61 ـ بَاب مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ إِلى بَيْتِهِ
ثُمَّ صَلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّفَا
1510 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ذَكَرْتُ لعُرْوَةَ قَال فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِي الله عَنْهما مِثْلهُ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْه فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ بِعُمْرَةٍ فَلمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلوا(1)
__________
(1) وهذا واضح أنك تبدأ أول ما تبدأ بالنسك لأنك ما أتيت إلى مكة إلا لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره عند باب المسجد ثم طاف، لكن في الوقت الحاضر هذا متعذر أو متعسر لأنه لا يمكن إيقاف السيارات حول المسجد فلابد أن تذهب إلى محلك وتنزل متاعك ثم تأتي بما يتيسر لك { ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } كانوا في الأول أدركناهم تقف السيارات عند المسعى ، والمسعى قبل أن يُبنى عليه البناء ، كان المسعى في الأول سوق تجارة دكاكين وبيع وشراء ما فيه أحد ، فكانت السيارات تقف عند المسعى وعليها العفش وكل شيء ، فيدخل الإنسان ويأتي عمرته ثم يرجع إلى سيارته ويذهب إلى بيته ، لكن في الوقت الحاضر هذا صعب جداً .(4/445)
1511 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوَّل مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
1512 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّل يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
__________
(1) بطن المسيل ) يعني الوادي الذي عليه الآن علامة ، الأعمدة الخضراء فيه علامة ابتداء السعي ، والسعي يكون بشدة إذا تيسر ، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة سعيه تدور به إزاره ، وسبب ذلك أن أصل السعي من أجل سعي أم إسماعيل ، أم إسماعيل أنزلها إبراهيم الخليل عليه السلام هي وابنها في مكان عند الكعبة الآن ، ثم ذهب وجعل عندهما قربة ماء وجراب تمر ، نفذ التمر والماء وعطشت الأم ، ولازم ذلك أن ينقص لبنها فجاع الولد وجعل يتلوى من الجوع والأم ليس عندها أحد ، فرأت أقرب جبل إليها هو الصفا ، ذهبت إليه وصعدت وجعلت تتحسس تتسمع ما رأت أحداً ولا سمعت أحداً ، نزلت متجهة إلى الجبل الثاني المقابل وهو المروة ، لما هبطت في بطن الوادي غابت عن ولدها فجعلت تسعى سعياً شديداً ، سعي أم مشفقة خائفة على طفلها أن يفوت عليه أحد ذئب أو غيره ، حتى تمت سبعة أشواط ، فأمر الله جبريل فنزل وضرب بجناحه أو رجله الأرض حتى نبع الماء ماء زمزم بدون معاول ولا مكاين ولا شيء ، بإذن الله نبع وجعل يذهب يميناً وشمالاً ، فجعلت هي تحجره من شفقتها عليه .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً )) ونحن نقول : رحم الله أم إسماعيل ورحمنا أيضاً لو كانت نهراً ما يكون مسجد ، نهر يمشي في وسط المسجد صعب ، لكن من نعمة الله أن هذه المرأة سخرها الله عز وجل فحجرته حتى بقي في مكانه . والعجب أن هذا البئر لا يمكن أن ينضب أبداً ، ما نضب لا في قديم الزمان ولا في حديثه ، ولما صارت البناية الأخيرة للمسجد في التعديل يقولون رأوا نهراً عظيماً يصب في البئر يأتي من قِبل الصفا ، شيء عجيب من شدته ، والله على كل شيء قدير .
وقوله رضي الله عنه : ( كن يسعى بطن المسيل ) هذا السعي سنة للرجال لا إشكال فيه لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهل يُسن للنساء ؟ الجواب : لا يسن ، حكاه بعضهم إجماعاً أنه لا يُسن ؛ لأن المرأة مطلوب منها الستر لا أن تسعى حتى يدور بها إزارها ، فلا يُسن أن تسعى، فإن قال قائل : أليس السعي من أجل أم إسماعيل ؟ فالجواب : بلى لكن أم إسماعيل كانت تسعى وليس عندها أحد ، والآن لا يمكن أن تسعى المرأة إلا عندها أحد ، ولو فُرض أن المسعى خلا من الرجال مطلقاً ليس فيه أحد فقد يقول قائل إنها تسعى المرأة تركض يعني ، لكن الآن لا يمكن .
وكذلك صعودها الصفا والمروة لا يُستحب ، حكاه بعض العلماء إجماعاً أيضاً ؛ لأن الصعود يُظهر منها أكثر مما لو كانت على الأرض ، فلا يُسن لها أن تصعد ، وحينئذٍ يسقط عنها سنتان : سنة السعي وسنة الصعود، كما سقط عنها سنة الرمل في الطواف فإنها لا ترمل في الطواف.
سؤال : أحسن الله إليك ، قوله : ( فما مسحوا الركن حلوا ) كيف هذا ؟
الجواب : مسحوا الركن يعني أتموا الطواف .
سؤال : أحسن الله إليك ، في بعض الأيام يكون المسعى في الدور الأول فاضي ما فيه أحد ، هل يسن للمرأة أن تصعد فوق وتسعى ويكون هذا أفضل أو تسعى مع الرجال ؟
الجواب : لا .. الأولى سد الباب ، الأولى أن لا تصعد .
سؤال: الدور الثاني كون مستوياً على الأرض فما فيه مكان للمصعد؟
الجواب : على كل حال منتهى السعي الواجب حد الجدار ، الجدار الدائري هذا حده مما يلي المسعى هو الحد ، يعني ما هو لازم تدور عليه ؛ لأن حد المسعى الأصلي الذي يجب حد الشباك الموضوع للعربات ، فمن وقف على حده من جهة المروة أو الصفا فقد استكمل السعي .(4/446)
62 ـ بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال
1513 و قَال لي عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَال ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا قَال أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال قُلتُ أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ قَال إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ قُلتُ كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال قَال لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ فَقَالتِ امْرَأَةٌ انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ قَالتِ انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ قُلتُ وَمَا حِجَابُهَا قَال هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لهَا غِشَاءٌ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلكَ وَرَأَيْتُ عَليْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا(1)
__________
(1) طواف النساء مع الرجال لا باس به ، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه ؛ لأن كل امرأة مع محرمها ، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال لضاعت النساء وحصل من الشر أكثر ، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حجرة ، يعني بعيدات عن الرجال لكان هذا طيب ، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد ، يجعلون النساء على الجانب ، وهو عمل طيب ويقال لهن لا تطفن إلا في الليل مثلاً فهذا صعب ، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب ، لو قلنا الرجال وحدهم والنساء وحدهم لحصل فتنة كبيرة كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه ، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع ، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف ـ والعياذ بالله ـ وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف ـ نسأل الله العافية ـ وكم ضُبط من قضية ؟
وفي هذا أيضاً لما ( إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ) في هذا دليل على الاحتجاج بالفعل ، أي فعل الصحابة لاسيما مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الفعل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم ينكره الرسول ولا الله عز وجل فإنه يعتبر جائزاً إن كان من غير العبادة ومشروعاً إن كان من العبادة . تقرأ علينا من فتح الباري ( إذ منع ابن هشام ) :
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( إذ منع ابن هشام ) هو إبراهيم أو أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي وكانا خالي هشام بن عبد الملك فولى محمدا إمرة مكة وولي أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة وفوض هشام لإبراهيم إمرة الحج بالناس في خلافته فلهذا قلت يحتمل أن يكون المراد ، ثم عذبهما يوسف بن عمر الثقفي حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عبدالملك بأمره سنة خمس وعشرين ومائة قاله خليفة بن خياط في تاريخه . وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك ، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقا فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر . قال الفاكهي ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري . ا.هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتا ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة ، قوله : ( كيف يمنعهن ) معناه أخبرني ابن جريج بزمان المنع قائلا فيه كيف يمنعهن ، قوله : ( وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ) أي غير مختلطات بهن ، قوله : ( بعد الحجاب ) في رواية المستملي : ( أبعد ) بإثبات همزة الاستفهام وكذا هو للفاكهي ، قوله : ( إي لعمري ) هو بكسر الهمزة بمعنى نعم .
الشيخ : قوله ( إي لعمري ) وضع ( لعمري ) موضع والله ، بدل ما يقول إي والله قال إي لعمري ، والقسم بلعمري هذا جائز وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووقع من غيره أيضاً ، وليس هو القسم الممنوع لأن أداة القسم غير موجودة فيه وهي الواو والباء والتاء .
متابعة التعليق : قوله : ( لقد أدركته بعد الحجاب ) ذكر عطاء هذا لرفع توهم من يتوهم أنه حمل ذلك عن غيره ودل على أنه رأى ذلك منهن والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما سيأتي في مكانه ولم يدرك ذلك عطاء قطعا . قوله : ( يخالطن ) في رواية المستملي : ( يخالطهن ) في الموضعين والرجال بالرفع على الفاعلية ، قوله : ( حَجرة ) بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية ، قال القزاز هو مأخوذ من قولهم نزل فلان حجرة من الناس أي معتزلا ، وفي رواية الكشميهني : ( حجزة ) بالزاي وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسره في آخره فقال يعني محجوزا بينها وبين الرجال بثوب ، وأنكر بن قرقول حُجرة بضم أوله وبالراء وليس بمنكر فقد حكاه ابن عديس وابن سيده فقالا يقال قعد حجرة بالفتح والضم أي ناحية . قوله : ( فقالت امرأة ) زاد الفاكهي : ( معها ) ولم أقف على اسم هذه المرأة ويحتمل أن تكون دقرة بكسر المهملة وسكون القاف امرأة روى عنها يحيى بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل فذكر قصة أخرجها الفاكهي ، قوله : ( انطلقي عنك ) أي عن جهة نفسك قوله : (يخرجن ) زاد الفاكهي : ( وكن يخرجن الخ ) قوله : ( متنكرات ) في رواية عبد الرزاق : ( مستترات ) واستنبط منه الداودي جواز النقاب للنساء في الإحرام وهو في غاية البعد . قوله : ( إذا دخلن البيت قمن ) في رواية الفاكهي : ( سترن ) قوله : ( حين يدخلن ) في رواية الكشميهني : ( حتى يدخلن ) وكذا هو للفاكهي والمعنى إذا أردن دخول البيت وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه .
الشيخ : وعلى هذا فقوله : ( وأُخرج الرجال ) أي لقد أُخرج الرجال .
متابعة التعليق : قوله : ( وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير ) أي الليثي والقائل ذلك عطاء وسيأتي في أول الهجرة من طريق الأوزاعي عن عطاء قال : ( زرت عائشة مع عبيد بن عمير ) قوله : ( وهي مجاورة في جوف ثبير ) أي مقيمة فيه ، واستنبط منه ابن بطال الاعتكاف في غير المسجد لأن ثبيرا خارج عن مكة وهو في طريق منى .ا.هـ.
وهذا مبني على أن المراد بثبير الجبل المشهور الذي كانوا في الجاهلية يقولون له أشرق ثبير كيما نغير ، وسيأتي ذلك بعد قليل وهذا هو الظاهر وهو جبل المزدلفة لكن بمكة خمسة جبال أخرى يقال لكل منها ثبير ذكرها أبو عبيد البكري وياقوت وغيرهما فيحتمل أن يكون المراد لأحدها لكن يلزم من إقامة عائشة هناك أنها أرادت الاعتكاف سلمنا ، لكن لعلها اتخذت في المكان الذي جاورت فيه مسجدا اعتكفت فيه وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف فيه فاتخذت ذلك .
قوله : ( وما حجابها ) زاد الفاكهي : ( حينئذ ) قوله : ( تركية ) قال عبد الرزاق هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض ، قوله : ( درعا موردا ) أي قميصا لونه لون الورد ،ولعبد الرزاق : ( درعا معصفرا وأنا صبي ) فبين بذلك سبب رؤيته إياها ويحتمل أن يكون رأي ما عليها اتفاقا وزاد الفاكهي : ( في آخره ) قال عطاء وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد وأفرد عبد الرزاق هذا ، وكأن البخاري حذفه لكونه مرسلا فاغتنى عنه بطريق مالك الموصولة فأخرجها عقبة .(4/447)
1514 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلمَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(1)
63 ـ بَاب الكَلامِ فِي الطَّوَافِ
__________
(1) هذا طواف الوداع وكان يقرأ بالطور وكتاب مسطور في صلاة الفجر بعد أن طاف الوداع ودخل وقت الفجر صلى الفجر ثم ركب إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه .
سؤال : كيف يفتي بعض المشايخ بالوداع والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة رضي الله عنها وقال لها طوفي من وراء الرجال؟
الجواب : ما له وجه ، ليس له وجه .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يحكي بعض الناس : أن رجلاً معه امرأة من محارمه ومعه نساء أجنبيات ، الرجل إذا معه نساء من محارمه أحياناً يصحبها امرأة أجنبية أو نساء أجنبيات معها ، فيطوف بهن سوياً يكون معهن وعلى مذهبهم أن الاختلاط حرم وسيلة لغيرة وما حرم وسيلة لغيره تبيحه الحاجة ، هل هذا الاستدلال صحيح ؟
الجواب : لا .. حديث الرجل الذي قال خرجت حاجة ، خليه معك دائماً ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يستفصل مع دعاء الحاجة إلى استفصال ، الرجل مكتوب في الغزوة ، خلي هذا أمامك دائماً .
سؤال : هل يؤخذ من الحديث أن المرأة لا يجب عليها صلاة الجماعة ولو كانت في المسجد ؟
الجواب : نعم وهو كذلك .(4/448)
1515 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَال أَخْبَرَنِي سُليْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلكَ فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَال قُدْهُ بِيَدِهِ(1)
64 ـ بَاب إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ
__________
(1) في هذا دليل على حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث يحصل المطلوب بلا ضرر ، هذان رجلان يطوفان قد ربط أحدهما يده إلى يد الآخر بسير أو بحبل أو بأي شيء ، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( قده بيده )) لأنه إذا قاده بيده أمكن عند الحاجة أن يطلقه بسهولة ، لكن إذا كان قد ربط يده بيده بخيط صعب إطلاقه وحصل عليهما وعلى غيرهما مشقة . وأمره أن يمسك بيده لأن ذلك قد تدعو الحاجة إليه والأفضل أن لا يمسك ولا بيده إلا عند الحاجة ، وإذا اُحتيج إلى احتكاكهما فلينفكا .
والشاهد من هذا قوله : ( قده بيده ) فقد تكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يطوف .
سؤال : أحسن الله إليك ، الجماعات الذين يحجون بشكل جماعي يربطن النساء بحبل حتى لا يضعن النساء في الطواف أو في السعي فهل مثل هذا يُنهى عنه ؟
الجواب : نعم يُنهى عن هذا لا شك لأنه إذا سبق ضيق عليهن ، بل كل واحد يأخذ أهله والحمد لله .
سؤال : الوارد في الحديث يقتضيه العمل والكلام في الطواف للحاجة ولغير الحاجة ؟
الجواب : إي نعم لأنه لا حاجة إلى الكلام يستطيع أن يشير بيده ويمسك أحدهما ويدخلها في يد الآخر لو كان الكلام حراماً لأمكن بالإشارة .(4/449)
1516 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُليْمَانَ الأَحْوَل عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ(1)
65 ـ بَاب لا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلا يَحُجُّ مُشْرِكٌ
__________
(1) وهذا إذا كان للإنسان أُمرة وسلطان فليقطعه ، فإن لم يكن له أُمرة ولا سلطان فلا يقطعه لأنه لو قطعه لحصل بذلك شر كثير وخصام ونزاع عند بيت الله عز وجل ، أما الذي له إمرة وسلطة فلا أحد ينازعه .(4/450)
1517 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ قَال يُونُسُ قَال ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله عَنْه بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ التِي أَمَّرَهُ عَليْهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَبْل حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلا لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ(1)
__________
(1) لا يطوف بالبيت عريان ) وهذا أمر منكر شرعاً وعرفاً ومروءة ، ولكن لو كان فيه ثقب يسير على فخذه أو على أسفل بطنه وطاف أو كان إزاره نازلاً عن صرته فهل طوافه غير صحيح أو طوافه صحيح ؟ الجواب ينبني على هل هذا عريان أو غير عريان ؟ الجواب : ليس بعريان، ولذلك نقول : ليست العورة في الطواف كالعورة في الصلاة ؛ لأن حديث الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يستقيم على عمومه لا سلباً ولا إيجاباً ، فكم من أشياء في الصلاة تحرم وتجوز في الطواف ، وكم من أشياء في الصلاة تجب ولا تجب في الطواف ، فالطواف يفارق الصلاة في أكثر من موافقته إياها ، وعلى هذا فلا يمكن أن نقول إن ستر العورة في الطواف كسترها في الصلاة ، نعم أن يطوف عرياناً لا شك أن هذا محرم لكشف العورة وتحت بيت الله الحرام والإنسان متلبس بعبادة ، هذا غير جائز عقلاً ولا جائز مروءة ولا شرعاً .
وقوله : ( لا يحج بعد العام مشرك ) حتى غير المشرك إذا كان كافراً فإنه لا يحج ، وبناء على ذلك فمن لا يصلي لا يحل له أن يحج ولو حج لن يقبل منه فيكون آثماً ، ولعل هذا يُذكر الذين اُبتلوا بترك الصلاة حتى يصلوا ليتمكنوا من الحج .
سؤال : إذا قال الإنسان كشف العورة محظور عام وليس خاص بالطواف فعلى هذا القول ..... ؟
الجواب : أولاً ما هي العورة التي يجب سترها ويحرم كشفها ؟
السائل : من الصرة إلى الركبة .
الجواب : لا ليس كذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخرج فخذه في حديث أنس بن مالك في خيبر ، فالعورة هي السوءة التي يجب سترها عن كل أحد ، وأما الفخذ فلا يجب ستره إلا إذا خيفت الفتنة كأفخاذ الشباب مثلاً أو الفخذ عند امرأة أجنبية ، فهذا معلوم وهو لازم لأن الفتنة حاصلة به .
سؤال : ما هي أدلة وجوب الوضوء في الطواف ؟
الجواب : ما في دليل . القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام والذي نختاره نحن أنه لا يجب لاسيما إذا دعت الحاجة إلى هذا ، أرأيت لو أن إنساناً انتقد وضوؤه أثناء الطواف في الزحام الشديد وقلنا انقطع الطواف اذهب فتوضأ ، متى يخرج من المطاف ؟ إلا بعد تعب شديد ، ثم إذا وصل إلى الحمامات متى يحصل له أن يتوضأ ؟ يحتاج إلى انتظار طويل ، ثم إذا رجع وقلنا ابدأ بالطواف من الأول ، ابتدأ وفي أثناء الطواف انتقض وضوؤه أو احتاج إلى خروج ففعل ، بكل مشقة خرج من المسجد ، وبطول زمان انتظر الحمامات ، وبالرجوع أيضاً قلنا له ابتدئ من الأول ففعل ، وفي أثناء الطواف أحدث ، مشكل معناه يبقى طول النهار متيقظاً لأن يصح طوافه . ولو كان هناك نص صريح مثل الشمس في وجوب الوضوء للطواف لقلنا في هذه الأحوال الضنكة الصعبة يحل التيمم ، لكن ما في نصح صريح والحمد لله ، هذا من نعمة الله .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، هل يُشرع الإفتاء بذلك ؟
الجواب : لا .. لا .. هذه قاعدة خذوها بارك الله فيكم : إذا كان الناس على شيء احتياطي فلا تتحير له، لكن هذا ينفعك في الضنك ، لو جاءك إنسان بعد أن انتهى من الطواف والسعي وقال لك إنه أحدث في أثناء الطواف لا تأمره بالإعادة لأنك ستكلفه مشقة شديدة بدون علم ، وهذه اجعلوها أمام أعينكم ، كل شيء الناس فيه ماشون على الاحتياط وليس حراماً دعهم ، لكن إذا اُستفتيت في حال الضنك والضيق في تلك الساعة أفتي بما تراه .
سؤال : في أثناء مثلاً لو واحد ألقى كلمة أو ما شابه ذلك ثم تكلم عن السنن والواجبات في الطواف هل يأتي بعبارة موهمة بحيث العوام يفهمون إنه واجب ؟
الجواب : أنا أرى لا تفتحون الباب ، ما دام الناس ماشيين على الاحتياط خلهم ماشيين عليه .
السائل : الآن يا شيخ بدأت كتب كثيرة أخذت هذا القول تنشره وبدأ الناس يسألون عنه ، وكلما تكلم إنسان كيف تقولون وفلان يقول كذا ؟
الجواب : على كل حال هذا شيء ثاني .
السائل : هذا اشتهر يا شيخ ؟
الجواب : اشتهر إيش ؟
السائل : أن الوضوء لا يجب في الطواف ؟
الجواب : طيب ، الحمد لله إذا اشتهر من غير وضوء أحمد الله أن الله ينشره ، لكن أنا ولاسيما الإنسان المعتبر الذي تؤخذ فتواه ما نفتي بهذا ، لو سُئلنا الآن ونحن نرى الوضوء غير واجب أيهما أفضل الوضوء أو عدمه ؟ الوضوء ، طيب هل نفتح لهم باب يتنازلون عن الأفضل ؟ لا .. لكن إذا وقعت الواقعة فلها من الله كاشفة إن شاء الله .
سؤال : بعض العوام يقول هو لازم أو ما هو بلازم ، هو حرام أو ما هو بحرام ؟
الجواب : أحسنت ، هذه يسألونها دائماً ، إذا قلنا له افعل قال هو حرام؟ أقول له لا تفعل ، كلما قال هو حرام قل لا تفعل . هو بلازم إنه حرام ؟! نعم إذا علمت إن رجل وقع في المسألة حينئذٍ أفتي بما أرى ، هذا إذا كان الناس سائرين على الاحتياط . أما إذا كانوا سائرين على خلاف الاحتياط فحينئذٍ لا بد أن تبين . عرفت الفرق ؟ مثلاً الآن بعض الناس يرون جواز الربا في الأوراق ربا النسيئة وربا الفضل واشتهر عند الناس وأنت تعلم أن هذا حرام وعندك دليل ، بين أنه حرام وعندك دليلك . كذلك اشتهر عند الناس أنه يجوز للإنسان أن يشتري سبعة معينة ويقول للتاجر يا فلان أنا أريد السلعة المعينة وأنا ما عندي فلوس ، فيقول التاجر أنا أشتريها ثم أبيعها عليك بالزيادة ، اشتهر عند الناس أن هذه مرابحة حلال ، هذه يجب أن نبينها ؛ لأن الناس في هذا سلكوا طريق الاحتياط أو طريق التساهل ؟ طريق التساهل ، نقول هذه خلوها على بالكم ، ولما ظهرت الفتوى من بعد العلماء المعتبرين بأن وجه المرأة لا يجب ستره قال بعض العلماء الذين درسونا ونعتبرهم رحمهم الله من أشياخنا ، قال : عجباً لهذا المفتي أن يفتي بهذا والناس سائرون على ستر وجوههن ، وستر الوجوه أفضل حتى الذي أفتى بجواز كشف الوجه يقول الستر أفضل ، فيقول عجباً له كيف يحول الناس من شيء ماشيين عليه بالاحتياط وعلى الأفضل حتى يتحولوا ؟ وهذا في الحقيقة تربية وما ضرنا إلا أن بعض الناس يعامل المسلمين في العموم حسب النظر فقط دون التربية ، مع أن الإنسان إذا تأمل القرآن والسنة وهدي السلف يجد أنهم يلاحظون التربية ملاحظة عظيمة ، فهمت ؟
سؤال : عفا الله عنك ، الذي يرخص بكشف الوجه ويعمل بتغطية الرجل هل هذا معه فك ونظر ؟
الجواب : لله درك من الليلة إن شاء الله سأسميك ابن حزم ، على كل حال أنا مع الأخ السائل ، في أنه سبحان الله كيف يُعقل أن نقول للمرأة اكشفي هذا الوجه الجميل الجذاب واستري الرجل ؟ الرجل القبيحة التي لو شفتها تجري ونقول استريها ؟ وهذا الوجه الجميل الذي كالبدر اكشفيه، من يقول هذا؟ يعني هل يمكن أن تأتي الشريعة بهذا ؟ والله لا تأتي به ، أكبر استنادهم على حديث ضعيف أو على رأي ابن عباس رضي الله عنه .
