسلم على المنبر بصوت جماعي هذا أيضًا بدعة لم يكن من عمل المسلمين، وإنما المشروع رد السلام سرًّا وبصفة انفرادية .
153 ـ عندنا بعد صعود الإمام إلى المنبر يوم الجمعة يقوم المؤذن فيؤذن، وبعد أن يؤذن يأتي بحديث عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصوت مرتفع يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صعد الخطيب المنبر فلا أحد يتكلم، ومن تكلم فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له ) ، اسمعوا وأنصتوا يرحمني ويرحمكم الله، والسؤال : ما حكم هذا العمل ؟(85/1)
التزام هذا الشيء قبل الخطبة من البدع، لأنه عمل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الكلام وقت الخطبة، وأخبر أنه لغو بمعنى أنه يبطل ثواب الجمعة، فهذا نهى عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (1) .
154 ـ قرأت في كتاب " المجموعة المباركة في الصلوات المأثورة والأعمال المبرورة " حديثًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته يقول : يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام مائة مرة آمنه الله من عذاب القبر وظلمته، ومن أهوال يوم القيامة ) ، فما مدى صحة هذا الحديث نصًّا ومعنى ؟
أولاً : نوجه بأن الحديث لا يؤخذ من مثل هذا الكتاب، وإنما يرجع إلى كتب الحديث الموثوقة كـ : " صحيح البخاري " ، و " صحيح مسلم " ، و " السنن " ، وغيرها من الكتب المعروفة الموثوقة .
وبالنسبة لهذا الحديث الذي ذكرت لم أجد له أصلاً فيما اطلعت عليه، ويظهر عليه أنه لا أصل له؛ لأن فضائل الجمعة التي ذكرها أهل العلم لم يكن لها الحديث من بينها ذكر، فالذي يشرع في ليلة الجمعة الإكثار من الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، وفي فجر ليلة الجمعة (2) ، يستحب أن يقرأ في صلاة الفجر في الركعة الأولى : الم السجدة، وفي الثانية : { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } [ سورة الإنسان : آية 1، وانظر " صحيح الإمام البخاري " ( 1/214، 215 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
هذا الذي يشرع في ليلة الجمعة، وأما أن تُخصَّ بصلاة دون غيرها من الليالي فهذا لم يثبت فيه حديث، وهي كغيرها من الليالي، على المسلم أن يصلي ما تيسر من تهجد ويختم ذلك بالوتر .(85/2)
وعليك كما ذكرنا إذا أردت أن تعمل بحديث أن تراجع كتب السُّنّة المعروفة الموثوقة، أما أن تأخذ كتابًا غريبًا أو مجهولاً وتعتمد عليه وتنقل منه الحديث فهذا يوقعك في الخطأ، والأحاديث فيها الموضوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها الضعيف، ويبين هذا كتب أهل الفن المتخصصين في الحديث .
155 ـ اعتدنا أنا وبعض زملائي في هذه المدينة " لاهو " أن نصلي أسبوعيًا قيام ليل وهي عبارة عن أربع ركعات، وأربع ركعات شفعات، وثلاثة ركعات وترًا، نصليها جماعة في كل أسبوع، وفي كل أسبوع يؤم أحدنا .
حتى قبل أسبوع دعوت إمام مسجدنا - وبالطبع هو باكستاني - أن يحضر تلك المرة معنا ويقوم الليل معنا - وبالطبع يكون هو الإمام - فأجابني بقول : إن هذا عمل منكر وهذه بدعة وهي مكروهة كراهة تحريم؛ لأنها نافلة والأصل فيها الانفراد وليس الجماعة، فلم أستطع الرد عليه، لكنني قلت له : ربما هذه في مذهبك - أي المذهب الحنفي - وقد يكون هناك خلاف بين الثلاث مذاهب الأخرى ؟ فقال لي : لا؛ المذاهب الأربعة كلها متفقة على أن الأصل فيها الانفراد ولا تصلى جماعة .
فنرجو منكم أن تفتونا : هل يجب أن نصليها جماعة إطلاقًا مهما كان العذر ؟ أو أنه ليس هناك شيء في الأمر إذا صليناها جماعة بنية التربية والتدريب والتعود على أن نصرف ذلك الوقت في طاعة الله، وهل هي بدعة منكرة كما قال الشيخ الباكستاني ؟ نرجو منكم تفصيل ذلك ؟ وما تلك التي قرأناها عن بعض الصحابة كابن عباس عندما كان يأتي ويصلي خلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الليل ؟
ما قال هذا الإمام هو الصحيح وهو الصواب، وأن ما فعلتموه بدعة؛ لأن التزام عدد معين من صلاة الليل بدعة؛ لأنه لم يرد تحديد في هذا، بل يصلي المسلم ما تيسر له بدون تقيد بعدد محدد .(85/3)
وأيضًا التزام الجماعة لها بدعة أخرى؛ لأن التزام الجماعة للنافلة لم يرد به دليل ، وإنما تشرع الجماعة في النافلة في أشياء مخصوصة مثل صلاة الكسوف، ومثل صلاة التراويح، وأما ما عدا ذلك فإن النافلة لا تصلى جماعة، بصفة مستمرة، وإنما تصلى فرادى كلٌّ يصلي لنفسه، وصلاتها في البيت أفضل .
أما صلاتها جماعة بغير صفة مستمرة فلا مانع من ذلك وهو الذي يحمل عليه حديث ابن عباس الذي ذكرته حينما قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي من الليل، فقام ابن عباس وصلى معه، وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك (3) ، وحينما صلى حذيفة مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من آخر الليل (4) ، فصلاتها جماعة بدون التزام وبدون اعتياد ذلك لا حرج فيه .
أما ما ذكرت من أنك أنت وزملاؤك التزمتم أن تصلوا في ليالي معينة عددًا من الركعات جماعة، فهذا كله من البدع التي ليس لها أصل في الشرع، وما ذكره لكم هذا الإمام هو عين الصواب فعليكم أن تتركوا هذا الاعتياد، وأن يصلي كل منكم من الليل ما تيسر ويختم ذلك بالوتر .
وكون ذلك في البيوت أفضل منه في المساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن خير صلاة المرء في بيته إلا صلاة المكتوبة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/539، 540 ) من حديث زيد من ثابت رضي الله عنه، وللحديث قصة ] .
156 ـ هل ورد نص قرآني أو حديث نبوي يفيد قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهاره ؟ وإذا كان ذلك واردًا هل هناك كيفية معينة لقيام ليلة النصف من شعبان ؟(85/4)
إنه لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصوص ليلة النصف من شعبان ولا صيام اليوم الخامس عشر من شعبان، لم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دليل يعتمد عليه، فليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، من كان له عادة القيام والتهجد من الليل فإنه يقوم فيها كما يقوم في غيرها، من غير أن يكون لها ميزة، لأن تخصيص وقت بعبادة من العبادات لابد له من دليل صحيح، فإذا لم يكن هناك دليل صحيح، فتخصيص بعض الأوقات بنوع من العبادة يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة .
وكذلك لم يرد في صيام اليوم الخامس عشر من شعبان أو يوم النصف من شعبان، لم يثبت دليل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم، ومادام أنه لم يثبت فيه شيء بخصوصه، فتخصيصه بالصيام بدعة؛ لأن البدعة هي ما لم يكن له دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يزعم فاعله أنه يتقرب فيه إلى الله عز وجل، لأن العبادات توقيفية، لابد فيها من دليل من الشارع .
أما ما ورد من الأحاديث في هذا الموضوع فكلها ضعيفة، كما نص على ذلك أهل العلم، فلا يثبت بها تأسيس عبادة، لا بقيام تلك الليلة، ولا بصيام ذلك اليوم، لكن من كان من عادته أنه يصوم الأيام البيض، فإنه يصومها في شعبان كما يصومها في غيره، أو من كان من عادته أنه يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وصادف ذلك النصف من شعبان فإنه لا حرج عليه أن يصوم على عادته، لا على أنه خاص بهذا اليوم، وكذلك من كان يصوم من شعبان صيامًا كثيرًا كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم ويكثر الصيام من هذا الشهر (5)، لكنه لم يخص هذا اليوم، الذي هو الخامس عشر، لم يخصه بصيام فإنما يدخل تبعًا .(85/5)
الحاصل أنه لم يثبت بخصوص ليلة النصف من شعبان دليل يقتضي إحياءها بالقيام، ولم يثبت كذلك في يوم الخامس عشر من شعبان دليل يقتضي تخصيصه بالصيام، فما يفعله بعض الناس خصوصًا العوام في هذه الليلة أو في هذا اليوم هذا كله بدعة يجب النهي عنه، والتحذير منه، وفي العبادات الثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصلوات والصيام، ما يغني عن هذا المحدثات، والله تعالى أعلم .
157 ـ بعض الناس عند بداية الصلاة يقول : نويت أن أصلي كذا وكذا فرضًا عليَّ لله العظيم . . ما حكم هذا القول بارك الله فيكم ؟
ما سأل عنه السائل من أن بعض المصلين يتلفظ بالنية قبل الصلاة ويقول : نويت أن أصلي كذا وأصلي كذا، فهذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه وخلفائه الراشدين ولا عن القرون المفضلة ولا عن الأئمة المعتبرين أنهم كانوا يقولون في بداية الصلاة أو غيرها من العبادات : نويت كذا وكذا، وإنما ينوون في قلوبهم، والنية محلها القلب، وليس محلها اللسان، والله جل وعلا يقول : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة الحجرات : آية 16 ] .
فهذا من البدع التي لا يجوز عملها والاستمرار عليها، بل على المسلم أن ينوي بقلبه ويقصد بقلبه أداء العبادة التي شرعها الله بدون أن يتلفظ بذلك؛ لأن التلفظ بالنية من البدع المحدثة وما نسب إلى الشافعي رحمه الله أنه يرى هذا، فهذا لم يثبت عنه، وإنما الذي ثبت عنه أنه قال : ( إن الصلاة لابد من النطق في أولها ) ، ويريد بذلك تكبيرة الإحرام وليس معناه أنها تبدأ بالتلفظ بالنية .
ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (6).
158 ـ مسجد تقام فيه بدعة في كل أسبوع، هل تجوز الصلاة فيه ؟ وإذا أوقفت هذه البدعة هل تجوز الصلاة فيه ؟(85/6)
أنت لم تذكر نوع هذه البدعة، ولكن على أي حال : البدع محرمة، ولا سيما عملها في المساجد التي هي بيوت الله سبحانه وتعالى، ومواطن العبادة لا يجوز أن تقام فيها البدع؛ لأن البدع ضد الشريعة وضد العبادة وهي من عمل الشياطين وأتباع الشياطين، فلا يجوز أن تعمل البدعة من المسلمين مطلقًا في أي مكان، ولا سيما في المساجد .
وهذا المسجد الذي تقام فيه بدع إذا كان بإمكانك أن تزيلها إذا حضرت وأن تمنعها فإنه يجب عليك ذلك، أن تذهب إلى هذا المسجد وتمنع البدع وتصلي فيه تقيم الصلاة فيه وتعمره بطاعة الله سبحانه وتعالى وبإحياء السنة وإماتة البدعة .
أمّا إذا كانت لا تقدر على إزالة هذه البدع والمنكرات من المسجد فعليك أن تلتمس مسجدًا آخر ليس فيه شيء من البدع وتصلي فيه .
159 ـ ما حكم الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعة جهرًا دبر كل صلاة ؟
الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشروعة لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ سورة الأحزاب : آية 56 ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( . . وحيثما كنتم فصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/367 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 2/225 ) بنحوه، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرًا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/306 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
فالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل الأعمال وهي مشروعة، وفيها أجر عظيم، ولكن تخصيصها بوقت من الأوقات أو بكيفية من الكيفيات لا يجوز إلا بدليل، فالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعة بعد الفريضة بصوت جماعي كما يقول السائل هذا من البدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان .(85/7)
أما أن يصلي المسلم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه بدون ارتباط بالآخرين وبدون صوت جماعي فهذا من أفضل الأعمال، ولكن لا يلتزم هذا بعد كل صلاة؛ لأنه لم يرد، وإنما ورد الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التشهد الأخير أما أن يلتزم دائمًا بعد السلام فهذا لا يجوز، لكن لو صلى عليه بعض الأحيان بدون ارتباط بجماعة وبدون كيفية خاصة كما ورد في السؤال فهذا لا بأس به .
160 ـ تعودت عائلتي بين فترة وأخرى وفي كل مناسبة أن تقيم احتفالاً في البيت لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويتضمن دعوة شخص مؤمن لديه كتاب اسمه " أشرف الأنام " ويتضمن الكتاب مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته بعد النبوة وقبلها وأبيات شعر في مدحه صلى الله عليه وسلم، وكذلك نقوم بذبح ذبيحة، ونعمل وجبة ندعو لها جيراننا وأقرباءنا متوخين من كل هذا أن يستمع المدعوون إلى السيرة النبوية وخصال النبي الكريم وفضائله ومعجزاته ليزداد إيمانهم بالواحد الأحد، وكذلك نرجو الأجر والثواب من جراء إطعامنا لهؤلاء الناس الذين من بينهم الفقير واليتيم وغيرهم، فهل هذا العمل صحيح أم لا ؟ علمًا أن هذا الشخص الذي يقرأ المولد يتقاضى أجرًا نقديًا منا، هل يجوز ذلك أم لا ؟
أولاً : عمل المولد النبوي بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين وصحابته الكرام، ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يقيمون هذا المولد وهم أكثر الناس محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحرص الأمة على فعل الخير، ولكنهم كانوا لا يفعلون شيئًا من الطاعات إلا ما شرعه الله ورسوله عملاً بقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [ سورة الحشر : آية 7 ] ، فلما لم يفعلوا إقامة هذا المولد عُلِم أن ذلك بدعة .(85/8)
وإنما حدثت إقامة المولد والاحتفال به بعد مضي القرون المفضلة وبعد القرن السادس من الهجرة وهو من تقليد النصارى؛ لأن النصارى يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام، فقلدهم جهلة المسلمين ويقال : إن أول من أحدث ذلك الفاطميون يريدون من ذلك إفساد دين المسلمين واستبداله بالبدع والخرافات .
الحاصل أن إقامة المولد النبوي من البدع المحرمة التي لم يرد بها دليل من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ) [ رواه النسائي في " سننه " ( 3/188، 189 ) ، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/592 ) ، كلاهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ] ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في الحديث : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/156 ) ] ، وفي رواية : ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) [ رواها الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/167 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فهذا من الإحداث في الدين ما ليس منه فهو بدعة وضلالة، وأما قراءة السيرة النبوية للاستفادة منها فهذا يمكن في جميع أيام السنة كلها لا بأس أن نقرأ سيرة الرسول وأن نقررها في مداسنا ونتدارسها وأن نحفظها لقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ سورة الأحزاب : آية 21 ] ، ولكن ليس في يوم المولد خاصة وإنما نقرأها في أي يوم من أيام السنة كلها حسب ما يتيسر لنا، ولا نتقيد بيوم معين، وكذلك إطعام المساكين والأيتام، فالإطعام أصله مشروع، ولكن تقييده بهذا اليوم بدعة، فنحن نطعم المساكين ونتصدق على المحتاجين في أي يوم وفي أي فرصة سنحت، وأما الذي يقرأ المولد ويأخذ أجرة، فأخذه للأجرة محرم؛ لأن عمله الذي قام به محرم، فأخذه الأجرة عليه محرم أضف إلى ذلك أن هذه القصائد، وهذه المدائح لا تخلو من الشرك ومن أمور محرمة مثل قول صاحب البردة :(85/9)
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ** سواك عند حلوك الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي ** وإلا يا زلت القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ** ومن علومك علم اللوح والقلم
وأشباه هذه القصيدة الشركية مما يقرأ في الموالد .
161 ـ ما حكم الشرع في نظركم بالاحتفال بعيد الأم وأعياد الميلاد وهل هي بدعة حسنة أم بدعة سيئة ؟
الاحتفال بالمواليد سواء مواليد الأنبياء أو مواليد العلماء أو مواليد الملوك والرؤساء كل هذا من البدع التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان وأعظم مولود هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن صحابته ولا عن التابعين لهم ولا عن القرون المفضلة أنهم أقاموا احتفالاً بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا من البدع المحدثة التي حدثت بعد القرون المفضلة على يد بعض الجهال، الذين قلدوا النصارى باحتفالهم بمولد المسيح عليه السلام، والنصارى قد ابتدعوا هذا المولد وغيره في دينهم، فالمسيح عليه السلام لم يشرع لهم الاحتفال بمولده وإنما هم ابتدعوه فقلدهم بعض السلمين بعد مضي القرون المفضلة .
فاحتفلوا بمولد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يحتفل النصارى بمولد المسيح، وكلا الفريقين مبتدع وضال في هذا؛ لأن الأنبياء لم يشرعوا لأممهم الاحتفال بموالدهم، وإنما شرعوا لهم الاقتداء بهم وطاعتهم واتباعهم فيما شرع الله سبحانه وتعالى، هذا هو المشروع .
أما هذه الاحتفالات بالمواليد فهذه كلها من إضاعة الوقت، ومن إضاعة المال، ومن إحياء البدع، وصرف الناس عن السنن، والله المستعان .
162 ـ في حالة تأخر نزول الأمطار يقوم بعض الناس بذبح الذبائح للاستسقاء فما حكم هذا العمل ؟ وهل يجوز الأكل من هذه الذبائح أم لا ؟(85/10)
لا يجوز هذا العمل خصوصًا إذا كان ذبح هذه الذبائح للأموات أو للجن أو ما أشبه ذلك فإنها ذبائح شركية؛ لأنها لغير الله عز وجل، والله تعالى يقول : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] إلى قوله تعالى : { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] والذبح لغير الله شرك، لأنه عبادة والعبادة يجب إفراد الله تعالى بها، قال تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [ سورة الكوثر : آية 2 ] ، وقال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة الأنعام : آية 162 ] ، والنسك هو الذبح، والاستسقاء الذي ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو صلاة الاستسقاء والخطبة والدعاء بعدها على المنبر، وكذلك الدعاء في خطبة الجمعة يدعو الإمام في خطبة الجمعة بأن يغيث الله المسلمين، وكذلك يدعو أحيانًا من غير صلاة ولا خطبة، فالاستسقاء ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على صفات متعددة، أما الذبح للاستسقاء فليس له أصل في الشريعة .(85/11)
13 ـ التصوير
163 ـ من المعلوم أن تصوير ذوات الأرواح لا يجوز، فما رأي الإسلام في تصوير الأشياء التي بغير روح كالأشجار والأحجار ؟
لا بأس بتصوير ما لا روح فيه من الأشجار والمباني والبحار والأنهار وغير ذلك كما نص على ذلك كثير من أهل العلم، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/67 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فدلّ على أن النهي عن التصوير مختص بذوات الأرواح، وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريم التصوير مطلقًا ما فيه روح وما ليس فيه روح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فليخلقوا حبة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/65 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والراجح الرأي الأول، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ( إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/40، 41 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو جزء من حديث أوله عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا ابن عباس ] .
164 ـ ما حكم الصلاة في بيت فيه صور ومجلات ؟ أفيدونا بارك الله فيكم ؟
معلوم من دين الإسلام تحريم الصور، وتحريم التصوير، وتحريم اقتناء الصور، لما جاء في ذلك من النهي الشديد في أحاديث متعددة صحيحة (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما في ذلك من الوعيد الشديد الذي يدل على أن التصوير من كبائر الذنوب، وأنه محرم شديد التحريم لما يجر إليه من محاذير خطيرة منها ما يلي :
أولاً : فيه مضاهاة لخلق الله عز وجل، وادعاء المشاركة لله في خلقه الذي اختص به، فإنه هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى .(86/1)
ثانيًا : أن التصوير وسيلة من وسائل الشرك، فأول ما حدث الشرك في الأرض كان بسبب التصوير، لما صور قوم نوح رجالاً صالحين ماتوا في عام واحد، فتأسفوا عليهم، فجاء الشيطان إليهم وألقى إليهم أن يصوروا تصاويرهم وينصبوها على مجالسهم حتى يتذكروا بها العبادة، ففعلوا ذلك، ولما مات هذا الجيل جاء الشيطان إلى من بعدهم، وقال : إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليسقوا بها المطر وليعبدوها، فعبدوها من دون الله عز وجل (2) ، ومن ثم حدث الشرك في الأرض بسبب التصوير .
وكذلك قوم إبراهيم كانوا يعبدون التماثيل، كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم أنه قال لقومه : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } [ سورة الأنبياء : الآيتين 52، 53 ] .
وكذلك اليهود عبدوا صورة العجل الذي صنعه لهم السامري : { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } [ سورة طه : آية 88 ] .
وكذلك كان المشركون من العرب يستعملون الصور في دينهم، حتى إن الصور وضعت في الكعبة المشرفة إلى أن جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأزالها .
ففتنة التصوير وفتنة التماثيل فتنة قديمة، وهي فتنة خطيرة .(86/2)
ثالثًا : ومن محاذير التصوير أنه ربما يكون سببًا في فساد الأخلاق، وذلك إذا صورت الفتيات الجميلات والنساء العاريات في المجلات والصحف، أو صورت للذكريات أو ما أشبه ذلك، فإن هذا يجر إلى الافتتان بتلك الصور، وبالتالي يوقع في القلب المرض والشهوة، ولهذا اتخذ المفسدون التصوير مطية ووسيلة لإفساد الأخلاق بتصوير النساء الجميلات الفاتنات على المجلات وعلى غيرها وفي الأفلام وغيرها من أنواع الصور التي تعرض للفتنة، فلا يجوز للمسلم أن يقتني الصور في بيته، وألا يحتفظ إلا بالصور الضرورية التي يحتاجها الإنسان، كصورة حفيظة النفوس، وجواز السفر، وإثبات الشخصية، فهذه أصبحت ضرورية وهي لا تتخذ من باب محبة التصوير، وإنما تتخذ للضرورة والحاجة، أما ما عدا ذلك من الصور فلا يجوز الاحتفاظ به لا للذكريات ولا للاطلاع عليها وما أشبه ذلك، فيجب على الإنسان أن يتلف الصور، وأن يخلي بيته منها مهما أمكنه ذلك، وإذا كان في منزل صور معلقة على الحيطان أو منصوبة سواء كانت تماثيل أو كانت رسومًا على أوراق من صور ذوات الأرواح كالبهائم والطيور والآدميين، وكذلك كل ما فيه روح فإنه يجب إزالته، فقد غضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما رأى سترًا وضعته عائشة رضي الله عنها على الجدار وفيه تصاوير، فغضب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبى أن يدخل البيت التي هي فيه حتى هُتكت وحُولت (3)، فدل هذا على أن التصاوير لا يجوز الاحتفاظ بها ونصبها أو إلصاقها على الجدران، أو وضعها في براويز، أو الاحتفاظ بها في صناديق للذكريات، كل هذا من الفتنة ومن المحرمات .(86/3)
14 ـ من الألفاظ المنهي عنها
165 ـ بعض الناس يتشدد كثيرًا في مسائل العقيدة ويدقق في عبارات المتحدثين والكتاب بحجة الخوف من الوقوع فيما ينافي التوحيد أو كماله، فإلى أي مدى يصح هذا الموقف ؟
لا شك أن المحافظة على العقيدة وتجنب الألفاظ التي تخل بها أمر واجب ولا يعتبر ذلك تشددًا، بل يعتبر أمرًا محمودًا؛ لأنه قد ورد النهي عن ألفاظ معينة كالحلف بغير الله، وعن قول : ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، واستبدال ذلك بالحلف بالله وحده، وبقول : ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله، ثم شئت، ولولا الله، ثم أنت، أما المنع من الألفاظ التي لم يرد النهي عنها فهذا تشدد لا يجوز، ومن منع منها فهو جاهل لا يعتد بقوله .
والمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة وسؤال أهل العلم وتعلم أحكام العقيدة الصحيحة ومعرفة ما يخل بها، وهذا فرض عين على كل مسلم؛ لأن العقيدة هي الأساس، قال تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ سورة محمد : آية 19 ] ، فأمر بتعلم معنى : لا إله إلا الله قبل القول والعمل .
166 ـ استلمت فتاة جائزة لحفظها جزء عم، وذهبت إلى مجموعة من الزميلات فقالت إحداهن لها : أأسلمت ؟ فقالت لهن الفتاة : أسلمت رياء وسأرتد، فما حكم مثل هذا القول ؟ وماذا يكون عليها بالرغم من أنها قالت هذا الكلام مازحة ؟ علمًا أنها طالبة في المرحلة الثانوية ؟(87/1)
هذا كلام خطير لا يجوز التلفظ به، ولو كان الإنسان مازحًا، لأن هذا لا يجوز المزح به، وعلى من قالت أن تتوب إلى الله، وتستغفره، ولا تعود لمثل هذا الكلام القبيح، فقد جاء في الحديث : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 4/2290 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والله سبحانه لم يعذر المنافقين لما تكلموا بكلام اللغو وقالوا : { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } [ سورة التوبة : آية 65 ] .
167 ـ هل يجوز للمسلم أن ينسب الخير إلى نفسه دون أن ينسبه إلى الله أولاً مثل أن يقول : حصلت على هذا المال بجهدي وتعبي، ونلت هذا المقام بذكائي وقدرتي . . إلخ ؟
لا يجوز للمسلم أن ينسب حصوله على شيء من الخير إلى نفسه؛ لأن ذلك جحود نعمة الله عليه وكفر بها، واغترار بحوله وقوته، وهذا مما يسبب إمساكه عن الإنفاق في سبيل الله، ومساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين .
فقد قال قارون مثل هذه المقالة، فخسف الله به وبداره الأرض لما قال : { أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } الآية [ سورة القصص : آية 78 ] ، قيل معناه : حصلت عليه بمعرفتي بوجوه المكاسب، وقيل : على علم من الله أنني أستحقه، وقال الله تعالى منكرًا على من نسب حصول مطلوب إلى حوله وقوته أو منزلته عند لله : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي } [ سورة فصلت : آية 50 ] .
قال مجاهد : يقول : بعملي وأنا محقوق به (1)، والواجب على المسلم أن يشكر الله على نعمه، والشكر له ثلاثة أركان :
الأول : التحدث بالنعم ظاهرًا .
الثاني : الاعتراف بها باطنًا .
الثالث : صرفها في طاعة مسديها وموليها، والله أعلم .
168 ـ بعض الناس يقولون : اللهم لا تفتنا إلا في طاعتك، فهل هذا قول صواب ؟ أو قول : اللهم لا تبتلنا إلا في طاعتك ؟(87/2)
الواجب تجنب هذا اللفظ، لأن الفتنة والابتداء لا يكونان في الطاعة، وإنما يكونان في الأمور التي قد تشغل عن الطاعة كالأموال والأولاد والمصائب والنعم، قال تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [ سورة الأنبياء : آية 35 ] ، والمراد بالخير هنا النعم، وقال تعالى : { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } [ سورة التغابن : آية 15 ] ، وقال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ } [ سورة البقرة : آية 155 ] ، أما الطاعة فإنها ليست فتنة، وإنما هي خير محض، فالمشروع أن يدعو الله بالسلامة من شر الفتن وشر الابتلاء والامتحان، ويسأله الصبر عند البلاء، والشكر عند الرضاء والتوفيق للطاعة، والعمل الصالح . . والله أعلم .
169 ـ ما حكم قول الشخص لشخص آخر : ( في ذمتي ) ليكون تصديقًا له، وهل يعتبر حلفًا بغير الله . . وقد يكون مقصد القائل أي : على ذمتي إذا كان هذا كذبًا ؟
حروف القسم ثلاثة وهي : الواو، والباء، والتاء، وأما ( في ) ، فليست من حروف القسم، ولكن إذا قال : ( في ذمتي ) فهذا يشبه القسم لأنه قد يكون القائل عاميًّا لا يعرف حروف القسم، والعبرة بالمقاصد، فترك هذا اللفظ أحوط .
170 ـ سمعنا البعض يقول : إنه لا يجوز قول : الله أعلم، أو الله العالم، ولكن يجب أن يقول : الله عالم، فما صحة ذلك ؟
هذا القول الذي ذكرت أيها السائل لا أصل له، بل هو باطل .
والصواب أن يقال : الله أعلم، والله العالم، والله عالم، كلها جمل صحيحة يوصف بها الرب سبحانه .
فهو سبحانه العالم بكل شيء، وهو العليم بكل شيء، وهو عالم بأحوال الخلائق كلها، وهو أعلم من خلقه بكل شيء، كما قال سبحنه : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } [ سورة الأنعام : آية 53 ] .(87/3)
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة العنكبوت : آية 62 ] ، وقال سبحانه : { عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [ سورة الأنعام : آية 73 ] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
171 ـ ما الحكم في قوله : ما عندي ولا شعرة الله ؟ وما الحكم في وضع الشعر وجمعه فوق الرأس على هيئة ( كعكع ) ؟ فقد استمعنا أنه يكره وضعه في الصلاة ؟
هذا اللفظ لا ينبغي التلفظ به، وإن كان المقصود به إضافة المخلوق إلى خالقه، لأن المخلوق يضاف إلى خالقه على وجه التشريف والتكريم لذلك المخلوق المضاف مثل : ناقة الله، وبيت الله، وعبد الله، وليس ما ذكر في السؤال من ذلك، وإن كانت الشعرة من خلق الله تعالى .
ولا يجوز جمع شعر رأس المرأة فوق رأسها حتى يكون له جرم بارز كأنه رأس آخر؛ لأنه يخشى أن يكون ذلك داخلاً في وصف النساء اللاتي أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهن من أهل النار، ووصفهن بأن رءوسهن كأسنمة البخت المائلة (2) ، والبخت : جمع بخاتي وهي الإبل لها سنامان، ولا يجوز فعل هذا في شعر المرأة في الصلاة وغيرها .
172 ـ ما حكم القول للشيء : ليته لم يحصل ؟ أو ليته حصل كذا وكذا ؟
قول : ليته حصل كذا أو لم يحصل، إن كان القصد منه الندم على فوات فعل الخير، فلا بأس به، لأنه يحمل على الاستدراك لفعل الخير في المستقبل، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه : ( لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثم أحل كما حلوا ) (3) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام .(87/4)
أما إن كان القصد من الندم على الفائت الجزع من القدر وعدم الرضا عما قدر الله، فهو لا يجوز، وقد حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على فعل الأسباب النافعة، ونهى عن الإهمال والكسل، ثم بعد فعل الأسباب إذا فات المقصود، فقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قول : ( لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ) ، وأمر المسلم أني يقول : ( قدر الله وما شاء فعل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 4/2052 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .(87/5)
15 ـ في المنهج والدعوة
1 ـ فضل العلم وطلبه .
2 ـ الدعوة إلى الله .
3 ـ الجماعات .
4 ـ الأمة .
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
6 ـ معاملة :
الكفار - المبتدعة - العصاة .
1 ـ فضل العلم وطلبه
173 ـ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] من هم هؤلاء العلماء ؟ وما هي الشروط ليكون الإنسان عالمًا ؟
يقول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] ، أخبر الله سبحانه وتعالى خبرًا مؤكدًا ومحصورًا أن هؤلاء أهل خشية الله سبحانه وتعالى، فالذين يخشون الله على الحقيقة ويخافون هم أهل العلم، وذلك لمعرفتهم بالله تعالى، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف .
والمراد بالعلماء هنا علماء الشريعة الذين هم ورثة الأنبياء، فإن هؤلاء هم العلماء الذين يعرفون شرع الله سبحانه وتعالى، ويعرفون عظمة الله سبحانه وتعالى بما أعطاهم الله من العلم الذي جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبلغًا عن الله .
وليس المراد بالعلماء ما يفهمه بعض الناس أنهم أهل الاختراع وأهل الصناعات والاطلاع على أسرار الكون، هؤلاء وإن كانوا علماء في مهنتهم، لكن عملهم إضافي يخصص بتخصصاتهم، فيقال : عالم طبيعة، عالم كيميائي، عالم هندسة .
أما إذا أطلق لفظ العلماء فإنه ينصرف إلى علماء الشريعة الذين هم ورثة الأنبياء؛ وعلماء الاختراع والصناعات الغالب أنهم جهال بعلم الشرع الذي يبين عظمة الله سبحانه وتعالى وجلاله، ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه الشرعية .(88/1)
وإن كان في الاطلاع على آيات الله دلالة على عظمة الله لكنها لا توصل إلى أحكام الله وتشريعاته سبحانه وتعالى التي يعرف بها العبد كيف يعبد ربه ويتقي ربه عز وجل ويعرف الحلال والحرام، هذا من اختصاص علماء الشريعة، وهذا العلم هو الذي يولد الخشية من الله؛ لأنه جمع بين علم اللسان وعلم القلب؛ لأن العلم على نوعين : علم اللسان، وهذا حجة على الإنسان فقط، وعلم القلب وهذا الذي يورث خشية الله تعالى، وهو العلم الشرعي الذي عمل به صاحبه وأخلص عمله لله عز وجل، والعلم الشرعي يزيد صاحبه تواضعًا وذلاً لله عز وجل .
وأما علم الاختراع والصناعة فالغالب أنه يزيد صاحبه تكبرًا وعزًّا وإعجابًا كما عليه الدول الصناعية اليوم كالشيوعية وغيرها .
174 ـ ما معنى قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] ؟ وهل معنى هذا أن غير العلماء لا يخشون الله ؟ وأي العلماء المقصودون في الآية ؟
يقول الله سبحانه وتعالى لما ذكر آياته الكونية في المخلوقات وتنوع ألوانها قال : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] .
والمراد بالعلماء هنا أهل العلم الشرعي الموروث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يُعرِّف بالله سبحانه وتعالى وبآياته وقدرته ونعمته على عباده، فأهل العلم بالله هم الذين يخشونه حق خشيته، وهذه من جملة الآيات التي فيها مدح العلماء والثناء عليهم؛ لأنهم هم الذين يخشون الله سبحانه وتعالى حق خشيته إذا كانوا يعلمون بعلمهم ويؤدون حقه عليهم بخلاف علماء الضلال فإنهم ليسوا كذلك، كعلماء اليهود المنحرفين، ومن نحا نحوهم من علماء الضلال .(88/2)
إنما المراد هنا العلماء العاملون بعلمهم، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أنهم أهل خشيته، كما أنه ذكر شهادتهم مع شهادته لقوله تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ } [ سورة آل عمران : آية 18 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [ سورة الزمر : آية 19 ] ، والنصوص في هذا كثيرة، هذه الآية من جملتها .
وأما غير أهل العلم الشرعي فمنهم من يخشى الله على قدر معرفته بالله سبحانه وتعالى .
لكن أكثر الناس خشية الله وأعظمهم خشية لله هم أهل العلم الشرعي النبوي .
175 ـ بعدما ذكرت أهمية طلب العلم والتفرغ له فهل معنى ذلك أن طالب العلم ينقطع عن الناس وعن مجالات الخير الأخرى، أرجو بيان ذلك لأهمية ذلك الإشكال ؟
يجب أن يعطى العلم ما يكفيه من الوقت والجهد . بحيث يعطيه وقتًا كافيًا، وما زاد عن ذلك يصرفه في الأمور الأخرى كالالتقاء بالناس للمصلحة، ودعوة الناس إلى الخير وأموره وأعماله الأخرى، لكن بالدرجة الأولى يجعل القسم الأكبر من وقته لطلب العلم .
176 ـ هل العلماء المسلمون كعلماء الطب والعلوم والأحياء وغير ذلك من العلوم مما تدلهم على زيادة الإيمان بالله وقدرته، فهل هؤلاء يدخلون تحت الآية : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] أم لا ؟
عالم الطب وعالم الكيمياء وعالم الاختراع . . إذا كان معه علم من الشريعة فإن هذا يزيده خيرًا بلا شك، وهذا جمع بين المصلحتين : العلم الشرعي، والعلم الذي ينفع به مجتمعه .
أما إذا كان عنده العلوم الدنيوية فقط فهذا لا يستفيد منها إلا المادة، ولا تفيده خشية الله عز وجل، بل ربما تفيده غفلة عن الله، فالعلم الدنيوي لابد أن يوجه بالعلم الشرعي ليستفاد منه، وإلا أصبح ضررًا .(88/3)
177 ـ ما هي أهم الدروس التي يبدأ بها طالب العلم ؟ وبماذا تنصحه ؟ وماذا تقول لمن يتعلل بالدراسة حينما نريد أن نصحبه إلى حضور الدروس والمحاضرات ؟
أولاً : طالب العلم في هذه البلاد يجب عليه أن ينضم إلى أحد المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فإن فيها المقررات الطيبة المرتبة على حسب درجات طلبة العلم شيئًا فشيئًا، السنة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة .
وهكذا، وكل سنة فيها مقررات تختلف عن مقررات السنة السابقة بالتدرج، وهي مقررات اختارها علماؤنا وأساتذتنا الذين أحسنوا في تأسيس هذه المعاهد واختيار المناهج المقررة لها .
فأوصي طالب العلم أن ينضم إلى أحد هذه المعاهد مهما أمكن ذلك، ثم يلتحق بعدها بالكليات الجامعية مثل كلية الشريعة، وكلية أصول الدين، وكلية الحديث وعلومه، وكلية اللغة العربية وهكذا، وبإمكان طالب العلم الذي لم يلتحق بهذه المعاهد وهذه الكليات أن يجد مجالاً له في دروس العلماء الذين يُدرِّسون في المساجد، وهي والحمد لله كثيرة، وهذه الدروس شاملة لجميع العلوم الشرعية .
وأوصي طالب العلم بأن يلازم هذه الدروس سواء في الكليات أو في الدروس التي تلقى في المساجد، فلا يكفي منه أن يحضر في أسبوع ويتغيب في أسابيع أو يحضر شهرًا ويتغيب شهورًا، فإن هذا لا يستفيد شيئًا؛ لأنه إذا فاته شيء من العلم يبقى فراغًا في ذاكرته ومعلوماته ويفوته خير كثير، فالشأن في الملازمة والإقبال والحرص .
178 ـ ما الأفضل لطالب العلم : التفرغ له تفرغًا كاملاً، ثم بعد ذلك يتفرغ لنشره بين الناس ويدعو من حوله من جيرانه وأهل حيه ؟ أو يطلب العلم في شهر، ثم ينقطع عن العلم بحجة الدعوة إلى الله ويفوته من العلم بقدر ما تركه ؟(88/4)
الأفضل مواصلة طلب العلم حتى تتكون عنده حصيلة علمية وأصول يبني عليه، أما ابتداء طلب العلم، ثم الانقطاع عنه فهذا يخل بالتحصيل ويشوش الفكر، ولا يجوز له أن يدعو إلى الله إلا بعد التأهيل العلمي، وكذلك لا يشتغل بالتدريس إلا بعد أن يتم تحصيله ويتكامل علمه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه . . وفي الحكمة المشهورة : ( من ضيع الأصول حرم الوصول ) .
179 ـ ما الأفضل لطالب العلم : البدء بتفسير القرآن الكريم أو حفظ المتون من الحديث والفقه وأصولهما ؟
الطريقة الصحيحة لطالب العلم المبتدئ : حفظ المتون وقراءتها على العلماء لتلقي شرحها وتوضيحها منهم، وأن يتدرج في طلب العلم شيئًا فشيئًا بحيث يبدأ بالمختصرات، ثم المتوسطات، ثم المطولات من الكتب، مع ملازمة الجلوس إلى العلماء في حلقات التدريس أو في فصول الدراسة، فالعلم يؤخذ بالتلقي وليس بالمطالعة وحدها . . والله أعلم .
180 ـ نلاحظ حاليًا انتشار الجامعات والكليات والمعاهد الشرعية وغيرها، ومع انتشارها هذا إلا أنها لم تستطع تخريج علماء مثل أولئك الذين كانوا يتخرجون في السابق من حلقات العلم في المساجد سواء كانت هذه القدرة من ناحية العلم أو الفقه . . أو القدرة على الحوار والمناقشة . . فما هي الأسباب في ذلك ؟
لا شك أن مستوى العلم في الوقت الحاضر يقل عن مستواه في الوقت السابق، ونحن لا نعمم هذا على جميع الناس بأن مستواهم العلمي ضعيف؛ لأنه يوجد ـ والحمد لله ـ أناس ممتازون في علمهم وعملهم .
أما شغف الدراسة في الوقت الحاضر فأرى أن هذا لا يرجع إلى الدراسة حيث إن الدراسة حاليًا هي على نمط الدراسة في الوقت الماضي غالبًا، فالمقررات هي نفس المقررات، لكن في نظري أن الدراسة ليست هي كل شيء، فالدراسة ما هي إلا مفتاح ومدخل إلى العلم، والعلماء فيما سبق حياتهم كلها دراسة لا يقتصرون على ما أخذوه في الحلقات، بل كانوا يواصلون المطالعة والمذاكرة .(88/5)
والمعروف أن العلم ينمو مع المذاكرة والدراسة، عكس ما هو قائم حاليًا، فكثير من الدارسين نالوا مراتب عليا وتقديرات مرتفعة، لكنهم في الغالب انتهت علاقتهم بالكتاب والعلم بنهاية الدراسة .
فبهذا الأسلوب تموت المعلومات، لأن العلم كالغرس إذا تعهدته نما وأثمر، وإن تركته فمصيره الموت والفناء، أما من ناحية العمل : فالعلماء السابقون كانوا في الغالب العلماء العاملين والمخلصين لله تعالى يخشونه عز وجل، وهذه الصفة ربما تكون قد قلَّت في وقتنا هذا، فقليل من المتعلمين ـ وإن كنا لا نسيء الظن بكل الناس ـ غير عاملين بعلمهم ولا يزكي العلم إلا العمل، والله تعالى يقول : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] ، فالعلماء هم أهل خشية الله، وقال بعض السلف : إن العلم قسمان : علم على اللسان وهذا حجة الله على عباده، وعلم على القلب وهذا هو العلم الصحيح، العلم الذي ينمي خشية الله عز وجل، وقد استدلوا بهذه الآية : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ سورة فاطر : آية 28 ] .
181 ـ لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع . . فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة، ولو لم تقع عليه الحجة، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي، وعدم الترحم عليهم . . نطلب من فضيلتكم تجلية هذه المسألة التي كثر الخوض فيها . . جزاكم الله خيرًا ؟
أولاً : لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضًا هذا يحدث العداوة والبغضاء بينهم، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم وعلى غيرهم .(88/6)
ثانيًا : البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/167 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً فإنه يعذر بجهله ولا يحكم عليه بأنه مبتدع، لكن ما عمله يعتبر بدعة .
ثالثًا : من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره كابن حجر والنووي، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات لا يحكم عليه بأنه مبتدع، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما إمامان جليلان موثوقان عند أهل العلم .
182 ـ أنا متخرج من كلية الشريعة، وأعمل موظفًا، ولكني أرغب في مواصلة طلب العلم وأخاف من الانقطاع عن الكتب والمذاكرة، فما هي الكتب التي ترون أن أواظب على مطالعتها في الأمور المهمة ؟
عليك بمطالعة الكتب التي تنمي معلوماتك التي درستها في كلية الشريعة مثل : كتب التفسير، وكتب العقيدة، وشروح الحديث، وكتب الفقه والأصول، وكتب النحو واللغة العربية، والكتب الثقافية العامة المفيدة .
تطالع من تلك الكتب ما تيسر لك وعلى الأخص " تفسير ابن كثير " ، وكتاب " التوحيد " للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروحه، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكتاب " سبل السلام شرح بلوغ المرام " ، و " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " ، و " جامع العلوم والحكم شرح الأربعين حديثًا " ، و " شرح الزاد " ، و " كشاف القناع " في الفقه، وتكون القراءة بتفهم وعناية، والله الموفق .(88/7)
وتحرص على العناية بحفظ المختصرات ومطالعة شروحها ثم الانتقال إلى المطولات بعد ذلك، واقرأ أيضًا في مجاميع الفتاوى مثل " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ، و " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية " ، و " مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ، و " مجموع فتاوى الشيخ عبد الرحمن السعدي " ، و " مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " .
183 ـ هل يجوز لي أن أتعلم الفقه عند من مذهبه شافعي ويقول : إنه افضل المذاهب ؟ وهل لابد من الالتزام بمذهب معين ؟
أما تعلم الفقه على من مذهبه الشافعي أو مذهبه حنبلي أو مالكي أو حنفي فلا مانع من ذلك، على أنك لست ملتزمًا أن تأخذ كل ما في المذهب من غير معرفة لدليله وسنده، فالتعلم لا بأس أن تتعلم المذهب وأحكامه، ولكنك في العمل والتطبيق تأخذ ما قام عليه الدليل إذا كنت تحسن معرفة الاستدلال، ولا يجوز لك أن تعمل بمسألة إلا إذا عرفت دليلها .
أما شق السؤال الثاني وهو هل يجوز الالتزام بمذهب معين ؟ فهذا فيه تفصيل، فبالنسبة للعامي والمبتدئ لابد أن يلتزم مذهبًا معينًا من مذاهب أهل السنة والجماعة؛ لأنه إن لم يفعل ذلك ضاع وضل، لأنه عامي لا يحسن أو متعلم مبتدئ لا يحسن، فهذا لابد له من التزام مذهب من المذاهب الأربعة التي هي من مذاهب أهل السُّنَّة والجماعة أو هي الباقية من مذاهب أهل السنة والجماعة، فإذا بلغ من العلم مرتبة تؤهله للتمييز بين الراجح والمرجوح والصحيح والضعيف من الأقوال فإنه يتعين عليه أن يأخذ من المسائل والأقوال في المذاهب وإقامة الدليل عليه أو ما ترجح بالدليل .
184 ـ ما تفضلتم بذكره حول الشخص القادر على التمييز بين القول المدعوم بدليل وغير المدعوم، معنى هذا أنه يجوز له أن يخلط بين المذاهب ما دام هناك دليل ؟(88/8)
هو يتبع الدليل حتى ولو كانت هذه المسألة التي اختار القول بها لاستنادها لدليل لو كانت في مذهب آخر، نعم يجوز أن يأخذ مسألة من مذهب غير مذهبه إذا رأى أنها أصح دليلاً، بل يجب عليه، لأنه بذلك لا يتعصب لمذهب، وإنما يتبع الدليل سواء كان في مذهبه أو في مذهب آخر .
لا يجوز له اتباع الأسهل وما تمليه عليه النفس ترخصًا أو تشهيًا بسهولته هذا لا يجوز، لكن يجوز أن ينتقل من مذهب إلى مذهب في بعض المسائل لصحة الدليل وقيام الدليل، فهو مأمور باتباع الدليل لا باتباع المذهب، وإذا تبين له ذلك وكان ممن بلغ هذه المرتبة : مرتبة الاختيار والترجيح .
185 ـ ما هي الكتب الصحيحة بعد القرآن الكريم ؟
الكتب الصحيحة بعد القرآن الكريم - والحمد لله - كثيرة من أهملها وفي مقدمتها : " صحيح الإمام البخاري " رحمه الله، و " صحيح الإمام مسلم " ، وكذلك السنن الأربع " سنن أبي داود " ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فإن هذه الكتب الأربعة فيها الصحيح وفيها الضعيف وهو قليل، وقد بُيِّنت درجاتها، والحمد لله .
وهناك من كتب الحديث المتعلقة بالأحكام كتاب " المنتقى " للإمام المجد ابن تيمية، وقد جمع فيه من الأحاديث ما يتعلق بالأحكام الشرعية وبلغ مجلدين ضخمين، وهو يبين درجة الحديث ويوضحها للقارئ، حيث يكون على بصيرة من أمره، وكذلك الإمام ابن حجر رحمه الله ألّف كتابًا في أحاديث الأحكام اسمه " بلوغ المرام في أدلة الأحكام " ، وهو جزء لطيف، كذلك " العمدة " لضياء الدين المقدسي الحنبلي رحمه الله ألف كتاب الأحاديث المتفق عليها فيما يتعلق بالأحكام وسماه " عمدة الأحكام " .(88/9)
وهناك كتب جمعها الأئمة فيها أحاديث جوامع في العبادات والأعمال والأخلاق مثل : " رياض الصالحين " للإمام النووي، و " مشكاة المصابيح " للإمام البغوي، وغير ذلك من الجوامع المفيدة في علوم الحديث، وهناك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه، وغير ذلك من الكتب النافعة من مؤلفات أئمة الإسلام .
186 ـ أرجو أن تدلوني عن بعض الكتب المفيدة في الفقه والتوحيد ؟
الكتب المفيدة ـ ولله الحمد ـ كثيرة، ودين الإسلام ثري بالكتب النافعة من الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح على المذاهب الأربعة، فمن الكتب المختصرة في الفقه الحنبلي بالنسبة للمبتدئ مثلاً كتاب " آداب المشي للصلاة " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإن ذلك يبين لك أحكام الصلاة وأحكام الزكاة وأحكام الصيام هذه ضروريات من دينك، وقبل ذلك رسائل مختصر في أحكام الطهارة وأحكام المياه تجدها في " مجموع الرسائل والمسائل " لعلماء نجد أو غيرهم من علماء المسلمين الموثوقين المحققين، وإذا تجاوزت هذا المقدار فهناك " عمدة الأحكام " لموفق الدين ابن قدامة، وهناك " متن الدليل " لمرعي بن يوسف الكري الحنبلي وهو مختصر مفيد وسهل، وهناك " متن زاد المستقنع " ، أيضًا كل هذه مختصرات في الفقه .
أما في العقيدة فهناك " الأصول الثلاثة " للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله، و " العقيدة الواسطية " لشيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله، وكتاب " التوحيد الذي هو حق الله على العبيد " للشيخ محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله، وهناك " العقيدة الطحاوية وشرحها " ، فكل هذه كتب مفيدة في العقيدة، وهناك كتب الشيخين : شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم في العقيدة والفقه .(88/10)
والمسلم يعمل بما يقوم عليه الدليل دون نظر إلى كونه للحنابلة أو الشافعية أو المالكية أو الحنفية إن كان يحسن معرفة الدليل، أما إذا كان مبتدئًا فهذا عليه أن يسأل أهل العلم ويأخذ بما يفتونه به، قال تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] ، ومذهب العامة مذهب من يفتيه ومن يقلده من أهل العلم .
2 ـ الدعوة إلى الله تعالى
187 ـ الدعوة فرض كفاية فهل هذا يوافق ما نحن من الجهل والضلال ؟ أم أصبحت الدعوة واجبة على الجميع في هذه الأيام بسبب الجهل وانتشار الفساد ؟ الرجاء التوضيح .
ما كلّ يستطيع الدعوة بمعنى أنه يعلم الناس أمور الدين وأمور العقيدة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما كلٌّ يستطيع هذا، إما لضعف في جسمه وشخصيته، وإما لضعف في علمه وأنه ليس عنده من العلم ما يعرف به الحلال والحرام، والواجب والمندوب والمكروه والمستحب، وإنما تجب الدعوة على من يستطيع القيام بها وعنده مؤهلات لها، لكن على كل مسلم مسئولية بحسب استطاعته، فمثلاً صاحب البيت وإن كان عاميًّا عليه الدعوة لأهل بيته بأن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وينقي البيت من المنكرات، ويهيئه للأعمال الصالحة، لأن الله جل وعلا يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ سورة التحريم : آية 6 ] .(88/11)
فالإنسان مكلف بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أهل بيته ومن تحت يده، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر . . ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/130 ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ] ، فالخطاب هذا موجه لعموم الآباء، فليس هناك أحد من المسلمين ليس عليه مسئولية إما عامة وإما خاصة، وعلى أهل العلم بالذات المسئولية أكبر والواجب عليهم أعظم .
188 ـ ما رأيكم في أساليب الدعوة الحالية هل إدخال أساليب جديدة تناسب العصر أمر مناسب ؟
لا شك أن الدعوة إلى الله من أعظم الواجبات في كل زمان ومكان، وذلك منذ بدء إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام من وقت آدم عليه السلام وحتى نهاية الخليقة، والمؤمنون مكلفون بهذه المهمة، قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [ سورة آل عمران : آية 110 ] ، وقال تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ سورة آل عمران : آية 104 ] ، فمسئولية الأمة المحمدية في مجال الدعوة أكبر مسئولية، ذلك بما حباها الله من هذا الدين وهذا الكتاب العظيم، وهذا الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام بما أعطاه الله من قدرة على البيان وحرص على هداية الخلق .(88/12)
وأساليب الدعوة إلى الله لا شك أنها تستمد من الكتاب والسُّنَّة، فالرسول عليه الصلاة والسلام قام بالدعوة منذ أن بعثه الله إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، وقد اتخذ عليه الصلاة والسلام أسلوبًا متكاملاً في الدعوة وقد استوعبها وفهمها وطبقها هو ومن حوله من صحابته، قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ سورة الأحزاب : آية 21 ] ، فهو قدوة الدعاة والعاملين والمجاهدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
ولا مانع في الأساليب أن نستعين بالخبرات والوسائل المتعددة المفيدة والمتجددة مع الأخذ في الاعتبار ألا نحيد عن منهج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث المنهج والأسلوب المتبع، وكذلك لا يكون التجديد في أساليب الدعوة تجديدًا مخالفًا لهدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما يكون التجديد في نطاق منهج الرسول صلى الله عليه وسلم .
وعلينا أن ندرك أن حالة كل مجتمع تختلف عن الآخر، ولهذا يجب أن نختار الأسلوب المناسب لكل مجتمع ندعو فيه إلى الله، كذلك علينا أن نعي بأن الدعوة عالمية وليست دعوة محلية أو قبلية، قال تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ سورة الفرقان : آية 1 ] ، ولأن الدعوة عالمية وشاملة لابد أن نلم بأحوال العالم كله واختلاف طبيعة كل مجتمع، وأن نُعد لكل حالة ما يناسبها .
189 ـ يقع بعض المسلمين في أعمال شركية أو يتلفظون بألفاظ شركية جهلاً منهم بأنها مخالفة لمنهج الإسلام، فهل هم معذورون بالجهل ؟ وماذا يجب على طلبة العلم والعلماء تجاه الناس في أمور العقيدة وغيرها ؟
من وقع منه أعمال شركية أو ألفاظ شركية وهو في مجتمع مسلم ويمكنه سؤال العلماء ويقرأ القرآن الكريم والأحاديث النبوية ويسمع كلام أهل العلم فهو غير معذور فيما وقع منه، لأنه قد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة .(88/13)
أما من كان بعيدًا عن بلاد الإسلام ويعيش في بلاد جاهلية أو في مجتمع لا يعرف عن الإسلام شيئًا فهذا يعذر بجهله، لأنه لم تقم عليه الحجة، لكن إذا بلغته الدعوة وعرف خطأه وجب عليه التوبة إلى الله تعالى .
واليوم مع تطور وسائل الإعلام وتقارب البلدان بسبب وسائل النقل السريعة لم يبق أحد لم تبلغه الدعوة إلا نادرًا؛ لأنه انتشر الوعي في أقطار المعمورة بالقدر الذي تقوم به الحجة، ولكن المشكلة أن غالب الذين يقع منهم الشرك الأكبر يعيشون في قلب البلاد الإسلامية، وفيهم علماء، ولا يقبلون الدعوة إلى التوحيد، بل ينفرون منها وينفرون غيرهم وينبذون الدعاة إلى التوحيد بأسوأ الألقاب، وهذه هي المصيبة العظمى .
فالواجب على العلماء القيام بالدعوة إلى التوحيد الذي دعا إليه رسل الله عليهم الصلاة والسلام، والتحذير مما يضاده من الشرك، وبيان ما وقع فيه بعض المجتمعات من الشرك الأكبر، وشرح أسباب ذلك حتى تقوم الحجة وتتضح المحجة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
أما إذا سكت العلماء واستسلموا للأمر الواقع، أو صرفوا عنايتهم بالدعوة إلى أمور جانبية وتركوا الأساس كما تفعله بعض الجماعات التي تنتمي إلى الدعوة اليوم، فإن هذا لا يجدي شيئًا ولا يعتبر دعوة إلى الإسلام .
190 ـ إنني أجيد التحدث بخمس لغات أجنبية ولكنني لا أعلم أنني مطالب بالدعوة بإحداها إلى الله، ولم أستخدمها إلا في الترجمة أو علم خاص، فهل سأسأل عن هذا العلم ؟
الدعوة إلى الله تعالى واجبة على من عنده الأهلية إذا احتيج إليه، وتتوفر فيه شروط الداعية، فإذا ترك الدعوة في هذه الحالة فهو آثم؛ لأنه تارك لواجب تعين عليه، أما إذا لم يحتج إليه بأن قام بالدعوة غيره ممن تحصل بهم الكفاية فإن الدعوة لا تجب عليه في هذه الحالة، وإنما تستحب فقط .
وأما من لم تتوفر فيه شروط الدعوة - وأهمها العلم - بما يدعو إليه فلا يجوز له القيام بالدعوة وهو جاهل؛ لأن ما يفسد أكثر مما يصلح .(88/14)
وقد صار اسم الدعوة في هذا الزمان مظلة يدخل تحتها كل جاهل لا يحسن ما يقول، وكل مغرض يدعو إلى اتجاه باطل أو اتجاه مشبوه، وكل منافق يدعو إلى إثارة فتنة بين المسلمين وتفريق الكلمة، فيجب التحفظ في هذا الموضوع ووضع الضوابط اللازمة، وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن هناك على أبواب جهنم دعاة من أطاعهم قذفوه فيها (1) ، فلنكن على حذر منهم .
191 ـ ما هي الواجبات التي يراها فضيلتكم التي يمكن لمجلة " الدعوة " أن تضطلع بها كمجلة إسلامية ؟
المجلة يجب أن ترتقي إلى مجال أوسع وأرحب لمخاطبة القارئ في كل مكان، وأن تبحث عن المادة الخصبة التي تشد انتباه المسلمين وعقولهم مهما أمكن ذلك، وهذا لا يكون إلا من حَسَن إلى أحسن .
والمجلة بوضعها الحالي - والحمد لله - فيها الخير الكثير، ولكن لا يكفي هذا مادام في الإمكان تقديم الأفضل وتطويرها إلى الأحسن وما هو أشمل .
وأحب أن أبشركم فالناس الآن مسرورون من المجلة ويتطلعون إليها خاصة الشباب والفتيات، والمجلة في حاجة إلى جهود ومجهودات الجميع .
192 ـ وما هي الأمور التي ينبغي أن تطرحها المجلة ؟
أي شيء نافع للإسلام والمسلمين، فالعقيدة والفتاوى والمقالات هذه متطلبات الدعوة، كما يجب عليها أن تحرص على عرض الآراء والمناقشات التي ينتفع بها المسلمون .
193 ـ ما حكم ( التمثيل ) ؟ وما حكم كتابة القصص الخيالية ؟
التمثيل من وسائل اللهو المستوردة إلى بلاد المسلمين، فلا يجوز فعله والاشتغال به، وفيه كذب ومخالفة للواقع، وفيه تنقص للشخصيات المحترمة الممثلة، وفيه تشبه بالشخصيات الكافرة الممثلة أيضًا، وفيه محاذير كثيرة .(88/15)
وقد كتب فيه بعض المشايخ ـ جزاهم الله خيرًا ـ كتابات قيمة شخصت مضاره وحذرت منه، مثل ما كتبه فضيلة الدكتور الشيخ بكر أبو زيد، وما كتبه فضيلة الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم، وما كتبه الشيخ حمود التويجري، فلتراجع، وما يقال فيه من المنافع فإن المضار الحاصلة بسببه أضعافها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
194 ـ تتنازع بعض الجماعات الإسلامية في الأساسيات التي يبدأ بها في دعوة الناس، فمنهم من يرى أن الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقائد أولى وأهم، ومنهم من يرى أن يبدأ بشرح محاسن الدين وتبصير الناس بواقع حياتهم العامة المخالفة للإسلام، وتربيتهم على فضائل الأخلاق ومكارمها .
فأي الرأيين أصوب من واقع الهدي النبوي، ثم ألا يمكن الجمع بين الأمرين ؟
الرأي الأصوب هو الرأي القائل : إن الدعوة إلى التوحيد هي أول ما يبدأ بها في الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن هذا هو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [ سورة النحل : آية 36 ] ، وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ } [ سورة الأنبياء : آية 25 ] .(88/16)
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ لما بعثه إلى اليمن : ( إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/125 ) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بألفاظ متقاربة في مواضع من كتاب الزكاة ] الحديث، هذا منهج الرسل في الدعوة إلى الله تعالى ما كانوا يبدءون بشيء قبل إصلاح العقيدة، وفي سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدعوة خير شاهد على ذلك، حيث مكث في مكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله، وترك عبادة ما سواه .
فأي جماعة من الجماعات التي تنتسب للدعوة تخالف منهج الرسل وتبدأ بغير ما بدءوا به فدعوتها دعوة فاشلة، كيف والمجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام يوجد في غالبها الشرك الأكبر المتمثل بعبادة الأضرحة ودعاء الموتى من دون الله، كيف يتركون على ما هم عليه، ويدعون إلى محاسن الدين فقط وفضائل الأخلاق مع ما عليه غالبهم من الشرك الأكبر ؟ !
نعم إذا كان مجتمع من المجتمعات خاليًا من الشرك، وعنده قصور في الجوانب الأخرى من الدين، فإنه يدعى إلى إصلاح ما عنده من الخلل، مع العناية بتدريس العقيدة وشرح مسائلها لئلا يتطرق إليه الخلل من حيث لا يشعرون، ولئلا تنسى قواعدها وأحكامها .
195 ـ نرجو من فضيلتكم أن تحثوا أئمة المساجد ومن له مسئولية في هذا الأمر بأن يجتهدوا وينصحوا إخوانهم، كما قال تعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة الذاريات : آية 55 ] ، لأننا نلاحظ في بعضهم نوعًا من التقصير حتى في الصلاة وغير ذلك، وجزاكم الله خيرًا .
لا شك أن أئمة المساجد عليهم مسئولية يجب عليهم القيام بها؛ لأن الإمام مؤتمن، فيجب عليه :(88/17)
أولاً : أن يحافظ على الصلاة بالجماعة، ولا يتخلف عن جماعته، ولا يتأخر عنهم ويشق عليهم، وإذا رأى أنه لا يمكن من الحضور فإنه ينوب عنه من يقوم بالواجب .
ثانيًا : يجب عليه أن يتخولهم بالموعظة؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتخول أصحابه بالموعظة من حين لآخر، وخصوصًا عندما تحصل مناسبة أو تنبيه على خطأ .
ثالثًا : على الإمام أيضًا أن يتفقد المتخلفين عن الصلاة ويعظهم ويذكرهم، وإذا استدعى الأمر أن يبلغ عنهم ولاة الأمور للأخذ على أيديهم، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتفقد أصحابه وحضورهم للصلاة، وكان ينهى عن التأخر ويقول : ( تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من خلفكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/325 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجالاً معهم حزم من حطب، ثم أخالف على قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/158 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فهذا دليل على أنه واجب على الإمام أن يتفقد المصلين معه، وأن يعاتب المتأخرين، وأن يقوم بالواجب نحوهم من باب النصيحة، أما أنه يترك المتخلفين ويترك الناس، فهذا يكون نقصًا في المسئولية .
196 ـ فضيلة الشيخ ! لكم باع في عالم الخطابة وخاصة وأنكم خطيب جامع، فما رأيكم فيما يشاع حاليًا أن خطبة الجمعة أصبحت كالمُسَكِّنِ ينتهي مفعولها بمجرد الخروج من المسجد، ولماذا لم تعد خطبة الجمعة تتعايش مع أحوال المسلمين ومشاكلهم الحياتية ؟
أرى أن التقصير لا يرجع إلى خطبة الجمعة في حد ذاتها وإنما يرجع إلى المتلقين أنفسهم . . فأكثرهم لا يلتزم بما يسمع وبما يقال له، إنما هو سائر في طريقه ولو كان غير صحيح .(88/18)
أما الخطبة نفسها فالغالب أنها من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخاصة في هذه البلاد والحمد لله . . وأعتقد أن غالبية خطبائها من أهل العلم ومن طلابه المتمكنين، وإذا كانوا من الذين لا يعدون الخطبة فإنهم يستعينون بخطب معدة من قبل علماء لهم مكانتهم في العلم والفقه . ولذلك فالخطب في المملكة هي خطب في المستوى المطلوب .
وإذا كان هناك من تقصير أو عدم تأثير فمرده إلى الناس أنفسهم، لأن كثيرًا من الناس لا يعدلون من سلوكهم مهما قيل لهم . إنما يفرحون إذا سمعوا أن الخطيب يتكلم في حق غيرهم أو يتناول أخطاء غيرهم، فهم يصغون له بشدة . . أما إذا تناول أخطاءهم فإنهم يصدون عنه ويعرضون في الغالب، ويخرجون بدون فائدة .
3 ـ الجماعات
197 ـ ما رأيكم في أن تعدد هذه الجماعات اختلاف تنوع وليس اختلاف تفرقة ؟
هذا اختلاف ليس محمودًا، لأنه اختلاف تفرق، والله تعالى نهانا عن التفرق والاختلاف، وأوجب علينا أن نكون أمة واحدة، كما قال تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } [ سورة الأنبياء : آية 92 ] ، نحن أمة واحدة - كما ذكر الله - لا تعرف التفرق أو التحزب، وإذا كان عندنا اختلاف في الرأي فعلينا أن نجتمع ونرده إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [ سورة النساء، آية 59 ] ، ويقول تعالى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [ سورة الشورى : آية 10 ] .
198 ـ يوجد في المسلمين هذه الأيام جماعات كثيرة تريد أن تدعو الناس إلى الله بطريقتها الخاصة فينفتح من ذلك اختلاف كثير فما رأي فضيلتكم ؟(88/19)
نعم ما ذكره السائل موجود وواقع للأسف، فالدعاة اليوم منقسمون إلى جمعيات وجماعات، وكل جماعة تطلق لنفسها اسمًا خاصًا وتختط لنفسها منهجًا خاصًا، وتخطئ الجماعة الأخرى، وهذا مما يضر بالمسلمين ويفرح الأعداء .
فالواجب على المسلمين أن يتشاوروا وأن يجتمعوا وأن يوحدوا كلمتهم حتى ولو كانوا في أقطار متباعدة، يجب عليهم التراجع، وأن يجتمعوا ولو مرة في العام للتدارس في هذا الموضوع، وخط الخطط التي يسيرون عليها، وأن يكونوا جماعة واحدة كما قال الله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ سورة آل عمران : آي 103 ] ، فالفرقة لا ينتج عنها إلا الشر، فتفرق الدعاة إلى جماعات لا يبشر بخير، وإنما هذا يفتح على المسلمين باب شر .
فكل فرقة تخطئ الأخرى وتنال منها، مما يعطل العمل الإسلامي، وهذا من التخاذل، فالواجب على الدعاة أن يجتمعوا ويتدارسوا، والإنسان منهم لا تحمله العصبية على أن يستمر على الخطأ، فالواجب على الإنسان أن يرجع إلى الصواب إذا بُيِّنَ له .
أما أن يقول : أعتزل هؤلاء لأنهم يرون كذا وأنا أرى كذا، فهذا خطأ فالله جل وعلا يقول : { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [ سورة النساء آية : 59 ] .
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، وإلى سنته بعد وفاته .
وبهذا ينحسم النزاع وتتألف الكلمة، فيجتمع الدعاة على الخير . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
199 ـ ما رأي الدين في قيام الأحزاب ذات التوجه الإسلامي ؟ وما موقف المسلم الذي يختار الحياد طريقًا له ؟(88/20)
يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } [ سورة التوبة : آية 119 ] ، ويقول تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ سورة المائدة : آية 2 ] ، ويقول تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } [ سورة النحل : آية 125 ] الآية .
فالمطلوب من المسلم أن يستقيم في نفسه، وأن يقوم بما يستطيع من الدعوة إلى الله سواء كان منفردًا أو مع إخوانه المسلمين، ولا شك أن الاجتماع على البر والتقوى ولزوم جماعة المسلمين أمر مطلوب من المسلم، فالواجب عليك أن تكون مع الجماعة المسلمة المستقيمة على أمر الله التي ليس لها أهداف دنيوية ولا أغراض دنيئة، والتي تسير على المنهج النبوي وعلى هدي الكتاب والسنة .
أما الجماعات المشبوهة والجماعات المبتدعة والمخالفة لهدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القول والعمل، فابتعد عنها والزم الجماعة التي تدعو إلى إصلاح العقيدة وتحقيق توحيد الله تعالى، وتنهى عن الشرك؛ لأنها هي الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1523 ) من حديث ثوبان رضي الله عنه ] ، وهي الفرقة الناجية : أهل السنة والجماعة ( وهم من كان على مثل ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه بن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث وف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/332 ) ، و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .(88/21)
200 ـ هل يعتقد فضيلتكم أن كثرة الجماعات الإسلامية وتعددها في صالح الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي والمسلمين بوجه عام ؟
الواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة، أما الجماعات المتفرقة فقد نهى الله عنها بقوله تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [ سورة الأنفال : آية 46 ] ، وكما في قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ } [ سورة آل عمران : آية 105 ] ، وقوله : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ سورة آل عمران : آية 103 ] .
فالتفرق والتجزؤ إلى جماعات أو إلى جمعيات هو مما نهى عنه ديننا، وما يطلبه ديننا منا ألا نختلف أو تتضارب أفكارنا، وبالتالي يضيع مجهود الدعوة .
فالواجب علينا أن نكون جماعة واحدة على منهج الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا واجب المسلمين، أما منطق الجماعات فهذا ليس لصالح الدعوة الإسلامية، بل هو على حساب الدعوة .
201 ـ ما هي المذاهب والطرائق المنحرفة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك طرائق صوفية على الطريقة الإسلامية الصحيحة ؟
الطرائق المنحرفة كثيرة لا يمكن حصرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث عوف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/332 ) ، و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وهذا عدد كثير، والموجود الآن من تشعب الفرق كثير، ولكن الثلاث والسبعين فرقة أصولها كما قال أهل العلم .(88/22)
وليس هناك فرقة ناجية إلا فرقة واحدة وهي ما كانت على مثل ما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، وهم الذي أخبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنهم بقوله : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 3/1523 ) من حديث ثوبان رضي الله عنه ] ، ففرقة واحدة هي الناجية وهم أهل السنة والجماعة الذين بقوا وثبتوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبدلوا ولم يغيروا، هؤلاء هم الفرقة الناجية وما عداهم فهم ضالون، وكما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها في النار .
والطرق الصوفية طرق ضالة ومنحرفة خصوصًا في وقتنا الحاضر، لأنها مخالفة لما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فهي داخلة في الفرق الضالة، بل ربما يصل ضلالهم إلى الكفر، فمنهم أهل وحدة الوجود، وهم أكفر أهل الأرض وهم من فروع الصوفية، أو من أكابرهم، وكذلك منهم الحلولية، ومنهم الآن : السادة الذين يعبدون من دون الله ويتقرب إليهم مريدوهم بأنواع القربات من دون الله عز وجل إذا كانوا أمواتًا إلى أضرحتهم وقبورهم يريدون منهم المدد والشفاعة وغير ذلك، وإن كانوا أحياءً فإنهم ينقادون لأوامرهم لتحريم الحلال وتحليل الحرام وغير ذلك .
ولا نعلم الآن أن هناك فرقة صوفية معتدلة بل كل الفرق الصوفية منحرفة، وانحرافها يتفاوت : منه ما هو كفر، ومنه ما هو دون ذلك .
وعلى كل حال الصوفية وغيرهم كل من خالف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخالف سنته فإنه ضال ومنحرف وواقع تحت هذا الوعيد الشديد .(88/23)
202 ـ تنتشر عندنا كثير من الطرق الصوفية لدرجة أن يعتقد الكثير منا أنه لابد أن يسلك منهجًا من هذه المناهج وأن يتبع طريقة من هذه الطرق ويقلد شيخها وقد انتشرت بعض الكتب في ذلك منها كتاب " السؤال والجواب لاختصار أحكام الطريقة الفضلى التيجانية الأحمدية " فما رأيكم في هذه الطرق وفي مثل هذه الكتب هل هي صحيحة ونعتقد ما فيها ونؤمن به أو أنها غير ذلك ويجب علينا أن نبتعد عنها ونحاربها ؟
يقول الله سبحانه وتعالى : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } [ سورة الأعراف : آية 3 ] ، ويقول جل وعلا : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [ سورة النساء : آية 59 ] ، ويقول سبحانه وتعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [ سورة النساء : آية 80 ] .
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في خطبه وأحاديثه : ( إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 2/592 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ] ويقول عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/167 ) ] ، " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
والنصوص من الكتاب والسنة في هذا كثيرة تلزم المسلم بأن يعمل بما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتفت إلى ما أحدث من البدع والخرافات، ومن ذلك الطرق الصوفية فإنها طرق مبتدعة محدثة ليست من دين الإسلام، بل هي من دس أعداء الإسلام، وتلقفها كثير من الجهال أو من الضلال الذين يريدون أن يحتالوا بها على الناس ويتزعموا بها على الناس بالباطل .(88/24)
فالطرق الصوفية طرق محدثة وطرق فاسدة وطرق ضالة مخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لما سئل عن الفرقة الناجية التي هي أهل السنة والجماعة قال عليه الصلاة والسلام : ( هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث عوف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/232 ) . و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . وليست الطرق الصوفية مما كان عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه والقرون المفضلة .
ومن ذلك الطريقة التيجانية فإنها من أضل الطرق الصوفية وأفسدها ولها عقائد كفرية، وقد أنقذ الله منها بعض معتنقيها فردوا عليها وكتبوا في بيان كفرها وضلالها الكتابات الطيبة المفيدة، وهي مطبوعة ومتداولة، ولله الحمد .
ومن عقائدهم الباطلة : ما قالوه في " جواهر المعاني " وفي كتبهم في الورد الذي اختاروه قالوا : إن هذا الورد ادخره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يعلمه لأحد من أصحابه إلى أن قال : لعلمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتأخير وقته وعدم وجود من يظهره الله على يديه .
وقال في " جواهر المعاني " : إن المرة الواحدة من صلاة الفاتح - وهي صلاة اخترعوها يزعمون أنهم يصلون بها على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا : إن المرة الواحدة من هذه الصلاة - تعدل كل تسبيح وقع في الكون وكل ذكر وكل دعاء كبير وصغير، وتعدل تلاوة القرآن ستة آلاف مرة .
فهل بعد هذا الكفر كفر ؟ ! وله بعد هذا الضلال ضلال ؟ !
ومن عقائدهم : ما قالوه في كتاب " الإفادة " : من لم يعتقد أنها ( أي : صلاة الفاتح ) من القرآن لم يصب الثواب فيها .
وأي ضلال أعظم من هذا أن يجعل من القرآن ما ليس منه ؟(88/25)
ومن عقائدهم الفاسدة : قولهم في " الإفادة الأحمدية " ( ص74 ) : إن رئيسهم يقول بوضع منبر من نور يوم القيامة، وينادي منادي حتى يسمعه كل من في الموقف : يا أهل الموقف ! هذا إمامكم الذي كنتم تستمدون منه من غير شعوركم، وذكره أيضًا في كتابهم " بغية المستفيد " .
وعقائدهم من هذا النوع كثيرة، وإنما ذكرت نموذجًا منها ليعرف المسلمون أي فرقة هذه الفرقة، وأي طريقة هذه الطريقة حتى يكونوا على حذر منها، والله الموفق للصواب
4 ـ الأمة
203 ـ ما هو تفسير الآية القرآنية { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ سورة البقرة : آية 143 ] ؟
معنى قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } [ سورة البقرة : آية 143 ] ، أي : إنما أمرناكم باستقبال الكعبة في الصلاة التي هي قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، اخترنا لكم هذه القبلة لتشريفكم بذلك، ولنجعلكم خير الأمم، ولتكونوا عدولاً خيارًا تشهدون على الأمم يوم القيامة بأن رسلهم قد بلغتهم رسالات ربهم، وأقامت عليهم الحجة، فالوسط هو الخيار والأجود .
ولما جعل الله هذه الأمة وسطًا خصها بأكمل الشرائع وأحسن المناهج، قال تعالى : { هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا } [ سورة الحج : آية 78 ] .
204 ـ هل المسلمون الآن متخلفون ؟ ولماذا ؟ وكيف يمكن النهوض بهم ؟(88/26)
لا شك أن وضع المسلمين حاليًا لا يرضى عنه أي مؤمن، فهم قد تخلفوا كثيرًا بسبب تقصيرهم في مسئوليتهم التي أوجبها الله عليهم، قصروا من ناحية تبليغ الدين إلى العالم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، قصروا في إعداد القوة التي أمرهم الله بها، كما في قوله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ سورة الأنفال : آية 60 ] ، وقصروا في الحذر من عدوهم، والله تعالى يقول : { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } [ سورة النساء : آية 102 ] ، ويقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } [ سورة آل عمران : آية 118 ] ، وكما يقول أيضًا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [ سورة المائدة : آية 51 ] .(88/27)
فهذه الأمور التي قصروا فيها سَبَّبَت لهم ما وقعوا فيه من هذا التأخر الذي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يزيله عنهم برجوعهم إلى المسار الصحيح الذي وضعهم عليه رسول الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله : ( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( في المقدمة ) ( 1/16 ) ، كلاهما من حديث العرباض بن سارية، وهو جزء من حديث أوله : وعظنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موعظة بليغة . . . ، وللحديث رواية أخرى ] ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ) [ رواه الحاكم في " المستدرك " ( 1/93 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 2/899 ) بنحوه بلاغًا ] ، فسبب تأخر المسلمين هو أنهم لم يعملوا بما أوصاهم الله تعالى به، وما أوصاهم به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التمسك بدينهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم، كذلك لم يأخذوا الحذر ليأمنوا مكر عدوهم .
ولكن مع هذا لا نقول : إن الخير معدوم، وإن الفرصة قد انتهت، فالخير في هذه الأمة لا يزال مهما بلغت من ضعف، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 7/296، 297 ) ، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1322 ) بنحوه من حديث عوف بن مالك وأنس بن مالك، وانظر " مسند الإمام أحمد " ( 2/332 ) ، و " سنن أبي داود " ( 4/197 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
فمهما بلغت الأمة من ضعف إلا أن الخير لا ينعدم فيها، ولابد أن يكون فيها من يقوم بدين الله سبحانه وتعالى ولو في محيط ضيق، وسيبقى الخير بهذه الأمة متى رجع إليها أبناؤها .(88/28)
205 ـ هناك أمور تفرض على الإنسان التجاوز بعض الشيء حيث يواجه ببعض المشاكل المطروحة على الساحة بقضايا العصر، هذه تشغل حيزًا كبيرًا من أبناء الجيل الحالي، والتي يقع فيها الناس حاليًا، وتغشاهم الحيرة بين أحكام الشريعة من جهة ومقتضيات العصر من جهة أخرى، مثلاً : التليفزيون، الاختلاط، قضية السياحة، والفوائد الربوية وغيرها من القضايا التي تعن لجيل اليوم، فكيف يتعامل مع هذه القضايا الشائكة ؟
لا شك أن دين الإسلام دين متكامل بمعنى أنه ما ترك شيئًا من مشاكل الحياة إلى قيام الساعة إلا وقد وضع له حلاً مناسبًا، ومما لا شك فيه أن الله أكمل هذا الدين { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [ سورة المائدة : آية 3 ] ، ولا شك أن علماءنا قد استنبطوا من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفقه العظيم والكثير الذي يلقي الضوء على مشاكل العالم ويقدم لها الحلول الشاملة، وهذه الحلول كلها في الكتاب والسنة، ولا نستطيع أن ننكر الآن أن العالم يموج حاليًا بمتغيرات ومشاكل لا حصر لها، ولكن على المسلم الحق أن يرجع في حل هذه المشاكل والمتغيرات إلى الكتاب والسنة، وكما نعلم أن هذين المصدرين لا يرفضان الشيء النافع للمسلم، بل يرفضان الشيء الضار للفرد والجماعة .(88/29)
أما عن كيفية استثمار الإنسان المسلم لأمواله فلقد وضع الإسلام الحلول والأساليب لهذا الاستثمار، فهناك البيع والشراء سواء ممارسة الإنسان المسلم بنفسه، أو أن يضارب مع الآخرين المضاربة الشرعية بأن يدفعها إلى من يبيع ويشتري بها بجزء من الربح غير محدد بمبلغ معين، وإما بأن يسهم في الشركات النزيهة والشركات الإنتاجية كشركات التصنيع والكهرباء والنقل الجماعي، وهي الشركات التي تستثمر الأموال استثمارًا نظيفًا، فالسبل كثيرة للاستثمار كالعقارات والمزارع وغيرها، وإقامة المشاريع المنتجة النزيهة .
206 ـ هل نقبل على حضارة الغرب بعقل مستنير لتحقيق نهضة إسلامية كبرى ؟
الدول الغربية الآن عندها الكثير من المستجدات التي يفتقدها المسلمون وعندهم شرور كثيرة، لهذا أرى أنه لا يجوز للمسلمين أخذ كل ما لدى الغرب أو رفضه كله، بل الواجب عليهم التمحيص وأخذ ما ينفع منه وما يوافق دينه وما أرشد إليه كتابنا، وترك ما حذر منه الدين ونهانا عنه .
207 ـ كثير من القضايا الفقهية التي تطرح على الساحة والتي تمس واقع الناس يختلف حولها الكثير، وبالتالي تختلف الفتوى ووجهات النظر، فما تعليقكم على هذا ؟
الاختلاف في آراء المفتين والعلماء أمر لابد منه؛ لأن الناس ليسوا على مستوى واحد في العلم والمدارك، وكذلك الأدلة تختلف؛ فالاختلاف في استيعابها واقع، واختلاف في الحكم عليها بالصحة أو بعدم الصحة واقع أيضًا والاختلاف في فهمها واقع .
فهذا الاختلاف ليس بغريب ولا مذموم، إنما المحرم والذي لا يجوز إذا كان الاختلاف دافعه الهوى والشهوة النفسية؛ لأن الإنسان كثيرًا ما يأخذ ما وافق هواه ورغبته، وهذا هو الاختلاف المذموم .(88/30)
وفي هذا الصدد يقول الله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } [ سورة الفرقان : آية 43 ] ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به ) [ رواه الخطيب التبريزي في " مشكاة المصابيح " ( 1/59 ) ، ورواه النووي في " الأربعين " ، انظر " جامع العلوم والحكم " ( ص364 ) ، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ] ، أما إذا كان الاختلاف نتيجة لاختلاف المفاهيم والمدارك فهذا شيء لا يذم ولا يعاب ما دام الدافع إليه هو الوصول إلى الحقيقة، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 8/157 ) من حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ ] لماذا ؟ لأنه يقصد الحق فكونه لم يصل إليه ليس بتقصير منه في طلبه، بل لأنه لم يوفق في ذلك، فهذا العالم بذل السبب، والتوفيق من الله سبحانه وتعالى .
أما قضية التشديد والتسهيل فلا ينظر إليها وإنما ينظر إلى المستوى العلمي للشخص، فإن كان عنده ما يؤهله من العلم وحكم بموجب ما توصل إليه علمه فإنه لا يلام في ذلك، أما إذا كان دون ذلك، وليس عنده ما يؤهله لبلوغه المرحلة التي يحكم فيها على الأمور، ويجيب فيها على الفتاوى فهذا لا نَصِفُهُ بأنه ميسر، بل نصفه بأنه مقصر، لأن المدار ليس على السهولة أو على الشدة، إنما المدار هنا على ما يقوم عليه الدليل من أقوال العلماء .(88/31)
208 ـ هناك بعض التهم يدفع بها إلينا بعض العلمانيين فيقولون : إن المسلمين حاليًا مشغولون بتوافه الأمور، ومظاهرها كاللحية والالتزام بالسنة في الثياب وغيرها، وأن ذلك أهم من القضايا التي يتعرض لها المسلمون كالتنكيل بالأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية، وكذلك الجوع والعرب في أفريقيا وآسيا وانتهاك بعض الأراضي الإسلامية بأقدام يهودية وغيرها من القضايا المهمة، فما هو تعليقكم على ذلك وهل هذا الاتهام صحيح ؟
كثيرًا ما نسمع هذه المقولة لكنها غير سليمة؛ لأن المسلم مطلوب منه أن يعمل بالإسلام كله، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } [ سورة البقرة : آية 208 ] ، يعني : خذوا الإسلام كله، لا تأخذوا بعضه وتتركوا بعضه .
أما القول بأننا يجب أن نشتغل بالرد على أعداء الإسلام والملحدين ولا نهتم بآداب الإسلام وأحكامه فهذا ليس صحيحًا، بل لابد أن نعتني بالأمرين معًا : نصلح أحوالنا أولاً، ونستقيم على أمور ديننا ونلتزم بالسنن التي يأمرنا بها ديننا، وبهذا نستطيع أن نقف في وجه أعدائنا، هل نقف في وجه عدونا ونحن مجروحون، وقد ضيعنا قسطًا من ديننا وتساهلنا فيه، وقلنا هذه فروع وهذه توافه ؟ !
وأنا أقول : لابد من الالتزام بجميع قضايانا الإسلامية كبيرها وصغيرها؛ لأن ديننا دين التكامل فلا يحق لنا أن نأخذ شيئًا ونترك غيره، فالدين يسر لكن هذا لا يعني أن نترك بعض الأوامر، ونرتكب ما نهينا عنه في بعض الجوانب ونقول : إن هذه أمور سهلة؛ لأن التساهل بالمعصية قد يجر إلى معصية أكبر منها، والتساهل بالصغيرة يصيرها كثيرة، كما قال أهل العلم .
والواجب أن نعظم حرمات الله سبحانه وتعالى، ومن يعظم حرمات الله فإنه من تقوى القلوب، فنحن نأخذ ديننا كله بما فيه من التزام السنن والعمل بالواجبات .
209 ـ ما هو واجب الناس تجاه علمائهم وواجب العلماء تجاههم ؟(88/32)
واجب الناس تجاه علمائهم أن يحترموهم وأن يستفيدوا منهم، كما يجب على العلماء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ويكونوا قدوة حسنة وصالحة، وعلى العلماء أن ينشروا العلم ويدعوا إلى الله عز وجل ويرشدوا الرعاة والرعية . كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/74 ) من حديث تميم الداري رضي الله عنه ] .
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
210 ـ قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 105 ] ، نريد الجمع بين هذه الآية وبين قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث الأمر بالمعروف : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده . . . ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] ؟(88/33)
السائل يطلب الجواب عن الجمع بين الآية والحديث فنقول : ليس بين الآية والحديث تعارض؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأخذ بأنفسنا إلى طريق الحق وأن نلتزمه، وألا ننظر إلى فعل الآخرين وانحراف الآخرين، ولا نكون مع الناس إن أساءوا أسأنا وإن أحسنوا أحسنا، بل نلزم طريق الإحسان دائمًا وأبدًا، مع أننا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب استطاعتنا كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] ، وهذا تشير إليه الآية الكريمة حيث قال : { لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 105 ] ، قيد سبحانه انتفاء الضرر بالاهتداء، ومن الاهتداء أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حسب استطاعتنا بعد إصلاح أنفسنا بأن نكون أول من يتمثل الخير ويتجنب الشر .
وصدِّيق هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها، أبو بكر الصديق رضي الله عنه تنبه لهذا وقال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 105 ] ، وإني سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/11 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وهو جزء من حديث أوله : ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل . . ) وللحديث رواية أخرى ] ، فهو يبين بهذا أنه لا تعارض بين الآية والحديث، وأن من ظن أن معنى الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أخطأ في فهمه للآية . والله تعالى أعلم .(88/34)
211 ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من رأى منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ] فهذا الحديث يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب استطاعة الإنسان لكون الناس فيهم من يغيره بيده نظرًا لقوته الجسمية والنفسية، ومنهم من لا يستطيع أن يغيره إلا بلسانه، ومنهم الضعيف جدًّا ولا يستطيع أن يغير المنكر إلا بالقلب، وهذا يكون يكره المنكر وأهله، فإذًا هذا الضعيف لا شك يخشى على نفسه من بطش الناس لضعفه .
وهناك حديث آخر روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى يقول له : ما منعك إذا رأيت المنكر فلم تغيره ؟ فيقول : خشيت الناس، فيقول الله تعالى : ( أنا أحق أن تخشاني ) ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 3/47، 48 ) وفي مواضع أخرى، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1328 ) ، كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] ، وفي هذا الحديث، يشير على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد منه مهما كانت استطاعة المرء وقوته سواء أكان ضعيفًا أو قويًا، فأرجو من فضيلتكم التكرم بالجمع بين الحديثين السابقين في حالة صحة الحديث الثاني ؟(88/35)
لا تعارض بين الحديثين؛ لأن الحديث الأول يدل على أن إنكار المنكر لابد منه، ولكنه على مراتب : فالمرتبة الأولى : أن يغيره بيده وذلك إذا كان من أهل السلطة وأهل الحسبة الذين يأخذون على يد العصاة بالأدب والعقوبة، وليس هو كما ذكر السائل القوي في بدنه والقوي في نفسه، لا بل المراد به صاحب السلطة الذي يتمكن من إزال المنكر بالقوة لكونه سلطانًا أو مأمورًا من قبل السلطان، أو لكونه صاحب البيت ؟ لأن صاحب البيت له السلطة على من فيه من أولاده وأهله فيغير عليهم المنكر بيده؛ لأن الله أعطاه السلطة عليهم، فإذا لم يكن بيده سلطة عامة ولا خاصة فإنه يغير بلسانه بأن يبين المنكر وينهى عنه ويحذر منه إن استطاع ذلك، فإن لم يستطع أن يبين بلسانه لكونه يخشى مفسدة أشد فإنه ينكره بقلبه، ويبغض المنكر وأهل المنكر ولا يطمئن إلى العصاة ولا يأنس بهم، وإنما يخالفهم ويتباعد عنهم، ولا يكون كبني إسرائيل الذين كانوا ينهون عن المنكر في أول الأمر ثم لا يمنعهم بعد ذلك أن يجالسوا العصاة وأن يأنسوا بهم، هذا ما يدل عليه الحديث الأول .
أما الحديث الثاني وهو أن الله سبحانه يسأل العبد يوم القيامة : لماذا لم ينكر المنكر ؟ فيقول : إني خشيت الناس، فيقول الله : أن أحق أن تخشاني الحديث أيضًا ظاهر في أن هذا في شخص كان يستطيع أن ينكر بيده ولكنه لم ينكر، أو يستطيع أن ينكر بلسانه ولكنه لم ينكر، بل ادخر وسعه وترك ما يقدر عليه من إنكار المنكر مداراة للناس ومجاملة لهم، فهذا هو الذي يكون ملومًا، أما الذي يترك إنكار المنكر بيده أو بلسانه لكونه لا يستطيع ذلك، أو يخشى من مفسدة أشد، فهذا يكون معذورًا في هذه الحالة على أن ينكر ذلك بقلبه ويبتعد عنه وعن أهله، فلا تعارض بين الحديثين، ولله الحمد .
212 ـ كيف ننكر المنكر ؟ وكيف نتجنب البدع بصفة عامة وخصوصًا في التعزية ؟(88/36)
كيفية إنكار المنكر بيَّنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( من رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69، 70 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] ، وكل مسلم يعلم ما يستطيعه من تلك المراتب فيجب عليه أن يقوم به .
وكيفية تجنب البدع تكون بالنهي عنها، وبيانها للناس والتحذير منها، وعدم الحضور في الأمكنة التي تقام فيها ومقاطعتها وهجر أهلها حتى يتوبوا منها ويتركوها .
ويكون أيضًا - وهذا شيء مهم - بتوعية المسلمين في إحياء السُّنن وإماتة البدع، وذلك عن طريق خطب الجمعة والمحاضرات والندوات، وعن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، حتى يكون المسلمون على بصيرة من أمر دينهم .
فأمر البدع أمر خطير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لأنها تقضي على السُّنن وتفسد الدين وتغضب الرب سبحانه، لأنها من شريعة الشيطان، والمبتدع أحب إلى الشيطان من العاصي، لأن العاصي يتوب، والمبتدع يبعد أن يتوب .
وأما التعزية بالميت فهي مشروعة بأن يقول للمصاب : أحسن الله عزاءك وجبر مصيبتك وغفر لميتك - إن كان الميّت مسلمًا - ولا يكون للتعزية مكان خاص، ولا تقام لها سرادقات ولا تكاليف مالية واستعدادات باهظة، فهذا من المنكر، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : ( كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/204 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/514 ) ] . والله أعلم .(88/37)
213 ـ لي أقارب وأرحام ومنهم خال لي، ووالداي في بعض الأيام يسهران عندهم ويريداني أن أذهب معهم لزيارتهم، ولكني أرفض لأن مجلسهم لا يخلو من المنكرات، ويقولون لي : الله غفور رحيم، وأنَّ علي أن أصل رحمي، فهل أذهب معهم وأتحمل الصبر على منكراتهم كي أصل الرحم أم أقطعهم ؟
أما إذا كان في ذهابك إليهم رجاء أن تؤثر عليهم وأن توعظهم إلى ترك المنكر، وتقوم بواجب إنكار المنكر، فإنه يجب عليك الذهاب إليهم من ناحيتين :
الناحية الأولى : صلة الرحم .
الناحية الثانية : إنكار المنكر الذي تقوم به إذا ذهبت، أما إذا لم يحصل منك إنكار المنكر أو كان الإنكار لا يجدي وهم يستمرون على منكرهم على الرغم مما تنكر عليهم فإنك لا تذهب إليهم؛ لأنك إذا ذهبت إليهم فإنك تجلس في مجلس يكون فيه منكر وأنت لا تغيره أو لا تقدر على تغييره، فعليك أن تبتعد عنهم لعل الله سبحانه وتعالى يهديهم .
214 ـ هل إذا ذهب المرء إلى المسجد ووجد أناسًا عند المسجد ودخل المسجد ولم يقل لهم : صلوا، هل عليه إثم أم لا ؟
يجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب استطاعته إما باليد وإما باللسان وإما بالقلب .
ولا يجوز للمسلم ترك إنكار المنكر، فإذا رأى أناسًا لا يصلون فإنه يأمرهم بالصلاة، فإن امتثلوا وإلا فإن كان له سلطة ألزمهم وأدبهم، وإن لم يكن له سلطة فإنه يبلغ أهل السلطة عن وضعهم، ولا يجوز له السكوت على المنكر وإقراره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ] .
215 ـ هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها ؟(88/38)
لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب إلا إذا كنت تقوم بنصيحته والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه وجب عليك أن تقوم به معه؛ لأن هذا من إنكار المنكر والدعوة إلى الله تعالى لعل الله أن يهديه على يديك .
أما إذا كنت تشاركه وتجالسه وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة أو مقيم على شيء من الكبائر، فإنه لا يجوز لك أن تخالطه، وقد لعن الله بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ سورة المائدة : الآيتين 78، 79 ] ، وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية فلا ينهاه، ويخالطه، ويكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما رأى الله منهم ذلك ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان أنبيائهم .
وحذرنا نبي الله ( من أن نفعل مثل هذا الفعل لئلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة . والله أعلم .
216 ـ متى يكون المسلم معذورًا في إنكار المنكر ؟ وما حدود الاستطاعة القولية الواردة في حديث : ( من رأى منكم منكرًا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ] ؟
إنكار المنكر لا يسقط عن المسلم بحال ولا يعذر في تركه، لكنه يكون واجبًا عليه بحسب استطاعته لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) .(88/39)
فالذي بيده سلطة يغير المنكر بيده، والذي ليس معه سلطة يغيره بلسانه، والذي لا يقدر بلسانه ينكره بقلبه فيبتعد عن المنكر وعن أهله؛ لأن الذي لا ينكر المنكر ليس بمؤمن كما في الحديث : ( وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) .
ومن أصحاب السلطة الذين ينكرون باليد : صاحب البيت فإن له سلطة على من في بيته لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) . وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ سورة التحريم : آية 6 ] ، وقال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ سورة طه : آية 132 ] .
217 ـ هل يجوز للإنسان أن ينصب نفسه حكمًا على غيره في كل المواقف ؟ ومتى يسوغ شرعًا للشخص أن يقول : هذا خبيث، وهذا غير ذلك ؟(88/40)
لا يصلح للإنسان أن ينصب نفسه حكمًا على الناس وينسى نفسه . . بل على الإنسان أن ينظر إلى عيوب نفسه أولاً قبل أن ينظر إلى عيوب غيره . . لكن إن نصب المسلم نفسه ناصحًا لإخوانه آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر فهذا شيء طيب ولا يقال : إنه نصب نفسه حكمًا على الناس، يقول الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [ سورة الحجرات : آية 10 ] ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ) ، ويقول الله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ سورة المائدة : آية 2 ] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/74 ) من حديث تميم الداري رضي الله عنه ] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/9 ) من حديث أنس رضي الله عنه ] .
وعلى الإنسان أن يصلح نفسه أولاً ثم يحاول إصلاح الآخرين من باب محبة الخير لهم والنصيحة إليهم، وليس من باب تنقيص الآخرين أو التماس عيوبهم، فإن هذا هو ما نهى عنه الإسلام، وإنما في حب الخير لهم .
وبالنسبة لقول الإنسان : هذا خبيث وهذا غير ذلك . . فالإنسان المسلم لا يسوغ له شرعًا أن يقول ذلك في حق أخيه المسلم إلا إذا كان معروفًا بالانحراف ومعروفًا بالمقاصد السيئة، من يعرف حاله يجب عليه أن يقول ما يعلم عن خبثه وانحرافه إذا كان ذلك يترتب عليه مصلحة دينية بأن يحذر الناس منه حتى يمكنهم مقاومة خطره، أما إذا قال ذلك لمجرد النيل منه أو لمجرد الذم فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يصبح تعرضًا شخصيًّا لا مصلحة فيه .(88/41)
ولا شك أن الحكم على الناس يحتاج إلى روية وتثبت . . فالإنسان لا يعتمد على ظنه، والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا } [ سورة الحجرات : آية 12 ] .
كذلك يجب على الإنسان ألا يعتمد في هذا الموضوع على خبر فاسق . . فالله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ سورة الحجرات : آية 6 ] ، ولهذا على المرء أن يتجنب الظنون السيئة ولا يحكم لمجرد ظنونه . وعليه ألا يقبل الأخبار ممن جاء بها بدون تمحيص وبدون تثبت، ولا يحكم على الناس إلا بموجب العلم الشرعي، فإذا كان عنده علم شرعي فإنه يحكم بموجب ما ثبت لديه، أما إذا كان جاهلاً بالأحكام الشرعية فلا يجوز له الحكم على تصرفات الناس .
وعلى المرء ألا يخوض في هذه المجالات التي ليس له بها علم { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : آية 36 ] وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 33 ] .(88/42)
فالذي ليس عنده علم لا يصدر الأحكام بمجرد ظنه أو مجرد رأيه أو ما تمليه عليه نفسه، بل عليه أن يتوقف لأن الأمر خطير جدًّا، ومن رمى مؤمنًا بما ليس فيه أو وصفه بصفة لا تنطبق عليه فإن ذلك يرجع وباله عليه، كما جاء في الحديث أن الإنسان إذا لعن من لا يستحق اللعنة فإن اللعنة ترجع على من قالها، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه : يا فاسق، أو يا كافر، أو يا خبيث أو ما شابه ذلك من الألقاب السيئة، يقول الله تعالى : { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ } [ سورة الحجرات : آية 11 ] .
فالمسلم يجب عليه أن يتحفظ من هذه المجالات وأن يكون عنده علم وبصيرة يستطيع الحكم بها على نفسه أولاً، وعلى الناس ثانيًا، كما أنه يجب أن تكون عنده تؤدة وتثبت وبُعد نظر وعدم تسرع في الأمور .
6 ـ معاملة : الكفار - والمبتدعة
218 ـ ما هي حدود موالاة أعداء الله والمحادين التي إذا وصلها المسلم أو تجاوزها خرج عن الملة ؟ وما هي الحدود التي يجب أن يلتزم بها المسلم في تعامله مع غير المسلمين ؟
الموالاة التي حرمها الله ورسوله : موالاة الكفار هي محبتهم في القلوب، لأنه لا يحبهم إلا إذا كان يرى صحة ما هم عليه، أما لو كان يرى بطلان ما هم عليه فإنه يعاديهم في الله عز وجل .
ومن الموالاة المحرمة : مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام، والعياذ بالله، قال الله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ سورة المائدة : آية 51 ] .(88/43)
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل منهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله، ولا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم .
219 ـ نحن في بعض الأحيان نسب أو نلعن بعض المشركين أو الكفار أو نتكلم عليهم بتشبيههم بالحيوانات وهم أصحاب شرك، والعياذ بالله، ويدعون من دون الله، وبعضهم أصحاب شعوذة أيضًا ومنهم الحي ومنهم الميت، وبعضهم يؤم المسلمين في المساجد وخطباء على المنابر، فهل يجوز لنا هذا أم لا ؟
أما بالنسبة للعن الكافر والمشرك والفاسق بفعل كبيرة من الكبائر فلعن هؤلاء على وجه العموم لا بأس به أن يقال : لعنة الله على الظالمين، لعنه الله على الكافرين، لعنة الله على الفاسقين، لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه .
أما لعن معين وسب معين فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن لا يجوز لأنك لا تدري ماذا ختم له إن كان ميتًا، وما يختم له به إن كان حيًا .
220 ـ ما هو النفاق ؟ وما الفرق بينه وبين الكفر ؟ وهل هو أشد خطرًا أم الكفر ؟
النفاق هو إخفاء الشر وإظهار الخير وهو على نوعين : نفاق اعتقادي ونفاق عملي :(88/44)
النفاق الاعتقادي : والعياذ بالله هو إخفاء الكفر وإظهار الإيمان، كحال المنافقين الذين نزل فيهم القرآن وفضحهم الله سبحانه وتعالى، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار تحت عبدة الأوثان، هؤلاء كفار وكفرهم أشد من كفر من لم يتظاهر بالإسلام؛ لأن الكفار على قسمين : كافر متظاهر بكفره وعداوته للمسلمين، وكافر في الباطن ولكنه في الظاهر يخادع المسلمين ويظهر أنه منهم، وهذا هو المنافق وهذا نفاق اعتقادي صاحبه كافر مخلد في النار، وعذابه أشد من عذاب عبدة الأصنام - والعياذ بالله .
والنوع الثاني : نفاق عملي : وهذا يصدر من بعض المؤمنين بأن يفعل فعلاً من صفات المنافقين، كالكذب في الحديث كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/14 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
فهذه صفات من صفات المنافقين يصدر بعضها من ضعاف الإيمان، لكن صاحبها لا يخرج عن الملة، فهو مؤمن لكن فيه خصلة من خصال المنافقين تنقص إيمانه وعليه وعيد شديد في ارتكاب هذا الشيء لكنه لا يخرج بهذا من دائرة الإيمان، هذا ما يسمى بالنفاق العملي .
221 ـ سئل فضيلة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عن حكم السفر إلى البلاد التي لا تدين بالإسلام سواء كانت نصرانية أو لا دينية ؟ وهل هناك فرق بين السفر للسياحة والسفر للعلاج والدراسة ونحو ذلك ؟(88/45)
السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين .
أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة .
222 ـ ما حكم السفر إلى البلاد الإسلامية التي تكثر فيها المنكرات والكبائر كالزنا والخمر ونحوهما ؟
المراد بالبلاد الإسلامية هي التي تتولاها حكومة تحكم بالشريعة الإسلامية . . لا البلاد التي فيها مسلمون وتتولاها حكومة تحكم بغير الشريعة فهذه ليست إسلامية، والبلاد الإسلامية بالمعنى الأول إذا كان فيها فساد ومنكرات لا ينبغي السفر إليها خشية من التأثر بما فيها من فساد . . أما البلاد التي هي بالمعنى الثاني - أي غير الإسلامية - فقد بينا حكم السفر إليها في الجواب الأول .
223 ـ ما هي نصيحتكم للآباء الذين يرسلون أبناءهم للخارج في الصيف بحجة دراسة اللغة الإنجليزية أو السياحة ؟ وما هي نصيحتكم لمن يسافرون للخارج ؟
نصيحتي لهؤلاء الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، فإنهم أمانة في أعناقهم يُسألون عنها يوم القيامة، فلا يجوز لهم المغامرة بهؤلاء الأبناء بإرسالهم إلى بلاد الكفر والفساد خشية عليهم من الانحراف، وتعلم اللغة الإنجليزية إن كانوا بحاجة إليها أمكنهم تعليمهم إياها في بلادهم بدون سفر إلى بلاد الكفار، وأعظم من هذا خطر إرسالهم للسياحة . والسفر لهذا الغرض محرم كما سبق في الجواب الأول .(88/46)
ونصيحتي لمن يسافرون للخارج ممن يجوز لم السفر شرعًا أن يتقوا الله ويحافظوا على دينهم ويظهروه ويعتزوا به ويدعوا إليه ويبلغوه للناس، وأن يكونوا قدوة صالحة يمثلون المسلمين تمثيلاً صحيحًا، وأن لا يبقوا في بلاد الكفار أكثر من الحاجة الضرورية . . والله أعلم .
224 ـ يوجد لدي خادمة غير مسلمة وزودتها بالكتب والأشرطة الإسلامية حسب لغة بلادها لعل الله يهديها للإسلام، ولكنها امتنعت عن ذلك، هل برئت ذمتي في ذلك خاصة وأنها جيدة في عملها وأمينة ؟
لا يجوز استقدام الخادمة غير المسلمة لما في ذلك من الخطر على عقائد الأسرة وأخلاقهم، فالواجب عليك أن لا تعيد استقدامها مرة أخرى، بل إن استقدام النساء بدون محارمهن لا يجوز ولو كن مسلمات لما في ذلك من المحاذير الظاهرة، فإذا كنت مضطرًّا لاستقدام خادمة فلتكن مسلمة ومع محرمها .
225 ـ أعمل في شركة تضم موظفين غير مسلمين، وفي كل صباح يحيي بعضنا بعضًا لكني سمعت أن تحية غير المسلمين لا تجوز فهل هذا صحيح ؟ وهل هنا فرق بين السلام والتحية المعتادة كصباح الخير أو نحوها ؟
لا يجوز للمسلم أن يبدأ الكافر بالسلام، ولكن إذا بدأه الكافر به فإنه يرد عليه بأن يقول : ( وعليكم ) كما أرشد إلى ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (1) . وذلك لأن السلام ينبئ عن المودة والمحبة في القلب، ولا يجوز للمسلم أن يحب الكافر؛ لأن الله لا يحب الكافرين، ونهى المؤمنين عن محبتهم فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ } [ سورة الممتحنة : آية 1 ] وكل ألفاظ التحية سواء في التحريم مثل صباح الخير ونحوها لعموم الأدلة، ولأن ذلك يدل على المحبة .(88/47)
226 ـ لقد هداني الله وأدخلني دين الحق والإسلام على أيدي بعض الشيوخ السودانيين، وتبع ذلك تغيير اسمي من عبد الصليب إلى عبد الله، ولكن ذلك لم يرضِ والدي الذي أمرني ألا أعتدي على اسمه واسم العائلة، وقد احتد بيني وبينه الخلاف مما جعلني أغادر مكان إقامة والدي وأهاجر إلى هذه الديار الكريمة؛ إلا أنني مازلت في حيرة من أمري هل الإسلام يطالبني بإرضاء والدي والعمل على طاعته ولو كان مسيحيًّا ؟ أم يطالبني بأن أتجاهل ما قاله لي الوالد علمًا بأن والدي مسيحي ومازال يتعصب للمسيحية، واسمي السابق كان عبد الصليب ؟
أولاً : نشكر الله سبحانه وتعالى على ما وفقك من معرفة الحق والدخول في دين الإسلام الذي هو الدين الحق، والذي كلف الله به جميع أهل الأرض على اختلاف مللهم ونحلهم أن يتركوا ما هم عليه، وأن يدخلوا في هذا الدين الحق، الذي هو دين الله سبحانه وتعالى الذي ارتضاه لنفسه، فنشكر الله أن وفقك لهذا الخير العظيم، ونسأل الله أن يثبتك على دين الإسلام .
وأما من ناحية تغيير الاسم من عبد الصليب إلى عبد الله فهذا هو الواجب عليك؛ لأنه لا يجوز أن يُعَبَّدَ أحد لغير الله عز وجل فلا يقال : عبد الصليب، ولا عبد المسيح، ولا عبد الرسول، ولا عبد الحسين، قال الإمام ابن حزم : ( أجمعوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب ) (2).(88/48)
وأما المسألة الثانية : وهو علاقتك بوالدك فالله سبحانه وتعالى أوجب بر الوالدين بالمعروف والإحسان ولو كانا كافرين، وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [ سورة لقمان : الآيتين 14، 15 ] فيجب عليك أن تحسن إلى والديك الإحسان الدنيوي .
وأما في الدين فأنت تتبع الدين الحق ولو خالف دين آبائك، مع الإحسان للوالدين من باب المكافأة فأنت تحسن إليهما وتكافئهما على معروفهما ولو كانا كافرين، فلا مانع أن تواصل والدك وأن تبر به وأن تكافئه؛ ولكن لا تطيعه في معصية الله عز وجل .
227 ـ هل تجوز الصلاة على صاحب جنازة نعرف أنه يعتقد في الأولياء أنهم ينفعون أو يضرون ويستغيث بهم، ويفعل أفعالاً كلها في حكم الإسلام شرك، فهل تجوز الصلاة على من مات على هذه الحالة ؟ أو كان لا يصلي إلا في المناسبات العامة كالأعياد ونحوها ؟
من مات على هذه الحالة التي ذكرتها من الشرك الأكبر والاستغاثة بالأموات والاعتقاد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون، أو كان تاركًا للصلاة متعمدًا لتركها ومات على هذه الحالة فهذا كافر لا يُصلى عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين، قال الله سبحانه وتعالى في المنافقين : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } [ سورة التوبة : آية 84 ] ، فمن مات على الكفر والشرك بالله فإنه لا يُصلى عليه ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين .(88/49)
فإذا كنت متأكدًا أنه مات على هذه الحالة ولم يتب فإنك لا تُصلي عليه؛ لأنه مستمر على الشرك الأكبر الذي ذكرته، أو أنه مصر على ترك الصلاة متعمدًا، ومات على ذلك فهذا لا يُصلى عليه كما ذكرنا - والعياذ بالله - لأنه مات على الكفر والشرك .
228 ـ يوجد في قريتنا جامع ليس له إمام بل يؤم الجماعة كل من تتوفر فيه شروط الإمامة والجماعة، الذين يصلون في هذا الجامع أكثرهم من أهل البدع والضلالات - والعياذ بالله - ويميلون إلى الدروشة والصوفية، وعندما نقدم لهم النصيحة ونناقشهم بالكتاب والسنة النبوية لا يقبلون بذلك بل كل واحد منهم على مذهب، وعندما يسألوني : أنت على أي مذهب ؟ أقول لهم : إني على كتاب الله وسنة رسوله وما صح من الأحاديث فهو مذهبي، وآتي لهم بالأدلة من الكتاب والسنة فلا يقبلون، ويقولون : إنك لابد لك أن تتبع مذهبًا معينًا، والذي ليس على مذهب معين فإن عمله باطل غير صحيح، وإذا طال النقاش معهم تكثر الخلافات والمشاكل بدون فائدة، فهل يجوز السكوت عن ذلك وتركهم في أهوائهم وفي غيِّهم ؟ وهل يجوز ترك الصلاة معهم في المسجد مع العلم أني أسمع الأذان ولا أصبر على ذلك ؟ وإذا ذهبت إلى الجامع يقدموني للإمامة، وإذا صليت بهم يشركوني في بدعهم، فماذا أعمل كي أتخلص من ذلك ؟ أفتوني جزاكم الله خيرًا .
هذا السؤال يتكون من عدة نقاط : -(88/50)
النقطة الأولى : سؤال عن إمامة المبتدع ؟ المبتدع بدعة يكفر بها أو يفسق بها لا تصح إمامته، إذا كانت بدعته مكفرة أو مفسقة لا تصح إمامته، فإذا كان هؤلاء يزاولون بدعًا في الدين تؤول بهم إلى الكفر كالاعتقاد في الأولياء والصالحين أنهم ينفعون أو يضرون أو ما عليه غالب الصوفية المتطرفة من الاعتقاد في مشايخهم وأصحاب الطرق الذين يشرعون لهم من الأذكار والدين ما لم يأذن به الله، ويأتون بأذكار قد تشتمل على الشرك ودعاء الأموات ودعاء المخلوقين من دون الله، فمثل هؤلاء لا تصح إمامتهم ولا تجوز الصلاة خلفهم .
أما ما ذكرت من أنك تناصحهم وأنهم لا يقبلون، فالواجب عليك بذل النصيحة والبيان، وأما القبول والهداية فهذا بيد الله سبحانه وتعالى، أما أنت فما عليك إلا البيان والنصيحة والتكرار على هذا، لأن هذا من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ومن إنكار المنكر .
وأما ما ذكرت من التمذهب بمذهب معين فهذا فيه تفصيل : إذا كان الإنسان عنده المقدرة على معرفة الحق ومعرفة الحكم بدليله فهذا لا يتمذهب بمذهب معين، إنما يرجع إلى الكتاب والسنة ولكن هذا في الحقيقة منصب المجتهدين، والغالب على أهل هذا الزمن أنهم لا يبلغون هذه المرتبة أما من كان دون ذلك بأن كان لا يستطيع معرفة الحكم بدليله من الكتاب والسنة، فإنه يقلد أحد المذاهب الأربعة السنية، ويأخذ به ما لم يظهر له من بعض أقوالهم مخالفة الدليل، فإذا ظهر له قول مخالف للدليل فإنه يتركه ويأخذ بالقول الموافق للدليل من المذهب أو من غيره، والتمذهب بمذهب من المذاهب الأربعة ليس ممنوعًا مطلقًا، وليس جائزًا مطلقًا، إنما يجوز عند الحاجة بشرط ألا يأخذ بالأقوال المخالفة للدليل من ذلك المذهب وإنما يأخذ ما لا يخالف الدليل .(88/51)
وأما النقطة الأخيرة وهي أنهم إذا ذهبت إليهم يقدمونك للصلاة هذا شيء طيب، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب عليك أن تذهب لتصلي بهم على السنة وعلى الطريقة الصحيحة، إذا كانوا يقدمونك للصلاة، فإنه يجب عليك أن تذهب وأن تصلي بهم، وأن تدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تشاركهم في البدع ولا تطع أقوالهم وهم لا يلزمونك في هذا، فعليك أن تذهب وأن تصلي بهم على وفق السنة وأن تناصحهم، وأن تدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تدخل معهم في بدعهم بل أنكر عليهم وامتنع من مشاركتهم .
229 ـ ذكر الفسوق والفاسقون مرات عديدة في القرآن والسنة فمن ذلك قوله تعالى : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } [ سورة الحجرات : آية 7 ] فما الفسوق ؟ وكيف يحذر المسلم من أن يكون مع القوم الفاسقين ؟
قوله تعالى : { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } [ سورة الحجرات : آية 7 ] ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنواع المعاصي الثلاثة، المعاصي التي تخرج من الملة كالكفر . والمعاصي التي لا تخرج من الملة ولكنها تنقص الإيمان نقصًا ظاهرًا كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من الكبائر، وسميت فسوقًا وصاحبها فاسق؛ لأن الفسق معناه الخروج عن طاعة الله عز وجل .
وذكر المعاصي التي هي دون الكبائر ولا تقتضي الفسق وهي صغائر الذنوب . . فأخبر سبحانه وتعالى أنه كرَّه هذه الأنواع الثلاثة إلى أهل الإيمان وحبَّب إليهم أنواع الطاعات والقربات .
230 ـ إذا هَمَّ المسلم بارتكاب معصية ثم لم يتمكن من فعلها وحيل بينها وبينه، فهل تكتب عليه معصية ؟
إذا هَمَّ الإنسان بمعصية ثم لم يفعلها خوفًا من الله تعالى، فإنها تكتب له عند الله حسنة كاملة، وإن لم يفعلها، لأنه لم يتمكن من فعلها ولو تمكن لفعلها، فإنها تكتب له عند الله سيئة بناء على نيته الخبيثة، وإن لم يفعلها لأنه نسيها فهذا لا له ولا عليه .(88/52)
دليل الحالة الأول قوله صلى الله عليه وسلم : ( من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له عند الله حسنة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/187 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( وهو حديث قدسي ) ] .
ودليل الحالة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) قالوا : يا رسول الله هذا شأن القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصًا على قتل صاحبه ) [ رواه النسائي في " سننه " ( 7/125 ) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1311 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه ] .
وتعليل الحالة الثالثة : أنه لم ينو خيرًا ولم يفعل شرًّا .
231 ـ أنا شاب - والحمد لله - محافظ على الصلاة وباستمرار، ولكن هناك زملاء وأقارب وجيران لا يصلون في المسجد أبدًا مع جماعة المسلمين، وأنا أجالسهم وأزاورهم مع أنني أكره فعلهم ذلك، ولكني أحببت نصيحتكم لي في هذا الشأن وحكم زيارتهم مع أنني نصحتهم مرارًا ولم ينتصحوا بذلك ؟
أما كونك محافظًا على الصلاة فالحمد لله على ذلك ونسأله سبحانه أن يثبتنا وإياك على دينه، وأن يجعلنا وإياك من المحافظين على صلواتهم .
وأما ما ذكرت من أن لك أقارب لا يحافظون على الصلوات، وأنك تجالسهم وتخالطهم فهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل :
أولاً : إذا كانت مخالطتك لهم مع بذلك للنصيحة وإنكار للمنكر ورجاء أن يتوبوا وأن تؤثر عليهم، فإن الواجب عليك أن تخالطهم، وأن تزورهم وأن تناصحهم، وأن تدعوهم إلى الله عز وجل حتى لو لم يكونوا أقارب . فالأمر آكد .(88/53)
أما إذا كان نصحك لا يجدي فيهم ولا يتأثرون ففارقهم خصوصًا إذا كانت مفارقتك لهم واعتزالك لهم فيه مصلحة بأن يدركوا خطأهم ويتأثرون من هجرك لهم، فإنه يجب عليك أن تهجرهم وألا تزورهم، وإن كانت مفارقتك لهم تزيدهم شرًّا وفي مخالطتك لهم تخفيف من شرهم، فخالطهم وناصحهم، وعلى كل حال لا تيأس من مناصحتهم وبذل الدعوة لهم لعل الله سبحانه أن يهديهم .
232 ـ أنا شاب عمري اثنتا عشرة سنة، أصوم وأصلي وأقرأ القرآن الكريم، والحمد لله، ولي أخذ أكبر مني بخمس سنوات ولكنه للأسف لا يصلي ولا يصوم ولا يقرأ القرآن الكريم، ومع ذلك فهو مداوم على لعب القمار، وصار له على هذه الحالة عمر طويل، وحينما أنصحه وأُبيّن له أنه على خطأ، وأن فعله هذا حرام ولا يجوز، يقول لي : أنت على حق وليتني أكون مثلك، ولكنني لا أقدر على ترك لعب القمار . فماذا أفعل له؛ هل أطرده من البيت علمًا أن ذلك قد يجلب المشكلات ؟ وبم تنصحونه جزاكم الله خيرًا ؟
ما ذكرت من أن أخاك يلعب القمار وما هو أشد منه وهو أنه لا يصلي ولا يصوم، فترك الصلاة وترك الصيام أشد من لعب القمار، وإن كان لعب القمار كبيرة من كبائر الذنوب، ومحرم شديد التحريم ولكن ترك الصلاة أشد من هذا؛ لأن ترك الصلاة إن كان ممن يجحد بوجوبها فهو كفر بإجماع المسلمين، وإن كان ترك الصلاة ممن يعترف بوجوبها، ولكنه تركها تكاسلاً وتهاونًا فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء . وكذلك تركه لصيام رمضان قد ترك ركنًا من أركان الإسلام وهذا أشد من لعب القمار .(88/54)
فالحاصل أن ما ذكرت من حال أخيك أمر فظيع ولا يجوز إقرارك له في البيت إذا كان لك سلطة على البيت إذا لم تُجْدِ فيه النصيحة ولم يرتدع عما هو عليه ويؤدي الصلاة والصيام كما أوجب الله، وتجنب ما حرم الله، فإذا كان لك سلطة في البيت فإنه يتعين عليك أن تتخذ معه الإجراء الذي تسلم به من شره وإثمه، وما ذكرت من أن هذا يحدث مشكلات، فالمشكلات موجودة ببقائه في البيت وهو لا يصوم ولا يصلي ويلعب القمار، هذه مشكلات أعظم من المشكلة التي تحصل بطرده من البيت .
فالحاصل أنه إذا كان بإمكانك معالجته بالموعظة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا له تأثير عليه في إصلاحه وتوبته فلا تبخل عليه بذلك ولا تيأس من هدايته، وأما إذا كان ذلك لا يجدي، فحينئذ فراقه هو المتعين .
233 ـ هناك مجتمعات قائمة على الاختلاط . . فهل على المسلم أن ينأى بنفسه عن هذا المجتمع في حين أنه لا يملك التغيير . . كذلك هل يتعامل مع كل وسائل اللهو أم يمنع نفسه . . أم ماذا يفعل ؟
لا شك أن غالب المجتمعات البشرية في العالم الآن تموج بأنواع من الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وموقف المسلم من هذه الفتن وتلك المستجدات يجب أن يكون موقف المسلم الصحيح . . فإذا كان يترتب على اختلاطه بهذه المجتمعات أن يتمكن من أن يغير شيئًا منها وأن يدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الصواب، فهذا أمر مطلوب وهو من مقاصد الدعوة .(88/55)
أما إذا كان ليس باستطاعته التأثير عليهم بل في اختلاطه هذا خطر عليه وعلى ذويه . . فعليه أن يهاجر بأن ينتقل إلى بلاد أخرى يمكن فيها ذلك . فالله عز وجل وسَّع المجالات وعَدَّد الفرص، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : الآيتين 2، 3 ] فعلى الإنسان ألا يبدي العجز . . فالله قد تكفل بالأرزاق وجعل مع العسر يسرًا ومع الكرب فرجًا، ولهذا فالإنسان عليه أن يحسن الظن بالله ويتوكل عليه ويخشاه . . فالله قد وعد باليسر للمسلم وهو لا يخلف وعده .
والسفر إلى بلاد الكفار فيه مخاطر على دين الإنسان، فإذا كان ليس مضطرًا إليه فلا يسافر، وإن كانت هناك ضرورة له فعليه أن يتقي الله حسب استطاعته { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] فالإنسان الذي يلقي نفسه في الخطر ولا يأخذ بالأسباب الواقية، فهذا هو الذي يضيع نفسه، أما الذي يواجه الخطر بالأسباب الواقية بتقوى الله والتزام طاعته، والابتعاد عن الشر مهما أمكن فهذا حري أن يوفق ويحفظ .
234 ـ لي أقارب يشربون الدخان، وربما حضروا لمنزلنا أو ذهبنا إليهم فنجالسهم وهم يشربون الدخان، فما حكم مجالستنا لهم ؟
شرب الدخان محرم ومنكر؛ لأنه خبيث مضر، والواجب نصيحة من يشربه والإنكار عليه، وإذا كان في عدم مجالسته ردع له وحافز له على تركه فإنه لا يجالس حتى يتركه .
ومهما ابتعد الإنسان عن مجالسة العصاة فإنه أحسن له إلا إذا كان يجالسهم لنصيحتهم ووعظهم وتذكيرهم، فهذا مأمور به لما فيه من المصلحة للطرفين .(88/56)
235 ـ أنا امرأة متزوجة من خمسة أعوام ولي بنت واحدة، وأحمد الله كثيرًا أنني من المسلمين وفي بلد مسلم يطبق أحكام دينه ولا يخاف في الله لومة لائم، فأنا حريصة على ديني فقد كنت في السابق وقبل زواجي أستمع لمزمار الشيطان ( الأغاني والموسيقى ) ولكن بعد معرفتي أنها حرام ولا يجوز لنا الاستماع إليها وأنه لا يجتمع إيمان وسماع الأغاني في قلب مؤمن، تركتها واتجهت إلى خالقي بالتوبة النصوح الخالصة من كل نفاق أو رياء .
ولكن لي إخوة خمسة أصغرهم عمره 12 سنة وأكبرهم 30 سنة وكذلك أبي - هداهم الله - لا يصلون ولا يصومون، وأبي كل أمواله ربًا في ربًا، والله لم يبارك فيها فكلها تذهب في الأشياء التي لا فائدة منها مثل الأفلام الخليعة والتلفزيونات فلكل غرفة تلفزيون، وعلى الرغم من أنه يملك الملايين لم نر منه إلا نكد العيش والفقر الشديد، وكل أمواله تذهب في شراب الخمر، وكل إجازة سعيدة يقلبها إلى أحزان وهَمٍّ بشربه لهذا المسكر، وتكون الأسرة مشتتة لبضعة أيام فهو يقوم بضرب أفراد الأسرة حين شربه للمسكرات .
والسؤال : ماذا أفعل أنا معهم ؟ فأنا خائفة عليهم من دخول النار لأنهم أبي وإخواني وأهلي ودائمًا أطلب لهم الهداية والاستقامة في كل صلاة ؟
وإني أتمنى أن يكون هناك اهتمام من مراكز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا الشأن وترسل أناسًا للمساجد لتقصي أحوال الناس الذين يتخلفون عن الجماعة ويذهبون إليهم ويهدونهم لعل الله يكتب على أيديهم الهداية لهم . . وجزاكم الله خيرًا .(88/57)
الواجب على المسلم أن يبادر بالتوبة إلى الله من المعاصي ولا يتمادى في فعلها لئلا ينزل به الموت وهو مقيم عليها، فتسبب له دخول النار، وترك الصلاة كفر وشرب الخمر فسق . والواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا سيما في حق الأقارب . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ سورة التحريم : آية 6 ] وقال تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ سورة الشعراء : آية 214 ] ، وقال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ سورة طه : آية 132 ] .
فالواجب على السائلة تجاه والدها وإخوانها مواصلة النصيحة لهم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولا تيأس من هدايتهم وتستعين بغيرها من أقاربهم وجيرانهم في نصيحتهم، وإذا أمكن إبلاغ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلد عن حالهم من أجل إلزامهم بطاعة الله ورسوله وترك المعاصي فهذا أمر واجب . . والله أعلم .
236 ـ ما الحكم في التلفظ بكلمة فيها لعن لشخص آخر ؟(88/58)
لا يجوز التلفظ باللعن والسب والشتم والتنقص للناس قال تعالى : { وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ } [ سورة الحجرات : آية 11 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن المؤمن كقتله ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " عن ثابت بن الضحاك ( 7/223 ) وأوله : ( من حلف بغير ملّة الإسلام . . . ) ] وقال : ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 6/199 ) من حديث عبد الله رضي الله عنه ] فالمؤمن من يصوم لسانه من التفوه بالسباب والشتم، وأشد ذلك اللعن، فإن اللعنة إذا صدرت منه إلى غير مستحق فإنها تعود عليه كما أخبر بذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (3) فإن اللعنة ترجع على من قالها إذا كان من أصدرت إليه لا يستحقها، فلا يجوز للمؤمن أن يستعمل اللعن لا في حق الآدميين ولا في حق البهائم ولا في حق المساكين ولا غير ذلك فإن هذه الكلمة شنيعة وقبيحة لا تليق بالمسلم .(88/59)
16 ـ المصطلحات العقيدية
237 ـ ماذا يعني الأمن من مكر الله ؟ وهل المؤمن العامل منهي عن الأمن من مكر الله، والله وعده بالخير العظيم والأجر الكريم ؟ وكيف نجمع بين النهي عن أمن مكر الله وبين إحسان الظن بالله ؟
يجب على المؤمن أن يكون خائفًا راجيًا، لا يطغى عليه جانب الرجاء حتى يأمن مكر الله، لأن الله تعالى يقول : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ سورة الأعراف : آية 99 ] ، فالأمن من مكر الله يحمل على فعل المعاصي وعدم الخوف من الله تعالى، وكذلك لا يطغى عليه جانب الخوف حتى ييأس من رحمة الله، فإن اليأس من رحمة الله كفر، قال تعالى : { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [ سورة الحجر : آية 56 ] ، وقال تعالى : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [ سورة يوسف : آية 87 ] .
وإحسان الظن بالله لابد معه من تجنب المعاصي وإلا كان أمنًا من مكر الله، فحسن الظن بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر هو الرجاء المحمود .
وأما حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات، فهو الرجاء المذموم وهو الأمن من مكر الله .
238 ـ قال سبحانه مخاطبًا الكفار وهم في النار : { الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } [ سورة الجاثية : آية 34 ] ، وقال سبحانه في آية أخرى : { فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى } [ سورة طه : آية 52 ] ، فكيف نجمع بين الآيتين ؟
معنى النسيان المذكور في الآيتين مختلف، فالنسيان الذي نفاه الله عن نفسه هو النسيان الذي هو بمعنى الغفلة والذهول، والله سبحانه منزه عن ذلك، لأنه نقص وعيب .(89/1)
أما النسيان المثبت لله في قوله تعالى : { نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ سورة التوبة : آية 67 ] ، فمعناه : تركهم في الضلال وإعراضه سبحانه عنهم، وذلك من باب المقابلة والمجازاة، فإنهم لما تركوا أوامره وأعرضوا عن دينه تركهم الله وأعرض عنهم، وكلمة النسيان لفظ مشترك يفسر في كل مقام بحسبه وعلى مقتضاه اللغوي، وهذا مثل مكره سبحانه بالماكرين، وسخريته من الساخرين، واستهزائه بالمستهزئين كله من باب المجازاة والمقابلة وهو عدل وكمال منه سبحانه .
239 ـ هل هناك فرق بين الحمد والثناء على الله وتمجيد الله ؟ وأيهما أبلغ ؟
الحمد والثناء على الله لا فرق بينهما، فالحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، والله سبحانه يحمد لذاته ولصفاته ولأفعاله الدائرة بين العدل والفضل، فما بالعباد من نعمة إلا منه سبحانه وتعالى .
240 ـ قرأت حديثًا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : ( ما شئت ) ، قال : فقلت : الربع، قال : ( ما شئت وإن زدت فهو خير لك ) ، قال : فقلت : الثلث، قال : ( ما شئت فإن زدت فهو خير لك ) ، قال : فقلت : النصف، قال : ( ما شئت وإن زدت فهو خير لك ) ، قال : أجعل لك صلاتي كلها، قال : ( إذن يكفى همك ويغفر ذنبك ) ، فهل هذا الحديث صحيح بهذا اللفظ ؟ وما معناه ؟ وما المقصود بجعل الصلاة للرسول صلى الله عليه وسلم ؟
هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح (1) .(89/2)
والمراد بالصلاة هنا الدعاء، فأُبي بن كعب رضي الله عنه كان يكثر من الدعاء، ومعنى الحديث أنه سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هل يجعل ربع دعائه أو نصفه أو كل دعائه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يعني : يستبدل الدعاء الذي كان يدعو به بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه إذا جعل دعاءه كله صلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يكفى همه ويغفر ذنبه؛ لأن من صلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات، ومن صلى الله عليه فقد كفاه همه وغفر له ذنبه، فهذا الحديث فيه فضيلة الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
241 ـ يطلق على بعض الناس صفة أولياء الله، فما هي صفتهم الحقيقية ؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرتبة ؟ وهل لهم زمن محدد أم أنهم يوجدون في كل زمان ؟
صفة أولياء الله كما حددها الله تعالى بقوله : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [ سورة يونس : الآيتين 62، 63 ] ، فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون هذه صفتهم، فمن اتصف بالإيمان والتقوى هو من أولياء الله عز وجل، وهذه حاصلة لكل مسلم بحسب إيمانه وبحسب تقواه لله عز وجل، فالمسلمون أولياء الله عز وجل وهم يتفاوتون في هذه الولاية بحسب قوة إيمانهم وضعفه وبحسب أعمالهم الصالحة، وكلما قوي إيمانهم وكثرة أعمالهم الصالحة وتقواهم لله عظمت ولايتهم لله عز وجل .(89/3)
وهم - والحمد لله - يوجدون في كل زمان ما وجد المسلمون على وجه الأرض، فما دام أن المسلمين موجودون على وجه الأرض فإنهم أولياء الله عز وجل، فأولياء الله هذه صفتهم، ولكن ليس معنى هذا أننا نعتقد فيهم كما يعتقد الخرافيون من أن أولياء الله يتصرفون في الكون، أو أن لهم شيئًا من الأمر والتدبير مع الله سبحانه وتعالى، وأنهم يجيبون مَنْ دعاهم، ويفكون حاجة من استغاث بهم، وهم أموات، فيلجئون إلى قبورهم وأضرحتهم يتبركون بها وينادون أصحابها، وهم أموات، ويطلبون منهم قضاء الحوائج، فإن هذا شرك أكبر، وأولياء الله على حقيقة لا يرضون بهذا، ولا يرضى به مؤمن، فإن هذا هو الشرك الأكبر .
ولكننا نحب أولياء الله ونقتدي بهم في أعمالهم الصالحة، ونترحم عليهم، ونستغفر لهم، أما أننا نتخذهم أربابًا من دون الله عز وجل فهذا هو الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة .
242 ـ ما معنى السيادة ؟ وكيف تتحقق ؟ وبم تتم ؟ ومن هو السيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
السيد يطلق ويراد به المالك، ويطلق ويراد به زعيم القوم ورئيسهم كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم ) : يعني سعد بن معاذ [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 4/28 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] .(89/4)
وإطلاق لفظ السيد على الشخص فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من منع، ومنهم من أجاز، والذي منعوا احتجوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قال له بعض الناس : أنت سيدنا وابن سيدنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما السيد الله ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/24، 25 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/255 ) ، ورواه البخاري في " الأدب المفرد " ( ص85 ) ( حديث رقم 211 ) ، كلهم من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه رضي الله عنهم ] ، فأنكر عليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك، قالوا : فهذا يدل على أنه لا يجوز إطلاق السيد على المخلوق؛ لأنه وصف للخالق، وقوم أجازوه واحتجوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للأنصار : ( قوموا إلى سيدكم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 4/28 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] لما أقبل وكان يحمل على دابة، لأنه كان جريحًا، فهذا يدل على جواز إطلاق السيد على بعض الناس .
والقول الصحيح - إن شاء الله - أنه يجوز أن يُقال لبعض الناس : سيد إذا كان زعيمًا أو رئيسًا في قبيلته، فيقال : سيد بني فلان، أو سيد القبيلة الفلانية بمعنى أنه زعيمها ورئيسها، ولا يكون هذا للإطراء والغلو، وإنما يكون من باب الوصف والتميز، يقال : فلان سيد بني فلان، لكن لا يواجه به الشخص أو في حضوره؛ لأنه يحمله على الكبر والعجب، بل يقال في غير حضوره جمعًا بين الأحاديث .
أما ما يتعارف عليه بعض المنحرفين اليوم من إطلاق السيد على بعض المضللين من زعمائهم، ويعتقدون منهم البركة، وأنهم يمنحون شيئًا من المقاصد التي تطلب منهم فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا يجوز، وهؤلاء في الحقيقة ليسوا سادة، وإنما هم مضللون يجب الحذر منهم .
243 ـ بعض الشخصيات الإسلامية عُرفت باسم الإمام، كالإمام علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وابن تيمية، والغزالي وغيرهم، لماذا خص هؤلاء بهذا اللقب ؟(89/5)
الإمام من معانيه : القدوة - كالإمام في الصلاة، والإمام في العلم - وتلقيب بعض الشخصيات العلمية بالإمام من أجل علمه وصلاحه لا بأس به، قال تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } [ سورة البقرة : آية 124 ] وقال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [ سورة السجدة : آية 24 ] ، وقال تعالى عن عباد الرحمن أنهم يقولون في دعائهم : { وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [ سورة الفرقان : آية 74 ] أي : اجعلنا قدوة في الخير .
أما من لم يتصف بالعلم والعمل، فإنه لا يلقب بهذا اللقب إذا أريد به الإمامة في الدين .
244 ـ يقول المولى تبارك وتعالى في محكم التنزيل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [ سورة الحجرات : آية 12 ] .
فهل يعني قوله : { اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [ سورة الحجرات : آية 12 ] يعني أن الإنسان يظن بأخيه المسلم ظنًّا وهو لا يعلم هل صدر منه ذلك الأمر أم لا، فيقول : إن الله لم ينه عن الظن كله مثلما نهى عن الزنى حيث قال : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } [ سورة الإسراء : آية 32 ] لم يقل : بعض الزنى، فهل هذا يعني أن الظن إلزام على كل الناس ؟(89/6)
الظن المنهي عنه هنا هو مجرد التهمة التي لا دليل عليها كمن يتهم غيره بالفواحش، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، ونهيه سبحانه عن كثير من الظن من أجل أن يتثبت الإنسان ولا يندفع مع الظنون من غير تثبت لئلا يقع في الظن الذي فيه الإثم، ولم ينه عن كل الظن؛ لأن من الظن ما يجب اتباعه والأخذ به، فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن كدلالة القياس ودلالة العموم، والظن المنهي عنه كأن يظن بأهل الخير سوءًا، فأما أهل السوء والفسوق فلنا أن نظن بهم شرًّا حسبما يظهر منهم، والله أعلم .
245 ـ سوء الظن من أمراض القلوب فما حقيقته وأسبابه وطرق علاجه ؟
سوء الظن فيه تفصيل على النحو التالي :
1ـ سوء الظن بالله تعالى كفر، قال تعالى : { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } [ سورة آل عمران : آية 154 ] ، وقال تعالى في المنافقين : { الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ سورة الفتح : آية 6 ] .
2ـ سوء الظن بالمؤمنين والأبرياء وهذا لا يجوز، لأنه ظلم للمؤمن والمطلوب من المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وسوء الظن بالمسلم يسبب البغضاء بين المسلمين .
3ـ سوء الظن بأهل الشر والفساد وهذا مطلوب؛ لأنه يسبب الابتعاد عنهم وبغضهم .
246 ـ ما هو الحسد ؟ وكيف يتلافى المسلم أن يكون حسودًا ؟ وكيف يدرؤه المسلم عن نفسه وعن أهله ؟ وهل القول الشائع : لا يحسد المال إلا صاحبه - أي إن الشخص يمكن أن يحسد نفسه أو أحدًا من أهله - صحيح ؟ وكيف ذلك ؟
الحسد : هو تمني زوال النعمة عن المحسود، وهو صفة ذميمة؛ لأنه من صفات إبليس ومن صفات اليهود، ومن صفات شرار الخلق قديمًا وحديثًا، ولأنه اعتراض على الله في قدره، وعدم رضى بقسمته .(89/7)
ويدفع المسلم عن نفسه الاتصاف بالحسد بأن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يحب لأخيه المسلم من الخير ما يحبه لنفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/9 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ، ويدفع الاتصاف بالحسد عن نفسه أيضًا بالسعي في الأسباب التي تجلب له الخير وتدفع عنه الشر، وبحسن الظن بالله ورجاء ما عنده .
ويدفع عن نفسه وعن أهله شر حسد الحاسدين بالاستعاذة بالله من شرهم، فقد أمر الله نبيه في سورة الفلق بالاستعاذة من شر حاسد إذا حسد، وكذلك يدفع شر الحاسدين بالصدقة والبر والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، خصوصًا عندما يحصل على مال، وعنده من ينظر إليه من المحتاجين فإنه يتصدق عليهم، ويدفع تطلعهم ونظرهم إلى ما بيده، والله أعلم .
247 ـ ما معنى هذا الحديث عن سفيان بن أسيد - أو ابن أسد - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/295 ) من حديث سفيان بن أسيد الحضرمي رضي الله عنه ] ؟
نعم معناه واضح في تحريم الكذب في الحديث؛ لأن هذا فيه تغرير بالمسلمين، وفيه استعمال كبيرة الكذب، لأن الكذب من الكبائر، والله تعالى يقول : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } [ سورة النحل : آية 105 ] ، وقوله سبحانه وتعالى : { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ سورة آل عمران : آية 61 ] .(89/8)
والكذب من صفات المنافقين كما قال صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/14 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فالكذب لا يجوز للمسلم أن يستعمله في حق أخيه المسلم ليغرر به وليخدعه، والله أعلم .
248 ـ نرجو إيضاح حقيقة الصبر ؟ وكيف يرد على من يضعف ويجبن في مواجهة الضلال ويقول : إن ذلك من الصبر؛ لأن الله تكفل بإظهار الحق وإعزازه ؟
الصبر في اللغة : الحبس والكف، وشرعًا : حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما .
وهو ثلاثة أقسام : صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة .
والجبن عن مواجهة الضلال وعدم مقاومته ضد الصبر؛ لأن الصبر هو تحمل المشقة في مواجهة الشدائد ومقاومتها، والله إنما تكفل بإظهار الحق وإعزازه إذا قام به أهله ودافعوا عنه، قال تعالى : { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ سورة محمد : آية 7 ] ، وقال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ سورة الحج : آية 40 ] ، ونصر الله هو نصر دينه وكتابه ورسوله وأوليائه .
249 ـ ما معنى الطاغوت ؟ وهل كل طاغوت كافر ؟
الطاغوت في اللغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، ومجاوزة الحق إلى الباطل، ومجاوزة الإيمان إلى الكفر وما أشبه ذلك، والطواغيت كثيرون، وكل طاغوت فهو كافر بلا شك .
والطواغيت كثيرون ولكن رءوسهم خمسة كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم وغيره .
الأول : إبليس - لعنة الله - فإنه رأس الطواغيت، وهو الذي يدعو إلى الضلال والكفر والإلحاد ويدعو إلى النار فهو رأس الطواغيت .(89/9)
والثاني : من عبد من دون الله وهو راضٍ بذلك، فإن من رضي أن يعبده الناس من دون الله فإنه يكون طاغوتًا، كما قال تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } [ سورة المائدة : آية 60 ] ، فالذي يعبد من دون الله وهو راضٍ بذلك طاغوت، أما إذا لم يرض بذلك فليس كذلك .
والثالث : من ادعى شيئًا من علم الغيب، فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو طاغوت؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى : { قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } [ سورة النمل : آية 65 ] ، والذي يدعي أنه يعلم الغيب يجعل نفسه شريكًا لله عز وجل في علم الغيب فهو طاغوت .
والرابع : من دعا الناس إلى عبادة نفسه، وهذا كما يفعل بعض أصحاب الطرق الصوفية والمخرفين الذين يسيطرون على عباد الله، ويجعلون لأنفسهم مقام الألوهية في أنهم ينفعون ويضرون، وأنهم إلى آخره، ويستغل العباد ويترأس عليهم بالباطل .
والخامس : من حكم بغير ما أنزل الله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } [ سورة النساء : آية 60 ] ، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله فهو يرى أن حكمه بغير ما أنزل الله أصلح للناس وأنفع للناس، أو أنه مساوٍ لما أنزل الله، وأنه مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بغيره، أو أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهذا يعتبر طاغوتًا وهو كافر بالله عز وجل .
هذه رءوس الطواغيت، والله تعالى أعلم .(89/10)
250 ـ هل يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحرًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 5/137 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ] التحذير من المبالغة في أساليب الكلام والتقعر في الكلمات واختيار الألفاظ ؟
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحرًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 5/137 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ] ، فهم منه بعض العلماء أنه من باب الذم لبعض الفصاحة، وذهب أكثر العلماء إلى أنه من باب المدح .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في " شرح كتاب التوحيد " : قلت : والأول أصح وأنه خرج مخرج الذم لبعض البيان لا كله، وهو الذي فيه تصويب الباطل وتحسينه حتى يتوهم السامع أنه حق أو يكون فيه بلاغة زائدة عن الحد أو قوة في الخصومة حتى يسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق ونحو ذلك، فسماه سحرًا، لأنه يستميل القلوب كالسحر، ولهذا لما جاءه رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحرًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 5/137 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ] ، كما رواه مالك والبخاري وغيرهما .
وأما جنس البيان فمحمود بخلاف الشعر فجنسه مذموم إلا ما كان حكمًا، ولكن لا يحمد البيان إلا إذا لم يخرج إلى حد الإسهاب والإطناب أو تصوير الباطل في صورة الحق، فإذا خرج إلى هذا الحد فمذموم، وعلى هذا تدل الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها ) رواه أحمد وأبو داود [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/165 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/303 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/67 ) ، كلهم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ] . انتهى (2) .(89/11)
وعليه فإنه ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلام المتوسط المعتاد، والذي يفهمه السامع، ويحصل به المقصود، ويكره التقعر في الكلام، وفي الحديث الذي رواه مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 4/2055 ) من حديث عبد الله رضي الله عنه ] . قالها ثلاثًا .
قال أبو السعادات : هم المتعمقون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم (3) .
وقال النووي : فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام (4) .
251 ـ ما معنى قوله تعالى في سورة الإسراء : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا } [ سورة الإسراء : الآيات 85-87 ] ؟
كانت اليهود قد قالت لمشركي قريش : اسألوا هذا الرجل - يعنون محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ - عن ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : عن أصحاب أهل الكهف .
المسألة الثانية : عن ذي القرنين .
المسألة الثالثة : عن الروح .
فإن أجابكم عنها فإنه نبي، نعم، الله سبحانه وتعالى أنزل على رسوله الإجابة عن هذه الأسئلة عن أصحاب الكهف، وذي القرنين .(89/12)
وأما الروح : فإن الله سبحانه وتعالى قال : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ سورة الإسراء : آية 85 ] ، فلم يجبهم إلى سؤالهم، بل بيَّن أنها من خصوصياته سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي خلقها، وهو الذي يعلمها ولا يعلمها أحد من الخلق، فهي سرٌّ من الأسرار، ولا تزال سرًّا، وهذا من معجزات القرآن، فإنه مع تقدم الطب والمهارة فيه ومع حرص الناس على البحث في هذا الشأن لم يعرفوا شيئًا عن حقيقة الروح : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ سورة الإسراء : آية 86 ] على أن المراد بالروح ما يحيا به الإنسان وغيره من ذوات الأرواح، وإذا فارقه مفارقة تامة يكون ميتًا، وإذا فارقه بعض المفارقة يكون نائمًا، فالروح لها اتصالات بالبدن، اتصال بالبدن وهو في بطن أمه، واتصال في البدن بعدما يولد في الحياة الدنيا وهو متيقظ، واتصال بالبدن وهو نائم، واتصال بالبدن وهو في القبر، واتصال بالبدن في الدار الآخرة، وهذا الاتصال الأخير لا مفارقة بعده .(89/13)
فهذه الروح من العجائب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وقيل : المراد بالروح : جبريل عليه السلام، وقيل : المراد بالروح : ملك من الملائكة، أو جماعة من الملائكة، فعلى كل حال فالروح سرٌّ من أسرار الله لم يطلع عليها عباده سبحانه : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ سورة الإسراء : آية 85 ] ، فالبشر مهما أوتوا من العلم والمعارف فإن علمهم قليل أو لا شيء بالنسبة لعلم الله سبحانه وتعالى، وقوله تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ سورة الإسراء : آية 86 ] يعني : القرآن؛ لأن الله جلَّ وعلا أنزل هذا القرآن نعمةً ومنةً على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى أمته، فهو من أكبر النعم : { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [ سورة النساء : آية 113 ] ، فهو من أفضل النعم التي أنعم الله بها على هذا النبي الكريم وعلى أمته إلى يوم القيامة، لأن به سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، والله قادر على أن يرفع هذا القرآن، وأن يزيل هذه النعمة كما أنزلها، كما أنه هو الذي أنزلها قادرٌ على رفعها وذلك مما يوجب على العباد أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة ليستفيدوا منها وينتفعوا بها .
{ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا } [ سورة الإسراء : الآيتين 86، 87 ] .
فهذا القرآن نزل بفضل الله وبرحمته، وإحسانه إلى خلقه، فهو قادرٌ على أن يرفعه وأن يزيله وأن يحرمهم من الانتفاع به، ولكنه سبحانه وتعالى تفضلاً منه على خلقه فإنه أنزله وجعله ميسرًا للفهم والتدبر .(89/14)
252 ـ ما معنى قوله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [ سورة الزمر : آية 42 ] ؟ وقوله تعالى : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } [ سورة الدخان : الآيات 10-13 ] ؟(89/15)
أما قوله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [ سورة الزمر : آية 42 ] ، فهذا من عجائب قدرة الله سبحانه وتعالى الدالة على وحدانيته، وعلى أنه المتصرف في ملكه بما يشاء، وأولى الأقوال في تفسير هذه الآية أنه ذكر سبحانه أنه { يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } [ سورة الزمر : آية 43 ] يعني : عند انقضاء آجالها بأن يتوفاها بالموت، { وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [ سورة الزمر : آية 43 ] أي : ويقبض الأنفس التي لم تحن آجالها يقبضها ويتوفاها بالنوم، فذكر سبحانه وتعالى الوفاتين الكبرى وهي الموت، والوفاة الصغرى وهي النوم؛ لأن النوم وفاة كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ } الآية [ سورة الأنعام : آية 60 ] ، والله ذكر في هذه الآية أنه يتوفى الأنفس بالموت ويتوفاها بالنوم، فالتي انتهت آجالها يتوفاها بالموت والانتقال من هذه الدنيا إلى دار الآخرة، والتي لم تتم آجالها ولها بقية من الحياة في الدنيا يتوفاها بالنوم، ثم يردها إلى أجسادها، ولهذا قال تعالى : { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى } [ سورة الزمر : آية 43 ] أي : التي توفيت بالنوم يرسلها إلى أجسادها فيستيقظ الإنسان ويقوم من نومه .
وقد جاء في تفسير الآية ما يوضح هذا، وهو أن الله سبحانه وتعالى يجمع أرواح الموتى وأرواح النائمين وتتلاقى وتتعارف وتختلط، ثم يمسك الله الأرواح التي قضى عليها بالموت في مكانها ويسمح للأخرى - أرواح النائمين - بالذهاب إلى أجسادها فيستيقظ صاحبها .
الثانية : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [ سورة الدخان : آية 10 ] :(89/16)
لمَّا ذكر الله سبحانه وتعالى عن الكفار أنهم في شك يلعبون وأنهم لا تجدي فيهم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قال الله متوعدًا لهم : { فَارْتَقِبْ } يعني : فانتظر، { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ سورة الدخان : الآيتين 10، 11 ] فهذه عقوبة لهؤلاء الكفرة الذين أعرضوا عن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، واستمروا في كفرهم، وقد اختلف المفسرون في هذا، فقيل : إن ذلك ما أصاب كفار قريش من المجاعة لما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال : ( اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/19 ) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وللحديث قصة، وورد عن مسلم ( 1/467 ) بلفظ : ( اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فأرسل الله عليهم المجاعة والقحط حتى صار الرجل ينظر إلى السماء فيرى كأن دونها دخان من شدة الجوع والجهد، إلى أن فرَّج الله عنهم، وهذا ما رجحه الإمام الشوكاني في " تفسيره " (5) .
وقيل : إن المراد بالدخان هنا هو دخان يكون في آخر الزمان، صح به الحديث أيضًا (6) ، وهو من علامات الساعة يملأ الأرض، ويمكث أربعين يومًا وهو من أشراط الساعة، فهو المراد في هذه الآية، وهذا ما رجحه ابن كثير (7) .
والظاهر - والله أعلم - أنه لا تعارض بين القولين أن هذا حصل، وهذا سيحصل، وكلا الدخانين من آيات الله، وكلاهما عقوبة .
253 ـ ما هي أنواع النفوس ؟ وما طريق تزكيتها ومداراتها كما قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } [ سورة الشمس : آية 9 ] ؟
أنواع النفس المذكورة في القرآن الكريم ثلاثة : النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة .
فالأمارة بالسوء : هي التي تأمر صاحبها بما تهواه من الشهوات المحرمة واتباع الباطل .(89/17)
وأما اللوامة : فهي التي تلوم صاحبها على ما فات من الخير وتندم عليه .
وأما المطمئنة : فهي التي سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه .
قال العلامة ابن القيم : فكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه (8) .
وطريق تزكية النفس إلزامها بطاعة الله تعالى، ومنعها من معصيته، ومنعها من شهواتها المحرمة .
254 ـ ما هي مصائد الشيطان وحباله ؟
مصائد الشيطان : كل المعاصي والشهوات المحرمة والوساوس وضعف الإيمان ومصاحبة الأشرار، وكل الوسائل والذرائع المفضية إلى المحرمات، كالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من النساء والصور الخليعة والأفلام الماجنة، والاستماع إلى ما لا يجوز الاستماع إليه من الأغاني والمزامير، والغيبة والنميمة، والشتم، وقول الزور .
وبالجملة فكل المنكرات فهي مصائد للشيطان يصطاد بها بني آدم ليوقعهم معه في النار .
255 ـ باب سد الذرائع وحماية جناب التوحيد باب واسع يستعمله البعض لمنع بعض الأمور المباحة والتضييق على الناس في الأقوال والأعمال، فما وجاهة ذلك ؟
سد الذرائع التي تفضي إلى الحرام أمر واجب، قال الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين " : فإذا حرَّم الرب تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقًا لتحريمه وتثبيتًا له ومنعًا أن نقرب حماه . ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم وإغراءً للنفوس به وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء بل سياسة زعماء الدنيا تأبى ذلك، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطُرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لَعُدَّ متناقضًا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده انتهى (9).(89/18)
فالذرائع إنما تحرم إذا كانت تفضي إلى محرم، أما التي لا تفضي إلى محرم فإنها لا تحرم، ويُعدُّ تحريمها تضييقًا على الناس، والمرجع في ذلك إلى الأدلة وأقوال العلماء لا إلى أقوال الجهال .
ومثال الذرائع التي حرَّمها الشارع لأنها تفضي إلى مُحَرَّم : الصلاة عند القبور، والدعاء عندها، والذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله، والصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها - أعني : صلاة النافلة - ومثل البناء على القبور كل هذه الأمور تحرم، لأنها تفضي إلى الشِّرك .
256 ـ من هم أهل الفترة ؟ وهل في زماننا أهل فترة وما الحكم فيهم ؟
أهل الفترة هم الذين يعيشون في وقت لم تبلغهم فيه دعوة رسول ولم يأتهم كتاب كالفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى : { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ } [ سورة المائدة : آية 19 ] ، ويلحق بأهل الفترة من كان يعيش منعزلاً أو بعيدًا عن الإسلام والمسلمين، وأما حكمهم فإلى الله سبحانه وتعالى .
257 ـ ما تفسير هاتين الآيتين وما أوجه الاختلاف والتشابه بينهما ؟
الآية الأولى : قال الله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ سورة الزمر : آية 53 ] .