ش8 ـ وجه أ :
الحديث الضعيف أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثياب رقاق شفافة فأعرض وقال : (( إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصح أن يُرى منها إلا هذا وهذا )) وأشار إلى وجهه وكفيه ، هل هذا معقول ؟ أولاً الحديث ضعيف السند وفيه انقطاع ، والثاني : هل يعقل أسماء بنت أبي بكر من أفضل النساء تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق يرى من ورائها الجلد ؟ هذا غير معقول . فهو منكر متناً وضعيف سنداً ، أما ابن عباس فإنه لما فسَّر قوله تعالى : {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال الوجه والكفان . والذين رووا عنه هذا قالوا يحتمل أنه أراد تفسير الآية قبل نزول الحجاب ، ومعلوم أن مسألة ستر الوجه له حالان حال قبل نزول الحجاب وحال بعده . وبعضهم قال : أراد التمثيل بما لا يظهر ليشير إلى أن الوجه والكفان يجب سترهما . وعلى كل حال عندنا أحاديث كثيرة تدل على الوجوب ، والدليل العقلي الذي ذكره الأخ سليم نوافق عليه ، الشريعة حكيمة ما هي هينة { من لدن حكيم خبير} وإذا قيل رُخص لها بالوجه من أجل أن تستدل بالنظر على الطريق . قلنا : الحمد لله يُغني عن هذا النقاب ، ثم ما للكفين ؟ فإذا قالوا إن الكفين آلة الأخذ والعطاء وما أشبه ذلك . قلنا : هذا في البيت ، والأمر والحمد لله واضح والآن الأمم التي أباحت الكشف للوجه الآن هي تئن وتحن إلى العادات الأولى ، تئن من حالها اليوم وتحن إلى حالها الأولى ؛ لأن النساء ما اقتصرن على الوجه ولا اقتصرن على الوجه الطبيعي ، بدأت تكشف الرأس والرقبة وإلى المرفق ، وليتها تبقي الوجه على حاله تضفي عليه شيئاً من التجميل ، مكياج تحمير شفاه وتسويد أجفان وتزجيج حواجب وما أشبه ذلك . نسأل الله أن يوفق أمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح .
سؤال : في المسألة هذه يا شيخ أقول العامي لا يصدق كالعالم في مثل هذه المسألة ؟
الجواب : العامي الذي ما له هوى ، وإلا الذي له هوى يحتج .
سؤال: أثابك الله يا شيخ، بعض الناس إذا سافر البلاد خارج المملكة إذا غطت المرأة وجهها يكون عليها رقابة ويكون عليها شيء ، وبعض الناس أيضاً يحتار أيتبع العلماء الذين هنا أو يتبع العلماء الذين هناك ؟
الجواب : هل رأيت هذا؟ هل رأيته .. أسألك هل رأيته، قل نعم أو لا.
السائل : ما رأيته .
الجواب : طيب ، لا تصدقه ، أجل أنا حدثني من أثق به أنه كان يدرس في ألمانيا مدة طويلة حسب الدراسة ومعه امرأته تحتجب كما تحتجب في بلده ، قال : وكان الناس إذا رأوها يتميزون عنها حتى تعبر احتراماً لها . هذا في ألمانيا ما أدري عن بقية البلاد . أفهمت ؟
سؤال : رأيت هذا بعيني .
الجواب : رأيت هذا بعينك ؟ فرنسا وبريطانيا أكبر دولتين أوربيتين .
السائل : مدرسة في بريطانيا بالحجاب الإسلامي كامل يا شيخ .
الجواب: لكن بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ له هوى وعنده ضعف إذا رأى الناس يشوفون المرأة هذه قال هذا معناه يريدون يفعلون بها الأفاعيل .
السائل : يا شيخ انتشر والحمد لله في كل مكان الآن الحجاب .
الجواب : الحجاب ؟ الحمد لله .
السائل : لا إشكال هذا لضعف شخصية .
الجواب : أي نعم ، أنا حدثني ، سمعت في الإذاعة والله ما أدري عدد كبير من النساء تظاهرن عند بيت الرئيس الأمريكي البيت الأبيض يردن الحجاب ، والحمد لله عندنا شهادة رجلين من جهتين متفرقتين لا يمكن التواطؤ بينهما ، هذا أكبر دليل .(4/451)
66 ـ بَاب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ
وَقَال عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلمَ يَرْجِعُ إِلى حَيْثُ قُطِعَ عَليْهِ فَيَبْنِي ، وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهم(1)
__________
(1) قال البخاري : ( إذا وقف الطواف ) يعني إذا قطعه أو وقف .... فماذا يصنع ؟ ( وَقَال عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلمَ يَرْجِعُ إِلى حَيْثُ قُطِعَ عَليْهِ فَيَبْنِي وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهم ) هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله عن قطع الطواف ، إذا قطع الطواف فهل يعود ويُكمل أو يستأنف ، أو يُفرق بين طول الزمن وقِصره ؟ والصحيح أنه إذا قطعه لغرض شرعي كصلاة الجماعة وجنازة حضرت وما أشبه ذلك وخصام وقع حوله فذهب يصلح بينهم ، المهم لغرض شرعي فلا بأس به ، ثم هل يستأنف الشوط الذي قطع فيه الطواف أو يُكمل من حيث وقع ؟ فيه خلاف أيضاً ، منهم من قال لابد أن يعيد الشوط من أوله ، فإذا قُدر أنه قطع الطواف من الباب الغربي للحجر أو من عند الركن اليماني فإنه إذا زال العارض يعود إلى الحجر ويستأنف الشوط ، إن شاء عاد وإن شاء استمر ماشياً من مكانه إذا كان الحجر أقرب إليه استمر ماشياً من مكانه بغير نية الشوط ، فإذا وصل الحجر نوى الشوط الذي قطعه . ولكن القول الراجح الذي لا شك فيه أنه لا يستأنف الشوط بل يبتدئ من حيث قطع ، ولا حاجة إلى أن يستأنف الشوط لأنه لم يبطل ، ولو قلنا ببطلانه لقلنا يبطل السبع كله، ولكنه لا يبطل لا السبع كله ولا الشوط .
أما إذا قطعه بحدث مثلاً فعلى قول من يقول يُشترط الطهارة ينقطع ويتطهر ويستأنف السبع من جديد ، وعلى القول الراجح أنه إذا أحدث في أثناء الطواف استمر ولا حاجة أن يخرج ، يستمر ويُكمل لأنه ليس هناك دليل يدل على إبطال الطواف بالحدث أو على أنه يُشترط الوضوء للطواف. فهو ذكرها بصيغة التعريض ، وهو إذا ذكر الشيء معلقاً بصيغة التعريض يدل على أنه ضعيف عنده لكنه يذكره لعل أحداً يطلع على طرق أخرى تكون صحيحة .(4/452)
67 ـ بَاب صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ
وَقَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُصَلي لكُل سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَال إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قُلتُ للزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فَقَال السُّنَّةُ أَفْضَلُ لمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلا صَلى رَكْعَتَيْنِ .(4/453)
1518 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) قَال وَسَأَلتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
__________
(1) هذه المسألة الطواف هل يسن له ركعتان في كل أسبوع أو له أن يجمع عدة أسابيع ، يعني مثلاً سبع ثم سبع ثم سبع ثم يصلي ركعتين ؟ كلام المؤلف رحمه الله يدل على أنه لكل سبوع ركعتين ، ولا فرق بين طواف النسك وطواف التطوع ولا بين طواف الإفاضة وطواف الوداع ، كلها يسن أن يصلي ركعتين خلف المقام ، وهل تجزئ عنه المكتوبة ؟ نستمع : ( قُلتُ للزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ) مثل أن يفرغ من طوافه ثم تقام صلاة الفجر فيصلي الفجر ، هل تُجزئ أو لا ؟ عطاء يقول إنها تُجزئ وقاس ذلك على تحية المسجد تُجزئ عنها المكتوبة لأن المقصود أن يصلي بعد الطواف وقد حصل . لكن الزهري رحمه الله يقول : (السُّنَّةُ أَفْضَلُ ) يعني أن تأتي بركعتين خاصة للطواف . ولا شك أنه أفضل كما قال الزهري رحمه الله ، لكن إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة لابد أن تصلي المكتوبة أولاً ثم تصلي ركعتي الطواف ثانياً ، حتى ولو كانت المكتوبة الفجر لأن ركعتي الطواف من ذوات الأسباب وذوات الأسباب على القول الراجح تُصلى في وقت النهي . ثم استدل قال : ( لمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلا صَلى رَكْعَتَيْنِ ) وهذا عام ، والزهري من أتقى التابعين ، يقول : ( ما طاف سبوعاً إلا صلى ركعتين ) وهذا يشمل طواف الفرض والواجب والسنة . طواف الفرض مثل طواف الإفاضة وطواف العمرة ، الطواف المسنون : التطوع وطواف القدوم لمن كان مفرداً أو قارناً ، وطواف الواجب : طواف الوداع .
ثم ذكر حديث عبد الله بن عمر : ( أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ) وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل العمرة شيئاً واحداً له أجزاء : الطواف والصلاة خلف المقام والطواف بين الصفا والمروة ، فهذه أجزاء العمرة فلا يصح أن يقع الرجل على زوجته بين أجزائها ، وقال رضي الله عنه : { لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌْ} سبحان الله استدلال الأولين مبارك وواضح وثلج على القلب ، هو ما ذهب يعلل ويدلل ويقول حل التحلل أو ما حل .. لا ، ذكر السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف وصلى ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة ، فجعل العمرة مكونة من أجزاء ، وإذا كان كذلك فلا يصح أن الإنسان يقع بين الطواف بالبيت والطواف بالصفا والمروة ، لكن لو فعل ماذا يكون ؟ إن فعل إن كان ناسياً أو جاهلاً فالقول الراجح أنه لا شيء عليه ؛ لأن جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه . أما إذا كان متعمداً عالماً فهل تفسد العمرة أو لا تفسد ؟ نقول : العمرة تفسد . وماذا يجب ؟ هل نقول اقطعها الآن لأنها فسدت كسائر العبادات إذا فسدت فسدت لا يجوز المضي في فاسد وهذا رأي ابن حزم رحمه الله ، يرى أن الحج إذا فسد ما يمكن يستمر فيه فسد خلاص ، ولكن أهل العلم على خلاف قوله رحمه الله يقولون إنه يفسد بمعنى أنه يلزم قضاؤه ولكن يستمر فيه ويكمله ويلزمه الفدية والقضاء .
طيب الآن في هذه المسألة نقول استمر واسعى وقصر ثم أعد العمرة أحرم من الميقات الذي أحرمت منه أولاً لا من التنعيم أو أدنى الحل بل من الميقات الذي أحرمت منه أولاً ولو كان ذا الحليفة ، ثم اقضها طف واسعى وقصر . طيب وماذا عليه من الفدية ؟ الفدية على المذهب يقولون ما عدا الجماع وما عدا جزاء الصيد فالفدية فيه فدية أذى ، معنى فدية أذى أنه يُخير بين صيام وصدقة ونسك ، صيام ثلاثة أيام ، صدقة إطعام ثلاثة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والثالث النسك . ولكن هل لنا أن نسوس الناس ونلزم من تعمد بالشاة أولاً ؟ الجواب : نعم لنا هذا لأن بعض الناس يقول إذا كانت المسألة صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين المسألة هينة ولا يبقى للإحرام عنده حرمة . لكن إذا جاءنا تائباً نادماً حزيناً وعلمنا صدقه فهنا نقول بالتخيير .
وقَال : ( وَسَأَلتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ) وظاهر أثر جابر أنه يجوز قبل أن يحلق ويقصر ، لقوله : ( حتى يطوف ) وهذا مبني على أن الحلق أو التقصير ليس نسكاً ولكنه إطلاق من محظور ، ومعنى إطلاق من محظور أنه يتبين به الإنسان أنه تحلل ، لكن هذا القول ضعيف والصواب أن الحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة لأن الله تعالى أشار إليه في القرآن : {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين } ولم يقل طائفين ساعين ، وهذا يدل على أهمية التقصير أو الحلق . ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين والمقصرين وكرر الدعاء للمحلقين مما يدل على أهمية ذلك ، فالصواب أن الحلق أو التقصير نسك وليس مجرد إطلاق المحظور ، لو كان مجرد إطلاق المحظور لقلنا لا تحلق ولا تقصر وجامع زوجتك لأن الجماع يدل على الحل .
سؤال : بارك الله فيك ، الفدية وكل مستلزمات المحظور تسقط بالجهل والنسيان والخطأ ؟
الجواب : لا .. الخطأ هو الجهل والإكراه .
السائل : لماذا فسدنا عقد زواج الناس إذا عقد الإنسان وهو ناسي ؟
الجواب : ناسي إيش ؟
السائل : أنه مثلاً محرم أو جاهلاً ؟
الجواب : لأن النكاح وقع في غير محله وإن كان هو ناسياً ليس عليه كفارة لكن يلزمه أن يُتمم النُسك .
سؤال : هل يُطلق الدم على من ترك واجباً أو فعل محظوراً ؟
الجواب : ما معنى يُطلق ؟
السائل : بعض المفتين يقول عليك دم ؟
الجواب : كل شيء ؟
السائل : نعم .
الجواب : من جهلهم ، في شيء ما أصلاً ما فيه فدية كعقد النكاح ، هذا ما فيه فدية أصلاً أو الخطبة خطبة المحرم .
السائل : ترك الواجب يقول في دم على رأي الفقهاء ، والمحظور يقول عليك فيه فدية ؟
الجواب : نحن نعرف أن المحظورات أربعة أنواع .
سؤال : أحسن الله إليك ، من عليه فدية أذى فذبح بقرة ، هل له أن يتصرف فيما زاد عن سبع البقرة ؟
الجواب : هل نوى البقرة كلها أو السبع ؟ أسألك هل نوى أنه إنما ذبح الواجب فقط السبع ، فالباقي يتصرف فيه كيف يشاء ، أو نواها عن الواجب كله فإنه تكون كلها فدية ، فهمت ؟ بقي أن العلماء قالوا : هل يثاب على كل البقرة ثواب الواجب أو يثاب على سبعها ثواب الواجب والباقي ثواب تطوع؟ فهمت أو لا ؟ فهمت الفرق ؟ طيب منهم من يقول إنه يثاب ثواب الواجب على ما كان للواجب فقط وهو السبع ، ومنهم من قال يجري حكم الواجب عليها جميعاً لأن الواجب هنا لم يتميز ، وليس كمن أخرج صاعين عن الفطرة . لو أخرج صاعين عن الفطرة أُثيب عن الصاع ثواب الواجب والثاني التطوع لأنه متميز ، لكن هذا غير متميز مشاع . والأقرب أن نقول فضل الله واسع هو إذا نوى عن الواجب أُثيب ثواب الواجب .
سؤال : أحسن الله إليك ، هكذا يقال في جزاء النسك ؟
الجواب : جزاء الصيد ؟
السائل : يعني إذا ذبح شيئاً كبيراً عن الصغير ؟
الجواب : إذا كان في جزاء الصيد لابد من المماثلة ، يعني لو ذبح بقرة عن شيء آخر لا يماثلها ما أجزأ ، أفهمت ؟ وبعضهم يقول مجزئ ومن ذلك مثلاً لو ذبح عن النعامة سبع شياه ، ما هي النعامة بدنة ؟ بعضهم يقول مجزئ وبعضهم يقول لا يجزئ لأنه المماثلة فاتت ، وهذا أحوط .(4/454)
68 ـ بَاب مَنْ لمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ وَلمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّل
1519 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ(1)
__________
(1) يعني معناه ( باب من لم يقرب ) جعله على الشك ، ولكن استدل بالحديث مما يدل على أنه لا بأس ، فهو يقول لا بأس أن لا يطوف ولا طواف القدوم ، يعني لو أنه أحرم من الميقات واتجه إلى منى فلا بأس ، ودليله حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه أنه قدم من طي محرماً فما وترك جبل إلا وقف عنده حتى أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الصبح في مزدلفة وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما جرى له فقال : (( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه )) ولم يذكر طواف القدوم . وهو كذلك لأن طواف القدوم سنة ، فلو ذهب من الميقات إلى منى رأساً فلا بأس . والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في الأبطح قبل الحج ثلاثة أيام ولم يطف بعدها مع تيسر الطواف له ، لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد أن يدع المكان لمن هو أولى به وهم الذين جاءوا بالنسك .
سؤال : لماذا لا نسوي بين الحج والعمرة بإيجاب بدنة على المجامع مع أن هذا المحظور يفسد الحج ويفسد العمرة ؟
الجواب : لكن يكون في العمرة أهون ، العمرة نسك حج أصغر فليس كالحج . واقتصاراً عن ما ورد عن الصحابة .
سؤال : ذكرنا تخطئة عالم من العلماء الذي أفتى أميراً من الأمراء حين جامع زوجته في نهار رمضان بأن عليه صيام ولم يبدأ بالكفار ، قال ترضية له وتأديباً له ، وذكرنا خطأه ، ومنذ قيل ـ أحسن الله إليك ـ ذكرنا بأننا لنا أن نؤدب الناس بأن نقول من جامع في العمرة فعليه الدم مباشرة ولا نخيره ، فما الفرق ؟
الجواب : الفرق واضح ـ سبحان الله ـ فدية الأذى على التخيير الإنسان مخير ، وهناك على الترتيب . ولا يمكن أن نتعدى ما رتبه الله .
السائل : وهذا يا شيخ أيضاً مُخيَّر ؟
الجواب : لا ما هو مُخير .
السائل : وهنا .....
الجواب : مخير لأن الفدية أصلها التخيير فنحن ألزمناها بأشد الأمور الثلاثة وكلها جائزة هذه وهذه وهذه ، لكن في نسك العتق والصيام ما خُير الإنسان .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض الناس يرون أن طواف القدوم هو الواجب وطواف الوداع سنة ، هل يُتركون على ما يعتقدون أم لابد أن يُبين لهم ؟
الجواب : إذا كان الإنسان مقبول القول فلا بد أن يبين الحق ، وأما إذا لم يكن مقبولاً فليترك الناس على مذهبهم ، كذلك عند الاستفتاء إذا استفتاك إنسان وأنت تعرف أن مذهبه مالكي مثلاً فهنا قل له هل أفتاك أحد ؟ إذا قال نعم أفتوني بأن طواف الوداع سنة وطواف القدوم واجب . نتركه ولا نلزمه بشيء فيه خلاف وقد استفتى عالماً يعتقد أنه مصيب .
أما ما يفعله بعض المفتين إذا جاءه يستفتيه واحد ، قال : تعال ما مذهبك ؟ إذا قال : مذهبي مثلاً حنفي . أفتاه على المذهب الحنفي . هذا ما يجوز ، لكن إذا كان الإنسان قد فعل الشيء وقال إنما فعل هذا تقليداً للمذهب الفلاني نتركه . واضح ؟(4/455)
69 ـ بَاب مَنْ صَلى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ
وَصَلى عُمَرُ رَضِي الله عَنْه خَارِجًا مِنَ الحَرَمِ
1520 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ح .
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ رَضِي الله عَنْهَا صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الخُرُوجَ وَلمْ تَكُنْ أُمُّ سَلمَةَ طَافَتْ بِالبَيْتِ وَأَرَادَتِ الخُرُوجَ فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلونَ فَفَعَلتْ ذَلكَ فَلمْ تُصَل حَتَّى خَرَجَتْ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن صلاة الجماعة ليست واجبة على النساء لأنها لو وجبت لأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تصلي ثم تطوف ، وهو كذلك فصلاة الجماعة غير واجبة على النساء في المساجد . لكن هل تجب عليهن في البيوت ؟ لا تجب ، وهل تُسن أو لا تُسن ؟ فيه خلاف ، فالمشهور من مذهبنا الحنابلة أنها تُسن للنساء منفردات عن الرجال، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها ، يعني أهل حيها ، ومنهم من قال إنها لا تُسن للنساء لأن هذا هو الغالب على نساء الصحابة . والأمر في هذا سهل إن صلين جماعة رأين أن هذا أنشط لهن وأقوم فهذا خير ، وإن كانت كل امرأة مشتغلة بما تشتغل به من البيت فكل واحدة تصلي وحدها .
وقوله : ( فلم تصل حتى خرجت ) هل المعنى لم تصل الفجر أم المعنى لم تصل ركعتين ؟ إن كان الأول فلا شاهد في الحديث الترجمة ، وإن كان الثاني فنعم . ولكن ظاهر السياق أنها لم تصل صلاة الفجر حتى خرجت . ولنرجع إلى الباب في فتح الباري .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب من صلى ركعتي الطواف خارجاً من المسجد ) هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل وهو متفق عليه إلا في الكعبة أو الحجر ، ولذلك عقبها بترجمة : ( من صلى ركعتي الطواف خلف المقام ) .
قوله : ( وصلى عمر خارجا من الحرم ) سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده ، قوله : ( عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن حرب ... الخ ) هكذا عطف هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان وقد تقدم لفظ الرواية الأولى في باب طواف النساء مع الرجال ويأتي بعد بابين أيضا . قوله : ( يحيى بن أبي زكريا الغساني ) هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته والغساني بغين معجمة وسين مهملة مشددة نسبة إلى بني غسان . قال أبو علي الجياني وقع لأبي الحسن القابسي في هذا الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة ، وقال ابن التين قيل هو العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة ، وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة إلى بني عشاه . قلت : وكل ذلك تصحيف والأول هو المعتمد .
قال ابن قرقول : رواه القابسي بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم .
قوله: ( عن هشام ) هو بن عروة ، قوله : ( عن عروة عن أم سلمة ) كذا للأكثر ، ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة وقوله : ( عن زينب ) زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب . وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه هذا منقطع فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة .ا.هـ.
ويحتمل أن يكون ذلك حديثا آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل ، وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال : ( قال لي أبو عبد الله ) يعني أحمد بن حنبل ( حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة ) قال أبو عبد الله : هذا خطأ فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة . قال وهذا أيضا عجيب ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة وقد سألت يحيى بن سعيد يعني القطان عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ ( أمرها أن توافى ) ليس فيه هاء . قال أحمد وبين هذين فرق فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة .
وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد ، وقد تقدم الكلام على حديث أم سلمة في باب طواف النساء مع الرجال وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وفي رواية حسان عند الإسماعيلي : ( إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ) أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة وفيه رد على من قال يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف وإنما لم يبُت البخاري الحكم في هذه المسألة لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا بعد باب . واستُدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم وهو قول الجمهور ، وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم ، وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم ، قال ابن المنذر ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها .
الشيخ : الإشكال في قوله : ( لم تصل حتى خرجت ) .
القارئ : ذكرناه يا شيخ .
الشيخ : في الفتح ؟
القارئ : أعيد يا شيخ ؟
الشيخ : طيب .
القارئ : قوله : وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجاً من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . وفي رواية حسان عند الإسماعيلي : ( إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ) أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة.
الشيخ : ما هو بظاهر . في شيء يدل على هذا ؟
القارئ : هذا العيني ، يقول : مطابقته للترجمة في قوله : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي لم تصل ركعتي الطواف حتى خرجت من الحرم أو من المسجد ثم صلت ، فدل هذا على جواز تأخير ركعتي الطواف إلى خارج الحرم وأن تعيينها بموضع غير لازم لأن التعين لو كان شرطاً لازماً لأقرها النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : بس الحديث ما فيه دليل .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، المسألة ما تحتاج دليل لأنها لازمة عليها وعلى غيرها لأنها ولو كان يحتاج دليلاً لكان هو ركعتي الطواف ؟
الجواب : يعني ما جرى لها ذكر ركعتي الطواف ما جرى لها ذكر . على كلٍ يراجع في الأمهات .(4/456)
70 ـ بَاب مَنْ صَلى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَلفَ المَقَامِ
1521 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يَقُولُ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّفَا ، وَقَدْ قَال اللهُ تَعَالى : ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
71 ـ بَاب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالعَصْرِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُصَلي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ مَا لمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى
1522 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالبَيْتِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلى المُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلعَتِ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلونَ فَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ التِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلاةُ قَامُوا يُصَلونَ(1)
__________
(1) كأنها أنكرت ورأتهم يصلون قضاء ، وهذا هو الصواب متى وُجِد سبب صلاة التطوع في أي وقت فصليها لأنها قُيدت بسبب واحتمال أن يكون الإنسان سجد للشمس بعيد مع وجود السبب الظاهر . ولهذا كما قلنا القول الراجح في هذه المسألة أن جميع ذوات الأسباب ليس عنها نهي في أي وقت وُجِد السبب فصلي .(4/457)
1523 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَنْهَى عِنِ الصَّلاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا(1)
1524 حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَال رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهما يَطُوفُ بَعْدَ الفَجْرِ وَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ قَال عَبْدُالعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَدْخُل بَيْتَهَا إِلا صَلاهُمَا .
72 ـ بَاب المَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا
1525 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ طَافَ بِالبَيْتِ وَهُوَ عَلى بَعِيرٍ كُلمَا أَتَى عَلى الرُّكْنِ أَشَارَ إِليْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ .
__________
(1) صدق ، والمراد الصلاة التي ليس لها سبب .(4/458)
1526 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلمَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(1)
__________
(1) ش8 ـ وجه ب :
قوله : ( بَاب المَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا ) يشير إلى أن الطواف راكباً لا يجوز إلا لعذر كالمريض والكبير والأعرج والأشل وضعيف البنية الذي لا يستطيع المزاحمة وما أشبه ذلك ، المهم أنه لا يكون إلا لعذر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف على البعير خشية التأذي فكيف بمن لا يستطيع ؟ وعلى هذا فنقول : يشترط في الطواف أن يكون الطائف ماشياً ولا يجوز أن يطوف محمولاً ولا على بعير ولا على عربية إلا لعذر . يجب أن يكون ماشياً ولا يجوز راكباً إلا لعذر .
فإن قال قائل : أرأيتم لو أن هذا الطائف ابتدأ الطواف ثم مع اللين والهدوء نام ولم يستيقظ إلا قيل له يا فلان صلي ركعتين خلف المقام ، ما الحكم ؟ الحكم أنه يجزئه ، إذا قلنا بأنه لا تُشترط الطهارة واضح ، وإذا قلنا تُشترط نظرنا هل نام نوماً عميقاً بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فالطواف غير صحيح ؛ لأنه انتقض الوضوء ، وإن كان نوماً خفيفاً يعني ينعس ويسمع الكلام ويسمع لو حدث منه شيء فإن طوافه صحيح .
سؤال : إذا قال قائل النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً والزحام الآن أكثر زحاماً فهل يطوف راكباً في الزحام ؟
الجواب : لو قلنا إن الزحام يجوز معه ـ الزحام المعتاد يعني ـ يجوز أن يركب معه الإنسان ويكون على عربية لامتلأ المسجد عربيات وامتلأ من هؤلاء القوم الذين كسروا رؤوس الناس وخشب خشب وصار فيه تعب عظيم ، لكن نقول إذا خرج الإنسان عن المعتاد كما قلت لكم لمرض أو شلل أو عرَّض أو ضعف قلنا لا بأس أن يُحمل .
سؤال : حفظك الله ، من قال الحج والعمرة تامة تامة تامة بعد صلاة الصبح أن يجلس في المكان الذي صلى فيه ثم يسبح ثلاثاً وثلاثين ويكبر ثلاثاً وثلاثين؟
الجواب : أولاً أن هذا الحديث فيه نظر بعض العلماء ضعفه ، وثانياً الذي يظهر أنه ليس المراد أن يبقى في المسجد مكانه وأنه إذا قام عن مكانه إما لأنه أريح له أو لاستماع ذكر فلا بأس .
سؤال : أحسن الله إليكم ، مداومة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه على ركعتي بعد صلاة العصر سبق أن هذه من خصائص ابن الزبير .
الجواب : اقرأ أثر عبد الله بن الزبير .
السائل : قَال عَبْدُالعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَدْخُل بَيْتَهَا إِلا صَلاهُمَا .
الجواب : ما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ذلك فقال لا وأن الدوام عليهما من خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : بارك الله فيك كيفية المسح والتقبيل للحجر الأسود؟
الجواب : المسح يمر يده عليه .
السائل : كل الحجر ؟
الجواب : لا .. يكفي على أدنى جزء منه .
السائل : وكذلك اليماني ؟
الجواب : وكذلك اليماني . وأما التقبيل معروف أن يضع شفتيه عليه، وأيضاً يُقبل بلا صوت ، العلماء يقولون : يضع شفتيه عليه بلا صوت .
سؤال : من أحرم من الميقات ثم ذهب إلى عرفة ولم يطف طواف القدوم هل يرمل في طواف الإفاضة أو لا يرمل ؟
الجواب : لا يرمل لأن بعد الوقوف بعرفة والرمي والنحر والحلق يتحلل فلا يرمل .(4/459)
73 ـ بَاب سِقَايَةِ الحَاجِّ
1527 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلبِ رَضِي الله عَنْه رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى مِنْ أَجْل سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لهُ(1)
__________
(1) وقوله : ( استأذن من أجل سقايته ) يدل على أن المسجد الحرام فيه أُناس يحتاجون للسقاية ، وهؤلاء إما أن لا يكونوا حجاجاً ، وإما أن يكونوا معذورين ، وإما أن يكونوا في أول الليل في مكة وفي آخره في منى أو بالعكس . وفي قوله : ( استأذن فأذن له ) استدل به بعض العلماء على أن المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب ، ولكنه ليس صريحاً في هذا لأن الاستئذان قد يكون على الشيء المشروع الذي ليس بواجب لئلا يقال إن الرجل تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهذا لا يمكن أن يكون دالاً على الوجوب ؛ لأن الإذن قد يكون في الأمر المستحب بل قد يكون في الأمر المباح . وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ـ أعني المبيت بمنى ـ المبيت بمنى قبل عرفة سنة لا إشكال فيه دليله حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه ، ليالي منى اختلف فيها العلماء ، منهم من قال إن المبيت سنة ، ومنهم من قال إنه ليس بسنة . وليس هناك دليل واضح يدل على الوجوب إلا أن يتعلق متعلق بقوله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } لأن قوله من تعجل في يومين فلا إثم معناه أن من ترك فهو آثم ، ولكن هل إذا ترك ليلة من الليالي يجب عليه دم ؟ الجواب : لا .. وإن كان بعض العلماء قال به لكن الصحيح أنه لا يجب فيه دم . الليلة الواحدة يجب فيها كما روي عن الإمام أحمد قبضة من طعام أو ما أشبه ذلك ، أما لو ترك الليلتين كلتيهما فهنا يقال إنه ترك نسكاً تاماً فعليه دمٌ على قول من يرى وجوب الدم في ترك الواجب .
سقاية العباس ، هل هو يسقي بثمن أو تطوعاً ؟ الثاني ، وكانوا يفتخرون أن يخدموا الحجاج فهم يتطوعون ، كان الناس فيما سبق أدركناهم يبيعون الماء ماء زمزم في وقت الحر ، تجده يدور على الناس ومعه إناء من خزف يصب بالكأس فإذا شرب قال سلم ! يأخذ عليك قرشاً أو قرشين حسب ما تشرب . لكن الحمد لله الآن الحكومة وفقها الله وفرت ماء زمزم توفيراً تاماً ولم يكن هناك أجرة ولا شيء . وإلا فقد أشكل على أهل العلم في ذلك الوقت هل يجوز للإنسان أن يشرب وهو يعلم أن الساقي يحتاج إلى أجرة ؟ كصاحب الذي يغسل الثياب ، تعطيه ثوبك وأنت تعرف أنه سيأخذ عليه أجرة لأنه معتاد ، هذا أيضاً يصب عليك الماء وأنت تعرف أنه سيأخذ عليك أجره ، فمن العلماء من قال : لا يجوز لأن هذا أجرة في وسط المسجد ، ومنه من قال إنه جائز للضرورة لأن الإنسان قد يكون عطشاناً .(4/460)
1528 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ جَاءَ إِلى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى فَقَال العَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَال اسْقِنِي قَال يَا رَسُول اللهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَال اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَال اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلى عَمَلٍ صَالحٍ ثُمَّ قَال لوْلا أَنْ تُغْلبُوا لنَزَلتُ حَتَّى أَضَعَ الحَبْل عَلى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلى عَاتِقِهِ(1)
__________
(1) في هذا فوائد : أولاً : منها جواز طلب الماء ، يعني جواز طلب الاستسقاء ، ولا يُعد هذا من المسائل المذمومة لأنه جرى به العرف أنه أمر يسير ، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسقى أي طلب السقيا . ومنها تعظيم العباس رضي الله عنه وهو عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ لأنه ـ أي العباس ـ تابع له ، فإمامه هو ابن أخيه .
ومنها أنه لا ينبغي للإنسان أن يستنكف عن ما شرب الناس به ؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة بمعنى أنه يدل على أنه لا ينبغي للإنسان الاستنكاف وأن يقول لا أشرب من الكأس الذي شرب منه الناس ولا أشرب من الكأس الذي يضع الناس فيه أيديهم وما أشبه ذلك . وهذا لا شك أنه أنفع بكثير وأصح ؛ لأن الأطباء قالوا إن الإنسان إذا تحرز من كل شيء في مأكله ومشربه لم يكن عنده المناعة لاستقبال الجراثيم وغيرها ، وإذا كان لا يهمه فإنه يكون عنده مناعة ، ولهذا سمعت أنهم في الدول المتقدمة في دنياها بدءوا بدلاً من المناشف هذه بدءوا يتمسحون بالمناشف التي يتمسح منها كل الناس ويقولون إن هذا أولى لما في ذلك من المقاومة . وهذا ليس ببعيد لأن الداء الباطن كالداء الظاهري ، فالإنسان إذا عود قدميه على الممشى على الحصى والجنادل صارت أقوى مما لو عودها على لباس الكندرة وما أشبه ذلك ، ولهذا تجد الذي يعتاد الكنادر تجده جلده ضعيفاً ما يستطيع أن يمشي على الأرض ولو مسفلتة .
ومن فوائد هذا الحديث جواز تخزين ماء زمزم لأن العباس طلب من الفضل أن يأتي بماء من عندها ، وهذا يدل على أنه كان عندهم ماء يخزنونه في بيوتهم . ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى المستقبل وليس ممن ينظر إلى الحاضر بدليل أنه كان يرغب أن يشارك في السقاية ولكن يخشى أن يغلب الناس بني العباس على سقايتهم ، لماذا ؟ لأنهم يقتدون به ويريدون أن يفعلوا فعله وحينئذٍ يحولون بين بني المطلب وسقايتهم .
وهذا ينبغي للإنسان طالب العلم أن يكون له نظرة بعيد ة وأن لا يزن الأمور بالحاضر ، بمعنى أن لا يُفتي في شيء يكون يترتب عليه أشياء ضارة حتى وإن كانت تظهر في الوقت الحاضر لكن في المستقبل .
سؤال : أحسن الله إليك ، بيع ماء زمزم بماء آخر مفاضلة ، عنده كاس ماء عادي ويبادله بكأس ماء زمزم ؟
الجواب : يعني في نفس الحرم ؟
السائل : لا .. خارج الحرم .
الجواب : يعني كأنه يقول هل يجري ربا الفضل في بيع ما يزيد منها؟ هذا لا يجري ربا الفضل ، خذ مائة كأس بعشرة كاسات ، أفهمت ؟ كما لو اشتريت ماءً عذباً كأساً منه بعشرة كاسات من المالح .
سؤال : ما حكم ما يقدمه الإنسان لآخر إذا نزل به ضيف لو يعلم أن هذا الطعام على هذه الصفة ما أكله لكن ليس ضاراً به ؟
الجواب : يقول هذا رجل نزل به ضيف وقدم له شراباً أو طعاماً يعلم أن الضيف لو علم ما حصل في هذا الطعام لم يأكل ولم يشرب ، فهل له أن يقدمه بدون أن يعلمه مع العلم بأنه لن يضره ؟ الظاهر أنه لا يلزمه ما دام لا يضره وليس هذا متضمناً لشيء محرم ، بخلاف ما لو أعطيته شيئاً مختلفاً في حله فهذا لابد أن تعلمه .
سؤال : بارك الله فيكم ، الذي عنده نية إتمام الحج وترك المبيت في منى الليلتين ، هل يعتبر ترك النسك كاملاً ؟
الجواب : نعم النسك من هذا النوع ، ليس الحج كله لا .(4/461)
74 ـ بَاب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ
وَقَال عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال أَنَسُ بْنُ مَالكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِي الله عَنْه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَل جِبْرِيلُ عَليْهِ السَّلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَال جِبْرِيلُ لخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَال مَنْ هَذَا قَال جِبْرِيلُ(1)
__________
(1) هذه من آيات الله عز وجل أنه شق صدره شقاً حقيقاً وغسله بماء زمزم لبركته ثم أطبقه ، عملية في أقل من ليلة ، وعملية صعبة وبدون بنج لكن الظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحس بألم، لا يُقال إن هذا من جنس الرؤيا وأنه لا حقيقة له لأن الأصل أنه حقيقة .
وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُسري به من المسجد الحرام نفسه ، وما ورد من بعض الطرق أنه من بيت أم هانئ فإن صح فالمعنى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان نائماً في أول الليل في بيت أم هانئ ثم قيل له أن يذهب إلى المسجد الحرام وينام فيه ، فنام وأُسري به من الحجر كما صح ذلك في رواية البخاري . وإنما قررنا هذا لأن بعض أهل العلم رحمهم الله قال إن تضعيف الصلاة بمائة ألف صلاة عام في جميع مكة وفي جميع ما أدخل حدود الحرم واستدلوا بقوله : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام } وقالوا إنه أُسري به من بيت أم هانئ ، فيقال : الأمر ليس كذلك ، أُسري به من نفس المسجد . والتضعيف بمائة ألف صلاة جاء صريحاً في أنه خاص بالمسجد الذي فيه الكعبة كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة )) فالتضعيف بمائة ألف خاص بمسجد الكعبة . ولكن إذا قال قائل : إن حضرت إلى مسجد الكعبة تعبت وأتعبت وصارت صلاتي في تشويش وإن صليت في المساجد الأخرى صليت بطمأنينة ، فأيهما أفضل ؟ الثاني أفضل ، نقول صلي في المساجد الأخرى بالطمأنينة خير من أن تأتي إلى المسجد الحرام وتتأذى وتؤذي وربما لا يحصل لك الركوع والسجود ؛ لأن المحافظة على ذات العبادة أفضل من المحافظة على مكانها .
سؤال : بارك الله فيكم ، استدلالهم بقاعدة ما يدل على قوله من المسجد الحرام ، والحرم ليس مسجد ؟
الجواب : لا .. هم على قول إن الحرم مسجد مثل قوله : (( جُعلت لي الأرض مسجداً )) الأرض كلها مسجد ، وهذه ينكرها بعض الأخوة إنكاراً شديداً أن يخصص التضعيف بنفس المسجد مع أنه في الحديث صحيح ، وصاحب الفروع رحمه الله يقول : هذا ظاهر كلام أصحابي ـ أصحاب الإمام أحمد ـ إن التضعيف خاص بنفس المسجد .
سؤال : أحسن الله إليكم ، كم عدد المرات التي شُق فيها صدره صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : هذه نرجع للترجمة إذا كان ابن حجر ذكرها .
سؤال : ما فضل الصلاة في المسجد الأقصى ؟
الجواب : خمسمائة صلاة .(4/462)
1529 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما حَدَّثَهُ قَال سَقَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ قَال عَاصِمٌ فَحَلفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلا عَلى بَعِيرٍ(1)
__________
(1) سبحان الله، وظاهر الحديث أنه ليس على بعير وإنما شرب قائماً، فإذا قال قائل : ما الجمع بن شربه قائماً وبين نهيه عن الشرب قائماً ؟ فقيل الجواب : إنه كان في مكان ضيق والناس حوله ويشق عليه أن يجلس على الأرض ثم يتناول الدلو ويشرب ، وهذا كما شرب من شن معلق في بيته ؛ لأن الشن المعلق رفيع فيكون شربه قائماً من أجل الحاجة . وزعم بعضهم أنه شرب قائماً من أجل أن يشرب كثيراً لأن الإنسان إذا شرب قاعداً انضغط بطنه ولم يشرب كثيراً وإذا كان قائماً شرب كثيراً . ولكن في هذا نظر فالأقرب أنه شرب قائماً للحاجة . شوف الأثر .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير ) عند ابن ماجه من هذا الوجه : ( قال عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل ) أي ما شرب قائما لأنه كان حينئذ راكبا .ا.هـ. وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين فلعل شربه من ماء زمزم كان بعد ذلك ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه لكن ثبت عن علي عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما فيحمل على بيان الجواز .
القارئ : ذكره في الأشربة .
الشيخ : الباب ؟
القارئ : نعم .
الشيخ : على كل حال الصحيح إنه ما هو لبيان الجواز ، كيف يكون لبيان الجواز وقد أمر من شرب قائماً أن يستقي ، لكن على سبيل الحاجة .
في شيء فيه بحث ؟
القارئ : في المسألة هذه ؟
الشيخ : نعم .
القارئ : لا في الأشربة يا شيخ .
الشيخ : هذه ما هي في الأشربة ؟
القارئ : لا .
الشيخ : أجل وإيش الكتاب الذي أخذته ؟
القارئ : العيني .
الشيخ : يا عبد الله بأكرر ، أنت تبي ساقي ، اسقني أو اسقني ؟
الطالب : واسقني .
الشيخ : أو أسقني ؟
الطالب : الله أعلم .
الشيخ : الله أعلم ، أليس الله قال في القرآن : { وأسقيناكم ماءً فراتاً } وقال : { وسقاهم ربهم } ؟ ماذا تقول ؟ يعني فيه لغتان : أسقى والأمر منه أسقي ، وسقى والأمر منه اسق .
تعليق من شرح العيني :
ويستفاد منه فيه الرخصة بالشرب قائماً ، فقيل إن الشرب من ماء زمزم من غير قيام يشق لارتفاع ما عليها من الحائط ، وقال ابن بطال : أراد البخاري إن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج ، فإن قلت روى ابن جرير عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب منها في الحج ، قلت : لعله إنما تركه لئلا يُظن أنه شربه من الفرض اللازم ، وقد فعله أولاً مع أنه كان شديد الاتباع للآثار بل لم يكن أحداً أتبع لها منه ، وقد نص أصحاب الشافعي على شربه ، وقال وهب بن منبه : نجدها في كتاب الله شراب الأبرار وطعام طعم وشفاء سقم لا تنزح ولا تزم ، من شرب منها حتى يتولى أحدثت له شفاءً وأخرجت عنه داءً .
واعلم أنه قد روي في الشرب قائماً أحاديث كثيرة ، منها النهي عن ذلك ، وبوب عليه مسلم بقوله باب الزجر عن الشرب قائماً وحدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً . وفي لفظ له عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً . قال قتادة : فالأكل ، قال ذاك أشد وأخبث . وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً . وفي لفظ نهى عن الشرب قائماً . وفي رواية له عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقي )) . وروى الترمذي من حديث الجارود بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً .
ومنها إباحة الشرب قائماً فإن ذلك ما رواه البخاري وبوب عليه : باب الشرب قائماً ـ على ما يأتي ـ قال حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزار قال : أتى علي رضي الله عنه على باب رحبة بماء فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني فعلت النبي صلى الله عليه وسلم فعله كما رأيتموني فعلت . ورواه أبو داود أيضاً . وروى الترمذي من حديث ابن عمر قال : كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام . وقال هذا حديث حسن صحيح غريب .
الشيخ : في فائدة : جواز الأكل ماشياً ، والإنسان قد يحتاج إليه أحياناً يكون معه كسرة خبز يريد أن يكملها ويأكلها وهو يمشي .
متابعة التعليق : وروى أيضاً من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً . وقال هذا حديث حسن . وروى الطحاوي وقال : حدثنا ربيع الجيزي حدثنا إسحق بن أبي فروة المدني حدثتنا عبيدة بنت نابل عن عائشة بنت سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائماً . ورواه البزار أيضاً في مسنده نحوه ، وروى الطحاوي أيضاً فقال : حدثنا ابن منذور حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم بن مالك أخبرني البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من قربة . وفي لفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي بيتها قربة معلقة فشرب من القربة قائماً . وأخرجه أحمد والطبراني أيضاً .
قال النووي : اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالاً باطلة ، والصواب منها أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وأما شربه قائماً فلبيان الجواز ، ومن زعم نسخاً فقد غلط فكيف يكون النسخ مع إمكان الجمع ؟ وإنما يكون نسخاً لو ثبت التاريخ ، فأنى له ذلك ؟ وقال الطحاوي ما ملخصه : إنه صلى الله عليه وسلم أراد بهذا النهي الإشفاق على أمته لأنه يخاف من الشرب قائماً الضرر وحدوث الداء كما قال لهم : (( أما أنا فلا آكل متكئاً )) .ا.هـ.
قلت : اختلفوا في هذا الباب بحسب اختلاف الأحاديث فيه فذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة إلى كراهة الشرب قائماً ، ورُوي ذلك عن أنس رضي الله عنه ، وذهب الشعبي وسعيد بن المسيب وزادان وطاووس وسعيد بن جبير ومجاهد إلى أنه لا بأس به ، ويُروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وسعد وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم .
الشيخ : الذي يظهر أنه مكروه لكن للحاجة لا بأس به ، هذا الأقرب .
سؤال : في الوقت الحاضر الثلاجات في الطرق في بعض الأحيان تصير مثل ماء زمزم هذه بهاماءوهذه بها ماء وليس هناك كوب ليشرب نته ويشرب بيده ، فهل فيها كراهة ؟
الجواب : لا ما فيها كراهة للحاجة ، أحياناً يصير فيها كوب لكن مربوط بسلسلة قصيرة لو جلست ما ينفع .
سؤال : الماء الماء فقط أو أي شيء ؟
الجواب : أي شيء لكن كما قلت لكم للحاجة لا بأس ، يعني مثل الآن بعض الناس عندما تنتهي الوليمة ويخرج الناس يقف واحد ويصب القهوة يصب للناس وهو قائم ، إن جلست فهو غير مناسب ، أنت تجلس وهو واقف ؟ ما هو مناسب ، فتجد بعض الناس يشرب وهو واقف يقول هذا للحاجة . قد يقول قائل : ليش تشرب ما هو لازم . نقول صحيح لكن بعض الناس ما يتأتى له ذلك لو لم يشرب قالوا هذا متكبر . لكل مقام مقال والدين والحمد لله في غير الأشياء التي نص على تحريمها الأصل في ذلك الإباحة ما عدا العبادات فالأصل فيها التحريم .
سؤال : في الحديث : ( ماء زمزم لما شرب له ) هذا خاص بالحرم أو عام ؟
الجواب : عام في كل شيء ، لكن هل لما شرب له يعني هل المعنى إن شربته للعطش أزال عنك العطش وللأكل أزال عنك الجوع أو حتى للأمراض ؟ من العلماء من يقول عام حتى إن بعضهم شربه ليحفظ صحيح البخاري فماء زمزم لما شُرب له ، وعلى هذا الطالب عنده امتحان يشربه علشان ينجح ، والذي يطلب الزوجة يشربه ليسهل له الزواج . وعندي أنه ما يكون العموم إلى هذا الحد ، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه لما شرب له مما ينتفع به البدن خاصة غما شبع من جوع وإما ري من عطش وإما دواء من مرض ، أما الشيء الخارج ففي نفسي من هذا شيء .
سؤال : أنا جربته أنا تقريباً حليب الناقة وماء زمزم له مزاق خاص.
الجواب : على كل حال الذي يظهر لي لما شرب له إنه ما يتعلق بالجسد فقط . والله أعلم .
السائل : حتى الذكاء يا شيخ ؟
الجواب : لا من الأمور المعنوية الذكاء ما هو من الأمور الحسية .(4/463)
75 ـ بَاب طَوَافِ القَارِنِ
1530 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَأَهْللنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَال مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَليُهِل بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ ثُمَّ لا يَحِل حَتَّى يَحِل مِنْهُمَا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلنِي مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَال صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الذِينَ أَهَلوا بِالعُمْرَةِ ثُمَّ حَلوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا(1)
__________
(1) طواف واحد يعني السعي لأن الذين جاءوا بالحج والعمرة مع الرسول طافوا طوافين طواف القدوم وطواف الإفاضة ، لكن مرادها الطواف بين الصفا والمروة .(4/464)
1531 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما دَخَل ابْنُهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَال إِنِّي لا آمَنُ أَنْ يَكُونَ العَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنِ البَيْتِ فَلوْ أَقَمْتَ فَقَال قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ البَيْتِ فَإِنْ حِيل بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ثُمَّ قَال أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا قَال ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى وجوب التمتع بخلاف قرينه ابن عباس فإنه يرى وجوب التمتع إلا لمن ساق الهدي، والصواب أن التمتع ليس بواجب وإنما هو سنة مؤكدة إلا للذين واجههم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخطاب وهم الصحابة ، ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه : ( إنها لنا خاصة ) يعني الصحابة ، ويريد بذلك الوجوب . ولا يخفى أن هناك فرقاً بين من لا ينفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاً لوجه وهم أول القرون والأمة ستقتدي بهم وبين من يأتي بعد ذلك ، أيهما أشد ؟ الأول أشد مخالفة ، ولهذا اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي واجب على الصحابة فقط وسنة في حق غيرهم .