الآية الثانية : يقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [ سورة النساء : آية 48 ] أفيدوني بارك الله فيكم ؟(89/19)
لا اختلاف بين الآيتين؛ لأن الآية الأولى فيمن تاب إلى الله عز وجل من الذنوب، فإن الله يتوب عليه مهما كانت ذنوبه : الكفر والشرك وقتل النفس وسائر الذنوب إذا تاب منها العبد تاب الله عليه، قال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } [ سورة الأنفال : آية 38 ] ، وقال تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ سورة التوبة : آية 5 ] ، وفي الآية الأخرى { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [ سورة التوبة : آية 11 ] ، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها ويُكَفِّرُ الله بها الذنوب مهما بلغت من الكفر والشرك وغير ذلك، هذا مدلول قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ } [ سورة الزمر : آية 53 ] ، أي بالذنوب والمعاصي مهما بلغت { لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ سورة الزمر : آية 53 ] ، يعني : إذا تبتم إليه فإنه يغفر لكم ذنوبكم جميعًا، ولا يحملكم القنوط على أن تتركوا التوبة بل توبوا إلى الله مهما كانت ذنوبكم، فإن الله جل وعلا يغفر لكم كما في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ سورة المائدة : آية 74 ] .(89/20)
أما الآية الثانية وهي قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ سورة النساء : آية 48 ] ، فالمراد بهذه الآية الذنوب مع عدم التوبة، فمع عدم التوبة الشرك لا يغفر أبدًا لما مات عليه ولم يتب، ويكون خالدًا مخلدًا في النار، كما قال تعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [ سورة المائدة : آية 72 ] ، وفي هذه الآية { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ سورة النساء : آية 48 ] ، فمن مات على الشرك ولم يتب منه قبل وفاته، فإنه يكون خالدًا مخلدًا في النار .
أما من مات على غير الشرك من المعاصي ( الكبائر ) التي هي دون الشرك كالزنا والسرقة وشرب الخمر إذا لم يتب منها ومات على ذلك فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يخرجه من النار بعد ذلك؛ لأنه لا يخلد في النار من كان في قلبه شيء من الإيمان ولو قلَّ بأن كان من أهل التوحيد وسلم من الشرك، فإنه لا يخلد في النار ولو كان عنده شيء من الكبائر فإنه تحت المشيئة إن شاء الله غفرها له، وإن شاء عذبه كما قال تعالى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } [ سورة النساء : آية 48 ] يعني ما دون الشرك { لِمَن يَشَاء } [ سورة النساء : آية 48 ] .
فالحاصل أن التوبة تمحو جميع الذنوب : الشرك وغيره، أما إذا لم يتب المذنب، فإن كان ذنبه شركًا بالله عز وجل فهذا لا يغفر له ولا مطمع له في دخول الجنة، أما إذا كان ذنبه دون الشرك فهذا قابل للمغفرة إذا شاء الله سبحانه وتعالى، وهذا مدلول الآية الأخرى { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ سورة النساء : آية 48 ] .(89/21)
258 ـ يقول الله تعالى في سورة آل عمران : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ } [ سورة آل عمران : آية 90 ] ، ويقول تعالى في آية أخرى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ سورة الزمر : آية 53 ] ، فما معنى هاتين الآيتين وكيف نوفق بينهما ؟ وهل معنى الأولى أن هناك ذنوبًا لا تقبل التوبة من فاعلها مهما حاول أم أن إحداهما ناسخة للأخرى أم كيف ذلك ؟
لا تعارض بين الآيتين الكريمتين، لأن الآية الأولى محمولة على المرتد الذي لم يتب، ومات على ردته، فهؤلاء لا تقبل توبتهم لو تابوا عند الموت لقوله تعالى : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } [ سورة النساء : آية 18 ] ، ولقوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ سورة البقرة : آية 217 ] .
الحاصل أن الآية الأولى هي فيمن ارتد عن الدين، واستمر على ردته ولم يتب إلا عند الموت وعند الغرغرة كما في الحديث ( إن التوبة تقبل ما لم يغرغر ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/132 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 9/192 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1420 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 4/257 ) ، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلا ابن ماجه فهو من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ( كذا في المطبوع ) ] ، وبعض العلماء يحملها على من تكررت ردته فإنه لا تقبل توبته بل يقام عليه حد الردة بكل حال .(89/22)
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ } [ سورة الزمر : آية 53 ] فهذه في الذي يتوب قبل حضور الموت فإن الله جل وعلا يتوب عليه، وبهذا يتضح أنه لا تعارض بين الآيتين الكريمتين .
259 ـ سمعت حديثًا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أتذكر لفظه بالضبط ولكن معناه : إن المسلمين إن لم يذنبوا ويستغفروا لجاء الله بأناس آخرين يذنبون ويستغفرون، فإذا كان هذا الحديث صحيحًا واردًا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما لفظه كاملاً ؟ وما معناه ؟ وإلى ماذا يشير ويرشد ؟
الحديث ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " عن ابن عباس بلفظ ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 4/2106 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( ثم يستغفرون فيغفر لهم ) وعزا روايته إلى الإمام أحمد في " المسند " ورمز له بالحسن .
قال شارحه المناوي : قال الهيثمي : فيه يحيى بن عمرو بن مالك البكري وهو ضعيف وقد وثِّق : وبقية رجاله ثقات، انتهى كلام الهيثمي، قال المناوي : وقد خرجه الإمام مسلم في التوبة من حديث أبي أيوب بلفظ : ( لولا أنكم تذنبون خلق الله خلقًا يذنبون فيَغفر لهم ) [ انظر " صحيح الإمام مسلم " ( 4/2105 ) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه، وانظر " فيض القدير شرح الجامع الصغير " ( 5/331 ) ] ، وذكر له ألفاظًا أخرى .(89/23)
والحديث معناه ظاهر أن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه وأن يغفر لهم ليظهر بذلك فضله سبحانه وتعالى وآثار صفته الغفار والغفور، وهذا كما في قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } [ سورة الزمر : الآيتين 53، 54 ] ، الحديث يدل على مسألتين عظيمتين :
1ـ المسألة الأولى : أن الله سبحانه وتعالى عفو يحب العفو، غفور يحب المغفرة .
2ـ والمسألة الثانية : فيه بشارة للتائبين بقبول توبتهم ومغفرة ذنوبهم وألا يقنطوا من رحمة الله ويبقوا على معاصيهم ويصروا عليها، بل عليهم أن يتوبوا ويستغفروا الله سبحانه وتعالى، لأن الله فتح لهم باب الاستغفار وباب التوبة، هذا معنى الحديث .(89/24)
ثم أيضًا فيه - في الحديث أيضًا - كسر العجب من الإنسان، وأن الإنسان لا يعجب بنفسه وبعمله؛ لأنه محل للخطأ ومحل للزلل ومحل للنقص، فعليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار من تقصيره ومن خطئه ومن زَلَله، ولا يظن أنه استكمل العبادة أو أنه ليس بحاجة إلى الاستغفار، فهذا فيه الحث على الاستغفار، وأن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يستغفروه ويتوبوا إليه وفي الحديث ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/198 ) بنحوه وللحديث بقية، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/191 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1402 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/392، 393 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 4/244 ) ، كلهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ، وليس معناه أن الله يحب من عباده أن يذنبوا أو يحب الماصي، فالله سبحانه وتعالى لا يحب الكفر ولا يرضاه ولا يحب المعاصي، ولكنه يحب من عباده إذا أذنبوا وعصوا أن يتوبوا إليه سبحانه وتعالى وأن يستغفروه، هذا معنى الحديث .
260 ـ إذا عزمت التوبة إلى الله تراجعت عنها وقلت في نفسي : إنه يوجد لدى أهلي منكرات مثل الاستماع إلى الغناء والغيبة والتلفظ باللعان، وإذا تبت سوف يقع عليَّ الإثم بسبب أهلي، وأتراجع عنها، أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟(89/25)
يجب على المسلم أن يتوب من الذنوب ويبادر بذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه ومن أجل إنقاذ نفسه من عذاب الله وغضبه، ولا يجوز له أن يستمر على المعصية أو يؤخر التوبة بسبب طاعة النفس والشيطان، ولا ينظر إلى لوم الناس بل يجب عليه أن يخشى الله ولا يخشى الناس، ولو كانوا يفعلون المعاصي فلا يجوز له أن يقتدي بهم، ويجب عليه أن يلزم أهله بالتوبة لقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ سورة التحريم : آية 6 ] ، ولا يداريهم فيما يسخط الله عز وجل .
261 ـ ارتكبت بعض المعاصي كشرب الدخان والتهاون في أداء الصلاة جماعة وأرغب في الحج . . ماذا أعمل ؟ وكيف تتم التوبة عن هذا العمل ؟
الواجب عليك : التوبة إلى الله، والمحافظة على الصلاة، وترك الدخان ولو لم ترد الحج، ولكن يتأكد على من يريد الحج أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب ليستقبل الحج بحالة طيبة مستقيمة حتى يكون حجه مبرورًا، ولو حج من غير توبة عن شرب الدخان والتكاسل عن صلاة الجماعة فحجه يكون صحيحًا لكنه يكون ناقصًا ثوابه، والله الموفق .
262 ـ إنني امرأة مسلمة - والحمد لله - وقد كنت قبل وقت لا أصلي ولا أعرف أي شيء عن أمور الدين، وأما الآن - والحمد لله - فقد هداني الله وبدأت بالصلاة والصوم وقراءة القرآن الكريم والتسبيح وقد ختمت القرآن الكريم للمرة العاشرة، فهل يغفر الله لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت في حياتي، وما أفعل أكثر من هذا حتى يغفر الله لي ؟(89/26)
التوبة تَجُبُّ ما قبلها، فما دمت أنك - والحمد لله - قد تبت توبة صحيحة، وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فالتوبة يغفر الله بها ما سبق قال الله سبحانه وتعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ سورة الزمر : آي 53 ] حتى الشرك لمن تاب منه تاب الله عليه، كما قال الله تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } [ سورة الأنفال : آية 38 ] ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/204 ) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ] .
والتوبة تجب ما قبلها، فإذا كنت تبت توبة صحيحة وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فإن ذلك يكفي إن شاء الله لمغفرة ما سبق، ولكن عليك بإحسان العمل في المستقبل وملازمة التوبة والقيام بما أوجب الله عليك من أمور الإسلام .
263 ـ أنا شاب عزمت التوبة إلى الله في أول رمضان وتذكرت من شروط التوبة : الندم على المعاصي، ولكن أحسست أنني لم أشعر بالندم ثم ذهبت إلى صلاة العشاء في المسجد وفي الصلاة أشعر بأن أبي وجماعة من المصلين يمدحونني رغم أني عند التوبة لم أستغفر الله إلا قليلاً وشعرت بأن توبتي باطلة وكأني منافق، هل توبتي صحيحة أم باطلة ؟ وإن كانت باطلة فكيف التوبة الصحيحة وجزاكم الله خيرًا وبارك في عملكم ؟(89/27)
شروط التوبة الصحيحة : هي ترك الذنوب، والعزم ألا يعود إليها، والندم على فعلها فيما سبق، ورد المظالم إلى أصحابها من مال أو عرض وطلب المسامحة منهم، فإذا توافرت هذه الشروط فالتوبة صحيحة، ولا تضر الوساوس التي تعتري الإنسان فإنها من الشيطان يريد أن يحول بين العبد وبين التوبة فلا يلتفت إليه بل يستمر في التوبة والعمل الصالح؛ والله يتوب على من تاب .
264 ـ كنت أنقطع عن الصلاة شهورًا طويلة ولكني تبت توبة نصوحًا، أؤدي الصلوات جميعها وأحافظ عليها محافظة تامة في أوقاتها والحمد لله كما أني لم أكن أصوم رمضان من قبل، وكنت أدخن كثيرًا فتبت عن جميع تلك المعاصي والحمد لله، هل يلزمني قضاء الصلاة التي تركتها من قبل ؟
أولاً : أهنئ هذا الأخ الذي منَّ الله عليه بالتوبة والقيام بما أوجب الله عليه من فرض الصلاة والصيام، وأسأل الله سبحانه وتعالى له الثبات على ذلك، وأن يزيده من خيره وفضله، وأن يتوفانا وإياه على الإيمان، ويحشرنا في زمرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم إني أقول له : إن توبتك من الذنوب تجبُّ ما قبلها، وتوبتك من ترك الصلاة والصيام تجبُّ ما قبلها ويعفو الله سبحانه وتعالى عنك بهذه التوبة لقول الله تبارك وتعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ سورة الزمر : آية 53 ] .(89/28)
ولقوله تعالى في وصف المتقين : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [ سورة آل عمران : الآيتين 135، 136 ] .
وبناء على ذلك لا يلزمه قضاء ما تركه من الصلاة والصيام فيما مضى، ولكن يكثر من العمل الصالح والاستغفار والتوبة ويتوب الله على من تاب .(89/29)
17 ـ جامع في مسائل العقيدة
265 ـ يوجد لدى بعض من الناس أنهم يقومون بترويج الإشاعات الباطلة عني، ويصفونني بأوصاف قبيحة وأنني إنسان أعرف أنني بريء مما يقولون، وقد قمت بمقاطعتهم وذلك حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، وعلى أثر ذلك ارتاحت نفسي، فهل أنا على حق في مقاطعتهم ؟ وهل في صبري عليهم أنال حسنات منهم أرجو نصحي بما فيه الكفاية ؟
يجب عليك أن تصلح فيما بينك وبين الله، وأن تصلح ما عندك من الأخطاء، وبعد ذلك لا يضرك ما يقال من الناس إذا كانوا غير واعين في قولهم، وإنما يكون الإثم عليهم مع أن الذي ينبغي لك أن تتجنب مصاحبتهم مادام أنهم يصفونك بهذه الأوصاف ويؤذونك ويضايقونك فلا تصاحبهم؛ لأن مصاحبتهم والحال هذه ربما يترتب عليها مفاسد، وربما يحصل بينك وبينهم شيء من الاعتداء أو من سوء العشرة أو غير ذلك فابتعد عنهم إلا إذا كان في مصاحبتهم إزالة لما علق في نفوسهم نحوك من سوء ظن فإن هذا شيء حسن .
266 ـ ما حكم الأكل والشرب على الصحف اليومية وفيمن اتخذها سفرة لطعامه مع ما فيها من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ؟
إذا رأيت في الجريدة شيئًا من الآيات أو من أسماء الله سبحانه وتعالى فانزع هذا منها واحرقه أو ادفنه أو ارفعه في مكان طاهر ثم استعمل الصحيفة، وإذا كانت الصحيفة خالية من الآيات والأحاديث ومن ذكر الله عز وجل فلا مانع من استعمالها وامتهانها والأكل عليها .
267 ـ عندما أجد ورقة عليها لفظ الجلالة أو أي اسم من أسماء الله أطمس الاسم ثم ألقيها في القمامة، فهل هذا جائز أم لابد من حرقها ؟(90/1)
إذا أزلت اسم الجلالة أو أي اسم من أسماء الله الموجود في الورقة بطمس أو قطع أو أي شيء من ذلك، فلا بأس بإلقاء الورقة بعد ذك في القمامة لزوال المحذور من إلقائها؛ لأنها أصبحت غير محترمة، وهذا مما يوجب العناية والاهتمام بهذا الجانب فيحذر من امتهان شيء فيه ذكر الله، أو شيء من القرآن أو الأحاديث أو ذكر أي شيء من الأحكام الشرعية، وقد صار كثير من الناس يتساهلون في ذلك فيمتهنون أوراقًا يجب احترامها لما فيها من ذكر الله تعالى، فيجعلونها أكياسًا أو أغلفة أو لفافات لأغراضهم أو يلقونها في القمامات أو في سلات المهملات وفيها ذكر الله فيجب التنبه لذلك والتنبيه عليه، والله الموفق .
268 ـ يقال : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منع الصحابة من كتابة الأحاديث في البداية منعًا لاختلاطها بالقرآن، فما الحكمة في أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبين لهم أن يكتبوا القرآن والسنة ( لأنهما كلاهما وحي ) ولكن يضعوهما منفصلين عن بعضهما ؟ ثم لماذا منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة من كتابة الأحاديث، أفليس في الكتابة حفظ للدين ؟ ولماذا لم تكتب الأحاديث وتجمع كلها إلا في وقت متأخر ؟ ثم هل أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أحاديثه باقية إلى قيام الساعة، وأن منها ما ستكون روايته ضعيفة ومنها صحيحة ؟
منع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كتاب الأحاديث في حياته خوفًا من اختلاطها بالقرآن الكريم، لأن بعض الناس قد لا يميز بينهما، ففي ذلك سد الذريعة .(90/2)
ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يمنع من ذلك مطلقًا في حق كل الناس، بل رخص لبعض الصحابة في الكتابة لعدم المحذور في حقه، وعمر رضي الله عنه لم يمنع من كتابة الأحاديث، ولكنه أراد التحري والتحقيق فيما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد دونت السنة بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لانتفاء المحذور وتحقيقًا لوعد الله سبحانه بحفظ هذا الدين في قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ سورة الحجر : آية 9 ] ، وتولى ذلك الحفاظ المتقنون .
269 ـ هناك بعض الطرائف المضحكة التي يتبادلها الناس في المجالس وفي بعضها ليس فيه ذلك نرجو بيان حكم ذلك ؟
لا يجوز استعمال القرآن في شيء من الطرائف المضحكة لأن هذا امتهان للقرآن الكريم، أما الطرائف الخالية من القرآن فلا بأس بذكرها على وجه لا يشغل الناس ويشرط أن تكون خالية من الكلام المحرم أو ذكر شيء من المحرمات القولية أو الفعلية بل تكون الطرائف مسوقة بكلام نزيه .
270 ـ كنت ضالاً ضلالاً بعيدًا ثم هداني الله لنوره والحمد لله، وأحببت الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن والداي دائمًا يعاتباني ويغضبان لما يريان مني من التمسك بالسنة بحجة أننا في زمن متطور، وأن هناك الكثير من العلماء يتساهلون في كثير من السنن بحجة أني لن أصبح مثل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا تمسكت بسنته، فهل أترك الالتزام بالسنة طاعة لهما كما أمرنا الله بطاعتهما في غير معصيته ؟(90/3)
يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمحافظة عليها وألا تلتف إلى عذل من يعذلك أو يلومك في هذا، أما أن الوالدين يلومانك في تمسكك بالسنة ويريدان منك التساهل في ذلك فلا تطعهما في هذا الأمر، خصوصًا إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات وإذا لم يصل الأمر إلى د التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد فلا ينبغي لك ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن والعمل بها من غير غلو وتشدد ومن غير تساهل ولا تفريط هذا هو الذي ينبغي عليك؛ وعلى كل حال أنت مثاب إن شاء الله وعليك بالتمسك بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإقناع من يلومك في هذا، خصوصًا الوالدين، عليك أن تتبعهما وأن ترغبهما في السنن وتبين لهما ما في ذلك من الثواب والخير فلعله أن يزول عنهما هذا الاعتراض أو هذا الاستغراب، ولعله أيضًا أن يكون هذا العمل سببًا في التزامهما أيضًا بالسنن والاقتداء وتكون أنت داعية إلى الله عز وجل، ولا شك أن الإنسان الذي يدعو إلى الله يجب أول ما يدعو أقاربه وأقرب الناس إليه، والوالدان من أقرب الناس إليك .
فعلى كل حال إذا كان تمسكك بالسنن لا ينتهي إلى حد الإفراط والغلو فهو أمر محمود وعليك أن تستمر عليه وأن تدعو إليه والديك وغيرهما، والله أعلم .
271 ـ لي جارة كبيرة في السن ومريضة ولها ابن خارج الرياض، وقد أدخلت المستشفى ولم يزرها إلا مرة واحدة وهي تقيم في المستشفى بسبب المرض، لكنه لم يلتفت إليها البتة ؟(90/4)
بر الوالدين والإحسان إليهما واجب وقد جعل الله سبحانه حقهما بعد حقه فقال تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ سورة النساء : آية 36 ] . وفي برهما أجر عظيم وهو سبب لدخول الجنة . وعقوقهما كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو من الموبقات، ومن علم عن شخص أنه يعق والديه أو أحدهما وجبت عليه مناصحته، لأن هذا من إنكار المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/74 ) ، من حديث تميم الداري رضي الله عنه ] . والله الموفق .
272 ـ تراودني فكرة غريبة عن أمر المأثورات والأدعية فكثيرًا ما تطالعنا الكتب المختصة بالأدعية بأن ( من قرأ حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم صباحًا ومساءً كل يوم سبع مرات كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة ) ، وفي الحديث الشريف : ( اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك - إلى قوله - أسألك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/150 ) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه ] . أو ( من قرأ سورة يس تزوج إن كان أعزب ) [ لم أجده ] ، وأدعية كثيرة أخرى منها نصوص قرآنية كريمة ومنها أحاديث نبوية شريفة .
وسؤالي هو أنني أردد تلك الأدعية باستمرار ودائمًا ومواظب على الصلوات الخمس في أوقاتها ولكني لا ألمس تأثيرًا لاستجابة تلك الأدعية، فما المعنى الحقيقي ولماذا لا أحس باستجابة لها ؟(90/5)
أولاً : الكتب التي تشتمل على الأدعية ينبغي النظر فيها؛ لأنه ما كل الكتب يوثق بمؤلفيها وما وضع فيها من الأدعية، فلابد أن تكون تلك الكتب صادرة عن أئمة موثوقين يعتنون بالسنة والرواية، ويهتمون بالعقيدة ولا يضعون في تلك الكتب إلا ما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ما وافق الكتاب والسنة مثل كتاب " الأذكار " للإمام الحافظ النووي فهو كتاب طيب في الجملة وإن كان فيه بعض الأحاديث الضعيفة، ومثل " الوابل الصيب " للإمام ابن القيم، ومثل " الكلم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية، فأمثال هذه الكتب كتب موثوقة في جملتها وقد لا تخلو من بعض الأحاديث التي هي محل نظر من ناحية أسانيدها، والأدعية المذكورة فيها متحرى فيها لثبوتها عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فينبغي أن يرجع لأصل هذه الكتب هذا من ناحية نوعية كتب الأدعية .
ثانيًا : كون الإنسان يدعو بتلك الأدعية الصحيحة الثابتة من الكتاب والسنة ولا يستجاب له فهذا يرجع إلى أمرين :
أولهما : أن يكون عند الشخص مانع من قبول الدعاء؛ لأن الدعاء سبب من الأسباب لا يؤثر إلا إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه، فلا بد أن يكون عندك شيء من الموانع ففكر في نفسك واعلم أن السبب من قِبَلك وإلا لو تمت الشروط وانتفت الموانع فإن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب، يقول جل وعلا : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ سورة البقرة : آية 186 ] ، ومن الموانع : أكل الحرام وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها الاستعجال من الداعي في طلب الإجابة .(90/6)
الأمر الثاني : قد تكون الموانع منتفية والشروط موجودة ولكن تتأخر الإجابة لحكمة إلهية في صالحك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يدخر لك ما هو أحسن مما طلبت، أو قد يدفع عنك من البلاء ما لا تعلمه، فتأخر الإجابة ليس دليلاً على عدم القبول، وإنما قد يكون في ذلك حكمة إلهية وهي في صالحك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول : دعوت فلم يستجب لي ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/153 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
فلا تيأس من رحمة الله سبحانه وتعالى، واستمر على الدعاء وأصلح من أحوالك وتب إلى الله سبحانه وتعالى، وفكر في نفسك وأعمالك، والدعاء عبادة من أعظم أنواع العبادة، قال الله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ سورة غافر : آية 60 ] ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( الدعاء هو العبادة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/77 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/163 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1258 ) . كلهم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] وفي رواية : ( الدعاء مُخُّ العبادة ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 9/92 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ، فالدعاء أمر عظيم ومكانته في الإسلام عظيمة، فلا يهن أمره عليك، ولا تيأس إذا رأيت الإجابة قد تأخرت، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح العباد وما يحتاجون إليه . والله تعالى أعلم .
273 ـ إنني أتطوع بتأدية بعض الصلوات بعيدًا عن الأوقات المنهي عنها، وكذلك أذكر الله بتسبيحات وتهليلات شتى، وكذا التطوع بالصيام في أيام مختلفة . كل هذا أعمله دون التقيد بشيء منها براتب ثابت خوفًا من المواظبة عليها لئلا أقع في البدعة فما الحكم في ذلك ؟(90/7)
زادك الله حرصًا على الخير، الإكثار من النوافل من صلاة النافلة، ومن ذكر الله سبحانه وتعالى بالتهليل والتسبيح والتكبير أمر مطلوب ومشروع، وصلاة النافلة منها ما هو مرتب في أوقات معينة كالراتبة مع الفريضة القبلية أو البعدية، وكذلك الوتر في الليل بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، وكذلك التهجد في الليل هذا ينبغي المداومة عليه، وكذلك صلاة الضحى سنة ثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (1) فهذه عبادات موظفة ومؤقتة في مواقيتها الشرعية، وإذا داوم الإنسان عليها فذلك شيء مطلوب، وأحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإن قل، وكذلك المداومة على ذكر الله عز وجل بالتهليل والتسبيح .
274 ـ علم تأويل الأحاديث والمسمى بتفسير الأحلام، يهبه الله لمن يشاء من عباده، وقد وهبه لنبيه يوسف عليه السلام، وفي هذا العلم مؤلفات كثيرة، نرجو الإفادة عن أفضل هذه المؤلفات وأكثرها صدقًا ؟
لا شك أن الرؤيا منها ما هو حق وهي من عجائب آيات الله سبحانه، وتأويل الرؤيا يعتمد على الفراسة والذكاء والنظر في حال الرائي، وهو موهبة يجعلها الله فيمن يشاء، ولا أعرف مؤلفًا خاصًّا يعتمد عليه في ذلك، لكن لابن القيم رحمه الله كلام جيد في هذا الموضوع في الجزء الأول من " إعلام الموقعين " (2).
275 ـ ذكرت بعض كتب التاريخ ولا سيما - كتاب ألف ليلة وليلة - بأن خليفة المسلمين هارون الرشيد لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمر فهل هذا صحيح ؟
هذا كذب وافتراء ودس في تاريخ الإسلام، وكتاب ألف ليلة وليلة كتاب ساقط لا يعتمد عليه ولا ينبغي للمسلم أن يضيع وقته في مطالعته .(90/8)
وهارون الرشيد معروف بالصلاح والاستقامة والجد وحسن السياسة في رعيته وأنه كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وهذه الفرية التي ألصقت به في هذا الكتاب لا يلتفت إليها، ولا ينبغي للمسلم أن يقرأ من الكتب إلا ما فيه الفائدة ككتب التاريخ الموثوقة وكتب التفسير والحديث والفقه وكتب العقيدة التي يعرف بها المسلم أمر دينه، أما الكتب الساقطة فلا ينبغي للمسلم ولاسيما طالب العلم أن يضيع وقته فيها .
276 ـ أجد خلطًا بين ابن عربي وابن العربي، أرجو أن تبينوا لنا الفرق بينهما وأشهر مؤلفاتهما ؟
الفرق بينهما واضح، فابن عربي بدون أل وهو الملحد المشهور الذي يقول بوحدة الوجود، وهو من غلاة الصوفية الذين آل بهم الأمر إلى الإلحاد والقول بوحدة الوجود، ومن أخبث مؤلفاته : " الفتوحات المكية " ، و " فصوص الحِكم " ، وهذه كلها كتب إلحاد منادية بوحدة الوجود وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، وأن الوجود في عقيدته كله هو الله، تعالى الله عما يقول .
وأما ابن العربي بأل المعرفة فهو الإمام الجليل المشهور : أبو بكر بن العربي المالكي، له مؤلفات جليلة في الحديث والتفسير، وله الكتاب الجليل في الذب عن الصحابة الذي سماه : " العواصم من القواصم " ، يدافع فيه عن الإسلام وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب جليل، وله كتاب " تفسير آيات الأحكام " في مجلدين ضخمين . وله شرح سنن الترمذي واسمه : " عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي " ، وهذه كتب كلها مطبوعة وموجودة والحمد لله .
فبين الرجلين فرق واضح، هذا كافر وضال وهو ابن عربي الحاتمي الطائي، وهذا ابن العربي إمام جليل مشهور بالاستقامة والعلم والتقى رحمه الله .
277 ـ هل يجوز قراءة بعض الكتب التي تُعرف بعض الأديان الأخرى غير الإسلام لمجرد الإحاطة علمًا بها والاطلاع عليها، أو قراءة بعض الكتب عن بعض الأنظمة الشيوعية ونحوها لا إعجابًا بها ولا للعمل بها وإنما لنفس الغرض السابق ؟(90/9)
على الإنسان أولاً أن يعرف الحق ويعرف الدين الصحيح ويتضلع بالعلم النافع، ثم بعد ذلك يطلع على الأشياء المخالفة ليحذر منها وليرد عليها .
أما إنسان جاهل وثقافته ضعيفة وحصيلته في العلوم الشرعية قليلة فهذا لا يجوز له أن يقرأ الكتب الباطلة لأنه ربما تنطلي عليه وتؤثر على عقيدته وهو لا يدري؛ لأنه لا يعرف العلم الذي يميز به بين الحق والباطل، فلا بد أن يكون عنده أولاً حصيلة من العلم النافع الذي يعلم به الحق من الباطل، حينذاك لا بأس أن يطلع .
278 ـ ما هي أفضل الكتب التي تبحث في التوحيد والعقائد الصحيحة ؟
الكتب التي تبحث في التوحيد والعقائد الصحيحة كثيرة ولله الحمد وميسورة، أذكر لك على سبيل المثال كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو كتاب مطبوع متداول وكثير والحمد لله، كذلك " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " للإمام العلامة ابن القيم خصوصًا الجزء الثاني منه، وكذلك " كتاب التوحيد " وشرحه للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشرحه " فتح المجيد " للشيخ عبد الرحمن بن حسن أو " تيسير العزيز الحمد " للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وكذلك " ثلاثة الأصول " للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك " كشف الشبهات " للشيخ محمد بن عبد الوهاب .
وأذكر لك أيضًا " تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد " للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، كذلك " الدر النضيد في إخلاص التوحيد " للشيخ الإمام محمد بن علي الشوكاني، وأذكر لك أيضًا كتابًا شاملاً لأبواب العقيدة وهو عقيدة الإمام الطحاوي وشرحها لابن أبي العز الحنفي، فـ " العقيدة الطحاوية " وشرحها من أوسع الكتب في العقائد وأشملها وأحسنها .(90/10)
المجلد الثالث(/)
كتاب الطهارة
أحكام المياه
1 ـ يوجد في منطقتنا مسجد، وعلى جانبه حوض كبير به ماء متغير اللون؛ فهو يبدو أخضر اللون، وله رائحة غير مستحبة، ولكن أكثر الناس يتوضئون منه ويصلون؛ فهل صلاتهم صحيحة ؟ أما أنا؛ فإني أحضر ماءً معي طهورًا، ولكنني أتعرض للنقد والسخرية منهم، ووصفي بالتشدد والتزمت في الدين؛ فهل أنا على حق من فعلي أم على باطل ؟ أفيدونا أثابكم الله .
لست مصيبًا في ترك هذا الماء؛ لأن الماء طهور ما لم يتغير بنجاسة، فإذا تغير بنجاسة؛ فهو نجس بإجماع أهل العلم، أما إذا كان تغيره بغير نجاسة؛ فهو طهور، خصوصًا إذا كان تغيره بسبب مكثه، أو بسبب نابت فيه، أو بسبب ما تلقيه الريح فيه من أوراق الأشجار ونحو ذلك، المهم؛ إذا كان تغيره بشيء طاهر؛ فهو طهور على الصحيح من قولي العلماء، خصوصًا إذا كان تغيره بشيء يشق صون الماء منه، أو لم يوضع فيه قصدًا؛ فلا بأس بالتطهر بماء الجابية والبركة، ولو تغير، ما لم يتغير بنجاسة؛ فلا داعي لإتيانك بماء غيره، والذين أنكروا عليك معهم في هذا صواب؛ لأن هذا من التشدد الذي لا وجه له .
أحكام الآنية
2 ـ القليل من الذهب يكون في القلم أو النظارة، والقليل من الحرير يكون في العباءة؛ هل هو حرام ؟
يحرم على الرجل التحلي بالذهب؛ إلا ما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه ورباط أسنان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/392، 393 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 8/161 ) ] .
ورخص صلى الله عليه وسلم لعرفجة باتخاذ أنف من ذهب لما قطع أنفه وتشوه وجهه (1) ، وربط بعض السلف أسنانهم بالذهب لما احتاجوا إلى ذلك (2) ؛ لأن من خاصية الذهب أنه لا ينتن ولا يصدأ .(91/1)
ويباح للرجل القليل من الحرير يكون طرازًا في العباءة إذا كان بقدر أربعة أصابع فما دون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؛ إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة (3).
3 ـ هناك أنواع الأقلام التي تحتوي على ريشة خفيفة من الذهب؛ فما حكم استعمالها ؟
لا يجوز استعمال القلم إذا كان فيه شيء من الذهب؛ لا للرجال ولا للنساء؛ مثل الأواني من الذهب أو الأواني التي فيها شيء من الذهب؛ لا يجوز استعمالها لا للرجال ولا للنساء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة (4) أو في الآنية التي فيها شيء من ذلك، والقلم مثلها .
4 ـ ما حكم الأكل أو الشرب في آنية تأكل وتشرب فيها الكلاب بدون علم، وماذا يلزمنا لاستعمال آنية الكلاب ؟
أولاً : في الأواني النظيفة والأواني الطاهرة غنى عن استعمال الأواني التي تأكل منها الكلاب أو تشرب منها الكلاب؛ فعليكم أن تعدلوا إلى الأواني الطيبة النزيهة النظيفة، أما لو دعت الحاجة إلى استعمال إناء ولغ فيه الكلب أو أكل فيه الكلب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا ولغ الكلب في الإناء أن نغسله سبع مرات إحداهن بالتراب (5)، فيجب عليكم إذا أردتم أن تستعملوا إناءً من الأواني التي تأكل أو تشرب منها الكلاب؛ عليكم أن تغسلوها سبع مرات، وأن تعفروها بالتراب، ثم بعد ذلك تستعملونه .
أحكام الفطرة
5 ـ هل ختان البنت أمر مندوب إليه أم مباح ؟
ختان البنت مستحب إذا كان على الصفة الشرعية، ويسمى بالخفاض، وفائدته تقليل شهوة الأنثى .
قال صلى الله عليه وسلم : ( أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أبهى للوجه، وأحظى عند الزوج ) ، رواه الحاكم والطبراني وغيرهما [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/370 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 3/525 ) ] .
ويكون ذلك في حال صغرها، ويتولاه من يعرف الحكم الشرعي ويتقن تطبيقه .
أحكام الوضوء
6 ـ ما هو مفهوم الحدث الأكبر، وأيضًا مفهوم الحدث الأصغر ؟(91/2)
الحدث الأكبر : هو ما يوجب الغسل؛ كالحيض، والجنابة، والنفاس . هذا هو الحدث الأكبر .
أما الحدث الأصغر؛ فهو ما يوجب الوضوء؛ كالبول، والغائط، وسائر نواقض الوضوء؛ فما أوجب وضوءًا فقط؛ فهو حدث أصغر، وما أوجب الغسل؛ فهو حدث أكبر .
وبينهما فرق من ناحية ما يترتب عليهما من أحكام محلها كتب الفقه، والله أعلم .
7 ـ هل يجوز للمسلم إذا توضأ فغسل وجهه أن يقول : اللهم بيِّض وجهي كما بيضت وجوهًا وكما سوَّدت وجوهًا، اللهم اجعلني أشرب من ماء الجنة . . . إلخ ؟
لا يُقال هذا الدعاء عند غسل الوجه؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/167 ) ] ، ويقول : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو ردٌّ ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 8/156 ) ] ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند غسل وجهه، إنما كان يقول عند بداية الوضوء : ( بسم الله ) ، وعند نهايته : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) (6)، والحكمة في ذلك – والله أعلم – أنه يجمع بين الطهورين : الطهور بالماء من الحدث الأصغر والأكبر، وهي الطهارة من الحديث الحسيّ، وذلك بالماء، ويأتي بالشهادتين للطهارة من الشرك، فيجمع إذًا بين الطهارتين : الطهارة من الحدث والطهارة من الشرك، هذا هي الحكمة، والله أعلم، أما ما عدا ذلك؛ فلا يقال أدعية أثناء الوضوء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .(91/3)
8 ـ أيضًا يسأل عن الوضوء؛ يقول : من ناحية الوضوء للصلاة؛ كيف يكون وضوئي لها ؟ وأنا – كما أسلفت – الجزء الأكثر مني مشلول، وإذا أردت الاغتسال يكون شاقًّا عليَّ، وأكثر الأوقات ليس عندي من يحضر الماء أو يقوم بغسلي أو توضئتي، وأنا الآن أصلي كما أسلفت بدون وضوء؛ فأفتوني جزاكم الله كل خير؛ هل صلاتي صحيحة أم لا ؟ وإلى ماذا ترشدوني ؟
يجب عليك أن تتوضأ، ولو أن تستعين بمن يحضر لك الماء ويصبه عليك، أما إذا كنت لا تستطيع هذا؛ فيكفي أن تتيمم بالتراب؛ بأن يحضر عندك تراب طهور، فإذا حان الوقت، وأردت أن تصلي، وليس عندك من يعينك على الوضوء؛ فإنك تتيمم بهذا التراب وتصلي على حسب حالك . والله أعلم .
9 ـ إذا أصابت الإنسان نجاسة وهو متوضئ؛ فعندما يزيل النجاسة من الثوب؛ فهل عليه أن يتوضأ من جديد .
إذا أصاب الإنسان نجاسة في بدنه أو ثوبه وهو على وضوء؛ فإن وضوءه لا يتأثر بذلك؛ لأنه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء، ولكن غاية ما عليه أن يغسل هذه النجاسة عن بدنه أو ثوبه، ويصلي بوضوئه، ولا حرج عليه في ذلك .
10 ـ هل يجوز الحركة من مكان لآخر وهو يتوضأ، وكم المسافة التي يستطيع أن يتحرك بها قبل أن يجف العضو عن العضو الآخر ؟
لا بأس بالانتقال من محل إلى محل في أثناء الوضوء، ولا سيما إذا كان هذا الانتقال لحاجة؛ كأن ينتقل لأجل توفر الماء في موضع آخر إذا انقطع عنه الماء في المكان الذي بدأ الوضوء فيه؛ إذا لم يكن هناك فاصل طويل؛ أي : لا يفوِّت وقتًا طويلاً بحيث تنشف أعضاؤه؛ فإنه لا حرج في أن يكمل وضوءه ويبني على ما مضى منه؛ ما دامت نيته باقية .
أما إذا قطع النية؛ بأن بدأ الوضوء، ثم انتقل وقطع النية؛ فإنه لابد أن يستأنف الوضوء من جديد؛ لأن ما غسله بالنية الأولى قد انقطع حكمه .
11 ـ إذا كان يستطيع غسل بعض الأعضاء دون بعض؛ فهل يلزمه غسلها مع التيمم ؟
نعم؛ يغسل ما يستطيع، ويتيمم عن الباقي .(91/4)
12 ـ أحيانًا أجد بعض فضلات الطعام على أسناني؛ فهل يجب إزالة هذه الفضلات قبل الوضوء ؟
لا يجب إزالتها قبل الوضوء، لكن تنقية الأسنان منها لا شك أنه أكمل وأطهر وأبعد عن مرض الأسنان واللثة .
فالذي ينبغي للإنسان إذا فرغ من طعامه : أن يخلل أسنانه حتى يزول ما علق بها من أثر الطعام، وأن يتسوَّك أيضًا؛ لأن الطعام يغير الفم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في السواك : إنه ( مطهرة للفم مرضاة للرب ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/234 ) ] وهذا يدل على أنه كلما احتاج الفم إلى تطهير؛ فإنه يطهر بالسواك .
أحكام نواقض الوضوء
13 ـ أعاني من خروج ريح بشكل مستمر؛ فلا أستطيع أن أصلي، وأعيد الوضوء أكثر من مرة؛ فهل يكون حكمي حكم سلسل البول؛ فلا أعيد الوضوء وأتم صلاتي من غير إعادة الوضوء ؟ وهل أعيد الصلاة السابقة التي فسد فيها الوضوء رغم أني صليتها ؟
إذا خرج الريح من الإنسان بصفة مستمرة، ولا يستطيع حبسه؛ فإن حكمه حكم من به سلسل البول؛ يتوضأ عندما يريد الصلاة، ثم يصلي في الحال، وصلاته صحيحة، ولو خرج منه شيء في أثناء الصلاة؛ لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة آية : 286 ] ، وهذا لا يستطيع أكثر من ذلك .
وأما إذا كان خروج الريح منه ليس بصفة مستمرة؛ فهذا عليه أن يعيد الوضوء إذا خرج منه شيء، ويعيد الصلاة التي صلاها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/16 ) ، وغيرهما ] .
14 ـ هل خروج الريح أعزكم الله يفسد الاستنجاء ؟ وهل من ضرورة لإعادة الاستنجاء مرة ثانية قبل الوضوء ؟(91/5)
خروج الريح من الدبر ناقض للوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/43 ) ] ، لكنه لا يوجب الاستنجاء أي : لا يوجب غسل الدبر؛ لأنه لم يخرج شيء يستلزم الغسل .
وعلى هذا؛ إذا خرج ريح؛ انتقض الوضوء، وكفى الإنسان أن يتوضأ؛ أي : أن يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق ويديه إلى المرفقين ويسمح رأسه ويمسح أذنيه ويغسل قدميه إلى الكعبين .
وهنا أنبِّه على مسألة تخفى على كثير من الناس، وهي أن بعض الناس يبول أو يتغوط قبل حضور وقت الصلاة، ثم يستنجي، فإذا جاء وقت الصلاة وأراد الوضوء؛ يظن أنه لابد من إعادة الاستنجاء وغسل الفرج مرة ثانية، وهذا ليس بصحيح؛ فإن الإنسان إذا غسل فرجه بعد خروج الخارج؛ فقد طهر المحل، وإذا طهر؛ فلا حاجة إلى إعادة غسله؛ لأن المقصود من الاستنجاء أو الاستجمار تطهير المحل، فإذا ظهر؛ فلا يعود إلى النجاسة؛ إلا إذا تجدد الخارج مرة ثانية .
15 ـ هل الغفلة تبطل الوضوء ؟ وهل يجب في هذه الحالة أن يتوضأ المسلم وضوءًا كاملاً ؟
لا أدري ماذا يريد بالغفلة ؟ هل يريد بها النوم ؟ فإن كان يريد النوم؛ فإن النوم ناقض للوضوء؛ بشرط أن يكون عميقًا، وعلامة العميق أن يكون النائم لا يحس بنفسه لو أحدث، فإذا نام الإنسان هذه النومة؛ فإن عليه أن يتوضأ؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه؛ قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرًا : أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن؛ إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 1/106، 107 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/83 ) . ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/161 ) ] ، ولحديث : ( العين وكاء السَّه، فإذا نامت العينان؛ استطلق الوكاء ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/51 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/161 ) ، ورواه الدارقطني في " سننه " ( 1/161 ) ] .(91/6)
فإن كان السائل يريد بالغفلة النوم؛ فهذا جوابه، لكن إذا كان النوم خفيفًا يحس بنفسه الإنسان لو أحدث؛ فإنه لا ينقض الوضوء، إذا كان الإنسان جالسًا؛ لأن الأساس كله على العقل؛ عقل الشيء وفهمه .
أما إذا كان يريد بالغفلة : الغفلة عن ذكر الله؛ فإن هذا لا ينقض الوضوء، ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يديم ذكر الله سبحانه وتعالى كل وقت .
قال تعالى : { إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [ سورة آل عمران : آية 190، 191 ] ، وذوو الألباب هم ذوو العقول .
16 ـ أنا شاب لم أتجاوز الثلاثين من العمر، وأقيم الصلاة في أوقاتها، وبعد أن أتوضأ وأتوجه للمسجد أشعر بأن قطرات بول تنزل مني وأنا متوجه إلى المسجد، وأحيانًا أثناء الصلاة، وبعد التأكد من الأمر؛ صرت في قلق دائم؛ فهل أعيد الوضوء إذا عرفت بالأمر قبل الدخول في الصلاة؛ علمًا بأن العملية قد تتكرر، وقد لا أستطيع أن أصلي جماعة ؟ أم هل أستمر في الصلاة إذا أحسست بان هنالك قطرات نزلت منِّي أثناء الصلاة ؟ أم أغير ثيابي الداخلية بعد كل صلاة، مع العلم أن في هذا مشقة كبيرة عليَّ ؟
هذا الذي ذكره السائل قد يكون من الوهم والوسواس، فلا يلتفت إليه؛ لأن الطهارة متيقنة وخروج البول مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك، ولما ذكر بعض الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يشك في خروج الريح وهو في الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/43 ) ] .(91/7)
وأما إذا تيقن الإنسان خروج القطرات من البول : فإن كان ذلك بصفة مستمرة من غير انقطاع؛ فهذا مصاب بسلس البول، وهذا دائم، وحكمه أنه يتوضأ عندما يريد الصلاة ويصلي فورًا، ولا شيء عليه إن خرج منه شيء؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، و { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 ] .
وإن كان خروج القطرات في بعض الأحيان وليس بصفة دائمة؛ فإنه يجب عليه غسل ما أصابه البول من ثوبٍ أو جسدٍ، والاستنجاء، ثم إعادة الوضوء . . . والله أعلم .
17 ـ نرجو من فضيلة الشيخ حفظه الله أن يبين ويوضح لنا الحكم في الرجل إذا قبَّل امرأته بشهوة، أو بدون شهوة، أو إذا لمسها مباشرة، أو لامست البشرة البشرة؛ هل هذا ينقض الوضوء ؟ نرجو من فضيلتكم بيان الحكم في ذلك .
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وأن المراد بقوله تعالى : { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } [ سورة النساء : آية 43 ] : هو الجماع لا مجرد اللمس . وعلى هذا القول لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا .
القول الثاني : أن لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقًا إذا لمسها من غير حائل، وهذا مذهب الشافعية؛ مفسرين { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } [ سورة النساء : آية 43 ] باللمس باليد مثلاً .
القول الثالث : وهو قول الحنابلة : أن لمس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، أما لمسها بدون شهوة؛ فإنه لا ينقض الوضوء .
هذه مذاهب أهل العلم فيما أعلم حول هذه المسألة .
ولعل الاحتياط هو القول الثالث : أنه إذا كان بشهوة؛ فإنه ينقض الوضوء؛ لأنه مظنة خروج الشيء منه، والمظنة في كثير من الأمور تنزل منزلة الحقيقة، وإن كان بدون شهوة؛ فإنه لا ينقض الوضوء؛ لأنه ليس هناك مظنة لخروج شيء .(91/8)
18 ـ عندما يقرأ الإنسان القرآن؛ هل يتوضأ وضوءه للصلاة، أم يجوز له أن يمس المصحف ويتلو القرآن وهو غير متوضئ؛ لأنه جاء في القرآن الكريم : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } [ سورة الواقعة آية : 79 ] ؟ وهل يتطهر الإنسان إذا أراد أن يمس القرآن، أم المراد بالتطهر إذا كان جنبًا فقط ؟ وهل يجوز للإنسان عندما يقرأ شيئًا من القرآن ولو كان يسيرًا؛ يجوز أن يهدي ثواب ما يقرأ من القرآن، إلى أكثر من ميت واحد ؟ وهل يفيد ذلك الميت ؟
أما قضية مس المصحف؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا على طهارة من الحدثين الأصغر والأكبر؛ لقوله تعالى : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } [ سورة الواقعة آية : 79 ] ؛ إذا فسر الكتاب المكنون بالمصحف، ولقوله عليه الصلاة والسلام – كما في حديث عمرو بن حزم - : ( لا يمس المصحف إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/397 ) ، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/119 ) ] فيشترط لمس المصحف الشريف أن يكون الإنسان على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ولا يجوز له أن يمسه وهو على غير طهارة؛ إلا من وراء حائل؛ كأن يحمله في كيسه، أو في غلافه، أما أن يمسه مباشرة؛ فهذا لا يجوز .
وأمَّا القضية الثانية : وهو إهداء ثواب القراءة إلى الأموات؛ فهذا لم يرد به دليل فيما أعلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يرد أنه يقرأ القرآن ويهدى ثوابه إلى الأموات، وإن أجاز هذا بعض أهل العلم، ولكن الصحيح أن ذلك ليس بمشروع؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنما الذي ورد هو الدعاء للأموات والتّصدُّق عنهم والحج أو العمرة عن الميت، هذا الذي وردت به الأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعليك بدل أن تهدي ثواب القراءة أن تعمل شيئًا من هذه الأعمال : إما الدعاء والاستغفار للميت، أو الصدقة عنه، أو الحج والعمرة عنه؛ إذا أمكن .(91/9)
19 ـ ما الحكم فيمن مس المصحف وعليه حدث أصغر ؟ نرجو التفصيل في المسألة أحسن الله إليكم .
لا يجوز مس المصحف إلا على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمس المصحف إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/397 ) والإمام مالك في " الموطأ " ( 1/199 ) ] ، لكن من مسه وهو محدث جاهلاً أو ناسيًا؛ فلا إثم عليه، وكذا من مسه من وراء حائل أو بواسطة مسطرة أو عود؛ لا بأس عليه؛ لأن الممنوع مسه مباشرة من المحدث .
20 ـ ما حكم الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة؛ هل تعتبر نجسة تفسد الوضوء ؟ وهل ينجس ما تلوثه من ملابس ؟ وما حكم من لا تنقطع عنها هذه الإفرازات في حالة العبادات التي تستغرق بعضًا من الزمن؛ كالعمرة، والطواف، والبقاء في المسجد ؟ وما حكم الإفرازات المهبلية التي تفرز من المرأة عند الإثارة الجنسية ( القبلة ) دون أن يكون هناك جماع ؟ وهل تستوجب الغسل كغسل الجنابة ؟
حكم الإفرازات التي تخرج من قبل المرأة أنها نجسة، وتنقض الوضوء، وتنجس ما أصابته من البدن أو الثياب؛ فيجب على المرأة أن تستنجي منها وتتوضأ إذا أرادت الصلاة، وتغسل المكان الذي أصابته من ثوبها أو بدنها، وكذلك يجب الوضوء من كل خارج من السبيلين عندما يريد المسلم الصلاة .
والمرأة التي يستمر معها خروج الإفرازات تستنجي وتنظف فرجها وتضع عليه حفاظًا يمنع أن يخرج منه شيئًا، وتتوضأ لكل صلاة وعندما تريد الطواف، ولا بأس بلبثها في المسجد؛ لأن هذا ليس حيضًا، والذي يمنع اللبث في المسجد هو الحيض والنفاس والجنابة .
وخروج الإفرازات نتيجة القبلة أو الملاعبة من الزوج لا توجب الغسل؛ إلا إذا كانت منيًّا خرج بدفع ولذة .
أحكام الغسل
21 ـ ما هي الطريقة الأفضل للاغتسال من الجنابة ؟(91/10)
الطريقة الأفضل للاغتسال من الجنابة هي ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله : أنه يستنجي أولاً، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثو الماء على رأسه ثلاثة حثيات، مع تخليل شعر رأسه بإصبعه عليه الصلاة والسلام، ثم يفيض الماء على جسده ثلاث مرات . هذا هو الأفضل والأكمل، هذه الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم (7).
22 ـ هل الحمام يجزئ عن الوضوء ؟
إذا تحمم الشخص – أي : اغتسل – بقصد التبرد أو التنظف؛ فهذا الاغتسال من المباحات، لا يدخل في العبادة، ولا يكفي عن الوضوء؛ لأن هذا الاغتسال ليس بقصد العبادة، وإنما بقصد التبرد والتنظف .
أما إذا اغتسل بنية العبادة؛ كأن يكون اغتسل عن الجنابة لإزالة الحدث، أو اغتسل غسلاً مستحبًّا كغسل يوم الجمعة، ونوى معه الوضوء؛ فإن الوضوء يدخل في الاغتسال؛ لأن الطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى إذا نواها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) ] .
أما إذا لم ينو دخول الوضوء في الاغتسال عن الجنابة أو عن غسل يوم الجمعة مثلاً؛ فإنه لابد أن يتوضأ؛ لأنه لم ينو الوضوء، وإنما نوى الاغتسال فقط .
والأكمل والأفضل أن يستنجي، ثم يتوضأ وضوءًا كاملاً ما عدا غسل الرجلين، ثم يغتسل، وإذا فرغ؛ يغسل رجليه، وإن غسل رجليه مع الوضوء قبل الاغتسال؛ فلا بأس، بل هذا هو الأفضل والأكمل .
23 ـ إذا احتلم الرجل بالليل وهو نائم، وذلك في أيام البرد الشديد، ولم يقدر أن يغتسل، ويخشى المضرة؛ فهل يتوضأ ويصلي أم ماذا يفعل ؟(91/11)
إذا بلغ الأمر إلى هذه الحالة التي ذكرها السائل؛ بأن كان جنبًا، وكان عنده ماء بارد، ولا يستطيع الاغتسال به، ولا يجد ما يسخنه به من آلات التسخين والتدفئة؛ فهذا يعذر في ترك الاغتسال والعدول إلى التيمم؛ لقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ سورة النساء : آية 29 ] .
ولما احتلم عمرو بن العاص رضي الله عنه في السفر، ولم يكن عنده إلا ماء بارد، فخشي على نفسه؛ تيمم وصلى بأصحابه، ولما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكر ذلك له، فأقره على ذلك (8).
الحاصل أنه إذا بلغ الأمر للخطورة، وليس عنده ما يسخن به الماء، ولا ما يستدفئ به، ويخشى على نفسه لو اغتسل بالماء البارد أن يصاب بالمرض؛ فإنه يعدل إلى التيمم؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ سورة النساء : آية 29 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ سورة الحج : آية 78 ] ، والله أعلم .
24 ـ ماذا يقول الإنسان عند الغسل من الجنابة في أول الغسل وآخره ؟
يقول الإنسان في أول الغسل : " بسم الله " ، وفي نهايته يقول : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين ) (9)
فما يُقال ويُفعل عند الاغتسال هو ما يُقال ويُفعل عند الوضوء، وذلك بأن يسمي، ثم ينوي، ثم يغسل كفيه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة؛ إلا غسل الرجلين؛ فإنه يؤخره إن شاء بعد الاغتسال، فيغتسل اغتسالاً كاملاً، ثم بعد ذلك يغسل رجليه .
أما في أثناء الاغتسال؛ فلا يشرع أي دعاء، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أي دعاء في ذلك، والأذكار التي يقولها بعض الناس لا دليل عليها؛ فتكون من البدع المحدثة .(91/12)
25 ـ ما معنى الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/212 ) ] .
غسل يوم الجمعة مشروع ومتأكد، وذلك لأن الناس يجتمعون في مسجد واحد، ولذلك يتفقد كل منهم نفسه، ويزيل ما عليه من روائح كريهة وأوساخ؛ ليحضر هذا اللقاء العظيم، وحتى لا يؤذي إخوانه برائحته إذا كان فيه رائحة من العرق أو غيره . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم " واجب " . أي : متأكد وليس معناه أنه فرض، والمحتلم هو البالغ .
26 ـ ما الفرق بين المني والمذي الذي أعرف به كل واحد منهما؛ لأنني قد أقوم من النوم وأجد الماء، مع أني لم أر في نومي سببًا لخروج الماء ؟ وما الحكم الشرعي إذا خرج المذي ؟
إذا قمت من النوم ووجدت البلل في ثوبك؛ فإنه يجب عليك الاغتسال؛ لأن هذا البلل من الاحتلام؛ فقد تكون احتلمت وأنت لا تدري، أو لم تشعر به؛ إلا إذا سبق نومك تفكير، أو ملاعبة للمرأة؛ فإن هذا البلل يعتبر مذيًّا لا يوجب غسلاً .
أما في اليقظة؛ فالمذي إذا خرج؛ يكفي أن يستنجي الإنسان ويتوضأ ويغسل المذي من بدنه أو ثوبه .
أحكام التيمم
27 ـ هنالك أشخاص يصلون كل أوقاتهم بالتيمم، ولقد نصحتهم عدة مرات ولم تُجْدِ نصيحتي لهم؛ هل تجوز صلاتهم بهذه الطريقة ؟(91/13)
التيمم إنما هو بدل الطهارة بالماء، ولا يجوز إلا لعذر شرعي؛ كأن يكون عادمًا للماء، أو يكون معه قليل لا يكفي لحاجته ولوضوئه، فيبقى الماء لحاجته ويتيمَّم، والحالة الثانية : إذا كان عاجزًا عن استعمال الماء مع وجوده لمرض يمنعه من استعمال الماء، أو يشق عليه استعمال الماء في حالة المرض؛ فإنه يتيمم في هذه الحالة، وذلك لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 ] .
فدلت الآية الكريمة على أن التيمم لا يجوز إلا في حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان الإنسان مريضًا لا يستطيع استعمال الماء أو يشق عليه .
الحالة الثانية : إذا كان ليس عنده ماء يتوضأ به أو يغتسل به من الجنابة، أو كان عنده ماء قليل لا يتسع لحاجته أو لطهوره .
أما إذا تيمم من غير عذر شرعي؛ بأن كان الماء موجودًا وهو قادر على استعماله؛ فإن تيممه لا يصح ولا تصح صلاته؛ لأنه صلى بغير طهور؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/16 ) . ورواه غيرهما ] ولأن الله شرط في هذه الآية تقديم الطهارة بالماء للصلاة بالصفة التي ذكرها في هذه الآية الكريمة على التيمم .(91/14)
فهؤلاء الذين ذكرت أنهم يصلون بالتيمم دائمًا، مادام أنهم يفعلون هذا من غير عذر؛ فإن صلاتهم غير صحيحة طيلة هذه المدة، وعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي ما أوجب الله عليه على الوجه المشروع .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء؛ فليمسَّه بشرته؛ فإن ذلك خير ) ، رواه أحمد والترمذي وصححه (10) .
28 ـ إذا تيمم المصلي لفقد الماء، ثم أدى الصلاة؛ فهل يجب عليه قضاؤها حينما يجد الماء أو يزول ذلك العذر أم لا ؟
إذا تيمم المسلم لعذر شرعي لفقد الماء، أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه، أو خوف ضرر باستعماله للعطش، وغير ذلك من الأعذار الشرعية؛ إذا تيمم لعذر من هذه الأعذار الشرعية، وصلى؛ فصلاته صحيحة، وطهوره صحيح؛ لأن الله جعل التراب بدل الماء، وجعله طهورًا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/86 ) ] .
والتيمم يقوم مقام الوضوء إذا احتاج إليه، والصلاة التي تصلى فيه صلاة صحيحة كالصلاة التي تصلى بوضوء، وإذا وجد الماء؛ فإنه يتوضأ به ويتطهر به للمستقبل فقط، أما ما مضى؛ فهو صحيح مثاب عليه إن شاء الله .
29 ـ إذا صلى الرجل صلاة الفجر متيممًا لعدم وجود الماء، وحصل على الماء بعد طلوع الشمس؛ فهل عليه إعادة الصلاة ؟
إذا تيمم في الوقت وصلى لأنه لم يكن عنده ماء؛ فصلاته صحيحة، وإذا وجد الماء بعد ذلك، ولو قبل خروج الوقت؛ فإنه لا يعيد الصلاة؛ لأن صلاته التي تمت بطهارة شرعية قد أمره الله تعالى بها؛ فلا يعيدها، قال الله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم } [ سورة النساء : آية 43 ] ، أما لو حضر الماء قبل انقضاء الصلاة؛ فإنها تبطل، ويلزمه التطهر بالماء والصلاة بوضوء .(91/15)
30 ـ هل يجوز الصلاة بالبسطار أكرمكم الله ؟ وما هي كيفية الوضوء فيه ؟ وهل له مدة معينة ؟ أرجو الإجابة وجزاكم الله خيرًا وأريد شرحًا عن ذلك ؟
تجوز الصلاة بالبسطار – أي : الخف – إذا كان طاهرًا وليس عليه نجاسة، ويجوز المسح عليه في الوضوء إذا كان ساترًا سترًا كاملاً للرجل؛ بأن يكون صافيًا على الكعبين وما تحتهما، وثابتًا على الرجل، وقد لبسه على طهارة؛ بأن يلبسه وهو على وضوء .
وصفة المسح أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أطراف أصابع رجله، ثم يمررهما إلى ساقيه .
ومدة المسح يوم وليلة بالنسبة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهو رخصة ثابتة بالسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكره إلا المبتدعة (11) ، وابتداء المدة على الصحيح من أول مسح بعد اللبس، والله أعلم .
31 ـ ما حكم المسح على الجورب الشفاف أو المشقق ؟
يشترط في الجورب الذي يمسح عليه في الوضوء أن يكون ساترًا لما تحته، فلا يجوز المسح على الجورب الشفاف والمخرق والمشقق؛ لأنه لا يستر ما تحته؛ لأن ما ظهر من الرجل فرضه الغسل، ولا يكفي عنه المسح؛ إلا إذا استتر تمامًا، فيكفي مسح الحائل عن غسل ما تحته، ومع انكشاف شيء من الرجل؛ فإنه لا يكون ثمة حائل .
32 ـ يقول بعض الناس : إنه لابد لمن يمسح على الخفين من المقيمين أن يتم اليوم والليلة لابسًا لخفيه؛ أرجو بيان الحق في ذلك .
لا يلزم من يمسح على الخفين أن يستمر لابسًا لهما إلى تمام المدة، بل إن شاء استمر، وإن شاء خلعهما . لكن إذا خلعهما بعد مسحه عليهما؛ بطل وضوءه، ويلزمه أن يعيد الوضوء ويغسل رجليه حينئذ إذا أراد الصلاة أو غيرها مما تشرع له الطهارة .
أحكام إزالة النجاسة
33 ـ أنا أصلي في منزلي الذي يتكون من غرفة، وفي بعض الأحيان لا تكون أرضية الغرفة طاهرة؛ فهل يجوز أن أفترش سجادة الصلاة وأصلي فقط؛ علمًا بأن فرش الغرفة ملصوق، ولا يمكن تغييره ؟ فما الحكم ؟(91/16)
من شروط صحة الصلاة طهارة البقعة التي يصلي عليها، أو طهارة الفراش الذي يصلي عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل بول الأعرابي الذي بال في المسجد (12) .
وإذا كانت الأرض متنجسة، وفرش عليها فراشًا طاهرًا؛ صحت الصلاة عليه؛ لأنه جعل بينه وبين النجاسة حائلاً طاهرًا؛ فالغرفة التي تنجست أرضيتها لا تصح الصلاة فيها إلا بعد غسل النجاسة التي فيها، أو فرشها بفراش طاهر .
مع العلم أن الرجل لا يجوز له أن يصلي في بيته صلاة الفريضة ويترك الصلاة في المسجد مع الجماعة؛ إلا لعذر شرعي، أو إذا كانت الصلاة نافلة، أو قضاء فريضة فاتته . . . والله أعلم .
34 ـ هل صحيح يا فضيلة الشيخ أن العطور التي بها كحول محرمة استعمالها ؟ وأنها لا تجوز للصلاة بها إذا كانت في الثوب أو البدن ؟ وما هو الراجح في الخمر؛ هل هي طاهرة أم نجسة ؟ أفيدوني أثابكم الله .
نعم العطور المسكرة يحرم استعمالها، ولا تجوز الصلاة في الثوب الذي أصابه شيء منها حتى يغسل ما أصابه منها؛ كسائر النجاسات، وكذا البدن يجب غسل ما أصابه منها؛ لأنها نجسة؛ لأنها خمر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 3/1588 ) ] .
والراجح أن الخمر نجسة؛ لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } [ سورة المائدة : آية 90 ] ، فأخبر أن الخمر رجس، والرجس معناه النجس، وأمر باجتنابه، وهذا يدل على نجاسته . والله أعلم .
35 ـ إذا تنجست الملابس الداخلية بقطرات من البول أعزكم الله، وحان وقت الصلاة؛ فهل يجوز لي فرك المنطقة المتنجسة بالماء بتحقيق الطهارة من البول، أم يجب تبديل الملابس المتنجسة ؟(91/17)
إذا أصاب البول الثياب، وأردت أن تصلي فيها؛ فإنه يجب عليك أن تغسلها بالماء؛ بأن تغسل محل النجاسة بالماء؛ أي : ما أصابه البول، حتى تتيقن زوال النجاسة، وتصلي فيها، ولا يلزمك أن تستبدلها بغيرها، بل متى غسلت محل النجاسة غسلاً كافيًا تُيُقِّن معه زوال النجاسة؛ فإن صلاتك فيها صحيحة إن شاء الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أصاب دم الحيض ثوبها أن تغسله وتصلي فيه (13). والله أعلم .
36 ـ هل الملابس التي تبللت بالبول ثم جفت تظل نجسة ؟ وهل يجب أن يغسل موضع البلل ؟ وإذا لمسها الإنسان؛ هل يغسل موضع اللمس ؟
النجاسة لا تزول عن الملابس إلا بالغسل بالماء الطهور، ولا يكفي جفاف النجاسة عنها، قال صلى الله عليه وسلم في دم الحيض يصيب ثوب المرأة : ( تَحُتّه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي به ) متفق عليه [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/79، 80 ) ، ورواه مسلم في " صحيحه " ( 1/240 ) ] ؛ فيجب غسل النجاسة عن الثوب قبل الصلاة فيه .
وإذا لمس الإنسان نجاسة رطبة؛ فإنه يغسل ما لمسها به من جسمه؛ لانتقال النجاسة إليه، أما النجاسة اليابسة؛ فإنه لا يغسل ما لمسها به؛ لعدم انتقالها إليه . والله أعلم .
37 ـ أعمل في مختبر للتحاليل الطبية، وتعلمون يا فضيلة الشيخ بأن العمل في المختبر يشتمل على البول أعزكم الله، ويحدث أن يسقط شيء من البول على البنطلون الذي ألبسه؛ هل يجب خلع البنطلون واستبداله بعد كل عمل خوفًا من النجاسة، وإذا حدث وصليت به سهوًا؛ فهل تصح صلاتي ؟(91/18)
إذا كان الثوب الذي تعمل فيه يصيبه شيء من النجاسة التي تباشرها لأجل تحليل البول أو الغائط؛ فإنه يجب عليك أحد أمرين إذا أردت الصلاة : إما تغسل هذه النجاسة وتصلي في ثوبك الذي تعمل فيه، وإما أن تخلعه وتصلي بثوب طاهر؛ لأن طهارة الثوب من شروط صحة الصلاة؛ لقوله تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [ سورة المدثر : آية 3 ] ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض التي يصيب الدم ثوبها أن تغسله؛ بأن تحك الدم، وتقرصه بالماء، ثم تنضحه (14)؛ فهذا دليل على أنه يشترط طهارة الثوب الذي يصلي فيه، ولأنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي، فخلع نعليه في أثناء الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم؛ سألهم : ( لماذا خلعتم نعالكم ؟ ) . قالوا : رأيناك يا رسول الله خلعت نعليك . قال صلى الله عليه وسلم : ( إن جبريل أخبرني أن بهما خبثًا ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 3/20 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/172 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/370 ) ] .
فدلت هذه النصوص على أنه يشترط طهارة الملبوس في الصلاة .
أما المسألة الثانية، وهي : إذا صليت في الثوب الذي أصابته النجاسة ناسيًا ولم تفطن إلا بعد الفراغ من الصلاة؛ فالصحيح في قولي العلماء صحة الصلاة؛ لأنك معذور لهذا النسيان، ولكن عليك التحفظ في هذا وبذل المجهود .
أما إذا ذكرت النجاسة في أثناء الصلاة : فإن أمكن أن تتخلص من الثوب النجس لأن عليك ثوبًا آخر، فتخلع النجس ويبقى عليك الثوب الآخر؛ فصلاتك صحيحة، وأما إذا لم تتمكن من ذلك؛ فإنك تخرج من الصلاة .
أحكام الحيض
38 ـ هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن غيبًا وهي حائض، وإذا كان هذا غير جائز؛ فهل عليها إثم؛ إذا درست أبناءها القرآن، خاصة إذا كانوا في المدارس أثناء الحيض ؟(91/19)
لا يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن؛ لا من المصحف، ولا عن ظهر قلب؛ لأن عليها حدثًا أكبر، ومن عليه حدث أكبر – كالحيض والجنابة – لا يجوز له أن يقرأ القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتنع من قراءة القرآن إذا كان عليه جنابة (15) ، والحيض حدث أكبر مثل الجنابة يمنع قراءة القرآن .
ولكن في حالة خوف النسيان؛ إذا كانت الحائض تحفظ سورًا من القرآن، أو تحفظ القرآن، وتخشى إذا تركت التلاوة أن تنسى؛ لأن مدة الحيض تطول فتنسى ما حفظته من القرآن؛ فلا بأس أن تقرأ في هذه الحالة؛ لأن هذا من الضرورات؛ لأنها لو تركت قراءة القرآن؛ نسته .
وكذلك الطالبة؛ إذا جاء وقت الامتحان في مادة القرآن وهي حائض، ويمتد حيضها، ولا يمكن أن تؤدي الامتحان بعد نهاية الحيض؛ فلا بأس أن تقرأه للامتحان؛ لأنها لو تركته؛ لفات عليها الامتحان، وحصل عليها رسوب في القرآن، وهذا يضرها؛ ففي هذه الحالة أيضًا يجوز للطالبة أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان عن ظهر قلب ومن المصحف، لكن بشرط أن لا تمسه إلا من وراء حائل .
أما قراءة الحائض القرآن لأجل التعليم؛ فإنها لا تجوز؛ لأن هذا ليس ضرورة . والله أعلم .
39 ـ متى يُباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع ؟ وما هي مفسدات الصوم عمومًا ؟ وهل يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للعادة الشهرية حتى تتمكن من صيام رمضان بدون انقطاع ؟
يجوز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما من أضرار الصيام؛ لأنه يمكن أن الصيام يضعف الغذاء الذي يتغذى به المولود في بطن أمه؛ فإذا كان الأمر كذلك؛ فلها أن تفطر وأن تقضي من أيام أخر وتطعم مع القضاء، وإن خافت على نفسها من الصيام؛ لأنها لا تستطيع الصيام وهي حامل أو لا تستطيع الصيام وهي مرضع؛ فهذه تفطر وتقضي من أيام أخر وليس عليها إطعام . هذا ما يتعلق بالحامل والمرضع .(91/20)
ويجوز للمرأة تناول الحبوب التي تمنع عنها الحيض من أجل أن تصوم إذا كانت هذه الحبوب لا تضر بصحتها .(91/21)
كتاب الصلاة
وجوب الصلاة
40 ـ ما حكم من ترك الصلاة عمدًا وذلك لمشاهدة مباراة أو مسلسل في التلفاز ؟
لا يجوز ترك الصلاة؛ بمعنى : أنه يتأخر عن أدائها مع الجماعة، أو يؤخرها عن وقتها؛ هذه كلها محرمات ومنكرات وتضييع للصلاة، والله تعالى يقول : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [ سورة مريم : آية 59 ] ، ويقول جلَّ وعلا : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } [ سورة الماعون : آية 4، 5 ] .
فليس الشأن أن الإنسان يصلي فقط في أي وقت وفي أي حالة، لا؛ الشأن أن الإنسان يصلي؛ كما أمره الله، في وقتها، في المسجد، مع جماعة المسلمين؛ كما أمر الله سبحانه وتعالى والله تعالى يقول : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ سورة البقرة : آية 43 ] ، ومعنى إقامتها : أن يؤتى بها قائمة كما أمر الله سبحانه وتعالى، أما إذا صليت على غير الصفة التي شرعها الله؛ فإنها صلاة غير قائمة، بل هي صلاة مضيعة، وقد توعد الله من يضيع الصلاة والعياذ بالله بأشد الوعيد .
ولو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن كلام الله عز وجل وترك صلاة الجماعة، أو جلس يقرأ القرآن حتى خرج الوقت؛ لكان فعله ذلك منكرًا، مع أنه يقرأ القرآن؛ فكيف إذا جلس ينظر إلى شيء أقل ما يقال فيه : إنه مباح، وإلا؛ الغالب فيه ألا يكون خاليًا من المحرمات ؟ !
41 ـ أفيدكم أني أبلغ من العمر الخامسة والأربعين، وقد مضى علي أربع سنين من عمر دون أن أصلي ودون أن أصوم رمضان، ولكني في العام الماضي أديت فريضة الحج؛ فهل تكفر عما فاتني من صوم وصلاة ؟ وإن كانت لا تكفر؛ فماذا عليَّ أن أفعله الآن ؟ أرشدونا وفقكم الله .
ترك الصلاة متعمدًا خطير جدًّا؛ لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وإذا تركها المسلم متعمدًا؛ فإن ذلك كفر :(92/1)
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/88 ) بنحوه، ورواه أبو داود ( 4/219 ) ، ورواه غيرهما ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها؛ فقد كفر ) [ رواه الإمام أحمد ( 5/355 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/283 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/343 ) ] .
والله تعالى يقول في الكفار : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ سورة التوبة : آية 5 ] .
ويقول عن أهل النار : { مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } [ سورة المدثر : آية 42-44 ] .
. . . إلى غير ذلك من النصوص التي تدلك على كفر تارك الصلاة، وإن لم يجحد وجوبها، وهو الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله .
فما ذكرت من أنك تركتها متعمدًا مدة أربع سنوات، هذا يقتضي الكفر، ولكن إذا تبت إلى الله عزّ وجلّ توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة في مستقبل حياتك؛ فإن الله يمحو ما كان من ذي قبل، والتوبة الصادقة تجبُّ ما قبلها .
أما الحج؛ فلا يكفر ترك الصلاة ولا ترك الصيام؛ لأن هذه كبائر موبقة لا يكفرها الحج، وكذلك الحج إذا كنت أديته وأنت لا تصلي؛ فإنه لا يصح؛ لأن الذي لا يصلي ليس له دين، وليس له إسلام، ولا يصحّ منه عمل؛ إلى أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى .
فإذا تبت إلى الله توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة؛ فإن هذا يكفر ما سبق، ولكن؛ عليك بالصدق، والاستمرار على التوبة، والاهتمام بالصلاة، وإذا كنت أديت الحج في حالة ترك للصلاة؛ فعليك أن تعيده، أما إذا كنت أديته بعدما تبت؛ فهو حج صحيح إن شاء الله، وما مضى من المعصية وترك الصلاة والصيام تكفره التوبة الصادقة .(92/2)
42 ـ أنا لا أصلي، ولكني عاقد العزم على الصلاة، لكن كلما آتي للصلاة؛ أشعر أنه جبل، وأمر من أصعب الأمور؛ ماذا أفعل ؟ ! مع أنني أحس بالذنب والقلق لترك الصلاة .
هذا من الشيطان، والواجب عليك أن تعالجه بالإقبال على الله سبحانه وتعالى، وبالعزيمة الصادقة والرغبة في الصلاة، والله يعينك .
وقد جاء في الحديث الصحيح : ( إن الرجل إذا نام؛ عقد الشيطان على ناصيته ثلاث عقد، وقال : ارقد؛ فإن عليك ليلاً طويلاً، فإذا قام المؤمن وذكر الله؛ انحلت عقدة، فإذا توضأ؛ انحلت العقدة الثانية، فإذا صلى؛ انحلت العقدة الثالثة، وأصبح طيب النفس، منشرح الصدر، وإذا لم يقم، ولم يذكر الله عز وجل، ولم يصلِّ؛ فإنها تبقى عليه هذه العقد، ويصبح خبيث النفس كسلان ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/46 ) ] .
فهذا من الشيطان؛ فإنه يثبط عن الطاعة، ويثقلها على العبد، ولا سيما الصلاة .
قال الله سبحانه وتعالى : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ سورة البقرة : آية 45 ] .
فأخبر أن الصلاة كبيرة؛ إلا على الذين يخشون الله سبحانه ويخشعون له؛ فإن الله يسهلها عليهم، وتصبح نعيم قلوبهم وقرة عيونهم؛ كما كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يستريح في الصلاة؛ لأنه يتلذَّذ بها، وهي خفيفة عليه، طيِّبة بها نفسه، وهكذا كل مؤمن يناله من هذا الوصف، بحسب إيمانه وتقواه، وإنما تثقل الصلاة على المنافقين .
قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ سورة النساء : آية 142 ] .(92/3)
قال تعالى : { وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ سورة التوبة آية : 54 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما؛ لأتوهما ولو حبوا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/160 ) ] .
فعليك أيها السائل بالاستعانة بالله عز وجل، والحرص على أداء الصلاة، والإقبال عليها، وعند ذلك؛ يتولى عنك الشيطان، وتسهل عليك الصلاة، وتألفها نفسك، وتقر بها عينك إن شاء الله، ويذهب الله عنك هذا الثقل وهذا التعب الذي تذكره عند الوضوء وعند الصلاة .
43 ـ ما هي الحالات التي يعفى الإنسان فيها من أداء الصلاة بالكلية ؟
لا يعفى أحد من أداء الصلاة بالكلية مادام عقله ثابتًا؛ إلا أنه يصلي على حسب حاله؛ يصلي قائمًا، فإن لم يستطيع؛ فقاعدًا، فإن لم يستطع؛ فعلى جنب، ولا يُعفى أحد من الصلاة إذا بلغ وكان عاقلاً .
أما إذا كان صغيرًا دون البلوغ، أو كان مجنونًا، أو زائل العقل بالكلية؛ فهذا يرتفع عنه التكليف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/137-139 ) ] .
فالحاصل أن الصلاة لا تسقط عن المسلم البالغ العاقل مادام عقله ثابتًا، ولكنه يصلي على حسب حاله .(92/4)
44 ـ شابة عربية مسلمة تزوجت من رجل لا تعرفه من قبل، كان يعمل بألمانيا الغربية، وطلب من أبيها أن تعيش معه، ووافقت هي على ذلك، وبعد أن تم الزواج؛ ذهبت معه إلى ألمانيا، وخلال حياتها معه اكتشفت أنه لا يصلي ولا يصوم، بل كان يرغمها على طبخ طعام له في نهار رمضان؛ إضافة إلى ارتكاب بعض المنكرات الأخرى، وقد حاولت إصلاح شأنه، لكن دون فائدة؛ مما جعلها تطلب منه الطلاق، وفعلاً حصل لها ذلك، فتقول : هل هي على حق في طلبها الطلاق من هذا الزوج لذلك السبب ؟ ثم إنها تقول : إنها رجعت على بلجيكا مع بعض جيرانها سابقًا، وهي تعمل هناك للإنفاق على نفسها وعلى والدها الفقير الحال، وهي تعيش بمفردها مع عائلة هناك، ولكنها تعيش معهم في المنزل فقط، أما أكلها ونومها فمنفردة، وهم منحوها الحرية في ممارسة ما يأمرها به الدين من صلاة وصيام وغيره، ولكنها تسأل عن بقائها بمفردها مع هذه العائلة؛ هل فيه مخالفة للدين ؟ وكذلك الصلوات تقول : إنها لا تصلي إلا بعد عودتها من العمل، تصلي جميع الصلوات؛ لكون مكان العمل غير صالح لأداء الصلاة فيه لعدة اعتبارات؛ فما الحكم في هذا ؟
أولاً : نشكرك أيها السائلة على تمسكك بالدين وحرصك على التزام شعائره .
وأما ما سألت من فراقك للزوج لمّا رأيت منه عدم تمسكه بالدين وأنه لا يصلي ولا يصوم؛ فهذا هو الواجب عليك، ولا يجوز لك البقاء معه على هذه الحالة؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا؛ فإنه كافر، لا تبقى معه مسلمة في عصمته، فأحسنت كل الإحسان في مفارقتك لهذا الزوج السيئ، وفرارك بدينك عنه .(92/5)
وأما ما سألت عنه من ذهابك إلى بلجيكا بمفردك وعملك عند عائلة أجنبية هناك؛ فالذي ننصحك به أن تعودي إلى بلدك، أو أن تصطحبي الوالد معك إذا أردت السفر إلى بلجيكا أو غيرها، أما أن تسافري وحدك وتسكني وحدك وتعملي عند عائلة أجنبية منك؛ فهذا لا يقره الإسلام، ولا يرضى به الله سبحانه وتعالى؛ لأن المرأة عورة، ولا يجوز لها أن تسافر بدون محرم؛ لأن ذلك يعرضها للفتنة، ويعرض غيرها للافتتان بها .
وأما الصلوات؛ فلا بد أن تؤدى في أوقاتها، ولا يجوز لك جمعها في وقت واحد، وبإمكانك أن تحاولي العثور على مكان للصلاة في مقر العمل، وتفرشي سجادة أو ثوبًا، وتصلي عليه في وقت الصلاة .
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2، 3 ] .
45 ـ والدتي توفيت وهي لا تصلي؛ فهل يجوز أن أصلي لها وأهديها ؟
إذا كانت والدتها مختلة العقل، أو لم يهيأ لها من يعلمها، وقد تركت ما تركته عن خلل في عقلها، أو عن عدم وجود من يبصرها ويعلمها؛ فهذه أمرها إلى الله، ولا يدعا لها، وإذا كانت عاقلة، ولديها من يعلمها ويدلها ويرشدها، ومع ذلك تركت الصلاة وشرائع الإسلام؛ فإن هذه ماتت على غير الإسلام، ولا يفيدها الصلاة عنها؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد . والله أعلم .
46 ـ أنا شاب أحافظ على بعض الصلوات في المسجد، وأحيانًا أؤخرها عن وقتها بغير عذر؛ كما أنني إذا كنت مرهقًا من العمل أنام عن صلاتي العصر والمغرب، وكانت نيتي أن لا أقوم من النوم إلا بعدهما أو أحدهما على الأقل؛ فهل صلاتي صحيحة إن صليتها بعد الاستيقاظ من النوم ؟ كما أنني أحيانًا قد لا أكون مرهقًا من العمل، ولكن أفوت صلاة العصر أو المغرب أو العشاء، أو أفوت صلاتين متتاليتين؛ فما حكم فعلي هذا ؟ أفيدونا مأجورين جزاكم الله خيرًا .(92/6)
قال الله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 ] . أي : مفروضة في أوقات معينة، لا يجوز إخراجها عنها، فمن أخرجها عنها من غير عذر شرعي؛ كان مضيعًا للصلاة .
قد قال تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [ سورة مريم : آية 59 ] ، والمراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها، لا تركها بالكلية؛ كما ذكر ذلك أئمة المفسرين .
وفي الأثر : ( إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، ولله عمل بالنهار لا يقبله في الليل ) [ هذا يروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . (1).
وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( من فاته صلاة العصر؛ فقد حبط عمله ) ، وفي رواية : ( فكأنما وتر أهله وماله ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/138 ) ] ، والمراد فوات وقتها .
فالواجب على المسلم أداء كل صلاة في وقتها مع الجماعة في المسجد، ولو كان مرهقًا من العمل، بل الواجب أن يفرغ وقت الصلاة من العمل لأداء الصلاة .
أحكام الآذان
47 ـ هل يشرع تأخير الأذان بتأخير الصلاة ؟ وهل يصح الاحتجاج بحديث ( أبردوا . . . ) ؟ أثابكم الله .
نعم؛ يشرع تأخير أذان الظهر في شدة الحر في الصيف، حتى يحصل الإبراد الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت؛ رفقًا بالناس؛ لأنه لو قدم الأذان؛ لحضر الناس إلى المسجد، وخرجوا في شدة الحر، فلم يحصل المقصود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا اشتد الحر؛ فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/135 ) ] ، وهذا من الرفق بالأمة، ومن يسر هذه الشريعة السمحاء؛ فلله الحمد والمنة .(92/7)
48 ـ إن إمام المسجد لا يؤذن الأذان الأول للجمعة، ولكن يكتفي بقراءة القرآن الكريم بمكبر للصوت التابع للمسجد من وقت الأذان الأول إلى موعد الأذان الثاني؛ فما الحكم في هذا ؟
هذا الإمام ترك السنة وأتى ببدعة؛ لأن الأذان الأول سنة الخلفاء الراشدين؛ فقد أمر به عثمان رضي الله تعالى عنه في خلافته لما كثر الناس وتباعدت أماكنهم، فصاروا بحاجة إلى من ينبههم لقرب صلاة الجمعة، فأمر رضي الله عنه بالأذان الأول؛ ليستحث الناس للحضور لصلاة الجمعة، فصار سنة إلى يومنا هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126، 127 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319، 320 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/15-17 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/57 ) ] ، وعثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين، وقد فعل هذا وأقره الموجودون في خلافته من المهاجرين والأنصار، فصار سنة ثابتة .
فهذا الذي ترك هذا الأذان الذي أمر به الخليفة الراشد، واستبدله بقراءة القرآن بمكبر الصوت؛ قد أتى ببدعة؛ لأن تلاوة القرآن في هذا الموطن وبهذه الصفة تكون بدعة، ليس من عمل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل أصحابه، ولا من عمل القرون المفضلة .
فالواجب على المسلمين أن يقتصروا على المشروع، وأن لا يحدثوا شيئًا من عند أنفسهم، وقراءة القرآن من المكبر لا تكفي عن الأذان الأول يوم الجمعة . . . وعن غيره من الأذان المشروع .
49 ـ ما حكم الترديد خلف المؤذن ؟ وهل يُشرع ذكرٌ بعد الإقامة أم لا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .(92/8)
المشروع متابعة المؤذن؛ بأن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن من التكبير والتهليل وغيره من ألفاظ الأذان إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وكذا تشرع متابعة ألفاظ الإقامة؛ لأنها أذان، أما الدعاء بعدها؛ فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
50 ـ سمعت أنه لا تجوز صلاة بدون أذان؛ حيث إنني أعمل لوحدي بالبر، وأصلي والحمد لله، لكن بدون أذان؛ فهل صلاتي جائزة أم لا ؟ وإذا كانت جائزة؛ فماذا ينبغي عليَّ أن أفعل في الصلوات السابقة ؟
الصلاة تجوز بدون أذان وتصح، ولكن الأذان عبادة مستقلة، وهو إعلام بدخول الوقت، وشعار للإسلام، وفيه فضل عظيم؛ فينبغي المحافظة عليه، والأذان لكل وقت عند دخوله، ولو كان الإنسان وحده؛ فإنه يستحب له أن يؤذن ويصلي، وفي ذلك فضل عظيم وثواب كبير، أما لو صلى الإنسان، أو صلى الجماعة؛ من غير أذان؛ فصلاتهم صحيحة، لكن يفوت عليهم أجر الأذان وثوابه .
51 ـ ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني ؟
الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيئوا لصلاة الجمعة ويذهبوا إليها .
فالأذان الأول لتنبيه الناس على قرب وقت صلاة الجمعة، حتى يتهيئوا ويذهبوا، وقد أمر به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته لما كثر الناس في المدينة، أمر من ينادي على مكان يقال له ( الزوراء ) (2) في المدينة حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة .
وأما الأذان الثاني؛ فهذا إنما يكون إعلامًا بدخول وقت الصلاة، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم .(92/9)
فعرفنا الغرض من الأذانين : أن الأذان الأول لتنبيه الناس للذهاب لصلاة الجمعة، ويكون في وقت متقدم ومبكر؛ بحيث يستطيع الناس أن يتهيئوا ويذهبوا مبكرين لصلاة الجمعة . وأما الغرض من الأذان الثاني؛ فهو الإعلام بدخول الوقت، ويكون إذا حضر الخطيب وجلس على المنبر؛ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
ولابد أن يكون بين الأذانين وقت حتى يكون للأذان الأول فائدة، أما أن يقرن الأذان الأول مع الثاني ولا يكون بينهما إلا وقت يسير؛ كما يعمل هذا في بعض البلاد؛ فهذا يلغي الفائدة من الأذان الأول، ولم يكن هذا هو الذي قصده عثمان رضي الله عنه حينما أمر به، ولا يكون له فائدة .
52 ـ اعترض أحد المصلين على المؤذن بقوله : حي على الصلاة؛ بالتاء، وقال : إنه يجب أن يقول : حي على الصلاه؛ بالهاء، ولكن المؤذن قال : الجميع جائز، سواء بالتاء أو بالهاء؛ فهل هذا صحيح ؟
الأولى عند الوقف أن يقول : حي على الصلاه؛ بالهاء؛ كما في مقتضى اللغة على المشهور، وإذا قالها بالتاء؛ فلا بأس بذلك؛ فلا ينبغي التشديد في ذلك؛ لأنه لا يترتب عليه محذور شرعي، ولا إخلال بالمعنى . والله أعلم .
قال ابن مالك في " الألفية " :
في الوقفِ تا تأنيث الاسم ها جُعِلْ ** إنْ لم يكن بساكنٍ صَحَّ وُصِلْ
قال الشارح : " إذا وقف على ما فيه تاء التأنيث، فإن كان فعلاً؛ وقف عليه بالتاء؛ نحو، هندٌ قامت، وإن كان اسمًا : فإن كان مفردًا؛ فلا يخلو إما أن يكون ما قبلها ساكنًا صحيحًا أو لا، فإن كان ما قبلها ساكنًا صحيحًا؛ وقف عليه بالتاء؛ نحو : بنت وأخت، وإن كان غير ذلك؛ وقف عليها بالهاء؛ نحو؛ فاطمه وحمزه وفتاه " (3).
صفة الصلاة
53 ـ أرجو الإفادة عن التكبيرة في الصلاة : هل فيها فرق بين الرجال والنساء ؟ وأيضًا القراءة السرية والجهرية ؟(92/10)
التكبير في الصلاة لا فرق فيه بين الرجال والنساء : تكبيرة الإحرام ركن في حق الرجل والمرأة، وبقية التكبيرات واجبة في حق الرجل والمرأة؛ لا فرق في ذلك، لكن المرأة لا ترفع صوتها بالتكبير إذا كانت بحضرة رجال غير محارم .
وأما القراءة السرية والجهرية؛ فهي كذلك، لا فرق بين الرجل والمرأة، صلاة الليل جهرية، وصلاة النهار سرية؛ إلا أن المرأة إذا كان عندها من يسمع صوتها من الرجال؛ فإنها تُسرُّ به ولا ترفعه خشية الافتتان بصوتها، أما إذا كانت ليست بحضرة رجال؛ فلا بأس أن تجهر في صلاة الليل .
54 ـ هل يشرع للإمام السكوت بعد قراءة الفاتحة ليتمكن المصلي من قراءة الفاتحة أم لا ؟ أفتوني مأجورين .
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم سكتتان (4):
إحداهما : بعد تكبيرة الإحرام، حتى يأتي بدعاء الاستفتاح والتعوذ سرًّا قبل قراءة الفاتحة .
والثانية : بعد فراغه من القراءة، وقبل الركوع، حتى يرجع إليه نفسه .
أمّا السكوت بعد قراءة الفاتحة من الإمام ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة؛ فهذا لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما استحسنه بعض العلماء، لكن لا ينكر على من فعله ولا من تركه؛ لأن المأموم مشروع في حقه قراءة الفاتحة، ومشروع له الاستماع لقراءة إمامه، فمن أجل الجمع بين المصلحتين؛ استحسن بعض العلماء هذه السكتة . والله أعلم .
55 ـ هل تصح صلاة المنفرد وحده خلف الصف ؟
لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته، رواه الخمسة إلا النسائي، وجاءت بمعناه أحاديث [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/228 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/302-306 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/179 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/320، 321 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/333، 334 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 3/104، 105 ) ورواه غيرهم ] .(92/11)
والواجب على من جاء وقد أقيمت الصلاة أن يدخل في الصف إن وجد له مكانًا فيه، أو يدخل عن يمين الإمام إذا أمكن، أو ينتظر حتى يأتي من يصف معه، ولا يصلي وحده خلف الصف؛ للنهي عن ذلك .
56 ـ هناك من يقول : إنه لا تجوز الصلاة للمنفرد خلف الصف؛ ما صحة هذا القول ؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( لا صلاة لفذ خلف الصف ) ، أو : ( لفرد خلف الصف ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/23 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/320 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 3/105 ) ] .
وعليه كثير من أهل العلم : أنه لا يجوز للإنسان أن يصلي خلف الصف ركعة كاملة، أما لو أحرم الإنسان وحده خلف الصف، وقبل أن يركع جاء معه آخر؛ صحت صلاته .
أما لو صلى مع الإمام ركعة فأكثر وحده؛ فإن هذا لا يصح؛ للحديث : ( لا صلاة لفرد خلف الصف ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/23 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/320 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 3/105 ) ] .
وبعض العلماء يجيز صلاة الفذ خلف الصف للضرورة؛ بحيث إما أن يصلي فذًّا، وإما أن يُصلي وحده غير مقتد بالإمام؛ فإنه في مثل هذه الحالة يرى بعض أهل العلم أن صلاة هذا الفذ صحيحة للضرورة، والصحيح الأول . والله أعلم .
57 ـ ما حد ارتفاع السترة أمام المصلي في صلاته ؟ وهل يكفي الخط باليد ؟
اتخاذ السترة أمام المصلي سنة في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم؛ فسترته سترة إمامه؛ من جدار، أو عمود، أو عصا؛ يغرزه في الأرض وينصبه أمامه، أو يعرضه أمامه، أو أي شيء شاخص من شجرة أو حجر، والأفضل أن تكون السترة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل، فإن لم يجد شيئًا شاخصًا؛ خط خطًّا .
58 ـ ما حكم الحائل الموجود أحيانًا بين الجبهة وموضع السجود ؟ وسواء كان شعرًا، أو كان قلنسوة، أو ما أشبه ذلك ؟ وهل يدخل في ذلك النساء ؟ أفتونا غفر الله لكم .(92/12)
الأفضل أن يباشر المصلي بأعضاء السجود، وإذا سجد على حائل طاهر؛ فلا بأس؛ ما لم يكن هذا الحائل مما يشبه شعار الرافضة؛ من تخصيص الجبهة بشيء دون سائر البدن؛ فإن الفقهاء كرهوا ذلك، أما إذا كان هذا الحائل لحاجة؛ كوجود الحرارة أو الشوك في الموضع الذي يصلي فيه؛ فلا بأس أن يتوقى ذلك بحائل؛ كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يسجدون على أطراف ثيابهم توقيًا لحرارة الأرض (5).
59 ـ ماذا يقول المصلي إذا سجد للسهو، للتلاوة ؟
يقول المصلي في السجود للسهو ما يقوله في السجود للصلاة : " سبحان ربي الأعلى " ؛ مرة أو أكثر، ويدعو كما في غيره من أنواع السجود .
60 ـ سافرت عدة مرات بالقطار والطائرة، ولا يسمح للركاب بالحركة، وأريد أن أصلي الفروض التي وجبت؛ فكيف أصلي ؟ وما حكم الدين ؟
إذا كانت الرحلة بالقطار أو الطائرة تبدأ بعد دخول وقت الظهر أو المغرب؛ فإن المسافر يجمع بين الصلاتين جمع تقديم قبل الركوب، وإن كانت الرحلة تبدأ قبل دخول وقت الصلاة الأولى من الصلوات المذكورة؛ فإن المسافر ينوي جمع التأخير ويصلي الصلاتين إذا نزل، ولو كان نزوله في آخر وقت الثانية، وإن كانت الرحلة تستمر إلى ما بعد خروج وقت الثانية؛ فإن المسافر يصلي في القطار أو الطائرة، في المكان المناسب، على حسب حاله، وكذا صلاة الفجر إذا كانت الرحلة تستمر إلى ما بعد طلوع الشمس؛ فإن المسافر يصليها في القطار أو الطائرة على حسب حاله، قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] .
ويجب على المصلي أن يتجه إلى جهة القبلة أينما كان اتجاه الرحلة؛ لقوله تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ سورة البقرة : آية 144 ] .(92/13)
61 ـ هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قول : " سبحان الله العظيم " ؛ بدل قول : " سبحان ربي العظيم " ؛ في الركوع؛ لأني أسمع بعض الناس يقولونها، وإن كانت لم ترد، وقالها بعض الناس؛ فما حكم صلاتهم ؟
الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقول في ركوعه : ( سبحان ربي العظيم ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/536، 537 ) ] ، وكان يقول في ركوعه وسجوده : ( سبوح قدوس رب الملائكة والروح ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/353 ) ] ، وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ يتأول القرآن ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/350 ) ] ، وإذا قال المصلي : " سبحان الله العظيم " ؛ بدل : " ربي " ؛ فصلاته صحيحة، ولكن الأولى أن يأتي باللفظ الوارد، ويتقيد به .
62 ـ هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمة واحدة في الصلاة؛ يعني : أن يقول المصلي : السلام عليكم؛ إلى الجهة اليمنى، ويقول : ورحمة الله؛ إلى جهة اليسار ؟ أم تختلف باختلاف المذاهب ؟
الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث، وحفظه جماعة كثيرون من أصحابه : أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره، ويقول عن يمينه : ( السلام عليكم ورحمة الله ) ، ويقول عن يساره : ( السلام عليكم ورحمة الله ) ، هذا الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (6) ، وحفظه عنه جماعة كثيرة من أصحابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/155 ) ] ؛ فيجب التقيد بذلك، والله الموفق .
وأما الصورة التي ذكرها السائل للسلام من الصلاة؛ فلا أعرف لها أصلاً . والله أعلم .
63 ـ متى يكون تحريك الإصبع في الصلاة وفق السنة المطهرة ؟(92/14)
تحريك أصبعه السبابة من اليد اليمنى في التشهد عند ذكر الجلالة إشارة إلى التوحيد، ويتكرر ذلك كلما تكرر ذكر الجلالة . والله أعلم .
64 ـ لي زملاء في العمل، ولنا رئيس يرأسنا في الشركة، وفي يوم ذهب الجميع لأداء فريضة الجمعة، وقد عينني رئيس الشركة في محل العمل وقت الصلاة، وكنت متشوقًا لأداء الصلاة جماعة، ولكن فعلاً العمل محتاج لفرد يبقى في محل العمل، وعندما سمعت الصلاة مقامة؛ وضعت الراديو أمامي، وصليت مع الجماعة عن طريق الراديو صلاة الجمعة، ولكنني بعد ذلك صليت الظهر خوفًا من عدم صحة صلاة الجمعة هذه؛ ما الحكم في ذلك ؟
مما لا شك فيه أن على المسلم العناية بحضور صلاة الجمعة وصلاة الجماعة؛ لأن هذا من واجبات دينه، وما ذكره السائل من أنه يهتم بهذا الأمر شيء يشكر عليه ويرجى له المزيد منه .
وأما قضية إذا كان العمل يتطلب من يبقى حارسًا على معدات أو أشياء مالية يخاف عليها لو ذهب الجميع للصلاة؛ فإنه لا بأس أن يبقى من تنسد به الحاجة لأجل حراسة هذه الأموال، ويكون معذورًا عن حضور الجمعة والجماعة .
أما إذا لم يتطلب الأمر ذلك؛ فإنه لا يجوز لأحد أن يتخلف عن صلاة الجمعة والجماعة بحجة العمل أو بحجة أن رئيس الشركة لا يسمح له . . . وما أشبه ذلك؛ لأن الصلاة مقدمة على كل شيء، ووقتها مستثنى من وقت العمل، ولا سلطان لمخلوق على وقت الصلاة بأن يمنع المسلمين من الذهاب إلى الصلاة في المساجد؛ إلا في حالة العذر الشرعي؛ كما ذكر السائل من أن العمل في الشركة يتطلب وجود من يحرس معدات الشركة .(92/15)
وأما ما ذكره من أنه صلى خلف الراديو؛ فإن هذا عمل لا يصح، ولا يجوز الاقتداء بالإمام الذي تنقل صلاته بالراديو؛ لأن هذا الإمام بعيد عنه، وبينه وبينه مسافات، وربما يكون في غير اتجاهه أيضًا للقبلة؛ فلا يجوز الاقتداء بالإمام من الراديو، وهذا من الخطأ الواضح، وما فعله السائل خطأ، لكن مادام أنه صلى الظهر؛ فهذا هو الذي يجب عليه، أما ما ذكره من صلاته خلف المذياع؛ فالصلاة لا تصح .
65 ـ هل يجوز أن ألحق الصلاة على الملائكة بالصلاة على الرسول في التشهد ؟
الصلاة في التشهد يقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) (7): ما يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة من باب أولى .
66 ـ أنا معلم من القطر العربي السوري، معار في القطر اليمني الشقيق للتدريس، وعينت في منطقة يعم فيها مذهب مخالف لمذهبي الذي هو الشافعي، وفي هذه المنطقة التي أنا فيها يصلون العشاء بعد أذان المغرب بنصف ساعة فقط، وأنا في نفسي غير مقتنع بذلك، ولكني ناقشتهم في هذا الأمر، وقال لي أحدهم : بأن هناك حديث يقول : بأن صلاة العشاء بعد غياب الشفق الأحمر، ويقدر الزمن بنصف ساعة فقط بعد أذان المغرب، فأصلي العشاء معهم جماعة، فهل يجوز هذا التصرف مني ؟ أم عليَّ أن أذهب إلى البيت وأصلي العشاء بعد دخول وقتها الحقيقي ؟ وإذا كان لا يجوز أن أصلي معهم؛ فما حكم في صلواتي السابقة ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .
وقت العشاء الآخرة يدخل بمغيب الشفق الأحمر؛ كما جاء ذلك في الحديث، أما ما ذكرت من أنه بين المغرب والعشاء نصف ساعة؛ فهذا لا أتصوره؛ إلا إذا كانوا يؤخرون صلاة المغرب عما بعد غروب الشمس، حتى لا يبقى قبل مغيب الشفق الأحمر إلا نصف ساعة؛ فإنها تصح الصلاة .(92/16)
المهم أنه إذا غاب الشفق الأحمر؛ فإنه يحل وقت صلاة العشاء، فإذا صليتها بعد مغيب الشفق الأحمر؛ فهي في وقتها، أما صلاة المغرب؛ فيدخل وقتها بمغيب الشمس، ولا أتصور أن لا يكون بين غروب الشمس ومغيب الشفق الأحمر إلا نصف ساعة، فيكونون قد أخطؤوا حيث أخروا صلاة المغرب عن أول وقتها، مع أن الأفضل أن تُصلى في أول وقتها؛ إلا إذا كان ما عندهم من التوقيت يختلف عن غيرهم حسب التوقيت الفلكي . والله أعلم .
67 ـ أحيانًا في الصلاة أستعجل في الركوع والسجود، وأعلم أن أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة الصلاة؛ فهل يجوز لي أن أصلي صلاة احتياطية تعوض ما حصل من نقص في الأولى ؟
الصلاة الاحتياطية غير مشروعة، ولكن عليك أن تجتهد في إحضار قلبك في الخشوع في صلاتك، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في مبدأ الصلاة بعد الاستفتاح الذي تقوله بعد تكبيرة الإحرام؛ تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتحاول إحضار قلبك وفكرك في الصلاة، وأن تتعقل الصلاة، هذا هو الواجب عليك، وإن حصل منك بعض الهواجس أو بعض الأفكار ثم طرحتها عنك وعاودت استحضار الصلاة والحضور فيها؛ فإن هذا لا يضرك إن شاء الله، أما أن تصلي صلاة احتياطية؛ فهذا غير مشروع .
68 ـ ما هي مواضع رفع اليدين في الصلاة ؟
رفع اليدين عند التكبير في الصلاة إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أربعة مواطن (8) :
1ـ عند تكبيرة الإحرام .
2ـ عند التكبير للركوع .
3ـ عند الرفع من الركوع .
4ـ عند القيام من التشهد الأول، وهذا فيه خلاف، وأما المواطن الثلاثة الأولى؛ فالجمهور من أهل العلم على مشروعية رفع اليدين فيها .
69 ـ هل يجوز قراءة سورتين بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين ؟ وهل يجوز قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعات الثالثة والرابعة ؟(92/17)
أما في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية؛ كالظهر والعصر والعشاء، كذلك الأوليين من المغرب؛ فيشرع أن يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن، أما أن يقرأ سورة كاملة أو بعض سورة، ولو اقتصر على آية؛ فلا بأس، لكن كلما كانت القراءة أطول؛ كان أفضل في الظهر والعصر والعشاء، أما المغرب؛ فينبغي أن تخفف القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، وإذا قرأ فيهما قراءة طويلة بعض الأحيان؛ فهذا سنة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ ( المرسلات ) ، وقرأ بـ ( الطور ) وبـ ( الأعراف ) [ رواه البخاري في »صحيحه« ( 1/185،186 ) ] قسمها بين الركعتين، ولكن الغالب أنه يقرأ في صلاة المغرب في الأوليين بقصار السور .
أما في الركعتين الأخيرتين؛ فلا يشرع أن يقرأ بعد الفاتحة بشيء من القرآن، بل يقتصر على قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين؛ هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي قتادة وغيره : أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الرباعية والثالثة من المغرب شيئًا من القرآن بعد الفاتحة، وإنما كان يقتصر على الفاتحة (9) .
70 ـ في أثناء الصلاة المفروضة؛ هل يدعو الإنسان وهو يصلي مثلاً بعد الانتهاء من سورة الفاتحة والسورة التي بعدها ؟ هل يجوز الدعاء بعدهما، وقبل الركوع، وأثناء الركوع، وفي السجود، وبعد الرفع من السجود ؟
أما الدعاء في القيام في الصلاة؛ فهذا لا يشرع إلا في النافلة : إذا مر القارئ بآية فيها رحمة؛ فإنه يسأل الله، وإذا مر بآية فيها ذكر العذاب؛ فإنه يستعيذ بالله من العذاب؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في قيام الليل (10) .
أما أنه إذا فرغ من القراءة يقف ويدعو قبل الركوع؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه غير مشروع، وفعله يكون بدعة .(92/18)
أما الدعاء في الركوع والدعاء في السجود والدعاء في التشهد الأخير؛ فهذا مشروع ومطلوب من المسلم، ولا سيما في السجود؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الدعاء في السجود؛ قال : ( وأما السجود؛ فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/348 ) ] ، وقال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/350 ) ] ؛ فالدعاء في السجود له أهمية كبرى؛ فينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء فيه .
وكذلك؛ فالدعاء في التشهد الأخير بعدما يفرغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يدعو قبل السلام، ولا سيما الاستعاذة بالله من الأربع التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها : ( أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيى والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/412، 413 ) ، وانظر : " صحيح البخاري " ( 1/202 ) ] ؛ هذا الدعاء يتأكد للمسلم أن يدعو به، وأن يستعيذ من هذه الأربع قبل السلام، وما زاد على ذلك من الدعاء النافع؛ فهو مشروع في هذا الموطن . والله أعلم .
71 ـ ما حكم التحليق بالأصبع في قراءة التشهد ؟ وهل يعد من الحركات الكثيرة أو لا؛ علمًا بأني شاهدت أناسًا كثيرين يفعلون هذه الطريقة؛ فما الحكم في ذلك ؟
المصلي في جلوسه للتشهد في الصلاة يضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى مضمومة الأصابع ممدودة، ويضع كفه اليمنى على فخذه الأيمن، ويقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى مع الإبهام ويرفع السبابة رفعًا يسيرًا إشارة إلى التوحيد، ويحركها تحريكًا يسيرًا عند الدعاء وعند ذكر الله سبحانه وتعالى؛ إشارة إلى التوحيد، ولا يحركها دائمًا .
72 ـ هل يقرأ المصلي الصلوات الإبراهيمية في التشهد الأول ؟(92/19)
الجمهور على أن المصلي لا يقرأ الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد الأول، وإنما يقتصر على التشهد، فإذا بلغ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ فإنه ينتهي ويقوم للركعة الثالثة، ولا يقرأ الصلاة الإبراهيمية؛ إلا في التشهد الأخير، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم .
والصلاة الإبراهيمية هي : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/305، 306 ) ] .
73 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه ) ؛ نرجو شرح الحديث .
نعم؛ هذا الحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/381 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/220 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 2/206، 207 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/347 ) ] ، وفيه النهي عن مشابهة البعير في الانحطاط للسجود؛ بحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد المصلي إلى أن يكون أول ما يضع على الأرض ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، فيكون مرتبًا هكذا :
أولاً : يضع ركبتيه على الأرض .
ثانيًا : يضع بعد ذلك يديه .
ثالثًا : بعد ذلك يضع جبهته وأنفه .
ولا يكون مشابهًا للبعير في بروكه؛ فإن البعير أول ما يهبط على الأرض يداه، ثم ركبتاه؛ فالمسلم المصلي يكون مخالفًا لبروك البعير في صلاته؛ فالبعير أول ما ينزل إلى الأرض أعلاه، وأما المصلي؛ فأول ما ينزل إلى الأرض أسفله شيئًا فشيئًا .
هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن ينزل بالتدريج، وأما عند النهوض من السجود؛ فعلى العكس، أول ما يرتفع من الإنسان أعلاه، فيرتفع رأسه، ثم يداه، ثم ركبتاه .(92/20)
وهذا الحديث من جملة أحاديث نُهينا فيها عن التشبه بالحيوانات، نُهينا عن الالتفات في الصلاة كالتفات الثعلب، وعن نقر كنقر الغراب، وعن إقعاء كإقعاء الكلب، وافتراش كافتراش السبع، ورفع الأيدي عند السلام كالخيل الشمس، ومن ذلك هذا الحديث الذي نُهينا فيه عن التشبه بالبعير في صلاتنا، فنضع أيدينا على الأرض قبل الركبتين .
وأما ورود الحديث باللفظ الذي ذكره السائل : ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) ؛ فهو وهم من بعض الرواة؛ كما نبه على ذلك العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " (11) ؛ لأن هذا اللفظ يخالف أول الحديث، وهو النهي عن بروك كبروك البعير؛ فإذا وضع يديه قبل ركبتيه؛ فقد برك كما يبرك البعير؛ فإن البعير إنما يضع يديه أولاً، ولعل أصل الحديث : ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) ، فانقلب على بعض الرواة، فقال : ( وليضع يديه قبل ركبتيه ) .
74 ـ ما حكم مرور الصبي أمام سجادة الصلاة ؟
إذا كان أمام المصلي سترة، كأن يكون أمامه شيء مرتفع؛ كجدار أو حجر أو عصا ونحوه؛ فإنه لا بأس أن يمر من ورائها الصبي وغير الصبي .
أما إذا كان ليس أمام المصلي سترة؛ فإنه يحرم المرور بين يديه؛ لأنه ورد وعيد شديد في حق المار بين يدي المصلي، وهو الذي يمر بينه وبين سترته، أو يمر قريبًا منه، إذا لم يكن هناك سترة . لكن الصبي غير مكلف فلا إثم عليه .
75 ـ عندما بدأت في الصلاة؛ رأيت ثعبانًا تحت قدمي؛ ماذا يجب عليَّ في هذه الحالة ؟ هل أسلم أم أستمر في صلاتي ؟(92/21)
إذا رأيت في الصلاة ثعبانًا أو عقربًا وأنت تصلي؛ فإن المشروع أن تقتله وأن تستمر في صلاتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اقتلوا الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/240 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/58 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 3/10 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/56 ) ] ؛ فإذا عرض لك الثعبان؛ فاقتله بما يحضرك من العصا أو الحجارة أو غير ذلك، واستمر في صلاتك، ولا تقطعها .
76 ـ إذا غفل الإنسان، أو بدأ يفكر في صلاته ولم يخشع، وعندما سئل ماذا قرأ الإمام في الصلاة؛ لم يجب؛ هل صلاته صحيحة في مثل هذه الحالة ؟
صلاته صحيحة في مثل هذه الحالة؛ بحيث إنه لا يؤمر بإعادتها؛ لأنه قد أتى بالصلاة في الظاهر، لكنه لا يثاب عليها ولا يؤجر إلا بقدر ما عقل منها وحضر قلبه فيها؛ فهي غير صحيحة من ناحية الثواب والأجر، وهي صحيحة من ناحية الظاهر؛ بحيث لا يؤمر بالإعادة .
قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ سورة المؤمنون : آية 1، 2 ] .
وللصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى .
قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } [ سورة العنكبوت : آية 45 ] .
فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله؛ هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ويحصل بها على الفلاح، أما الذي يصلي صلاة صورية؛ من غير حضور قلب ومن غير خشوع، قلبه في واد وجسمه في واد آخر؛ فهذا لا يحصل من صلاته على طائل .
77 ـ ما حكم تغطية الرأس في الصلاة ؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه ؟ وهل يستحب للإمام أو المأموم أن يغطي رأسه ؟(92/22)
لا يلزم المصلي إذا كان رجلاً أن يغطي رأسه، بل يجوز للمصلي أن يصلي وهو مكشوف الرأس؛ لأن رأس الرجل ليس عورة يجب سترها، ولكن تغطية الرأس من تجميل الهيئة المستحبة في الصلاة؛ لقوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [ سورة الأعراف : آية 31 ] ؛ فالتجميل للصلاة أمر مطلوب، وهو تزين بالثياب، وأقل حد في ذلك هو ستر العورة، وهذا لابد منه، وما زاد على ذلك؛ فإنه مستحب ومكمل للهيئة، ومن ذلك تغطية الرأس .
78 ـ قرأت حديثًا يقول : ( إذا صلى أحدكم؛ فليصل إلى سترة؛ لا يقطع الشيطان صلاته ) ؛ فما صحة هذا الحديث ؟ وما معناه ؟ أفتونا مأجورين .
نعم، وردت أحاديث صحيحة بأمر المصلي باتخاذ السترة أمامه (12) ، وهي شيء قائم بقدر قائمة الرحل، ونهى صلى الله عليه وسلم عن المرور بين يدي المصلي، وذكر فيه وعيدًا شديدًا (13)، وأمر المصلي بمنع المار بين يديه ومدافعته إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن معه القرين، هو الشيطان (14).
فاتِّخاذ السترة مستحب في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم؛ فإن سترة الإمام تعتبر سترة له؛ فلا يحتاج إلى اتخاذ سترة خاصة، وكذا المصلي في المسجد الحرام، لا يمنع المارة بين يديه؛ للاضطرار إلى ذلك؛ بسبب شدة الزحام . والله أعلم .
79 ـ هل يجوز للمرأة أو غيرها أن تركع قبل الإمام، أو تسجد قبله، أو تسلِّم قبله ؟
لا يجوز للمأموم رجلاً كان أم امرأة أن يركع أو يسجد قبل الإمام، بل يجب أن تكون أفعال المأموم بعد أفعال الإمام :
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما جُعِل الإمام ليُؤتمَّ به : فإذا كبر؛ فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع؛ فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 1/168، 169 ) ] .
وقد جاء الوعيد في حق الذي يسابق الإمام بأنه يخشى أن يحول الله رأسه رأس حمار (15) .(92/23)
ولذلك يجب على المأموم ألا يسلِّم من الصلاة إلا بعد سلام إمامه، فإن فعل متعمدًا من غير عذر يجيز له مفارقة الإمام؛ بطلت صلاته . والله أعلم .
80 ـ هل يجوز للمرأة وهي تصلي أن تجهر بصلاتها، ويكون الجهر بصوت مسموع، وليس ذلك في الصلاة الجهرية، بل في السنن والرواتب والصلاة السرية، والغرض من ذلك أن ترتل؛ ليكون جالبًا للخشوع، ومبعدًا عن السهو، ولا يوجد عندها رجال ولا نساء ؟
أما في صلاة الليل؛ فإنه يستحب لها أن تجهر في قراءة الصلاة، سواء كانت فريضة أو نافلة؛ ما لم يسمعها رجل أجنبي يخشى أن يفتتن بصوتها، فإذا كانت في مكان لا يسمعها رجل أجنبي، وفي صلاة الليل؛ فإنها تجهر بالقراءة؛ إلا إذا ترتب على ذلك التشويش على غيرها؛ فإنها تسر .
أما في صلاة النهار؛ فإنها تسر بالقراءة؛ لأن صلاة النهار سرية، وإنما تجهر فيها بقدر ما تسمع نفسها فقط، حيث لا يستحب الجهر في صلاة النهار؛ لمخالفة ذلك للسنة .
81 ـ هل إذا عطس الشخص وهو في الصلاة عليه أن يحمد الله أم لا ؟
لا بأس أن يحمد الله سرًّا بينه وبين نفسه .
82 ـ يعني : لا يحرك لسانه بالحمد ؟
لو حركه يسيرًا، لا بأس بذلك، لكن لا يرفع صوته بالحمد لله .
83 ـ هل يشترط في صفوف النساء تسويتها وانتظامها ؟ وهل يكون حكم الصف الأول وغيره سواء؛ خاصة إذا كان مصلى النساء معزولاً تمامًا عن الرجال ؟
يشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال؛ من حيث تسويتها، وانتظامها، وإكمال الصف الأول فالأول منها، وسد الفرج فيها، وإذا لم يكن بينهن وبين الرجال ساتر؛ فخير صفوفهن آخرها؛ من أجل البعد عن الرجال، وكما جاء في الحديث، وإن كان بينهن وبين الرجال فاصل وساتر؛ فالذي يظهر أن خير صفوفهن أولها؛ لزوال المحذور، ولأجل مصلحة القرب من الإمام . والله أعلم .(92/24)
84 ـ من الملاحظ أن النساء في رمضان يفضلن الصفوف الأخيرة في المسجد، ولكن الصفوف الأولى يبتعدون عنها، مما سبب فراغًا فيها، بينما تزدحم الصفوف الأخيرة، ويسد الطريق، أمام النساء الذاهبات إلى الصفوف الأولى، وهن يعلمن بقول الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه : ( أفضل صفوف النساء آخرها ) . نرجو الإفادة .
هذا فيه تفصيل :
إذا كان النساء يصلين من غير ستارة بينهن وبين الرجال؛ فإنهن كما جاء في الحديث : ( خير صفوف النساء آخرها ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/326 ) ] ؛ لأن الصفوف المتأخرة تكون بعيدة عن الرجال، وأما الصفوف المتقدمة؛ فتكون قريبة من الرجال .
أما إذا كن يصلين خلف ستارة بينهن وبين الرجال؛ فإن الأفضل الصفوف المتقدمة؛ لزوال المحذور، وتكون أفضل صفوف النساء أولها؛ كصفوف الرجال؛ لزوال المحذور، وهو خوف الفتنة، مادامت الستارة موجودة بينهن وبين الرجال، ويجب أن تترتب صفوفهن كترتيب صفوف الرجال، يكملن الصف الأول فالثاني وهكذا، وينتظمن كانتظام صفوف الرجال سواء ما دمن وراء الستارة .
أحكام قصر الصلاة وجمعها وأحكام المسافرين
85 ـ هل صلاة القصر والجمع تصح للمريض كما هي رخصة للمسافر ؟
القصر لا يجوز للمريض، ويجوز فقط للمسافر، قال تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } [ سورة النساء : آية 101 ] ، والضرب في الأرض معناه السفر، أما الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما؛ كجمع الظهر مع العصر، وجمع المغرب مع العشاء تقديمًا أو تأخيرًا؛ فإنه يجوز للمريض إذا احتاج إليه؛ بأن كان الجمع أرفق به؛ فإنه يباح له الجمع في هذه الحالة، أما القصر؛ فلا يجوز للمريض؛ لأنه مقيم، والمقيم لا يجوز له القصر؛ لأنه رخصة للمسافر فقط .(92/25)
86 ـ في بعض المساجد عندنا يجمعون الصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بدون عذر مبيح للجمع؛ فهل أصلي معهم، أو أصلي منفردًا في المسجد، أم في بيتي ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
الجمع بين الصلوات لا يجوز إلا لعذر شرعي كالسفر مثلاً والمرض الذي يحتاج المريض معه إلى الجمع، وكالمطر بالنسبة للمغرب والعشاء الآخرة، هذه الأعذار التي تبيح الجمع .
أما الجمع من غير عذر؛ فإنه لا يجوز .
أما ما ذكرت من أنهم إذا فعلوا هذا هل تصلي معهم أو لا؛ فكما أشرنا إلى أن هذا الجمع غير صحيح؛ فأنت لا تجمع معهم، ولكن صل الصلاة الأولى، وإذا قاموا للثانية؛ فلا تصل معهم، مع أنه يجب عليك أن تبين لهم أن هذا عمل لا يجوز، فإذا لم يستجيبوا؛ فصل معهم الصلاة الأولى، ولا تصل معهم الصلاة الثانية .
87 ـ أنا من ضمن مجموعة كلفنا بمهمة رسمية، وكانت هذه المهمة مؤقتة، واقتضت ظروف العمل الجمع والقصر أحيانًا كثيرة، وقد مضى الآن علينا في هذه المهمة ما يقارب شهرًا ونصف شهر، ونحن مستمرون على حالتنا هذه، مع العلم بأننا لا نعلم المدة التي سوف نمكثها في هذه المهمة، وأيضًا لم نتمكن من أداء صلاة الجمعة طيلة هذه المدة، مع العلم أن العدد الذي يجب أن تقام به صلاة الجمعة كاف، أفيدونا : هل نعتبر في هذه المدة مسافرين وينطبق علينا حكم المسافر أم لا ؟ وإذا بقينا مدة طويلة؛ هل يجوز بقاؤنا على حالتنا هذه ؟ أفيدونا في ذلك جزاكم الله عنا خير الجزاء .
إذا كان قضاء هذه المهمة التي أشرت إليها خارج بلدكم مسافة تبلغ ثمانين كيلو فأكثر، وأنتم لا تعلمون متى تنتهي، ولم تنووا الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ فلا بأس أن تقصروا الصلاة الرباعية إلى ركعتين .
أما الجمع بين الصلاتين؛ فلا ينبغي لكم؛ لأنكم لستم في حالة سير، بل أنتم في حالة إقامة؛ فلا ينبغي الجمع إلا لمن جدَّ به السير، أما المسافر النازل؛ فإنه يصلي كل صلاة في وقتها؛ قصرًا بلا جمع، هذه هي السنة .(92/26)
أما صلاة الجمعة؛ فلا تجب عليكم في هذه الحالة التي ذكرت، إذا كنتم لا تدرون متى تنتهي مهمتكم ولم تنووا إقامة أكثر من أربعة أيام؛ فإنها لا تلزمكم صلاة الجمعة؛ لأنكم مسافرون، لكن إذا أقيمت قريبًا من محل عملكم في البلد؛ فالأفضل أن تصلوا مع المسلمين، ولا تنعزلوا، ولتحصلوا على الثواب .
وإذا نويتم إقامة أكثر من أربعة أيام، أو تعلمون أن المهمة لا تنتهي قبل أربعة أيام؛ فإنه يجب عليكم في هذه الحالة إتمام الصلاة أربعًا، ولا يجوز لكم القصر؛ لأن الأصل في الإقامة إتمام الصلاة، وأنتم مقيمون؛ فيجب عليكم ما يجب على المقيمين، والله تعالى أعلم .
88 ـ إذا نزل مسافر للقصر في الطريق، وبقي من موطن إقامته كيلو أو أكثر؛ فهل يقصر أم لا ؟ ومتى يعتبر أن المسافر في حكم المقيم ؟ ومسافة القصر ؟
إذا بقي في سفره مسافة قليلة، وحضرت الصلاة، ويغلب على ظنه أنه يصل إلى البلد قبل خروج الوقت؛ فإن الأولى به أن يؤخر الصلاة حتى يصل ويصليها صلاة تامة؛ لأنه إذا وصل؛ انتهت أحكام السفر، ولو صلى في طريقه وقصر الصلاة في هذه الحالة؛ فصلاته صحيحة إن شاء الله؛ لأنه لا يزال مسافرًا إلى أن يدخل البلد، فإذا صلى في طريقه، وقصر الصلاة؛ صحت، ولو كان قريبًا من البلد؛ إلا أن الأولى والأحسن له أن يؤخرها إلى أن يصل ويصليها تمامًا .
أما المسافة التي يقصر فيها المسافر؛ فهي كما في الحديث : مسيرة يومين للراحلة بمشي الأقدام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) ] .(92/27)
ووجه الدلالة من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر مسيرة اليومين سفرًا يحتاج معه إلى المحرم، فدل على أن ما دون ذلك لا يعتبر سفرًا، ومسيرة اليومين قد حررت بالكيلومترات المعروفة الآن بـ ( 80 ) كيلو مترًا؛ فإذا كانت مسافرة السفر ثمانين كيلو مترًا وأكثر؛ جاز فيها القصر والإفطار في رمضان، وإن كانت دون ذلك؛ فلا . . . ! .
أما الإقامة العارضة التي يقيمها الإنسان في أثناء السفر في بر أو في بلد : إذا كانت هذه الإقامة ليس لها حد منوي، ولم يعزم على إقامة معينة، وإنما أقام لحاجة، ولا يدري متى تنتهي، وإذا انتهت يسافر؛ فإنه يقصر الصلاة في هذه الحالة؛ لأنه لا يزال متلبسًا بأحكام السفر، ولم ينو إقامة محددة، حتى ولو طالت، مادام أنه لم ينو إقامة محددة، وإنما إقامته مربوطة بحصول غرضه، أو زوال المانع الذي منعه، متى ما زال أو حصل على مقصوده؛ سافر؛ فهذا يقصر ولو طالت مدته .
وكذلك إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام؛ فإنه يقصر الصلاة أيضًا؛ لأن هذه الإقامة لا تخرجه عن حكم المسافر، ولأنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة في حجة الوداع أربعة أيام قبل الحج يقصر الصلاة (16).
أما إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام؛ فهذا يجب عليه إتمام الصلاة؛ لأنه صار مقيمًا، ويأخذ أحكام المقيمين، والأصل في المقيم أن يتم الصلاة، وهذا صار عازمًا على الإقامة المحددة، فيأخذ أحكام المقيمين بناء على الأصل .
89 ـ هل قصر الصلاة في السفر واجب، أم هو سنة مؤكدة ؟ وما حكم من ترك القصر في السفر وأتم صلاته ؟ هل في ذلك مخالفة للسنة ؟ أفتونا مأجورين .
قصر الصلاة في السفر الذي يبلغ ثمانين كيلو فأكثر سنة مؤكدة، وليس واجبًا، فلو أتم الصلاة؛ جاز ذلك، وصحت صلاته؛ لأنه تارك لرخصة، ولم يترك واجبًا، ولا إثم عليه في ذلك .(92/28)
90 ـ المسافة من منزلي إلى مقر عملي تقدر بحوالي مئتي كيلو متر، ولي في العمل مدة ثمان سنوات، حيث أبقى في العمل سبعة أيام وفي المنزل ثلاثة أيام؛ فهل أصلي الصلوات بحكم المسافر سواء في المنزل أو العمل ؟ أم لا ؟
إذا ذهبت إلى ذلك العمل الذي يبعد عن بلدك هذه المسافة المذكورة؛ فإنه يشرع لك قصر الصلاة الرباعية إذا كنت في الطريق ذهابًا وإيابًا، أما مدة إقامتك في منطقة العمل، وهي سبعة أيام كما ذكرت؛ فإنه يجب عليك فيها إتمام الصلاة؛ لأنك تكون فيها ناويًا للإقامة أكثر من أربعة أيام، ولو كانت تلك المدة متوزعة بين العمل والمنزل؛ ما داما متقاربين في بلد واحد . والله أعلم .
91 ـ إنني أسافر في كل أسبوع تقريبًا ما يقارب ثلاث مئة وخمسين كيلو متراً، ويكون وقت السفر عند الظهيرة، ولا نوقف السيارة على الطريق لأداء الصلاة؛ فهل يجوز أن أجمع صلاة العصر وصلاة الظهر جمع تقديم في بيتي ؟
إذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر؛ فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر .
وأما صلاة العصر؛ فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس؛ بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر، ولا يمكنك النزول؛ لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف؛ فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام .
إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك، وتريد السفر بعدها؛ فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة، أما القصر؛ فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك .
92 ـ متى يبدأ المسافر بقصر الصلاة ؟ هل بمجرد بدئه السفر ؟ وأيضًا؛ لو كان في بلده خلال سفره؛ كمن سافر من جدة من شمالها، ولحقته صلاة العصر في جنوبها؛ فهل يقصر أم لا ؟(92/29)
أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته؛ بأن فارق عامر البلد؛ أي : فارق البنيان؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر، أما ما كان داخل البنيان؛ فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر .
وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان؛ فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها؛ كالحاضرين؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر؛ فإن هذا لا يعتبر مسافرًا، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد . والله أعلم .
93 ـ هل يجوز سفر المرأة بدون محرم ؟ مثلاً : اتصل زوجها وهو في مدينة ما على زوجته، وأخبرها بأنه حدث له عارض؛ أي : مرض، فقال لها : احجزي على أقرب طائرة واحضري لي؛ فما حكم سفرها لوحدها ؟
لا يجوز سفر المرأة مسافة ثمانين كيلو مترًا فأكثر؛ إلا مع ذي محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] ، والمراد مسيرة يومين مشيًا على الأقدام، وهو ما يساوي ثمانين كيلو مترًا تقريبًا؛ لأن في سفر المرأة بدون محرم خطرًا عليها من ناحية تعرضها للفتنة وطمع الرجال الفاسدين بها، والمحرم يصونها ويحفظها، ولا فرق في ذلك بين السفر على الطائرة أو السيارة أو الدابة أو غير ذلك؛ لعموم النهي الوارد في الأحاديث؛ ولأن العلة موجودة، وهي الخوف عليها .
94 ـ ما رأيكم فيمن يسمح لزوجته بالسفر بالطائرة مع طفلها الصغير ولا يسافر معها هو بحجة أنه مشغول ولا يسمح له عمله بذلك ؟(92/30)
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لا في الطائرة ولا في غيرها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر مسيرة يوم وليلة - وفي رواية أخرى : مسيرة يومين - ؛ إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] .
( المحرم ) : هو الرجل البالغ الذي يحرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وغير البالغ والطفل لا يكفي محرمًا .
ولما أراد رجل أن يخرج في الجهاد، وكانت امرأته تريد الحج؛ أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحجَّ مع امرأته، ولم يرخص له بالخروج في الغزو (17).
فكيف يتعلل بعض الناس بأن عمله لا يسمح له بالسفر مع امرأته وعمل الجهاد لم يعتبر عذرًا ؟ !
والخطر على المرأة في الطائرة أعظم من الخطر في غيرها؛ لأن الطائرة قد يتغير مسارها واتجاهها إلى مطار آخر لسبب من الأسباب؛ فمن يستقبل المرأة ؟ ! وأين تذهب إذا هبطت في غير المطار الذي اتجهت إليه ؟ !
ما يكره في الصلاة
95 ـ في أثناء الصلاة يصيبني دوار في الرأس، وأقوم بحركات في الصلاة بسبب هذا الدوار؛ فهل صلاتي صحيحة ؟ وماذا أفعل إذا لم تكن صحيحة ؟
إذا كان هذا الدوار لا يزيل الشعور وأنت تعلم ما تقول معه؛ فصلاتك صحيحة، والحركات اليسيرة لا تضر في الصلاة، لا سيما في مثل هذه الحالة، وإذا كانت لحاجة، فأما الحركات التي هي من باب العبث؛ فإنها تكره، وإذا توالت؛ فإنها تبطل الصلاة، والله أعلم؛ لأن ذلك يدل على عدم الخشوع في الصلاة .
وقد رأى عمر رضي الله عنه رجلاً يعبث في صلاته، فقال : " لو خشع قلب هذا؛ لسكنت جوارحه " (18) ، ويروى مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .(92/31)
96 ـ ما حكم تغميض العيون في الصلاة ؟ فالبعض يرى أنه لا بأس بذلك إن كان مجلبًا للخشوع، وخصوصًا إذا كان المصلي يصلي على سجاد منقوش، أو أمامه ما يلفت انتباهه ويسرق خشوعه، والبعض يرى منعه، فما القول الصحيح ؟ وهل إذا عطس المصلي في الصلاة يحمد الله على العطاس بصوت أم في نفسه ؟
تغميض البصر في الصلاة : إن كان لغير حاجة؛ فهو مكروه؛ لأن فيه تشبهًا باليهود، ولأنه مدعاة إلى النوم، وإن كان لحاجة، كأن يكون أمامه أما يشغله؛ فلا بأس به؛ لأنه أدعى للخشوع في الصلاة، بل قد يكون مستحبًا في هذه الحالة .
وإذا عطس الإنسان في الصلاة؛ فإنه يحمد الله في نفسه .
97 ـ هل يجوز إغماض العينين في الصلاة وذلك إذا كان التغميض يدعو إلى الطمأنينة ؟
يكره تغميض العينين في الصلاة إذا كان من غير حاجة، لكن إذا دعت حاجة إلى التغميض؛ كأن يكون أجمع لفكره، أو أمامه شيء يشغله، فيغمض حتى يزول هذا الشيء، أو يخفض بصره عنه؛ فلا بأس بذلك عند الحاجة، أما من غير حاجة؛ فهذا يكره في الصلاة، ومطلوب من المسلم أن لا يمد بصره وهو يصلي، بل يستحب له أن يكون نظره إلى موضع سجوده؛ لأن هذا أجمع لخشوعه، وأبعد عن الانشغال بالمرئيات التي أمامه عن الصلاة .
98 ـ هل يجوز لرجل أن يصلي حاملاً سلاحه، وإذا كان حاملاً رتبة عسكرية؛ فهل يجب عليه خلعها أم لا ؟(92/32)
قضية حمل السلاح : إذا كان في حال خوف؛ فلا بأس بذلك، بل قد أمر الله تعالى به في قوله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } [ سورة النساء : آية 102 ] ؛ فإذا كانت الحالة حالة خوف من هجوم العدو على المسلمين؛ فإنهم يحملون سلاحهم في الصلاة، أما في غير حالة الخوف؛ فإذا كان هذا السلاح خفيفًا، وليس فيه نجاسة؛ فلا بأس بحمله، أما إذا لم يكن خفيفًا، أو كان فيه نجاسة؛ فإنه لا يجوز حمله؛ لأنه يشغل عن الصلاة إن كان غير خفيف، وإذا كان فيه نجاسة؛ فلا يجوز للمصلي أن يصحب ما فيه نجاسة .
أما الرتبة العسكرية : إن كانت صورًا وتماثيل؛ فلا يجوز حملها؛ لا في الصلاة ولا في غيرها، وفي الصلاة أشد، أما إذا كانت خالية من الصور أو التماثيل؛ فلا بأس بذلك . والله أعلم .
99 ـ هل يجوز للمرأة أو الرجل أن يتابع القراءة مع الإمام في المصحف وهو يصلي التراويح، سواء رفع المتابع صوته أم لم يرفعه ؟
لا يجوز للمأموم رجلاً كان أو امرأة أن يتابع قراءة الإمام نظرًا في المصحف؛ لأن هذا يشغله عن الصلاة؛ من غير حاجة إلى ذلك، وهذه ظاهرة يفعلها بعض الشباب الآن، ولم يكن هذا من عمل السلف فيما نعلم؛ فالواجب تركه والنهي عنه .
وقد اختلف العلماء في حكم قراءة الإمام من المصحف عند الحاجة، فكيف بالمأموم ؟ !
مبطلات الصلاة(92/33)
100 ـ أنا إنسان ابتلاه الله بمرض الشلل منذ أربعة أعوام والحمد لله، وهذا الشلل في النصف الأسفل من الجسم؛ من بداية البطن إلى أسفل القدمين، ولذلك يخرج الخارج من السبيلين بلا علم مني ولا إرادة، وسؤالي هنا في الصلاة : كيف أصلي ؟ فأنا إذا صليت؛ قد يخرج مني ذلك وأنا لا أعلم به، خصوصًا وهناك أجهزة معلقة بمجاري خارجية أقضي حاجتي عن طريقها، وهي معلقة في جسمي، وقد يخرج منها من دون إحساس أو شعور مني بذلك، وأنا الآن أصلي؛ فهل صلاتي بهذه الحالة التي ذكرتها صحيحة أم لا ؟
نسأل الله لك الشفاء والعافية مما أصابك .
وأما ما سألت عنه عن حكم صلاتك مع خروج الخارج من السبيلين وأنت لا تشعر به ولا تستطيع حبسه؛ فصلاتك صحيحة؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، ولقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 2/975 ) ] ؛ فهذا منتهى استطاعتك، ولكن عليك ألا تتوضأ؛ إلا عند الصلاة .
101 ـ إذا كان شخص يصلي في الصفوف الأولى في المسجد، وقد انتقض وضوؤه أثناء الصلاة، ولكنه لم يستطع الخروج؛ نظرًا لكثرة الصفوف الموجودة في المسجد؛ فهل يكمل الصلاة بدون قراءة، بل يركع ويسجد ويقف صامتًا ؟ أم يجلس حتى تنتهي الصلاة ولو كان في وسط الصف ؟(92/34)
المشروع في حق من انتقض وضوؤه أثناء الصلاة أن ينصرف؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/43 ) ] دل على أن من انتقض وضوئه يقينًا؛ أنه ينصرف ولا يبقى، وإذا لم ينصرف لما ذكرت من ضيق أو من كثرة الصفوف؛ فإنه لا يجوز له أن يستمر في الصلاة، فإن قدر أن ينصرف؛ فإنه ينصرف، وهذا هو الذي يقوم عليه الدليل، وإن كان لا يقدر أن ينصرف؛ فإنه يجلس إلى أن تحين له الفرصة للخروج، والله تعالى أعلم .
102 ـ صليت بالناس صلاة الجمعة وأنا لم أتوضأ ناسيًا ذلك، ولم أدرك ذلك إلا بعد ذهاب المأمومين؛ ما الحكم الشرعي في هذا ؟
ما دمت أنك لم تكن تعلم أنك لست على وضوء إلا بعد نهاية الصلاة؛ فإن صلاة المأمومين صحيحة، وعليك أنت أن تعيد صلاة الجمعة ظهرًا؛ بأن تصليها أربع ركعات بنية الظهر قضاء لتلك الصلاة التي لم تصح بسبب ترك الوضوء . والله أعلم .
103 ـ إذا بدأ الإمام الصلاة، ثم تذكر أنه لم يتوضأ؛ فكيف يتصرف، مع الأخذ في الاعتبار الإحراج الذي سيتعرض له إذا خرج من الصلاة ؟ !
إذا بدأ الإمام الصلاة، ثم تذكر أنه لم يتوضأ؛ فإنه ينصرف ويتوضأ، ثم يعود ويصلي بالناس، ولا يجوز له الاستمرار في الصلاة وهو على غير طهارة .
عن أبي بكرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة، فكبر، ثم أومأ إليهم أن مكانكم، ثم دخل، ثم خرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة؛ قال : ( إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جنبًا ) ، رواه أحمد وأبو داود (1).
وإن استخلف الإمام من يصلي بالناس في هذه الحالة فلا بأس، ويبدأ الصلاة من جديد .
قال الإمام أحمد : " إن استخلف الإمام؛ فقد استخلف عمر وعلي، وإن صلوا وحدانًا؛ فقد طعن معاوية وصلى الناس وحدانًا من حيث طعن أتموا صلاتهم " (2).(92/35)
104 ـ صليت إمامًا بجماعة صلاة العشاء، ولما توسطت في الصلاة؛ تذكرت أنني لم أتوضأ، ولكنني خجلت أن أنسحب من الإمامة، وأكملت الصلاة بهم؛ فما الحكم في ذلك ؟ هل أعيد الصلاة لوحدي وصلاة الجماعة صحيحة، أما ما الحكم الشرعي في هذا ؟
الحكم أنك أخطأت في هذا خطأ كبيرًا في استمرارك في الصلاة وأنت على غير طهارة، وكان الواجب عليك أن تنصرف وأن تتوضأ ثم تأتي وتصلي بالجماعة، أو إذا كنت تخشى أن تتأخر؛ فإنك تأمر من يصلي بهم بدلك، أما والحال أنك قد استمررت في الصلاة وأنت على غير طهارة، وانصرف الجميع، ولم تخبر الجماعة بهذا في الحال حتى يستدركوا؛ فالواجب عليك أن تعيد الصلاة، وأن تخبر الجماعة أيضًا بإعادة الصلاة؛ تعيد أنت وإياهم هذه الصلاة التي صليتها بهم على غير طهارة، وإنما تصح صلاتهم لو لم تعلم بعدم الوضوء إلا بعد نهاية الصلاة .
105 ـ دخلت المسجد وصليت، وقبل أن أسلم تذكرت أني لست بطاهر، فأتممت الصلاة؛ فما حكم الشرع في هذه الصلاة ؟ وهل عليَّ أن أعيد الصلاة ؟
إذا دخلت في الصلاة، ثم تذكرت أنك على غير طهارة؛ وجب عليك أن تنصرف وأن تتوضأ وتستأنف الصلاة من جديد، ولا يجوز أن تستمر في الصلاة .
وإن تذكرت بعد إتمام الصلاة أنك لست على طهارة؛ وجب عليك أن تتوضأ وأن تعيد الصلاة التي صليتها .
وعلى كل حال : الصلاة غير صحيحة، سواء تذكرت في أثناءها أو تذكرت بعد فراغها؛ فعليك أن تتطهر وأن تعيد الصلاة؛ لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة . والله أعلم .
106 ـ هل الضحك في الصلاة يفسد الوضوء ؟
الضحك تبطل به الصلاة؛ لأنه – كالكلام – يدل على عدم الخشوع، وقد أجمع العلماء أنه إذا قهقه في الصلاة؛ بطلت، أمَّا التبسم؛ فلا يبطل الصلاة؛ لأنه ليس كلامًا، أما الوضوء؛ فلا يبطل بالقهقهة على الصحيح من قولي العلماء، والحديث الوارد في ذلك ضعيف، ولكن إن قهقه في الصلاة؛ بطلت، واستحب له الوضوء؛ لأنه أذنب ذنبًا، فيستحب له الوضوء .(92/36)
107 ـ ما حكم من صلى وبعض من عورته مكشوف، ولم يدر حتى انتهاء الصلاة؛ حيث نبهه أحد المصلين على ذلك؛ فهل صلاته صحيحة أم عليه القضاء ؟
لا شك أن سترة العورة من شروط الصلاة مع الأركان .
قال ابن عبد البر رحمه الله : " أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عريانًا وهو يقدر على اللباس " ، أو كما قال .
فستر العورة من شروط صحة الصلاة، إذا أمكن، وما ورد في السؤال من أن هذا المصلي انكشف بعض عورته فلم يعلم بذلك حتى فرغ من الصلاة ونبهه الحاضرون؛ هذا فيه تفصيل :
إن كان هذا الذي انكشف شيئًا كثيرًا؛ فإنه يعيد الصلاة .
أما إذا كان شيئًا قليلاً ولم يتعمده؛ فصلاته صحيحة إن شاء الله؛ بدليل أن عمرو بن سلمة رضي الله عنه كان يصلي بأصحابه وهو صغير السن، وكان إذا سجد؛ انكشف شيء من عورته، فيراه النساء من وراء الصف، ولم يعد الصلاة وكان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (3) فدل على أنه إذا انكشف شيء من العورة وهو يسير، ولم يتعمده؛ فإن صلاته صحيحة .
أما إذا تعمد وتركه ولم يستره مع القدرة؛ فصلاته باطلة، ولو كان يسيرًا . والله أعلم .
الذكر بعد الصلاة
108 ـ ما قولك في الجهر بالدعاء والذكر مطلقًا، وبعد الصلاة خاصة ؟ وهل يكون الدعاء والذكر جهرًا أم سرًّا أم بينهما ؟
أما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم والمشروع؛ فالإنسان مخير بين أن يجهر به وأن يسرّ، قال تعالى : { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } [ سورة الأعراف : آية 55 ] ، والله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، فيجوز أن تدعو جهرًا وأن تدعوا سرًّا؛ إلا إذا كان الجهر يترتب عليه إضرار بمن حولك من النائمين أو المصلين أو الذين يقرؤون القرآن الكريم؛ فإنك تُسرُّ، أو إذا خفت على نفسك من الرياء والسمعة؛ فإنك تسر في الدعاء؛ لأن هذا أدعى للإخلاص .(92/37)
والجهر يلاحظ أنه ليس بصوت جماعي كما يفعل بعض الناس، إنما كل إنسان يدعو لنفسه سرًّا وجهرًا، أما الدعاء الجماعي؛ فهو من البدع .
وأما الذكر بعد الصلاة؛ فإنه من السنة الجهر به، حسبما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة؛ بالتهليل والاستغفار بعد السلام ( الاستغفار ثلاثًا ) ، ثم : ( اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، ( لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد ) . . . إلى آخر هذه الأذكار الواردة؛ يجهر بها (4) ، لكن على صفة فردية، لا على صفة جماعية كما ذكرنا أولاً؛ فإن الذكر الجماعي هذا من المبتدعات، وإنما كلٌّ يذكر لنفسه، ويجهر بذلك بعد الصلاة .
109 ـ لنا مسجد نصلي فيه، وعندما ينتهي الجماعة من الصلاة؛ يقولون بصوت جماعي : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه . . . هل هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
أما الاستغفار؛ فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه إذا سلم؛ استغفر ثلاثًا قبل أن ينصرف إلى أصحابه [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 1/414 ) ] .
وأما الهيئة التي ذكرها السائل بأن يؤدى الاستغفار بأصوات جماعية؛ فهذا بدعة، لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل يستغفر لنفسه؛ غير مرتبط بالآخرين، ومن غير صوت جماعي، والصحابة كانوا يستغفرون فرادى بغير صوت جماعي، وكذا من بعدهم من القرون المفضلة .
فالاستغفار في حد ذاته سنة بعد السلام، لكن الإتيان به بصوت جماعي؛ هذا هو البدعة؛ فيجب تركه والابتعاد عنه .
صلاة التطوع
110 ـ لدي عادة أداوم على فعلها، وهي أنني أصلي ركعتين قبل النوم؛ أقرأ فيهما الفاتحة وبعض السور القصيرة؛ فهل ذلك جائز أم بدعة ؟(92/38)
الوارد قبل النوم عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآداب التي يستحب فعلها : أن يتوضأ الإنسان وينام على طهارة، وينام على جنبه الأيمن، ويقرأ بآية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، وبالمعوذتين، وأن يدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أدعية كثيرة وجوامع، أما الصلاة قبل النوم والتزام هذا؛ فأنا لا أعلم له أصلاً من السنة النبوية، لكن إذا فعله على أنه سنة الوضوء؛ فلا بأس؛ لثبوت الدليل بذلك (5) .
111 ـ أصلي جميع النوافل في جميع الصلوات؛ فأيهما أفضل : أن أصلي النوافل، أم أصلي الصلاة التي في ذمتي من السنين الماضية؛ علمًا بأني أصلي في بعض الأيام ليوم كامل قضاء مما في ذمتي؛ هل هذا يجوز ؟
إذا كنت في السنين الماضية تركت الصلاة متعمدًا وتبت إلى الله توبة صحيحة؛ فإنه لا يجب عليك قضاء الصلوات التي تركتها متعمدًا؛ لأنك حين تركك لها لم تكن على دين الإسلام؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا؛ فإنه يخرج من دين الإسلام على الصحيح إذا كان تركه لها تكاسلاً .
أما إذا كان تركه لها جحودًا لوجوبها، ولا يرى أنها واجبة، وأنها عادات وتقاليد؛ كما يقول بعض الأشقياء؛ فهذا كافر بإجماع المسلمين، ولكنه إذا تاب وحافظ على الصلوات في المستقبل؛ فإن ذلك يكفيه عند الجميع .(92/39)
وكذلك على الصحيح من ترك الصلاة متكاسلاً مع إقراراه بوجوبها متعمدًا ذلك من أجل الكسل؛ فالصحيح أنه كافر لتركه الصلاة متعمدًا بأدلة كثير من الكتاب والسنة تدل على ذلك، وبناء عليه؛ فإنه لا يقضي الصلوات التي تركها، وإنما يحافظ على الصلاة في المستقبل بعد أن تاب الله عليه، ويحافظ كذلك على السنن الرواتب التي من الفرائض، وهي : ركعتان قبل الظهر أو أربع ركعات، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، هذه هي السنن الرواتب، وكذلك المحافظة على الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وما تيسر من التهجد والنوافل المطلقة؛ فإن المجال مفتوح أمام المسلم لأن يتقرب إلى ربه عزَّ وجلَّ من الطاعات والقربات المشروعة .
{ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ سورة البقرة : آية 110 ] .
112 ـ كنت أصلي الليل وأطبق السنن، وأخذت في التهاون تدريجيًّا، حتى أصبحت السنن لا أصليها، وصرت أعمل المعاصي الصغائر، وهممت أن أتردد على المعاصي؛ فماذا عليَّ أن أفعل ؟
لا شك أن الشيطان يحاول صرف المسلم عن طاعة ربه، ويريد أن يشغله بالمعاصي، فعليك بالتوبة إلى الله، ومعاودة فعل الخير، والاستعاذة بالله من الشيطان؛ لأن ترك الوتر وترك السنن الرواتب يسقط العدالة، وترد به الشهادة، فعليك بالمحافظة على الطاعة، وما اعتدته من قيام الليل، ولا تطاوع نفسك والشيطان .
113 ـ مسلم يؤدي الفروض، لكنه يترك السنن الراتبة؛ ما حكم الشرع في نظركم ؟
ترك السنن الراتبة لا ينبغي للمسلم، بل ينبغي أن يحافظ عليها؛ كما كان النبي يحافظ عليها؛ إلا في حالة السفر الذي تقصر فيه الصلاة؛ فإن السنن الرواتب لا تفعل فيه؛ أي أنه لا يصلي الراتبة مع القصر؛ إلا راتبة الفجر تصلى قبلها حضرًا أو سفرًا، وكذلك الوتر يصلى حضرًا وسفرًا .(92/40)
أما في غير حالة السفر؛ فلا ينبغي للمسلم أن يترك الرواتب، وكذلك لا يترك الوتر، بل إنه إذا داوم على ترك الرواتب وترك الوتر؛ تسقط عدالته، ولا تُقبل شهادته؛ لأن هذا يدل على تساهله في دينه، وإذا تساهل في دينه؛ كان متساهلاً في الشهادة من باب أولى .
114 ـ في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ما معنى الحديث : ( من صلى لله في يومه اثنتي عشرة ركعة؛ بنى الله له بيتًا في الجنة ) ؛ فهل يجب ترتيبها كالآتي : اثنتين قبل الظهر وواحدة بعدها، وواحدة بعد صلاة المغرب، وواحدة بعد صلاة العشاء، وواحدة بعد صلاة الفجر، أم المهم أن يصلي الإنسان اثنتي عشرة ركعة في يومه، ولو بدون ترتيب ؟
هذه الركعات جاءت مفصلة في حديث ابن عمر : ركعتان أو أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر (6)، وتسمى بالرواتب التي ينبغي المحافظة عليها؛ إلا في حالة القصر في السفر؛ فإنه يقتصر على الركعتين اللتين قبل الفجر؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
115 ـ امرأة تقول : إنني أصلي والحمد لله صلاة الوتر قبل أذان الفجر بساعة، وأصلي خمس ركعات، الخامسة هي الوتر، وأنتهي من هذه الصلاة قبل أذان الفجر بعشر دقائق أو خمس؛ هل وتري صحيح أم لا ؟ وما نصيحتكم في ذلك ؟
المسلم يصلي ما تيسر له من قيام الليل؛ قلَّ أو كثر، ويجعل آخر صلاته من الليل وترًا؛ فما تفعلينه من أنك تصلين ما تيسر من الليل وتجعلين آخره وترًا، هذا هو المطلوب .
إلا أنه ينبغي التنبه أنه إذا طلع الفجر؛ فإنها تنتهي صلاة الليل، ولا يجوز الاستمرار في صلاة التهجد بعد طلوع الفجر؛ فعليك أن تنتبهي لذلك، وأن تنهي صلاتك قبل طلوع الفجر، وتجعلي آخرها وترًا .(92/41)
وقولك في السؤال : إنك تصلين خمس ركعات، الخامسة هي الوتر؛ هذا فيه تفصيل : فإن كان قصدك أن الخمس كلها وتر؛ فإنك تسردينها ولا تجلسين إلا في آخرها؛ لأنها كلها وتر، وليست الركعة الخامسة فقط، وإن كان قصدك أنك تصلين ركعتين ركعتين من باب التهجد؛ بأن تسلمي من كل ركعتين؛ فإنه لا ينبغي الاقتصار في الوتر على ركعة واحدة، وإن كانت مجزئة، بل الأفضل أن توتري بثلاث؛ إلا إذا خشيت طلوع الفجر؛ فأوتري بواحدة . والله أعلم .
116 ـ ما حكم صلاة التراويح وصلاة التهجد ؟ وما هو وقت صلاة التهجد ؟ وما عدد ركعاتها ؟ وهل يجوز لمن صلى الوتر بعد الانتهاء من التراويح أن يصلي التهجد أم لا ؟ وهل لابد من اتصال صلاة التراويح بصلاة العشاء بأن تكون بعدها مباشرة، أم أنه يجوز لو اتفق الجماعة على تأخيرها بعد صلاة العشاء ثم تفرقوا وتجمعوا مرة أخرى لصلاة التراويح ؟ أم أن ذلك لا يجوز ؟
أما صلاة التراويح؛ فإنه سنة مؤكدة، وفعلها بعد صلاة العشاء وراتبتها مباشرة، هذا هو الذي عليه عمل المسلمين .
أما تأخيرها كما يقول السائل إلى وقت آخر، ثم يأتون إلى المسجد ويصلون التراويح؛ فهذا خلاف ما كان عليه العمل، والفقهاء يذكرون أنها تُفعل بعد صلاة العشاء وراتبتها، فلو أنهم أخروها؛ لا نقول أن هذا محرم، ولكنه خلاف ما كان عليه العمل، وهي تفعل أول الليل، هذا هو الذي عليه العمل .
أما التهجد؛ فإنه سنة أيضًا، وفيه فضل عظيم، وهو قيام الليل بعد النوم، خصوصًا في ثلث الليل الآخر، أو في ثلث الليل بعد نصفه في جوف الليل؛ فهذا فيه فضل عظيم، وثواب كثير، ومن أفضل صلاة التطوع التهجد في الليل، قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل : آية 6 ] ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .(92/42)
ولو أن الإنسان صلى التراويح، وأوتر مع الإمام، ثم قام من الليل وتهجد؛ فلا مانع من ذلك، ولا يعيد الوتر، بل يكفيه الوتر الذي أوتره مع الإمام، ويتهجد من الليل ما يسر الله له، وإن أخر الوتر إلى آخر صلاة الليل؛ فلا بأس، لكن تفوته متابعة الإمام، والأفضل أن يتابع الإمام وأن يوتر معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/51 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 3/147، 148 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 3/83، 84 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/420، 421 ) ] ، فيتابع الإمام، ويوتر معه، ولا يمنع هذا من أن يقوم آخر الليل ويتهجد ما تيسر له .
117 ـ هل تجوز صلاة الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة أم لا ؟
لا بأس بذلك أن يصلي الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة؛ يسردها ثلاثًا بدون جلوس؛ إلا في آخرها، ولكن الأفضل والأكمل أن يصلي ركعتين مستقلتين يسلم منهما، ثم يقوم ويأتي بالثالثة، هذا هو الأفضل، أما لو جمع الثلاث بتشهد واحد؛ فلا بأس بذلك .