ومراده رضي الله عنه في قوله : ( افعل كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه يحل إذا أُحصر ، حل ووجب عليه الهدي إن استطاع، لقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي } وكان رضي الله عنه ـ أعني ابن عمر ـ كان لا يرى الاشتراط وينكره غاية الإنكار ، فتأمل ـ سبحان الله ـ ابن عمر ينكره غاية الإنكار ومن العلماء من يرى أنه مستحب على كل حال ، والصواب أن الاشتراط سنة إذا خاف الإنسان أن لا يتم نسكه ، غير سنة إذا لم يخف . فالرجل الصحيح مثلاً نقول أحرم ولا تشترط والمريض الذي يخشى أن لا يُتم نقول اشترط ، وبهذا تجتمع الأدلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بضاعة بنت الزبير أن تشترط وهي شاكية وهو لم يشترط ولا أصحابه الذين معه لأنهم ليسوا على خوف من عدم إتمام النسك .
سؤال : بالنسبة للمحصر إذا أُحصر وليس معه مال في ذاك الوقت لكي يشتري الهدي ، ويستطيع إذا رجع لبلده أن يحصل المال ، هل له أن يرسل المال لأحد ليشتري له الفدية ؟
الجواب : يعني بعد ما رجع ؟
السائل : نعم .
الجواب : لا .. إذا لم يجد فقيل إنه يصوم عشرة أيام قياساً على هدي التمتع ، وقيل لا يجب عليه شيء . وهو الصحيح لقول الله تعالى : { فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي } ولم يذكر شيئاً آخر .
سؤال : بارك الله فيكم ، هل ماء زمزم إذا خُلط بماء آخر هل يكون له حكم ماء زمزم ؟
الجواب : أيهما أكثر ؟
السائل : يأتون الحجاج لمدة سنة أو سنتين يخلطون كل وقت ويغسلون به أولادهم ؟
الجواب : إذا غلب ماء زمزم لا بأس ، وإن لا فلا .
سؤال : بارك الله فيكم ، أشكل عليَّ جداً قول العلماء أنه إن قال عند الاشتراط إن حصل لي كذا وكذا فلي أن أحل، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي فمحلي حيث حبستني) وقلنا إن حصل شيء حلت، بينما قول بعض العلماء إن حصل شيء حل إن شاء . ولو قلنا بقول العلماء اقتضى هذا أن لفظهم أوسع من اللفظ النبوي ، وهذا ما يُسن ؟
الجواب : لا .. العلماء ما قالوا هذا ، العلماء يقولون الاشتراط له صيغتان : الأولى أن يقول إن حبسنى حابس فمحلي حيث حبستني . كما جاء في الحديث ، فهذا يحل بمجرد وجود الحابس ، والصيغة الثانية أن يقول فلي أن أحل . وهذا يُخير إن شاء حل وإن شاء بقي مع المشقة .
السائل : من أين أخذوا الأخير ؟
الجواب : لأنه جاز قطعه جاز الاستمرار فيه .
السائل : لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما أرشدها للثاني وأرشدها للأول ؟
الجواب : نعم أرشدها لأن هذا أسهل عليها .
السائل : على هذا من قال بالأخير فإنه يخالف لفظ النبي ؟
الجواب : لا .. الذي يقول لي أن أحل . لا نقول حرام ، وإلا فلا شك أن اللفظ النبوي فمحلي حيث حبستني ، لكنه ليس بحرام .(4/465)
ش9 ـ وجه أ :
1532 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَرَادَ الحَجَّ عَامَ نَزَل الحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقِيل لهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أسوة حَسَنَةٌ ) إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ قَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلمْ يَزِدْ عَلى ذَلكَ فَلمْ يَنْحَرْ وَلمْ يَحِل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلمْ يَحْلقْ وَلمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّل وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما كَذَلكَ فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن الإنسان لا باس أن يستعمل الألفاظ المؤكدة؛ لأنهم لما قالوا له هذا أعلن إعلاناً وأشهدهم أنه أوجب عمرة حتى لا يبقى لأحد كلام أو مشورة . وفيه أيضاً دليل على جواز إدخال الحج على العمرة بدون ضرورة لأن إدخال الحج على العمرة للضرورة جائز في قصة من ؟ في قصة عائشة ، لكن بدون ضرورة هذا قد يقول قائل لا يجوز ، ولكن العلماء أجمعوا على جواز ذلك ، اللهم من قال بوجوب التمتع . والصواب أن هذا جائز يعني أن يدخل الحج على العمرة قبل أن يشرع في الطواف ويكون قارناً . وفيه دليل على أن القارن يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة ويكفيه أيضاً طواف واحد لكن الطواف الذي قبل السعي طواف قدوم سنة . طيب لو أن القارن سعى قبل أن يخرج إلى عرفة بدون أن يطوف طواف القدوم ؟ فلا يجوز ؛ لأن السعي لابد أن يسبقه طواف نسك كطواف القدوم أو طواف الإفاضة .(4/466)
76 ـ بَاب الطَّوَافِ عَلى وُضُوءٍ
1533 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَل عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَال قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنْه فَكَانَ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه مِثْلُ ذَلكَ ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ رَضِي الله عَنْه فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ فَكَانَ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلكَ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَل ذَلكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلا يَسْأَلُونَهُ وَلا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ ثُمَّ لا يَحِلونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّل مِنَ البَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُمَا لا تَحِلانِ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ بِعُمْرَةٍ فَلمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلوا(1)
__________
(1) الشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ للطواف ، لكن هل مجرد الفعل يدل على الوجوب ؟ المعروف أنه لا يدل على الوجوب ؛ لأنه لم يأمر به ، ما قال لمن أراد أن يطوف توضأ لكنه فعل ، ثم إنه يفعله أيضاً من أجل ركعتي الطواف لأن ركعتي الطواف لابد فيهما من وضوء . هل تكلم على هذه في الفتح ؟
القارئ : مسألة الطهارة ؟
الشيخ : الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الطواف على وضوء ) أورد فيه حديث عائشة : ( إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف ) الحديث بطوله وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم : (( خذوا عني مناسككم )) .
الشيخ : حتى لو انضم قوله : (( خذي عني مناسككم )) لأن هذا ليس على إطلاقه بالاتفاق ، وإلا لقلنا إن كل شيء فعله الرسول في الحج يكون واجباً ولا قائل به . فهذا الظن لا يفيد .
متابعة التعليق : وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور وخالف فيه بعض الكوفيين .
الشيخ : الكوفيون من ؟ أصحاب أبي حنيفة .
متابعة التعليق : ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : (( غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين .
الشيخ : لكن هذا ليس حجة لأنه قال : (( حتى تطهري )) وطهارتها انقطاع حيضها ، بدليل قول الله تعالى : { فلا تقربوهن حتى يطهرن } يعني ينقطع الحيض { فإذا تطهرن } أي اغتسلن ، فليس فيه دليل ، والحائض فرق بينها وبين الطاهر ، الحائض لا تمكث في المسجد ، نعم تعبره لا بأس أما تمكث فلا ، وهذا وجه نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عائشة عن الطواف بالبيت ، وكذلك قوله لصفية لما قيل إنها حائض ، قال : (( أحابستنا هي )) لأنها لا يمكن أن تطوف .
متابعة التعليق : ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة وفيه : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا أو هو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهري ، ويؤيده قوله في رواية مسلم : (حتى تغتسلي ) والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط قال ابن أبي شيبة حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها وفي هذا تعقب على النووي حيث قال في شرح المهذب انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله.اهـ
ولم ينفردوا بذلك كما ترى فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وعند المالكية قول يوافق هذا .
الشيخ : انتهى ؟ غريب إنه ما ذكر قول شيخ الإسلام مع أن شيخ الإسلام رحمه الله نصره نصراً عظيماً وذكر له أدلة وشواهد أعني عدم وجوب الوضوء للطواف .
سؤال : بارك الله فيكم ، هل يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم منع عائشة من الطواف وهي حائض لأجل ركعتي الطواف لأنها يلزمها إذا طافت أن تصلي ركعتين ؟
الجواب : لا ما هو بلازم الصلاة ركعتين ليس بلازم .
السائل : يعني تسقط عنها ؟
الجواب : إي نعم ، لكن لا نرى جواز طواف الحائض ، لكن إذا طافت وهي طاهر على غير وضوء أو طاف الرجل على غير وضوء هذا محل الخلاف .
سؤال : عمرة الفرض واجبة على الفور ، فمن حج الفريضة فهل يجب عليه التمتع أو القران أو له أن يفرد ؟
الجواب : الظاهر أنه يجب عليه إما التمتع أو القران للفورية .
شوف عنده يقول لم تكن عمرة هل مراده أنهم لم يتمتعوا ؟
القارئ : ما ذكر شيئاً .
الشيخ: الظاهر إن قوله: (لم تكن عمرة) أنهم قرنوا لأن معهم الهدي .
سؤال : أشكل علي أن الصحابة رضي الله عنهم أن منهم من أفرد ؟
الجواب : أليسوا اعتمروا بالحديبية ؟ لكن كثير منهم أيضاً تمتعوا وقرنوا ، أكثرهم تمتع لأن الرسول لما أمرهم أن يجعلوها عمرة جعلوها عمرة .
تعليق من شرح العيني : قوله ( ثم لم تكن عمرة ) بالرفع والنصب على تقدير كون لم تكن تامة أو ناقصة .(4/467)
77 ـ بَاب وُجُوبِ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَجُعِل مِنْ شَعَائِرِ اللهِ
1534 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال عُرْوَةُ سَأَلتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا فَقُلتُ لهَا أَرَأَيْتِ قَوْل اللهِ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) فَوَاللهِ مَا عَلى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالتْ بِئْسَ مَا قُلتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلتَهَا عَليْهِ كَانَتْ لا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ لا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلكِنَّهَا أُنْزِلتْ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا قَبْل أَنْ يُسْلمُوا يُهِلونَ لمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلل فَكَانَ مَنْ أَهَل يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا أَسْلمُوا سَأَلُوا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلكَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) الآيَةَ .(4/468)
قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ فَقَال إِنَّ هَذَا لعِلمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلقَدْ سَمِعْتُ رِجَالا مِنْ أَهْل العِلمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِل بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلهُمْ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالى الطَّوَافَ بِالبَيْتِ وَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ فِي القُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَإِنَّ اللهَ أَنْزَل الطَّوَافَ بِالبَيْتِ فَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا فَهَل عَليْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) الآيَةَ .(4/469)
قَال أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِليْهِمَا فِي الذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالجَاهِليَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَالذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلامِ مِنْ أَجْل أَنَّ اللهَ تَعَالى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالبَيْتِ وَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالبَيْتِ (1)
__________
(1) الذي يقرا آية { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } يفهم أن الطواف بهما ينتفي به الجناح وكان بصدد أن يأثم ، ولكن من عرف سبب النزول زال سبب الإشكال ، وسبب النزول أنهم كانوا يتحرجون الطواف بهما لأنهم يهلون من مناة الطاغية بالمشلل ، فتحرجوا . وفيه أيضاً سبب آخر لم يذكره البخاري ولعله ليس على شرطه أنه كان على الصفا والمروة صنمان وكانوا في الجاهلية يطوفون بهما ، فلما جاء الإسلام تحرجوا أن يطوفوا بهما لأنهما كان فيهما الصنمان .
هناك السبب الثالث وهو أن الأصل في العبادات المنع ، فلما ذكر الله الطواف بالبيت وسكت عن الطواف بالصفا والمروة تحرجوا وقالوا إذا لم يُذكر الطواف بالصفا والمروة فالأصل في العبادات المنع والتحريم فيكون من طاف بهما عليه جناح . فنفى الله ذلك وقال : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فهذه ثلاثة أسباب .
ثم يُقال : إن قوله عز وجل : { من شعائر الله } يدل على أن قوله : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ليس على ظاهره ؛ لأن كونهما من شعائر الله يقتضي الندب للطواف بهما ، ولهذا قالت عائشة لابن أختها قالت : بئس ما فعلت أو ما فهمت ، لو أراد الله ما فهمه عروة لقال فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما لا أن يدعهما .
على كل حال هي رضي الله عنها أقسمت في محل آخر أنه ما أتم الله حج إنسان ولا عمرة حتى يطوف بالصفا والمروة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قال بعض الناس العمرة ليست واجبة على الإنسان ولكن الله سبحانه وتعالى قال : ( ولله على الناس حج البيت ) وفي الحديث ( بني الإسلام على خمس ) ذكر الحج ولم يذكر العمرة ، ولم يرد دليل نصي من الرسول صلى الله عليه وسلم أو آية على وجوبها ، فبماذا نجيب على هذا ؟
الجواب : نجيبهم بأشياء :
أولاً : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمى العمرة حجاً أصغر فتدخل في عموم الحج .
ثانياً : أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أعلى النساء جهاد؟ قال: (( عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة )) وعلى تفيد الوجوب .
ثالثاً : أن الله قال : { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فجعل حكم الحج والعمرة واحداً في السعي ، ومن قال إنه سنة فنعم له وجهة نظر لكن الواضح أنها واجبة إلا أنها ليست كفريضة الحج ، يعني ليست من أركان الإسلام .
سؤال : يا شيخ آخر وقت لطواف القدوم متى ؟ بالنسبة للخروج إلى عرفة ؟
الجواب : ما له وقت إذا دخل وقت الحج خلاص ما في شيء في مكة لا طواف قدوم ولا عمرة ولا شيء ، ولهذا الذين يأتون في اليوم الثامن ويتمتعون ليس لتمتعهم وجه ، نقول إما أن تقرنوا أو تفردوا لأن الله قال : {من تمتع بالعمرة إلى } وإلى للغاية فيفيد أن بين العمرة والحج في هذه الحال زمن له أول وله غاية .
السائل : ومن طاف طواف القدوم بعد ذهاب الناس لعرفة ؟
الجواب : أرى أن لا يطوف ، إذا دخل وقت الحج يخرج للمناسك .
القارئ : قوله ( ثم لم تكن عمرة ) تكلم عليها يا شيخ .
الشيخ : من ، العيني ؟
القارئ : لا .. ابن حجر في الفتح ، يقول : وبذلك احتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة ، وكذا أبو بكر وعمر فمعنى قوله : ( ثم لم تكن عمرة ) أي لم تكن الفعلة عمرة هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان ويحتمل أن تكون كان تامة والمعنى ثم لم تحصل عمرة وهي على هذا بالرفع ، وقد وقع في رواية مسلم بدل عمرة غيره بغين معجمة وياء ساكنة وآخره هاء قال عياض وهو تصحيف وقال النووي لها وجه أي لم يكن غير الحج وكذا وجهه القرطبي .
الشيخ : يعني ( لم تكن عمرة ) عمرة تمتع لأنهم قد ساقوا الهدي .
سؤال : هل هناك تغير في المعنى أو لا لأنها زوالي أو غروبي ؟
الجواب : لها حافظ ورقيب وعتيد ، ولهذا شوفوا إن تقدمت أو تأخرت لا تطالبوا غيرها .
سؤال : هذه الساعة هل هي على الزوال ؟
الجواب : لا .. الغروب ، لكن كيف نعرف الغروب ؟ عندنا الساعة العصرية الآن ساعة العصر توقيت أم القرى ، ساعة العصر فيها ثلاثة اصطلاحات : توقيت أم القرى وتوقيت الرابطة ، وتوقيت الرابطة أضبط من أم القرى ، في توقيت ثالث ما أدري إيش اسمه .(4/470)
78 ـ بَاب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ.
1535 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّل خَبَّ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقُلتُ لنَافِعٍ أَكَانَ عَبْدُاللهِ يَمْشِي إِذَا بَلغَ الرُّكْنَ اليَمَانِيَ قَال لا إِلا أَنْ يُزَاحَمَ عَلى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلمَهُ(1)
__________
(1) قوله رحمه الله : ( باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة ) يشمل السعي كله ويخص السعي بين العلمين يعني في بطن الوادي ، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسعى شديداً في بطن الوادي حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي . وأما سؤال ابن عمر رضي الله عنهما (هل كان يمشي إذا بلغ الركن اليماني ) يعني بناء على الطواف الذي كان في عمرة القضاء ، فيقول : لا .. إنه يرمل إذا زوحم على الحجر ؛ لأنه رضي الله عنه متمسك باستلام الحجر لابد أن يستلمه ، وحينئذٍ لا يمكن أن يرمل وهو يحاول أن يصل إلى الحجر الأسود .
فإن قال قائل : هل الأفضل اتباع ابن عمر في هذا بمعنى أن لا نرمل من أجل أن نصل إلى استلام الحجر أو الأفضل أن نرمل ؟ فالجواب : الثاني هو الأفضل لأن الرمل صفة في كيفية الطواف فهو أولى للمراعاة من سنة في نفس الطواف ليست في كيفيته .(4/471)
1536 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) وَسَأَلنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
1537 حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ صَلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ تَلا ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
1538 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَال قُلتُ لأَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال نَعَمْ لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِليَّةِ حَتَّى أَنْزَل اللهُ ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) .
__________
(1) هذا سبق الكلام عليه .(4/472)
1539 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ليُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ زَادَ الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلهُ(1)
79 ـ بَاب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلهَا إِلا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ
وَإِذَا سَعَى عَلى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
__________
(1) شوف الكلام على الحديث هذا .
تعليق من فتح الباري : الحديث الرابع حديث ابن عباس إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته والمراد بالسعي هنا شدة المشي وقد تقدم القول فيه في باب بدء الرمل.
الشيخ : نعم بالنسبة للرمل في الطواف مُسلم ، لكن بالنسبة للسعي بين الصفا والمروة في نفسي منه شيء لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سعى من أجل أن أم إسماعيل سعت في بطن الوادي ، ومن أجل ذلك سعى الناس .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، بعض الصحابة يرد عليه سؤال فيقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، فيسأل أو المسؤول يعرف أن هناك بعض الناس لا يعرفون ، كيف يرد عليهم ؟
الجواب : يرد عليهم أنهم يعرفون ، بمعنى أنك لا تحل ولا تحل لك امرأتك حتى تطوف بالصفا ، هذا مرادهم .(4/473)
1540 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالتْ فَشَكَوْتُ ذَلكَ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال افْعَلي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي(1)
__________
(1) هي ذكرت أنها لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة لأن السعي لا يصح إلا بعض طواف ، وإلا فاشتراط الطهارة له ليس بواجب ، يعني الطهارة غير واجبة للسعي لكن لا يمكن أن تسعى إلا بعد طواف ، فلهذا لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، وقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) وإذا قال : (( غير أن لا تطوفي بالبيت )) يعني ولا بين الصفا والمروة كما ورد ذلك صريحاً في موطأ مالك رحمه الله .
تعليق من شرح العيني :
وقول ابن عباس : ( ليري المشركين قوته ) فيه حصر السبب فيما ذكره على ما هو المشهور في ( إنما ) من إفادة الحصر ، وقد جاء عن ابن عباس سبب آخر وهو سعي أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فيجوز أن يكون هو المقتضي لمشروعية الإسراع على ما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس .
قوله : ( قال إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسبقه فسابقه إبراهيم عليه السلام ) وقد ورد أيضاً سبب آخر وهو سعي هاجر عليها السلام على ما صرح به البخاري عن ابن عباس : ( جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ... ) الحديث ، وفيه : ( فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها وسعت سعي إنسان مجهود حتى إذا جاوزت الوادي ... ) الحديث ، وفيه ( ففعلت ذلك سبع مرات ) قال ابن عباس : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما ) فإن كان المراد في قوله ( فلذلك سعى الناس بينهما ) الإسراع في المشي فهذه العلة من نص الشارع فهي أولى ما يُعلل به السعي، وإن أراد بالسعي مُطلق الذهاب فلا ، ويدل عليه رواية الأزرقي : (فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة ) والله أعلم .
الشيخ : الصواب ( ولذلك سعى الناس ) يشمل السعي بين الصفا والمروة عموماً وكذلك السعي في الوادي الذي هو الركض الشديد .(4/474)
1541 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ قَال ح .
وَقَال لي خَليفَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ المُعَلمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما قَال أَهَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ وَليْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَلحَةَ وَقَدِمَ عَليٌّ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَال أَهْللتُ بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلقُ إِلى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلغَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال لوِ اسْتَقْبَلتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلهَا غَيْرَ أَنَّهَا لمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ فَلمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالبَيْتِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ تَنْطَلقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ(1)
__________
(1) إلا أن الذين ساقوا الهدي كانوا قليلين لأنه لم يسق الهدي إلا الأغنياء وعامة الصحابة فقراء ، فيكون عامتهم فسقوا الحج إلى عمرة وفسقوا القران إلى عمرة ليصيروا متمتعين . فإن قلت : هل يجوز أن يفسخ الإنسان الحج إلى العمرة ليتحلل منها وينصرف على أهله؟ فالجواب : لا .. لأنه إنما أُمر بفسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً والتمتع أفضل ، ولم يُرخص له أن يفسخ الحج إلى عمرة ليتحلل عن قرب ويرجع إلى أهله .(4/475)
1542 حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلتْ قَصْرَ بَنِي خَلفٍ فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالتْ كُنَّا نُدَاوِي الكَلمَى وَنَقُومُ عَلى المَرْضَى(1) فَسَأَلتْ أُخْتِي رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالتْ هَل عَلى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لمْ يَكُنْ لهَا جِلبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَال لتُلبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلبَابِهَا وَلتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ فَلمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِي الله عَنْهَا سَأَلنَهَا أَوْ قَالتْ سَأَلنَاهَا فَقَالتْ وَكَانَتْ لا تَذْكُرُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَبَدًا إِلا قَالتْ بِأَبِي فَقُلنَا أَسَمِعْتِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالتْ نَعَمْ بِأَبِي فَقَال لتَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ أَوِ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ وَالحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلمِينَ وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلى فَقُلتُ الحَائِضُ فَقَالتْ أَوَليْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا(2)
__________
(1) الكلمى) يعني الجرحى .
(2) هذا الحديث فيه فوائد على ما سبق وفيه إشارة إلى أن منع الحائض من الطواف لا لاشتراط الطهارة ولكن لكونها حائضاً والحائض لا تدخل المسجد على وجه المكث فيه ، والداخل للمسجد الحرام ليطوف سيمكث مدة الطواف قد تطول وقد تقصر . ففي هذا إشارة إلى ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أن منع الحائض من الطواف ليس لأنها غير طاهر ولكن لأنها سوف تمكث بالمسجد والحائض ممنوعة من المكث في المسجد.
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز غزو النساء مع الرجال ولكن لا يباشرن القتال اللهم إلا عند الدفاع عن النفس فهذا شيء آخر ، وإلا فلا يباشرن القتال ابتداءً لقلة صبر المرأة ولاستعلاء الرجل عليها ، فإذا استعلى عليها رجل من العدو ثم قتلها صار في هذا كسر لقلوب المجاهدين ، نعم لو هاجمها أحد فيجب عليها أن تدافع عن نفسها .
وفي هذا الحديث دليل على جواز مداواة النساء للجرحى والمرضى لقولها : ( كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى ) . فإذا قال قائل : يلزم من هذا أن تباشر المرأة علاج الرجل ؟ فالجواب : وإن لزم لأن هذا حاجة أو ضرورة . ولهذا لو رأت المرأة رجلاً غريقاً وهي تعرف أن تسبح وجب عليها أن تنزل وتخرجه ، وكذلك العكس ، ولكل مقام مقال .
وفي التفريق بين الرجال والنساء في القتال دليل على أن المرأة إنما تُمكن من العمل الذي يليق بها لا أن تشارك الرجل في كل أعماله ومسؤولياته ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) وهذا الحديث سواء كان المراد بهم الفرس الذين ولوا عليهم ابنة كسرى أو إنه عام ، فإن قال الأول فيقال ما الفرق بين هذه وغيرها ؟ المرأة لا تتولى ولاية عامة في الحكومة الإسلامية أبداً ، ومن ولاها فقد خالف لأنها قاصرة التفكير والعقل وإذا وُجد نابغة من النساء فهذا نادر ، والنادر لا حكم له .فإن قال قائل : أرأيت لو كان هناك طبيب وطبيبة فأيهما الذي يداوي الرجل ؟ الطبيب الرجل لا شك في هذا لأن مداواة المرأة للرجل إنما تكون عند الحاجة والضرورة ولابد من قيد في مداواة المرأة للرجل وهو أن لا يخلو بها فإن خلا بها فهو حرام . فإن قال قائل : التهمة هنا بعيدة لأن الرجل مريض قد انشغل بنفسه فهو بعيد أن يحصل منه تحرك شهوة ؟ فالجواب : لا تسلم ، إذا خلت امرأة ممرضة برجل ولو كان مريضاً فإنها لاشك إذا قامت تمس جلده سوف تحرك شهوته، ولا تقل إن هذا مريض فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فلا يجوز أن تخلو المرأة بالرجل لمداواته ولا أن يخلو الرجل بالمرأة لمداواتها .
سؤال : هل من ذلك للحاجة أو للضرورة ما نقع فيه اليوم من وجود الممرضات المستشفيات وهل الخلوة تنفك بفتح الباب ؟
الجواب : أما ما نحن فيه اليوم ما نستطيع نحكم لأن في بعض المستشفيات فيها رجال ومع ذلك يجعلون النساء هي التي تعالج وبالعكس ، حتى قيل لي إن بعض المستشفيات يرسلون النساء للرجال والرجال للنساء. وهذا والعياذ بالله مُحرم لا شك ، أما الباب المفتوح فإن كانت الحجرة كلها باب فنعم ما في خلوة ، أو كان الباب في جانب ولكن الباقي زجاج فهذا أيضاً لا خلوة ، وأما إذا كان باب وحجرة عليها جدران لا يُرى من ورائها فهذا خلوة .
سؤال : أحسن الله إليك ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )) هل يُفهم من ذلك أن الآن أن تسعي بين الصفا والمروة وهي داخل سور المسجد الآن ؟
الجواب : لا .. ولا يمكن تسعى بين الصفا والمروة حتى لو كان خارج السور ، وذكرنا ذلك من قريب يا جماعة وقلنا إنها هي تقول لم أطف ولم اسعى ، وقلنا في رواية مالك صريحة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها (( غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري )) .
السائل : لكن الحديث الذي معنا هذا ....؟
الجواب : الذي معك حديث ما هو ؟ هي قالت قدمت مكة ولم أطف بالبيت ولم أطف بين الصفا والمروة . هي قالت هذا ، وقلت لك إن رواية مالك يقول لها : (( غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري )) أين أنت ؟ ولا يمكن أن يصح سعي إلا إذا سبقه طواف ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال : (( لا حرج )) في سعي الحج إذا قدمه على طواف الإفاضة . على أن بعض أهل العلم قال : ولا سعي الحج لا يُقدم على طواف الإفاضة ، وأن معنى قول السائل : سعيت قبل أن أطوف يعني بذلك القارن الذي سعى عند طواف القدوم ، فهنا يكون سعى قبل طواف الإفاضة ، لكن عندي هذا التأويل بعيد مستبعد لأن مثل هذا لا يُسأل عنه وقد جرى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة . أفهمت الآن أو لا ؟
سؤال : في رواية جابر يا شيخ يقول : ( قدم علي من اليمن ومعه هديه ) وفي رواية رأينا النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه في هديه كيف الجمع ؟
الجواب : معه الهدي من النبي صلى الله عليه وسلم وتشريكه إياه في الهدي يحتمل أنه مشاع ويحتمل أنه خص له شيئاً معيناً .
بقي أن نزيد فوائد ، يقول : ( فَقَالتْ هَل عَلى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لمْ يَكُنْ لهَا جِلبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَال لتُلبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلبَابِهَا ) هذا في صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن حتى الحُيَّض وذوات الخدور ، فسألن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يكن لها جلباب، الجلباب هو الذي يغطي الجسم كله، قال: (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها )) يعني تعيرها ، وهذا يدل على أن المرأة لا تخرج بلا جلباب ، بمعنى لا تخرج بالدرع الذي هو القميص ولا بشيء لا يسترها جميعاً .(4/476)
80 ـ بَاب الإِهْلال مِنَ البَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا للمَكِّيِّ
وَللحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلى مِنًى
وَسُئِل عَطَاءٌ عَنِ المُجَاوِرِ يُلبِّي بِالحَجِّ قَال وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُلبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلى رَاحِلتِهِ وَقَال عَبْدُالمَلكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَحْللنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لبَّيْنَا بِالحَجِّ وَقَال أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَهْللنَا مِنَ البَطْحَاءِ وَقَال عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَل النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلال وَلمْ تُهِل أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَال لمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُهِل حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلتُهُ(1)
__________
(1) ش9 ـ وجه ب :
هذه آثار ليس فيها حديث مرفوع ، الإحلال : الإهلال يوم التروية ، يكون قبل الظهر لمن كان متمتعاً ، وأما القارن والمفرد فهو أحرم من الميقات لكن إذا نزل القارن والمُحرم في مكة فمتى يُهل ؟ نقول : يُهل إذا ركب راحلته متجهاً إلى منى . وظاهر أثر ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أنه كان يصلي الظهر ثم يخرج إلى منى ، وظاهر حديث جابر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى منى قبل صلاة الظهر ، حيث قال : ( فلما كان يوم التروية توجه إلى منى فصلى بها النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ) فعلى هذا يكون الإحرام بالحج للمتمتع قبل الظهر ويكون خروج القارن والمفرد قبل الظهر فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء . إيش الكلام على أثر ابن عمر في الفتح ؟
القارئ : وقت الإهلال ؟
الشيخ : نعم .
تعليق من فتح الباري :
واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيباً مدهنين إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج وهو قول ابن الزبير ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال وقيل أن ذلك محمول على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور . وقال ابن المنذر الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم . واحتج الجمهور بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب .
وقوله في الترجمة : ( للمكي ) أي إذا أراد الحج ، وقوله : ( الحاج ) أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا .
الشيخ : والصواب أن لا يُهل إلا يوم الثامن ، ومن قال من العلماء إنه يُهل يوم السابع إذا لم يجد الهدي ليصوم السابع والثامن والتاسع فقوله ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : { ثلاثة أيام في الحج } يشمل من ابتداء العمرة إلى أيام التشريق حتى لو كان محلاً ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( دخلت العمرة في الحج )) . وعلى هذا فالصحيح في هذه المسألة أن من لم يجد الهدي من متمتع وقارن فالمتمتع لا يُحرم إلا يوم التروية والقارن لا يخرج إلى منى إلا يوم التروية .
أنا أريد حديث ابن عمر أنه صلى الظهر ثم خرج .
القارئ : قوله : ( باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى ) كذا في معظم الروايات وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت ( إلى منى ) وكذا ذكره ابن بطال في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها ، وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي قال النووي ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح وقيل مكة وسائر الحرم اهـ .
والثاني مذهب الحنفية واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل وفي قول للشافعي من المسجد ، وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث ابن عباس : ( حتى أهل مكة يهلون منها ) وقال مالك وأحمد وإسحاق يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل....
الشيخ : هذا الذي قرأته من قبل ؟
القارئ : نعم هذا الذي قرأته .
الشيخ : الإشكال الإهلال قبل صلاة الظهر أو بعدها ، هذا الإشكال والصحيح أنه قبل صلاة الظهر وأنه يُحرم إن كان متمتعاً أو كان من أهل مكة وأراد الحج يُحرم يوم ثمانية قبل الظهر ويخرج إلى منى ويصلي بها.
القارئ : سيأتي في الباب الذي بعده .(4/477)
81 ـ بَاب أَيْنَ يُصَلي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ
1543 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَال سَأَلتُ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه قُلتُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيْنَ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَال بِمِنًى قُلتُ فَأَيْنَ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَال بِالأَبْطَحِ ثُمَّ قَال افْعَل كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ(1)
__________
(1) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب أين يصلي الظهر يوم التروية ) أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يُروون فيها إبلهم ويرتوون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء . وقد روى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مجاهد قال قال عبد الله بن عمر يا مجاهد إذا رأيت الماء بطريق مكة ورأيت البناء يعلو أخاشبها فخذ حذرك وفي رواية فاعلم أن الأمر قد أظلك .
وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا يتروى ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج ومنها أن الإمام يُعلم الناس فيه مناسك الحج . ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية أو الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو أو من الثالث لكان من الرؤيا أو من الرابع لكان من الرواية .
قوله : ( حدثني عبد الله بن محمد ) هو الجعفي ( وإسحاق الأزرق ) هو ابن يوسف ( وسفيان ) هو الثوري ، قال الترمذي بعد أن أخرجه صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري يعني أن إسحاق تفرد به . وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز ورواية أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحاق وقد وجدنا له شواهد .
الشيخ : الأحاديث متابعة كما هو المصطلح .
القارئ : من كان قصر ؟
الشيخ : لا أنا قصدي متابعة قوية .
متابعة التعليق : منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث . وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث بن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات وله عن ابن عمر أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى وحديث ابن عمر في الموطأ عن نافع عنه موقوفا ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة قوله يوم النفر بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج .
قوله : ( حدثنا علي ) لم أره منسوبا في شيء من الروايات والذي يظهر لي أنه ابن المديني وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وعبد العزيز وهو ابن رفيع ، قوله : ( فلقيت أنسا ذاهبا ) في رواية الكشميهني ( راكبا ) ، قوله : ( انظر حيث يصلي أمراؤك فصل ) هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو بمنى كما تقدم ، ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون . وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أفضل .
ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم قال صلي حيث يصلي أمراؤك قال الإسماعيلي قوله صلي غلط قلت ويحتمل أن يكون كانت صل بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها ياء فقرأها الراوي بفتح اللام وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر بن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط .
وقال أبو مسعود في الأطراف جود إسحاق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش ، قلت وهو كما قال .
وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة . وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز . وروى ابن المنذر من طريق بن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلى مني . قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى قال به علماء الأمصار ، قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ، ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه . قال ابن المنذر والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج .
الشيخ : هذا الذي أوصى به العلماء رحمهم الله في وقت السعة ، يعني كرهوا أن يخرج الإنسان إلى منى قبل يوم التروية لأنهم يشغلون مكاناً فيما ليس مشروعاً فيه في ذلك الوقت ، كما كرهوا أن يتأخر عن يوم التروية أن يتأخر عن الخروج إلى منى ، فالسنة أن تخرج ضحى إلى منى وتصلي الظهر هناك ، وإن تأخرت إلى أن تزول الشمس ثم تخرج قبل صلاة الظهر وتصلي في منى فلا بأس . وكانت منى فيما عهدنا ونحن قريبو عهد كان بينها وبين مكة مسافة طويلة صحراء وأودية لكن الآن اتصلت .
وفي هذا الحديث دليل على ورع الصحابة وحسن سيرتهم ومنهجهم حيث بينوا السنة ونهوا عن المخالفة . بينوا السنة أن تُصلى الظهر في منى، ونهوا عن المخالفة مخالفة الأمراء أمراء الحجيج ، فصلي حيث صلوا إن صلوا في منى فصلي في منى وإن صلوا في مكة صلي في مكة ؛ لأن المخالفة شر ، ولكن من يفقه هذا من بعض الناس اليوم حيث يريدون أن يطبقوا السنة لو كان فيها مشاقة ، وهذا غلط عظيم لاسيما من يؤبه له أو من يسعى بين الناس بأعلى صوته : خَالَفوا السنة ، السنة كذا . يترتب على هذا من المفاسد أكثر مما يترتب على المصلحة . هذا أحد الصحابة يبين لنا السنة ويقول لا تخالف أميرك .
متابعة التعليق : وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة. ا.هـ.
الشيخ : سبقناه بالتعليل .(4/478)
1544 حَدَّثَنَا عَليٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ لقِيتُ أَنَسًا ح و حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ قَال خَرَجْتُ إِلى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلقِيتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه ذَاهِبًا عَلى حِمَارٍ فَقُلتُ أَيْنَ صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَذَا اليَوْمَ الظُّهْرَ فَقَال انْظُرْ حَيْثُ يُصَلي أُمَرَاؤُكَ فَصَل(1)
82 ـ بَاب الصَّلاةِ بِمِنًى
1545 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَال صَلى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ(2)
__________
(1) كأن أنس رضي الله عنه فهم من هذا السائل أنه يريد المخالفة ولهذا لم يبين له أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في منى بل قال : ( صلي حيث يصلي أمراؤك ) فالسؤال ليس سؤال استشكال بل لعله سؤال إثارة ، لماذا يصلي الأمير مثلاً في مكة ثم يخرج ؟ ولهذا لم يُخبره بل قال : ( صلي حيث يصلي أمراؤك ) .
سؤال : قلنا إنهم كانوا في الجاهلية يهلون من عند أصنامهم على الصفا لهذا أنزل الله عز وجل قوله في الصفا ، هل هذا هو العلة أو غير ذلك ؟
الجواب : يجوز أن تتعدد العلل في حكم واحد .
(2) هذا الباب في قوله ( بمنى ) بمعنى في ، ومن المعلوم أن الحروف المعاني لها معاني متعددة تأتي بمعنى كذا وبمعنى ومعنى كذا . قال الله تعالى : { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل } أي وفي الليل . كما تأتي في بمعنى الباء مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( عُذبت امرأة في هرة حبستها )) أي بسبب .(4/479)
1546 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رَضِي الله عَنْه قَال صَلى بِنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ(1)
__________
(1) هذا فيه يبين أن قول الله تبارك وتعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } هذا الشرط أُلغي والحمد لله كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )) وهنا يقول : ( وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ) .(4/480)
1547 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال صَليْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْه رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَيَا ليْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلتَانِ(1)
83 ـ بَاب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
__________
(1) رضي الله عنه ، وهذا يدل على أنه كان يصلي أربع مع أنه ذكر أن صلاة الأربع مما تفرقت فيه الطرق ، وكان يُنكر هذا حتى أنه استرجع لما بلغه أن عثمان يصلي أربعاً ومع ذلك يصلي خلفه أربعاً . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ما هذا كيف تنكر على عثمان ثم تصلي خلفه أربعاً ؟ فقال رضي الله عنه الخلاف شر . وصدق ، فانظر كيف يتابع الصحابة في الزيادة التي يرونها خلاف السنة . وهو المتبع عند بعض العلماء الذين يرون أن القصر واجب ، ومن الناس من يُنكر متابعة الإمام في رمضان في صلاة التراويح إذا صلى ثلاث وعشرين فتجده جالساً والناس يصلون ولا يُتابع ، فيُقال له : يا أخي اتق الله لا تفرق المسلمين وانظر إلى هدي الصحابة رضي الله عنهم كيف يتقون الخلاف اتقاءً بالغاً .(4/481)
1548 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَالمٌ قَال سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلى أُمِّ الفَضْل عَنْ أُمِّ الفَضْل شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَبَعَثْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ(1)
84 ـ بَاب التَّلبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلى عَرَفَةَ
__________
(1) في هذا دليل على أن ما يفعله بعض الناس من صوم يوم عرفة استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه إنه يُكفر السنة التي قبله والتي بعده فتجده يصوم في يوم عرفة ، فيُقال له : كيف تفعل هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصومه ؟ ادعى أن الرسول ترك صومه رفقاً بالأمة ، فيُقال : سبحان الله يترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صومه مع أنه مستحب رفقاً بالأمة ؟ الأمة ليس عليها مشقة إذا صامت ، وإذا قُدر أن فيه مشقة فالأمة كلها تعلم أن صوم هذا اليوم سنة ليس بواجب ، فالصواب أن صوم يوم عرفة للحجاج مكروه ، أدنى ما يكون أن يكون مكروهاً لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ورد أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .(4/482)
1549 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَل أَنَسَ بْنَ مَالكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا اليَوْمِ مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال كَانَ يُهِل مِنَّا المُهِل فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ وَيُكَبِّرُ مِنَّا المُكَبِّرُ فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ(1)
__________
(1) لأن كله ذكر الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية والتكبير ، وفي هذا نص صريح على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يجتمعون على التلبية أي التلبية الجماعية بل كل إنسان يلبي بنفسه ويذكر بنفسه ، وفي أيضاً إشارة أيضاً من البخاري من الحديث إلى أن التلبية إنما تكون في حالة السير بين المشاعر من مكة إلى منى ومن منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى إلى رمي جمرة العقبة ، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال لا تكون التلبية لحال . يعني ما دمت مستقراً في منى أو عرفة فلا تلبي إنما تلبي إذا توجهت ومشيت ، فالتلبية تحتاج إلى حركة ، كيف تقول لبيك اللهم لبيك وأنت جالس ؟ فشيخ الإسلام رحمه الله يستدل بمثل هذه الأحاديث وبالمعنى على أن التلبية إنما تكون لمن؟ للذي يسير .
وذهب بعض العلماء إلى أنه يلبي ولو كان جالساً ولو كان قاراً ، واستدلوا بعموم : (فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ) لكن هذا الذي قاله يحكي سير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مزدلفة إلى منى ، فيقول : ( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . لكن مع ذلك لا يُنكَر من سُمِع يلبي وهو مقيم مستقر .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض طلبة العلم إذا رأوا أحد من الناس خالف السنة مثل إذا شرب قائماً مثلاً قالوا : ( ومن يشاق الرسول من بعد ما تبين له من الهدى ) وقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (من رغب عن سنتي فليس مني ) هل يصح هذا يا شيخ ؟
الجواب : لا ما هو بصحيح ، إذا رغب رغبة مطلقة عن سنة الرسول فنعم يكون كافراً أما في بعض الجزئيات فلا يكون كافراً . وهذا رأيته في جماعة من الإفريقيين متشادين جداً جداً كل واحد يقول أنتم كفار ، ما هي العلة ؟ نراهم مختلفين هل المصلي يضع يديه على صدره أو يرسل ؟ الذين يقولون يرسل يقولون هذه السنة وأنت إذا ضممت خرجت عن السنة فلست من الرسول ومن ليس من الرسول فهو كافر . سبحان الله ، والجماعة الثانية كذلك بالعكس مشاجرة قوية في منى حتى جاء مدير التوعية وتكلم معهم وخوفهم بالله وقال هذه المسألة سنة إن فعلها الإنسان فهو يثيب وإن تركها فلا إثم عليه . واستدلوا بهذا بحديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) . وهذا غلط عظيم .
سؤال : بارك الله فيكم ، الأحاديث التي فيها اتباع الصحابة للأمراء مع مخالفتهم للسنة كيف يجمع بينها وبين حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ؟
الجواب : ما هي معصية ، يرون صلاتهم في مكة أو في منى ليست بمعصية .
سؤال : أثابكم الله ، بعض الحجاج يضع على بطنه خيطاً وعلى خصره ويتدلى من وسط الخيط خرقة تستر السوأتين ، هل هذا يُعد من السراويلات المنهي عنها ؟
الجواب : يلبس الإزار ؟
السائل : إي نعم يلبس الإزار ثم يضع الخيط .
الجواب : الخيط أين ؟
السائل : على خصره .
الجواب : يتحزم به وكذا ؟
السائل : إي نعم ، وفي وسط الخيط هذا تُدلى خرقة تستر السوأتين.
الجواب : يعني معه الإزار قصير ما ينضم ؟
السائل : لا .. الإزار قصير لكن تحت .
الجواب : يعني عريض ممكن يلويه مرتين أو ثلاث ؟
السائل : لا الإزار عادي لكن من تحت الإزار يضع خيطاً على الخصر يتدلى من هذا الخيط خرقة تستر السوأتين .
الشيخ : السوأتين مستورة بالإزار .
السائل : لا .. يعني حتى إذا جلس ما تنكشف العورة وإذا نام أو كذا فيستر السوأة تماماً .
الشيخ : تصورتم هذا ؟
طالب : نعم ، يعني من تحت الصرة حتى يرجع إلى الخلف .
الشيخ : يعني مثل الحفاضة . والله ما أعرف هذا ، أرى هذا من التكلف والتعمق ، والحمد لله أن تحرص على أن لا تبين منك العورة .
سؤال : إذا وافق يوم التروية يوم الجمعة والحاج في مكة هل الأولى أن يصلي في المسجد الحرام ؟
الجواب : لا .. الأولى أن يذهب إلى منى لأن هذا متعلق بالنسك .(4/483)
85 ـ بَاب التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ
1550 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ قَال كَتَبَ عَبْدُالمَلكِ إِلى الحَجَّاجِ أَنْ لا يُخَالفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الحَجِّ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الحَجَّاجِ فَخَرَجَ وَعَليْهِ مِلحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَال مَا لكَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ فَقَال الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ قَال هَذِهِ السَّاعَةَ قَال نَعَمْ قَال فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَل حَتَّى خَرَجَ الحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّل الوُقُوفَ فَجَعَل يَنْظُرُ إِلى عَبْدِاللهِ فَلمَّا رَأَى ذَلكَ عَبْدُاللهِ قَال صَدَقَ(1)
__________
(1) انظر للأمراء كيف طاعتهم للخلفاء ، وانظر للخلفاء أيضاً كيف رجوعهم إلى أهل العلم ؛ لأنه كتب عبد الملك بن مروان رحمه الله إلى الحجاج بن يوسف الثقفي ـ المعروف بالجبروت والظلم ولا حاجة إلى ذكر ما يفعل ـ أن لا يُخالف ابن عمر رضي الله عنه في الحج ، وحصل ما سمعتم وتوقف ابن عمر حتى خرج الحجاج وسار ، وهذا كله مما يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على عدم مخالفة الأمراء إلا أن يأمروا بمعصية فلا طاعة لهم فيما أمروا به .
وفيه أيضاً دليل على جواز نصح الابن مع وجود أبيه ، وجه الدلالة أن سالم تكلم على الحجاج مع وجود أبيه ، ولعل أباه رضي الله عنه سكت عن هذه المسألة لأنها مسألة سهلة وخاف أن يشق على الحجاج فيأمره بكل شيء . وإلا فلا يخفى علينا جميعاً قوة وغيرة ابن عمر رضي الله عنه . وفيه أيضاً الدليل على العمل بالقرائن لأن الحجاج جعل ينظر إلى ابن عمر ولكن إذا قال قائل : لماذا لم يقل الحجاج لابن عمر أصدق سالم ؟ فالظاهر لم يقل هذا احتراماً لأبيه ابن عمر وكفاه النظر .
سؤال: بارك الله فيك، هل نقول لتارك الصلاة لا تحج مع أن في نيته أنه إذا حج سيصلي باعتبار الحج يُكفر ما قبله ، أو نقول صلي ثم حج ؟
الجواب : نعم نقول صلي ثم حج ؛ لأنه لا يمكن أن يحج وهو كافر ، تارك الصلاة كافر ولا يمكن أن يحج وهو كافر فنقول إن كنت تريد الحج فصلي أولاً .
سؤال : أثابكم الله ، هل هذا الذي لا يصلي نقول إذا صلى فرضاً واحداً يكون دخل في الإسلام ؟
الجواب : هذا فيه خلاف ، من العلماء السابقين واللاحقين من يرى أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر كفر .
السائل : لا .. هو ما يصلي لكن لما أراد الحج صلى مثلاً الظهر وراح يحج ؟
الجواب : من حين صلى رجع عن الكفر .
سؤال : بارك الله فيك ، بعض الفقهاء يذكر الغسل يوم عرفة ، يعني من المستحبات هل هذا صحيح ؟
الجواب : ابن عمر أقر الحجاج على هذا ، وهو فيما نرى من الأمور التي إذا احتاج الإنسان إليها اغتسل ، يعني إذا كان ينشطه اغتسل ، أما إذا كان لا يحتاج إليه فلا يغتسل .
سؤال : استدل بعض أهل العلم أن المراد الإحرام بأشهر الحج قبل أشهر الحج أي أن الإحرام قد يقع قبل أشهر الحج ؟
الجواب : أنت ما سألتني عن هذا من قبل ؟ على أي حال يمكن واحد غيرك ، على كل حال هذه الآية تدل على أنه لا يصح الحج في غير أشهر الحج ؛ لأنه رتب أحكام النسك على من فرض فيهن ، قال : { من فرض فيهن الحج فلا رفث} ومفهوم الشرط أن من فرض في غيرهن الحج فإنه لا يصح إحرامه، ضرورة أنه إذا انتفت الأحكام المبنية على الإحرام فقد انتفى الإحرام .