أحكام صلاة الجماعة
118 ـ نحن أربعة إخوة، توفي والدنا، وبعد وفاته؛ قمنا بحصر الإرث من بعده، وأثناء ذلك؛ وجدنا بمحفظة له ورقة مكتوب بها ( وصية إلى أولادي ) وهي : »بسم الله الرحمن الرحيم، أولادي الأعزاء ! أوصيكم أولاً بتقوى الله عزَّ وجلَّ، والصبر على طاعته، وأن تؤدوا الصلاة مع الجماعة«، ونحن الآن في حيرة من أمرنا؛ لأننا لسنا من المحافظين بالكلية على الصلاة، وخاصة صلاة الفجر والعصر، والتي عد الله ورسوله من تخلف عنها من المنافقين، فما هو نصحكم لنا؛ لأننا لم نقم بتلبية والدنا لهذه الوصية ؟ وهل نحن خُنَّا الأمانة ؟(92/43)
يجب عليكم المحافظة على صلاة الجماعة، والتوبة من التأخر عنها، حتى لو لم يوص بذلك والدكم؛ لأن الله سبحانه قد وصاكم بذلك في قوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ سورة البقرة : آية 238 ] ، ومن المحافظة عليها أداؤها في المسجد مع الجماعة المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالمحافظة على صلاة الجماعة في قوله : ( من سمع النداء، فلم يجب؛ فلا صلاة له؛ إلا من عذر ) [ رواه ابن ماجه في سننه ( 1/260 ) ] ، وقال للأعمى الذي طلب منه رخصة في أن يصلي في بيته : ( هل تسمع النداء ؟ ) . قال : نعم . قال : ( فأجب؛ فإني لا أجد لك رخصة ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/452 ) ] . . . إلى غير ذك من الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة، والوعيد الشديد على المتخلفين عنها .
ووالدكم رحمه الله أوصاكم بما أوصاكم به الله ورسوله؛ حرصًا عليكم، ونصحًا لكم؛ فجزاه الله خيرًا، وهكذا يجب على كل والد أن يأمر أولاده بالمحافظة على صلاة الجماعة، ويوصيهم بذلك، ويجب عليكم صلاة الجماعة، ولو لم يوص والدكم بذلك؛ طاعة لله ولرسوله .
119 ـ يصلى في مدرسة صلاة الظهر على دفعتين، يصلي المدير ومعه مجموعة من المدرسين؛ ليتفرغوا لمراقبة الطلاب، ثم يصلي بقية المدرسين والطلاب؛ فما رأيكم في هذا العمل؛ علمًا بأن الطلاب لو تركوا بدون مراقبة؛ لأحدثوا لعبًا في الصلاة ؟
إذا كان في انقسام منسوبي المدرسة إلى جماعتين في الصلاة مصلحة شرعية؛ من ضبط الطلاب ومراقبتهم؛ فلا بأس به من أجل المصلحة الشرعية .(92/44)
120 ـ شخص كان مريضًا، واشتد به المرض، إلى أن أدخل أحد المستشفيات، وقرر الأطباء بتر ساقيه من فوق الركبة، وفعلاً قطعت ساقاه، وهو الآن بصحة جيدة، ولكن يسأل بالنسبة للصلاة؛ فهو لا يصلي إلا في البيت دائمًا، وحتى صلاة الجمعة لا يصليها في المسجد، بل في البيت؛ فهل عليه إثم في ذلك أو أنه معذور شرعًا ؟
من المعلوم وجوب صلاة الجماعة والجمعة على المسلم القادر الذي لا يمنعه عذر شرعي من حضورهما، أما بالنسبة للمعذور شرعًا فإن الله سبحانه وتعالى رخص له بأن يصلي في بيته، والسائل يذكر أنه بترت رجلاه وصار مقعدًا لا يستطيع المشي؛ فهذا معذور، له أن يصلي في بيته، ويعذر في ترك الجماعة والجمعة، وإن أمكن أن يحمل ويحضر ما لا يشق عليه من الصلوات في المسجد؛ فذلك شيء واجب، ويستفيد زيادة أجر وخير، أما إذا كان لا يتمكن من الحضور، ولا هناك وسيلة يستطيع بها أن ينقل إلى المسجد؛ فهذا معذور، وعذره واضح .
121 ـ هل يجوز للمرأة أن تصلي في مجموعة من النساء بصفة إمام في البيت ؟
لا حرج في ذلك، أن تصلي النساء جماعة وتؤمهن واحدة منهن، ولكنها تقف في صفهن، ولا تكون أمام النساء، ولكن تقف في صفهن، وهذا أحسن .
وصلاة النساء جماعة جائزة، أما الوجوب؛ فإن النساء لا تجب عليهن صلاة الجماعة؛ لأن وجوب صلاة الجماعة من خصائص الرجال، ويجوز للنساء أن يصلين جماعة، وأن يصلين فرادى . والله أعلم .
122 ـ إذا كان هناك جماعة من النساء في منزل واحد؛ فهل يجب أن تؤمهن إحداهن في جميع الصلوات المفروضة ؟
نعم؛ يجوز للنساء أن يصلين جماعة، وأن تصلي بهن إحداهن، ولكن لا تقف أمامهن، بل تكون في صفهن ( إمامة النساء تكون في صفهن، ولا مانع من ذلك ) .
123 ـ في منتصف الصف ؟
نعم؛ في وسط الصف .
124 ـ لكن هي تقول : هل يجب؛ بمعنى أنه : هل يلزمهن أن يصلين جماعة في كل فريضة ؟(92/45)
لا يجب على النساء جماعة، الجماعة إنما تجب على الرجال، أما النساء؛ فلا تجب عليهن جماعة، لكن يجوز لهن أو يستحب لهن أن يصلين جماعة وأن تؤمهن إحداهن، وكما ذكرنا يكون موقفها في صف النساء .
قضاء الفائت من الصلاة
125 ـ ما حكم جمع الصلوات الخمس إذا كان الإنسان قد أجرى عملية جراحية ألزمته الفراش ليوم كامل؛ حيث لم يستيقظ إلا في اليوم التالي؛ فماذا يفعل في مثل هذه الحالة ؟
الواجب على المسلم أن يصلي كل صلاة في وقتها حسب استطاعته؛ قائمًا أو قاعدًا أو على جنب؛ كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (7) ، ولا يجوز له أن يُخرِج الصلاة عن وقتها؛ إلا من يريد الجمع، وهو ممن يجوز له الجمع بين الصلاتين؛ كالظهر والعصر، والمغرب والعشاء .
أما من نام، أو أغمي عليه، أو نوِّم بالبنج من أجل عملية جراحية يومًا كاملاً، ولم يستيقظ إلا في اليوم التالي؛ فإنه يجب عليه أن يصلي الصلوات الفائتة قضاء في وقت واحد، مع الترتيب، وإذا كان لا يستطيع قضاءها كلها في آن واحد؛ فإنه يصلي ما يقدر عليه، ثم يكمل البقية في فترة أخرى إذا قوي ونشط، والله أعلم .
126 ـ هل يجوز تأخير صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، مع أنه قد نوى القيام للصلاة، ولكنه لم يبذل الأسباب ؟ وجزاكم الله خيرًا .
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها؛ لما يترتب على ذلك من الأضرار :
أولاً : أنه يترتب عليه ترك الجماعة؛ فصلاة الجماعة واجبة .(92/46)
ثانيًا : أنه أخرها عن وقتها، وتأخير الصلاة عن وقتها حرام، وربما لا تقبل منه، وهذا تضييع للصلاة؛ قال تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [ سورة مريم : آية 59 ] ، ومعنى أضاعوا الصلاة : أخروها عن وقتها، وليس معناه أنهم تركوها بالكلية؛ بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } [ سورة الماعون : آية 4، 5 ] ، فسماهم مصلين وتوعدهم لأنهم ساهون عن صلاتهم؛ بمعنى أنهم يؤخرونها عن مواقيتها .
فالواجب على المسلم أن يقوم، وأن يحضر صلاة الفجر؛ ليصلي مع الجماعة، ثم يذهب إلى نومه أو إلى أعماله .
127 ـ إذا فاتتني السنة الراتبة؛ فهل أقضيها بعد الصلاة ؟
الذي ورد أنه يقضى من الرواتب سنة الفجر : إذا فاتت الإنسان؛ فإنه يصليها ولا يتركها : إما بعد ارتفاع الشمس؛ فهذا أحسن، وإن صلاها بعد صلاة الفجر؛ فلا بأس في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الفجر، فسأله، فقال : إنه يصلي راتبة الفجر، ولم يتمكن من فعلها قبل الصلاة، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (8) .
وكذلك الرواتب الأخرى إذا قضاها؛ مثل راتبة الظهر التي قبلها، إذا قضاها بعد الظهر؛ فهذا حسن .
128 ـ سبق لزوجتي أن حملت، ولكن إرادة الله شاءت بأن لا يتم هذا الحمل، فأسقطت، وكان عمر الجنين شهرًا ونصف شهر وأجريت لها عملية تنظيف، واستمر الدم ينزل عليها أحد عشر يومًا بعد العملية، ولم تؤد الصلاة في هذه الأيام؛ ظنًا منها أن الدم يمنع الصلاة، ولكني قرأت فتوى لأحد المشايخ أن الدم الذي يخرج وعمر الجنين أقل من 90 يومًا لا يمنع الصلاة، والآن؛ هل تقضي الصلاة التي فاتتها ؟ إذا كانت الإجابة بنعم؛ فكيف يتم قضاؤها ؟(92/47)
نعم يجب على زوجتك قضاء كل الصلوات التي تركتها؛ لأن الدم الذي كان ينزل منها دم نزيف لأنه إذا كان عمر الحمل الذي سقط ينقص عن واحد وثمانين يومًا؛ فإن الدم الذي ينزل بعده دم نزيف، لا تترك الصلاة من أجله، أما إذا كان عمر الحمل واحدًا وثمانين يومًا فأكثر؛ فإن الدم الذي ينزل بعد سقوطه يعتبر دم نفاس؛ تترك الصلاة من أجله إلى أن ينقطع، أو تبلغ أربعين يومًا، ثم تغتسل وتصلي إذا تمت الأربعون ولم ينقطع .
129 ـ إذا سلَّم الإمام وعليه نقص في الصلاة، وهناك مأموم قام ليقضي ما فاته من الصلاة، وعلم الإمام بالنقص، وقام ليكمل ما نقص من الصلاة، والمأموم صلى ركعة وبقي عليه ركعة؛ فهل ينضم المأموم مع الإمام مرة أخرى أم يستمر ويقضي ما فاته من الصلاة ؟ وهل عليه سجود سهو أم لا ؟
إذا سلَّم الإمام وقام المسبوق ليأتي بما فاته، ثم إن الإمام تذكر أن عليه نقصًا في الصلاة فقام ليكمله؛ فالمأموم مُخيَّر حينئذ بين أمرين : إما أن يمضي على انفراد عن الإمام ويكمِّل الصلاة، وإما أن يدخل مع الإمام ويتابعه فيما بقي؛ فهو مخير بين الأمرين . والله تعالى أعلم .
130 ـ ذهبت إلى إحدى الدول الأوربية وكان الوقت آنذاك في شدة البرودة، ولأنني لم أحصل على تأشيرة دخول لتلك الدولة؛ حجرت في المطار لمدة ستة أيام من قبل سلطات تلك الدولة، وخلال تلك الأيام الستة لم أكن أصلي؛ نظرًا لبرودة الجو، وبالتالي برودة الماء الشديدة، وعدم توافر الصعيد الطاهر للتيمم منه، وبقيت حتى رجعت إلى البلد، ثم قمت بقضاء جميع ما فاتني من صلوات خلال تلك الأيام؛ فهل عليَّ إثمٌ في فعلي هذا ؟ وماذا كان يجب عليَّ أن أفعل ؟ أفيدوني وفقكم الله ؟(92/48)
أخطأت في تركك للصلوات في هذه الفترة التي ذكرتها؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يترك الصلاة، ولكن يصلي على حسب حاله : فإذا قدرت أن تتوضأ بالماء؛ وجب عليك ذلك، وإذا كنت لا تقدر على الوضوء بالماء لما ذكرت من شدة البرودة غير المحتملة وليس عندك ما تسخن به الماء؛ فإنه يجب عليك أن تتيمم بالتراب وتصلي، وإذا لم يكن عندك تراب؛ فإنك تصلي على حسب حالك، ولو بدون ماء وبدون تراب؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، ولقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 ] .
فالمسلم إذا دخل عليه وقت الصلاة؛ فإنه يُصلي على حسب حاله : إذا كان يستطيع الوضوء؛ توضأ، وإن كان لا يستطيع الوضوء؛ عدل إلى التيمم بالتراب، إذا لم يكن عنده ماء ولا تراب وخشي خروج الوقت؛ صلى على حاله بدون ماء وبدون تراب .
على أن الصعيد لا يختص بالتراب، فلو كان عندك جدار عليه غبار طاهر، أو حصير عليه غبار طاهر، أو بلاط وعليه غبار طاهر، وضربت عليه وتيممت؛ كفاك هذا، ولا يتعين التراب للتيمم، وإنما المطلوب وجود الغبار الطاهر؛ سواء كان على تراب، أو على حجر، أو على جدار، أو على حصير، أو غير ذلك، والله أعلم .
وما دمت قضيت الصلوات التي تركتها؛ فنرجو أن الله سبحانه وتعالى يعفو عنك ويتقبل منك، لكن في المستقبل أنصح لك وللمسلمين أن تحرصوا على الصلوات الخمس، وأن تؤدوها في أوقاتها على حسب أحوالكم، والله تعالى أعلم .
أحكام الإمامة
131 ـ أنا موظف بمديرية الأوقاف بوظيفة مقيم شعائر دينية؛ بمعنى : أنني أقوم بالإمامة وآخذ على ذلك مرتبًا؛ فهل هذا يجوز ؟ مع العلم أنه ليس لي مصدر رزق آخر .
لا بأس أن تقوم بالإمامة وأن تأخذ ما خصص للإمام من بيت المال من الإعانة؛ لأن هذا يعينك على طاعة الله .(92/49)
هذا إذا لم يكن قصدك طمع الدنيا، وإنما قصدك ما عند الله سبحانه وتعالى، وتقوم بهذه الإمامة رغبة في الخير، وتأخذ هذه الإعانة لأجل سد حاجتك للتفرغ للإمامة؛ فهذا لا حرج فيه، بل هو من الإعانة على طاعة لله عز وجلَّ، والعبرة بالمقاصد .
أما إذا كان قصد الإنسان طمع الدنيا، واتخاذ العبادة وأعمال الطاعة وسيلة لتحصيل الدنيا؛ فهذا لا يجوز، وهو عمل باطل .
قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود : آية 15، 16 ] .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك؛ فلا انتقش ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/223 ) ] .
فلا يكون المؤمن في عمله وعبادته يقصد طمع الدنيا، وإنما يقصد وجه الله سبحانه وتعالى، ويأخذ ما تيسر من الدنيا للاستعانة بذلك على طاعة الله .
132 ـ هل يجوز أخذ أجر على قراءة القرآن وعلى الأذان والصلاة كإمام أو لا يجوز ذلك ؟
الإمام يشغل منصبًا دينيًّا عظيمًا، وإذا كان منصبه دينيًّا؛ فإنه لا يحل له أخذ الأجرة عليه؛ لأن أمور الدين لا تجوز المؤاجرة عليها .
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقوم : لا أصلي بكم القيام في رمضان؛ إلا بكذا وكذا ! فقال رحمه الله : " نعوذ بالله، ومن يصلي خلف هذا ؟ ! " (9) .
وأما أخذ الرزق من بيت المال على الإمامة؛ فإن هذا لا بأس به؛ لأن بيت المال يصرف في مصالح المسلمين، ومن مصالح المسلمين إمامتهم في مساجدهم، فإذا أعطي شيئًا من بيت المال؛ فلا حرج عليه في قبوله، وليس هذا بأجرة .(92/50)
وكذلك لو قدر أن المسجد بناه أحد المحسنين، وتكفل بجعل شيء من ماله لهذا الإمام؛ فإنه لا بأس بأخذه؛ لأن هذا ليس من باب المؤاجرة، ولكنه من باب المكافأة، هذا إذا لم يكن بين الإمام وصاحب هذا المسجد اتفاق وعقد على شيء معلوم من المال، وإنما هذا الرجل يتبرع كل شيء بكذا لهذا الإمام، وهذا ليس من باب المؤاجرة في شيء، وقراءة القرآن والأذان كالإمامة .
133 ـ ما حكم الإسلام في خطيب يبعد مسكنه من المسجد الذي يخطب فيه يوم الجمعة حوالي عشرة كيلو مترات ؟
أولاً : لا يجوز أن يقال : ما حكم الإسلام، أو : ما حكم الشرع، أو : ما حكم الله في كذا وكذا ؟ لأن المفتي لا يعلم حكم الله يقينًا في المسألة، ولكنه يجتهد في الجواب، فإن أصاب حكم الله؛ فله أجران، وإن أخطأ؛ فله أجر واحد على اجتهاده، والخطأ مغفور به .
ثانيًا : لا بأس أن يكون منزل خطيب المسجد بعيدًا عن المسجد حوالي عشرة كيلو مترات أو أقل إذا التزم بما يجب عليه من المحافظة على الصلاة في مواقيتها ولم يتأخر في الحضور فيشق على المأمومين بانتظاره . والله أعلم .
134 ـ ما حكم الصلاة وراء الإمام الذي لا يتقن الفاتحة ؟ وهل يتساوى الأمر إذا كانت الصلاة سرية أم جهرية ؟ وإذا كان الإمام يتقن الفاتحة ولكنه يخطئ كثيرًا فيما سواها؛ فما الحكم في ذلك ؟
إذا كان إخلاله بالفاتحة يخل بالمعنى؛ فهذا لا تجوز الصلاة خلفه إلا لمن هو مثله؛ لأن قراءة الفاتحة على الوجه الصحيح ركن من أركان الصلاة؛ فلا تصح الصلاة خلف من يلحن فيها لحنًا يخل بالمعنى؛ كما لو كان يقرأ { أَنعَمتَ عَلَيهِمْ } : ( أنعمتُ ) ؛ بالضم، أو : { الْعَالَمِينَ } : ( العالِمين ) ؛ بكسر اللام؛ هذا يخل بالمعنى؛ فلا يجوز الصلاة خلف من هذه حاله .
أما إذا كان اللحن لا يحيل المعنى؛ فهذا أيضًا لا يجعل إمامًا وهناك من هو أحسن منه قراءة .(92/51)
وأما اللحن في غيرها من السور؛ فتصح معه الصلاة . لكن لا ينبغي للمسلم أن يتساهل في قراءة القرآن، بل يجب عليه قراءة القرآن بالإتقان ما أمكن ذلك على الوجه الصحيح، ولكن صلاته صحيحة، وصلاة من خلفه صحيحة إذا لحن في غير الفاتحة . لكن إذا كان هناك من هو أحسن منه؛ فلا ينبغي أن يُتَّخذ إمامًا، بل يختار للصلاة الأجود قراءة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله عزَّ وجلَّ، فإن كانوا في القراءة سواء؛ فأعلمهم بالسنة ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/465 ) ] .
فتجويد القراءة وإتقانها أمر مطلوب، ولا فرق في هذا بين الصلاة السرية والجهرية . . . الكل سواء في الحكم .
135 ـ إذا دخل أحد المسجد والإمام راكع؛ هل على الإمام الانتظار ليدرك هذا الداخل الركعة أم لا ؟ وما حكم من يتنحنح أو يحدث صوتًا أو يقول : إن الله مع الصابرين ؟
نعم يستحبُّ للإمام أن يمدد الركوع إذا أحس بداخل في المسجد من أجل أن يدرك الركوع؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ما لم يشق ذلك على المأمومين .
وعلى الداخل في المسجد والصلاة قد أقيمت أو قد ركع الإمام أن يمشي بسكينة ووقار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة؛ فامشوا وعليكم السكينة؛ فما أدركتم؛ فصلوا، وما فاتكم؛ فأتموا ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/218 ) ] .
ولا يجوز للداخل أن يتنحنح أو أن يقول : إن الله مع الصابرين؛ لأن هذا لم يرد، ولأنه يشوش صلاتهم، ويتنافى مع السكينة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند الدخول إلى المسجد، وفي المشي إلى الصلاة . والله أعلم .
136 ـ هل يجوز للنساء أن يتخذن لهن إمامة منهن تصلي بهن في رمضان وغيره ؟
يجوز للنساء أن يصلين جماعة في التراويح وغيرها من الصلوات الخمس، وتكون إمامتهن واحدة منهن، ويكون ذلك في بيت إحداهن أو في مكان مستور عن الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم ورقة أن تصلي بأهل دارها إمامة لهم (10) .(92/52)
137 ـ إمام الجماعة عندنا في الصلاة الجهرية يطول القراءة في الركعة الثانية، ويقصرها في الركعة الأولى؛ فهل فعله هذا موافق للسنة أو مخالف لها ؟
هذا خلاف الأولى؛ فالأولى والأفضل أن تكون الركعة الأولى من الظهر والعصر أطول من الثانية؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (11).
138 ـ سمعت حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أمَّ قومًا ولم يدع لهم؛ فقد خانهم ) ؛ ما هو هذا الدعاء ؟ وهل يجزئ أن يقول الإمام : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ؟ وهل هذا الدعاء صحيح ؟
هذا الكلام محله في القنوت في الوتر، وذلك بأن الإمام إذا كان يقنت بالمصلين في الوتر في صلاة التراويح، أو حيث شرع القنوت في الفريضة إذا نزل بالمسلمين نازلة؛ فإن الإمام يأتي بضمير الجميع، والمأمومون يؤمِّنون على دعائه، فيقول : " اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت . . . " ، وهكذا في كل دعاء في القنوت بجماعة يكون بضمير الجمع؛ لأنه له وللمأمومين، ولأن المأمومين يؤمنون على دعائه له ولهم وللمسلمين، أما إذا كان يقنت منفردًا؛ فإنه يقول : ( اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني . . . ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/199 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 2/64 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 2/109 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 3/248، 249 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/372، 373 ) ، ورواه الدارمي في سننه ( 1/451، 452 ) ] إلخ؛ لأنه يدعو لنفسه .
أما الحديث؛ فلم أقف عليه، لكن معناه في دعاء القنوت إذا كانوا يصلون جماعة . والله أعلم .
139 ـ هل تجوز الصلاة خلف متصوف يذهب إلى أضرحة الأولياء بغرض دعاء الله لهم ويخصهم دون غيرهم من الأموات ؟(92/53)
الذي يجب على المسلم أن يتمسك بالكتاب والسنة، وأن يعبد الله على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما كان السلف الصالح يعبدون ربهم على سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .
أما طريق المتصوفة؛ فإنه طريق مبتدع وطريق ضال، وربما يؤول إلى الشرك والكفر عند غلاتهم؛ فعلى المسلم أن لا ينتسب إلى الصوفية، بل عليه أن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بها في قوله : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنّواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ) ، وفي رواية : ( وكل ضلالة في النار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 4/126، 127 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 4/200 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 7/319، 320 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/15-17 ) ، ورواه الدارمي في سننه ( 1/57 ) ] .
هذا الذي يجب على المسلم : أن يبتعد عن البدع والمحدثات من الصوفية وغيرها .
وهذا الإمام الذي تقول : إنه متصوف؛ لا نرضى له أن يكون متصوفًا، بل نرضى له أن يكون سنيًّا مستقيمًا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما زيارته لأضرحة الأولياء خاصة؛ فهذا فيه ما فيه؛ لأن تخصيص الأولياء دون غيرهم من القبور يدل على أنه يعتقد فيهم؛ فزيارة القبور مشروعة – قبور الأولياء وغيرهم – إذا كان القصد منها الدعاء للأموات المسلمين والترحم عليهم والاستغفار لهم والاعتبار بأحوال الموتى وتذكر الموت؛ فإن هذه زيارة شرعية فيها أجر، وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم . أما إذا كان القصد منها خلاف ذلك؛ كما يقصده القبوريون في عالمنا اليوم؛ فإنهم يزورون القبور – وخاصة قبور الأولياء – للتقرب إلى الموتى؛ لطلب الحاجات منهم، وتفريج الكربات، والتبرك بتربتهم، وهذه زيارة بدعية شركية يجب على المسلم أن يبتعد عنها .(92/54)
وقولك : إن هذا الإمام يزور قبور الأولياء للدعاء لهم، هذا شيء طيب أنه يدعو لهم ويستغفر لهم ولا يطلب منهم الحاجات وتفريج الكربات، ولكن تخصيصه للأولياء هو الذي فيه نظر؛ فإنه ينبغي أن يزور عموم القبور هذه الزيارة الشرعية، ولا يخص بها قبور الأولياء فقط .
أحكام صلاة الجمعة
140 ـ ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني : هل ينتظر إلى أن يقضي المؤذن أذانه ثم يصلي تحية المسجد ؟ أم يصلي وهو يؤذن حتى يدرك بداية الخطبة ؟ نرجو التفصيل في المسألة وبيان الراجح فيها، أفتونا غفر الله لكم .
من دخل المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بعد دخول الإمام؛ فإنه ينبغي له أن يصلي تحية المسجد؛ حتى يتفرغ لسماع الخطبة، ولا بالتكبيرات الزوائد بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وبعد تكبيرة القيام من السجود في الركعة الثانية، ويجهر فيها بالقراءة، ويصليها منفردًا أو مع جماعة .
141 ـ ذهبت من بلدي إلى بلد آخر لطلب العلم؛ فهل صلاة الجمعة واجبة عليَّ أم لا ؟ مع العلم بأن المسجد يبعد عن المنزل الذي أسكن فيه حوالي 2 كيلو ونصف، مع العلم بأني أذهب إلى بلدي بعد شهرين أو ثلاث شهور تقريبًا .
المسافر الذي نوى إقامة تزيد على أربعة أيام في بلد تقام فيه الجمعة وتقام فيه الجماعة؛ فإنه يأخذ أحكام المقيم؛ فيلزمه أن يصلي الجمعة، وأن يصلي الجماعة مع المسلمين، وأن يتمّ الصلاة؛ لأنه أصبح مقيمًا، يأخذ حكم المقيم .
فيلزم السائل إذا أقام في البلد التي قصدها إقامة تزيد على أربعة أيام للدراسة أو لغيرها؛ تلزمه أحكام المقيمين؛ من الصيام في رمضان، وصلاة الجمعة، وصلاة الجماعة؛ كما تلزم أهل البلد؛ لأنه أصبح مقيمًا، وله حكمهم . والله أعلم .
142 ـ أرى بعض الأخوة ينام قبل دخول الخطيب ليوم الجمعة، وبعضهم لا يحضر إلا بعد الإقامة؛ فما حكم صلاة هؤلاء ؟(92/55)
يشرع التبكير لحضور صلاة الجمعة، والجلوس في المسجد لانتظارها بعد أداء تحية المسجد، وهي صلاة ركعتين، وإن زاد على ذلك وصلى حتى يحضر الإمام، أو جلس يتلو القرآن أو يذكر الله؛ ففي ذلك أجر عظيم، ثم يستمع إلى الخطبة، وينصت، ويصلي الجمعة مع المسلمين .
وصلاة الجمعة واجبة على الأعيان، لا يجوز التأخر عن حضورها إلا لعذر شرعي، وأما التأخر إلى إقامة الصلاة؛ فهذا فيه نقص عظيم، وتقويت لاستماع الخطبة، وتفويض التبكير، وأجر انتظار الصلاة في المسجد؛ ففيه تفويت لخيرات كثيرة المسلم بحاجة إليها؛ فيجب على هؤلاء الذين اعتادوا التأخير التوبة إلى الله عز وجل وترك التأخر، وأما صلاتهم؛ فهي صحيحة، لكن فوتوا على أنفسهم خيرات كثيرة .
وأما النوم من الجالس؛ فإنه لا يؤثر على وضوئه، لكن ينبغي طرد النوم، والانتباه للخطبة، والاشتغال بالعبادة قبل الخطبة؛ كما ذكرنا . والله أعلم .
أحكام صلاة العيدين
143 ـ إذا فات المأموم ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء؛ هل يجب عليه التكبير عدة مرات مثل الإمام قبل قراءة الفاتحة أم لا ؟
من فاتته صلاة العيد أو الاستسقاء؛ فإنه يستحب له أن يقضيها على صفتها، فإذا فاتته كلها؛ فإنه يقضيها على صفتها، ومن ذلك التكبيرات الزوائد، وكذلك إذا فاته بعضها؛ بأن فاته ركعة منها؛ فإنه يدخل مع الإمام فيما بقي، وإذا سلَّم الإمام؛ يقوم ويأتي بما فاته على صفته بالتكبيرات؛ لأن القضاء مثل الأداء . والله أعلم .
144 ـ ما حكم من فاتته صلاة العيد؛ الفطر أو الأضحى ؟ هل يقضيها على هيئتها أم يصليها ركعتين فقط ؟ أم ماذا يفعل ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا .
من فاتته صلاة العيد فلا بأس أن يقضيها، بأن يصلي ركعتين بالتكبيرات الزوائد بعد تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وبعد تكبيرة القيام من السجود في الركعة الثانية، ويجهر فيها بالقراءة، ويصليها منفردًا أو مع جماعة .
أحكام صلاة الكسوف(92/56)
145 ـ إذا فات المأموم الركوع الأول من الركعة الأولى من صلاة الكسوف، ولم يتمكن إلا من الركوع الثاني والسجدات الأربع؛ فهل يجب عليه قضاء ؟ وما صفة ذلك ؟
الركوع الثاني في صلاة الكسوف سنة، ولا تدرك به الركعة؛ فإذا جئت، والإمام يصلي صلاة الكسوف، وهو في الركوع الثاني من الركعة الأولى، أو من الركعة الثانية؛ فالركوع الثاني هذا لا يُعتدُّ به، ولا تُدرك به الركعة، ولكن تدخل مع الإمام فيه؛ لتحصل على الفضلية، فإذا سلَّم الإمام تقوم وتأتي بما فاتك على صفته، تأتي بركعة كاملة؛ بركوعين وسجدتين؛ لأن القضاء يحكي الأداء . والله أعلم .
أحكام صلاة الجنائز
146 ـ ما هي الصفة الصحيحة التي وردت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في غسل الميت ؟
الصفة المشروعة في غسل الميت هو أن الإنسان يغسل فرج الميت، مع ستره ثم يشرع في تغسيله، فيبدأ في أعضاء الوضوء، ويوضئه؛ إلا أنه لا يدخل الماء فمه ولا أنفه، وإنما يبل خرقة وينظف أنفه وفمه بها، ثم يغسل بقية الجسد، ويكون ذلك بسدر، والسدر هو المعروف، يدق ثم يوضع بالماء، ثم يضرب باليد حتى يكون له رغوة، فتؤخذ الرغوة ويغسل بها الرأس واللحية، ويغسل بقية البدن بفضل السدر؛ لأن ذلك ينظفه كثيرًا، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا، والكافور طيب معروف، قال العلماء : من فوائده أنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام .
147 ـ ما كيفية الصلاة على الميت ؟(92/57)
كيفية الصلاة على الميت : أن يكبر تكبيرة الإحرام، ويتعوذ بعد التكبير مباشرة ولا يستفتح، ثم يسمي ويقرأ الفاتحة . ثم يكبر، ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل الصلاة عليه في التشهد الأخير من صلاة الفريضة . ثم يكبر، ويدعو للميت بما ورد، ومنه : ( اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبلده دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوج، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه ) [ انظر : صحيح مسلم ( 2/662، 663 ) ] ، وإن كان المصلى عليه أنثى؛ قال : ( اللهم اغفر لها . . . " ؛ بتأنيث الضمير في الدعاء كله، وإن كان المصلى عليه صغيرًا؛ قال : ( اللهم اجعله لوالديه فرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا ) [ انظر : صحيح البخاري ( 2/91 ) ] ، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم« . ثم يكبر ويقف بعد التبكير قليلاً، ثم يسلم عن يمينه تسليمة واحدة .
148 ـ من فاتته بعض التكبيرات من صلاة الجنازة؛ ماذا يفعل ؟
من فاتته بعض التكبيرات من صلاة الجنازة؛ فإنه يأتي بها على صفتها مع الذكر الذي بعدها ما دامت لم ترفع، فإن خشي رفعها قبل إكمال الصلاة عليها؛ فإنه يتابع التكبيرات، ثم يسلم قبل رفعها .
149 ـ ما حكم الصلاة على الغائب ؟ وهل يصح الاحتجاج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على النجاشي ؟ أفتوني مأجورين .(92/58)
الصحيح أن الصلاة على الغائب تشرع إذا لم يصل عليه في الموضع الذي مات فيه؛ كما في قصة النجاشي (12) ، وكذلك من كان له شأن في الإسلام؛ كالعلماء والقادة الصالحين الذين قدموا للإسلام خدمة عظيمة، أما المسلم العادي الذي قد صلي عليه في موضع موته؛ فلا داعي أن تصلى عليه صلاة الغائب، لكن يدعى لأموات المسلمين، ويُترحم عليهم، ويُستغفر لهم، ولو لم تُصلَّ عليه صلاة الغائب .
150 ـ هل تجوز صلاة الجنازة على الشهيد الذي مات في معركة مع الكفار ؟
الشهيد الذي قتل في المعركة مع الكفار من أجل إعلاء كلمة الله لا يغسل ولا يكفن بغير ثيابه التي قتل فيها، وإنما يكفن بثيابه التي قتل فيها؛ بعد نزع الحديد والجلود عنه، ولا يغسل؛ لأن الدم الذي عليه من أثر الشهادة والقتل في سبيل الله ينبغي أنه يبقى عليه ولا يزال بالغسل؛ لأنه يجيء يوم القيامة يثعب دمًا، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، ولما كان هذا الدم ناشئًا عن طاعة الله سبحانه وتعالى؛ فينبغي أن يبقى للشهيد ولا يغسل؛ لأنه كرامة من الله سبحانه وتعالى، وأثر طاعة، وهو محبوب عند الله عز وجل، ولا يصلّى عليه أيضًا؛ لأن الله أكرمه بالشهادة ورفعه بها، وهكذا وردت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم (13) ، فيكفن بثيابه وبدمائه، ويدفن من غير أن يصلى عليه، ولأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون :
فقال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ سورة آل عمران : آية 169 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [ سورة البقرة : آية 154 ] .(92/59)
فالشهيد له خاصية دون غيره من الأموات، ومن خاصيته؛ أنه لا يصلى عليه، ولا يغسل، ويكفن في ثيابه التي قتل فيها .
151 ـ تنشر على مساحات كبيرة في بعض الصحف تعازي لبعض الناس في وفاة أقربائهم، وأحيانًا تكون الكتابة بلون أبيض على صفحات سوداء، وأحيانًا بعض العبارات فقط؛ فما حكم هذا العمل ؟
التعزية لأهل الميت بالدعاء لهم ولميتهم مشروعة إذا كانت في حدود الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بأن يقول لأخيه المصاب إذا لقيه : ( أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك، وغفر لميتك ) (14) ، وإذا كان بعيدًا عنه، وكتب له خطابًا ضمنه هذه التعزية؛ فلا بأس بذلك، وأما الإعلان في الصحف عن وفاة الميت؛ فلا داعي له؛ إلا إذا كان القصد منه الإعلام بوفاته من أجل أن يقوم من له عليه حقوق لاستيفائها، أو من أجل بيان مكانة الصلاة على جنازته من أجل الحضور لذلك، أما إذا كان من أجل الإشادة به والمدح؛ فهذا لا ينبغي؛ لأنه قد يفضي إلى المبالغة والإطراء، وأيضًا هنا العمل يستدعي تكاليف مالية تدفع للجريدة في مقابل الإعلان، وهو عمل لا يترتب عليه فائدة، وكذا لا يشرع الإعلان عن مكان العزاء، ولا إقامة حفلات وولائم .
قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة ) (15) .
أحكام المساجد
152 ـ ما حكم أخذ المرأة أطفالها إلى المسجد ؟
أخذ الأطفال للمسجد فيه تفصيل : فإن كانوا يبلغون سن السابعة؛ فإنهم يذهب بهم إلى المسجد من أجل تمرينهم على الصلاة وتربيتهم عليها وتصح منهم نافلة، وإن كانوا دون السابعة؛ فإنهم لا يذهب بهم إلى المسجد؛ إلا إذا أمن من أذاهم للمصلين، وإساءتهم إلى المسجد، أو تنجيسه بأن أمكن ضبطهم، وكان هناك حاجة إلى الذهاب بهم؛ كأن يخاف عليهم إذا بقوا في البيت .
153 ـ هل يجوز للمرأة أن تحضر أكلاً أو شربًا أو بخورًا في المسجد وتهدي ثواب ذلك لميتها ؟(92/60)
يجوز للمسلم رجلاً كان أو امرأة إحضار طعام أو إحضار ماء شراب في المسجد للمحتاجين؛ بشرط عدم تلويث المسجد بذلك، وكذلك إحضار البخور لتطييب الرجال المصلين لا تطييب النساء؛ فإن ذلك لا يجوز؛ كل ذلك مستحب وطاعة ويرجى فيه حصول الثواب، سواء قصد الثواب لنفسه أو لميته، رجلاً كان أو امرأة؛ لأن هذه الأشياء من القرب المشروعة .
لكن كما ذكرنا؛ لابد من مراعاة عدم تلويث المسجد، والتحفظ من سقوط فضلات الطعام فيه، أو تسرُّب الماء على وجه يلوثه .
154 ـ تتعمد بعض النساء حين يحضرن إلى المسجد الحديث مع بعضهن في أمور خارج العبادة، وأحيانًا لا ينهين حديثهن إلا عند ركوع الإمام؛ فما الحكم في ذلك ؟
من حضر في المسجد من الرجال والنساء؛ فإنه يراعي حرمة المسجد وحرمة العبادة؛ فلا يخوض في حديث الدنيا؛ لأن ذلك يسيء إلى المسجد، ويشغل عن العبادة، ويفوت الفرصة على المسلم في هذا المكان الطاهر .
ومن باب أولى لا يجوز الانشغال بالحديث عن الدخول في الصلاة مع الإمام من أولها؛ لأن هذا يفوِّت فضل تكبيرة الإحرام، ويعرِّض الركعة للفوات، ويشوش على الإمام وعلى المصلين .
155 ـ ما حكم من يتكلم في المساجد بغير ذكر الله ؟
لا ينبغي أن يتكلم المصلي في المساجد بغير ذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن، وعليه أن يغتنم الفرصة، ويعمر المسجد بذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وبالصلاة .
قال سبحانه وتعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ } [ سورة النور : آية 36، 37 ] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المساجد إنما بنيت لذكر الله عز وجل ) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/237 ) ] .(92/61)
وإذا احتاج إلى أن يتحدث في أمر مباح من أمور الدنيا؛ فلا حرج في ذلك، يباح أن يتحدث الإنسان في أمر من أمور الدنيا عند الحاجة إلى ذلك، أما أن يشغل وقته في غير حاجة بالكلام الكثير، كأنه في شارع، أو كأنه في سوق، أو كأنه في مقهى؛ فهذا لا يتناسب مع المساجد، وإذا أراد الحديث في مثل هذه الأمور؛ فليخرج إلى الشارع أو إلى الأماكن المناسبة لمثل هذا .
أما إذا كان الكلام محرمًا؛ كالغيبة، والنميمة، وغير ذلك؛ فالأمر أشدُّ، وهذا حرام في المسجد وغيره، ولكنه في المسجد أشدُّ حرمة .
فعلى المسلمين أن يتنبهوا لذلك، وأن يغتنموا وجودهم في بيوت الله، فيعمروها بذكر الله، وأن يشغلوا وقتهم فيما فيه خيرهم ونفعهم .
الجامع لأحكام الصلاة
156 ـ توفي والدي رحمه الله بعد أن مرض مرضًا نفسيًّا طالت مدته، وكان في فترة المرض لا يصوم ولا يصلي، كما كان أيضًا قبل مرضه يتكاسل أحيانًا كثيرة عن الصلاة، ولكن؛ هل يجوز أن أصلي عنه، أو أصوم عنه؛ قضاء عما تركه في حياته من صوم أو صلاة ؟
الصلاة لا تقضى عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد؛ فالواجب على المسلم أن يحافظ على صلاته، وأن يحافظ على بقية دينه، ولا يتساهل فيه؛ خشية أن يدركه الموت وهو مفرط في دينه ومضيع للصلاة .
ووالدك إن كان مختل الشعور حال تركه للصلاة؛ فلا شيء عليه؛ لأنه معذور .
157 ـ كثير من الشباب يصلون، ولكنهم في نفس الوقت يقومون بأعمال لا ترضي الله سبحانه وتعالى، ولما تسألهم يقولون؛ بأن الصلاة تأخذ مكانًا وتلك الأعمال تأخذ لها مكانًا؛ فما هو الحكم ؟
الصلاة لابد منها، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وتركها كفر، من تركها متعمدًا؛ فقد كفر؛ كما صحت بذلك الأدلة من الكتاب والسنة؛ فهي عمود الإسلام، وهي – كما قال الله جل وعلا – تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فلابد من الصلاة .
وكذلك لابد للمسلم من أن يتجنب المحرمات وما نهى الله عنه ورسوله، لابد من الأمرين .(92/62)
أما أن يصلي؛ فهذا قد أحسن وأدى ما عليه من واجب دينه، وأما كونه يغشى شيئًا من المحرمات؛ فهذا لا يجوز له، والصلاة لا تكفر الذنوب الكبائر، فإذا كانت هذه الأمور التي يغشاها من الكبائر؛ فإن الصلاة لا تكفرها، ولا يجوز للإنسان أن يفعل ما شاء من المحرمات بحجة أنه يصلي؛ فإن المسلم مطلوب منه أداء الواجبات، وفي مقدمتها الصلاة بعد الشهادتين، ومنهي عن فعل المحرمات؛ فلابد أن يؤدي المأمورات، ويتجنب المحرمات ويكون قائمًا بدينه كله؛ فلا يبني من جانب ويهدم من جانب آخر؛ فهذا واجب المسلم، وهو أن يقيم دينه كله، ولا يقيم بعضه ويهدم البعض الآخر؛ فالذي يصلي لا تكفر الصلاة عنه الكبائر التي يفعلها، وإنما الصلاة تكون جانبًا من جوانب الدين، وهي من أهم الجوانب، لكن تبقى عليه الجوانب الأخرى، وهي ترك المحرمات، والابتعاد عن المناهي، هذا مطلوب من المسلم، هذا ما يجب على المسلم في دينه، فعل الأوامر وترك ما نهى الله عنه ورسوله، حتى يكون دينه سليمًا، والله جل وعلا كما أنه أمر بالطاعة؛ نهى كذلك عن المعصية؛ فلا بد للعبد من تحقيق الأمرين : فعل الأوامر، وترك المنهيات، وإلا كان دينه ناقصًا .
158 ـ هل يجوز للشخص أن يدعو لوالديه في الصلاة قبل نفسه؛ كأن يقول : اللهم اغفر لوالدي، واغفر لي؛ اعترافًا بالجميل منه ؟
المشروع أن يبدأ الإنسان بنفسه في الدعاء، ثم يدعو لوالديه ولمن شاء من المسلمين، والله جل وعلا ذكر من أدعية الأنبياء في القرآن أنهم يبدؤون بأنفسهم :
فهذا نوح عليه السلام يقول : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ سورة نوح : آية 28 ] ، فبدأ بنفسه ثم دعا للمؤمنين والمؤمنات .(92/63)
وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول : { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [ سورة إبراهيم : آية 41 ] ، فبدأ بنفسه أولاً، ويقول : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } [ سورة إبراهيم : آية 35 ] ؛ دعا الله أن يجنبه عبادة الأصنام قبل أن يدعو لبنيه .
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [ سورة محمد : آية 19 ] ؛ فأمره أن يستغفر لذنبه أولاً، ثم بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات .
فهذا يدل على أن الداعي يبدأ بنفسه أولاً .
أما إذا قدم والديه أو غيرهما على نفسه؛ فهذا دليل على فتور رغبته في طلب المغفرة له، أو على أنه يزكي نفسه، وأن غيره أولى منه بذلك .
159 ـ أقضي كل واجباتي الدينية، لكن أثناء الصلاة يكون قلبي مشغولاً ببعض الأشياء؛ ما صحة صلاتي هذه ؟
يجب على المسلم أن يستحضر قلبه في صلاته، وأن يكون خاشعًا لله عز وجل في صلاته؛ بحضور قلبه، وإقباله على صلاته، وقطع الوساوس والهموم وأشغال الدنيا؛ لأنه في عبادة عظيمة، وفي موقف عظيم بين يدي ربه عز وجل .
أما إذا شغلته الوساوس، وصار يصلي بجسمه دون قلبه؛ فصلاته لا تعتبر صلاة مفيدة له عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن العبد لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها؛ فقد يفرغ الإنسان من الصلاة ولا يكتب له منها شيء، وقد يكتب له نصفها، أو ربعها، أو عشرها، أو أقل من ذلك أو أكثر؛ حسب حضور قلبه في صلاته .
فعلى المسلم أن يطرد عنه الوساوس في الصلاة، وأن يقطع عنه أعمال الدنيا، ويقبل على الله سبحانه وتعالى في صلاته، حتى تكون صلاة صحيحة ظاهرًا وباطنًا .(92/64)
أما الذي يصلي ولا يحضر قلبه في الصلاة وينشغل بأعمال الدنيا وبالوساوس والأفكار؛ فهذا يعتبر قد صلى ظاهرًا؛ بحيث لا يؤمر بالإعادة، ولكنه لا يعد مصليًا في الباطن فيما بينه وبين الله .
160 ـ سائل يقول بأنه شاب في السابعة عشرة من عمره، محافظٌ على الصلوات الخمس، وملتزمٌ بالدين؛ إلا أنه يعاني من كثرة الوساوس في الوضوء وأثناء الصلاة؛ فهل يخل هذا في عقيدته ؟ وبماذا تنصحونه ؟
الوساوس من الشيطان؛ فهو الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، ويحصل التخلص منه بالاستعاذة بالله منه، وكذلك بالإكثار من ذكر الله؛ فإن ذكر الله يطرد الشيطان، والغفلة عن ذكر الله تسبب تسلطه ووسوسته .
وكذلك يجب عدم التأثر بوسوسته، وعدم الالتفات إليه، وأن يبني الإنسان على اليقين، ولا يلتفت إلى وسوسته؛ كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما يوسوس الشيطان إلى الإنسان في انتقاض وضوئه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/43 ) ] .(92/65)
كتاب الزكاة
أحكام زكاة الحلي ( النقدين )
161 ـ اشتريت كمية من الذهب بمبلغ خمس مئة دينار مثلاً، ومضى على الذهب مدة سنة؛ فهل أدفع هذه الزكاة عن مقدار الخمسمائة دينار ؟ أم أدفع الزكاة عن ثمن الذهب الذي يستحقه في تاريخ دفع الزكاة؛ أي : بعد مرور سنة؛ لأن الذهب ينخفض سعره ويزيد كما تعلمون ؟
إن من ملك نصابًا من الذهب لأجل القنية والتملك؛ فإنه يخرج زكاته منه، وهي ربع العشر، مع غض النظر عن القيمة؛ لأن المراد إخراج زكاة الذهب منه، فإن كان يريد أن يخرج من نقد آخر؛ فحينئذ يعرف كم قيمة ربع عشر الذهب الذي عنده بالعملات الأخرى ويخرجها، فإن أخرج الجزء المطلوب من الذهب؛ أخرجه بوقته، مع غض النظر عن قيمته زائدة أو ناقصة؛ لأنه أخرج زكاة الذهب ذهبًا .
أما إن كان قد اشترى الذهب لأجل الاتجار به وطلب الربح عند غلاء ثمنه؛ فهذا يجب عليه أن يقومه ويعرف مقدار قيمته وقت إخراج الزكاة، ويخرج ربع عشر قيمته؛ بالغة ما بلغت .
162 ـ هل على الحلي الذي يلبس سواء كان ذهبًا أو فضة زكاة خاصة وما مقدارها ؟
إن الله سبحانه وتعالى أوجب الزكاة في الذهب والفضة وفي غيرهما من الأموال النامية؛ كبهيمة الأنعام، وعروض التجارة، والخارج من الأرض، وإذا بلغ الذهب أو الفضة نصابًا فأكثر؛ فإنه تجب فيهما الزكاة كسائر الأموال الأخرى .
ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وهي بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه، ومقدارها بالغرامات اثنان وتسعون غرامًا .
ونصاب الفضة مئة وأربعون مثقالاً، ومقدارها بالريال الفضي السعودي المعروف ستة وخمسون ريالاً .
فإذا بلغ الذهب أو الفضة هذا المقدار فأكثر؛ فإنه تجب فيه الزكاة ربع العشر، ومثل ذلك النقود الورقية؛ لأنها تقوم مقام الذهب والفضة؛ فإذا بلغت النقود الورقية قيمة نصاب الفضة – يعني : بلغ صرفها صرف ستة وخمسين ريالاً من الفضة فأكثر -؛ فإنها تجب فيها الزكاة .(93/1)
وأما الحلي المعد للباس والزينة؛ فهذا محل خلاف بين أهل العلم والجمهور، على أنه لا زكاة فيه؛ مادام أنه معد للاستعمال، أو العارية، ولم يعد للتجارة أو للقنية؛ فهو كسائر المستعملات؛ لأنه تحول من كونه مالاً ناميًا إلى كونه مالاً مستعملاً؛ كالملابس، والمساكن، والمراكب، وغير ذلك . هذا قول جمهور العلماء أهل العلم سلفًا وخلفًا .
وذهب بعض العلماء إلى وجوب الزكاة في الحلي، ولو كان معدًّا للاستعمال؛ لأدلة رأوها وأخذوا بها، مع العمومات التي توجب الزكاة في الذهب والفضة، ولم ينظروا إلى ما عرض للحلي من تحويله من كونه مالاً ناميًا إلى كونه مالاً ملبوسًا مستعملاً، فرأوا بقاء وجوب الزكاة فيه .
وعلى كل حال؛ فإذا زكاه الإنسان؛ فهذا أحوط وأبرأ لذمته وخروج من الخلاف . والله أعلم .
163 ـ هل يجوز للمرأة أن تزكي على الذهب والمجوهرات التي تستخدمها للاستعمال الشخصي ؟
ما تستعمله المرأة من المجوهرات غير الذهب والفضة في التحلي لا تجب عليه الزكاة فيه من غير خلاف؛ لأنه معد للبس لا للتجارة؛ كالثياب الملبوسة، وأما ما تتحلى به من الذهب والفضة؛ ففي وجوب الزكاة فيه خلاف بين أهل العلم، الأكثر منهم على عدم وجوب الزكاة فيه؛ لأنه تحول من كونه مالاً ناميًا إلى كونه مستعملاً، والزكاة إنما تجب على الأموال النامية، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الزكاة فيه؛ فمن زكاه من باب الاحتياط والخروج من الخلاف؛ فهو أحسن .
164 ـ هل على الذهب المستعمل زكاة ؟
اختلف العلماء في وجوب الزكاة في الذهب الذي تلبسه المرأة للتزين والتحلي به على قولين :
القول الأول، وهو قول الجمهور : أنه لا زكاة فيه؛ لأنه لم يعد للنماء، وإنما أعد للاستعمال؛ فهو كالثياب والدواب المستعملة . وهذا قول جماعة من الصحابة .
والقول الثاني : أن فيه الزكاة؛ أخذًا بالعمومات الواردة في وجوب الزكاة في الذهب، ولأدلة خاصة وردت في ذلك، رأى أهل هذا القول صحتها .(93/2)
والمسألة مبسوطة في كتب الفقه، ومن أراد الاحتياط ودفع الزكاة عن الحلي المستعمل؛ فهذا أحسن .
165 ـ ما حكم الإسلام في زكاة حلي النساء؛ هل تجب ؟ أم أن إخراجها فقط هو الأحوط ؟ جزاكم الله خيرًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين .
هذه المسألة كما لا يخفاكم خلافية؛ فالأئمة الثلاثة أحمد والشافعي ومالك، بل كثير من أهل العلم؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، كثير من أهل العلم يقولون : إنه لا زكاة في حلي المرأة المعد للاستعمال؛ لأنه صار من جملة اللباس ومن جملة الحاجيات المستعملة؛ فلا زكاة فيه .
وذهب طائفة من أهل العلم، وهو مذهب الحنفية وجماعة من أهل العلم : أنه تجب فيه الزكاة بأدلة استدلوا بها في هذه المسألة .
وعلى كل حال؛ من أراد الاحتياط، وأراد أن يزكي؛ فهذا شيء طيب، والذين قالوا : لا زكاة في حلي المرأة؛ أجابوا على الأحاديث التي استدل بها الموجبون بأنها أحاديث فيها مقال .
166 ـ كيف تقدر المرأة حليها التي تريد دفع زكاته ؟ هل بقيمته أو بوزنه ؟ وهل تزكيه ذهبًا من جنسه أم تخرج نقدًا عنه ؟ وما مقدار النصاب وزكاته ؟
الحلي إذا كان معدًّا للتجارة أو معدًّا لغير الاستعمال تجب فيه الزكاة قولاً واحدًا من غير خلاف بين أهل العلم .
وزكاته تكون بقيمته إذا كان معدًّا للتجارة ( معروضًا للبيع ) تكون بقيمته، فيقوَّم ويخرج منه ربع عشر قيمته .
أما إذا كان مرصدًا لغير اللبس ولغير التجارة، وإنما للاحتفاظ به؛ فهذا تعتبر الزكاة في وزنه، فإذا بلغ وزنه عشرين مثقالاً، وهي أحد عشر جنيهًا سعوديًّا ونصف جنيه تقريبًا؛ فإنه تجب الزكاة فيه على حسب وزنه ربع العشر، وله أنه يخرجها منه، وله أن يخرجها نقودًا من غيره من الأوراق النقدية أو من الفضة .(93/3)
أما الحلي المعد للاستعمال؛ فهذا فيه خلاف بين أهل العلم : هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب ؟ والصحيح الذي يظهر لي أنه لا زكاة فيه؛ لأن الحلي مثل الثياب والدواب وبهيمة الأنعام التي تتخذ للعمل عليها أو لتأجيرها أو ما أشبه ذلك وكذلك التي تتخذ للركوب، هذه لا زكاة فيها، مع أنها من الأموال الزكوية إذا كانت لغير الاستعمال بل كانت للنماء والزيادة، أما إذا كانت لغير النماء، وإنما هي للاستعمال؛ فهي لا تزكى، بهيمة الأنعام والملابس وسائر الأمور التي لا تتخذ للنماء والزيادة وإنما تتخذ للاستعمال، ومنها الحلي . هذا وجه هذا القول .
ومن العلماء من ذهب إلى أنه تجب فيه الزكاة، ولو كان معدًّا للاستعمال أو العارية؛ أخذًا بالعمومات التي توجب الزكاة في الذهب والفضة، ولأدلة خاصة وردت في ذلك؛ فالمسألة خلافية، وإذا زكي الحلي المعد للاستعمال من باب الاحتياط؛ فحسن . وتكون زكاته على وزنه كما سبق .
167 ـ عندي مبلغ من المال جمعته لبناء منزل؛ حيث إننا نسكن في منزل بالإيجار السنوي، وليس لنا من يعولنا؛ فهل يجب عليَّ الزكاة من هذا المبلغ ؟ وكيف يتم إخراجها إن وجبت ؟
نعم؛ إذا تجمع لديك دراهم، وبلغت النصاب فأكثر، وحال عليها الحول؛ وجبت فيها الزكاة، حتى ولو كنت تنوي أن تبني بها مسكنًا، أو تشتري بها حاجة من الحوائج؛ مادام أنها دراهم بلغت النصاب فأكثر، وحال عليها الحول، وهي في ملكك؛ فإنها تجب فيها الزكاة؛ بأن تخرج منها ربع العشر .
168 ـ المال المدخر للحج في أحد المصارف الإسلامية؛ هل تجب فيه الزكاة أو لا ؟
المال إذا بلغ النصاب بنفسه، أو بضمه إلى غيره، وحال عليه الحول؛ فإنه تجب فيه الزكاة، ولو كان مدخرًا للحج أو للنفقة أو لغير ذلك؛ فإن المال إذا حال عليه الحول وهو في ملك صاحبه من نقود أو عروض تجارة أو سائمة الأنعام؛ فإنه تجب فيه الزكاة عند كل حول .
أحكام عروض التجارة(93/4)
169 ـ السؤال عن زكاة الحلي : الذهب المختزن ولم يُعد للزينة، بل للاحتفاظ بقيمته، وهو حلي ؟
نعم؛ فالحلي إذا كان مُعدًّا للتجارة والاحتفاظ بقيمته يعتبر من الرصيد، إذا احتاجه الإنسان؛ باعه، أو إذا ارتفع ثمنه؛ باعه؛ فهذا تجب فيه زكاة، وتجب الزكاة في قيمته لا على وزنه، فيثمن عند تمام الحول بما يساوي، ثم يُخرج ربع العشر من قيمته المقدرة .
أما إذا كان محتفظًا به للقنية فقط، لا يراد به التجارة؛ فهذا تجب فيه الزكاة أيضًا، ولكن تجب الزكاة على وزنه إذا بلغ نصابًا، ( بلغ 11 . 5 جنيه سعودي تقريبًا ) ؛ فإنه تجب فيه الزكاة، والزكاة هنا على وزنه إذا كان معدًا للقنية؛ لا للتجارة، ولا للبس، وإنما محتفظ به للقنية .
وإذا كان معدًّا للبيع والشراء؛ فإن الزكاة تجب على قيمته لا على وزنه، قد يكون أنقص من النصاب ومع هذا تجب الزكاة على قيمته؛ لأنه معد للتجارة .
170 ـ هناك شخص لديه ثلاث قطع من الأرض : قطعة منحت له، وقطعة أخرى اشتراها لكن سوف يتم بيعها ولا يدري كما مقدار ثمن بيعها، والثالثة قد عمل على بنائها؛ فهل يجب عليه دفع الزكاة عن هذه القطع الثلاث ؟
أما القطع التي ينويها للتملك والعقار؛ فهذه لا زكاة فيها، أما الأرض التي اشتراها بنية البيع؛ فإنها تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول؛ بأن يقوِّمها بما تساوي حينذاك، ويخرج ربع العشر من قيمتها المقدرة؛ لأنها من عروض التجارة . والله أعلم .
171 ـ لي قطعة أرض، وكنت قد اشتريتها منذ تسع سنوات، والقصد منها التجارة، وقمت ببيعها كالآتي : بعث ثلثي هذه الأرض، واستلمت ثمنها على دفعتين، والثلث الآخر بالقسط على ثمانية وعشرين شهرًا؛ فهل يجب عليَّ الزكاة عنها للأعوام السابقة حتى العام الحالي أم لا ؟(93/5)
الزكاة تجب في عروض التجارة؛ فإذا اشتريت أرضًا للبيع؛ فإنها تصبح عرضًا من عروض التجارة، والسائل يسأل عن قطعة أرض اشتراها بنية التجارة، وبقيت عنده مدة تسع سنين، ثم باعها بثمن مقسط ( على أقساط ) ؛ فماذا يجب فيها ؟
نقول : يجب عليك أن تزكيها لكل السنين التي بقيت قبل البيع؛ ما دمت أنك عرضتها للبيع كل هذه السنين؛ فإنها في كل سنة تمر عليها تجب فيها الزكاة، وذلك بأن تقوِّمها بما تساوي وقت تمام الحول، ثم تخرج ربع العشر من قيمتها التي قومتها بها حسبما تساوي من يومها وفي وقتها، فيجب عليك أن تزكيها بعدد السنين التي بقيت في ملكك، وكذلك يجب عليك أن تزكي قيمتها التي بعتها بها؛ فما قبضته منها؛ فإنك تزكيه إذا حال عليه الحول، وما بقي بذمة المشتري؛ فإنك تزكيه أيضًا عن كل سنة إذا كان المشتري مليًّا وقادرًا على السداد، أما إذا كان المشتري مفلسًا أو معسرًا، ولا تدري هل يتمكن من الوفاء أو لا يتمكن؛ فإنك تزكي ما في ذمته إذا قبضته، تزكيه لسنة واحدة إذا قبضته .
172 ـ تم الاتفاق بيني وبين شخص ما على أن أمنحه قطعة أرض زراعية يقوم بزراعتها مقابل أن يمنحني ( 10% ) من الإنتاج، وبعد الحصاد استلمت النسبة الخاصة بي من الإنتاج؛ فهل أقوم بإخراج الزكاة منها، أم يجب أن يستخرج هو الزكاة كاملة من الإنتاج الذي هو من نصيبه ؟
إذا بلغ نصيبك نصاب الحبوب؛ فيجب عليك أن تزكيه، وإذا زكى الجميع هو قبل أن يعطيك نصيبك؛ فهذا يكفي، أما إذا دفع إليك نصيبك، ثم زكى هو نصيبه فقط؛ فإنه عليك أن تزكي نصيبك إذا بلغ نصاب الحبوب؛ لأنك تملكه وقت وجوب الزكاة، وهو اشتداد الحب؛ إلا أنه مشاع مع نصيب المزارع .
ونصاب الحبوب هو ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي . والله أعلم .
173 ـ لدي مبلغ من المال قدره سبعة آلاف جنيه مصري، وقد وضعتها في مشروع تجاري استثماري؛ فهل عليه زكاة ؟ وما مقدارها ؟ ولمن أعطيها ؟ وهل أزكي أصل المال فقط أم الأصل والربح ؟(93/6)
المال المستثمر في التجارة تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب فأكثر، وتجب في ربحه أيضًا، ويكون ربحه تبعًا له؛ يزكى مع الأصل؛ فعليك أن تدفع الزكاة من هذا المال إذا حال الحول، وتضيف إليه الريح، ثم تخرج الزكاة من الجميع ربع العشر .
أما لمن تدفع الزكاة؛ فأنت تدفعها للذين عيَّنهم الله تعالى في قوله : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } إلى آخر الآية [ سورة التوبة : آية 60 ] ، تدفع الزكاة إلى أحد هذه الأصناف الثمانية؛ تعطيها للفقراء والمساكين، وهم كثي، وتجدهم متوافرين، وهم بحاجة إلى ذلك، فتدفع الزكاة إليهم .
أحكام زكاة الفطر
174 ـ ما حكم دفع قيمة صدقة الفطر وقيمة الأضحية والعقيقة ليشترى بها طعام يدفع وشاة تذبح في بلاد أخرى للفقراء هناك ؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فقد قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [ سورة الحشر : آية 7 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ) ، أخرجه البخاري [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/24 ) ] .(93/7)
وإن بعض الناس في هذا الزمان يحاولون تغيير العبادات عن وضعها الشرعي، ولذلك أمثلة كثيرة؛ فمثلاً صدقة الفطر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجها من الطعام في البلد الذي يوجد فيه المسلم عند نهاية شهر رمضان؛ بأن يخرجها في مساكين ذلك البلد (1)، وقد وجد من يفتي بإخراج القيمة بدلاً من الطعام، ومن يفتي بدفع دراهم يشتري بها طعام في بلد آخر بعيد عن بلد الصائم وتوزع هناك، وهذا تغيير للعبادة عن وضعها الشرعي؛ فصدقة الفطر لها وقت تخرج فيه، وهو ليلة العيد أو قبله بيومين فقط عند العلماء، ولها مكان تخرج فيه، وهو البلد الذي يوافي تمام الشهر والمسلم فيه، ولها أهل تصرف فيهم، وهم مساكين ذلك البلد، ولها نوع تخرج منه، وهو الطعام؛ فلا بد من التقيد بهذه الاعتبارات الشرعية، وإلا فإنها لا تكون عبادة صحيحة، ولا مبرئة للذمة .
وقد اتفق الأئمة الأربعة على وجوب إخراج صدقة الفطر في البلد الذي فيه الصائم مادام فيه مستحقون لها، وصدر بذلك قرار من هيئة كبار العلماء في المملكة؛ فالواجب التقيُّد بذلك، وعدم الالتفات إلى من ينادون بخلافه؛ لأن المسلم يحرص على براءة ذمته، والاحتياط لدينه، وهكذا كل العبادات لابد من أدائها على مقتضى الاعتبارات نوعًا ووقتًا ومصرفًا؛ فلا يغير نوع العبادة الذي شرعه الله إلى نوع آخر .(93/8)
فمثلاً : فِديَةُ الصيام بالنسبة للكبير الهرم والمريض المزمن اللذين لا يستطيعان الصيام قد أوجب الله عليهما الإطعام عن كل يوم بدلاً من الصيام، قال الله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، وكذلك الإطعام في الكفارات كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة اليمين، وكذلك إخراج الطعام في صدقة الفطر؛ كل هذه العبادات لابد من إخراج الطعام فيها، ولا يجزئ عنه إخراج القيمة من النقود؛ لأنه تغيير للعبادة عن نوعها الذي وجبت فيه؛ لأن الله نص فيها على الإطعام؛ فلا بد من التقيُّد به، ومن لم يتقيَّد به؛ فقد غيَّر العبادة عن نوعها الذي أوجبه الله .
وكذلك الهدي والأضاحي والعقيقة عن المولود؛ لابد في هذه العبادات أن يذبح فيها من بهيمة الأنعام النوع الذي يجزئ منها، ولا يجزئ عنها إخراج القيم أو التصدق بثمنها :
لأن الذبح عبادة : قال تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [ سورة الكوثر : آية 2 ] ، وقال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة الأنعام : آية 162 ] .
والأكل من هذه الذبائح والتصدق من لحومها عبادة : قال الله تعالى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [ سورة الحج : آية 28 ] .
فلا يجوز ولا يجزئ إخراج القيمة أو التصدق بالدراهم بدلاً من الذبح؛ لأن هذا تغيير للعبادة عن نوعها الذي شرعه الله فيه، ولابدّ أيضًا أن تذبح هذه الذبائح في المكان الذي شرع الله ذبحها فيه :
فالهدي يذبح في الحرم : قال تعالى : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج : آية 33 ] ، وقال الله تعالى في المحرمين الذين ساقوا معهم الهدي : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } [ سورة البقرة : آية 196 ] .(93/9)
والأضحية والعقيقة يذبحهما المسلم في بلده وفي بيته، ويأكل ويتصدق منهما، ولا يبعث بقيمتهما ليشتري بها ذبيحة وتوزع في بلد آخر؛ كما ينادي به اليوم بعض الطلبة المبتدئين أو بعض العوام؛ بحجة أن بعض البلاد فيها فقراء محتاجون .
ونحن نقول : إن مساعدة المحتاجين من المسلمين مطلوبة في أي مكان، لكن العبادة التي شر الله فعلها في مكان معين لا يجوز نقلها منه إلى مكان آخر؛ لأن هذا تصرف وتغيير للعبادة عن الصيغة التي شرعها الله لها، وهؤلاء شوَّشوا على الناس، حتى كثر تساؤلهم عن هذه المسألة .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح فيها وهو مقيم بالمدينة (2) ويذبح الأضحية والعقيقة في بيته بالمدينة ولا يبعث بهما إلى مكة، مع أنها أفضل من المدينة، وفيها فقراء قد يكونون أكثر حاجة من فقراء المدينة، ومع هذا تقيد بالمكان الذي شرع الله أداء العبادة فيه، فلم يذبح الهدي بالمدينة، ولم يبعث بالأضحية والعقيقة إلى مكة، بل ذبح كل نوع في مكانه المشروع ذبحه فيه، ( وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ) .
نعم؛ لا مانع من إرسال اللحوم الفائضة من هدي التمتع وهدي التطوع خاصة دون هدي الجبران ومن الأضاحي إلى البلاد المحتاجة، لكن الذبح لابد أن يكون في المكان المخصص له شرعًا .
ومن أراد نفع المحتاجين من إخواننا المسلمين في البلاد الأخرى؛ فليساعدهم بالأموال والملابس والأطعمة وكل ما فيه نفع لهم، أما العبادات فإنها لا تغير عن وقتها ومكانها بدعوى مساعدة المحتاجين في مكن آخر، والعاطفة لا تكون على حساب الدين وتغيير العبادة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
أحكام أهل الزكاة
175 ـ شخص عليه دين لا يستطيع سداده إلا بالتقسيط؛ فهل يجوز دفع الزكاة إليه ؟(93/10)
إذا كان على الشخص دين حالٌّ، وهو مطالب به، ولا يستطيع تسديده؛ فإنه يجوز دفع الزكاة إليه لتسديد دينه، هذا إذا كان الحالّ عليه الدين كله، وإن كان الحالّ عليه قسط منه؛ فإنه يعطى ما يستطيع به أن يسدد هذا القسط الحالّ الذي هو مطالب به؛ لأنه غارم لنفسه، يدخل في قوله تعالى : { وَالْغَارِمِينَ } [ سورة التوبة : آية 60 ] . والله أعلم .
176 ـ هل تجوز دفع الزكاة للإخوة والأخوات؛ حيث إنهم صغار السن، ووالدهم متوفى، وليس هناك أي دخل يعيشون منه ؟
الإخوة والأخوات الفقراء تجب نفقتهم على قريبهم الغني؛ ينفق عليهم من ماله لا من زكاته، ولا يجوز دفع الزكاة إليهم من الناس إذا كان قريبهم قد قام بكفايتهم .
177 ـ هناك شخص يعرف أنه موسر؛ إلا أن موزع الزكاة يخشى من أذاه إذا لم يعطه؛ فهل يعطيه من الزكاة خوفًا من أذاه ؟
الزكاة تصرف في مصارفها التي عينها الله سبحانه وتعالى، ولا تصرف في غيرها؛ فالغني لا يجوز أن يعطى منها، وهذا الشخص الذي ذكرت غني؛ فلا يعطي من الزكاة؛ لأنه لا يستحقها، أما إذا أردت أن تكف لسانه وشره؛ فأعطه من غير الزكاة . والله أعلم .
178 ـ أنا رجل أعمل في التجارة، وكل سنة في شهر رمضان المبارك أزكي ما عندي من مال، وعندي عمال يعملون معي براتب شهري؛ فهل يجوز لي أن أعطيهم زكاة مالي الذي أخرجه في كل سنة ؟ أم أسلمه إلى جباة الزكاة التابعين للحكومة، وهم بدورهم يصرفونه في وجوهه؛ علمًا بأن هؤلاء العلماء من الناس المتدينين حسبما يتضح لي منهم، ومن المحتاجين إلى الزكاة؛ فهل يجوز أن أدفعها إليهم ؟ أو ولو بعثتها بواسطة شيك على أحد المصارف في بلادهم إلى أهلهم؛ هل يصح ذلك ؟ أم لابد من إخراجها نقدًا ؟
الزكاة أمرها عظيم، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، والله تعالى بيَّن مصارفها بنفسه وحددها، وذلك مما يدل على أهميتها ومكانتها في الإسلام .(93/11)
أما ما سألت عنه بحكم دفعها إلى العمال الذين يعملون لديك، وهم أهل طاعة كما ذكرت وأهل استقامة وهم فقراء أيضًا .
فالجواب : أن الزكاة لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب؛ فما دام أن هؤلاء العمال عندهم قدرة على الاكتساب وتحصيلهم ما يكفيهم باكتسابهم يسد حاجتهم إلى الزكاة؛ فلا حظ في الزكاة لغني لا لقوي مكتسب، أما إذا كان اكتسابهم لا يكفيهم، بل تلحقهم حاجة؛ فلا بأس بدفع الزكاة إليهم .
وأما ما أشرت إليه من قطع شيك بمبلغ الزكاة إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق؛ فلا مانع من ذلك .
ولكن لا يجوز أن تجعل ما تعطيهم من الزكاة في مقابل حق يجب لهم عليك أو في مقابل عمل يؤدونه لك .
179 ـ توفي شخص وعليه دين، ولم يخلف ما يسدد هذا الدين؛ فهل يجوز قضاء دينه من الزكاة ؟
لا شك أن قضاء الدين عن الميت أمر مشروع، وفيه إحسان إلى الميت، وفك لرهانه، وإبراء لذمته .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام إذا أتي بالميت ليصلي عليه؛ سأل : هل عليه دين ؟ فإن أخبر أن عليه دينًا؛ تأخر عن الصلاة، وقال : ( صلوا على صاحبكم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 6/ 195 ) ] ، وفي بعض المرات تحمل الدين عن الميت بعض الصحابة، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وحث هذا الصحابي على أداء الدين الذي التزم بأدائه إلى أن أداه، ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم على عمله هذا، وقال : ( الآن بردت عليه جلدته ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/ 330 ) ] ؛ يعني : الميت .
فلما وسع الله على رسوله؛ صار يحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء، ويصلي عليه، فدل هذا على مشروعية قضاء الدين عن الميت .
أما قضاؤه من الزكاة؛ فمحل خلاف بين أهل العلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى بيَّن مصارف الزكاة في الأصناف الثمانية، فيقتصر على ما بيَّنه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الزيادة عليها، وقضاء الدين عن الميت لا يدخل فيها فيما يظهر، وهذا أحد القولين لأهل العلم .(93/12)
والقول الثاني، وهو رواية عن أحمد، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية : أنه يجوز قضاء الدين عن الميت من الزكاة، ولكن مهما أمكن أن يقضى الدين عن الميت من غير الزكاة؛ فإنه أحوط وأحسن . والله أعلم .
180 ـ لدي أخ شقيق فقير لا يملك شيئًا من المال، وفي الوقت نفسه مريض، وأنا الذي أقوم بكفالته ورعايته؛ فهل يجوز لي إعطاؤه زكاة مالي ؟ وهل يجوز لي أن أصرف عليه للعلاج من مال الزكاة ؟ وهل يجوز إعطاء الزكاة للجد أو الجدة من الأب أو الأم؛ علمًا بأنني الذي أعولهم ؟
هذا يسأل عن أخيه الفقير وعن جده وجدته الفقيرين، وهو يقوم بالإنفاق عليهم؛ لفقرهم وعجزهم ؟ فنقول : هذا شيء أوجبه الله عليك؛ لأن نفقة القريب المحتاج تجب على قريبه الغني، ولا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة؛ لأن نفقتهم واجبة عليك في مالك، والزكاة لا تدفع وقاية عن النفقة؛ فهؤلاء الذين تنفق عليهم من أقاربك، أنت الآن تؤدي واجبًا شرعيًّا أوجبه الله عليك؛ لأن هؤلاء فقراء وأنت تستطيع الإنفاق عليهم؛ فدفع الزكاة إليهم لا يجوز؛ لأنه يكون وقاية لمالك .
181 ـ أنا أعول قُصَّرًا توفي عنهم والدهم من مدة لا تقل عن ثلاث عشرة سنة، وليس لهم من يعولهم ويرعى مصالحهم سواي بعد الله؛ علمًا بأن والدهم لم يترك لهم أي شيء من المال، ولكن تجمع لهم عندي مبلغ خمسة عشر ألف ريال من أهل الخير، ولم أصرف منه شيئًا، وقد مضى عليهم عندي خمس سنوات، وكنت على رأس كل حول أخرج زكاته من مالي الخاص، وأريد أن أشغل هذا المال في التجارة لعله ينمو أو يزيد بالحلال إن شاء الله، ولكن ليس عندي وصية بذلك من والدهم المتوفى، وليس عندي وكالة منهم بالتصرف في مالهم، وحينما طلبت منهم ذلك؛ رفضوا إعطائي؛ فهل يجوز لي أن أتصرف في مالهم لمصلحتهم دون رضاهم ؟ وهل إخراجي الزكاة من مالي الخاص جائز، أم أنه ليس عليهم إخراج الزكاة من ذلك المال المتجمع من تبرعات أهل الخير ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .(93/13)
أولاً تشكر على عنايتك بإخوتك ورعاية مصالحهم .
أما ما ذكرت من أنه تجمع لديك لهم مال من أهل الإحسان، وأنك تخرج زكاته من مالك، وأنك طلبت منهم التوكيل فرفضوا؛ فالذي يحل هذا الإشكال أن تراجع القاضي الذي بطرفكم، وتشرح له هذه القضية، ثم هو يصدر الوكالة الشرعية لك على إخوتك ورعاية مصالحهم؛ فهذا مرجعه إلى القاضي .
أما مالهم الذي ذكرت؛ فإنه تجب فيه الزكاة بلا شك؛ لأن الزكاة تجب في المال، ولو كان صاحبه صغيرًا أو قاصرًا، ويخرجها ولي ذلك الصغير أو القاصر؛ فأنت تخرج الزكاة نيابة عنهم بعد أن تحصل على الوكالة من القاضي؛ فالواجب أن تخرج الزكاة من مالهم، وإذا رأيت أن تخرج نيابة عنهم من مالك وتبرعًا منك؛ فهو شيء طيب وتشكر عليه .
الجامع لأحكام الزكاة
182 ـ المال المكون من وجوه الخير أو المحسنين وقد يكون بعضه أيضًا من الزكوات؛ هل يزكى عنه أيضًا ؟
نعم؛ إذا تجمع نصاب فأكثر لكل واحد، فتخرج الزكاة عنه؛ دون نظر إلى مصدره؛ هل هو صدقات أو من تبرعات أو من غير ذلك . ولكن يجب أن يلاحظ أنه إذا كان لهم مال يكفيهم؛ فإن الزكاة لا تحلُّ لهم .
183 ـ كيف تتم الزكاة على المال المتزايد كل شهر من رواتب الموظف؛ فقد يحول الحول وتحت يدي من المال ما تجب فيه الزكاة، ولكن بعضه لم يحل عليه الحول؛ فماذا أفعل به ؟
إذا خصصت شهرًا من السنة تخرج فيه الزكاة عن المال المتحصل لديك والمتجمع لديك، شهر رمضان مثلاً؛ فهذا شيء طيب، تخرج الزكاة عما تحصل لديك : ما كان تم حوله فتكون الزكاة قد أخرجت في وقتها، وما لم يتم حوله تكون قد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة جائز إذا كان لغرض شرعي، وهذا هو الذي لا يسع الناس – خصوصًا الموظفين – إلا العمل به .(93/14)
184 ـ أنا رجل أعمل بالتجارة منذ سبع سنوات، وفي نهاية كل سنة كنت أقوم بجرد محتويات المتجر، ثم أقوم بإخراج الزكاة، والآن عزمت على ترك هذا العمل، وبقي لي ديون عند بعض الناس؛ فهل يجوز أن أتركها عندهم باعتبارها زكاة أم لا ؟ أفيدوني أفادكم الله .
ترك الديون لا يجزئ عن زكاة المال الذي بيدك؛ فالمال الذي بيدك لابد أن تزكيه وتخرج زكاته منه أو من غيره مما تحصل عليه، أما الديون؛ فإن زكاتها فيها، فإذا كنت هذه الديون على أناس موسرين وباذلين؛ فإنه يجب عليك أن تزكيها كل عام؛ سواء قبضتها أو لم تقبضها، أما إذا كانت على معسرين، وتخشى أن لا تأتي ولا تحصل عليها؛ فإنه لا يجب عليك زكاتها؛ إلا إذا قبضتها، وتزكيها لعام واحد إذا قبضتها .(93/15)
كتاب الصيام
وجوب شهر رمضان ووقته
185 ـ عندما يحل شهر رمضان نسمع كثيرًا من الناس يباركون على بعضهم بقدومه بقولهم : " مبروك عليك شهر رمضان " ؛ فهل لذلك أصل في الشرع ؟ أفتونا مأجورين .
التهنئة بدخول شهر رمضان لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويحثهم على الاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة، وقد قال الله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ سورة يونس : آية 58 ] ؛ فالتهنئة بهذا الشهر والفرح بقدومه يدلان على الرغبة في الخير، وقد كان السلف يبشر بعضهم بعضًا بقدوم شهر رمضان؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء ذلك في حديث سلمان الطويل الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيها الناس ! قد أظلكم شهر عظيم مبارك . . . ) إلى آخر الحديث (1) .
186 ـ إذا كان أول رمضان مثلاً يوم السبت بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وبالنسبة للجزائر كان أول الشهر يوم الأحد؛ فمن كان يقطن في الجزائر وصام مع المملكة؛ هل يجوز له هذا أم لا ؟ ومع من يفطر ؟ لأنه إذا أفطر مع السعودية كان ذلك اليوم صيامًا في بلده، وإذا صام هذا اليوم كان يوم عيد في البلد التي صام معها ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/ 229 ) ] ، فعلّق صلى الله عليه وسلم وجوب الصيام برؤية الهلال، وذلك يختلف باختلاف المطالع على الصحيح من قولي العلماء، ولا شك أن المطلع في الجزائر قد يختلف عن المطلع في المملكة؛ فكل إنسان يوم مع أهل الإقليم وأهل البلد الذي هو فيه إذا رأوا الهلال ويفطر معهم؛ فأنت حكمك حكم المسلمين الذين تسكن معهم في أي إقليم كان ؛ سواء في الجزائر أو في غيرها؛ تصوم معهم وتفطر معهم .(94/1)
187 ـ إذا ثبت دخول رمضان في إحدى الدول الإسلامية؛ كالمملكة مثلاً، وفي بلاد أخرى لم يعلن دخوله؛ فما الحكم ؟ هل تصوم مع المملكة ؟ وما الأمر إذا اختلف الأمر في الدولتين ؟
كل مسلم يصوم ويفطر مع المسلمين الموجودين في بلده، وعلى المسلمين أن يهتموا برؤية الهلال في قطرهم الذي هم فيه، ولا يصوموا برؤية قطر آخر يبعد عن قطرهم؛ لأن المطالع تختلف، وإذا قدر أن بعض المسلمين في دولة غير إسلامية، وليس حولهم من المسلمين من يهتم برؤية الهلال؛ فلا بأس أن يصوموا مع المملكة العربية السعودية .
188 ـ في بعض بلاد المسلمين يعمد الناس إلى الصيام دون اعتماد على رؤية الهلال، وإنما يكتفون بالتقاويم؛ فما حكم ذلك ؟
لا يجوز ابتداء صيام شهر رمضان إلا برؤية هلاله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم؛ فاقدروا له ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/229 ) ] ، ولا يجوز الاعتماد على الحساب؛ لأنه خلاف المشروع، ولأن الحساب يخطئ كثيرًا .
لكن؛ من كان في بلاد غير إسلامية، وليس فيها جماعة من المسلمين يعتنون برؤية الهلال؛ فإنه يتبع أقرب البلاد الإسلامية إليه وأوثقها في تحري الهلال، فإن لم يصل إليه خبر يعتمده في ذلك؛ فلا بأس أن يعتمد على التقويم؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] .
واليوم وسائل الاتصال والحمد لله متوفرة، وسفارات البلاد الإسلامية منتشرة في العالم، وكذلك المراكز الإسلامية توجد في أغلب بلاد العالم؛ فعلى المسلمين أن يتعارفوا في ذلك وفي غيره من شؤون دينهم .
189 ـ ما حكم من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر ؟(94/2)
من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر؛ فإنه يجب عليه الإمساك بقية يومه، ويقضي هذا اليوم؛ لأنه لم يصمه كاملاً، حيث إنه لم ينو الصيام قبل طلوع الفجر، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا صيام لمن لم يجمع الصوم من الليل ) ، أو كما جاء [ رواه الإمام مالك في الموطأ ( 1/288 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 2/341، 342 ) ورواه الترمذي في سننه ( 3/80، 81 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 4/196-198 ) ، ورواه الدارمي في سننه ( 2/12 ) ] .
190 ـ إذا كان الجو غائمًا، وأذن المؤذن، وأفطر بعض الناس بناء على الأذان، واتضح بعد الإفطار أن الشمس لم تغب؛ فما حكم الصيام في هذه الحالة ؟
الذي عليه جمهور أهل العلم فيما أعلم : أنه إذا تبيَّن للصائم أنه أفطر قبل غروب الشمس، فإنه يجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأنه لم يتمه، والله تعالى يقول : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] .
بل إن بعضهم قال : إذا أفطر شاكًّا في غروب الشمس، ولم يتبيَّن له الحال؛ وجب عليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بيقين .
وبعض العلماء يرى أنهم إذا كان الجو غائمًا واجتهدوا في التحري وأفطروا، ثم تبيَّن بقاء النهار؛ أنه يصح صومهم؛ لأنه حصل من الصحابة رضي الله عنهم شيء من ذلك، ولم يؤمروا بالقضاء، والقول الأول أحوط .
191 ـ ما الحكم إذا شك الإنسان الذي يريد الصيام في طلوع الفجر ؟ هل له أن يأكل ويشرب حتى يستيقن من طلوع الفجر، أم أنه يعمل بالشك؛ فلا يأكل ولا يشرب ؟
على الإنسان أن يحتاط في مثل هذا الأمر؛ فإذا شك في طلوع الفجر؛ فعليه أن يتأكد وينظر في العلامات؛ فإذا رأى أن العلامات تدل على طلوع الفجر؛ فإنه لا يأكل؛ مثل أن يسمع المؤذنين، أو ينظر التقويم والتوقيت ويعرف موعد الفجر قد حان في التقويم؛ فلا يأكل .(94/3)
والذي يجب عليه في مثل هذا الأمر التثبت؛ لأنه على بداية الصيام، ويخشى أن يكون قد طلع الفجر؛ فإذا غلب على ظنه أن الفجر لم يظهر؛ فإنه يأكل ويشرب، وإذا غلب على ظنه العكس أن الفجر قد ظهر؛ فإنه يمتنع؛ فغلبة الظن تنزل منزلة اليقين، وإذا شك؛ فإن الأحسن أن لا يأكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الترمذي في سننه ( 7/205 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 8/327، 328 ) ورواه أيضًا الإمام أحمد في مسنده ( 3/112 ) ] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/19 ) ] .
192 ـ ما الحكم الشرعي للصيام فيمن سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب ؟
يجب الإمساك إذا تحقق طلوع الفجر؛ لقوله تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] .
وإذا كان المؤذن يؤذن عند طلوع الفجر؛ فإنه لا يجوز الأكل والشرب إذا أذن؛ لأن أذانه علامة على طلوع الفجر، أما إن كان المؤذن يتقدم على طلوع الفجر؛ فلا بأس بالأكل والشرب بعد أذانه، فلا يعتبر الأذان للإمساك، وإنما المعتبر طلوع الفجر أو ما يدل عليه من الأذان الذي يكون عند طلوعه، أو النظر في التوقيت اليومي .
مفسدات الصوم وما يؤثر فيه
193 ـ ما هي مفسدات الصوم عمومًا ؟
مفسدات الصوم :
ـ منها الأكل والشرب متعمدًا .
ـ ومنها الجماع .
ـ ومنها الإنزال .
ـ ومنها أيضًا أن يدخل إلى جوفه شيئًا؛ كالقطرة في العين أو في الأذن أو في الأنف إذا وصلت إلى حلقه؛ فهذا يفطر؛ لأنه أدخل إلى جوفه سائلاً متعمدًا .
ـ وكذلك أخذ الإبر المغذية؛ لأن هذه الإبر تقوم مقام الغذاء، فيفطر بها .(94/4)
ـ وكذلك من المفطرات للصائم الحجامة والفصد على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/465 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 3/118 ) وما بعدها، وانظر : صحيح البخاري ( 2/236، 237 ) ] .
ـ وكذلك الحيض والنفاس، والحائض والنفساء يحرم عليهما الصيام حال حيضها وحال نفاسها .
ـ كذلك الاستقاءة، إذا تعمد الإنسان الاستفراغ حتى حصل له القيء؛ فإنه يفطر، أما لو قاء من دون تعمد؛ بأن غلبه القيء؛ فإنه لا يفطر بذلك (2)، كذلك لو أكل أو شرب ناسيًا؛ فإنه لا يُفطر بذلك (3) .
194 ـ ما حكم الكحل والعطر ومساحيق المكياج للصائمة ؟
أما الكحل والقطرة وما يوضع في العين للصائم؛ فهذا قد يتسرب إلى حلقه، فيؤثر على صيامه، وقد قال الكثير من أهل العلم بمنع الكحل للصائم، أو أن يضع شيئًا بعينه؛ كالقطرة وغير ذلك؛ لأن العين منفذ، ويتسرب منها الشيء إلى الحلق؛ دون أن يستطيع الإنسان منع ذلك .
أما قضية المساحيق التي توضع على الوجه والأصباغ والطيب الذي يتطيب به الإنسان من العطور السائلة؛ فهذا لا بأس به؛ إلا أنه ينبغي أن يعلم أن المرأة ممنوعة من التزين والتعطر عند الخروج من البيت، بل يجب عليها أن تخرج متسترة متجنبة للطيب، ويحرم عليها التطيب عند الخروج، قال تعالى : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [ سورة الأحزاب آية : 33 ] ، وحتى في خروجها للعبادة إلى المسجد؛ فهي مأمورة بترك الزينة وبترك الطيب .
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تَفِلات ) [ رواه أبو داود في سننه ( 1/152 ) ] يعني : في غير زينة، وفي غير طيب؛ لأن الزينة والطيب مما يجلب الأنظار، ويسبب الفتنة .
وقد ابتليت بعض نساء المسلمين بالتبرج والتزين عند الخروج، وعمل الأصباغ والمكياج؛ فكأنهن إنما يستعملن الزينة للخروج من البيت، وهذا حرام عليها .(94/5)
195 ـ خروج الدم من الإنسان على الرغم عنه، نتيجة حادث مثلاً أو جرح؛ هل يفسد عليه صومه أم لا ؟
لا يفسد عليه صومه إذا خرج منه دم بغير اختياره، فمثلاً لو انجرح وخرج منه دم أو خرج رعاف؛ فهذا لا يُفطر بذلك، إنما الذي يفطر هو المحتجم؛ لأنه تعمد إخراج الدم، فيفطر بذلك؛ لورود الحديث في المحتجم (4).
196 ـ هل التبرع بالدم في نهار رمضان يفطر ؟
نعم؛ إذا كان الدم كثيرًا تبرع به وسحب منه؛ فإنه يفطر بذلك؛ لأنه مثل الحجامة .
197 ـ يوجد في الصيدليات معطر خاص بالفم، وهو عبارة عن بخاخ؛ فهل يجوز استعماله خلال نهار رمضان لإزالة الرائحة من الفم ؟
يكفي عن استعمال البخاخ للفم في حالة الصيام استعمال السواك الذي حث عليه صلى الله عليه وسلم، وإذا استعمل البخاخ ولم يصل شيء إلى حلقه؛ فلا بأس به، مع أن رائحة فم الصائم الناتجة عن الصيام ينبغي أن لا تكره؛ لأنها أثر طاعة ومحبوبة لله عز وجل، وفي الحديث : ( خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/226 ) ] .
198 ـ ما حكم استعمال العطر في نهار رمضان ؟
لا بأس باستعمال العطر للصائم في بدينه وثيابه؛ إلا إذا كان الطيب بخورًا أو مسحوقًا؛ فإنه لا يتعمد شمهما؛ لأنه يدخل إلى أنفه شيء من أجزائها، ويصل إلى دماغه، فيؤثر ذلك على صيامه، كما نصل على ذلك أهل العلم . أما الطيب السائل الذي يضعه على بدنه أو ثيابه؛ فلا بأس به؛ لأنه لا يدخل منه شيء إلى أنه وجوفه؛ إلا مجرد الرائحة، وذلك لا يضر .
199 ـ رجل تعب تعبًا شديدًا من جراء التمارين الرياضية في الصباح، في يوم من أيام رمضان، فشرب ماء، ثم أتم الصيام؛ هل يجوز صيامه أم لا ؟(94/6)
لا يجوز الإفطار من أجل إجراء التمارين، بل الواجب ترك التمارين التي تجهد الصائم، وما حصل من السائل من شربه الماء وهو صائم من أجل دفع التعب الذي حصل عليه بسبب إجراء التمارين الرياضية يعتبر خطأ منه، يجب عليه التوبة والاستغفار وعدم العودة إلى مثل هذا العمل، ويجب عليه مع ذلك قضاء ذلك اليوم الذي شرب فيه، وإن كان من رمضان سابق قبل رمضان الموالي؛ فعليه مع القضاء إطعام مسكين نصف صاع من الطعام عن تأخير القضاء، وإن كان من رمضان الموالي؛ فليس عليه إلا القضاء .
200 ـ ما حكم امرأة يأتها دم الطمث بعد نيتها للصوم ؟
المرأة إذا صامت، ثم نزل عليها دم العادة الشهرية؛ يفسد صومها، ويلزمها الإفطار في أيام الدورة؛ فإذا انقطع عنها الدم عند تمام العادة؛ فإنها تصوم بقية الشهر، ثم تقضي ما أفطرته أيام عادتها .
201 ـ إذا كانت المرأة حائضًا في رمضان أو في آخر فترة نفاس، وطهرت من ذلك بعد الفجر من أحد أيام رمضان؛ فهل عليها أن تكمل صيام ذلك اليوم أم لا ؟ وماذا عليها أن تفعل لو اغتسلت وبدأت في الصيام ثم ظهر شيء من ذلك بعد انتهاء المدة المعتادة لكل من الحيض والنفاس؛ هل تقطع صيامها، أم لا يؤثر ذلك عليها ؟
أما بالنسبة للنقطة الأولى من السؤال، وهي ما إذا طهرت الحائض في أثناء النهار أو النفساء طهرت في أثناء النهار؛ فإنها تغتسل وتصلي وتصوم بقية يومها، ثم تقضي هذا اليوم في فترة أخرى . هذا الذي يلزمها .
وأما النقطة الثانية، وهي إذا انقطع دمها من الحيض ثم اغتسلت ثم رأت بعد ذلك شيئًا؛ فإنها لا تلفت إليه؛ لقول أم عطية رضي الله عنها : ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا ) [ رواه أبو داود في سننه ( 1/81 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 1/186، 187 ) بدون ذكر : بعد الطهر ] ؛ فلا تلتفت إلى ذلك .
أما بالنسبة للنفساء :(94/7)
فإذا كانت انقطع دمها قبل الأربعين، ثم اغتسلت، ثم عاد إليها شيء؛ فإنها تعتبر نفساء، وهذا الذي عاد يعتبر من النفاس، لا يصح معه صوم ولا صلاة مادام موجودًا؛ لأنه عاد في فترة النفاس .
أما إذا كانت تكاملت الأربعين، واغتسلت، ثم عاد إليها شيء بعد الأربعين؛ فإنها لا تلتفت إليه؛ إلا إذا صادف أيام عادتها قبل النفاس؛ فإنه يكون حيضًا .
الحاصل أن هذا لابد فيه من تفصيل : إذا أكملت عادة الحائض، واغتسلت، ثم رأت شيئًا بعد ذلك؛ لا تلتفت إليه . وإذا كانت عادتها لم تكمل، ورأت طهرًا في أثناء العادة، واغتسلت، ثم عاد إليها الدم؛ فإنها تعتبره حيضًا؛ لأنه جاءها في أثناء العادة . وكذلك النفساء إذا كان عاد إليها في فترة الأربعين؛ فإنه يعتبر نفاسًا، وإن كان عاد إليها بعد تمام الأربعين؛ فإنها لا تعتبره شيئًا؛ إلا إذا صادف أيام حيضها قبل النفاس وقبل الحمل .
أحكام قضاء الصوم
202 ـ إذا طهرت النفساء خلال أسبوع، ثم صامت مع المسلمين في رمضان أيامًا معدودة، ثم عاد إليها الدم؛ هل تفطر في هذه الحالة ؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها ؟
مما لا شك فيه أن النفساء لا تصوم إلا كانت ترى الدم خلال أربعين يومًا، فإن انقطع عنها الدم قبل الأربعين؛ اغتسلت وصامت، فإن عاد إليها نزول الدم قبل إتمام الأربعين؛ تركت الصيام مدة نزول الدم إلى الأربعين، وما صامته أيام انقطاع الدم عنها صوم صحيح؛ لأنها صامته في حالة طهر . هذا أصح قولي العلماء في هذه المسألة، والله أعلم .
203 ـ كنت في الرابعة عشر من العمر، وأتتني الدورة الشهرية، ولم أصم رمضان تلك السنة؛ علمًا بأن هذا العمل ناتج عن جهلي وجهل أهلي؛ حيث إننا كنا منعزلين عن أهل العلم، ولا علم لنا بذلك، وقد صمت في الخامسة عشر، وكذلك سمعت من بعض المفتين أن المرأة إذا أتتها الدورة الشهرية؛ فإنه يلزم عليها الصيام، ولو كانت أقل من سن البلوغ، نرجو الإفادة .(94/8)
هذه السائلة التي ذكرت عن نفسها أنها أتاها الحيض في الرابعة عشرة من عمرها، ولم تعلم أن البلوغ يحصل بذلك؛ ليس عليها إثم حين تركت الصيام في تلك السنة؛ لأنها جاهلة، والجاهل لا إثم عليه، لكن حين علمت أن الصيام واجب عليها؛ فإنه يجب عليها أن تبادر بقضاء صيام الشهر الذي أتاها بعد أن حاضت؛ لأن المرأة إذا بلغت؛ وجب عليها الصوم .
وبلوغ المرأة يحصل بواحد من أمور أربعة :
1 ـ أن تتم خمس عشرة سنة .
2 ـ أن تنبت عانتها .
3 ـ أن تنزل .
4 ـ أن تحيض .
فإذا حصل واحد من هذه الأربعة؛ فقد بلغت وكُلِّفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبيرة .
204 ـ امرأة أفطرت عشرة أيام من رمضان، ونسيت فلم تقضي العشرة إلا بعد 10 سنوات؛ فهل يجوز أن تصوم ما عليها ؟
نعم؛ يجب على من ترك أيامًا من رمضان أن يقضيها متى ما تمكن من ذلك، حتى ولو في آخر عمره، يجب عليه أن يقضي، فلا يسقط القضاء عنه ولا تبرأ ذمته حتى يقضي؛ لأنه حقٌّ لله عز وجل مطلوب قضاءه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقضوا الله؛ فالله أحقُّ بالقضاء ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/233، 234 ) ] ، ويجب مع القضاء أن تطعم مع كل يوم مسكينًا عن التأخير الذي حصل؛ يعني : تطعم عن كل يوم مسكينًا، تقضي عدد الأيام التي عليها؛ فالإطعام عن التأخير، والقضاء من أجل إبراء الذمة عن ركن من أركان الإسلام، وهو صيام رمضان .
205 ـ لم أصم شهر رمضان في الماضي، أما السنة الماضية؛ فصمته كاملاً، حتى وأنا مسافر سفرًا طويلاً؛ كيف أقضي الأشهر التي لم أصمها من السنين السابقة ؟ هل أصوم كل شهر أو أطعم ستين مسكينًا ؟ وأريد أن أصوم هذه السنة، حتى ولو ثلاثة أشهر؛ فهل هذا صحيح ؟ وهل يكون الصوم متتابعًا أو منقطعًا ؟
هذا فيه تفصيل؛ فإذا كنت في حال تركك للصيام تاركًا للصلاة؛ فإنه ليس عليك صيام فيما مضى؛ لأنك لم تكن على الإسلام بتركك للصلاة، ولو صمت؛ لم يصح صومك وأنت لا تصلي .(94/9)
أما بعد التوبة إلى الله عز وجل : إذا حافظت على الصلاة؛ كنت مسلمًا، ويجب عليك الصيام وسائر الشرائع الإسلامية الواجبة، فما تركته من الصوم بعد التوبة وبعد المحافظة على الصلاة؛ فإن الواجب عليك أن تقضيه، وإذا تأخر عن رمضان الذي بعده؛ فإنه يجب عليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم إذا كان تأخيره بغير عذر، أما التأخير بعذر حتى جاء رمضان آخر؛ فإن الواجب عليك القضاء بعده فقط .
206 ـ رجل عليه قضاء يومين من رمضان، ولم يقض صيامه إلى الآن؛ علمًا أنه فاته رمضان الأول والآخر ولم يقضه؛ فماذا يجب عليه ؟
قضاء اليوم الذي يفطر فيه المسلم من رمضان يثبت في ذمته، لابد من صومه، ولو كان إفطاره متقدمًا بزمن طويل، لا تبرأ ذمته إلا بذلك، وعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام بعدد الأيام التي يقضيها .
وهنا ننبه أنه يجب على المسلم المبادرة بقضاء ما أفطره من رمضان :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 183-184 ] .
وقال تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] .
207 ـ من صام يوم قضاء؛ فهل يجوز قطعه، وكذلك صوم يوم النفل ؟
لا يجوز للإنسان إذا نوى صوم القضاء وشرع فيه أن يقطعه؛ لأنه إذا نواه وبدأه؛ وجب عليه إكماله؛ لأن الفرض الموسع إذا دخل فيه الإنسان؛ فإنه يجب عليه إكماله، ولا يجوز له قطعه، وإنما التوسعة قبل أن يدخل فيه، فإذا دخل فيه؛ فلا يجوز قطعه .(94/10)
أما إذا صام النفل؛ فإنه يجوز له أن يقطعه؛ لأن صيام النفل لا يلزمه إتمامه، ولكن الأفضل له إتمامه، وله أن يفطر، ولا حرج عليه في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته وهو صائم صيام نفل، ولما وجد فيه طعامًا أهدي إليهم؛ أكل منه صلى الله عليه وسلم، وقطع صومه (5) ، فدل على أن صوم النافلة لا يلزم إتمامه .
كفارة الإفطار في رمضان
208 ـ رجل أتى أهله في يوم رمضان لمدة ثلاث أيام متتالية؛ ماذا يجب عليه أثابكم الله ؟
إذا حصل من الصائم جماع في أثناء الصيام؛ فقد ارتكب معصية عظيمة، يجب عليه التوبة إلى الله منها، وقضاء اليوم الذي جامع فيه، ويجب عليه مع ذلك الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؛ أطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، وتتكرر الكفارة بعدد الأيام التي جامع فيها عن كل يوم جامع فيه كفارة مستقلة . والله أعلم .
209 ـ كنا نعيش في البادية، ولي أخت كانت تقوم برعي الأغنام، وبلغت، ومرت عليها رمضانات عديدة ولم تصمها، وعددها ثلاث رمضانات، ولمشقة رعي الأغنام؛ لم يأمرها والداي بالصيام؛ رحمة لها، والآن قد تزوجت وانتقلت إلى حياة المدينة والراحة؛ فهل تقضي هذه الأشهر التي أفطرتها ؟ وهل عليها مع القضاء إطعام مساكين ؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير .(94/11)
لا يجوز لولي أمر الأولاد إذا بلغوا أن يتركهم يستمرون على ترك الصلاة والصيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) [ رواه أبو داود في سننه ( 1/130 ) ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 8/104 ) ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ سورة التحريم : آية 6 ] ، وقال تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } [ سورة طه : آية 132 ] .
فيجب على والدي الصغير إذا بلغ أن يأمروه ويلزموه بالصلاة والصيام وغير ذلك من الواجبات؛ كما يجب عليهم أن ينهوه ويمنعوه من المحرمات، ويرغبوه في الأعمال الصالحة، وما ذكره السائل من شأن هذه الفتاة التي بلغت ولم تصم رمضان ثلاث سنوات شيء يحزن ويخيف؛ إذ كيف يليق بأولياء أمورها وهم مسلمون أن يتركوها تترك الصيام، وكونها ترعى الأغنام لا يبرر لها ترك الصيام؛ فالواجب عليها الآن التوبة والاستغفار والندم على ما فعلت، ثم تبادر بقضاء أشهر رمضان التي تركتها، ومع الصيام تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من الطعام، عن كل يوم؛ بعدد الأيام، كفارة عن تأخيرها القضاء . والله الموفق .
210 ـ كنت في إحدى الدول العربية، وجئت إلى هنا من أجل العمل، وجاء شهر رمضان وليس معي شيء من المال، وفي هذه الحالة اضطررت إلى الإفطار والعمل؛ فهل عليَّ شيء في هذا ؟
العمل لا يبيح الإفطار في رمضان؛ لأن الإفطار يجوز للمريض وللمسافر وللحائض والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما، أما العمل؛ فإنه لا يبيح الإفطار، فالعامل يعمل ويصوم، وإذا كان لا يقوى على العمل مع الصيام؛ فإنه يترك العمل، ويطلب عملاً آخر يتفق مع الصيام، والأعمال كثيرة .(94/12)
الحاصل أن العامل لا يجوز له أن يفطر؛ لأنه حاضر غير مسافر، ولأنه صحيح غير مريض، ولأنه ليس له عذر شرعي من الأعذار التي رخص للصائم أن يفطر من أجلها؛ فعليه أن يعمل ويصوم، وعليه أن يطلب من الأعمال ما لا يتعارض مع صيامه، والأعمال كثيرة، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب .
وما زال المسلمون منذ فرض الله الصيام يعملون ويشتغلون ويصومون، ولا يتركون الصيام من أجل العمل، مع العلم أنهم يعملون أعمالاً شاقة ومتعبة، ومع هذا؛ لم يرد في تاريخ الإسلام أو عن السلف الصالح أنهم يفطرون من أجل العمل وهم مقيمون أصحاء، والله تعالى أعلم .
وعليك أيها السائل التوبة إلى الله مما حصل منك من الإفطار في نهار رمضان، وعليك قضاء ما أفطرته .
211 ـ رجل مسلم لم يكن يصوم في فترة سابقة من عمره؛ أي : يفطر دون عذر، وهو نادم الآن وتائب، وهو لا يعرف عدد الأيام التي أفطرها؛ فماذا يلزمه الآن ؟
صيام شهر رمضان هو الركن الثالث من أركان الإسلام، لا يجوز للمسلم أن يتركه أو يتهاون فيه، ومن أفطر في رمضان من غير عذر؛ فقد ارتكب محرمًا وترك واجبًا عظيمًا؛ فعليه التوبة إلى الله، وقضاء ما أفطر، ويكفر عن كل يوم بإطعام مسكين نصف صاع من الطعام عن التأخير، وإن كان حصل منه جماع في نهار رمضان؛ فعليه الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع؛ أطعم ستين مسكينًا، وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي جامع فيها في نهار رمضان؛ لأن الأمر خطير .
وإن كان لا يعرف عدد الأيام التي أفطرها؛ فإنه يجتهد في تقديرها، ويحتاط مهما أمكنه ذلك، فإن لم يستطع معرفة عدد الأيام ولم يستطع تقديرها؛ فعليه التوبة والمحافظة على الصيام في بقية عمره، والإكثار من الطاعات؛ لعل الله أن يتوب عليه .(94/13)
212 ـ أمي في الستين من عمرها، لم تقضِ أيام الحيض من أشهر رمضان فاتتها منذ أن تزوجت والدين حيث كان يقول لها والدي بأن تكفر عن كل يوم بدلاً من قضائه، وذلك لأنها أم ولها أولاد، والمدة التي فاتتها تقدر بعشرين عامًا؛ بواقع سبع أيام من كل رمضان؛ ماذا عليها ؟ هل تصوم ما فاتها أم تتصدق ؟ وما مقدار الصدقة ؟
الواجب على والدتك قضاء الأيام التي تركت صيامها من رمضان في فترة الحيض، ولو تكرر ذلك منها عدة رمضانات، فتحصي الأيام التي تركتها، وتقضيها، وتطعم مع القضاء مسكينًا عن كل يوم، بمقدار نصف صاع عن كل يوم؛ كفارة عن تأخير القضاء، ويجوز أن تقضيها متتابعة أو متفرقة حسب ظروفها .
المهم أنه لا يجوز لها تركها، ووالدك قد أخطأ خطأ كبيرًا في إفتائها بغير علم .
213 ـ شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصيام، ولما شفي من هذا المرض؛ كان قد فاته أربع سنوات؛ فماذا يفعل بعد أن شفاه الله ؟ هل يقضيها أم لا ؟
من أفطر لأجل مرض، ثم زال مرضه، واستطاع الصيام؛ فإنه يجب عليه قضاء ما أفطر؛ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] .
وهذا الذي أفطر أربعة رمضانات وشفي الآن؛ يجب عليه القضاء لتلك الأشهر أولاً بأول، لكن له أن يفرق القضاء حسب استطاعته، إلى أن ينتهي ما في ذمته، ولا يجب عليه القضاء دفعة واحدة؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، ولأن وقت القضاء موسع .
أحكام أهل الأعذار ( من أفطر لكبر أو مرض )
214 ـ مريض بالسكر وبمرض في المعدة وبمرض نفسي أيضًا شفاه الله، ولم يستطع الصيام، ولكنه يدفع نقودًا كفارة عنه؛ فهل يكفي هذا ؟ أم عليه شيء آخر ؟(94/14)
تذكر أيها السائل أنك مصاب بالأمراض التي لا يستطيع معها الصيام، وأنك تدفع كفارة من النقود . نقول : شفاك الله مما أصابك وأعانك على أداء ما افترض الله عليك .
أما إفطارك من أجل المرض؛ فهذا شيء صحيح لا حرج فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى رخص للمريض أن يفطر إذا كان الصيام يشق عليه أو يضاعف المرض، وأمره أن يقضي الأيام التي أفطرها في فترة أخرى { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، هذا إذا كان المرض يرجى زواله أو خفته في بعض الأحيان؛ بحيث يستطيع أن يقضي في فترة أخرى، أما إذا كان المرض مستمرًا ومزمنًا لا يرجى برؤه؛ فإنه يتعيَّن عليه الإطعام؛ لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، ومنهم المريض الذي مرضه مزمن .
والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت، وإنما يكون الإطعام بدفع الطعام الذي هو قوت البلد؛ بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد، ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريبًا؛ فعليك أن تدفع طعامًا من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرنا على كل يوم، ولا تدفع النقود؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ؛ نصَّ على الطعام .
215 ـ والدتي يرحمها الله مرضت قبل وفاتها شديدًا إثر سقوطها على رأسها سقوطًا شديدًا أدى إلى إصابتها باختلال عقلي لمدة سنة كاملة، ولذا لم تستطع أداء فريضتي الصيام والصلاة؛ فأرجو إفادتي : هل يجب عليّ أن أقوم بالقضاء عنها، أو الكفارة، أو أي عمل آخر ترشدونني إليه، حفظكم الله وسدد خطاكم ؟(94/15)
إذا كانت بالصفة التي ذكرت بأنها مختلة العقل والشعور بسبب الإصابة؛ فهذه لا صيام عليها ولا تكليف عليها؛ لأنها زائلة العقل، والعبادة إنما تجب على العاقل البالغ؛ فلا صيام على هذه المصابة التي ماتت بإصابتها وهي مختلة العقل وزائلة الشعور .
أما إذا كان معها عقلها ومعها شعورها، ولكنها أتت عليها الإصابة حتى ماتت؛ فإن الصيام لا يسقط عنها؛ فإذا كان لها تركة؛ فإنه يخرج من تركتها كفارة إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي تركتها، وإن تبرع أحد من أقاربها وأطعم عنها أو صام عنها؛ فإنه يرجى أن ينفعها ذلك .
216 ـ عليَّ صيام شهرين ونصف من رمضان، ولا أستطيع أن أصوم؛ لأنني مصابة بمرض المعدة، وقد استشرت طبيبًا أخصائيًّا؛ فقال لي : لا ينبغي لك الصوم؛ فماذا عليَّ مع هذه الحالة ؟ أفيدوني شكر الله لكم .
إذا كنت لا تستطيعين الصيام لا أداء ولا قضاء بسبب مرض مزمن قال الأطباء : إنه يتعذر معه الصوم أو يشق معه الصوم مشقة غير محتملة أو يُضاعف المرض ويزيد فيه؛ فإنك يجب عليك أن تطعمي عن كل يوم مسكينًا، ويكفي هذا عن الصيام؛ لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
217 ـ هل يقاس على الحامل إذا خافت على ولدها؛ هل يقاس عليها من أفطر مثلاً لإنقاذ غيره؛ يعني : بأن يقضي وعليه إطعام ؟
نعم؛ يفطر لإنقاذ غيره من مهلكة إذا استدعى الأمر أن يفطر، ولا يتمكن من إنقاذ غيره من المهلكة إلا بالإفطار؛ فله أن يفطر ويقضي .
218 ـ سائل يقول : إنه مصاب بمرض السكر منذ ثلاثة أعوام، وكان يصوم شهر رمضان ولكن بمشقة؛ فهل يجوز له الإفطار في هذه السنة ؟ وماذا عليه لو أفطر، ومع ذلك المرض دائمًا يحس بالجوع والعطش، حتى لو كان الجو معتدلاً ؟(94/16)
صيام شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } إلى قوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ سورة البقرة : آية 183-185 ] .
فالمسلم يجب عليه أن يصوم؛ إلا إذا كان معذورًا؛ فإنه يُفطر من أجل العذر الشرعي، ويقضي من أيام أخر .
والذي يُعذر في ترك الصيام في رمضان هو المسافر أو المريض، قال تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] .
فالمريض يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها من أيام أخر؛ فلك أن تفطر إذا كان الصيام يشق عليك، أو كان الصيام يزيد في المرض ويضاعف المرض؛ فإنك تفطر عملاً برخصة الله سبحانه وتعالى .
ثم إذا قدرت على القضاء في المستقبل؛ فإنه يجب عليك أن تقضي الأيام التي أفطرتها؛ لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
وإذا كنت لا تقدر على القضاء؛ لكون المرض مزمنًا ومرضًا لا يرجى شفاؤه؛ فإنه يتعين عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا، وذلك بمقدار كيلو ونصف الكيلو من الطعام تقريبًا، تخرج عن كل يوم كيلو ونصف من الطعام، هذا إذا كنت لا تقدر على القضاء؛ لأن المرض مستمر معك؛ فالمريض مرضًا مزمنًا والشيخ الكبير الهرم يفطران ويطعمان وليس عليهما قضاء .
أما إذا كان بمقدورك أو بانتظارك أن يزول هذا المرض أو يخف؛ بأن يكون له وقت في السنة مثلاً يخفف عنك وتستطيع الصيام؛ فإنك تؤجل القضاء إلى ذلك الوقت .
أما إذا لم يكن شيء من ذلك؛ فإنك تطعم عن كل يوم مسكينًا، ويكفيك هذا؛ لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، ومنهم المريض الذي لا يُرجى شفاء مرضه . والله أعلم .(94/17)
219 ـ كنت أعمل في إحدى البلاد العربية، وقد جئت إليها وشهر رمضان ما قبل الماضي في بدايته، وقد صمت الأيام، ولكني عملت عملاً شاقًا، فأفطرت ما تبقى من أيام رمضان لشدة حاجتي للعمل، وقد زاولت أعمالاً أخرى بعد ذلك، ولكنها شاقة، ولم أستطع قضاء الأيام الأولى أيضًا، وأفطرت الباقي، وإلى الآن أزاول أعمالاً شاقة؛ فهل عليَّ قضاء والكفارة، أم القضاء فقط ؟ أفيدونا أفادكم الله ؟
يجب على المسلم أن يهتم بدينه، ولا سيما أركان الإسلام الخمسة كصيام شهر رمضان، وأن لا يتساهل في ذلك أو يلتمس المعاذير للتخلص من الصيام والإفطار في نهار رمضان؛ فالله تعالى إنما أباح الإفطار للمريض وللمسافر وللمرأة الحائض والنفساء، هؤلاء هم الذين أباح الله لهم الإفطار مع القضاء من أيام أخر، كذلك الإفطار للمريض المرض المزمن والكبير الهرم، هؤلاء أباح الله لهم الإفطار في نهار رمضان، ويطعمون عن كل يوم مسكينًا بدل الصيام .
أما العمل الشاق؛ فهذا لا يبيح الإفطار، وعلى المسلم أن يكيف عمله حسبما يستطيع مع الصيام، فيجعل العمل خاضعًا يستطيع معه الصيام، ولا يكلف نفسه العمل الذي لا يستطيع أن يصوم معه، والعمل الشاق يتركه لغير رمضان .
أما ما وقع منك من أنك تركت الصيام من أجل العمل الشاق كما ذكرت لسنتين؛ فهو يعتبر خطأ منك، كان الواجب عليك أن تسأل قبل أن تقع في المحذور .
أما وقد وقع هذا الشيء؛ فيجب عليك قضاء ما أفطرت، والتوبة والندم على ما فعلت، ويجب عليك مع القضاء عن أيام رمضان الأولى أن تطعم عن كل يوم مسكينًا، تقضي عدد الأيام وتطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع عن كل يوم من الطعام، أما رمضان الثاني؛ فهذا يجب عليك قضاء الأيام التي أفطرتها منه فقط بدون إطعام . والله أعلم .(94/18)
220 ـ لي عمة توفيت منذ عام، كانت تصوم وتصلي؛ إلا أنها أصيب بمرض في القلب والعظام جعلها غير قادرة على الصيام بعد أن حاولت مرة وأكثر، وكذلك بالنسبة لصلاتها تركتها هي الأخرى، وذلك لعدم تمكنها من التحرك نهائيًّا بسبب مرضها في العظام، قبل وفاتها أوصت بمال من تركتها لعمل رخصة لها، والرخصة متبعة في بلدنا، وهي التصدق بمقدار من المال لقاء صلاتها وصومها الفائت، وبما أنكم على علم بأن الوصية أمانة؛ فما حكم الشرع في نظركم بهذه الوصية ؟ هل يجوز أم لا ؟ وإذا كان تجوز؛ فماذا تعمل في هذه الحالة ؟ علمًا بأن المرض لم يزل عنها حتى وافاها الأجل؛ هل يمكننا تنفيذ هذه الوصية، وإخراج مال من تركتها، وإعطاؤه كفدية لما فاتها من الصيام؛ علمًا بأنها لم يزل عنها المرض حتى الوفاة ؟
بالنسبة للصيام؛ فإن المريض يفطر عند المرض، ويقضي إذا شفاه الله وقوي على القضاء، فإن لم يستطع القضاء، واستمر معه المرض، وصار مرضًا مزمنًا؛ فإنه يطعم عنه كل يوم مسكينًا، ويكفيه الإطعام عن القضاء .
وهذه المرأة التي ماتت وعليها صيام من رمضان، وكانت تركته لمرض مزمن؛ يجب أن يطعم عنها عن كل يوم مسكينًا بعدد الأيام التي أفطرتها .
أما الصلاة؛ فإنها لا تسقط عن المريض مادام عقله باقيًا؛ فإنه يصلي على حسب حاله، فإن استطاع أن يصلي قائمًا؛ صلى قائمًا، وإن استطاع أن يصلي قاعدًا؛ صلى قاعدًا، أو يصلي على جنبه ويومئ برأسه بالركوع والسجود متوجهًا إلى القبلة، فإن لم يستطع الإيماء؛ فإنه يصلي بقلبه، ويستحضر الصلاة بقلبه؛ من قيام وقراءة وركوع وسجود، وسائر أفعال الصلاة وأقوالها يستحضرها بقلبه ويرتبها بقلبه، ويكفيه هذا؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] .(94/19)
وإذا كان يستطيع أن يتوضأ؛ وجب عليه أن يتوضأ، وإذا كان لا يستطيع الوضوء؛ فإنه يتيمم؛ بأن يمسح على وجهه وكفيه بالتراب الطاهر ناويًا به الطهارة ويصلي؛ فالصلاة لا تسقط بحال .
وهذا الذي حصل من والدتكم من تركها للصلاة وهي تعقل وتدري عن مواقيت الصلاة؛ هذا جهل منها وتفريط منكم حيث لم تنبهوها !
فالمريض يصلي على حسب حاله، ولو بقلبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/975 ) ] .
فما دامت أنها تركت الصلاة وماتت على هذه الحالة، نرجو الله أن يغفر لها؛ لأنها لم تتركها متعمدة، وإنما تركتها عن خطأ وعن ظن منها أنها لا تجب عليها، نرجو الله أن يعفو عنها .
وإذا تصدقتم بما أوصت به من باب القربى إلى الله، وكان هذا الموصى به في حدود الثلث فأقل من تركتها؛ فهذا شيء طيب، ولعل الله جلَّ وعلا أن يتقبَّل منها .
أما إذا كانت الوصية أكثر من الثلث؛ فإنه يُتصدق بقدر الثلث، وما زاد عليه لابد فيه من رضى الورثة وسماحهم به، وإن كان عليها دين؛ فإنه يجب وفاء الدين قبل الوصية والإرث . والله الموفق .
221 ـ إذا توافق الامتحان الدراسي مع رمضان؛ فهل يجوز للطالب أن يفطر في رمضان حتى يستطيع أن يركز؛ علمًا أن عمر الطالب لا يتجاوز السادسة عشرة ؟
لا يجوز للطالب الذي قد بلغ الحلم أن يفطر في رمضان من أجل الامتحان؛ لأن الإفطار إنما رخص فيه للمريض والمسافر فقط، وهذا صحيح مقيم؛ فيجب عليه الصيام؛ بقوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] ، فلم يرخص سبحانه بالإفطار للمقيم إلا في حالة المرض ومن في حكم المريض من الكبير الهرم والحامل والمرضع إذا أضر بهما أو بولديهما الصوم .(94/20)
كما أنه لا يجوز لأصحاب الأشغال الشاقة أن يفطروا في رمضان؛ إلا إذا خشوا على أنفسهم من التلف؛ فإنهم يجوز لهم أن يتناولوا ما يبقي عليهم حياتهم في هذه الحالة، ثم يواصلوا الإمساك، ويقضوا هذا اليوم، ولا يجوز لهم أن يفطروا ابتداء من أجل العمل .
أما الطالب الذي هو دون البلوغ؛ فلا بأس أن يفطر؛ لأنه لم يجب عليه الصيام بعد، ومن تم له خمس عشرة سنة؛ فقد بلغ سن التكليف، ووجب عليه الصيام .
222 ـ هل يجوز الصيام عن الميت إذا كان لا يصوم أيام حياته في رمضان لعذر شرعي، مع أنه أخرج كفارة قبل موته ؟
من أفطر لمرض أو سفر، ثم زال عذره؛ فإنه يجب عليه القضاء من أيام أُخر؛ إذا أمكنه القضاء، فإن مات ولم يقض بعد رمضان آخر من غير عذر؛ وجب أن يُخرَج عنه من تركته إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام، أما إذا استمر معه العذر حتى مات، ولم يتمكن من القضاء؛ فلا شيء عليه .
وإذا كان الميت المسؤول عنه قد أصيب بمرض مزمن لا يستطيع معه الصيام أداء ولا قضاء، وقد أطعم عن كل يوم أفطره؛ فقد أدى ما عليه؛ فلا حاجة إلى أن يصام عنه .
223 ـ متى يُباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع ؟ وما هي مفسدات الصوم عمومًا ؟ وهل يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للعادة الشهرية حتى تتمكن من صيام رمضان بدون انقطاع ؟
يجوز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما من أضرار الصيام؛ لأنه يمكن أن الصيام يضعف الغذاء الذي يتغذى به المولود في بطن أمه؛ فإذا كان الأمر كذلك؛ فلها أن تفطر وأن تقضي من أيام أخر وتطعم مع القضاء، وإن خافت على نفسها من الصيام؛ لأنها لا تستطيع الصيام وهي حامل أو لا تستطيع الصيام وهي مرضع؛ فهذه تفطر وتقضي من أيام أخر وليس عليها إطعام . هذا ما يتعلق بالحامل والمرضع .
ويجوز للمرأة تناول الحبوب التي تمنع عنها الحيض من أجل أن تصوم إذا كانت هذه الحبوب لا تضر بصحتها .
أحكام الصوم في السفر(94/21)
224 ـ إذا سافر الصائم مسافة أربعة مئة كيلو متر؛ هل يحق له الإفطار ؟ وكم هي المدة المقررة للصائم أو المسافر أن يفطر فيها ؟
نعم؛ من سافر سفرًا مباحًا مسافة تبلغ أربعة مئة كيلو متر؛ فإنه يجوز له الإفطار؛ لأن هذا أكثر من المسافة المقدرة للإفطار؛ لأن المسافة هي ثمانون كيلو مترًا، فإذا سافر ثمانين كيلو مترًا فأكثر سفرًا مباحًا؛ فإن يجوز له الترخيص للإفطار وقصر الصلاة .
أما المدة التي يجوز للمسافر فيها أن يقصر الصلاة؛ فلا تحديد لها؛ فإنه يجوز للمسافر أن يقصر الصلاة طيلة سفره؛ إلا إذا نوى إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يأخذ أحكام المقيمين .
أما إذا نوى إقامة دون ذلك، أو لم ينو إقامة محددة؛ فإنه لا يزال يجوز له الإفطار وقصر الصلاة إلى أن يرجع إلى بلده، والله أعلم .
225 ـ إذا نوى حاضر صوم يوم، ثم سافر في أثنائه؛ فهل له أن يفطر في ذلك اليوم ؟
إذا نوى الإنسان الصيام وصام، ثم عرض له السفر أثناء النهار؛ فإن له أن يفطر إذا خرج من البلد مسافرًا السفر الذي يبلغ ثمانين كيلو مترًا فأكثر، وإن أكمل اليوم الذي صام أوله؛ فهو أحسن وأحوط؛ نظرًا لأن بعض العلماء يرى وجوب إكمال اليوم الذي سافر فيه وعدم الإفطار فيه .
226 ـ نعيش الآن في زمن توفرت فيه وسائل النقل المريحة، ويمكن للصائم أن يسافر لمسافات طويلة دون أن يحس بتعب؛ فما الأفضل للإنسان المسافر أن يصوم أو يفطر ؟
رخص السفر من قصر الصلاة والإفطار في رمضان رخص عامة في جميع حالات السفر ولو اختلفت وسائله، وتوفر الراحة أحيانًا بسبب ما استجد من وسائل السفر لا تغير هذا الحكم؛ لأن هذه الوسائل المريحة لا تدوم، ولأن الراحة لا تحصل لكل المسافرين؛ فقد يعرض لهذه الوسائل من الخلل والعطل أو تغير الاتجاه ما يتعب المسافرين أكثر مما لو كانوا على الوسائل القديمة .(94/22)
وعلى كل حال؛ فمسألة الترخص للمسافر تتبع الأرفق به، فإن كان الأرفق به الإفطار؛ أفطر، وإن كان الأرفق به الصيام؛ صام، كلا الأمرين جائز بالنسبة إليه، والأفضل في كل حال الأخذ بالرخصة؛ لأن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه .
أحكام صيام التطوع
227 ـ من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على صيام الأيام البيض، وصيام من كل شهر ثلاث أيام؛ فكيف نجمع بينهما ؟ هل نصوم ستة أيام أم ثلاثة ؟ وجزاكم الله خيرًا .
نعم؛ قد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وحث على صيام أيام البيض (6)، وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر، وسميت أيام البيض؛ لبياض لياليها بالقمر .
وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديثين الواردين في فضل صيام هذه الأيام : فقيل : المراد أن الأفضل أن يجعل هذه الثلاثة في أيام البيض، وإن صامها في غيرها من الشهر؛ فلا بأس . وقيل : إن المراد أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم أيام البيض أيضًا، فيكون المجموع ستة أيام من الشهر . والأول أرجح، والله أعلم؛ لأن من صام أيام البيض؛ فقد صام ثلاثة أيام من كل شهر .
228 ـ وجدت في كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم أيام البيض، وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، يصومها في السفر وفي الحضر، وفي مكان آخر وجدت أن أيام التشريق يحرم صومها؛ علمًا بأن آخرها هو الثالث عشر؛ فكيف نجمع بين هذين القولين ؟
النبي صلى الله عليه وسلم حث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر (7) ، سواء من أوله، أو من وسطه، أو من آخره؛ إلا أن الأفضل أن تكون هذه الثلاثة أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، هذا هو الأفضل، ولو صامها في غير هذه الأيام من أيام الشهر، فلا بأس بذلك، ويكون قد أدى المشروع، ويحصل على الأجر إن شاء الله .(94/23)
أما أيام التشريق؛ فقد ورد النهي عن صيامها؛ لأنها أيام العيد وأيام أكل وشرب وذكر لله عزَّ وجلَّ؛ فيحرم صيامها؛ إلا لمن لم يقدر على دم المتعة والقران من الحجاج؛ فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج، ولو صادف ذلك أيام التشريق؛ لحديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن تصام أيام التشريق؛ إلا عن دم متعة أو قران ) ؛ فهذا شيء خاصّ يخص به عموم النهي عن صيامها (8).
لكن لا يصوم شيئًا منها ضمن أيام البيض .
229 ـ هل يجوز الصيام إذا وافق صيام أيام البيض أيام التشريق ؟
الذي يصادف أيام التشريق من أياد البيض هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأن أيام البيض تبدأ من اليوم الثالث عشر من الشهر وتنتهي باليوم الخامس عشر؛ فلا يجوز صوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأنه من أيام التشريق، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها من غير دم متعة أو قران (9).
والمستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يتعين أن تكون أيام البيض، وإنما جعلها في أيام البيض أفضل إذا لم يصادف نهيًا؛ كهذه الحالة .
230 ـ بالنسبة لأيام البيض؛ هل صحيح أن الرسول لم يترك صيامها سفرًا ولا حضرًا ؟ أما أنه أمر مستحب ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم تطوعًا ويكثر الصيام، كان يصوم حتى يقال : إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال (10) : إنه لا يصوم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام التطوع حضرًا وسفرًا، أما كونه يلازم أيام البيض؛ فهذا لا أدري ولا يحضرني الآن شيء فيه .
231 ـ هل يشرع قيام النصف من شعبان وصيام الخامس عشر منه ؟
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقيام ليلة النصف من شعبان بخصوصها ولا بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان بخصوصه؛ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتمد عليه .(94/24)
فاليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي : إن كان له عادة القيام في الليل؛ فإنه يقوم فيها كما يقوم في غيرها؛ دون أن يكون لها ميزة؛ لأن تخصيص وقت لعبادة من العبادات لابد له من دليل صحيح؛ فإذا لم يكن هناك دليل صحيح؛ فإن ذلك يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة .
وكذلك لم يرد في صيام يوم الخامس عشر من شعبان، أو النصف من شعبان بخصوصه دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم .
أما ما ورد من الأحاديث في هذا الموضوع؛ فكلها ضعيفة؛ كما نص على ذلك أهل العلم، ولكن مَن كان من عادته أن يصوم الأيام البيض؛ فإنه يصومها في شعبان كما يصومها في غيره، لا على أنه خاص بهذا اليوم؛ كما كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويكثر الصيام في هذا الشهر (11)، لكنه لم يخص هذا اليوم، وإنما يدخل تبعًا .
232 ـ إنسان يصوم الثلاثة الأيام البيض من كل شهر؛ فهل لو صام في هذا الشهر الأيام البيض، ثم صام عليها ثلاثة أيام أخرى؛ هل تكفي عن صيام الست من شوال ؟
صيام الست من شوال سنة مستقلة عن صيام أيام البيض، ولا تداخل بينها، وإنما يستحب للمسلم أن يصوم الست من شوال على حدة، ويصوم أيام البيض على حدة؛ ليعظم له الأجر، أما إذا صام ستة أيام من شوال ونواها عن الست وعن البيض؛ فالذي يظهر لي أنها لا تكون إلا عن الست فقط، فيحصل له أجرها إن شاء الله، ويستحب له أن يصوم أيام البيض بنية مستقلة والله أعلم .
أحكام صيام النذر
233 ـ إذا نذرت صيام شهرين متتابعين، وبعد مضي خمسة وأربعين يومًا من الصيام؛ أفطرت لعذر شرعي، وبعد أن أردت أن أتم بقية الشهرين بعد انقضاء العذر؛ وقعت في خلاف بين الناس : فمنهم من قال : يجب عليك إعادة الصيام . ومنهم من قال : أتمم صومك . والآن وقد مضى وقت طويل بين الخمسة والأربعين يومًا وبقية الشهرين؛ ماذا علي أن أفعل ؟
إذا كان الإفطار بعذر شرعي؛ كالحيض والنفاس وغيرهما؛ فإنه لا يقطع التتابع .(94/25)
لكن؛ بما أنه قد مضى وقت طويل بعد انقطاع العذر حسبما ذكرت، ولم تصم خلاله؛ فإن التتابع قد انقطع، وعليك باستئناف صيام الشهرين المتتابعين من جديد؛ لأن التتابع مشروط في النذر كما ذكرت؛ فلا بد منه . والله أعلم .
الجامع لأحكام الصيام
234 ـ أرجو الإفادة عن فضائل العشر الأواخر من رمضان ؟
فضائل العشر الأواخر عظيمة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر من اجتهاده في أول الشهر :
فكان عليه الصلاة والسلام يجتهد في التهجد في هذه الليالي أكثر من تهجده في أول الشهر (12) .
وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف في العشر الأواخر من رمضان (13) بمعنى : أنه يمكث في المسجد لذكر الله وللعبادة، ولا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان طيلة العشر الأواخر؛ مما يدل على مزيتها وفضيلتها .
كذلك فإن أكثر ما يرجى مصادفة ليلة القدر في هذه العشر الأواخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها ترجى في العشر الأواخر خاصة (14)، فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذه العشر طلبًا لليلة القدر .
235 ـ ما هي منزلة الصدقة في رمضان ؟
الصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شهر المواساة .
وكان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة (15) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( من فطر فيه صائمًا؛ كان كفارة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له من الأجل مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجره شيئًا ) [ انظر : سنن الترمذي ( 3/149 ) ، و سنن ابن ماجه ( 1/555 ) ، و سنن الدارمي ( 2/14 ) . ولم أجد قوله . كان كفارة لذنوبه وعتق رقبته من النار . . ] .(94/26)
فهذا دليل على فضل الصدقة في شهر رمضان، لا سيما وأنه شهر الصيام، ويحصل للمحتاجين فيه جوع وعطش، مع قلة ما بأيديهم؛ فإذا جاد عليهم المحسنون في هذا الشهر؛ كان في ذلك إعانة لهم على طاعة الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر .
إضافة إلى أن الطاعات عمومًا تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، فتضاعف الأعمال لشرف الزمان؛ كما أن الأعمال تضاعف لشرف المكان؛ كما في مسجدي مكة والمدينة؛ فإن الصلاة في مسجد مكة عن مئة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن ألف صلاة فيما سواه (16)، وذلك لشرف المكان، وكذلك شرف الزمان؛ تضاعف فيه الحسنات، وأعظم ذلك شهر رمضان الذي جعله الله موسمًا للخيرات وفعل الطاعات ورفعة الدرجات .
236 ـ يرجى بيان فضل ليلة القدر، وما ورد فيها من الآيات الكريمات ؟
نوَّه الله تعالى بشأنها، وسماها ليلة القدر : قيل : لأنها تقدَّر فيها الآجال والأرزاق وما يكون في السنة من التدابير الإلهية؛ كما قال تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ سورة الدخان : آية 4 ] ، فسماها الله ليلة القدر من أجل ذلك . وقيل : سميت ليلة القدر لأنها ذات قدر وقيمة ومنزلة عند الله سبحانه وتعالى .
وسماها ليلة مباركة؛ كما قال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [ سورة الدخان : آية 3 ] .
ونوه الله بشأنها بقوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [ سورة القدر : آية 2، 3 ] ؛ أي : العمل في هذه الليلة المباركة يعدل ثواب العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وألف شهر ثلاثة وثمانون عامًا وزيادة؛ فهذا مما يدل على فضل هذه الليلة العظيمة .(94/27)
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحراها ويقول صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/253 ) . ( بدون ذكر . . . وما تأخر ) ] .
وأخبر سبحانه وتعالى أنها تنزل فيها الملائكة والروح، وهذا يدل على عظم شأنها وأهميتها؛ لأن نزول الملائكة لا يكون إلا لأمر عظيم .
ثم وصفها بقوله : { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر : آية 5 ] ، فوصفها بأنها سلام، وهذا يدل على شرفها وخيرها وبركتها، وأن من حرم خيرها؛ فقد حرم الخير الكثير .
فهذه فضائل عظيمة لهذه الليلة المباركة .
ولكن الله بحكمته أخفاها في شهر رمضان؛ لأجل أن يجتهد المسلم في كل ليالي رمضان؛ طلبًا لهذه الليلة، فيكثر عمله، ويجمع بين كثرة العمل في سائر ليالي رمضان مع مصادفة ليلة القدر بفضائلها وكرائمها وثوابها، فيكون جمع بين الحسنيين، وهذا من كرم الله سبحانه وتعالى على عباده .
وبالجملة؛ فهي ليلة عظيمة مباركة، ونعمة من الله سبحانه وتعالى، تمر بالمسلم في شهر رمضان، فإذا وفق باستغلالها واستثمارها في الخير؛ حصل على أجور عظيمة وخيرات كثيرة هو بأمس الحاجة إليها .
237 ـ ما هي الأعمال الخيرية المرغوب فيها في شهر رمضان المبارك ؟
الأعمال الخيرية المرغوب فيها في رمضان كثيرة، أهمها : المحافظة على أداء ما فرضه الله في رمضان وغيره من الصلاة والصيام، ثم الإكثار بعد ذلك من النوافل؛ من تلاوة القرآن، وصلاة التراويح، والتهجد، والصدقة، والاعتكاف، والإكثار من الذكر والتسبيح والتهليل والتبكير، والجلوس في المساجد للعبادة فيها، وحفظ الصوم عما يبطله أو يخل به من الأقوال والأعمال المحرمة والمكروهة .
238 ـ ما هو الاعتكاف ؟ وما حكمه ؟ وهل يجوز الاعتكاف في بيتي ؟
الاعتكاف عبادة عظيمة، نص الله جلَّ وعلا عليه في كتابه الكريم، وفي آيات من كتابه :(94/28)
منها قوله تعالى لخليله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [ سورة الحج : آية 26 ] .
ومنها قوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] .
وهو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، وقد كان عليه الصلاة والسلام يعتكف في العشرة الأوسط من رمضان طلبًا لليلة القدر، ثم في آخر حياته صلى الله عليه وسلم صار يعتكف في العشر الأواخر من رمضان (17) ؛ لما تبين له أن ليلة القدر ترجى في العشر الأواخر، واعتكف معه نساؤه عليه الصلاة والسلام .
فالاعتكاف عبادة عظيمة، وهو المكث في مسجد من المساجد لأجل عبادة الله وحده لا شريك له؛ بالصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله عز وجل، والتفرغ لذلك من أعمال الدنيا، والاشتغال بالله سبحانه وتعالى . هذا هو الاعتكاف، وهو مشروع كل وقت .
ولكنه لا يشرع إلا في مسجد تصلّى فيه صلاة الجماعة؛ لقوله تعالى : { وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] ، أما أن يعتكف الإنسان في بيته، أو في مسجد مهجور؛ لانتقال أهله من حوله، ولا يصلي فيه؛ فهذا لا يجوز للمسلم؛ لأنه منقطع بذلك عن صلاة الجماعة؛ فلا يشرع الاعتكاف إلا في مسجد تصلى فيه صلاة الجماعة . وبالله التوفيق .
239 ـ يسأل عن استعمال السواك في رمضان ؟
لا شك أن السواك سنة نبوية مرغوب فيها، وفيها فضل عظيم، وهي ثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله؛ فينبغي المحافظة على هذه السنة، واستعمال السواك، لا سيما عند الحاجة إليه، أو في المواطن التي يشرع فيها؛ كالسواك قبل الوضوء، والسواك عند الصلاة، وعند تلاوة القرآن، وعند تغير رائحة الفم، وعند القيام من النوم؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؛ هذه أمور يتأكد فيها السواك .(94/29)
وهو مسنون في كل وقت، والصائم يستحب له السواك كغيره، والصحيح أنه يستاك في كل اليوم، يستحب له أن يستاك في أول النهار وفي آخره، وما ورد أنه لا يستاك في آخر النهار؛ فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل الثابت عنه ما قاله بعض أصحابه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/234 ) ، وانظر : زاد المعاد ( 2/61 ) ، وانظر : هامش رقم ( 1 ) من نفس الصفحة ] .
240 ـ هل يجوز للصائم أن يستعمل معجون الأسنان وهو صائم في نهار رمضان ؟
يجوز للصائم أن يستعمل معجون الأسنان مع التّحفُّظ من ذهاب شيء إلى حلقه من محلوله، ويستحب له أن ينظف فمه بالسواك وبغيره مما لا يصل إلى حلقه، كما أنه يتمضمض بالماء للوضوء ولا يبالغ .
241 ـ بعض الناس وللأسف الشديد تراهم في رمضان يواظبون على الصلوات الخمس وعلى التراويح والتهجد وقراءة القرآن الكريم . . . فإذا ما انتهى رمضان؛ تركوا ذلك أو أكثره ! فما الحكم فيهم ؟ وهل تقبل أعمالهم الصالحة تلك في رمضان ؟ وما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء ؟
أما الاجتهاد في رمضان بالأعمال الصالحة؛ فهذا شيء طيب، ورمضان له خصوصية وموسم عظيم .
ولكن المسلم مطلوب منه أن يجتهد في أعمال الخير في كل عمره، وفي كل حياته، وفي كل الشهور؛ لأن عمره فرصة ثمينة، وهو قادم على دار تحتاج إلى عمل؛ فإن الجزاء في الدار الآخرة إنما يكون على العمل؛ فالمسلم مطلوب منه أن يستغل حياته في الدنيا بالأعمال الصالحة، وأن يخص أيام الفضل ومواسم الخير كشهر رمضان؛ يخصها بمزيد اجتهاد .
أما هؤلاء القوم المفرطون المضيعون للفرائض والصلوات؛ فإذا جاء رمضان؛ اجتهدوا وحافظوا على الصلوات، فإذا خرج رمضان؛ فإنهم يتركون الفرائض ويضيعون، هؤلاء لا يقبل منهم اجتهادهم في رمضان .
وقيل لبعض السلف : إن قومًا يجتهدون في رمضان؛ فإذا خرج؛ تركوا العمل ؟ فقال : بئس القوم، لا يعرفون الله إلا في رمضان ؟ !(94/30)
فهؤلاء لا يقبل منهم إذا تركوا الفرائض وتركوا الصلوات الخمس، أما إذا كانوا تركوا شيئًا من السنن ومن النوافل؛ فهؤلاء لا حرج عليهم، ويرجى لهم القبول فيما أسلفوا في رمضان . والله أعلم .
242 ـ ما حكم من صام رمضان المبارك دون أن يؤدي فرائض الصلاة نهائيًا دون عذر؛ علمًا بأننا نصحناه كثيرًا ولم يستمع لذلك ؟
الذي يضيع الصلاة لا يصح منه صيام ولا غيره؛ لأن ترك الصلاة كفر، والكافر لا يصح منه عمل، والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والصيام الركن الرابع؛ فالصلاة مقدمة على الصيام، وهي عمود الإسلام .
فالذي لا يصلي لا يصح منه صيام ولا غيره، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويحافظ على الصلوات الخمس، ثم يحافظ على بقية أمور دينه من صيام وغيره .
أما مادام أنه لا يصلي؛ فإنه ليس بمسلم، ولا يصح منه عمل، والصلاة هي عمود الإسلام، وهل يقوم بناء بلا عمود ؟ ! هذا مستحيل .
243 ـ ما حكم من نام نهار رمضان كله ولا يستيقظ إلا عند الإفطار ؟
من نام نهار رمضان كله؛ فصيامه صحيح إذا كان نوى الصيام قبل طلوع الفجر، ولكن يحرم عليه ترك أداء الصلوات في مواقيتها وترك صلاة الجماعة إن كان ممَّن تجب عليه صلاة الجماعة، فيكون قد ترك واجبين يأثم عليهما أشدّ الإثم؛ إلا إذا كان ذلك ليس من عادته، وإنما حصل منه نادرًا، مع نيته القيام للصلاة .
وبالمناسبة؛ فإنه من المؤسف جدًّا أن كثيرًا من الناس اعتادوا السهر في رمضان، فإذا أقبل الفجر؛ تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه، وتركوا الصلوات، مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم، بل لا يصح الصيام ممن لا يصلي، والأمر خطير جدًّا، والسهر الذي يسبب النوم عن أداء الصلاة سهر محرم، وإذا كان سهرًا على لهو ولعب أو فعل محرمات؛ فإن الأمر أخطر، والمعاصي يعظم إثمها ويشتدُّ خطرها في رمضان وفي الأزمنة والأمكنة الفاضلة أشدّ من غيرها .(94/31)
244 ـ نحن جنود في الموسيقى العسكرية، ونقوم بعزف الموسيقى في نهار وليل شهر رمضان؛ فما حكم هذا العمل، وهل صيامنا مقبول ؟
عزف الموسيقى لا يجوز لا في رمضان ولا في غيره، لكنه في رمضان أشدُّ إثمًا، وذلك لحرمة الشهر، أما الصيام؛ فإنه صحيح إن شاء الله .
والدليل على تحريم عزف الموسيقى الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في وصف قوم في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، وأن الله يخسف بهم الأرض (18) ، في أدلة كثيرة وردت في هذا الموضوع، من أراد الاطلاع عليها؛ فليراجع كتاب إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم رحمه الله (19) ، و مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - الجزء الحادي عشر (20) ، والله أعلم .
245 ـ هناك ظاهرة منتشرة بين بعض الناس، وهي أنه في صلاة التراويح ينتقلون إلى مساجد بعيدة عن بيوتهم، وذلك طلبًا للأئمة أصحاب الأصوات الحسنة؛ فما رأيكم بهذه الظاهرة ؟
ينبغي للإمام أن يحسن صوته بتلاوة القرآن، ويعتني بإجادة القراءة على الوجه المطلوب؛ محتسبًا الأجر عند الله، لا من أجل الرياء والسمعة، وأن يتلو القرآن بخشوع وحضور قلب؛ لينتفع بقراءته، وينتفع به من يسمعه .
والذي ينبغي لجماعة كل مسجد أن يعمروا مسجدهم بطاعة الله والصلاة فيه، ولا ينبغي التنقل بين المساجد وإضاعة الوقت في التذوق لأصوات الأئمة، لا سيما النساء؛ فإن في تجوالها وذهابها بعيدًا عن بيوتها مخاطرة شديدة؛ لأنه مطلوب من المرأة أن تصلي في بيوتها، وإن أرادت الخروج للمسجد؛ فإنها تخرج لأقرب مسجد؛ تقليلاً للخطر .
وهذه الظاهرة من تجمهر الناس في بعض المساجد هي ظاهرة غير مرغوب فيها؛ لأن فيها تعطيلاً للمساجد الأخرى، وهي مدعاة للرياء، وفيها تكلفات غير مشروعة ومبالغات .
246 ـ إذا احتلم الصائم في نهار رمضان؛ هل يبطل صومه أم لا ؟ وهل تجب عليه المبادرة بالغسل ؟(94/32)
إذا احتلم الصائم في نهار رمضان؛ فإن صيامه صحيح، لا يتأثر بالاحتلام؛ لأنه بغير اختياره، ويجب عليه الاغتسال من الجنابة من أجل الصلاة، والمبادرة بالاغتسال أحسن، وليست واجبة، والله أعلم .
247 ـ هل تستطيع المرأة تقبيل زوجها في نهار رمضان ؟ ولماذا ؟
تقبيل الرجل لزوجته وهو صائم يجوز إذا كانت لا تتحرك شهوته، أما إذا كانت تتحرك شهوته بذلك؛ فإن هذا التقبيل لا يجوز؛ سدًّا للذريعة، وما ورد من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل زوجاته وهو صائم [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/233 ) ] ؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم كان مالكًا لإربه، ومن هنا رخص العلماء في التقبيل حالة الصيام للكبير دون الشاب؛ لأن الشاب مظنه ثوران الشهوة .
248 ـ ما حكم مخاطبة الشباب للفتيات عبر الهاتف أثناء الصوم ؟ وبالذات إذا كانوا مخطوبين لبعض ؟
مخاطبة الشباب للفتيات عبر الهاتف لا تجوز؛ لما في ذلك من الفتنة؛ إلا إذا كانت الفتاة مخطوبة لمن يكلمها، وكان الكلام مجرد مفاهمة ولمصلحة الخطبة، مع أن الأولى والأحوط أن يخاطب وليها بذلك، أما المخاطبة بين الشباب والفتيات في غير حالة الخطبة؛ فإنها لا تجوز؛ لما في ذلك من الفتنة الشديدة، وخشية الوقوع في المحذور، وإذا كان ذلك في حال الصيام؛ فإنه يؤثر على الصيام بالنقص؛ لأنه مطلوب من الصائم المحافظة على صيامه مما يخل به وينقصه، وكم سبب الاتصال بين الشباب والفتيات بواسطة التلفونات من مصائب خلقية وجرائم اجتماعية؛ فالواجب على أولياء الفتيات منعهن ومراقبتهن من هذا الخطر .(94/33)
249 ـ متزوجة تأتيني الدورة الشهرية مرتين في الشهر، وفي كل مرة تأخذ فترة أكثر من 15 يومًا، وفي شهر رمضان أتت قبل موعدها بأسبوع، ولم تنزل خارج الفرج، بل تكون في باطن الجسم وتستمر في الباطن أسبوعًا قبل أن تنزل إلى الخارج، مع العلم أنها لم تكن كذلك؛ إلا من مدة أربع أعوام، وكانت قبل هذه المدة تأتي في موعدها، ولا تستمر أكثر من خمسة أيام؛ ما أعمل في الصوم ؟ هل أصوم وأصلي في الفترة التي تكون في باطن الجسم أو لا أصوم ولا أصلي ؟
المرأة لا تترك الصوم والصلاة حتى يخرج منها دم الحيض، ولمدة لا تزيد عن خمسة عشر يومًا، فإن استمر معها خروج الدم أكثر من خمسة عشر يومًا؛ فإنه لا يعتبر الزيادة عن عادتها، بل تغتسل لتمامها، وتصوم، وتصلي، وأما إحساسها بوجود دم الحيض في جسمها؛ فهذا لا يترتب عليه شيء حتى يخرج، وقبل خروجه تصوم وتصلي وتعتبر طاهرًا .(94/34)
كتاب الحج
250 ـ ماذا ينبغي على من ينوي الحج والعمرة، وما يجب عليه ؟
لا شك أن الحج والعمرة من أفضل العبادات، والحج والعمرة ركن من أركان الإسلام مرة واحدة في العمر في حق المستطيع، وما زاد على ذلك؛ فهو تطوع من أفضل أنواع التطوع .
وينبغي لمن عزم على الحج والعمرة : أن يستقبل ذلك بتوبة صادقة مما سبق من ذنوبه وسيئاته ليؤدي هذا النسك وهو على أحسن حال، ون كان واجبًا على المسلم في الحقيقة أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى في كل أموره وفي كل حالاته، ولكنه يتأكد عليه ذلك في استقبال المواسم العظيمة؛ كموسم الحج، وشهر رمضان، وغير ذلك من مواسم العبادة .
وعلى من يريد الحج والعمرة أن يخلص النية لله سبحانه وتعالى في أداء حجه وعمرته؛ لقوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ؛ هذا أمر بإكمال مناسكهما على الوجه المشروع، خالصين لوجه الله، لا يكون فيهما رياء ولا سمعة ولا قصد من مقاصد الدنيا، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئٍ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/2 ) ] .
ثم عليه أن يختار النفقة الطيبة لحجه وعمرته؛ لأن المسلم مطلوب منه أن يتجنب المحرمات من الأطعمة والأشربة والمكاسب الخبيثة :
لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ سورة البقرة : آية 172 ] .(95/1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ سورة المؤمنون : آية 51 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ سورة البقرة : آية 172 ] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ؟ ! ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/703 ) ] .
وهذا في كل سفر، لا سيما سفر الحج والعمرة؛ فهو أحرى بأن يكون خاليًا من النفقة من الكسب الحرام والمأكل الحرام، وهو إذ أدى حجه وعمرته بمكسب حرام لا يستجاب له دعاء، ولا يصح منه حج ولا عمرة .
ولهذا يقول الشاعر :
إذا حججت بمال أصله سُحتٌ ** فما حججت ولكن حجّت العير
ما يقبل الله إلا كل صالحة ** ما كل من حج بيت الله مبرور
فعلى المسلم أن يعرف ذلك، وعليه أن يؤمن للحقوق المطلوبة منه ما يكفيها :
إذا كان عليه ديون؛ فلابد أن يكون قد وفر لهذه الديون سدادًا؛ فلا يجوز أن يحج وعليه ديون ليس عنده وفاء لها؛ فقضاء الديون أوجب عليه من أداء الحج والعمرة، بل لا يجب عليه حج ولا عمرة في حالة كونه مدينًا بالديون التي ليس عنه مال لأدائها؛ فلابد أن يكون لديه مال لأداء هذه الديون، وتكون نفقة حجه وعمرته فاضلة عن هذه الديون .
وعليه أن يؤمن نفقة من تلزمه نفقتهم، وهذه النفقة أيضًا مقدمة على الحج؛ لأن نفقتهم أقدم، ولا يجب عليه حج ولا عمرة إذا كان لا يملك ما يكفل من تلزمه مؤونتهم حتى يرجع من حجه .
وعليه أن يختار الرفقة الصالحة المحافظة على الطاعة؛ حتى ينتفع بهم ويتأسى بهم، ويتجنب الرفقة السيئة الذين يؤثرون عليه في سفره .(95/2)
وعليه أن يتفقه في مناسك حجه وعمرته؛ حتى يؤديهما على الوجه المشروع، وذلك بأن يقرأ ما كتب من المناسك المفيدة قبل أن يباشر الحج والعمرة، حتى يكون على تصور تام من مناسكهما، حتى يؤديهما على الوجه المشروع .
وإذا كان لا يحسن القراءة فعليه أن يسأل أهل العلم عن كل ما خفي عليه؛ ليكون على بصيرة، والله الموفق .
251 ـ أنا لا أستطيع دفع نفقات أداء فريضة الحج، ولكنني أستطيع دفع نفقات العمرة، ولكن يجب أن يصاحبني محرم، وأنا أرملة توفي زوجي منذ عشرين سنة، ولا أجد من يذهب معي كمحرم لأداء العمرة؛ فماذا أفعل ؟
من المعلوم أنه يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود المحرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين؛ إلا مع محرم - أو : إلا ومعها ذو محرم - ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) . وانظر كذلك ( 2/58 ) من الصحيح ] ؛ فلا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا يبلغ هذه المسافة وهي مسيرة يومين؛ إلا ومعها محرم لا للحج ولا لغيره .
فإذا كان عند المرأة استطاعة مالية وبدنية للحج، ولكن ليس عندها محرم؛ فعليها أن تنتظر، لعل الله ييسر لها المحرم بعد ذلك، فإذا أيست من المحرم؛ فإنها توكل من يحج عنها، وتدفع له تكاليف الحج؛ لأنها أصبحت غير مستطيعة لمباشرة الحج بنفسها مع قدرتها عليه بمالها، هذا الذي يجب عليها .
أما قولها : إن عندها تكاليف العمرة دون تكاليف الحج ! هذا غير واضح؛ لأن تكاليف العمرة هي تكاليف الحج، مادام أنه سيسافر من البلد، ويذهب إلى مكة، ويرجع، وتعطيه تكاليف للعمرة؛ فهذه تكاليف الحج؛ لأن التكاليف واحدة، لا تختلف عن تكاليف العمرة اختلافًا كثيرًا، والله أعلم .
252 ـ هل يجوز لي أن أبعث خادمتي لتؤدي فريضة الحجة مع مجموعة من النساء عن طريق مؤسسات متخصصة في نقل الحجاج ؟(95/3)
لا يجوز للمرأة أن تسافر لحج ولا لغيره إلا مع ذي محرم؛ سواء كانت خادمة أو غير خادمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين؛ إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) . وانظر كذلك ( 2/58 ) من الصحيح ] ، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم، وكذا المؤسسات الخاصة لا تكفي عن وجوب المحرم للمرأة في سفرها، ولا يخرجها ذلك عن النهي الوارد في الأحاديث .
253 ـ والدتي حجَّت مع غير محرم لها وعمرها يتجاوز الستين سنة؛ فهل حجها هذا صحيح أم أحج لها؛ علمًا بأنها قد توفيت يرحمها الله ؟
إذا حجت المرأة مع غير محرم؛ فهي عاصية تأثم بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (1) .