السائل : من أحرم من خراسان أليس قد أحرم قبل الميقات كما فعل الصحابي ؟
الجواب : قبل الميقات لا شك ، لكن أولاً نقول : فعل الصحابي ليس حجة إذا خالف النص ، هذه واحدة ، وثانياً : لعله أحرم من خراسان أي نوى الإحرام من خراسان . المهم القول الراجح في هذه المسألة قول الشافعي أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره انعقد عمرة .(4/484)
86 ـ بَاب الوُقُوفِ عَلى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ
1551 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى عَبْدِاللهِ بْنِ العَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الفَضْل بِنْتِ الحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَال بَعْضُهُمْ ليْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلتُ إِليْهِ بِقَدَحِ لبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ(1)
87 ـ بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِعَرَفَةَ
__________
(1) هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله هل الأولى أن يقف راكباً أو أن يقف ماشياً ؟ والصحيح أن هذا يرجع إلى حال الإنسان ، إذا كان أخشع لقلبه وأفضل أن يكون راكباً على السيارة سواء فوق السطح أو في جوفها فليفعل ، وإن كان الأفضل أن ينفرد بمكان ويدعو الله عز وجل إن كان هذا أخشع لقلبه فليفعل . والصواب أن هذا يختلف باختلاف حال الحاج.(4/485)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَال الليْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي سَالمٌ أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَل بِابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهما سَأَل عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْه كَيْفَ تَصْنَعُ فِي المَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَال سَالمٌ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ صَدَقَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ فِي السُّنَّةِ فَقُلتُ لسَالمٍ أَفَعَل ذَلكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال سَالمٌ وَهَل تَتَّبِعُونَ فِي ذَلكَ إِلا سُنَّتَهُ(1)
__________
(1) الجمع بين الصلاتين يعني صلاة الظهر والعصر ، فالجمع بينهما ثابت بالسنة وهو جمع تقديم ، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مقيماً بعرفة لكن هذا الجمع له أسباب ، منها : أن الناس مجتمعون وسيتفرقون إلى مواقفهم وصلاتهم جماعة مجتمعين أفضل من كونهم يصلون الظهر مجتمعين والعصر متفرقين ، ولهذا جاز الجمع في المطر يعني في البلدان مع إمكان أن يصلي كل واحد في بيته للعذر ، لكن الجمع للمطر هو من أجل تحصيل الجماعة وإلا لقيل صلوا المغرب ثم قل صلوا في رحالكم . ومنها أن يتسع وقت الوقوف لأن الناس لهم أغراض من غداء أو نوم أو غير ذلك فقُدمت صلاة العصر حتى يأتي وقت الدعاء وهم متفرغون .
وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصلي جمعة مع أن اليوم كان يوم الجمعة ؛ لأن المسافر لا يصلي الجمعة ، ولو صلى المسافر الجمعة لأمرناه بإعادتها ، يعيدها إيش ؟ ظهراً ، هذا إذا كان على ظهر سير أونازل في البر ، أما إذا نزل في البلد فإنه يلزمه أن يحضر الجمعة ويصلي مع المسلمين ، وأما في حال خروجه خارج البلاد فإنه لا يجوز أن يصلي جمعة وإن صلى فصلاته باطلة وعليه أن يعيدها ظهراً . ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل جمعة أنه خطب الناس بعد أن صلى الظهر والعصر ، وخطبة الجمعة تكون قبل الصلاة ، ويدل لهذا أيضاً أن الجمعة لا تُجمع إليها العصر فتعين أن تكون صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عرفة هي صلاة الظهر .
وقال: (كان ابن عمر إذا فاتته الصلاة جمع بينهما) كأن ابن عمر رضي الله عنه يرى أن الجمع سنة على كل حال في عرفة، حتى إذا فاتته مع الإمام وصلى في خيمته فإنه يجمع، وهذا هو الأقرب أن الإنسان يجمع في عرفة سواءً صلى مع الإمام في مسجد عرنة أو صلى في خيمته.(4/486)
ش10 وجه ـ أ :
89 ـ بَاب قَصْرِ الخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
1552 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ عَبْدَالمَلكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلى الحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ فِي الحَجِّ فَلمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ زَالتْ فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ إِليْهِ فَقَال ابْنُ عُمَرَ الرَّوَاحَ فَقَال الآنَ قَال نَعَمْ قَال أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَليَّ مَاءً فَنَزَل ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا حَتَّى خَرَجَ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ اليَوْمَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّل الوُقُوفَ فَقَال ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ(1)
__________
(1) سبق هذا الحديث في نحو هذا السياق تماماً.
سؤال: خطبة عرفة هل هي خطبة مقصودة ليوم الجمعة؟
الجواب: لا ..الخطبة هذه من أجل موعظة الناس وإعلامهم بما يجب عليهم فقط، فلو صلى ولم يخطب فلا حرج.
سؤال: الاستماع إليها، وهل يستحب له الاستماع إليها ولو من الراديو ؟
الجواب: الاستماع لا يجب، ما فيه شك استحباب الاستماع ما فيه إشكال، ولكن هل يأثم الإنسان إذا أغلق الراديو وترك الاستماع لا يأثم.
سؤال: ما معنى قوله: (وعجل الوقوف) ؟
الجواب: يعني معناه تقدم اجمع جمع تقديم من أجل أن يتسع الوقت.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك، مسافر جاء إلى ناس يصلون الجمعة فقدموه لصلاة الجمعة، هل لهم ذلك؟
الجواب: المذهب لا ؛ لأنها لا تصح إمامة غير المستوطن، ولا خطبة غير المستوطن، ولهذا عمل بعض الناس الآن يعني يأتي أناس من الدعاة يحضرون إلى المسجد فيقدمهم الإمام يخطبون ويصلون الجمعة، على المذهب لا تصح صلاتهم؛ لأنه يُشترط في الإمام والخطيب أن يكون مستوطناً، ولكن القول الراجح خلاف ذلك، وأنه إذا تقدم المسافر وصلى بالمستوطنين الجمعة وخطب بهم فلا حرج.(4/487)
90ـ بَاب التَّعْجِيل إِلى المَوْقِفِ(1)
91ـ بَاب الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
__________
(1) كأن البخاري رحمه الله لم يسق الحديث؛ لأن الحديث الذي قبله صريح في هذا.
تعليق قراءة من فتح الباري :
قوله: (باب التعجيل إلى الموقف) كذا للأكثر هذه الترجمة بغير حديث وسقط من رواية أبي ذر أصلاً ووقع في نسخة الصغاني هنا ما لفظه: (يدخل في الباب حديث مالك عن بن شهاب) يعني الذي رواه عن سالم وهو المذكور في الباب الذي قبل هذا، ولكني أريد أن أدخل معاد، يعني حديثا لا يكون تكرر كله سنداً ومتناً، قلت: وهو يقتضي أن أصل قصده أن لا يكرر فيُحمل على أن كل ما وقع فيه من تكرار الأحاديث إنما هو حيث يكون هناك مغايرة إما في السند وإما في المتن، حتى أنه لو أخرج الحديث في الموضعين عن شيخين حدثاه به عن مالك لا يكون عنده معاداً ولا مكرراً وكذا لو أخرجه في موضعين بسند واحد لكن اختصر من المتن شيئا أو أورده في موضع موصولاً وفي موضع معلقاً، وهذه الطريق لم يخالفها إلا في مواضع يسيرة مع طول الكتاب إذا بعد ما بين البابين بعداً شديداً، ونقل الكرماني أنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة: قال أبو عبد الله ـ يعني المصنف ـ يزاد في هذا الباب هم حديث مالك عن بن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا أي مكررا قلت كأنه لم يحضره حينئذ طريق للحديث المذكور عن مالك غير الطريقين اللتين ذكرهما، وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا إلا لفائدة إسنادية أو متنية كما تقدم، وأما قوله في هذه الزيادة التي نقلها الكرماني (هم) فهي بفتح الهاء وسكون الميم، قال الكرماني: قيل إنها فارسية، وقيل عربية، ومعناها قريب من معنى أيضا قلت: واحد من علماء العربية ببغداد بأنها لفظة اصطلح عليها أهل بغداد وليست بفارسية، ولا هي عربية قطعاً.
الشيخ: إذاً هي عرفية.(4/488)
1553 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لي ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَال أَضْللتُ بَعِيرًا لي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلتُ هَذَا وَاللهِ مِنَ الحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا(1)
__________
(1) الحمس: يعني قريش، كانوا لا يقفون بعرفة عصبية جاهلية، يقولون: نحن أهل الحرم فلا نقف إلا في الحرم، وكانوا يقفون في المزدلفة، ولهذا قال جابر (: (فأجاز) يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (حتى أتى عرفة، وكانت قريش لا تشك إلا إنه واقف) يعني بمزدلفة كما كانت قريش تفعل في الجاهلية.(4/489)
1554 حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَال عُرْوَةُ كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الجَاهِليَّةِ عُرَاةً إِلا الحُمْسَ وَالحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلدَتْ وَكَانَتِ الحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلى النَّاسِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُل الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا وَتُعْطِي المَرْأَةُ المَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا فَمَنْ لمْ يُعْطِهِ الحُمْسُ طَافَ بِالبَيْتِ عُرْيَانًا(1) وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ قَال وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلتْ فِي الحُمْسِ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قَال كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلى عَرَفَاتٍ(2)
92ـ بَاب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ .
__________
(1) يعني ما يطوفون إلا بثياب من قريش، ومن لم يحصل له هذا طاف عرياناً، ولكن يقولون: (يحتسبون) والظاهر أن يحتسبون يعني يعطينهم بدون عوض.
(2) وفي قوله: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) دليل على أن مزدلفة بعد عرفة، فلو أن إنساناً وقف في مزدلفة قبل عرفة ثم ذهب إلى عرفة ووقف بها، ثم خرج من طريق آخر لا يأتي مزدلفة إلى منى فإنه لا يعتبر واقفاً في مزدلفة، لابد أن تكون مزدلفة بعد عرفة.
سؤال : هذا في حجة الوداع؟
الجواب : لا .. قالها بنفسه ما أظن أن يخفى عليه أو أن الرسول ما حج إلا هذه الحجة ولا وقف بعرفة إلا تلك الحجة .
سؤال: الحائض المرأة إذا انقطع عنها العذر ولم تغتسل فهل إذا توضأت لها أن تبقي في المسجد؟
الجواب: لا... ليست كالجنب.(4/490)
1555 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال سُئِل أُسَامَةُ وَأَنَا جَالسٌ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ قَال كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ قَال هِشَامٌ وَالنَّصُّ فَوْقَ العَنَقِ قَال أَبو عَبْد اللهِ فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ وَكَذَلكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ مَنَاصٌ ليْسَ حِينَ فِرَارٍ(1)
93ـ بَاب النُّزُول بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ .
__________
(1) يشير إلى قوله: (ولا تحين مناص) أي لا تحين فرار، هذا كيفية الدفع من عرفة فيما إذا كانت الأمور تأتي للإنسان على هواه فإنه يدفع بسير مطمئن، وإذا وجد فجوة أسرع أي متسع، وكان النبي ( حين دفع من عرفة قد شنق لبعيره الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحمه، يعني إنه جلب رقبتها حتى وصل الرأس إلى موقع الرحم، ويقول بيده: ((السكينة السكينة)) ولكن هذه تغيرت الآن، اللهم إلا يُهيأ لشخص طريق خاص به فيمكن.(4/491)
1556 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ ( حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَال إِلى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَتُصَلي فَقَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ(1)
__________
(1) وعلى هذا فلا يصلي الإنسان إذا دفع من عرفة إلا بمزدلفة ولو تأخر ما لم يخشَ خروج الوقت أي منتصف الليل فإن خشي خروج الوقت نزل وصلى في أثناء الطريق فإن لم يتيسر له لكثرة الزحام بالسيارات فليصلي على راحلته للضرورة، ويفعل ما يستطيع من الواجبات، ولكن لو صلى في الطريق مع السعة، فهل تصح صلاته؟ قال ابن حزم: صلاته لا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (( الصلاة أمامك)) يعني في مزدلفة، فلو صلى بالطريق لم تصح صلاته، ولكن قوله ضعيف رحمه الله لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وإنما قال: (( الصلاة أمامك)) ؛ لأنه أرفق بالناس أرأيتم لو وقف الحجيج ليصلوا المغرب والعشاء، والليل قد أسدل ظلامه، أيكون في هذا مشقة؟ نعم، لاشك إنه يكون فيه مشقة، وأيضاً مشقة لمن حج على الإبل، والنبي ( يريد أن يصير بأمته الرفق، فأخر صلاة المغرب حتى يصل إلى المزدلفة وينزل الناس مرة واحدة.
فالصواب: أن الصلاة تصح في كل مكان إلا في الأماكن الممنوعة وأن الناس لو صلوا فيما بين عرفة ومزدلفة فلا بأس ، ويكون قوله: ((الصلاة أمامك)) من باب الرفق بالناس.
سؤال: يا شيخ، حفظك الله كأن الحديث الذي قبل هذا ظاهره التناقض كأنه، لأنه يا شيخ الرسول ( قال: ((السكينة السكينة)) وإذا وجد فجوة أسرع، كيف؟
الجواب: ((السكينة السكينة)) لأن الناس إذا انصرفوا انصرفوا بعنف وتزاحم، فهمت وضرب للإبل فأمرهم بالسكينة، والسكينة في كل موضع بحسبه قد تكون نسبية فهو يسير.... فإذا وجد فجوة نص من أجل أن يبادر الليل.
سؤال: الآن طريق المشاة فسيح جداً يعني كله فجوات، فهل إذا كان الطريق فسيح هل يمسي نصاً؟
الجواب: أي نعم ، هذا ظاهر السنة.
سؤال: يا شيخ أحسن الله إليك، إن كان في مطار جدة وحضرت صلاة المغرب، فهل الأولى له أن يصلي أم يصبر حتى إذا خرج وقت المغرب إذا ذهب إلى الحرم؟
الجواب: لا .. الأفضل أن يصلي المغرب في وقتها .(4/492)
1557 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ وَلا يُصَلي حَتَّى يُصَليَ بِجَمْعٍ(1)
__________
(1) هذا مما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما يتوخى مواضع النبي ( حتى في الشيء الذي وقع اتفاقه فيفعله، وهذا من شدة محبته لاتباع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الأصل خالفه غيره من الصحابة، وقالوا: من لم يظهر فيه نية التعبد فإنه لا يُشرع.
والذي يظهر لي أن ابن عمر لقوة محبته لإتباع آثار النبي ( يكون معذوراً، وإن كنا لا نرى أن يتعبد الإنسان بمثل هذا، نظير ذلك ما مر علينا من قبل وهو تتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للدُباء على الطعام، يتتبعه ويأكله، فبعض الناس يقول: يُسن أن يتتبعه، فنقول: لا..هذا مما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمقتضى شهيته، لكن قد يكون الإنسان لقوة محبته لإتباع الرسول أفعل هذا لأن الرسول فعله، وأنا ارتاح وأفرح بهذا لا على سبيل التعبد، كما أن الإنسان إذا أحب شخصاً اقتدى به حتى في نبرات صوته، وحتى في كل أفعاله.
سؤال: من لم يقف على الصفا والمروة ويدعو بالدعاء المعروف، هل يصح سعيه؟
الجواب: يصح؛ لأن هذا على سبيل الاستحباب، والناس الآن مع الزحام الشديد يشق عليهم أن يقفوا، ثم إنه ربما لا يدعه الناس يقف.
سؤال: مع الزحام في الدفع من عرفة إلى المزدلفة، أظن الماشي يصل قبل الراكب، فأصحاب السيارات ما يدرون هل يصلون قبل منتصف الليل أم لا، من أجل إدراك الصلاة يعني، فإذا خافوا فهل لهم أن يصلوا بعرفة؟
الجواب: لا بأس؛ لأنه لو خاف أن يدفع من عرفة أن لا يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فليصليها في عرفة ولابد.(4/493)
.
1558 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ قَال رَدِفْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَلمَّا بَلغَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الذِي دُونَ المُزْدَلفَةِ أَنَاخَ فَبَال ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَليْهِ الوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا فَقُلتُ الصَّلاةُ يَا رَسُول اللهِ قَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَتَّى أَتَى المُزْدَلفَةَ فَصَلى ثُمَّ رَدِفَ الفَضْلُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ غَدَاةَ جَمْعٍ قَال كُرَيْبٌ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ الفَضْل أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى بَلغَ الجَمْرَةَ(1)
__________
(1) في هذا الحديث فوائد: منها تواضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أردف غيره على راحلته، ولو كان عنده من الكبرياء شيء، لقال: لا يركب معي أحد.
ومنها تواضع آخر، حيث أردف أسامة بن زيد، وهو مولى من الموالي، ولم يردف أهل الجاه والشرف من الصحابة.
ومنها: شدة حياء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث مال إلى الشعب ونزل وبال، وهكذا ينبغي أن الإنسان إذا أراد أن يبول أو يتغوط فليُبعد حتى لا يراه الناس، أو يستتر بما يستره عن الناس؛ لأن ذلك أبلغ في الأدب والحياء.
ومنها جواز التصريح بكلمة (بال) وإذا خاطبت إنسان تقول: هل بُلْتَ؟ ولا يُعد هذا سوء أدب، ولهذا قال صاحب الفروع، الأولى أن يقول: أبول ولا يقول: أريق الماء؛ لأنه ما أراق الماء، وإنما أراق البول، الناس الآن عندنا يستنكرون من هذا، أبول ما عندك أدب لماذا تقول: أبول، ما أقول؟ قال: قل طير الماء ، وبعضهم يقول: أنقض الوضوء، هل نقول: إذا جرى العرف بالاستحياء من الذكر الصريح في هذا فالأولى إتباع العرف، أو نقول الأولى أن يُصرح تبعاً للسلف؟ فيه تردد عندي، ولكني أميل إلى الأول، ما دام الناس ما يعرفون هذا ويستنكفون الإنسان، وإذا فارقوه قالوا: والله شوف فلان والله ما أحسب عنده حياء ما أحسب عنده أدب يقول: أذهب أبول؟، فأظن أن الأولى اتباع العرف في هذا فهي ليست مسألة تعبدية، ولكنها مسألة يُنطق بها الناس حسب أعرافهم.
ومنها جواز معونة المتوضئ؛ لأن أسامة ( صب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضوءه، وكما فعل المغيرة (. ومنها أن الوضوء يكون خفيفاً ويكون سابغاً، الوضوء الخفيف ليس معناه أنه يقتصر على بعض الأعضاء ، معناه أن لا يكرر الغسل، هذا الظاهر، وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يتأخر الناس في السير، والوضوء الخفيف أعجل من الوضوء المسبغ. ومنها أنه لا يُسن أن يصلي صلاة المغرب في أثناء السير من عرفة إلى مزدلفة.
ومنها أن الرواة رحمهم الله قد يحذفون بعض الأشياء إما نسيانهم إياها، أو لأنهم لم يطلعوا عليها، أو لسبب من الأسباب، فهنا قال: (فصلى) ولم يذكر لا أذان ولا إقامة ولا جمعاً ، لكن الأحاديث الأخرى بينت هذا.
ومنها تواضع النبي ( مرة أخرى في أرداف الفضل بن عباس من صغار بني المطلب، بل من صغار بني هاشم ، أردفه.
ومنها أن التلبية لا تُقطع في الحج، سواءً كان قراناً أو إفراداً أو حج تمتع، إلا إذا شرع في رمي جمرة العقبة، ولهذا قال: (حتى بلغ الجمرة)؛ لأن الجمرة ابتداء التحلل فإنه إذا رمى وحلق حل، فهيا ابتداء التحلل، والتلبية إنما تكون في ابتداء النسك.
سؤال: ذُكر في هذا الحديث وغيره استحباب الوضوء لمن لا يريد الصلاة، فما المراد بهذا؟
الجواب: ما سمعت بهذا، وضوء من لا يريد الصلاة ما سمعت بهذا.
سؤال: من أحرم في اليوم السابع، هل يجوز له التمتع؟
الجواب: نعم يجوز، وهو أفضل؛ لأن معه وقتاً يتمتع به.
سؤال: التسميات الموجودة في عصرنا الآن، مثل أن يُسمى الكبير عم ، وأبو الزوجة خال أو عم في بعض الناس هل الأولى متابعة الناس في هذا.
الجواب: أما ما يتغير به الحكم فلابد أن يُعدل، وأما ما لا يتغير به الحكم فلا بأس، كلمة عم شرعية، تُقال للكبير، وإن لم يكن عم نسب، عم الرضاعة أيضاً، لكن كون أبي الزوجة يسمى عماً هذا لا أصل له، بعضهم يسميه عماً وبعضهم يسميه خال.(4/494)
94ـ بَاب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الإِفَاضَةِ
وَإِشَارَتِهِ إِليْهِمْ بِالسَّوْطِ
1559 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلى المُطَّلبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ ابْنُ جُبَيْرٍ مَوْلى وَالبَةَ الكُوفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا للإِبِل فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِليْهِمْ وَقَال أَيُّهَا النَّاسُ عَليْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ ليْسَ بِالإِيضَاعِ(1) أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا (خِلالكُمْ) مِنَ التَّخَلُّل بَيْنَكُمْ ( وَفَجَّرْنَا خِلالهُمَا ) بَيْنَهُمَا(2)
95ـ بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِالمُزْدَلفَةِ .
__________
(1) يعني الإسراع.
(2) هذا كل ما سبق، أن النبي ( أمر بالسكينة؛ لأن الناس كانوا يضربون الإبل ضرباً شديداً، ويزجرونها زجراً شديداً، وهذا يؤلمها لاشك.
سؤال: يا شيخ، حديث أن النبي ( لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رمى جمرة العقبة، في البداية أو في النهاية؟
الجواب: إذا شرع، إذا شرع فيها توقف، ولهذا هنا قال: (حتى بلغ الجمرة) أي وصل إليها، ثم إنه إذا وصل إليها سوف يشتغل بذكر أخر، وهو التكبير.(4/495)
1560 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ فَنَزَل الشِّعْبَ فَبَال ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ فَقُلتُ لهُ الصَّلاةُ فَقَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ فَجَاءَ المُزْدَلفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلى وَلمْ يُصَل بَيْنَهُمَا(1)
__________
(1) هذا فيه زيادة عن ما سبق، إنه توضأ مرة أخرى وضوءً سابغاً في مزدلفة، وفيه أيضاً دليل على أنه لا يُشترط التوالي بين المجموعتين، إذا كان الجمع جمع تأخير؛ لأن جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مزدلفة بين المغرب والعشاء جمع تأخير بلا شك، لأنه دفع من أقصى عرفة، من شرقيها، ولا يصل إلى مزدلفة إلا متأخراً لاسيما أنه وقف وأناخ بعيره في أثناء الطريق وبال وتوضأ، فيكون الجمع جمع تأخير بلا شك.
وهنا ( صلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله) وهذا يحتاج إلى وقت، فيُستفاد منه أن جمع التأخير لا يُشترط فيه الموالاة بين المجموعتين، وأما جمع التقديم فقيل: إنه يُشترط الموالاة بين الصلاتين، وهو قول الأكثر من أهل العلم، وقيل: لا يُشترط، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ووجه اختياره إنه إذا وجد سبب الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً فصلي الصلاتين جميعاً أو فردهما، المهم أنك الآن في في سعة، الوقت وقت واحد، وقوله رحمه الله قوي، قوله قوي لاشك؛ لأن معنى الجمع إنه ضم الوقت إلى الوقت، فيجوز أن تصلي في أول الوقت، وفي أوسط الوقت، وفي آخر الوقت، أو تصلي واحدة في أول الوقت، وواحدة في آخره؛ لأن معنى الجمع التوسعة على الناس في هذا، إلا أنه إذا رأى الإنسان الاحتياط، وأن لا يفصل بين المجموعتين إذا كان الجمع مع تقديم، فهذا خير.
سؤال: يا شيخ حفظك الله، من وصل مزدلفة في وقت المغرب قبل العشاء، هل يؤخر الصلاة ؟
الجواب: بيأتي.(4/496)
96ـ بَاب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلمْ يَتَطَوَّعْ .
1561 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال جَمَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلا عَلى إِثْرِ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا(1).
1562 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَال أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ الخَطْمِيُّ قَال حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ جَمَعَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِالمُزْدَلفَةِ(2)
97ـ بَاب مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
__________
(1) يُسبح: يعني يتنفل.
(2) أولاً المكان هذا يُسمى المزدلفة، ويُسمى جمعاً ، فسُمي المزدلفة من الازدلاف وهو الاقتراب؛ لأنه قريب من مكة، وسمي جمعاً ؛ لأن الحجاج يجتمعون فيه قريش وغير قريش، وسمي المشعر الحرام؛ لأنه في الحرم، والمشعر الحرام هو عرفة. إذاً له ثلاثة أسماء ، وربما يكون أكثر، ولكن هذا الذي يحضرني الآن.
سؤال: أحسن الله إليك يا شيخ، هل يؤاخذ من فعل الرسول ( إنه أثناء سيره إلى مزدلفة توضأ، فإنه يجوز وأنه من السنة ان الإنسان يتوضأ كلما أحدث؟
الجواب: هو لاشك أفضل، أن الأفضل أن يتوضأ الإنسان كل ما أحدث لاسيما في السفر، ولكن ليس بواجب؛ لأن عائشة تقول: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
سؤال: يا شيخ أحسن الله إليك، إذا جمع بين الصلاة، التسبيح يعني ما يذكر الله بعد الصلاة الأولى؟
الجواب: لا..يقيم على طول ثم يجتمع التسبيح بعد الصلاة الثانية.(4/497)
1563 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبْدُاللهِ رَضِي الله عَنْه فَأَتَيْنَا المُزْدَلفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلكَ فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلى المَغْرِبَ وَصَلى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ أُرَى رجلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَال عَمْرٌو لا أَعْلمُ الشَّكَّ إِلا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فَلمَّا طَلعَ الفَجْرُ قَال إِنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ لا يُصَلي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا هَذِهِ الصَّلاةَ فِي هَذَا المَكَانِ مِنْ هَذَا اليَوْمِ قَال عَبْدُاللهِ هُمَا صَلاتَانِ تُحَوَّلانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلاةُ المَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ المُزْدَلفَةَ وَالفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الفَجْرُ قَال رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُهُ(1)
__________
(1) هذا سؤالك يا فيصل، ابن مسعود ( وصل المزدلفة قريباً من العتمة يعني قريباً من وقت العشاء، فصلى المغرب وحدها، بأذان وإقامة، ثم تعشى ثم صلى العشاء وحدها بأذان وإقامة، فيؤخذ من هذا إنه إذا وصل إلى مزدلفة قبل خروج وقت المغرب إنه يصلي المغرب أولاً، ثم ينتظر حتى يأتي وقت العشاء، ولكن هذا ليس على سبيل الوجوب؛ لأنه مسافر وله الجمع وإن لم يكن هناك مشقة، ثم إنه في الوقت الحاضر فيه مشقة، لو صلى المغرب ثم أنتظر إلى العشاء فيه مشقة من جهة الماء، الماء قد يكون معدوماً في المكان الذي ينزل فيه، وقد يكون بعيداً ، وإذا ذهب الإنسان إلى الماء ربما يضيع عن صحبه، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، فنقول: متى وصلت على مزدلفة صلي المغرب والعشاء.
سؤال: عفا الله عنك ، طيب أهل مكة ؟
الجواب: يجمعون في المزدلفة.
السائل: من أجل النسك يعني؟
الجواب: لا ..لأجل السفر.
سؤال: فيه ناس يسكنون حول المشاعر ويحجون.
الجواب: السفر قد يكون سفراً لطول المسافة ، وقد يكون سفراً لطول المكث، والحجاج يبقون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، خمسة أيام.
السائل: شيخينا بارك الله فيك بعض الناس إذا جمعوا بين المغرب والعشاء، يصلون العشاء أولاً ثم يصلون المغرب.
الجواب: من هؤلاء؟
السائل: نعم يا شيخ، رأيتهم والله بعيني.
الجواب: رأيتهم؟ إذا جمعوا بين المغرب والعشاء يقضون العشاء، في أي مكان؟
السائل: يأتون من بلاد أخرى، يقولون: المغرب فات وقتها، نصلي العشاء أولاً لأن وقتها باقي، ثم نصلي المغرب.
الجواب: هذا غلط، ولا يحل لهم هذا، بلغهم عاد الآن أن يعيدوا صلاة العشاء، أتعرفهم؟
السائل: نعم، ولكن لا يقبلون هذا يا شيخ.
الجواب: لا يا شيخ الله يهديهم ، مرهم بالمعروف والحمد لله، وقول لهم: ما يجوز هذا الرسول كان يقدم المغرب.
نعود للشرح:
هناك فائدة من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُبكر بصلاة الفجر يوم العيد، صباح المزدلفة، يُبكر من أجل أن يتسع الوقت للذكر والدعاء؛ لأن ما بين صلاة الفجر ودفع الناس إلى منى محل ذكر ودعاء، فكان ( يُبكر بالصلاة من أجل اتساع الوقت.(4/498)
98ـ بَاب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلهِ بِليْلٍ فَيَقِفُونَ بِالمُزْدَلفَةِ
وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ القَمَرُ
1564 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال سَالمٌ وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِالمُزْدَلفَةِ بِليْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْل أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَقَبْل أَنْ يَدْفَعَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لصَلاةِ الفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلكَ فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَرْخَصَ فِي أُولئِكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) لاشك أن الأفضل البقاء في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ويدعو ويذكر الله عند المشعر الحرام، وله أن يدعو الله في أي مكان من مزدلفة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((وقفت ها هنا وجمع كلها موقف)) ولكن إذا كان هناك ضعفة إما لكبر أو لمرض أو لكونهم إناثاً فلهم أن يتقدموا أن يدفعوا من مزدلفة إلى منى؛ لأجل أن يرموا قبل زحام الناس، ولكن متى ينصرفون؟ قال كثير من العلماء: ينصرفون إذا انتصف الليل؛ لأنه إذا انتصف الليل صار مكثهم في مزدلفة أكثر الليل، وقال بعضهم: بل ينصرفون إذا غاب القمر، وهذا يكون إذا مضى ثلثي الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تفعل هذا، ولهذا قال البخاري رحمه الله: (إذا غاب القمر).
وفي هذا الحديث دليل واضح على أن من جاز له أن يتقدم من مزدلفة إلى منى، فإنه يرمي متى وصل، حتى ولو وصل قبل الفجر بساعة، ولهذا قال في هذا الحديث (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لصَلاةِ الفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلكَ) لصلاة الفجر: يعني وقت صلاة الفجر فَإِذَا وصولوا رَمَوُا ، وأما قول بعض العلماء: إنهم إذا وصولوا لا يرمون حتى تطلع الشمس، فضعيف، وحديث .....(لا ترموا حتى تطلع الشمس) ضعيف، والصواب أن من وصل إلى منى ممن يُرخص له أن يتقدم فإنه يرمي متى وصل، وإلا ما الفائدة من تقدمه؟ قليلة الفائدة، وأيضاً رمي جمرة العقبة تحية منى، ولهذا رماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله.
وفي قوله ابن عمر رضي الله عنهما: (أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) دليل على هذا مرفوع، أن يُقدم الضعفة من الأهل بالليل، في الوقت الحاضر الواقع إن تكاد تكون كل الناس ضعفة؛ لأنهم يحصل من المشقة الشديدة ما لا يحصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وجوه:
الأول: كثرة الحجاج.
والثاني: غُشم الحجاج وعنفهم .
والثالث: اختلاف اللغات؛ لأنك لو زاحمك أحد ليس على لغتك، ثم صرخت، تقول: انقذني انقذني ، يظن أنك تسبه، ما يعرف لغتك، فيظن أنك تسبه يرصك زيادة، وأنت تستنقذ به . وفي عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلهم عرب يفهمون، وأيضاً كانوا يعتقدون أنهم يرمون الشياطين، ويقول أحدهم: رميت الشيطان الكبير، والثاني يقول: رميت الصغير، والثالث يقول: رميت الأوسط، ويُحكى أن بدوياً أخذ واحد وعشرين حصاة يوم الحادي عشر، ورماها جميعاً يداً واحداً على جمرة العقبة، وقال له: خذ تقاسم أنت وعيالك. إلى هذا الحد يعني جهل عظيم، فإذا كان يعتقد إنه يرمي الشيطان فسيكون معه عنف شديد، ونسمع أن بعضهم ـ والعياذ بالله ـ إذا أقبل على الجمرة يشتم ويلعن، ويقول: أنت الذي فرقت بيني وبين زوجتي، أنت الذي نكدت عليَّ حياتي وكما تشاهدون يضربون بالنعال، والحجر الكبير والشماسي، وشاهدت بعيني قبل أن تُبني الجسور هذه ، شاهدت رجلاً وامرأة ما أدري أهي زوجته أو غير زوجته، راكبين على حصان في جمرة العقبة، والناس يرمون ويضربون الرجل والمرأة، وهما معهما جزمتان يضربون العامود هم يضربون العمود ، والناس يضربوهم بالحصى، وكأنهم يقولون:
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
صابرين على الحصى أتعجب، فلهذه الأسباب نرى أن الناس الآن معذورون إذا انصرفوا قبل الفجر، أما من كان ضعيفاً فهذه هي السنة، وأما من لم يكن ضعيفاً فهو تابع لضعيف، أو هو نفسه يرى إنه إذا ذهب قبل الوقت ورمى بطمأنينة وتكبير وتعظيم للشعائر أحسن من كونه يدخل غمار الزحام، لا يدري أيخرج أو يموت.(4/499)
.
1565 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ(1) .
1566 حَدَّثَنَا عَليٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ أنه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليْلةَ المُزْدَلفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلهِ.
__________
(1) ش10 ـ وجه ب :
لأنه رضي الله عنه كان صغيراً قد ناهز الاحتلام، وهل يُقال: إن هذا البعث رخصة أو سنة بمعنى أن نقول: يُسن للضعفاء الذين لا يستطيعون المزاحمة أن يتقدموا فيرموا قبل حطمة الناس، أو نقول: إن هذا من باب الجائز فقط؟ الذي يظهر لي الأول إنه يُسن لهؤلاء أن يتقدموا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث الضعفة ، ثم إنه أي تقدمهم لأمر يتعلق بالعبادة وهو الرمي عن طمأنينة وسكون وهدوء، فيكون أفضل من مراعاة الوقت، كما هي القاعدة في العبادات كلها، ولهذا قلنا صلاة العشاء الآخرة الأفضل فيها ماذا؟ التأخير، وإذا شق على الناس فالأفضل التقديم ، فالأفضل التقديم مراعاة لأحوال الناس.(4/500)
1567 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ مَوْلى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلتْ ليْلةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلفَةِ فَقَامَتْ تُصَلي فَصَلتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالتْ يَا بُنَيَّ هَل غَابَ القَمَرُ قُلتُ لا فَصَلتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالتْ يَا بُنَيَّ هَل غَابَ القَمَرُ قُلت نَعَمْ قَالتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلهَا فَقُلتُ لهَا يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلسْنَا قَالتْ يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ للظُّعُنِ(1)
__________
(1) اللهم صل وسلم عليه، هذا الحديث فيه فوائد منها:
جواز قيام ليلة المزدلفة يعني إحياءها بالقيام، ولكن هل هذا أفضل، أو الأفضل أن ينام الإنسان ويرتاح؟ الثاني أفضل؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغاية ما يُقال في هذا: إنه لا بأس به، ولكن لو نام الإنسان وأرتاح لكان أفضل؛ لأن إنسان قدم من عرفة مع تعب وجهد، ثم سيكون يوم العيد أيضاً تعب وجهد، رمي ونحر وطواف وسعي فالأفضل هو أن ينام، ولكن لو جلس يقرأ كتاباً، أو يتلو كتاب الله أو يصلي فإننا لا نبدعه ولا نخطئه؛ لأن هذا ورد عن بعض الصحابة.
ومنها جواز بخير الثقة في المواقيت؛ لأنها أسماء رضي الله عنها كانت تسأل تقول: هل غاب القمر) حتى أخبرت بأنه غاب، ولاشك أن العمل في المواقيت، مواقيت الصلاة، والصيام والدفع من مزدلفة بخبر الثقة جائز ، ولو كان واحداً، وليس هذا من باب الشهادة حتى نقول: لابد من اثنين، قال أهل العلم: لأن الخبر الديني يكفي فيه الواحد، ولهذا نبني على رواية الواحد في الأحاديث، وقد يروي حديثاً فيه قصاص أو قطع أو ما أشبه ذلك ، فنبي على خبره، والقاعدة عندهم أن الخبر الديني يكفي فيه الواحد.
ومنها تقييد الوقت التي يدفع فيه الضعفاء والنساء بغيبوبة القمر، غيبوبة القمر ليلة العاشر لا تكون إلا بعد مضي نحو ثلثي الليل؛ لأن القمر أول ليلة يهل يغيب متى؟ عند غروبه يغيب، ثم إذا مضى عشرة أيام يغيب عند ثلثي الليل، ثم إذا مضى خمسة عشرة يوم يغيب عند الفجر، فكان هذا دليل على أن الدفع يكون بعد مضي ثلثي الليل، القمر في الوقت الحاضر قد لا يهتدي الإنسان لمكانه وقد لا يراه لكثرة الأنوار، فنقول: الحمد لله عندنا الساعات ننظر فيها، ولكن مع ذلك لو أن إنسان دفع قبل غيبوبة القمر، ولكن بعد مضي أكثر الليل أي بعد أن انتصف الليل فلا بأس به، ولكن من احتاط ولم يدفع إلا عند غروب القمر فهو أفضل.
وفيه أيضاً من الفوائد، أن صلاة الفجر يوم العيد تجوز في منى، أن صلاة الفجر يوم العيد تجوز في منى، وهو كذلك؛ لأن من دفع قبل الفجر وصل إلى منى فليصلها.
وفيه أيضاً، أن جمرة العقبة يجوز أن تُرمى قبل الفجر لمن جاز له أن يدفع من مزدلفة قبل الفجر؛ لأن أسماء رضي الله عنها رمت قبل الفجر ثم صلت، وهذا هو الحكمة لاشك، وأما أن يُقال للناس: ادفعوا ولا ترموا حتى تطلع الشمس، فهذا ينافي الحكمة إذاً ما الفائدة من الدفع، إذا دفعوا ثم بقوا حتى تطلع الشمس واختلطوا بالناس بعد ذلك، ما صار هناك تيسير لا على الدافعين، ولا على المقيمين، فالصواب الذي لا شك فيه إنه متى وصل إلى مزدلفة ولو قبل الفجر بساعة فليرمي الجمرة.
وفيه أيضاً قال: (يَا هَنْتَاهُ) يعني يا هذه ( ما أرنا إلا قد غلسنا ) ، وفيه أيضاً أن الرسول ( أذن للظعن، والظعن جمع ظعينة وهي المرأة، وهذا كما دل عليه حديث عبد الله بن عمر ( ، إذاً فالنساء يعتبرن من الضعفة، لكن المرأة النشيطة قد نقول: إن الأفضل في حقها أن تبقى في مزدلفة حتى تصلي الفجر هناك.
السؤال: دخول منى بعد الصبح ؟
الجواب: الأحسن أن يكون على طرف المزدلفة، والمزدلفة ترى واسعة لا تعتقد أنها صغيرة واسعة جداً جداً يكون في آخر المزدلفة ما بينه وبين منى إلا وادي محسر، ما عليهم خطر إذا دفعوا بعد منتصف الليل ما عليهم خطر.
السائل: أول الليل ينزلوا هناك ؟
الجواب: هذا غلط لا يجوز.
سؤال: ما هو الأفضل في حق الضعفاء أن يدفعوا بالليل لرمي الجمرة أو المبيت في مزدلفة ثم رمي الجمرة في منى متأخراً يوم العيد؟
الجواب: الأفضل أن يتقدموا ويرموا الجمرة بليل، والحكمة في هذا أن يحصل لهؤلاء الفرح بالعيد؛ لأنهم إذا رموا وحلقوا الرجال أو قصروا وقصرت النساء، شعر الإنسان بأنه أدى النسك، فيكون عيده عيداً، ولا بأس أن يؤخر إلى آخر النهار أو إلى الليل إلى الفجر .
سؤال: هل المبيت في المزدلفة واجب من واجبات أم أن الأمر فيه سعة؟
الجواب: لاحظوا أن المبيت في مزدلفة أُكد بكثير من المبيت في منى، وإن كان الفقهاء رحمهم الله يساوينه به، ولكنه غلط، لأن بعض أهل العلم يقول: إن الوقف في مزدلفة ركن كالوقوف بعرفة؛ لأن الله أمر بذكر الله تعالى عند المشعر الحرام، ولأن النبي ( قال: ((من أدرك صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) فهو مؤكد، وأدنى ما نرى أنه بعد منتصف الليل يجوز الدفع في الأوقات هذه، ولكن في أوقات السعة نقول: اصبر إلى الفجر، بعض العلماء رحمهم الله يقول: إن ذكر الله عند المشعر الحرام يحصل بصلاة المغرب والعشاء وأن الإنسان إذا صلى في مزدلفة المغرب والعشاء فله الدفع، لكنها أقوال ضعيفة.(5/1)
.
1568 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ القَاسِمِ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتِ اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليْلةَ جَمْعٍ وَكَانَتْ ثَقِيلةً ثَبْطَةً فَأَذِنَ لهَا(1) .
__________
(1) سودة إحدى نساء النبي ( ، وكانت امرأة عاقلة وهي كبيرة في السن فخافت أن يُطلقها النبي (، خافت والظاهر إنه لم يطلقها ولكنها امرأة خافت فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقسم لعائشة يومين يومها الأصلي ويوم سودة. هي ( ثبطة ثقيلة) كبيرة في السن استأذنت النبي ( أن تدفع ليلة الجمع فأذن لها.(5/2)
1569 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ نَزَلنَا المُزْدَلفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْل حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لهَا فَدَفَعَتْ قَبْل حَطْمَةِ النَّاسِ وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ(1)
__________
(1) عائشة رضي الله عنها تمنت لو أنها استأذنت كسودة، وقالت: (أحب إليَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ) من شيء أفرح به، وهذا إما لأنها ثقلت رضي الله عنها، وإما لأن الناس كثروا وشق عليها الزحام، فإذا قال قائل: هذا يؤذن بأن البقاء إلى الفجر . واجب فالجواب: ليس فيه دليل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لا يحبون أن يدعوا شيئاً فارقوا عليه رسول الله ( وإن لم يكن واجباً، فها هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في الصيام، لما أُخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه يقول: (لأقم الليل ما عشت، ولأصومن النهار ما عشت) دعاه وبين له الأفضل وهو أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهذا ليس بواجب، لما كبر صار يشق عليه أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فجعل يوم خمسة عشرة يوماً ويفطر خمسة عشرة يوماً، وقال: (لا أدع شيئاً فارقت عليه رسول الله () وإلا فالأحاديث السابقة واضحة بأن الرسول ( أذِن للنساء بالدفع قبل الفجر.
سؤال: بارك الله فيكم بالنسبة للذي دفع بالليل، بعد منتصف اللي ورمى وحلق وطاف طواف الإفاضة قبل الفجر هل يعتبر تحلل التحلل الأكبر؟
الجواب: الثاني، إذا رمى وحلق وطاف وسعى، أربعة حل التحلل.
السائل: ولو قبل الفجر؟
الجواب: ولو قبل الفجر ، وبلغني أن أناساً هداهم الله ممن اتخذوا الحج مجرد عادة، وهم من بلد قريب من مكة، إذا غابت الشمس يوم عرفة طبخوا عشائهم وذبائحهم وأحرموا من بلدهم ثم خرجوا إلى عرفة في هذا الليل الرائق الجميل ، ونزلوا تعشوا واستأنسوا وهم محرمين بالحج، ثم إذا انتهوا من العشاء والأنس دفعوا إلى مزدلفة فصلوا بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ومشوا على طول إلى منى، فرموا الجمرة وحلقوا ثم نزلوا إلى مكة وطافوا وسعوا قبل الفجر، ثم ذهبوا على أهليهم في بلدهم ونام الرجل مع امرأته ليلة العيد، هذا حج؟ هذا اختصار مخل، اختصار مخل غير مقبول كيف يفعل هذا، وذلك لأنه مع الأسف الشديد أن الناس ـ اللهم أعفو عناـ يحجون وكأنه شيء عادي ما يشعر الإنسان إنهم في عبادة وأنه الآن لابس لباس الميت، ما عليه لا قميص ولا سراويل ولا شيء، لاف نفسه بالإزار والرداء، ولا يتذكر هذا الجمع العظيم هؤلاء يذهبون وهؤلاء يجيئون ما يتذكر يوم القيامة، لو وقفت بعرفة وجدت الناس هؤلاء الذين يمشون على أقدامهم لتذكرت يوم القيامة بلا شك، إلا رجل مات قلبه، فلأجل هذا صار الناس يقولون هو حاج حاج . وقد بينا لكم من قبل الرجل الذي وقف بعرفة ثم من عرفة على طول على مكة فطاف وسعى ، ورجع إلى بلده، يا رجل كيف؟ قال انتهى الحج وقفت بعرفة وطفت وسعيت ووكلت واحد يرمي عني أو قال ذبحت شاة عن الرمي ، وليلة المزدلفة ذبحت عنه شاة، والمبيت في منى ذبحت عنه شاة، وطواف الوداع ذبحت عنه شاة، وقضيت، هذا حج؟ والله إنه من اتخاذ آيات الله هزواً، ما خُيرت بين هذا وهذا حتى تفعل. اللهم اهدنا فيمن هديت .
سؤال: يحدث كثير من البدع، بعض الناس يُلقن المبيت في مزدلفة بسماعات مكبرات صوت، حتى النساء ، قول إني نويت كذا وأشياء عجيبة من البدع.
الجواب: ما نويت كذا ؟
السائل: يعني يلقنونه، قل: إني نويت المبيت بمزدلفة من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، وأشياء كثيرة من البدع ما حفظتها، ولكنهم يلقنون حتى النساء، من لم يقل النية؟ يقول: أنا، يقول: تعالى ألقنت النية، يا شيخ، هذه البدع الموجودة في المزدلفة والتي تحدث في موسم الحج، هل إنكاره من الجدال الممنوع؟
الجواب: لا .. لا .. من الجدال المأمور به، ولكن إذا رأيت الرجل يُجادل ويماري أتركه، ونحن ذكرنا لكم إن من العلماء من قال إن الطواف والسعي لا يُشرط فيه النية، أي نية أن يكون للحج أو للعمرة ما دام متلبساً بالعمرة فهو للعمرة، وإن لم ينوه، وكذلك ما دام متلبساً بالحج فهو للحج وإن لم ينوه، وقلنا: إن هذا قول أكثر أهل العلم، وإنه قول قوي ؛ لأن هذا أجزاء العبادة، فأنت إذا نويت الصلاة هل تنوي للركوع لهذه الصلاة؟ لا ، تأتي بأجزاء العبادة.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله، من وصل إلى مزدلفة في منتصف الليل، هل يدفع على طول؟
الجواب: إي نعم، يصلي المغرب والعشاء، أو قد صلوا، الأولى أن يبقوا يذكروا الله ويسبحوا الله قليلاً ثم ينصرفون، كما فعل عبد الله بن عمر بأهله أمرهم أن يذهبوا إلى المشعر الحرام ويقفوا عنده....(5/3)
99ـ بَاب مَتَى يُصَلي الفَجْرَ بِجَمْعٍ
1570 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهم قَال مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صَلى صَلاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلا صَلاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ وَصَلى الفَجْرَ قَبْل مِيقَاتِهَا(1)
__________
(1) أراد رضي الله عنه بالميقات: يعني الوقت الذي يعتاد الصلاة فيه، وإلا من المعلوم أن الصلاة لا تصح قبل الوقت، ولكن أراد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقدم، هنا يرد علينا في إسناد البخاري رحمه الله عن عبدالرحمن عن علي عن فلان عن فلان، ويُشكل على الإنسان ما هذا، وما السبب، لماذا لا ينسبونه؟ الجواب أنهم يدعون نسبته اختصاراً؛ لأنه لو جاء بالاسم الثلاثي أو الرباعي طال الكتاب، ويُعرف المبهم بشيوخه وتلاميذه، فإذا قال مثلاً حدثنا عمرو حدثني مثلاً عن عبد الله عرفنا من هو ابن المديني؛ لأنه من شيوخ البخاري، وهذا فيه فائدة وهي أولاً الاختصار وأن لا يطول الكتاب، والثاني أن يشد الإنسان نفسه في البحث عن هذا المبهم.(5/4)
1571 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَال خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهم إِلى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلى الصَّلاتَيْنِ كُل صَلاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالعَشَاءُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَلى الفَجْرَ حِينَ طَلعَ الفَجْرُ قَائِلٌ يَقُولُ طَلعَ الفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ ثُمَّ قَال إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ حُوِّلتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا المَكَانِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ فَلا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا وَصَلاةَ الفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ ثُمَّ قَال لوْ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِي الله عَنْهم فَلمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ(1)
100 ـ بَاب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ .
__________
(1) رضي الله عنهم، الحديث واضح في أن عبد الله بن مسعود لم يجمع بين المغرب والعشاء؛ لأنه قدم قريباً من العتمة فأراد أن يصلي المغرب في وقتها رضي الله عنه، وسبق الكلام في هذه المسألة، وقلنا: إن الأرفق بالناس اليوم أن يُقال: اجمعوا من حين تصلوا، وفي هذا أيضاً دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على عدم المخالفة لولاة الأمور، كان بإمكان ابن مسعود أن يدفع، ولكنه لم يدفع حتى يدفع عثمان رضي الله عنه الخليفة، وكانوا الخلفاء في ذلك الوقت هم أمراء الحج، يعني هم الذين يحجون بالناس، وما قال هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.(5/5)
1572 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه صَلى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَال إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ ( خَالفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ(1)
101 ـ بَاب التَّلبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الجَمْرَةَ
وَالارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ.