254 ـ حتى ولو كانت في هذا السن الذي ذكر ( ستين سنة ) ؟
ولو كانت؛ لأن الحديث عام؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، هذا عام للكبيرة وللصغيرة وللحج ولغيره؛ فهي تعتبر في هذا مخطئة وعاصية، تأثم على ذلك، فأما الحج في حدِّ ذاته؛ فهو صحيح إذا أدته على وجهه المطلوب بأركانه وواجباته وما يشرع له .
255 ـ هل يجوز للمرأة أن تؤدي فريضة الحج مع زوج شقيقتها وأختها ؟
جواب هذا السؤال كجواب السؤال الذي قبله، وزوج أخت المرأة لا يكون محرمًا لها؛ لأنه أجنبي عنها .
256 ـ أنا أقيم الآن ن زوجتي في اليمن، وإلى هذا الوقت لا نملك السكن في بلدنا؛ علمًا بأنني أملك مبلغًا من المال، وإلى الآن لم نحج حج الفريضة؛ فهل يجب علينا الحج الآن فورًا مادمنا قادرين ماديًّا ولو كنا لا نملك بيتًا ؟ أم نشتري أولاً مسكنًا نسكن فيه ثم بعد ذلك إن كنا قادرين على الحج حججنا، وإلا أجلناه إلى القدرة ؟(95/4)
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أوجب الحج على المستطيع، قال تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] ، وذلك بأن يملك الزاد والراحلة، ويكون هذا الزاد وهذا المركوب فاضلاً عن كفايته من مسكنه ومصروفه ومصروف أولاده إلى أن يرجع .
فإن كان المبلغ الذي بأيديكم لا يغطي حاجاتكم الضرورية، ومنها المسكن؛ فالمسكن ضروري؛ فإنه لا يجب عليكم الحج حتى توفروا حوائجكم الضرورية، فإذا زاد بأيديكم شيء؛ فحجوا منه، لكن لو حججتم وأديتم الحج قبل ذلك؛ فلا حرج، إنما اللزوم لا يلزمكم، ولا يجب عليكم، حتى يتوفر لديكم المال الزائد عن كفايتكم سكنًا ونفقة لكم ولأولادكم ومن تجب عليكم نفقته .
257 ـ هل يجوز للفقير أن يأخذ دينًا من أجل أن يؤدي فريضة الحج ؟
الفقير ليس عليه حج إذا كان لا يستطيع نفقة الحج؛ لقوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] ، ولا يجوز له أن يستدين من أجل أن يحج؛ لأن هذا تكلف لم يأمر الله به، ولأنه يشغل ذمته بالدين من غير داع إلى ذلك؛ فعليه أن ينتظر حتى يغنيه الله من فضله، ويستطيع الحج، ثم يحج .
258 ـ لقد حضرت في الحجة الماضية، وحججت باسم والدي، وفي هذه السنة سوف أحج لنفسي، وهنا بعض الإخوة يقولون : لا يجوز أن تحج لوالدك قبل أن تحج لنفسك، أرجو أن تفيدوني في ذلك، وهل حجي لوالدي صحيح أم لا ؟(95/5)
إنه إذا كان حج عن والده قبل أن يحج عن نفسه حجة الإسلام؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الإنسان عليه أن يحج عن نفسه أولاً قبل أن يحج عن غيره؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة . قال : ومن شبرمة ؟ . قال : أخ لي . قال : هل حججت عن نفسك ؟ . قال : لا . قال : حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/167 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/969 ) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ( 4/336، 337 ) ] .
فعلى الإنسان أن يؤدي فرضه أولاً، وأن يحج عن نفسه أولاً، ثم يحج عن غيره، وإذا كان الأمر كذلك؛ أي : أنه لم يحج عن نفسه؛ فإن حجته عن والده وقعت عن نفسه، ويحج بعد ذلك عن والده، فيكون ما فعله لنفسه هو، ويكون ما يفعله مستقبلاً لوالده .
259 ـ إذا كان هناك شخص اشترى عقدًا للعمل بغير اسمه، واستخرج جواز سفر بهذا الاسم المستعار، ويريد الحج به؛ فهل يصح هذا الحج أم لا ؟ وما الحكم الشرعي في هذا العمل الذي هو احتيال على أنظمة الدولة ومخالفة لها ؟ وما حكم الكسب الذي يكسبه بهذا الأسلوب ؟
المفروض في المسلم الصدق في المعاملة، والتزام الأمانة، ولا يكون مخادعًا، لاسيما على الأنظمة التي فيها مصالح للناس وتنظيم أمور الناس؛ فلا يجوز للإنسان أن يحتال عليها، وأن يلبس على المسؤولين، وأن يخالف الأنظمة، وأن يكذب، وفي هذا عدة محاذير، والاكتساب الذي يحصل من هذا الطريق اكتساب غير شريف، والمسلم يصدق ويتعامل بالصدق ويتحرى الصدق دائمًا وأبدًا، والله سبحانه وتعالى يرزقه ويعينه : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية2، 3 ] .
والحج لا يجوز بمثل هذه الطريقة؛ لأنه يعرف نفسه للمسؤولية، وقد يمنع من أداء المناسك بسبب مخالفته للأنظمة؛ فلا نرى أنه يحج بهذه الطريقة . والله أعلم .
مواقيت الحج(95/6)
260 ـ إذا كان الشخص قد سافر إلى السعودية من أجل العمل، وجمع المال من أجل المعيشة له ولأولاده، وليس في نيته قبل سفره من مصر أن يؤدي فريضة الحج، لكنه بعد سنة أدَّى فريضة الحج؛ هل حجه صحيح ؟
نعم؛ إذا قدم الإنسان إلى السعودية من أجل العمل، ولم يكن في نيته أن يحج، ثم بدا له بعد وصوله أو بعد إقامته في المملكة بمدة؛ بدا له أن يحج؛ فإنه يحرم من الميقات الذي يمر به، أو من المكان الذي نوى الحج منه، ولو كان دون الميقات، ويكون حجه صحيحًا إن شاء الله، ولو لم ينوه عند قدومه للمملكة، فإذا نوى الحج، فإن كان خارج الميقات؛ فإنه يحرم من الميقات الذي يمر به في طريقه إلى مكة، وإن كان نوى الحج وهو دون الميقات إلى مكة، أو في مكة؛ فإنه يحرم للحج من مكانه الذي نوى منه الحج، ويجزئه هذا عن حجة الإسلام، وإن أراد العمرة وهو في مكة؛ فلابد أن يخرج إلى الحل ويحرم بها منه ولا يحرم بها من مكة .
الإحرام وما يتعلق به
261 ـ ما هي الأشياء التي ينبغي فعلها قبل الإحرام ؟
هناك أشياء ينبغي أن يفعلها الإنسان قبل الإحرام تهيؤًا للإحرام؛ لأن الإحرام عبادة عظيمة يستقبل بالتهيؤ والاستعداد له، ومن هذه الأشياء :
1ـ أن من أراد الإحرام؛ فإنه ينبغي له أن يغتسل بجميع جسمه؛ ليزول ما علق به من الأوساخ والروائح الكريهة والغبار، وليكون نظيفًا في استقبال العبادة .
2ـ يزيل ما أمر بإزالته شرعًا؛ كقص الأظافر، وقص الشارب، وأخذ ما في الآباط، وكذلك أخذ ما في العانة من الأمور التي يتأذى بها ويشرع أخذها؛ لأن في ذلك تجملاً ونظافة، ولأنه لا يجوز له أخذها بعد الإحرام، فيأخذها قبل الإحرام حتى يستريح منها .(95/7)
3ـ يستحب له بعد ذلك أن يطيب بدنه ورأسه بأي نوع من أنواع الطيب، والرجل والمرأة في هذه الأمور سواء، الاغتسال وأخذ ما يشرع أخذه والتطيب يستوي في ذلك المرأة والرجل، لكن مع ملاحظة التستر عند الاغتسال، والابتعاد عن الأنظار، وليعلم أن هذا الاغتسال ليس واجبًا، فإذا تيسر مع توفر الستر والتحفظ وستر النساء عن الرجال؛ فإنه مطلوب، وإذا لم يتيسر؛ فإنه لا حرج في تركه، أو كان وقته لا يسمح له بالاغتسال وما ذكر معه؛ فإنها ليست بلازمة، بل يُحرِم ولو لم يعملها .
4ـ يخلع الرجل ما عليه من المخيطات والمنسوجات على بدنه أو أحد أعضائه؛ بأن يستر عورته أولاً، ثم يخلع ما عليه من المخيطات، ويتجرد منها، سواء كانت ثيابًا أو فنائل أو سراويل أو قفازات يدين أو غير ذلك من المخيطات أو المنسوجات على الجسم أو على قدر العضو، ثم يضع بدلها إزارًا على أسفل جسمه ورداء على أعلاه على كتفيه وظهره وصدره، ويخلع ما على رأسه من الأغطية الملاصقة؛ كالعمامة والطاقية والغترة وغير ذلك، ويجعل رأسه مكشوفًا ليس عليه أي غطاء ملاصق، ويبقى مكشوفًا طيلة إحرامه .
أما المرأة؛ فإنها تبقى على ثيابها، ليس بلازم أن تغير ثيابها إلى ثياب أخرى، فإذا كانت ثيابها نظيفة وليس فيها زينة، وليست ضيقة؛ فلا حرج أن تحرم بها، وإذا غيرتها بغيرها مما هو من عادة النساء لبسه؛ فلا حرج في ذلك؛ إلا أنه يحرم عليها شيئان :
1ـ يحرم عليها من اللباس البرقع والنقاب على الوجه، فترفع البرقع، وتجعل مكانه غطاء كالخمار أو الشيلة أو غيرهما مما ليس بمخيط على قدر الوجه كالبرقع .
2ـ ويحرم عليها لبس القفازين على اليدين، وهما الشراريب التي تلبس على الكفين .
262 ـ ما رأيكم في استخدام الغترة أو الطاقية أو الشمسية في الحج خوفًا من حرارة الشمس ؟(95/8)
يجب على المسلم المحرم الذكر كشف رأسه حال الإحرام؛ فلا يغطيه بملاصق، ويجوز له أن يستظل من الشمس بالخيمة والشجرة والشمسية وسقف السيارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له خيمة وهو محرم وظل عليه بالثوب وهو محرم (2) ، وإنما الممنوع تغطية الرأس بالملاصقة من طاقية أو غترة أو عمامة أو أي غطاء ملاصق؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته ومات وهو محرم : ( ولا تخمروا رأسه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/76 ) ] ؛ أي : لا تغطوه .
263 ـ هل يجوز عقد الزواج في أشهر الحج بالنسبة للحاج وغيره أم لا ؟
يجوز عقد الزواج في كل وقت، في أشهر الحج وغيرها، ما عدا حالة الإحرام؛ فالمحرم لا يجوز له أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/1030، 1031 ) ] . والله أعلم .
264 ـ هناك من يقول إن كشف الوجه ليس حرامًا، وبذلك لا يجب تغطيته عند ذلك في سائر الأوقات، وفي الحج بصفة خاصة، فأرجو إفادتي جزاكم الله خيرًا .
الصحيح الذي تدل عليه الأدلة أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها، بل هو أشدُّ المواضع الفاتنة في جسمها؛ لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه؛ لأنه مركز الجمال، ومحل مدح الشعراء أكثره في محاسن الوجه؛ فالوجه أعظم عورة في المرأة، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه :
من ذلك قوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] ؛ فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه .(95/9)
ولما سُئِلَ ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ؛ غطى وجهه، وأبدى عينًا واحدة؛ فهذا يدلّ على أن المراد بالآية تغطية الوجه، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية؛ كما رواه عنه عبيدة السلماني لما سأله عن ذلك (3).
ومن السنة أحاديث كثيرة منها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة أن تتنقب (4) رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] " رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] " رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] " رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] " رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] "، وأن تلبس البرقع ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/146 ) ] ، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها .
وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تُبقِي وجهها مكشوفًا، بل تستره بغير النقاب وبغير البرقع؛ بدليل حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فكنا إذا مرَّ بنا الرجال؛ سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا؛ كشفناه ) [ رواه أبي داود في سننه ( 2/173 ) ، ورواه أيضًا ابن ماجه في سننه ( 2/979 ) ] ، فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب؛ لأن الوجه هو مركز الجمال، وهو محل النظر من الرجال؛ فلا حجة صحيحة مع من يرى أن الوجه ليس بعورة، وإنما الحجة الصحيحة مع من يرى أنه عورة . والله تعالى أعلم .
265 ـ هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها ؟(95/10)
لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند الرجال الذين ليسوا من محارمها؛ لا في الحج، ولا في غيره؛ لأن الله أمر المرأة بالحجاب أمرًا عامًّا في جميع الأحوال، وفي الحج خاصة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تنتقب [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/215 ) ] ؛ أي : أن تغطي وجهها بالنقاب؛ مما يدل على أنه معروف تغطية النساء وجوههن، ونهين عن هذا النوع من الأغطية خاصة؛ كما نهي الرجال عن لبس المخيط في حالة الإحرام، ولم تنه عن تغطية وجهها بغير النقاب؛ فقد جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أنها هي والنساء كنّ مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بهن الرجال؛ سدلت إحداهن خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزهن الرجال؛ كشفت وجوههن [ رواه أبو داود في سننه ( 2/173 ) ، ورواه أيضًا ابن ماجه في سننه ( 2/979 ) ] ؛ فهذا دليل صريح في وجوب تغطية المرأة وجهها في الحج وغيره، مع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ليس هذا موضع بسطها، بل إن المرأة في الحج أحرى أن تلتزم الحجاب وغيره من الواجبات؛ لأنها في عبادة عظيمة وفي موطن عظيم .
266 ـ هل من الضروري أن تلبس المرأة ثيابًا ذات ألوان محددة عند أداء مناسك الحج ؟
ليس للمرأة ثياب مخصصة تلبسها في الحج، وإنما تلبس ما جرت عادتها بلبسه مما يستر بدنها وليس فيه زينة ولا تشبه بالرجال، وإنما نهيت المرأة المحرمة عن لبس البرقع والنقاب مما خيط أو نسج للوجه خاصة، وعن لبس القفازين مما خيط أو نسج للكفين خاصة، ويجب أن تغطي وجهها بغير البرقع والنقاب، وتغطي كفيها بغير القفازين؛ لأنهما عورة يجب سترها، وهي لم تنه عن تغطيتهما مطلقًا حال الإحرام، وإنما نهيت عن تغطيتهما بالبرقع والنقاب والقفازين فقط .
267 ـ ما حكم صلاة المرأة وحجها وهي لابسة القفازين ؟(95/11)
صلاة المرأة وهي لابسة للقفازين لا بأس بها؛ لأنه مطلوب منها ستر كفيها في الصلاة على الصحيح الراجح؛ سواء سترتها بالقفازين أو بغيرهما .
أما في حال الإحرام؛ فلا يجوز لها لبس القفازين؛ لأنها منهية عن ذلك، وذلك من محظورات الإحرام، ويجب عليها أن تغطي كفيها عن الرجال غير المحارم بغير القفازين من ثوبها أو عباءتها، وفي غير حالة الإحرام يجوز للمرأة الحاجة لبس القفازين؛ لأنها إنما منعت من لبسهما في حال الإحرام فقط .
أعمال يوم التروية ويوم عرفة والمزدلفة
268 ـ ماذا يفعل الحاج يوم التروية ؟
إذا كان الحاج متمتعًا؛ فإنه في يوم التروية يحرم بالحج؛ لأنه يتحلل من الإحرام بالعمرة بعد فراغه من مناسكها عند قدومه، فإذا جاء يوم الثامن؛ يحرم بالحج، والمستحب أن يحرم به صباحًا قبل الزوال، ويخرج إلى منى، ويفعل عند إحرامه بالحج كما يفعل عند إحرامه بالعمرة؛ من الاغتسال والتنظيف والتطيب والتجرد للرجال من المخيطات، والاقتصار على إزار ورداء، ويلبس من النعال في الرجلين ما شاء من أنواع النعال، ويجوز لبس الخفين القصيرين أسفل الكعبين، والأفضل أن يحرم في نعلين، هذا ما يفعله المتمتع يوم التروية، أما القارن والمفرد؛ فهما باقيان على إحرامهما من الميقات .
269 ـ ماذا يفعل في الوقوف بعرفة ؟
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، بل هو الركن الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة؛ فاته الحج هذا العام الذي فاته فيه .
والوقوف بعرفة له وقت زماني، ووقت مكاني .
فالوقت الزماني : يبدأ على الصحيح من زوال الشمس يوم التاسع إلى طلوع فجر اليوم العاشر .(95/12)
أما الميقات المكاني : فهو أن يكون داخل حدود عرفة، ويجب على الحاج أن يقف داخل حدود عرفة، ولا يتعداها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حين وقف عند الجبل وعند الصخرات الكبار قال : ( وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/893 ) ] ، وارفعوا عن بطن عرنة ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ( 1/388 ) ] ، وقد وُضعت عليه علامات تحدده، هذا هو الميقات المكاني، فإن وقف خارج عرفة، ولم يدخل فيها في الوقت ما بين زوال يوم التاسع إلى طلوع فجر اليوم العاشر، ولو لحظة؛ فإنه لا يصح حجه، ويكون قد فاته الحج هذا العام الذي فاته فيه .
ومعنى الوقوف بعرفة : أن يكون موجودًا فيها في وقت الوقوف وهو محرم بالحج؛ فإذا فعل ذلك؛ فإنه قد أتى بالواجب؛ إلا إذا وقف نهارًا؛ فإن عليه أن يستمر واقفًا إلى الغروب، ولا يجوز له الانصراف حتى تغرب الشمس، وإن جاء إلى عرفة بعد غروب الشمس؛ فإنه يكفيه أدنى وقوف فيها، ولو مجرد المرور، ويتحقق الوقوف سواء كان واقفًا، أو جالسًا، أو على سيارته، أو على دابته، أو على أي شكل كان .
وعليه في عرفة أن يكثر من الدعاء والابتهال إلى الله، وذلك أنه إذا زالت الشمس في عرفة في اليوم التاسع؛ فإنه يصلي الظهر والعصر جماعة بأذان واحد وإقامتين، مع قصر كل منها إلى ركعتين، ثم يستمر في الدعاء والتضرع إلى أن تغرب الشمس، ولا داعي لذهابه للجبل أو صعوده عليه أو مشاهدته أو استقباله حال الدعاء، وإنما يستقبل الكعبة المشرفة .
270 ـ نرجو الإفادة عن المبيت في المزدلفة ؟(95/13)
إذا أفاض الحاج من عرفة إلى المزدلفة بعد غروب الشمس؛ فإنه يبقى في المزدلفة يصلي المغرب والعشاء جمعًا، المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين، ثم يحط رحله وينزل فيها ويبيت فيها إلى طلوع الفجر، فيصلي في أول وقته، ثم يتفرغ للدعاء، وقبل طلوع الشمس يفيض إلى منى، ولا يجوز له الانصراف من مزدلفة قبل منتصف الليل، والأكمل والأحوط أن يبقى إلى ما بعد طلوع الفجر، وبعد أداء صلاته ينصرف قبل طلوع الشمس .
أما أصحاب الأعذار والمرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون الاستمرار إلى الفجر؛ فيجوز لهم الانصراف من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم (5)] .
وكذلك يرخص لمن يحتاجون إليه من الأقوياء لخدمتهم أو دلالتهم على الطريق؛ لأن حكمهم يكون حكم المعذورين (6).
وصاحب السيارة الذي ينصرف بهم يكون حكمه حكمهم؛ لحاجتهم إليه .
271 ـ إذا حجت المرأة، وعند قدومها إلى مزدلفة؛ جاءها العذر الشرعي؛ فما الحكم في ذلك ؟
إذا أصاب المرأة الحيض وهي محرمة؛ فإنها تفعل ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الحجار والتقصير من رأسها؛ إلا أنها تؤخر الطواف بالبيت للإفاضة، حتى تطهر من حيضها وتغتسل، ثم تطوف للإفاضة؛ لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حاضت وهي محرمة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها صلى الله عليه وسلم : ( افعلي ما يفعل الحاج؛ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/171 ) ] .
أحكام الحج التي تفعل في أيام التشريق، وطواف الوداع
272 ـ ما أفعال الحج التي تفعل يوم العيد ؟
أعمال الحج يوم العيد أربعة أشياء :
1ـ رمي جمرة العقبة، ووقته في حق المعذور من منتصف الليل، وفي حق القوي غير المعذور الأولى أن يبدأ من بعد طلوع الشمس، ويستمر إلى غروب الشمس . هذا وقت رمي الجمرة الكبرى، جمرة العقبة، يوم العيد .
2ـ ذبح هديه إذا كان قارنًا أو متمتعًا .(95/14)
3ـ حلق رأسه أو تقصيره .
4ـ طواف الإفاضة والسعي بعده إذا كان عليه سعي؛ بأن كان متمتعًا أو كان قارنًا أو مفردًا ولم يكن سعى بعد طواف القدوم .
هذه أفعال الحج التي تفعل يوم العيد .
ولو قدم بعضها على بعض، أو أخر طواف الإفاضة عن يوم العيد؛ فلا بأس بذلك، كذلك لو حق قبل أن يرمي، أو طاف طواف الإفاضة قبل أن يرمي؛ فلا حرج بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر في هذا اليوم؛ إلا قال : ( افعل ولا حرج ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/190 ) ] ، لكن ترتيبها على الشكل الذي ذكرنا أفضل .
273 ـ أرجو أن تحدثونا عن أيام التشريق، وما يفعل فيها ؟
أيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد يوم العيد لمن تأخر ويومان بعده لمن تعجل، وهي : اليوم الحادي عشر والثاني عشر هذا في حق من تعجل، والثالث عشر في حق من تأخر، هذه أيام التشريق .
والذي يفعل فيها هو البقاء في منى، والمبيت فيها ليالي أيام التشريق، وهو واجب من واجبات الحج، وكذلك رمي الجمار بعد الزوال يومي الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل، واليوم الثالث عشر لمن تأخر، ورمي الجمار الثلاث يكون برمي الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى على الترتيب، كل جمرة بسبع حصيات متعاقبات، واحدة تلو الأخرى، ويكبر مع كل حصاة .
كذلك يذبح فيها الهدي لمن كان عليه هدي، أو أراد أن يتطوع بذبح هدي، فيذبح في أيام التشريق الثلاثة . هذا ما يفعل أيام التشريق .(95/15)
274 ـ أديت فريضة الحج لعام مضى، ورميت جمرة العقبة على خير ما يرام، ولكن في اليوم الثاني كان الزحام شديدًا، وكنت أشعر ببعض المرض، ومن شدة الزحام لم أتبين بالتحديد أيهما رميت أولاً هل الصغرى أم الكبرى أم جمرة العقبة، الله أعلم ؟ ورميت مرتين، ودفعني الزحام إلى الخارج، فوجدت نفسي خارج منطقة رمي الجمرات، ولم أستطع العودة مرة أخرى، أو تحديد أي جمرة، لم أرمها، وعدت إلى مكة، ومعي الجمرات عني وعن أولادي، أتذكر أني قد رميت جمرتين ولم أستطيع تحديد أيهما لم أرمه؛ فماذا عليَّ، وإن كان عليَّ فدية؛ فما مقدارها عني وعن زوجتي وثلاثة أطفال دون الرابعة عشر ؟
رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق واجب من واجبات الحج، ووقت الرمي يبدأ بدخول وقت الظهر، ويجب ترتيب الجمرات؛ بأن يبدأ بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، كل جمرة يرميها بسبع حصيات متعاقبات، تقع كل حصاة في الحوض؛ فإذا أخل بهذا الترتيب، أو لم يقع الحصى في الحوض، أو ترك رمي بعض الجمرات؛ فإنه يجب عليه فدية؛ بأن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم ولا يأكل منها شيئًا، وكذلك بالنسبة لزوجته وأطفاله الذي أخلُّوا برمي الجمرات على نحو ما ذكره السائل، يجب على كل واحد منهم فدية كما ذكرنا، ومن لم يقدر ماديًّا على ذبح الفدية؛ صام عشرة أيام . والله أعلم .
275 ـ إذا أدى الحاج العمرة، وخرج بعد ذلك لقضاء حوائج له خارج الحرم؛ هل يلزمه طواف الوداع ؟ وهل عليه شيء من ذلك ؟
طواف الوداع يجب على الحاج؛ فإذا فرغ من أعمال الحج كلها وأراد السفر من مكة، وهو يسقط عن المرأة الحائض والنفساء، أما العمرة؛ فليس لها طواف وداع على الصحيح من قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به الحجاج (7) ، ولم يأمر به المعتمرين، فدل على أنه خاص بالحج .
276 ـ من اعتمر وأخر الحلق أو التقصير حتى عاد إلى بلدته التي تبعد عن مكة ( 90 ) كيلو مترًا؛ هل عليه من حرج ؟(95/16)
المعتمر ينبغي له أن يبادر بالحلق، أو التقصير فور ما يفرغ من السعي؛ لأن الحلق أو التقصير نسك من مناسك العمرة، لا تتم إلا به على الصحيح، ولكن إذا نسي أو جهل، فتركه وتحلل من إحرامه، ثم ذكر أو علم بعد ذلك؛ فإن الواجب عليه أن يعيد ملابس الإحرام، ثم يحلق أو يقصر، في أي مكان، ولو في بلده؛ لأن الحلق أو التقصير يجزئ في أي مكان، ولا يختصان بالحرم، وإن كان قد جامع؛ فإنه يجب عليه ذبح شاة في مكة، ويوزعها على مساكين الحرم، وإن كان لا يستطيع ذبح الشاة؛ صام عشرة أيام في أي مكان .
الجامع لأحكام الحج والعمرة
277 ـ إنني ذهبت إلى الحج متمتعًا، فأحرمت، وعندما وصلت إلى مكة؛ طفت بالبيت الحرام، ثم سعيت بين الصفا والمروة، ثم تحللت من ملابس الإحرام إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم ذهبت إلى منى وعرفة والمزدلفة، ورميت الجمرات، ثم قمت بجميع هذه المناسك على الوجه الأكمل، وعندما رجعت إلى مكة؛ طفت بالبيت الحرام طواف الإفاضة، ولكنني لم أسع بين الصفا والمروة؛ جهلاً مني، وكنت أظن أن طواف الإفاضة هو آخر ركن في الحج، وليس بعده سعي، ولذلك لم أسع، وطفت طواف الوداع، ورجعت إلى القاهرة، ولم أعرف بهذا؛ إلا بعد أن تذكرت بمصر؛ فما الحكم في حجي ؟
حجك صحيح، لكنه لم يكمل إلى الآن؛ لأنك تركت السعي، والسعي ركن من أركان الحج؛ لأنك فيما وصفت من أفعالك متمتع، والمتمتع عليه طوافان وسعيان : طواف وسعي للعمرة، وهذا قد أديته، وطواف وسعي للحج، وقد أديت الطواف وبقي عليك السعي، وعليك أن تقدم لمكة، وأن تسعى للحج سبعة أشواط بين الصفا والمروة بنية سعي الحج .
وإذا كنت قد جامعت زوجتك في هذه الفترة؛ فيجب عليك ذبح شاة في مكة، تذبحها وتوزعها على فقراء الحرم، ولا تأكل منها شيئًا .(95/17)
وكذلك عليك شاة أخرى عن الوداع؛ لأن وداعك الأول ليس في محله؛ لأنك طفت للوداع قبل كمال أركان الحج، وبإمكانك أن تقدم إلى مكة وتحرم بعمرة وتأتي بأعمالها، وإذا فرغت منها تسعى للحج؛ وإن دخلت إلى مكة ولم تحرم للعمرة، وسعيت للحج مباشرة؛ فلا حرج في ذلك، ولكن الصفة الأولى أحسن .
278 ـ هل يلزم الفرد أن يحج كل عام مع وجود الزحمة الشديدة والخطر ؟
الحج يجب على المسلم مرة واحدة في العمر إذا كان مستطيعًا، وما زاد على المرة الواحدة؛ فهو تطوع، وإذا لزم على هذا التطوع حصول حرج عليه أو على غيره؛ فالأفضل تركه، فحج التطوع مع الزحام الشديد والخطر على الإنسان الأفضل تركه، وهناك من أبواب الطاعات الشيء الكثير ولله الحمد، فبإمكان المسلم أن يتطوع بالصلاة والصيام والصدقة وغير ذلك مما شرعه الله، وفي ذلك ما يعوض عن حج التطوع الذي فيه مشقّة شديدة وخطر، خصوصًا النساء والضعفة .
279 ـ حالتي المادية ولله الحمد ميسورة، ولذلك فقد جهزت في العام الماضي ثلاثة رجال ليحجوا عني وعن والدي ووالدتي، علمًا بأنني سبق وأن حججت، ولكن أعتزم الاستمرار في هذا العمل مادمت حيًّا، وهو تجهيز ثلاثة رجال للحج عني وعن والدتي؛ فهل في ذلك مانع ديني ؟
جزاك الله خيرًا، هذا من الحرص على الخير، ومادمت قد أديت فرضك، وتريد النفع لك ولوالديك؛ فلو صرفت هذه المبالغ للمحتاجين من الفقراء؛ لكان أحسن .
280 ـ بفضل الله وتوفيقه أديت عمرة أحرمت لها من يلملم وأنا قادم من جنوب المملكة، وبعد قضاء أسبوع في مكة المكرمة، شددت الرحال لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وعند رجوعي أحرمت من آبار علي في طريقي إلى مكة، وأديت عمرة أخرى؛ فهل تصح هذه العمرة الثانية؛ علمًا بأن المدة بين العمرتين لا تزيد على عشرة أيام ؟ أفيدوني أفادكم الله وسدد خطاكم .(95/18)
لا بأس بما فعلت من تكرار العمرة، ولو كان في وقت متقارب؛ لأنك لما جئت من المدينة قادمًا إلى مكة ومررت بالميقات؛ فإنه قد سنحت لك فرصة لأداء العمرة، وخروجًا من الخلاف بين أهل العلم؛ لأن منهم من يوجب على من مرّ بالميقات وهو يريد مكة أن لا يتجاوزه إلا بإحرام؛ فأنت أخذت بالجانب الأحوط، وأيضًا استفدت من هذه الفرصة الثمينة، فأحرمت بعمرة، وهذا زيادة خير تؤجر عليه إن شاء الله، وتكرار العمرة في مثل هذه الحالة لا حرج فيه؛ لأنه جاء لمبرر .
281 ـ هل هناك موعد محدد للعمرة؛ بمنى : هل يمكن تأديتها أكثر من مرة واحدة في العام، وهل تجوز كلما نويت الذهاب للحرم الشريف ؟
العمرة ليس لها وقت محدد من السنة، هي تفعل على مدار السنة، في أي شهر وفي أي يوم، وليس لها وقت محدد، إنما الوقت المحدد للحج، أما العمرة؛ فإنها تفعل في سائر السنة .
ولو كان يذهب إلى مكة، ويتكرر منه هذا دائمًا؛ فإنه لا ينبغي أن يكرر العمرة في وقت متقارب .
وأما من يأتيها في فترة بعد أخرى؛ فهذا ينبغي أن ينتهز الفرصة، وأن يؤدي العمرة في حال دخوله إلى مكة؛ لأن هذه فرصة وعمل صالح .
أما من كان يتردد مع الطريق كالمكاري الذي يحمل من مكة يذهب منها ويرجع إليها، وعمله كله في طريق مكة؛ فهذا لا يشرع له في حقه تكرار العمرة في وقت متقارب، ربما أنه يدخل ويخرج في اليوم واليومين المتقاربين، إنما هذا فيمن ينتاب مكة في فترات متباعدة وفترات متقطعة؛ فهذا ينبغي أن ينتهز الفرصة، وأن يأخذ العمرة في دخوله، وأن يحرم من الميقات الذي يمر به؛ لأنها فرصة له ينبغي أن ينتهزها .
282 ـ هل يجوز للمرأة أن تزاحم الرجال أثناء الطواف حول الكعبة ؟(95/19)
يحرم على المرأة مزاحمة الرجال مطلقًا في أي مكان، ولا سيما في الطواف؛ لما في ذلك من الفتنة، والمزاحمة في الطواف أشدُّ تحريمًا، فيجب عليها تجنب المزاحمة في الطواف؛ بأن تتحين الفرص التي ليس فيها زحمة، أو تكون في جانب المطاف، ولو بعدت عن الكعبة؛ لأن ذلك أحفظ لها، وأبعد لها عن الخطر والفتنة .
283 ـ يعتمد بعض من الناس المزاحمة عند أداء بعض مشاعر الحج؛ فهل يجوز حجه ؟
لا يجوز للمسلم – خصوصًا القوي – أن يزاحم الناس في الحج عند أداء بعض المناسك؛ لأن المزاحمة فيها خطر عليه وعلى غيره، وفيها أذى للمسلمين، وفيها فتنة تحصل بين الرجال والنساء، وفيها عدم التمكن من أداء النسك على الوجه المشروع؛ فعلى المسلم أن يتحين الفرص التي ليس فيه زحام أو يقل فيها الزحام لأداء نسكه، وهذا ممكن ومتيسر بإذن الله، ولكن بعض الناس لا يصبر، وقد جعل الله أوقات أداء النسك موسعة؛ ليتيح للمسلمين أداءها بيسر وسهولة، ولكن هذا يحتاج إلى فقه وصبر .
وأداء الحج مع المزاحمة صحيح إن شاء الله، ولكنه يأثم إذا تعمد المزاحمة أو فعلها وهو له مندوحة عنها، ولا سيما إذا ترتب عليه فتنة أو إضرار بأحد .
284 ـ ما حكم من عاشر زوجته وقت الحج ؟
المحرم لا يجوز له الاستمتاع بزوجته بمباشرة أو جماع أو بكلام يتضمن ذكر الجماع؛ لقوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ في الْحَجِّ } [ سورة البقرة : آية 197 ] ، والرفث هو الجماع ودواعيه؛ من الكلام، والمباشرة، والنظر، وغير ذلك، ومعنى : { فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } [ سورة البقرة : آية 197 ] ؛ أي : أحرم بالحج .(95/20)
أما إذا تحلل من إحرامه بأداء المناسك؛ بأن رمى الجمرة الكبرى – وهي جمرة العقبة – يوم العيد، وحلق أو قصر من رأسه، وطاف للإفاضة، وسعى بين الصفا والمروة بعد طواف الإفاضة إذا كان عليه سعي، إذا فعل هذه الثلاثة؛ حل له الاستمتاع بزوجته وطأ ومباشرة مما أباح الله له .
285 ـ ما حكم قصر الصلاة للحاج خلال إقامته أكثر من أربعة أيام في مكة ؟
إذا نوى المسافر سواء كان حاجًا أو غيره إقامة تزيد على أربعة أيام؛ وجب عليه إتمام الصلاة، ووجب عليه الصيام في رمضان؛ لأن أحكام السفر قد انقطعت بنية الإقامة التي تزيد على أربعة أيام، حيث أصبح مقيمًا، والأصل في المقيم أن يتم الصلاة ويصوم رمضان، هذا هو قول جمهور أهل العلم، وهو الصحيح الذي تبرأ به الذمة .
286 ـ يلاحظ أن الناس يتزاحمون على تقبيل الحجر الأسود؛ فهل هو ضروري لإتمام العمرة أو الحج ؟
لا يجوز التزاحم من أجل تقبيل الحجر؛ لأن تقبيله سنة من حق من تمكن من ذلك بدون ضرر، والمزاحمة قد يترتب عليها فعل محرم؛ من إضرار بالناس الضعفاء، وافتتان بالنساء بالملاصقة؛ فكيف يرتكب محرمًا أو محرمات من أجل فعل سنة ؟ !
والنبي صلى الله عليه وسلم شرع لنا أن نشير إلى الحجر إذا حاذيناه ولم نتمكن من الوصول إليه إلا بمزاحمة أو إحراج (8)، وهذا من يسر هذه الشريعة السمحة، والحمد لله، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ سورة الحج : آية 78 ] .
287 ـ يلجأ بعض الناس إلى التحدث في أمور الدنيا والتعرض للآخرين وقت الحج، مما يجعلهم ينصرفون عن أداء العبادات بالشكل المطلوب؛ فما الحكم الشرعي في ذلك ؟(95/21)
المطلوب من المسلم حال الإحرام أن يشتغل بالتلبية وذكر الله ودعائه، ولا بأس بالتحدث المباح والتحدث للحاجة، أما التحدث الذي لا حاجة إليه؛ فلا ينبغي الإكثار منه؛ لأنه يشغل عن ذكر الله، وأما الكلام المحرم من الشتم والسباب والغزل والتشبيب بالنساء؛ فهو محرم، ويجرح الإحرام، وينقص الثواب، ويأثم به صاحبه، وكذلك الجدال والمخاصمة لا يجوزان؛ لقوله تعالى : { وَلاَ جِدَالَ في الْحَجِّ } [ سورة البقرة : آية 197 ] ؛ إلا الجدال الذي فيه الرد على مبطل، أو بيان حق؛ فإنه مطلوب، قال تعالى : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الآية [ سورة النحل : آية 125 ] .
288 ـ هل يؤثر الكلام أثناء الطواف بالبيت بغير الأدعية المشروعة؛ كأن يكون في أمور الدنيا ؟
الكلام في حال الطواف جائز، لكن الأولى للمسلم الذي يطوف ببيت الله أن لا يشتغل بالكلام؛ لأن اشتغاله بالكلام خلاف الأولى، لكنه لا يؤثر على صحة الطواف، والأولى أن يشغل بذكر الله عزّ وجلّ وبدعائه .
289 ـ لكن كونه أحرم من آبار علي مع العلم أنه أصلاً قادم من جنوب المملكة لا يؤثر هذا ؟
هو لما رجع من المدينة إلى مكة؛ فعليه أن يحرم من ميقات أهل المدينة؛ لأنه يأخذ حكم المدينة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت؛ قال : ( هن لهن ولمن مرّ عليهن أو أتى عليهن من غير أهلهن ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/143 ) ] ؛ فهو يأخذ حكم أهل الجهة التي جاء منها .
290 ـ هل المسابقات التي جوائزها الحج والعمرة حلال أم حرام ؟
إذا كان أصل المسابقة جائزًا، بأن تكون من المسابقات التي رخص فيها الشارع، وهي : المسابقة بالرماية وركوب الخيل وركوب الإبل، أو المسابقة في المسائل الشرعية؛ فلا بأس أن يكون السبق فيها ( أي : الجائزة ) حجًّا أو عمرة؛ أي : بأن يحج بالفائز أو يعتمر به .(95/22)
أما إذا كان أصل المسابقة محرمًا؛ بأن كان في غير المسائل المرخص فيها شرعًا؛ فإن الجائزة فيها محرمة؛ لأنها من الميسر المقرن مع الأنصاب والأزلام التي هي رجس من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها، وعلق الفلاح على ذلك .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ سورة المائدة : آية 90 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) [ رواه أبو داود في سننه ( 3/29 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 6/23 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 6/226، 227 ) ] .
291 ـ هل يجوز للإنسان أن يؤدي فريضة الحج عن شخص مقتدر ماديًّا وجسديًّا مقابل مبلغ من المال ؟
الذي يقدر على أداء فريضة الحج بنفسه لا يجوز له أن يُنِيب من يحج عنه، ولا يجزيه ذلك لو فعله .
أما العاجز عن مباشرة الحج بنفسه عجزًا لا يرجى زواله؛ فإنه يجوز له أن يُنيب من يحج عنه .
ولا بأس أن يأخذ المال إذا كان قصده أن يستعين به على الحج، ولم يكن قصده الطمع في المال، وهنا قاعدة يذكرها بعض العلماء مستوحاة من النصوص، وهي : ( من حج ليأخذ؛ فلا يحج، ومن أخذ ليحج؛ فليحج ) (9) ، ومعنى ذلك أن من جعل المال وسيلة للحج؛ فلا بأس، ومن جعل الحج وسيلة للمال؛ فلا يجوز .
292 ـ ما رأيكم فيما يعتقد البعض أن زيارة المسجد النبوي ضرورة شرعية حتى يكتمل حجه ؟
زيارة المسجد النبوي الشريف عبادة مستقلة لا علاقة لها بالحج ولا بوقت الحج؛ فهي مستحبة على مدار العام كله، لا تخص بوقت، ولا علاقة لها بالحج؛ فالحج يتم بدونها، ومن زار المسجد النبوي؛ لا يلزمه أن يحج، ومن حج؛ لا يلزمه أن يزور المسجد النبوي .(95/23)
وزيارة المسجد النبوي مستحبة من أجل الصلاة فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد الحرام ) [ رواهما البخاري في صحيحه ( 2/56، 57 ) ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواهما البخاري في صحيحه ( 2/56، 57 ) ] .
293 ـ ما حكم الدعاء من الكتيبات المخصصة للدعاء أثناء الطواف بالبيت العتيق ؟
الالتزام بهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد للطواف دعاء مخصوصًا، وإنما كان يقول صلى الله عليه وسلم بين الركن اليماني والحجر الأسود : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/411 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 2/186 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 1/455 ) ، ورواه عبد الرزاق في مصنفه ( 5/51 ) ] . هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم .
أما في بقية الشوط؛ فإن المسلم يدعو ما تيسر له من أدعية، أو يذكر الله بالتسبيح والتهليل، وكل يطيق ذلك، أو يقرأ ما تيسر من القرآن، وهو أفضل الذكر .
أما أن يلتزم الناس بأدعية مخصصة لكل شوط؛ فهذا ليس له أصل في الشرع، وينبغي منع مثل هذا، لا سيما وأن الناس اتّخذوه وكأنه من فرائض الطواف .
وأيضًا يجتمع جماعة خلف قارئ واحد يقرأ بصوت مرتفع، ثم يرفعون أصواتهم خلفه، وقد لا يعقلون هذا الدعاء، ولا يعرفون معناه، ويشوشون على غيرهم .
والدعاء إذا كان من غير حضور قلب ولا معرفة لمعناه لا ينفع صاحبه؛ فينبغي للمسلم أن يدعو لنفسه بما تيسر بدعاء يحضره قلبه ويفهم معناه؛ لينفعه الله به .
294 ـ هل يجوز للوالدة عند وفاة ولدها أن تحج عنه وهي قد أدت فريضة الحج بنفسها ؟
إذا كانت قد أدت فريضة الحج عن نفسها قبل ذلك؛ فلا بأس أن تحج عن ولدها الميت، لا سيما إذا كان لم يحج .(95/24)
295 ـ رجل طاف هو وامرأته، وفي نهاية الطواف؛ قالت له : إننا لم نطف سوى ست أشواط، ولكنه لم يأخذ برأيها، بل بنى على اعتقاده بأنهما طافا سبعة أشواط، وبعد الانتهاء من العمرة والعودة إلى بلده يسأل : ما الحكم ؟ وماذا عليه ؟
إذا غلب على ظنه أنه طاف سبعة أشواط أو تيقن ذلك؛ فإن طوافه صحيح، ولو قال له أحد : إنك لم تطف إلا ستة أشواط؛ لأن قوله يفيد الشك، وهو متيقن خلافه، واليقين لا يزول بالشك؛ فطواف المذكور صحيح إن شاء الله .
وأما امرأته التي قالت : إنها لم تطف إلا ستة أشواط؛ فإن الواجب عليها أن تبني على اليقين، وهو الأقل، وتأتي بالشوط السابع؛ إلا إذا غلب على ظنها صحة ما قال زوجها، وبنت على ذلك؛ فطوافها صحيح إن شاء الله .
أحكام الأضحية والعقيقة
296 ـ ما حكم تسريح الشعر وتقليم الأظافر وحلق الشعر، في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ؟
حلق الشعر وتقليم الأظافر لا يجوزان في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، أو أن يأخذ شيئًا من شعره أو أظافره في عشر ذي الحجة، حتى يذبح أضحيته؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك (10) ؛ كما في حديث أسماء رضي الله عنها، أما مجرد تسريح الشعر الذي لا يحصل معه زوال شيء من الشعر؛ فلا بأس به .
297 ـ سألني شخص يوم الثلاثين من ذي القعدة بعد المغرب : هل يأخذ من شعره وأظافره أم لا ؟ فقلت له : لا؛ لأنه بداية يوم الأول من ذي الحجة؛ فهل كلامي له صحيح أم لا ؟
إذا دخل شهر ذي الحجة؛ فإن من يريد أن يضحي عن نفسه لا يأخذ شيئًا من شعره وأظافره؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (11) ، ويبدأ وقت النهي بثبوت دخول الشهر، وليلة الثلاثين من شهر ذي القعدة فيها احتمال؛ فترك الأخذ من باب الاحتياط طيب، لكن المنع إنما يتحقق بثبوت دخول الشهر برؤية الهلال .(95/25)
298 ـ والدتي توفيت، وأريد أن أعمل لها عقيقة، وعند الاستفسار من أحد الأئمة في أحد المساجد ببغداد؛ قال : إن العقيقة تعمل للحي وليس للميت؛ ما حكم الشرع في هذا ؟
العقيقة لا تشرع للميت، وإنما تشرع عند الولادة في اليوم السابع من ولادة الإنسان، يشرع لأبيه أن يعق عن هذا الولد، سواء كان ذكرًا أم أنثى، لكن الذكر له عقيقتان، وللأنثى عقيقة واحدة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها، ويتصدق، ويهدى، ولا حرج على الإنسان إذا ذبح في اليوم السابع أن يدعو إليها أقاربه وجيرانه، وأن يتصدق بالباقي، فيجمع بين هذا وهذا .
وإذا كان الإنسان غير غني، وعق عن الذكر بواحدة؛ أجزأه ذلك .
قال العلماء : وإذا لم يمكن في اليوم السابع؛ ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يمكن؛ ففي اليوم الواحد والعشرين، فإن لم يمكن؛ ففي أي يوم شاء . هذه هي العقيقة .
299 ـ رزقني الله بأبناء وبنات، ولم أذبح التميمة لهم جميعًا؛ فهل علي إثم ؟
ذبح العقيقة التي يسمها العوام التميمة سنة مستحبة، وليست واجبة، عن الذكر شاتين، وعن الأنثى شاة واحدة، فمن لم يذبح؛ فلا إثم عليه، ووقت الذبح ليس له حد، ولكن الأفضل أن تذبح في اليوم السابع من ولادته إن أمكن أو بعد ذلك متى تيسر .
قال الإمام أحمد رحمه الله : " العقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد عق عن الحسن والحسين، وفعله أصحابه، وعن سمرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل غلام مرتهن بعقيقته ) [ رواه أبو داود في سننه ( 3/104، 105 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 5/237-239 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 7/166 ) ] ؛ فلا ينبغي للأب ترك العقيقة عن مولوه " . والله أعلم .
300 ـ ما حكم العقيقة عمّن لم يعقَّ عنه والديه في الصغر ؟(95/26)
حكم العقيقة سنة، وهي ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة عن المولودة الأنثى، في اليوم السابع من ولادته، أو فيما بعده من الأيام، وهي سنة في حق والد الطفل؛ شكرًا لله تعالى وتقربًا إليه ورجاء سلامة المولود وحلول البركة عليه، يأكل منها ويهدي ويتصدق؛ كالأضحية؛ ولا يجزئ فيها إلا ما يجزئ في الأضحية سنًّا ونوعًا وسلامة من العيوب، وإذا لم يفعلها الوالد؛ فقد ترك سنة، ولا يشرع للإنسان أن يعق عن نفسه إذا لم يعق عنه والده؛ لأنه سنة في حق الوالد لا في حق الولد . والله أعلم .
301 ـ يوجد عندنا عادة تكاد أن تكون عند كثير من الناس، ألا وهي ما يسمونه بـ ( هدية المولود ) ، وذلك إذا رُزق أحد الناس بمولود أو مولودة؛ فإن بعض الناس إذا زاروهم؛ جلبوا لذلك المولود أو المولودة هدية، وقد تعارف الناس على ذلك، وكذلك يحصل لكل من نزل بيتًا جديدًا أو تزوج؛ فهل لذلك أصل في شرع الله عزّ وجلّ ؟ وهل في فعلها بهذه الصورة محذور شرعي ؟ أفتونا بارك الله فيكم ؟
لا بأس بالهدية للمولود الجديد ولأهل البيت الجديد أو لمن تزوج؛ إلا أنه لا يبالغ في ذلك، ولا يفرض على الفقراء ما لا يستطيعون، وإنما تكون المسألة اختيارية، لا إحراج فيها؛ لأن ذلك من مكارم الأخلاق، ومن العادات الطيبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا وتحابوا ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ( 2/908 ) ] ، ولأن في ذلك إعانة للمتزوج المحتاج، أو تأثيث البيت الجديد بالنسبة للفقير . والله أعلم .(95/27)
كتاب البيوع
302 ـ نحن نملك عددًا من الأغنام، وما ينتج من فضلات وروث أجلكم الله نجمعه ونكدسه، ولأننا لا نملك مزارع لنستفيد منه؛ فإننا نسأل : هل يجوز بيعها ويحل أكل ثمنه أم لا يجوز ؟
لا بأس ببيع السماد الطاهر؛ مثل سماد الأغنام والإبل والبقر . . . فروث ما يؤكل لحمه طاهر، وبيعه لا بأس به، وثمنه مباح لا حرج فيه، إنما الذي فيه الاشتباه والإشكال هو السماد النجس أو المتنجس، هذا هو الذي فيه الإشكال والخلاف، أما السماد الطاهر؛ فلا بأس باستعماله، ولا بأس ببيعه وأكل ثمنه .
303 ـ أنا رجل قدر الله عليّ بمرض في رجلي اليمنى، إلى أن قرر الأطباء بترها، مما جعلني عاجزًا عن العمل، وأنا أعول أسرة كبيرة، ولي إخوة ثلاثة، ولكن أبي قد باع مزارعه على إخوتي الثلاثة، ولعجزي عن شراء شيء منها؛ فلم أحصل على شيء؛ فهل فعل والدي هذا صحيح؛ أم أنه يحق لي المطالبة بحقي بدون شراء ولا بيع ؟
تقول أيها السائل : إن أباك باع بعض مزارعه على إخوتك، وإنك رجل مصاب، ولا تقدير على الكسب؛ فهل لك حق الاعتراض ؟
الجواب : إنه إذا كان قد باع هذه المزارع على إخوتك بيعًا صحيحًا، ليس فيه احتيال ولا تلجئة، وإنما باعها عليهم كما يبيعها على غيرهم بثمن كامل، ولم يترك لهم شيئًا منه، بل استوفى الثمن منهم؛ فلا حرج عليه في ذلك، وليس لك حق الاعتراض؛ لأن هذا ليس فيه محاباة، وليس فيه تخصيص لهم بشيء من المال دونك .
أما إذا كان خلاف ذلك؛ بأن كان بيع حيلة، قد تسامح معهم فيه، وحاباهم به؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه جور، ويجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في الهبة والعطية، ولا يجوز له أن يخص بعضهم دون الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/134 ) ] ؛ فواجب على الوالد أن يسوي بين أولاده فيما يمنحه لهم، ولا يجوز له أن يفضل بعضهم على بعض .
304 ـ ما حكم شراء وبيع السيارات بالتقسيط ؟(96/1)
لا بأس بذلك إذا كانت السيارات بحوزة البائع قبل العقد وفي ملكه، ثم باعها على شخص أو على أشخاص بالتقسيط بثمن مؤجل مقسط على دفعات؛ فلا حرج في ذلك .
وإنما الممنوع ما تزاوله بعض المؤسسات أو الأفراد من التعاقد مع أشخاص لبيعهم سيارات، ويتفقون على الثمن وعلى الأجل، ثم بعد ذلك يذهبون ويشترون لهم السيارات ويسلمونها لهم؛ فهذا باطل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في سننه ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 7/288، 289 ) ] .
ولا ينطبق على هذا حكم السلم؛ لأنه لم يسلم الثمن في المجلس؛ إذ لابد من تسليمه أحد العوضين في المجلس، وإذا كان المبيع موصوفًا في الذمة؛ فلابد أيضًا من تسليم الثمن في المجلس، حتى لا يكون بيع دين بدين . والحاصل أن بيع السيارات بالثمن المقسط لا بأس به؛ بشرط أن تكون السيارات مملوكة بالكامل للبائع قبل العقد .
305 ـ فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكم في بيع التقسيط ؟ وإذا اشتريت بضاعة وهي في مكانها ثم بعتها على شخص ثم باعها على صاحب الدكان وهي في مكانها؛ فما الحكم ؟
البيع بالتقسيط إذا كان الإنسان عنده سلع ويبيعها بيعًا غائبًا بثمن مؤجل؛ فلا بأس به، سواء كان الثمن المؤجل على دفعة واحدة أو على دفعات، وهو ما يسمى بالأقساط، المهم أن تكون السلعة موجودة في ملك البائع قبل العقد، أما إذا لم يكن عنده سلع، ولا عنده أعيان، ويتعاقد مع المشتري، وبعدما يتم العقد يروح يشتري له من المعارض أو من الشركات ويسلم له؛ فلا يجوز؛ لأن هذا بيع قبل الملك، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في سننه ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 7/288، 289 ) ] .(96/2)
يشترط لصحة العقد أن يكون المبيع مملوكًا للبائع وقت العقد؛ فالبيع بالتقسيط لا بأس به إذا كان البائع عنده السلع موجودة قبل العقد .
وأما أنه يبيعها على الذي اشتريت منه في الأول؛ فهذا إن كان فيه مواطأة، قال التاجر للدائن : أنا أبيعها عليك على شرط أن المستدين يبيعها علي؛ لأن المستدين سيبيعها علي، إذا كان في هذا مواطأة واتفاق؛ فهذا لا يجوز؛ لأن هذه حيلة .
أما إذا كان البائع الأول استلم القيمة وسلم السلعة، والمشتري باعها على المستدين، والمستدين عرضها للبيع فيمن يزيد، وجاء البائع الأول الذي استلم قيمتها فاشتراها؛ فهذا لا بأس فيه؛ لأنه لا مواطأة فيه .
306 ـ معلوم لديكم حفظكم الله أن عملية التقسيط التي أصبحت اليوم منتشرة، واختصت بها شركات، تقوم على أن الشخص يشتري أي سلعة سواء من هذه الشركة أو من مكان آخر بمبلغ أكثر من المبلغ الأساسي، في مقابل دفع هذا المبلغ على أقساط شهرية، والسؤال : ما حكم عملية التقسيط، وكيف ترون دورها في المجتمع ؟
البيع بالثمن المؤجل الذي هو أكثر من الثمن الحال جائز لا بأس به، سواء كان الأجل واحدًا يسلم عند حلول الثمن جميعًا، أو كان على عدة آجال يسلم عند حلول كل واحد منها قسط من الثمن معلوم، وهو ما يسمى بالتقسيط، سواء كان البائع شخصًا واحدًا أو كان شركة، لكن يشترط أن تكون السلعة المبيعة في ملك البائع حين العقد، وأن يكون الأجل معلومًا .
والدليل على صحة البيع بالثمن المؤجل أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام اشتراه لأهله (1) ، ولأنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقر السلم، وهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن؛ فقد وجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فأقرهم على ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام : ( من أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/46 ) ] ، ولأن حاجة الناس تدعو إلى ذلك .(96/3)
307 ـ بعض شركات التقسيط تطلب من العمل اختيار البضاعة أو السيارة التي يريد شراءها، ثم تقوم الشركة بشرائها بعد الاتفاق مع العميل على السعر، وبعد أن تتسلم شركة التقسيط البضاعة أو السيارة؛ تقوم بتسليمها للعميل الذي سبق وأن استلمت منه الدفعة الأولى من ثمن هذه البضاعة؛ فهل يدخل هذا البيع في حكم بيع ما لا يملكه البائع ؟ وإن كان كذلك؛ فهل هو ربا، أم طريقة بيع غير شرعية ولكنها لا تدخل في الربا ؟ وهل يختلف الحكم لو كانت شركة التقسيط قد اتفقت من قبل مع صاحب البضاعة الأصلية على أنها مستعدة لشراء أي بضاعة من بضائعه إذا طلبها أحد العملاء بالتقسيط ؟ جزاكم الله خيرًا، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لابد في بيع التقسيط أن تكون السلعة في ملك البائع قبل العقد؛ فلا يجوز للشركة أن تتفق مع المشتري؛ إلا أن تكون السلعة في ملكها .
فما ذكر في السؤال من أن الشركة تتفق مع المشتري وتستلم منه القسط الأول، ثم تمضي وتشتري السلعة المتفق عليها وتسلمها له؛ هذا عمل غير صحيح، وعقد باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه البخاري في صحيحه ( ص198 ) ] .
وهذه العملية المذكورة هي من بيع ما لا تملكه الشركة؛ فهي عملية باطلة؛ لأنها من بيع المدين بالدين الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا يقال : إن هذا بيع موصوف في الذمة ينضبط بالوصف؛ لأنه يشترط في صحة ذلك تسليم كل الثمن في مجلس العقد، وهنا الثمن مؤجل، لم يسلم منه إلا بعضه؛ فهو بيع دين بدين؛ لأن ما لم يسلم في مجلس العقد من الموصوف في الذمة يعتبر دينًا، ولو كان حالاً .(96/4)
ولا يختلف الحكم في ذلك إذا كانت الشركة قد اتفقت مع أصحاب البضائع أن تشتري منهم إذا تقدم لها مستدين؛ فإن هذا الاتفاق لا يجعل البضائع ملكًا للدائن يبيح له بيعها، وإنما هي ملك لأصحابها؛ فلابد أن يشتريها منهم بالفعل، ويقبضها قبضًا تامًّا، ثم بعد ذلك يبيعها على المستدينين بالتقسيط .
فالذي نوصي به هؤلاء : أن يتقوا الله، وأن يتقيدوا بالضوابط الشرعية، فإذا أرادوا أن يبيعوا على المحتاجين بالتقسيط؛ فلتكن السلع موجودة لديهم في محلاتهم قبل العقد . والله الموفق .
308 ـ أنا صاحب محل تجاري، وأخاف أن أقع في الربا أو الكسب الحرام؛ فبماذا تنصحوني كي يكون كسبي حلالاً إن شاء الله، وخصوصًا وأن من الناس الذين أبيع لهم من يشرب الخمر، ومنهم من يلعب القمار؛ فهل يجوز لي أن أبيع عليهم ؟
أولاً : الطريقة التي تحصل بها على الحلال ميسورة، ولله الحمد، وهي أنك لا تبيع إلا المواد المباحة، ولا تبع المواد المحرمة؛ كالدخان، والخمر، والصور . . . وغير ذلك من المحرمات وآلات اللهو، كل هذه لا يجوز لك أن تبيعها؛ لأنها محرمة، وإذا حرم شيء؛ حرم ثمنه؛ فلا تبع إلا سلعًا مباحة، أيضًا لا تغش، ولا تخدع المتعاملين معك، ولا تكذب عليهم، ولا ترفع الثمن بغير حق رفعًا باهظًا وتغرر بالجهلة بقيم السلع، كل هذا من التعامل المحرم، وعليك بالصدق، وعليك بالنصح والإخلاص، وعليك بتحري الخير في معاملاتك، وعدم الكذب، وعدم الحلف؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الباعة إلى التزامه .
وأما أنك تبيع على أناس عصاة؛ فأنت إذا بعثت عليهم مواد مباحة؛ فلا بأس بذلك، يجوز أن تبيع عليهم؛ إلا إذا كانوا يستعينون بهذه السلع التي يشترونها منك على فعل الحرام، وعلمت ذلك؛ فلا يجوز أن تبيع عليهم ما يعينهم على فعل الحرام، أما إذا لم تعلم شيئًا، وهي سلع مباحة تبيعها عليهم كغيرهم؛ فلا مانع من ذلك .(96/5)
والنبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود (2)، مع أن اليهود في معاملاتهم شيء من الحرام، ولكن نحن لسنا مكلفين بأن نتتبع أحوال الناس، والأصل الإباحة؛ إلا ما علمنا أنه حرام، فنتركه . والله أعلم .
309 ـ لقد تسلمت عقودات عمل أحد رجال الأعمال، والذي كلفني بأن أحضر له عمالاً، وفعلاً تسلمت التأشيرات الخاصة بهم، وعندما سافرت؛ قمت ببيع هذه العقودات إلى العاملين، الذين يرغبون في العمل مع هذا الشخص؛ فهل يجوز لي مثل هذا التصرف ؟ وهل المال الذي كسبته من هذه الطريق حلالٌ أم حرام ؟
هذا التصرف خطأ، والمال الذي أخذته به حرام؛ لأن الواجب عليك أن تنفذ ما وكلك عليه موكلك من استقدام هؤلاء العمال حسب الاتفاق بينك وبينه، وما أخذته من هذا المال حرام عليك؛ فعليك أن ترده للعمال الذين أخذته منهم ظلمًا .
310 ـ قد باع والدي البيت الذي كنا نسكنه وبستانه بثمن بخس دون أن يخبرني بهذا، وأنا إلى جانبه، وفي طاعته مازلت والحمد لله على ذلك، ولم يبق له ملك آخر، وأنا محتاج إليه، وقادر على استرجاعه من المشتري بالثمن الذي وقع عليه التعاقد، ولكن للأسف الشديد، لم يقبل والدي بذلك، وليس له حجة شرعية؛ إلا أنه يزعم أنه رباني وعلمني على نفقته، ولم يبق لي حق عليه آخر، على الرغم من حاجتي الماسة لهذه الدار؛ فأنا أسألكم : هل هذا العقد صحيح أم باطل ؟ وأليس لي الحق على الغير في شراء بيتي الذي فيه مولدي ومنشئي ؟ وهل لي الحق في الشفعة؛ علمًا بأنه مضى الآن ما يزيد على عشرة أشهر من تاريخ البيع؛ فهل للمدة تأثير على جواز الاسترجاع من عدمه ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
ما ذكرت أيها السائل من برك بوالدك وجودك معه ووقوفك إلى جانبه؛ فهذا شيء واجب عليك، وتشكر عليه، ولك فيه الثواب إن شاء الله عند ربك .
وأما ما ذكرت من أنه باع بيته وبستانه بثمن قليل، ولم يشعرك بذلك؛ فهل لك حق الاعتراض والأخذ بالشفعة أو لا ؟(96/6)
الجواب عن ذلك أنه مادام والدك رشيدًا في تصرفاته وعقله؛ فليس لك الاعتراض عليه، ويعتبر بيعه صحيحًا ولازمًا، وليس لك أيضًا حق الشفعة؛ لأنك لست شريكًا له في هذا البيت أو في البستان، والشفعة إنما تثبت للشريك، وأنت لست شريكًا له في ذلك، فإن كان غير سليم التصرف من ناحية عقله؛ فهذا مرجعه إلى القاضي، هو الذي ينظر في القضية، وله أن يبطل العقد إذا ظهر له أنه لم يستوف الشروط الشرعية .
الربا وحكمه
311 ـ اقترضت مبلغًا من المال من البنك، على أن أسدد هذا المبلغ بعد ثمانية عشر شهرًا، على أن أدفع نسبة ( 14% ) من المبلغ عليه، ولم أكن أعلم أن هذا المبلغ ربًا؛ فما هو حكم الشرع بالنسبة لي ؟
الزيادة المشترطة في القرض ربًا صريح، لا يجوز للمسلم أن يتعامل بها، والواجب على المقرض أن يقتصر على أخذ رأس ماله .
قال تعالى : { وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 279 ] ، ومن لم يتب من أخذ الزيادة؛ فقد قال الله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ سورة البقرة : آية 279 ] .
ولا يجوز للمسلمين أن يقترضوا من البنوك بالفائدة؛ ( فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1219 ) ] ومن فعل شيئًا من ذلك فيما سبق؛ فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود .
312 ـ يشتغل بعض الأخوة الملتزمين بالإسلام في دائرة من الدوائر المعنية في الشؤون الإسلامية، وقد سمعوا أن ما يصرف لهم من الأجر يكون من الفوائد الربوية؛ ما حكم الإسلام فيها ؟(96/7)
مجرد السماع بأن يقال : هذه من الربا؛ لا يكفي في المنع، والأصل الإباحة، والأجير يأخذ أجرته ما لم يعلم ويتيقن أنها من كسب حرام، أما إذا لم يعلم إلا مجرد إشاعات؛ فإنه لا يحرم عليه أن يتقاضى راتبه أو أجرته من مؤجره أو الجهة التي يعمل فيها، خصوصًا إذا كانت تلك الجهة أو هذا الشخص يتعامل معاملات كثيرة، منها شيء محرم ومنها شيء غير محرم؛ فإنه لا يحرم على المتعامل معه إلا ما علم أنه من الكسب الحرام، أما ما لم يعلم؛ فالأصل الإباحة .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعالم مع اليهود، ويستدين أحيانًا من اليهود (3) ، وهم يتعاملون بالربا، لكن ليس كل أموالهم ربا، بل هناك شيء من الحلال وشيء من الحرام؛ فما لم يعلم الإنسان أنه من الحرام؛ فإنه يأخذه ولا حرج عليه من هذا؛ فمجرد الشائعات لا تكفي .
313 ـ أحد البنوك الربوية يعلن عن برنامج لاستثمار الأموال عن طريق المتاجرة في بيع وشراء العملات؛ فهل يجوز لي المشاركة في هذا الاستثمار، علمًا بأنه ينوب عني في البيع والشراء، ولا تتم في هذا البيع المقابضة ؟ أفيدونا أثابكم الله .
البنك الربوي لا يؤمن على التعامل، ولو قال : إنه يتعامل في بعض النواحي على الوجه الشرعي؛ نظرًا لأنه في الأصل مؤسسة ربوية، غالب تعاملاته في الربا؛ فلا يؤمن، وأيضًا بيع وشراء العملات لابد أن يقوم على التقابض في المجلس إذا اختلف جنس العملات، وإذا اتحد جنس العملات؛ فلابد مع التقابض في المجلس من التساوي في المقدار، وهذا أمر دقيق، يبعد تحقيقه في معاملة البنوك؛ لأن مصارفتها في المعاملات لا تقوم على التقابض في المجلس؛ فقد اشتهر عنها أنها كذلك، وعليه؛ فإنه يجب على المسلم أن يبتعد عنها، ولا يثق بإعلاناتها . والله الموفق .
314 ـ ما حكم إجابة دعوة المرابي الذي لا يُشك في تعامله بهذه المعاملة ؟ أفتوني غفر الله لكم .(96/8)
إذا كنت تعلم أن طعام الداعي كله من الحرام؛ كالربا أو غيره؛ فإنه لا يجوز لك إجابة دعوته، ولا الأكل من طعامه، أما إذا كان طعامه مختلطًا من الحرام وغيره، ولا تعلم أنه من الحرام؛ فلا بأس بالأكل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعام بعض اليهود (4) ، وهم يتعاملون بالربا . والله أعلم .
أحكام القرض
315 ـ أخذت قرضًا من البنك لأبني به مسكنًا لي؛ فهل يعد هذا القرض ربًا ؟
القرض بالفائدة ربا بإجماع أهل العلم، سواء من البنك أو من غيره، وبناء المسكن لا يسوغ التعامل بالربا؛ لأن الله حرم الربا مطلقًا، وشدد الوعيد فيه؛ فعليك أن تتوب إلى الله مما صنعت، وكان الواجب عليك أن تسأل أهل العلم قبل أن تقدم على هذه المعاملة، وبإمكانك أن تشتغل وتكتسب ما أباح الله، ثم إذا تحصلت على كسب مباح؛ بنيت لك مسكنًا منه .
أحكام المساقاة
316 ـ يوجد بستان نخل، وصاحب البستان اتفق مع مزارع يسقي النخيل، واتفق صاحب البستان والمزارع عندما يثمر النخل أن يعطيه ثلث التمر مقابل سقيه، ومنذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا لم يسق هذا البستان بالماء؛ فهل يستحق المزارع أخذ الثلث من التمر ؟
هذا عقد مساقاة، وهل على ما تعاقد عليه الطرفان : صاحب الشجر وصاحب العمر؛ فصاحب العمل يستحق من الغلة بموجب ما يؤدي من العمل المشروط عليه، ومادام أنه مضت فترة لم يقم بالعمل المشروط عليه، ولم يسق هذه النخيل؛ فإنه لا يستحق من غلتها شيئًا؛ لأنه لم يؤد ما شرط عليه من سقيها، والمسلمون على شروطهم؛ فلا يحل له أن يأخذ من غلتها شيئًا؛ إلا إذا كان يقوم بسقيها ويوفي بشرط العقد الذي تواطأ عليها مع المالك، وإن كان يسقي بعض الشيء ويترك البعض الآخر؛ فإنه يستحق بقدر ما يقوم به من العمل . والله تعالى أعلم .
وعلى كل حال؛ فالمرجع في فصل النزاع في ذلك وفي غيره هو المحكمة الشرعية .
أحكام الإجارة(96/9)
317 ـ استأجر والدي قطعة أرض لزراعتها، وبعد مضي عشرين عامًا طلب أصحابها من المستأجر شراء الأرض، فلم يستطع شراءها، فقام المالكون ببيعها لغيره بمبلغ يعادل نصف ثمنها حينذاك؛ لأنها مؤجرة؛ فهل يجوز للمستأجر أن يأخذ نصف بدل باقي مدته ؟ أو يأخذ خلو رجل ويتركها ؟ أفيدونا أفادكم الله .
المستأجر ليس له استحقاق في هذه الأرض؛ إلا باقي مدة الإجارة؛ فله حق فيها : إن شاء استمر في استنفادها والانتفاع بالأرض إلى أن تنتهي مدة الإجارة، وإن شاء تنازل عنها على عوض يصطلح عليه مع الطرف الآخر؛ فالصلح جائز بين المسلمين . والله أعلم .
أحكام السبق
318 ـ اعتادت بعض الصحف والمجلات نشر المسابقات الثقافية وغيرها من مسابقات، ويعدون مالاً للفائزين؛ فهل هذا المال حلال أم حرام ؟
المال الذي يؤخذ بسبب الفوز في المسابقات في المسائل العلمية الشرعية أو المسابقات التي فيها تدريب على الجهاد وفي سبيل الله؛ كالرماية وركوب الخيل وركوب الإبل في السباق؛ كل هذه الأنواع من المسابقات لا بأس بأخذ المال فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) ، رواه الخمسة عن أبي هريرة [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/474 ) ، ورواه أبو داود في مسنده ( 3/29 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 6/23 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 6/226، 227 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/960 ) ، وكلها لم يذكر الفصل ] . والله أعلم .
أحكام الوديعة والأمانات
319 ـ عندي مبلغ من المال لأحد المساجد، أمانة عندي، للصرف منه على المسجد، وقد احتجت منه مبلغًا من المال، وأخذت كسلفة، على أن أرده في أي وقت قريب؛ ما حكم الشرع في عملي هذا ؟(96/10)
من كان عنده مال لمسجد ينفقه على حاجة المسجد؛ فإن هذا العمل يعتبر أمانة بيده، يجب عليه حفظها ومراعاتها، ولا يجوز له أن يقترض منها شيئًا؛ لأنه إذا اقترض منها شيئًا؛ لم يكن حافظًا لأمانته، وربما يعتريه ما يعتريه، فيضيع مال الأمانة؛ فإذا احتاج إلى اقتراض؛ فليقترض من غير الأمانة، يقترض من أصحابه أو من إخوانه، أو يعمل ما تيسر له من وسائل الحصول على المال، أما الأمانة التي هو مستحفظ عليها ومسترعى عليها، لا سيما إذا كانت لجهة من الجهات الخيرية؛ فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا لنفسه، أو أن يقترض منها .
فأنت أخطأ أيها السائل في اقتراضك من أمانة المسجد التي عندك، وعليك أن لا تعود لمثل هذا . والله أعلم .
320 ـ وضع مبلغ من المال عند والدي أمانة، وكان من ضمن المبلغ عدد من العملة السابقة ( الريال العربي ) ، وكذلك مبلغ من الريالات، وقد طلبها أصحابها؛ إلا أن وقت طلبها لم توجد عنده؛ نظرًا لظروفه آنذاك، وقد توفي أصحاب الأمانة منذ ما يقارب من عشرين عامًا، وهي باقية عند والدي، وقد توفي والدي منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وهي باقية عنده؛ أرجو إفادتي : ماذا أعلم لإبراء ذمة والدي أثابكم الله ؟
الواجب عليك رد الأمانات التي توفي والدك وهي عنده إلى أصحابها؛ إبراء لذمة والدك، وإذا كان أصحابها قد توفوا؛ فإنك تردها إلى ورثتهم، لا تبرأ ذمة والدك إلا بذلك؛ فاجتهد بارك الله فيك في ردها إلى أهلها أو إلى ورثتهم، وإن كنت لا تعرف أهلها؛ فالواجب أن تعلن في الصحف أن من كان له حق عند والدك؛ فليتقدم بطلبه إليك، فإذا تعذر إيصالها إلى أهلها أو ورثتهم؛ فعليك أن تتصدق بها على نية أن الأجر لأصحابها . والله أعلم .(96/11)
321 ـ أنا موظف في شركة لتصنيع اللحوم، وأتناول طعامي من الشركة دون علم صاحب الشركة بذلك؛ فهل تصح صلاتي وصومي؛ علمًا بأني أتقاضى راتبًا شهريًّا ضعيفًا نسبيًّا مقارنة بعملي، وهناك قانون عمل يعطي العامل الحق في نسبة من أرباح الشركة، لكن لا أتقاضى شيئًا من هذه الأرباح، وقد طالبت بزيادة الراتب، فرفض ؟ نرجو الإجابة .
الذي تستحقه على صاحب العمل هو الأجر والمرتب الذي تعاقدت معه عليه، أما الأكل؛ فهذا يتبع الشرط : إذا كنت شرطت عليه أن تأكل من ماله؛ فلا حرج في ذلك، أو هو يراك تأكل وسمح بذلك، أو علم أنك تأكل وسمح بذلك؛ فلا بأس . أما إذا لم يسمح؛ فلا يجوز لك أن تأكل إلا بإذنه ورضاه، ولا تستحق عليه إلا المرتب .
والذي أراه أن تطلب منه المسامحة، وأن تصارحه بالواقع، وأن تقول : أنا آكل من هذه اللحوم، وأرجو أن تسمح لي، فإن سمح؛ فلا حرج، وإن منع؛ فلا تأكل منها .
وأما صومك وصلاتك؛ فهما صحيحان إن شاء الله، ولكنك تأثم بالأكل من مال الغير بغير إذنه .
322 ـ رجال مسنون يعطون أبي مالاً ليحفظه عنده، فإذا حال عليه الحول؛ أخبرهم أبي بذلك حتى يدفعوا زكاته، لكنهم يأخذون المال عندهم؛ خشية أن يأخذ أبي زكاته بدون علمهم، ويقولون : إننا سنزكيه، لكن أبي متأكد أنهم لن يدفعوا زكاته؛ فهل يأخذ أبي الزكاة من مالهم بدون رضاهم ؟ وهل يأثم في حفظ أموالهم إذا لم يزكوها ؟
الأموال النقدية تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، والزكاة إنما تجب على مالكها، فيدفعها بنفسه بنية الزكاة، أو يوكل من يدفعها عنه .
وإذا أودع المال عند أحد؛ فإن المطالب بإخراج زكاته هو مالكه، وليس على المودَع عنده مسؤولية؛ إلا من باب التذكير والنصيحة لصاحبه إذا أحس منه تساهلاً في ذلك، ومادام أن صاحب المال يقول : إنه أخرج زكاته؛ فلا حرج على المسلم أن يقبله وديعة عنده، والسرائر لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .(96/12)
لكن؛ لو قدر أن المودع عنده يتيقن تمامًا أن صاحب المال لا يزكيه؛ فإنه لا يجوز له قبول إيداعه عنده؛ لأن هذا فيه إعانة على الإثم وإقرار للمنكر . والله أعلم .
وأما أخذ الزكاة بغير رضى صاحب المال في هذه الحالة؛ فإنما يجوز لولي الأمر خاصة .
أحكام اللقطة
323 ـ وجدت مبلغًا من المال بجوار بقالة، وذهبت لعامل البقالة، وقلت له : إذا حضر إليك أحد يسأل عن مال ضائع؛ أرسله لي، ومن ذلك اليوم إلى الآن لم يصلني أحد، وقد سافر صاحب البقالة، ومضى الآن على ذلك أكثر من سنة؛ هل إذا أخذت هذا المبلغ حلال علي ؟
كان الواجب عليك أن لا تكتفي بإخبار صاحب البقالة، بل كان الواجب عليك أن تنادي أنت عن هذه اللقطة في المكان الذي وجدتها فيه، وفي الأمكنة المجاورة له، وأن توصي كذلك من يعرف عن هذا الضائع، ولا تكتفي بجانب واحد، وهو جانب صاحب البقالة؛ لأن المسؤولية في ذمتك أنت وليست المسؤولية على صاحب البقالة، ربما يتساهل، أو ربما يغفل، أو ربما لا يهتم بهذا الأمر .
فالواجب عليك أنت بنفسك أن تنادي وأن تعرّف لمدة سنة حسب الإمكان، وفي كل مناسبة يرجى العثور على صاحب اللقطة؛ مثلاً في الأسبوع، أو في أيام الجمع حول المساجد، أو في الشهر مرة؛ حسب الظروف التي تكون أرجى للعثور على صاحب اللقطة؛ هذا هو المشروع، أما أنك أوصيت صاحب البقالة واكتفيت به؛ فهذا لا يكفي في موضوع اللقطة؛ فالواجب عليك أن تحرص على معرفة صاحبها وأن تبحث عنه وتواصل البحث، فإذا لم تجده؛ فإن تصدقت بها على نية أن أجرها لصاحبها، ولو جاءك فيما بعد أن تغرمها له؛ فلك أن تفعل هذا، وإن استنفقتها؛ فلك ذلك؛ لأنك بحثت عن صاحبها لمدة سنة ولم تجده .(96/13)
324 ـ ما هو الحكم الشرعي في اللقطة التي يلتقطها الإنسان في مكان خالٍ من السكان، سواء كانت ثمينة أو متواضعة، وهل هناك أماكن يحرم التقاط أي شيء منها كثر أو قل ؟ لأنني أثناء سيري بالسيارة بين مكة وجدة وجدت في الطريق عددًا من المطارح الإسفنجية، فأخذتها إلى منزلي؛ فهل عليّ شيء في ذلك أم لا ؟
اللقطة لها أحكام في الشريعة الإسلامية، وقد بينها الفقهاء رحمهم الله؛ أخذًا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة فيها (5).
ومن أحكام اللقطة أنها إذا كانت شيئًا تافهًا لا تتبعه همة أوساط الناس؛ فإنه يأخذها الإنسان ويمتلكها، أما إذا كانت شيئًا ذا قيمة يلتفت إليها؛ فهذه للإنسان أن يأخذها بشرط أن يعرف صفتها المميزة وينادي عليها في مجامع الناس لمدة حول كامل، حتى يعلم صاحبها بها، ثم يأتي لتسلمها بعد ذكر علاماتها المميزة .
وإذا كانت اللقطة في الحرم، وهو ما كان داخل الأميال؛ فهذه لا يجوز للإنسان أن يلتقطها؛ إلا إذا التزم بالتعريف بها إلى أن يأتي صاحبها، أما إذا كانت خارج الحرم؛ فإنه كما سبق؛ إذا أخذها وعرف صفتها المميزة ونادى عليها مدة سنة في مجامع الناس ولم يأت لها أحد؛ فإنه يمتلكها، أما لقطة الحرم؛ فإنه لا يأخذها إلا بشرط أن يعرفها دائمًا، ولا يتملكها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في مكة : ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/94 ) ] .(96/14)
أما ما ذكرت من أنك وجدت مطارح إسفنجية على الطريق بين مكة وجدة؛ فالحكم فيها كما ذكرنا : إن كانت خارج حدود الحرم، وخارج الأعلام؛ فإنك تنادي عليها مدة سنة، ثم بعد ذلك تتملكها، وأما إذا كانت داخل الحرم؛ فلا يجوز لك أن تتملكها، بل تنادي عليها إلى أن يأتي صاحبها، وإلا؛ فدعها في مكانها؛ لأنها مسؤولية، وأنت في عافية منها، فإذا كنت تعرف من نفسك الأمانة والقيام بحقها الشرعي؛ خذها، أما إذا كنت لا تثق من نفسك، أو لا تلتزم بأحكامها؛ فدعها، وأنت في عافية منها . والله تعالى أعلم .
أحكام الوقف
325 ـ هناك شخص أراد أن يوقف قطعة من الأرض، وأشار عليه بعض أصدقائه بأن يبقي هذه الأرض لورثته يستفيدون منها بعد وفاته، ثم عدل عن نيته إلى عدم وقف الأرض؛ فهل عليه أو على ورثته إثم في ذلك ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
مادام أنه لم يصدر منه وقف للأرض، وإنما عنده تفكير فقط بأن يوقفها، وهو متردد في هذا، ثم عدل عن فكرة الوقف إلى فكرة أخرى؛ فلا مانع من ذلك، فيجوز له أن يعدل عن ذلك إلى فكرة أخرى حسب المصلحة، وكونه يتركها لورثته المحتاجين أحسن له من وقفيتها . والله أعلم .
326 ـ اشترى والدي ثلثًا من مال شخص غريب عنا متوفى، وذلك مقابل التصدق عن المتوفى صاحب الثلث برأسين من الشياه أو عجل من البقر في أول شهر رجب من كل عام مدى الحياة، وقد استمر والدي على هذا مدة طويلة، وبعد ذلك رفض بعض الإخوان الاستمرار في أدائها، مع العلم أن الشرط هو استمرارها مدى الحياة؛ فهل يجوز لهم هذا ويكفي ما قدموه من صدقات فيما مضى، أم يجب عليهم تنفيذ الشرط والاستمرار ؟ وهل يصح اشتراط مثل هذا الشرط كقيمة لهذا الثلث من المال ؟
هذا السؤال ذو شقين :(96/15)
الشق الأول : تعيين شهر رجب لتقديم شيء من هذه الوصية فيه، وهذا لا يجوز؛ لأنه بدعة؛ لأن رجل لا يختص بشيء، ولم يثبت له فضيلة على غيره من الشهور، لا في أوله ولا في آخره؛ فتخصيصه بنوع من الصدقات أو عبادة من العبادات تخصيص لا دليل عليه من الشرع، ولا يجوز الاستمرار على ما ذكره السائل؛ من أنهم يذبحون من وصية الميت في أول رجب؛ يعتقدون أن ذلك له فضيلة؛ فإن هذا بدعة يأثمون بفعلها .
أما الشق الثاني : وهو التصرف في هذا الوقف أو هذه الوصية؛ فهذا يحتاج إلى الرجوع إلى القاضي للنظر في شروط الموصي وإثبات هذه الوصية : إما بوثيقة مكتوبة، أو بشهود عدول يشهدون عليها عند القاضي، ثم هو يوجه بما يراه حول هذه الوصية؛ فلابد من الرجوع إلى القاضي في هذا .
وهذا البيع فيه نظر؛ لأنه بثمن مجهول المقدار، والله أعلم، ولأن بيع الوقف لا يجوز .
أحكام الصرف
327 ـ أعطيت أحد تجار العملة مبلغ من الريالات هنا داخل المملكة على أن آخذ منه مقابل ذلك بعملة بلدي وفق سعر متفق عليه سلفًا؛ بأن يدخل هو المقابل في حسابي في البنك في بلدي، أو يسلمها نقدًا لأحد أقاربي هناك، أفعل ذلك لقضاء مصالحي في بلدي، وهي تتعطل إذا لم أفعل ذلك، ويتم ذلك التعامل من غير سند مكتوب للثقة المتبادلة؛ هل يدخل ذلك في باب التعامل بالربا؛ مع العلم بأن السلطات في بلدي تحظر بشدة التعامل في العملات واستبدالها خارج البنوك، وذلك طلبًا للمصلحة العامة للبلاد والعباد، في حين أنها تحدد سعرًا متدنيًا للعملات في البنوك لا يتناسب مع الارتفاع الباهظ في أسعار السلع في الأسواق، وفي حين إن سعر العملات خارج البنوك في السوق السوداء أضعاف أضعاف ما تحدده السلطات في البنوك ؟ ما رأي الشرع في ذلك ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .(96/16)
لا يجوز أن تدفع العملة لأحد التجار في بلد الرياض مثلاً ثم تستلم أو يستلم وكيلك عملة أخرى بدلها في بلد آخر؛ لأن هذا صرف، والصرف يشترط فيه التقابض في المجلس، ولكن خذ العملة البديلة في مجلس العقد، ثم حوِّلها إلى البلد الذي تريد .
328 ـ ما هو حكم الدين في تجارة العملة، وهو ما يسمى بالسوق السوداء ؟
الاتجار ببيع العملات بعضها مع بعض يسمى بالمصارفة، سواء كان في البنوك أو في السوق الحرة .
وإذا اتحد جنس العملات؛ كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والريال السعودي مثلاً بالريال السعودي، والمصري بالمصري؛ وجب شيئان : التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد . فإن اختلَّ الشرطان أو أحدهما؛ كان ربا .
وإن اختلف جنس العملات؛ كأن باع ذهبًا بفضة، أو ريالاً سعوديًا بجنيه مصري مثلاً؛ وجب شيء واحد، وهو التقابض في مجلس العقد، وجاز التفاضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد . . . ) الحديث [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1211 ) ] .
فالاتجار بالعملات، يحتاج إلى بصيرة بالحكم الشرعي، وتحفظ شديد من الوقوع في الربا .
329 ـ إذا كان لي صديق مثلاً في بلد خارج البلدة التي أقيم فيها، واحتجت منه إلى مال؛ فهل يجوز أن آخذ منه بعملة بلدي الذي أنا فيه وأقضيه بعملة بلده هو ؟ وهل فارق العملة يؤثر في دفع الزكاة؛ كأن يكون رصيدي من المال بالدولار مثلاً، وأريد أن أزكيه بعملة أقل قيمة من الدولار، ولو في البلد نفسه؛ فهل يجوز هذا أم لا ؟(96/17)
أما قضية القرض : أن تقترض من شخص مبلغًا من المال بعملة، ثم تقضيه إياها بعملة أخرى، إذا كان هذا من باب المصارفة؛ فلا بأس به، فيجوز أن تصرف الدين الذي في ذمتك وتدفع لغريمك ودائنك أو مقرضك من عملة أخرى مصارفة، هذا لا بأس به؛ ما لم يشترط المقرض عند القرض أن يقضيه من عملة أخرى؛ فإن هذا لا يجوز .
330 ـ تنتشر المصارف الإسلامية في كثير من الدول العربية، في حين لم نسمع عنه في المملكة العربية السعودية؛ ما هو موقف العلماء هناك في هذه القضية ؟ جزاكم الله خيرًا .
المصارف الإسلامية كل مسلم يفرح بها ويرحب بها؛ لأنها تنقذ المسلمين من ورطة الربا ومن أغلال البنوك الأجنبية؛ فموقف العلماء منها هو موقف الترحيب والسرور بهذه البنوك الإسلامية إذا تحققت، ولعل الله جل وعلا يحققها ويعين القائمين عليها، وأن يسدد خطاهم، وأن ينجح تجربتهم .
الجامع لأحكام المعاملات
331 ـ ما حكم الشرع في أخذ الرشوة ؟
أخذ الرشوة من السحت، ومن أشد الحرام، ومن أخبث المكاسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي ولعن الرائش [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/279 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 3/ص299 ) بدون ذكر : ( الرائش ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 5/15 ) بدون ذكر ( الرائش ) ، ورواه ابن ماجه ( 2/775 ) ، بدون ذكر : ( الرائش ) ، ورواه غيرهم ] – وهو الساعي بينهما -، واللعن يقتضي أن الرشوة كبيرة من أعظم كبائر الذنوب، وهي من السحت .
والله جل وعلا قال في اليهود : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } [ سورة المائدة : آية 42 ] .
قال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 188 ] ، وهذه الآية على أحد التفسيرين تعنى في الرشوة وتحذر منها .(96/18)
فالرشوة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أكل منها؛ فقد أكل سحتاً، واستعمل حرامًا يؤثر على أخلاقه وعلى دينه وعلى سلوكه .
وقد جاء في الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربي ! يا ربي ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنّى يستجاب له ؟ ! ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/703 ) ] .
وهذا حديث صحيح، بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن أكل الحرام من الرشوة وغيرها؛ أنه يمنع قبول الدعاء، وأن آكل الرشوة أو غيرها من الحرام لا يستجاب له دعاء، وهذا خطر عظيم؛ لأن أحدًا لا يستغني عن الله عزّ وجلّ طرفة عين، فإذا قطع الصلة بينه وبين الله؛ ورد دعاؤه؛ فما قيمة حياته ؟ !
وأيضًا؛ الرشوة ما فشت في مجتمع؛ إلا وفشا فيه الفساد، وفشا فيه الخلل، وتشتت القلوب، والإخلال بالأمن، وضياع الحقوق، وإهانة أهل الحق، وتقديم أهل الباطل، وهذا يحدث في المجتمع ضررًا بيّنًا؛ فالرشوة من أخبث المكاسب، وأثرها على الفرد والمجتمع من أسوأ الآثار .
فعلى المسلم أن يتوب إلى الله إذا كان يتعاطى شيئًا من ذلك، وعلى من عافاه الله منها أن يسأل الله عز وجل الثبات على الحق، وأن يديم عليه العافية؛ فإنها جريمة كبيرة، ومعصية ظاهرة، وهي غش لولاة الأمور، وغش للنفس، وغش للمجتمع، ويجب على ولاة الأمور أن ينكلوا ويردعوا المرتشين والراشين؛ كما لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
332 ـ لدينا قصر أفراح، وفيه طباخون، وبعض الطباخين يطلب إكرامية بالإضافة إلى راتبه؛ فهل يجوز إعطاء العامل مبلغًا من المال إكرامية؛ حيث إنه تعود أخذه من الناس ؟
إذا كان هناك عامل من العمال له راتب وله أجر مقطوع من صاحب العمل؛ فلا يجوز لأحد أن يعطيه؛ لأن هذا يفسده على الآخرين؛ لأن بعض الناس فقراء لا يستطيعون إعطاءهم؛ فهذا العمل سنة سيئة .(96/19)
333 ـ امرأة تقول هناك رجل مسلم قد استدان من رجل من أهل الكتاب مبلغًا من المال، وقد توفي هذا الرجل المسلم منذ ثلاث سنوات ولم يسدد دينه، وأهله لا يعلمون به، وقد أردت إبلاغ أهله عنه ليقوموا بسداده نيابة عنه، فرفض الدائن إبلاغهم دون أن يسامحه، وأنا أعلم ضرورة الوفاء بدين الميت؛ فروحه مرهونة بدينه؛ فما رأيكم في هذه المسألة بارك الله فيكم ؟
عليك أيتها السائلة أن تبلغي أولياء الميت بالدين الذين عليه لهذا الكتابي الذي ذكرتِ أن له عليه حقًّا يجب تبليغ أولياء الميت عن ذلك، أما كونهم يسددون عنه أو لا يسددون؛ فهذا إذا ثبت يجب عليهم حتمًا أن يسددوه من تركته، وإن لم يكن به وثيقة إلا الشهادة التي تدلين بها؛ فهذا لا يثبت الحق، ولكن يعتبر قرينة، والأحوط والأحسن لهم أن يبرئوا ذمة ميتهم من دينه .
أموال محرمة
334 ـ أمتلك مبلغًا من المال قد اكتسبته من تجارة الممنوعات، وأنا أريد أن أتزوج به؛ فهل الزواج به حلال أم حرام ؟ علمًأ أنه ليس لدي ما يعينني على الزواج؛ لأني وحيد في هذه الدنيا ؟
المال الحرام لا يجوز للمسلم أن يستعمله :
قال صلى الله عليه وسلم في الرجل يطيل السفر أشعث أغبر : ( يمد يديه إلى السماء؛ يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام؛ فأنّى يستجاب لذلك ؟ ! ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/703 ) ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ سورة البقرة : آية 172 ] .
فالواجب على المسلم الذي اكتسب مالاً من وجه حرام أن يتوب إلى الله، وإن كان أخذ المال من صاحبه بغير حق؛ فإنه يرده إليه، وإن لم يعرف صاحبه؛ فإنه يتصدق به، ولا يستعمله، ولا يتزوج منه، ولكن عليه أن يكتسب مالاً حلالاً، ويتزوج منه .
قال تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ سورة النور : آية 33 ] .(96/20)
وقال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية2، 3 ] .
335 ـ لي أخ مهاجر في فرنسا، ويبيع الخمر؛ فهل يجوز أن أذهب إليه وآكل من أمواله، وهل إذا أهدى إليَّ شيئًا أقبله ؟ أرجو الإفادة ؟
أما تسميته مهاجرًا؛ فهذا خطأ؛ لأن المهاجر شرعًا هو الذي يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فرارًا بدينه، هذا هو المهاجر، وبلفظ أعم : المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والذي يذهب من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر؛ هذا لا يسمى مهاجرًا .
وأما أنه يجمع مالاً من بيع الخمر؛ فالله حرّم الخمر، وحرم ثمنها، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر، ولعن بائعها وآكل ثمنها؛ في عشرة ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؛ كلهم ملعونون (6).
فثمن الخمر حرام، وإذا كان كسب أخيك كله من هذا المورد؛ فإنه لا يجوز لك أن تأكل منه، ولا أن تنتفع منه بشيء . فالله يغنيك عنه .
لكن عليك مع أخيك المناصحة والتذكير بالله عزّ وجلّ، وأن تعظه في الله؛ لعل الله أن يتوب عليه، وأن يترك هذا الكسب الخبيث، فإن أصرَّ؛ فلا تذهب إليه، واهجره، وإذا علمت أن هديته من ثمن الخمر؛ فلا تقبلها .
خلو الرجل
336 ـ ما رأي الدين في المبالغ التي تدفع كخلو لإيجار الأماكن والمحلات، سواء من المؤجر للمستأجر أو من المستأجر للمؤجر ؟
إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة؛ فله أن يسكنه تلك المدة، وأن يؤجره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال أو أقل منه؛ أي أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه وبوكيله، أما إذا تمت مدته؛ فإنه يجب عليه إخلاء المحل لصاحبه الذي أجره إياه، ولا حق له في البقاء؛ إلا بإذن صاحبه، وليس له الحق في أن يمتنع عن إخلاء المحل إلا بأن يدفع له ما يسمى بنقل القدم أو الخلو؛ إلا إذا كان له مدة باقية فيه .
الخدمات المجانية(96/21)
337 ـ ما رأي فضيلتكم في صاحب محطة وقود وضع ميزة خاصة لمن اشترى كمية معينة من الوقود؛ مجتمعة أو متفرقة على عدة مرات، وتلك الميزة تتلخص في أداء خدمة مجانًا؛ كغسيل للعربة، أو إصلاح بنشر . . . ونحو ذلك ؟ وما رأيكم في من يُفتي في مثل هذه الأمور الجديدة بدون دليل ؟
أرى أن هذا العمل لا يجوز لأمور :
أولها : أن هذه الخدمة لا مقابل لها، وصاحبها لم يبذلها من باب التبرع والإعانة، وإنما بذلها من باب المعاوضة؛ فأين عوضها .
ثانيًا : أن هذا يضر بأصحاب المحطات الآخرين؛ لأنهم سيضطرون إلى بذل مثل تلك الخدمة أو غيرها، وإلا؛ فسينصرف الناس عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا ضرر ولا ضرار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/327 ) ، ورواه الإمام مالك في الموطأ ( 2/745 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/784 ) ، ورواه الدارقطني في سننه ( 4/227 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/57، 58 ) ، ورواه غيرهم ] .
ثالثًا : أن هذا العمل سيفتح باب تسابق أصحاب المحطات إلى بذل أنواع المغريات التي ليست عند الآخرين، وذلك يسبب لهم الإحراج والمشقة فيتعين سد هذا الباب من أصل(96/22)
كتاب المواريث
338 ـ امرأة تقول توفي أخي وترك عندي مبلغًا من المال قدره ثمانون ألف ريال أمانة عندي، وله ابن وبنت، فأتى إلي أحد الأولاد وطلب ذلك المبلغ، فأنكرته بحجة أنه وهبه لي، وكان أخي يعرف ذلك، ثم جاءت البنت، وقالت : ما تركه والدي أمانة عندك ! وبعد مدة خفت من أن ينتقم الله مني بسبب الأمانة التي حملتها، فوزعت المبلغ المذكور بينهما بالتساوي، فأعطيت الابن مثل ما أعطيت البنت، أربعون ألف ريال ( 40 . 000 ) لكل منهما، فسألت أحد العلماء، فقال : أنت آثمة في قسمتك هذه، وحرام عليك، فهل ما قاله هذا العالم صحيح أم لا ؟ وماذا عليّ أن أفعله الآن ؟
أولاً : مماطلتك في حق الورثة شيء لا يجوز لك، بل الواجب أداء الأمانة لأهلها .
ثانيًا : قسمتك المال بين الذكر والأنثى سواء، وهما ليسا في حكم الله سواء؛ لقوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ سورة النساء : آية11 ] ؛ فالأولاد إذا كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يجوز تسوية الذكر بالأنثى .
فالذي عليك الآن استدراك هذا الشيء، ويلزمك أن تسحبي من البنت الزيادة عن نصيبها، وتدفعيها لأخيها، وإن لم تستطيعي سحب الزائد من البنت؛ فإنك تغرمين للابن ما يكمل نصيبه . والله تعالى أعلم .
339 ـ توفي والدي وترك لنا مالاً؛ إلا أن جدتي التي هي والدته قد تركت لوالدنا عددًا من الماشية عبارة عن جزء من الثلث ليفعل به ما يشاء؛ فماذا نعلم بهذه الماشية ؟ هل نضمها إلى تركة والدنا، أو نتصدق بها، أما ماذا نفعل بها ؟ أرشدونا بارك الله فيكم .(97/1)
إذا كانت هذه الماشية التي تركتها جدتكم وصية من بعد موتها في طرق البر، وكان والدكم يتولاها وينفذ وصيتها؛ فإن الواجب أن تستمر هذه الوصية، وأن تنفذ على ما أوصت به الميتة، ولابد أن يكون هناك ورقة مكتوبة في هذا الموضوع، أو يكون هناك من الناس من يدري فتسألونه، وأرى أن ترجعوا إلى القاضي لديكم ليتولى النظر في ذلك . والله أعلم .
340 ـ نحن سبعة أشقاء، أربع إناث وثلاثة ذكور، من أبوين رحيمين، وقد تزوج الجميع، وأنا صغيرهم، تزوجت منذ عشرين عامًا، وقد عشنا نأكل مع والدينا في وعاء واحد نحن الذكور، وكانت حالتنا المادية متواضعة للغاية، وقد منَّ الله علينا بشراء قطعة أرض زراعية، فجمعنا كل ما نملك، حتى أخذنا حلي نسائنا ودفعناها ثمنًا لها، ومن حرصنا على رضى والدنا سجلنا باسمه نصف هذه المساحة، وقد توفي، ولم نعط أخواتنا البنات شيئًا منها، وهن لم يطلبن شيئًا؛ لعلمهن بظرف شرائها والظروف المعيشية، وأبناؤنا بالجامعات، ولم نعط نساءنا شيئًا أيضًا، وذلك عن طيب نفس منهن؛ فما رأيكم في أخواتي أولاً ؟ وكذلك في نسائنا هل لهن حق على ذلك أم لا ؟
أما بالنسبة للأخوات، فإن كان تسجيلكم نصف الأرض لوالدكم بمعنى أنكم أعطيتموه هذا النصف؛ فإنه حينئذ يكون تركة له تورث عنه لأولاده الذكور والإناث ولمن ترك من الورثة على فرائض الميراث التي شرعها الله، فتكون تركة تقسم على ورثته، ومن ورثته أخواتكم، فلهن نصيب في هذه الأرض على حسب الميراث من نصيب والدهن .
أما بالنسبة لزوجاتكم؛ فإذا كن أيضًا قد اشتركن معكم في شرائها، ودفعن الحلي على أنه اشتراك معكم في شرائها؛ فيكون لهن نصيب في هذه الأرض، أما إذا كن دفعن هذا الحلي من باب الهبة لكم، وإعانة لكم على شرائها؛ فهي من اختصاصكم .(97/2)
341 ـ توفي والدي وترك بنتًا عمرها ثلاث سنين وابنًا عمره أربع سنين، وقد تزوجت أمهما وتركت لي مسؤولية تربيتهما، وقد أخذت ما يخصهما من الإرث بعد والدي، والآن تزوج الولد والبنت، وأصبحا يطالبانني فيما اكتسبته بعد وفاة والدي؛ علمًا بأنني الوحيد الذي شاركته الاكتساب في حياته؛ فهل لهم الحق في المطالبة فيما اكتسبته بعد وفاته، أم أنه يخصني وحدي فقط ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
أما ما كان لوالدك؛ فهذا يعتبر لأخواتك الصغار نصيب فيه؛ لأنه من تركة ميتهم، فكان الواجب عليك أن تحصره، وأن تحصيه، وأن تحفظه لهما حتى يكبرا، وتنفق عليما منه، وإذا بقي شيء بعد النفقة عليهما؛ تدفعه إليهما إذا كبرا .
أما ما كسبته بعد وفاة والدك؛ فهذا إن كان رأس المال هو الذي كان مع والدك قبل وفاته؛ فلهم نصيب أيضًا من ربحه؛ لأنه يعتبر كالمضاربة، وإن كان من مالك الخاص، وتصرفت في مالك الخاص بعد وفاة والدك؛ فإنه لا علاقة لهم به؛ لأنه يعتبر كسبك ومالك .
وعلى كل حال؛ القضية فيها طرفان، وإذا رجعتما إلى المحكمة الشرعية؛ فهي إن شاء الله ستدرس ملابسات القضية، وتبين لكل ذي حق حقه . والله أعلم .
342 ـ نحن أسرة مكونة من سبع بنات، وقد توفيت أختي الكبيرة من أبي، ولديها ثمانية أبناء؛ فهل لأبنائها الموجودين على قيد الحياة الحق في الإرث من مال والدي؛ لأن والدي مازال موجودًا على قيد الحياة، وهي ماتت قبله؛ فهناك عدة مشكلات تحدث مع أولادها بشأن هذا الإرث ؟
أولاد البنت ليس لهم من الإرث شيء؛ لأنهم من ذوي الأرحام؛ فما دام يوجد أصحاب فروض أو عصبات؛ فإنه لا حق لذوي الأرحام في الإرث؛ فمال أبيكم لبناته منه الثلثان، والباقي للعاصب، فإن لم يكن هناك عاصب؛ فإنه يرد على البنات .
343 ـ هل يجوز لي أن أرث مالاً أو بيتًا عن والدي المتوفى ؟ علمًا بأنه كان لا يصلي ولا يصوم، أرجو الإفادة .(97/3)
الذي لا يصلي ولا يصوم؛ إذا كان جاحدًا لوجوب الصوم والصلاة، ومات على ذلك؛ فهذا مرتد بإجماع المسلمين، ولا يورث، ويوضع ماله في بيت مال المسلمين؛ كالأموال التي ليس لها مالك .
وكذلك إذا كان يترك الصلاة متعمدًا على الصحيح من قولي العلماء، ومات على ذلك؛ فإنه مرتد عن دين الإسلام، وماله لا يورث عنه، وإنما يرد لبيت مال المسلمين .
ومن هذا تعرف خطورة ترك الصلاة، وإن كان تساهل به كثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
344 ـ أنا وكيل عن أيتام توفي والدهم وترك لهم تركة، واجتمعت بهم جميعهم، وقلت لهم : هل فيكم أحد يريد من تركة والده ؟ فقال جميعهم : لا، فتصرفت في التركة، حيث اشتريت لهم أرضًا، وقمت ببنائها باسم أمهم، حيث إن أمهم لم تتزوج حتى الآن؛ فهل علي شيء في هذا التصرف ؟ أفيدونا حفظكم الله .
نشكر السائل على عنايته بإخوته الأيتام، وحرصه على مصلحتهم، ويذكر أنه جمع استحقاقهم من إرث أبيهم، واشترى به أرضًا لهم، وعمرها سكنًا؛ إلا أنه كتبها باسم أمهم .
نقول : لابد من أن تبين أن هذه الأرض لهؤلاء الأيتام، ولا تبقيها مكتوبة باسم الأم؛ لئلا تؤخذ الأرض بموجب هذه الكتابة، وتكون ملكًا للأم، ولا تدري ماذا سيحصل فيما بعد من الخلاف أو الموت، فتكون سببًا في ضياع حقهم، فيجب عليك أن تستأنف هذا الأمر، وأن تستدركه، وأن تبيِّن الواقع، وأن هذه الأرض وهذا البناء هو ملك لهؤلاء الأيتام .
حكم المفقود
345 ـ هل يحق لزوجة المفقود أن تتزوج بعد مدة أربع سنوات؛ علمًا بأنه لم يرد من عنده أي رسالة أو خبر ؟
قضية المفقود لا نستطيع الكلام فيها؛ لأنها تحتاج إلى إجراءات قضائية من عند المحكمة الشرعية؛ فراجع في هذا القاضي الشرعي؛ لأن الأمر يتطلب إجراءات ومعرفة الملابسات والتحري والاجتهاد في مدة الانتظار، هذا لا يكون إلا من عند القاضي في المحكمة الشرعية . والله أعلم .(97/4)
كتاب النكاح
346 ـ إذا أراد الإنسان الزواج من فتاة قريبة له أو بعيدة عن أسرته، ولكن لها إخوة ليسوا بحالة جيدة من ناحية الذكاء والفطنة، ويخشى على أطفاله من هذا مستقبلاً؛ فهل يصح العدول عنها إلى غيرها لهذا السبب فقط ؟ وما مدى صحة الحديث : ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) ؟
نعم؛ ينبغي للإنسان أن يختار الزوجة الملائمة والخالية من الأعراض الضارة لها ولأولادها، وأن يختار من الأسر الطيبة والأسر العريقة؛ لأن هذا يؤثر على الذرية بإذن الله .
وأما صحة الحديث : ( اختاروا لنطفكم فالعرق دساس ) ؛ فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح في الجملة؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يتحرى الزوجة المناسبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فاظفر بذات لدين تربت يداك ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 5/123 ) ] ، فيختار الزوجة الصالحة في دينها، والصالحة أيضًا في نسبها وجسمها من الآفات؛ لأن هذا له تأثير على العشرة وتأثير على الذرية بإذن الله .
347 ـ فتاة تشتكي من تصرف والدها الذي يساوم على مهر بنته ويأخذ راتبها بالقوة من المدرسة ؟
لا شك أن الوالد له حق، والبر به واجب، وله أن يأخذ من مال ولده وراتبه ومهر ابنته وراتبها ما لا يضر بهما ولا يحتاجانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنت ومالك لأبيك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/204 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/769 ) ] .
وليس للوالد أن يضر ولده؛ بأن لا يترك معه شيئًا من المال لحاجته، وإنما يأخذ ما زاد على ذلك إذا احتاج إليه .
ويحرم على الوالد أن يعضل ابنته عن الزواج من أجل أن يحصل على مهر كثير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه ) [ رواه الترمذي في سننه ( 4/41، 42 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/632، 633 ) ] .(98/1)
348 ـ ما حكم من يَكرَه ويُكرِّه الناس من الزواج بأربع زوجات ؟ وما الأصل في السنة من حيث الزواج؛ هل هو الزواج بأربع أم بواحدة ؟
لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفر الناس منه، وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ سورة محمد : آية 9 ] ؛ فالأمر خطير، وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام، ويلقون الشبه، التي تروج على السذج من المسلمين، الذي تخفى عليهم حكم التشريع الإسلامي، التي من أعظمها تشريع تعدد الزوجات؛ لما فيه من مصلحة النساء قبل الرجال .
وأما هل الأصل التعدد أو عدمه؛ فلم أر في كلام المفسرين الذين اطلعت على كلامهم شيئًا من ذلك، والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام؛ فله أن يعدد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة، أو على ملك اليمين، والله أعلم .
والعدل هاهنا هو العدل المستطاع، وهو القسم والنفقة والسكن، وأما العدل غير المستطاع؛ فهو المحبة القلبية، وهذا لا دخل له في منع التعدد .
349 ـ مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف؛ هل هي جائزة شرعًا أم لا ؟
مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف لا بأس به؛ إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليها أتم وأبعد عن الريبة .
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات، وهم لم تجر بينهم خطبة، وإنما من أجل التعارف؛ كما يسمونه؛ فهذا منكر ومحرم ومدعاة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة .
يقول الله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] ؛ فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة .(98/2)
وقد نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها .
وفي الحديث : ( إذا أنابكم شيء في صلاتكم؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء ) [ ورد بعدة ألفاظ . . . انظر : صحيح البخاري ( 1/167 ) ، و صحيح مسلم ( 1/316، 317 ) ، و " موطأ مالك " ( 1/162، 163 ) ، و سنن أبي داود ( 1/245، 246 ) ، و سنن النسائي ( 2/82، 83 ) ] .
مما يدل على أن المرأة لا تسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة . والله أعلم .
350 ـ هل يرى فضيلتكم أن تعدد الزوجات هو الحل الأمثل للقضاء على ظاهرة العنوسة التي تفشت في مجتمعنا ؟
نعم؛ إن من أسباب القضاء على العنوسة تعدد الزوجات؛ فكون المرأة تتزوج من رجل يقوم بكفالتها ويصونها وتأتيها منه ذرية صالحة، ولو كانت رابعة أربع، أحسن من كونها تبقى أيمًا محرومة من مصالح الزواج ومعرضة للفتنة، وهذا من أعظم الحكم في مشروعية تعدد الزوجات، وهو في صالح المرأة أكثر منه في صالح الرجل، وكون المرأة قد تجد مشقة في معايشة الضرة، يقابله ما تحصل عليه من المصالح الراجحة في الزواج، والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، ويعتبر الراجح منها، ومصالح الزواج أرجح من المضار المترتبة على التعدد إن وجدت . والله أعلم .
351 ـ ما موقف الإسلام من امرأة مسلمة تزوجت من رجل غير مسلم؛ حيث إنها كانت في حاجة إلى ذلك؛ أي : مجبرة لهذا الزواج ؟
لا يجوز زواج المسلمة بالكافر، ولا يصح النكاح .
قال تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } [ سورة البقرة : آية 221 ] .
وقال تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [ سورة الممتحنة : آية 10 ] .
وإجبارها على ذلك لا يسوِّغ لها الخضوع والاستسلام لهذا التزويج .(98/3)
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/131 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 3/123 ) كلاهما بنحوه، ورواه غيرهما ] .
ويعتبر هذا النكاح باطلاً، والوطء به زنى .
352 ـ تزوجت بطريقة الشغار؛ بأن أخذت أخت رجل وأعطيته أختي عن جهل مني بحكم هذا الزواج، وبعد معرفتي ندمت لما فعلت؛ علمًا بأن أختي راضية عن هذا الزواج، وكذلك زوجتي؛ فما الحكم ؟ هل نستمر في حياتنا الزوجية أم علينا أن نفارق زوجتينا ؟ ماذا ترون ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
نكاح الشغار : هو أن تزوج موليتك لشخص على أن يزوجك موليته، ولا مهر بينكما؛ فإذا كان الواقع مثل هذا؛ بمعنى : أنك زوجت أختك لشخص وهو زوجك أخته بدون مهر؛ فهذا هو الشغار، وهذا حكمه أنه لا يجوز في الإسلام، وهو نكاح باطل .
وطريق استدراك هذا الأمر : أن تعقدا عقدًا جديدًا، وأن يدفع لكل واحدة مهر مثلها، ويصحح هذا ويستدرك كما ذكرنا بأن تعقدا عقدًا جديدًا على كل واحدة، ويدفع لها مهر مثلها .
353 ـ أرجو الإفادة عمن وقع في نكاح الشغار كيف يتخلَّص من ذلك؛ علمًا بأن كلاً من الزوجين قد رزقا بأطفال ؟ نرجو التوضيح .
هذه القضية من شأنها أن تعرض على قاضي المحكمة الشرعية لينظر فيها، أو بأن يكتب لرئاسة الإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والإرشاد في الرياض : إما عن طريق الشخص السائل، وإما عن طريق القاضي؛ بأن يأتي إليه، والقاضي يكتب إلى الإفتاء إذا لم ينته القاضي فيها إلى حكم .
أما الشغار من حيث العموم؛ فلا يجوز الإقدام عليه، والشغار معناه : أن تجعل المرأة بدل امرأة، فيزوج شخص موليته لشخص آخر؛ بشرط أن يزوجه الآخر موليته، وهذا إذا كان بدون مهر، بأن جعلت المرأة مقابل المرأة بلا مهر؛ فهذا شغار بإجماع أهل العلم، والنكاح فيه باطل، لا يجوز البقاء عليه، ويجب التفريق بينهما .(98/4)
أما إذا كان فيه مهر؛ بأن يجعل لكل امرأة مهر؛ فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه أيضًا باطل؛ لأن المدار على مضرة المرأة؛ لأنه إذا شرط في التزويج أن يزوج كل منهما الآخر؛ فهذا يضر بالنساء، وتصبح الرغبة فيه للأولياء دون النساء، حتى لو سمي فيه مهر؛ فهذا لا يزيل الضرر الذي يحصل على النساء؛ لأنه قد يزوجها بمن لا يصلح لها من أجل رغبته هو وفائدته هو . هذا حكم الشغار من حيث العموم .
أما حكم الشغار في هذه الواقعة المسؤول عنها؛ فالواجب على صاحبها أن يتقدم للجهات المختصة التي هي قاضي المحكمة الشرعية القريب منه، أو إلى رئاسة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد بالرياض؛ للنظر فيها .
354 ـ أرادت فتاة الزواج من ابن عمها، وأعمامها هم الموكلون على تزويجها؛ غير أنهم رفضوا تزويجها من ابن عمها هذا الذي تريده هي ويريدها هو؛ بحجة أن بينهم سوء تفاهم وخصام، ولم تجد من يتولى تزويجها، وقد ذهبوا إلى القاضي، وحين سألها عن وليها؛ قالت : إن هذا أخي؛ تعني : عمها، فرفض القاضي العقد بينهما، فرجعت البنت وكلت ابن عمتها، فتولى أمر تزويجها، فوافق القاضي على ولايته، وتم الزواج؛ فهل يعتبر النكاح صحيحًا ؟ وإن لم يكن؛ فماذا عليهم أن يفعلوا الآن ؟
أولاً : ننصح أعمامهما أن لا يكون ما بينهم وبين الخاطب من سوء التفاهم سببً في التأثير على البنت ومصيرها وتزويجها بمن يصلح لها وتصلح له، فيجب عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن لا يمنعوا هذه البنت من الكفء الذي يريد التزوج بها بدافع أن بينهم وبينه سوء تفاهم وأغراض شخصية؛ فما ذنبها أن تحرم من مصلحتها وكفئها ؟ ! فعليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ويؤدوا الأمانة التي حملها الله إياها .(98/5)
أما من ناحية ما حصل وتم من أنها وكلت ابن عمتها؛ فالتوكيل ليس لها، وإنما الذي يملك التوكيل هو وليها؛ فلابد أن تكون الوكالة صادرة من القاضي لا من البنت، فإذا كان الأمر كما ذكرت؛ أنها وكلت ابن عمتها، وعقد لها؛ فهذا العقد غير صحيح، وعليهم إعادته؛ بأن تذهب مع وليها إلى القاضي، وينظر في الموضوع . والله أعلم .
355 ـ أنا شاب أريد أن أتزوج وقد خطبت فتاة من خارج أسرتنا، فأخبرت والدي وأمي بذلك، فرفضا هذا الزواج، وأنا مصر على الزواج من هذه الفتاة، ولكن والدتي قالت لي : إن تزوجت هذه الفتاة؛ لن أسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تواصلنا أبدًا ! وكذلك بقية إخوتي ووالدي كذلك رفضوا، وأنا لا أدري لماذا رفضوا زواجي منها ؟ فلم يظهر لي منها ما يمنع، وأنا على إصرار شديد؛ فهل عليَّ إثم إن تزوجتها، أو يعتبر هذا عقوقًا وعصيانًا لوالدتي ؟ أفيدوني ماذا أفعل ؟ أتزوجها أم أتركها ؟
مادام أنه قد أجمع والداك وإخوتك على منع التزوج من هذه الفتاة، وهم من أنصح الناس لك، وأرفق الناس بك، فلولا أنهم يعلمون منها شيئًا لا يناسب؛ لما منعوك من زواجها، خصوصًا الوالدين وشفقة الوالدين وحرصهما على ولدهما؛ فلا ينبغي لك أن تتزوج هذه المرأة، وقد حذروك منها ونصحوك بالامتناع من الزواج بها، والنساء كثيرات، ومن ترك شيئًا لله؛ عوَّضه الله خيرًا منه؛ فإطاعة والديك وإخوتك خيرٌ لك .
يقول الله تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 216 ] .(98/6)
356 ـ أنا رجل متزوج، وأريد الزوج من امرأة مطلقة، وكلانا موافق على الآخر، ولكن أهلنا يرفضون هذا الزواج؛ بسبب خلافات شخصية بينهم؛ فهل يجوز لنا أن نتزوج سرًّا؛ بأن نضع القرآن الكريم بيننا ويشهد عليه كل واحد منا برضاه بالآخر، أو أن العقد بهذا الشكل لا يصح ؟ أفيدونا بارك الله فيكم ؟
العقد بهذا الشكل لا يصح، والعقد الصحيح هو أن يكون هناك ولي مع الزوجة، وأن يحصل الإيجاب من الولي والقبول من الزوج، وأن يكون هناك شاهدان فأكثر، وأن يكون هذا عن رضي من الطرفين، ولابد أن تتوافر شروط العقد .
أما أن يحصل الاتفاق بينك وبين المرأة على المصحف ! ! هذا من الخرافات، ومن البدع، وليس هذا عقدًا شرعيًّا، وليس للمرأة أن تزوج نفسها، ولا أن تعقد لنفسها، وإنما يعقد لها وليها .
ومادام أن الأمر كما ذكرت : أن فيه مشاحة بين الطرفين بين أقاربك وأقاربها؛ فالأولى الابتعاد عن مثل هذا، والنساء كثيرات، وهي ييسر لها من الأزواج ما يناسبها، وأنت ييسر لك من الزوجات ما يناسبك؛ بدون نزاع وبدون دخول في مشكلات .
357 ـ إذا كان أحد يريد الزواج وليس عنه مال يكفي مؤنة الزواج؛ فهل يجوز أن يعطى من الزكاة يستعين بها على الزواج ؟
نعم؛ إذا كان الإنسان لا يستطيع الزواج لعسره وفقره؛ فإنه يجوز أن يعان من الزكاة بما يستطيع به الزواج؛ لأن هذا من الحوائج الضرورية، ومن اعفاف المسلم؛ فلا مانع من تزويج الفقير بالزكاة، أو إتمام تزويجه من الزكاة؛ لأنه من الفقراء الذين نص الله على إعطائهم من الزكاة .
358 ـ عندنا رجل تزوج بزوجة فوضعت له ولدًا ثم توفيت، وتزوج الرجل بزوجة أخرى ولها بنت من زوجها الأول فوضعت الزوجة الأخيرة ولدين، فتزوج الولد الذي ماتت أمه بالبنت التي صارت أختًا لإخوانه؛ فهل هذا يجوز أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله .(98/7)
يجوز للإنسان أن يتزوج بنت زوجة أبيه إذا كانت هذه البنت من رجل آخر كما ورد في السؤال؛ لأنها لا قرابة بينه وبينها؛ إلا إذا كان هناك رضاع؛ بأن كان رضع من أمها، أو هي رضعت من أمه؛ فحينئذ تحرم للرضاع، أما ما لم يحصل رضاع؛ فإنه لا علاقة بينهما، ويجوز له أن يتزوجها . والله أعلم .
359 ـ امرأة متزوجة سافر زوجها إلى إحدى البلاد، وانتظرته مدة طويلة، ولم يرجع، وشهد بعض الناس أن زوجها توفي، فتزوجها أخوه بعد ذلك . . . وبعد مضي فترة، رجع زوجها الأول، ولم يكن متوفى كما شهد بذلك بعض الناس، وهي الآن مع الزوج الثاني، أفتونا بالحكم الشرعي في هذا الأمر .
هذه المسألة مسألة خطيرة، وتحتاج إلى نظر وتحقيق؛ فالواجب الرجوع فيها إلى المحكمة الشرعية للنظر فيها، وزوجة الغائب الذي خفي خبره فلا يدرى أحيٌّ هو أم ميت لا تخرج من عصمته إلا بحكم الحاكم الشرعي بعد النظر والتحقيق . والله أعلم .
360 ـ هل يجوز للبكر الزواج دون إذن والدها ؟ وما حكم الشرع في المكالمات الهاتفية والرسائل في حدود الصداقة بين الشاب والشابة ؟
لا يجوز للمرأة أن تتزوج دون إذن والدها؛ لأنه وليها، وهو أحسن نظرًا منها، ولكن لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته من الكفء الصالح .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته؛ فزوجوه، إلا تفعلوه؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) [ رواه الترمذي في سننه ( 4/41-43 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/632، 633 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/164، 165 ) ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ( 7/82 ) كلهم بنحوه ] .
ولا ينبغي للبنت أن تصرَّ على الزواج من شخص لا يرتضيه والدها؛ لأن الوالد أبعد نظرًا منها، ولأنها لا تدري؛ لعل الخيرة في عدم التزوج منه، والله تعالى يقول : { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } [ سورة البقرة : آية 216 ] ، وعليها أن تسأل الله أن يختار لها الصالح .(98/8)
ولا يجوز للفتاة أن يكون بينها وبين أحد من الشباب مكالمات ورسائل؛ لأن هذا قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، ويطمع فيها هؤلاء الشباب، ولأن هذا يذهب الحياء من الفتاة، وفيه من المحاذير الشيء الكثير .
361 ـ أنا فتاة أبلغ من العمر 16 سنة، وقد تقدم لخطبتي شاب ملتزم، وهو مؤذن بأحد المساجد، ولكنني لا أرغب في الزواج منه؛ لأني لا أحبه، بل وأكرهه من قبل أن يخطبني؛ فهل أنا آثمة في ردي له ورفضه، وهو يدخل في ضمن من يرضى دينه ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا .
إذا كنت لا ترغبين الزواج من شخص؛ فلا إثم عليك، ولو كان صالحًا؛ لأن الزواج مبناه على اختيار الزوج الصالح مع الارتياح النفسي إليه؛ إلا إذا كنت تكرهينه من أجل دينه؛ فإنك تأثمين في ذلك من ناحية كراهة المؤمن، والمؤمن تجب محبته لله، ومن ناحية كراهة تمسكه بدينه، ولكن لا يلزمك مع محبتك له دينًا أن تتزوجي منه مادمت لا تميلين إليه نفسيًا . والله أعلم .
362 ـ لي أخ تزوج من امرأة في السر، وبدون إعلان للزواج، فقط أبوها وإخوانها يعلمون عن هذا الزواج، ووافقوا على ذلك، وهو لا يريد أن يعلن عن الزواج؛ نظرًا للفرق الكبير في المستوى الاجتماعي بينهما؛ فهل هذا الزواج حلال أم لا ؟ أفيدونا .
إذا توافرت شروط عقد النكاح؛ من وجود الولي، ووجود الشاهدين العدلين، وحصول التراضي من الزوجين؛ فالنكاح صحيح، مع الخلو من الموانع الشرعية، ولو لم يحصل الإعلان الكثير؛ لأن حضور الشهود وحضور الولي هذا يعتبر إعلانًا للنكاح، وهو الحد الأدنى للإعلان، والنكاح صحيح إن شاء الله إذا توافرت فيه هذه الشروط المذكورة، وكلما كثر الإعلان؛ فهو أفضل .
363 ـ تزوج رجل من امرأة لديها بنت من زوج آخر، وتوفيت هذه المرأة، وأراد أن يتزوج ابنتها؛ علمًا بأن ابنتها لم يربها هو، وقد كانت تسكن في بيت غير بيته؛ فهل زواجه من ابنة زوجته المتوفية حلال أم حرام، أو إذا طلق أمها أيضًا؛ فهل يجوز الزواج من هذه البنت ؟(98/9)
مادام أنه دخل بالأم؛ أي : خلال بالأم بعد العقد؛ فإن بنتها لا تحل له إطلاقًا، سواء كانت في حجره أم لم تكن؛ أي : سواء أكانت عنده في البيت أم لم تكن؛ لقول الله عز وجل : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
هذا وصف أغلبي؛ لأن الربيبة غالبًا تكون في حجر زوج الأم، وإلا؛ فإنه بمجرد الدخول بالأم لا تحل البنت إطلاقًا له، سواء كانت الأم حية أو ميتة، وسواء ولدت البنت قبل أن يتزوج أمها أو ولدت بعد أن طلق أمها من زوج آخر، المهم أنه بمجرد دخوله بالأم؛ لا تحل له البنت .
364 ـ هل يجوز عقد الزواج بمجرد تسمية مبلغ الصداق فيه دون أن يدفع المتزوج شيئًا منه باتفاق الطرفين ؟ نرجو منك إفادة .
إن الصدق في النكاح واجب، وهو حق للمرأة؛ كما قال تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فالصداق واجب؛ وتسميته في العقد سنة، ولو لم يسم في العقد؛ فالعقد صحيح، وهو حق للمرأة، وفيه من الحكم الإلهية ما فيه، وكونهم يعقدون ويذكرونه في العقد ولكن لم يسلَّم إلا فيما بعد؛ لا حرج فيه؛ إذ يجوز أن يكون الصداق حالاً، ويجوز أن يكون الصداق مؤجلاً؛ حيثما يتفق عليه .
المهم أن يكون هناك صداق يلزمه دفعه إليها، ولا يبخس منه شيئًا، ولا يماطل لدفعه إذا طلبته، وإذا أعطته منه؛ فلا حرج في ذلك، أو أعفته منه أو من بعضه؛ فالحق لها، قال تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فهذا راجع إلى اتفاق الطرفين من حلول أو تأجيل في الصداق .
وليمة العرس(98/10)
365 ـ أنا شاب متمسك بديني والحمد لله، وقد قررت الزواج من فتاة، ولكن أهلها في وقت الخطبة أقاموا حفلاً كبيرًا، وأحضروا فرقًا غنائية، وحدث في هذا الحفل ما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، وكان ذلك على غير إرادتي؛ فقد حذرتهم من ذلك، ولم أساهم معهم بشيء من تكاليف ذلك الحفل، ولكي أخشى أن يتكرر ذلك في يوم الزفاف، ولذلك؛ فقد حذرتهم من ذلك، ولو وصل الأمر إلى فسخ النكاح؛ فهل أنا على حق في إصراري هذا حتى ولو أدى إلى الطلاق أو لا ؟ وما هي نصيحتكم إلى مثل هؤلاء من الذين يسرفون في حفلات الزواج، ويخسرون المبالغ الطائلة فيما لا فائدة فيه، بل قد يجنون منه الإثم والغضب من الله ؟
أولاً : نشكر السائل على غيرته لدينه، وعلى إنكاره للمنكر، ونرجو أن يثيبه الله وأن يثبته على إنكار المنكر .
ولا شك أن إقامة هذه الحفلات عند العقد، أو عند الدخول مخالفة لما جاءت به الشريعة من تيسير الزواج، وتخفيف مؤونته، والإعانة عليه بكل الوسائل الممكنة؛ فهذه الحفلات إذا خلت من المنكر؛ فهي إثقال لكاهل الزوج، وإسراف، وتبذير، أما إذا اشتملت على منكر وعلى أغان كما ذكر السائل، أو ربما على اختلاط بين الرجال والنساء ومنكرات؛ فهذه جريمة أخرى ومنكر آخر .
الحاصل أنه لا يجوز إقامة مثل هذه الحفلات؛ لما فيها من الإسراف والتبذير وعرقلة الزواج بالنفقات الباهظة، ولما فيها – وهو أعظم – من المنكرات التي تكتنفها .
فعلى المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنبوا مثل هذه الأمور، والاحتفال وقت الدخول إذا خلا من المنكرات وخلا أيضًا من الإسراف والتبذير؛ بأن يجتمع مثلاً النساء على حدة مستورات في مكان، وحصل شيء من الضرب بالدف عند النساء للإعلان عن هذا النكاح، وهذا سنة .(98/11)
أما أن يكون هناك حفل مختلط، أو يكون فيه أصوات مطربين ومطربات، أو يكون هناك شيء من المحرمات؛ فهذا لا يقره الإسلام، هذا إضافة إلى كون هذا من الإسراف والتبذير، وعرقلة أمور الزواج .
فالحاصل أنك على حق أيها السائل في إنكارك لهذا الصنيع، وعليك أن تستمر في الامتناع منه والإنكار عليهم، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بك وأن تكون قدوة صالحة لغيرك .
الحقوق الزوجية ( عشرة النساء )
366 ـ تزوجت فتاة حينما كان عمري سبع عشرة سنة وأنا في السودان، ومكثت معها ثلاثة أشهر، ثم سافرة إلى ليبيا بحثًا عن الرزق الحلال، ولي الآن عامان لم أعد إلى بلدي وإلى زوجتي بسبب عدم قدرتي على دفع تكاليف العودة؛ نظرًا لإصابتي بكسر في يدي نتيجة حادث سيارة مما عطلني عن العمل؛ فما هو الحل في مثل هذه الحالة ؟ هل أبعث بورقة الطلاق إلى زوجتي التي قد ابتعدت عنها أكثر من عامين وربما تزيد بسبب هذا الحادث، علمًا أنها تقيم مع والدي وأهلي، ولا ينقصها شيء من الناحية المعيشية ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
ما ذكره السائل من أنه سافر عن زوجته لطلب المعيشة وحل عليه مانع لم يستطع معه العودة إلى زوجته؛ فهل يبعث بطلاقها ؟ الجواب : إنك معذور فيما ذكرت، وإنه لا يلزمك طلاقها مادمت معذورًا؛ لما ذكرت من الإصابة، وعدم استطاعة السفر؛ فهذا تعذر به، ولا يبقى لها حجة عليك؛ إلا إذا قدرت على السفر إليها والاجتماع بها، ولم تفعل هذا مع القدرة؛ فحينئذ يكون لها الخيار : إما أن تصبر وتنتظرك، وإما أن تطالب بحقها وطلاقها منك؛ فأنت تنتظر، والفرج قريب إن شاء الله إذا صلحت نيتك وعزيمتك، لا سيما وأن والدك قائم باللازم نحو زوجتك؛ فلا داعي للقلق ؟
367 ـ ما رأيك بالمرأة التي لا تسمع كلام زوجها، ولا تطيعه، وتخالفه في كثير من الأمور : كأن تخرج بدون أمره، وتخرج أحيانًا خلسة بدون علمه ؟(98/12)
يجب على المرأة أن تطيع زوجها بالمعروف، ويحرم عليها معصيته، ولا يجوز لها الخروج من بيته إلا بإذنه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته على فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ) . متفق عليه [ رواه البخاري في صحيحه ( 6/150 ) - بدون ذكر . . . فبات غضبان عليها . . . - ورواه مسلم في صحيحه ( 2/1060 ) بلفظ : . . . فلم تأته . . . بدل فأبت أن تجيء . . ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/250 ) ] .
وقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ سورة النساء : آية 34 ] .
فبين سبحانه أن الرجل له القوامة على المرأة، وأنه إذا تنكرت له؛ يتخذ معها الإجراء الرادع؛ ممّا يدل على وجوب طاعته بالمعروف وتحريم مخالفتها له بغير حق .
368 ـ أنا امرأة مطيعة لزوجي ومتقيدة بأوامر الله، ولكني لا ألقاه بسرور وبوجه طلق، وذلك لأنه لم يؤد الحقوق الواجبة عليه من حيث الكسوة، ولقد هجرته في فراشه، هل عليَّ إثم في ذلك ؟
الله سبحانه وتعالى أوجب حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن يبذل كل منهما ما يجب عليه للآخر، حتى تتم المنفعة والمصلحة الزوجية، وعلى الزوج أو الزوجة أن يصبر كل منهما على ما يلاقي من الآخر من تقصير ومن سوء عشرة، وأن يؤدي هو ما عليه ويسأل الله الحق الذي له، وهذا من أسباب بقاء الأسرة وتعاونها وبقاء الزوجية .(98/13)
فننصح لك أيتها السائلة أن تصبري على ما تلاقي من زوجك من تقصير، وأن تبذلي ما عليك من حق الزوجية؛ فإن العقبة بإذن الله تكون حميدة، وربما يكون قيامها بواجبها نحوه سببًا في أنه هو أيضًا يخجل .
369 ـ رجل هجر زوجته مدة سنتين، لم يطلقها، ولم يرجعها لأولادها، ولم يقم بواجب الإنفاق عليها، وليس لها قريب ولا من ينفق عليها؛ فحالتها صعبة جدًّا؛ فهي منقطعة من كل أحد إلا من الله؛ فما الحكم الشرعي في مثل هذا الزواج الذي ترك زوجته وأم أولاده تصير إلى هذا المصير السيئ المؤلم ؟
لا شك أن للزوجة حقوقًا على زوجها يجب عليه أداؤها .
قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة البقرة : آية 228 ] .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن لنسائكم عليكم حقًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/245 ) بلفظ : وإن لزوجك عليك حقًا . . ] .
والله تعالى يقول : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] .
ويقول : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ سورة البقرة : آية 229 ] .
. . . إلى غير ذلك من الأدلة التي توجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته، ويؤدي إليها حقوقها، ولا يجوز له أن ينقصها شيئًا من حقها؛ إلا بمبرر شرعي؛ كما إذا كانت ناشزًا .
وما ذكره السائل من هجران هذا الزوج لزوجته هذه المدة الطويلة وحرمانها من حقوقها؛ هذا ظلم لا يجوز له إذا صح وكان ذلك بدون مبرر شرعي؛ فإنه ظالم لها؛ فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي لها حقها، وأن يستسمحها عما سبق من ظلمه لها .
وكذلك لأولاده عليه حقوق؛ فلا يجوز له أن يضيعهم وأن يتهاون ويتساهل في تربيتهم والقيام بمصالحهم؛ فمسؤولية الأولاد مسؤولية عظيمة، حتى ولو كان بينه وبين أمهم سوء تفاهم؛ فإن ذلك لا يسقط حقهم عليه .(98/14)
فعلى كل حال القضية مهمة، ولا يجوز أن يظلمها أو يظلم أولاده، بل عليه أن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى صوابه؛ فإذا لم يحصل ذلك؛ فلابد من رفع شأنه إلى ولي الأمر؛ للأخذ على يده . والله تعالى أعلم .
370 ـ أسافر أحيانًا، فأغيب عن البيت قرابة الأسبوع، وفي تلك الفترة أترك زوجتي في منزل والدي، وبطبيعة الحال فإخواني وأخواتي موجودون في المنزل، وربما غاب والدي عن البيت؛ فهل لابد من وجود محرم لبقاء زوجتي في المنزل ؟ أفتونا عفا الله عنكم ؟
لا بأس بترك زوجتك في بيت والدك، ولو كان فيه إخوانك؛ لأن ذلك ليس من الخلوة المحرمة التي تحتاج إلى وجود محرم مادام في البيت عدة أفراد من العائلة .
371 ـ أنا شاب مقيم في المملكة، وكانت لدي زوجتي، ثم اضطرتني الظروف المادية على إنزالها إلى القاهرة؛ فما هو حكم الشرع في ابتعادي عنها ؟ وكم تكون أطول مدة حتى أكون آثمًا عليها ؟
الحد المقرر شرعًا للغياب عن الزوجة في حدود أربعة أشهر؛ فلا تجوز الزيادة عن هذا الحد؛ إلا برضاها، مع أمن الفتنة عليها وعلى الزوج؛ إلا من أجبرته الضرورة على الغيبة الطويلة؛ فإنه معذور إلى زوالها .
ومهما أمكن الزوج الذهاب إلى زوجته والحفاظ عليها والقيام بحاجتها؛ فإنه يجب عليه ذلك، خصوصًا في مثل هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والمغريات المفسدة للأخلاق؛ فإنه لا ينبغي للزوج أن يبتعد عن زوجته؛ إلا عند الحاجة والضرورة، مع الحرص التام على السرعة والعودة إليها حسب الإمكان .
372 ـ ما حكم الرجل يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها إذا كانوا يقومون بإثارة المشاكل والتدخل في حياة الزوجين ؟ وما الحد الأدنى المطلوب من الزوجة لصلة رحمها ؟ وهل يكتفى بالرسالة والمكالمة فقط ؟(98/15)
نعم؛ يحق للرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها؛ لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درءًا للمفسدة، وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة، بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذور؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . والله أعلم .
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها، ويخببها عليه؛ فقد جاء في الحديث : ( ملعون من خبب امرأة على زوجها ) [ رواه أبو داود في ( 2/260، 261 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/196 ) بنحوه ] ، ومعناه : أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه .
والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم .
373 ـ من المعلوم أن هجران المسلم لأخيه فوق ثلاث ليالٍ غير جائز؛ فما حكم ما يحصل ما بين الزوج وزوجته من هجران، سواء هجرها لقصد التربية أو هجرها لسبب غير ذلك ؟
إذا حصل من الزوجة نشوز في حق زوجها، ووعظها، فلم تتراجع عن صنيعها؛ فله أن يهجرها في المضجع؛ بمعنى : أن ينام معها ولا يكلمها ويعرض عنها بوجهه حتى تتوب، ولا يتعارض هذا مع تحريم هجر المسلم أخاه فوق ثلاث؛ لأن هذا هجر مقيد بالمضجع، والممنوع هو الهجر المطلق، أو يقال : الممنوع هو الهجر بغير سبب المعصية، ونشوز المرأة يعتبر معصية تبيح هجرها .
374 ـ هل يجوز للزوج أن يمنع الزوجة من صلة رحمها، وخصوصًا الوالدة والوالد ؟(98/16)
صلة الرحم واجبة، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته منها؛ لأن قطيعة الرحمن من كبائر الذنوب، ولا يجوز للزوجة أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل تصل رحمها من مالها الخاص، وتراسله، وتزوره؛ إلا إذا ترتب على الزيارة مفسدة في حق الزوج؛ بأن يخشى أن قريبها يفسدها عليه؛ فله أن يمنعها من زيارته، لكن تصله بغير الزيارة مما لا مفسدة فيه . والله أعلم .(98/17)
كتاب الطلاق
375 ـ عقد رجل على امرأة، فطلقها قبل أن يدخل بها؛ فهل يحل لابنه أن يتزوج منها ؟
لا يجوز للابن أن يتزوج بالمرأة التي عقد عليها والده وطلقها قبل الدخول؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ } [ سورة النساء : آية 22 ] ، وهذا يصدق على العقد، ولو لم يدخل بها؛ فزوجة أبيك تحرم عليك بمجرد عقده، سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لعموم الآية : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً } [ سورة النساء : آية 22 ] .
376 ـ إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا بائنًا بالثلاث، وهم في دولة بعيدة من سكن أهل الزوجة، في أمريكا مثلاً؛ ماذا يفعل بها الزوج ؟ هل يسافر بها إلى بلدها أم لا ؟
إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا دون الثلاث؛ فهي مطلقة رجعية، له أن يسافر بها، وله أن يبيت معها، وأن يبقيها في بيته؛ لأنها لا تزال زوجة، إلى أن تتم عدتها، فإذا تمت عدتها، ولم يراجعها؛ بانت، أما مادامت في العدة؛ فهي زوجته، له أن يراجعها، ويكون محرمًا لها؛ لقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ } [ سورة البقرة : آية 228 ] ؛ يعني : في العدة .
أما إذا كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، ليس له عليه رجعة؛ فإنه لا يكون محرمًا لها، ويجب عليها أن تحتجب منه؛ لأنه أصبح أجنبيًّا، ولا يسافر بها؛ فإذا طلقها وهو في مكان بعيد طلاقًا بائنًا؛ فالحل في هذا أن يطلب حضور وليها ليأخذها إلى بلدها ويسافر بها، ويكون محرمًا بها، ولا يجوز لمطلقها الذي طلقها طلاقًا بائنًا أن يسافر بها؛ لأنها أصبحت أجنبية منه .(99/1)
377 ـ إذا عقد رجل على فتاة، ثم اكتشفت فيه أشياء لا ترضيها، فطلبت منه فسخ العقد، وذلك قبل الدخول بها، وقد استلمت منه المهر وما يسمى بالشبكة ( وهو مجموعة من الأساور والقلائد الذهبية ) ؛ فهل تعيد له كل ذلك ؟
في هذه الحالة يجب عليها أن تعيد عليه كل ما دفع إليها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول، فإن سمح لها بشيء منه ؛ فلا بأس . والله أعلم .
378 ـ شاب خطب فتاة من أسرة كريمة، وعقد قرانه عليها بعقد نكاح شرعي، وبعد أن مضى شهر واحدًا على وقوع العقد رفضته الفتاة بدعوى أنها لا تريده، وقد بذلت قصارى جهدي لأعرف السبب، ولكن دون جدوى، ولما تشاورت مع أهلها في الموضوع؛ قالوا لي : نحن لا نقدر أن نجبرها عليك، وسنرد لك مبلغ عشرة آلاف فقط؛ أي : المبلغ المكتوب في عقد النكاح، وتطلقها فورًا، علمًا بأني قد خسرت أكثر من ثلاثين ألف ريال، ولم أدخل عليها بعد؛ فهل يرجع لي جميع ما دفعت وما خسرت أم ليس ذلك لي ؟
مثل هذا السؤال يتعلق بالمحاكم؛ لأن المشكلة إذا كان فيها طرفان؛ فليس من اختصاص البرنامج، وإنما هي من اختصاص القضاء .
وأما من ناحية كراهية هذه المرأة لك بعدما حصل العقد وحصل التراضي؛ فهذا الله أعلم بسببه، ولكن ربما يكون هذا خيرًا لك، قال تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ سورة البقرة : آية 216 ] ، والله يعوضك خيرًا منها؛ فلا يكن عندك شيء من التضجر؛ لأنك لا تدري ما يكون وضعك معها .
أما من ناحية ما دفعت إليها؛ فالذي يظهر لي أنه يرد عليك كله، وليس لها من شيء؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها هي . والله أعلم .
379 ـ طلقت زوجتي ثلاث طلقات جميعًا، فسمعت وقرأت في القرآن الكريم أن الطلاق مرتان؛ ما حكم طلاقي في هذا ؟ وما كفارته ؟(99/2)
الله سبحانه وتعالى شرع الطلاق على صفة معينة؛ بأن يطلقها وهي طاهر من الحيض في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يراجعها في مدة العدة؛ فله ذلك، أما أن يطلقها بأكثر من طلقة بلفظ واحد؛ فهذا طلاق بدعي؛ يأثم عليه أشدَّ الإثم، وهو تلاعب بكتاب الله عز وجل؛ لأن الله شرع الطلاق متفرقًا في فترات، حتى يكون عند المسلم فرصة فيما لو أراد الرجوع في العدة .
قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا } [ سورة البقرة : آية 228 ] .
وقال تعالى : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [ سورة الطلاق : آية 1 ] .
فالله جعل للمسلم فسحة وفرصة يراجع فيه زوجته، فإن طلقها طلاقًا ثلاثًا؛ فقد أغلق على نفسه هذا الباب وأحرج نفسه .
وعلى كل حال؛ الفتوى في مثل هذه القضية لا تصلح أن تكون بواسطة المذياع، وإنما أن يتصل بالقاضي الشرعي في بلده، أو يأتي للمفتي شخصيًّا، ويكلمه في ذلك .
380 ـ وقع شجار بيني وبين زوجتي، فغضبت عليها غضبًا شديدًا، وضربتها ضربًا مؤلمًا، وحلفت عليها بالطلاق، ولكن زوجتي أبت أن تفارق البيت، وعاد كل شيء إلى مجراه الطبيعي، واستمرت حياتنا الزوجية، وبعدها أنجبت ثلاثة أطفال، ولهذه اللحظة لم يعلم بما حصل بيني وبينها إلا الله سبحانه وتعالى؛ فما يجب عليَّ أن أعمله الآن ؟
أما ما ذكرت من غضبك على زوجتك وضربك لها؛ فهذا شيء لا تحمد عليه، ولا يجوز منك، يجب عليك إذا غضبت أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن لا تضرب زوجتك وتسيء إليها .
أما ما ذكرت من حلفك بالطلاق؛ فأنت لم توضح ما تلفظت به؛ هل مرادك أنك حلفت عليها بالطلاق لتمنعها من شيء، أو تحثها على فعل شيء، ولم ترد إيقاع الطلاق؛ فعليك كفارة يمين على الراجح .(99/3)
أما إذا كان قصدك من الحلف بالطلاق أنك أوقعت عليها الطلاق منجزًا، طلقتها بدافع ما حصل منك من الغضب والضرب، وغضبك هذا لم يخرجك عن الشعور؛ فالطلاق يقع إذا كان دون الثلاث، وإذا راجعتها؛ تعتبر الرجعة صحيحة .
الحاصل أن هذا لابد فيه من توضيح لما حصل منك في هذا الطلاق، وأرى لك أن تتصل بأحد العلماء المفتين المعتمدين، وتذكر له ما حصل منك، وستجد الإجابة الشافية إن شاء الله تعالى .
381 ـ رجل تزوج بامرأة وأنجب منها أطفالاً، وكان يسكن وزوجته مع والدة زوجته، وحصلت مشكلة بينه وبين والدة زوجته، وعلى أثر هذه المشكلة سافر الزوج بعيدًا عن زوجته ووالدتها في داخل السودان، ومضى على غيابه خمس سنوات، ولم يرجع إلى زوجته، ولقد ذهب إليه بعض أقارب الزوجة؛ لكي يرجع إلى زوجته وأطفاله، فقال لهم : لن أرجع إلا إذا توفيت والدة الزوجة، وبعد هذه المدة الطويلة التي تزيد عن الخمس سنوات ذهبت الزوجة المهجورة إلى القاضي طالبة منه الطلاق، ولقد وافق لها القاضي بالطلاق، وبعد مدة تزوجت برجل وأنجبت منه أطفالاً، وعندما سمع الزوج الأول بزواج زوجته التي هجرها؛ رجع إلى بلدة زوجته، وقال لها : إن زواجك حرام، وأطفالكم غير شرعيين؛ لأنك مازلت في عصمتي .
ما فعله هذا السائل من هجرة لزوجته والابتعاد عنها بسبب أنه تشاجر مع أمها؛ هذا أمر لا يليق به، ولا ينبغي للرجل أن يصل به الغضب إلى هذا الحد، وما ذنب الزوجة ؟ ! وما ذنب الأولاد الذين جنى عليهم وهجرهم وغاب عنهم المدة التي ينتظر فيها أن تموت أم الزوجة التي تشاجر معها ؟ !
أولاً : كان الواجب عليه الإصلاح فيما بينه وبين أم زوجته، وأن يتلافى ما بينه وبينها من خلاف؛ لأن المصلحة في ذلك في أن يعفو وأن يسمح وأن يحلم وأن يستمر مع عائلته ومع زوجته، ويحسن إلى أم زوجته، وهذا هو الذي ينبغي للمسلم .(99/4)
أما إذا حصل ما ذكره السائل من الغيبة عن زوجته وأولاده حتى تضررت بذلك، وحتى جاء وليها إليه في غيبته، وتفاهم معه، واستمر في غضبه ومقاطعته؛ فهذا أمر لا يليق به، ولا يصح منه؛ لأن ولي أمر الزوجة بذل ما يجب عليه من التفاهم ومراجعة الزوج، ولكن الزوج هو الذي أساء في استمراره على المقاطعة .
أما قضية ما حصل من القاضي من النظر في طلب الزوجة، وفسخ نكاحها من زوجها، ثم تزويجها بعد ذلك من زوج آخر؛ فهذه إجراءات قضائية ترجع إلى المحكمة، وليس لنا عليها اعتراض؛ لأننا لا نعرف ملابسات القضية وما فعله القاضي؛ لأن الواجب مراسلة الزوج ومعرفة الظروف التي تحيط به، ثم بعد ذلك ينظر القاضي بحسب المصلحة وإزالة الضرر عن الزوجة .
فكونه فسخها من زوجها الأول وتزوجت بزوج جديد؛ هذه إجراءات قضائية، يرجع فيها إلى المحكمة؛ فإذا كانت متمشية على الوجه المشروع؛ فلا اعتراض عليها، وزواجها من الثاني صحيح، وأولاده منها أولاد شرعيين .
382 ـ ما الحكم لو حلف رجل بالطلاق على عدم تناول طعام ما، ثم أجبرته الظروف على الوقوف في الطلاق؛ كأن أجبره الحاضرون، فاستحيى منهم؛ فهل يقع الطلاق ؟
إذا حلف بالطلاق على أن لا يأكل طعامًا ثم أكله؛ فهذا فيه تفصيل :
إن كان نوى الطلاق؛ فإنه يقع به الطلاق الذي نواه إذا أكل من الطعام؛ لأنه علق الطلاق على شيء، وقد حصل، وإذا حصل المعلق عليه؛ حصل المعلق .
أما إذا كان نوى بذلك اليمين؛ بأن نوى بذلك منع نفسه من أكل الطعام، ولم ينو الطلاق، ثم أكل؛ فإنه يكون عليه كفارة يمين على الصحيح الراجح من قول العلماء، فيكون عليه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ كما نص على ذلك كتاب الله عز وجل [ انظر سورة المائدة : آية 89 ] .
383 ـ هل الحلف بالطلاق في حالة الغضب وتوتر النفس يقع طلاقًا ؟(99/5)
إذا بلغ الحال بالإنسان من الغضب إلى زوال الشعور وفقد الوعي؛ بأن لا يدري ولا يتصور ماذا يقول؛ فإن هذا لا تعتبر أقواله؛ لا طلاق ولا غيره؛ لأنه فاقد للعقل في هذه الحالة، أما إذا كان الغضب دون ذلك، وكان معه شعوره، ويتصور ما يقول؛ فإنه يؤاخذ بألفاظه وتصرفاته، ومن ذلك الطلاق .
384 ـ كنت متزوجًا، وطلقت زوجتي، وفي نفس شهر الطلاق اتضح أنها حامل؛ ماذا يجب عليَّ ؟
إذا كان طلاقك لها دون الثلاث؛ فإن لك أن تسترجعها قبل أن تضع حملها؛ لأن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها، ومادامت في الحمل؛ فإنها في العدة، فإذا كان تطليقك لها أقل من الثلاث، ولم يكن على عوض أخذته منها؛ فإن لك أن تراجعها إذا شئت في مدة العدة؛ لقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا } [ سورة البقرة : آية 228 ] ؛ فإذا أردت الإصلاح في عشرتها وبقائها معك؛ فإن لك أن تراجعها مادامت في العدة .
385 ـ هل الحلف بالطلاق بدون نيَّة الطلاق يوقع طلاقًا ؟
الصحيح أن من حلف بالطلاق وهو لا يريد إيقاع الطلاق؛ إنما يريد ما يُراد باليمين من الحث على فعل شيء، أو المنع منه، أو تصديق خبر، أو تكذيبه؛ فالصحيح أن هذا لا يعتبر طلاقًا، وإنما يعتبر يمينًا تدخلها الكفارة، أما إذا نوى الطلاق؛ فإنه يقع ما نواه . والله أعلم .
386 ـ حدث ذات مرة كلام مع زوجة أخي وهو غائب، وغصبت منها غضبًا شديدًا، فحلفت بالطلاق من زوجتي أنني عندما ألتقي بأخي سوف أرغمه على طلاقها، وفعلاً التقيت بأخي وقد هدأ الغضب، وقررت ألا أخبره بما حدث من زوجته، والآن عازم على السفر إلى أرض الوطن، ولم أفعل كفارة لليمين؛ علمًا بأنني مسافر بعد أيام . . . أفيدوني ماذا أفعل ؟(99/6)
إذا كان قصدك من الطلاق هو إلزام نفسك بأن تطلب من أخيك طلاق زوجته؛ لأنك غضبت عليها، وليس قصدك إيقاع الطلاق على زوجتك، وإنما قصدك حث نفسك على طلب أخيك بأن يطلق زوجته؛ فإن هذا يجري فيه مجرى اليمين على الصحيح، ويكفي فيه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم على التخيير، فإذا لم تجد شيئًا من هذه الأمور الثلاثة؛ فصم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] .
فالواجب عليك الكفارة على الوجه الذي ذكرناه، وهو الصحيح من قولي العلماء، ولكني أنصح لك أن تتجنب هذا اللفظ، وألا تستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات؛ لأن الطلاق أمر خطير؛ فلا تعود لسانك هذا الكلام الذي ليس فيه مصلحة لك، بل هو مضرة عليك؛ لأن الطلاق لا يتلفظ به إلا عند الحاجة إليه في موضعه المشروع، أما أن تجعله على لسانك في كل مناسبة وعند الغضب؛ فهذا منهي عنه .
387 ـ لي أخ في الله، عقد قرانه على فتاة، ولكنه تركها بعد أن قدم لخطيبته شبكة، مع العلم أنه لم يدخل بها، هل يجوز استرداد شبكته والمصاريف التي صرفها عليها ؟
إذا كان قصده أنه تركها؛ أي : أنه طلقها، وكان قد دفع لها شيئًا من المهر، فطلقها قبل الدخول بها؛ فإنه يستحق نصف المهر الذي دفعه إليها؛ لقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [ سورة البقرة : آية 237 ] .
فالواجب لك في مثل هذه الحالة نصف المهر، أما النصف الآخر؛ فهو حق لها .(99/7)
وأما الشبكة؛ فلا أدري ما المراد بها ؟ فإذا كانت ما يسمى الدبلة، وهي التقليد الفاسد الذي وقع فيه كثير من الناس اليوم في أمور الزواج، من أنه يشتري لها دبلة تلبسها، ويكون هذا سببًا في زعمهم في عقد المحبة في القلب، وتآلف الزوجين؛ فهذا من عقائد الجاهلية، وهذا يكون من الشرك؛ لأن التعلق بالحلقة والخيط والخاتم والدبلة في أنها تجلب المودة أو تذهب العداوة بين الزوجين هذا من الشرك؛ لأن الأمر بيد الله؛ فهو يقول سبحانه وتعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ سورة الروم : آية 21 ] ؛ فالله هو الذي يوجب المودة والرحمة بين الزوجين إذا استقاما على طاعته سبحانه وتعالى، أما هذه الدبلة وهذه التقاليد الفاسدة؛ فيجب اجتنابها .
وعلى كل حال؛ كل ما أعطيته لها بسبب عقد النكاح؛ فهو مهر، يرجع إليك نصفه إذا طلقتها قبل الدخول .
388 ـ شاب عقد على فتاة، ثم طلقها قبل الدخول بها، وكان قد دفع لها مبلغ الصداق، وكتب على نفسه مبلغًا آخر مؤجلاً في نفس العقد؛ ما الحكم في ذلك ؟
إذا عقد على امرأة، ثم طلقها قبل الدخول، وكان قد سمى وحدد لها صداقًا؛ فإنه يكون لها نصف الصداق الذي دفع ونصف الصداق المؤجل الذي لم يدفعه بعد؛ لقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [ سورة البقرة : آية 237 ] .
فيتنصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول، سواء كانت قبضته أو لم تقبضه، مادام أنه سمي وحدد، وإذا سمح أحدهما بنصيبه للآخر؛ فلا حرج في ذلك .(99/8)
389 ـ كنت أنا زوجتي عند أهلها، وعند خروجنا من الباب كنت غاضبًا، فقلت لها : عليَّ الطلاق؛ فلن آتي بك هنا ثانية . ولم أكن أقصد الطلاق بذاته؛ فما هو حكم الشرع في ذلك ؟ وهل عليَّ كفارة يمين ؟ وهل تحتسب طلقة ؟
أولاً : يجب على المسلم أن يتوفى الغضب ويدفعه بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
ثانيًا : عليه أن يتجنب التلفظ بالطلاق؛ لما في ذلك من الحرج والخطر .
وما ذكره السائل من قوله لزوجته : علي الطلاق لن آتي بك مرة ثانية هنا، وهو يقصد منع نفسه من ذلك حسب ما صرح به؛ فالصحيح أن عليه في ذلك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام ثلاثة أيام؛ لأن الحلف بالطلاق إذا قصد به ما يقصد باليمين جرى مجرى الحلف بالله على القول الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . والله أعلم .
390 ـ أنا رجل متزوج، لي أربعة أطفال، لا يوجد أي خلاف بيني وبين زوجتي، ولكن في يوم من الأيام حصل أن قلت في قلبي : كيف الناس يطلقون ؟ ! وقلت في قلبي اسم زوجتي أنت طالق، مع العلم أنها لم تسمعني، ولم يسمع أحد؛ هل يقع الطلاق في مثل هذه الحالة ؟
أولاً : على الإنسان أن يبتعد عن مثل هذه الأمور والتفكير فيها، ويبعدها عن ذهنه؛ لئلا يتسلط عليه الشيطان بالوساوس والهواجس .
ثانيًا : ما ذكرته من أنك قلت في قلبك، أو نويت في قلبك الطلاق، ولم تتلفظ بلسان؛ فهذا لا يكون عليك فيه طلاق، ولا يلزمك فيه شيء ما لم تتلفظ به .
أما إذا تلفظت به، ولو كان بصوت خفي؛ بحيث تسمع نفسك، ويتحرك به لسانك؛ فإن هذا يكون طلاقًا؛ لأنك تلفظت به، حتى ولو لم تسمعه الزوجة، أو لم يسمعه من حولك؛ مادمت تلفظت به بصوت خفي، وتحرك به لسانك، ونطقت به؛ فإنه يكون طلاقًا .
أما مادام مجرد هاجس في النفس، أو خاطر في القلب؛ بدون تلفظ؛ فإن هذا لا يضر؛ لأن الله جل وعلا عفا لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها؛ ما لم تتكلم أو تعمل .
الظهار(99/9)
391 ـ ما حكم من قال لزوجته : أنت مثل أمي، وأنت محرمة عليَّ مثل أختي، وذلك في وقت كان فيه في أشد الغضب من تصرفها، مع العلم أنه كان لا يقصد تحريمها، بل لإرهابها وتخويفها، وكذلك كان يجهل حكم كلمة أنت مثل أختي أو أمي؛ فكل اعتقاده أن المرأة تحرم على زوجها بكلمة الطلاق فقط، وأيضًا كان يقصد من وراء قوله ذلك أنه حلف طلاقًا وأصبحت بطلاقه محرمة عليه، وهو لم يحلف طلاقًا أبدًا؛ فالقصد من ذلك تخويفها؛ فماذا عليه الآن لاستمرار حياته مع زوجته ؟
هذه الألفاظ التي ذكرها هي ألفاظ الظهار؛ إذا شبهها بمن تحرم عليه كأمه وأخته؛ فإنه يكون بذلك مظاهرًا، والمظاهر قد بيّن الله سبحانه حكمه في قوله : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } [ سورة المجادلة : آية3، 4 ] .
فالذي يجب على السائل بناء على ما ذكر أن يكفر كفارة الظهار قبل أن يمس زوجته : إما بعتق رقبة؛ إذا كان يستطيع ذلك، فإن لم يستطع؛ فإنه يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصيام لمرض مزمن أو لغير ذلك من الأعذار التي تحول بينه وبين الصيام؛ فإنه ينتقل إلى الإطعام ( إطعام ستين مسكينًا لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره ) .
ولكن؛ ليعلم أن هذه الأمور الثلاثة على الترتيب، لا يجوز أن ينتقل عن العتق؛ إلا إذا لم يقدر عليه، ولا يجوز أن ينتقل عن الصيام؛ إلا إذا لم يستطعه، وهذه أمانة في ذمته؛ فلا يجوز له أن يمس زوجته حتى يكفِّر هذه الكفارة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى .(99/10)
على أنه يجب على المسلم أن يحفظ لسانه عن ألفاظ الظهار؛ لأنها كما قال سبحانه وتعالى : { مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } [ سورة المجادلة : آية 2 ] ؛ فالظهار منكر وحرام وزور، لا يجوز للإنسان أن يتلفظ به، لكن إذا وقع هذا وتلفظ به؛ فإن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه الكفارة على الترتيب الذي ذكرناه .
وكونه يدّعي أنه في حالة غضب، لابدّ من مراجعة المفتي، أو القاضي بنفسه شخصيًّا ليعرف حقيقة الأمر . والله أعلم .
أحكام العدة
392 ـ المرأة المتوفى زوجها وهي في الحداد هل يجوز لها أن تغادر المكان الموجودة فيه للضرورة، ولو لمرة واحدة ؟
يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تعتد للوفاة في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه، ولا تنتقل عنه إلا لضرورة؛ كأن تخاف على نفسها، أو تحول منه قهرًا، أو يكون مستأجرًا وتنتهي مدة الإجارة، أو غير ذلك من الأعذار الضرورية، ولا يجوز لها الخروج منه للجيران أو للعمل؛ إلا إذا دعت لذلك ضرورة، فتخرج منه نهارًا وتعود إليه ليلاً؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم لامرأة متوفى عنها زوجها : ( امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، رواه الخمسة وصححه الترمذي [ رواه أبو داود في سننه ( 2/300 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 4/195، 196 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 6/199، 200 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/654، 655 ) ، ورواه الدارمي في سننه ( 2/221 ) ، ورواه الإمام مالك في موطأه ( 2/591 ) ] .
أحكام الرضاع
393 ـ امرأة لها أخوة من الرضاع، وزوجها يقول لها : لا تسلمي عليهم ولا تكلميهم إطلاقًا؛ بحجة أنه لا يعترف بالرضاعة؛ فما رأيكم ؟(99/11)
إذا حصلت رضاعة مستوفية للشروط؛ بأن تكون خمس رضعات فأكثر، وكانت في الحولين؛ ثبتت الحرمة، وصار المرتضع محرمًا للمرضعة وبناتها وأمهاتها وأخواتها، وأخو المرأة من الرضاع محرم لها، لا يجوز للزوج أن يمنع هذه المحرمية، ولا يمنع زوجته من السلام على أخيها من الرضاع وتكليمها له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/149 ) ] ؛ إلا إذا خُشيت فتنة؛ بأن كان هذا الأخ من الرضاع ليس على استقامة في عرضه، ويخشى على أخته من الرضاع منه؛ فإنها تمنع من مقابلته وخلوته بها .
394 ـ أرضعت أخًا لزوجي لمدة تصل إلى شهرين ونصف مع ابني الكبير، ولي أولاد كثيرون، وإخوة زوجي كثيرون أيضًا؛ فهل يصبح أبنائي وأعمامهم إخوة ؟ ولإخوة زوجي بنات؛ فهل يحرمن على أبنائي ؟ علمًا بأن أخا زوجي الذي أرضعته وإخوته الأكبر منه ليسوا من أم واحدة، بل كل واحد منهم له أم ؟
أما أخو زوجك الذي أرضعتيه؛ فإنه يكون ابنًا لك، ويكون أخًا لأولادك كلهم؛ الذكور والإناث، إذا كان الرضا دون الحولين، وبلغ خمس رضعات فأكثر؛ فإنه يكون ابنًا لك، وأخًا لأولادك؛ ذكورهم وإناثهم، من كان قبله ومن كان بعده، ولا يجوز لأبنائه أن يتزوجوا من بنات عمهم الذي هو زوجك .
أما بقية إخوته؛ فلا تعلق لهم بهذا الرضاع، يجوز لهم أن يتزوجوا من بنات عمهم ما شاءوا؛ لأنهم لا علاقة لهم بالرضاع الذي جرى بينكم وبين أحدهم، وإنما يختص هذا بالمرتضع وفروعه . والله تعالى أعلم .
395 ـ لي ابنة عم في سن الزواج، وأريد أن أتزوجها، لكن المشكلة هي ابن عمي الذي هو أخوها؛ فقد رضع من أمي عندما كانت ترضع أختي الأكبر مني؛ فهل رضاعة ابن عمي هذه تبطل زواجي من أخته شرعًا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .(99/12)
لا مانع من تزويج ابنة عمك، ولو كان أخوها رضع من أمك؛ فهذا لا يؤثر، مادامت هي لم ترضع من أمك، وأنت لم ترضعي من أمها؛ فلا علاقة بينكما، فيجوز لك أن تتزوجها . والله تعالى أعلم .
396 ـ أنا شاب أبلغ من العمر حوالي عشرين سنة، ميسور الحال والحمد لله، وأرغب في الزواج من ابنة خالي أو خالتي، ولكن فوجئت عندما قالت لي جدتي التي هي أم أمي بأنها أرضعتني مرات كثيرة عندما كانت والدتي مريضة؛ فهل يحل لي الزواج من ابنة خالي أو ابنة خالتي ؟ وهل يحرم على إخواني ما يحرم علي وهم لم يرضعوا من جدتهم ؟ مع العلم بأنني لم أرضع مع نفس خالي أو خالتي الذين أرغب الزواج من بناتهم، بل رضعت من شقيقتهم التي بينهم وبينها حوالي ثلاث إخوان، وهم من الأم نفسها؛ أي : أم أمي، والأب نفسه أب أمي ؟
مادام أنك رضعت من جدتك الرضاع المحرم، وهو خمس رضعات في الحولين؛ فإنه لا يجوز لك أن تتزوج بنت خالك أو بنت خالتك؛ لأنك تكون عمًا لها أو خالاً من الرضاع، وأيضًا تحرم عليك كل بنات خالك وبنات خالتك، لأن الحكم ينتشر على الجميع؛ لأن جدتك أصبحت أمًا للجميع؛ أمًا لخالك وخالتك من النسب وأمًّا لك من الرضاع، فتحرم عليك كل فروعها، أما بالنسبة لإخوانك الذين لم يرضعوا؛ فلا مانع أن يتزوجوا من بنات أخوالهم أو بنات خالاتهم، ولا يسري عليهم حكم رضاعك أنت .
397 ـ لي أخت، وقد أرضعت ابنها البكر مع ابن البكر؛ فهل يحرمن البنات اللواتي من بعد هذا الولد على أبنائي الذين من بعد ولدي البكر ؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير .
نعم ابن أختك الذي رضع من زوجتك يكون ابنًا لك من الرضاعة وتحرم عليه بناتك؛ لأنه صار أخًا لهن من الرضاعة، أما إخوته؛ فيجوز أن يتزوجوا من بناتك، وكذلك العكس، أبناؤك يجوز أن يتزوجوا من أخوات المرتضع اللاتي هن بنات أختك؛ لأنهم لا علاقة لهم بهذا الرضاع، إنما يقتصر تحريم الرضاع على المرتضع وعلى فروعه .(99/13)
398 ـ لي خالة هي شقيقة أمي، وقد أرضعت أمي أحد أولاد خالتي وهي في عصمة رجل آخر؛ أي : قبل أن تتزوج أبي، وأنا الآن أريد أن أتزوج أحد بنات خالتي؛ فهي يجوز، أم أني أصبحت خالاً للبنات من الرضاع، مع التأكيد أن أمي عندما أرضعت أحد الأولاد كانت في عصمة رجل قبل أبي، وقد سمعنا من بعض الناس أن الرضاع لا يحرم إلا الأولاد الذي يأتون بعد الرضاع، أما الأولاد الذي ولدوا قبل الرضاع؛ فلا يسري عليهم التحريم؛ فما صحة هذا الكلام ؟
الرضاعة تحرم ما تحرمه الولادة؛ للحديث، ولقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
فالرضاعة تحرم بدليل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين إذا كانت في الحولين وكانت خمس رضعات فأكثر، والمراد بالخمس الرضعات لا كما يفهمه بعض العوام من أن المراد بالرضعة أن يشبع الطفل ثم يرضع مرة ثانية حتى يشبع إلى أن يكمل خمس شبعات . . . لا؛ المراد بالرضعة هنا المصة، فإذا مصَّ الثدي، ثم تركه باختياره، ثم عاد إليه؛ فهذه رضعة ثانية، سواء تركه للتنفس، أو رغبة عنه، أو تركه للانتقال إلى ثدي آخر؛ فالمصة تعتبر رضعة، ثم إذا عاد والتقم الثدي ومصه مرة ثانية تعتبر رضعة ثانية . . . وهكذا إلى أن يكمل خمس رضعات .
وإذا رضع طفل من أمك خمس رضعات في الحولين؛ فإنه يصير ابنًا لها، ويصير أخًا لأولادها كلهم الذين جاءوا قبل الرضاع والذين جاءوا بعده، والذين هم من عدة أزواج؛ فكل ما ولدت هذه المرضعة من قبل الرضاعة أو بعد الرضاعة، سواء من رجل واحد أو من عدة أزواج؛ فإنهم يكونون إخوة لهذا الرضيع .(99/14)
وبالنسبة لسؤال السائل؛ فإن بنت خالته التي رضعت من أمه تعتبر أختًا له وأختًا لجميع أولاد أمه من أبيه ومن غير أبيه؛ فهي أخت لكم؛ لأن أمكم قد أرضعتها، وتكونون أخوالاً لبناتها؛ فلا يجوز لكم أن تتزوجوا من بنات هذه البنت التي رضعت من أمك؛ لأنكم بالنسبة لهن أخوال .
وبالنسبة لبنات خالتك اللاتي لم يرضعن من أمك؛ فلا مانع من الزواج بهن أو ببناتهن؛ لأن الرضاع إنما ينتشر على الرضيع وعلى فروعه فقط، ولا ينتشر على إخوانه وأخواته . والله أعلم .
399 ـ ما حكم رضاع الكبير ؟ وما هو حرمته ؟ وما الراجح في هذه المسألة ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا .
رضاع الكبير : هو إرضاع من عمره فوق الحولين؛ لقوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [ سورة البقرة : آية 233 ] ، وحكمه أنه لا يجوز، ولو وقع؛ فإنه لا ينشر الحرمة عند الجمهور .
أما قصة سالم مولى أبي حذيفة (1)">؛ فهي واقعة عين لا عموم لها . والله أعلم .
400 ـ ولد لي طفل، وعند ولادته أرضعته لي إحدى قريباتي وألقمته ثديها، وكان ذلك في الساعة الثانية عشرة مساءً، وفي صبيحة اليوم الثاني؛ ألقمته ثديها مرة أخرى؛ لأنه كان لا يرضى أن يلقم ثدي أمه، وعند ذلك أشارت أمي على زوجتي أن تعطي الطفل ثدييها كي يتعود عليها، ولا أدري كم مرة رضع طفلي من تلك السيدة الأخرى، وبعد سنتين أنجبت السيدة بنتًا، وابن الآن عمره 19 سنة، ويريد الزواج من تلك الفتاة، فقالت الأم : إن الفتاة أخت لولدي من الرضاعة؛ ما رأي فضيلتكم في هذا ؟ مع العلم أني لا أدري عدد الرضعات .(99/15)
الرضاعة ثابتة كما ذكرت، وإنما الشك في عدد الرضعات، فإذا كانت أرضعته خمس رضعات، والخمس معناها خمس مصات؛ بأن يمص الثدي، ثم يتركه، ثم يعود إليه . . . وهكذا، كل مرة تعتبر رضعة، إذا مص الثدي، وتركه لتنفس، أو لانتقال من ثدي لآخر، أو لغير ذلك، ثم عاد إليه مرة ثانية، تعتبر هذه رضعة ثانية، وقد تحصل الخمس رضعات في مجلس واحد، وقد تحصل في مجالس .
فإذا كان رضع خمس رضعات معلومات؛ فإن هذه البنت تحرم عليه؛ لأنها أصبحت أخته من الرضاعة، والله تعالى يقول في جملة المحرمات : { وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } [ سورة النساء : آية 23 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( تحرم الرضاعة ما تحرم الولادة ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 6/125 ) بلفظ : الرضاعة تُحَرِّم ما تحرم الولادة ] .
أما إذا لم يجزم بعدد الرضعات، مع اليقين بحصول الرضاع؛ فإن الأحوط ألا يتزوجها؛ تجنبًا للشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/19 ) ] ، وقال : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/200 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 7/205 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 8/328 ) ] ، والله أعلم .
401 ـ هل يجوز لي الزواج من ابنة خالتي؛ علمًا بأن أخاها الذي هو ابن خالتي رضع أكثر من خمس رضعات من جدتي والدة أمي وخالتي ؟ وهل يعتبر ابن خالتي في هذه الحالة أخًا لنا ؟
نعم؛ يجوز زواجك من ابنة خالتك التي لم ترضع من جدتك وإن كان أخوها رضع من جدتك؛ فلا علاقة لها برضاعة أخيها، إنما يختص هذا بالراضع، فيكون هذا الراضع خالاً لكم من الرضاع وابن خالتك، أما ابنة خالتك التي لم ترضع من جدتها؛ فإنه لا يتناولها التحريم، ولا ينتشر عليها حكم الرضاع؛ فيجوز لك الزواج منها .(99/16)
402 ـ ابنة خالي وأصغر مني بأربع سنوات، أريد الزواج منها، وقد علمت أن والدتي قد أرضعتها لمرض أصاب والدتها، وأريد بذلك إجابة في زواجي منها .
إذا كنت قد تأكدت أن والدتك أرضعتها؛ فلا يجوز لك أن تتزوج منها إذا كان عدد الرضاعة خمس رضعات في الحولين؛ فإنه لا يجوز لك أن تتزوج منها؛ لأنها أصبحت أختك من الرضاع، والله جلّ وعلا ذكر من جملة المحرمات الأخوات من الرضاعة، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/149 ) ] .
أما إذا لم تتأكد من صفة الرضاعة، ولا من وقتها، ولكن حصل فيه نوع شبهة وتردد؛ فالأحسن أن تتركها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/200 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 7/205 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 8/328 ) ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه . . . ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/19 ) ] .
على كل حال؛ النساء غيرها كثير، وعليك باجتناب الأمور المشتبهة، هذا إذا لم يثبت الرضاعة على الوجه المشروع، أما إذا ثبت وتوفرت فيه الشروط؛ ففي هذه الحال قطعًا لا يجوز لك أن تتزوج بها .
403 ـ امرأة أرضعت شقيقها، ما حكم الشرع في زواج أبنائهما ؟
إذا أرضعت المرأة أخاها الشقيق؛ صار ابنًا لها، وصار أولاده أولادًا لها، وتكون جدة لهم من الرضاعة، ويكون أولادها أخوة للمرتضع وأعمامًا لأولاده؛ فلا يجوز التزاوج بينهما في هذه الحالة؛ لأن أولاد المرضعة يكونون أعمامًا لأبناء الرضيع، وأولاد الرضيع يكونون أحفادًا للمرضع من الرضاعة وبناتها عماتهم .(99/17)
كتاب القصاص والجنايات والكفارات
404 ـ على أثر جدال بيني وبين زوجتي ضربتها فكسرت ضرسها، ولكن لم يُقلع من مكانه؛ هل يجب عليَّ القصاص ؟ وفي حالة اتفاقي مع زوجتي حول دفع تعويض عما سببته لها من الضرر؛ هل لديكم حل ؟ أفيدونا مأجورين .
لا ينبغي أن ينتهي النزاع إلى هذه الحالة؛ بحيث ينتهي إلى الضرب وإلى الجراحة أو الكسر، هذا لا يجوز بين المسلمين، وهو بين الزوجين أشدُّ شناعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالمعاشرة بالمعروف .
وقضية ما حصل من كسر السن وماذا يجب فيه؛ فالأمر في هذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن تصلحا فيما بينكما : إما بأن تسمح وتعفو عنك مجانًا، وهذا أفضل؛ لقوله تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ سورة الشورى : آية 40 ] ، وإما بأن تعفو على عوض وعلى ما تدفعه لها . هذا من باب الصلح، والصلح جائز بين المسلمين؛ إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً .
الحالة الثانية : أن يطلب في هذا التقاضي والدية الواجب دفعها لها، وهذا لابد فيه من الانتهاء إلى المحكمة الشرعية؛ لتنظر في القضية، وتقرر ما تستحقه هذه الجناية من مال .
405 ـ امرأة وضعت السم لزوجها في كوب شاي نتيجة مشاكل، فاعتذر الزوج عن شرب اللبن، فشربته ابنتهما التي أحضرت الكوب وهي لا تعلم ما فيه من سم، فماتت البنت؛ فهل تحاسب الزوجة بموت البنت وهي غير مقصودة ؟ وهل يعد هذا قتل خطأ أو عمد ؟ وهل عليها كفارة في الحالتين ؟
هذه جريمة عظيمة والعياذ بالله .
والله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس بغير حق؛ قال سبحانه وتعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ سورة النساء : آية 93 ] .(100/1)
وعدَّ القتل بغير حق قرينًا للشرك؛ قال تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلا مَن تَابَ } [ سورة الفرقان : آية 68-70 ] .
والآيات في هذا كثيرة .
ولا يجوز قتل المسلم إلا بالحق، سواء قتله بسلاح أو قتله بسم أو بأي شيء قاتل؛ فإنه يتناوله هذا الوعيد الشديد وهذا التحريم والعياذ بالله .
وما أقدمت عليه هذه المرأة السائلة من وضع السم لزوجها بقصد قتله جرم عظيم، وهي تذكر أن الزوج امتنع عن شرب اللبن المسموم، وشربته البنت فماتت .
نقول : كان الواجب عليك أن تأخذي هذا اللبن وتبعديه، ولكن كونك تركتي البنت تشربه وأنت تعلمين أن فيه سمًّا؛ هذا معناه إقرار هذا الشيء، ومعناه السماح لهذه البنت بشرب السم، وتركك له تسبب لقتلها؛ فالأمر خطير جدًّا، والواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى .
406 ـ وقع عليَّ حادث قبل عدة سنوات نتج عنه وفاة شخص، وقد دفعت جزءًا من الدية لورثته، وتنازلوا عن الباقي، ولكن قيل لي : إنه يلزمني كفارة، ويه صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا، فأما الصيام؛ فلا أستطيعه لكوني موظفًا حكوميًّا، وفي عمل لا أستطيع الجمع بينه وبين الصيام، وفي حاجة إلى مواصلة العمل؛ فهو مصدر رزقي بعد الله، ولكن أسأل : هل أعدل إلى الإطعام ؟ وما هي كيفيته ؟ وما العمل لو كنت عاجزًا حتى عن الإطعام في الوقت الحاضر؛ هل يبقى دينًا في ذمتي إلى وقت قدرتي عليه أم أعفى منه ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .
قال الله سبحانه وتعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ سورة النساء : آية 92 ] .(100/2)
فمن قتل مؤمنًا خطأ أو قتل معاهدًا؛ فإنه يجب عليه الكفارة، وهي كما بينها الله سبحانه وتعالى على الترتيب بين شيئين : الشيء الأول عتق رقبة، فإن وجد الرقبة، وقدر على شرائها؛ وجب عليه أن يعتقها، أو كانت في ملكه؛ فإنه يجب عليه أن يعتقها؛ كفارة عما وجب عليه، وإذا لم يستطع العتق؛ فإنه يصوم شهرين متتابعين، وليس هناك شيء ثالث؛ فالإطعام غير مذكور في كفارة القتل، وإنما جاء في كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان، أما القتل؛ فليس فيه إلا خصلتان على الترتيب : الأولى العتق، والثانية الصيام .
وإذا كان حالك كما ذكرت، لا تستطيع أن تصوم لمواصلة العمل ولحاجتك طلب الرزق الذي تسد به حاجتك؛ فهذا لا يسقط عنك الصيام، وإنما يبقى في ذمتك، وتتحين الفرص التي يمكن أن تصوم فيها، وتستطيع ذلك مثل الشتاء ووقت البرد الذي تستطيع أن تجمع فيه بين الصيام والعمل، فتؤخر الصيام مثلاً إلى فصل الشتاء، وتصوم، وهذا شيء يجب عليك؛ كما أنك تصوم رمضان وأنت تعمل؛ كذلك يجب عليك أن تصوم صيام الكفارة وأنت تعمل؛ لأن كلا الصومين واجب عليك شرعًا .
407 ـ كان لي أخ صغير يبلغ من العمر سنة، وقد توفي على إثر شربه شيئًا من الجاز كانت أخته قد وضعته أمام الباب دون علم الوالدة، فتناوله الطفل، وشرب منه، ثم توفي، ومن شدة حزن الوالدة عليه شربت من ذلك المشروب لتجرب هل يؤثر عليها كما أثر على ولدها أم لا؛ فهل عليها شيء في شربها، وهل عليها كفارة بسبب وفاة ولدها نتيجة شربه ذلك أم لا ؟
أولاً : نوجه بأن الأطفال ينبغي العناية بهم ورعايتهم وإبعادهم عما يضرهم؛ فلا يتركون أمام شيء أو عند شيء فيه خطر عليهم .
وأما ما ورد في السؤال من أنه وضع إناء فيه جاز، وشرب منه طفل، ومات على إثر ذلك؛ فهل على والدته شيء ؟(100/3)
إن كانت والدته مفرطة بأن تركته عند هذا المشروب الضار وشرب منه؛ فإن عليها عتق رقبة إن أمكن، فإن لم يمكن؛ فإنها تصوم شهرين متتابعين كفارة عن تفريطها في هذا الطفل .
أما إذا لم تكن مفرطة؛ بأن تركت الطفل في مكان بعيد، وجاء هو وشرب من هذا؛ فإنه لا شيء عليها؛ لأنها لم تفرط .
أما ما ورد في السؤال من أن الوالدة شربت من هذا الشراب الذي شرب منه الطفل وقتله لترى هل هو يقتل أو لا؛ فلا يجوز لها ذلك؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا ضارًا للتجربة، وأنا أعتقد أنها فعلت ذلك من باب الحنان والعطف على الطفل؛ لما في نفسها من وفاة ولدها بهذا الشراب، فأرادت أن تخفف عن نفسها وترى هل هذا يضر أو لا يضر، ولكن أخطأت في هذا، حيث إنها عرضت نفسها للخطر، والله تعالى يقول : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ سورة البقرة : آية 195 ] ، والقدر نفذ، والحمد لله؛ فعليها أن تصبر وتحتسب، وعليها كما ذكرنا إذا كانت متساهلة أو مفرطة أن تكفر . والله تعالى أعلم .
408 ـ لقد حصل أن صدمت طفلاً عمره سنة، وتوفي في ساعة الحادث، وكنت أسير بسرعة أربعين كيلو مترًا في الساعة، وقدّر المرور عليَّ خمسين بالمئة من الخطأ؛ ماذا يجب عليَّ ؟ هل الصوم أم الإطعام أم الإعتاق ؟ إذا كان علي صوم؛ فإنني لا أستطيع الصوم شهرين متتابعين؛ لأنني مريض، ومرضي في القلب، ولا أستطيع أن أصوم أكثر من عشرة أيام متتابعة؛ فهل أصوم وأفطر حسب مقدرتي ؟
ما ذكره السائل من أنه دهش طفلاً بالسيارة، فقتله، وقرر عليه نسبة 50% من الخطأ؛ فهذا يوجب عليه الكفارة التي ذكرها الله تعالى بقوله : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلى قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] .(100/4)
فالدية تجب على عاقلة القاتل، والكفارة تجب عليه، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، وإذا كان في الوقت الحاضر لا يستطيع التكفير لا بعتق ولا بصيام؛ فإن الكفارة تبقى في ذمته حتى يستطيع . والله أعلم .
409 ـ حصل حادث مروري منذ ما يقارب من تسع سنوات، ونتج عنه وفاة شخصين، وقد قرر المرور على أحد السائقين نسبة 60% ولم يقم السائق بعمل الكفارة خلال الفترة المذكورة، نأمل الإفادة : ماذا يعمل أثابكم الله ؟
من تسبب في قتل شخص معصوم الدم خطأ؛ فإن عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، سواء انفرد بقتله أو اشترك مع غيره، ولو بنسبة قليلة؛ لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ . . . } إلى قوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] ، ولو مضى على القتل مدة طويلة؛ فإن الكفارة واجبة في ذمته، لا يسقطها تقدم السبب . والله أعلم .
410 ـ أنا رجل يتجاوز عمري الآن 47 عامًا، وقبل 15 عامًا تسببت في وفاة شخص بحادث سيارة، ومن المعروف أنه يلزمني عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، لكنني مصاب بمرض السكر وضعف في النظر، وعند صيامي شهر رمضان أشعر بأن نظري يضعف وجسمي يزداد إرهاقًا، ويصعب عليَّ ممارسة العمل مع ذلك وتوفير لقمة العيش لأولادي، ولا أستطيع عتق رقبة لظروفي المادية . أرجو إرشادي ماذا أعمل وفقكم الله ؟
المتعين عليك أولاً العتق، فإن لم تستطع العتق؛ وجب عليك صيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } إلى قوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] .(100/5)
وإذا كنت في الوقت الحاضر لا تستطيع التفكير بما ذكر؛ فإن الكفارة تبقى في ذمتك حتى تستطيع، فإن استمر عجزك عن ذلك؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن مهما أمكنك إبراء ذمتك؛ فافعل . والله يعينك .
411 ـ سائل يقول : إنه كان يرتكب كبيرة من الكبائر التي تستوجب حدًّا شرعيًّا على فاعلها، ولكنه عزم على التوبة الصادقة، وندم على ما مضى، وعزم على الحج؛ فيسأل : هل يُسلِّم نفسه للقضاء الشرعي ليقام عليه الحد، أم تكفي توبته الصادقة، ويستره الله في الدنيا والآخرة ؟ فما رأيكم في هذا حفظكم الله ؟
يجب عليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة، وأن يلتزم بدينه، فيؤدي ما أوجب عليه من العبادة والواجبات الشرعية، ويتجنب ما حرم الله تعالى عليه من المحرمات، وأن يصدق في هذه التوبة، والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب، ولا يتعين عليه إذا لم يكن الحد لمخلوق أن يُسلم نفسه إلى السلطة لإقامة الحدِّ عليه، فتكفي توبته إذا صدقت وصلحت واستقام على دين الله وآمن وعمل صالحًا في مستقبل حياته؛ فإنه إن شاء الله يكفيه هذا، ولا يلزمه – بل ولا يستحسن – أن يسلم نفسه أو يذهب إلى السلطة ليعترف بما وقع له من الذنب؛ فليستتر بستر الله عزّ وجلّ، مع التوبة الصادقة والعمل الصالح .
412 ـ بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا وفاة أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء أو يلزمهم كفارة ؟
إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه في هذا يكون عليه مسؤولية، يكون عليه الكفارة والدية أيضًا على عاقلته؛ لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ، أما إذا كان الطبيب مثلاً خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تتحمل هذا الشيء، ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليهم في ذلك، وليس عليهم ضمان ولا كفارة .(100/6)
كتاب الحدود والتعزيرات
السرقة
413 ـ أنا أقوم أحيانًا بأخذ بعض المال من غرفة أم زوجي، وأعطيه والدتي وإخوتي لحاجتهم إليه، وآخذ ما يسقط منهم، وبعض أدوات المنزل، مع العلم أن زوجي لا يعلم، وأن والدة زوجي تشك في الأمر ولم تخبر زوجي؛ هل عملي هذا يوجب قطع يدي ويغضب ربي، وإن كان كذلك؛ فكيف أتوب إلى الله ؟ مع العلم أني أصلي وأزكي وأحب الخير .
ملاحظة أرجو الإجابة مع الدليل من الكتاب والسنة .
والمبالغ أخذت في جملتها تقريبًا ( 6000 ريال ) في خلال سنة ونصف .
الواجب عليك رد المال الذي أخذته إلى أصحابه مهما أمكن ذلك، ولو بواسطة أحد، أو رد قيمته، مع طلب السماحة منهم، ومع التوبة الصادقة إلى الله تعالى، وعدم العودة إلى مثل هذا العمل، والمفترض في المسلم والمسلمة الأمانة وعدم الخيانة .
وعلى كل حال؛ فباب التوبة مفتوح، ورد المظالم إلى أهلها واجب مهما أمكن ذلك، مباشرة أو بواسطة :
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كانت عنده لأخيه مظلمة؛ فليتحلل منه إليهم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كانت له حسنات؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلومين، وإن لم يكن له حسنات؛ أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه فطرح في النار ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/99 ) بنحوه ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ثم يأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة؛ أخذ من سيئات المظلومين، فطرحت عليه، فطرح في النار ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 4/1997 ) ] .
414 ـ أخذت نقودًا يوم كنت صغير السن وأجهل بالأحكام؛ فقد أخذتها وتصرفت فيها، والآن أريد أن أبرئ ذمتي منها؛ فماذا أفعل ؟(101/1)
يلزمك إذا كنت تعرف صاحبها أن تردها إليه وأن تستبيح منه ما حصل منك من إساءة، وإذا كان صاحبها ميتًا؛ فإنه يجب عليك ردها إلى وارثه، أما إذا كنت لا تعلم صاحبها؛ فإنه يتعين عليك حينئذ أن تتصدق بها على نية أن الأجر لصاحبها مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من مثل هذا؛ لأن أموال الناس لا يجوز التعدي عليها، ولا أخذها بدون رضاهم، وهذا ظلم وعدوان؛ فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وترد المال إلى صاحبه أو وارثه، فإن لم تستطع؛ فعليك أن تتصدق به وتبرئ ذمتك منه . والله أعلم .
الأيمان والنذور
415 ـ لقد منَّ الله عليَّ واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها، وذلك منذ ثلاث سنوات، بمبلغ ألفي جنيه، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله عليّ نذرت أنني عند بنائها سأعلم الطابق الأرضي كله مسجدًا، ويكون البيت في الدور العلوي، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي : نذرت أن أعمل هذا العمل، ولكنني وجدت أن إمكاناتي المالية لن تسمح لي بالبناء ؛ نظرًا لتكاليف البناء الكبيرة، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه الأرض إن شاء الله؛ فأرجو إفادتي ماذا أفعل في هذا النذر ؟ ولو بعت هذه القطعة؛ فهل النذر يسقط عني أم لابدّ من عمل شيء بدلاً عنه ؟ ثانيًا بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة؛ هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط ومن تاريخ شرائها أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به ؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير .
الذي يظهر من سؤالك أنك نذرت أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأنك نذرت هذا النذر شكرًا لله على أن يسر لك هذه الأرض، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها، وتسأل : هل يجوز لك بيعها ؟(101/2)
لا؛ لا يجوز لك بيعها؛ لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأن تجعل ما فوقه سكنًا؛ فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر؛ فإنك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها، وتنفذ ما نذرت؛ لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته، فإذا يئست من ذلك، ويئست من القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر؛ حين ذاك تسأل أهل العلم، أما الآن؛ فالذي أراه أنك تنتظر، ولا زكاة فيها في مدة الانتظار؛ لأنك لم تعدها للتجارة . والله أعلم .
416 ـ نذرت لئن أراد الله ووصلت إلى الديار المقدسة وزرت البيت الحرام أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد أديت فرضي والحمد لله، ولكن نظرًا لظروف عملي؛ فلم أستطع إكمال الصيام؛ فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ؟ وإذا لم أستطع؛ فهل يجزئ عني كفارة ؟ وما هي ؟ أفيدوني حفظكم الله .
أولاً : ننبه إلى أن النذر لا ينبغي للإنسان أن ينذر؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : ( إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1261 ) ] فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، بل ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر، ولا يلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويحملها واجبًا ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثم بعد ذلك يحرج ويطلب المخارج؛ فهذا يجب عليه أن يحذر منه من البداية، وأن لا ينذر .
لكن؛ إذا نذر وعقد النذر، وهو نذر طاعة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يُطيع الله؛ فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/233 ) ] .
وقال تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ سورة الإنسان : آية 7 ] .(101/3)
ويقول تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } [ سورة البقرة : آية 270 ] .
ويقول تعالى : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } [ سورة الحج : آية 29 ] .
فإذا نذر الإنسان نذر طاعة ونذر تبرر؛ وجب عليه أن يؤديه؛ لأنه أوجب على نفسه، فوجب عليه أداؤه .
وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر – رجب وشعبان ورمضان - : أما رمضان؛ فهذا واجب عليها بأصل الشرع أن تصومه، وقد نذرته، فيكون واجبًا عليها من ناحيتين : بأصل الشرع، وبالنذر، وهذا لابدّ لها من صيامه . وأما صيام رجب وشعبان؛ فهذين يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، فيجب عليها أن تصوم مادامت نذرت صيامهما؛ لأن هذا نذر طاعة .
فإذا كانت عينت سنة معينة؛ قال : من سنة كذا؛ فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعينة . أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معينين من سنة؛ فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمر عليها .
الحاصل أنه لابدّ لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة؛ لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم مادامت تستطيع الصيام، ولا يجزئ عنها أن تصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت .
417 ـ أنا إنسان عصبي جدًّا، فأكثر من الحلف بالله عندما أغضب، أحيانًا أقسم بأن أفعل شيئًا ثم لا أفعله، وأحيانًا أقسم بأن لا أفعل شيئًا ثم أفعله، ولا أعرف كم عدد المرات التي أقسمت بها، وقد عاهدت الله في صلاتي بأن لا أعود مرة أخرى إلى ذلك الشيء، وأنني لا أقسم عندما أكون غاضبًا جدًّا، وإذا أقسمت وأنا بحالتي هذه أنفذ القسم؛ ما حكم القسم في المرات التي لا أبر بها، علمًا بأنني لا أعرفها ؟ وبماذا تنصحونني جزاكم الله خيرًا ؟
الحلف بالله أمره عظيم، يجب احترامه، ولا يجوز الإكثار من الحلف .
قال الله تعالى : { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] ؛ قيل : معناه : لا تحلفوا .(101/4)
وقال تعالى : { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ } [ سورة القلم : آية 10 ] .
فعليك بالتوبة من ذلك، وأن لا تحلف إلا عند الحاجة إلى الحلف، وإذا حلفت؛ فبر بيمينك، وإذا حنثت في اليمين؛ فكفر عنها إذا كانت مما يشرع منه الكفارة، وهي اليمين التي تكون على شيء مستقبل ممكن، كأن تحلف لتفعلن كذا أو لا تفعل كذا، ثم خالفت يمينك، أما اليمين على الماضي وأنت كاذب؛ فهي اليمين الغموس التي ليس فيها كفارة، وإنما فيها التوبة إلى الله، وعدم العودة إليها .
ومادمت لا تعرف نوع الأيمان التي حلفتها سابقًا، وهل هي مما تشرع فيه الكفارة أو لا، ولا تعرف عددها؛ فالواجب عليك التوبة والاستغفار وحفظ اليمين في المستقبل، وليس عليك غير ذلك . والله أعلم .
418 ـ امرأة تقول : ما هي اليمين الغموس ؟ وما هي الكفارة ؟ وإنني مريضة نفسيًّا، وأتعالج عند طبيب نفساني، وأضطر أحيانًا بالحلف بالقرآن الكريم لأمنع نفسي من عمل شيء لا أريده، وأكثر الأحيان أحنث باليمين، وأخشى أن أكون قد وقعت باليمين الغموس . أرجو الإفادة .
إن اليمين بالله عزّ وجلّ أمرها خطير، ولا ينبغي للمسلم أن يتساهل في شأن اليمين ويكثر من الأيمان من غير داع إلى ذلك، بل ينبغي للمؤمن عدم الحلف إلا عند الحاجة، ولا يحلف على صدق وعلى بر، والله جلّ وعلا يقول : { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ } [ سورة القلم : آية 10 ] ؛ يعني : كثير الحلف، وكثرة الحلف من صفات المنافقين، وقد أخبر أنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون؛ فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن كثرة الأيمان، وأن لا يعوِّد لسانه ذلك؛ لأنها مسؤولية كبيرة، ولا يحلف إلا عند الحاجة .(101/5)
أما اليمين الغموس التي سألت عنها؛ فهي أن يحلف بالله على أمر ماضٍ كاذبًا متعمدًا، كأن يحلف أنه ما صار كذا وكذا، ولا كان كذا وكذا، أو يحلف على سلعة أنه اشتراها بكذا، وأنها سليمة من العيوب وهي غير سليمة . . . وما أشبه ذلك؛ فهذه هي اليمين الغموس، وهي من كبائر الذنوب، وسميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار .
وهذه اليمين أكثر ما تقع من الذين يبيعون ويشترون؛ ليغرروا بها الناس؛ وليصدقوهم، وليروجوا سلعهم بذلك .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن اليمين منفقة للسلعة ممحقة للبركة ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/12 ) ، بلفظ : الحلف . . ] وذكر الوعيد على الشخص الذي لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه؛ فهذه هي اليمين الغموس، وهذه ليس لها كفارة؛ يعني : لم يشرع لها كفارة مالية أو صيام، وإنما كفارتها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما حصل منه، وأن لا يعود إلى الحلف بهذه اليمين .
وأما ما ذكرت السائلة من أنها تحلف بالقرآن، وأنها تكرر منها ذلك، وأنها تخالف يمينها؛ تحلف بالقرآن على أن لا تفعل كذا أو أن تفعل كذا . . .
نقول : الحلف بالقرآن لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهو صفة من صفاته، والمسلم يحلف بالله أو بصفة من صفاته سبحانه وتعالى؛ ككلامه وسائر صفاته التي وصف بها نفسه أو وصفها بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك كلام الله عزّ وجلّ، وهو القرآن .
ولكن كما ذكرنا ينبغي للمسلم أن لا يتسارع إلى الحلق واليمين، وأن يمتنع عن الأمور المحظورة من غير حلف، وأن يفعل الطاعات من غير حلف؛ لأن الحلف مسؤولية عظيمة وخطر كبير .(101/6)
أما ما صار من السائلة من أنها حلفت بالقرآن وخالفت يمينها؛ فإنها يكون عليها الكفارة إذا حلفت على أمر مستقبل ممكن أن تفعله، أو على أمر مستقبل أن لا تفعله، ثم خالفت يمينها؛ فإنها تكفِّر؛ كما قال سبحانه وتعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 89 ] .
فكفارة اليمين تجمع بين أمرين : تخيير وترتيب : أما التخيير؛ فبين خصال ثلاث هي : العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور؛ فإذا لم يقدر على واحدة منها؛ فإنه يصوم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } [ سورة المائدة : آية 89 ] . .
فهذه كفارة اليمين المنعقدة التي قصد الحالف عقدها على أمر ممكن . والله أعلم .
419 ـ في ذات يوم وأنا أعمل مع زميلاتي؛ قلت لهن : إذا نجحت ابنتي؛ فسوف اذبح لكم عجلاً، ولكن حصل أن انتقلت من ذلك البلد إلى بلد آخر بعيدًا عنه، وفعلاً نجحت ابنتي، والحمد لله؛ فماذا أعلم في هذا النذر ؟ هل يجوز أن أذبح العجل وأتصدق بجزء منه على الفقراء أم لابد أن يكون لزميلاتي كما ذكرت وقت النذر ؟ وهل يجوز لي ولأهلي الأكل منه أم لا ؟(101/7)
إذا كنت نذرت ذبح العجل على أن تتصدقي بلحمه على زميلاتك؛ لأنهن فقيرات؛ فهذا نذر طاعة، يجب الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/233 ) ] ؛ فيجب عليك ذبح العجل وتوزيع لحمه على زميلاتك الفقيرات .
أما إذا كان هذا من باب ما يجري بين الرفقة من الوعد : أنه إذا حصل له كذا؛ يعمل لهم دعوى، ويعمل لهم وليمة أو حفلة؛ فهذا يعتبر من الأمور المباحة، من شاء فعلها، ومن شاء تركها؛ لأنه من المواعيد فقط .(101/8)
كتاب القضاء
420 ـ ماذا يعني اجتهاد القاضي في تعزير العاصي ؟
يُعزِّر هذا العاصي أو هذا المذنب حسبما يراه كافيًا من الزجر والتعنيف والكلام أو من الضرب أو من السجن أو غير ذلك مما يراه القاضي رادعًا عن هذه المعصية .
البينات والدعاوي ( الخصومات )
421 ـ لي أخ شقيق، وهو ميسور الحال، وأنا فقير إلى الله، طلب مني في يوم من الأيام أن أقوم بمسح أرض لنا، على أن نقيم عليها بيتين؛ بيتًا لي وبيتًا له، ولعدم قدرتي على تكاليف البناء؛ وافقت معه، وقد عملت في بيته حتى أوشك على الانتهاء، فطلبت منه أن نبدأ في بناء بيتي حسب الاتفاق، ولكنه رفض وضرب بالاتفاقية التي بيننا عرض الحائط؛ علمًا بأنني شاركت في بناء بيته بجهدي وهو بالمال، والأرض التي أقيم عليها البيت عائدة لوالدنا، وقد ورثها عن والده؛ فهل يحق لي أن أطالبه بنصف البيت أو لا ؟ وله يحق لوالدنا أن يعطيه صكًّا شرعيًّا على الأرض بعد علمه بما حصل بيننا أم أستحلفه على عدم الاتفاق بيننا؛ علمًا بأنه اتفاق شفهي فقط، ولا يوجد ما يثبته كتابة ولا شهودًا ؟
هذه القضية فيها طرفان، أو فيها ثلاثة أطراف : أنت وأخوك والوالد، وفيها نزاع، وهذا مرده إلى القاضي؛ فعليك أن ترجع إلى القاضي يتولى فصل النزاع فيها . والله الموفق ؟
422 ـ ما رأي فضيلة الشيخ من انشغالي بالمحاماة؛ من حيث الترافع أمام المحاكم المدنية للدفاع عن القضايا المدنية والتجارية التي بها شبهة الربا ؟ تفضلوا حفظكم الله بالإجابة .
لاشك أن كون الإنسان ينوب عن غيره في الخصومة لا بأس به، ولكن الشأن في نوعية الخصومة :
فإذا كانت بحق والنائب إنما يدلي بما عنده من حقائق، ليس فيها تزوير ولا كذب ولا احتيال، وهو ينوب عن صاحب القضية لإبداء ما معه من البيِّنة والبراهين على صدق ادعائه أو دافع به؛ فهذا لا بأس به .(102/1)
أما إذا كانت الخصومة في باطل، أو يخاصم النائب أو الوكيل عن مبطل؛ فهذا لا يجوز؛ فالله جلّ وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا } [ سورة النساء : آية 105 ] .
وكلنا يعرف أنه إذا كانت القضية قضية حق، ولا يستعمل فيها شيء من الكذب والتزوير؛ فهذا شيء لا بأس به، خصوصًا إذا كان صاحب القضية ضعيف، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو لا يستطيع إقامة الدعوى لحقه؛ فكونه ينيب من هو أقوى منه جائز في الشرع . والله تعالى يقول : { فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } [ سورة البقرة : آية 282 ] ؛ فالنيابة عن الضعيف لاستخراج حقه أو دفع الظلم عنه شيء طيب .
أما إذا كان خلاف ذلك؛ بأن كان فيه إعانة لمبطل، أو دفاع عن ظالم، أو بحجج مزيفة ومزورة، والوكيل أو النائب يعلم هذا، أو القضية من أصلها باطلة، وكالنيابة في أمر محرم؛ كالربا؛ فهذا لا يجوز؛ فلا يجوز للمسلم أن يكون نائبًا أو وكيلاً في باطل، ولا محاميًا في المعاملات الربوية؛ لأنه يكون معينًا على أكل الربا، فتشمله اللعنة .
الشهادات
423 ـ في يوم من الأيام ذهبت إلى المملكة لقضاء غرض لي فيها، وبينما أنا جالس؛ طلب مني قاضي المحكمة أن أشهد على طلاق، وقال لي : فلان يريد أن يطلق زوجته، ونريد أن تشهد على هذا الطلاق، وفعلت ذلك، شهدت وأنا لا أعرف شيئًا عن أسباب الطلاق، ولا عن الزوجين، ولا حتى شهادتهم، ولكني شهدت على الطلاق؛ هل عليَّ من حرج ؟
لا حرج عليك في ذلك؛ لأنك تشهد على لفظ الزوج وما صدر منه من الطلاق ولو لم تعرفه ولم تعرف زوجته، مادام أنه عند القاضي وفي المحكمة؛ فإن هذا شيء منضبط، وأنت تشهد على ما سمعت من هذا الشخص عند القاضي؛ فلا حرج عليك في ذلك إن شاء الله .(102/2)
424 ـ طلب مني أحد أصدقائي أن أشهد معه في المحكمة على استخراج حجة استحكام على داره، فذهبت معه للمحكمة، وعندما وصلت إلى القاضي؛ فوجئت أن الشهود الذين شهدوا قبلي قالوا في شهادتهم : إن صاحب المنزل يملكه منذ ستة عشر عامًا، وهو لا يملك المنزل إلا منذ ست سنوات، وكنت وقتها في موقف حرج؛ فلا أحب أن أنفي شهادتهم، فأعقد موضوع الصك، فشهدت على صحة شهادة الشهود الأولين؛ فهل هذه الشهادة تعتبر زورًا ؟ وما هي كفارتها ؟ علمًا بأنه لا يوجد أي معارض في منزل المتقدم للحجة، بل المنزل ملكه، وإنما الاختلاف في المدة فقط، أفيدوني أثابكم الله .
أخطأت في هذا التصرف حيث لم تبين الحق في الشهادة، وقد وافقتهم وأنت تعلم خطأهم، وهذه شهادة زور في زيادة المدة، والواجب عليك أن تبين :
لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } [ سورة المائدة : آية 8 ] .
ويقول سبحانه وتعالى : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [ سورة النساء : آية 135 ] .
فالواجب عليك أن تبين الحق في هذا الموقف .
أما وقد حصل ما ذكرت؛ فإن الذي يجب عليك أن تذهب إلى القاضي الذي جرى على يده هذا التوثيق، وتبلغه بالحقيقة؛ ليتلافى القاضي ما حصل بموجب هذه الشهادة .
هذا الذي يجب عليك إن كان يترتب على هذه الزيادة في المدة حق شرعي، وإلا : فالواجب عليك التوبة على الله، وأن لا تعود لمثل هذا العمل .(102/3)
الجامع لأحكام النساء
425 ـ هل من كلمة جامعة توجهها للمرأة المسلمة والتي أصبح شغلها الشاغل الركض وراء الأسواق والتقصير في حقوق كثيرة في سبيل المحافظة على ذلك ؟
الكلمة التي أوجهها نحو المرأة المسلمة : أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها وأولادها، فتقوم بأعمال بيتها وتربية أولادها وحقوق زوجها، وأن تتعلم أمور دينها، وأن تحافظ على أداء فرائض الله، وتكثر من النوافل والتصدق بما تستطيع، وأن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، مع التستر الكامل، وترك الطيب والزينة عند الخروج، وأن لا تركب وحدها مع سائق غير محرم، وأن لا تزاحم الرجال وتختلط بهم، وأن لا تدخل على الطبيب وحدها بدون أن يكون معها محرم، وأن لا تسافر بدون محرم، وأن تعالج عند طبيبات من النساء ولا تعالج عند الأطباء الرجال؛ إلا بشرطين : الأول : أن لا تجد طبيبة امرأة، الثاني : أن تكون مضطرة للعلاج، وأن تبتعد عن التشبه بالرجال وعن التشبه بالكافرات في شعرها ولباسها وزيها، وأن تبادر إلى الزواج إذا لم تكن قد تزوجت ولا تبقى بدون زوج، وأن تتنازل عن كثير من مطامعها إذا وجدت الزوج الصالح، ولذلك على المرأة المسلمة أن لا تلتفت إلى الدعايات المغرضة التي تريد أن تسلب المرأة كرامتها وعفتها، فتدعوها إلى الخروج على الآداب الشرعية والتمرد على ولي أمرها الذي ينظر في مصلحتها، وعليها بالبر بوالديها وصلة أرحامها وإكرام جيرانها وكف الأذى عنهم، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآل وصحبه .(103/1)
426 ـ فضيلة الشيخ صالح الفوزان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : نشكر لكم جهودكم في خدمة الإسلام وأهله، راجين من الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم، ونحن العوام لابد لنا من الرجوع إلى العلماء في كل ما يشكل علينا؛ فنحن طالبات من الجامعة، نرجو من فضيلتكم الإجابة على بعض الأسئلة الخاصة بالمرأة، خصوصًا في مسائل في قص الشعر وغيره؛ لما في ذلك الموضوع من الأهمية؛ فقد انتشر بين النساء قصات غربية بحتة، وأفكار مستوردة مخالفة للعقيدة ومشابهة للكفار وأفعالهم، ولو كانت المسألة نسبية؛ لكان الأمر أهون، ولكن عمت هذه البلوى وطمت، حتى بين بعض طالبات العلم نسأل الله العافية؛ إلا من رحم الله؛ فنريد أن نقتطع من وقتكم الثمين، ونثقل كاهلكم بهذه الأسئلة؛ راجين أن نجد قبولاً لديكم من أجل المصلحة العامة، ونرجو منكم بعد الانتهاء منها السماح لنا بطباعتها في شكل كتيب صغير وتوزيعها حتى تعم الفائدة .
من هذه الأسئلة
427 ـ ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط ؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء .
تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة .
أما إذا كان مصحوبًا بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن؛ فهذا محرم لا يجوز .
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] ، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك؛ بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها، أو كفيها؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة .(103/2)
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عزّ وجلّ أن تتقي الله، وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، تجنب هذا الأمر، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال؛ فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه .
428 ـ ما حكم مراسلة الفتيات بالبريد ؟ وما حكمها إذا كانت مفيدة؛ مثل مراسلة أديبة أو شاعرة ؟
مراسلة الفتيات؛ الأصل فيها أنها لا تجوز إذا كانت من رجال غير محارم لهن؛ لما يترتب عليها من الفتنة والمحاذير، ولو كانت الفتاة أديبة أو شاعرة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأغلب ما تحصل النتائج الوخيمة بسبب المراسلة بين الشباب والشابات والتعارف المشبوه .
429 ـ هل يجوز للنساء الذهاب للمساجد والمحاضرات ؟
نعم؛ يجوز للنساء الذهاب للمساجد والمحاضرات، لكن مع التستر؛ بأن يكن متأخرات عن الرجال؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخروهن حيث أخرهن الله ) [ رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ( 3/149 ) ] ، وقال : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/326 ) ] .
فإذا ذهبن للمساجد والمحاضرات الدينية وكنَّ منعزلات عن الرجال؛ فهذا شيء طيب .
وينبغي للداعية أن يخص النساء بموعظة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم خص النساء بموعظة، ولما خطب في الرجال خطبة العيد؛ ذهب إلى النساء متوكئًا على بلال، وخطب النساء خطبة خاصة بهن (1)؛ فهذا دليل على أن النساء يحتجن إلى موعظة، وإلى محاضرة .
والمحذور يمكن التغلب عليه بأن يجعل ستارة بين المحاضر وبين النساء ولا يراهن، وإنما يسمعن كلامه وهو يسمع أسئلتهن ويجيب عليها مع وجود الساتر والحائل .(103/3)
430 ـ أخرج أنا وزوجتي للسوق لشراء حاجات خاصة بها أو بالمنزل، وتخرج معي وهي ترتدي الحجاب كاملاً والحمد لله، ولا تخاطب أحدًا من البائعين؛ فهل في خروجها هذا إثم أم لا ؟ أفيدوني أفادكم الله .
خروج المرأة لشراء الحاجات من السوق إذا لم يكن هناك من يقوم بشرائها لا بأس به مع التستر الكامل والبعد عن مخالطة الرجال والكلام معهم كلامًا لا حاجة إليه، وإذا كان معها رجل من محارمها؛ فهذا أتم وأحسن، أما إن كان هناك من يقوم بشراء الحاجات؛ فلا داعي لخروجها؛ لما في الخروج من الفتنة والمخاطر، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وقل الحياء؛ إلا من رحمه الله، وبقاء النساء في البيوت مهما أمكن هو الواجب؛ لقوله تعالى : { وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] .
431 ـ بعض النساء تركب في السيارة هي والسائق ومعها امرأة أخرى؛ بحجة أنها محرم؛ فما رأيكم ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تركب وحدها مع السائق الذي ليس محرمًا لها؛ لأن هذا من الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم [ انظر : صحيح البخاري ( 6/158، 159 ) ] .
عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يخلونَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان ) ، رواه أحمد [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/339 ) ] .
أما إذا كان معها من تزول به الخلوة؛ من امرأة أخرى فأكثر؛ فلا بأس بركوب جماعة النساء مع السائق في البلد إذا كن متسترات محتشمات ملازمات للحياء والعفة، لا لأن المرأة محرم، ولكن لزوال الخلوة المحرمة .
432 ـ هل يجوز للمرأة أن تذهب للمسجد لأداء التراويح مع سائقها الأجنبي ؟ وهل يختلف الحكم إذا كان أكثر من امرأة مع السائق ؟(103/4)
لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم؛ لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له .
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء؛ فالأمر أخف؛ لزوال الخلوة المحذورة، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه؛ لقوله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
433 ـ الخادمة غير المسلمة؛ هل يجوز إحضارها للمنازل، وذلك من أجل العمل، وتعليمها الدين الإسلامي ؟
لا يجوز استقدام المرأة من الخارج للخدمة في البيت إلا بشروط :
الشرط الأول : أن تكون مسلمة؛ فلا يجوز استقدام الكافرة .
الشرط الثاني : أن يكون معها محرم يرافقها ويصونها .
الشرط الثالث : ألا تحصل خلوة بينها وبين المستقدم لها، أو بينها وبين غيره من أولاده أو إخوانه أو سائر الرجال الذين يعيشون في بيته؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والعرض وعقائد الأسرة .
فمن لم تتوفر فيها هذه الشروط؛ فإنها لا يجوز استقدامها .
434 ـ يوجد عندي خادمة منذ سبعة شهور، وقد استقدمتها من غير محرم، والآن وقد انتهى الغرض منها الذي استقدمتها من أجله؛ فهل يجوز لي نقل كفالتها لشخص آخر توفي فيه الشروط النظامية، علمًا بأنها لا تريد الذهاب لحاجتها للعمل ؟(103/5)
لا يجوز استقدام النساء الكافرات، ولا يجوز استقدام النساء المسلمات إلا بشرط مصاحبة محارمهن لهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) ] ؛ فما فعلته من استقدام هذه المرأة بدون محرم لا يجوز لك، وعليك أن تستدعي محرمها إن أمكن ليسافر بها أو يبقى معها إذا أرادت البقاء للعمل عندك أو عند غيرك، وعلى كل حال؛ فإن الواجب عليك إرجاعها إلى بلدها الذي استقدمتها منه بطريقة مأمونة .
وبهذه المناسبة ننبه إلى أن جلب الأجانب إلى بلاد المسلمين فيه خطورة عظيمة، وفتنة كبيرة، خصوصًا إذا كانوا كفارًا، أو أصحاب عقائد فاسدة ومبادئ هدامة، وقد يكونون مجندين لإفساد دين المسلمين وأخلاقهم، وكذا جلب النساء بدون محارم، خصوصًا إذا كن شباب فاتنات أو منحرفات في أخلاقهم؛ فالواجب على المسلمين أن يتقوا الله، ويحذروا من هذه الفتنة .
435 ـ ما رأيكم فيمن يسمح لزوجته بالسفر بالطائرة مع طفلها الصغير ولا يسافر معها هو بحجة أنه مشغول ولا يسمح له عمله بذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لا في الطائرة ولا في غيرها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر مسيرة يوم وليلة ( وفي رواية أخرى : مسيرة يومين ) ؛ إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] .
( المحرم ) : هو الرجل البالغ الذي يحرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وغير البالغ والطفل لا يكفي محرمًا .
ولما أراد رجل أن يخرج في الجهاد، وكانت امرأته تريد الحج؛ أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحجَّ مع امرأته، ولم يرخص له بالخروج في الغزو (2) .
فكيف يتعلل بعض الناس بأن عمله لا يسمح له بالسفر مع امرأته وعمل الجهاد لم يعتبر عذرًا ؟ !(103/6)
والخطر على المرأة في الطائرة أعظم من الخطر في غيرها؛ لأن الطائرة قد يتغير مسارها واتجاهها إلى مطار آخر لسبب من الأسباب؛ فمن يستقبل المرأة ؟ ! وأين تذهب إذا هبطت في غير المطار الذي اتجهت إليه ؟ !
436 ـ هل تدريس الرجل الأعمى للبنات جائز أم لا ؟ وهل يستقيم دليل من استدل بحديث : ( أفعمياوان أنتما ؟ ! ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] على عدم الجواز ؟ أفتوني جزاكم الله خيرًا .
الأولى والأحوط أن يقوم بتدريس النساء نساء؛ لأن هذا أبعد عن الفتنة، ويجوز عند الحاجة أن يدرسهن رجل أعمى، أو رجل مبصر من وراء حائل، أو عن طريق الشاشة المغلقة .
أما حديث : ( أعمياوان أنتما . . . ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] ؛ فلا يدل على عدم جواز تدريس الرجال للنساء مع التحفظ التام؛ لأنه في قضية حكم نظر المرأة إلى الرجل الأعمى، وحول الحديث كلام لأهل العلم من حيث السند ومن حيث الدلالة، يراجع في نيل الأوطار للشوكاني أو غيره من شروح الحديث . والله أعلم .
437 ـ أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم، سواء كان من الإذاعة، أو من المسجل؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك؛ لأن الله تعالى يقول : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] ؟
لا بأس باستماع القرآن الكريم من المذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل، ولا يتعارض هذا مع قوله : { فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] ؛ لأن الإنصاف مطلوب حسب الإمكان، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته .
438 ـ ما حكم رقص النساء فيما بينهن في العرس وغيره أفتونا أثابكم الله ؟(103/7)
لا بأس برقص النساء بمناسبة الزواج وضربهن بالدف مع شيء من الغناء النزيه؛ لأن هذا من إعلان الزواج المأمور به شرعًا، لكن بشرط أن يكون ذلك في محيط النساء فقط، وبصوت لا يرتفع ويتجاوز مكانهن، وبشرط التستر الكامل؛ بحيث لا يبدو شيء من عورة المرأة في حالة الرقص؛ كسيقانها وذراعيها وعضديها، وإنما يبدو منها ما جرت عادة المرأة المسلمة بكشفه في حضرة النساء .
439 ـ ما حكم مصافحة النساء الأجنبيات ؟
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة التي لا تحل له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مست يده يد امرأة قط لا تحل له، ولما بايع النساء؛ بايعهن بالكلام (3) ، ولم يبايعهن بالمصافحة؛ كما كان يفعل ذلك مع الرجال، فدل ذلك على تحريم مصافحة الرجل للمرأة التي لا تحل له، ولما في ذلك أيضًا من أسباب الفتنة والافتتان؛ فإن المرأة فتنة؛ فإذا مست يد الرجل يدها، ولا سيما إذا كانت شابة أو جميلة؛ فإن ذلك يسبب الفتنة .
ودين الإسلام دائمًا يبعد الإنسان عن أسباب الفتنة، ويحرص على سد الطرق الموصلة إلى الشر، وتحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، وهذا منها؛ فلا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية .
440 ـ ما حكم التردد باستمرار على الأسواق لمعرفة الجديد من السلع ؟
مطلوب من المرأة البقاء في بيتها والقيام بأعماله وبتربية أولادها ورعايتهم؛ فإنها راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها .
قال الله تعالى : { وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] ؛ أي : الزمن بيوتكن؛ فلا تخرجن لغير حاجة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن المرأة عورة؛ فإذا خرجت؛ استشرفها الشيطان ) ، رواه البزار والترمذي بنحوه [ رواه الترمذي في سننه ( 4/153 ) ] .
وليست معرفة الجديد من السلع حاجة تبرر لها الخروج من بيتها؛ فالخطر عظيم؛ خصوصًا في هذا الزمان الذي كثير فيه الشر .(103/8)
441 ـ هل هناك محذور شرعي في رد السلام على المرأة في الهاتف أو بدونه ؟ أو رد السلام على الرجل في الهاتف ؟
لا بأس برد الرجل السلام على المرأة في الهاتف وغيره، ورد المرأة السلام على الرجل كذلك، مع أمن الفتنة، وذلك لعموم أمره صلى الله عليه وسلم برد السلام، وكذلك لا بأس بالمكالمة الهاتفية بين الرجل والمرأة في حدود الحاجة، أما المكالمة المريبة والمكالمة التي يخشى منها الفتنة؛ فإنها لا تجوز؛ لأنها وسيلة إلى الحرام، والله تعالى يقول : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
442 ـ من المعلوم أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد؛ فهل إذا تركت الصلاة في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي وصلت في بيتها يكتب لها أجر مضاعفة الصلاة فيهما ؟
أما بالنسبة لمكة؛ فإن المضاعفة تحصل في كل الحرم، فإذا صلت المرأة في بيتها في مكة؛ حصلت لها المضاعفة إن شاء الله، وأما في المدينة؛ فالمضاعفة خاصة بالمسجد النبوي الشريف، ولكن المرأة إذا صلت في بيتها في المدينة امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنها يرجى لها الخير الكثير، وتثاب على نيتها الصالحة ومحبتها للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
443 ـ متى تصلي النساء في البيت ؟ أبعد الأذان ؟ أم بعد الإقامة ؟
إذا دخل الوقت؛ فإن النساء اللاتي في البيوت يصلين ولا ينتظرن الإقامة، بل يصلين بعد سماع الأذان إذا كان المؤذن يؤذن عند دخول الوقت، ويجوز لهن التأخير عن أول الوقت . والله أعلم .
444 ـ ما حكم الزغرطة ( التلولش ) ، وهو صوت تطلقه المرأة عند الفرح" ؟ أفيدونا أثابكم الله .(103/9)
لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال؛ لأن في صوتها فتنة؛ لا بالزغرطة، ولا غيرها، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديمًا ولا حديثًا؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها، ولما تدل عليه أيضًا من قلة الحياء .
445 ـ هل صوت المرأة عورة ؟
نعم؛ المرأة مأمورة بتجنب الفتنة، فإذا كان يترتب على سماع صوتها افتتان الرجال بها؛ فإنها تخفيه :
ولذلك فإنها لا ترفع صوتها بالتلبية، وإنما تلبي سرًّا .
وإذا كانت تصلي خلف الرجال وناب الإمام شيء في الصلوات؛ فإنها تصفق لتنبيهه؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا نابكم شيء في صلاتكم (4) ؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/318 ) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/330 ) بنحوه، ورواه غيرهما ] .
وهي منهية من باب أولى عن ترخيم صوتها وتحسينه عند مخاطبتها الرجال لحاجة؛ قال تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم؛ أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ) (5).
446 ـ هل على المرأة أو غيرها حرج أن تصلي التراويح بعض الأيام في مسجد وأيامًا أخر في مسجد آخر . . . وهكذا؛ طلبًا لإمام صوته حسن، وتنشطًا لأداء هذه السنة ؟
ينبغي للمرأة أن تصلي التراويح في أقرب مسجد إلى بيتها إذا عملت بالرخصة وخرجت إلى المسجد .(103/10)
وأما تجوالها بين المساجد؛ ففيه من الخطورة ما فيه؛ لتعرضها للفتنة، واحتياجها إلى قطع مسافات كثيرة، مما قد يحوجها إلى سيارة وسائق وخلوة محرمة، وليس هناك غرض صحيح ترتكب من أجله هذه المحاذير؛ إلا التلذُّذ بالأصوات وتذوقها، فتصبح وهمتها ليست من أجل الصلاة، وإنما طلب التلذذ بالأصوات، وحينئذ يكون قد انتفى الغرض الذي من أجله رخص لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المسجد .
وهذه ظاهرة مع الأسف بدرت عند كثير من الرجال والنساء والشباب : أنهم يقومون بالتجوال بين المساجد؛ لتقفر أصوات القراء وانتجاع المساجد التي يتجمهر فيها الناس .
ولبعض الأئمة هداهم الله دور في حصول هذه الظاهرة غير المرغوب فيها؛ لما يقوم به بعضهم من تكلفة في القراءة ورفع الأصوات فوق المنائر وخارج المساجد، ولو ترتب على هذا أذية المصلين في المساجد المجاورة لهم، وتشويش على المصلين فيها؛ فالذي نراه أن يصلي كل جماعة في مسجدهم، ويعمروه بالطاعة، ويتركوا التكلف .
ونوصي النساء خاصة بأن تصلي كل امرأة في أقرب مسجد إلى بيتها؛ لأن ذلك أحفظ لها، وأبعد عن الفتنة، ونوصي الأئمة بالاعتدال وترك التكلف والإغراب وأن لا يكون قصدهم اجتلاب الناس إلى مساجدهم؛ لأن هذا أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء والسمعة . وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به .
447 ـ أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيته أم صلاتها مع المسلمين في المسجد ؟
الأفضل للمرأة صلاتها في بيتها، ويجوز لها أن تصلي في المسجد مع الجماعة صلاة الفريضة وصلاة التراويح والكسوف وصلاة الجنازة؛ بشرط أن تكون متسترة بالحجاب الكامل ومتجنبة للزينة في بدنها وفي ثيابها، ومتجنبة للطيب في بدنها وفي ثيابها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) (6) ، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تَفِلات ) [ رواه أبو داود في سننه ( 1/152 ) ] ؛ أي : غير متزينات ومتطيبات .(103/11)
فالحديث يدل على جواز خروجها للمسجد بالشرط المذكور، وهو أن تكون ملازمة للحياء والستر، تاركة للزينة والطيب، وأن تصف خلف الرجال؛ فمع التزامها بهذه الشرط؛ فصلاتها في بيتها خير لها؛ لما في ذلك من صيانتها وعدم افتتانها والافتتان بها، أما إذا لم تلتزم بهذا الشرط؛ فإن خروجها حرام عليها، تأثم به، ولو كان قصدها الصلاة .
448 ـ إذا كان سيترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع جزء ولو قليل من حقوق البيت؛ فما حكم خروجها ؟
إذا كان يترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع بعض أعمال البيت المطلوب منها القيام بها؛ فإنها لا تخرج، بل تبقى وتقوم بعمل بيتها؛ لأن بإمكانها أن تصلي في بيتها وأيسر لها، ولأن قيامها بعمل البيت واجب على الصحيح، وخروجها إلى المسجد مباح إذا لم يترتب عليه مضرة .
449 ـ ماذا عن ظهور كف المرأة وقدميها أثناء الصلاة ؟
المرأة في الصلاة كلها عورة، فيجب عليها ستر جميع بدنها؛ إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها، فإذا كانت خالية أو عندها رجال من محارمها؛ فإنها تكشف وجهها في الصلاة، وأما إذا كانت بحضرة رجال غير محارم؛ فإنها تغطي وجهها في الصلاة وفي غيرها؛ لأن الوجه عورة، وأما الكفان والقدمان؛ فيجب سترهما على كل حال في الصلاة، ولو لم يكن عندها رجال؛ لأن المرأة كلها عورة في الصلاة؛ إلا وجهها إذا لم تكن بحضرة رجال غير محارم .
450 ـ هل يجوز مصافحة أم الزوجة والسفر معها ؟(103/12)
نعم؛ لا بأس بذلك؛ لأنها من محارمه؛ لأن الله جل وعلا حرّم أم الزوجة على زوج ابنتها تحريمًا مؤبدًا؛ فهي من محارمك، لا بأس أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرمًا بها؛ إلا إذا خشيت من الفتنة؛ فإنك لا تصافحها؛ كما إذا خشيت من المصافحة وجود فتنة أو ثوران شهوة؛ فلا تصافحها، أما ما لم يكن هناك محذور؛ فلا بأس بذلك أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرمًا لها؛ لأنها أصبحت من محارمك بموجب العقد على ابنتها، وقال تعالى في تعداد المحرمات من النساء : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } [ سورة النساء : آية 22 ] ؛ أي : حرمت عليكم أمهات نسائكم .
451 ـ أنا موظف في المملكة العربية السعودية ونظرًا لصلة الرحم؛ فقد كنت أنا وعائلتي نزور أقاربنا في بلدنا، وعند زيارة ابن عم زوجتي؛ قام بتقبيلها على خديها، فغضبت، ونهرت زوجتي وأمرتها بأن لا تفعل هذا مرة أخرى، وإلا فالفراق نصيبها، فكان ردها هو أن ابن عمها هذا كبير في السن، وهي تعتبر مثل أبيها، ولا زالت تصر على رأيها . أفتونا في هذا الأمر، وماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف وجهها لابن عمها؛ لأنه غير محرم لها، وكذا سائر أقاربها من الرجال لا تكشف لهم وجهها؛ إلا إذا كانوا من محارمها؛ كأبيها وابنها وأخيها وابن أخيها وعمها وخالها من نسب أو رضاعة وأبي زوجها وابن زوجها من امرأة أخرى، وما عدا هؤلاء من أقاربها؛ كابن عمها وابن خالها وأخي زوجها؛ فإنهم أجانب، يجب عليها أن تحتجب منهم، ولا تصافحهم، ومن باب أولى لا يجوز لها أن تقبل أحدًا منهم، وإنما تسلم عليهم بمجرد الكلام، ويجب على زوجها منعها من مصافحة أحد منهم أو تقبيله؛ إذ ذلك حرام شديد التحريم، ولو كان أحدهم كبير السن؛ فإن ذلك من أمور الجاهلية ومن العادات المحرمة المخالفة لشرع الله .
452 ـ متى يجيز الشرع استعمال حبوب منع الحمل للمرأة بغرض الحفاظ على تربية الأبناء الصغار ؟(103/13)
لا يجوز استعمال حبوب منع الحمل؛ إلا في حالة الضرورة، وذلك إذا قرر الأطباء أن الحمل يسبب موت المرأة، أما استعمال حبوب تأخير الحمل؛ فلا بأس به إذا احتاجت المرأة إليه، إذا كانت صحتها لا تتحمل توالي الحمل المتقارب، أو كان الحمل يضر بطفلها الذي ترضعه، وكانت الحبوب لا تقطع الحمل وإنما تؤخره؛ فلا بأس بذلك بقدر الحاجة، ويكون ذلك بعد مراجعة الطبيب المختص .(103/14)
كتاب اللباس والزينة
453 ـ كثير من النساء يذكرن أن عورة المرأة من المرأة هي من السرة إلى الركبة، فبعضهن لا يترددن في ارتداء الملابس الضيقة جدًّا أو المفتوحة لتظهر أجزاء كبيرة من الصدر واليدين؛ فما تعليقكم ؟
مطلوب من المسلمة الاحتشام والحياء، وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء، وأن لا تكشف عند النساء إلا ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن، هذا هو الأولى والأحوط؛ لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور المحرم . والله أعلم .
454 ـ هل لبس الملابس الضيقة للنساء أمام النساء تدخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( نساء كاسيات عاريات . . . إلى آخر الحديث ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1680 ) ] ؟
لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيق الذي يبين مفتن جسمها لا يجوز، لا يجوز إلا عند زوجها فقط، أما عند غير زوجها؛ فلا يجوز، حتى ولو كان بحضرة نساء؛ لأنها تكون قدوة سيئة لغيرها، إذا رأينها تلبس هذا؛ يقتدين بها، وأيضًا؛ هي مأمورة بستر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد؛ إلا عن زوجها، تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال؛ إلا ما جرت العادة بكشفه عن النساء؛ كالوجه واليدين والقدمين؛ مما تدعو الحاجة إلى كشفه .
455 ـ لدي أربعة أولاد وأنا ألبس أمامهم القصير . . . فما حكم ذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط .
456 ـ هل يجوز الصلاة بالبنطلون بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجل، وأيضًا إذا لبست المرأة ثوبًا خفيفًا ليس مبينًا لعورتها؛ فما حكم الشرع في ذلك ؟(104/1)
الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ .
أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة .
فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً؛ لا يرى شيء من جسمها، لا يكون قصيرًا حاسرًا عن ساقيها، أو ذراعيها، وكفيها، ولا تكون أيضًا سافرة بوجهها عند الرجال غير المحارم، وإنما تكون ساترة لجميع جسمها، ولا يكون شفافًا؛ بحيث يرى من ورائه جسمها أو لونها؛ فإن هذا لا يعتبر ثوبًا ساترًا .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يجدن رائحة الجنة ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1680 ) ] .
فمعنى ( كاسيات ) : أنهن لابسات شيئًا من الملابس، ولكنهن في الحقيقة عاريات؛ لأن هذه الثياب لا تستر؛ فهي ثياب شكلية فقط، لكنها لا تستر ما وراءها : إما لشفافيتها، وإما لقصرها، أو لعدم إضفائها على الجسم .
فيجب على المسلمات أن يتنبهن لذلك .
457 ـ ظهرت موضة لدى النساء بعد ظهورها في الغرب، وهي لبس البناطيل الضيقة، وقد وجدت منهن القبول والترحيب؛ فما حكم ذلك ؟(104/2)
لا يجوز للمرأة أن تلبس ما فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات، وكذلك لا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق الذي يبيِّن تقاطيع بدنها ويسبب الافتتان بها، والبناطيل فيها كل هذه المحاذير؛ فلا يجوز لها لبسها .
458 ـ ما حكم الشرع في نظركم في النقاب؛ فأنا امرأة ملتزمة بالشرع ومحافظة على صلواتي وواجباتي الزوجية؛ إلا أنني عند خروجي من المنزل أخرج عيني فقط من الشيلة للنظر بهما، مع أن باقي جسمي مغطى، ومنه الوجه ببشت أسود فضفاض، وألبس قفازين لليدين، والسبب في ذلك أنني أعاني من ضعف في البصر ؟
لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط؛ لأن هذا كان معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، ومن أجل الحاجة؛ فإذا كان لا يبدو إلا العينان؛ فلا بأس بذلك، خصوصًا إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها .
459 ـ هل الحجاب بالنسبة للمرأة مختص بالكلام، أم مختص بحجب جسمها وبدنها، حيث إن كثيرًا من النساء احتجبن عن الكلام ورد السلام، وما هي حقيقة الحجاب الشرعي ؟
الحجاب الشرعي : أن تستر المرأة جميع جسمها عن الرجال غير المحارم بلباس غير شفاف وغير ضيق .
قال الله تعالى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] .
فإن قال قائل : المراد بهذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم . قلنا : إذا أمرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب مع طهرهن وورعهن؛ فغيرهن من باب أولى، وأيضًا الله سبحانه علل ذلك بقوله : { مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] ؛ أي : من وراء ساتر من جدار، أو باب أو ثياب تغيب جميع جسم المرأة عن مرأى الرجال حفاظًا عليهم وعليها من الفتنة .
وكذلك قوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] ، والخمار غطاء رأس المرأة، أمر الله أن تضفيه على وجهها ونحرها بعد تغطية جميع رأسها .(104/3)
وكذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، والجلباب : هو الثوب الكبير الذي تغطي به المرأة جسمها، أمر الله أن يضفى على الوجه الذي هو أعظم مفاتن المرأة؛ لتسلم من أذى نظر الرجال إليها والافتتان بها .
وأما تكليم المرأة للرجل؛ فلا بأس به إذا أمنت الفتنة وكان للحاجة، ويكون صوتها عاديًّا، ليس فيه ترخيم يفتن السامع؛ كما قال تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : 32 ] ؛ فلا ترفع صوتها وترققه، ولا تتكلم مع الرجل إلا بقدر الحاجة وبصوت عادي لا فتنة فيه . والله أعلم .
460 ـ تقوم بعض النساء بالكشف عن وجهها، وتتستر كليًّا؛ بأن تغطي شعرها ويديها خلاف ذلك، ولا تتزين إطلاقًا؛ فهل يجوز ذلك ؟
يجب على المرأة أن تغطي وجهها في أصح قولي العلماء؛ لأن الوجه أعظم زينة في المرأة، وإليه تتجه الأنظار، وبه كان يتغزل الشعراء، والأدلة على وجوب ستره كثيرة من الكتاب والسنة منها :
قوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] .
أمر الله النساء أن يسدلن الخمر – وهي أغطية الرؤوس – على فتحات الجيوب؛ ليسترن بذلك ما يظهر من نحورهن، ويلزم من ذلك ستر الوجه؛ لأن الخمار إذا أسدل من على الرأس ليستر النحر؛ لزم أن يمر بالوجه ويضفى عليه .
وقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] .(104/4)
والحجاب يراد به ما يستر المرأة عن الرجل الذي ليس محرمًا لها، سواء كان هذا الساتر جدارًا أو بابًا أو لباسًا، وهذا يدل على ستر الحجاب لجميع بدن المرأة، ومنه الوجه، وعلّله بأنه أطهر لقلوب الرجال والنساء، والطهارة مطلوبة، والفتنة محذورة ومتوقعة إذا ترك الحجاب .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، والجلباب هو الكساء .
أما الأدلة من السنة : فمنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فكنا إذا مر بنا الرجل، سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا، كشفناه [ رواه أبو داود في سننه ( 2/173 ) ، ورواه أيضًا ابن ماجه في سننه ( 2/979 ) ] .
461 ـ هل يجوز أن تكشف المرأة للمدرسين كفيفي البصر ؟
في وجوب احتجاب المرأة من الرجل الكفيف خلاف بين أهل العلم؛ لاختلاف الأحاديث في ذلك؛ ففي حديث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب منه، وفي حديث آخر ما يدل على عدم وجوب الاحتجاب منه :
ففي حديث أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه بالاحتجاب من ابن أم مكتوم، فقلن : يا رسول الله ! أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أفعمياوان أنتما ؟ ! ألستما تبصرانه ؟ ! ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] .
فهذا الحديث يدل على وجوب احتجاب المرأة من الرجل الكفيف .
بينما في حديث فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال : ( إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/1115 ) ] .
والراجح والله أعلم أنها لا يجب عليها الاحتجاب من الكفيف؛ أي : تغطية وجهها بحضرته، لكن لا يجوز لها النظر إليه .(104/5)
قال الإمام الشوكاني لما ذكر الحديثين : " ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها، ولا ملازمة بين الاجتماع في البيت والنظر " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً " انتهى .
وذلك لقوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] .
462 ـ هل يجوز للمرأة إذا خرجت لصلاة التراويح أن تتبخَّر فقط بالبخور دون استخدام العطور ؟
لا يجوز للمرأة إذا خرجت إلى السوق أو لصلاة التراويح أو غيرها أن تتطيَّب، لا ببخور، ولا بدهن، ولا بغيرهما .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا صلاة العشاء ) [ رواه مسلم ( 1/328 ) ؛ بلفظ : ( . . . العشاء الآخر ) بدل صلاة العشاء ] .
وبهذه المناسبة أود أن أنبّه لأمر يتعلق ببعض النساء اللاتي يحضرن إلى المسجد خلال شهر رمضان؛ يحضرن معهن مبخرة وعودًا، ويتبخرن بها وهن في المسجد، فتعلق الرائحة بهن؛ فإذا خرجن للسوق؛ وجد بهن أثر الطيب، وهذا خلاف المشروع في حقهن .
نعم؛ لا بأس أن تأتي المرأة بمبخرة وتبخر المسجد، فقط دون أن تتبخر النساء بها، وأما أن تتبخر النساء بها؛ فلا .
463 ـ هل يجوز للمرأة إذا أرادت أن تذهب إلى العمل أو للأقارب أن تتطيب وتخرج ؟
لا يجوز للمرأة إذا أرادت الخروج من بيتها للصلاة في المسجد، أو لزيارة أقاربها، أو للعمل المناسب لها والذي يجوز لها أن تزاوله؛ لا يجوز لها أن تخرج متطيبة؛ لأن ذلك مدعاة للفتنة، كما لا يجوز لها أن تخرج بثياب زينة، وإنما تخرج متسترة محتشمة غير متطيبة .
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات ) ، رواه أحمد وأبو داود [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/475 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 1/152 ) ] .(104/6)
ومعنى ( تفلات ) : غير متطيبات .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/328 ) ] .
464 ـ بعض النساء يذهبن إلى المسجد وهن في كامل زينتهن؛ بحجة أنهن سيزرن بعد انتهاء الصلاة قريباتهن أو صديقاتهن، وبعضهن يخرجن منتعطرات متطيبات، وبعضهن يذهبن بالبخور إلى المسجد؛ فما حكم ذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متزينة أو متطيبة، سواء كان خروجها للصلاة في المسجد أو لزيارة قريباتها؛ لما في ذلك من الفتنة، وإنما تخرج في ثياب ساترة لا زينة فيها ولا طيب .
أما الإتيان بالبخور للمسجد؛ فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تنظف المساجد وتطيب (2) ، لكن النساء لا تتطيب بالبخور في المسجد؛ لأنهن منهيات عن التطيب عند خروجهن، وسواء تطيبن في بيوتهن قبل الخروج أو في الطريق أو في المسجد . والله أعلم، لكن لا بأس أن يطيب المكان الذي يصلين فيه من المسجد بالبخور وغيره .
465 ـ ما حكم خروج يدي المرأة في السوق خاصة ؟ وهل يفضل لبس قفاز أسود لليدين أو الأبيض ؟ علمًا بأن البعض قال : لا حرج في ظهورها، وأن لبس القفاز ادعاء للتدين؛ ما رأي فضيلتكم بذلك ؟
يجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها وسائر بدنها عن الرجال الذين هم ليسو محارم لها، فإذا خرجت إلى السوق؛ فإنه يتأكد عليها ذلك، وكذلك أمرت بأن ترخي ثيابها، وأن تزيد فيها؛ لتستر عقبيها، فستر الكفين من باب أولى؛ لأن ظهور الكفين فيه فتنة، ويجب على المرأة أن تسترهما عن الرجال الذين ليسوا محارم لها، وسواء سترتهما في ثوبها أو في عباءتها و في القفازين .
466 ـ بحجة أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؛ فإن البعض من النساء ينفقن الأموال الكثيرة على ملابسهن وأمور زينتهن؛ فما تعليقكم ؟(104/7)
من رزقه الله مالاً حلالاً؛ فقد أنعم الله عليه نعمة يجب عليه شكرها، وذلك بالتصدق منها والأكل واللبس من غير سرف ولا مخيلة، وما تفعله بعض النساء من المغالاة في اشتراء الأقمشة والإكثار منها من غير حاجة؛ إلا مجرد المباهاة ومسايرة معارض الأقمشة في دعاياتها؛ كل ذلك من الإسراف والتبذير المنهي عنه وإضاعة المال، والواجب على المسلمة الاعتدال في ذلك، والابتعاد عن التبرج والمبالغة في التجمل، خصوصًا عند الخروج من بيوتهن .
قال تعالى : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] .
وقال تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا . . . } إلى قوله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } [ سورة النور آية : 31 ] .
وهذه الأموال سنسأل عنها يوم القيامة : من أين اكتسبناها ؟ وفيم أنفقناها ؟
467 ـ إطالة المرأة لثوبها؛ هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب ؟ وهل وضع الجوارب على القدمين يكفي مع قصر الثوب؛ بحيث لا يظهر شيء من الساق ؟ وكيف تطيل المرأة ثوبها ذراعًا تحت الكعب أم تحت الركبة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من أجل ستر قدميها، بينما نهى الرجال عن إسبال الثياب تحت الكعبين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة ستر جسمها سترًا كاملاً، وإذا لبست الشراب؛ كان ذلك من باب زيادة الاحتياط في الستر، وهو أمر مستحسن، ويكون ذلك مع إرخاء الثوب؛ كما ورد في الحديث . والله الموفق .
468 ـ ما حكم لبس العدسات الملونة بحجة الزينة واتباع الموضة؛ علمًا بأن قيمتها لا تقل عن 700 ريال ؟(104/8)
لبس العدسات من أجل الحاجة لا بأس به، أما إذا كان من غير حاجة؛ فإن تركه أحسن، خصوصًا إذا كان غالي الثمن؛ فإنه يعد من الإسراف المحرم؛ علاوة على ما فيه من التدليس والغش؛ لأنه يظهر العين بغير مظهرها الحقيقي من غير حاجة إليه .
469 ـ تظهر بين الحين والآخر تسريحات خاصة بالشعر فيقتدي بها العديد من النساء، حتى يصبح كشعر الرجال، أو صبغة بألوان متعددة، أو جعله منفوشًا منكوشًا يضطرها غالبًا للذهاب للكوافير ودفع مال يتراوح قيمته ( 100-1000 ) ريال وربما تجاوز ذلك ؟
شعر رأس المرأة جمال لها مطلوب منها العناية به وإصلاحه بما يحتاج إليه من رعاية وتجميل في حدود المباح، ومطلوب منها توفيره وستره عن الرجال غير المحارم، وستره أيضًا في الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 6/218 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/215 ) ، ورواه غيرهما ] ، والمراد بالحائض هنا من بلغت سن الحيض، وأما العبث به بالقص، أو بجعله مشابهًا لرأس الرجل، أو بتشويه صورته، أو تغير لونه من غير حاجة؛ فكل ذلك لا يجوز؛ إلا صبغ الشيب بغير السواد؛ فإنه مطلوب، وكذا لا يجوز المغالاة بتكاليف تسريحه، والذهاب إلى الكوافير التي ربما يكون العاملون فيها من الرجال أو النساء الكافرات، وإنما تصلح المرأة شعرها في بيتها؛ لأن ذلك أستر لها وأيسر تكلفة .
470 ـ ما حكم قص الشعر على هيئة مأخوذة من مجلات غربية أو قصات معروفة بأسماء معينة منتشرة بين الناس وهي مستوردة من الغرب أيضًا ؟
471 ـ إذا انتشرت هذه القصات بين نساء المسلمين بشكل كبير؛ هل تعتبر أيضًا تشبهًا أم لا ؟ ( نرجو إيضاح هذا إيضاحًا شافيًا ) ، وما هو الضابط في هذا بارك الله فيكم؛ لأن هذه مشكلة تواجه الجميع ؟(104/9)
نقول : خلق الله سبحانه شعر رأس المرأة جمالاً وزينة لها، وحرم عليها حلقه؛ إلا لضرورة، بل شرع لها في الحج أو العمرة أن تقص من رؤوسه قدر أنملة، في حين إنه شرع للرجل حلقه في هذين النسكين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة توفير شعرها وعدم قصه؛ إلا لحاجة غير الزينة، كأن يكون بها مرض تحتاج معه إلى القص، أو تعجز عن مؤنته لفقرها، فتخفف منه بالقص؛ كما فعل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته (3) .
أما إذا قصته من باب التشبه بالكافرات والفاسقات؛ فلا شك في تحريم ذلك، ولو كثر ذلك بين نساء المسلمين، مادام أن أصله التشبه؛ فإنه حرام، وكثرته لا تبيحه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم؛ فهو منهم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/50 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 4/43 ) ] ، وقوله : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ) [ رواه الترمذي في سننه ( 7/335 ) ] .
والضابط في ذلك أن ما كان من عادات الكفار الخاصة بهم؛ فإنه لا يجوز لنا فعله تشبهًا بهم؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يدل على محبتهم في الباطن، وقد قال الله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ سورة المائدة : آية 51 ] ، وتوليهم محبتهم، ومن مظاهر المحبة لهم التشبه بهم .
472 ـ ما حكم تجعيد الشعر ( والتجعيد : هو جعل الشعر مجعدًا مدرجًا، بدل أن يكون سائحًا، إما تجعيده فترة بسيطة، وهناك البعض من النساء تذهب إلى الكوفيرات وتجعلها تضع عليه مواد حتى يصبح مجعدًا لمدة ستة أشهر ) ؟ !(104/10)
يباح للمرأة تجعيد شعرها على وجه ليس فيه تشبه بالكافرات، ولا تظهره للرجال غير المحارم، وتتولى هي تجعيده، أن تتولاه امرأة من نسائها، سواء كان تجعيدًا لفترة يسيرة أو طويلة، وسواء كان بوضع مادة مباحة عليه أو بغير ذلك، ولا تذهب إلى الكوفيرات لفعل ذلك؛ لأن في خروجها من منزلها تعريضًا للفتنة والوقوع في المحذور؛ ولأن القائمات على هذه المحلات إما نساء غير ملتزمات أو رجال يحرم عليها أن تظهر شعرها لهم .
473 ـ ما حكم صبغ الشعر كاملاً بأي لون من الألوان ( أحمر، أصفر، أبيض، ذهبي ) ؟
474 ـ ما حكم تمييش الشعر ( والميش هو موضة أتت من الغرب وتقبلها نساؤنا، وهي صبغ خُصل متفرقة من الشعر بلون مختلف للون الشعر إما أبيض أو أحمر أو ذهبي، حتى يصبح الشعر ملونًا أجزاء طبيعية وأجزاء مصبوغة ) ؟ !
صبغ الشعر فيه تفصيل على النحو التالي :
الشيب يستحب صبغه بغير السواد من الحناء والوسمة والكتم والصفرة، أما صبغه بالسواد؛ فلا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب (4) وجنبوه السواد ) (5) ، وهذا عام للرجال والنساء .
أما غير الشيب؛ فيبقى على وضعه وخلقته ولا يغير، إلا إذا كان لونه مشوهًا؛ فإنه يصبغ بما يزيل تشويهه إلى اللون المناسب، أما الشعر الطبيعي الذي ليس فيه تشويه؛ فإنه يترك على طبيعته؛ لأنه لا داعي لتغييره .
وإذا كان صبغه على شكل فيه تشبه بالكافرات والعادات المستوردة؛ فلا شك في تحريمه؛ سواء كان صبغه على شكل واحد أو على أشكال، وهو ما يسمى بالتمييش .
475 ـ ما حكم وضع شرائط في الشعر، أو بكلات، تزيد من حجم الرأس وتكبره، وتزيد في طول الشعر ؟ !
476 ـ ما حكم لبس بكلات أو شرائط فيها صور حيوانات أو آلات موسيقية ؟ !(104/11)
تكبير حجم الرأس بجمع الشعر بشرائط أو بكلات لا يجوز، سواء جمع الشعر أعلى الرأس أو بجانبه؛ بحيث يصبح كأنه رأسان، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفعلن ذلك حتى تصبح رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، والبخت نوع من الإبل له سنامان .
أما الشرائط التي لا تكبر حكم الرأس، ويحتاج إليها لإصلاح الشعر؛ فلا بأس بها عند بعض العلماء .
قال في شرح " الزاد " : " ولا بأس بوصله بقرامل " .
أقول : والقرامل هي ما تشده المرأة في شعرها من حرير أو غيره من غير الشعر، وترك ذلك أفضل؛ خروجًا من الخلاف؛ لأن بعض العلماء يمنع من ذلك كله .
وأما إذا كانت الشرائط أو البكلات على صور حيوانات أو آلات موسيقية؛ فإنها لا تجوز؛ لأن الصور يحرم استعمالها في لباس وغيره؛ ما عدا الصور التي تداس وتمتهن في الفرش والبسط، وآلات اللهو يجب إتلافها، وفي استعمال الشرائط والبكلات التي على صور آلات اللهو ترويج لآلات اللهو ودعوة إلى استعمالها وتذكير بها .
477 ـ ما حكم فرق شعر الرأس من الجانب وليس من الوسط ؟ !
لا يجوز للمرأة أن تفرق رأسها من الجانب .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا، أو جله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج؛ فهذا لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بنساء الكفار . . . " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 1/47 ) .
478 ـ ما حكم قص الشعر من الخلف بحيث يكون فوق الرقبة وترك جوانب الشعر أطول قليلاً من الخلف ؟ !
479 ـ ما حكم قص شعر الرأس على أسماء منها : قصة ( ديانا ) وهي كافرة معروفة، وقصة ( الأسد ) ، وقصة ( الفأر ) . . . وهكذا، وهي أشكال مختلفة : إما بقص الشعر على شكل رأس الأسد، والأخرى هي الصفة الواردة في السؤال السابق ؟ !(104/12)
لا يجوز للمرأة أن تقص شعر رأسها من الخلف وتترك جوانبه أطول؛ لأن هذا فيه تشويه وعبث بشعرها الذي هو من جمالها، وفيه أيضًا تشبه بالكافرات، وكذا قصه على أشكال مختلفة وبأسماء كافرات أو حيوانات؛ كقصة ( ديانا ) اسم لامرأة كافرة، أو قصة ( الأسد ) ، أو ( الفأر ) ؛ لأنه يحرم التشبه بالكفار والتشبه بالحيوانات، ولما في ذلك من العبث بشعر المرأة الذي هو من جمالها .
480 ـ ما حكم العمل في محلات الكوفيرات والأكل من ثمنه ؟ !
لا يجوز العمل في محلات الكوفيرات، ولا الأكل من كسب تلك المحلات؛ لما في ذلك العمل في الفتنة، ولما فيه من ترويج عادات الكفار، ولما فيه من تدريب النساء على قلة الحياء، وقد يتولى العمل في تلك المحلات رجال يطلعون على عورات النساء، وقد تستخدم تلك المحلات للفساد والقيادة لفعل الفواحش؛ فالواجب على ولاة المسلمين منع فتح تلك المحلات في بلاد المسلمين .
481 ـ ما حكم إزالة شعر الحواجب أو تخفيفه أو إزالة ما بين الحاجبين ؟ !
لا تجوز إزالة شعر الحواجب، وهو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته، وهو من تغيير خلق الله تعالى الذي تعهد الشيطان في إغراء بني آدم به حين قال : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] ، وكذا لا يجوز تخفيف الحواجب؛ لأنه نمص محرم . والله أعلم .
482 ـ ما حكم نتف الشعر ما بين الحاجبين والشعر الذي يوجد في الوجه ؟
أما الشعر من الحاجبين؛ فلا يجوز إزالته بأي وسيلة؛ لا بنتف، ولا بقص، ولا بإزالة؛ بأي وسيلة؛ لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته؛ فقد لعن صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة (6) .
( النامصة ) : التي تقص الشعر من نفسها أو من غيرها .
و ( المتنمصة ) : التي تطلب من غيرها أن يزيله من حاجبها .(104/13)
فهذا من الكبائر؛ لأن المعصية إذا لعن عليها؛ صارت من الكبائر، ولأن هذا من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي أخبر الله تعالى أنه من أمر الشيطان : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] .
وأما إزالة الشعر من بقية الوجه؛ فهذا ما يسمى عند العلماء بالحف، فهذا إذا كان مشوّهًا للوجه، لا بأس بإزالته، أما إذا كان عاديًّا لا يلفت النظر؛ فهذا قد اختلف أهل العلم في حكم إزالته؛ فمنهم من منع منه، واعتبره داخلاً في النمص، ومنهم من رخص فيه، والأحوط والأبرأ للذمة أنه إذا لم يكن مشوهًا للوجه؛ فإنه لا يؤخذ، بل يترك؛ لأنه ليس في أخذه فائدة، وليس في بقائه مضرة .
483 ـ هل يجوز للمرأة مع النساء في صلاة التراويح أن تصلي في ثوب قصير يبدي بعض ساقيها أو لا يستر كامل يديها ؟
لا تصح صلاة المرأة تراويح أو غيرها إلا بثوب ساتر لجميع بدنها ما عدا وجهها، إذا كانت وحدها أبو بحضرة نساء أو رجال من محارمها؛ فإنها تكشفه في الصلاة، وإن كانت بحضرة رجال غير محارم؛ فإنها تغطي وجهها؛ فهذه المرأة التي تصلي في ثوب يبدي بعض ساقيها؛ لا تصح صلاتها، بل لابد أن يكون الثوب ضافيًا يستر قدميها .
484 ـ هل يجوز تقويم الأسنان وتقريب الأسنان من بعضها البعض حتى لا تكون متفرقة ؟
إذا احتيج إلى هذا؛ كأن يكون في الأسنان تشويه، واحتيج إلى إصلاحها؛ فهذا لا بأس به .
أما إذا لم يحتج إلى هذا؛ فهو لا يجوز، بل جاء النهي عن وشر الأسنان وتفليجها للحسن، وجاء الوعيد على ذلك (7)؛ لأن هذا من العبث ومن تغيير خلق الله .
أما إذا كان هذا للعلاج مثلاً أو لإزالة تشويه أو لحاجة لذلك، كأن لا يتمكن الإنسان من الأكل إلا بإصلاح الأسنان وتعديلها؛ فلا بأس بذلك .(104/14)
485 ـ قرأت في أحد الكتب للإمام الغزالي أن تثقيب أذان البنات لأجل تعليق الذهب لا يجوز، وحسبما يقول صاحب الكتاب : " إن هذا الجرح مؤلم، ومثله موجب للقصاص " ، أفيدونا ما حكم الشرع في هذا ؟ وخاصة أن لدينا الكثير من البنات وكثير من الناس يستعملون هذه الطريقة ؟
لا بأس بثقب أذن الجارية لوضع الحلي في أذنها، ومازال هذا العمل يفعله الكثير من الناس، حتى كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النساء كن يلبسن الحلي في آذانهن وغيرها (8) من غير نكير .
وأما كونه يؤلم الجارية؛ فالمقصود بهذا مصلحتها؛ لأنها بحاجة إلى الحلي، وبحاجة إلى التزين؛ فثقب الأذن لهذا الغرض مباح ومرخص فيه لأجل الحاجة، كما أنه يجوز جراحتها للحاجة وكيها للحاجة والتداوي، كذلك يجوز خرق أو ثقب أذنها لوضع الحلي فيه؛ لأنه من حاجتها، مع أنه شيء لا يؤلم كثيرًا، ولا يؤثر عليها كثيرًا . والله أعلم .
486 ـ هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه : ( إزار المسلم من نصف الساقين إلى الكعبين ) ؛ فإذا كان إزار المسلم إلى الكعبين، ولكنه يغطي الكعبين من الأسفل دون جر؛ فهل يجوز ؟
لا يجوز أن يتجاوز الكعبين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان أسفل الكعبين فهو في النار ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/43 ) . بزيادة : من الإزار . . ] ، فإذا تجاوز الكعبين؛ فإنه يكون إسبالاً للثوب أو الإزار أو البشت، والإسبال محرم، وهو من كبائر الذنوب، سواء قصده أو لم يكن قصده، إذا تركه يستمر، أما لو نزل اللباس عن الكعبين من غير قصد، ثم رفعه ولم يستمر؛ فلا إثم عليه في ذلك .(104/15)
487 ـ قال لي المدير بصوت واضح : لابدّ أن تحلق لحيتك وشاربك، وذلك شرط في قبولك في فنقد شهير وبراتب مغر جدًّا، وإنني فقير لا أملك شيئًا ولا أجد ما أعول به نفيس، وإنني أبحث عن عمل منذ مدة طويلة؛ ما رأي فضيلتكم ؟ هل أعمل بالفندق وأحلق لحيتي وشاربي؛ فوالله إنني محتاج جدًّا لهذه الوظيفة ؟
قص الشارب مشروع، ولا يجوز تركه يطول، وأما حلق اللحية؛ فهو حرام؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وإرخائها وإكرامها وإرسالها (9) ، ونهيه عن التعرض لها بحلق أو قص أو نتف أو إزالة بأي وسيلة، ولما في ذلك من مشابهة المجوس والمشركين والفسقة والمجرمين .
وتحصيل الوظيفة ليس عذرًا في حلق اللحية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب الإنكار على من يشترط ذلك في بلاد المسلمين، ورفع أمره إلى ولاة الأمور وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لردعه عن ذلك وتأديبه .
وعلى كل حال؛ فالوظائف والأعمال ولله الحمد كثيرة، وطلب الرزق ميسر بدون معصية الله ورسوله، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ سورة الطلاق : آية 2، 3 ] .(104/16)
كتاب البر والصلة
488 ـ حق الابن على أبيه في إيوائه وإسكانه ينتهي بمجرد بلوغه أم بزواجه ؟
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه؛ فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق، أما مادام أنه صغير أو كبير، ولكنه لم يستغن، ولم يقدر على الاكتساب؛ فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه، حتى يستغني وذلك بموجب القرابة .
489 ـ لقد حدث خلاف بين زوجي وأهلي على أمر من أمور الدنيا، ولقد أردت أن أقف إلى جانب أهلي؛ لأن طاعة الوالدين والإحسان إليهما فيه امتثال لأمر الله، ولكن منعني من ذلك ما سمعت من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا أعلم عن مدى صحتها؛ فمنها قوله ما معناه : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) [ رواه الترمذي في سننه ( 4/133 ) ] ، وحديث آخر يقول : ( لن يرضى الله عن المرأة حتى يرضى عنها زوجها ) (1) ، وقد حاولت الإصلاح بين الطرفين؛ فلم أفلح بأي شكل، أرجو أن ترشدوني بجانب من أقف؛ فأنا أخاف أن أغضب والدي، وأن أغضب الله، وأن أغضب زوجي، وأن لا أكون الزوجة المؤمنة الموفية بحقِّ الزوج كما يجب؛ كما أرجو أن توجهوا لهم النصيحة لعل الله ينفعهم بها ؟
أما حق الوالد؛ فلا شك أنه واجب، وهو حق متأكد، وطاعته بالمعروف والإحسان إليه قد أمر الله بها في آيات كثيرة، وكذلك حق الزوج حق واجب على زوجته ومتأكد؛ فلوالدك عليك حق، ولزوجك عليك حق، والواجب عليك إعطاء كل ذي حق حقه .
لكن ما ذكرت من وجود النزاع بينهما، ولا تدرين مع أيهما تقفين؛ فالواجب عليك أن تقفي مع الحق؛ فإذا كان زوجك محقًا وأبوك مخطئًا؛ فالواجب أن تقفي مع الزوج وأن تناصحي أباك، وإن كان العكس، وكان أبوك محقًّا وزوجك مخطئًا؛ فالواجب عليك أن تقفي مع أبيك وأن تناصحي زوجك؛ فالواجب أن تقفي مع الحق، وأن تناصحي المخطئ منهما .(105/1)
هذا ما يتعلق في موقفك مع أبيك أو مع زوجك في النزاع الذي بينهما، وحاولي الإصلاح بينهما قدر استطاعتك؛ لتكوني مفتاحًا للخير، ويزول على يدك هذا الشقاق وهذا الفساد، وتؤجري على ذلك؛ فإن الإصلاح بين الناس، ولا سيما الأقارب، من أعظم الطاعات .
قال تعالى : { لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [ سورة النساء : آية 114 ] .
وأما النصيحة التي نوجهها للطرفين؛ فالواجب عليهما تقوى الله عز وجل، والتعامل بالأخوة الإسلامية، وبحق القرابة والصهر الذي بينهما، وأن يتناسوا ما بينهما من النزاع، وأن يسمح كل واحد منهما للآخر؛ فإن هذا هو شأن المسلمين، وأن لا ينساقوا مع الهوى أو مع الشيطان، وأن يستعيذوا بالله من نزغات الشيطان .
490 ـ معلوم أن الزوجة مجبرة على طاعة زوجها كما في الحديث، ومأمورة أيضًا بطاعة والديها في غير معصية الله؛ فما الحكم إذا تعارضت الطاعتان؛ فأيهما تقدم ؟
لا شك أن المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى ومأمورة بطاعة زوجها وبطاعة والديها ضمن طاعة الله عز وجل، أما إذا كان في طاعة المخلوق من والد أو زوج معصية للخالق؛ فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة بالمعروف ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 8/106 ) بلفظ : في المعروف ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق (2) في معصية للخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/66 ) بلفظ : الله تبارك وتعالى . بدل . . . للخالق، ورواه الخطيب التبريزي في المشكاة ( 2/1092 ) ، ورواه غيرهم ] .
ولا شك أن حق الوالدين مقدم، وهو يأتي بعد حق الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ سورة النساء : آية 36 ] ؛ فحق الوالدين متأكد .(105/2)
فإذا كان الزوج سيحملها على معصية والديها وعلى عقوق والديها؛ فهي لا تطيعه في هذا؛ لأن حق الوالدين أسبق من حق الزوج، فإذا طلب منها أن تعتق والديها؛ فإنها لا تطيعه في ذلك؛ لأن العقوق معصية، ومن أكبر الكبائر بعد الشرك .
491 ـ رجل تزوج امرأة وخلفت له أولادًا، ثم توفيت قبل والدها، وبعد ذلك قام والدها وتصدق بثلث ماله على أولاد ابنته، وبعد أن تمَّ هذا توفي أحد الأولاد المتصدِّق عليهم، فبعض الناس يقولون : إن هذا الولد المتوفى ليس له نصي من صدقة جده؛ علمًا بأن ولده موجود، وكذلك والدته وإخوته؛ فهل يأخذون نصيبه على أنهم من الوارثين له أم لا ؟
هذا بسب نوعية الصدقة التي تصدق بها جدهم عليهم :
إذا كانت من باب التبرع لهم والتمليك لهم؛ فإنها تكون ملكهم ويكون ملك الابن المتوفى لورثته من بعده .
أما إذا كانت هذه الصدقة من باب الوقت على أولاد ابنته؛ فهذه يجري فيها على حسب شرط الواقف بالترتيب وعدم الترتيب بين المستحقين والبطون، وهذا يدخل في نظام الأوقاف، وترتيب البطون وعدم ترتيبها بحسب نص الواقف؛ فلابد فيها من الرجوع إلى المحكمة الشرعية . والله أعلم .
492 ـ هناك امرأة لها أبناء وبنت، وابنتها متزوجة، ولكن هذه الأم تركت العيش مع أبنائها وذهبت إلى زوج ابنتها لتسكن معه، على الرغم من قدرة أبنائها على إعالتها؛ فهل يجوز لها ذلك ؟ وهل على أولادها إثم في تركها تعيش مع زوج أختهم ؟ علمًا بأنها تتقاضى راتبًا من مصلحة الضمان الاجتماعي، وربما كانت تدفع منه شيئًا لزوج ابنتها مقابل مصروفها، أو هي تشتري منه ما يعادل مصاريف الإنفاق عليها، وإن لم يكن؛ فهل على زوج ابنتها مسؤولية الإنفاق عليها أم لا ؟
السكن مع ابنتها لابد له من سبب؛ فإما أن ابنتها بحاجة إلى سكناها معها، أو قد أغضبتموها حتى تركت السكن معكم، أو لستم على حالة مرضية في أخلاقكم وفي دينكم وذهبت من أجل ذلك .(105/3)
الحاصل أنه لابد من سبب لتركها السكن مع أبنائها وذهابها مع ابنتها .
وعلى كل حال؛ ينبغي لكم أو يجب عليكم أن ترضوا والدتكم، وأن تحرصوا على مجيئها إليكم، وسكناها معكم، والبر بها، والإحسان إليها؛ متى أمكنكم ذلك . وإن كانت سكناها عند غيركم بدون سبب فلا إثم عليكم .
أما كونها تنفق من مخصصها من الضمان الاجتماعي على نفسها؛ فهذا شيء لا بأس به .
وأما زوج ابنتها؛ فلا يلزمه أن ينفق عليها، ولكن إذا تبرع بذلك؛ فهذا شيء طيب، أما الوجوب؛ فلا يجب عليه .
ولكن أنتم ذكرتم أنها ليست بحاجة إلى نفقة زوج ابنتها؛ لأن لها مخصصًا من الضمان الاجتماعي، وأنها تدفع ما يقابل نفقتها؛ فهذا إغناء لنفسها، وفيه أيضًا استغناء عن الناس بما أغناها الله .
493 ـ أقمت أنا وزوجتي في بيت مستقل عن بيت أهلي، وذلك لكثرة المشاكل، وعاهدت زوجتي على عدم فراقها، وبعد مدة طلب مني والدي أن أرجع إلى البيت لأعيش معه أنا وزوجتي، ولكن زوجتي رفضت؛ فماذا أفعل ؟ هل أطيع والدي وأنقض العهد الذي بيننا ؟ وهل أدخل تحت قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : آية 34 ] ؟
لاشك أن حق الوالد على الولد عظيم، ومادام أن زوجتك لا ترغب في السكن في بيته؛ فإنك لا تلزمها، وبإمكانك أن تقنع والدك في ذلك، وتجعلها في بيت مستقل، مع اتصالك بوالدك وبره وإرضائه والإحسان إليه بما تستطيع .
وأما الطلاق؛ فيباح لك إذا احتجت إليه وتكفر عن يمينك، ولا يخالف قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : آية 34 ] لأن المراد به العهد الذي لا يحرم حلالاً .(105/4)
494 ـ نحن خمسة إخوة ذكور، ولنا أخت واحدة، وقد حصل بين والدنا ووالدتنا خلاف، ثم طلقها أبونا بعد ذلك، فتزوجت من رجل آخر، ولكن لم يكونا متفقين، بل كثيرًا ما تحدث مشكلات بينهما، فتأتي إلينا لتبقى عندنا بضعة أيام، ثم تعود إلى بيت زوجها، فكان أبونا كلما يراها تأتي إلينا؛ يغضب من ذلك، ولا يريد منا إيواءها ولا صلتها، وقد طلقها زوجها الآخر، ومع ذلك لا يريد والدنا أن تعيش معنا، بينما نحن فرحنا بسكناها معنا، لعلنا نقوم بشيء من الإحسان إليها والبر بها؛ امتثالاً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يمانع في ذلك؛ فما الحكم في موقف والدنا هذا ؟ وهل نطيع أمره ونترك والدتنا دون رعاية ودون مساعدة، أم نخالف أمره ونسعى في البر بها والعطف عليها ومكافأتها على ما قدمته لنا في صغرنا، ولو كان في هذا عصيانًا لوالدنا، ولا نأثم في ذلك ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
نشكر السائل على عنايته بوالدته، وشعوره بحقها وبرها .
أما ما سأل عنه من كون أبيهم لا يرضى بإيواء والدتهم وصلتهم؛ فإن ذلك لا يسوغ ولا يسقط عنكم حق والدتكم، ولا تطيعوه في هذا؛ لأن هذا معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فآووا والدتكم، وصلوها، وأنفقوا عليها .
أما في خصوص السكن معكم أو عدم سكنها : فإن كان المسكن للوالد؛ فإنه لا يجوز أن تسكن معكم؛ إلا برضاه وإذنه، مع تسترها وتحفظها منه وابتعادها عنه، فإن لم يرض بذلك؛ فبإمكانكم أن تهيئوا لها مسكنًا آخر غير المسكن الذي يملكه والدكم ويسكنه، أما إذا كان المسكن لكم أنتم، ووالدكم يسكن معكم؛ فإنه لا حق له في منع الوالدة من سكنها في بيتكم وملككم، ولا حق له في منعكم من برها والإحسان إليها، ولا سيما وأنها محتاجة، وهي غير ذات زوج، وأنتم أولادها .
495 ـ سمعت من بعض النساء بأن للأم أن تسبي ابنها سبع سبيات؛ أي : تأخذ من ماله بدون علمه؛ فما مدى صحة هذا القول ؟(105/5)
للوالد أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/179، 204، 214 ) ، كلها نحو بعضها البعض . ورواه أبو داود في سننه ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/769 ) ] ، وقوله : ( أنت ومالك لأبيك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/179، 204، 214 ) ، كلها نحو بعضها البعض . ورواه أبو داود في سننه ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/769 ) ] ، وهذا في حق الأب لا شك فيه، وكذلك في حقّ الأم؛ لأنها كالأب على الصحيح؛ تأخذ من مال ولدها ما تنتفع به، وتسد به حاجتها؛ ما لم يكن بذلك إضرار على الولد، أو أن تتعلق به حاجة الولد . والله تعالى أعلم .
496 ـ لدي أولاد وبنات؛ فهل يجوز لي أن أعطي النبات دون الأولاد، مع أن الأولاد في وظائف، ويعطونني، لكنني أرفض، والبنات متزوجات ؟
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في العطية بين الأولاد، قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/134 ) ] ؛ فلا يجوز للوالد أن يخصص بعض أولاده بعطية ويترك الباقين، بل عليه أن يسوي بينهم في العطية، ويعدل بينهم؛ كما أمر الله تعالى بذلك، ولو كان بعضهم في وظائف وبعضهم ليسوا موظفين؛ فالعدل واجب .
497 ـ إذا كان والد شخص ما مريضًا، وذهب به إلى إحدى المستشفيات، وقرروا إجراء عملية له، ولكن الوالد رفض إجراء هذه العملية؛ خوفًا على حياته، ورغبة من ابنه في شفاء والده من هذا المرض؛ أجبر والده على الموافقة، أو احتال عليه حتى أجريت تلك العملية دون علمه ودون موافقته؛ فهل يعتبر هذا عقوقًا لوالده يأثم عليه؛ علمًا أن الدافع له محبته لوالده وطمعه في شفائه مما يعاني من مرض، ولو فرضنا وحصلت الوفاة نتيجة هذه العملية التي تسبب فيها ابنه؛ فهل يلحقه إثم بذلك أم لا ؟(105/6)
تذكر أيها السائل أن والدك أصيب بمرض، وهو يحتاج إلى عملية جراحية، ولكنه لا يرغب في ذلك، وأنك ألححت عليه أو احتلت عليه حتى أجريت له؛ فهل عليك في ذلك إثم ؟
لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنك تريد له المصلحة، ولم ترد به الضرر؛ فأنت محسن، ويرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو توفي من أثر هذه العملية، مادامت أنها عملية جارية مجراها الطبي ولم يحصل فيها تفريط، والطبيب من أهل الخبرة، وتوافرت الشروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ سورة التوبة : آية 91 ] ، والله تعالى أعلم .
498 ـ أنا رجل متزوج من إحدى الدول العربية، ولقد أرسلت زوجتي لوالديها لزيارتها، ولكن والدها يشرب الدخان ويحلق لحيته وكان لا يصلي، ولكنه الآن ولله الحمد يؤدي جميع الفرائض في المسجد، وكذلك أم زوجتي تجلس معنا متبرجة، ولقد نبهناها إلى الصلاة، وهي تصلي الآن؛ فما حكم ذلك ؟
الواجب عليك الاستمرار في مناصحة والد زوجتك في ترك حلق اللحية وشرب الدخان لأنهما محرمان ومعصية لله عز وجل ومنكر ظاهر، لكن عليك في مناصحتك له في تركهما باستعمال الحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك والدة زوجتك، عليك بتعليمها الحجاب الشرعي، ونهيها عن السفور، لعل الله يهدي الجميع على يديك، ويكون لك في ذلك الأجر العظيم من الله تعالى .(105/7)
الجامع للأحكام
499 ـ أنا شاب والحمد لله، تبت إلى الله تعالى، وتركت جميع المعاصي التي كنت أرتكبها، وأصبحت شابًّا ملتزمًا، ولكن هناك مشكلة تعذّبني لم أتركها، وقد عجزت عنها، وهي العادة السرية، قد يكون الجواب بأن أتزوج، فأنا فكرت في هذا، ولكن أهلي لا يوافقونني، ورفضوا زواجي، مع أنني أستطيع الصرف على الزواج؛ فما الحل جزاكم الله خيرًا ؟
الحل بأن تتزوج، مادام أنك تستطيع النفقة على الزواج؛ فتزوج، وليس لأهلك الحق بأن يمنعوك من الزواج؛ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم . . . ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/228، 229 ) ] .
فإذا كان بمقدورك القدوم على الزواج من ناحية المال، وأنت تريد المحافظة على عرضك؛ فالواجب عليك أن تتزوج، ولا يجوز لأحد، لا لوالديك أو غيرهما، أن يمنعوك ويعترضوا عليك على هذا الأمر .
500 ـ أنا شاب أعيش بمفردي، وفي سن يسمح لي بالزواج، ولكن إمكانياتي المادية لا تسمح بالإنفاق على الزواج، وأمارس العادة السرية كثيرًا؛ فما هو حكم الشرع في ذلك ؟
لا تجوز ممارسة العادة السرية؛ لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [ سورة المؤمنون : آية 5-7 ] ؛ فلم يبح سبحانه ممارسة هذه الشهوة إلا في الزوجة أو ملك اليمين، وجعل ممارستها في غير ذلك من العدوان، ومن ذلك العادة السرية .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يخاف على نفسه من الشهوة وهو لا يستطيع الزواج إلى الصوم .(106/1)
قال صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/228، 229 ) ] .
هذا هو الحل الوحيد الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعليك به أيها السائل، وعليك بالصبر وانتظار الفرج .
قال تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ سورة النور آية : 33 ] . والله أعلم .
501 ـ كان لي عم ليس له زوجة ولا أولاد، ويملك قطعة أرض زراعية، وكنت أنا الذي أعوله، وأقدم كل ما يحتاجه؛ من مسكن وطعام وشراب وكساء دون أجر، وأعامله معاملة والدي، ووالدي متوفى، وله أخو آخر، فأردت أن أشتري قطعة الأرض التي يملكها عمي؛ حيث إنه عاجز عن العمل، وأردت أيضًا أن أحرم عمي الآخر من قطعة الأرض، الذي هو أخوه، فاشتريتها بموافقة عمي وإرادته، دون إكراه على ذلك، وأشهدت ثلاثة شهود على عقد البيع، ثم أخذت المبلغ منه سلفًا، وتوفي بعده، فقمت بتكاليف الوفاة، ومن ثم اشتريت له بقرة كأضحية له؛ فهل هذه البقرة التي ذبحتها أضحية له تعتبر من ثمن الأرض؛ لأن له وريثًا آخر هو أخوه ؟ وهل المبلغ المتبقي لي حق به أم كله لعمي أم ليس لنا جميعًا حق به ؟ وماذا أفعل به في هذه الحالة ؟
أما مسألة شرائك الأرض من عمك؛ إذا كان القصد من ذلك حرمان الورثة وحيازة الأرض لك؛ فهذا بيع باطل، إذا كان يقصد به الإلجاء أو التلجئة وحرمان الورثة والمحاباة منه لك؛ فهذا بيع باطل، والأرض تكون تركة للميت لورثته .
وأما قضية البقرة التي ذبحتها لعمك بعد وفاته، فإن كان عملك أوصى بذلك؛ فلا حرج في ذلك، تعتبر أضحية إذا كانت في وقت الأضحية أو صدقة، أما إذا لم يكن عمك أوصى بها؛ فإنها تكون من مالك أنت لا من تركته؛ لأنه لا يجوز لك التصرف بعد وفاته في شيء من ماله؛ لأنه أصبح حقًّا للورثة .(106/2)
أما قضية الإرث؛ فلا حق لك فيه مادام عمك موجودًا إذا كان أخًا شقيقًا للميت أو أخًا لأب وإن كان أخًا له من أمه فله السدس ويكون الباقي لك إن لم يخلف غيرك .
502 ـ تجري عادة عند بعض الأشخاص المشتغلين بتربية المواشي، وهي إجراء عملية الخصي للذكور منها؛ رغبة في تسمينها؛ فهل هذا جائز أم لا ؟ كذلك عملية الوسم؛ أي : وضع علامة على أذن الحيوان؛ بكيها بالنار، أو قطعها، ونحو ذلك؛ مما يسبب ألمًا شديدًا له؛ فهل في ذلك إثم على فاعله أم لا ؟
يجب الإحسان بالحيوانات، وعدم إلحاق الضرر بها من غير مصلحة شرعية، ويجب الرفق بها .
أما مسألة خصي الحيوان لأجل تسمينه، أو وسمه لأجل أن يعرف إما بقطع أذنه أو كيه أو ما أشبه ذلك؛ فلا بأس بذلك؛ لأن هذا لمصلحة، لكن يجب أن يستعمل مع الحيوان في إجراء هذه العملية الأسهل، وألا يستعمل في طريقة الخصي أو طريقة الوسم الطريقة المؤلمة التي تؤذي الحيوان بدون فائدة .
على أنه يحرم أن يحصل الوسم في الوجه، فيتجنب وجه الحيوان؛ فلا يؤذيه بكي ولا بقطع ولا بضرب ولا بغير ذلك؛ لأنه منهي عن ضرب الوجه والوسم بالوجه، أما الوسم في الأذن؛ فلا بأس بذلك، سواء كان بقطع طرف منها أو خرقها أو كيها بنار؛ لأنه لمصلحة، لكن عليه أن يستعمل الطريقة المريحة في هذا .
503 ـ أحيانًا وأنا أقود سيارتي بسرعة تتعرض لي بعض القطط أو الكلاب؛ فلا أستطيع السيطرة على السيارة، فأدهسها على الرغم مني؛ فهل عليَّ إثم في هذا أم لا ؟(106/3)
الحيوانات لها حرمة، لا يجوز الاعتداء عليها وقتلها؛ إلا إذا كانت مؤذية؛ كالسباع والحيات والأشياء المؤذية، أما الحيوانات غير المؤذية؛ فهذه لا يجوز قتلها، وإذا كانت عرضت لك في طريق وأنت في السيارة؛ فعليك أن تحافظ على حياتها، وأن تترك لها فرصة المرور، أما إذا لم تتمكن من ذلك، ودهستها من غير قصد، ولم تتمكن من الامتناع عنها؛ فلا حرج عليك من ذلك، إنما تأثم لو تعمدت قتلها بدون مبرر؛ لأنها حيوانات لها حرمة وليست مؤذية .
504 ـ لقد تعددت الأقوال والفتاوى حول لعب الأطفال؛ فما الحكم في العرايس والحيوانات المجسمة ؟ هناك من أجاز اقتنائها شرط إهانتها وعدم الاهتمام بها، وهناك من حرمها كلية؛ فما هو الحكم الصحيح ؟ وما هو حكم استخدام البطاقات التي عليها صور لتعليم الأطفال الحروف والأرقام وكيفية الوضوء والصلاة؛ أخبروني ما حكم الله ؟ !
لا يجوز اقتناء الصور لذوات الأرواح؛ إلا الصور الضرورية؛ كصور حفيظة النفوس، والبطاقة الشخصية، ورخصة القيادة . . . وما عداها من الصور؛ فلا يجوز اقتناؤه للعب الأطفال أو لأجل تعليمهم؛ لعمومات النهي عن التصوير واستعماله .
وهناك لعب للأطفال كثيرة من غير الصور، وهناك وسائل لتعليمهم غير الصور، ومن أجاز اقتناء الصور للعب الأطفال؛ فقوله مرجوح؛ لأنه يعتمد على حديث لعب عائشة رضي الله عنها يوم أن كانت صغيرة (3) ، وحديث عائشة قيل : إنه منسوخ بالأحاديث التي تحرم التصوير، وقيل : إن الصور المذكورة فيه ليست على شكل الصور الموجودة الآن، وإنما كانت من الخرق والعيدان المعروفة في وقتهم، ولا تمثل شكل الحيوان كما تمثله الصور المعروفة الآن، وهذا هو الراجح، والله أعلم، والصورة المعروفة الآن تمثل الحيوان بدقة، بل منها ما هو متحرك كحركة الحيوان .
505 ـ ما حكم الصور والرسوم الموجودة بملابس الأطفال؛ حيث إنه لا يخلو لبس من هذه الملابس من هذه الصور ؟(106/4)
لا يجوز شراء الملابس التي فيها صور ورسوم ذوات الأرواح من الآدميين أو البهائم أو الطيور؛ لأنه يحرم التصوير واستعماله؛ للأحاديث الصحيحة التي تنهى عن ذلك وتتوعد عليه بأشد الوعيد؛ فقد لعن صلى الله عليه وسلم المصورين (4) ، وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة (5) ؛ فلا يجوز لبس الثوب الذي فيه صورة، ولا يجوز إلباسه الصبي الصغير، والواجب شراء الملابس الخالية من الصور، وهي كثيرة ولله الحمد .
506 ـ ما حكم لعبة الشطرنج ولعب الورق من غير دراهم ؟
المسلم يترفع عن الدنايا وعن السفاسف، ويلازم الأمور النافعة والجادة والمفيدة، ويحفظ وقته عما لا فائدة فيه .
أما لعب الشطرنج؛ فإنه حرام بقول جماهير أهل العلم، سواء كان بعوض أو بغير عوض، وقد كان السلف يحذرون منه غاية التحذير، وينهون عنه أشد النهي، وهو قريب من النرد؛ فلا يجوز لعب الشطرنج .
وقد كتب أهل العلم في التحذير منه كتابة واضحة وصريحة بتحريمه؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموعة الفتاوى الكبرى " ، وكذلك الإمام ابن القيم في كتاب " الفروسية " ، وكذلك الإمام الآجري؛ فإن هؤلاء العلماء والأئمة الكبار كتبوا في تحريم الشطرنج كتابات واضحة ومفيدة .
فيجب على المسلم أن يبتعد عنه، ولا خير فيه، وهو لعبة محرمة، سواء أخذ عليه عوضًا أم لم يأخذ، وإذا أخذ عليه العوض؛ فإنه أشد، ويكون من أكل المال بالباطل والعياذ بالله، ومن الكسب الحرام؛ فهو الميسر والقمار المحرم بنص القرآن الكريم، وهو قرين الخمر .
وكذلك لعب الورق – ورق البالوت -؛ هذا أيضًا : إذا كان بعوض؛ فهو الميسر والقمار الذي جعله الله قرينًا للخمر وأخبر أنه رجس من عمل الشيطان وأخبر أنه يوقع العداوة والبغضاء؛ فهو حرام شديد التحريم .(106/5)
أما إذا كان بدون عوض؛ فإنه يحرم أيضًا؛ لأنه يضيع الوقت على الإنسان، وربما يسهر في هذه اللعبة ويترك صلاة الفجر مع الجماعة أو في الوقت، وأيضًا يختلط الإنسان بأشكال من الناس غير مرغوب فيها، ويحصل في أثناء اللعب من الكلام البذيء والشتم وغير ذلك ما لا يخفى .
فعلى المسلم أن يبتعد عن هذه الألعاب الدنيئة التي تضيع عليه وقته في غير فائدة .
507 ـ قرأت في إحدى الصحف عن شيخ قوله : إنه لا يوجد حديث يدل على تحريم الغناء، وإنما التحريم للمعازف، وهي ما تسمى الموسيقى ؟
الأدلة على تحريم الإغاني كثيرة :
منها قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ . . . } [ سورة لقمان : آية 6 ] الآية؛ فقد فسر لهو الحديث بأنه الغناء أكابر الصحابة، ومنهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (6).
وفي صحيح البخاري عن قوم في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (7) .
ومن أراد المزيد؛ فليراجع كتاب " الكلام على مسألة السماع " للإمام ابن القيم، وكتاب " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " له أيضًا، وغيرهما مما كتب في هذا الموضوع .
508 ـ أنا شاب يوسوس لي الشيطان أحيانًا؛ ماذا أعمل لرد وسوسته ؟
وسوسة الشيطان ترد بالاستعاذة بالله من الشطيان، وعدم الالتفات إلى وسوسته، والوسوسة لا تضر ما لم يتكلم الإنسان؛ فعلى المسلم أن يرفضها ويتركها ولا يلتفت إليها، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
509 ـ أنا فتاة في العشرين من العمر، مؤمنة ولله الحمد، أعاني من مشكلة الوساوس، وعلى وشك الجنون من هذا المرض النفسي الذي عانيت منه ثلاث أو أربع سنوات، ولم أفلح أن أدفعه عني، أريد أن أعرف : هل يسلط الله على عباده هذا الشيطان الرجيم امتحانًا لهم أم ماذا ؟ والذي لا يستطيع دفعه؛ ماذا عليه أن يفعل ؟ نرجو النصيحة .(106/6)
في الحقيقة أن الوسوسة مرض خطير، وهي من كيد الشيطان لبني آدم، يريد بذلك مضايقتهم وتضليلهم وإشغالهم عن طاعة ربهم، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من هذه الوسوسة، وأنزل في ذلك سورة كاملة .
قال تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ } [ سورة الناس : آية 1 إلى آخرها ] .
فهذا الشيطان له وسوسة مع بني آدم، ويشتد ذلك في حق المؤمنين، ولكن يعالج بأمرين :
1ـ أن المؤمن لا يلتفت لهذه الوسوسة، بل يرفضها رفضًا تامًّ؛ لأنها من الشيطان ولا تضره .
2ـ أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن المؤمن إذا اشتغل بذكر الله؛ ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال سبحانه وتعالى في حقه : { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } [ سورة الناس : آية 4 ] ؛ أي أنه يوسوس للعبد مع غفلته عن ذكر الله، ويخنس – أي : يبتعد – عنه عندما يذكر العبد ربه عزّ وجلّ، ولهذا وصفه أنه وسواس خناس .
والذي أنصح به للسائلة ولأمثالها أن تعمل بهاتين الخصلتين، وهما :
أولاً : عدم الالتفات لهذه الوسوسة، وعدم الاكتراث بها والانفعال معها، ثم تزول بإذن الله؛ لأن الإنسان إذا أعطاها اهتمامًا والتفت إليها؛ زادت وتمكن منه الشيطان .
الثاني : الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتلاوة القرآن، والاستعاذة بالله من الشيطان، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وتكرار ذلك، وبهذا يزول بإذن الله .
510 ـ هل يجوز دخول دورات المياه بالكتب الإسلامية والأشرطة النافعة من القرآن والمحاضرات ؟(106/7)
الأصل كما ذكر أهل العلم : لا يجوز دخول الحمام – وهو محل قضاء الحاجة – بشيء فيه ذكر الله عزّ وجلّ، لا المصحف، ولا الأحاديث المكتوبة، ولا شيء فيه اسم الله عز وجل؛ إلا إذا خاف عليه من السرقة أو الضياع؛ فلا بأس أن يدخل به، مع الاحتفاظ به، وجعله في داخل جيبه، أو في مكان مغطى داخل ثيابه .
أما الأشرطة؛ فلم يتبين لي فيها شيء؛ فهي ليس مثل المصحف والكتاب؛ لأنه لا يوجد بها كتاب، وإنما هي عبارة عن صوت مخزون .
511 ـ إذا سلَّم المذيع في الرائي أو الإذاعة أو سلَّم الكاتب في المجلة؛ فهل يجب رد السلام والحالة هذه ؟
يجب رد السلام؛ إذا سمعه الإنسان مباشرة، أو بواسطة كتاب موجه إليه، أو بواسطة وسائل الإعلام الموجهة إلى المستمعين؛ لعموم الأدلة في وجوب رد السلام .
قال تعالى : { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ سورة النساء : آية 86 ] .
512 ـ هل يُسنُّ لمن دخل مسجدًا أن يسلم؛ سواء كان فيه أحد أم لا؛ لأننا سمعنا أن من دخل المسجد لابدّ له من السلام على الملائكة ؟
داخل المسجد إذا وجد فيه أحدًا؛ فإنه يستحب له أن يسلم عليه، وإن لم يجد فيه أحدًا؛ فلا يسلم؛ لأنه لا يجد من يرد عليه السلام، ولا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، هذا هو المشروع في حق من دخل المسجد يريد الجلوس فيه .
513 ـ ما حكم استخدام الوسائل التعليمية من فيديو وسينما وغيرهما في تدريس المواد الشرعية كالفقه والتفسير وغيرها من المواد الشرعية ؟ وهل في ذلك محذور شرعي ؟ أفتونا مأجورين .
الذي أراه أن ذلك لا يجوز؛ لأنه لابدّ أن يكون مصحوبًا بالتصوير، والتصوير حرام، وليس هناك ضرورة تدعو إليه . والله أعلم .(106/8)
514 ـ ما معنى الحديثين : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/2 ) ] ، والآخر : ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) [ رواه الدارقطني في سننه ( 4/171 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/198 ) كلاهما بنحوه ] ؟
معنى الحديث الأول : أن المعتبر في أعمال العبادات نية صاحبها، لا صورها الظاهرة؛ فمن كان يقصد بعمله وجه الله وثوابه؛ فعبادته صحيحة؛ بشرط أن تكون موافقة لما شرعه الله ورسوله، ويرجى له فيها الثواب، ومن كان يقصد بعمله رثاء الناس ومدحهم له، أو يقصد به طمعًا من مطامع الدنيا؛ فعمله باطل، لا ثواب له عليه .
قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [ سورة الماعون : آية 4- إلى آخر السورة ] .
وقال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود : آية 15، 16 ] .
وكذلك؛ من أراد نافلة؛ لم تجز عن فريضة . . . إلى غير ذلك . والله أعلم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان . . . " الحديث؛ فمعناه : أن الله سبحانه لا يؤاخذ المخطئ والناسي؛ لأنهما لا قصد لهما، فمن أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان وهو صائم؛ فإن ذلك لا يؤثر على صيامه . . . ونحو ذلك .
وكذلك لا يؤاخذ الله من فكر في نفسه بعمل معصية قولية أو فعلية، لكنه لم ينفذ ما فكر فيه، مع تمكنه منه؛ فإنه لا يأثم على مجرد نيته، وهذا من فضل الله على عباده، وحثهم على فعل الطاعات وترك المعاصي والمحرمات .(106/9)
515 ـ والدي وإخواني مدمنون على مشاهدة التلفاز، وقد قمت بإحراقه دون علمهم؛ ليتركوه، ولكنهم اشتروا غيره . . . فماذا تنصحهم وتنصحني ؟
الواجب عليك نهي والدك وإخوانك عن مشاهدة أو استماع ما فيه فتنة مما يعرض في التلفاز أو الفيديو، والواجب عليهم هم أن يقبلوا النصيحة؛ لأن ذلك من مصلحتهم، والحق ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والواجب عليك الاستمرار في مناصحتهم، لعل الله يهديهم، أو على الأقل تبرأ ذمتك بإقامة الحجة عليهم .
516 ـ ما حكم مشاهدة المسلسلات التي تذاع بالتلفزيون ؟
على المسلم أن يحفظ وقته فيما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته؛ لأنه مسؤول عن هذا الوقت الذي يقضيه؛ بماذا استغله ؟
قال تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } [ سورة فاطر : آية 37 ] .
وفي الحديث : أن المرء يسأل عن عمره فيما أفناه . . . (8).
ومشاهدة المسلسلات ضياع للوقت؛ فلا ينبغي للمسلم الانشغال بها، وإذا كانت المسلسلات تشتمل على منكرات؛ فمشاهدتها حرام، وذلك مثل النساء السافرات والمتبرجات، ومثل الموسيقى والأغاني، ومثل المسلسلات التي تحمل أفكارًا فاسدة تخل بالدين والأخلاق، ومثل المسلسلات التي تشتمل على مشاهد ماجنة تفسد الأخلاق؛ فهذه الأنواع من المسلسلات لا تجوز مشاهدتها .
517 ـ هل في هذه الأسماء محذور شرعي من تزكية النفس ونحوه : إيمان، أبرار، زكية، غفران ؟ !
لا تحرم التسمية بهذه الأسماء، ولكن الأولى ترك التسمية بها؛ لما في ذلك من التزكية، ولأنه قد يقال : هل هنا إيمان ( ونحو ذلك ) ؟ فيقال : لا . فيحدث شيء من الكراهية النفسية؛ كما جاء في الحديث النهي عن مثل هذه التسمية لهذه العلة (9) . والله أعلم .
518 ـ أعمل بشركة تجارية وهي تقوم بين الحين والآخر بإقامة حفلات تشتمل على عرض مبيعاتها وتكريم عملائها، وتطلب مني قراءة القرآن؛ كافتتاح للحفل؛ فهل هذا جائز ؟(106/10)
إذا كانت هذه الشركة تبيع شيئًا من المحرمات؛ كالدخان، وآلات اللهو، أو الصور؛ فلا تجوز قراءة القرآن في الاحتفالات التي تقيمها؛ لأن القرآن العظيم يصان ويعظم عن مثل هذا، أما إذا كانت معروضاتها سلعًا مباحة؛ فلا بأس بقراءة القرآن في احتفالاتها، إذا لم تشتمل هذه الاحتفالات على شيء من هذه المنكرات؛ كالأغاني، والموسيقى، أو اختلاط النساء بالرجال، أو حضور نساء غير محجبات . . . أو غير ذلك من المنكرات .
519 ـ اشتريت مجموعة كبيرة من الأسماك الحية من أطفال بمكة، وبعد مدة من الزمن؛ علمت أن مصدر هذه الأسماك هو منطقة في مكة يوجد فيها الماء الجاري دائمًا، وتعيش هذه الأسماك فيها؛ فهل يلحق بي الإثم في تربية أو أكل ما اشتريت من هذه الأسماك ؟
لا يجوز اصطياد الصيد في الحرم؛ لا السمك ولا غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 26/117 ) : " ولا يصطاد به صيد، وإن كان من الماء؛ كالسمك على الصحيح " . انتهى .
وقال في " الزاد وشرحه " ( 4/26 ) : " ولا يحرم صيد البحر إن لم يكن بالحرم " .
قال ابن قاسم في " الحاشية " : " فإن كان بالحرم؛ حرم صيده، جزم به غير واحد، وصححه في التصحيح وغيره والشارح والشيخ وغيرهما؛ لأن التحريم فيه للمكان " انتهى .
فعليه؛ لا يحل للسائل صيد هذه الأسماك التي تعيش في ماء بالحرم، ولا أكلها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحرم : ( ولا يُنفر صيده ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/94 ) ] . والله أعلم .
520 ـ هل في إلقاء بقايا الأكل من الإدام والخضار في دورات المياه ذنب أو حرمة خاصة، وخاصة بأنه لا يوجد مكان لإلقاء تلك الفضلات ؟
لا يجوز إلقاء شيء من الطعام في المحلات القذرة والمحلات النجسة كالحمامات؛ لأن هذا فيه إهدار وإساءة إلى النعمة وعدم شكر الله .(106/11)
وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم تمرة في الطريق، وقال : ( لولا إني أخشى أن تكون من الصدقة؛ لأكلتها ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/5 ) بلفظ : لولا أن تكون صدقة . . ] ، وأمر صلى الله عليه وسلم الآكل بلعق أصابعه قبل أن يغسلها أو يمسحها بالمنديل (10)، وأمر بأخذ اللقمة إذا سقطت وإماطة ما عليها وأكلها (11).
فدل هذا على أنه لا يجوز إلقاء شيء من الطعام أو من التمر أو من المأكولات في المحلات القذرة والنجسة، بل النعم تصان وتحترم ويحتفظ بها؛ لأن ذلك من شكرها؛ ولأن هذه النعم ربما يأتي من يحتاجها ويأكلها، ولو من البهائم؛ فإلقاؤها في المزابل لا يجوز .
وبهذا نعلم خطورة ما يرتكبه بعض المسرفين الذين يعملون الأطعمة الكثيرة التي تزيد عن الحاجة، ثم يلقونها في القمامات، وفي صناديق القمامة، أو في القاذورات . هذا من الاستهانة بنعم الله، ومن الإسراف الذي حرمه الله؛ فيجب على المسلمين أن ينتبهوا لذلك . والله أعلم .
521 ـ هل يحل لنا أكل الأطعمة التي تأتي معلبة من دول غير أهل الكتاب، وبالذات اللحوم التي يكتب أحيانًا عليها ذبح على الشريعة الإسلامية، وغالبًا تكون مكتوبة باللغة الإنجليزية ؟
أما المعلبات من الأطعمة غير اللحوم من الأجبان ومن الخضراوات ومن الأشربة الغازية وغير ذلك؛ فلا حرج في أكلها وشربها؛ لأن الأصل في الأطعمة والأشربة الحل؛ إلا ما دل الدليل على تحريمه؛ كالمسكرات والأشياء المشتملة على مواد محرمة؛ فإن كانت ليس فيها شيء من الكحول، وليس فيها شيء من شحم الخنزير ومشتقاته؛ فإن الأصل فيها الحل .
أما إذا علمنا أن هذه المعلبات تشتمل على شيء محرم من الكحول أو من لحم الخنزير ومشتقاته؛ فإنه يحرم علينا استعماله؛ لأنها أصبحت مخلوطة بمادة محرمة .
أما إذا لم نعلم عنها شيئًا؛ فالأصل الحل .
أما إذا كانت هذه المعلبات من اللحوم؛ فهذا فيه تفصيل :(106/12)
إذا كانت هذه اللحوم مستوردة من دولة غير كتابية؛ فإنها لا تحل؛ كالمستوردة من الشيوعيين والوثنيين وسائر الكفرة؛ لأن ذبائح الكفار غير الكتابيين لا تحل، وهي ميتة .
أما إذا كانت مستوردة من بلاد كتابية، وهي بلاد النصارى أو بلاد اليهود؛ فإن الله سبحانه وتعالى أباح لنا أكل ذبائحهم إذا ذبحوها على الطريقة الشرعية، قال تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .
522 ـ ما حكم الامتناع عن الطعام لمدة محدودة أو غير محدودة؛ خاصة في السجن؛ حيث إن الامتناع عن الطعام هو الوسيلة الوحيدة أمام السجين للمناداة بحقوقه الإنسانية داخل السجن ؟
الامتناع عن الطعام من أجل الاحتجاج إذا كان يضره أو يتسبب في هلاكه؛ فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ سورة البقرة : آية 195 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ سورة النساء : آية 29 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/327 ) ، ورواه الإمام مالك في الموطأ ( 2/745 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/784 ) ، ورواه الدارقطني في سننه ( 4/227 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/57، 58 ) ، ورواه غيرهم ] .
أما إذا كان الامتناع عن الطعام لا يضره، وهو يؤدي إلى غرض مباح؛ فلا بأس به؛ إذا كان مظلومًا ويريد أن يتخلص به من الظلم .
523 ـ ما رأي فضيلتكم فيمن يتعلم من المسلمين الطب والمخترعات الحديثة بقصد إغناء المسلمين عن الحاجة إلى الكفار والمشركين ؟
لا بأس في ذلك، ويؤجر عليه، لكن بشرط أن يكون قد تعلم من دينه ما يحتاج إليه؛ فلابد أن يتعلم أولاً أمور الدين الضرورية التي لا يعذر أحد بتركها، ثم يتعلم بعد ذلك أمور الطب وغيرها من العلوم، أما أن يقبل على أمور الطب والعلوم الأخرى؛ وهو يجهل أمر دينه؛ فهذا لا يجوز .(106/13)
524 ـ ما حكم من يأكل على الصحف والجرائد ويجلس عليها ؟
لا يجوز الأكل والجلوس على الصحف والجرائد التي تشتمل على شيء من ذكر الله أو شيء من الآيات أو الأحاديث النبوية أو تتضمن شيئًا من الفتاوى والأحكام الشرعية؛ لأن هذا العمل يعتبر امتهانًا لذكر الله وآياته وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأحكام الشرعية، والواجب أن ترفع هذه الصحف والجرائد المتضمنة لشيء مما ذكر، أو يؤخذ الجزء المشتمل منها على شيء مما ذكر ويستعمل الباقي الخالي من ذلك .
أما الصحف والجرائد التي لا تشتمل على شيء من ذكر الله أو شيء من القرآن أو الأحاديث؛ فلا بأس في استعمالها؛ لعدم المحذور في ذلك . والله أعلم .
ويجب على المسؤولين عن إصدار الصحف والمجلات التي تشتمل على ذكر الله أو على شيء من الآيات والأحاديث أن ينبهوا القراء على وجوب احترامها والعناية بها، وذلك بكتابة تنبيه يوضع في أول الصحيفة أو على غلاف المجلة .
525 ـ هناك أيتام يأتيهم مال ونفقة لهم؛ فهل يجوز لوالد أمهم أن يأكل معهم من مالهم؛ سواء زيارة أو دائمًا ؟
إذا كان في زيارة؛ فلا بأس أن يأكل معهم في بعض الأوقات، أما أن يأكل معهم دائمًا، ولا ينفق من ماله؛ فهذا لا يجوز له، لكن يجوز أن يخلط طعامه معه طعامهم ويأكل معهم، أما أن يعتمد على طعامهم دائمًا؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه يوفر ماله ويأكل مال الأيتام .
قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ } [ سورة البقرة : آية 220 ] ، ومعنى الآية الكريمة : أنه لا بأس أن يخلط طعامه مع طعامهم، ولا يأكل منفردًا؛ لما في ذلك من الحرج .
526 ـ نسمع كثيرًا كلمات لا نعرف مدلولها؛ مثل : ( لا ينبغي ) وكلمة ( مكروه كراهة التنزيه ) . . . إلى غير ذلك من العبارات؛ فما معناها ؟(106/14)
كلمة ( لا ينبغي ) : قد يراد بها التحريم، وقد يراد بها كراهة التنزيه، والقرينة هي التي تعين المراد بها .
وقولهم : ( مكروه كراهة تنزيه ) : المراد به ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله مما جاء النهي عنه نهيًا غير جازم؛ لمجيء ما يصرفه عن التحريم؛ بخلاف المكروه كراهة التحريم؛ فهذا يثاب تاركه ويعاقب فاعله، وهو ما جاء النهي عنه جازمًا، ولم يصرف صارف عن التحريم .
527 ـ ما هو التعزير؛ فكثيرًا ما أسمع هذه الكلمة وأجهل معناها ؟
التعزير : لغة : التأديب، وشرعًا : هو التأديب في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة .(106/15)
المجلد الرابع(/)
كتاب الطهارة
1 ـ إذا أصاب الثوب بول أي أصابته نجاسة فهل يكفي أن نرش على موضع النجاسة ماء حتى يبتل المكان بالماء أم لابد من غسل المكان الذي أصابه البول وليس رشه بالماء فقط ؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله :
إذا أصاب الثوب نجاسة من البول أو دم الحيض أو عذرة أو غير ذلك من النجاسات يجب غسله غسلاً كاملاً، بأن يغسل حتى تزول النجاسة، وحتى يتيقن زوال النجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم للحائض لما سألته عن دم الحيض يصيب الثوب قال : ( تحته ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص240 من حديث أسماء رضي الله عنها بنحوه ] فأمر بِحَتّه أولاً " أي يحك " ثم تقرصه بالماء " أي تفركه بالماء " حتى يتحلل ما بداخل الثوب من الدم ثم تنضحه بالماء بعد قرصه لأجل أن يزول أثر النجاسة .
ذلك يدل على أنه لابد من المبالغة في غسل النجاسة حتى تزول سواء كانت بولاً أو عذرة أو دماً أو غير ذلك ولا يكفي نضحها إلا ما ورد في مسألتين وهما :
مسألة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام فإنه يكفي نضحه بالماء " أي رشه بالماء " لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص76، 97، 137 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص101 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص 174، 175 . ورواه الدارقطني في سننه ج1 ص 129 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص165، 166 . كلهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنحوه ] . والمسألة الثانية مسألة المذي إذا أصاب الثوب فإنه يكفي نضحه لأن نجاسته مخففة مثل بول الغلام نجاسة مخففة أما النجاسة المغلظة فلا يكفي فيها النضح ولا الرش بل لابد من غسلها ثلاث مرات فأكثر حتى تزول النجاسة .
2 ـ بعد البول يخرج مني سائل لا أدي هل هو مذي أم مني ثم أستنجي وأصلي . هل صلاتي صحيحة ؟(107/1)
إذا استنجيت الاستنجاء المنقي وتوضأت بعده وصليت فصلاتك صحيحة، لأنك فعلت ما يجب عليك . أما إن استنجيت وخرج بعد الاستنجاء شيء فلا بد أن تعيد الاستنجاء حتى يطهر المحل بعد انقطاع الخارج نهائياً . ولابد أن يكون الوضوء بعد الاستنجاء من الخارج . وليس المراد ما يفهم بعض العوام أن الاستنجاء يلزم عند كل وضوء . وإنما يلزم إذا خرج من السبيلين شيء غير الريح .
3 ـ إني أعاني من سلسل دائم متى أتوضأ للصلوات الخمس وكذلك متى أتوضأ ليوم الجمعة ؟
من به سلس بول دائم النزول فإنه يتوضأ عندما يريد الصلاة ويصلي في الحال ولو خرج منه شيء في الصلاة فصلاته صحيحة لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . وكذلك في يوم الجمعة يتوضأ عند الصلاة ويصلي مع الإمام . لكن يجب عليه أن يضع شيئاً على ذكره يحفظ نزول البول على ثيابه وبدنه ومصلاه والله أعلم .
4 ـ في الوضوء هل إنه لابد أن أغسل السبيلين مع أني لست بحاجة إلى قضاء حاجة ؟
غسل السبيلين وهو ما يسمى بالاستنجاء إنما يجب بعد قضاء الحاجة من أجل إزالة أثر الخارج ويكفي عن الاستنجاء الاستجمار بالحجارة ونحوها مما ينقي المخرج من أثر الخارج وإذا استنجى الإنسان أو استجمر ولم يخرج منه شيء بعد ذلك فإنه لا يعيد الاستنجاء عند كل وضوء إلا إذا خرج منه شيء من البول أو الغائط . فالاستنجاء إزالة نجاسة وليس هو من الوضوء .
5 ـ إني فتاة أضع على وجهي دهانات وصفها لي الطبيب وقال يجب علي ألا يمسها الماء لمدة تقدر بـ12 ساعة على الأقل وإني ولله الحمد مسلمة وعلي أن أتوضأ فأخشى أن يلامس الماء الدهان على وجهي فهل أمسح الأجزاء التي لا يوجد بها دهان أم ماذا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(107/2)
إذا كان في الوجه مرض جلدي وقد وصف له الطبيب دهاناً يوضع عليه وقال لا يمسه الماء لعدة ساعات من أجل بقاء الدهان للعلاج ففي هذه الحالة يجنب موضعه الماء في الوضوء ويغسل الباقي مع بقية الأعضاء ويتيمم بدل غسل الوجه إلى أن تنتهي الحاجة إلى وضع الدهان والله أعلم .
سائلة تقول :
6 ـ ذات يوم سقطت على الأرض فأصيبت بكسر في إحدى رجليها مما جعل الأطباء يعملون لها عملية جراحية تم تجبير الرجل على عظام اصطناعية أو قطع حديدية ولهذا فإنه يصعب عليها الوضوء فلذلك فهي تتيمم لكل صلاة ولا تتوضأ فهل فعلها هذا صحيح وإلا فماذا يجب عليها مستقبلاً وعما مضى من الصلوات بالتيمم فقط ؟
يجب عليها أن تغسل الأعضاء الصحيحة وأن تتيمم عن العضو الذي يتعذر غسله وإن كان عليه جبيرة أو شيء تمسح عليه ويكفي المسح عن غسله أما إذا لم يكن عليه حائل ولا تقدر على غسله فإنها تتيمم عنه بعد أن تغسل الأعضاء الصحيحة أما الصلوات التي صلتها بالتيمم إذا كانت تعرف عددها يجب أن تعيدها لأن التيمم لا يجزي وحده لابد من غسل الأعضاء الصحيحة .
7 ـ إذا كانت تمسح عليها مسحاً فقط - فهل هذا يجزي عن التيمم أم لابد من التيمم مع المسح .
يجزئ المسح إذا كان عليها حائل كما ذكرنا .
8 ـ هل يؤثر طلاء الأظافر المستعمل للزينة على صحة الوضوء للصلاة أم لا ؟
الطلاء له حالتان :
الحالة الأولى : أن لا يكون له جرم يتجمد على الظفر يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا مانع منه ولا يؤثر على الوضوء . أما إذا كان هذا الطلاء يتجمد وله جرم كما ذكر عن طلاء " المنكير " وغيرها فهذا لا يجوز لأنه يحول بين الماء وبين البشرة ولا يصح معه وضوء ولا اغتسال حتى يزال .
9 ـ هل يجوز للمسلم أن يتوضأ لصلاة العصر مثلاً ويبقى على هذا الوضوء حتى صلاة العشاء أم هذا غير جائز . أفيدونا أفادكم الله ؟(107/3)
إذا توضأ الإنسان وضوءاً كاملاً وتطهر طهارة كاملة فإنه يجوز له أن يبقى على الوضوء وعلى هذه الطهارة ما شاء وأن يصلي بها ما شاء من الفرائض والنوافل مادام لم ينتقض وضوءه . إلا أنه يستحب له تجديد الوضوء لكل صلاة .
10 ـ أنا طالب بكلية الطب وأثناء الدراسة نضطر إلى أن نمسك بعض الجثث ونشرحها بأيدينا وغالباً ما تكون جثث مسلمين وأيضاً نضطر إلى أن نحتفظ بعظام الموتى في بيوتنا فهل تشريح هذه الجثث أو لمس هذه العظام يوجب إعادة الوضوء وما حكم تشريح جثث المسلمين لغرض التعلم الطبي ؟
الإجابة : الله سبحانه وتعالى شرع لبني آدم الدفن بأن تدفن جنائزهم بعد موتهم قال الله تعالى : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [ سورة عبس : آية 21 ] . وقال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } [ سورة المرسلات : الآيتين 25، 26 ] . أي تعيشون على ظهرها وتدفنون بعد موتكم في بطنها قال تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } [ سورة طه : آية 55 ] . فالذي يشرع نحو الميت أن يدفن في قبره ولا يتصرف في جثته وأعضائه . وأما بالنسبة لتشريح الجثة لقصد التعليم كما ورد في السؤال وكما يقال أنه أصبح الآن ضرورة لتعلم الطب ونفع الأحياء بذلك فهذا إن أمكن الاستغناء عنه فإنه لا يجوز بحال من الأحوال وإذا لم يمكن وتوقف الأمر عليه فإن جثة المسلم لا يجوز أن تشرح أبداً لأجل الطب لقوله صلى الله عليه وسلم : ( حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . فالمسلم لا يجوز أن يتلاعب بجثته ولا أن تشرح بل يجب دفنه واحترامه كما يحترم حياً .(107/4)
أما بالنسبة لجثة الكافر فقد رخص بعض العلماء المعاصرين بتشريح جثته لأجل الطب والله أعلم . أما لمس الجثة ولمس الميت غير فرجه فهذا لا ينقض الوضوء إما الذي ذكره بعض أهل العلم أنه ينقض الوضوء تغسيل الميت وفيه نظر، أما لمس جثته من غير التغسيل فهذا لا ينقض الوضوء .
11 ـ لو شخص احتلم ثم قام ليؤدي الصلاة ولم يكن عنده ماء يكفي للاغتسال ولا يمكن الحصول على ماء قبل أن يخرج الوقت والماء الذي عنده قد يكفيه للوضوء فقط فهل يتوضأ به أم يتيمم عن الاغتسال وعن الوضوء مع وجود الماء الكافي عن الوضوء وما الحكم لو كان المانع من الاغتسال شدة البرودة ؟(107/5)
الجواب : إذا احتلم الإنسان وقام ليصلي وليس عنده ماء إلا ماء قليل فإنه يتيمم بعدما يستعمل هذا الماء القليل يتوضأ به إذا كان يكفي للوضوء وإن كان لا يكفي لكل الوضوء فيتوضأ منه بحسب ما يكفيه لو مثلاً يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويغسل يديه ثم ينفد الماء فإنه يتيمم عن باقي الوضوء وعن الاغتسال الحاصل أنه يستعمل الماء بقدر ما يتسع من أعضاء الوضوء ثم يتيمم عن الباقي ولو كان الماء يكفي للوضوء كاملاً يتوضأ به وضوءاً كاملاً، ويتيمم عن الحدث الأكبر والتيمم لابد منه إما عن الحدثين أو عن الحدث الأكبر ويصلي لقوله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } [ سورة النساء : آية 43 ] . وهذا لم يجد ماء أو وجد ماء لا يكفيه للطهارة كلها فيستعمله فيما يتسع له ويتيمم عن الباقي أما إذا كان العذر هو شدة البرودة وليس عنده ما يسخن به هذا الماء فإنه يتيمم فشدة البرد التي يخشى منها على نفسه لو اغتسل بأن يخشى على نفسه من المرض أو من الموت فإنه لا يجوز له أن يستعمل ما فيه خطر والدليل على ذلك قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه حينما كان في بعض أسفاره في سرية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بها ثم احتلم ولما أراد أن يصلي وإذا الماء بارد شديد البرودة فذكر قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ سورة النساء : آية 29 ] . فتيمم فصلى بأصحابه فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك أقره على هذا (1). فدل على أنه إذا كان الماء بارداً شديد البرودة ويخشى باستعماله ضرراً على نفسه فإنه يتيمم إذا لم يجد ما يسخنه به .(107/6)
12 ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . فضيلة الشيخ هل يجزئ الغسل للجمعة عن الوضوء لصلاة الجمعة، كذلك هل يجزئ الغسل عن الجنابة عن الوضوء لصلاة الفجر إذا اغتسل قبل صلاة الفجر ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الأفضل أن الإنسان يتوضأ وضوءاً كاملاً قبل الغسل ما عدا غسل الرجلين فإنه يؤخره إلى بعد نهاية الغسل، هذا هو الأفضل والأكمل .
أما لو نوى دخول الوضوء في الاغتسال فإنه يجزئ هذا لأن الطهارة الصغرى تدخل في الكبرى فإذا نوى الوضوء مع الاغتسال سواء كان هذا الاغتسال مستحباً كغسل الجمعة أو كان واجباً كغسل الجنابة فإنه يجزئه ذلك لأن الطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص2 . من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] . فيجوز أن ينوي دخول الوضوء مع الاغتسال المستحب أو الاغتسال الواجب ولكن الأفضل كما ذكرنا في أول الجواب أن يتوضأ أولاً ثم يغتسل بعد ذلك، هذا هو الأكمل .
13 ـ هل الاستحمام يغني عن الوضوء ؟ أم لابد من الوضوء بعد الاستحمام ؟
إذا نوى الجنب أو الحائض والنفساء دخول الوضوء في الاغتسال وعمم الماء على جسمه ناوياً الطهارة من الحدثين أجزأه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] .
سائلة تقول :(107/7)
14 ـ ما حكم قراءة القرآن من المصحف للحائض أو قراءته عن غيب كذلك للحائض وتقول أيضاً بأنني معتادة على قراءة بعض من الآيات دائماً فهل علي ذنب إذا قرأت وأنا كذلك وأحياناً أسهو وأقرأ القرآن وبعد أن أتذكر أقطع الآية . كذلك ما الحكم في قراءته في الامتحان بالنسبة للحائض أو قراءة جزء من الآيات في بعض المواد كالتوحيد والفقه وغيرها إذا تطلب الأمر قراءة آيات للإعراب أو الشرح ونحو ذلك .
الذي عليه حدث أكبر من جنابة أو حيض ممنوع من قراءة القرآن لا عن ظهر قلب ولا من مصحف بل مس المصحف وإن لم يقرأ فيه من المحدث لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في مستدركه ج1 ص397 . ورواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص199 كلاهما من حديث عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده ] . فمس المصحف لمن عليه حدث أصغر أو أكبر لا يجوز لهذا الحديث وذلك باتفاق الأئمة الأربعة . أن المحدث لا يجوز له أن يمس المصحف من غير حائل وأما القراءة عن ظهر قلب فالذي عليه حدث أصغر لا بأس أن يقرأ القرآن وأما الذي عليه حدث أكبر لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب إلا الحائض في حالة الضرورة كحالة الامتحانات إذا خشيت أن يفوت عليها الامتحان فلا بأس أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان بقدر الضرورة وكذلك إذا كانت تحفظ من القرآن آيات أو سوراً وتخشى من نسيانها لأن فترة الحيض أو النفاس تطول فإنها تقرأ القرآن لاستذكاره وعدم نسيانه في هاتين الحالتين لا بأس أن تقرأ الحائض والنفساء القرآن للضرورة إما لأجل الامتحان وإما خوف النسيان وأما فيما عدا هذا فالمسألة خلافية والجمهور على المنع والأحوط لها أن تتجنب قراءة القرآن لأنه لا داعي ولا ضرورة لذلك . أما إذا قرأت شيئاً من القرآن لا بقصد التلاوة إنما بقصد الذكر كأنما تقرأ آية أو بعض آية بقصد الذكر فهذا لا بأس به لأنها لم تقصد التلاوة وإنما تقصد(107/8)
الذكر بذلك أو الدعاء وكذلك إعراب النحو إذا أعربت فهذا أيضاً لا يدخل في حكم التلاوة فلا بأس بذلك والله أعلم .
15 ـ ما الحكم إذا أتت المرأة الدورة الشهرية عند دخول وقت صلاة مفروضة فهل عليها قضاء ذلك الفرض بعد انتهاء الدورة ؟
إذا دخل عليها وقت الفريضة ثم طرأ عليها حدوث العادة فإنها إذا انقطعت العادة واغتسلت يجب عليها قضاء هذه الصلاة التي أدركت وقتها لأنها وجبت عليها بدخول وقتها ولم تتمكن من أدائها حين ذاك فإذا زال المانع واغتسلت من الحيض فإنها يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة الفائتة على الفور لأن قضاء الصلوات الفائتة يكون على الفور في أي وقت تمكن الإنسان فإنه يقضي الصلاة الفائتة ولا يتقيد هذا بوقت دون وقت .
16 ـ هل تستمر الفتاة في قراءة القرآن وقراءة الأوراد والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الدور الشهرية أم تمتنع عن ذلك ؟
قراءة الحائض في أثناء الدورة للأذكار والأحاديث والأدعية لا خلاف بين العلماء في جوازها وأما قراءتها للقرآن فهي موضع خلاف بين العلماء . والراجح أنها لا تجوز إلا عند الضرورة كخوف النسيان أو فوات الامتحان الدراسي ونحو ذلك .
17 ـ هل ختان البنات حرام . . ولماذا ؟
ختان البنات مستحب وليس بواجب - لما فيه من مصلحة البنت وحظوتها عند زوجها .(107/9)
الصلاة
18 ـ أنا رجل أصلي وأصوم ولله الحمد وعندما أتوجه إلى القبلة أقول : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين فهل قول هذا من السنة أم لا ؟
هذا الذكر لا يقال عند توجهك إلى القبلة وإنما يستحب أن يقال بعد تكبيرة الإحرام لأن هذا من الاستفتاح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه كان أحياناً إذا كبر تكبيرة الإحرام يقول مستفتحاً ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص534، 535 . من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحديث له تتمة ] . فهذا من جملة الاستفتاحات التي كان يستفتح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته بعد تكبيرة الإحرام فمحل هذا بعد تكبيرة الإحرام لا عند التوجه إلى القبلة وقبل تكبيرة الإحرام .
19 ـ إذا نام الإنسان ثم استيقظ وقت صلاة فريضة فتوضأ وصلى وبعد الصلاة اكتشف آثار احتلام في ملابسه فماذا يفعل وهل عليه إعادة الصلاة تلك أم لا ؟
إذا استيقظ وصلى ثم بعد ذلك أدرك في ثيابه أو على بدنه أثر احتلام أي وجد أثر الخارج بالاحتلام فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد الصلاة لأنه تبين أنه صلى وعليه جنابة ولو طال الزمن فلو فرضنا أنه صلى عدة صلوات وأنه وجد هذا الأثر فأنه يعيد الصلوات التي صلاها بدون اغتسال .
20 ـ ما سبب صلاة الظهر والعصر سراً في القراءة وباقي الصلوات الفجر والمغرب والعشاء جهراً ؟(108/1)
أولاً : الواجب على المسلم أن يعمل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعرف الحكمة لأن الواجب الامتثال سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها . فمعرفة الحكمة أمر ثانوي وزيادة فائدة وإلا فالواجب الامتثال ومن ذلك الإسرار في صلاة النهار والجهر في صلاة الليل في القراءة . الله أعلم ما الحكمة في ذلك . ولكن ربما يكون من الحكمة والله أعلم أن صلاة الليل يجهر فيها لأن هذا أدعى إلى الخشوع ولأن قراءة صلاة الليل أقرب إلى التدبر لهدوء الأصوات في الليل وانقطاع الشواغل . فإذا جهر بالقراءة كان ذلك أدعى للتدبر والخشوع كما قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل : آية 6 ] . فالصلاة بالليل لها مزية والجهر فيها بالقرآن له مزية لأنه وقت تنقطع فيه الشواغل ويهدأ فيه البال ويتفرغ الإنسان للتدبر بخلاف النهار . فإنه وقت الاشتغال ووقت الأصوات فيكون الإنسان مشغولاً عن التدبر في الغالب .
21 ـ أنا رجل ساكن في الخلاء ومتزوج ويوجد لدي أولاد وبيني الجار حوالي 50 متراً وأسمع الأذان وعندما أريد أن أذهب إلى المسجد تخاف زوجتي وتريد أن لا أخرج من البيت لخوفها فماذا أفعل . هل تصح الصلاة في البيت ؟(108/2)
لا شك أن من سمع النداء وجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين صلاة الجماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعمى الذي جاء يستأذنه أن يصلي في بيته لما يجد من المشقة في إتيانه للمسجد قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (هل تسمع النداء ؟ قال نعم . قال : فأجب فإني لا أجد لك رخصة) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص452 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه ] . وقال عليه الصلاة والسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ويروى هذا موقوفاً عن علي بن أبي طالب (2) يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (3) وهو يدل على أن جار المسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد . وجار المسجد كما ذكروا من بينه وبين المسجد أربعين بيتاً . يعني الجوار يمتد إلى أربعون بيتاً والضابط في هذا سماع النداء فإذا كنت تسمع النداء بالأذان المعتاد من غير مكبر أي إذا أذن مؤذن من غير مكبر الصوت تسمعه وجب عليك أن تصلي في المسجد وأن تجيب الداعي إلا إذا حال دون ذلك عذر شرعي كالمرض مثلاً . أو ما ذكرت مثلاً من أن زوجتك تستوحش وتخاف في الليل إذا ذهبت للصلاة في المسجد فهذا عذر شرعي يبيح لك الصلاة في البيت لأن زوجتك تستوحش وتخاف وتحتاج إلى بقائك عندها فهذا يعتبر عذرًا شرعيًا .
22 ـ إن جدتي لوالدي تصلي الصلوات الخمس المفروضة عليها كاملة ولكن للأسف إن صلاتها خاطئة من أولها إلى آخرها حيث أنها لا تركع بعض الأحيان ولا تقرأ التحيات وتقرأ الفاتحة بدل التحيات بالإضافة أنها تسلم بعد كل ركعة وهذا شيء مما تفعله ولم نرض بما تفعل حيث قام أخي الكبير بتوضيح أن صلاتها خاطئة وكان رد الفعل أن شتمتنا وفضحتنا وأخذت تبكي وحتى لو علمناها الصلاة الصحيحة لا تستطيع أن تتعلمها لأنها تعودت على صلاتها . فهل عليها إثم في ذلك وهل يجب علينا شيء وماذا نفعل ؟(108/3)
هذه المرأة لا تخلو من إحدى الحالتين : الأولى : أن تكون حالتها العقلية مختلة ولا تفهم ما يقال لها فهذه لا حرج عليها لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . فلا حرج عليها مادام أنكم بينتم لها الخطأ ولم تستطع أن تفهم فلا حرج عليها إن شاء الله لأن هذا هو منتهى قدرتها أما إذا كانت عقليتها سليمة وإنما فعلت هذا عن جهل فهذه لا عذر لها لأن الجاهل إذا وجد من يفهمه ويعلمه زال عذره ووجب عليه أن يأخذ طريق الصواب فالواجب عليكم أن تكرروا طريق التفهيم وأن تخوفوها بالله وأن هذا لا يبري ذمتها هذا ما يسعكم فإن استقامت فالحمد لله وإلا فقد أديتم الواجب واسألوا الله لها الهداية .
23 ـ هل يجوز الجمع بين الصلوات من غير عذر . وما صحة الحديث القائل [ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في الصلاة بدون خوف ولا مرض ] أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم ؟ .
الجمع بين الصلوات من غير عذر لا يجوز ولا تصح به الصلاة لأنه صلاها في غير وقتها من غير عذر شرعي والله تعالى يقول : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 ] . والجمع إنما يباح للعذر الشرعي كالمرض والسفر وكذلك بين العشائين في المطر والوحل، هذه الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين أما أن يجمع من غير عذر فهذا لا يجوز ولا تصح صلاته إذا فعل ذلك . أما الحديث فلفظه ورد بروايتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه جمع من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .(108/4)
وفي رواية (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . وأما اللفظ الذي ذكر السائل فهذا غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع من غير خوف ولا مرض لم يرد ذكر المرض في الحديث وإنما ورد (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . وفي رواية (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .
وللعلماء عن هذا الحديث عدة أجوبة :
ـ منهم من توقف في معناه وقال إنه لا يظهر له معناه .
ـ ومن العلماء من حمله على الجمع الصوري وهذا الذي أيده الشوكاني في نيل الأوطار (4) والجمع الصوري معناه أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الصلاة الثانية في أول وقتها ثم يصليهما جميعًا هذه في آخر وقتها وهذه في أول وقتها هذا جمع صوري .
وهذا معنى صحيح وأيده الشوكاني وأيده غيره في معنى الحديث أن المراد به الجمع الصوري .
ـ ومن العلماء من حمل الحديث وهو قوله (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أو (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . بأن معنى ذلك أنه جمع للمرض لأن الأعذار التي تبيح الجمع أربعة :
ـ إما الخوف وإما المرض وإما السفر وإما المطر .
فإذا كان ذكر أنه (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أو (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . فلم يبق إذن إلا المرض فيكون صلى الله عليه وسلم جمع من أجل المرض فيباح للمريض أيضًا أن يجمع إذا كان يلحقه بترك الجمع مشقة .(108/5)
24 ـ أصابه مرض نفسي كاد يودي بعقله وقد ذهب إلى طبيب للعلاج متخصص في الأمراض النفيسة وبعد الكشف عليه وصف علاجًا منه حبوب يتناولها ولكنها منومة فبعد تناولها ينام طويلاً وقد تفوته بعض الصلوات في وقتها حتى إذا أفاق من نومه صلاها مع الفرض الحالي فما الحكم في هذه الحالة . وما الحكم في تناول مثل هذا العلاج مع أنه لا يستطيع تركه لشعوره بتحسن في حالته بسببه ؟
من المعلوم أنه يجب على المسلم المحافظة على الصلوات في مواقيتها ومع الجماعة حسب الإمكان لقوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [ سورة البقرة آية : 238 ] . وقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء آية : 103 ] . وهي عمود الإسلام فلا يجوز التساهل في شأنها وهذا الذي ذكره السائل من أنه مصاب بخلل عقلي يستدعي أن يتناول حبوبًا تهدئ ذلك عنه وأنها تنومه وربما يفوت هذا عليه بعض أوقات الصلاة والجواب أن الله جل وعلا يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن آية : 16 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص975 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه . وهو جزء من حديث أوله : ( أيها الناس : قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) ] . فإذا كان باستطاعته أن يؤجل تناول هذه الحبوب إلى أن يصلي فإنه يؤجلها ولا يأخذها قرب دخول الوقت فإذا صلى فإنه يتناولها . وبين الصلاتين وقت طويل في الغالب بحيث يتمكن من تناول الحبوب فيه فمثلاً بعد صلاة الفجر إلى الظهر وقت طويل ومن بعد العصر إلى الليل وقت طويل وبعد العشاء إلى الفجر وقت طويل فهو يتحين الأوقات التي لا يمر فيها فريضة ويتناول هذه الحبوب .(108/6)
أما إذا لم يكن هناك مناص من أخذها في مواعيد محددة فإنه يأخذها ويصلي على حسب حاله ولو اقتضى الأمر أن يجمع بين الصلاتين جاز له ذلك لأنه مريض . والمريض إذا احتاج إلى الجمع فإنه يجمع .
25 ـ إذا كانت المرأة خارج منزلها من الصباح إلى المساء في عمل تقضيه . فما حكم تأخيرها للصلاة حتى تعود إلى منزلها لعدم توفر المكان المناسب لأدائها الصلاة ؟
أولاً : عمل المرأة يجب أن يكون في حدود المشروع وأن يكون بعيدًا عن الفتنة وبعيدًا عن الاختلاط بالرجال غير المحارم فلا يكون كما عليه النساء الكافرات والمشتبهات بهن من نساء المسلمين فيجب الابتعاد عن هذا العمل الذي يجر إلى الفتنة ويوقع في المحذور .
تعمل المرأة ما يليق بها في غير فتنة ومع التحفظ والاحتشام .
ثانيًا : أما الصلاة فإنها تجب في مواقيتها فيجب على المسلمة أن تصلي الصلاة في وقتها وأن تحسب للصلاة حسابها وذلك بأن يهيئ مكان لصلاة النساء أو تعود إلى بيتها وتصلي ثم تذهب إلى العمل . فالحاصل أنه لابد أن تصلي المسلمة كل صلاة في وقتها ثم تواصل العمل المناسب بها أما أن تقدم العمل على الصلاة فهذا لا يجوز .
26 ـ نحن مجموعة من الفتيات طالبات في جامعة عدن ومواظبات على أداء الصلاة في أوقاتها ولكن أثناء الدراسة وخاصة عندما تكون الدراسة بعد الظهر قد تفوت علينا صلاة العصر والمغرب لأننا لا نستطيع أن نؤديها في الجامعة مهما حاولنا ذلك ولأسباب كثيرة ولهذا نحن نسأل هل يجوز أن نؤدي صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم ونؤدي المغرب مع العشاء جمع تأخير وبذلك نسلم من ترك هذين الفرضين كليًّا أو نسلم من تأديتها قضاء كما يفعل بعضنا أحيانًا .(108/7)
أولاً : إذا أمكن أن تؤدينّ الصلاة في وقتها وفي أثناء الدراسة فهذا أمر واجب وذلك بمراجعة المسؤولين في الجامعة لأن يتيحوا لكنّ وقتًا للصلاة تصلينّ فيه وترجعن إلى العمل وهذا أمر سهل لا يكلف شيئًا ولا يأخذ كثيرًا من الوقت وهو أمر ميسور فإذا أمكن أن تحصلن على فرصة لأداء الصلاة في وقتها في أثناء الدراسة فهذا أمر واجب ومتعين . أما إذا لم يمكن هذا وحاولتنّ الحصول عليه ولم يتحقق فهنا إن كانت الدراسة ضرورية وفي تركها ضرر عليكنّ فلا أرى مانعًا من الجمع بين الصلاتين على الصفة التي وردت في السؤال بأن تصلي العصر مع الظهر جمع تقديم وتصلي المغرب مع العشاء جمع تأخير لأن هذا يعتبر من الأعذار المبيحة للجمع لأن الفقهاء ذكروا أن من الأعذار المبيحة للجمع أن يتضرر بترك معيشة يحتاجها فإذا كان ترك الدراسة فيه ضرر عليكن ولم تحصلن على فرصة من المسؤولين لأداء الصلاة في أثناء العمل فالذي أراه جواز الجمع في هذه الحالة أما أن تصلى الصلاة قضاء كما ورد في السؤال فهذا لا يجوز أن تصلى بعد خروج وقتها .
27 ـ لي والد مريض مصاب بشلل في الجهة اليسرى من جسمه حيث أصبحت عاطلة تمامًا عن الحركة فلذلك لا يستطيع المشي ولا الحركة ولا قضاء الحاجة في الأماكن المخصصة لذلك بنفسه وهذا منذ عشر سنوات ولكنه قبل ثلاثة أو أربعة أشهر اشتد عليه هذا المرض أكثر فهل يجوز له ترك الصلاة لهذا السبب الذي به لا يستطيع التطهر للصلاة . أم لا . فإن كان لا يجوز له ذلك فكيف العمل في طهارته وفي صلاته، وماذا يعمل بما تركه من صلوات فيما مضى في فترة مرضه لاعتقاده أنه مادام كذلك فهو معفى من الصلاة ؟(108/8)
المسلم لا تسقط عنه الصلاة مادام عقله ثابتًا ولكنه يصلي على حسب حاله لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية16 ] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمريض : ( صلي قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص41 من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ] . فيجب على والدك الذي أصيب بهذا الشلل الذي عطل حركته ولو يستطع مع القيام والذهاب إلى أماكن قضاء الحاجة والوضوء بنفسه فهذا يجب عليه أن يصلي ولا تسقط الصلاة عنه ولكنه يصلي على حسب حاله . فإذا كان يستطيع الوضوء بأن يوضئ نفسه بيده الصحيحة أو يوضئه غيره ممن يعينه على الوضوء فإنه يجب عليه ذلك وإذا كان لا يستطيع الوضوء بالماء فإنه يتيمم بالتراب بأن يضرب على التراب بيده الصحيحة ويمسح وجهه ويمسح على كفيه ولو بيد واحدة ويصلي لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 6 ] . وإذا كان لا يستطيع أن يتيمم بنفسه فيُيمّمه غيره بأن يضرب أحد أوليائه أو الحاضرين عنده بيديه على التراب ويمسح بهما وجهه ويديه وينوي هو الطهارة بذلك ويصلي على حسب حاله جالسًا أو على جنبه ويومئ برأسه للركوع والسجود حسب الاستطاعة، فإذا(108/9)
كان لا يستطيع الإيماء برأسه لأجل الشلل الذي فيه فإنه يومئ بطرفه بالركوع والسجود .
وهكذا فالدين يسر ولله الحمد لكن ليس معنى هذا أن يترك الصلاة نهائيًّا وإنما يصليها على حسب حاله كما ذكرنا ويجب عليه أن يقضي الصلوات التي تركها بحسب استطاعته .
28 ـ ما حكم من نسي صلاة العشاء ولم يتذكر إلا وقت صلاة الصبح أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم ؟
أولاً يجب على المسلم الاهتمام بصلاته وأدائها في وقتها مع الجماعة وأن لا يتكاسل عنها أو يتأخر لأن هذا مدعاة لإضاعتها ونسيانها أما إذا حصل أن الإنسان طرأ عليه نسيان أو نوم فلم يؤد الصلاة في وقتها بسبب ذلك فإنه حين يتذكر يجب عليه المبادرة بالصلاة التي نسيها أو نام عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 . من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] .
وقال الله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } [ سورة طه : آية 14 ] . فإذا استيقظ الإنسان أو تذكر فإنه يبادر بأداء الصلاة الفائتة في أي وقت حصل ذلك ففي هذه الصورة يصلي صلاة العشاء أولاً ثم يصلي الصلاة الحاضرة وهي صلاة الفجر ولا يصلي الحاضرة قبل الفائتة لأن الترتيب واجب ولابد منه .
29 ـ هل يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي وهي تضع عقدًا في رقبتها أو خاتم أو تصلي وأمامها صورة أو مرآة أفيدونا بارك الله فيكم ؟(108/10)
يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يشغله عن صلاته ويشوش عليه فلا ينبغي أن يصلي إلى مرآة أو إلى باب مفتوح أو غير ذلك مما يشغله أو يشوش عليه صلاته وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان فيه صور معلقة أو منصوبة . لأن في هذا تشبهًا بالذين يعبدون الصور هذا من ناحية ومن ناحية ثانية أن هذه الصور إذا كانت أمامه تشوش عليه صلاته وينشغل بالنظر إليها . أما قضية لبس المرأة للحلي وهي في الصلاة فهذا أيضًا من الشواغل التي تشغل المصلية فلا ينبغي أن تعمل في صلاتها عملاً يشغلها عنها بل تؤخر لبس الحلي أو لبس المصاغ إلى أن تفرغ من الصلاة لكن لو فعلت هذا ولبسته ولم يستهلك وقتًا طويلاً ولم يستهلك عملاً كثيرًا فإن صلاتها صحيحة، لأن العمل اليسير لا يؤثر على الصلاة كتعديل الثوب والعمامة ولبس الساعة وما أشبه ذلك .
30 ـ ما هو الحكم الشرعي في بعض الناس الذين لا يحافظون على الصلوات حتى إذا دخل شهر رمضان المبارك حافظوا عليها مع الجماعة في المساجد وبعد ما ينتهي يعودون لما كانوا عليه من قبل من الإهمال فهل صلاتهم في رمضان وصومهم مقبولان أم لا ؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء الناس ؟
هذه ظاهرة سيئة وهي أن بعض الناس يهمل الصلاة في سائر السنة وإذا جاء رمضان فإنه يرتاد المساجد ويكثر من تلاوة القرآن فإذا خرج رمضان عاد إلى حالته الأولى من الإهمال والكسل وإضاعته الصلاة فهذا أمره خطير ولا ينفعه اجتهاده في رمضان لأنه لم يبن على أساس لأن المسلم المؤمن يعرف الله جل وعلا في كل عمره وفي كل شهوره ويطيع الله عز وجل في كل لحظاته ويجتنب ما حرم الله عليه ويؤدي ما فرض الله عليه في كل الشهور فهو دائمًا مع الله سبحانه وتعالى لا يكون مضيعًا في أحد عشر شهرًا من السنة ويتوب ويقبل في شهر واحد فهذه توبة مؤقتة لا تجزئ ولا تنفع لأن التوبة من شروطها الاستمرار على العمل الصالح والإقلاع عن الذنب والعزم على أن لا يعود إليه مرة أخرى .(108/11)
وهذه الشروط منتفية في حق هذا الشخص الذي لا يعرف الله إلا في رمضان فهو لم يندم على ما فات ولم يعزم على الصلاح في المستقبل ولم يقلع عن الذنوب التي هو عليها وإنما تاب توبة مؤقتة تنتهي بشهر ولا ينفعه ولا تفيده فعلى المسلمين أن ينتبهوا لذلك وعلى العصاة والمذنبين أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا وأن يكون رمضان إنما هو مزيد من الطاعة والخير وليس هو محل الطاعة فقط وما عداه يكون محل الإهمال وإنما رمضان زيادة في عمر المسلم يتزود من الخير على ما سبق من أيام عمره . هذه صفة المؤمنين ولهذا كان السلف الصالح إذا جاء رمضان لا يزيد من اجتهادهم وإذا خرج رمضان لا ينقص من اجتهادهم فهم دائمًا في معاملة حسنة مع الله طول أعمارهم لا يزيد رمضان من اجتهادهم شيئًا ولا ينقص خروجه من اجتهادهم شيئًا هذه صفة المؤمنين لأنهم يعبدون الله عز وجل ولا يعبدون رمضان ويعرفون الله عز وجل دائمًا ولا يعرفونه معرفة مؤقتة برمضان وإنما هذه ظاهرة سيئة يجب على المسلم أن يتجنبها وأن يحذر منها ويجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى .
31 ـ هل يجب على المأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ الفاتحة ومتى يقرأها وما مدى صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه لما سمع بعض المأمومين خلفه يقرؤون فلما سلم قال لهم معاتبًا ما لي أنازع في القرآن) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص240 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص215، 216 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص419، 420 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص 140، 141 . كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ". ثم قال (إمامكم ضمين على صلاتكم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا صحيحًا فهل المراد به قراءة الفاتحة أم ماذا ثم كيف نجمع بين هذا وبين قوله في حديث آخر ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ؟ [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص184 . من حديث عبادة ابن الصامت ] .(108/12)
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم فمنهم من يرى أنها واجبة وأنه لا يجوز له تركها ومنهم من يرى أن الإمام يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم ويستحب له قراءتها في سكتات الإمام وفي الصلاة السرية ومنهم من أوجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] .
وهذا القول في نظري أرجح لأنه به تجتمع الأدلة فتحمل الأحاديث التي توجب القراءة على المأموم في حالة " الصلاة السرية " وتحمل الأحاديث التي تسقط وجوب قراءة الفاتحة عن المأموم في حالة الصلاة الجهرية لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] . ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له إمام فقراءته له قراءة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص330 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص277 كلاهما من حديث جابر رضي الله عنه ] . وأحاديث وردت في هذا المعنى على كل حال فإن الذي ينبغي للمأموم أنه إذا تمكن من قراءة الفاتحة في سكتات إمامه فإنه يقرأها وأما درجة حديث (ما لي أنازع القرآن ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص240 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص215، 216 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص419، 420 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص 140، 141 . كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فقد رواه أحمد وأهل السنة وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأما لفظة ( الإمام ضمين ) فهذه لم ترد في هذا الحديث وإنما وردت في حديث آخر بلفظ ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص232 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص269 كلاهما حديث أبي هريرة ] .
32 ـ ما هي الأوقات التي تكره الصلاة فيها وما هو أفضل صيام بعد صيام شهر رمضان ؟(108/13)
الأوقات التي تكره الصلاة فيها هي المواقيت التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) وذلك من طلوع الفجر إلى أن ترتفع الشمس فهنا إذا طلع الفجر لا يصلي نافلة إلا ركعتي الفجر أي الراتبة القبلية التي قبل الفجر تصلي بعد طلوع الفجر ولا يصلى نافلة غيرها إلى أن ترتفع الشمس والوقت الثاني حين تتوسط الشمس على الرؤوس في كبد السماء إلى أن تزول والوقت الثالث من صلاة العصر إلى غروب الشمس هذه ثلاثة مواقيت من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح وحين تتوسط في كبد السماء إلى أن تزول ومن بعد صلاة العصر إلى أن تقرب من الغروب ومن قربها من الغروب إلى أن تغرب وبعضهم يضيف وقتًا سادسًا وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الفجر .
والفريضة تقضى فور تمكن الإنسان من ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] . فالفريضة تقضى في أي وقت وليس لها وقت نهي بخلاف النافلة وكذلك ركعتا الطواف تصليان بعد الفراغ من الطواف في أي وقت لورود الحديث بذلك (6) وفي صلاة الكسوف وتحية المسجد وغيرهما من ذوات الأسباب خلاف بين العلماء في فعلهما في هذه الأوقات .
وأما أفضل الصيام يعني صيام التطوع فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام صيام داود عليه السلام ) [ رواه الترمذي في سننه ج3 ص114 . ورواه النسائي في سننه ج4 ص209 . كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو ] . وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا وبعد ذلك أفضل صيام التطوع ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :(108/14)
( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص821 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " بدون ذكر الذي تدعونه . " ] . وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء مع صيام يوم قبله أو بعده .
33 ـ هل يجوز للمرأة أن تواظب على صلاة الجماعة في المسجد وهل يحق لزوجها منعها من ذلك ؟
يباح لها الخروج للصلاة في المسجد ولكن صلاتها في بيتها أفضل لها لأن في صلاتها في بيتها سترًا لها وأمانة لها من التعرض للفتنة منها أو بها كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص216 . من حديث ابن عمر رضي الله عنه . بدون ذكر ( وبيوتهن خير لهن ) . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص76 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص209 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص152 . كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنه ] . فلا يحق لزوجها منعها إلا إذا ترتب على خروجها ضرر على زوجها أو على أولادها أو لم تلتزم بالآداب الشرعية فإنه لابد من الالتزام بالآداب الشرعية بأن تجتنب الطيب وتجتنب لباس الزينة وتجتنب إظهار الحلي وتجتنب إبداء شيء من جسمها بأن تغطي وجهها وكفيها وقدميها وتستر نفسها عن الرجال وإذا التزمت بهذا فإنها يباح لها الخروج للصلاة في المسجد وأن تكون في المسجد منعزلة عن الرجال فلا تكون في صف الرجال أو تخالط الرجال وإنما تكون متأخرة عن الرجال إن كان معها نساء يصلين جميعًا أو تصف وحدها خلف الرجال .
34 ـ بالنسبة للصلاة فنحن نجهل أوقات الصلاة هنا فكيف نعمل أو نقدر أوقات الصلوات لكي نؤدي فروضنا في أوقاتها وربما يكون حدث منا أن صلينا بعض الصلوات في غير أوقاتها فما الحكم في هذا ؟ (7)(108/15)
الله سبحانه وتعالى حدد مواقيت الصلاة وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله وهي حدود واضحة يعرفها العامي والمتعلم والحضري والأعرابي وكل مسلم ذلك بأن وقت صلاة الفجر إذا طلع الفجر ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغرب ووقت العصر إذا صار ظل الشيء مثله ووقت المغرب بغروب الشمس ووقت العشاء الآخر بمغيب الشفق الأحمر فهي مواقيت واضحة تعرف والواجب على المسلم أن يتقيد بها لقوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [ سورة الإسراء : آية 78 ] . ولقوله تعالى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ سورة الروم : آية 17 ] . إلى قوله تعالى : { وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ سورة الروم : آية 18 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن هذه المواقيت للمسلمين بقوله وبفعله وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص155 . من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه ] . فعليكم أن تجتهدوا في معرفة هذه المواقيت بأي وسيلة ممكنة في البلد الذي أنتم فيه وتصلوا حسب ذلك .
35 ـ هل يجب على المعتدة أن تصلي الصلاة بعد الأذان مباشرة أم لا بأس من تأخيرها ؟
المعتدة وغيرها من النساء لا يجب عليها أن تصلي بعد الأذان مباشرة - ولكن كلما بادرت بأداء الصلاة في أول وقتها فهو أفضل ويجوز لها التأخير في الوقت . لكن لا يجوز لها أن تخرج الصلاة عن وقتها لقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 ] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صل الصلاة لوقتها ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص448 . من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه ] .(108/16)
36 ـ أنا إمام وأصلي بالجماعة وعندما ركعت دخل رجل وقال إن الله مع الصابرين فماذا أفعل هل أنتظره حتى يركع أم لا ؟
قول الداخل والناس في الركوع : ( إن الله مع الصابرين) . قول لا أصل له ولا يجوز فعله والواجب على الداخل العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) [ رواه الإمام أحمد من مسنده ج2 ص238 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص114، 115 كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . - وفي رواية - ( فأتموا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص156 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . وللإمام أن ينتظر الداخل ما لم يشق على المأمومين لفعله صلى الله عليه وسلم .
37 ـ هل كل الأوقات تجوز فيها إعادة الصلاة لمن فاتته الصلاة في وقتها ؟
من فاتته الصلاة في وقتها فإنه يصليها في أي وقت تمكن من ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] . فالصلاة الفائتة تقضى في أي وقت ليس لها وقت نهي ولفظ السائل فيه إجمال يقول إعادة الصلاة والمفروض أن يقول قضاء الصلاة الفائتة . فالقضاء يجب في أي وقت تمكن ويجب عليه المبادرة لقضاء الصلاة .
38 ـ هل يجوز المرور أمام المصلي وما هو الفرق بين التوكل والتواكل ؟(108/17)
المرور بين يدي المصلي لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك : وبين ما فيه من الوعيد لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص 129 . من حديث أبي جهم رضي الله عنه ] . أو كما قال عليه الصلاة والسلام فلا يجوز المرور بين يدي المصلي قريبًا منه إذا لم يكن له سترة أو المرور بينه وبين سترته . أما إذا مرَّ من وراء السترة فلا حرج في ذلك لأنه لو كان أمام المصلي سترة قدر مؤخرة الرجل فلا بأس بالمرور من وراء السترة . وإنما يحرم المرور بين يديه إن لم يكن له سترة ومر قريبًا منه أو إذا مر بينه وبين سترته إلا في حالة الضرورة كما لو كان المكان مزدحمًا وليس هناك طريق يمر منه إلا من أمام المصلي فلا حرج كذلك في مواطن الزحام الشديد كالمسجد الحرام فالإنسان يضطر إلى المرور لأن المصلين كثير ولو توقف الإنسان لتعطل عن حاجته ففي حالة الزحام الشديد وفي حالة الحاجة إلى المرور لا بأس في ذلك والله أعلم .
39 ـ هل تصح الصلاة بدون إقامة ؟
الإقامة للصلاة سنة وليست شرطًا لصحتها فلو صلى بدون إقامة فصلاته صحيحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين للمسيء في صلاته كيف يصلي لم يأمره بالإقامة (8) فدل على أنها ليست شرطًا وإنما هي مستحبة . والله أعلم .
40 ـ صليت العصر وجلست في المسجد وبعد ذلك جاء رجل وطلب مني أن أصلي معه وأنا قد صليت فهل أصلي معه أم لا وما دليل ذلك ؟(108/18)
لا بأس بذلك إن شاء الله على الصحيح من قول العلماء إن إعادة الجماعة يجوز ولو في وقت النهي لأن هذا من ذوات الأسباب فصلاتك مع الشخص الذي جاء وفاتته الجماعة وتصلي معه لأجل تحصيل الجماعة في حقه وتحصيل الفضيلة ولو كان هذا بعد العصر والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل أحد القوم وقد صلى الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يتصدق على هذا فيصلي معه ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص64 ورواه أبو داود في سننه ج1 ص154 ورواه الدارمي في سننه ج1 ص367 بنحوه . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص288، 289 بلفظ ( أيكم يتجر على هذا . ) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ورواه غيرهم ] . وبدليل أن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف وجلسوا في ناحية المسجد ولم يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما دعاهم وسألهم فأخبروه أنهم قد صلوا في رحالهم فقال لهم : لا تفعلوا وأمرهم إذا جاءوا والجماعة تقام أن يصلوا مع الناس ولو كانوا قد صلوا في رحالهم (9) مع أن هذا بعدما صلوا الفجر .
41 ـ هل تصح صلاة التطوع في الثلث الأخير من الليل بعد صلاة الوتر ؟
هذا أفضل أن تكون الصلاة في الثلث الأخير من الليل لأن الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي كما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له إلى أن يطلع الفجر ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج8 ص197 بدون ذكر ( إلى أن يطلع الفجر ) وعند مسلم ج1 ص522، 523 . بلفظ " حتى يضيء الفجر " و " حتى ينفجر الصبح " و " حتى ينفجر الفجر " . وكلاهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .(108/19)
فالصلاة في هذا الوقت من أفضل الأعمال فالأفضل أن يؤخر الصلاة إلى ثلث الليل الآخر وكذلك يؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاته عملاً بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص13 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وإذا أوتر أول الليل ثم قام آخر الليل فلا بأس أن يصلي ما تيسر له ويكتفي بالوتر الذي في أول الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الوترين في ليلة (10)
42 ـ عندما أصلي الوتر أحيانًا أصلي ركعتين بتسليم واحد ثم أصلي ركعة وترًا بتسليم أيضًا وأحيانًا أصلي الثلاث ركعات بسلام واحد فهل يجوز هذا ؟ .
أما أداء الثلاث ركعات بسلامين فهذا أفضل وأكمل وأما أدائها بسلام واحد بأن تسردها ثم تجلس في آخرها وتسلم فهذا لا بأس به أيضًا ولكن الأول أكمل منه وأفضل .
43 ـ لو أتى بالتشهد الأول كصلاة المغرب هل يجوز هذا ؟
لا ينبغي هذا لأنه نهي عن تشبيهها بالمغرب فلا ينبغي هذا .
44 ـ صلى رجل صلاة الوتر بعد صلاة المغرب ناسيًا ثم ذكر ذلك عندما أراد أن يصلي الوتر في آخر الليل كما هو معتاد فتذكر أنه صلاها بعد المغرب فماذا يعمل ؟
فأجاب فضيلة الشيخ :
وتره بعد المغرب لا محل له ولا يصح لأن الوتر بعد العشاء، إلى طلوع الفجر أما قبل صلاة العشاء فهذا ليس وقتًا للوتر .
45 ـ ما حكم القنوت في ركعة الوتر بعد الرفع من الركوع وكذلك في الركعة الثانية من صلاة الفجر أيضًا بعد الرفع من الركوع وأي الموضعين أفضل من الآخر ؟(108/20)
أما القنوت في الوتر فهو سنة ويراد به الدعاء بعد الركوع ولا ينبغي المداومة عليه بل يفعله أحيانًا ويتركه أحيانًا . وأما القنوت بعد الركوع من صلاة الفجر فهذا عند الجمهور لا يجوز إلا في حال النوازل إذا نزل بالمسلمين نازلة فإنه يشرع لأئمة المساجد أن يقنتوا في الصلوات الخمس بأن يدعوا الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين هذه النازلة . وأما في حالة غير النوازل فإنه لا يشرع القنوت في صلاة الفجر عند الجمهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائمًا ولم يفعله خلفاؤه من بعده رضي الله عنهم والحديث والوارد في أنه كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا حديث فيه مقال لا يصلح للاستدلال وراجع كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هذه المسألة (11)
46 ـ هل صلاة التراويح سنة أم واجبة . وكيف كان الصحابة يؤدونها أفيدوني بارك الله فيكم ؟(108/21)
صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا وثوابًا جزيلاً لمن صلحت نيته وخلصت سريرته لله عز وجل لأن صلاة التراويح من أهم الأعمال المشروعة في ليالي رمضان وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي في أواخر شهر رمضان ثم تأخر عنهم ولم يخرج إليهم في بقية الليالي وقد اجتمعوا حتى ضاق بهم المسجد ثم إنه صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه لم يتخلف عنهم إلا أنه خشي أن تفرض عليهم فلا يستطيعونها وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر الصحابة يصلون صلاة التراويح أوزاعًا في المسجد يصلي الرجل وحده ويصلي الرجل والرجلان ويصلي الرجل ومعه الرهط وهكذا ظلوا على هذه فترة من الزمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه ورأى أن الصحابة يصلون صلاة التراويح على هذه الهيئة وأنهم ينقسمون إلى جماعات فرأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه (12) ومن ذلك الوقت إلى يومنا هذا وصلاة التراويح تؤدى جماعة واحدة في المسجد ولله الحمد والمنة . فهي سنة مؤكدة وفعلها في المساجد وفعلها جماعة أفضل ولو صلاها في بيته فلا بأس بذلك ولكن فعلها في المسجد ومع الإمام والجماعة في المسجد أفضل وأتم وأحسن . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص51 . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص147، 148 ورواه النسائي في سننه ج3 ص83، 84 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص420 . كلهم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه بنحوه ] .
47 ـ إذا خرجت المرأة لصلاة التراويح في المسجد وزوجها غير راض عنها ويقول لها صلي في البيت آجر لك . ما صحة هذا أفيدوني بارك الله فيكم .(108/22)
أولاً : يجب أن يعلم أن خروج المرأة إلى المسجد وإلى غيره يجب عليها فيه التستر وعدم الخروج بالزينة والطيب بأن تخرج بثياب ساترة غير ثياب الزينة وأن لا تكون متطيبة وأن تحرص على تجنب ما يفتن الناس أو يفتنها بالناس هذا أدب عام في خروج المرأة للمساجد ولغيرها .
أما خروجها إلى المسجد لأجل الصلاة مع المسلمين فريضة أو صلاة التراويح والتهجد في رمضان أو تخرج للصلاة مع المسلمين صلاة العيد أو الاستسقاء أو الجمعة أو تخرج إلى المسجد لحضور الدروس الدينية لتستفيد منها كل هذا لا بأس به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص152 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فليس لزوجها أن يمنعها من ذلك ما دامت أنها ملتزمة بما ذكرنا من الحشمة والتستر وقصدها الخير أما إذا كان منها مخالفة للآداب الشرعية ولاحظ زوجها عليها ذلك فله أن يمنعها كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص210-211 من حديث عائشة رضي الله عنها ] .
وما ذاك إلا لأن المرأة إذا أساءت الأدب الشرعي ولم تلتزم بالستر والاحتشام فإنها تمنع من المساجد وتمنع كذلك من غير المساجد وتلزم بالبقاء بالبيت خشية عليها وصيانة لها وكذلك لو كان في خروجها مضرة على أولادها كأن يكون لها أطفال صغار يحتاجون إلى البقاء معهم ومراقبتهم فهذا أيضًا مما يسوغ للزوج أن يمنعها من أجلهم والله تعالى أعلم .
48 ـ ما هي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للتراويح والتهجد والوتر من حيث العدد والكيفية والوقت .(108/23)
الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة (13) وفي رواية على ثلاث عشر ركعة (14) لكنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام ويطيل الركوع والسجود ويكثر من الدعاء في الركوع والسجود حتى إنه كما في حديث حذيفة قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران وكان يقرأ مترسلاً وكان يدعو عند آيات الرحمة ويستعيذ عند آيات العذاب وإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبح عليه الصلاة والسلام وكان ركوعه نحوًا من قيامه (15) أي قريبًا من قيامه وكان سجوده قريبًا من قيامه هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته في الليل عمومًا والتهجد فالمسلم يصلي ما يتيسر له وإن اقتدى في فعله بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيء طيب ووقت التهجد كل الليل ولكن أفضله آخر الليل وقت النزول الإلهي حيث يبقى ثلث الليل الآخر (16) وكيفيتها يصلي ركعتين ركعتين لقوله عليه الصلاة والسلام : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج2 ص45 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفيه ( أن رجلاً قال يا رسول الله كيف صلاة الليل قال : مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ) ] . أما الوتر فإنه ذكر أهل العلم أن أقله ركعة وأكثره إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين وينبغي للمسلم أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف ويستكمل معه صلاة التراويح بوترها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود من سننه ج2 ص51 ورواه الترمذي في سننه ج3 ص147 ورواه النسائي في سننه ج3 ص83، 84 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص420 . كلهم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه بنحو ] . وإذا أراد أن يتزود آخر الليل فإنه يصلي ويتهجد ويكفي الوتر الأول لا يكرر الوتر مرتين بل يكفيه الوتر الذي أوتره مع الإمام ولا يمنع أن يتهجد بعد ذلك من آخر الليلة .(108/24)
49 ـ هل ذكر الخلفاء الراشدين الأربعة في خطبة الجمعة أمر واجب أم لا ؟
الترضي عن الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة من عمل المسلمين ومن عقيدة أهل السنة والجماعة والترضي عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وموالاتهم والخلفاء الأربعة خصوصًا لما لهم من الفضل والسابقة في الإسلام ولأن بهذا مخالفة للرافضة قبحهم الله تعالى الذين يبغضون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما الخلفاء الراشدين فأهل السنة والجماعة يترضون عنهم في خطبة الجمعة مخالفة للرافضة وعملاً بقوله تعالى : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ سورة الحشر : آية 10 ] .
50 ـ في يوم الجمعة نصلي في المزرعة لظروف العمل ولكن بعض الناس ينتظرون إقامة الصلاة في الإذاعة ويركعون ويسجدن من صوت الإمام في الصلاة بالإذاعة ويقولون هذه الصلاة تحسب لنا مع صلاة الجماعة فهل صلاتهم صحيحة أم لا وإن لم تكن صحيحة فهل يلزمهم قضاء الصلوات التي صلوها كذلك ونحن ماذا علينا في صلاتنا في المزرعة ؟
أولاً يجب عليكم الصلاة مع الجماعة وحضور صلاة الجمعة والجماعة مع المسلمين في المساجد القريبة من محل عملكم .
ولا يجوز لكم ترك صلاة الجماعة والصلاة في موطن العمل إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة بأن تكون المساجد بعيدة عنكم أو تخافوا على المال الذي أنتم مستحفظون عليه تخشون عليه من التلف أو السرقة فلا بأس أن تصلوا في مكان عملكم ظهرًا أربع ركعات ولا يجوز لكم إقامة صلاة جمعة في هذه الحالة لعدم توفر شروطها .(108/25)
واحرصوا على أن تقيموا صلاة الجماعة بأن تجتمعوا وتصلوا جميعًا ولا تصلوا فرادى . أما من ناحية الذين يصلون خلف المذياع ويقتدون بصوت إمام يسمعونه من المذياع فهذه الصلاة باطلة وهذا الاقتداء لا يصح لما بينهم وبين الإمام من مسافات بعيدة . وعليهم أن يعيدوا الصلوات التي صلوها على هذا النمط لعدم صحتها .
51 ـ صلينا الجمعة في أحد المساجد وبعد ذلك أحضر جنازة للصلاة عليها وبعض الناس يصلي السنة بعد الجمعة أكملها ثم دخل مع الإمام في صلاة الجنازة وقد كبر التكبيرة الأولى ماذا يفعل هل يكبر مرتين مع بعض أم هل ينتظر إذا سلم الإمام يأتي بالفائت منه وقبل ذلك هل يقطع السنة التي بعد الجمعة ويدخل مع الإمام أم ماذا جزاكم الله خيرًا ؟
إذا دخل الإنسان في صلاة نافلة بعد الجمعة أو غيرها ثم كبر الإمام في الصلاة على جنازة فإنه يتم النافلة إن أمكنه بعد الفراغ منها أن يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الجنازة فإنه يكبر التكبيرات الباقية وإذا سلم الإمام قضى ما فاته من التكبيرات ثم سلم وإن لم يمكنه اللحاق مع الإمام فإنه يصلي على الجنازة وحده أو مع آخرين في المسجد أو في المقبرة إن تيسر له ذلك هذا مستحب وإلا فهو ليس بلازم لأنها قد صلي عليها والحمد لله .
52 ـ الركعتان تحية المسجد هل هي لازمة لكل من دخل المسجد حتى لو أراد أن يصلي الفرض مباشرة يلزمه أن يصلي تحية المسجد قبلُ ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص114 . من حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه ] . فمن دخل المسجد يريد الجلوس فإنه يصلي الركعتين قبل أن يجلس أما من دخل المسجد مارًا لا يريد الجلوس أو يريد أخذ حاجة وينصرف فهذا ليس عليه أن يصلي وكذلك إذا دخل لصلاة الفريضة ووجد الفريضة قد أقيمت فإنه يصلي الفريضة ويدخل مع الجماعة وتكفي عن تحية المسجد .(108/26)
53 ـ ما صفة سجود الشكر وكيف يؤديه المسلم ؟
سجود الشكر يشرع إذا تجدد له نعمة أو اندفعت نقمة كأن حصل له فرج من شدة أو رزق مولودًا فعندئذ يشرع سجود الشكر بل يستحب وصفته : يكبر ويسجد ثم يقول سبحان ربي الأعلى ويكرر ذلك ثلاثًا أو عشرًا ويدعو بما تيسر له من الأدعية .
54 ـ أيهما أفضل عن يمين الإمام أم عن يساره ؟
الأفضل عن يمين الإمام إلا إذا كان اليسار خاليًا أو فيه فرج فالأفضل تكميله إذا كان خاليًا وسد الفرج ولو كان من يسار الإمام أما إذا كان اليسار مكتملاً فلا شك أن اليمين أفضل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص178 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص321 . كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها ] .
55 ـ ما حكم تعديل الصف في الصلاة أي أن يجعل العدد الذي على يمين الإمام مساويًا للعدد الذي على يساره ؟
هذا هو الأولى، الأولى أن يتساوى الجناحان الذي عن يمين الإمام والذي عن شماله ولا يكون أحد الجناحين أكثر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وسطوا إمامكم ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص179 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فالأفضل والأكمل أن يكون الإمام في وسط الصف .
56 ـ أرجو توضيح فضل القرب من الإمام في الصف الأول والصلاة خلفه مباشرة .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(108/27)
( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص159 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . معنى ذلك أنه لو لم يمكن الحصول على الصف الأول إلا بالقرعة لفعلوها وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص325 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] . فالقرب من الإمام في الصف الأول يكون به قدوة للآخرين لأنهم يأتمون بالإمام مباشرة ويرون الإمام مباشرة فيأتمون به وهذا أفضل ممن يقتدي بمن خلف الإمام من الصفوف، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص323 من حديث أبي مسعود رضي الله عنه ] . فهذا يدل على أنه ينبغي أن يتقدم أهل الفضل وأهل العلم ليكونوا قريبين من الإمام فيفتحون عليه إذا احتاج لمن يفتح عليه بالقراءة أو نابه شيء في الصلاة استطاعوا أن يساعدوه وأن يستخلف من يكمل الصلاة لو احتاج إلى الاسختلاف، فالتقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فيه فضائل عظيمة وفيه خيرات وفيه دلالة على مبادرة الإنسان إلى الخير ورغبته فيه وأنه من السابقين إلى فعل الخير، أما التأخر فإنه يدل على الكسل وعدم الرغبة في الخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص325 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] . ولأن التأخر والتكاسل من صفات المنافقين، قال تعالى : { وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ سورة التوبة : آية 54 ] . أما التقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فهذا دليل على الرغبة في الخير والبراءة من النفاق . والله أعلم .(108/28)
الصيام
57 ـ امرأة تقول لقد مرضت في منتصف شهر رمضان فذهبت إلى الطبيب وأمرني بالإفطار لأن حالتي تستوجب الإفطار لذلك أفطرت يومين بعد أن تحسنت حالتي الصحية وأتممت صيام شهر رمضان أي لم أفطر سوى هين اليومين وقررت صيامهما فيما بعد ولكنني لم أصمهما بعد شهر رمضان مباشرة بل إنني صمت ستة أيام من شوال وبعد ذلك أريد صوم يوم عرفة صوم يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد كل هذا أصوم اليومين الذين لم أصمهما في رمضان فهل هذا جائز فإذا لم يكن جائز فما هو العمل الواجب علي ؟
أولاً ننبه أنّ صوم يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له أصل في الشرع فصيامه ابتداع لا يجوز لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم ذلك اليوم ولا عن أحد من الصحابة فهو بدعة أما صيام أيام التطوع كستّ من شوال ويوم عرفة فهذا لا يكون إلا بعد أداء القضاء الذي عليك من رمضان فالواجب أن تبدئي بقضاء ما عليك من رمضان ثم بعد ذلك تصومين مما ثبت صيامه تطوعًا ما شئتِ .
58 ـ ما الحكمة من مشروعية الصيام، وكم صام النبي صلى الله عليه وسلم وأيضًا ما معنى أفطر الحاجم والمحجوم (1)[ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . "[ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . " حديث ( صوموا تصحوا ) [ انظر المقاصد الحسنة ص381 . وتمييز الخبيث من الطيب ص88 وأسنى المطالب ص167 ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص179 . وذكره غيرهم ] .(109/1)
الصيام فيه حكم عظيمة منها ما ذكره الله في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ سورة البقرة : آية 183 ] . فبيّن سبحانه وتعالى أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى مزية عظيمة وهي جماع الخير . فالصائم يكتسب التقوى والصيام يجلب التقوى للعبد لأنه إذا صام فإنه يتربى على العبادة ويتروض على المشقة وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان وبهذا تحصل له التقوى وهي فعل أوامر الله عز وجل وترك نواهيه طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه فهذا من أعظم المزايا أن الصيام يسبب للعبد تقوى الله سبحانه وتعالى والتقوى هي جماع الخير وهي رأس البر وهي التي علَّق الله عليها خيرات كثيرة وكرر الأمر بها في كتابه وأثنى على أهلها ووعد عليها بالخير الكثير وأخبر أنه يحب المتقين . ومن فوائد الصيام أنه يربي الإنسان على ترك مألوفه تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى ولهذا يقول الله جلّ وعلا في الحديث القدسي :
( الصوم لي وأنا أجزي به . إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . فهذا فيه امتحان للصائم في أنه ترك شهوته وملذوذاته ومحبوباته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وآثر ما يحبه الله على ما تحبه نفسه وهذا أبلغ أنواع التعبد وهذا من أعظم فوائد الصيام وكذلك الصيام يعوِّد الإنسان على الإحسان وعلى الشفقة على المحاويج والفقراء لأنه إذا ذاق طعم الجوع وطعم العط فإن ذلك يرقق قلبه ويلين شعوره لإخوانه المحتاجين .(109/2)
والصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات لأنه عاش في المدينة عشر سنوات والصيام فُرض في السنة الثانية منها فيكون عليه الصلاة والسلام قد صام تسع رمضانات وأمّا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 . من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . فمعناه أنه يفسد صيام الحاجم وهو الذي يسحب الدم بالقرن والمحجوم هو الذي يسحب منه الدم فالإثنان أفطرا أما إفطار المحجوم فلخروج الدم الكثير منه وذلك مما يضعفه عن الصيام وأما إفطار الحاجم فلأنه مظنة أن يتطاير إلى حلقه شيء من الدم والمظنة تنزل منزلة الحقيقة فأفطر من أجل ذلك وسدًا للذريعة وحديث : ( صوموا تصحوا ) [ انظر المقاصد الحسنة ص381، وتمييز الخبيث من الطيب ص88، وأسنى المطالب ص167، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص179 . وذكره غيرهم ] . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بعض كتب السنة وإن لم يكن سنده بالقوي ومعناه صحيح لأن الصيام فيه صحة للبدن لأنه يمنع الأخلاط التي تسبب الأمراض وهذا المعنى يشهد به علماء الطب والتجربة الأكبر برهان .
59 ـ إن أبي قد أفطر في شهر رمضان وكان عمره يناهز السبعين تقريبًا وعليه دين ولم يرد هذا الدين الذي عليه وذلك لمرضه ثم وفاته رحمه الله فما الذي يجب أن نفعله أفيدونا مأجورين ؟(109/3)
أما من ناحية الصيام فإذا كان تركه من أجل المرض ولم يتمكن من قضائه حتى مات فلا شيء عليه لأنه معذور أما إذا كان شفي بعد مرضه واستطاع القضاء ولكنه تكاسل وتركه حتى أتى عليه رمضان آخر ومات فهذا يجب الإطعام عنه عن كل يوم مسكينًا بنصف صاع من طعام البلد لكل مسكين عن كل يوم، وأما مسألة الدين الذي عليه فهذا حق باق عليه لغريمه . فإن كان له تركة فإنه يجب تسديد هذا الدين من تركته وقضاء ما عليه من تركته، وإن لم يكن له تركة فينبغي لقريبه أو وليه أن يسدد عنه هذا الدين لتبرأ ذمته وينفك من رهان الدين، وكذلك لمن علم بحاله من المسلمين ولو لم يكن من أقاربه أن يسدد عنه هذا الدين من باب الإحسان وتخليص المسلم من الدين .
60 ـ ما حكم من شك في طلوع الفجر هل له أن يأكل ويشرب أم يمسك حتى يستيقن طلوعه أم أنه يعمل بالشك . أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم ؟
يقول الله سبحانه وتعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . فإذا تيقن طلوع الفجر حرم عليه الأكل والشرب ووجب عليه الإمساك، وإذا لم يتيقن وبقي في شك هل طلع الفجر أو لم يطلع فالاحتياط له أم يمتنع عن الأكل والشرب من باب الاحتياط والابتعاد عن المشتبهات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص200 وروه الترمذي في سننه ج7 ص205 ورواه النسائي في سننه ج8 ص327، 328، كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص19 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . فالأحسن أن يمسك وأن يترك الأكل والشرب مادام أنه يخاف أن الفجر قد طلع ولم يكن عنده من العلامات ما به يعرف طلوع الفجر .(109/4)
61 ـ لقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم (2) هل القبلة هنا حكمها عام للشيخ والشاب أم أنها خاصة للشيخ فقط وما المقصود بالحديث بارك الله فيكم .
نعم الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم والمراد بالقبلة معروف والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم (3) لأنه كان عليه الصلاة والسلام مالكًا لإربه وعارفًا بأحكام صيامه عليه الصلاة والسلام وما يؤثر عليه وما يفسده أما غيره من الناس فإنهم لا ينبغي لهم الإقدام على القبلة لأن ذلك مدعاة لأن يحصل منهم ما يفسد الصوم مع جهلهم وضعف إيمانهم وعدم ضبطهم لأنفسهم فالأحسن للمسلم أن يتجنب ما يثير شهوته وما يخشى منه إفساد صيامه أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بفعل ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان ضابطًا لنفسه وكان عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله وأخشاهم لله عليه الصلاة والسلام وهو أدرى بما يحفظ صيامه عليه الصلاة والسلام فغير الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يأمن نفسه ينبغي له أن يبتعد عن هذه الأمور في أثناء الصيام .
62 ـ تذوق الطعام من قبل المرأة وغيره هل يفسد الصوم وما حكم مضغ العلك للصائم أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟
لا بأس بذوق الطعام بالفم ولا يبتلع شيئًا منه فيذوقه في فمه ويلفظه ولا يبتلع شيئًا من ذلك فإن ابتلع شيئًا من ذلك متعمدًا فسد صيامه والفم له حكم الخارج وليس هو من الجوف ولا يؤثر هذا على صيامه كما أنه يتمضمض للوضوء والطهارة ولا يؤثر هذا على صيامه بشرط أن يمج الماء أي يلفظ الماء من فمه كذلك ذوق الطعام يلفظه ولا يبتلعه والعلك يكره للصائم . وهو على نوعين :
العلك الذي يتحلل ويتفتت في الفم هذا لا يجوز لأنه يتسرب إلى الحلق ويفسد الصيام أما العلك القوي الذي لا يتحلل ولا يتفتت في الفم ولا يذوب فهذا يكره للصائم .
63 ـ ما حكم التسوك في نهار رمضان ؟(109/5)
التسوك في نهار رمضان مستحب لأن السواك من السنن المتأكدة في الصيام وفي غيره فيستحب للصائم أن يستاك في كل اليوم على الصحيح ومن أفضل خصال الصائم السواك كما في الحديث (4) فيستحب للصائم أن يستاك في سائر اليوم . ومن العلماء من يرى أن الرخصة في السواك قبل الزوال أما بعد الزوال فيمتنع من الاستياك ويروى في هذا حديث لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والثابت أنه يستاك في كل اليوم (5) ولا يؤثر هذا على صيامه لكن لا يبتلع شيئًا من فضلات السواك أو من الفضلات التي يثيرها السواك من لثته وأسنانه، بل يلفظ هذه الأشياء ولا يؤثر ذلك على صيامه .
64 ـ ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعيين ليلة القدر، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق أم لا، وما هو رأيكم في من قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .(109/6)
ليلة القدر ليلة عظيمة نوّه الله بشأنها في كتابه الكريم في قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ سورة الدخان : آية 3، 4 ] . وفي قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر ] . فهي ليلة شرّفها الله عز وجل على غيرها، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر أي أفضل من العمل في أكثر من ثلاث وثمانين عامًا وزيادة أشهر وهذا فضل عظيم حيث اختصها بإنزال القرآن فيها ووصفها بأنها ليلة مباركة وأنها يُقدَّر فيها ما يجري في العام من الحوادث وهذه مزايا عظمية لهذه الليلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلبًا لليلة القدر وهي أفضل الليالي لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها والتنويه بشأنها فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة وإحسانه إليها حيث خصّها بهذه الليلة العظيمة . وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فبين يدي الآن سؤال وجواب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث سئل رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختصّ به ليلة المعراج منها أكمل من حظه في ليلة القدر وحظ الأمّة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري(109/7)
به صلى الله عليه وسلم . هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة والإمام العلامة ابن القيم كلامه في هذا الموضوع يوافق كلام شيخه في أن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل في حق الأمة .
ومما يجب التنبيه عليه أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بقيام أو ذكر، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ولمكانتها وأيضًا ليلة الإسراء لم تثبت في أي ليلة ولا في أي شهر هي مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة خلاف ليلة القدر فإن الله أخبر أنها في رمضان لأن الله قال : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ سورة البقرة : آية 185 ] . وقال : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ سورة القدر : آية 1 ] . فدلّ على أنّ ليلة القدر في شهر رمضان وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب لكن هي في شهر رمضان قطعًا . فمن صام شهر رمضان وقام لياليه فلا شك أنه قد مرت به ليلة القدر ولا شك أنه شهد ليلة القدر ويكتب له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له، فليلة القدر لنا فيها ميزة في أن شرع لنا الاجتهاد في العبادة والدعاء والذكر وتحريها بخلاف ليلة الإسراء فهذه لم يطلب منا أن نتحراها ولا أن نخصها بشيء من العبادات وبهذا يظهر أنّ هؤلاء الذين يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة بما لم يشرعه الله ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول إن هذه ليلة الإسراء وليلة المعراج كما كان يفعله هؤلاء المنحرفون المبتدعة(109/8)
الذين اتخذوا دينهم طقوسًا ومناسبات بدعية وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم فهذا مما يجب الانتباه له وبيانه للناس وأنّ الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة الإسراء والمعراج فلم يشرع لنا فيها أن نتحراها ولا أن نخصها بشيء وأيضًا هي لم تبين لنا في أي شهر أو في أي ليلة بخلاف ليلة القدر فإنها في رمضان بلا شك والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
65 ـ إذا نوى شخص الصيام تطوعًا أو واجبًا ولكنه ليلة صيامه لم يستيقظ للسحور إلا والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر فتناول ماء فشربه وعقد الصيام فهل يصح ذلك الصيام وما هي آخر لحظة يمكن أن يأكل أو أن يشرب فيها من يريد الصيام ؟
الإمساك وبداية الصيام ليست مربوطة بأذان المؤذنين وإنما هي مربوطة بطلوع الفجر لقوله تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . أما أذان المؤذن فإنه يختلف، فبعض المؤذنين يقدم الأذان على طلوع الفجر ليستيقظ الناس ويستعدوا فإذا كان بين الأذان وطلوع الفجر وقت يتمكن فيه من الأكل والشرب فلا بأس بذلك وبعض المؤذنين يؤخر إلى طلوع الفجر فهذا يرجع إلى عادة المؤذن ومن عرف عنه أنه يقدم فيجوز الأكل بعد أذانه إلى أن يطلع الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص152، 153، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وإذا كان المعروف عن هذا المؤذن أنه يتقيد بطلوع الفجر فإنه لا يجوز الأكل بعد أذانه .(109/9)
66 ـ ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه وهل هو صحيح بهذا اللفظ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يجوز لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)، وإذا استأذنت الزوجة زوجها فلم يأذن لها بالصيام فهل تطيعه وفي الحديث ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) أم أنه خاص بصيام التطوع وإن لم يأذن لها في صيام التطوع ثم صامته فهل عليها شيء ؟
الحديث الذي أشار السائل إلى معناه حديث صحيح ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد - يعني حاضر - إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ) رواه البخاري ومسلم [ انظر صحيح الإمام البخاري ج6 ص150 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وانظر صحيح الإمام مسلم ج2 ص711 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه ] . وغيرهما فلزوجها أن يمنعها من صيام النفل وله أن يمنعها من صيام القضاء الموسّع " إذا كان عليها أيام من رمضان والوقت طويل ما بين الرمضانين فله أن يمنعها من صيام القضاء " فإذا ضاق الوقت ولم يبق إلا قدر الأيام التي عليها فليس له أن يمنعها لأن عائشة رضي الله عنها كان يكون عليها القضاء من رمضان فلا تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (6)
67 ـ فتاة أتتها العادة الشهرية لأول مرة في شهر رمضان لكنها لم تفطر بل بقيت صائمة وقد مضى على ذلك عامان ولم تقض تلك الأيام . فماذا عليها الآن ؟
يجب عليها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى لأن هذا يدل على التساهل ويجب عليها مع التوبة إلى الله عز وجل أمران :
الأمر الأول : أن تقضي هذه الأيام التي صامتها وقت الحيض لأن صيامها في وقت الحيض لا يجوز ولا يجزئ .(109/10)
الأمر الثاني : أن تطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير الذي أخرته من غير عذر، لأن من كان عليه أيام من رمضان يجب عليه أن يقضيهما قبل رمضان الآخر مع الإمكان فإذا جاء رمضان الآخر ولم يقضه فإنه يقضيها بعده وإذا كان غير معذور في التأخير فعليه إطعام مع القضاء كما ذكرنا ومقدار الإطعام نصف صاع عن كل يوم .
68 ـ إذا أكرهت المرأة من الرجل في الجماع في شهر رمضان هل تجب عليها كفارة أم لا . وما رأيكم فيمن قال أنه لا كفارة على المرأة مطلقًا لا في حالة الاختيار ولا في حالة الإكراه وإنما يلزمه القضاء فقط . أفيدونا بالتفصيل بارك الله فيكم .
من المعلوم أن الجماع من مفسدات الصوم بالإجماع وأنه يجب فيه الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا .
أما إذا أكرهت المرأة على الجماع بأن أكرهها زوجها إكراهًا لا تستطيع التخلص منه وجامعها وهي صائمة فليس عليها كفارة وإنما عليها القضاء فقط، وتكون كفارتها عليه هو فيجب عليه كفارتان . كفارة عنه وكفارة عن زوجته التي أكرهها ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ويجب عليه قضاء ذلك اليوم . فيجب عليه ثلاثة أمور :
أولاً : التوبة إلى الله والندم على ما حصل فيه . . . التوبة المستوفية لشروطها .
ثانيًا : قضاء هذا اليوم الذي جامع فيه .
ثالثًا : الكفارتان عنه وعن زوجته التي أكرهها .
69 ـ وما حكم من جامع عامدًا في نهار رمضان ولم يكفر ثم جامع في يوم آخر منه فهل يكفر مرتين أو تجزؤه كفارة واحدة ؟
يلزمه كفارة عن كل يوم جامع فيه لأن كل يوم عبادة مستقلة، والمسلم يجب عليه أن يحترم شعائر دينه وأن يهتم بصيامه وأن لا تطغى عليه شهوة نفسه ويتغلب عليه الشيطان، لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام يجب على المسلم أن يؤديه على الوجه المشروع وعلى الوجه الأكمل حسب الإمكان .(109/11)
70 ـ ما الحكم فيمن مات وعليه صيام وكان قد تمكن من صيامه قبل موته . فهل يجوز أن يطعم عنه عن كل يوم من غير صيام عنه . أم لابد أن يصوم وليه عنه وهل يقوم الأجنبي في الصيام عنه مقام القريب الولي . أفيدونا بارك الله فيكم .
إذا تمكن من القضاء وتركه حتى مات بعدما دخل عليه رمضان الآخر وهو تارك للقضاء مع تمكنه منه ثم مات بعد ذلك فهذا يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا . أما إذا ترك القضاء لعدم تمكنه منه حتى مات أو ترك القضاء في الفترة ما بين الرمضانين ومات قبل رمضان الآخر فهذا لا شيء عليه لأن وقت القضاء موسع في حقه ومات في أثناء ذلك .
71 ـ بالنسبة لأصحاب الأعمال المتعبة الذين لا يجدون متسعًا من الرزق غير ما يزاولونه من أعمال هل يخص لهم في الفطر كالشيخ المسن والمرأة العجوز أم لا . أفيدونا مأجورين ؟
العمل لا يبيح الإفطار وإن كان شاقًا لأن المسلمين ما زالوا يعملون في مختلف العصور ولم يكونوا يفطرون من أجل الأعمال ولأن العمل ليس من الأعذار التي نص الله جل وعلا على إباحة الإفطار من أجلها لأن الأعذار التي يباح الإفطار لها محصورة وهي السفر والمرض والحيض والنفاس والهرم والمرض المزمن كذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما هذه الأعذار التي وردت الأدلة في إباحة الإفطار من أجلها، أما العمل في حد ذاته فإنه لا يبيح الإفطار لعدم الدليل على ذلك . ولكن العامل يجب عليه أن يصوم مع المسلمين وإذا قدر أن العمل أرهقه جدًا وخاف على نفسه من الموت، فإنه يتناول ما يبقي على حياته، ويمسك بقية يومه ويقضي هذا اليوم من يوم آخر . وأما أن يفطر ابتداء من أجل العمل فهذا لم يكن عذرًا شرعيًا .
72 ـ هل يلزم المرأة أن تأخذ إذنًا من زوجها أثناء صيام التطوع وما حكم هذا الصيام ؟(109/12)
نعم . لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه فلا يجوز لها ذلك ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه .
73 ـ بم يتحقق السحور وهل الأفضل تقديمه أم تأخيره . وما رأيكم فيمن يترك بعضًا من ليالي رمضان من غير سحور . أفيدونا بارك الله فيكم ؟
السحور هو الطعام الذي يأكله الصائم آخر الليل استعدادًا لاستقبال الصيام وهو مطلوب وهو الغداء المبارك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (7) لأن الصائم يقصد بذلك التقوى على طاعة الله سبحانه وتعالى فمطلوب للمسلم أن يتسحر مهما أمكنه ذلك ولو يسيرًا حسب إمكانه ليحصل على الفضيلة ولأجل إعانة نفسه على العبادة . فلا ينبغي له أن يترك السحور إذا كان يستطيع الحصول عليه لأن فيه إعانة له على طاعة الله وأيضًا لأجل الأخذ بقول الله عز وجل : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص232 . من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] .
أما أن يصوم من غير تسحر فهذا خلاف السنة .
74 ـ إذا بقي شيء من الطعام بين أسنان الصائم هل يعتبر ذلك من المفطرات إذا ابتلعه الصائم . أفيدوني بارك الله فيكم ؟(109/13)
إذا أصبح الصائم ووجد في أسنانه شيئًا من مخلفات الطعام فعليه أن يلفظ هذه المخلفات ويتخلص منها ولا تؤثر على صيامه إلا إذا ابتلعها متعمدًا فإن هذا يفسد صيامه أما لو ابتلعه جاهلاً أو ناسيًا فهذا لا يؤثر على صيامه وينبغي للمسلم أن يحرص على نظافة فمه بعد الطعام سواء في حالة الصيام أو غيره لأن النظافة مطلوبة من المسلم وأن يعتني بأسنانه وفمه بعد الطعام بالتنظيف حتى لا تبقى فيه مخلفات تصدر عنها روائح كريهة ويتضرر بها وتؤثر على أسنانه أضرارًا صحية .
75 ـ ما هي الأمور النافعة التي يجب أن يقوم بها الصائم أثناء نهاره . بارك الله فيكم ؟(109/14)
الأمور النافعة التي يقوم بها الصائم أثناء نهاره كثيرة . منها تلاوة القرآن العظيم بالتدبر والتفكر، ومنها الإكثار من الصلاة النافلة في غير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ومنها الذهاب إلى المساجد والجلوس فيها لأن هذا يكون من الاعتكاف المطلوب لأن الجلوس في المساجد في نهار رمضان وتلاوة القرآن فيها وانتظار الصلاة فيها وعمارتها بطاعة الله هذا من أفضل أعمال الصائم وغيره . وقد كان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد (8) ويقولون : نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا، فينبغي للصائم أن يصرف كل ما استطاع من وقته في المسجد لأن ذلك فيه خير كثير وفيه فضل كبير وفيه عمارة لبيوت الله بالطاعة وفيه نوع من الاعتكاف الذي هو من أجل العبادات . وعلى الصائم كذلك أن يكثر من أعمال البر والإحسان للفقراء والمساكين والصدقة فإن الصدقة في هذا الشهر أفضل من الصدقة في غيره قال صلى الله عليه وسلم : ( من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ) [ انظر مشكاة المصابيح ج1 ص612-613 . من حديث سلمان رضي الله عنه ] . لا سيما إذا كان في وقت حاجة ومجاعة فإن الصدقة في هذا الشهر تعين الصائمين على صيامه قال صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره شيئًا ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص114، 115 بنحوه . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص149 بنحوه . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص555 بنحوه . كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ] .
76 ـ من سافر أثناء النهار فهل له أن يفطر ؟
إذا ابتدأ الإنسان الصيام اليومي وهو مقيم ثم عرض له سفر في أثناء النهار فهذا على الصحيح من قولي العلماء أنه إذا فارق البنيان وخرج من البلد مسافرًا فإنه يباح له الإفطار لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في أثناء اليوم الذي سافر فيه وفعله كثير من الصحابة رضي الله عنهم ولكن كونه يتم هذا اليوم أحوط وأحسن .(109/15)
77 ـ إذا قدم المسافر أو طهرت الحائض في أثناء النهار فماذا عليهم أن يفعلوا ؟
نعم . إذا كان الإنسان أفطر لعذر من الأعذار كالسفر والمرض أو المرأة أفطرت من أجل الحيض والنفاس ثم زالت هذه الأعذار في أثناء النهار فإن الواجب أن يمسكوا بقية يومهم وأن يقضوا هذا اليوم من يوم آخر فيمسكوا بقية اليوم احترامًا للوقت وعليهم القضاء لأنه مضى وقت من اليوم لم يصوموا فيه . . . وكذلك الصغير لو بلغ في أثناء النهار أيضًا فإنه يمسك بقية اليم ويقضي هذا اليوم من يوم آخر .
78 ـ إذا لم تقم البينة بدخول الشهر إلا في أثناء النهار ماذا على المسلمين أن يفعلوا ؟
إذا لم تقم البينة بدخول الشهر إلا في أثناء النهار فالذي يجب على المسلمين أن يمسكوا بقية يومهم احترامًا للوقت لأنه من رمضان وأن يقضوه بعد رمضان لأنهم كانوا في أوله مفطرين فيلزمهم القضاء من يوم آخر بعد رمضان .
79 ـ ما الذي ينبغي على المسلم أن يستقبل به شهر رمضان ؟(109/16)
شهر رمضان من المواسم العظيمة التي تمر في حياة المسلم، ينبغي للمسلم أن يستقبله بالبشر والسرور لقوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ سورة يونس : آية 58 ] . فإدراك المسلم لشهر رمضان غنيمة عظيمة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويشرح لهم مزاياه [ كما في حديث سلمان الطويل الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك فرض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه . . . إلى آخر الحديث ] (9). الذي يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم مزايا هذا الشهر وأنه ينبغي للمسلم أن يستقبله بالاستعداد لإحياء ليله بالقيام ونهاره بالصيام وتلاوة القرآن والصدقة والبر والإحسان لأن كل دقيقة من هذا الشهر فهي موسم عظيم والمسلم لا يدري مدى بقائه في هذه الحياة وهل يكمل هذا الشهر وإذا أكمله هل يعود عليه سنة أخرى أو لا فهو غنيمة ساقها الله إليه فينبغي له أن يفرح بذلك وأن يستغرق هذا الشهر أو ما تيسر له من أيامه ولياليه بطاعة الله سبحانه وتعالى والإكثار من فعل الخيرات والمبررات لعله أن يكتب له من أجل هذا الشهر ما أعده الله للمسلمين فإنه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار والمسلم يتعرض لنفحات ربه في هذه الأيام العظيمة .(109/17)
80 ـ أنا أقيم في مدينة " كركوف " في " بولندا " وقد حل علينا شهر رمضان الماضي وقد منَّ الله علينا بصيامه والحمد لله إلا إننا كنا في إمساكنا وإفطارنا نعتمد على توقيت بلدنا " بالعراق " علمًا أن التوقيت هنا في " بولندا " يسبق " بالعراق " فيجب أن نمسك قبلهم وأن نفطر قبلهم وقد صمنا على هذا الوضع أربعة أيام إلى أن تبين لنا الفرق في التوقيت فاعتمدنا توقيت البلد التي نصوم بها فما الحكم في فعلنا الأول وماذا يجب علينا ؟
هو كما ذكر السائل أنهم يجب عليهم العمل بتوقيت البلد الذي هم فيه فيمسكون عند طلوع الفجر ويفطرون عند غروب الشمس في البلد الذي هم فيه لقوله تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وهذا منطبق على المسلم في أي مكان يعرف فيه طلوع الفجر وغروب الشمس فالصيام فيما بينهما وأما ما حصل منهم في أول الشهر من أنهم يصومون بتوقيت بلد آخر يختلف عن توقيت البلد الذي هو فيه فهو خطأ . ويجب عليهم أن يقضوا هذه الأيام التي صاموها على هذا النمط لأن هذا الصيام غير صحيح ولا مطابق للشرع كما ذكرنا . وإن كان مضى عليهم رمضان آخر لم يقضوا هذه الأيام فإنه يجب عليهم مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم والله أعلم .
81 ـ كان على والدي صيام شهرين متتابعين كفارة منذ زمن بعيد ولكنه لم يصمهما وقد أجلهما وإلى الآن لم يصم ولكنه الآن عاجز عن الصيام لكبر سنه فكيف العمل في هذه الحالة وهل يجزئ شيء عنهما يفعله وهل نصوم عنه وهل هو يأثم بتأخيرها مع القدرة على ذلك ؟(109/18)
هذا سؤال مجمل لم يبين نوع هذه الكفارة التي وجب فيها صيام شهرين متتابعين هل هي كفارة قتل أو كفارة ظهار أو وطأ في رمضان فإن كانت كفارة قتل فإنه لا يجزئ فيها الإطعام ولابد فيها من العتق أو الصيام عند العجز عن العتق . هذا ما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها في قوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } . . . إلى قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] . فليس فيها إلا هذان الأمران . وأما إن كانت كفارة غير القتل بأن كانت كفارة ظهار أو وطأ في نهار رمضان مثلاً فإنه يجزئ فيها شيء ثالث وهو الإطعام لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } [ سورة المجادلة : الآيتين 3، 4 ] . فكفارة الظهار مرتبة على هذه الأمور الثلاثة أولاً : عتق الرقبة إذا أمكن .
ثانيًا : إذا لم يمكن عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين .
ثالثًا : إذا لم يمكن صيام الشهرين فإنه يطعم ستين مسكينًا ومثلها كفارة الوطء في نهار رمضان فهذه الكفارة التي وجبت على والدك لا ندري من أي هذه الأنواع وقد أجبنا على كل الاحتمالات مع أنه يجب على المسلم المبادرة بأداء ما وجب عليه وعدم التأخير لأن ذلك يفضي إلى مثل الحالة التي ذكرتها عن أبيك لكونه أخر الصيام ثم طرأ عليه ما لا يستطيع معه الصيام فبقيت الكفارة في ذمته .
82 ـ من هم الذي يرخص لهم الإفطار في رمضان ؟
الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان هم أهل الأعذار الشرعية وهم :(109/19)
أولاً : المسافر سفرًا يجوز فيه قصر الصلاة بأن يبلغ ثمانين كيلو فأكثر .
ثانيًا : المريض الذي يلحقه مشقة إذا صام أو يسبب تضاعف المرض عليه أو تأخر البرء فهذا يرخص له في الإفطار .
ثالثًا : الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام في حال الحيض والنفاس ويحرم عليهما الصيام وكذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو خافتا على ولديهما أبيح لهما الإفطار .
وكذلك المريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى له شفاء وكذلك الكبير الهرم .
كل هؤلاء من أهل الأعذار الذين رخص لهم الشارع بالإفطار ومنهم من يؤمر بالقضاء كالمسافر والمريض مرضًا يرجى شفاؤه والحائض والنفساء والحامل والمرضع كل هؤلاء يجب عليهم القضاء لقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
أما من لم يستطع القضاء ويعجز عنه عجزًا مستمرًا كالكبير الهرم والمريض المزمن فهذان ليس عليهما قضاء وإنما يطعمان عن كل يوم مسكينًا لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
83 ـ ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار وعند السحور أفيدوني بارك الله فيكم ؟
قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر يقول : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص316 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص422 . ورواه الدارقطني ج2 ص185، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وورد عن بعض الصحابة أنه إذا أفطر قال : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت (10) فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم وأما السحور فلم يرد فيه دعاء مخصوص فيما أعلم .
والذكر الوارد على الطعام في رمضان وفي غيره أن يقول بسم الله في أوله . والحمد لله في آخره .(109/20)
84 ـ إذا دخل رمضان والإنسان عليه قضاء حيث لم يستطيع صيام هذا القضاء لمرض ألمَّ به فما حكم هذا جزاكم الله عنا خير الجزاء ؟
إذا كان على الإنسان قضاء أيام من رمضان سابق فإنه ينبغي له المبادرة بتفريغ ذمته من هذا الواجب وقضاء هذه الأيام فإذا تأخر حتى أدركه رمضان الآخر وهو لم يقضها فهذا إن كان معذورًا في هذه الفترة بين الرمضانين لم يستطع أن يقضيها فإنه يقضيها بعد رمضان الجديد فيصوم رمضان الحاضر وبعده يصوم الأيام التي عليه من رمضان الأول وليس عليه شيء سوى ذلك لأنه أخره لعذر حتى أدركه رمضان جديد أما من أخر القضاء من غير عذر بل هو من باب التكاسل والتساهل فهذا يصوم رمضان الجديد وبعده يقضي الأيام الفائتة من رمضان الماضي ومع القضاء يطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من الطعام المقتات في البلد عن كل يوم كفارة لتخيره القضاء من غير عذر . والله أعلم .
85 ـ أنا عليَّ صيام شهرين متتابعين يعني صيام كفارة وإذا صمت ونقص الشهر في الحساب يومًا فهل علي إكمال ستين يومًا أم لا، أم أصوم شهرين حسب ما يأتي حسابها . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
إذا كنت بدأت الصيام من الهلال فإنك تصوم شهرين بالأهلة سواء كانت تامة أو ناقصة أما إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر فإنه يجب عليك صيام ستين يومًا لأنك تصوم شهرين بالعدد ستين يومًا .
86 ـ إذا سافر الشخص إلى الدراسة خارج بلاده وكما هو معلوم أن الوقت يختلف عن وقت بلده . فمثلاً إذا زادت الساعات في الصيام أو نقصت لاختلاف الوقت هل يؤثر ذلك على صيام الشخص أم لا . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
من سافر إلى بلد غير بلده ويختلف بفارق توقيت عن بلده فإنه يكون حكمه حكم ذلك البلد الذي سافر إليه فيصوم ويفطر تبعًا لذلك البلد يصوم إذا طلع الفجر في ذلك البلد ويفطر إذا غربت الشمس في ذلك البلد ولا ينظر إلى توقيت بلده فكل مكان له حكمه .(109/21)
والله تعالى يقول : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وهذا عام في كل البلاد .
87 ـ هل يشترط أن تكون نية الصيام قبل الفجر من كل ليلة من رمضان أم تكفي نية واحدة كل الشهر . وما حكم من تلفظ بها في كل ليلة من ليالي شهر رمضان .
النية شرط من شروط صحة العبادة من صيام وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] . فكل عبادة من العبادات لا تصح إلا بنية ومن ذلك الصيام فإنه لا يصح إلا بنية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص288 من حديث عبد الله بن عمر موقوفًا . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287 ورواه أبو داود في سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص196، 197 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص542 ورواه الدرامي في سننه ج2 ص12 ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج4 ص202، 203 ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن أبي شيبة عن مصنفه ج2 ص292 ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج3 ص92، 93 وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كلهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] . فالنية للصيام مشترطة وصيام الفرض لابد أن ينويه من الليل قبل طلوع الفجر ويجب عليه أن ينوي لكل يوم نية جدية لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية متجددة بتجدد الأيام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] .(109/22)
فإن قام من نومه وتسحر فهذا هو النية . وإن لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وكان ناويًا للصيام قبل نومه فإنه يمسك إذا استيقظ وصيامه صحيح لوجود النية من الليل .
وما أشار إليه السائل من النطق بالنية هل هو مشروع أو ليس بمشروع ؟ فالنطق بالنية غير مشروع والتلفظ بها بدعة لأن النية من أعمال القلوب والمقاصد لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بدون تلفظ ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتلفظ بالنية ويقول اللهم إني نويت أن أصوم أو نويت أن أصلي أو نويت كذا وكذا إنما ورد هذا عند الإحرام بالحج أو العمرة أن يقول المسلم لبيك عمرة أو لبيك حجًا (11) وكذلك عند ذبح الهدي أو الأضحية ورد أنه يتلفظ عند ذبحها (12) ويقول اللهم هذه عني أو عن فلان فتقبل مني إنك أنت السميع العليم . أما ما عدا ذلك من العبادات فالتلفظ بالنية بدعة سواء كان في الصيام أو في الصلاة أو في غير ذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ في شيء من هذه الأحوال بالنية وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج8 ص156 . معلقًا ] . وقال عليه الصلاة والسلام : ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص126، ورواه أبو داود في سننه ج4 ص200 ورواه الترمذي في سننه ج7 ص319، 320 بنحوه ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص15، 16 بنحوه . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص97 كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ] . فالتلفظ بالنية أمر محدث فهو بدعة . وقد قال الله سبحانه وتعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة الحجرات : آية 16 ] . فالله جل وعلا أنكر على الذين تلفظوا بنياتهم قال تعالى : { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا(109/23)
وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا } إلى أن قال تعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } [ سورة الحجرات : آية 14، 15، 16 ] . فالتلفظ بالنية معناه أن الإنسان يخبر ربه عز وجل أنه نوى له كذا وكذا قد نهى الله عن ذلك وأنكر على من فعله .
88 ـ أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصوم . وما الحكم لو نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام . فهل له الفطر والحالة هذه أم لا . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
المسافر سفرًا يباح فيه قصر الصلاة وهو ما يسمى بسفر القصر بأن يبلغ ثمانين كيلو فأكثر فهذا الأفضل له أن يفطر عملاً بالرخصة الشرعية وإذا صام وهو مسافر فصومه صحيح ومجزئ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] . فالإفطار في السفر أفضل من الصيام وإذا صام فلا حرج عليه إن شاء الله وصيامه مجزئ وصحيح . وأما إذا نوى إقامة أربعة أيام فأقل فإنه له أحكام المسافر يجوز له الإفطار ويجوز له قصر الصلاة لأن إقامته إذا كانت أربعة أيام فأقل فإنها لا تخرجه عن حكم المسافر أما إذا كانت إقامته التي نواها تزيد عن أربعة أيام فهذا يأخذ حكم المقيم وتنقطع في حقه أحكام السفر فيجب عليه إتمام الصلاة والصوم في رمضان .
89 ـ هل التكحل وقطرة العين ووضع الطيب على الثياب يؤثر على الصائم . وما هي الأشياء التي يجب أن يبتعد عنها الصائم حتى لا تؤثر على صيامه ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .(109/24)
الذي يوضع في العين من قطور أو ذرور أو كحل إذا وجد طعمه في حلقه فإنه يفطر بذلك لأن العين منفذ فإذا وصل هذا الذي وضعه فيها من سائل أو جامد ووصل طعمه إلى حلقه وأحس بطعمه وكان متعمدًا لوضعه في عينه فإنه حينئذ يكون قد أثر على صيامه لأنه يشبه ما لو أكل شيئًا أو شرب شيئًا ووصل إلى حلقه فلا ينبغي للمسلم أن يتساهل في هذا الأمر وإذا كان معتادًا الاكتحال أو معتادًا لمداواة العين فليجعل ذلك في الليل أما نهار الصيام فإنه يتجنب هذه الأشياء حفاظًا على صيامه من المؤثرات .
يجب أن يبتعد عن أشياء كثيرة منها أشياء تفسد صيامه ومنها أشياء تنقص ثوابه أو تبطل ثوابه ولا تفسد الصيام . أما التي تفسد الصيام ويلزمه القضاء فيها فمثل الأكل والشرب متعمدًا ومثل الجماع وكذلك ما في حكم الأكل والشرب من تعاطي الأدوية والإبر التي تصل إلى جوفه وتسير في عروقه فإن هذا في حكم الأكل والشرب يفسد صيامه كذلك التقيؤ والاستفراغ متعمدًا يفسد الصيام واستخراج الدم الكثير بالحجامة أو الفصد أو سحب الدم للتبرع به أو لإسعاف مريض فهذا أيضًا مما يفسد الصيام ويلزم القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم : في الحجامة : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . فهذه أمور إذا تعاطاها الإنسان فإنها تفسد صيامه ويلزمه قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بها . وهناك أشياء محرمة على الصائم وتنقص ثوابه أو تبطل ثوابه لكنه لا يؤمر بالقضاء مثل الغيبة والنميمة وقول الزور والشتم والكذب وغير ذلك من الأمور المحرمة وكذلك النظر المحرم واستماع الأشياء المحرمة كاستماع الملاهي والأغاني المزامير وغير ذلك كل هذا مما يؤثر على الصائم ولكنه لا يؤمر بالقضاء لأن هذه المفطرات معنوية وليست مفطرات حسية .(109/25)
90 ـ في الحديث القدسي : (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . أريد شرحًا لهذا الحديث . لماذا خص الصوم بهذا التخصيص أفيدوني بارك الله فيكم ؟
هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال وأن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد . وقد أجاب أهل العلم عن قوله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . بعدة أجوبة منهم من قال : أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومين، فالمظلومين يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته كما في الحديث أن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا أو أكل مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته ولم يبق شيء فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه ويطرح في النار (13) إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة وإنما يدخره الله عز وجل للعامل يجزيه به ويدل على هذا قوله : ( كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام فإن الله يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء ويكون لصاحبه عند الله عز وجل .(109/26)
وقيل أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أن الصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا يقول : ( الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً والصلاة والحج والأعمال الظاهرة هذه يراها الناس أما الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
ويكون قوله : ( إنه ترك . . . إلى آخره ) تفسيرًا لقوله : ( الصم لي وأنا أجزي به ) . ومن العلماء من يقول أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك الدعاء والخوف والرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ولمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل فعلى هذا يكون معنى قوله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل .
91 ـ هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان المبارك من السنة وماذا يجب على المسلم أن يدعو به في تلك الليلة أفيدوني بارك الله فيكم ؟(109/27)
لا أعلم دعاءً خاصًا يقال عند دخول شهر رمضان وإنما هو الدعاء العام عن سائر الشهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي غيره يقول : ( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربك الله " وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله ) [ رواه الترمذي في سننه ج9 ص142 من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه . بنحوه . وانظر مسند الإمام أحمد ج1 ص162 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده . وانظر مسند الدارمي ج2 ص7 من حديث ابن عمر رضي الله عنه وانظر كتاب السنة لأبي عاصم ج1 ص165 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده . وانظر معجم الطبراني الكبير ج12 ص357 من حديث ابن عمر . وانظر المستدرك للحاكم ج4 ص285 من حديث بلال بن يحيى . . . وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص139 . وانظر تحفة الذاكرين ص176، 177 . وانظر فيض القدير ج5 ص136، 137 . وصحيح الوابل الصيب ص220 ] . هذا الدعاء الوارد عند رؤية الهلال لرمضان ولغيره أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله فلا أعلم شيئًا في ذلك لكن لو دعا المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر وأن يتقبله منه فلا حرج في ذلك لكن لا يتعين دعاء مخصص .
92 ـ إذا تبرع الإنسان من دمه وهو صائم هل يؤثر ذلك على صيامه وما رأيكم في الحقنة التي ليست للتغذية بالنسبة للصائم هل هي في حقه من مباحات الصيام أم أنها من مبطلاته أفيدونا في ذلك أثابكم الله ؟(109/28)
أما بالنسبة لسحب الدم من الصائم فهذا يفسد الصيام إذا كان كثيرًا فإذا سحب منه دم للتبرع به لبنك الدم مثلاً أو لإسعاف مريض فإن ذلك يؤثر ويبطل صيامه كالحجامة . فالحجامة ثبتت بالنص أنها تفطر الصائم فكذلك مثلها سحب الدم إذا كان بكمية كثيرة أما قضية الحقن التي تحقن في جسم الصائم وهي الإبر فهذه إن كانت من الإبر المغذية فلا شك أنها تفطر الصائم لأنها تقوم مقام الأكل والشرب في تنشيط الجسم وفي تغذيته فهي تأخذ حكم الطعام والشراب وكذلك إذا كانت من الإبر غير المغذية التي تؤخذ للدواء والمعالجة عن طريق العرق ( عن طريق الوريد ) فهذه أيضًا تفطر الصائم لأنها تسير مع الدم وتصل إلى الجوف ويكون لها تأثير على الجسم كتأثير الطعام والشراب كما لو أنه ابتلع الحبوب عن طريق الفم فإنها تبطل صيامه فكذلك إذا أخذ الدواء عن طريق الحقن فإن هذا أيضًا يؤثر على صيامه . أما الحقن التي تؤخذ في العضل فهذه رخص فيها بعض العلماء .
93 ـ سائلة تقول : هي فتاة في العشرين من عمرها وخلال شهر رمضان المبارك في العام الماضي أفطرت خمسة أيام بسبب الحيض وأفطرت أيضًا خمسة أيام أخرى وذلك بسبب الامتحانات في الجامعة حيث أن الجو حار جدًا وصادف أيام الامتحانات فقامت بالإفطار في آخر أيام الامتحانات حتى تستطيع التركيز والمذاكرة وتقوم أنها كانت تتعب من الصوم والمذاكرة والامتحانات معًا لهذا أفطرت وهذه الأيام العشرة التي عليها لم تقضها حيث أنها ضعيفة الجسم تقول وعلى كل حال الحمد لله فأنا أتحسن شيئًا فشيئًا الآن لكنني قمت بتوزيع مبلغ وقدره نصف دينار عن كل يوم للمساكين ومقداره بالريال السعودي خمس ريالات تقريبًا المهم أنني أنهيت العشرة الأيام من التوزيع وسؤالي هل يجب عليَّ القضاء أيضًا بعدما قمت به من إطعام عن كل يوم مسكينًا أم أن الأمر انتهى إلى هذا الحد أفيدوني أفادكم الله ؟(109/29)
أولاً إفطار المرأة في أيام الحيض واجب يحرم عليها الصيام في هذه الحالة فهي تفطر في حال الحيض ويجب عليها القضاء من أيام أخر فإفطارك أيتها السائلة الخمسة الأيام في وقت العادة أمر مشروع ويلزمك القضاء عن هذه الخمسة في أيام أخر . أما إفطارك الخمسة الأخرى من أجل المذاكرة والدراسة فهذا خطأ كبير لأن الدراسة أو المذاكرة ليست عذرًا يبيح الإفطار لأن الإفطار في رمضان إنما يباح للمسافر ويباح للمريض ويباح لكبير السن الذي لا يستطيع الصيام ويباح للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما وأنت لست من هؤلاء المعذورين فإفطارك لأجل المذاكرة أو لأجل الدراسة أو الامتحانات خطأ كبير فعلى المسلم أن يصوم ولو كان يعمل ويشتغل مادام مقيمًا صحيحًا فإنه يجب عليه الصيام ولو كان يشتغل بأي عمل من الأعمال . لأن الأعمال ليست عذرًا في الإفطار ومازال المسلمون يعملون منذ فرض الله الصيام ويصومون وما كانوا يتركون الصيام من أجل العمل ولكن يجب على ولاة المسلمين والقائمين على التعليم أن يراعوا ظروف الصيام وأن لا يجعلوا الامتحانات في رمضان أو في أيام الصيام وإذا صادفت الامتحانات رمضان فليجعلوها في الليل أو في أول النهار ولا يحرجوا الطلاب في وقت الحر بل عليهم أن يخففوا عنهم وأن يجعلوا الامتحان في وقت مناسب مراعاة للشعائر الدينية لأن الصيام مقدم على غيره لأنه ركن من أركان الإسلام يجب المحافظة عليه وحساب وقته المناسب أما ما ذكرت السائلة من تقديم الصدقة والدراهم لتقوم مقام القضاء فهذا خطأ لأن الإطعام إنما يشرع في حق من لا يستطيع القضاء إما لزمانة مرض وإما لهرم وكبر سن أما الذي ينتظر الشفاء وينتظر الاستطاعة فهذا يؤخر القضاء حتى يستطيع ولا يطعم لأنه لم ييأس من القضاء فما قدمته السائلة من الإطعام أو الصدقة في غير محله ويجب عليك قضاء الخمسة الأيام التي أفطرتِها للحيض وخمسة الأيام التي أفطرتِها خطأ من أجل المذاكرة(109/30)
والامتحان وقد استطعت والحمد لله وذهب عنك المرض فعليك بالمبادرة بالقضاء وعليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم بمقدار نصف صاع من الطعام عن تأخير القضاء .
94 ـ سائلة تقول : كان عليّ صيام أيام كفارة يمين فسألت إحدى أخواتي المسلمات والتي أثق بها لأنها على درجة من العلم فسألتها إن كان الصوم متتابعًا أو متفرقًا فقالت لي لا يشترط التتابع فصمتها متفرقة ولكن سمعت من برنامجكم ومن أحد العلماء الكرام إنه يشترط التتابع فرجعت إليها فأخرجت لي في تفسير ابن كثير قول مالك فيه بأنه لا يشترط التتابع فهل عليَّ شيء . وما هو القول الصحيح في هذا ؟
كما ذكرتِ المسألة فيه خلاف بين أهل العلم هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أو لا يجب ولكن الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعي في حد قوليه في أنه يجب التتابع لأنه قُرئ قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } (14) فتكون هذا القراءة نصًا على وجوب التتابع والله أعلم .
95 ـ سائلة تقول : سمعت من برنامجكم الكريم وفي رد على أحد الأسئلة بأن الإطعام يجب أن لا يكون لمسكين واحد بل كل يوم مسكين غير الآخر وفي رد آخر لإحدى السائلات التي كان عليه قضاء صيام أيام قبل سنوات لأنها كانت نفساء وحاملاً . قال أحد العلماء لها بأنها إن لم يكن لها عذر فإنها تقضي وتطعم ولو جمعتها كلها وأعطتها لمسكين واحد فإن لها ذلك وتقول إن عليها قضاء منذ سنوات حيث لم تكن تقضي أيام الحيض . فجمعت مقدار الإطعام وأعطته لمسكين واحد فتقول والله يعلم إن نيتي لم تكن البحث عن حكم الأسهل ولكن لتعذر وجود مساكين فأعطيته لمسكين واحد فهل عليّ شيء في ذلك .(109/31)
لا أعلم في هذه المسألة أنه يجب تعدد المساكين في الإطعام للقضاء عن الصيام إذا تأخر عن وقته والله جل وعلا يقول : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . ومادام أنها قد أخرجت الإطعام وأعطته لمسكين واحد فإنه يكون مجزئًا إن شاء الله .
96 ـ إذا أفطر شخص عمدًا في نهار رمضان . فماذا عليه ؟
إذا أفطر بأكل أو شرب في نهار رمضان متعمدًا فقد فعل محرمًا شديد التحريم ويجب تأديبه وتجب عليه التوبة الصادقة والإمساك بقية يومه ثم قضاء ذلك اليوم . وإن أفطر بجماع وجب عليه مع ما ذكر الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين . فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا .
وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه، فإن صيام رمضان أحد أركان الإسلام وهو فرض على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم .
97 ـ ما حكم تقبيل الزوجة بدون شهوة في حال الصوم أو في حال الطهارة وهل ينتقض الوضوء بسبب القبلة ؟
إذا قبل الرجل زوجته بدون شهوة في أثناء الصوم أو بعد الطهارة ولم يخرج منه شيء فإن ذلك لا يخل بصيامه ولا بطهارته فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويقبل وهو متوضئ لما كان مالكًا لإربه (15) فدل ذلك على الجواز في هذه الحالة - أما الذي يخشى من ثوران شهوته فإنه لا يقبل في هاتين الحالتين خشية أن يخرج منه شيء يخل بصيامه أو طهارته والله أعلم .
98 ـ إذا نوى الشخص صيامًا لفرض أو نفل، ولكنه استيقظ من النوم والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر هل يجوز الأكل أو الشرب أم لا؛ علمًا بأن المؤذن يؤذن حسب التقويم ؟
الله سبحانه وتعالى جعل طلوع الفجر نهاية للأكل والشرب فقال تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . هذا هو النهاية الشرعية للأكل وبداية الصيام .(109/32)
والأذان والتقويم إنما هي علامات فقط يستدل بها على طلوع الفجر فمن لم يستيقظ إلا والمؤذن يؤذن فهذا يرجع فيه إلى عادة المؤذن إن كان عادة المؤذن أنه يقدم الأذان أي يبكر فلا بأس أن يأكل الإنسان بعد أذان المؤذن لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم يؤذن إذا قيل أصبحت أصبحت) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص152، 153 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه . بنحوه ] . أما إذا كان عادة المؤذن أنه يتقيد بطلوع الفجر ولا يؤذن إلا عند طلوع الفجر فإنه لا يجوز الأكل عند ذلك لأنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر وكذلك التقويم كما ذكرنا هو علامة يستدل بها فلا ينبغي أن يتأخر عن حد التقويم تأخرًا كثيرًا، أما لو تأخر دقيقة أو دقيقتين وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به . . . أما التأخر الكثير عن التقويم كخمس دقائق وأكثر هذا لا يجوز .
99 ـ سماحة الشيخ إننا نحبك في الله فادع لنا بالتوفيق والثبات . . .
والسؤال هو : لقد مرض جدي في منتصف رمضان ثم أفطر يومين لمرضه ثم لقي ربه بعدها فهل نصوم عنه أم كيف يكون القضاء عنه . جزاكم الله خير الجزاء . . .
إذا مرض الإنسان في رمضان وترك الصيام فإن الله قد أذن له بذلك قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . فما دام والدكم ترك الصيام من أجل المرض ثم توفاه الله بعد ذلك قبل أن يتمكن من القضاء ولم يأت عليه رمضان آخر فلا شيء عليه ولا تقضون عنه شيئًا أما إذا أخر القضاء وشفي حتى جاء رمضان آخر وترك القضاء متكاسلاً وتوفي قبل أن يقضي، فهذا يُطعم عنه عن كل يوم مسكينًا ولا يصام عنه، يكفي الإطعام إذا كان تمكن من القضاء ولم يقض حتى أدركه رمضان آخر، أما مادام أنه لم يتمكن من القضاء ومات على هذه الحالة فليس عليه شيء والله أعلم .(109/33)
100 ـ علي إطعام عن صوم في رمضان لعذر شرعي . أرجو إفادتي حسب الأفضلية .
1ـ ترتيب المستحق . يعني فقير - مسكين - معسر - موسر إلخ .
2ـ الأغذية المستحق منه مرتبة . بعني أرز - شعير - إقط إلخ . . .
3ـ النقود المستحق منها . يعني ريالاً - درهم إلخ . . .
4ـ معرفة الأصواع كيلاً ووزنًا ومعرفة النقود كم ريالاً ومعرفة الفرد المستحق كم له صاعًا أو كيلو أو ريالاً حتى إني أطعم على بينة .
من أفطر في رمضان لعذر شرعي فإنه يجب عليه القضاء فيما بينه وبين رمضان الآخر . فإن أخر القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر من غير عذر فإنه يجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم . وإن كان لا يستطيع القضاء لهرم أو لمرض مزمن فإنه يكفي الإطعام بدون قضاء لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . فقد فسرت الآية بأن المراد بالذين يطيقونه الذين لا يستطيعون الصيام لا أداء ولا قضاء كالشيخ الهرم والمريض المزمن . ومقدار ما يدفع للمسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام ( أي كيلو ونصف ) تقريبًا من البر أو الأرز أو ما يؤكل في البلد . ولا يجزئ دفع النقود بل لابد من الطعام للنص عليه في الآية الكريمة .
101 ـ أنا شاب مسلم يقرب سني من السابعة والعشرين ومنذ صغري والحمد لله وأنا أصوم شهر رمضان وأصوم المفردات فلم أعرف لماذا أصبحت لا أصوم المفردات إلا قليلاً أفيدوني أفادكم الله هل عليّ إثم على هذا مع العلم أنني أصوم شهر رمضان ولم أتهاون فيه وأحافظ على الصلاة وحفظ كتاب الله عز وجل ؟(109/34)
الواجب على المسلم أن يصوم رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام وما زاد على صيام شهر رمضان فإنه نافلة لا يلزم الإنسان فعله وإنما هو نافلة . وذلك كصيام يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع . وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وعشر ذي الحجة ويوم عرفة لغير الحاج وشهر المحرم وآكده يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده وإن كان عند المسلم زيادة رغبة في الصوم فليصم يومًا ويفطر يومًا . أما صيام المفردات فلا أعرفه - إلا إن كان السائل يقصد النوافل فقد بيناها . والله أعلم .
102 ـ في شهر رمضان الماضي حصل أن أفطرت عدة أيام دون عذر مشروع فهل يكفي قضائي لها فقط وماذا يلزمني غير ذلك فإني نادم على ذلك أشد الندم وعازمٌ إن شاء الله ألا أعود لمثل هذا أبدًا ؟ .
الإفطار في رمضان بغير عذر خطأ كبير وجرمٌ عظيم والعياذ بالله والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبةً صحيحة ويندم على ما فات ولا يعود لهذا في المستقبل ويحافظ على صيامه ثم عليه مع التوبة أن يقضي الأيام التي تركها بعد توبته إلى الله سبحانه وتعالى لعل الله أن يعفو عنه وإذا أتى عليه رمضان آخر قبل أن يصومها فعليه أن يطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا إذا أتى عليه رمضان آخر ولم يصم من غير عذر أما إذا كان أخرها لعذر ولم يتمكن فإنما يكفيه القضاء فقط .
103 ـ كم مقدار الإطعام ؟
يعطي كل مسكين نصف صاع هذا هو الأحوط من الطعام المعتاد في البلد .
104 ـ إذا انتظر المسلم خبر رؤية هلال رمضان في المساء ونام قبل أن يعلم بدخول الشهر فلما أصبح الصباح وقبل أن يتناول شيئًا من طعام أو شراب أو بعد أن تناول وجد الناس صائمين بعد أن سمعوا خبر رؤية الهلال فماذا عليه في هذه الحالة وما الحكم بالنسبة للنية في حقه .(109/35)
إذا نام وهو لم يعلم بدخول الشهر ثم استيقظ من النهار ووجد الناس صائمين فإنه يجب عليه الإمساك في هذا اليوم ويجب عليه قضاؤه في فترة أخرى بعد رمضان فيمسك احترمًا للوقت ويقضي هذا اليوم لأنه لم يبدأ من أوله صائمًا لأنه أكل أو شرب في أوله وكذلك تخلفت النية لم تكن النية مصاحبة من أول الوقت فالصيام لا يبدأ من وسط النهار أعني صيام الفريضة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صيام لمن لم يبيت أو يجمع النية من الليل ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص288 من حديث عبد الله موقوفًا . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287 ورواه أبو داود في سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص 196، 197 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص542 ورواه الدارمي في سننه ج2 ص12 . ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج4 ص202، 203 . ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن شيبة في مصنفه ج2 ص292 . ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج3 ص92، 93 . وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] . أو كما قال صلى الله عليه وسلم . فالصوم الواجب يجب أن ينوي من الليل سواء أكل أو لم يأكل، فالفرض لا يصح بنية من النهار إنما هذا في صيام النفل خاصة .
105 ـ ما هو حكم الوطء في نهار رمضان وإن كان في الليل ولكن أخر الغسل إلى ما بعد الفجر فما الحكم .(109/36)
الوطء في نهار رمضان للصائم محرم وفيه إثم عظيم ويترتب عليه أمور : أولاً أنه يفسد صومه هذا اليوم ثانيًا أنه يأثم لذلك إثمًا عظيمًا ثالثًا يجب عليه قضاء هذا اليوم الذي حصل فيه الجماع رابعًا تجب عليه الكفارة وهي مثل كفارة الظهار وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا هذا الذي يجب عليه أما إذا حصل الوطء في الليل وأخر الاغتسال إلى ما بعد الفجر فصيامه صحيح ويجوز له أن يصوم وعليه جنابة ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر إلا أنه ينبغي المبادرة في الاغتسال قبل الفجر خروجًا من الخلاف لكن لو ضايقه الوقت أو لم يستيقظ إلا متأخرًا عند طلوع الفجر فإنه ينوي الصيام ويغتسل بعد ذلك ولا حرج عليه فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تدركه الصلاة وهو جنب من غير احتلام ويصوم ثم يغتسل بعد ذلك عليه الصلاة والسلام (16)
106 ـ هل الكحل في العينين أو الصابون أو القطرات الطبية أثناء الصيام تؤثر على صحته أم لا ؟(109/37)
بالنسبة للصابون ليس هناك مانع لاستعمال الصابون في الغسيل لثيابه أو ليديه أو لجسمه لا مانع من استعمال الصابون للغسيل والتنظيف به ولا يكون في الفم لأنه ربما تسرب إلى حلقه وإن تمضمض به مثلاً تمضمضًا خفيفًا وتحفظ من ذهابه إلى حلقه فلا مانع من ذلك إلا إن وجد طعمه في حلقه فهذا فيه خطورة فالأحسن لا يدخل الصابون في فمه وأن يتنظف به خارج الفم وأما بالنسبة للقطرة والأشياء السائلة فلا يجوز تقطيرها في العين ولا في الأنف ولا في الأذن لأن هذه منافذ تسيل إلى الحلق ويجد طعمها في حلقه فلا يجوز استعمال القطرة للصائم وإنما يستعملها في الليل كذلك الكحل في العين لأن الكحل أيضًا يتسرب طعمه إلى الحلق والصائم لا ينبغي له أن يتهاون بأمر الصيام ويتعاطى أشياء تؤثر على صيامه وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الكحل يفطر الصائم وكذلك التقطير في العين والأنف والأذن فالمسألة فيها خطورة فالصائم يجب عليه أن يحافظ على صيامه وأن يبتعد عن المؤثرات والدخول في مشاكل هو في غنى عنها وعند الليل أباح الله تعالى فيه ما يحتاج الإنسان إليه من أكل وشرب وتداو وغير ذلك .
107 ـ كفارة الإطعام عن الصيام لمن لم يستطع صيام الشهر كله هل يجوز أن يدفعها جملة واحدة لثلاثين مسكينًا أول الشهر في يوم واحد أو وسطه أو آخره هل يجوز دفعها لأقل من ثلاثين مسكينًا وهل يجوز جمع ثلاثين مسكينًا في وليمة غداء أو عشاء أو إفطار في رمضان وتكفي .(109/38)
يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان أو عن الأيام كلها لمن لا يستطيع الصيام لزمانه أو هرم فإنه يجوز أن يدفع كفارة الأيام مقدمًا في أول الشهر ويجوز أن يؤخرها في آخر الشهر ويجوز في وسط الشهر كما أنه يجوز أن يدفعها جملة واحدة ويجوز أن يدفعها متفرقة، ويجوز أن يدفعها لثلاثين ويجوز أن يدفعها لأقل من ذلك فالعدد ليس مشترطًا أن يكون ثلاثين وإنما يدفعها لجملة مساكين وجملة فقراء أو لفقير أما جمع المساكين على الطعام أن يصنع طعامًا يكفي عن ثلاثين يومًا أو عدد الأيام التي أفطر فيها ويجمع عليها المساكين الجمهور لا يجيزون هذا لأن المطلوب تمليك المسكين هذا الطعام إن شاء بالأكل وإن شاء بالبيع وإن شاء بغيره فإعطاؤه الطعام غير مطبوخ أنفع له بالتصرف أما المطبوخ فلا ينتفع به إلا بالأكل وأجاز بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفارة ويجمع المساكين ولكن كما ذكرنا الجمهور على عدم الجواز والتعليل لأنه لا يتمكن المسكين من الانتفاع الكامل بهذا الشيء وإنما ينتفع به في الأكل فهو أضيق انتفاعًا من دفع الطعام غير المطبوخ والإنسان ينبغي له أن يحتاط في أمر دينه وعبادته ولا يجوز دفع النقود عن الإفطار في رمضان ولا يجوز دفع النقود عن صدقة الفطر لأن الله تعالى نص بالإطعام قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر يقول صاع من بر صاع من شعير صاع من تمر . . . إلخ الحديث (17) وفي بعض الروايات صاع من طعام (18) وإذا نصف الرسول صلى الله عليه وسلم على الإطعام فإنه يجب التقيد به وكانت الدراهم والنقود موجودة وقت التشريع والشارع نص على الطعام فلو كان دفع النقود جائزًا لبينه للناس لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ويجوز أن ينقل الصدقة من بلد إلى بلد قريب أشد حاجة .(109/39)
108 ـ والدي متوفى وكان قبل وفاته مريضًا مرضًا شديدًا منعه من صيام شهر رمضان الماضي فهل يجوز لي أن أصوم قضاءً عنه أم يلزمني شيء آخر وما هو .
إذا ترك والدك الصيام لعذر المرض واستمر به المرض إلى أن توفي فلا شيء عليه لأنه أفطر لعذر ولم يستطع القضاء حتى مات لا شيء عليه وإذا كان شفي من مرضه ومر عليه وقت يستطيع القضاء ولم يقض حتى دخل عليه رمضان آخر والأيام التي أفطرها في ذمته ثم مات بعد رمضان الآخر فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا من تركته إذا كان له تركة لأن هذا دين لله سبحانه وتعالى بأن يطعم عن كل يوم مسكين يعني يدفع له عن كل يوم نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد أما أن يصوم عنه أحد فالصيام الواجب في أصل الشرع لا يصوم أحد عن أحد وإنما هذا في النذر لو كان عليه صيام نذر فإنه يصوم عنه وليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . لأن النذر هو الذي ألزمه نفسه فهو لم يجب في أصل الشرع أما صوم رمضان فهذا ركن من أركان الإسلام وواجب بأصل الشرع ولا يصوم أحد عن أحد كما أنه لا يصلي أحد عن أحد .
109 ـ ماذا يجب على من أفطر عدة أيام من رمضان لعذر شرعي ومضى عليه عامان دون أن تقضى وإن لم يكن عند الشخص قدرة على الإطعام فماذا عليه غير ذلك ؟
من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يجب أن يقضيه قبل دخول رمضان الآخر فإذا دخل عليه رمضان الآخر وهو لم يقض من غير عذر منعه من القضاء بل كان هذا بسبب التساهل فإنه يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير مع القضاء فيجب أن يقضي الأيام التي عليه مهم طاول الزمن فإن القضاء واجب عليه ويجب مع ذلك الإطعام عن كل يوم مسكينًا عن التأخير وهو غير معذور في هذا التأخير وإذا كنت لا تستطيع الإطعام في الوقت الحاضر يبقى بذمتك دينًا لله سبحانه وتعالى فإذا قدرت على الوفاء به فإنك تفي به في أي وقت .
الزكاة(109/40)
110 ـ أملك عقارًا عبارة عن مجمع أراضٍ . . . فهل يجب عليها زكاة ؟ وما هو مقدار الزكاة للمبالغ النقدية . . . ؟
الأراضي المعدة للبيع تجب فيها الزكاة لأنها من عروض التجارة وطريقة إخراج زكاتها : أن تقوم عند تمام الحول بما تساويه حينئذ ويخرج ربع العشر من قيمتها المقدرة . وأما الدراهم فإنها تجب فيها الزكاة إذا تم لها سنة وكانت نصابًا فأكثر فيخرج ربع عشرها .
111 ـ بالنسبة للزكاة نحن ندفعها إلى الفقراء عندنا ولكنهم يرتكبون بعض الأعمال المخالفة للتوحيد فهم يذبحون للأموات ويستغيثون بهم ويسافرون إلى الاحتفالات السنوية ويشتركون فيها بما فيها من البدع والمنكرات فهل هم مع ذلك مستحقون للزكاة أم علينا شيء في دفعنا إليهم ؟
الزكاة إنما تدفع لفقراء المسلمين المستقيمين على التوحيد والعقيدة السليمة أما من كان مرتكبًا لما يخالف العقيدة من الشرك الأكبر كالذي يستعين بالأموات وينذر لهم ويسافر إلى أضرحتهم للتبرك بها وطلب الحاجات منها فهذا ليس بمسلم وهو مشرك الشرك الأكبر الذي يخرجه من الملّة ولا يجوز صرف الزكاة إليه وإنما تدفع الزكاة لفقراء المسلمين المستقيمين على التوحيد نسأل الله الهداية والتوفيق وأن يهدي ضال المسلمين وكذلك الذين يذهبون إلى الاحتفالات البدعية والخرافات فهؤلاء لا خير فيهم . قد تكون هذه الاحتفالات تشتمل على الشرك وعلى دعاء الأموات والغائبين فيكون فيها شرك أكبر وهم يشاركون في ذلك فلا يجوز دفع الزكاة لهم في هذه الحالة .
112 ـ أخذت من رجل مبلغًا وقدره خمسة آلاف ولما أخذتها وقضيت بها حاجتي أدركني هذا الرجل وقال لي عليك الزكاة لابد من تزكيتها فزكاتها عليك فقلت له أنه لا يجوز أن أزكيها فقال لي بل أعدها إليَّ كي أزكيها أنا ولكن لم أجدها في ذلك الوقت فأجبرتني الظروف على تزكيتها بالمبلغ الذي تستحقه فهل في هذه الحالة يلزمني شيء وهل تزكيتها جائزة أم ماذا ؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير .(109/41)
ما فعله هذا الرجل محرم من وجهين :
ـ الوجه الأول : أنه طلب زيادة عن القرض والقرض لا يجوز أخذ الزيادة أو المنفعة عليه من المُقرض لأنه عقد إرفاق يقصد به الثواب والأجر فلا يجوز للمقرض أن يأخذ من المُقتَرض زيادة على القرض وأن يفرضها عليه فرضًا أو يشترطها عليه اشتراطًا لأن هذا يكون من الربا بل هو من أعظم الربا قال صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جر نفعًا فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، ص240 . والغماز على اللمّاز ص173 وتمييز الطيب من الخبيث، ص124 ] . فهذا الذي فعله هذا الرجل يكون ربا . وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله وأن يرد هذه الزيادة التي أخذها منك وفرضها عليك .
ـ الوجه الثاني : أن زكاة المال إنما تجب على المالك ولا تجب على غيره فإلزامه إياك بدفع الزكاة لا يبرئ ذمته منها لأن الزكاة واجبة على صاحب الدين ودفعها مطلوب منه .
113 ـ بالنسبة لزكاة الفطر حينما نشتريها من الباعة نجد الكثير من المحتاجين جالسين طالبين لها فنقوم بتوزيعها عليهم ولكن قد لا يأخذ بعضهم صاعًا كاملاً فهل يشترط أن لا يقل إطعام المسكن الواحد عن صاع أم يجوز ولو قل عن ذلك ؟
قد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من البر أو نحوه من الطعام (1) فيجوز للمسلم أن يدفع الصاع للشخص الواحد ولعدة أشخاص المهم أن يكون من الدافع صاع كامل أما المدفوع له فلا مانع أن يشترك عدة أشخاص في صدقة شخص واحد .(109/42)
مناسك الحج والعمرة
114 ـ هل يجوز قطع الطواف لفترة قصيرة ثم يستأنف كأن يطوف الإنسان خمسة أشواط ثم يستريح قليلاً ويكمل الباقي أم إنه لابد من الاستمرار فيه والمتابعة في أشواطه ؟
من المعلوم أن من شروط صحة الطواف الموالاة بين الأشواط وكذلك الاستمرار في الشوط الواحد حتى يكمله إلا أنه تجوز للعذر أن يقطع الموالاة كما لو أقيمت الصلاة وهو يطوف فإنه يصلي ثم إذا سلم يأتي ببقية أشواط الطواف ويبني على ما مضى منها وكذلك لو ضعف في أثناء الشوط واستراح قليلاً ثم واصل فلا حرج في ذلك إن شاء الله للحاجة أما إذا قطع الموالاة من غير حاجة لو مثلاً فصل بين الأشواط فصلاً طويلاً فإنه بذلك لابد من استئناف الطواف من أوله لأنه أخل بالموالاة من غير عذر .
115 ـ أنا أعمل سائق سيارة بين المملكة العربية السعودية واليمن وقد أديت العمرة عدة مرات ولكن كنت أحرم من مدينة جدة فهل علي شيء في ذلك أم لا ؟(110/1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت التي يحرم منها القادم لأداء الحج أو العمرة فحدد لأهل اليمن يلملم وهي المسماة بالسعدية وحدد لأهل نجد قرن المنازل وهو السيل الكبير وحدد لأهل الشام والمغرب الجحفة وهي قريبة من رابغ وحدد لأهل المدينة ذا الحليفة وقالهن : ( هن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج أو العمرة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص142، 143 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أي هذه المواقيت لهذه الجهات ولمن أتى عليها من غير أهل هذه الجهات إذا كان يريد الحج أو العمرة وأما جدة فهي ليست ميقاتًا إلا لأهلها ولمن أنشأ نية النسك فيها فإذا كنت قادمًا من اليمن بنية العمرة فإنه يتعين عليك أن تحرم بالميقات الذي تمر به في طريقك من هذه المواقيت ولا تتعداه إلى جدة فإذا تعدينه وأحرمت من جدة وجب عليك دم لأنك تركت واجبًا هو الإحرام من الميقات الذي مررت به من ترك واجبًا فعليه دم وقدم ذكرت أنك تحرم من جدة في قدومك من اليمن وتتجاوز الميقات في كل مرة من هذه المرات يكون عليك فدية وهي ذبح شاة توزعها على فقراء الحرم ولا تأكل منها شيئًا فيكون ذلك جبرانًا لما نقصته من النسك وعمرتك صحيحة لكن تحتاج إلى هذا الجبران الذي ذكرناه ويعد هذا بتعدد العمر التي أحرمت بها من جدة وتجاوزت الميقات .
116 ـ لو حصل هذا بأنه مثلاً قادم بقصد العمرة وربما لغرض آخر وتعدى الميقات الذي يجب أن يكون قد أحرم منه فعلم بالحكم قبل أن يأخذ العمرة فما العمل في مثل هذه الحالة ؟
إن كان أحرم من دون الميقات بعد ما تجاوزه تقرر عليه الدم ويمضي في نسكه ويؤديه .
117 ـ يعني لا تلزمه العودة إلى الميقات ؟(110/2)
لا داعي للعودة مادام أحرم انتهى الأمر يمضي في نسكه إلا إن تذكر أو ذُكِّر قبل أن يحرم ثم عاد إلى الميقات وأحرم منه فإنه يكون قد أتى بالواجب ولا شيء عليه .
118 ـ مثل هذا الحكم يسري حتى على القادم بوسيلة الجو بالطائرة مثلاً قادم من الرياض ويريد العمرة ومر بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل أو الأصدقاء ليوم أو ليومين هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو ؟
هذا الحكم يشمل القادم من بلده لأداء النسك من بلده الذي هو من وراء الميقات لأداء النسك فإنه يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مر به أو مر محاذيًا له من الأرض أو من الجو فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات فيحرم من الجو أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة فهذا خطأ وإذا فعل هذه فيكون عليه دم .
119 ـ حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة ؟
ولو كان ليبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك يبقى في إحرامه وإن نزل إلى مكة وأدى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله فهذا أحسن لأن المبادرة بأداء النسك أحسن يعني مادام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام لا شك في هذا ثم هو بعد ذلك هو في خيار إن شاء بقي في جدة بإحرامه وإن شاء نزل إلى مكة وعاد إلى جدة لعمله .
120 ـ لقد اعتمرت ولله الحمد أنا وزوجتي سابقًا لكنه حصل عندما وصلنا إلى الحرم طلبت مني زوجتي أن نسعى قبل أن نطوف لأن الجو كان حارًا والمسعى مظللاً لكن لم نفعل ذلك بل قدمنا الطواف على السعي فما حكم تقديم السعي على الطواف ومن فعل ذلك فماذا عليه أن يفعل ؟ . . .
بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(110/3)
لا يجوز تقديم السعي على الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف أولاً ثم سعى بين الصفا والمروة بعدما صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (2) وقال : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في السنن الكبرى ج5 ص125 . من حديث جابر بن عبد الله . ورواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص943 . بلفظ " لتأخذوا مناسككم . . " ] . وتقديم السعي على الطواف لا يجوز ولو فعله إنسان لا يصح لأنه يشترط لصحة السعي أن يكون بعد طواف مشروع ؟
121 ـ هل يجوز أن يقطع السعي لأداء الصلاة ؟
إذا أقيمت الصلاة وهو في السعي فإنه يصلي ويستأنف الشوط الذي صلى فيه فقط أما ما قبله من الأشواط فيبنى عليه وإذا صادف وقت الصلاة بعد نهاية شوط كامل يصلي ويبدأ الشوط الذي بعده .
122 ـ اعتمرت أكثر من مرة وفي كل مرة أحرم في الطائرة وأقوم بالتلبية قبل الميقات فهل علي شيء ؟
الواجب على من يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات إذا مر به أو حاذاه في الجو إذا كان في طائرة وإن أحرم قبله بيسير فلا بأس من أجل الاحتياط لسرعة الطائرة . والله أعلم .
123 ـ أنا موظف في بنك، فهل يجوز لي أن أحج من راتبي ؟
العمل في البنك الذي يتعامل بالربا لا يجوز . لأنه من التعاون على الإثم والعدوان . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (3) والموظف يصدق عليه أنه متعاون مع البنك - وإن كان يكتب عقود الربا فهو ملعون بنص هذا الحديث - وبناء على ذلك فالراتب الذي يأخذه حرام لا يجوز أن يأكله ولا أن يحج منه . لأن الحج يتطلب النفقة الطيبة المكتسبة من حلال وإن كان حج منه صح حجه مع الإثم .
124 ـ رجل أدى العمرة هو زوجته وتاهوا عن بعض ونسيت المرأة أن تقصر ولم تتذكر إلا بعد ثلاثة أيام . فماذا تفعل ؟(110/4)
من نسي التقصير ثم ذكره فعليه أن يقصر بنية النسك في أي مكان . وإن كان رجلاً فعليه أن يعيد ملابس الإحرام ثم يقصر أو يحلق في أي مكان . وإن كانت أنثى فإنها تزيل ما عليها من برقع أو نقاب على وجهها - إن كان - وما على كفيها من القفازين ثم تقصر من رأسها وإن حصل جماع قبل التقصير في هذه الحالة وجبت الفدية وهي ذبح شاة في مكة يوزعها على مساكين الحرم . فإن لم يجد صام عشرة أيام .
125 ـ هل يجوز أداء حج الفريضة قبل أداء العمرة ؟
نعم يجوز أداء حج الفريضة قبل أداء العمرة والعكس لعدم الدليل على وجوب الترتيب بينهما فليس من شروط صحة الحج أداء العمرة قبله .
126 ـ إذا حج المسلم حجة الفريضة متمتعًا أو قارنًا فهل تكفي عن حج وعمرة أم هو حج فقط ؟
إذا حج المسلم متمتعًا أو قارنًا فإنه يكون قد أدى نسكين : حجًا وعمرة . فليس من شرط صحتهما أن يفرد كل واحد بسفر مستقل أو بإحرام مستقل .
127 ـ هل يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة ؟
يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة، لأنها ليس لها وقت محدد كالحج .
128 ـ توجهت إلى مكة للبحث عن عمل أكسب منه ولكني لم أحرم للقيام بأداء عمرة وقد كان وصولي مكة قبل الحج بشهرين تقريبًا ومكثت إلى أن جاء وقت الحج فأردت أن أحج الفريضة ولكني لا أعلم هل يلزمني أن أحرم من الميقات أم من مكة فسألت عن ذلك فقيل لي مادمت أقمت في مكة فأحرم منها وفعلاً أحرمت من مكة وأديت مناسك الحج ماعدا السعي فإني لم أسع لا في الحج ولا في العمرة التي أديتها بعده فما الحكم فهل هذا الذي ذكرته بدأ بدخولي مكة بدون إحرام علمًا أن هذا حصل منذ عدة سنوات ؟(110/5)
من مرّ على أحد المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإحرام فإن كان يريد الحج أو العمرة عند مروره به فإنه لا يجوز له أن يتعداه بدون إحرام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حددها قال : ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص142، 143 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . فإن تعداها بدون إحرام ثم ذكر أو علم خطأه فإنه يجب عليه الرجوع والإحرام من الميقات فإن لم يرجع وأحرم من دونه فإحرامه صحيح ولكن يكون عليه دم عن النقص الذي حصل من تجاوز الميقات بدون إحرام . فأنت إذا كنت عند مرورك بالميقات ناويًا للحج ولم تحرم وأحرمت من مكة فإن إحرامك صحيح ولكن عليك الفدية كما ذكرنا وهي ذبح شاة توزعها على مساكين الحرم . أما إذ كنت مررت بالميقات وأنت لم تنو حجًا ولا عمرة وإنما قدمت لمكة لعمل أو لحاجة ولم يكن في نفسك أن تحج أو تعتمر فلا حرج عليك في تجاوز الميقات بدون إحرام في هذه الحالة على الصحيح من قولي العلماء وإذا عزمت على الحج فإنك تحرم من المكان الذي عزمت منه فإذا كنت قد عزمت من مكة كما ذكرت فأنت تحرم من مكة، وإذا عزمت على العمرة وأنت في مكة فإنك لا تحرم من مكة وإنما تخرج إلى الحل وتحرم منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عائشة إلى التنعيم وأحرمت بالعمرة من التنعيم (4) وهو أدنى الحل .
وما ذكرت من أنك تركت السعي من الحج وتركت السعي من العمرة التي أديتها بعد الحج فأنت أخطأت في هذا خطأ كبيرًا لأن السعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به وكذلك هو ركن من أركان العمرة لا تتم العمرة إلا به فتركك له يجعل حجك ناقصًا ويجعل عمرتك ناقصة فعليك أن ترجع إلى مكة وأن تسعى للحج ثم إذا فرغت من سعي الحج تسعى للعمرة .(110/6)
وإن حصل منك في هذه الفترة جماع فإنه يجب عليك مع السعي أيضًا أن تذبح شاة عن الحج وشاة عن العمرة توزعها على مساكين الحرم لأنه لا يجوز لك وطء زوجتك حتى تكمل الحج والعمرة .
129 ـ أنا ساكن في مكة المكرمة وقد قمت أنا وزوجتي بأداء العمرة في شهر رمضان قبل عامين وقد أكملنا الطواف أما السعي فلم نكمله لشدة الزحام فماذا علينا أن نفعل الآن ؟
الواجب على المسلم أن يؤدي العبادة على الوجه المشروع وأن لا يتساهل فيها ومادمت أحرمت بالعمرة والتزمت بها فإنه يجب عليك إكمالها بأن تطوف وتسعى وتحلق رأسك والمرأة تقصر من رأسها قدر أنملة من كل ظفيرة فهذا الواجب عليكم فما دام أنك أديت الطواف ولم تسع إلى الآن فإنك لا تزال في إحرامك ولا تزال العمرة واجبة عليك بأن تكملها فيجب عليك أن تعيد ملابس الإحرام التي خلعتها وأن تعود محرمًا كما كنت ثم تذهب وتسعى وتقصر من رأسك بعد السعي أو تحلق رأسك والمرأة كذلك إذا كانت لم تسع فإنها تعود إلى حالة الإحرام وتذهب معك وتسعى وتقصر من رأسها وبذلك تكمل العمرة وإذا كان حصل منك وطء في هذه الفترة فإن العمرة تكون قد فسدت ولكن يلزمك إكمالها على الصفة التي ذكرتها لك أنت وزوجتك ثم تعودان إلى المكان الذي أحرمتما منه في الأول وتحرمان بعمرة ثانية قضاء للفاسدة وتؤديانها كاملة وعلى كل واحد منكما ذبح شاة فدية عن الوطء الذي حصل . فالحاصل أنه لابد من التقيد بالأركان والواجبات لكل عبادة وأن لا يتلاعب الإنسان بها ويتساهل فيها والزحام ليس عذرًا في ترك السعي لأنه كان بإمكانك أن تتلافى الزحام وأن تعود مرة ثانية إذا خف الزحام وتسعى . أما أن تتركه تركًا نهائيًا وتتساهل في الأمر ولا تسأل إلا بعد سنتين فهذا يدل على عدم المبالاة .(110/7)
130 ـ إذا كان الشخص وهو يطوف بالبيت لحج أو عمرة يحمل صبيًا على كتفه وأصابه شيء من بول الصبي وكان الزحام حول البيت شديدًا فهل يجب أن يخرج ويقطع الطواف حتى يزيل ما أصابه، أم يجوز له أن يواصل طوافه وإن لم يعلم به إلا بعد أن أكمل الطواف فهل تلزمه إعادته أم لا ؟
هذا السؤال يتكون من نقطتين النقطة الأولى إذا كان يطوف بالصبي وتبول عليه في أثناء الطواف وأصاب ثيابه والنقطة الثانية : إذا طاف به ولم يعلم شيئًا حتى فرغ من الطواف ووجد عليه أثر البول .
أما النقطة الأولى فإنه يلزمه إذا تبول عليه الصبي في أثناء الطواف أن يقطع الطواف ويخرج ويغسل ما أصابه البول لأن الطواف عبادة يشترط لها الطهارة من الحدث ومن النجاسة على الثوب والبدن فإذا تبول الصبي عليه في أثناء الطواف فإنه يكون طوافه قد بطل فيخرج ويغسل النجاسة يستأنف الطواف من جديد لأن من شروط صحة الطواف الطهارة .
أما المسألة الثانية وهي ما إذا طاف وهو لم يعلم واستكمل العبادة وبعد ما فرغ وجد أثر البول فالذي أراه في هذه الحالة أن طوافه صحيح لأن الصحيح من قولي العلماء أن المصلي إذا صلى وانتهى من الصلاة ووجد على ثوبه نجاسة بعد الصلاة فصلاته صحيحة إلا إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه لا يستمر فيها .
131 ـ هل يُلزم الأطفال إذا أحرموا مع أهلهم لحج أو عمرة بالتقيد بمحظورات الإحرام وواجبات وأركان الحج أو العمرة والطهارة للطواف ؟
نعم . الصغير كالكبير إذا أحرم بنفسه أو نوى له الإحرام وليه فإنه يجب عليه ما يجب على الكبير فيتجنب محظورات الإحرام ( إن كان مميّزًا يتجنبها ) هو بنفسه وإن كان صغيرًا يجنبه إياها وليه .(110/8)
132 ـ في ثاني أيام التشريق وعندما قمت برمي الجمرة الكبرى رميت أكثر من جمرة سويًا وكنت أعلم بأنني يجب أن أرميها واحدة بعد الأخرى، ولكن للزحام وخوفًا من الوقوع تحت الأقدام رميتها مع العلم بأنني دعوت الله الذي يعلم حالي في ذلك الوقت أن يرخص لي في ذلك . وبعدها قمت بالرمي . فأفتوني جزاكم الله خيرًا هل حجي صحيح أم لا ؟
أولاً لا ينبغي للمسلم أن يغامر بنفسه في الزحمات الشديدة لأن هذا فيه تعريض للخطر والتهلكة وأيضًا لا يتمكن الإنسان معه من أداء العبادة على وجهها فعلى المسلم أن يتحين الأوقات التي يخف فيها الزحام في رمي الجمرة وفي غيرها من مناسك الحج فعليه أن يتحين الأوقات التي يخف فيها الزحام . أما ما وقع منك في هذه الحالة بأن رميت حصى الجمرة الكبرى جميعًا دفعة واحدة فهذا لا يجوز لأن صفة الرمي أن ترمي سبع حصيات على كل جمرة متعاقبة كل حصاة وحدها فإذا رميتها جميعًا فإنما تجزئ عن حصاة واحدة ويبقى عليك ست حصيات فإن كنت قد استدركت بعد ذلك كما يظهر من سؤالك وصححت الرمي على الوجه المشروع في وقت الرمي فقد أديت الواجب واستدركت الخطأ، أما إذا لم ترمها بعد ذلك واقتصرت على ما ذكرت فإنه يجب عليك الآن فدية بدل رمي الجمرة وهو ذبح شاة تذبحها في مكة وتوزعها على فقراء الحرم جبرانًا لما تركت من رمي الجمرة والله تعالى أعلم .
133 ـ إذا قدم إنسان إلى هذه البلد للعمل ولم يكن قد أدى فريضة الحج وكُلَّف من قبل الجهة التي يعمل بها أن يسافر إلى المشاعر المقدسة لخدمة الحجيج في مجال عمله أيًا كان فهل يلزمه أن يؤدي الحج أم يجوز له أن يؤجله إلى عام آخر يكون متفرغًا فيه لأدائه . وماذا يجب عليه إن فعل ذلك ولم يحج ؟(110/9)
قال الله سبحانه وتعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] . ففرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلم مرة واحدة في العمر بشرط الاستطاعة بأن يجد الزاد والمركوب الذي يبلغه إلى الحج وإذا أجر الإنسان نفسه لآخرين من الحجاج أو قدم إلى مكة لعمل حكومي وحج فلا بأس بذلك فللإنسان أن يؤجر نفسه وأن يحج وحجه صحيح إن شاء الله لقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ سورة البقرة : آية 198 ] . الآية . هذه الآية نزلت في جواز البيع والشراء في الحج (5) وكذلك يجوز أن يؤجر الإنسان نفسه ويتكسب من المكاسب المباحة أما بالنسبة لما ورد في السؤال من أنه إذا أجّر نفسه وذهب إلى مشاعر الحج فهل يلزمه أن يحج أو لا يلزمه ؟
نقول إذا أمكنه ذلك بأن تمكن من أداء المناسك من غير إضرار بعمله الذي استؤجر من أجله واستحفظ عليه فإنه يلزمه أن يحج حجة الإسلام لأنه تمكن من الحج واستطاع الحج بوصوله إلى المشاعر المقدسة من غير ضرر على مؤجره أو على عمله الرسمي .
أما إذا لم يتمكن أن يوفق بين الحج وأداء العمل الذي قدم من أجله فإنه لا يلزمه الحج في هذه الحالة لأنه معذور لكن يبقى الحج واجبًا في ذمته إلى أن يستطيع بنفسه هذا في حج الفريضة أما حج النافلة فلا يلزمه ولو قدر عليه .(110/10)
البيوع والمعاملات
134 ـ ما حكم الذين يجمعون صدقة الفطر ويقومون ببيعها في جهة أخرى، فهل يجوز إعطاؤها هؤلاء وهل يجوز الشراء منهم إذا تأكدنا أن ما يبيعونه هو ما جمعوه من زكوات الناس .
يجب على الإنسان أن يتأكد من حاجة المدفوع له ويتأكد من حاجة الذي يأخذ الصدقة ويتأكد من استحقاقه لها فإذا ظهر له أن هذا الشخص يحتاج للصدقة فإنه يدفعها له وليس مسؤولاً عن تصرف الشخص الذي يأخذها فالشخص الذي أخذها له أن يبيعها وله أن يهبها وله أن يأكلها وله أن يخرجها عن نفسه صدقة عنه فالدافع غير مسؤول مادام أن الشخص الذي أخذها مستحق لها ويغلب على ظن الدافع ذلك أما إذا علم أنه لا يستحقها وأنه غني فلا يجوز دفعها إليه وتعرض الآخذين في الشارع وسؤالهم لها دليل على حاجتهم ولكن مع هذا ينبغي أن يتأكد وإذا علم أن هناك من هو أشد حاجة منهم فينبغي أن يدفعها إلى من هو أشد حاجة منهم أما شراؤها من بائعها فلا يجوز للمتصدق صدقة الفطر ولا يغرها أن يشتريها لا زكاة المال ولا صدقة الفطر ولا غيرها من الصدقات أما إذا اشترى صدقات الآخرين فلا مانع .
135 ـ لدينا مريض بالكلى وقرر له زراعة كلى وقد طلب شخص مقابل كليته مبلغ 50 ألف ريال، فهل هذا جائز ؟
تجوز زراعة الكلية لمن اضطر إليها إذا تيسرت بطريقة مباحة، ولا يجوز للإنسان أن يبيع كليته أو عضوًا من أعضائه لأنه قد جاء الوعيد في حق من باع حرًا فأكل ثمنه (6) وبيع العضو يدخل في ذلك لأن الإنسان لا يملك جسمه وأعضاءه . ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى المتاجرة بالأعضاء - هذا الذي يظهر لي . ولئلا يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الضعفة من الناس وسرقة كلاهم طمعًا في المال .
136 ـ ما حكم شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك ؟(111/1)
شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك هو من التزوير المحرم فلا يجوز فعله والثمن الذي يأخذه صاحب الاسم حرام عليه والكسب الذي يحصل عليه مشتري الأسماء حرام عليه أيضًا - ثم الشركات المساهمة الغالب عليها أنها تشتغل بالربا فلا تجوز المساهمة فيها وكذلك البنوك هي مؤسسات ربوية فلا تجوز المساهمة فيها .
137 ـ ما حكم البيع والشراء في العقار بالوكالات الشرعية ؟
يجوز للإنسان أن يشتري لغيره عقارات بالوكالة عنه بأن يكون سمسارًا له ويأخذ في مقابل عمله أجرة من الموكل .
138 ـ هل يجوز بيع الماء ومتى ؟
في ذلك تفصيل إذا كان حاز الماء في وعائه أو بركته فإنه يملكه ويجوز له أن يبيعه لأنه حازه واستولى عليه وتعب في تحصيله فصار ملكًا له، أما إذا كان الماء باقيًا في البئر أو في النهر أو في المجرى الذي يجري في ملكه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم والصحيح أنه لا يجوز له بيعه بل يكون هو أولى بالانتفاع به من غيره وليس له أن يمنع الآخرين من الانتفاع به انتفاعًا لا يضره هو ولا يضر في ملكه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء (7)
139 ـ أريد أن أتزوج وبقي علي مبلغ من المال فهل يجوز لي أن أشتري سيارة من أحد المعارض بتقسيط مؤجل وأقوم ببيعها بمبلغ نقدي حاضر أقل مما اشتريتها به وأتزوج بهذا المال ؟(111/2)
نعم يجوز أن تشتري سيارة أو غيرها بثمن مؤجل وتبيعها بثمن حال تقضي به حاجتك . وهذه المسألة تسمى مسألة التورق . وقد أجازها جمهور العلماء لقوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [ سورة البقرة : آية 275 ] . ولأن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه - لكن يشترط أن تبيع السلعة على غير من استدنتها منه فإن بعتها على من استدنتها منه كانت مسألة العينة التي هي حيلة إلى أخذ الربا وهي محرمة ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة (8) ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع العينة (9)
140 ـ سائل يقول : أنه جاءني رجل فقال أنه محتاج إلى مبلغ من المال وطلب مني أن أذهب معه لأي مكان لأشتري له سيارة ثم يبيعها ويأخذ هو ثمنها على أن يسددها إلي على أقساط شهرية فأنا لا أملك معرضًا للسيارات لكن من جاءني يريد مالاً يتزوج به أو يعمر له بيتًا ذهبت معه إلى أي معرض واشتريت له سيارة بمبلغ مثلاً 40 ألف ريال ويبيعها بـ 38 ألف ريال وأسجلها عليه بقيمة 55 ألف ريال أو بـ 60 ألف ريال على أن يدفعها على هيئة أقساط شهرية .(111/3)
الحكم في مثل هذا التعامل إذا لم يكن حصل منك معه عقد قبل شراء السيارة بل حصل وعد مثلاً أو حصل مفاهمة ولم يحصل عقد ثم ذهبت واشتريت السيارة وبعتها عليه بعدما اشتريتها وقبضتها فلا حرج في ذلك أما إذا كان البيع منك له حصل قبل أن تشتري السيارة وذهبت واشتريت السيارة له فهذا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص402 . ورواه أبو داود في سننه ج3 ص281 ورواه الترمذي في سننه ج4 ص228 ورواه النسائي في سننه ج7 ص289 كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] . فإذا حصلتها وملكتها وبعتها عليه بثمن غائب أكثر منه حالاً ثم هو ذهب وباعها على غيرك فهذه مسألة التورق المشهورة عند أهل العلم أن يحتاج الإنسان إلى نقد ثم يذهب إلى شخص ويبيع عليه سلعة بثمن مؤجل ليبيعها ويرتفق بثمنها بشرط أن لا يشتريها صاحبها الأول فهذا جائز عند الأكثر وهو الصحيح إن شاء الله للحاجة . لأن الفقير ليس له حيلة إلا أن يعمل هكذا فإذا توفرت هذه الشروط بأن كانت السيارة في ملك البائع قبل أن يعقد مع المستدين ولم يشترها من المستدين البائع وإنما باعها المشتري المستدين على غيره فلا بأس بذلك إن شاء الله ويكون الثمن مؤجلاً سواء كان مقسطًا على فترات أو دفعة واحدة .
141 ـ كنت أعمل في أحد البنوك وعندما خرجت منهم عرفت أن المال الذي اكتسبته كله حرام . إذا كان هذا صحيح ماذا أفعل بهذا المبلغ هل أتصدق به أم لا ؟
من اكتسب مالاً حرامًا من ربا أو غيره ثم تاب منه فإنه يتصدق به ولا يأكله أو يضعه في مشروع خيري من أجل التخلص منه، لا من أجل طلب الأجر لأنه مال حرام والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ولكن صاحبه يخرجه عن ملكه ويضعه في مشروع خيري أو يدفعه إلى محتاج لأنه كالمال الذي ليس له مالك معروف يوضع في المصالح، وهذا بشرط إنهاء هذا التكسب المحرم بحيث لا يستمر عليه .(111/4)
142 ـ أنا أملك محلاً تجاريًا وبعض السلع لها أسعار محددة من الدولة ولكني أبيعها بأكثر من ذلك . فهل هذا جائز مع أنه قيمة شرائها قد تكون زائدة عليّ لو بعتها بالسعر المحدد ربما خسرت وكذلك المشتري راض بذلك فما الحكم في هذا ؟
إذا كانت السلعة تساوي القيمة التي ذكرتها وبينت للمشتري ذلك ولم تغرر به ولم يخش من الدولة الضرر والعقوبة فلا مانع من ذلك بهذه الشروط : أن لا يكون هناك من قبل الدولة ضرر عليك أو تبين ذلك للمشتري وأن تكون السلعة أيضًا تساوي هذه القيمة ليس فيها غبن للمشتري .
143 ـ هل يجوز بيع وشراء الكلب والهر أم لا . لأنه يوجد ناس يبيعون مثل هذا ويشترون ؟
لا يجوز بيع الكلب وأكل ثمنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (10) فدل أن ثمن الكلب حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقرنه بحلوان الكاهن أي أجرة الكاهن ومهر البغي يعني الزانية فهذه المكاسب حرام ومنها ثمن الكلب . كذلك الهر لا يجوز بيعه وإن كان يجوز اقتناؤه في البيت ولكن بيعه لا يجوز .
أما الكلب فإنه لا يجوز اقتناؤه في البيت لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب .
144 ـ مدرّسة تقول أنها تقوم بأعمال المقصف في المدرسة وفي نهاية العام توزع الأرباح ولكن هذه الأرباح محددة سلفًا بنسبة عشرة في المئة ( 10% ) فهل يعتبر هذا من الربا . أفيدونا وجزاكم الله خيرًا ؟
الربح المضمون لا يجوز إنما الربح قد يحصل وقد لا يحصل فإن حصل ربح يوزع على المساهمين وإن لم يحصل ربح فإنه لا يوزع شيء لأن هذا أمر يتبع حصول الربح أو عدمه قابل للخسارة وقابل للربح وأما الربح المضمون وأنه لابد أن يصرف له عشرة بالمئة ( 10% ) أو يصرف له مئة ريال مبلغ محدد أو ألف ريال مقطوع فهذا لا يجوز .(111/5)
145 ـ عندنا نوع من التعامل اعتاده الناس في بعض أريافنا وقرانا وهو بالذات في موسم الخريف يأتي الضعفاء والفقراء إلى ذوي المقدرة والتجار طالبين منهم بعض الأشياء دينًا مثل النقود أو الذرة أو الفول وما أشبه ذلك إلى وقت الحصار فيقود التاجر بتسليمه مثلاً كيس ذرة بشرط أن يسلمه كيسين ذرة أو ثلاثة أكياس بعد الحصاد أو يسلّمه مثلاً مبلغ عشر جنيهات شرط أن يسلمه هو كيس ذرة وقت الحصاد علمًا بأن قيمة كيس الذرة حاليًا مئة جنيه وخلاصة القول بأن كل دين لا بد أن يكون عائده الضعفين أو الثلاثة أضعاف فما الحكم من هذا التعامل وما الحكم في أمر هؤلاء واستغلالهم لإخوانهم الضعفاء في مثل هذه المعاملة من الناحية الدينية أحلال عملهم هذا أم حرام ؟
أما بالنسبة لما ذكر في أول السؤال من أنه يدفع له كيسًا من الذرة على أن يرد له كيسين من الذرة بعد مدة فهذا لا يجوز لأن هذا ربا يجتمع فيه رب الفضل وربا النسيئة لأنه ربوي بيع بجنسه متفاضلاً ومؤجلاً فيجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة فلا يجوز بحال من الأحوال وأما بالنسبة لما ورد في آخر السؤال من أنه يدفع إليه نقودًا على أن يدفع له ذرة بعد أجل هذا لا بأس به وهذا ما يسمى بدين السلم وهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن وهو جائز بسنة النبي صلى الله عليه وسلم (11) وأما ما ذكر من أن الغني يضاعف ويكثر الربح على الفقير حيث أنه يدفع له نقودًا قليلة ويسترجع منه عند الحلول طعامًا كثيرًا أكثر مما جرت به العادة فلا ينبغي استغلال حاجة الفقير وإرهاقه بالزيادة بل الدين ينبغي هو أن تكون الزيادة معقولة تنفع الغني ولا تضر الفقير .
146 ـ أخذت من قريب لي مبلغ خمسين ألف ريال على أن أرد ذلك المبلغ بعد شهرين أو ثلاثة بخمسة وخمسون ألف ريال . . وبعد أن سألت أحد الزملاء قال لا يجوز هذا الأمر وأعطه نفس القيمة . . وآخر قال لي المؤمنون على شروطهم فما هو الحل في ذلك .(111/6)
القرض عقد إرفاق وقربة واشتراط الزيادة فيه أو ما يسمى القرض بالفائدة ربا صريح وحتى أي نفع يشترطه المقرض على المقترض فهو ربا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جر نفعًا فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص240، والغمّاز على اللمّاز ص173، وتمييز الطيب من الخبيث ص124 ] . وأجمع العلماء على ذلك - أما الزيادة التي يبذلها المقترض عند الوفاء من غير اشتراط عليه فلا بأس بها لأن هذا من حسن القضاء . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم أحسنكم قضاء ) لما استسلف بكرًا من الإبل ورد مكانه خيارًا رباعيًّا [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1224 . من حديث أبي رافع رضي الله عنه بلفظ " إن خيار الناس أحسنهم قضاءً " ] . وعليه إن كان المقرض اشترط هذه الزيادة فهي حرام عليه وليس له إلا رأس ماله . وهذا الشرط باطل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص29 . من حديث عائشة رضي الله عنها . بلفظ " ما كان من شرط . . " ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً ) [ رواه الترمذي في سننه ج5 ص30، 31 ورواه الحاكم في مستدركه ج4 ص101 بنحوه . كلاهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ] . وهذا شرط أحل حرامًا وهو الربا فهو باطل باطل .
147 ـ كثر الحديث والفتاوي حول جواز أخذ الفوائد البنكية . ما هو تعليقكم على ذلك ؟
أخذ الفوائد البنكية الربوية حرام بلا شك لأنها ربا صريح والله سبحانه حرم الربا وحرمه رسوله وأجمع المسلمون على تحريم الربا ومن استحله فهو كافر . ومن الربا الفوائد البنكية ومن قال بحلها فلا عبرة بقوله لأنه مخالف للنصوص . ثم ما كل مفت يكون على مستوى الفتوى فغالب المفتين اليوم جهال بالأحكام الشرعية أو متساهلون بشأن الفتوى وخطورتها .(111/7)
148 ـ أعمل في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة . فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة ؟
التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد . ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا . ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان - والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1218، 1219 . من حديث جابر رضي الله عنه . بلفظ " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ] . فلعن الموكل والشاهد والكاتب من أجل تعاونهم مع المرابي - فالواجب عليك أيها السائل أن تلتمس عملاً بعيدًا عن ذلك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2 ] . ( ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ) [ انظر مسند الإمام أحمد ج5 ص78 . عن رجل من أهل البادية . وقد ورد بلفظ : ( إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خير منه " ] .
149 ـ لقد اكتسبت من عمل أشك فيه أنه من مال ربا وأنا مستعد لأتنازل عنه رضاء لله ورسوله . . فما حكم ذلك المال هل هو حرام أم ماذا أصنع فيه ؟
لا يكون المال حرامًا إلا إذا تأكدت أن مصدره حرام وما دمت لم تتأكد فالأصل الحل . لكن إن تركته من باب الاحتياط والورع فهذا حسن وطريق التخلص منه أن تتصدق به أو تضعه في مشروع خيري .(111/8)
150 ـ لجدي زوجتان إحداهما أم لأبي وعمي والأخرى وهي الصغرى قد أنجب منها طفلين وقد توفي جدي وكذلك زوجته أم هذين الطفلين وهما صغيران وقد كفلهما والدي وقام على تربيتهما ورعاية شؤونهما وقد ترك جدي أرضًا زراعية فكان والدي مستوليًا عليها ويصرف في شؤون البيت وتجارة المواشي منها إلى أن جاء أخوه الشقيق وطلب منه نصيبه وأعطاه نصيبه فعلاً وبقي أخواه الصغيران اللذان بلغ عمر أحدهما 25 سنة والآخر 16 سنة لم يعطهما نصيبهما بحجة أنهما لا زالا صغيرين دون سن الرشد فما حكم هذا وما حكم ما يصرفه والدي في شؤون البيت والأسرة من دخل الأرض وهل يعتبر هذا من أكل مال اليتيم أم لا .(111/9)
الله سبحانه وتعالى أوصى باليتامى وحفظ أموالهم والعناية بها وتنميتها وتسليمها إليهم موفرة قال تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [ سورة النساء : آية 5، 6 ] . إلى أن قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [ سورة النساء : آية 10 ] . وقال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [ سورة الأنعام : آية 152 ] . فالواجب المحافظة على مال اليتيم وتعاهده ودفعه إليه إذا بلغ رشده كما أمر الله تعالى بذلك ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في ذلك وأن يفرط ويضيع مال اليتيم وأن يأكل شيئًا منه بغير مسوغ شرعي لأن هذا من الكبائر المتوعد عليها بالوعيد الشديد وبالنسبة لما أكله من دخل هذه الأرض فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 6 ] . فيأكل من مال اليتيم بقدر عمله والفقهاء يقولون يأكل الأقل من كفايته أو أجرته أما ما زاد على ذلك فهو لا يجوز .(111/10)
151 ـ والدي له أرض زراعية لكنه لا يستطيع إحياءها بالزراعة فقام بتأجيرها على شخص آخر يقوم بزراعتها مقابل أجر سنوي لكل فدان منها وبينهما عقد اتفاق بذلك فهل يجوز هذا التصرف أم لا ؟
لا بأس أن يؤجر الأرض لمن يزرعها بدراهم أو بجزء مشاع مما يخرج منها كالثلث أو الربع أو العشر أو الخمس . لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها (12)(111/11)
النكاح والطلاق والحقوق الزوجية
152 ـ هل يجب على الأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى حتى تتزوج الكبرى ؟
لا يجوز للأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى إذا خطبت بحجة أنه لا بد من تزويج البنت الكبرى قبلها وإنما هذا من عادات العوام التي لا أصل لها في الشرع لما يتوهمون من أن فيه إضرارًا بالكبرى ولو صح هذا فإن فيه أيضًا إضرارًا بالصغرى ( والضرر لا يزال بالضرر ) .
153 ـ يقوم بعض الناس بطبع كرت دعوة الزواج على كتيب ديني أو شريط إسلامي فما رأيكم بذلك ؟
الذي أعرفه أن كرت دعوة الزواج يكتب عليه كلمات يسيرة فيها طلب حضور المدعو ولا تتحمل كتيبًا ولا شريطًا كما ذكر السائل - فإن كان الواقع ما ذكر فليس هذا بدعوة وإنما هو شيء آخر إما نصيحة أو غيرها وحينئذ فلا بد من معرفة ما فيه حتى نحكم عليه بصحة أو فساد .
154 ـ أخي مصاب بالصرع، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب ؟
نعم يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج لأن هذا من النصح ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما وأقطع للنزاع وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة . ولا يجوز الغش والكتمان .
155 ـ هل يجوز إجراء عقد النكاح أثناء الإحرام وفي أيام التشريق في الحج أم لا ؟
في أثناء الإحرام لا يجوز عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح المحرم ولا يُنكح ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص1030 . من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ] . فلا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره بالوكالة أو الولاية وهذا من محظورات الإحرام . أما في أيام التشريق بعدما يتحلل من إحرامه بفعل المناسك الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة وحلق الرأس وطواف الإفاضة والسعي معه فإنه يجوز له ذلك لأنه يباح له أن يستمتع بزوجته فكذلك يجوز أن يعقد النكاح .(112/1)
156 ـ هل الجمع بين الأختين في الزواج محرم حتى لو كانت الأخوة بسبب الرضاع فقط وكل واحدة من عائلة أخرى أم أن التحريم خاص بالأختين من القرابة فقط ؟
يقول الله سبحانه وتعالى في عداد المحرمات من النساء في النكاح { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } [ سورة النساء : آية 23 ] . الآية وهذا عام فلا يجوز للشخص أن يجمع بين الأختين سواء كان ذلك بالنسب أو بالرضاع ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] .
157 ـ هناك امرأة هندية مطلقة ولا وليّ لها وليس لها أقارب سوى خالها وابنها الذي لم يبلغ سنّ الرشد بعد وتقيم في الهند . تقدم لخطبتها رجل هندي يقيم هنا في المملكة وحصل على موافقتها على الزواج منها وقت أن كان هناك في الهند وبعد أن سافر أراد أن يعقد عليها وهي غائبة فاستأذنت هي خالها وابنها الذي يبلغ ثلاث عشرة سنة ( 13 ) في أن توكل خطيبها في الزواج بها وهي غائبة فكتبت ورقة بخط يدها ووقع عليها خالها وابنها تقول فيها على لسان خالها أنا أوكلك أن تزوج نفسك من بنت أختي فلانة . وفعلاً وصلت هذه الورقة مع صورة لها إلى الخاطب ونطق بالقبول أمام شاهدين مسلمين عدلين فهل يصح مثل هذا العقد أم لا ؟
هذا الإجراء لا يصح به العقد لأنه ليس للخال ولاية على ابنة أخته وليس للمرأة أن توكل من يزوجها وليس لها الولاية على نفسها فهذا الإجراء والكتابة التي كتبت ووقعتها وأشهدت عليها لا قيمة لها . وعلى المرأة أن يعقد لها وليها وهو أقرب عصبتها يعني يعقد لها الموجود من عصبتها ولو كان بعيدًا منها فإذا لم يكن لها عصبة فيعقد لها ولي الأمر الموجود في البلد الذي هو أمير البلد أو قاضي البلد الشرعي .(112/2)
158 ـ لي قريب مسلم ومتزوج من امرأة مسيحية وله منها بنت في سن الزواج وعندها قريب لها مسلم يطلب الزواج منها ولكن أمها رافضة وتريد تزويجها من شاب مسيحي فحصل خلاف بينهم فما الحكم في هذه المسألة وما العمل لو حصل وتغلّبت المرأة المسيحية على زوجها وزوجت ابنتها من رجل مسيحي ؟
لا يجوز تزويج المرأة المسلمة من مسيحي، ولا غيره من الكفار بإجماع أهل العلم لقوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [ سورة الممتحنة : آية 10 ] . الآية وقال تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } [ سورة البقرة : آية 221 ] . الآية فإن عقدت وتغلبت الأم في ذلك فالعقد باطل لا يصح بل يجب على أبيها أن يتمسك بابنته ويمنع زواجها من الكافر .
159 ـ امرأة تزوجت وهي صغيرة ولم توفق في زواجها فتطلقت ثم توفي والدها وكذلك والدتها ولها عدة إخوة أكبر منها وقد تقدم لخطبتها عدة أشخاص ولكن أخاها الأكبر يرفض تزويجها كلما تقدم خاطب وبعضهم لا يخبرها به ولا يأخذ رأيها فيهم فهل يجوز له ذلك وهل يجوز لها أن تتزوج من شاب بموافقة أحد إخوانها دون الأكبر الذي دائمًا يرفض أو لا يجوز لها ذلك ؟(112/3)
أولاً يجب على ولي المرأة إذا تقدم لها كفء يناسبها ورغبت في الزواج منه فإنه يجب عليه أن يزوجها منه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص42، 43 . من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه ] . فإذا لم يزوجها بكفئها الذي رضيت به فإنه يكون قد عضلها والعضل محرم وحينئذ تسقط ولايته عليها إلى من بعده من أوليائها على الترتيب وهذه القضية فيها تفصيل إذا كان الأخ الأكبر له وجهة نظر في رفضه لكون هذا الزوج غير كفء لها فهو مصيب في ذلك ولو رغبت هي فإنه لا يزوجها ممن لي بكفء لها ولو رضيت به لأن نظرها قاصر ويجب عليه أن يختار لها الكفء الذي يناسبها أما إذا لم يكن لرفضه سبب صحيح فكما ذكرنا أنه حرام عليه أن يمنعها وأن يعضلها وإذا كان في المسألة أولياء آخرون فالولاية تنتقل إليهم ويرجع إلى القاضي في هذه القضية ليراعي المصلحة وينقل الولاية من هذا إلى من هو بعده في الترتيب لضبط هذه المسألة وضبط الواقع فيها .
160 ـ كانت جدتي والدة أبي على قيد الحياة وكذلك جدي وقد توفاها الله فأراد جدي أن يتزوج بأخرى فتقدم لإحدى بنات القرية وفعلاً تزوجها وبعد مدة من زواجه بها تقدمت أنا لخطبة أختها الصغرى وقد تم زواجي منها فهل يجوز ذلك . وماذا تصبح قرابة أولادي لأولاد جدي من هذه المرأة لكونهم أبناء خالات من ناحية ؟
يجوز للإنسان أن يتزوج أخت زوجة جده وأخت زوجة أبيه لا مانع من ذلك . وبالنسبة لأولادك يكونون أولاد خالة لأعمامك أولاد جدك وليس في هذا كبير إشكال .
161 ـ هل يصح لمكفوف البصر أن يتولى عقد النكاح بنفسه أم لا ؟(112/4)
السؤال فيه إجمال فإن كان السائل يقصد أن المكفوف يتولى عقد النكاح لنفسه أو لموكله أو لموليته بأن يتولى عقد النكاح بالأصالة عن نفسه أو بالوكالة أو بالولاية على غير فلا بأس بذلك كله لأن فقد البصر لا يمنع من أن يتولى المكفوف عقد النكاح لنفسه أو لغيره ممن له العقد لهم شرعًا إذا كان تتوفر فيه الشروط المطلوبة شرعًا في الولي أما إن كان يقصد ما جرت العدالة به من أن أحدًا يتولى قراءة خطبة العقد ويشرف على العقد غير الطرفين فلا بأس كذلك أن المكفوف يتولى الإشراف على العقد بين الزوجين بأن يقرأ الخطبة المستحبة للعقد وأن يتولى الإشراف على العقد وشروطه وجريانه على الوجه المشروع .
162 ـ أنا شاب أبلغ العشرين من عمري وقد تقدمت لخطبة فتاة هي ابنة عمي وبما أن لي أختًا في سن الزواج فقد رفض عمي تزوجي بابنته إلا بعد موافقتي على تزويج ابنه بأختي بطريقة البدل، وقد حاولت كثيرًا بإقناعه بأن ذلك لا يجوز ولكن دون جدوى فهو مصر على ذلك وتحت هذا الإصرار ولرغبتي الشديدة في التزوج من ابنته فقد وافقت أن يتزوج ابنه من أختي وأتزوج ابنته ولكن إلى الآن لم يتم الزواج فما الحكم لو تم بهذه الصورة فإن كان ذلك لا يجوز فماذا علينا أن نفعل لكي يتم عقد الزواج لي ولابنه دون ارتكاب محظور ؟(112/5)
مثل هذا الزواج الذي سألت عنه بأنه رفض وليّ المرأة أن يزوجك بها حتى تزوجه أختك هذا الزواج لا يجوز لأنه شغار ونكاح باطل أي إذا كان تزويج المرأة مشروطًا بتزويج الأخرى فهذا هو نكاح الشغار فإن كان بدون مهر فهو شغار بإجماع أهل العلم وباطل وإن كان معه مهر فالصحيح أنه لا يجوز لأن في ذلك إضرارًا بالمرأتين في صالح الرجال والإضرار بالنساء لا يجوز لأن ولي المرأة يجب عليه أن ينظر في مصلحتها هي لا في مصلحته هو لأنه ولي عليها وراع لمصلحتها فلا يجوز له أن يستغل ضعفها وولايته عليها في صالحه هو ولو أضر ذلك بها فمثل ما سألت عنه لا يجوز الإقدام عليه والذي أراه لك أن تلتمس زوجة أخرى ليس فيها اشتراط أن تزوج وليها بأختك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2، 3 ] . والنساء كثير وما جعل الله سبحانه وتعالى في ذلك من ضيق وحرج فعليك أن تلتمس زوجة أخرى بدون أن تضر بأختك .
163 ـ رجل تزوج امرأة وطلقها دون أن تنجب له أطفالاً فتزوجت من رجل آخر وأنجبت من الرجل الثاني بنتًا هل يجوز أن يتزوج الرجل الأول الذي طلقها بنتها من الرجل الثاني ؟
لا يجوز للرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها من زوج قبله أو بعده لقوله تعالى لما ذكر المحرمات في النكاح : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] . والربيبة هي بنت زوجته من غيره أو بنات أولادها مهما نزلوا .(112/6)
164 ـ قرأت في كتاب " هذا حلال وهذا حرام " للشيخ عبد القادر أحمد عطا في سياق كلامه عن المحارم قرأت قوله إذا جمع الرجل أربع زوجات فطلق إحداهن أو ماتت وأراد أن يتزوج رابعة بدلها حرم عليه أن يتزوج إلا بعد انتهاء عدة المطلقة وكذلك لو طلق الرجل زوجته وأراد أن يتزوج أختها فلا بد من انتظاره مدة العدة ثم يتزوج بعد انتهائها ويحرم عليه خلالها فهل هذا الذي قرأته صحيح وكيف يكون ذلك ولماذا فكأنها عدة يعتدها الرجل .
من عنده أربع زوجات وطلق واحدة منهن فإنه لا يجوز له أن يتزوج بدلها حتى تخرج هذه المطلقة من عدتها لأنها إن كانت رجعية فهي زوجه ما دامت في العدة ولا يجوز له أن يجمع أكثر من أربع وإن كانت بائنًا فهي أيضًا معتدة بسببه وآثار النكاح عليها باقية فلا يجوز له أن يتزوج امرأة أخرى حتى تخرج من العدة أيضًا وكذلك من طلق امرأة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها حتى تخرج من العدة لأن الله جل وعلا نهى عن الجمع بين الأختين والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (13) فلا بد من خروجها من العدة لئلا يحصل الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها لأنها ما دامت في العدة فهي إما زوجة رجعية وإما مطلقة متربصة بسبب النكاح الذي طلقها فيه فهي منتظرة بسببه وفي آثاره ولئلا يجتمع ماؤه في رحمين متقاربين .(112/7)
165 ـ سائلة تقول : إنها كانت تعتنق الديانة المسيحية وحين ذاك تقدم إليها شاب مسلم يرغب الزواج منها فرفض والدها الموافقة على هذا الزواج ولاقتناعها بهذا الرجل ورغبتها في الارتباط به هربت من بيت والدها وذهبت إلى هذا الرجل وتزوجته وبتأثير منه دخلت في دين الإسلام وبما أن زوجها هذا كان جنديًا في الجيش فقد قتل في الحرب العراقية الإيرانية وبعد ذلك طلب والد زوجها منها الخروج من بيتهم علمًا أن لها طفلة ويريد منها أن تذهب إلى أهلها مع أن أهلها يرفضون عودتها إليهم إلا بعد أن تعود إلى المسيحية وهذا ما لا تريده ولن تفعله أبدًا وقد أجبروها على أن تستأجر دارًا من راتب زوجها الذي تستلمه شهريًا وتسكن فيه مع ابنتها الصغيرة ولكنها تخشى على نفسها بسبب سكناها وحدها دون رجل لذا هي تسأل أولاً عن حكم زواجهما بالصورة الآنفة الذكر وثانيًا عن موقف والد زوجها معها بعد وفاة زوجها وثالثًا عن حكم سكنها في بيت وحدها دون رجل معها بصفة شرعية ؟(112/8)
أولاً نحمد الله أن هداك للإسلام ونسأله أن يثبتنا وإياك عليه أما بالنسبة لحكم الزواج الذي حصل فهذا لا ندري عن الكيفية التي تم العقد عليها فإذا كان تم بولي شرعي وأخذ الصورة الشرعية فالزواج صحيح وإذا كان خلاف ذلك فهو غير صحيح لكن ما دام أنه مضى وانتهى بالوفاة فهو عقد فاسد والبنت يحلقه نسبها لأنها حصلت من وطء بشبهة . وأما قضية إن والد زوجها حصل منه إساءة إليها فلا ينبغي منه هذا بل ينبغي لوالد زوجها أن يحسن إليها لا سيما وأنها غريبة ومسلمة وأن أهلها كفار ويخشى إذا ذهبت إليهم أن يحولوها عن دين الإسلام فلا يجوز لأبي زوجها أن يضايقها لا سيما وهي أم لبنت ابنه بل يجب عليه أن يحسن إليها وأن يبقيها في بيت حوله وأن يراقبها ويراقب ابنة ابنه التي معها هذا الواجب على أبي زوجها . وأما بالنسبة لبقائها في بيتها وحدها بدون زوج فهذا لا ينبغي لها وننصح لها أن تتزوج ليتم لها الصيانة والحماية والاطمئنان ولتستغني أيضًا عن الذهاب إلى البلد الذي جاءت منه ننصح لها أن تتزوج ويتولى تزويجها الحاكم الشرعي في هذه الحالة لأن أباها ليس له عليها ولاية ما دام أنه كافر وهي مسلمة .
166 ـ سائلة تقول : أن لها بنات في سن الزواج وقد تقدم إليهن الخطاب ولكنها ترفضهم بحجة أن بناتها سوف يكملن تعليمهن إيمانًا منها بضرورة التعليم للفتاة وبعد انتهائهن من التعليم سوف تزوجهن فما حكم عملها هذا وهل هي مصيبة أم مخطئة ؟(112/9)
هي مخطئة في هذا العمل لأن الواجب أن الفتاة إذا بلغت وكانت بحاجة إلى الزواج أن يبادر بتزويجها خشية عليها من الفساد وأيضًا التزويج فيه مصالح منها : أولاً : صيانتها وعفتها وثانيًا : فيه طلب الذرية الصالحة . وثالثًا فيه كفالة الزوج لها وقيامه عليها وصيانتها . وأما التعليم فهو أمر غير ضروري وإنما هو أمر مكمّل لا يفوت به الزواج الذي فيه المصالح العظيمة والمنافع الكثيرة مع أنه يمكن أن تجمع بين الأمرين، بأن تتزوج وأن تواصل دراستها أما إذا تعارض الزواج مع الدراسة فيجب أن تقدم الزواج لأن تفويته فيه أضرار بالغة بخلاف تفويت التعليم فإنه لا يترتب عليه كبير ضرر . هذا إذا كان التعليم محتشمًا وشرعيًا أما إذا كان التعليم كما هو الغالب على الدول اليوم غير الملتزمة أنه تعليم مختلط وتعليم غير محتشم فهذا لا يجوز للمرأة أن تنتظم فيه سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة لأن هذا يجرها إلى الحرام .
167 ـ رجل تزوج امرأة كانت متزوجة من رجل آخر بعد أن توفى وخلفت منه ولدًا وأنجبت للزوج الجديد ولدًا أيضًا وكان هذا الرجل لديه بنت من زوجة أخرى فقام بزواجها من ابن الزوج الأول الذي دخل بزوجته بعد وفاته وأنجبت له ولدًا فهل هذا الزواج صحيح أم لا ؟
لا بأس بذلك فيجوز للإنسان أن يتزوج بنت زوج أمه من زوجة أخرى .
168 ـ يحدث في مناسبات الزواج عندنا أن يقوم بعض المشاركين في الفرح بإطلاق النار من الأسلحة أو بالألعاب النارية ونحو ذلك مما فيه تبذير وإهدار للمال في غير وجهه الشرعي فهل يجوز ذلك وبماذا تنصحون هؤلاء الناس الذين يبالغون في الإسراف والتبذير في مناسبات الزواج .(112/10)
لا شك أن هذا لا ينبغي ولا يجوز الإسراف في الحفلات والإسراف في إظهار الفرح وإطلاق النار وما أشبه ذلك كل هذا من المبالغة والإسراف إضافة إلى ما قد يترتب عليه من الخطر لأن إطلاق النار باستعمال السلاح ربما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين فالحفلات والفرح بمناسبة الزواج إنما يكون بحدود مشروعة ومعقولة ليس فيها إسراف وليس فيها تبذير والذي ننصح به إخواننا أنهم في مثل هذه المناسبات يتعقلون في أمرهم ويحتفلون احتفالات لا إسراف فيها ولا تبذير ولا غفلة عن ذكر الله عز وجل ولا يحصل فيها محاذير ومنكرات وكل هذا مما لا يجوز والمسلمون منهيون عن الإسراف في الفرح والإسراف في تبذير المال من غير فائدة وكل ما تجاوز حده فإنه ينقلب ضده والله أعلم .
169 ـ ما حكم الطلقة الواحدة وبلفظ واحد محددة بزمن معين كأن يقول الرجل لزوجته : أنت طالق لمدة شهر هل يقع هذا الطلاق وهل عليه إثم إن هو عاشرها قبل انقضاء الشهر مع العلم أنها لم تخرج من بيت زوجها في تلك الفترة ؟
الإجابة : نعم يقع الطلاق ويكون طلقة واحدة رجعية يعني له أن يراجعها ما دامت في العدة والطلاق لا يتحدد بوقت كأن يقول مثلاً : أنت طالق شهر أو إلى سنة الطلاق إذا صدر فإنه لا يتحدد لوقت ينتهي بانتهائه ولكنه إذا كان دون الثلاث ولم يكن بعوض فإنه يجوز له أن يراجعها ما دامت في العدة .
170 ـ كنت أعمل بالعراق منذ سنتين وقد حصلت قضية فحكم علي بالسجن عشر سنوات فهل لزوجتي الحق في طلب الطلاق والحصول عليه ؟
أنت معذور في تأخرك عنها بسبب السجن ولكن هي إذا كان عليها ضرر من هذا الانتظار فإنها تتقدم للقاضي الشرعي وهو ينظر في قضيتها .
171 ـ كان والدي ولا يزال يعاني من فقدان الذاكرة في حين أن له زوجة كانت لا تعتني به ولا تحضر له الأكل ولا تغسل له ملابسه فطلقناها منه بأن أجبرنا والدنا على طلاقه لها فطلقها فهل علينا إثم بذلك وهل يقع الطلاق أم لا ؟(112/11)
إذا كان والدكم يعقل الطلاق ويفهمه وصدر منه في حالة عقله وتصوره وهو مختار غير مكره فإن طلاقه يقع إذا كان يعقل حين تلفظ بالطلاق ولم يكن مكرهًا على ذلك فإن طلاقه يقع أما إذا كان حين تلفظ بالطلاق غائب العقل أو مختل العقل لا يتصور ما يقول أو كان مكرهًا إكراهًا ألجأه إلى الطلاق فإن طلاقه لا يقع في هاتين الحالتين وعليكم في ذلك إثم لأنه لا يجوز أن تحملوا والدكم على طلاق زوجته لأن الطلاق بغيضٌ إلى الله سبحانه وتعالى ولا سيما التفرقة بين والدكم وزوجته وتشتيت الأسرة هذا فيه محاذير فليس لكم أن تفعلوا هذا .
172 ـ ما الحكم الشرعي فيمن حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار ألا تفعل شيئًا ثم سافر عنها ولا يعلم هل خالفت يمينه أم لا ؟ وإن فعلت وهو لا يعلم بذلك فما الحكم ؟
إذا حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار يقصد منعها من عمل شيء فهذا يأخذ حكم اليمين يكفر كفارة يمين على الصحيح وينحل أما لو فعلت في غيبته ما نهاها عنه وحلف عليها ألا تفعله فإنه يحنث بذلك ولو لم يعلم لأنه حلف عليها ألا تفعل فخالفت اليمين وإذا خالفت اليمين متعمدة ذاكرة لهذا الحلف فإن الحالف يأثم بذلك وتكون عليه الكفارة سواء علم أو لم يعلم .
173 ـ في هذه الحالة لو كانت مطلقة تبدأ العدة من وقت المخالفة ؟
هي لا تطلق . لو كان قصدهُ من الطلاق منعها من ذلك هذا لا يكون طلاقًا وإنما يكون يمينًا أما إذا قصد الطلاق ولم يقصد منعها من الشيء وفعلته فهي تطلق من حين يقع منها هذا الشيء .
174 ـ وإذا انتهت عدتها ولم يعلم هو منها مخالفته ؟
العدة لا تتعلق بعلمه إنما تتعلق بحصول المعلق عليه إذا فعلت ما نهاها عنه وما عَلِق عليه الطلاق فإنه يبدأ الطلاق من حين فعلها وتنتهي عدتها بمضي وقتها سواء بالحيض أو بالأشهر سواء علم هو أو لم يعلم .
175 ـ يعني لو عاشرها بعد ذلك تكون العشرة محرمة وعليها الإثم لأنها هي المتسببة وهي جاهل بما فعلت ؟(112/12)
هذا يختلف باختلاف الطلاق إذا كان الطلاق رجعيًا وعاشرها في زمن العدة لا بأس بذلك ويعتبر هذا رجعة .
176 ـ لو كان غائبًا وحلف عليها ألا تفعل شيئًا ثم سافر وهي فعلت في غيبته وانتهت العدة وهو لا يعلم إنها فعلت ؟ دون أن تحصل منه مراجعة .
لا يجوز له مراجعتها إذا انتهت العدة فقد بانت منه وتحرم عليه .
177 ـ سائل يقول : حصل مني وأنا في حالة غضب أن حلفت على زوجتي يمينًا بالطلاق ثلاث مرات إذا ذهبت إلى بيت والدها طوال فترة غيابي وحتى الآن لم تذهب .
فهل يجوز لي بعد ذلك وأنا موجود هنا أن أسمح لها بالذهاب لأني شعرت بعد ذلك بأنني سأكون قاطعًا لذوي الأرحام وماذا يترتب على ذلك لو فعلت ؟
إذا كان قصدك من الطلاق منعها من الذهاب ولم ترد إيقاع الطلاق وإنما قصدت منعها فقط فإنه سيكون عليك كفارة يمين بأن تكفر كفارة يمين وتنحل هذا اليمين ويجوز لها بعد ذلك أن تذهب إلى أقاربها .
أما إذا كان قصد طلاقها إنها إذا ذهبت فإنها تطلق فهذه يقع عليها الطلاق لأنك لم تقصد المنع وإنما قصدت تعليق الطلاق على الذهاب وإذا حصل الشرط حصل المشروط .
178 ـ أي لا يكون طلقة واحدة بحكم أنها في مجلس واحد أو في موقف واحد أو كررها بلفظ واحد .
لو كانت الثلاث بلفظ واحد هذا موضع خلاف بين أهل العلم - الجمهور على أنه يقع ثلاثًا - وهذا هو الصحيح وإن فرقه بثلاثة ألفاظ فهذا يقع عند الجميع ثلاث طلقات أما في حالة الغضب وزال معها شعوره حيث لا يتصور ماذا يقول فهذا لا شيء عليه لا يمين ولا طلاق ولا ظهار لأنه زائل الشعور أما إذا كان غضبه أقل من ذلك ويتصور ما يقول ويعقل ما يقول فكما ذكرنا .(112/13)
179 ـ قبل أن أتزوج حصل خلاف بيني وبين والدي فقلت له حرام علي الزوجة التي تدفع مهرها من عندك وبعد مرور سنة تقريبًا وبعد أن زال الخلاف بيننا تقدم والدي إلى أهل إحدى الفتيات خطبها لي ولم أتذكر في ذلك الوقت التحريم الذي حصل مني سالفًا وفعلاً تم الزواج وقد أنجبت الزوجة أربعة أولاد فما الحكم في هذا وهل يؤثر التحريم أو الطلاق الذي يقع من شخص قبل أن يتزوج - هل يؤثر عليه بعد الزواج أم لا ؟ علمًا أنني قد دفعت إلى والدي ما صرفه علي في زواجي ذلك ؟
أولاً لا يجوز ذلك منك أن تغضب على والدك وتتجادل معه ويصل بك الأمر إلى هذه الدرجة لأن الوالد له حق ويجب على الولد أن يتأدب معه وأن يخضع له وأن يوقره ويحترمه أما ما حصل منك فأنت أخطأت فيه وعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتستغفر وتطلب من والدك المسامحة أما بالنسبة لليمين الذي حلفته ألا يدفع والدك شيئًا فما دام أنك أنت الذي دفعت المهر فلا شيء عليك .
180 ـ أصبح الطلاق قرارًا سهلاً لدى بعض الناس ولأسباب غير كافية . ما هو الحل في نظركم لعلاج هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة . ؟
الطلاق من غير حاجة مكروه لما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة . ولا ينبغي للمسلم أن يتساهل بشأنه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص261 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص650 . ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج7 ص322 . ورواه الحاكم في المستدرك ج2 ص196 بنحوه . كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] . وحتى لو كره الزوج من زوجته بعض الأخلاق التي لا تخل بعفتها فإنه يستحبُّ له الصبر عليها وإمساكها . قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [ سورة النساء : آية 19 ] .(112/14)
181 ـ حدث خلاف بيني وبين زوجتي قلت لها على أثره أنت طالق طالق طالق فهل يعتبر ذلك طلقة واحدة أم يعتبر ثلاث طلقات وفي هذه الحالة تكون محرمة علي علمًا بأنها أخبرت والدها بأني طلقتها فعمل على رد هذا الطلاق ثم عدنا إلى بعضنا وكأن شيئًا لم يكن فما حكم الشرع في ذلك وإن كانت تعتبر ثلاث طلقات وكونها لا تحل لي فهل الذنب يقع علي أم على والدها وهل في هذه الحالة لا تحل لي إلا بعد زواجها من شخص آخر وطلاقها منه أم يمكن كما حدث أن ترجع إلي قبل انقضاء العدة .
أمر الطلاق أمر عظيم وخطر لا ينبغي التساهل في شأنه والاعتماد على قول فلان وفلان وأقوال الجهال . الواجب أن يراجع فيه أهل العلم وأن يسأل أهل العلم حين وقوع المشكل لقوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] . أما كونك تبقى على هذا المشكل وتعيش مع زوجتك وأنت قد حصل منك هذا التلفظ وترسل بسؤال إلى الإذاعة قد يتأخر لمدة طويلة تتأخر الإجابة عليه أو لا يجاب عليه وتبقى مع زوجتك وأنت لا تدري هل هي تحل لك أو لا تحل فهذا من الإهمال ومن التفريط والإضاعة أما قولك أنتِ طالق، طالق، طالق . فكررته ثلاث مرات إذا كنت قصدت من هذا التكرار مجرد التأكيد ولم تنو إلا طلقة واحدة وكررت اللفظات تأكيدًا فقط فليس عليك إلا طلقة واحدة وأما إذا لم تنو التأكيد فإن هذه تكون ثلاث تطليقات وتبين منك بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة بها ثم بعدما يدخل بها يطؤها ثم يطلقها طلاق رغبة عنها لا بقصد التحليل والتحايل وإنما يتزوجها على أنها زوجة مستمرة ويطلقها إذا طابت نفسه منها وأراد فراقها باختياره لا بقصد أن يحللها لك .(112/15)
182 ـ سائلة تقول أنها عقد قرانها على شاب ووقت العقد كانت في فترة العادة وتم العقد في ذلك الحين لكن لم يدم زواجهما بل طلقها زوجها قبل الدخول بها وكانت أيضًا وقت الطلاق في العادة الشهرية فما حكم العقد في تلك الفترة وكذلك الطلاق علمًا أنها تزوجت من رجل آخر ؟
أما حكم العقد في حالة الحيض فلا بأس به ولا مانع منه فهو عقد صحيح لا حرج فيه وأما حكم الطلاق في حالة الحيض فهو حرام لأن الله سبحانه وتعالى أمر أن تطلق النساء لعدتهن (14) وذلك بأن يكن طاهرات من غير مسيس هذا الوقت الذي تطلق فيه المرأة فالطلاق المذكور محرم وهو طلاق بدعة .
لكنه يقع على قول جماهير أهل العلم وإذا كانت قد تزوجت بآخر فقد انتهى الأمر .
183 ـ إنني قد تزوجت من ابنة عمتي ورزقنا الله بطفلين والحمد لله ومع مرور الزمن حصلت مشكلة وحصل الطلاق على إثرها ولكن أرجعتها وعقدت عليها وأيضًا حصلت مشكلة بعد ذلك فقلت لها أنت طالقة بثلاثة طلقات وعلى هذا الأساس ذهبت لبيت أهلها والآن أريد أن أرجعها مرة أخرى من أجل الأولاد ولنعيش سويًا ولكن العقبة التي أمامي هي قولي لها أنت طالقة بثلاث طلقات وحيث أن الآراء مختلفة مع الناس بعضهم يقول بصحة رجوعها وبعضهم بعدم جواز الرجعة . فأرجو إفادتي بالحكم الشرعي الصحيح . في هذا الموضوع ؟(112/16)
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه من التلفظ بالطلاق وحتى لو حصلت بينه وبين زوجته مشادة وسوء تفاهم فيجب عليه أن يعالج ذلك بغير الطلاق لأن الطلاق لفظ يترتب عليه ندامة ويترتب عليه حرج ويترتب عليه ضياع أسر وأطفال فهو أمر خطير فيجب على المسلم أن يبعد عن التلفظ بالطلاق إلا في الحالة التي لا بد منها والتي جعل الله الطلاق مخرجًا فيها أما أن يطلق زوجته وأم أولاده ثم يندم بعد ذلك ثم يحاول استرجاعها فيقع هو في حرج ويوقع المفتي في حرج فهذا أمر يجب تلافيه من الأول وأن يعالج مشكلته مع زوجته بغير الطلاق وهناك من أنواع العلاج للمشاكل الشيء الكثير ويجب عليه أن يتحمل ما يواجهه من زوجته لأنه إن كره منها خلقًا فسيرى منها أخلاقًا يحبها كما في الحديث (15) فعليه أن يتحمل لا سيما وأن المرأة لا بد أن يكون فيها شيء من العوج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (16) فعليه أن يصبر على ذلك وأن يواجه الأمور بحكمة . أما من ناحية ما ذكر من أنه طلقها ثلاث طلقات وكان قد طلقها قبل ذلك وأرجعها بعقد جديد . فهذه المسألة تراجع فيها المحكمة الشرعية للنظر فيها .
184 ـ أنا رجل متزوج وقد حصل مني حلف بالطلاق في حالتين : الأولى : أني حلفت بالطلاق أن لا أفعل شيئًا ما بنفسي ولأهمية ذلك العمل لي فلم أجد من يقوم به غيري فعملته . والحالة الثانية هي : إنني كنت مع بعض الزملاء في مسكننا وحصل شجار كرهت الجلوس بعده فقلت عليَّ الطلاق بالثلاث أنني لا أقعد معكم وحاولت الخروج ولكن بعض الأصحاب ألحّ عليّ في البقاء معهم وفعلاً بقيت ولم أخرج فماذا عليّ في هاتين الحالتين وماذا يلزمني فعله لكي أحافظ على زوجتي ؟(112/17)
لا يجوز للمسلم أن يتخذ الطلاق سلاحًا على لسانه دائمًا عند أدنى سبب يتلفظ بالطلاق لأن هذا تلاعب بشرع الله تعالى والطلاق أمر خطير وبغيض إلى الله سبحانه وتعالى فيجب على المسلم أن يحفظ لسانه من التلفظ بالطلاق إلا عند الحاجة التي يشرع فيها الطلاق أما أن يتخذ الطلاق محلاً لليمين ودائمًا يهذو به ويتكلم به فهذا لا يجوز . أما من ناحية ما حصل من السائل في أنه حلف بالطلاق مرتين وفي مناسبتين فهذا إن كان يريد تعليق الطلاق على شيء إذا حصل فإنه يقع عند حصول المعلق عليه أما إذا كان أراد مجرد اليمين ومجرد منع نفسه من شيء وحلف بالطلاق ليمنع نفسه من ذلك فهذا يجري مجرى اليمين على الصحيح من قولي العلماء ويكون فيه كفارة اليمين إذا خالف ما حلف عليه . فيكون على السائل كفارتان كفارة للمرة الأولى وكفارة للمرة الثانية بأن يطعم عن كل مرة عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو يكسو عشرة مساكين لكل مسكين ثوب أو إزار ورداء على حسب عادة البلد أو يعتق رقبة إذا أمكن هذا مخير فيه بين هذه الأمور الثلاثة وإذا لم يقدر على واحدة منها فإنه يصوم ثلاثة أيام والله أعلم .(112/18)
185 ـ والده أرغمه على الزواج من فتاة لا يرغب فيها ولذلك لم تكن عشرتهما حسنة فكثيرًا ما تقع الخلافات بينهما فكان يحلف عليها بالطلاق مرة بعد مرة وكلما حلف عليها ذهب إلى شيخ عندهم ليرجعها إليه وفي المرة الثالثة قال لها أنت طالق وتحرمين عليّ مثل أمي وأختي وكان قصده من هذا أن لا تكون له زوجة ولكنه في تلك الفترة كان يتعاطى شرب الخمر وذهب أيضًا إلى الشيخ ليرد له اليمين هذه فأخذ منه مبلغًا من المال ووزعه على الفقراء وانحلت بذلك يمينه وعادت الحياة بينهما طبيعية، ولأن له طفلين منها ولأنه قد تاب إلى الله مما كان يفعله من المعاصي وأدى فريضة الحج فإنه يسأل عن إمكانية استمرار الحياة شرعًا بينه وبين زوجته تلك وعن جواز إرغام الوالد ابنه على الزواج من فتاة لا يريدها الابن وعن طريقة التكفير التي اعتادها ذلك الشيخ ؟
أولاً قضية إلزام الشخص أن يتزوج امرأة لا يريدها من قبل والده هذا لا يجوز لأن الزواج مبني على الرغبة وعلى المحبة والألفة بين الزوجين فما دام أن الابن لا يرغب في الزواج من هذه الفتاة فليس لوالده أن يكرهه على ذلك أو أن يشدد عليه بل يترك له الاختيار هذا الذي ينبغي أن يوجه إليه الآباء وأما قضية ما حصل منه من الطلاق وتكرار الطلاق ثم الظهار مع الطلاق ثم ما حصل من الفتاوى التي يقولها عن شيخ أن يفتيه في كل مرة هذه قضية تحتاج إلى تثبت وتحتاج إلى معرفة ملابسات الأمور فالذي نراه أن يرجع إلى دار الإفتاء بالرياض إما حضوريًا وإما أن يكتب كتابة واضحة يفصل فيها الأمر تفصيلاً مبنيًا على الصدق وعلى الواقع وسيجد الجواب إن شاء الله في هذا .
186 ـ وقعت مشكلة بين أهلي وزوجتي في اليمن وذهبت إلى المحكمة الشرعية بجدة للطلاق وفي المحكمة طلبوا مني ورقة كتبتها لهم وفيها :(112/19)
أنا المدعو فلان بن فلان قد طلقت فلانة بنت فلان وأنا في كامل وعيي وعلى ذلك أوقع . وأخذوا مني الورقة وأعطوني موعدًا لمقابلة القاضي وإحضار الشهود وحضرت في الموعد ومعي اثنان شهود ولكن القاضي لم يحضر إلى المحكمة في ذلك اليوم وبعد ذلك تراجعت وعدلت عن الطلاق . فهل يكون بهذا وقع الطلاق مني أم لا . وهذا حدث قبل ثلاث سنوات وأنا الآن لي أولاد منها بعد ذلك وإذا كان قد وقع الطلاق فما هو مصير الأولاد وماذا عليّ أن أفعل ؟
الطلاق الذي كتبته ونويته يقع على زوجتك بلا شك وإذا كان دون الثلاث ولم يسبقه طلاق قبله وكانت مراجعتك لها قبل انقضاء العدة فهي مراجعة صحيحة بهذين الشرطين : أن لا يكون الطلاق قد استنفد الثلاث وأن تكون الرجعة في أثناء العدة . فإن كانت العدة قد انتهت والطلاق دون الثلاث فلك أن تتزوجها بعقد جديد .
187 ـ ما حكم الشرع في تحديد النسل ؟(112/20)
طلب الذرية والنسل أمر مشروع وذلك لتكثير عدد الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم حث على تزوج الولود وقال (إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص158 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . ورواه أبو داود في سننه ج2 ص227 ورواه النسائي في سننه ج6 ص65، 66 . من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه بدون ذكر ( يوم القيامة ) ] . فطلب النسل مشروع للمسلمين وينبغي العناية به والتشجيع عليه أما تحديد النسل فهذه دسيسة خبيثة دسها علينا أعداء الإسلام يريدون بذلك إضعاف المسلمين وتقليل عددهم . فتحديد النسل لا يجوز في الإسلام وهو ممنوع لأنه يتنافى مع المقصد الشرعي وهو تكثير أفراد الأمة وتكثير الأعضاء العاملين في المجتمع وتعطيل للطاقة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لعمارة هذا الكون فالنسل مطلوب وبه تحصل مصالح للأفراد وللجماعات وللأمة فهذه الفكرة . فكرة تحديد النسل فكرة مدسوسة على المسلمين وربما أنها أثرت على بعض المغفلين أو ضعاف الإيمان فتأثروا بها فالواجب عليهم أن يمحوا هذه الفكرة من أنفسهم وأن يطلبوا النسل ويكثروا منه والأرزاق بيد الله تعالى وكثرة النسل يأتي معها الخير لأن الله لا يخلق نفسًا إلا ويخلق رزقها وييسر ما تقوم به مصالحها والأرزاق بيد الله فالذين يشكون أو يهددون بالأزمات الاقتصادية وأن كثرة السكان يترتب عليها الشح في الأقوات والأرزاق هذا كله من وحي الشيطان وأتباع الشيطان الذين لا يؤمنون بالله وبتقدير الله . أما الذين يؤمنون بالله يعتمدون عليه ويتوكلون عليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره . ولما كان المشركون يقتلون أولادهم خشية الفقر نهاهم الله عن ذلك فقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } [ سورة الإسراء : آية 31 ] . وقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ(112/21)
أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ سورة الأنعام : آية 151 ] . فدل هذا على أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وإن كل نفس يقدر الله لها الرزق وبكثرة النسل تكثر الأرزاق والإنتاج ويكثر العاملون .
188 ـ ما الحكم في تحديد النسل مع القدرة على الإنجاب بدون مشقة ومع القدرة على تربية الأولاد وتوفير العيش لهم ؟
تحديد النسل لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على تزوج الولود وقال : ( إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص158 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . ورواه أبو داود في سننه ج2 ص227 ورواه النسائي في سننه ج6 ص65، 66 . من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه بدون ذكر ( يوم القيامة ) ] . ولأن كثرة النسل يحصل بها قوة للمسلمين وكثرة عدد المسلمين فتكثير النسل مطلوب للمسلمين ولا يجوز تحديد النسل في مثل الحالة التي ذكرت السائلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على طلب النسل وتكثير عدد المسلمين .
189 ـ ما الواجب على كل من الزوجين نحو الآخر ؟(112/22)
قال الله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ سورة الروم : آية 21 ] . إن البيت المسلم يتكون أصله من الزوجين الصالحين ثم تكون الأسرة الصالحة وهذا لا يتم إلا إذا تحقق حسن العشرة بين الزوجين . بأن يؤدي كل منهما ما يجب عليه نحو الآخر . فللزوج على زوجته الطاعة بالمعروف وتمكينه مما أباح الله له من الاستمتاع والقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا بإذنه ولما لا بد لها من الخروج من أجله، وقيامها بشؤون البيت وتربية ما يقدر الله بينهما من الأولاد . ولها عليه من الحقوق مثل الذي له عليه إلا ما خص الله به الأزواج دون الزوجات قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } [ سورة البقرة : آية 228 ] . لها عليه الكسوة والنفقة والسكنى بالمعروف ولها عليها المعاشرة بالمعروف . قال الله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] . من المبيت عندها وإعفافها وإعانتها على القيام بواجباتها عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) [ رواه الترمذي في سننه ج9 ص399 . من حديث عائشة رضي الله عنها . ورواه الدارمي في سننه ج2 ص212 من حديث عائشة رضي الله عنها بدون ذكر " وأنا خيركم لأهلي " ] . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا . وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص135 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . حتى لو كره الرجل من زوجته بعض الأخلاق التي تنقص دينها ولا تخدش عرضها فعليه أن يصبر عليها ويتحملها لما في ذلك من العواقب الحميدة . قال تعالى : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ(112/23)
خَيْرًا كَثِيرًا } [ سورة النساء : آية 19 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرُك مؤمنًا مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص1091 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . ومعنى : ( يَفْرُك ) يبغض . ومعنى ذلك أن يتغاضى عما لا يمس الدين أو الخلق مما لا يوافق رغبته نظير الكثير من الأخلاق المرضية فيها . إنها لا تتم السعادة الزوجية إلا بأن يؤدي كل من الزوجين ما يجب عليه نحو الآخر، لكن بعض الأزواج قد يتعسف في استعماله حقه على زوجته فلا يراعي كرامتها وإنسانيتها . فضلاً عن حقلها في الإسلام فتجده يهين المرأة ويظلمها ويماطل في أداء حقها . وإذا تزوج أخرى مال إليها بكليته ولم يلتفت إلى الزوجة السابقة . وقد جاء في الحديث ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص249 . ورواه النسائي في سننه ج7 ص63 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص108 بنحوه أبي هريرة رضي الله عنه ] . وفي المقابل فإن بعض النساء تترفع على زوجها وتتمنع من أداء قه عليها ولا تخضع لقوامته عليها فتخرج من بيته بغير إذنه . وقد تكون موظفة تقدم عملها الوظيفي على أداء حق زوجها بل ربما تكون معه في البيت كأنها رجل آخر يسكن معه ثم ينطلق كل منهما إلى عمله وتتعطل أعمال البيت وتضيع تربية الأطفال ويصبح هذا البيت أشبه ما يكون ببيت العزاب - إن هذا لا يرتضيه الإسلام ولا تتحقق معه المصالح الزوجية ولا تنشأ عنه في الغالب أسر صالحة فالواجب تعديل هذا الوضع والرجوع إلى التزام العشرة بالمعروف بين الزوجين - والله الموفق - .
190 ـ هل يجوز للزوجة أخذ أجرة من زوجها على ما تهيئه من الطعام لأكلهما ؟(112/24)
المرأة يجب عليها أن تقوم بما جرت عادة النساء في بلدها بعمله في بيتها بدون أجرة لأن المتعارف عليه في البلد كالمشروط . وقد جرت العادة في بلادنا بقيام المرأة بالطبخ ونحوه فهو واجب عليها .
191 ـ هل يجوز للزوجة الامتناع عن خدمة زوجها وبيته لأنه يعاملها معاملة سيئة ؟
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة لأن الله تعالى يقول : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وإن لزوجك عليك حقًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ج2 ص245 . من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما ] . وإذا أساء عشرتها فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر وأن تؤدي ما له عليها من حق ليكون لها الأجر في ذلك ولعل الله أن يهديه - قال الله تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ سورة فصّلت : آية 34 ] .
192 ـ زوجي يغار عليّ كثيرًا يصل في بعض الأحيان الأمر إلى حد الشك مع العلم أنني امرأة محافظة فماذا أعمل تجاهه ؟
الأصل في المسلمة العدالة والنزاهة فلا يجوز لزوج المسلمة أن يتشكك فيها لمجرد هواجس نفسية شيطانية أو لخبر نمام مفسد - قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ سورة الحجرات : آية 6 ] . وعلى المرأة المسلمة التي يصاب زوجها بهذا المرض النفسي أن تصبر ما دامت تعلم من نفسها الصدق والعفة ولن تضرها خواطر زوجها النفسية لأنها ربما تكون تلك الخواطر ناتجة عن مرض نفسي ويزول بإذن الله .
193 ـ متى يصبح من حق الزوج تأديب زوجته وكيف يكون التأديب ؟(112/25)
يجوز للزوج تأديب زوجته إذا نشزت عنه ولم تقبل الموعظة ويكون التأديب بما شرع الله تعالى في قوله : { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ سورة النساء : آية 34 ] . ويكون الضرب غير مبرح أي غير شديد .
194 ـ ورد في كتاب " المبادئ الإسلامية في الحياة الزوجية " حديث : ( من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص249 . ورواه النسائي في سننه ج7 ص63 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص108 بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . ما معنى الحديث السالف وما هو العدل هنا وما المقصود بالشق ؟
الحديث معناه الوعيد في حق من لم يعدل بين زوجاته العدل المستطاع وهو المساواة بينهن في الإنفاق والمسكن والملبس والمبيت - والمراد بالشق هنا نصفه وميلانه عقوبة له على جوره - لأن الجزاء من جنس العمل - فكما مال في معاملته لزوجته أمال الله شقه وجعل جسمه غير معتدل عقوبة له . وقد قال الله تعالى : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } [ سورة النساء : آية 129 ] .
195 ـ أيهما أفضل للمرأة المسلمة قيامها بواجب بيتها وزوجها أم تفرغها لطلب العلم وأن تجلب خادمة للقيامة بواجبات البيت . أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
نعم الواجب على المسلمة أن تتفقه في دينها بقدر ما تستطيع ولكن القيام بخدمة زوجها وطاعة زوجها وتربية أولادها واجب عظيم . فتجعل للتعلم فرصة يومية ولو كانت قليلة أو جلسة قليلة أو تجعل وقتًا للقراءة من كل يوم والبقية من الوقت تكون لأعمالها اليومية فهي لا تترك التفقه في دينها ولا تترك أعمالها وأولادها وتكلهم إلى الخادمة .
تعتدل في هذا الأمر تجعل للتفقه وقتًا ولو قصيرًا وتجعل للأعمال البيتية وقتًا يكفيها .(112/26)
196 ـ سائلة تقول : إنها امرأة مستقيمة في أمور دينها تعبد الله وتخافه وتخشى عقابه وترجو ثوابه ولها أولاد صالحون والحمد لله ومشكلتها في زوجها فهو لا يقوم بما يحتاجون إليه من مصروفات ضرورية وإذا طلبوا منه شيئًا من ذلك نشأ خلاف كبير واحتدم النقاش وكل ذلك مع قدرته واستطاعته وإلا لكان الأمر هينًا وقد قرأت حديثًا بأن هندًا زوجة أبي سفيان شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخل زوجها واستأذنته أن تأخذ من ماله دون علمه فسمح لها الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك بأن تأخذ ما تحتاجه من نفقات عن نفسها وعن ولدها (17) وبعد ما قرأت هذا الحديث أصبحت تفعل ذلك فتأخذ من جيبه دون علمه ما يحتاجون إليه وبهذا فقد انتهت المشكلة وأصبحوا يعيشون بسلام ولكن ضميرها غير مطمئن لهذا العمل فهي تخشى أن تكون بذلك ارتكبت إثمًا وتخشى أن لا يكون ذلك الحديث الذي قرأته صحيحًا فما الحكم في عملها ذلك وما مدى صحة ذلك الحديث ؟
الحديث الذي ذكرته عن زوجة أبي سفيان حديث صحيح وأنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأفتاها بأن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف (18) فإذا كانت حالتك مثل حالة هند زوجة أبي سفيان جاز لك أن تأخذي وذلك بثلاثة شروط كما يفهم من الحديث : أولاً : أن يكون زوجك شحيحًا يبخل عليكِ بالنفقة الضرورية لك ولأولادك .
ثانيًا : أن يكون ما تأخذينه بالمعروف يعني لا يتجاوز قدر الحاجة وهي ما يكفيك وأولادك ولا تأخذي زيادة على ذلك في الكماليات وما أشبه ذلك وإنما تأخذين للأشياء الضرورية .
ثالثًا : أن لا يكون الزوج يبذل النفقة الواجبة عليه . فإذا توافرت هذه الشروط فلا بأس أن تأخذي على ضوء الحديث والله أعلم .
197 ـ هل يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة لأحد أقاربها الأموات دون علم زوجها وما الحكم إذا كانت الصدقة من مال زوجها ؟(112/27)
يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة عن أقاربها الأموات لوجه الله سبحانه وتعالى وليعود ثوابها ونفعها إليهم لأنها تتصرف من مالها وهي حرة في مالها في حدود ما شرعه الله . والصدقة عمل صالح ويصل ثوابها إلى من تصدق عنه إذا تقبلها الله أما أن تتصدق من مال زوجها وهو لا يمنع من ذلك وعرفت من زوجها ذلك فلا مانع . أما إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز .
198 ـ سائلة تقول : أنها تزوجت رجلاً منذ أربعة عشرة سنة ولم يكن لها علم بأنه تارك لدينه وذاهب وراء ملذاته ورغباته ويومًا بعد يوم ازدادت مشكلتها معه إلى أنها لم تعد تحتمل ذلك الوضع فهي تريد جوابًا مقنعًا وشرعيًا حسب شريعة الله ورسوله فقد أنجبت من هذا الرجل أربع بنات وابنًا وحياتها معه خطأ فهو يمنعها من الحجاب الشرعي وقد حصل منه يمين بالطلاق بالثلاث إن رآها تصلي ليمزق ملابس الصلاة وكلما جاء رمضان يمنعها من الصيام إلى أن تضطر إلى ترك المنزل الزوجي ولا تعود إلا بشروط ولكنه يعود هذا الرجل كما كان وأسوأ فتصلي بالخفية عنه من خوفها لو رآها لضربها ومزّق ثياب صلاتها ومع ذلك لا يجالس إلا الأشرار ويسهر إلى آخر الليل ويأتيها وهو سكران فاقد الوعي ومقصر في واجباته حتى المنزلية ومصروف المنزل وألفاظه سيئة للغاية ومعاملته قاسية وهي تخشى أن تترك المنزل فهي تخشى على بناتها منه رغم أنه والدهن إلا أنه لا يعرف الله فتتوقع منه كل شيء والعياذ بالله فما الحكم في عيشها مع زوج بهذه الحالة ؟
أولاً يجب عند الزواج اختيار الأزواج الصالحين المتمسكين بدينهم الذين يرعون حرمة الزواج وحسن العشرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص42، 43 من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه بنحوه . بلفظ " وخلقه بدل وأمانته " و " فأنكحوه " بدل " فزوجوه " ] .(112/28)
فدل على أنه يطلب عند الزواج تحري واختيار الزوج المتمسك بدينه وأنه لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر وقد كثر التساهل في زماننا هذا في هذا الأمر الخطير فصار الناس يزوجون بناتهم ومولياتهم برجال لا يخافون الله واليوم الآخر وصرن يشتكين من مثل واقع هذا الزوج الذي ذكرته السائلة من إضاعة دين الله وارتكاب المنكرات والعشرة السيئة ووقعن في حيرة من أمر هؤلاء الأزواج ولو أنهم تحروا قبل الزواج الرجل الصالح ليسر الله سبحانه وتعالى . ولكن هذا في الغالب ينشأ من التساهل وعدم المبالاة بالأزواج الصالحين ورجل السوء لا يصلح أبدًا ولا يجوز التساهل في شأنه لأنه يسيء إلى المرأة وربما يصرفها عن دينها وربما يؤثر على ذريتها .
ثانيًا : والواجب على هذه السائلة أن تفارق هذا الزوج ولا يجوز لها أن تبقى معه لأنه إذا كان لا يصلي فهو كافر والكافر لا يصح أن يتزوج مسلمة .
199 ـ بعض النساء إذا توفي زوجها تبقى مدة العدة في بيتها مغلقًا بابها عليها لا تخرج إلى أي سبب كان وتلتزم بلباس معين لا تبدله فهل هذا العمل موافق للشرع وإذا لم يكن كذلك فماذا إذن على المعتدة وماذا لها فعله ؟
الذي أوجبه الله ورسوله على المعتدة من الوفاة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا في حاجتها التي لا بد لها منها في النهار دون الليل لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في المتوفى عنها ( امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ) [ ورواه أبو داود في سننه ج2 ص300 ورواه الترمذي في سننه ج4 ص195، 196 . ورواه النسائي في سننه ج6 ص200 بلفظ " في أهلك " بدل " في بيتك " . ورواه الدارمي في سننه ج2 ص221 . كلهم من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان ] .(112/29)
ولا يغلق عليها كأنها سجينة ولكن تبقى في البيت ويبقى الباب كعادته للدخول والخروج ويدخل عليها من أقاربها ومن تأنس به من النساء ومن محارمها وغيرهم . وأما قضية اللباس فإنها إنما تجتنب اللباس الذي فيه زينة فقط وما عدا لباس الزينة تلبس ما جرت العادة بلبسه في بلدها من أي لون كان من أسود أو من أحمر أو من أخضر مما كانت تلبسه قبل ذلك ولها أن تبدل ثيابها بغيرها .
وتجتنب الطيب وتجتنب الزينة في جسمها كالخضاب والكحل وغير ذلك ولا بأس أن تداوي عينيها بالدواء الذي ليس فيه زينة وكذلك تجتنب لبس الحلي في يديها أو في رقبتها .
فالمعتدة للوفاة يجب عليها أشياء .
1 ـ المكث في البيت الذي توفي زوجها وهي فيه .
2 ـ تتجنب الزينة في بدنها كالكحل والخضاب والأصباغ .
3 ـ تتجنب الزينة في ثيابها .
4 ـ لا تلبس الحلي بأنواعه .
5 ـ تتجنب الطيب بأنواعه .
200 ـ لي زوجة متمسكة بعادة الحداد على الميت لمدة عام إلى درجة إهمال حقوقي الزوجية بكاملها وعدم العناية بي ويحدث هذا في كل مرة يموت أحد من أقربائها تحد عليه لمدة عام فلا تتزين لي ولا تهتم بشؤوني العامة أو الخاصة وقد حاولت كثيرًا في أن تترك هذه العادة السيئة ولكن دون جدوى فما حكم عملها هذا ؟(112/30)
هذا العمل منها محرم لا يجوز منها فعله فقد روى البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج6 ص185 . من حديث أم حبيبة رضي الله عنها ] . ، فالمرأة إنما يجب عليها الحداد أربعة أشهر وعشرة أيام إذا توفي زوجها أما هذا الذي تعمله زوجتك من أنها تحد على كل ميت من أقاربها مدة عام فهذا معصية وحرام عليها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الحديث الذي أسمعناك ويجب عليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تترك هذا العمل السيئ وإنما أذن لها بثلاثة أيام .
201 ـ هل يحق للمرأة الأرملة أن تضع زينة على وجهها كالكحل مثلاً أفيدوني بارك الله فيكم ؟
إن كان قصدها بالأرملة المعتدة من الوفاة في مدة التربص التي ذكرها الله بقوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] . وعدة الوفاة يحرم على المرأة فيها التزين سواء بالحلي أو بالأصباغ أو غير ذلك فلا تتزين المرأة ولا تلبس الزينة في هذه الفترة وكذلك لا تتطيب ولا تكتحل الكحل الذي يتخذ للجمال ولها أن تداوي عينيها بالدواء الذي ليس فيه زينة أما الاكتحال والخضاب وأنواع الزينة المستحدثة الآن التي تتجمل بها النساء من المساحيق وغيرها وكذلك الطيب بأنواعه وكذلك الحلي بأنواعه وكذلك ثياب الزينة بأنواعها فالمرأة ممنوعة من هذه الأشياء مدة العدة وهذا ما يسمى بالإحداد . الإحداد مدة العدة هو ترك الزينة بأن تتجنب كل ما يرغب في النظر إليها من أنواع الزينة والطيب .(112/31)
202 ـ سائلة تقول : كان لها صديقة متزوجة ولها أطفال وقد حصل منها وهي حامل في شهرها الثالث أو أكثر أن حاولت إسقاط جنينها لكونها تعمل في وظيفة ولا تريد أن يعوقها الحمل عن ذلك فطلبت منها أن ترافقها إلى دكتور، ولكنه اعتذر عن ذلك واتفقت مع الممرضة على أن تدلها على من يعمل لها عملية الإسقاط مقابل إعطاء الممرضة مبلغًا من المال عبارة عن إكرامية - كما يسمونها - فذهبت بها وفعلاً أجريت لها العملية وأسقط جنينها وبعد عدة أشهر من ذلك توفي زوجها ( زوج السائلة ) فهي أولاً تسأل عن حكم إسقاط الجنين لذلك السبب وفي ذلك الشهر من عمره . وثانيًا : عن حكم مرافقتها لصديقتها ومساعدتها على ذلك . فهي تعتقد وكما يقول من حولها من الناس إن وفاة زوجها كان عقابًا لها لمساعدتها في قتل روح . وثالثًا : هل على تلك الممرضة إثم في ذلك الدور الذي قامت به مقابل ما أخذته من مال ؟
يجب على المرأة أن تحترم الجنين وأن تحافظ عليه وأن ترفق به وأن لا تفر من وجود الحمل ووجود الولد لأنه ربما يكون عبدًا صالحًا ينفعها وينفع الله به الأمة والواجب على الممرضة وعلى الأطباء أن ينصحوا هؤلاء النساء اللاتي يردن إسقاط الحمل والإجهاض . عليهم أن ينصحوا بحكم أن الله ائتمنهم على هذه المهنة ( مهنة الطب ) فعليهم أن ينصحوا الحامل في الرفق بحملها والإبقاء عليه ولا يجوز لهم أن يساعدوا على إسقاطه لأنهم إذا فعلوا ذلك اشتركوا في الإثم والعقوبة نسأل الله العافية ولا يجوز لهم أن يقدموا على إجهاض الحمل في مقابل ما يتقاضونه من الطمع، فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأن يؤدوا مهنة الطب بأمانة وأن ينصحوا للمراجعين .
203 ـ هل هناك أشهر معينة يجوز في حدودها إسقاط الجنين في حال الضرورة مثلاً ؟(112/32)
الفقهاء قالوا إنه يجوز إلقاء النطفة قبل أربعين يومًا بدواء مباح لكن الحمل مطلوب والنسل مطلوب ولو كان فيه مشقة يقول الله عز وجل : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } [ سورة الأحقاف : آية 15 ] . فالحمل فيه مشقة وفيه أمراض وفيه تعب لهذا عَظُم حق الأم على ولدها لأن الرسول أوصى ببرها ثلاث مرات وأوصى ببر الأب مرة واحدة (19) وما ذلك إلا لما تقاسيه في حملها وولادتها ورضاعها من الأخطار والمشاق . فعليها أن تصبر وأن تتحمل وهي على أجر ربما تكون العاقبة حميدة لها ولمجتمع المسلمين من هذا لمولود فالأولاد مطلوب السعي لحصولهم لما يترتب على وجودهم من مصالح العامة والخاصة .
204 ـ لدينا حامل في الشهر السادس واتضح من خلال الكشف على الجنين أنه مشوه خلقيًا . ويرى الدكتور أنه لا بد من أن ينزل، والأم محتارة وتقول هذا أمر حسب رأي الشرع ؟
لا يجوز إجهاض الجنين خصوصًا بعد نفخ الروح فيه . ولو كان مشوهًا بل يترك أمره إلى الله . لأن في إجهاضه جناية على نفس معصومة بالقتل . ولا يدري فربما يزول تشويهه أو يكون تشويهًا لا يخل بحياته، وقد يكون رأي الطبيب خطأ فليس معصومًا . والحاصل أنه لا يجوز الاعتداء على الجنين وإسقاطه بحجة أنه مشوه - والله أعلم - .
205 ـ هل يجوز إسقاط الحمل في أيامه الأولى ؟
إذا كان الغرض من إسقاط الحمل هو كراهية الحمل وعدم إرادته فهذا لا يجوز . أما إذا كان لضرورة بأن يخشى على حياة الحامل لو بقي وكان في طور النطفة أو العلقة فلا بأس بإسقاطه إذا قرر ذلك هيئة طبية موثوقة .
206 ـ ما حكم حلق شعر المولود، وهل يجوز حمل الطفل في الصلاة ؟(112/33)
حلق شعر رأس المولود الذكر يوم سابعه مستحب وكذا يستحب ذبح العقيقة عنه في هذا اليوم ذكرًا كان أم أنثى . ويجوز حمل الطفل في الصلاة . فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنها وهو يصلي (20) وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما يصعدان على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد (21)(112/34)
الرضاع
207 ـ تزوج رجل من فتاة وأنجبت له ابنًا . ولأخيه أيضًا ابن وقد أرضعته زوجته مع ابنه هذا مدة شهر تقريبًا . وقد تزوج زوجة أخرى بعد وفاة زوجته الأولى التي أرضعت ابن أخيه وأنجبت له زوجته الثانية بنتًا وقد حصل بعد أن كبرت ابنته وكبر ابن أخيه أن تزوجا وأنجبا الأولاد فهل هذا الزواج صحيح أم لا . وإن لم يكن صحيحًا فماذا يجب أن يعملوا أو ما هو مصير الأولاد ؟
إذا رضع طفل من امرأة الرضاع المعتبر شرعًا بأن يكون في الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإنه يكون ابنًا للمرضعة وتكون بنات المرضعة كلهن أخوات له وكذلك يكون ابنًا لمن له اللبن وهو زوجها وتكون بنات الزوج كلهن أخوات لهذا المرتضع سواء كن من المرضعة أو من غيرها كما عليه جمهور أهل العلم وهذا ما يسمى بلبن الفحل . فهذا الرجل الذي تزوج بنتًا من بنات أبيه من الرضاع يكون منها غير صحيح عند جمهور أهل العلم لأنه تزوج أخته من الرضاع وأولاده منها يلحقه نسبهم لأنهم من وطء شبهة . وعليه مراجعة المحكمة الشرعية لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو هذا الرضاع .
208 ـ لي أخت من الرضاعة وقد أرضعت بنتًا من جماعتنا مع ابنها أرضعتها أكثر من خمس رضعات هل أنا أصبح محرمًا لتلك البنت التي أرضعتها أختي من الرضاعة وبالتالي أصبح خالاً لها أم لا ؟
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . فهذه البنت التي أرضعتها أختك من الرضاعة أكثر من خمس رضعات كما تقول إذا كان هذا الرضاع في الحولين فإنها تصبح بنتًا لها من الرضاعة وتكون أنت خالاً لها من الرضاعة ومحرمًا لها . والله تعالى أعلم .
209 ـ والدي رضع من امرأة رضاعة محرمة مستوفية للشروط وقد طلقت هذه المرأة من زوجها وتزوجت من زوج آخر وأنجبت منه ابنًا وبنتًا فهل أولادها من الرجل الآخر يعتبرون إخوة لوالدي من الرضاعة ؟(113/1)
نعم إذا أرضعت المرأة طفلاً الرضاع المعتبر شرعًا كما ذكرت بأن يكون خمس رضعات وتكون في الحولين فإنه يصبح ابنًا لها من الرضاعة وتكون بناتها أخوات له من الرضاعة سواء المتقدمات أو المتأخرات من زوج أو من أزواج كل بنات المرضعة يكن أخوات للمرتضع .
210 ـ لنا خالة ولها ولدان وقد أرضعتني أنا وأخي الأكبر مع ولدها الأصغر الذي بعد أن تزوج أنجبت زوجته بنتًا وقد تزوج أخي الأصغر والذي لم يرضع من خالتي وتزوج ابنة أخي من الرضاع الذي هو ابن خالتي فما الحكم في هذه المسألة ؟
لا مانع من ذلك لأنه لا علاقة له بهذا الرضاع فلا مانع من أن يتزوج هذه المرأة .
211 ـ يوم أن كنت طفلة رضيعة أصاب والدتي مرض فتولت إحدى النساء من حولنا إرضاعي مدة شهر أو أكثر وبعد مدة توفيت تلك المرأة التي أرضعتني عن ابن وبنت فتزوج زوجها امرأة أخرى وأنجبت له عددًا من الأولاد فهل أولادها يصبحون إخوة لي بسبب رضاعي من زوجة أبيهم المتوفاة وبالتالي يصبحون أخوالاً لأولادي أم ليس بينهم وبيني حرمة ونعتبر أجانب على بعض ؟
نعم كل أولاد هذا الرجل الذي رضعت من زوجته يعتبرون إخوة لك من الرضاعة وأخوالاً لأولادك سواء كانوا من الزوجة التي رضعت منها أو من غيرها لعموم الأدلة - والله أعلم .
212 ـ لقد رضع أخي الأصغر مني من امرأة أكثر من خمس رضعات وهذه المرأة لها أخت فهل يجوز لي أن أتزوج من أخت هذه المرأة التي رضع منها أخي . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
لا مانع من ذلك ما دام أنك لم ترضع من أمها وهي لم ترضع من أمك وإنما أخوك هو الذي رضع من أمها فإن الحكم يتعلق بأخيك فقط ولا يسري إليك فأخوك يحرم عليه أن يتزوج بنت المرضعة . أما أنت فلا حرج عليك في ذلك .
213 ـ أرضعتني امرأة وهي الآن أمي من الرضاع وتزوجت من فتاة ورزقني الله بثلاث أطفال، وبعد ذلك اتضح أن المرأة التي أرضعتني قد أرضعت زوجتي كذلك . فماذا أفعل ؟(113/2)
إذا ثبت الرضاع بينك وبين زوجتك من امرأة وكان رضاعًا محرمًا بأن يكون خمس رضعات فأكثر من الحولين فإنه يجب عليك أن تفارقها لأنها أختك من الرضاعة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . وإخوان المرتضع لا يسري عليهم حكم الرضاع فليسوا أبناء لخالكن .
215 ـ رجل يريد أن يتزوج بأم أخيه رضاعًا فهل له ذلك ؟
يجوز للرجل أن يتزوج من أم أخيه من الرضاع إذا لم يكن هو رضع منها فرضاع أخيه منها لا يسري عليه حكمه .
216 ـ سائلة تقول : إنها امرأة متزوجة ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً وتنسبه لها ولزوجها أم لا . وإذا كان جائزًا فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه بمعنى أن يكون أبواه معروفين ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً أو من لا يعرف أبواه ونحو ذلك ؟
التبني كان موجودًا في الجاهلية فأبطله الإسلام ونهى عنه فالطفل المتبنَّى يكون أجنبيًا من المتبنِّي لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين ولا ينسب لمن تبناه يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ } [ سورة الأحزاب : الآيتين 4، 5 ] . فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام ونهى عنه ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على تربيته فالإحسان إليه فيه فضل عظيم لكن لا يتبناه .(113/3)
الفرائض
217 ـ توفي والدي وترك لنا مالاً كثيرًا عبارة عن نقد وقطيع من الغنم والإبل وله زوجتان وأربعة أبناء وست بنات فكيف نقسم هذا المال بأنواعه على الورثة ؟
هذه المسألة تكون بين زوجتيه وأولاده البنين والبنات تكون المسألة أصلها من ثمانية للزوجتين الثمن واحد وللأبناء والبنات الباقي سبعة ونصيب الزوجتين غير منقسم ونصيب الأولاد غير منقسم وتصح المسألة من مائة واثني عشر للزوجتين منها الثمن أربعة عشر سهمًا لكل واحدة سبعة والباقي ثمانية وتسعون للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين لكل بنت سبعة سهام وللبنين لكل واحد منهم أربعة عشر سهمًا .
أما قضية الإبل والغنم والمواشي هذه يمكن أن تباع وتضم قيمتها إلى النقود وتقسم بينهم على ما ذكرنا أو يمكن أن تقوم وتعادل بالأقيام وتقسم بالمعادلة والله أعلم .
218 ـ خمسة إخوة توفي والدهم وكل منهم أخذ نصيبه من الميراث واثنان منهم من امرأة وثلاثة من امرأة أخرى الاثنان الأشقاء توفي أحدهما ولم يخلّف أولادًا فورثه أخاه في كل ما يملك دون إخوته الثلاثة من أبيه فهل يحق له ذلك وهل لإخوته من أبيه نصيب من ماله أم لا ؟
لا شك أن الأخ الشقيق يحجب الإخوة لأب فإذا كان الأمر كما ذكر فإن المال كله لأخيه الشقيق وليس لإخوته من أبيه شيئًا .
219 ـ هناك خمسة إخوة أيضًا توفي أحدهم وخلّف ابنًا له وعندما توفي والدهم قسّم الميراث بينهم الربعة ولم يعط ابن أخيهم شيئًا من المال بدعوى أنه سقط عن مرتبة أبيه وتوفي أبوه ووالده حيّ فمعنى ذلك أنه لا يحق له من الميراث شيء إلا إذا كان جده أوصى له بأن يكون في مقام أبيه فهل هذا صحيح وإذا كان لا يجوز هذا فما هي القسمة الشرعية وما نصيب كل منهم وما نصيب هذا اليتيم الذي هو ابن أخيهم ؟(114/1)
الأمر كما ذكر السائل ما دام أن هؤلاء الإخوة مات أحدهم قبل موت أبيهم فإن المال يكون للباقين وأما الذي مات قبل أبيه فليس له شيء ولا لأولاده شيء لأنه لا ميراث لابن الابن مع وجود الابن ويجوز للجد أن يوصي لابن ابنه غير الوارث بشيء من ماله في حدود الثلث فأقل .
220 ـ توفي والدي وعنده أرض واسعة تُسقى بماء الأمطار ثم ورثته أنا وأخواي اثنان ذكور ولنا أربع أخوات لم نعطهن شيئًا من الأرض لأن عندنا تقاليد هكذا الورث للذكور فقط ولم يطالب أخواتنا بنصيبهم من الميراث أبدًا وهن على ما أعتقد مقتنعات لأن هذا هو الجاري عندنا من زمن الأجداد فما نفعل . وهل إذا رفض أخواي أن نعطي أخواتنا نصيبهن أترك الأرض وأترك نصيبي أنا أم أطلب نصيبي ثم أقسم لمن أرادت من أخواتي وأعطيها نصيبها ؟
عدم توريث النساء من أعمال الجاهلية التي أبطلها الله سبحانه وتعالى فإنهم كانوا في الجاهلية فهم لا يورثون النساء فشرع الله سبحانه للنساء نصيبًا من الميراث بقوله تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [ سورة النساء : آية 7 ] .(114/2)
وقال الله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ سورة النساء : آية 11 ] . إلى آخر الآيات وهذا الذي ذكر في السؤال هو أعمال الجاهلية حيث لم يورثوا أخواتهم من أبيهن من هذه الأرض التي ذكرها السائل فالواجب إعطاء أخواتهم نصيبهن الذي فرضه الله سبحانه وتعالى لهن بأن تقسم الأرض بين الأولاد الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين إذا لم يكن هناك وارث غيرهم ولك أن تأخذ نصيبك لأنه حقّ لك فتأخذ من هذه الأرض مقدار الخمس لأنها تكون الأرض من عشرة أسهم للذكر مثل حظ الأنثيين لك منها سهمان هما مقدار الخمس ولكل بنت سهم واحد . والواجب عليكم جميعًا أن تعطوا النساء نصيبهم من هذه الأرض إلا إذا سمحن به لكم عن طيب نفس .
221 ـ كيف نقسّم تركة رجل توفي عن أب وزوجة وثلاث بنات وأخ شقيق وخمس أخوات شقيقات وكيف يكون التقسيم لو لم يكن الأب موجودًا بل فقط الزوجة وثلاث بنات وأخ شقيق وخمس أخوات شقيقات ؟(114/3)
أما على التقدير الأول وهو وجود الأب فيكون للزوجة الثمن وللبنات الثلثان والباقي فرضًا وتعصيبًا وتكون المسألة أصلها من أربعة وعشرين للزوجة الثمن ثلاثة وللبنات ثلثان ستة عشر وللأب خمسة للأب فرضًا وتعصيبًا ولا شيء للأخ الشقيق والأخوات لأنهم لا ميراث لهم مع وجود الأب وإذا نظرنا نصيب البنات ستة عشر وهنّ ثلاث وجدناه منكسرًا فتصبح المسألة من اثنين وسبعين للزوجة منها تسعة وللأب منها خمسة عشر وللبنات ثمانية وأربعون كل واحدة ستة عشر . وأما على تقدير عدم وجود الأب فإن الزوجة تأخذ الثمن والبنات يأخذن الثلثين والباقي يكون تعصيبًا للأخوة والأخوات الشقائق للذكر مثل حظ الأنثيين فتصح مسألتهم من خمسمائة وأربعة أسهم للزوجة منها ثلاث وستون سهمًا وللبنات ثلاثمائة وستة وثلاثون سهمًا لكل واحدة منهن مائة واثنا عشر سهمًا وللأخ والأخوات الشقائق مائة وخمسة أسهم للشقيق منها ثلاثون سهمًا ولكل أخت خمسة عشر سهمًا .
222 ـ هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها ؟
يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب وما أشبه ذلك ثم أيضًا لهذا إهدار للمال لأن المال ينتفع به ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به .
223 ـ ما الحكم الشرعي فيمن يحرمون الزوجات من الإرث بعد أزواجهن وكذلك البنات بعد أبيهن ؟(114/4)
حرمان الزوجات من ميراث أزواجهن وكذلك حرمان البنات من ميراث آبائهن من فعل الجاهلية لأن أهل الجاهلية هم الذين يحرمون الإناث من الميراث لأنهم يقولون إنما يستحق الإرث من يحمي الذمار ويحمل السلاح فهم يحرمون النساء والصغار من الميراث، والله جل وعلا جعل للزوجات ميراثًا لقوله تعالى : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [ سورة النساء : آية 12 ] . كذلك جعل للبنات نصيبًا من ميراث آبائهن قال تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ سورة النساء : آية 11 ] . هذا هو دين الإسلام الذي أنصف المرأة وأعطاها نصيبها قال تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [ سورة النساء : آية 7 ] .(114/5)
الهبات والوصايا
224 ـ جدي كان يمتلك أراضي زراعية وكان له من الأولاد والدي وعمي ومجموعة من البنات . أما عمي فقد تشاجر مع والده وترك البيت ولم يعد وتوفي في بلاد أخرى وقد عثرنا على أحفاده مؤخرًا وبقي والدي يعمل مع والده وقد كافح معه في رعاية البنات أي أخوات والدي وبعد وفاة جدي ظلّ والدي قائمًا على رعاية شقيقاته وكان جدي قبل وفاته قد قام بمنح والدي جزءًا كبيرًا من الأراضي الزراعية مكافأة له لكفاحه معه ولأنه توسم فيه أنه سيقوم برعاية شقيقاته والعناية بهم وترك جدي جزءًا بسيطًا من الأرض ليقسم على الورثة وبطبيعة الحال انتقلت هذه الأراضي التي كان جدي خصّ بها والدي كما أسلفنا انتقلت لي الآن بعد وفاة والدي وذرية عماتي وذرية عمي الذي مات . جمعهم موجودون فما حكم استيلائي على هذا الإرث بهذه الطريقة هل هو حرام عليّ وعليّ أن أقتسم هذه الأراضي معهم وفقًا للشرع أم أنه من الممكن أن تطبق عليها قاعدة ( الأمور بمقاصدها ) بمعنى أن جدي لم يقصد الإضرار بالورثة وإنما قصد مكافأة والدي للأسباب التي ذكرتها أعلاه أرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا ؟(115/1)
ما قام به أبوك من الإحسان إلى والده وبرّه في حياته والقيام على أخواته بعد موت والده فهذا أمر طيب يشكر عليه ونرجو له الأجر من الله سبحانه وتعالى وهكذا ينبغي أن يكون المسلم مع والده ومع قراباته لا سيما أخواته ومحارمه أما قضية ما فعله جدك من إعطاء والدك شيئًا من الأرض فهذا لا يجوز له أن يخصّ بعض أولاده بالعطية دون بعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وأنكر على من فعله من الصحابة لما جاء يُشهد الرسول صلى الله عليه وسلم على عطية خصّ بها بعض أولاده أنكر عليه وقال : ( أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص151 . من حديث النعمان بن بشير بنحوه . وللحديث روايات أخرى ] . فعطية الوالد بعض أولاده دون بعض لا يجوز له حتى ولو كان بعض أولاده أبرّ به من البعض الآخر فإن هذا أداء واجب على الولد لوالده فالأولى لك في هذه الحالة إن ترد هذه العطية وأن تقسم على الميراث الذي شرعه الله سبحانه وتعالى تلافيًا للخطر الذي حصل وأبرأ للذمّة وأنفع للميت وأبعد لك عن الشبه . والله تعالى أعلم .
225 ـ كان لي أخت متزوجة ولها طفلان وقد طلقها زوجها بعد أن مرضت مرضًا شديدًا وفي آخر شهر من عدتها توفيت وعليها ديون كثيرة للأطباء الذين قاموا بعلاجها ولغيرها وليس لها سوى أرض لا تغطي كل ما عليها من ديون فلا تفي إلا بالثلثين منها فقط وقد أوصت قبل موتها بأن يحج عنها وأوصت بأن يصلى عنها لمدة ثلاث سنوات ويصام عنها ثلاث أشهر وبأن يذبح لها بعد موتها ويعمل لها وليمة عزاء علمًا أن لها أربعة أخوة أشقاء وأختين فما الحكم أولاً في سداد ما عليها من دين على من يكون قضاؤه وكذلك ما الحكم في وصيتها تلك وماذا يلزمنا تنفيذه منها وماذا لا يلزمنا أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرًا .(115/2)
أما قضية الديون التي عليها فإنها يجب تسديدها من تركتها ولا ينفذ لها وصية إلا بعد سداد الديون لأن وفاء الدين مقدم على الوصية . وأما قضية أنها أوصت بوصايا من جملتها العزاء وذبح ذبيحة فيه فهذا لا يجوز الوفاء به حتى ولو كان لها تركة لأن هذا من البدع وعمل العزاء وعمل الولائم بمناسبة العزاء من مال الميت من البدع ولا يجوز فعله وإنما سمح لها الشارع بالوصية في حدود الثلث فأقل وعلى الوجه المشروع وبعد سداد الديون التي عليها . وأمّا قضية الوصية بأن يصلّى عنها أو يصام عنها فهذا أيضًا لا تنفذ الوصية به لأن الصلاة والصيام عملان بدنيان لا تدخلهما النيابة إلا إذا كان عليها صيام نذر فإنه يصام عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . ، فصيام النذر يصام عن الميت بأن يصوم عنه وليه أما ما وجب بأصل الشرع من الصلاة والصيام فهذا لا تدخله النيابة لأنه عمل بدني مطلوب من الإنسان القيام به بنفسه .
226 ـ كان لي عم وله ابن وقد توفي عمي هذا قبل أبيه ( أي قبل جدي ) وقبل وفاة جدي أوصى بثلثي ماله لابن ابنه الآخر أي ابن عمي مع وجود أبي . فهل يجوز تنفيذ هذه الوصية أم لا . وإذا لم تنفذ فهل ابن عمي هذا يرث شيئًا مع أبي من مال جدي الذي خلفه بعد وفاته ؟
الوصية تجوز بشرطين :
ـ الشرط الأول : أن تكون قدر الثلث فأقل . فإن كانت أكثر من الثلث لم تصح إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت .(115/3)
ـ الشرط الثاني : أن تكون لغير وارث . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقّه فلا وصية لوارث ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص186، 187 . من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه ورواه أبو داود في سننه ج3 ص113 . ورواه الترمذي في سننه ج6 ص294، 295 . ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص905 . من حديث أبي أمامة الباهلي ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج6 ص264، 265 من حديث أنس بن مالك . ورواه سعيد بن منصور في سننه ج1 ص125 من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ] . وأجمع أهل العلم على ذلك وما دام ابن عمك الذي ذكرت غير وارث لأنه محجوب بعمه فالوصية له وصية لغير وارث فهي صحيحة في حدود الثلث فأقل .(115/4)
نذور وأيمان وسرقة وأطعمة
227 ـ تعرضت ابنتي إلى حادث انقلاب سيارة وأصيبت بكسور شفيت بعدها والحمد لله وكانت الحادثة قبل خمس سنوات وقد قرّرت أن تذبح ذبيحة كل سنة في نفس الشهر الذي وقعت فيه الحادثة لوجه الله تعالى حيث توزع قسمًا من لحمها على الفقراء فهل هذا العمل جائز أم لا ؟ وهل يعتبر هذا نذرًا أم لا ؟
أولاً إن كان معنى قررت نوت بقلبها ولم تتلفظ فليس عليها شيء أما إذا كانت تلفظت بأن قالت لله علي أن أذبح كذا في كل سنة وأتصدّق به على الفقراء والمساكين فهذا نذر يجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج7 ص233 من حديث عائشة رضي الله عنها ] . ولقصة الرجل الذي نذر أن يذبح إبلاً ببوانة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا، قال هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا لا قال فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله فيما لا يملكه ابن آدم (1) فإذا كانت نذرت أن تذبح كل سنة ذبيحة توزعها على المساكين فهذا نذر طاعة يجب عليها أن تفي به مع أنّ أصل النذر لا ينبغي لأن الإنسان يلزم نفسه بشيء لم يكلفه الله به فيصل بذلك الحرج والمشقة على الإنسان وكان قبل ذلك في عافية وفي سعة لكنه ألزم نفسه بشيء قد يثقل عليه ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تنذروا فإن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232، من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحوه ] . لكنها ما دامت أنها نذرت هذا النذر على الصفة المذكورة فإنه نذر طاعة يجب عليها أن تفي به مهما قدرت على ذلك والله أعلم .
228 ـ وهل لها أن يأكل من هذه الذبيحة ؟
حسب النيّة إذا كانت نوت أن تأكل منها فلا بأس أن تأكل منها أما إذا لم تنو أن تأكل منها فإنه يلزما توزيعها على المساكين ولا تأكل منها شيئًا .(116/1)
229 ـ كانت والدتها مريضة عندها وقد توفيت قبل عامين فنذرت إن رزقها الله من واسع فضله أن تتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة وتهب ثوابها لوالدتها وهي تعمل في إحدى المدارس وتتقاضى راتبًا شهريًا قدره خمسة آلاف ريال ولكنها تعطيه زوجها المحتاج صاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل وقد بنى لهم منزلاً وتحمل ديونًا كثيرة للناس ولذلك فهي تساعده براتبها الشهري ولم تتمكن تلك السنة من الوفاء بنذرها ولكنها كانت تعطي أختها من الراتب ألف ريال لتتصدق به على الفقراء وأجر هذه الصدقة لوالدتها فهل تكفيها هذه عن النذر أم لا بد أن تتصدق بذبيحة كما حددت هي ولو بعد فوات السنة التي حددتها بذلك ؟(116/2)
ننبه إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ النذر لا يأتِ بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232 . من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحوه ] . ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدّق . وأن يتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى لما يسَّر الله بدون نذر لكنه إذا نذر وألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء إذا كان نذره نذر طاعة كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص233 . من حديث عائشة رضي الله عنها ] . وقال تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ سورة الإنسان : آية 7 ] . وقال تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } [ سورة البقرة : آية 270 ] . فإذا نذر الإنسان نذر طاعة فإنه يجب الوفاء به والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنة معينة وتوزعها على الفقراء فهذا نذر طاعة لأن ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى والتصدق أيضًا فيه قربى فهو نذر طاعة وقد عينته بوقت محدد كان يجب عليها أن توفي به في وقته وما دام أنها أخرته عن وقته فإنه يجب عليها تنفيذه قضاء فإنه يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وتتصدق بلحمه ويكون هذا قضاء وعليها بدل التأخير كفارة يمين تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وأما أنها تعطي أختها دراهم وتتصدق فهذا لا يكفي عن النذر لأن النذر معين بذبيحة وليس هو صدقة مطلقة فلا يكفي عن النذر لكن فيه أجر وخير إن شاء الله ونرجو أن يصل ثوابه إلى المتوفاة ولكنه لا يكفي عن النذر .(116/3)
230 ـ أنا شاب مسلم كنت أعمل في بلد عربي قبل هذا العام وموطني الأصلي مصر وأعرف ما يعانيه الإخوة المجاهدون الأفغان وفي يوم من الأيام سمعتُ شريطًا مسجلاً عن الجهاد الأفغاني فزادني تأثرًا عن هؤلاء الأخوة فتسرعتُ بعد سماع الشريط وقلت إن أكرمني الله بالسفر إلى المملكة فسوف أعطي نصف مالي للمجاهدين فقالت لي زوجتي وذكرتني أن الذي يتصدق بشيء لا يزيد عن ثلث المال وفعلاً سافرت هذا العام إلى المملكة وأنا الآن أعمل بها فما الحكم في هذا النذر وهل من الممكن أن أتبرع بأي شيء من المال مع أنني إلى الآن لم أحصل على سكن يأويني أنا وزوجتي وابني إلى الآن في مصر فإن كانت الإجابة بأنه يجب عليَّ دفع نصف أو ثلث هذا الراتب فما هي أفضل الطرق لكي أضمن وصوله فعلاً إلى المجاهدين ؟
أولاً النذر لا ينبغي للمسلم أنه يدخل نفسه فيه لأنه يلزم نفسه بشيء لم يلزمه الله به ولهذا جاء النهي عن النذر وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232، 233 من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما . بنحوه ] .(116/4)
أما إذا نذر المسلم والتزم طاعة لله عزّ وجلّ من صدقة أو صيام أو حج أو غير ذلك من الأعمال فإنه حينئذٍ يلزمه ما التزم لقوله صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص233 . من حديث عائشة رضي الله عنها ] . وما دمت قد نذرت هذا النذر وهو أن تتصدق بنصف راتبك للمجاهدين مدة بقائك في المملكة العربية السعودية وقد تمكنت من ذلك وحضرت في المملكة وعملت فيها فإنه يلزمك ما نذرته من التصدق بنصف راتبك للمجاهدين هذا إذا كان هذا النصف زائدًا عن نفقتك ونفقة أولادك وسكنك أما إذا كان الراتب لا يكفي لحاجتك الضرورية فإنك تصبح حينئذٍ غير مستطيع والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ) [ رواه أبو داود في سننه ج3 ص235 . من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ] .
231 ـ قالت لي زوجتي بأني لو أدخلت أخًا لي منزلنا دون علمها فإنها تصبح محرّمة علي وحدث أن دخل هذا الأخ دون أن أخبرها فهل في هذه الحالة تكون محرمة أم ماذا ؟
إذا كان قصدها منع دخول هذا الشخص في المنزل إلا بعد أن تعلم بذلك وتأذن له وأدخلته المنزل بدون علمها وإذنها فقد خالفت ما حلفت عليه وهذا يجري مجرى اليمين فيكون عليها كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب فإن لم تجد شيئًا من هذه الخصال الثلاث فتصوم ثلاثة أيام .
232 ـ ومثل هذا الحكم في كل حالة تحرم الزوجة نفسها على زوجها ؟
نعم . يكون حكمه كفارة اليمين .
هذا هو الصحيح من أقوال العلماء أن المرأة إذا ظاهرت من زوجها أو حرمته على نفسها فالصحيح في هذا أنّ عليها كفارة اليمين .
233 ـ إذا حلف شخص على القرآن الكريم أن يفعل كذا ثم وجد ما هو خير منه فترك العمل بما حلف عليه فهل عليه كفارة يمين في هذه الحالة ؟(116/5)
أولاً : الحلف على القرآن الكريم لا ينبغي بل يحلف بدون أن يكون ذلك على المصحف أو على القرآن، والمؤمن يحترم اليمين ولو لم تكن على المصحف لأن الله جلّ وعلا يقول : { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] . فالمؤمن يوقر اليمين بالله ويحترمها ولا يحلف إلا عند الحاجة وإذا حلف فإنه يكون صادقًا أما من ناحية إذا حلف أن لا يفعل شيئًا أو حلف أن يفعله ورأى مخالفة اليمين أحسن فلا بأس بل يستحب له أن يفعل الذي هو أحسن وأن يكفِّر عن يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين وأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1268، 1269 . من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وللحديث قصة ] . والله جل وعلا يقول : { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ } [ سورة البقرة : آية 224 ] .
فلا تكون اليمين حائلة بينه وبين الفعل الذي هو خير بل عليه أن يفعل الذي هو خير وإن خالف اليمين ويكفّر عنها .
234 ـ ما هو الفرق بين اليمين المكفرة وغير المفكرة ؟
اليمين المكفرة هي التي يقصد عقدها على أمر مستقبل ممكن فإذا صدرت اليمين من غير قصد فهذه لغو لا تنعقد والله جل وعلا يقول : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ } [ سورة البقرة : آية 225 ] . وهي اليمين التي تجري على لسانه من غير قصد وكذلك إذا عقدها وقصدها على أمر ماض بناء على غالب ظنّه فبان بخلافه فهذا من لغو اليمين . وإن حلفها وهو كاذب في ذلك فهذه الغموس يأثم عليها وهي من كبائر الذنوب (2) وليس فيها كفارة ولكن فيها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى بأن يتوب ويستغفر الله ولا يعود لمثل هذا .(116/6)
235 ـ نحن نشتغل في رعي وتربية الأغنام ولدينا مجموعة منها جمعها جدي ولكن قيل لنا أن جدي جمع أكثرها من طريق غير مشروع وهي الغزو والسرقة حتى كون له قطيعًا منها إلا أن والدي يقول أنا لم أره يسرق ولكن قيل لنا من أترابه سنًا أنه كان كذلك في حياته فماذا يجب علينا نحن الأبناء وأبناء الأبناء نحو هذه الأغنام وهل نأثم باستفادتنا منها فيما مضى أم إثمها على من جمعها ؟
إذا كنتم تعلمون أن هذه الأغنام أخذها جدكم ظلمًا وعدوانًا فإنه لا يجوز لكم الانتفاع بها إذا ثبت لديكم هذا وتحققتموه فإنها أموال محرمة ومغتصبة لا يجوز لكم الانتفاع بها فإن كنتم تعلمون أهلها فيجب عليكم أن تردوها إليهم إن كانوا موجودين أو إلى ورثتهم أما إذا لم تعلموا أهلها فعليكم أن تتصدقوا بها على الفقراء والمساكين وتتخلصوا منها وما دام الأمر لم يثبت وهو مجرد إشاعة ولم يتبين لكم أنها مأخوذة بغير حق فالأصل أنها لكم ويجوز لكم الانتفاع بها والله أعلم .(116/7)
236 ـ كنت أستمع إلى إذاعتكم المباركة وفي ذلك اليوم تكلم أحد المشايخ الأفاضل في موضوع اللحوم حلالها وحرامها وتطرق إلى ذبائح أهل الكتاب حيث عرض الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وقد كنت قبل مدة في فرنسا أتابع تخصصي الطبي فيها وكنت لا آكل من ذبائح الكتاب استنادًا لآراء معظم الشباب المسلم في فرنسا إذ أنهم قالوا إن طعام أهل الكتاب كان حلالاً لنا عندما كانوا يذبحونه على الطريقة الشرعية أما الآن فإن الذبح على الطريقة الشرعية غير موجود فهم في هذه البلاد يتبعون إحدى طريقتين إحداهما أحدث من الأخرى وهم يقولون إن الهدف منهما هو إضعاف إحساس الحيوان بالألم أثناء الذبح وحضور الموت فطريقة الذبح القديمة منهما ترتكز على حقن الحيوان بمادة مخدرة للأعصاب والجملة العصبية المركزية ثم يمرر الحيوان إلى الآلات القاطعة التي لا ندري هل تبدأ بالعنق أم غيره والطريقة الثانية الأحدث ترتكز على تعريض الحيوان إلى صدمة كهربائية تفقده الإحساس بالألم وتشل دماغه ثم تأتي الآلات القاطعة لتفعل به ما فعلته الأولى ناهيك عن عدم التسمية عليها أو التكبير والمسألة الهامة هنا هي إن البعض يقول أن الحيوان يموت قبل بدء الآلات القاطعة بتقطيعه إذ أن المادة المخدرة المحقونة أو الصدمة الكهربائية كافيتان لإزهاق روح هذا الحيوان ثم إنهم يذكرون نسبة ما يموت بعد الحقن أو الصعق بمقدار تسعين أو خمس وتسعين بالمائة ( 90-95% ) أو حتى مئة بالمئة ( 100% ) ولا أدري والله من أين أتوا بهذه الأرقام هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنهم يقولون حتى ولو لم نكن متأكدين من موت الحيوان قبل تقطيعه فإن في أكل ذلك اللحم شبهة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا باتقاء الشبه والأمور المتشابهات ثم إنهم يضيفون أن هناك جزارين مسلمين معظمهم جزائريون وتونسيون وأتراك يذبحون على الطريقة الإسلامية إلا أن هؤلاء موزعون في المدن الكبرى . أما المدن الصغيرة، فتفتقر إلى مثلهم(116/8)
إضافة أن المدن الكبرى تحتوي أمثال هؤلاء في مراكزها دون ضواحيها ثم إن بعض الجماعات الإسلامية تؤكد قائلة أنه لا يجوز شراء اللحم من المسلمين إلا إذا كان هذا اللحم أو الدجاج مدموغًا بخاتم الجمعية الإسلامية في فرنسا وفي الحقيقة إذا أردنا أن نلتزم بهذا الخاتم فإن علينا أن نمتنع عن شراء اللحم من تسعين إلى خمسة وتسعين في المئة ( 90-95% ) من هؤلاء الجزارين المسلمين لأنهم لا يضعون على ذبائحهم مثل هذا الخاتم . وحجة أصحاب الجمعية أن هؤلاء الجزارين يشترون الذبائح من المسالخ الفرنسية ويبيعونها للمسلمين كذبًا وخداعًا وغشًا ثم إن البعض من هؤلاء لا يصلي ويبيع الخمور واللحوم فكيف نصدق شهادتهم فماذا تقولن في هذا ؟
أولاً هذا مما لا شك فيه أنه من مشاكل السفر إلى بلاد الكفار والسكنى في بلادهم ومخاطر السفر إلى بلاد الكفار والسكن فيها كثيرة منها مسألة الأطعمة واللحوم وما يتصل بذلك ولهذا حرّم العلماء السفر إلى بلاد الكفار إلا بشرطين : الشرط الأول أن يكون هذا السفر لحاجة ملحّة والشرط الثاني أن يقدر المسلم على إظهار دينه بأن ينكر ما عليه الكفار وأن يدعو إلى الدين الصحيح وهو دين الإسلام أما ما ذكره السائل من مشكلة اللحوم والذبائح فلا شك أن ذبائح الكفار غير أهل الكتاب محرمة بالإجماع فذبائح الوثنيين والشيوعيين والدهريين والمرتدين من المسلمين ومن كان لا يعتنق دينًا سماويًا فذبيحته حرام مطلقًا . أما بالنسبة لذبائح أهل الكتاب ففيها التفصيل التالي : - أولاً : ما علم أنهم ذبحوها على الطريقة الشرعية فهو حلال بالإجماع لقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .(116/9)
والمراد بطعامهم ذبائحهم فأباح الله لنا ذبائح أهل الكتاب اليهود أو النصارى إذا ذبحوه على الطريقة الشرعية بأن يكون في محل الذبح وبقطع ما يجب قطعه في الذكاة، النوع الثاني : ما علم أنهم ذبحوه على غير الطريقة الشرعية كالقتل بالخنق أو الصعق الكهربائي أو الضرب بالرصاص على رأسه أو بالتدويخ حتى يموت ولا يدرك وفيه حياة فهذا حرام بالإجماع لقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 3 ] . وهذه حيوانات ماتت بغير الذكاة الشرعية ماتت بإصابتها بالخنق أو الصعق أو الضرب بالرصاص أو غير ذلك من وسائل الإماتة ولم تدرك وتذك وفيها حياة مستقرة على الوجه المشروع هذه حرام بإجماع أهل العلم .
النوع الثالث : ما حصل فيه الشك من ذبائح أهل الكتاب هل ذبحوه على الطريقة الشرعية أو على غير الطريقة الشرعية فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين على قولين القول الأول : حل أكلها لأن الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل حتى يثبت ما يقتضي تحريمها من كونها ذبحت على غير الطريقة الشرعية بأن يعلم أنهم ذبحوها على غير الطريقة الشرعية فإذا لم يعلم فالأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل استنادًا إلى قوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .(116/10)
القول الثاني : أنها لا تحل في هذه الحالة لأن الأصل في ذبائح أهل الكتاب وغيرهم التحريم حتى يعلم أنها ذبحت على الطريقة الشرعية ولقوّة هذا الخلاف في المسألة فالذي يحسن بالمسلم ترك هذه اللحوم لأنها مشتبهة وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في المسند ج1 ص200 . ورواه الترمذي في سننه ج7 ص205 . ورواه النسائي في سننه ج8 ص327، 328 ورواه الحاكم في مستدركه ج4 ص99 . كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما . ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج2 ص220 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص19 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وعلى المسلمين الموجودين في بلاد الكفار من الجاليات أو الطلاب أن يوجدوا حلاً لهذه المشكلة بأنفسهم بأن يتعاونوا على إيجاد مسلخ خاص بهم أو يتفقوا مع مسلخ يلتزم بالذبح على الطريقة الشرعية وبهذا تنحل المشكلة .(116/11)
كفارة القتل
237 ـ علمت أن كفارة القتل الخطأ صيام شهرين متتابعين وأنا صدمت شخصًا بسيارتي منذ حوالي عامين وقد مات هذا الشخص متأثرًا بتلك الصدمة وقد تمّ بيني وبين أهل القتيل الصلح بدفع نصف الدية وقد دفعتها في حينها . السؤال هو : هل علي أن أصوم شهرين بعد أن دفعت الدية أم لا وهل يجوز أن أؤخر صيامها حتى تتاح لي الفرصة خاصة وأنني الآن كثير المشاغل وإذا لم أستطع الصيام فماذا علي أن أفعل ؟
لا شك أن القاتل خطأ تلزمه الكفارة وتلزم الدية في قتله على عاقلة القاتل وتلزم الكفارة في ذمة القاتل . قال تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلى قوله { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ سورة النساء : آية 92 ] . فأوجب سبحانه في قتل الخطأ شيئين : الأول الدية وتكون على عاقلة القاتل خطأ، والثانية : الكفارة تكون على القاتل . والكفارة تتكون من خصلتين، الأولى : عتق الرقبة إذا كان يستطيع وإذا وجد رقبة ويستطيع إعتاقها وجب عليه ذلك ولا يجزيه غيرها، فإن لم يجد رقبة أو كانت الرقبة موجودة ولكن لا يستطيع اقتصاديًا إعتاقها فإنه يصوم شهرين متتابعين وليس هناك شيء ثالث في هذه الكفارة . إنما هي الإعتاق فمن لم يستطع الإعتاق فإنه يصوم شهرين فيلزمك صيام شهرين متتابعين إذا لم تستطع الإعتاق وقد استقرّ ذلك في ذمتك ويجب عليك المبادرة بأدائها مهما أمكنك ذلك ومهما واتت الظروف وحتى وأنت في العمل، فالعمل لا يمنع من الصيام لأن تأخير هذا الواجب في ذمّتك يخشى أن يعرض لك عوارض فتبقى هذه الكفارة في ذمتك وتثقل كاهلك والواجب عليك الإسراع بتفريغ ذمتك وإبرائها من هذا الواجب العظيم .(117/1)
238 ـ لي أخ يبلغ من العمر 9 سنوات فأرادت والدتي أن تعالجه في مستشفى بعد أن أصابه مرض وفعلاً ذهبت إلى المدينة لتعالجه وكانت والدتي تمسك يده خوفًا من أن يضيع منها وفجأة ومع دهشة الابن مما يراه في المدينة وهو غريب عليه فقد أفلت من يد والدته وسار وحده في وسط الشارع وحيث كانت سيارة قادمة فصدمته ومات بعد ذلك في المستشفى متأثرًا بتلك الصدمة وقد حزنت كثيرًا عليه ولكن كانت بداية لتوبتها الصادقة وتكريس نفسها للعبادة وهي في حيرة من ناحية الكفارة هل تلزمها كفارة صيام أم ليس عليها شيء .
ظاهر السؤال أنها فعلت هذا بدافع الشفعة عليه وأنها أرادت له الخير وذهبت به لتعالجه تلتمس له المصلحة فهي محسنة في هذا . والله سبحانه وتعالى يقول : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ سورة التوبة : آية 91 ] . وأيضًا هي لم تفرط هي كانت ممسكة بيده ومحافظة عليه إلا أنه انفلت منها بغير اختيارها وحصل ما حصل فلا شيء عليها في هذا لأنها لم تفرط .
239 ـ لقد قدر الله حادث سيارة على أحد الأشخاص بسيارتي بينما هو يمشي على قدميه ونقل إلى المستشفى متأثرًا بتلك الإصابة ورقد عشرة أيام ثم توفي وقد تنازل أهله عن ديته وأخذ أولاده القصر مبلغ ثلاثين ألف ريال حيث كان الخطأ مشتركًا فعليه نسبة 40% منه .
وسؤالي هو عن الصيام . هل يجب علي وجوبًا مع أنني طالب في الثانوية وقد لا أستطيع الجمع بين الصيام والدراسة فهل يكفي أن أتصدّق وأطعم أو هل من مخرج لي من الصيام أفيدوني بارك الله فيكم .(117/2)
لا شك أنه يجب عليك الصيام لأنك شاركت في قتل نفسٍ خطأً والكفارة تجب على القاتل خطأ سواء انفرد في القتل أو شارك فيه وأنت تذكر أنك اشتركت في 60% المهم أنه لو شارك في 1% أو أقل عليه كفارة لعموم الآية الكريمة فيثبت في ذمتك صيام شهرين إذا لم تستطع - تذهب إلى البديل وهو الصيام وليس هناك شيء ثالث غير الصيام وتأتي به متى استطعت فإذا كنت في الوقت الحاضر لا تستطيع فإنه يبقى في ذمتك وتصومه إذا استطعت والدراسة ليست تمنع من الصيام فالناس يصومون وهم يدرسون لا سيما في المناطق الباردة . الدراسة ليس عذرًا في ترك الصيام ولو أنك تحينت مثلاً الفصول الباردة مثل فصل الشتاء وصمت فيه فلا بأس به مع البرودة التي تخفف عليك من شدة الصيام المهم أنك لا بد أن تصوم وأنت أدرى بالوقت المناسب لك والصيام يبقى في ذمتك إلى أن تؤديه ليس له بديل، الإطعام ليس له وجود في كفارة القتل - الله تعالى لم يذكر إلى خصلتين العتق أو الصيام فيما ذكر في كفارات أخرى ثلاث أشياء تدل أنّ القتل لا يجزي فيه إلا شيئان العتق أو الصيام .
240 ـ سائل يقول إنه سائق سيارة وقد حصل بينه وبين سائق آخر تصادم ونتج عن الحادث وفاة السائق الآخر وبرفقته ثلاثة أشخاص فقال له القاضي في المحكمة الشرعية عليك كفارة عتق رقبة عن كل واحد منهم أو صوم شهرين عن كل واحد منهم أيضًا وهو يقول أن الصوم يصعب عليّ فهل توجد كفارة غير ذلك أفعلها أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟(117/3)
إذا كنت مدانًا في الحادث فالأمر كما قال لك القاضي من أنه يجب عليك كفارة عن كل واحد من القتلى في هذا الحادث وهي عتق رقبة فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين كما في نص القرآن الكريم وأما كونك لا تستطيع الصيام فربما أنك لا تستطيع في وقت معين لكن في وقت آخر تستطيع فتنتظر إلى أن تستطيع الصيام ويجب عليك الصيام متتابعًا بأن تصوم شهرين عن كل قتيل وليس بلازم أن تصوم الكفارات متتابعة بل بإمكانك أن تصوم شهرين متتابعين عن واحد ثم تنتظر إلى أن تقوى ويتيسر لك ذلك فتصوم الكفارة الثانية وهكذا، الحاصل أنه لا بد من الصيام والصيام متعين عليك وعليك أن تتحين الفرص المناسبة لأدائه والله يعينك على ذلك وليس هناك شيء ثالث في كفارة القتل إنما هما شيئان عق الرقبة فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين .(117/4)
اللباس والزينة
241 ـ ما حكم لبس الباروكة للرجال والنساء وأيضًا ما حكم التمثيل ؟ بالنسبة للرجال وأيضًا للنساء ؟
لا يجوز لبس الباروكة للرجال والنساء أيضًا، أما النساء لأن فيه غشًا وتدليسًا حيث أن الرائي لها يظن أن هذا من خلقتها ومن شعرها الأصلي وهو ليس كذلك وفي هذا تلبيس وتغرير ربما بزوجها أو بمن يريد خطبتها . أما الرجل فلا يجوز له ذلك بحال من الأحوال قد يجوز للمرأة مثلاً إذا كانت - ليس لها شعر أصلاً كأن لم ينبت لها شعر أن تلبس الباروكة لأنها أصبحت مضطرّة لذلك ومحتاجة لذلك أما الرجل فإنه لا يجوز أن يلبس الباروكة بحال ولا سيما إذا كان ذلك لأجل التمثيل فإنه في لبسه لهذا الشعر يظهر بصورة غير صورته الحقيقية وربما تكون صورة فيها تشبّه بالنساء أو تشبّه بالكفار أو غير ذلك .
242 ـ هل يجوز لبس غير الذهب أو الفضة من أدوات الزينة في الصلاة ؟
لا بأس أن تلبس المرأة حلي الذهب والفضة وتصلي فيه إلا أنها تستره إن كانت بحضرة رجال غير محارم لها . وكذلك لا بأس في لباس الزينة في الصلاة إذا كان مما أباح الله فيشرع للرجال التجمل باللباس والطيب عند الذهاب لصلاة الجمعة والجماعة . أما المرأة إذا أرادت الخروج للصلاة في المسجد فإنها لا تلبس ثياب الزينة وإنما تلبس من الثياب ما يسترها وليس فيه زينة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص438 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص152 بزيادة " وهن تفلات " ورواه الدارمي في سننه ج1 ص330 بلفظ " وإذا خرجن فليخرجن " ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص134 بلفظ " وليخرجن إذا خرجن . " كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . يعني غير متزينات ولا متطيبات وكذلك لا تظهر حليها عند خروجها أو وجودها في المسجد .
243 ـ ما حكم صبغ الشعر بحيث تغير المرأة لون شعرها من الأسود إلى الأشقر أو غيره ؟(118/1)
المشروع صبغ الشعر الأبيض ( الشيب ) بلون غير السواد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1663 من حديث جابر بن عبد الله . ولفظه " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " ] . والرجل والمرأة في هذا سواء - أما الشعر الأسود فلا داعي لصبغه بلون آخر . لأن لونه جميل .
244 ـ أنا متزوج منذ عشر سنوات وزوجتي تهتم بالمظهر عندما نذهب لأحد أو يأتي لنا أحد، فهل يحق لي أن أكلمها في هذا الموضوع أم ماذا أفعل ؟
لا يجوز للمرأة إذا أرادت الخروج من البيت لحاجة أن تتزين وتتطيب لأن هذا مدعاة إلى الفتنة فقد جاء النهي عن تزين المرأة وتطيبها عند خروجها من بيتها . وأمرت أن تخرج بثياب عادية لا زينة فيها ولا تتطيب . أما أن تتزين في بيتها فلا بأس بذلك لكن مع التستر واللباس المحتشم الذي لا يبدو من جسمها إلا ما جرت عادة الملتزمات من المسلمات بإظهاره وعلى المرأة المسلمة مسؤولية عظيمة نحو نفسها بأن تجنبها المآثم وتلزمها بطاعة الله .
245 ـ هل يجوز صبغ اللحية وشعر الرأس بالسواد ؟
لا يجوز صبغ اللحية وشعر الرأس بالسواد وإنما يصبغ الشيب بغير السواد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1663 من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه . ولفظه " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " ] . وجاء في الحديث أيضًا (أنّ قومًا يصبغون لحاهم بالسواد في آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) [ رواه أبو داود في سننه ج4 ص84 ورواه النسائي في سننه ج8 ص138 . كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . والمراد بالسواد الخالص أما السواد غير الخالص وهو الذي يخالطه لون الحمرة فلا بأس به .
246 ـ ما حكم الشرع في تزين المرأة ؟(118/2)
تزين المرأة بما أباح الله لها من الثياب والحلي والكحل والأصباغ والخضاب وقص الأظافر ونتف الإبط والعانة لا بأس به بل هو سنة بشرط أن لا تظهر ثيابها وحليها أمام الرجال الذين هم ليسوا من محارمها . أما تزينها بما حرم الله من النمص وهو أخذ شعر الحاجبين وتفليج الأسنان ووشرهن فهذا لا يجوز كله لأن ذلك تغيير لخلق الله تعالى وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعلته (3)
247 ـ أنا فتاة وأعاني من تشوّه في أنفي وقد جلب لي بعض المشكلات الاجتماعية والسخرية من قِبَل البعض . وسمعت أنّ هناك عمليات جراحية تعمل لتحسينه - فما هو الرأي الشرعي في ذلك ؟
لا بأس بإجراء العملية الجراحية لإزالة التشويه من الوجه وغيره لأن هذا من العلاج المباح والغرض منه إزالة الأذى . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي (4)
248 ـ يرى البعض أن تطويل الثياب لما تحت الكعبين لا بأس به في الوقت الحاضر لسببين : الأول : إذا كان القصد ليس الكبر والخيلاء ؟
الثاني : أن الشوارع والمنازل في الوقت الحاضر أصبحت نظيفة وطاهرة . ما رأيكم في ذلك . ؟
لا يجوز للذكر إسبال الثياب تحت الكعبين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتوعده عليه بالنار (5) فهو من الكبائر - وإذا كان الإسبال من أجل الكبر والخيلاء فهو أشدّ إثمًا . وإن خلا من الكبر والخيلاء فهو محرم أيضًا لعموم النهي . وقول القائل إن الشوارع نظيفة فلا مانع من الإسبال هو من الكلام السخيف الذي لا قيمة له وقائله جاهل لا عبرة به وبقوله .
249 ـ ما حكم الوشم على الوجه واليدين . فهذه عادة جارية عندنا وماذا تفعل من عمل بها ذلك في صغرها ؟(118/3)
الوشم محرم وهو كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة (6) ، فالواشمة هي التي تفعل الوشم بنفسها والمستوشمة هي التي تطلب من غيرها أن يعمل ذلك بها . كلاهما ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالوشم إذن محرم في الإسلام وهو كبيرة من كبائر الذنوب وهو من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي تعهد الشيطان أن يأمر به من استجاب له من بني آدم كما في قوله : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] .
فهو أمر لا يجوز عمله ولا إقراره ويجب النهي عنه والتحذير منه وبيان أنه كبيرة من كبائر الذنوب ومن فعل بها هذا إن كان ذلك باختيارها ورغبتها فهي آثمة وعليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تزيل هذا الأثر إن كان في مقدورها إزالته أما إن كان فعل بها هذا بدون علمها وبدون رضاها كأن فعل بها وهي صغيرة لا تدرك فالإثم على من فعله ولكن إذا أمكن أن تزيله فإنه يجب عليها ذلك أما إذا لم يمكن فإنها تكون معذورة في هذه الحالة .
250 ـ لي زوج أخت يقول إنني محرم على أخواتك تحريمًا مؤقتًا فيجوز أن يظهرن عليّ من غير نقاب بهذه الصفة فماذا أقول له وما هو القول الفصل في حكم النقاب ؟(118/4)
هذا القول منه خطأ فأخوات زوجته وإن كنّ يحرمن عليه ما دامت أختهن في عصمته تحريمًا مؤقتًا فإنه أجنبي منهن لا يجوز لهنّ أن يكشفن وجوههنّ عنده أو يعتبرنه محرمًا لهنّ لأنه أجنبي منهن فقوله هذا خطأ ووهم لا يجوز إقراره عليه ويجب عليهن الحجاب منه، وأما بالنسبة للنقاب فتغطية الوجه واجبة على الصحيح من قولي العلماء وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة لقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] . ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] . وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن من نساء المسلمين وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة وهي قوله : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] . فالعلة عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن ولغيرهن من النساء والطهارة مطلوبة للجميع لقوله تعالى في الآية الأخرى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] .(118/5)
لما نزلت هذه الآية الكريمة بادر نساء الصحابة وخرجن إلى صلاة الفجر كأن على رؤوسهن (7) الغربان من سترهن لوجوههن ورؤوسهن وحديث عائشة صريح في هذا أيضًا وهو قولها ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات وكنّا إذا مرّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص173 . ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص979 . حديث عائشة رضي الله عنها ] . ، فهذا دليل على أنّ تغطية الوجه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن المرأة لا يجوز لها أن تكشف وجهها عند الرجال والله أعلم .
251 ـ لي زوج أخت أخرى زوجته منتقبة ولكنه يجعلها ترفع النقاب أمام إخوته الرجال وعندما ناقشته في ذلك قال إن إخوتي في منزلتي ولا يمكن أن تختبئ عنهم مع العلم أننا ذكرناه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( عندما سئل عن الحمو فقال الحمو : الموت ) [ رواه البخاري في صحيحه ج6 ص158، 159 . من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ] . فماذا تفعل زوجته عند أمره لها برفع نقابها . وهل إن لم ترفعه عند إخوته تعتبر عاصية لزوجها وتأثم بذلك ؟(118/6)
يظهر أن هذا الشخص معاند، لأنه يأمر زوجته أن تكشف وجهها لإخوانه رغم أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمو - وهو قريب الزوج - الموت يعني أن خطره شديد وأنه أشد من غيره ومع هذا أصر على أن تكشف زوجته وجهها لإخوانه وقال إنهم بمنزلته وهذا خطأ ومعارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب على المرأة أن تحتجب من إخوة زوجها لأنهم أجانب منها وليس لهم علاقة بها لأنها أجنبية منهم وهم أجانب منها فعليها أن تحتجب وأن تغطي وجهها، ومع الأسف كثير من الرجال يلزمون أو يأمرون زوجاتهم بالمعصية مثل أن تكشف وجهها لأقاربهم وأن لا تحتجب أمامهم فالمرأة ضعيفة وقد تنصاع لأمر زوجها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص66 بلفظ " في معصية الله " بدل " في معصية الخالق " من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما . ورواه البغوي في شرح السنة ج10 ص44 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه . ورواه الخطيب التبريزي مشكاة المصابيح ج2 ص1092 . من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ] .
فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة وهي كشف وجهها عند أقاربه لأن هذا معصية لله ولرسوله وطاعة الزوج إنما تكون بالمعروف فالواجب على الأزواج أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في نسائهم وأن لا يأمروهن بالمعصية بل الواجب أن يأمروهن بطاعة الله وينهوهن عن معصية الله لأن الله قد استرعاهم عليهن فهذا واجبهم أما أن يلزموا زوجاتهم بالمعصية فهذا حرام عليهم، ولا يلزم زوجاتهم حينئذٍ أن يطعنهم بل يحرم عليهم أن يطعنهم في ذلك .(118/7)
ودائع قروض وقف تأمين ديون شهادات
252 ـ أنا أعمل في التجارة ويأتي إليَّ كثير من الإخوة المغتربين ويودعون عندي أموالاً نقدية لهم وحين يطلبونها أعطيهم إياها كاملة ولكنني خلال فترة بقائها عندي أخلطها مع مالي وأشتغل بها لنفسه فهل يجوز لي هذا التصرف إذا كان بدون إذنهم وهل لهم نصيب من الربح مما ربحته أو مما ربحته ودائعهم أم لا ؟
لا يجوز لك هذا التصرف لأنك مؤتمن وهذه ودائع في يدك الواجب عليك أن تحفظها وأن تحافظ عليها أما إذا استعملتها فقد تعديت في الأمانة ولو تلفت صار عليك ضمانها لأصحابها لأنك قد تعديت فيها ولم تحفظها الحفظ اللازم وأما بالنسبة لما حصل من أرباح فأرباح أموالهم لهم ولك أجرة مثلك إلا إن سمحوا لك بها أو بشيء منها . لأن هذه مضاربة غير صحيحة لأنها لم تكن برضى من الطرفين والمضاربة إذا كانت غير صحيحة فإن ربحها يكون لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله .
253 ـ أعطى رجل والدي حلية أمانة فأعطاها أبي أمي فلبِسَتها وذهبت بها إلى أهلها فلما رأتها النساء قلن لها بأن هذه الحلية ليست ثمينة . ولكن عندنا هذه الحلية وهي أجود من حليتك فهل لك أن نتبادل هذه الحلية وفعلاً بادلتهن ورضيت بهذا وعندما رجعت إلى البيت سألها والدي عن الحلية فأنكرت خوفًا منه فسترها والدي خوفًا عليها من كلام النساء لأنه يحبها وأعطى أصحاب الحلية ما يعادلها فما حكم عمل والدي هذا وعمل أمي كذلك مع العلم أنها كانت صغيرة في ذلك الحين ووالدي الآن متوفى منذ خمس عشرة سنة وجزاكم الله عني خير الجزاء . .
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله :(119/1)
أما قضية التصرف في الوديعة والأمانة فهذا لا يجوز لأن المفروض والواجب على المسلم أن يحفظ الوديعة ولا يتصرف فيها إلا إذا كان صاحبها قد أذن له بذلك، أذن له بأن يستعملها في اللباس أو ما شابه ذلك فلا بأس أن يستعملها في حدود ما أذن له به أما أن يستعمل الأمانة أو الوديعة التي عنده بدون إذن صاحبها فهذا من الاعتداء وهذا من الخيانة للأمانة فلا يجوز هذا والأشد من ذلك ما فعلته والدتك من أنها باعتها وتصرفت فيها مع الآخرين بمبادلتها بغيرها فالمبادلة تعتبر بيعًا وقد يدخله الربا أيضًا إذا كان هذا الحلي من الذهب أو الفضة وبيع بمثله مع زيادة، الحاصل أن هذا التصرف كله باطل كله سيئ من أصله ولا يجوز لأنه تصرف بأموال الناس بغير حق وبدون إذنهم فما دام الأمر قد حصل وانتهى وأرضى أصحاب الحلي ورد عليهم بدل حليهم فأنت لا يجب عليك شيء والله سبحانه وتعالى يتولى الآخرين بعفوه، لكن ننبه مرة أخرى بأن المسلم لا يجوز له أن يتصرف في الودائع والأمانات التي عنده إلا بإذن أصحابها فيتصرف فيها في حدود الإذن فقط .
254 ـ وكلت أخي في كل ما أملك ويملك زوجي وذلك قبل أن نسافر للخارج وعندما عدنا طالبناه بما وكلناه به، فرفض وقال ليس لكما عندي شيء، إلا أني سامحته ولكن زوجي لم يسامحه وقد سبق أن والدي استأمنه على مال ففرط فيه . وقد أصابه الآن مرض وأصاب أولاده كذلك ولم يستطع الحركة . فهل هذا المرض سببه عدم مسامحة زوجي له . وأنا أريد مصلحة أخي فماذا عليَّ أن أفعل علمًا أنه كان يراسلني وكان يتصل بي وأنا مستمرة في الاتصال به ؟(119/2)
يقول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ سورة النساء : آية 58 ] . ويقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الأنفال : آية 27 ] . وقال تعالى في مدح المؤمنين : { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ سورة المؤمنون : آية 8 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) [ رواه أبو داود في سننه ج3 ص288 . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص263 . كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . وجاء في وصف المنافق أنه إذا ائتمن خان (1) وإن صحّ ما ذكرتيه أيتها السائلة من خيانة أخيك لأماناته فلا يبعد أنّ ما أصابه عقوبة عاجلة له فالواجب عليه أن يتوب وأن يؤدي الأمانات والحقوق إلى أهلها . وأما أنت فقد أحسنت في مسامحته وتجب عليك صلته ولو قاطعك .
255 ـ ما حكم ما يحدث بين الشباب بحيث يدفع كل شخص مبلغًا معينًا وتعطى مجموع المبالغ أو جزءًا منها لأحدهم ثم يدفعها بالتقسيط للصندوق ؟
هذا ما يسمى بالقرض الجماعي وهو محل نظر، لأنه إقراض بشرط القرض، ولأنه قرض جر نفعًا فلا يجوز لهذين الاعتبارين . ومن العلماء من أفتى بجوازه بناء على أنّ النفع لم يختص بطرف واحد وهو المقرض - والراجح في نظري هو الرأي الأول . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جرّ منفعة فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب ص240 والغمّاز على اللمّاز ص173 . وتمييز الخبيث من الطيب ص124 ] . وقد أجمع العلماء على معناه وهذا منه ولأنه قرض مشروط في قرض وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة (2) - والله أعلم .
256 ـ هل يجوز لي أخذ مال من بيت وضع سبيل من قبل آبائي . مع العلم أنني ميسور الحال ويوجد فقراء من عائلتي . وهل يمكن أن تعطى أجرة هذا السبيل لهم ؟(119/3)
البيت الموقوف ينتفع به بحسب شرط الواقف، ولا تجوز مخالفة شرط الواقف إلا إذا كان مخالفًا للشرع - فعليك أن تعرض وثيقة الموقف على أحد العلماء وتأخذ رأيه في الموضوع .
257 ـ بعد أن توفي والدهم ومن ضمن تركته أرض وكانت جميع الأوراق التي تركها الوالد بيد أخيها الأكبر وبعد أن اطلع عليها وجد أن أباهم قد أوقف تلك الأرض على الذكور من أولاده دون الإناث فهل يجوز مثل هذا علمًا أن البنات حتى لو كان لهنّ نصيب في ذلك لربما تنازلن عن حقوقهن إذا طلب إخوتهن ذلك ؟
الجواب : لا يجوز الوقف على الأولاد الذكور دون الإناث لأن هذا من وقف الجنف المحرم ومثل هذا يجب أن يتحقق منه ويرجع فيه إلى القاضي لينظر فيه .
258 ـ هل يجوز التأمين على النفس والمال والسيارة عمومًا لا سيما وأنني أعيش في الغرب وهذه الأمور عندهم إلزامية وعادية ؟
فأجاب فضيلته :
التأمين لا يجوز لأن فيه غررًا ومخاطرة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، فلا يجوز التأمين على وجه الاختيار وأنّ الإنسان يدخل فيه مختارًا وطمعًا لما فيه من الفوائد أو ما فيه من الاستثمار هذا لا يجوز للمسلم، أما إذا أكره على هذا واضطر إليه بأن لم يسمحوا له بمزاولة مصالحه التي لا يستغنى عنها كالدراسة وشراء السيارة وما شابه ذلك فإنه يفعل ذلك لا طمعًا في الاستثمار وإنما طمعًا في الحصول على مصلحته الخاصة التي لا يستغنى عنها فلا بأس أن يقدم قسط التأمين ولكن لا يستغل ذلك ولا يستثمر ذلك لأنه إنما فعله من أجل الوصول إلى مصلحته لا طمعًا في استثماره هو .
259 ـ ما هو الحكم الشرعي في التأمين وهو مثلاً أن يدفع الشخص مبلغًا من المال كل شهر أو كل سنة إلى شركة التأمين للتأمين على سيارته لو حصل حادث وتضررت منه فإنهم يقومون بتكلفة إصلاحها وقد يحصل وقد لا يحصل للسيارة شيء طول العام وهو مع ذلك ملزمٌ بدفع هذا الرسم السنوي فهل مثل هذا التعامل جائز أم لا ؟(119/4)
لا يجوز التأمين على السيارة ولا غيرها لأن فيه مغامرة ومخاطرة وفيه أكل للمال بالباطل والواجب على الإنسان أن يتوكل على الله تعالى وإذا حصل عليه شيء من قدر الله سبحانه فإنه يصبر ويقوم بالتكاليف التي تترتب عليه والغرامة التي تترتب عليه من ماله لا من مال شركة التأمين والله سبحانه وتعالى هو يعين على هذه الأمور وغيرها فلا يلجأ إلى شركات التأمين وما فيها من مخاطرة وأكل أموال الآخرين بالباطل علاوة على ذلك فإن أصحاب السيارات إذا أمّنوا على سياراتهم وعرفوا أن الشركة ستتولى دفع الغرامة فإن هذا يبعث على التساهل من قبلهم وعلى التهور في القيادة وربما يترتب على ذلك إضرار بالناس وبممتلكاتهم بخلاف ما إذا علم أنه هو سيتحمل وهو المسؤول فإنه يتحرز أكثر وقلنا إن في التأمين أكلاً للمال بالباطل لأن الغرامة التي تتحملها الشركة قد تكون أكثر مما دفع المساهم بأضعاف أضعاف - فيأكل أموال الناس بالباطل وربما لا يحصل على المساهم غرامة فتأكل الشركة ماله بالباطل .
260 ـ إذا مات الوالد وبذمته دين وقال ابنه لصاحب الدَّيْن إن دَيْنك في ذمتي أمام الله وعباده فهل يخرج هذا الدين من ذمّة الوالد المتوفى أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(119/5)
وفاء الدين عن الميت إذا لم يكن له تركة من أعظم الإحسان وفعل الخير وهذا من التعاون بين المسلمين ومن نفع الأموات بإبراء ذمتهم أما ذمّة الميت فإنها لا تبرأ بمجرد التحمل بل لا تبرأ إلا بالتسديد فإذا سدد الدين عن الميت برئت ذمته والدليل على ذلك ( أن جنازة قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليها فسأل هل عليها دين فقالوا : نعم عليها ديناران فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلّوا على صاحبكم فقال أبو قتادة هي عليّ يا رسول الله أو هما عليّ يا رسول الله فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وبعدما دفن ولقي أبو قتادة النبي صلى الله عليه وسلم سأله النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت الدينارات فأبو قتادة كأنه رأى أن المدة قريبة يعني لم يمضِ وقت طويل ثم إنه - رضي الله عنه مضى وسددها ثم جاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سددها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " : الآن بردت عليه جلدته ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص330 . من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص39 ] .
فدلّ هذا على أنّ تحمل الدين عن الميت لا تبرأ به ذمته حتى يسدد عنه ولكن هذا عمل طيب ويثاب عليه المسلم وإذا تحمله فإنه يجب عليه المبادرة بتسديده لإراحة الميت من ارتهانه بدينه .
261 ـ رجل في الثمانين من عمره ولا يصلي ولا يصوم فتقدم للإدلاء بشهادته في المحكمة في قضية من القضايا وأقسم على القرآن فهل، مثل هذا تُقبل شهادته وهل هناك أشخاص لا تقبل شهادتهم ومن هم ؟(119/6)
الله سبحانه وتعالى قال : { وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } فيشترط في الشاهد أن يكون عدلاً بمعنى أنه محافظ على دينه ومستقيم في أخلاقه وسلوكه فإذا لم يكن كذلك بأن لم يكن محافظًا على دينه ولا في أخلاقه وسلوكه فإنها لا تقبل شهادته لأنه حينئذٍ يكون فاسقًا وكذا إذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب كشرب الخمر والسرقة وما أشبه ذلك . أما تارك الصلاة فإنه كافر فما ورد في السؤال عن هذا الشخص الذي بلغ الثمانين من عمره وهو لا يصلي فإن هذا يعتبر كافرًا والكافر لا تقبل شهادته من باب أولى إذا كان المؤمن الفاسق لا تقبل شهادته فكيف بالكافر قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [ سورة الحجرات : آية 6 ] . وقال تعالى : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ سورة النور : آية 4 ] . وهذا الرجل رجل سوء لا تقبل له شهادة ولا يمين ولا يجوز الحكم بشهادته ولا بيمينه .(119/7)
البر والصلة
262 ـ رجل طلق زوجته وهي حامل منه وبعد أن وضعت رزقها الله بابن فحضنته وقامت على تربيته ورعايته حتى كبر وتزوج دون أن يقدم له والده أي مساعدة أو نفقة فهل يجب عليه الإحسان على والده وبرِّه وإن لم يقم على رعايته ولم يذق منه طعم حنان الأبوّة وشفقتها أم لا ؟
نعم يجب على الولد حق لوالده ولو كان الوالد قصر في تربيته والنفقة عليه لأن لكل من الوالد والولد حقًّا على الآخر فإذا قصر الوالد في حق الولد فإن عليه ما يتحمل ويأثم بذلك ولكنه لا يسقط حقه على الولد فعليه أن يبرَّ به وأن يحسن إليه ومطلوب من المسلم أن يحسن إلى من أساء إليه ولو كان غير والده { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة فصلت : آية 34 ] . فمن عفا وأصلح فأجره على الله مطلوب على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان مع الناس فكيف مع والده يكون الأمر آكد في هذا .
263 ـ لقد توفي والدي وهو غير راضٍ عني وأصبح هذا الشعور يؤرقني ليل نهار فما الذي يمكنني أن أعمله الآن لكي أريح ضميري الذي يعذبني كثيرًا ؟
يجب على الولد أن يبرَّ بوالده وأن لا يغضبه ولا يعقه لأن حقّ الوالد عظيم لكن إذا حصل من الإنسان مع والده شيء من الإشاعة فعليه أن يتحمل وأن يستسمح ويطلب منه العفو إذا كان حيًّا أما إذا مات الوالد وهو قد غضب على ولده فلم يبق حينئذٍ إلا أن يتوب هذا الولد إلى الله سبحانه ويستغفره مما حصل وأن يعمل للوالد شيئًا من البر بعد وفاته أي يجب أن يتصدق عنه وأن يدعو له ويستغفر له ويكثر من هذا لعلّ الله يخفف عنه حق والده .(120/1)
264 ـ توفي زوج عن زوجه وأم وابن، وترك ميراثه الشرعي وقسمت وأخذ كل ذي حق حقه . ثم بعد ذلك تنازلت أم المتوفى عن حقها الشرعي لابن الابن الذي هو الابن في المسألة وكانت في كامل قواها العقلية وبدون إكراه وللمتوفى أربعة إخوة أشقاء البعض يوافق الأم في ذلك التنازل والبعض الآخر لا يوافقها . فما رأي الشرع في ذلك ؟
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إعطاء بعض الأولاد وترك بعضهم فقال صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الذي أعطى بعض أولاده عطية وجاء يشهده عليها قال عليه الصلاة والسلام . أكل ولدك أعطيته مثل هذا قال لا . قال : (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص134 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وفي رواية قال : (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال بلى قال فلا إذًا) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1244 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وفي رواية : قال (أشهِدْ على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) [ رواها الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص151 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنها بنحوه . بدون ذكر " أشهد على هذا غيري " . وإنما رواها الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1244 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . ، فدل هذا الحديث برواياته على أنه لا يجوز تخصيص بعض الأولاد في العطية دون البعض الآخر وإن من أراد أن يعطي بعض أولاده وجب عليه أن يعطي الآخر مثله مثل هذه العطية لابن الابن لا تجوز لأنه من الأولاد .
265 ـ لي أخت في صنعاء تزوجت وطلقت في عدن وعندها عقدة نفسية من مدينة عدن وهي الآن ملتزمة في الدين بشدة وتعيش في صنعاء على ما يعطيها الناس، رغم أن لديها بكالوريوس في الإنجليزي وقعدت في البيت لوحدها تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، فهل يجوز لها أن تجلس في صنعاء لوحدها ؟(120/2)
ما ذكرته السائلة من تمسك أختها بالدين وجلوسها في بيتها ومحافظتها على الصلاة وتلاوة القرآن فكل هذه أعمال طيبة وتجب عليها المحافظة على الصلاة لكن التشدد في الدين منهي عنه والواجب الاعتدال والاستقامة . وما أصيبت به من العقدة النفسية مرض نسأل الله أن يشفيها منه . والواجب عليها أن تتزوج إذا تيسر لها الزواج لما فيه من المصالح العظيمة التي منها استغناؤها عن الناس - والله أعلم .
266 ـ أنا شاب هداني الله للإيمان والحمد لله متزوج حديثًا وأتقاضى راتبًا شهريًا وقد استأجرت بيتًا وسكنت فيه مع زوجتي وذلك لصغر بيت أهلي وأعطي أهلي جزءًا من راتبي وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميًا فهو مدمن عليها . لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر علمًا أنه يتقاضى راتبًا يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر والسجائر ولعب القمار أحيانًا . خصوصًا وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ أفيدونا أفادكم الله ؟(120/3)
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي ولا سيما الكبائر كشرب الخمر ولعب القمار وغير ذلك مما حرّم الله سبحانه وتعالى فيجب على هذا الوالد وعلى كل عاص أن يتوب إلى الله ويبادر بالتوبة وأن لا يتجارى مع الهوى والشيطان فيهلك نفسه فيقع في غضب الله وسخطه والواجب عليكم أن تناصحوه وأن تكرروا له النصيحة وتغلظوا عليه وإذا كان هناك سلطة إسلامية فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده وإعانته على نفسه وأما بالنسبة لما تعمله أنت وأنك هداك الله للإسلام فهذه نعمة عظيمة ونسأل الله لنا ولك الثبات ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك وعلى أهلك وعلى والدك فهذا شيء تشكر عليه ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر ويستعين بما تعطيه على ذلك فإذا تحققت أنّ والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله فلا تعطه لأن الله جل وعلا يقول : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ سورة المائدة : آية 2 ] .
فإذا تحققت من أنّ والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله فإنك تمنع عنه العطاء لعله يتوب إلى الله ويرتدع عمّا هو عليه وعلى كل حال الوالد له حق لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر ولعب القمار وغير ذلك فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية .(120/4)
الجامع للأحكام
267 ـ ما معنى هذا الحديث ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يعقل ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص100، 101 ورواه النسائي في سننه ج6 ص156 كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها . وقد رواه غيرهما بألفاظ مختلفة وروايات متعددة قد جمعها وعزاها الزيلعي في نصب الرابية ج4 ص161-163 ] . أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهل هؤلاء الثلاثة لا يؤاخذون دنيا وآخرة مهما عملوا من أعمال حتى لو كان فيها تعد على حقوق الغير وإتلاف لممتلكاتهم ؟
معنى الحديث رفع الإثم عن هؤلاء الثلاثة فلا يؤاخذون ما داموا في هذه الحالة لأنهم غير مكلفين لكن النائم يقضي الصلاة إذا استيقظ كما جاء في الحديث الآخر وكذلك لو ارتكبوا شيئًا فيه اعتداء على الآخرين كإتلاف المال وإتلاف شيء من الأنفس فإنهم يغرمون المال الذي أتلفوه وكذلك لو قتلوا نفسًا في هذه الحالة فإنه يعتبر هذا من قتل الخطأ فتجب عليهم الكفارة والدية على العاقلة لأن حقول الآدميين لا تسقط بذلك لأن مبناها على المشاحة وأما حقوق الله سبحانه وتعالى فمبناها على المسامحة .
268 ـ هل يجوز للمرأة أن تذبح الأضحية عن الرجل إذا لم يكن موجودًا مثلاً ؟
لا بأس بذكاة المرأة سواء الأضحية أو غير الأضحية لكن إذا كانت تذكير الأضحية نيابة عن الغير فلا بد من إذنه وتوكيله لها لأنه لا تجوز النيابة عن الغير في العبادة إلا بإذنه سواء كان النائب رجلاً أو امرأة لأن الأضحية عبادة والعبادة لا بد لها من نية .
269 ـ أنا أعمل في ذبح البهائم فهل يجوز كسر الرقبة بعد الذبح مباشرة وقبل أن تموت البهيمة أم لا . وبعض أصحاب الذبائح يطلب مني أن أسلخ الجلد قبل أن تموت وهي لا زالت حية لاستعجاله فهل يجوز لي ذلك .(121/1)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته فليرح ذبيحته ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1548 . من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه ] . فيجب الإحسان في تذكية البهيمة بالرفق بها وعدم إيلامها من غير حاجة ومن ذلك أنه لا ينبغي له أن يكسر عنقها قبل أن تموت لأن في هذا مزيد إيلام للبهيمة وكذلك سلخ جلدها قبل أن تموت كل هذا لا ينبغي لأن هذا فيه إساءة إلى البهيمة ومزيد إيلام لها وحتى ولو أمرك صاحبها بهذا فإنك لا تطيعه وذلك بأن تذبحها الذبح الشرعي وتتركها حتى تموت فإذا ماتت شرعت في قطع رقبتها وفصل رأسها إن شئت وسلخ جلدها وغير ذلك هذا من الإحسان في ذبح البهائم .
270 ـ الطيور التي يتم صيدها بواسطة البنادق هل أكلها يعتبر حرامًا لأنها تعتبر ميتة ؟
الطيور التي يتم صيدها بالبنادق - إذا كان الرامي سمّى الله عند إطلاق الرصاص عليها ولم يدركها وفيها حياة فهي حلال، وإن أدركها وفيها حياة مستقرة فإنها لا تحل إلا بذكاة شرعية .
271 ـ ما هي الأرض المغصوبة، وما حكم الصلاة فيها ؟
الأرض المغصوبة هي التي يستولى عليها بغير حق . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتطع شبرًا من الأرض بغير حق طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص432 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فهذه هي الأرض المغصوبة التي يستولي عليها الظالم بغير حق ويمنع منها صاحبها . والصلاة فيها لا تصح لأن الصلاة فيها انتفاع بها وإشغال لها للعبادة وهي مغصوبة فلا تصح الصلاة فيها وهي من جملة البقاع التي ذكر الفقهاء أنه لا تصح الصلاة فيها .
272 ـ ما المقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة فنحن كثيرًا ما نسمع هذا . وهل هو ثابت في كل عصر أم يختلف باختلاف الزمان والمكان ؟(121/2)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الثابت من الدين بالضرورة هو ما ثبت بدليل قطعي إما عن طريق التواتر أو عن طريق الإجماع القطعي من الأمة والذي يعد من جحده كافرًا وذلك مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وأركان الإسلام وكذلك تحريم الخمر والربا والزنا أو كذلك المباح الذي علمت إباحته بالضرورة من دين الإسلام مثل لحم بهيمة الأنعام المذكاة والخبر وما أشبه ذلك وما ثبت حكمه بالضرورة من دين الإسلام حلاً أو حرمة فإن هذا يعد من أنكره كافرًا بالله عز وجل ومرتدًا عن دين الإسلام وهو مستمر في كل زمان إلى أن تقوم الساعة لأن أحكام الدين باقية وثابتة ومستمرة منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة لا تتغير ولا تتبدل .
273 ـ ما الفرق بين الحرام وعدم الجواز والمكروه . وهل الإصرار على المكروه يصل إلى الحرام ؟
الحرام ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه ولا يجوز فعله . والمكروه : ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله - فالأولى عدم فعله - والإصرار على فعل المكروه لا يصل إلى التحريم لكن قد يكون وسيلة إلى فعل الحرام فالأولى تجنبه . وإذا تحقق أنه وسيلة إلى الحرام فهو حرام .
274 ـ ما حكم محادثة الفتيات بالهاتف ؟ يقصد بذلك المغازلة ؟
فأجاب فضيلته :(121/3)
هذا حرام فمغازلة الفتيات بالهاتف أو بدون هاتف لا تجوز فلا يجوز للمسلم أن يتكلم مع المرأة كلامًا فيه ريبة وفيه إثارة للغرائز وفيه شبهة لأن هذا يجر إلى شر وإلى فساد وقال الله تعالى لنساء نبيّه صلى الله عليه وسلم : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] . دلّ على أن مكالمة المرأة للرجل كلامًا فيه ما يثير الشهوة ويحرك الغريزة فهو كلام منهي عنه لأنه يطمع أصحاب أمراض القلوب بالشهوات والفساد، والشرع جاء بسد الذرائع التي تفضي إلى الحرام ومغازلة الفتيات بالهاتف أو بغيره من الذرائع التي تقضي إلى الفساد، فحرام عليك أيتها الفتاة المسلمة أن تتخاطبي أو تتكلمي بكلام من هذا النوع الذي هو عبارة عن العشق والغرام وتبادل الكلمات المثيرة فهذا كله من الحرام وحرام عليك أيها الشاب أن تفعل ذلك .
275 ـ وضعت جهازًا لاستقبال المحطات التلفزيونية الخارجية الأخرى وحيث أنني لا أشاهد فيه إلا الأخبار فقط مع العلم أنني أتحكم فيه لوحدي ولا أسمح لأحد آخر أن يشاهد البرامج الأخرى - فما هو الحكم في ذلك الأمر ؟
لا يجوز استعمال الجهاز الذي يستقبل المحطات التلفزيونية الخارجية لما يجلبه من الشر والفساد في العقيدة والأخلاق والأضرار على الأسرة والمجتمع . ولو تحفظ عليه الإنسان في أول الأمر فإن هذا التحفظ لن يستمر . وقد جاء الشرع المطهر بسد الوسائل المفضية إلى الشر . وأيضًا الإنسان بشر لا تؤمن عليه الفتنة . والحصول على الأخبار يمكنك من وسائل الإعلام الأخرى من صحافة وإذاعة ومن التلفاز السعودي . مع أن الأخبار فيها ما فيها من الكذب الكثير وتشويش الفكر والإرجاف .
276 ـ هل يجوز لأخي أن يتبرع بدمه لزوجتي أم لا ؟
لا مانع من ذلك إذا دعت الضرورة إلى إسعاف زوجتك بدم يجوز أن تسعف بدم أخيك وبدم غيره لا مانع من ذلك إن شاء الله .(121/4)
277 ـ أنا طالب مؤمن ابتليت بالعادة السرية فأخذت تتقاذفني الأهواء وأفرطت في ذلك حتى انقطعت عن الصلاة فترات طويلة وأنا الآن أحاول جهدي وأجاهد نفسي لكنني غالبًا ما أُهزم حتى أنني أحيانًا أُوتر في الليل وعندما أنام أفعلها فهل صلاتي مع ذلك مقبولة وهل عليّ قضاء الصلاة وما حكم العادة السرية علمًا أنني أفعلها غالبًا عند مشاهدتي للتلفاز أو الفيديو ؟
فأجاب فضيلته :
استعمال العادة السرية حرام لأنه استمتاع في غير ما أحل الله سبحانه وتعالى والله لم يبح الاستمتاع وإخراج اللذة الجنسية إلا في الزوجة أو ملك اليمين قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ سورة المؤمنون : الآيتين 5، 6 ] . فأي استمتاع بغير الزوجة وملك اليمين فإنه يعتبر من العدوان المحرم والنبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد الشباب إلى العلاج الذي يزيل عنهم غليان الشهوة وخطر الشهوة بقوله عليه الصلاة والسلام : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج6 ص117 من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] . ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كسر الشهوة والابتعاد عن أخطارها بأحد أمرين إما بالصيام لغير المستطيع أو بالزواج للمستطيع فدل أنه ليس هناك شيء ثالث يسمح للشاب بمزاولته فالعادة السرية محرمة ولا تجوز بحالٍ من الأحوال عند جماهير أهل العلم فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى ولا تعود إلى مثل هذا العمل وأن تبتعد عن الذي يثير عليك الشهوة كما ذكرت من أنك تشاهد التلفاز وتشاهد الفيديو وترى مناظر محركة للشهوة فالواجب عليك أن تبتعد عن هذه المناظر وأن لا تفتح الفيديو أو التلفاز على هذه المناظر التي تحرك الشهوة لأن هذا من أسباب الشر والمسلم يغلق أبواب الشر عن نفسه(121/5)
ويفتح عليها أبواب الخير، وكل شيء يأتيك منه شر وفتنة تبتعد عنه، ومن أعظم وسائل الفتنة والشر هذه الأفلام وهذه المسلسلات التي تظهر فيها النساء الفاتنة وتظهر فيها الأمور المحركة للشهوة، فعليك أن تبتعد عنها وأن تقطع سبيلها إليك، وأما إعادة الوتر وإعادة النوافل فهذا لا يلزمك وهذا لا يبطل الوتر أيضًا إذا كنت أوترت وصليت نافلة أو تهجدًا ثم حصل منك ممارسة العادة السرية، فالعادة في حد ذاتها محرمة تأثم عليها أما العبادة التي أديتها فإنها لا تبطل بذلك، لأن العبادات إذا وقعت على الوجه الشرعي فإنها لا تبطل إلا بالشرك أو الردّة والعياذ بالله، أما الأعمال التي دون الشرك ودون الردّة فإنها لا تبطل الأعمال ولكنها تؤثم الإنسان .(121/6)
المجلد الخامس(/)
1- كتاب الطهارة
1- ما هو المقدار الذي إذا خالط الماء الطهور وهو نجس ينجس به الماء الطهور ؟
المقدار المتفق عليه بين أهل العلم هو أن ما غيَّر صفة الماء، أي ما غير لونه أو طعمه أو ريحه من نجاسة فهو نجس هذا بإجماع أهل العلم، وإن كان أقل من قلتين وخالطته نجاسة ولم يتغير فهذا موضع خلاف، فالأحوط اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/12 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/ 16 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/71، 72 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/175 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/202 ) ، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1/49 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/134 ) ، كلهم من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهم . بنحوه إلا الحاكم . ورواه غيرهم . ] فالاحتياط تركه إذا كان ينقص عن القلتين ولم يتغير بالنجاسة خروجًا من الخلاف .
2- هل يجوز للإنسان أن يتبول وهو واقف وما حكم هذا ؟
يكره التبول من الإنسان وهو واقف إلا إذا كان محتاجًا لذلك بأن يكون به مرض ولا يستطيع القعود فلا بأس أن يتبول وهو واقف، أو كان المكان متوسخًا ونجسًا فإذا جلس تلوث به، أو لكونه فيه وطين فيتلوث الإنسان إذا جلس فلا مانع أن يتبول وهو واقف للعذر .
أما من غير عذر فإنه يكره له أن يتبول وهو واقف، لأن ذلك قد يكون سببًا في إصابته بالنجاسة وتطاير البول إليه، والله تعالى أعلم .
3- يوجد لدينا في العمل وعلى حائط داخل دورة المياه ما يسمى ( الحمام المعلق ) يأتي إليه بعض الإخوان الذين يلبسون البنطلونات ويبول الواحد منهم وهو واقف، فكيف يضمن أن البول لا يصيب بنطلونه ؟ وفي يوم من الأيام نصحت شخصًا ما، فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، أرجو النصح والإرشاد ؟(122/1)
يجوز للشخص البول وهو واقف إذا تحرز من رشاش البول على بدنه وثيابه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بال وهو واقف في بعض المرات (1) لا سيما إذا كان يحتاج إلى ذلك لضيق ملابسه أو لآفة في جسمه، إلا أنه يكره من غير حاجة .
4- ما حكم النية في الوضوء والصلاة ؟
النية لابد منها في الوضوء والاغتسال وفي كل عبادة، ولا تصح أي عبادة من العبادات إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . ] ، والنية في الصلاة تكون قبل تكبيرة الإحرام وقبل دخوله فيها، ينوي في قلبه الصلاة التي يصليها من فرض أو نافلة، ولا يتلفظ بلسانه فلا يقول : اللهم إني نويت أن أصلي كذا وكذا فرضًا أو نافلة وعدد الركعات .
هذا كله من البدع، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم كانوا يتلفظون بالنية، وإنما هذا حدث بعدهم فهو من البدع، كما أنه لم يثبت عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه يرى التلفظ بالنية في الصلاة وإن كان هذا قد نسب إليه (2)، وحتى لو ثبت عنه فإن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، وأما اجتهاد العالم دون دليل من السنة فلا يجوز الأخذ به .
5- ما صحة القول : إن الذنوب تتساقط عند الوضوء ؟
نعم وردت في فضل الوضوء أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها، ومنها الحديث الذي أشار إليه السائل، وهو ما رواه مالك ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليه بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب (3).(122/2)
وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره . . ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/216 ) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه . ] الحديث .
6- هل غسل أو مسح الرقبة من فروض أو من سنن الوضوء أم لا ؟
ليس مسح الرقبة من سنن الوضوء ولا من فروضه لأن الله عين الأعضاء المغسولة والممسوحة .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] .
فالذي يمسح الرأس فقط دون العنق، ولم يثبت في مسح العنق عن الرسول سنة، فمسحه من البدع .
7- ما الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث ؟
الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث أنه يبقى طاهرًا، والمحافظة على الطهر والبقاء عليه من الأعمال الصالحة، ولأنه ربما يذكر الله سبحانه وتعالى في أحواله كلها فيكون ذكره لله تعالى على طهر، ولأنه لو حصل له صلاة في مكان ليس فيه ماء يسهل الوضوء منه فيكون مستعدًّا لهذه الصلاة .
المهم أن بقاء الإنسان على طهارة دائمًا فيه فوائد كثيرة .
8- ما حكم اللّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم ؟ هل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة ؟ وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه ؟(122/3)
اللعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس، والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن لا ينجس ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/74، 75 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( وللحديث قصة ) . ] فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف كل هذه طاهرة، لأن هذا هو الأصل، والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس .
وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك، وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش .
9- قطعت قدمي في الجهاد – والحمد لله – ووضعت بدلها طرفًا صناعيًّا فهل يجب عليَّ غسله والمسح عليه إذا كان عليه جورب ؟
إذا كانت الرِّجل قد قطعت من الساق وذهب الكعب والقدم ولبست مكانها قدمًا صناعيًّا فليس عليك غسله وقد سقط عنك غسل هذه الرِّجل المقطوعة ولا تمسح على القدم الصناعي، أما إذا كان قد بقي من الرِّجل شيء من الكعب فما تحته فإنه يجب عليك غسل هذا الباقي، وإذا لبست عليه ساترًا من خف أو جورب فإنك تمسح عليه على ما يحاذيه من الملبوس .(122/4)
10- سائل يقول إنه شاب يبلغ السابعة عشر من عمره ومنذ كان عمره اثني عشر أصيب بشلل نصفي ولازال به إلى الآن، وكما يصف نفسه حريص على دينه : يصوم شهر رمضان ويصوم أيام التطوع غالبًا، ولكنه منذ أصيب بهذا المرض ترك الصلاة رغم حرصه عليها سابقًا، والسبب هو إحساسه بما قد ينزل منه مما ينقض الوضوء إلى درجة أنه ركب له جهاز لتصريف بعض ما قد يخرج منه دون أن يتعرض جسمه لشيء منه، ولا يستطيع الاستغناء عن هذا الجهاز ولو لبضع دقائق مما يجعل عملية الوضوء بالنسبة له أمرًا شبه مستحيل، ولو صلى وهو بتلك الحالة لم يخل من الوساوس والشكوك في عدم قبول صلاته وعدم صحتها وهذا ما جعله يترك الصلاة رغم حرصه عليها وأسفه على تركها حتى إنه أحيانًا يشعر بضيق شديد وتعاسة شديدة تجعله يكره كل شيء، فبماذا تنصحونه نحو هذه الشكوك والوساوس ونحو ما يجب عليه بالنسبة للطهارة للصلاة ؟
إن الله سبحانه وتعالى أوجب الصلاة على المسلم المكلف مادام عقله ثابتًا ومادام إدراكه صحيحًا، ولكنه يصلي على حسب حاله واستطاعته لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، ولقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فالمريض يصلي على حسب حاله كما قال صلى الله عليه وسلم : ( يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا، فإن لم يستطع أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 2/307، 308 ) من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وانظر " صحيح الإمام البخاري " ( 2/41 ) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] .(122/5)
والمسافر رخص الله له في أن يقصر الصلاة وأن يجمع بين الصلاتين إذا احتاج إلى الجمع، فدل هنا على أن الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال، وإذا كان يستطيع المسلم الطهارة بالماء فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء والوضوء والغسل، وإن كان لا يستطيع ذلك أو لا يجد الماء فإنه يتيمم بصعيد طيب، لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] .(122/6)
وهذا السائل الذي أصيب بشلل نصفي وصار في حالة لا يستطيع الإمساك بالبول والغائط ويخرجان منه بواسطة مصرف ركب له، كل هذا لا حرج فيه ولا يمنعه من أن يصلي الصلاة في وقتها على حسب استطاعته، وإذا كان لا يستطيع أن يتوضأ فإنه يتيمم بالتراب ويصلي، وإذا كان الخارج يخرج باستمرار ويخرج من غير شعوره، فإن هذا لا يؤثر على صحة صلاته يصلي ولو خرج منه الخارج في الصلاة، لأن صلاته صحيحه لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، هذا يصلي على حسب حاله يتوضأ إن استطاع الوضوء ولو بالإعانة عند دخول الوقت، وإذا كان لا يستطيع الوضوء فإنه يتيمم عند حضور الصلاة ويصلي في الحال على حسب حاله، ولا يؤثر عليه خروج الخارج وهذه الوساوس التي تعرض له من الشيطان فلا يلتفت إليها .
أما تركه للصلاة فيما مضى فإنه خطأ كبير كان الواجب عليه أن يسأل، فالواجب عليه أن يحافظ على الصلاة في المستقبل ويصلي على حسب حاله ويتطهر على حسب حاله كما ذكرنا .
11- زرت أقرباء لي فعندما حان وقت الصلاة توضأت فصليت وبعدها أتت امرأة من أقربائي فسلمت عليها وصافحتها وعندما حان وقت الصلاة الثانية صليت بدون تجديد الوضوء حياء منهم لكي لا أثير شكوكهم نحوي فهل تجوز الصلاة بذلك الوضوء السابق ؟ أفتونا جزاكم الله خير الجزاء .
أولاً : مصافحة المرأة التي ليست من محارمك حرام فلا يجوز للمسلم أن يصافح امرأة من غير محارمه، وهذا الذي فعلت خطأ منك إذا كانت هذه المرأة أجنبية منك فهو خطأ، وعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى من معاودته .(122/7)
أما مسألة الوضوء وانتقاض الوضوء بمس المرأة فهي مسألة خلافية والصحيح أن مس المرأة إذا كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء لقوله تعالى : { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } [ سورة النساء : آية 43 . ] إذا فسرت الملامسة باللمس، ولأن اللمس مظنة خروج ما ينقض الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينقض الوضوء ولكن يأثم الإنسان إذا مس امرأة لا تحل له كما ذكرنا . والله تعالى أعلم .
12- لمس المرأة للرجل بدون أي قصد كمرورها من مكان مزدحم أو نحوه أو تناولها لشيء من بائع كسلة وهي تناوله ثمنًا ونحو ذلك هل مثل هذا اللمس ينقض وضوءها إذا كانت قبله على وضوء أو مثل ذلك لا يؤثر ؟
أولاً ننصح المرأة لا تزاحم الرجال وأن تبتعد عن الاختلاط ومماسة الرجال وتتجنب مواطن الزحمة التي يخشى معها من الفتنة، فإن المرأة فتنة تفتن بنفسها وتفتن غيرها فيجب عليها أن تبتعد عن مواطن الفتنة .
أما بالنسبة لها لو لمست رجلاً بغير قصد كما ذكرت فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا ينتقض وضوءها وإنما ينتقض وضوءها إذا لمسته بشهوة أو لمسها هو بشهوة كما ذكرنا .
13- ما حكم لمس عورة الطفل وأنا على وضوء حيث أغسل له مكان بوله وأغير له ملابسه مما يجعلني ألمس عورته . فهل ينقض هذا الوضوء أم لا ؟
نعم مس فرج الطفل القبل أو الدبر من غير حائل ينقض الوضوء مثل مس فرج الكبير لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مس ذكره فليتوضأ ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/45 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/88، 89 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/100 ) ، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/42 ) ، كلهم من حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها . ] .(122/8)
14- بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح ؟ أرشدني جزاكم الله خير الجزاء .
لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة، لأن في ذلك خطرًا عليك فأبقها على وضعها، وإذا توضأت تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح ولو لم تكن عند وضعها على طهارة ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح .
فالحاصل أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة بل يتعين أن تبقيها للمصلحة وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد .
15- إذا توضأ رجل ثم ذهب للصلاة وشك في وضوئه أثناء الصلاة أو بعدها فما العمل ؟
إذا توضأ الإنسان بيقين وأكمل الطهارة ثم حصل له شك بعد ذلك هل انتقض وضوءه أم لا فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، لأنه متوضئ بيقين، واليقين لا يزول بالشك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه الإمام البخاري ( 1/43 ) من حديث عبَّاد بن تميم عن عمه رضي الله عنهم . ] ، فاليقين لا يزول بالشك في الطهارة وفي غيرها .(122/9)
16- أقيمت الصلاة وأنا في الصف الأول خلف الإمام وصليت ركعة واحدة لكنني تذكرت أن وضوئي قد انتقض، فلم أدرِ ماذا أفعل وأنا في الصف الأول، فأكملت معهم الصلاة فماذا يجب عليَّ حينما ذكرت أن الوضوء قد انتقض، وهل صلاتي صحيحة في تركي تخطي رقاب الناس أو أنها غير صحيحة ؟
صلاتك غير صحيحة على كل حال، لأنك على غير وضوء فلا تصح منك الصلاة لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] الآية .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، وما فعلته من الاستمرار في الصلاة بعد علمك أنك لست على طهارة خطأ كبير، فالواجب عليك أن تنصرف وأن تخرج من المسجد وتتوضأ، وترجع لإدراك ما بقي من الصلاة مع الجماعة .
17- ما حكم الصلاة في ثوب فيه دم أو في حالة خروج الدم من بدن الإنسان أثناء الصلاة ؟
إذا صلى الإنسان في ثوب فيه دم يسير من حيوان طاهر في الحياة فلا بأس في ذلك . أما إذا كان الدم كثيرًا ورآه في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل، لأن هذا الدم نجس فيخرج ويغسل ثوبه ويصلي .
أما إذا لم يعلم به إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة سواء كان الدم من بدنه هو أو من حيوان .
18- ما حكم من يقرأ القرآن وهو على غير وضوء، سواء كانت قراءة عن ظهر غيب أو من المصحف ؟
يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن على غير وضوء إذا كانت القراءة حفظًا عن ظهر قلب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحبسه عن القراءة إلا الجنابة (4) ، كان يقرأ متوضئًا وغير متوضئ .(122/10)
أما المصحف؛ فلا يجوز لمن عليه حدث أن يمسه، لا الحدث الأصغر ولا الحدث الأكبر؛ قال الله تعالى : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } [ سورة الواقعة : آية 79 . ] ؛ أي : المطهرون من الأحداث والأنجاس ومن الشرك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى عامله عمرو بن حزم؛ قال : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في " مستدركه " ( ج1 ص397 ) ، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( ج1 ص199 ) من حديث عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده . ] وهذا باتفاق الأئمة الأربعة أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أصغر أو أكبر أن يمس المصحف؛ إلا من وراء حائل، كأن يكون المصحف في صندوق أو كيس، أو يمسه من وراء ثوب أو من وراء كمه .
19- شخص لبس الجوارب ( الشراب ) في الصباح وعلى وضوء وهو ذاهب إلى الدوام، فهل يخلع الشراب في صلاة الظهر ويتوضأ أم يمسح على الشراب أو على الجزمة التي هي أسفل من الكعب بقليل ؟
إذا لبس الشراب على طهارة كاملة من الحدث وكان الشراب ساترًا لما وراءه ضافيًا على الرِّجل -الكعبين وما تحتهما- فإنه يجوز له المسح عليها يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لأن هذه الشراب الساترة الضافية تقوم مقام الخفاف في جواز المسح عليها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين وهذا مذهب الإمام أحمد – رحمه الله- .
20- ما هي الصفة الشرعية للتيمم وما شروطه ؟
الصفة الشرعية للتيمم : أن يضرب بيديه على الأرض مفرجتي الأصابع ضربة واحدة (5) يمسح بباطن أصابعه وجهه، ويمسح كفيه براحتيه . وإن ضرب ضربتين (6) ضربة لوجهه وضربة ليديه فلا بأس بذلك كلتا الصفتين واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان التيمم بضربة واحدة يقسمها بين وجهه ويديه على الصفة التي ذكرنا فهو الأرجح والأحسن .(122/11)
أما شروط التيمم فإنه يشترط لصحة التيمم عدم الماء أو العجز عن استعماله لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } إلى قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] فشرط صحة التيمم هو عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه أو أن يخاف باستعماله عطشًا أو ضررًا لكون الماء الذي معه لا يكفيه لشرابه وطبخه ووضوئه، وطهارته، كذلك يشترط أن يكون التيمم على صعيد طهور لقوله تعالى : { صَعِيدًا طَيِّبًا } [ سورة المائدة : آية 6 . ] يعني : طهورًا هذا ويشترط أن يعمم بالمسح وجهه وكفيه .
21- هل يجوز جمع تراب من الشارع لكي يتيمم به المريض وهل يجوز أن يتيمم عدة مرات أو يلزمه تغييره دائمًا ؟
يقول الله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] ، فالمطلوب هو التيمم بصعيد طيب وهو الغبار الطاهر الذي يعلق باليد سواء كان على تراب أو على حصير، فإذا وجد هذا الغبار الطاهر فإنه يكفي في التيمم، والتراب يجوز أن يتيمم به عدة مرات ولا يكون مستعملاً بالتيمم عليه ولو عدة مرات .
22- إذا صلى الرجل صلاة الفجر متيممًا لعدم وجود الماء وحصل على الماء بعد طلوع الشمس فهل عليه إعادة الصلاة ؟(122/12)
إذا تيمم في الوقت وصلى لأنه لم يكن عنده ماء فصلاته صحيحة، وإذا وجد الماء بعد ذلك ولو قبل خروج الوقت فإنه لا يعيد الصلاة، لأن صلاته التي صلاها تمت بطهارة شرعية قد أمر الله تعالى بها فلا يعيدها قال الله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم } [ سورة النساء : آية 43 . ] أما لو حضر الماء قبل انقضاء الصلاة فإنها تبطل ويلزمه التطهر بالماء والصلاة بوضوء .
23- ذهبت في وقت ما إلى منطقة بعيدة لا يوجد فيها ماء وحان وقت الصلاة ولم أصلِّ، لأني لا أعرف كيفية التيمم، فأجلت الصلاة إلى أن رجعت إلى البيت فصليتها بعد أن توضأت فهل عليَّ من ذلك إثم ؟(122/13)
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول : ( جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/86 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . ] ، وفي رواية ( وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان . . ) [ رواها الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/370، 371 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . ] ، فكان عليك إذا أدركتك الصلاة ولم تجد ماء أن تتيمم بالصعيد الطيب، قال تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] وأنت إذا لم تجد ماء حولك فعليك أن تتيمم . ( والصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 5/146، 147 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/89، 90 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/142 ) ، ورواه الدارقطني في " سننه " ( 1/186، 187 ) ، كلهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه . ] ، كما في الحديث فعليك أن تتيمم وأن تصلي في الوقت وإذا لم تعرف كيفية التيمم فإنك تسأل عنها ولكن ما حصل منك مما ورد في السؤال من تأخير الصلاة عن وقتها إلى أن وجدت الماء هذا خطأ ناشئ عن الجهل، ولا تؤاخذ عليه إن شاء الله لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ سورة الأحزاب : آية 5 . ] وفي المستقبل إن شاء الله تعلم هذا الحكم، وتعمل بما ذكرنا . والله تعالى أعلم .(122/14)
والتيمم كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، بسنته الفعلية ضرب بيديه الأرض ثم مسح بها وجهه وظهر كفيه، وباطنهما (7) . فالتيمم بضربة واحدة يقسمها بين وجهه وكفيه فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ويمسح كفيه براحتيه هذا إذا كان بضربة واحدة، ويجوز أن يكون بضربتين ضربة للوجه يمسحه بها . وضربة ثانية لليدين، وكلاهما وردت به السنة، وإن كان الاقتصار على ضربة واحدة يقسمها بين وجهه وكفيه أصح . والله تعالى أعلم .
24- التراب الذي يضرب عليه اليد هل يشرط فيه شروط ؟
يشترط أن يكون طهورًا ذا غبار يعلق باليد سواء كان على وجه الأرض أو على ظهر جدار أو ظهر حصير أو على ظهر حجر، فالمهم أن يكون هناك غبار يعلق باليد وأن يكون هذا الغبار طاهرًا .
25- نحن نسكن في بلد شديد البرودة فعندما نقوم لصلاة الفجر لا نستطيع الوضوء لبرودة الماء فأحيانًا نتيمم ونصلي، فهل هذا يكفي أم لابد من الوضوء ؟ وإن كان كذلك فهل علينا أن نقضي الصلوات التي صليناها بالتيمم ؟
إذا حان وقت الصلاة والإنسان عنده ماء بارد فإن كانت برودته محتملة يمكن للإنسان أن يتوضأ ولو مع المشقة اليسيرة فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويصلي، لأنه واجد للماء ولا مانع من استعماله .
أما إذا كانت برودة الماء غير محتملة ويخشى من آثارها على صحة الإنسان فهذا إن كان عنده ما يسخن به الماء من النار أو الحطب أو شيء من المسخنات فإنه يجب عليه أن يسخن الماء وأن يتوضأ ويصلي .
أما إذا كان باردًا شديد البرودة ولا يتحمله، وليس هناك ما يسخن به، فإنه يتيمم ويصلي ولا يؤخر الصلاة إلى النهار، لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع إن جاز الجمع، أما أن يؤخرها لأجل أن يأتي النهار وتنكسر برودة الماء فهذا لا يجوز بل يتيمم ويصلي على حسب حاله إذا كان ليس عنده شيء من وسائل التسخين .
26- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالتيمم لكل فرض على حدة . فهل يجوز له ذلك أم لا ؟(122/15)
يجوز للمريض إذا كان يشق عليه الوضوء، أو لا يستطيع الوضوء من أجل المرض فإنه يتيمم؛ لأن الله رخص للمريض أن يتيمم، وإذا تيمم ولم يحصل منه ناقض للوضوء فإنه يصلي بالتيمم الواحد عدة صلوات؛ لأن حكمه على الصحيح مثل حكم الوضوء بالماء .
أما بالنسبة للجمع فيجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأرفق به إذا كان يحتاج إلى الجمع، أما إذا كان لا يحتاج إلى الجمع، فإنه يجب أن يصلي كل صلاة في وقتها .
27- أحيانًا تفوته صلاة الفجر بسبب عدم استقباله للقبلة في بعض الأحيان، وعدم قدرته على الاستدارة ناحية القبلة وبسبب عدم من يناوله الماء أو يساعده على الوضوء فهل يجوز له تقديمها أو تأخيرها أم لا ؟
لا يجوز تقديم صلاة الفجر عن وقتها ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، بل يجب أن تؤدى في الوقت بحسب المقدور والاستطاعة، فالمريض الذي لا يستطيع أن يستقبل القبلة، ولا يستطيع أن يتوضأ يصلي على حسب حاله ولا يخرجها عن وقتها، لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقوله : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
28- امرأة طاعنة في السن، تتعبها الحركة بسبب الهرم والمرض ولا تقدر على الوضوء إلا بمشقة وتعب شديدين وتستغرق وقتًا طويلاً للوضوء، هل يجوز لها التيمم بدلاً عن الوضوء للمشقة ؟(122/16)
الذي لا يستطيع التطهر بالماء نهائيًّا أو يشق عليه ذلك مشقة شديدة ولا يجد من يساعده لا بأس أن يتيمم بالتراب لقوله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] ، حيث ذكر سبحانه وتعالى من جملة الأعذار المبيحة للتيمم : المرض، قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، والله الموفق .
29- أنا شاب متزوج وقد يبول طفلي في عدة أماكن من الفراش الموجود في المجلس، وأعرف مواقع بعض التبول والبعض الآخر لا أعرف موقعه من الفراش حتى إني أشعر أن جميع الفرش غير طاهرة، فهل يجوز أن أسير على الفراش وأنا متوضئ للصلاة علمًا بأن المواقع التي أعرف موقع البول فيها نغسله بالماء بمقدار كأس من الماء، وأمسحه بعد ذلك ؟ وهل عليَّ إعادة الوضوء مرة أخرى أم ماذا أفعل ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
إذا كان السائل كما ذكر قد مسَّ مواطن النجاسة بكأس من الماء وأزال أثرها فلم يبق حينئذ نجاسة فعليه أن يمشي على الفراش ورجلاه فيها رطوبة من الوضوء لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه أزال النجاسة وغسلها .
أما إذا كان بقي أماكن من النجاسة لم يزلها ولا يعلم مكانها، فإنه يتجنب هذا الفراش كله لا يطأ عليه وهو رطب الرجلين لئلا تتأثر بالنجاسة، أما إذا كانت رجلاه يابستين بعد الوضوء فلا مانع أن يمشي على الفراش، لأن اليابس لا يتأثر ولو استخدم النعلين أو المداس ولبسها توقيًا لهذه النجاسة يكون هذا أحوط له وأبعد .(122/17)
فالحاصل أن هذا يختلف باختلاف النجاسة، إن كانت أمكنة النجاسة رطبة ومعروفة يتجنبها، وإذا كانت النجاسة غير رطبة وخفية في هذا المكان وكانت رجلاه يابستين فلا حرج في ذلك أن يمر على الفراش، وإذا كانت النجاسة يابسة ورجلاه مترطبة والنجاسة خفية لا يدري في أي مكان فإنه لا يمشي على هذا الفراش ورجلاه رطبتان إلا بحائل بأن يلبس النعلين وما في حكمهما .
30- هل ختان البنت أمر مندوب إليه أم مباح ؟
ختان البنت مستحب إذا كان على الصفة الشرعية ويسمى بالخفاض، وفائدته تقليل شهوة الأنثى، قال صلى الله عليه وسلم : ( أشمي ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه وأحظى عند الزوج ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/370 ) من حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 3/525 ) من حديث الضحاك بن قيس رضي الله عنه . ] ، رواه الحاكم والطبراني وغيرهما، ويكون ذلك في حال صغرها ويتولاه من يعرف الحكم الشرعي ويتقن تطبيقه .
31- امرأة نفساء تطهر يومين أو ثلاثة ثم يعاودها الدم وهي في الأربعين، فهل تجب عليها الصلاة ؟
المرأة النفساء إذا طهرت أثناء الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم، فإن عاودها الدم خلال الأربعين فإنها تجلس، لأنه يعتبر نفاسًا .
والحاصل أنها تغتسل وتصلي في الأيام التي ينقطع عنها الدم فيها، وتترك الصلاة في الأيام التي يعود عليها الدم فيها خلال الأربعين، والله أعلم .
32- هل يلزم المرأة قضاء صلوات الأيام التي لم تصلها أثناء وجود الدورة الشهرية ؟(122/18)
ليس على المرأة قضاء الصلوات التي مرت بها وهي في الدورة الشهرية؛ لأن الصلاة لم تجب عليها في تلك الحال، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن ذلك : ( كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/265 ) من حديث عائشة رضي الله عنها . ] وذلك – والله أعلم – لأن الصيام لما كان لا يتكرر كثيرًا أمرت بقضائه بخلاف الصلاة فإنها تكرر في اليوم والليلة خمس مرات فأعفيت الحائض من قضائها تخفيفًا عنها .
33- ما حكم دخول المرأة الحائض المسجد، وكذلك المسجد الحرام ؟ أرجو الاستدلال على ذلك بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم .
المرأة الحائض لا يجوز لها أن تجلس في المسجد، لا المسجد الحرام ولا غيره من المساجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الحائض عن اللبث في المسجد (8) ، وأمرها باعتزال المصلى في صلاة العيد (9)، لكن يجوز لها المرور من المسجد لأخذ شيء أو وضعه أو سؤال عن شيء .(122/19)
2- كتاب الصلاة
34-سمعت أنه لا تجوز صلاة بدون أذان حيث إنني أعلم لوحدي بالبر وأصلي، والحمد لله، ولكن بدون أذان، فهل صلاتي جائزة أم لا ؟ وإذا كانت غير جائزة فماذا عليَّ أن افعل في الصلوات السابقة ؟
الأذان إعلام بدخول الوقت وشعار للإسلام وفيه فضل عظيم فينبغي المحافظة عليه، والأذان لكل وقت عند دخوله ولو كان الإنسان وحده فإنه يستحب له أن يؤذن ويصلي وفي ذلك فضل عظيم وثواب كبير، أما لو صلى الإنسان من غير أذان فصلاته صحيحة، لكن يفوت عليه أجر الأذان .
35- ما هي السنة الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الذكر والأحاديث أثناء الذهاب إلى المسجد، حيث البعض من الناس عند ذهابهم إلى بيوت الله ترى عليهم العجب العجاب من تلفظهم بأقوال منها النكت والضحك والهزل ولا يمنعهم من ذلك إلا باب المسجد، نرجو منك النصح وجزاكم الله خيرًا ؟(123/1)
السُّنَّة أنه إذا خرج إلى المسجد للصلاة أو خرج إلى غيره أن يقول : ( بسم الله . اعتصمت بالله . توكلت على الله . ولا حول ولا قوة إلا بالله . اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل . أو أزل أو أُزل . أو أجهل أو يُجهل عليَّ ) [ ورد ذلك في أحاديث بألفاظ . . انظر في ذلك : " سنن أبي داود " ( 4/327 ) ( من حديث أم سلمة وأنس بن مالك ) رضي الله عنهما، و " سنن الترمذي " ( 9/126 ) ( من حديث أنس بن مالك ) رضي الله عنه، و " سنن النسائي " ( 8/268 ) ( من حديث أم سلمة ) رضي الله عنها، و " سنن ابن ماجه " ( 2/1278 ) من حديث ( أم سلمة وأبي هريرة ) رضي الله عنهما . ] ، ( اللهم اجعل في قلبي نورًا . وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا . اللهم أعطني نورًا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/530 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] ، فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال : ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله . اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ) [ ورد بروايات انظر في ذلك " الأذكار المنتخبة من كلا سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم " . للنووي ( ص32، 33 ) . ] .
36- ذات مرة تأخرت عن صلاة المغرب لظروف لم تمكني من الصلاة إلا في وقت متأخر، ولفرط خوفي من ذهاب وقت الصلاة عليَّ نويت بأن قلت : نويت أن أصلي لله تعالى أربع ركعات فرض صلاة المغرب ثم كبرت وبدأت صلاتي . وعندما انتهيت من إتمام الصلاة تذكرت أنني قلت : أربع ركعات وأنا صليت ثلاثًا، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ] ، فهل عليَّ أن أعيد صلاة المغرب أم ماذا أفعل ؟(123/2)
أولاً : التلفظ بالنية لا يجوز، لأنه من البدع، والنية محلها القلب ولا يتلفظ بها بلسانه، لأنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يتلفظون بالنية في مبدأ العبادة إلا في مسألتين :
المسألة الأولى : عند الإحرام بالنسك يقول : " لبيك عمرة " ، أو " لبيك حجًّ " .
والثانية : عند ذبح ( الهدي ) ، أو الأضحية، أو العقيقة يتلفظ بتسميتها وبيان نوعها إن كانت عقيقة أو كانت أضحية أو كانت نُسكًا وعمن تكون أيضًا فيقول : بسم الله عن فلان بسم الله عني وعن أهل بيتي ويذبحها . وفي هاتين المسألتين ورد التلفظ بالنية وما عدا هاتين المسألتين لا يجوز التلفظ بالنية في عبادة من العبادات لا الصلاة ولا غيرها .
ثانيًا : تذكر أنها قالت : نويت أن أصلي المغرب أربع ركعات فأخطأت خطأين :
الخطأ الأول : أنها تلفظت بالنية وهذا شيء لا أصل له في الشرع .
الخطأ الثاني : أنه سبق على لسانها أن قالت : ( المغرب أربع ركعات ) وهذا لا يضرُّ وصلاتها صحيحة مادامت أنها أدتها على الوجه المشروع إذا صلتها ثلاث ركعات فما سبق على لسانها لا يؤثر على صلاتها ولا على عبادتها لكن تلفظها خطأ .
37- ما حكم الجهر بالنية للصلاة كأن أقول : ( نويت أن أصلي العصر أربع ركعات لله تعالى . . وهكذا ) ؟
النية شرط من شروط صحة الصلاة وكذلك سائر العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ] ، ولكن النية لا يتلفظ بها، لأن محلها القلب وهي من أعمال القلوب والله تعالى يعلم السر وأخفى، ولم يرد دليل على التلفظ بالنية، فالتلفظ بها بدعة .
38- ما حكم ذكر البسملة في الصلاة الجهرية ؟(123/3)
الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية إن فعله بعض الأحيان فلا بأس بذلك إلا أن المداومة عليه لا تنبغي، لأن الثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وأنهم يجهرون بقراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ويجهرون بالسورة بعد الفاتحة . أما بسم الله الرحمن الرحيم فلم يرد أنهم كانوا يجهرون بها دائمًا، فلا ينبغي المداومة على الجهر لها ولو فعلها بعض الأحيان فلا بأس بذلك .
39- بعض الناس يصلي على باب المسجد النبوي أو المسجد الحرام مثلاً فلابد من مرور الناس بين يديه فهل يُؤثّر ذلك في صلاته ؟ وهل عليه منعه أم لا ؟
لا يؤثِّر هذا في صلاته وليس له منعهم أيضًا، لأن الحاجة تدعو إلى المرور لوجود الزحمة وكثرة الناس والمصلين وفي منع الناس من المرور حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في المسجد الحرام والناس يمرون بين يديه ولم يمنعهم (10) ، فالمحلات الضيقة والمتزاحمة مثل الحرمين الشريفين والجوامع الكبار هذه لها خاصية للمشقة، أما فيما عدا ذلك فإنه لا يجوز المرور بين يدي المصلي، وللمصلي أن يمنع المار بين يديه إذا كان ليس أمامه سترة . أما من مرَّ من وراء السترة – إذا كان المصلي يصلي إلى سترة – ومرَّ المار من ورائها فهذا أيضًا لا يؤثِّر عليه إنما يمنع من مرَّ بينه وبين سترته .
40- ما حكم مرور الصبي أو الطفل الذي يبلغ من العمر سنتين من أمام المُصلِّي وهل يلزم دفعه وعدم السماح له بذلك ؟
نعم لا يجوز ترك الطفل يمر بين يدي المصلي والطفل لا يأثم بهذا، لأنه غير مكلف . لكن من جانب المصلي يأثم إذا أمكنه من ذلك وهو يقدر على منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد المار بين يدي المصلي (11).
41- ما جزاء من يمر من أمام المصلي إذا تعمد ذلك أو لم يتعمد ومنهم الذين يقطعون الصلاة إذا مروا بين يدي المصلي ؟(123/4)
المرور بين يدي المصلي حرام شديد التحريم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يدي المصلي ) [ انظر " صحيح الإمام البخاري " ( 1/129 ) من حديث أبي الجهم، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما . ] أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يمنع المار بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين (12)، وسترة الإمام سترة لمن خلفه فلا يضر المرور من أمامهم لا سيما للحاجة، وإذا كان أمام المصلي سترة ومر من ورائها فإن هذا لا يضر، وكذلك إذا كان المرور اضطراريًّا كما في المسجد الحرام وأماكن الزحمة التي لا يمكن للمصلين تدارك المرور بين يدي المصلي فهذا لا حرج فيه للمشقة والضرورة .
وأما بالنسبة لمن يقطع مروره الصلاة فالعلماء اختلفوا في ذلك، والصحيح من أقوالهم أنها تبطل بمرور الكلب والحمار والمرأة، والله أعلم .
42- ما هي الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها ؟ وما الحكم لو لم يسجد المصلي عليها جميعًا ؟ بل نقص واحد أو اثنان منها ؟ وما هو الجزء الذي يجب أن يلامس الأرض أولاً من جسم المصلي في السجود، أهو اليدان أم الركبتان ؟ فإني أرى بعض الناس يهوي إلى السجود معتمدًا على يديه أولاً ؟ فما حكم هذا العمل ؟
أما بالنسبة إلى النقطة الأولى من السؤال وهي بيان الأعضاء السبعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/354 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] ، فهي الوجه بما فيه الجبهة والأنف، واليدان والركبتان وأطراف القدمين هذه هي الأعضاء السبعة .(123/5)
أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي من سجد ولم يسجد على بعض الأعضاء فهذا فيه تفصيل، فإن كان عدم سجوده على بعض الأعضاء لعذر منعه من ذلك كأن كان لا يستطيع السجود عليه فهذا لا حرج عليه، يسجد على بقية الأعضاء، أما العضو الذي لا يستطيع السجود عليه فإنه معذور فيه، وأما إذا كان لم يسجد على بعض الأعضاء لغير عذر شرعي فإن صلاته لا تصح، لأنه نقص ركن من أركانها وهو السجود على سبعة أعضاء .
وأما بالنسبة للنقطة الثالثة من السؤال وهي أي الأعضاء يقع على الأرض حيث يسجد الإنسان أو يهوي من القيام إلى السجود، فالذي ينبغي أن يكون أول ما يهبط على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه، أول ما يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه هكذا، وأما العكس وهو أن يكون أول ما يهبط على الأرض يداه ثم ركبتاه فهذا خلاف الأولى إلا إذا كان هذا لعذر، إذا كان هذا لعذر شرعي لا يستطيع أن ينزل ركبتيه أولاً فلا بأس بذلك، أما إذا كان هذا لغير عذر فإن هذا خلاف الأولى وخلاف الأفضل، وقد جاء النهي عن ذلك لأن فيه تشبهًا بالبعير وقد نهينا عن التشبه بأنواع من الحيوانات، لأن البعير أول ما يهبط إلى الأرض يداه ثم ركبتاه، والمسلم حينما يهبط إلى السجود يكون هكذا أول ما ينزل إلى الأرض أسفله وآخر ما ينزل إليها أعلاه وهو وجهه، وإذا أراد القيام من السجود والارتفاع فإنه بالعكس أول ما يرتفع أعلاه، هكذا السنة والأفضل والأكمل للإنسان .
43- في حال القيام كما تفضلتم يبدأ بالوجه ثم اليدان ؟
نعم أول ما يرتفع الرأس ثم اليدان ثم الركبتان، وأما الهوي إلى السجود فبالعكس الأول الركبتان ثم اليدان ثم الوجه .
44- هنالك بعض الناس أيضًا في حال القيام من السجود آخر ما يرفع يديه ويقيم عجزه أولاً فهل مثل هذا لا تعتبر صلاته باطلة، لا يؤثر على صحة الصلاة بهذا العمل ؟
لا، هو كل هذا لا يؤثر، إذا خالف شيئًا من هذه الآداب فإنه لا يؤثر على الصلاة، والصلاة صحيحة .(123/6)
45- يعني حتى لو كان بدون عذر ؟
ولو كان بدون عذر إنما هذا بيان للأفضل والأولى والأحسن والأكمل في هيئة الصلاة، أما لو خالف في ذلك فلا حرج .
46- أيضًا هناك، من في حال السجود يفترش ذراعيه إلى المرفقين كلها في الأرض ؟
هذا منهي عنه، نهى صلى الله عليه وسلم عن افتراش كافتراش الكلب (13) وهذا معناه أنه يفترش ذراعيه .
47- إذن هذا لا يجوز ؟
نعم نهى عن افتراش كافتراش الكلب ونهى عن التفات كالتفات الثعلب (14).
48- سائلة تقول : هل يجوز أداء الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير أو نحوه إذا شك الإنسان في طهارة الأرض وليس له عذر من مرض أو نحوه ؟
لا بأس أن يصلي الإنسان على شيء مرتفع كالسرير أو نحوه إذا كان طاهرًا وكان ثابتًا لا يحصل منه اهتزاز وخلل على المصلي وتشويش على المصلي .
49- أحفظ بعض سور القرآن الكريم وفي الصلاة لا أرتبها على حسب مواضعها في المصحف عند القراءة، فهل عليَّ حرج إذا قرأتها غير مرتبة ؟
ينبغي ويتأكد ترتيب السور كما هي في المصحف بأن يقرأ في الركعة الأولى سورة ثم يقرأ في الركعة الثانية من السور التي بعدها، ولا يعكس بأن يقرأ سورة في الركعة الأولى ثم يقرأ في الركعة الثانية من السورة التي قبلها في المصحف، هذا خلاف الأولى ولأن المصاحف رتبت هكذا إما بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما باجتهاد الصحابة، وفي المخالفة لهذا العمل تفريط كبير، لكن لو فعل هذا فصلاته صحيحة لو قرأ سورة ثم قرأ في الركعة الثانية السورة التي قبلها صلاته صحيحة لكنه يكون قد فعل خلاف الأولى أو خلاف الواجب عند بعض العلماء، والله أعلم .
50- صليت صلاة وبعد فترة تذكرت أنني لم أكن على وضوء فما حكم صلاتي ؟(123/7)
الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، ولا يسقط الوضوء بالنسيان ولا بالجهل، فالواجب عليك أيها السائل قضاء الصلاة التي صليتها بدون وضوء، والوضوء يكون بالماء الطهور، فإن عدم أو عجز عن استعماله، فإنه يتيمم بالصعيد الطيب فإن لم يجد ماء ولا صعيدًا صلى على حسب حاله بدون وضوء ولا تيمم لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقوله : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] .
51- إذا اكتشف الإمام في أثناء صلاته أنه على غير وضوء فما الحكم في ذلك ؟
إذا اكتشف الإمام أو غيره أثناء صلاته أنه على غير وضوء فإنه ينصرف يتوضأ ويبدأ الصلاة من جديد، ولا يجوز له الاستمرار فيها وهو على غير طهارة .
52- هل هناك عدد متفق عليه للحركات التي تبطل الصلاة أم لا ؟ وما هي الحركات التي يباح للمصلي فعلها دون أن تؤثر على صلاته ؟
الحركات اليسيرة للحاجة لا بأس بها مثل تعديل ثوبه أو ما على رأسه من عمامة أو غيرها، أو كانت لضرورة مثل قتل الحية والعقرب في أثناء الصلاة فلا بأس بذلك أو في صلاة الخوف في تقدم أو تأخر كل هذا لا بأس به، وأما العمل المستكثر عادة من غير جنس الصلاة وهو لغير ضرورة فهذا يبطلها إذا توالى .
53- أنا في صلاتي أشعر بالخشوع كلما غمضت عيني، لأنني لا أبصر ما يشغلني عن الصلاة فهل تغميض العينين مباح أم مكروه في الصلاة ؟(123/8)
ذكر الفقهاء أن مما يكره في الصلاة تغميض العينين إلا إذا كان في ذلك غرض صحيح كأن يكون أمامه ما يشغله فإنه لا بأس بإغماض عينيه عن ذلك الشيء الذي يشغله . أما اتخاذ إغماض العينين في الصلاة عادة حتى ولو لم يكن أمامه ما يشغله فإنه يكره .
54- كيف يتقي المسلم الوسواس في العبادات عامة وفي الصلاة خاصة ؟
يتقي المسلم الوساوس في العبادات والصلاة بأمور :
1ـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في بداية الصلاة بعد الاستفتاح وقبل قراءة الفاتحة وفي غير الصلاة عندما يحس بالوسوسة . قال تعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ سورة فصلت : آية 36 . ] .
2ـ عدم الانفعال مع الوسوسة بأن يتركها ويرفضها ولا يهتم بها ويمضي في عبادته .
3ـ الإكثار من ذكر الله عز وجل، لأن ذكر الله يطرد الشيطان عن المسلم .
55- هل يجوز لرجل أن يصلي حاملاً سلاحه وإذا كان حاملاً رتبة عسكرية فهل يجب عليه خلعها أم لا ؟
قضية حمل السلاح إذا كان في حال خوف فلا بأس بذلك بل قد أمر الله تعالى به في قوله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } [ سورة النساء : آية 102 . ] فإذا كانت الحالة حالة خوف من هجوم العدو على المسلمين فإنهم يحملون سلاحهم في الصلاة . أما في غير حالة الخوف فإذا كان هذا السلاح خفيفًا وليس فيه نجاسة فلا بأس بحمله . أما إذا لم يكن خفيفًا أو كان فيه نجاسة فإنه لا يجوز حمله، لأنه يشغل عن الصلاة إن كان غير خفيف وإذا كان فيه نجاسة فلا يجوز للمصلي أن يصحب ما فيه نجاسة .
أما الرتبة العسكرية إن كانت صورًا وتماثيل فلا يجوز حملها لا في الصلاة ولا في غيرها وفي الصلاة أشد . أما إذا كانت خالية من الصور أو التماثيل فلا بأس بذلك . والله أعلم .(123/9)
56- ماذا يقال في سجدة السهو، جزاكم الله خيرًا ؟
يقال في سجود السهو ما يقال في سجود الصلاة – سبحان ربي الأعلى- ويدعو فيه كما يدعو في السجود الصلاة لا فرق بينهما لعموم الأدلة ولم يرد لسجود السهو ذكر خاص به، والله أعلم .
57- هل سجود السهو يكون قبل التسليم أم بعده أم أن هناك حالات يكون فيها قبل التسليم وحالات يكون بعده ؟
يجوز سجود السهو قبل التسليم وبعده، ولكن الأفضل أن يكون قبل التسليم إن كان سجود السهو عن نقص في الصلاة كترك التشهد الأول أو ترك واجب من واجبات الصلاة كقول : سبحان ربي العظيم في الركوع أو سبحان ربي الأعلى في السجود . وأما إن كان عن زيادة كأن سلم قبل إتمامها أو قام إلى خامسة في الرباعية أو ثالثة في الثنائية أو رابعة في المغرب ثم تنبه وجلس فإن الفضل أن يكون بعد السلام، وما كان عن زيادة في الصلاة سهوًا فالأفضل أن يكون بعد السلام وإن جعله كله قبل السلام أو كله بعد السلام فلا بأس بذلك إن شاء الله . والرسول صلى الله عليه وسلم ورد عنه هذا وهذا (15) .
58- في بعض الأحيان وبعدما أصلي أكون قلقًا أو يأخذني النعاس أو الملل فلا أصلي السنة الراتبة فهل عليَّ شيء في ذلك ؟
ينبغي المحافظة على السنن الراتبة، لأنها سنة مؤكدة، والإنسان إذا مال مع الكسل فإن الكسل يزيد، وأما النعاس فإذا كان نعاسًا غالبًا بحيث إنه يتغلب عليك في الصلاة ولا تدري ماذا تفعل فحينئذ تنام . وأما إذا كان مجرد نعاس ضعيف فإنه لا ينبغي لك ترك الراتبة مع أن الراتبة لا تأخذ منك وقتًا طويلاً فينبغي لك أن تحافظ عليها متى أمكنك ذلك .
59- هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علمًا بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها ؟(123/10)
صلاة الضحى سنة وفيها فضل وإذا كنت موظفًا ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها . أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها، لأنه يشغلك عن القيام بالواجب .
60- أرجو إفادتي عن وقت صلاة الضحى تبدأ من أي ساعة وتنتهي إلى أي ساعة، كذلك صلاة الليل وبمعنى آخر متى يبدأ الثلث الأخير من الليل ؟
أما صلاة الضحى : فتبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قيام الشمس في وسط السماء كل هذا وقت لصلاة الضحى وكلما تأخرت كان أفضل، وأما بالنسبة لصلاة الليل : فإنها تبدأ من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر كل هذا وقت لصلاة الليل ووقت للتهجد، وكلما تأخرت من الليل فهو أفضل، لا سيما في الثلث الأخير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/47 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] هذا الوقت أفضل ويبدأ ثلث الليل الأخير بحسابه وهذا يختلف باختلاف طول الليل وقصره صيفًا وشتاءً .
فعليك أن تحصي الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر بالساعات ثم تقسمه أثلاثًا وبذلك تعلم بداية ثلث الليل الأخير منه . والله أعلم .
61- هل يجوز صلاة ركعتين بنية سنة الوضوء وتحية المسجد وسنة الظهر معًا . وهل تكفي الركعتان لكل هذا ؟
نعم يجوز للإنسان أن يصلي راتبة الظهر وتكفي عما ذكر معها من تحية المسجد وسنة الوضوء، وإن فعل كل واحدة على حدة فهو أفضل، وأكثر أجرًا .
62- هل صلاة التوبة واجبة ؟(123/11)
التوبة واجبة على المسلم من كل الذنوب، وليس للتوبة صلاة خاصة – فيما أعلم – وباب التوبة مفتوح ليلاً ونهارًا، وحقيقة التوبة الرجوع إلى الله تعالى بطاعته وترك معصيته، ولها شروط ثلاثة : الإقلاع عن الذنب، والعزم ألا يعود إليه، والندم على فعله، وإن كانت التوبة من ظلم مخلوق فلابد من شرط رابع وهو طلب المسامحة من ذلك المخلوق ورد مظلمته عليه إن كانت مالاً، وتمكينه من القصاص إن كانت جناية يشرع فيها القصاص، والله أعلم .
63- لقد قرأنا كثيرًا في بعض الكتب عن صلاة التسابيح وعن اختلاف الأئمة في صفتها وعدد ركعاتها، فهل هي واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو هو صلاها ؟ أو صلاها أحد من أصحابه رضي الله عنهم ؟
صلاة التسبيح وردت في حديث لكن رجَّح كثير من الحفاظ عدم ثبوته، بل قال عنه الإمام ابن الجوزي : ( إنه من الموضوعات ) (16) ، وكذلك قال غيره، فالحديث مختلف في ثبوته، وبعض العلماء أخذ بمدلوله فاستحب صلاة التسبيح، وهي عبارة عن عدد من الركعات تقرأ فيها سور مخصوصة وتقال فيها أذكار طويلة وركوعات وصفة غريبة، ولكن الأكثر من المحققين على أن صلاة التسبيح غير مشروعة بل هي بدعة، لأن الحديث الوارد فيها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أراه لك أيها السائل مادام أن عندك رغبة في الخير وحرصًا على العبادة، أن تأخذ بالصلوات المشروعة الثابتة بأدلة صحيحة كالتهجد في الليل، والوتر والمحافظة على الرواتب مع الفرائض وصلاة الضحى، وأن تكثر من النوافل المشروعة الثابتة بأدلة صحيحة، وألا تعمل صلاة التسبيح نظرًا لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم غنية وكفاية للمؤمن الذي عنده رغبة في الخير، والله أعلم .(123/12)
64- ما رأيكم فيما يفعله بعض الناس الآن، حيث إنهم إذا مر الإمام في الصلاة بآية عذاب؛ استعاذ بالله، مع أنهم في صلاة، وإذا مر بآية رحمة؛ سأل الله، وهكذا؛ فما الحكم في ذلك ؟ جزاكم الله خيرًا .
لا شك في مشروعية ذلك في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله في النافلة، أما في الفريضة؛ فالذي أراه أن هذا لا يشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله بالفريضة، وإنما كان يفعله بالنافلة (17) .
فينبغي للمأموم أن ينصت للقرآن في الصلاة، ولا يقول شيئًا أبدًا قال تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] ؛ قال الإمام أحمد رضي الله عنه : ( نزلت هذه الآية في الصلاة ) (18) ؛ أي : سبب نزولها كان في الصلاة؛ فالمأموم يستمع إلى قراءة إمامه في الفريضة، ولا يدعو عند آية الرحمة أو يستعيذ عند آية العذاب، وإنما هذا في النافلة .
65- من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس قيد رمح فما رأيكم فيمن يصلي الصبح في الساعة السادسة أو الساعة السادسة والربع تقريبًا . هل صلاته صحيحة ؟ أم أن وقت الصلاة قد انتهى في هذا الزمن المحدود ؟
صلاة الصبح لا تحدد بالساعات، لأن الساعات تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة، تحدد صلات الصبح بالتوقيت الشرعي، فيبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني وينتهي بطلوع الشمس، هذا وقت صلاة الفجر . من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . فمن صلى الفجر في هذا الوقت ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقد أداها في وقتها . والأفضل الإسراع بها في أول وقتها وإذا كان هناك جماعة فإنه يجب على المسلم أن يصلي مع الجماعة .(123/13)
أما بالنسبة للنافلة : فإنه يبدأ وقت النهي عنها من طلوع الفجر الثاني إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح . وفي هذا الوقت لا يجوز التنفل الذي ليس له سبب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت (19) . أما ما له سبب من النوافل كتحية المسجد فهذا مختلف فيه بين أهل العلم هل يؤدى في وقت النهي أو لا ؟ الراجح والله أعلم أن ذوات الأسباب تفعل إذا حصل سببها فمثلاً صلاة الكسوف تصلى وكذلك صلاة الجنازة تصلى، وكذلك تحية المسجد تصلى، لأن هذه منوطة بأسبابها، وإذا وجد السبب فإنه تشرع الصلاة التي علقت به لعموم النصوص التي فيها الأمر بالصلاة عند وجود أسبابها في عموم الأوقات .
66- إذا حان وقت صلاة العشاء ولكنها لم تصلَّ في أول الوقت بل أخرتها إلى أن يتوسط الوقت إلى آخره ولكنها فوجئت بالعادة الشهرية تأتيها فهل فيه قضاء ذلك الفرض الذي أخرتها بعد طهارتها أم لا ؟ وما حكم لو حصل العكس بأن طهرت وهي لا تزال في وقت الفريضة من الفرائض الخمس فهل تصليها أم لا ؟
إذا أدركت المرأة صلاة من الصلوات ولم تؤدها حتى نزل عليها الحيض فإنها يجب عليها إذا ارتفع حيضها وتطهرت أن تقضي الصلاة التي أدركتها، لأنها وجبت عليها بدخول الوقت وكذلك العكس .
وإذا طهرت المرأة من حيضها في آخر الوقت فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها كمن طهرت في آخر وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر . ومن طهرت في آخر وقت العشاء . فإنها تصلي المغرب والعشاء .(123/14)
67- حديث شريف معناه أن رجلاً أعمى قال : ( يا رسول الله ليس لي قائد لا يلائمني إلى المسجد أو يقودني إلى المسجد فهل أجد رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم قال : فأجب ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/452 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبماذا تفسرون هذا الحديث وخاصة في وقتنا الحاضر حيث إنه في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يستخدموا آلة لتكبير صوت المؤذن . وفي وقتنا الحاضر خلاف ذلك فالمؤذن يستخدم آلات متعددة لتكبير الصوت وبحيث يسمع المؤذن من مسافات طويلة فكيف تفسرون ذلك الحديث لإخوانكم في الإسلام ؟
نعم هو كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سمع النداء وجب عليه أن يجيب الداعي، وأن يذهب إلى المسجد إذا كان قريبًا من المسجد، ويمكنه الذهاب إلى المسجد، وإدراك الجماعة . أما إذا كان بعيدًا عن المسجد بعدًا شاقًّا ولا يستطيع أن يلحق بصلاة الجماعة فإنه لا يجب عليه الحضور إذا سمع المكبر فإنه كما ذكرت يمتد إلى مسافة بعيدة .
68- ما حكم من صلى منفردًا وفي مقدوره أن يصلي مع الجماعة ؟ هل تعتبر صلاته صحيحة أم باطلة ؟(123/15)
صلاة الجماعة واجبة على الرجال لا يجوز للمسلم أن يصلي وحده وهو يقدر على الصلاة مع الجماعة، لأحاديث كثيرة، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة عقوبة لهم (20) وردعًا لهم ولأمثالهم، وما ذاك إلا لأنهم تركوا واجبًا يستحقون العقوبة عليه، ووصف المتخلفين عن الجماعة بالنفاق، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/141 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى بها يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/453 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . ] ، وأدلة كثيرة تدل على وجوب صلاة الجماعة، وأنه لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر شرعي، فمن تخلف عنها وصلى منفردًا وهو غير معذور، فإن صلاته تصح عند الجمهور ويسقط عنه الفرض، ولكنه يأثم بترك الواجب إثمًا عظيمًا .
وأيضًا مع كونه يأثم إثمًا عظيمًا فإنه يستحق التأديب، وينقص أجره نقصًا عظيمًا فقد صحَّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/158 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . ] ، فهو يفوته هذا الثواب العظيم وإن صحت صلاته، فإن أجره ينقص نقصًا عظيمًا على أن بعض أئمة العلم يرى أن صلاته غير صحيحة، ولكن الجمهور على أنها صحيحة مع الإثم ونقصان الأجر، والله تعالى أعلم .
69- رجل ثقيل النوم جدًّا ويسبب له ذلك في التأخر عن صلاة الفجر وهو متألم جدًّا لحالته ومتأثر بسبب مداومته على ترك الصلاة في المسجد فهل هذا الشخص يعتبر كافرًا أو منافقًا ؟(123/16)
يجب على المسلم المحافظة على الصلاة مع الجماعة في المسجد . والنوم ليس بعذر دائمًا فالذي يعتاد النوم ويترك الصلاة غير معذور ويجب عليه أن يتخذ الوسائل التي توقظه للصلاة من النوم مبكرًا والعزم على الاستيقاظ للصلاة أو تكليف من يوقظه من أهله أو غيرهم . وإذا نوى القيام للصلاة وعزم عليه أعانه الله على ذلك . مع أنه مشروع للمسلم أكثر من ذلك بأن يستيقظ مبكرًا ويصلي من آخر الليل ويوتر ويكون من المستغفرين بالأسحار ووقت النزول الإلهي إلى سماء الدنيا ووقت إجابة الدعاء والمغفرة، فلا يحرم نفسه من ذلك . أما أنه إذا لم يصلِّ في المسجد فلا يعتبر كافرًا بل يعتبر فاعلاً لمحرم ومتصفًا بالنفاق لقول صلى الله عليه وسلم : ( أثقل صلاة على المنافقين العشاء والفجر ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/141 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
70- صلاة الفجر لا أصليها في المسجد غالبًا والسبب هو ثقل النوم وخاصة إذا تغير الوقت من الصيف إلى الشتاء، فماذا عليَّ ؟
تجب المحافظة على الصلاة في الجماعة في الفجر وغيرها والنوم ليس بعذر دائمًا، فالذي يعتاد النوم ويترك الصلاة ليس بمعذور، والواجب عليه أن يعمل الأسباب التي توقظه للصلاة من النوم مبكرًا والعزم على القيام للصلاة وإيصاء من يوقظه من أهله أو جيرانه أو اتخاذ ساعة تنبهه للصلاة : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } [ سورة الطلاق : آية 2 . ] فالأمر راجع إلى اهتمام العبد وعدم إهماله وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الفجر ووصفهم بالنفاق (21) ، ولا يجوز للمسلم أن يتصف بصفات المنافقين، والله أعلم .(123/17)
71- أنا أشتغل مع أحد الإخوة وعندما يحضر وقت الصلاة أريد الذهاب إلى المسجد كي أصلي ولكنه لا يرضى لي ذلك لأني سوف أعطل العمل في وقت الصلاة، علمًا أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فهل أطيع كلامه أم أذهب إلى المسجد علمًا بأني إذا ذهبت إلى المسجد سوف يفصلني من العمل أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء ؟
ما فعلته من الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة هذا هو الواجب عليك وتشكر عليه . ويجب عليك أن تستمر على هذا، ولا يجوز لصاحب العمل أن يمنع المسلم من أداء الصلاة مع الجماعة، فإن أمر الله سبحانه وتعالى ألزم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وكونه يفصلك من العمل لا يضرك إن شاء الله فالأعمال كثيرة وأبواب الرزق مفتحة ولله الحمد : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : الآيتين 2، 3 . ] ولا خير في العمل عند هذا الرجل الذي يشح عليك بوقت الصلاة مع الجماعة . والله أعلم .
72- أنا موظف بإدارة حكومية تبعد عن المسجد حوالي خمسين مترًا تقريبًا، ولكننا نؤدي صلاة الظهر جماعة بهذه الإدارة وكذلك صلاة العصر والمغرب، ولي زملاء آخرون يداومون في فترة مسائية فهل يجوز ذلك بصفتنا بدوام رسمي أو أنه لابد من أداء الصلاة بالمسجد ؟(123/18)
الصلاة في المسجد مطلوبة وواجبة على المسلم الذي يسمع النداء، فيجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين إلا إذا كان ذهابه من الدائرة الحكومية يقتضي أن الموظفين يتفرقون ولا يصلون وإذا صلوا جميعًا في الدائرة انتظم حضورهم جميعًا وأداؤهم للصلاة جماعة، فنظرًا للمصلحة الشرعية فلا بأس أن تصلي الجماعة في الدائرة إذا كان في هذا ضمان لصلاتهم جميعًا . فعلى كل حال إذا أمكن ذهابهم جميعًا إلى المسجد فهذا أمر واجب ولا يجوز لهم أن يتركوه، وأما إذا ترتب على ذهاب بعضهم إلى المسجد تكاسل الآخرين وتركهم لصلاة الجماعة فإن من الأفضل – أو قد يكون من الواجب – صلاتهم في الدائرة لأجل المصلحة الشرعية وهي ضبطهم لأداء الصلاة جماعة . والله تعالى أعلم .
73- نحن جماعة من الموظفين تعمل في إدارة حكومية تضم نحو 25 موظفًا ونصلي في مصلى الإدارة خلف المسئول، وبعض زملائنا لا يصلون معنا بل يصلون في مسجد يبعد عنا نحو 300م فما الصواب : الصلاة في المصلى أم في المسجد مع الجماعة ؟
الواجب الصلاة في المسجد إذا أمكن، وتجوز الصلاة في الدائرة إذا كان الذهاب إلى المسجد يخل بالعمل أو يترتب عليه تخلف بعض الكسالى أو تركهم الصلاة، فإن ضبطهم وإلزامهم بالصلاة ولو داخل الدائرة أمر واجب، لأن الصلاة تجب لها الجماعة مهما أمكن وفي تفرق الموظفين وترك بعضهم للصلاة أو صلاته منفردًا مفاسد تتلافى بضبطهم بالصلاة في الدائرة، ومن أراد من الموظفين أن يذهب إلى المسجد ولا يصلي مع المصلين في الدائرة فهو أحسن إذا لم يترتب على ذهابه مفسدة .
74- سمعت أن صلاة العشاء كلما تأخرت كان ثوابها أكبر فأخذت به فأصبحت لا أذهب إلى المسجد بل أصليها في وقت متأخر منفردًا حتى أحصل على هذا الثواب فهل فعلي هذا صحيح ؟(123/19)
ما فعلته عين الخطأ لأنك تركت واجبًا من أجل تحصيل سنة بزعمك . فأولاً تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل سنة إذا لم يترتب عليه محذور وصلاة الجماعة واجبة، فأنت تركت صلاة الجماعة فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تلازم صلاة الجماعة، فإذا صلوها في أول وقتها تصليها معهم، وإذا أخروا صلاة العشاء إلى الوقت الأفضل تؤخر معهم . وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فإنه كان إذا رأى أصحابه اجتمعوا عَجَّل، وإذا رآهم تأخروا أخَّر . وكان يرغب أو يرجح أن يصليها متأخرًا، ولكنه مراعاة لأحوال أصحابه ورفقًا بهم كان يصلي بهم صلاة العشاء في أول وقتها (22) .
75- ذهبت إلى المسجد فوجدت صلاة الجماعة قد انتهت ووجدت إنسانًا يصلي بمفرده هل يجوز أن أقف وأصلي بجانبه على أساس هذا الفرد الآخر هو الإمام وأنا المأموم ؟
نعم يجوز على الصحيح من قولي العلماء إذا أدركت إنسانًا يصلي منفردًا وقد فاتتك الصلاة فإنه لا بأس أن تدخل معه وتصليا جماعة، لأن صلاة الجماعة واجبة مهما أمكن، والدليل على ذلك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل فجاء ابن عباس رضي الله عنهما ودخل معه في الصلاة فقام عن يساره فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة منفردًا ثم انضم إليه ابن عباس فأقره على ذلك ) [ انظر " صحيح الإمام مسلم " ( 1/525، 526 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] وما جاز في النافلة جاز في الفرض إلا بدليل يدل على الفرق .
76- إذا صليت أي صلاة جهرية في أي مسجد فإنني أقرأ خلف الإمام وذلك حرصًا مني على متابعته حتى إذا حصل منه خطأ أقوم بالرد عليه، فهل في ذلك إثم أم لا ؟(123/20)
إذا كان الإمام يجهر بالقراءة فإنه يجب على المأموم الإنصاف لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] ، فلا يجوز للمأموم أن يقرأ فيما يجهر فيه إمامه إلا في الفاتحة على قول لبعض العلماء، وأما ما عدا الفاتحة فلا يقرأ المأموم بل يستمع لقراءة الإمام . وأما إذا حصل على الإمام شيء من الخطأ في القراءة فإنه يشرع للمأموم أن يفتح عليه إذا كان يعرف الآية التي استغلقت عليه .
77- أرى بعض الناس حينما يقوم لصلاة السنة فإذا أقام المؤذن الصلاة وهو قد صلى ركعة فإذا سمع الإقامة وهو لا يزال واقفًا قطع صلاته دون أن يكمل الركعة . فهل هذا جائز أم لا ؟
إذا أقيمت الصلاة والمسلم في نافلة شرع فيها قبل الإقامة فالأحسن أن يكملها خفيفة ولا يقطعها لقوله تعالى : { وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } [ سورة محمد : آية 33 . ] .
78- الذي يدرك صلاة الجماعة وقد فاتته إحدى الركعات الجهرية هل يقرأ ما سبقه جهرًا خلف الإمام أثناء قراءته في الركعتين السريتين أو إحداهما أو يسر خلف الإمام ويقرأ الجهر أثناء صلاته منفردًا بعد تسليم الإمام ؟
الصحيح أنّ ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته فعلى هذا لا يجهر فيما يقضيه بعد الإمام في الصلاة الجهرية لأنه آخر صلاته .
79- يوجد أناس لا يحضرون الصلاة إلا متأخرين، ومن ثم يخترقون الصفوف إلى الصف الأول بزحام وقلة احترام لمن سبقوهم . فهل فعلهم هذا جائز وما نصيحتكم لهم، جزاكم الله خيرًا ؟(123/21)
يتعين على المسلمين العناية بصفوف الصلاة وإكمال الصف الأول فالأول وسد الفرج والخلل بينهما، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (23) ، أما ما ذكره السائل من أن أناسًا يتخللون الصفوف إلى الصف الأول فهذا إذا كان في الصف الأول فرج لم تسد فإنه لا حرج على هؤلاء الذين يتخللون إليها لأن من في الصفوف لم يسدوا هذا الخلل وقد أسقطوا حقهم، وتركوا أمرًا يجب عليهم، فهؤلاء الذي اخترقوا إليها وسدوها يكونون مأجورين في ذلك لأنهم مشوا إلى فرجة في الصف لسدها .
أما إذا كان المراد أن هؤلاء يدخلون من بين المصلين وليس هناك فرج وإنما يدخلونها لمضايقة المصلين وإيجاد فرج لم تكن موجودة، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه مضايقة للمصلين، وفيه إشغال للمصلين وفيه قد يكون من التخطي لرقاب الناس بدون مبرر .
80- سائل يسأل عن مصافة الصبي خلف الإمام ؟ وما هي الأشياء التي يتحملها الإمام عن مأمومه ؟
في مصافة الصبي خلف الإمام أو خلف الصف – إذا وقف معه وحده – خلاف بين العلماء، والصحيح أنه إذا كان الصبي مميزًا فلا بأس بمصافته؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي معه في التهجد (24) . ولأن أنسًا رضي الله عنه وقف هو يتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة (25) – واليتيم من هو دون البلوغ، والأصل أن ما جاز في النافلة جاز في الفريضة إلا بدليل يدل على الفرق .
81- إذا جاء الرجل للصلاة ووجد الإمام راكعًا وركع معه ولم يقرأ الفاتحة فما صحة هذه الصلاة . لأني سمعت بأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ؟(123/22)
من جاء والإمام في الركوع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف ثم يكبر للركوع ويركع مع الإمام ويكون مدركًا للركعة ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة، لأنها فات محلها وصلاته صحيحة؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات، فإذا أدرك الإمام راكعًا وركع معه فإنه يكون مدركًا للركعة وصلاته صحيحة إن شاء الله، والدليل على ذلك أن أبا بكرة رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فدخل معه في الركوع، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة بل قال : ( زادك الله حرصًا ولا تعد ) لأنه كان لما أقبل إلى الصف أسرع وكبر قبل أن يصل إلى الصف ثم دخل في الصف، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن السرعة .
فإذا جاء والإمام راكع فليأت بطمأنينة وهدوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/156 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، وفي رواية ( واقض ما سبقك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/421 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فالذي أنكره عليه إنما هو السرعة فقط ولم يأمره بإعادة الركعة التي أدركها معه، فدل على أن من أدرك الإمام في الركوع وركع معه فإنه يكون مدركًا للركعة، وهذا الذي سمعته من بعض الناس قول مرجوح لبعض العلماء والصحيح ما ذكرناه والله أعلم .(123/23)
وأيضًا قوله : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/184 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه . ] فهذا للإمام والمنفرد، أما المأموم فينصت لقراءة إمامه إذا جهر لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] فالمأموم يقرأ الفاتحة في سكتات إمامه، أما إذا جهر الإمام فإنه يجب على المأمومين الإنصات والاستماع للقرآن؛ لأن قراءة الإمام قراءة للجميع .
82- شخص نسي صلاة مفروضة وبعد فترة ذكرها فماذا يفعل ؟
من نسي فرضًا من فروض الصلوات فإنه يجب عليه إذا ذكره أن يبادر بقضائه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/477 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه نحوه . ] ولا تعد الصلوات التي صليتها بعد الصلاة المنسية لأنك معذور بالنسيان حين صليتها .
والواجب على المسلم أن يحافظ ويداوم على صلاته ويقيمها كما أمر الله تعالى ولا يتكاسل عن أدائها ولا يؤخرها عن أوقاتها . ومن أعظم ما يعينه على أدائها المحافظة على صلاته مع الجماعة .
83- إذا أدرك المصلي الركعة الأخيرة من صلاة المغرب مع الجماعة فهل يجوز له أن يجهر بصوته في الركعة الأولى من الركعتين اللتين يأتي بهما بعد سلام الإمام ؟
نعم لا بأس أن يجهر بالقراءة في هذه الركعة، لأنها تكون هي الثانية بالنسبة له، ومعلوم أن المصلي للمغرب يجهر في الركعتين الأوليين منهما ويسرُّ في الركعة الثالثة، وإن أسرَّ فلا بأس لأن أصل الجهر سنة ليس بواجب .(123/24)
84- أنا عسكري فإذا حان وقت الصلاة يبتدئ الدوام فلا أستطيع الصلاة، وفي بعض الحالات في بعض الأيام حتى لو سمحت الفرصة خوفًا من العواقب فأنا لا أؤديها في وقتها، وفي بعض الأحيان تمر عليَّ صلاة أو صلاتان لا أصليها بسبب هذه الحال، فما الحكم في هذا ؟ وكيف أؤديها ؟
على الحكومات الإسلامية أن تراعي أحكام الدين في أنظمتها، فتجعل للواجبات الدينية مكانًا لا يزاحمها غيرها فيه، فمثلاً الصلوات تجعل لها فرصة تؤدى فيها في أوقاتها؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقيم الصلاة جماعة حتى في حالة الخوف ومقابلة العدو قال الله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً . . . } [ سورة النساء : آية 102 . ] ، وذلك لأن الصلاة أكبر عون على جهاد الأعداء وعلى الحصول على النصر قال الله تعالى : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } [ سورة البقرة : آية45 . ] ، فيجب على الحكومات الإسلامية أن تراعي هذا في أنظمتها .(123/25)
أما ما ورد في السؤال من أن هذا الرجل يشتغل في الجندية وقد يأتي عليه وقت العمل لا يتمكن من أداء الصلاة فيه فماذا يعمل ؟ نقول : أولاً يجب عليك أن تراعي الظروف والأحوال فإذا كان يدخل وقت الصلاة قبل بداية العمل فعليك أن تصلي قبل بداية العمل في أول وقت الصلاة، وإذا كان وقت الصلاة يدخل وأنت في أثناء العمل فحينئذ إذا أمكنك أن تصلي وأنت في عملك فإنه يجب عليك ذلك بأن تصلي وأنت في العمل إن أمكنك ذلك قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وإذا كنت لا تتمكن من أداء الصلاة في أثناء العمل ويخرج وقتها قبل نهاية العمل، وكانت هذه الصلاة مما يصح جمعها مع الأخرى فلك أن تنوي جمع التأخير كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء فتصليها جمع تأخير نظرًا لظروفك وأنك لا تستطيع الصلاة في وقت الأولى، ولعل هذا من الأعذار المبيحة للجمع في حقك لأن هذا العمل لا يسمح بأن تصلي، ولا يمكن الجمع بين العمل والصلاة، فإذن تنوي الجمع .
فالحاصل : عليك أن تهتم بصلاتك وتراعي الرخص التي رخص الله تعالى بها في هذه الأحوال والله تعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] .
85- أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك ؟(123/26)
يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها قال تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 . ] أي : مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها . وفي الأثر : ( إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل ) (26)، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها . قال تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلا مَن تَابَ } [ سورة مريم : الآيتين 59، 60 . ] والجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء . أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية .
86- سائل يقول : إنه انقطع عن أداء الصلاة لمدة سنتين ونصف بسبب مرض الشلل النصفي الذي أصابه واستمر معه خلال هذه المدة، وبعدها استطاع الجلوس وبعض الحركة اليسيرة فعاد إلى أداء الصلاة والصيام حسب قدرته ولكنه تألم للسنتين والنصف بسبب تركه للصلاة والصيام خلالها ولا يستطيع القضاء، فما العمل وماذا يجب عليه ؟
المريض يصلي على حسب حالته إما قيامًا إن كان يستطيع أو قعودًا أو على جنبه أو مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة ويومئ بالركوع والسجود . فتركك للصلاة في فترة المرض خطأ منك مادام عقلك ثابتًا وتفكيرك موجودًا فإنك تصلي على حسب حالك { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] .
فالحاصل أن المريض لا يترك الصلاة مادام عقله موجودًا وتفكيره سليمًا فإنه يصلي على حسب حاله، فعليك أن تقضي الصلوات التي تركت مع التوبة إلى الله .
87- هل يؤثر على صحة الصلاة كون مكان الإمام مرتفعًا على مكان المأمومين أم لا يؤثر هذا ؟(123/27)
هذا فيه تفصيل إن كان الإمام وحده فإنه يسمح بارتفاعه ارتفاعًا يسيرًا كدرجات المنبر مثلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وهو يصلي ونزل (27). فالعلو اليسير إذا كان الإمام وحده لا بأس به .
أما العلو الكثير فلا يجوز للإمام أن ينفرد به عن المأمومين . . .
أما إذا كان مع الإمام غيره من المصلين فلا بأس بالعلو ولو كان كثيرًا، فيجوز مثلاً أن يكون الإمام في الطابق الأعلى وهناك من يصلي خلفه في الدور الثاني الذي تحته .
88- إذا كان إمام المسجد الذي يصلي بالناس وبعض المأمومين أو كلهم ممن يعتقدون في الأموات النفع ودفع الضر ويحلفون بغير الله ويرتكبون الكثير من البدع والخرافات، إذا كانوا بمثل هذه الصفات فهل يجوز لي أن أصلي معهم وخلف هذا الإمام أم أصلي وحدي في بيتي أم أبحث عن مسجد آخر لا يتصف إمامه ولا المصلون بهذه الصفات ؟
يشترط في الإمام الذي يؤم المسلمين في الصلاة أن يكون صالح العقيدة، فإذا كان الإمام الذي ذكرت على هذه الوصف من أنه يفعل شيئًا من الشركيات فهذا لا تصح الصلاة خلفه؛ لأنه إذا كان يعتقد النفع والضر بغير الله من القبور وغيرها فهذا شرك أكبر صاحبه خارج من الملّة لا يصح منه عمل مادام على هذه العقيدة الباطلة فلا تصح الصلاة خلفه .
89- إمام المسجد عندنا في الحارة يرتكب بعض الأخطاء أثناء الصلاة، وهي أخطاء لاصقة به لا يتخلص منها، ومنها أنه لا يقرأ القرآن الكريم جيدًا بمعنى أنه لا يعطي كل حرف حقه، ولا يقف في الوقف بل يقف في المنع، ويزداد هذا أكثر في رمضان أثناء صلاة التراويح، ومن الأخطاء كذلك أنه يعبث بأصابع يده ويحرك قدميه ولا يتركهما ثابتتين على الأرض ! ! وسؤالنا هل نحن على حق عندما هجرنا المسجد ولم نعد نصلي وراء هذا الإمام، أم أن صلاتنا وراءه صحيحة على الرغم من هذه الأخطاء ؟ ولا تنس أنه يكتب التمائم للناس بآيات قرآنية ؟(123/28)
مما لا شك فيه أن ينبغي أن يكون الإمام على صفة لائقة من العلم ومن التقوى، ومن إتقان الصلاة، وأن يكون قدوة حسنة يقتدى به في الخير، لأن الإمام ضامن، كما في الحديث (28) فهو يتولى مسئولية عظيمة، ويتولى أداء فريضة عظيمة، ويقوم بعمل جليل، فينبغي أن يكون على مستوى جيد من العلم والعمل .
كما أن عليه أيضًا أن يهتم بأداء الصلاة على وجهها، ويحذر من العبث في أثناء الصلاة لأن هذا أمر لا يليق بالمصلي عمومًا إمامًا أو مأمومًا، والمصلي مطلوب منه الخشوع في الصلاة والطمأنينة . قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ سورة المؤمنون : الآيتين 1، 2 . ] والسكون في الصلاة وعدم الحركة دليل على الخشوع، والحركة والعبث دليل على عدم الخشوع في الصلاة .
أما من حيث ما ذكر السائلون من أنه لا يجيد القراءة فكذلك ينبغي أن الإمام يكون على مستوى جيد في القراءة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/465 ) من حديث أبي مسعود الأنصاري . ] ، ولكن إذا كان لا يجيد التجويد في القراءة فهذا لا يؤثر على صحة الصلاة وإمامته صحيحة، ومادام أنه نُصِّب من قِبل المسؤولين إمامًا للمسجد فإنه لا ينعزل بذلك، وإنما تبطل صلاته لو لحن لحنًا يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، أو ترك منها تشديدة أو حرفًا فإنه بذلك لا تصحُّ إمامته إلا بمن هو مثله، أما بالنسبة للتكميلات في القراءة وتجويد القراءة على المستوى الرفيع فهذا إن حصل فشيء طيب، وإن لم يحصل فإن الصلاة تصح بدونه .
وأما اعتزالكم المسجد فلا أرى له مبررًا إلا إذا كان هذا الإمام يلحن لحنًا بغير المعنى أو كان هذا الإمام فاسقًا يرتكب شيئًا من الكبائر، أما مادامت المسألة التي تلاحظ عليه أنه لا يجيد القراءة الإجادة الراقية فهذا لا يقتضي أن تعتزلوا المسجد .(123/29)
وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل : فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم لأنها شرك وهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها .
فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها .
90- إنني أحب مشاهدة بعض المسلسلات والأفلام الأجنبية، وجماعة المسجد يعلمون عني ذلك لأنهم يشاهدون ذلك عندما أجتمع معهم . ومع مرور الأيام لاحظت أنهم لا يرغبون في إمامتي لهم ولا أعلم شيئًا أو سببًا . مع العلم أنني لا أعلم دليلاً يحرم مشاهدة المسلسلات والأفلام . أرشدونا جزاكم الله خيرًا ؟
مشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية فيها خطورة شديدة على العقيدة والأخلاق، لأنها لا تخضع للرقابة، والذين يقومون بإعدادها لا يتقيدون بأحكام الإسلام، ولا شك أنها إذا اشتملت على مواد فاسدة فإنها تؤثر فيمن يشاهدها سواءً، فعليك باجتنابها والحذر منها ولا تدخلها بيتك ومع جماعة مسجدك الحق في كراهتهم لإمامتك مادمت على هذه الحالة لأن الإمام قدوة .
91- والدي يصلي وهو جالس لوجود ألم في ركبته ولا يستطيع الوقوف فهل في ذلك حرج أفيدونا مشكورين ؟(123/30)
لا شك أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركانها لا تصح إلا به مع الاستطاعة لقوله تعالى : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ سورة البقرة : آية 238 . ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا . . ) الحديث [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/41 ) بنحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] .
فالواجب على المصلي في الفريضة أن يصلي قائمًا، أما إذا لم يستطع ذلك لمرض فإنه يصلي على حسب حاله قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يصلي المريض قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/41 ) بنحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] فما فعله والدك من أنه يصلي قاعدًا لألم في ركبته، إذا كان هذا الألم يمنعه من القيام ويشق عليه فإنه لا بأس أن يصلي وهو قاعد، أما إذا لم يكن هذا الألم يمنعه من القيام فإن صلاته لا تصح إلا بالقيام في الفريضة لأنه ركن من أركانها .
92- إذا كان الإنسان مريضًا ويرقد على السرير فهل يجوز أن يصلي على حسب اتجاه سريره حتى لو كان على غير القبلة أم لا ؟(123/31)
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة قال تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ سورة البقرة : آية 144 . ] . استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة مع الاستطاعة للمريض ولغيره، والمريض إذا كان على السرير فإنه يجب أن يتجه إلى القبلة إما بنفسه إذا كان يستطيع أو بأن يوجهه أحد إلى القبلة، فإذا لم يستطع استقبال القبلة وليس عنده من يعينه على التوجه إلى القبلة، يخشى من خروج وقت الصلاة فإنه يصلي على حسب حاله لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
93- شخص انتدب في مهمة رسمية مذكور فيها لمدة خمس ليالٍ، وأحيانًا تكون أكثر من خمس ليال في بلد غير بلده الذي يسكن فيه فما الحكم بالنسبة للجمع والقصر هل يقصر كل صلاة لوحده كل المدة أم يجمع ويقصر مع بعض كل الصلوات طيلة المدة ؟
إذا كانت المسافة التي سافر إليها تبلغ ثمانين كيلو مترًا فأكثر فله قصر الصلاة في حالة مسيره في الطريق . وأما في حالة إقامته في البلدة التي سافر إليها، فإن كانت الإقامة لمدة أربعة أيام فأقل، أو كانت غير محددة فإنه يقصر الصلاة فيها إلا إذا صلى مع من يتم الصلاة فإنه يجب عليه الإتمام تبعًا لإمامه، ولا يجوز له أن ينفرد ويصلي معهم ويتم . وإن كانت الإقامة يعلم أنها تزيد على أربعة أيام فإنه يلزمه إتمام الصلاة ولا يجوز له القصر لأنه صار له حكم المقيمين .(123/32)
94- أنا طالبة وأسكن بعيدًا عن أهلي وأسكن في قسم داخلي، وهذا المكان الذي أدرس فيه بعيدًا عن أهلي حوالي مائة وخمسين كيلو مترًا وآتي إليهم في يوم الخميس والجمعة من كل أسبوع فصلاتي هل تكون قصرًا أم تكون تامة في اليومين اللذين أقيمهما عند أهلي وفي الخمسة الأيام التي أقيمها في القسم الداخلي ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
أما في أيام إقامتك في القسم الداخلي خمسة أيام واليومين عند أهلك فإنه يلزمك إتمام الصلاة، وأما الطريق الذي بين بلد الدراسة وبلد أهلك فيجوز لك قصر الرباعية فيه، ويجوز لك الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا ففي الطريق تأخذين حكم المسافر وفي الإقامة تأخذين حكم المقيم .
95- إنني أسافر في كل أسبوع تقريبًا مسافة ثلاثمائة وخمسين كيلو مترًا ويكون وقت السفر عند الظهيرة ولا تقف السيارة على الطريق لأداء الصلاة فهل يجوز أن أجمع صلاة الظهر وصلاة العصر جمع تقديم في البيت قبل مغادرتي ؟
إذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر فإنه يجب عليك أن تصلي الظهر في وقتها تمامًا من غير قصر، وأما صلاة العصر فإن كان سفرك ينتهي قبل خروج وقت العصر فإنك تصلي العصر في وقتها إذا وصلت ولو في آخر وقت العصر، أما إذا كان السفر مستمرًا من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السير ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف، إذا كان الأمر كما ذكرت فلا مانع من الجمع في هذه الحالة، لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع مع الإتمام إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم في بيتك وإن كنت تستطيع صلاة العصر في السيارة فصلِّ العصر فيها ولا تجمع .
96- إذا كنت في سفر مسافة قصر وحين عودتي إلى حيث أقيم وقبل وصولي بحوالي عشر أو عشرين كيلو متر حان وقت صلاةٍ رباعية فهل يجوز لي القصر والجمع أم القصر فقط أم لا يجوز شيء منهما ؟(123/33)
أما القصر فيجوز، لأنه لم ينته السفر مادمت لم تدخل في البلد الذي سافرت منه، فإنك لا تزال في سفر حتى تدخل في بلدك سواءً بقي عشرون كيلو أو أكثر أو أقل فلك القصر مادمت خارج البلد ومادمت في طريقك من السفر، أما الجمع فلا داعي له بل تصلي الصلاة الحاضرة وتقصرها والصلاة الآتية تتركها في وقتها إذا وصلت .
97- إذا سافرت خارج بلدي وأقمت واستقررت في إحدى المدن خارج مدينتي والتي تبعد عنها بمسافة قصر ثم أردت زيارة منطقتي الأصلية لمدة قصيرة قد لا تتجاوز أربعة أيام فهل يجوز لي قصر الصلاة خلال إقامتي في بلدي الأصلي هذه المدة القصيرة والتي أنوي السفر بعدها إلى حيث أسكن وأعمل خارجها ؟
إذا انتقلت من بلدك إلى بلد آخر واستوطنت واستقررت فيه استيطانًا دائمًا وتركت بلدك تركًا نهائيًّا ثم قدر أنك سافرت من محل إقامتك واستيطانك إلى بلدك الأصلي لا لأجل الرجوع والاستقرار فيه وإنما لغرض من الأغراض أو مررت به عابرًا في سفرك فهذا فيه تفصيل إن كان فيه زوجة لك مستقرة فإنه يجب عليك الإتمام لأنك حينئذ تكون من أهل هذا البلد بوجود زوجتك المستقرة والساكنة فيه، أما إذا لم يكن لك فيه زوجة وليس لك فيه أهل وإنما مررت به عابرًا ثم ترجع إلى محل إقامتك واستقرارك فإنك تقصر الصلاة لأن لك حكم المسافرين إلا إذا نويت إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يجب عليك الإتمام أيضًا لأنك تأخذ حكم المقيمين، والله أعلم .
98- أنا شاب ملتزم – والحمد لله – وأصلي لله سبحانه وتعالى اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/503 ) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها . ] والسؤال : ولكن إذا سافرت هل أصلي هذه الركعات أم لا ؟ وهل إذا لم أصلها يكتب لي أجرها ؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا ؟(123/34)
المسافر الذي يقصر الصلاة لا يصلي الرواتب التي مع الفرائض ما عدا راتبة الفجر، بل يقتصر على الفريضة ويحافظ على راتبة الفجر والوتر وله أن يتهجد من الليل ما تيسر . هكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر (29). والله أعلم .
99- نحن نقيم على طريق سفر وفي مسجدنا تحدث ظاهرة تعدد الجماعات في وقت واحد، جماعة تصلي المغرب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب، والأخرى تصلي العشاء جمعًا وقصرًا، فما حكم ذلك التعدد في وقت واحد علمًا بأن بعضهم يشوش على الآخر وكيف نتغلب على ذلك ؟ وجزاكم الله خيرًا ؟
الواجب على من دخلوا المسجد لصلاة الفريضة ووجدوا ناسًا يصلون أن يصلوا معهم ولا يجوز لهم أن يقيموا جماعة أخرى إلى جانب الجماعة الأولى، لأن الاجتماع مطلوب والتفرق منهي عنه، ولأنه كلما كثر عدد المصلين جماعة فهو أفضل عند الله .
وحتى لو اختلفت الصلاة كمن يصلي الظهر خلف العصر ثم إذا سلم الإمام قام وصلى العصر فالصحيح جواز مثل ذلك . . والله أعلم .
100- رجل طاعن في السن، وبه عاهة لا تمكنه من السير، ولكن يستطيع قيادة السيارة لمسافات قريبة، ويصلي الفروض الأربعة في المسجد ما عدا صلاة الفجر يصليها بمنزله، وعندما نصحناه طالبنا بفتوى بعدم جواز صلاته تلك . أفتونا جزاكم الله خيرًا ؟
الصلاة مع الجماعة في المساجد واجبة على الرجال مع الاستطاعة أما من لا يستطيع في كل الصلوات أو بعضها لعذر شرعي كالخوف والمرض والإعاقة البدنية فإنه يصلي في بيته ولا حرج عليه . وما كان يستطيع حضوره من الصلوات وجب عليه حضوره وما لا يستطيعه فإنه يصليه في بيته . لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ سورة الحج : آية 78 . ] .
101- ما هي شروط صحة الجمعة ؟
شروط صحة الجمعة ذكر أهل العلم أنها يشترط لها أربعة شروط :(123/35)
1ـ أن تصلى في الوقت المحدد وهو على الصحيح يبدأ من الزوال إلى خروج وقت الظهر . فلا يجوز أن تصلى قبل الوقت ولا بعده فإن فات وقتها فإنها تصلى ظهرًا ولا تصلي جمعة .
2ـ الاستيطان فلا تصح من أهل البادية الذين يتبعون مواطن القطر والرعي ولا يستقرون في مكان ولا تصح من المسافرين في حالة السفر إلا إذا صلوا الجمعة مع أهل البلد .
3ـ يشترط لصحتها تقدم خطبتين فيهما حمد الله والشهادتان والصلاة والسلام على رسوله والوصية بتقوى الله عز وجل والموعظة بما يحرك القلوب وقراءة شيء من القرآن .
4ـ من العلماء من يشترط عددًا معينًا يحضرون الخطبتين والصلاة كالأربعين مثلاً، ولكن الصحيح أنه لا يشترط لذلك عدد معين، لأنه لم يدل دليل واضح على اشتراطه، فإذا حضر جماعة ولو قليلة كفى ذلك .
102- ما هو العدد الواجب توافره من الناس لإقامة صلاة الجمعة ؟
الصحيح من قولي العلماء أن صلاة الجمعة كغيرها من الصلوات لا يشترط لها عدد معين خاص بها، لأنه لم يثبت في تحديد العدد لصلاة الجمعة خاصة دليل معين فهي كغيرها من الصلوات تنعقد بما تنعقد به الجماعة إذا كانوا مستوطنين في مكان معين بما جرت العادة من المباني السكنية المستديمة هذا هو الصحيح من قولي العلماء . والله أعلم .
103- نعلم أن من شروط الجمعة اكتمال عدد 40 مصليًا وعددنا أكثر من المائة معظمنا لا يأتي للصلاة ولا يزيد عدد من يحضر الجمعة على ثلاثين مصليًا هل يجوز لنا إقامة صلاة الجمعة، أو نصلي صلاة ظهر ؟
إن كان هذا المسجد الذي تصلون فيه قد اعتمد من الجهة المختصة لصلاة الجمعة فإنكم تصلون فيه ولو نقص عددكم عن الأربعين، لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الجمعة لا تتقيد بعدد الأربعين، لأنه لم يقم دليل صحيح على اشتراط الأربعين .(123/36)
فصلاتكم الجمعة صحيحة، ولكن يجب عليكم المناصحة لهؤلاء وتخويفهم بالله عز وجل ووعظهم وتذكيرهم بالعقوبة، فإن أجدى فيهم ذلك وإلا فعليكم أن ترفعوا بشأنهم ليأخذ على أيديهم ولاة الأمور مهما أمكنكم ذلك فإنكم مسئولون عنهم . والمسلم يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب عليه النصيحة لإخوانه المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/74 ) من حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه . ] .
فيجب عليكم مناصحتهم وعلاجهم . أو رفع أمرهم إلى من يلزمهم بأمر الله عز وجل إذا كان هناك من يقوم بهذا العمل ولا تبرأ ذمتكم بدون هذا . ولا يكفي أن تقولوا : نحن نصلي ونتركهم، لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة والمقدرة .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ] .
104- نحن مجموعة أفراد، عددنا قابل للزيادة والنقصان، ونقيم لمدة أسبوع كامل في معسكر عملنا، وخلال أيام أداء العمل في المعسكر الذي لا نستطيع تركه جميعًا يصادفنا يوم جمعة، فنصلي صلاة الجمعة صلاة ظهر بحجة أن عددنا لم يكمل أربعين فردًا، فهل تصح صلاتنا على هذه الحال ؟ وماذا نفعل إذا صادف عملنا يوم عيد . هل نصلي صلاة العيد جماعة أم نتركها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
ليس المانع من إقامة صلاة الجمعة في حقكم هو نقصان العدد وإنما المانع هو عدم الاستيطان الدائم، وعلى كل حال لا يسمح بإقامة صلاة الجمعة إلا بإذن من جهة دار الإفتاء .(123/37)
105- نحن أكثر من مائة مصري نعمل في العراق وجميعنا نصلي الفروض الخمسة، والحمد لله، ولكن صلاة الجمعة هي المشكلة بالنسبة لنا لأن المسجد الوحيد الذي كنا نصلي فيه صلاة الجمعة قد هدم ولم يبن ونحن الآن بدون مسجد نصلي فيه صلاة الجمعة فهل يجوز أن نصليها في الخلاء أم ماذا نفعل ؟
يلزمكم أن تصلوا مع أهل البلد في أقرب مسجد إليكم تقام فيه صلاة الجمعة مهما أمكنكم ذلك وإن لم يمكن وخصصتم مكانًا مؤقتًا تصلون فيه الجمعة بجانب المسجد الذي هدم إلى أن يبنى فلا بأس .
106- أتيت إلى الجامع لصلاة الجمعة ووجدت الإمام في الخطبة فهل يجوز لي أن أصلي ركعتين تحية المسجد أم أجلس وأستمع إلى الخطبة ؟
إذا دخلت يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يستحب لك أن تصلي ركعتين قبل أن تجلسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك . أمر من دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين ويتجوز فيهما (30) يعني : يخفف الركعتين ثم يجلس يستمع الخطبة هذا هو السنة أما لو جلس قبل أن يصلي ركعتين فإنه يكون مخالفًا للسنة حتى يصليهما ثم يجلس يستمع للخطبة .
107- هل يجوز أداء الركعتين تحية المسجد أثناء أذان خطبة الجمعة أو يجب التوقف حتى نهاية الأذان ؟
نعم ينبغي إذا دخلت للجمعة – والمؤذن يؤذن – أن تبدأ بتحية المسجد لتفرغ لسماع الخطبة ولا ينبغي أن تؤخر الركعتين، لأن ذلك يفوت عليك أول الخطبة والاستماع لها . والذي ينبغي لك أن تتقدم وتبكِّر لصلاة الجمعة عملاً بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وترغيبه بالتبكير لصلاة الجمعة والحصول على الثواب الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم في حق من بكَّر إلى الجمعة وحضر من أول الوقت وجلس ينتظر الصلاة . وتفرغ لسماع الخطبة وأنصت لها فإنه يحصل على أجر كبير لا ينبغي لك أن تفرط فيه وأن تتأخر إلى دخول الإمام (31).(123/38)
108- لقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/588 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه إلى قوله : " فقد لغا " . ] أو كما قال، فسؤالي هو إذا سلم عليَّ أحد وأنا في أثناء الاستماع لخطبة الجمعة فهل عليَّ أن أردّ عليه السلام ؟ وكذلك لو عطس بجانبي أحد أشمته أم لا ؟ وإذا كلمني في شيء ضروري هل يجوز لي أن أرد عليه ولو بالإشارة فهل يعتبر ذلك من اللغو وأكون آثمًا عليه مع أنه هو الذي بدأني بالكلام ؟
لا شك أن المسلم مأمور حالة خطبة الجمعة بالاستماع والإنصات وقطع الحركة فهو مأمور بشيئين :
أولاً : السكون والهدوء وعدم الحركة والعبث .
ثانيًا : هو مأمور بالسكوت عن الكلام فيحرم عليه أن يتكلم والإمام يخطب، ويحرم عليه كذلك أن يستعمل الحركة والعبث أو يمسح الحصى ويخطط في الأرض أو ما أشبه ذلك، وما ذكرته من الحديث ( من مس الحصى فقد لغا ) فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى لغا أنه ارتكب خطأ يُسبب إلغاء ثوابه فمعنى لغا ليس معناه أنه تبطل صلاته وأنه يؤمر بالإعادة، وإنما معناه أنه لا ثواب له في تلك الصلاة .
أما ما سألت عنه من أنه هل يرد السلام ؟ أو يشمت العاطس ؟ فالجواب : أنه لا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يجوز للداخل والإمام يخطب أن يسلم، وإذا سلم فإنه لا يجوز على من سمعه أن يرد عليه، لأن الإنصات للخطبة واجب، والكلام حال الخطبة يحرم، ومن عطس فإنه يحمد الله في نفسه ولا يتكلم بذلك ولو تكلم وسمعه من بجانبه فإنه لا يشمته (32) .
109- هل هناك أذكار مخصوصة تقال بعد صلاة الجمعة، وهل صحيح حديث قراءة المعوذتين وآية الكرسي سبع مرات بعد الجمعة ؟(123/39)
صلاة الجمعة ليس لها أذكار مخصوصة تقال بعدها، وإنما يقال بعدها ما يقال بعد سائر الصلوات من أذكار، بأن يستغفر الله ثلاثًا بعد السلام ثم يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أو غير ذلك مما ورد، ثم يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد الله ثلاثًا وثلاثين، ويكبر الله ثلاثًا وثلاثين، ثم يقول تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن قرأ سورة الإخلاص والمعوذتين بعد ذلك مرة مرة فحسن، أما تكرارها سبعًا فلا أعلم له أصلاً، وإنما تكرر قراءة هذه السور ثلاثًا ثلاثًا بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، كما يستحب له أن يقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ويقول : رب أجرني من النار سبع مرات لورود الأحاديث في ذلك (33). والله أعلم .
110- قرأت حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه : " من فاته صلاة في عمره ولم يحصها فليقم في آخر جمعة من رمضان ويصلي أربع ركعات بتشهد واحد يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة القدر خمس عشرة مرة، وسورة الكوثر كذلك، ويقول في النية : نويت أصلي أربع ركعات كفارة لما فاتني من الصلاة، فما مدى صحة هذا الحديث ؟(123/40)
هذا لا أصل له من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/477 ) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بنحوه . ] . فالصلوات التي تركتها فيما سبق إذا كنت تركتها لأجل النوم مثلاً أو إغماء أو لعذر ظننت أنه يجيز لك تأخيرها، فالواجب عليك أن تقضيها، وأن تصليها مرتبة على الفور .
أما إذا كنت تركتها متعمدًا فالصحيح من قولي العلماء أنه يجب عليك التوبة إلى الله، لأن من ترك الصلاة متعمدًا فأمره خطير حتى ولو لم يجحد وجوبها فإن الصحيح أنه يكفر بذلك، فعليك أن تتوب إلى الله إذا كنت تركتها متعمدًا، وأن تحافظ على الصلاة في مستقبلك، والله يتوب على من تاب .
أما إذا كنت تركتها لنوم أو إغماء أو غير ذلك مما حال بينك وبين أدائها في وقتها فإنك تقضيها ولابد . أما أن تصلي هذه الصلاة التي ذكرتها في آخر رمضان على هذه الصفة فهذا لا أصل له من دين الإسلام ولا يكفر عنك الصلوات التي تركتها .
111- كنت أصلي الجمعة كما يصليها الرجال ركعتان سنة وركعتان فرض، ولكني قرأت في كتيب عن الصلاة أنه ليس على المرأة صلاة جمعة، فماذا يجب عليَّ نحو صلواتي الماضية ؟
أخطأتِ فيما مضى . . لأن المرأة لا تصح منها الجمعة، إلا إذا حضرت مع الرجال، فإذا حضرت مع الرجال وصلّت صحت صلاتها تبعًا، أما أن تستقل بنفسها أو تصلي نساء مجتمعات يصلين الجمعة فهذا لا يصح، فما عملتيه فيما مضى كله باطل، وعليك أن تعيدي صلاة الظهر في الفترة الماضية كلها قضاء .(123/41)
112- أنا أعمل في مزرعة وعندما يحين صلاة الجمعة وأتهيأ للصلاة يمنعني صاحب المزرعة من الذهاب وأتركها بناءً على ربغته ولكني أتحسر وأتندم لتركي لها، ولكنه لا يسعني إلا طاعته فهل له الحق في هذا وليس عليَّ إثم بترك الجمع دائمًا، وهو أليس عليه إثم في منعي من صلاتها ؟
يجب على المسلم المحافظة على الصلوات الخمس وعلى الجمعة بأدائها في جماعة في المساجد ولا يصرفه عن ذلك طلب الدنيا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } [ سورة الجمعة : آية 9 . ] وقال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } [ سورة النور : الآيتين 36، 37 . ] ، فيجب على المسلم أن يؤدي الصلوات في الجماعة في المساجد، وكذلك الجمع يجب حضورها على المسلم، ولا يجوز للإنسان أن يمنع العمال الذين يشتغلون لديه من أداء الصلاة جمعة وجماعة، ولا يجوز للعمال أن يطيعوه في هذا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأداء الصلاة في المسجد مستثنى من مدة الإجارة شرعًا، ليس للمستأجر فيه استحقاق، لأن هذا حق الله سبحانه وتعالى، فالواجب عليكم أن تؤدوا الصلاة ولا تلتفتوا إلى هذا الذي يمنعكم من حضور الجمعة وإذا أبى إلا الامتناع فعليكم أحد أمرين :
1ـ إما أن ترفعوا أمره إلى ولي الأمر عندكم للأخذ على يده .
2ـ وإما أن تذهبوا إلى مسلم آخر لتعملوا عنده ويمكنكم من أداء صلاتكم، إلا من هو يقوم بالحراسة ويخشى على ما هو مستحفظ عليه من الضياع لو ذهب للصلاة مع الجماعة فإنه يصلي في موضع حراسته .(123/42)
113- إذا ترك إنسان حضور الجمعة أربع مرات، فما حكمه، وما الحكم لو تركها بسبب بعده عن المدينة التي فيها المساجد ولو للنزهة كأن يصطحب معه أهله وأولاده ويخرجون إلى خارج المدينة في كل يوم جمعة لكونه وقت فراغه من العمل ؟
يجب على المسلم غير المعذور حضور الجمع والجماعات لأنه قد ورد الوعيد الشديد في حق من تخلف عن الجمعة وعن الجماعة وقد همّ صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة ووصفهم بالنفاق (34) وورد الوعيد الشديد في حقهم، والتخلف عن صلاة الجمعة من غير عذر شرعي فيه وعيد شديد فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه ) [ رواه أبو داود في " سننه" ( 1/276 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/131، 132 ) بنحوه، ورواه النسائي في " سننه " ( 3/88 ) ، كلهم من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه . ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 2/591 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فلا يجوز للمسلم أن يتخلف عن صلاة الجمعة لغير عذر شرعي، ولا ينبغي للإنسان أن يداوم على الخروج وترك صلاة الجمعة، وأن يخص يوم الجمعة بالخروج للنزه ويترك صلاة الجمعة، لكن إذا خرج بعض الأحيان وكان بعيدًا عن المسجد البعد الذي يشق عليه معه الذهاب لصلاة الجمعة، فهذا يكون معذورًا ولا سيما إذا كان معه من يخاف عليهم من عائلته ومحارمه، فإنه يكون معذورًا بتلك الحال على أن لا يتخذ هذا عادة مستمرة .
114- إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس ؟(123/43)
إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة، ويبقى في حقه سنة . فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهرًا وهذا في حق غير الإمام، أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائيًّا في هذا اليوم .
115- في يوم العيد سواء الفطر أو الأضحى نجد كثيرًا من الناس يتعانقون في ذلك اليوم أو يتبادلون التباريك بقولهم : مبروك عليك العيد، أو كل عام وأنتم بخير، إلى غير ذلك من العبارات فهل كان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين من يفعل ذلك ؟ وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد سواء الأضحى أو الفطر أثابكم الله ؟
لم يثبت في المعايدة في يوم العيد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان بعض السلف يفعلونه ويقول بعضهم لبعض : تقبل الله منك وما أشبه ذلك، وقال الإمام أحمد : لا أبتدئ به، فإن ابتدأني أحد أجبته (35) والله أعلم .
116- ما هي كيفية صلاة الاستسقاء والمكان الذي تؤدى فيه ؟
صلاة الاستسقاء كيفيتها ككيفية صلاة العيد يصليها الإمام بالمسلمين ركعتين في الصحراء القريبة من البلد، ثم يخطب بعدها خطبة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد وبالثناء على الله سبحانه وتعالى والتضرع والدعاء والاستغفار وطلب الإغاثة، ثم يتوجه إلى القبلة ويحول رداءه ويدعو الله سبحانه وتعالى سرًّا بينه وبين ربه مستقبل القبلة، وكذلك المصلون يحولون ما عليهم من لباس يمكن تحويله كالعباءة والجبة، وغير ذلك من الأمور التي يمكنهم قلب ظهرها إلى بطنها ويمينها إلى شمالها اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه هي صفة صلاة الاستسقاء (36) .(123/44)
أما مكانها فهو الصحراء التي تُصلَّى فيها العيد . ويجوز فعلها في المساجد لكن فعلها في الصحراء أفضل، أما وقتها كوقت صلاة العيد حين ترتفع الشمس قدر رمح إلى أن يحصل قيام الشمس في كبد السماء، فوقتها كوقت صلاة العيد، وإن استغاث الإمام في خطبة الجمعة بأن دعا أن يغيث الله المسلمين فهذا أيضًا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز للإمام أن يستغيث في خطبة الجمعة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (37) أيضًا، ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة ولا خطبة .
117- إذا نوى أحدنا الاعتكاف في المسجد حيث كان بيته ملاصقًا للمسجد فهل يجوز له أن يدخل في بيته في أوقات تناول الطعام وقضاء الحاجة أيضًا، أو أن قضاء الحاجة محظور عليه فترة اعتكافه وعليه أن يقضي حاجته في حمامات المسجد إذا كان هناك ؟ وهل الاعتكاف جائز في غير العشر الأواخر من رمضان ؟
الاعتكاف سنة مؤكدة وهو لزوم مسجد تؤدى فيه صلاة الجماعة لطاعة الله سبحانه وتعالى والتفرغ للعبادة، وهو مشروع في رمضان وغير رمضان، ولكن في رمضان وفي العشر الأواخر أفضل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (38) ، وأما قضية خروج المعتكف من معتكفه فإنما يجوز هذا للحاجة كأن يحضر الطعام إذا كان ليس عنده من يحضر له الطعام، أو الخروج لقضاء حاجته في البيت أو غيره فخروج المعتكف لأجل الحاجة لا بأس به بقدرها، أما أن يخرج ليأكل الطعام في البيت فهذا لا يجوز، وإنما يخرج وليحضر الطعام له في مكانه إذا لم يكن عنده من يحضره له .
118- ما معنى قوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 . ] .(123/45)
الله سبحانه وتعالى نهى عن مباشرة النساء في حال الاعتكاف في المسجد بعدما أباح مباشرة النساء في ليلة الصيام فإنه استثنى المعتكفين في المساجد، فلا يجوز لهم مباشرة النساء بالوطء أو المباشرة وهم معتكفون لا في ليل ولا في نهار ولو لم يكونوا صائمين؛ لأن الاعتكاف معناه ترك أمور كثيرة ومنها مباشرة النساء والتفرغ لعبادة الله تعالى .
وإذا جامع المعتكف زوجته فإنه يبطل اعتكافه، فالجماع مبطل للاعتكاف، وكذلك إذا خرج الإنسان من الاعتكاف لغير حاجة، إلى السوق أو إلى أي مكان من غير حاجة فهذا يؤثر على اعتكافه أو يبطله لأن الاعتكاف معناه لزوم المسجد والمكث فيه بحيث لا يخرج إلا لحاجة الإنسان الضرورية وبقدرها .
وفي هذه الآية أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد، فلا يعتكف الإنسان في بيته أو في أي مصلى ينفرد فيه أو في مسجد مهجور لا يُصلى فيه كالمسجد الذي ارتحل أهله ولا يوجد له جيران يصلون فيه، هذا لا يعتكف فيه وإن كان في الأصل مسجدًا؛ لأنه يشترط في الاعتكاف أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة لأجل أن يجمع بين الاعتكاف والصلاة مع الجماعة .
أما إذا كان المسجد لا تقام فيه الجماعة لأنه مسجد متروك وقد ارتحل أهله فهذا لا يصح الاعتكاف فيه، لأن المعتكف في هذه الحالة بين أمرين إما أن يبقى على اعتكافه ويترك صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة، وإما أن يخرج لصلاة الجماعة ويكرر ذلك وهذا يتنافى مع الاعتكاف .
فلا بد أن يكون الاعتكاف في مسجد يجمع فيه أن تصلى فيه الجماعة، ولهذا قال تعالى : { فِي الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 . ] وذكر الله تعالى الاعتكاف في ختام آيات الصيام لأن المعتكف الغالب والأحسن أن يكون صائمًا .
119- هل هناك دعاء معين يقال عند خروج الروح من جسد المحتضر أو عند إدخاله القبر ؟(123/46)
أما عند احتضاره فالوارد أنه يلقن : لا إله إلا الله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/631 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/187 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/351 ) ، كلاهما من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه . ] ، ينبغي ويستحب أن يلقن الميت عند الاحتضار : لا إله إلا الله، وأن يلقن ذلك برفق ولا يكرر عليه، لا يضيق عليه بل يلقنها برفق .
أما عند الدفن قد ورد أنه عند وضع الميت في القبر يقال : ( بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كما رواه الإمام أحمد وغيره [ رواه الترمذي في " سننه " ( 3/422، 423 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/494، 495 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/211 ) بنحوه، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 4/55 ) بنحوه، كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . ] .
أما أن يقال دعاء عند الاحتضار هذا لم يرد، غير تلقين الميت : لا إله إلا الله .
120- من الذي يحق له غسل الميت ذكرًا كان أو أنثى من الأهل والأقربين من النساء والرجال لأننا نرى بعض الرجال يدخلون لغسل الجنائز من الرجال والنساء وأقارب أو أجانب فهل هذا صحيح ؟
الرجل يغسله الرجل، ويجوز للمرأة أن تغسل زوجها، والمرأة يغسلها النساء ويجوز للرجل أن يغسل زوجته، فالزوجان يجوز لكل منهما أن يغسل الآخر لأن عليًّا رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها (39) ، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها غسلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه (40) .(123/47)
أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء، بل كل جنس يغسل جنسه ولا يطلع أحدهما على عورة الآخر؛ إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء لأنه لا عورة له . والله أعلم .
121- سائل يقول : من هو أولى بتغسيل المرأة المتوفاة بترتيب ؟ وهل يجوز أن يغسل الكافر المسلمة أم لا ؟ وبالنسبة لإدخال المتوفاة للقبر هل يشترط أن يكون الذي يدخلها من أقربائها أم يجوز لأي شخص أن يتولى هذه المهمة فإن هناك أناسًا يعملون في المقبرة لهذه المهمة، فهل يجوز أن يتولوا إدخال الميتة من النساء للقبور ؟
أولاً : يتولى تغسيل المرأة القريبة فالقريبة من نسائها من كن يحسن ذلك، ويجوز أن يتولاها أي مسلمة تحسن تغسيلها ولو لم تكن من قريباتها، وكذلك زوج المرأة يجوز له أن يغسلها، كما يجوز لها أن تغسل زوجها .
وأما بالنسبة لتغسيل الكافر للمسلم فلا يجوز لأن تغسيل الميت عبادة والعبادة لا تصح من الكافر .
أما بالنسبة للمسألة الثالثة : هي من يدخل المرأة قبرها ؟ فيجوز أن يدخل المرأة قبرها مسلم يحسن ذلك ولو لم يكن محرمًا لها .
122- هل يجوز تشريح الميت بعد موته لاكتشاف سبب الوفاة وهو ما يسمى بالطب الشرعي ؟(123/48)
معلوم حرمة المسلم حيًّا وميتًا فلا يجوز إهانته وعمل شيء في جثته بعد وفاته ولا يعمل إلا ما هو مشروع كتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وأما تشريحه لأجل معرفة سبب الوفاة فإذا دعا إلى هذا ضرورة وغرض صحيح فلا مانع فيه . وأما إذا لم يكن لضرورة ولا لمصلحة شرعية فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا ) [ لم أجده بهذا اللفظ وانظر " حاشية الروض المربع " ( 3/39 ) . ] ، أو ما معناه، فإذا كان لمعرفة سبب الوفاة مصلحة شرعية ضرورية كمعرفة ما إذا كان مقتولاً أو غير مقتول إذا كانت وفاته غامضة ليعرف من وراء ذلك وما يترتب عليه من حكم شرعي ومصلحة شرعية، أو معرفة القاتل إذا كان يمكن معرفة آثاره على بدن الميت فلا مانع من ذلك .
123- وما الحكم إذا كان التشريح لمجرد تعليم الذين يدرسون الطب ؟
لا يجوز أن يعمل هذا بجثة المسلم لأن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا، أما إذا كان هذا في جثة كافر فلا مانع من ذلك لدى بعض العلماء المعاصرين لأن الكافر لا حرمة له . والله أعلم .
124- ما هي الحالات التي يجب فيها نبش القبر عن الميت ؟
لا يجوز نبش الميت من قبره وإخراجه منه إلا لمبرر شرعي، لأن هذا القبر الذي حل فيه يكون ملكًا له لا يجوز نقله منه إلا لمبرر شرعي، كأن يكون دفن في أرض مغصوبة فإنه حينئذ ينبش، ويخرج من هذه الأرض إلى أرض مباحة، أو يكون بقاؤه فيها ليس أصلح له لفسادها بالماء أو غير ذلك فحينئذ يجوز نبشه وإخراجه إلى مكان آخر . أو يكون هذا الميت دفن فيما لا يجوز الدفن فيه شرعًا كالمسجد، فإذا دفن في مسجد فإنه يجب نبشه وإخراج ودفنه في المقابر لأنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد .
125- ما هي الأقوال التي تقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء، وكما نرجو إرشادنا إلى كتاب نستفيد منه في تعلم هذه الأمور ؟(123/49)
أما الكتاب الذي تتعلمون منه هذه الأمور فكتب الفقه على المذاهب الأربعة – والحمد لله – وهي ميسورة : مطولات ومختصرات، فبإمكانك أن ترجع إليها، وهناك كتب الأذكار التي تقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء مثل كتاب »الأذكار« للنووي .
وأما بالنسبة لما يقال في صلاة الجنازة فهو أن تكبر تكبيرة الإحرام، ثم تقرأ الفاتحة، ثم تكبر بعد قراءة الفاتحة وتصلى على النبي كالصلاة عليه في التشهد الأخير . اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم تكبر المرة الثالثة تدعو بعدها للميت : ( اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ) وتتحرى من الأدعية للميت ما ورد [ انظر " صحيح الإمام مسلم " ( 2/662، 663 ) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه . ] .
أما ما يقال في صلاة الكسوف فيكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة نحوًا من سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلاً نحوًا من قيامه، ثم يرفع رأسه ويقول : ( سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ) ، ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة إلا أنها أقل من الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلاً، ثم يرفع ويقول : ( سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ) ، ثم يعتدل قائمًا، ثم يكبر ويسجد سجدتين، ثم يقوم يصلي الثانية كالأولى بركوعين وسجدتين، ثم يجلس للتشهد الأخير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسلم .(123/50)
أما بالنسبة لصلاة الاستسقاء فيصلي الإمام ركعتين قبل الخطبة، ويستحب أن يقرأ في الأولى بالفاتحة و { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، ويقرأ في الثانية الفاتحة و { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } . ثم إذا فرغ من الركعتين يخطب الإمام خطبة يفتتحها بالتكبير والثناء على الله عز وجل، والشهادتين والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما تيسر من الأدعية التي فيها طلب الاستسقاء، ويكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكر الحضور بالتوبة والاستغفار وطب الغيث من الله سبحانه وتعالى، ثم يحول رداءه أو عباءته ويستقبل القبلة ويدعو ويفعل المأمومون مثله ثم ينصرفون .
126- امرأة حامل . . وأجهضت في الأشهر الأولى ( بعد تكوين الجنين ) ، فهل يجب الصلاة عليه وتسميته ؟ وفي أي شهر يجب ذلك شرعًا ؟ وإذا كانت الصلاة تجب عليه، فما الحكم وأنا الآن قد مر وقت على إجهاضي ؟
الحمل إذا سقط من بطن أمه، وقد بلغ أربعة أشهر فأكثر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه؛ لأنه نفخت فيه الروح، وإن كان دون أربعة أشهر فإنه يدفن بدون ما ذكر؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح، ولا يأخذ حكم الجنازة في هذه الحالة .
127- إذا توفي أحد أقرباء الشخص أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد التي هو فيها، فهل يجوز له أن يسافر إلى البلد التي هم فيه لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم أم أن هذا يعد شد رحل ولا يجوز ؟
إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي في بعض البلاد فلا يجوز أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر؛ لأن هذا من البدع والمنكرات، أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء، وتطييب لخواطرهم، ودعاء للميت المسلم بالرحمة والمغفرة فلا بأس بذلك، خصوصًا إذا كانوا من أقاربه ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم تطمين لخواطرهم وتخفيف من مصابهم، وربما يكونون بحاجة لحضوره .(123/51)
128- يوجد في قريتنا مسجد تقام فيه الجماعة ولكن تحيط به المقابر من ثلاث جهات إحداهن جهة القبلة، فهل تجوز الصلاة في هذا المسجد علمًا أن الكثير من جيرانه هجروا الصلاة فيه وأصبحوا يصلون في منازلهم فهل عليهم شيء في ذلك وبماذا تنصحوننا أن نفعل ؟
إذا كان المسجد مفصولاً عن القبور بجدران وطرق أو أرض فضاء ولم يبن من أجل التبرك بالقبور فلا بأس بالصلاة فيه لعدم المحذور في ذلك، والله أعلم .
129- ما رأي الإسلام في ظاهرة الساعات التي تعلق في المساجد ذات الأجراس وهل في ذلك مشابهة لكنائس النصارى أو المعابد اليهودية ؟
معلوم أنه ينبغي إزالة كل ما يشغل المصلي عن صلاته في المساجد وغيرها، وهذه الساعات التي تعلق في المساجد إذا كانت ذات أجراس فإنها تشغل المصلين، وفيها مع ذلك مشابهة لما في الكنائس ومعابد الكفار وينبغي إزالتها من المساجد واستبدالها بساعات خالية من الأجراس، يعرف بها الوقت وتحديد الزمن ولا يكون فيها ما يشغل المصلين أو يكون فيها مشابهة للكفار . أضف إلى ذلك أنه ربما يكون في بعضها تماثيل طيور أو ما أشبه ذلك وهذا محذور آخر، فعلى كل حال لا ينبغي أن يدخل في المساجد من الساعات إلا ما كان خاليًا من الأجراس وخاليًا من الصور، والله تعالى أعلم .
130- هل على التي تدخل المسجد الحرام أو النبوي وهي حائض شيء مثل كفارة وهي كانت في وقت ضرورة ؟
لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد الحرام ولا غيره من المساجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الحائض أن تدخل المسجد للجلوس فيه (41).(123/52)
أما مجرد الدخول من غير جلوس كأن تمر به أو أن تأخذ حاجة منه فليس عليها في ذلك حرج، فمرور الحائض والجنب في المسجد أو دخولهم لأخذ حاجة منه في غير جلوس فيه لا حرج فيه، إنما الممنوع هو جلوس من عليه حدث أكبر من حيض أو جنابة في المسجد، وما فعلته إن كنت دخلت في المسجد الحرام أو المسجد النبوي وبقيت فيه وجلست فيه فقد فعلت محرمًا؛ لكن عليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى وتستغفريه ولا تعودي لمثل هذا وليس عليك كفارة في هذا إنما عليك التوبة والاستغفار . والله أعلم .
131- أعمل في محل تجاري قريب من المسجد وقد طلب مني إمام المسجد أن أصلي بالناس إمامًا بدلاً عنه مقابل 700 ريال شهريًّا مع أنه يستلم من الأوقاف أكثر من هذا المبلغ، وقد سمعت من بعض الناس أنه لا يجوز أرجو إفتائي ولكم الشكر ؟
يجب على من تولى عملاً من أعمال المسلمين أن يقوم به على الوجه المطلوب سواء كان إمامة مسجد أو غيرها . وإمام المسجد أولى بالقيام بواجبه لأنه قدوة وإذا كان لا يستطيع القيام بإمامة المسجد فلا يجوز له أن يتولاها بل يجب عليه أن يتركها لغيره ممن يقوم بها . لكن لو قدر أن شخصًا يؤم في مسجد وعرض له عارض من عذر اقتضى أن ينيب غيره مقامه إلى أن يزول ذلك العذر ثم يباشر عمله فلا بأس .
أما المشارطة في هذا فهي لا تجوز كما لا يجوز للإنسان أن يتولى إمامة المسجد ويأخذ الراتب وهو لا يصلي بالناس، وإنما يأتي بشخص يتفق معه على أن ينوب عنه ببعض الراتب، ويكون هذا بصفة دائمة كما يفعل بعض أئمة المساجد الذين لا يبالون . فإن هذا حرام وأكل للمال بالباطل واحتيال محرم .
132- ما حكم الصلاة على السجادة المعروفة الآن، فبعضهم قال : إنها لا تجوز لأنها تشغل المصلي والبعض الآخر أجاز ذلك ؟(123/53)
تجوز الصلاة على السجادة إذا كانت طاهرة، ومن قال : إنها لا تجوز فلا وجه لقوله؛ لأن الأصل الإباحة، ومن حرم شيئًا فلا بد من الدليل وهي لا تشغل المصلي كما يقول . والله أعلم .
133- هناك إمام في أحد مساجد الرياض (42)، له صوت جميل وحسن في القرآن، وصار الناس يتوافدون عليه بكثرة من أماكن بعيدة، وتركوا مساجدهم المجاورة لهم في الصلاة الجهرية، خصوصًا في ليالي رمضان في التراويح؛ فهل هذا جائز ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
نعم؛ هذه ظاهرة موجودة، وهو أن الناس يتكاثرون في بعض المساجد ويأتون من مكان بعيد إليها، وهذا غير مرغَّبٍ فيه، وأنا لا أستحسن ذلك؛ لأن الأفضل أن تصلي في المسجد المجاور لبيتك وتعمره، ولأن هذا لا تكلف فيه وأبعد عن الرياء، ولما قد يحصل عند إمام المسجد المتروك من التأثر النفسي والفرقة بينه وبين جماعة مسجده الذين لا يصلون معه .
وإذا ترك الناس مساجدهم وذهبوا إلى مساجد معينة؛ تعطلت المساجد الأخرى؛ فأنا لا أستحسن ذلك، والأفضل أن كل أهل حي من الأحياء يصلون في مسجدهم .
الشيء الثاني : أن الناس إذا تكاثروا في مسجد، ربما يصلون في الشوارع، والصلاة في الشارع لا تجوز إلا عند الضرورة؛ مثل يوم العيد أو يوم الجمعة؛ فإن المسجد يضيق في هذه المناسبات، فتجوز الصلاة في الشارع في مثل هذه الحالات إذا ضاق المسجد؛ لأنها لا تفعل في غيره، فإذا ترتب على الاجتماع في مسجد من المساجد أنهم يصلون في الشارع في غير صلاة الجمعة؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الصلاة في الشارع تجوز في حالة الضرورة، وهذه ليست حالة ضرورة .(123/54)
3- كتاب الزكاة
134- عندي أرض حصلت عليها منحة وتقع في منطقة بعيدة عن العمران والخدمات، ولا أفكر في بنائها حاليًا، ولم أعرضها للبيع لانخفاض قيمتها ولكن ربما لو ارتفع ثمنها أبيعها، والسؤال : هل تجب فيها الزكاة ؟
تقول عندك أرض جاءتك منحة وتريد بيعها إذا ارتفع السعر فهل عليها زكاة، والجواب : إذا بعتها وحال الحول على قيمتها بعد البيع وجبت فيها الزكاة، وإن أردت الاحتياط فقومتها كل سنة بما تساوي وأخرجت ربع العشر من قيمتها المقدرة، فهذا أحسن خروجًا من الخلاف . . والله أعلم .
135- اشترينا 3 قطع أراضي إحداهما بنية البناء عليها عاجلاً، والقطعتان الأخريان بنية الاستفادة منها مستقبلاً ببيعها أو عمارتها، وقد مضى عليها ست سنوات ولم نخرج زكاتها جميعًا، فهل علينا شيء في ذلك ؟ وكم يجب أن نخرج ؟
الأراضي التي يشتريها الإنسان لا تخرج عن أحد ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما قصده منها السكنى بأن يزرعها أو يغرسها، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست تجارية .
والنوع الثاني : أن يشتري الأراضي بقصد التجارة وطلب الربح بثمنها، فهذه عروض تجارة إذا حال عليها الحول فإنه ينظر كم تساوي عند تمام الحول ويخرج ربع العشر من قيمتها التي تساويها في وقت تمام الحول .
والنوع الثالث : أن يريد الأرض التي اشتراها للاستثمار بأن يعمرها دكاكين أو عمارات سكنية لتأجيرها، فهذه لا زكاة في أصلها، وإنما الزكاة في غلتها، فإذا قبض من أجرتها ما يبلغ النصاب، وحال عليه الحول من حين عقد الإجارة فإنه يزكيه .
136- هل زكاة الذهب تخرج مالاً أم عينًا كقماش أو طعام أو نحوه ؟
الأصل أن الزكاة تؤخذ من جنس المال المزكى، لأنها مواساة فيؤخذ من الدراهم دراهم، ومن الحبوب حبوب، ومن المواشي مواشٍ من جنسها، ويجوز على الصحيح أن يدفع بدل الدراهم عروضًا من قماش ونحوه إذا كان هذا أنفع للفقير وأرفق بالمحتاج . . . والله أعلم .(124/1)
137- يقول السائل : بالنسبة لذهب المرأة الذي يتم شراؤه بقصد الزينة والاستخدام فهل تجب الزكاة عليه ؟ وفي حالة وجوبها هل تدفع مرة واحدة أم تدفع كل سنة بنسبة ربع العشر ؟
العلماء مختلفون في وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال على قولين :
القول الأول- وهو قول الأكثر وفيهم جماعة من الصحابة- : أنه لا زكاة فيه؛ لأنه أصبح مثل اللباس ومثل المسكن ونحوهما من الحوائج التي يستعملها الإنسان .
والقول الثاني : أن فيه الزكاة نظرًا لأنه من النقدين الذهب أو الفضة، والعمومات تدل على وجوب الزكاة فيهما مع حديث ورد بخصوص الزكاة في الحلي أو أحاديث، ولكن الأحاديث التي وردت بخصوص إيجاب الزكاة في الحلي قال عنها أهل القول الأول : إنها ضعيفة، وعلى كل حال من أراد أن يزكيه من باب الاحتياط وخروجًا من الخلاف، فهذا شيء طيب .
138- أنا أملك من الذهب ما قيمته ألف دينار أو ألفا دينار تقريبًا وأبيع فيه وأشتري فهل عليه زكاة ؟ وما مقدارها ؟ وهل أزكيه ذهبًا من جنسه أم أزكيه نقدًا ؟
إذا ملك المسلم نصابًا من الذهب فأكثر ومقدار النصاب من الذهب عشرون مثقالاً، وهي تعادل أحد عشر جنيهًا ونصف الجنيه من الجنيه السعودي، فإذا ملك المسلم هذا المقدار فأكثر فإنه يجب عليه فيه الزكاة بأن يخرج منه ربع العشر سواءً أخرجها من نفس الذهب أو أخرجها صرفًا من نقود أخرى بأن يخرج ما يقابلها من النقود الأخرى في صرفها، والله أعلم .
139- كم مقدار نصاب الذهب ؟ وكم أخرج منه ؟ فإني أملك بعض القطع الذهبية من الحلي، وقد مرت عليها سنة دون أن أخرج زكاتها علمًا بأنها ليست معي هنا في المملكة فهل أخرج عن السنة الماضية والحاضرة أم عن الحاضرة فقط ؟ وهل أخرجها الآن أم أنتظر حتى أصل إلى بلدي الذي هي فيه ؟(124/2)
نصاب الذهب عشرون مثقالاً، حليًّا كان أو غيره، وهي بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه تقريبًا، وأما ما يجب في الذهب فهو ربع العشر، وتحرير عشرين المثقال بالغرام المعروف الآن اثنان وتسعون غرامًا ( 92 ) غرامًا، ويجب أن تخرج زكاته عن كل سنة مرت عليها، ويجوز أن تخرجها في بلدك أو في غيره وتدفعها للمستحقين .
140- سائل يسأل عن الزكاة في الأرض التي كانت تزرع بُرًّا وشعيرًا أو ذرة أصبحت الآن لا تزرع إلا من الخضراوات كالطماطم والفاصوليا والباميا وغيرها من أنواع الخضراوات فهل عليها زكاة ؟ وكذلك الحيوانات إذا بلغت نصابًا مثل الإبل والأغنام والبقر وأخذنا واحدة على النصاب وأعطيناها أحد المستحقين أو ذبحناها وفرقنا لحمها للفقراء أو أكلنا نحن منها أو نبيعها ونتصدق بقيمتها، فما حكم هذا العمل ؟
أولاً : أما الزكاة في الخضراوات مما ذكرت، فالصحيح من قولي العلماء أن الخضراوات ليس فيها زكاة في ذاتها، وإنما تكون الزكاة في قيمتها بعدما يحول عليها الحول عندكم، أما ما ذكرت من الإبل والبقر هذه تجب فيها الزكاة بشروط :
أولاً : أن تكون نصابًا فأكثر .
ثانيًا : أن يحول عليها الحول .
ثالثًا : أن تكون قد اتخذت للدر والنسل لا للعمل عليها .
رابعًا : أن تكون راعية الحول أو أكثره من الكلأ المباح، فإذا توافرت فيها هذه الشروط وجبت فيها الزكاة، وتخرج زكاتها إلى الفقراء والمساكين، ولا يجوز ذبحها وتوزيع لحمها، وإذا كان ولي الأمر أرسل جباة للزكاة فإنها تسلم إليهم فإن لم يكن هناك جباة، فالمسلم يخرجها ويصرفها للفقراء والمساكين ولا يذبحها ويوزع لحمها، وإن كانت هذه الإبل أو البقر لم تُعَدَّ للدّرّ والنّسل وإنما أعدت للتجارة، فإنه عند تمام الحول عليها يقومها بما تساوي عند تمام الحول ويخرج ربع عشر قيمتها المقدرة، وما باع منها، فإنه يزكي قيمته .(124/3)
141- بهيمة الأنعام في المزارع هل فيها زكاة ؟ وما نصاب الأوراق النقدية ( الريال السعودي ) ؟
بهيمة الأنعام التي ترعى كل السنة أو غالبها من الكلأ المباح وهي تراد للدر والنسل تجب فيها الزكاة كل سنة إذا بلغت النصاب المعتبر شرعًا، أما التي تعلف أكثر السنة فليس فيها زكاة إلا إذا كان القصد منها تسمينها للبيع للربح والتجارة فإنها تصبح عروض تجارة تجب الزكاة في قيمتها كسائر السلع التجارية بأن تُقَوَّم عند الحول بما تساوي ويدفع ربع العشر من قيمتها المقدرة .
ومقدار نصاب الأوراق النقدية السعودية هو ما يعادل صرف ستة وخمسين ريالاً سعوديًا من الفضة، والله أعلم .
142- اشتريت لي ولإخوتي عددًا من الإبل ومنذ شرائها وهي في حظيرة خاصة بها لا تخرج منها نحضر لها ما تأكل من شعير ونحوه، ومنذ مضي الحول الأول عليها أخرجنا زكاتها، وفي الحول الثاني قيل لنا : إنه ليس علينا زكاة مادامت تعطى طعامها عندها ولا ترعى بنفسها، فهل هذا صحيح ؟ وماذا يجب علينا مستقبلاً ؟
هذا مجمل فإن كان قصدكم من اقتناء هذه الإبل التجارة وتسمينها وبيعها طلبًا للربح فهذه فيها زكاة، أما إذا كان الغرض لاقتنائكم منها استنتاج هذه الإبل وطلب نسلها وشرب لبنها فهذه لا زكاة فيها ما دمتم تعلفونها أكثر الحول، إذا كانت تعلف أكثر الحول فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى أكثر الحول فتكون فيها زكاة .
143- هناك مشروع لتربية الأبقار ذات الحليب التي تأكل العلف الذي يحضر لها ولا ترعى نفسها بالفلاة، فهل عليها زكاة أم أن الزكاة فقط فيما يحصل من الأرباح السنوية . . . وإذا كان عليها زكاة، فكم عددها ؟
الأبقار التي تتأكد في الإنتاج وينفق عليها وتعلف، ليس عليها زكاة في نفسها، إنما الزكاة تجب في السائمة وهي التي ترعى الحول أو أكثره من المباح .(124/4)
أما التي تعلف أكثر الحول فهذه لا زكاة في أصلها، ولكن إذا حصل من غلتها على مال يبلغ النصاب فأكثر فإنه يزكى لإخراج ربع العشر من غلتها . . أو إذا باعها وحال الحول على ثمنها فإنه يزكى لإخراج ربع العشر .
144- أنا سوداني أعمل في دولة قطر ولي بعض الأغنام في السودان، وقد مضى على وجودي بقطر أكثر من سنة فهل يجوز تأجيل الزكاة منها على ما بعد رجوعي إلى السودان، علمًا بأنني لم أزكها في السنة الماضية، وأنا موجود هنا في قطر وبعد رجوعي إلى السودان هل أنتظر حتى يحول عليها الحول الثاني وأزكي عن الحولين معًا أو أن أعجل الزكاة عن العام المنصرم ؟ أرشدونا جزاكم الله خيرًا ؟
لا شك أن الزكاة أحد أركان الإسلام يجب إخراجها عند تمام الحول مع التمكن من ذلك وإذا مثلاً تغيبت عن مالك كما ذكرت من أن مالك في السودان وأنت في قطر، فإنه ينبغي لك أن توكل من يقوم مقامك في إخراج الزكاة في وقتها، لأن في ذلك مبادرة في أداء الواجب، وضمانًا لأداء الحق الذي عليك خشية أن يعرض لك عارض من موت أو نسيان أو غير ذلك فيتأخر إخراج الواجب ويتعذر، أما ما ذكرت من أنك إذا ذهبت للسودان هل تؤخر إخراج العام الماضي إلى أن يأتي العام القادم وتخرجها جميعًا أو تعجل، فالمتعين أن تبادر بإخراج الزكاة عن العام الماضي ويجوز أن تعمل زكاة العام الذي لم يتم فتخرجها مع زكاة الحول الذي تم، والله تعالى أعلم .
145- سمعت من بعض الناس بأن الزكاة لا تجب على الغنم التي تشتري لها علفًا فهل الكلام صحيح ؟(124/5)
نعم إذا أعلفتها أكثر السنة فهذه ليس فيها زكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون في السائمة، وهي التي ترعى من الكلأ، وهو العشب الحول أو أكثر الحول . أما التي تعلفها أكثر السنة أو كل السنة فليس فيها زكاة إلا إذا كانت عروض تجارة بأن تبيع وتشتري في الغنم أو تعلفها وتبيعها، فالزكاة تجب في قيمتها، وهي ربع العشر كسائر عروض التجارة إذا حال عليها الحول أو حال الحول على رأس مالها الذي اشتريت به . والله تعالى أعلم .
146- لديَّ مجموع من الأخوة والأخوات الأشقاء وكل واحد منهم لديه أسرة كبيرة، ولا يملك شيئًا يذكر لتغطية نفقات دراسة أولاده وأنا أحسن حالاً، والحمد لله، فهل يجوز لي أن أوزع زكاة مالي عليهم بشرط أن لا أخبرهم بأن هذا المال هو زكاة مالي دفعًا للحرج، وخوفًا أن يعلموا ذلك فلا يقبلوها ؟
دفع الزكاة لمثل هؤلاء جائز؛ لأنهم في حاجة إلى ذلك مادام أن دخلهم لا يكفيهم لحاجاتهم الضرورية، وأما من ناحية الإخبار عنها أنها زكاة أو غير زكاة هذا يتبع المصلحة فإذا كانت المصلحة بعدم إخبارهم فلا تخبرهم وإذا كانت المصلحة في إخبارهم فأخبرهم .
147- هل يجوز أن تصرف الزكاة في بناء المسجد أو المدارس أو المستشفيات للمسلمين مع وجود الفقراء أو عدمهم ؟
لا يجوز صرف الزكاة في المشاريع الخيرية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر مصارفها وحصرها فيها، قال سبحانه : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ سورة التوبة : آية 60 ] ، فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف الثمانية لا في القناطر ولا في المشاريع العامة ولا في المدارس ولا في المساجد ولا في غيرها من المشاريع الخيرية؛ لأن هذه المشاريع تمول من التبرعات ومن الأوقاف المخصصة لها .(124/6)
أما الزكاة فإنها تصرف في مصارفها الشرعية التي حددها الله سبحانه وتعالى، والمراد بقوله : { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ سورة التوبة : آية 60 ] المجاهدون الذين ليس لهم مرتبات من بيت المال فيعطون من الزكاة وليس المراد من سبيل الله عموم المشاريع؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن لعطفه على بقية الأصناف فائدة إذ كل الأصناف تكون في سبيل الله، فالحاصل أنه لابد من صرفها في مصارفها المحددة، فمن صرفها في غير أحد هذه الثمانية فإنها لا تجزيه .
148- لي على أحد الأصدقاء دين وأنا بحاجة ماسة لهذا المبلغ، ولكن صديقي معسر . . فهل على هذا المبلغ زكاة ؟ ولو طالت هذه المدة لسنين، وهل أخرجها في كل سنة أم أجمعها مؤجلة إلى أن أقبضه منه ؟
الصحيح من أقوال أهل العلم في الدين إذا كان على مفلس . . أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، أما السنوات الماضية وهو في ذمة المفلس ليس عليه زكاة، لأنه عرضة لعدم الحصول ولأن يذهب، فإذا قبضه وجب عليه أن يزكيه لعام واحد .
149- إذا كان لي على أناس دين هل يجوز أن أخرج زكاة هذا المال الذي لي لدى الآخرين ؟
إذا كان الدين على مليء وحال عليه الحول وهو يبلغ النصاب بنفسه أو بضمه إلى ما عندك فإنه تجب فيه الزكاة، وإن كان على مفلس ولا تضمن الحصول عليه فإنك تزكيه إذا قبضته عنه سنة واحدة فقط على الصحيح .
150- لدي مبلغ من المال وقدره أربعة آلاف دينار عراقي وقد مضى عليه سنة، فهل يجوز لي دفع الزكاة منه إلى طفل يتيم عندي أم أتصدق به على غيره من الفقراء ؟ وكم هو المبلغ الذي يجب عليَّ دفعه مقابل هذا المبلغ الذي هو أربعة آلاف دينار ؟
لا يجوز دفعك الزكاة إلى هذا اليتيم الذي عندك؛ لأنك قد قمت بكفالته وما يلزم له، فقد استغنى بذلك عن الزكاة، فعليك أن تدفعها إلى فقير آخر يحتاج إليها، أما قدر المبلغ الذي تدفعه زكاة عن هذا المال فهو ربع العشر، أي اثنان ونصف في المائة، والله أعلم .(124/7)
151- كيف يمكن إخراج زكاة المال عن مال مرّ عليه سنة وأنا أجمعه ولا أعرف ما أكمل السنة منه وما لم يكمل السنة ؟ وهل أخرج الزكاة أيًّا كان نوعها في بلدي أم في المملكة علمًا أنني أعمل في المملكة ولست منها ؟
هذا السؤال له شقان :
الشق الأول : يقول : عنده مال متجمع، وليس على حد سواء في وصوله إليه، ولا تعلم ما حال عليه الحول منه وما لم يحل عليه الحول، والجواب عن هذا أن نقول : إن كان عنده نصاب حال عليه الحول، وهذا النصاب أنتج أرباحًا في خلال السنة، فإن الربح يتبع الأصل ولو لم يحل عليه الحول فيزكي الجميع الأصل ( رأس المال ) ، والربح الذي در منه ولو لم يكن الربح قد حال عليه الحول؛ لأنه تبع لأصله، أما إذا كان هذا الوافد الجديد ليس ربحًا للمال التليد عندك كالموظف والعامل الذي يصل إليه من راتبه كل شهر ويتوفر لديه مجموعة وبعضها يكون حال عليه الحول وبعضها لا يكون حال عليه الحول فهذا في اعتبار الحول في كل نوع مما عنده مشقة فلو جعل شهرًا من السنة كشهر رمضان مثلاً موعدًا يخرج فيه زكاة ما تجمع عنده مما حال عليه الحول ومما لم يحل عليه الحول، فما حال عليه الحول فلا إشكال فيه، وما لم يحل عليه الحول فتعجيل الزكاة يجوز لغرض صحيح، فإنه بذلك يحل إشكاله وتبرأ ذمته إن شاء الله تعالى .(124/8)
أما الشق الثاني من السؤال : وهو محل إخراج الزكاة فإن الفقهاء نصوا على أن محل إخراج الزكاة هو البلد الذي فيه المال لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فترد على فقرائهم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/108 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فالبلد الذي فيه مالك تخرج زكاته في فقرائه ( في فقراء ذلك البلد ) ، ويجوز نقل الزكاة لغرض صحيح إلى بلد آخر قريب منه كما إذا لم يكن في البلد الذي فيه المال فقراء فيجوز نقلها إلى مكان آخر فيه فقراء، فأنت تراعي هذا إن كان البلد الذي فيه المال فيه فقراء ومستحقون فأخرج زكاة المال في بلد المال، وإن كان ليس في بلد المال فقراء ومستحقون فانقلها إلى أقرب البلاد إليه، والله تعالى أعلم .
152- توفي والدي في عام 1406هـ وكان له دين عند بعض الناس وقد حضر منه مبلغ وقدره 25 ألف ريال سعودي وهي طبعًا لنا – الورثة – ولكن هذه المبالغ لم تزك وإلى هذا التاريخ، لذا نرجو إفتاءنا كيف نزكيها عن هذه المدة التي لا تقل عن سبع سنوات وعلى من يكون الإثم في هذا التأخير ؟ هذا والله يحفظكم ويرعاكم .
إذا خلف الميت دراهم فإنه يجب على كل وارث له أن يزكي نصيبه منها إذا بلغ النصاب فأكثر وحال عليه الحول من حيث وفاته سواء قسمت أو لم تقسم وإذا مر عليها عدة سنوات وهي لم تزك فإنه يجب على كل وارث أن يخرج زكاة نصيبه عن تلك السنوات إذا كان نصيبه يبلغ النصاب فأكثر، والنصاب ما يعادل صرف ستة وخمسين ريالاً سعوديًا من الفضة، والله أعلم .
153- إذا كان بعض أو أحد أقاربي تاركين للصلاة وشاربين للخمر فهل يجوز لي أن أدفع إليهم الزكاة نظرًا لفقرهم وحاجتهم ؟(124/9)
الزكاة إنما تدفع لفقراء المسلمين ولا تدفع للكفار إلا إذا كانوا من المؤلفة قلوبهم والتارك للصلاة ليس بمسلم؛ لأنه إن تركها متعمدًا فكفره لا خلاف فيه، وإن كان تركها متهاونًا فهو أيضًا كافر على أصح قولي العلماء، فلا يصح دفع الزكاة إليه مادام تاركًا للصلاة متعمدًا؛ لأنه ليس بمسلم، والله تعالى أعلم .
154- إذا كان الرجل محتاجًا إلى الصدقة وهو لا يصلي فهل يجوز التصدق عليه ؟
الصدقة الواجبة من الزكاة وغيرها من الواجبات المالية كالكفارات والنذور، وصدقة الفطر لا تدفع إلى كافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، أما صدقة التطوع والتبرعات فيجوز دفعها إلى غير مسلم إذا كان يترتب على هذا مصلحة ككونه قريبًا من الأقرباء أو غير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر : ( صلي أمك ) [ رواه الإمام البخاري ( 7/71 ) من حديث أسماء رضي الله عنها ] ، وكانت كافرة .
أما الزكاة والصدقات الواجبة فلا يجوز دفعها إلى الكافر إلا في حالة المؤلفة قلوبهم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الزكاة : ( تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/108 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] يعني المسلمين .
155- هل يجوز دفع الزكاة لتارك الصلاة أو الفاسق ؟ ولو كان عنده زوجة صالحة ولها أطفال فما الحكم ؟
تارك الصلاة متعمدًا كافر لا تدفع إليه الزكاة؛ لأنه كافر إن تركها جاحدًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، وإن كان تركها مع إقراره بوجوبها لكن تركها تكاسلاً وتساهلاً وعدم اهتمام بشأنها فهذا كافر على الصحيح من قولي العلماء، فعلى كل حال مثل هذا لا تدفع إليه الزكاة .(124/10)
أما بالنسبة للفاسق وهو الذي يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب دون الشرك ودون ترك الصلاة فهذا تدفع له الزكاة إذا كان فقيرًا مع مناصحته والأخذ على يده لعله بذلك يتعظ ويؤلف على التوبة وترك المعصية، خصوصًا إذا كان عنده عائلة وهو بحاجة إلى الإنفاق عليهم أو ينقصه شيء من الإنفاق عليهم .
156- قرأت في إحدى الصحف أن هناك أناسًا مستحقين للزكاة وذهبت بنفسي للتأكد ووجدت ذلك صحيحًا، فهل يحق لي إعطاؤهم الزكاة أم تعتبر صدقة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
من المستحقين للزكاة : الفقراء وهم من لا يجدون شيئًا أو يجدون بعض الكفاية وهؤلاء يُعطون من الزكاة ما يكفيهم لسنتهم، وكذا المساكين وهم الذين يجدون غالب الكفاية وهؤلاء يُعطون من الزكاة ما يتمم كفايتهم لسنتهم، ويكون المعطى زكاة إذا نويته زكاة، فإن لم تنوه زكاة صار صدقة تطوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] ، والله أعلم .
157- هل يجوز إخراج الزكاة في البلد الذي أنا مقيم فيه مع وجود مساكين في بلدتي ؟
الأصل أن الزكاة تخرج في البلد الذي فيه المال، فإذا لم يكن في البلد الذي فيه المال فقراء مسلمون، فإنه ينقلها إلى أقرب البلاد إليها التي فيها فقراء من المسلمين هذا هو الأصل، والله أعلم .
158- أنا رجل أعمل في التجارة، وكل سنة في شهر رمضان المبارك أزكي ما عندي من مال، وعندي عمال يعملون معي براتب شهري، فهل يجوز لي أن أعطيهم زكاة مالي الذي أخرجه في كل سنة ؟ أم أسلمه إلى جباة الزكاة التابعين للحكومة وهم بدورهم يصرفونه في وجوهه ؟ علمًا بأن هؤلاء العمال من الناس المتدينين حسبما يتضح لي منهم، ومن المحتاجين إلى الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها إليهم ؟ أو إذا بعثتها بواسطة شيك على أحد المصارف في بلادهم إلى أهلهم هل يصح ذلك أم لابد من إخراجها نقدًا ؟(124/11)
الزكاة أمرها عظيم وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، والله تعالى بيَّن مصارفها بنفسه وحددها، وذلك مما يدل على أهميتها ومكانتها في الإسلام .
أما ما سألت عنه من حكم دفعها إلى العمال الذين يعملون لديك وهم أهل طاعة كما ذكرت وأهل استقامة وهم فقراء أيضًا، فالجواب : أن الزكاة لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، فما دام أن هؤلاء العمال عندهم قدرة على الاكتساب وكسبهم يكفيهم فلا يجوز دفع الزكاة إليهم؛ لأن قدرتهم على الاكتساب وتحصيلهم ما يكفيهم باكتسابهم يسد حاجتهم إلى الزكاة، فلا حظ في الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، أما إذا كان اكتسابهم لا يكفيهم بل تلحقهم حاجة فلا بأس بدفع الزكاة إليهم .
أما ما أشرت إليه من قطع شيك بمبلغ الزكاة إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق فلا مانع من ذلك .
ولكن لا يجوز أن تجعل ما تعطيهم من الزكاة في مقابل حق يجب لهم عليك أو في مقابل عمل يؤدونه لك .
159- أنا أعمل مديرًا لمحلات أحد التجار وعادته في إخراج الزكاة أن يكون في شهر رمضان، ولكنه كثيرًا ما يكون غائبًا عن البلد فيترك الزكاة عندي مع كشف أسماء من يريد دفع الزكاة إليهم، ويقول لي : إن جاءك أحد من هؤلاء المسجلة أسماؤهم فادفع إليه ما خصصته له، وإن لم يأت فلا تعط أحدًا غيرهم، والذي يحدث أن بعض أولئك لا يحضرون مما جعل كثيرًا من النقود المخصصة للزكاة تبقى مكنوزة، فما الحكم في هذا العمل ؟ وهل يجوز أن يحدد الإنسان أشخاصًا سيدفع إليهم الزكاة، أم يتركها لمستحقيها بدون تعيين أسماء ؟
أنت مؤتمن يجب عليك أن تنفذ ما قاله لك صاحب الزكاة، فتبقي الزكاة عندك، وإذا جاءك مستحقها الذي عين في الكشف الموجود لديك فادفع إليه حقه، ومن لم يأت فإنك تحتفظ بحقه وتسلمه لصاحب المال، وهو الذي يتصرف فيه إن شاء انتظر به صاحبه المستحق، وإن شاء صرفه إلى غيره من المستحقين .(124/12)
160- أنا شاب متزوج وليس لي أي دخل مادي سوى ما أتقاضاه من الجامعة التي أدرس فيها حيث لا تكفي إلا لسد حاجاتي الضرورية ولا يبقى منها شيء، لكن لدي بعض الذهب والمجوهرات الخاصة بزوجتي فهل تجب عليَّ الزكاة سواء على مالي أو مجوهرات زوجتي ؟
لا تجب عليك الزكاة إلا إذا كان عندك دراهم تبلغ النصاب فأكثر وحال عليها الحول فإنك تخرج منها ربع العشر زكاة، وأما حلي زوجتك فإذا كانت أعدته للاستعمال ففي وجوب الزكاة فيه خلاف بين العلماء، والذين يرون فيه الزكاة يقولون : تجب على مالكة الحلي وهي الزوجة، أما زوجها فلا يجب عليه شيء، وإن دفع الزكاة عنها من باب التبرع فلا بأس بعد إذنها بذلك .
161- أنا مقيم في هذا البلد للعمل، فهل يجوز لي إخراج زكاة الفطر هنا أم في بلدي الذي قدمت منه ؟
يشرع إخراج صدقة الفطر في البلد الذي ينتهي شهر رمضان وأنت فيه؛ لأنها تابعة للبلد فحيث وجد المسلم في بلد وحان انتهاء شهر رمضان فإنه يخرج زكاة الفطر عن نفسه في فقراء ذلك البلد . . وإن وَكَّل من يخرجها عنه في بلده أجزأه ذلك، لكنه خلاف الأولى – والله أعلم – وإذا كنت في بلد ليس فيه مسلمون، أو فيه مسلمون لكنهم لا يستحقون صدقة الفطر لأنهم أغنياء، فإنها تخرج في أقرب بلد فيه فقراء من المسلمين .
162- ما الحكم في إخراج الزكاة أو قيمتها مع أنني لا أجد ولا أعرف مستحقًّا لها ؟
إذا كان عندك مال تجب فيه الزكاة ولا تعرف مستحقًّا لكونك في بلد من غربة ولا تعرف المستحقين فعليك أن توكل من إخوانك من أهل البلد من تثق به من يخرجها على المستحقين، وإذا كنت لا تعرف أحدًا ولا تستطيع أن توكل فتنقلها من البلد الذي لا تعرف فيه مستحقًّا إلى بلد آخر تعرف فيه من يستحق الزكاة وتدفعها إليه؛ لأن هذا منتهى استطاعتك .
163- كثر الجدل مؤخرًا بين علماء بعض الدول الأخرى حول المشروع في زكاة الفطر، وإمكانية إخراج القيمة، فما رأي فضيلتكم ؟(124/13)
المشروع في زكاة الفطر أن تؤدى على الوجه المشروع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يدفع المسلم صاعًا من قوت البلد وتُعطى للفقير في وقتها، أما إخراج القيمة فإنه لا يجزئ في زكاة الفطر؛ لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما عمل به صحابته الكرام من إخراج الطعام، ولم يكونوا يخرجون القيمة وهم أعلم منا بما يجوز وما لا يجوز، والعلماء الذين قالوا بإخراج القيمة قالوا ذلك عن اجتهاد، والاجتهاد إذا خالف النص فلا اعتبار به .
قيل للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- : قوم يقولون : عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة في الفطرة ؟ قال : يَدَعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : قال فلان، وقد قال ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا . . . (1) انتهى .
164- يقول بعض الدعاة : إن التصدق للبوسنة أفضل من الاعتمار في رمضان، ما رأي فضيلتكم ؟
نعم الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها، وما كان نفعه متعدّيًا أفضل مما كان نفعه قاصرًا، وهذا عام في فقراء المسلمين في البوسنة وغيرها، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج . والله أعلم .(124/14)
4- كتاب الصيام
165- أصوم أحيانًا بدون عقد النية عند بدء الصيام فهل النية شرط في الصيام كل يوم ؟ أو يكفي في أول الشهر ؟
الصيام وغيره من الأعمال لابد أن تكون عن نية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( لا عمل إلا بالنية ) (2) .
فصوم رمضان تجب له النية من الليل بأن ينوي قبل طلوع الفجر صيام ذلك اليوم، وقيام المسلم من النوم آخر الليل وتسحره يدل على وجود النية فليس المطلوب أن يتلفظ الإنسان ويقول : نويت الصوم، فهذا بدعة لا تجوز، والنية في رمضان كل يوم بمفرده؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية فينوي الصيام بقلبه لكل يوم من الليل، ولو كان قد نوى من الليل ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فصيامه صحيح لوجود النية من الليل .
166- شخص في أول ليلة من رمضان نام قبل أن يعلم أن غدًا هو أول الصيام، فلما قام لصلاة الفجر سأل أحد المصلين، فإذا هو الآخر ليس لديه علم، فواصل ذلك ولم يأكل شيئًا، ولما ذهب إلى العمل وجد الناس صائمين، وعلم بعد ذلك بالصيام وعلى ذلك واصل صيامه حتى المساء، فهل صيامه صحيح في ذلك اليوم أم أن عليه قضاء ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا ؟(125/1)
من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار فإنه يجب عليه الإمساك في بقية اليوم ويقضي هذا اليوم؛ لأنه لم ينو الصيام من الليل، وقد جاء في الأحاديث أنه (لا صيام لمن لم يجمع النية من الليل) [ رواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/288 ) من حديث عبد الله بن عمر موقوفًا، ورواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 6/287 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 2/341، 342 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 4/196، 197 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/542 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/12 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 4/202، 203 ) ، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 3/212 ) ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 2/292 ) ، ورواه ابن حزم في " المحلى " ( 6/162 ) ، ورواه الخطيب البغدادي ( 3/92، 93 ) ، وذكره الزيلعي في " نصب الراية " ( 2/433-435 ) ، كلهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] أي : في صيام الفرض . وهذا فاته جزء من النهار لم ينو فيه الصوم .
167- البعض يقول : إن على المسلم أن يتحول إلى زاهد في رمضان فيجتنب كل الملذات من الأكل والشرب والجماع وغيرها حتى يخرج رمضان فهل هذا العمل مشروع ؟(125/2)
يقول الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] ، ففي هذه الآية الكريمة أباح الله للصائم في ليل الصيام كل ما يمنع منه في النهار من الطعام والشراب وسائر المباحات والاستعانة بذلك على طاعة الله سبحانه وتعالى .
وترك المباح وحرمان النفس منه تعبدًا يعتبر من الغلو سواء في رمضان أو في غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، ومن يرغب عن ملتي فليس مني ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/116 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، وليس الزهد هو ترك ما أباح الله .
168- هناك من ينهى عن كثرة النوم في رمضان، ويقول : إن على المسلم أن يكون في عمل ويقظة ولا ينبغي له كثرة النوم، ما رأي فضيلتكم ؟
نعم ينهى عن الإكثار من النوم في هذا الشهر أعني النوم في النهار، لأنه يكسل عن الطاعة، وربما يفوت صلاة الجماعة أو يسبب إخراج الصلاة عن وقتها، والمطلوب من المسلم النشاط في الطاعة، ويكون النوم بالليل، ولا سيما من أوله لينشط في النهار على أداء العلم والمشاركة في الطاعات .
169- البعض يقيم ولائم وعزائم في رمضان ويجعله شهر مناسبات، والبعض الآخر يذبح ذبائح ويوزعها صدقات وغير ذلك من الاهتمامات بالأكل، ما حكم ذلك ؟(125/3)
نعم لإطعام الطعام في شهر رمضان مزيد من الفضيلة نظرًا لشرف الزمان، ولحاجة الصوام إلى الطعام، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائمًا فله مثل أجره ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/114 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/149 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/555 ) ، كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ] فإعداد الطعام في هذا الشهر للمحتاجين من أفضل الأعمال لأن الصدقة فيه مضاعفة أكثر من غيره .
170- أثناء قيادة بعض الناس لسياراتهم وهم صائمون في رمضان، ومع اشتداد الازدحام يتلفظون بألفاظ نابية تصل إلى حد السباب والشتيمة لغيرهم، فما حكم صيام هؤلاء ؟
أما الصيام فهو صحيح، وذلك لأن الأقوال المحرمة والأفعال المحرَّمة لا تبطل الصوم ولكنها لا شك تنقصه وتضيع فائدته وثمرته، فإن المقصود من الصوم تقوى الله عز وجل كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ سورة البقرة : آية 183 ] ، فبيَّن الله الحكمة من فرض الصيام علينا وهي حصول تقوى الله عز وجل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعام وشرابه ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/228 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا شاتمه أحد أو قاتله أن يقول : ( إني امرؤ صائم ) حتى يرتدع الساب والشاتم، وحتى يعلم أن هذا الصائم لم يترك الرد عليه عجزًا عنه ولكن ورعًا وتقوى لله عز وجل لأنه صائم، والواجب على الصائم وغيره الصبر والتحمُّل وألا تثيره الأمور المخالفة لما تشتهيه نفسه .(125/4)