__________
(1) كان المشركون في الجاهلية يدفعون من عرفة إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال، يعني أنها على وشك المغيب فيدفعون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقي حتى غربت الشمس، مع أن الدفع قبل الغروب أسهل لكن مخالفةً للمشركين، في مزدلفة بالعكس كانوا يتأخرون يقولون: أشرق ثبير كي ما نغير، أي كي ما ندفع، وما هذه زائدة والمعنى كي نغير ، وثبير: جبل كبير معروف في الجبال هناك، هو أعلاها وأرفعها تبين الشمس على رأسه قبل أن تبين على ما حوله، أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخالفهم، ولكنه خالفهم بما فيه الرفق على الأمة لم يتأخر حتى تبرز الشمس للعالي وللنازل بل تقدم؛ لأن ذلك أرفق بالأمة عليه الصلاة والسلام، ومن هنا نعرف إنه يجب علينا أن نخالف المشركين في هديهم وألا نوافقهم في هديهم لاسيما العبادات؛ لأن الأمر خطر خطر عظيم.
سؤال: هل الوقوف بالمزدلفة إلى ثلث الليل الأخير هل هذا خاص بمن وصل في أول الليل ووقف عامة الليل أم إنه بكل من وقف؟
الجواب: ظاهر كلام العلماء إنه عام حتى من لم يأتِ إلا بعد منتصف الليل يكفيه أن يبقى برهة من الزمن ثم يدفع.(5/6)
1573 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَرْدَفَ الفَضْل فَأَخْبَرَ الفَضْلُ أَنَّهُ لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ.
1574 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْليِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلى المُزْدَلفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْل مِنَ المُزْدَلفَةِ إِلى مِنًى قَال فَكِلاهُمَا قَالا(1) لمْ يَزَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.
__________
(1) قالا) وفي نسخة (قال) ؛ لأن كلا يجوز في عود الضمير عليها أن يكون مفرداً، وأن يكون مثنى، وقد أنشدناكم بيتاً في درس النحو فيه شاهد للغتين، فمن يحفظه؟ يقول الشاعر يصف فرسين استبقا قال:
كلاهما حين جد الجري بينهما قد اقلعا وكلا أنفيهما رابي
(قد أقلعا) مثنى، (وكلا أنفيهما رابي) مفرد.(5/7)
102 ـ بَاب (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) (1)
__________
(1) قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ) واضح أن هذا في المتمتع اصطلاحاً؛ لأنه قوله: (بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ) يدل على أن بينهما حلاً؛ لأنه تمتع بالعمرة حين أحل منها إلى الحج، ولهذا قال الإمام أحمد في وجوب الهدي على القارن، قال: ليس القارن كالمتمتع، يعني وجوب الهدي على القارن ليس كوجوب الهدي على المتمتع؛ لأن القارن في الواقع ما تمتع، إذا أنه سيبقى على إحرامه إلى أن يوم العيد، لكن هذا المتمتع تمتع فيما بين العمرة إلى الحج، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ أي فيه ما استيسر من الهدي ، أي ما كان يسيراً عليه بأن يكون عنده ثمنه، ويكون الهدي موجوداً، فإن لم يكن عنده الثمن فإنه لا يلزمه أن يستقرض ولا من أدنى الناس إليه، وإن كان عنده المال ولكن ليس هناك هدي فإنه لا يلزمه، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ إذاً (ما) مبتدأ، وخبره محذوف والتقدير فعليه ما استيسر من الهدي، وقوله: مِنَ الهَدْيِ (الـ) هنا لم؟ للعهد، العهد الذهني المعلوم شرعاً، وعليه فيُشترط في هذا العهد ما يُشترط في الأضاحي؛ لأنه دم واجب شكراً لله على هذه النعمة، فيكون الهدي هنا سالماً من العيوب بالغاً للسن المعتبر، وأما ما فهمه بعض العوام بأن قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ يعني أي شيء حتى ولو يذبح ما له شهر واحد أجزأ، وهذا غلط، لو قال: (ما استيسر من هدي) ربما يُقال: إن هذا صحيح، ولكن لما قال: (من الهدي) وجب أن يُحمل على الهدي المعروف شرعاً، وهو ما بلغ السن الواجب ، وسلم من العيوب.
فَمَنْ لمْ يَجِدْ يجد ماذا؟ الهدي أو ثمنه فَصِيَامُ أي فعليه صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ كلمة (في الحج) تعني ما بين إحرامه بالعمرة إلا آخر أيام التشريق، كل هذا داخل في الحج، (وسبعة إذا رجعتم) يعني إلى أهليكم تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ تلك: أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة، إنما كان هذا لئلا يظن الظان أن يُحسب الثلاثة وحدها ، والسبعة وحدها فبين الله عز وجل إنها وإن تفرقت فهي كالعشرة المجموعة تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: إنه لابد أن يُحرم بالحج قبل أن يصوم الثلاثة؛ لأنه قال: (في الحج) ؟ فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج)) ووصفها أنها حج أصغر فمتى أحرم بها فقد دخل في الحج، طيب فإن قال قائل: لماذا لا تقولون إن هذه الثلاثة تُصام من حين ينشا السفر من بلده؛ لأنه الآن مسافر للحج؟ فالجواب: أن ذلك لا يصح؛ لأنه لو فعل لكان قد قدم الواجب على سببه، وتقديم الواجب على سببه غير صحيح، فتعين الآن أن تكون هذه الثلاثة ما بين إحرامه بالحج إلى آخر أيام التشريق، ولذلك يحرم أن يؤخرها عن أيام التشريق، ويجوز أن يصوم أيام التشريق للحاجة، فإن قال قائل: لماذا لا تقولون له أحرم بالحج في اليوم السابع، وصم السابع والثامن والتاسع حتى يكون صامها في الحج، نقول: لا حاجة لهذا وهو مخالف للسنة من وجهين:
الوجه الأول: أن السنة لمن أراد الإحرام بالحج أن يُحرم متى؟ في اليوم الثامن.
الوجه الثاني: أن السنة يوم عرفة أن لا يصوم، وهذا صام.
فصار الصواب: إنه يصوم الثلاثة من حين أن يُحرم بالعمرة إلى آخر أيام التشريق، لا يؤخرها عن أيام التشريق.
طيب، هل يجب أن يصومها متتابعة أم يجوز التتابع والتفريق؟ الثاني ؛ لأن الله أطلقها سبحانه وتعالى، ولو أراد التتابع لقيده كما في قوله تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ والنصوص المطلقة تبقى على إطلاقها، ولو لا قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ لو لا قراءة ابن مسعود متتابعة لقلنا أيضاً كفارة اليمين لا يجب فيها التتابع.
ثم قال عز وجل: ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ . (ذلك) هل المشار إلى التمتع، أو المشار إليه وجوب الهدي؟ وما المراد (بحاضري المسجد الحرام) كل هذا سبق، وقلنا: إنه عائد على التمتع ووجوب الهدي؛ لأن أهل مكة لا يمكن المتعة في حقهم اللهم إلا أن يكون أحد منهم قد سافر إلى المدينة أو إلى الرياض مثلاً ثم عاد في أشهر الحج وأتى بعمرة ثم حل، فهنا نقول: هذا الرجل تمتع بالعمرة، مع انه يمكن أن يتمتع بدون عمرة؛ لأنه إذا رجع إلى مكة فقد رجع إلى بلده، ولا يلزمه الإحرام إلا يوم ثمانية، ولكن إذا قُدر إنه رجع يوم ثمانية مثلاً ونوى الحج فقد حج ولا هدي عليه، كذلك أيضاً لو فرض أن أهل مكة قرنوا بين الحج والعمرة فليس عليهم حج؛ لأنه قال: ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ تفسير الآية في الشرح.
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 534 :
قوله: بَاب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ إلى قوله تعالى: حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ حاضري المسجد الحرام كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في طريق كريمة ما بين قوله: (الهدي) وقوله: (حاضري المسجد الحرام) وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر؛ لأن ذلك يكون غالباً بمنى، والمراد بقوله : (فمن تمتع) أي في حال الأمن، لقوله: (فإذا أمنتم فمن تمتع) وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر، وروى الطبري عن عروة قال في قوله تعالى: (فإذا أمنتم) أي من الوجع ونحوه قال الطبري: والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف؛ لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية، فبينت لهم ما يعملون حال الحصر وما يعملون حال الأمن.
الشيخ: ما تكلم عن الآية، مما سبق إنه قيل: إنه ما كان دون المواقيت، وقيل: من كان دون مسافة القصر، وقيل: أهل مكة خاصة، وقيل: أهل الحرم خاصة، والأرجح أنهم أهل الحرم أو أهل مكة بمعنى إنه لو قدر أن مكة اتسعت حتى خرجت عن حدود الحرم فإن أهلها من (حاضري المسجد الحرام)؛ لأن البلد واحدة، وهذا الآن موجود من أي جهة؟ من جهة التنعيم، فإن بيوت مكة وصلت التنعيم وتعدته.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك بالنسبة للذي تهاون في صيام ثلاثة أيام في الحج تسقط عليه أو عليه ان يصوم عشرة أيام إذا رجع؟
الجواب: على المذهب يجب عليه صيامها وهدي أيضاً لتأخيره إياها عن وقتها، والذي نرى إنها لا تُقبل منه لو صام ثلاثين سنة؛ لأنه أخرها عن وقتها بلا عذر، والقاعدة الشرعية تقتضي أن كل عبادة موقتة، إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر فإنها لا تُقبل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فيصوم السبعة، فإذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى قال: {تلك عشرة كاملة} نقول: نعم، الثلاثة التي أخرها بلا عذر يُعاقب عليها، والسبعة التي صامها بعد الرجوع تُقبل.
سؤال: على القول بأن الناس ضعفاء الحين، يتسابقون الناس على الدفع من مزدلفة، فالقاعدة أن السنة تترك لدفع المفسدة، وهو صار مفسدة الحين أن الناس يتسابقون حتى قبل منتصف الليل ، فهل نقول يا شيخ: للضعفاء تأخروا وإن كان يعني نقص ؟
الجواب: يعني تقول: إن الزحام إذا أُذن لهم أن يدفعوا في آخر الليل، سيكون الزحام قبل طلوع الشمس كذا؟ هذا لن يكون؛ لأنه لن يدفع أكثر من ثلاثين بالمائة (30 %) فيما نظن.
سؤال: يا شيخ، ما هو الفرق بين المتمتع والمقرن؟
الجواب: الفرق بينهما أن المتمتع يأتي بعمرة أولاً ثم يحل منها ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن، أما المقرن فيحرم بالعمرة والعمرة من أول ما يأتي من الميقات، ما يحل إحرامه إلا يوم العيد.(5/8)
1575 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَال سَأَلتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ المُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلتُهُ عَنِ الهَدْيِ فَقَال فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ(1) قَال وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلةٌ فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَحَدَّثْتُهُ فَقَال اللهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال وَقَال آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلةٌ وَحَجٌّ مَبْرُور(2)
__________
(1) شرك في دم) يعني البقرة أو البعير، كل واحدة تجزئ عن سبع، طيب لو أن هذا الذي عليه هدي شارك جزاراً يريد أن يذبح البقرة للبيع، فهل يجوز أو لا يجوز؟ بعد الذبح يشتري اللحم ويقول هذا عني، ما يصلح، غير وارد أصلاً لأنه لحم، ولكن قبل أن يذبحها، قال: أنا عليَّ شاة بأشتري منك سبع البقرة هذه ، سبعها لي هدي ، وستة من سبعة لك تبيعها، يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأن عمق قول ابن عباس: (أو شرك في دم) يشمل هذا، يعني سواءً شاركه من يريد الهدي ، أو شاركه من يريد البيع، فتكون أربعة: إما بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم.
(2) تقديم وتأخير، قوله: (الله أكبر) كبر تعجباً مما حصل حيث أُيِّد ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الرؤية ، وقال للرجل : تبقى عندنا حتى إذا جاءنا شيء ـ يعني من الفيء ـ أعطيناك منه، ففي هذا دليل على أن فرح الإنسان بإصابة الحق في فتواه من الأمور التي يُفرح بها، وينبغي لمن أخبره بذلك أن يكافئه بما شاء.
وقوله: (الله أكبر، سنة أبي القاسم) هو رضي الله عنه لم يكبر لأن قوله أصاب فقط، ولكن لأنه أصاب السنة.
الشريط الحادي عشر ـ الوجه الأول.
سؤال: يا شيخ حفظك الله، الآن الواقع في حملات الحج إن الحملة جميعها تدفع؟
الجواب: تدفع ماذا؟
السائل: تدفع من مزدلفة، في منتصف الليل حتى إن الإدارة، إدراة الحملة وقد يكون أكثرهم عزاب وأقوياء، يقولون: نحن السقاية ويمشون.
الجواب: سقاية ماذا؟
السائل: يعني هم يأخذون يحملون على السقاية، وأيضاً يا شيخ الله يغفر لك يقولون: كل باص إذا كان في الباص خمس نساء أو عشر نساء يمشي الباص كله بما فيه، وقد يكون بعضهم يعني قول: أنا أبقى من يحملني.
الجواب: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، على كل حال شوفوا يا جماعة، في الوقت الحاضر كل معذور في الحقيقة حتى الشاب الجلد، ولهذا أنا لا أشدد في دفع الناس قبل الفجر مطلقاً؛ لأننا إذا سمعنا إنه يموت الناس تحت أقدام الرجال، كان من يرخص للناس، وقال: الأمر واسع، ولا أدري لعله يأتي يوم ونذهب لمذهب مالك، نقول: صلي المغرب والعشاء وتوكل على الله، حقيقة يعني ، وهذا مما ذهب إليه بعض الناس في الحديث ((اختلاف أمتي رحمة)) قال: من الرحمة أن تأخذ بأحد الأقوال إذا كان فيه تيسير للناس، فأنا فيما شاهدت وفيما بلغني لا أشدد في عدم الدفع من مزدلفة قبل الفجر، وكل مقام له مقال، يعني في يوم من الأيام في سنة من السنوات قد أقول: لابد أن تبقى إلى الفجر إلا إذا كنت من الضعفة، فهمت، وهذا الذي عليه كتابتنا في المنهج في من يريد العمرة والحج، ولكن تغيرت الأحوال الآن.
السائل: الكتاب هذا ما طُبع وحاجة الناس إليه كبيرة .
الجواب: إن شاء الله تعالى، وكنت أظن أن الإخوان عندنا في التوعية، كنت أظنهم أنهم يطبعونه كما طبعوه من قبل، وراحت الأيام ونسيت، وإلا فهو في الحقيقة مفيد؛ لأنه مختصر وعباراته واضحة، إن الله تعالى يعاد طبعه في المستقبل بإذن الله.
سؤال: الذي يدعو للحاج، ويُقال له: حج مبرور.
الجواب: ربما يؤخذ، أو يُقال: إن هذه كلمة يقصد بها الدعاء له سواءً بهذا اللفظ أو بغيره، يؤخذ الدعاء له والتهنئة في الحقيقة هذا متضمن للدعاء وللتهنئة.(5/9)
103ـ بَاب رُكُوبِ البُدْنِ لقَوْلهِ ( وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلكَ سَخَّرَهَا لكُمْ لتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ ) قَال مُجَاهِدٌ سُمِّيَتِ البُدْنَ لبُدْنِهَا وَالقَانِعُ السَّائِلُ وَالمُعْتَرُّ الذِي يَعْتَرُّ بِالبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَشَعَائِرُ اسْتِعْظَامُ البُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا وَالعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ وَيُقَالُ وَجَبَتْ سَقَطَتْ إِلى الأَرْضِ وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ(1)
__________
(1) بَاب رُكُوبِ البُدْنِ) يعني جوازه، ركوب البدن يعني المراد به هنا المهداة إلى الحرم هل يجوز أو لا يجوز؟ والحكم: إنه يجوز بشرط أن لا يلحق البدنة شيء من الضرر أو التعب، يقول عز وجل: وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ نصب (البدنَ) بفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا يسمى عند النحويين الاشتغال؛ لأنه جاء الضمير ولو حذف الضمير لكان من باب تقديم المفعول وليس من باب الاشتغال، جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ جمع شعيرة: وهي المشروعات العظيمة التي يجب تعظيمها.
لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ اللهم لك الحمد، صدق الله، لنا فيها خير عظيم، تحمل أثقالنا إلى بلد لا نصل إليه إلا بشق الأنفس، ونحلب لبن، فيها خير كثير ووبر، وبعر، يعني شيء كثير.
لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ يعني إذا أردتم نحرها فاذكوا اسم الله عليها، صواف: يعني مقيدة إحدى اليدين، وهي اليد اليسرى، فتكون قائمة على كم؟ ثلاثة قوائم، ويأتيها الناحر من الجانب اليمن فينحرها بيده اليمنى حتى تسقط على الأرض، ولهذا قال: (صواف) أي على ثلاثة قوائم فقط فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أي سقطت جنوبها على الأرض؛ لأنه إذا نحرها تسقط حالاً فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ فسر المؤلف القانع: بأنه السائل، والمعتر: الذي يعتريك ولكنه لا يسأل ولكن تعرف من حاله أنه يريد الإطعام، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ أي مثل هذا التسخير سخرناها لكم، أي ذللناها لكم (لعلكم) أي لأجل أن تشكروا الله عز وجل ، ثم بين تبارك وتعالى إنه ليس المقصود اللحم والدم ، المقصود شيء آخر، فقال: لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ هذا هو الغرض من نحرها، وفي هذا إشارة إلى أن نحر الإبل عبادة مستقلة، وكذلك الأضاحي، ويُفهم منه خطأ أولئك القوم الذين إذا جاء وقت الأضحية دعوا الناس إلى التبرع بالمال، وليُضحى في أمكنة أخرى، وهذا فيها مفسدة وفوات مصلحة، وكذلك إننا إذا سرنا بالناس على هذا المنهج صار الناس يعتقدون إن الأضاحي مجرد صدقة ولا يشعر إنه يتقرب إلى الله بذبحها، وهذا هو المهم أن يتقرب إلى الله بذبحها.
ثانياً: إننا إذا سرنا بالناس على هذا المنهج لتعطلت البلاد الإسلامية من شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وهي الأضحية؛ لأن كل أحد يسهل عليه أن يُعطي مائتي ريال أو ثلاثمائة ريال ويسلم من الذبح والتعب والرائحة والدم، فتتعطل البلاد عن هذه الشعيرة.
ثالثاً: ومنها أنه يفقد الإنسان الذكر عليها وهي مصلحة عظيمة تسمي الله عليها، ولذلك كان الذكر له أثر عظيم في هذه النحيرة أو الذبيحة لو ترك التسمية حرمت وصارت ميتة، هذا الذكر الذي هو شرط في حلها سيفقده إذا أعطاها دراهم وضحى في بلاد ما ندري بعد من ينتفع بها المسلم أو الكافر.
رابعاً: أن هذه الشعيرة تُفقد في الأهل؛ لأن الأضحية إذا جاءت إلى البيت فرح بها الأهل والصبيان، وقالوا: هذه أضحيتنا، وكل واحد يقول: هذه لي، وهذا يقول: هذه لي، فيشعرون بالفرح وربما يركبونها، يتمتعون بركبوها، فإذا ذهبت دراهم إلى محلات أخرى، ذهب هذا ونسيت في الأجيال القادمة.
خامساً ومن ذلك أيضاً أن الله أمر بالأكل منها {فكلوا منها} ، والهدي الذي يذهب به إلى أماكن بعيد، لا يأكل منه، مع أن الأكل منها واجب عند كثير من العلماء يرون أن الأكل منها واجب، لأمر الله به، ولأن الله قدم الكل على إطعام الفقير فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ وهذا يفوت.
سادساً: ومنها أنك لا تدري ماذا يُضحى لك به، ربما يأتي إنسان بأضحية لا تجزي، أما لصغر سنها، وإما لعيوب فيها ، وهذا واضح، ما كل من وكل يعرف الواجب.
سابعاً: ومنها أن هؤلاء الذين يتقبلونها يلمون الدراهم جميعاً ، ويشترون قطعان الغنم، ويذبحونها عن أصحاب هذه الدراهم ، فلا يعينون أن هذه لفلان ، وهذا يعني أن الشاة الواحدة تجزي عن كم؟ عن آلاف الناس مشاعاً، كل واحدة تجزي عن آلاف الناس؛ لأنهم جعلوها هذا مشاعاً لا يعرفونه، كأنها كومة من طعام يأخذونها ويتصدقون بها، وهذا لا يجزئ، أصلاً لا يجزئ، وبذلك يجب على هؤلاء الذين يتلقونها أن يضعوا قوائم بأسماء الناس، فيفتح القائمة ويقول : تعالى حضر الغنم، هذه عن فلان، باسم الله اذبح، هذه عن فلان، هذه عن فلان، لابد وإلا لذبح الواحدة لآلاف البشر، والبعير وهي البعير لا يجزئ فيها إلا سبعة .
ثامناً: ومنها أن هذه الدراهم للأضاحي ربما يكون الوارد على الهيئة المسؤولة آلاف لا تجدها في هذا البلد الذي أرسلت الدراهم له، كما جرى قبل سنوات بالنسبة للهدي في منى، عدمت المواشي ، انتهت واضطروا إلى تأخيرها على ما بعد أيام التشريق، فمن يضمن إنه توجد هذه الآلاف المؤلفة في هذا البلد، ثم إذا وجدت من يضمن أن هناك جزارين يستوعبون أن يضحوا بهذه الأضاحي في أوقات الذبح.
ثم من يأخذ اللحم، لذلك أرى أن طلبة العلم عليهم واجب في هذه المسألة، أن يبينوها للناس؛ لأن الناس انجفلوا في هذا الأمر وكل واحد يسهل عليه أن يأخذ ستمائة أو خمسمائة ريال، ويقول: خذ هذه أضحيتي ضحها في أقصى الشرق أو أقصى الغرب، لماذا؟ إذا أردت أن تنفع إخوانك فأرسل لهم دراهم طعام لباس فرش خيام .. الأمر واسع . أما شعيرة من شعائر الإسلام أنزل الله فيها آيات متعددة، ونوه بها وأمر بذكره عليها نرسلها للناس؟ شيء عجيب، ولكن الناس انجفلوا ما عادوا يفكرون وطلبة العلم قل من ينبه على هذا.
طيب نرجع للآيات، يقول: لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ما التقوى؟ التقوى بدلاً من أن يُذبح للأصنام اتقى المسلمون ذلك، وذبحوا لله الملك العلام عز وجل، فهذا من تقوى الله تبارك وتعالى.
كَذَلكَ سَخَّرَهَا لكُمْ لتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ كرر هذا تسخيره لنا هذه الإبل، أرأيتم لولا تسخير الله لها، من يقدرها؟ لا أحد إذا كان الذئب كفخذ الناقة لا يستطيعه الإنسان، فكيف بالناقة؟ فلولا تسخير الله لها ما قدرناها، الناقة الكبيرة القوية يقودها صبي صغير له سبع سنوات، ويقودها إلى أين؟ إلى لمصلحته، كأن يريد أن يشد عليها أو يحمل عليها، أو إلى مجزرها يعني محل نحرها، وهي تابعة مذللة والحمد لله، وإلا لعجزنا عنها. قال: وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ من المحسنون؟ الذين ينحرونها تقرباً إلى الله، ويذكرون اسم الله عليها، بشرهم بالقبول، والثواب.(5/10)
.
1576 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَال ارْكَبْهَا فَقَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا وَيْلكَ فِي الثَّالثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ.
1577 حَدَّثَنَا مُسْلمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالا حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا ثَلاثًا(1)
__________
(1) البدنة: هي الهدي، وكأن الرجل تحاشا أن يركب الهدي الذي نواه لله، فيعود بعض نفعه إليه، إلى نفسه، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أن هذا النفع لا يضر الهدي ما دامت تطيقه، أي تطيق الركوب فقال: ((اركبها)) من باب التيسير.
وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس أن يُراجع المفتي ويبين له، وهذا كثير في السنة، راجع الصحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أمرهم بالتحلل من لم يسق الهدي، ولما أمرهم بكسر القدور التي طبخوا فيها لحوم الحمر، قالوا : أو نغسلها؟ قال: ((أو أغسلوها)) وما دام الإنسان يقصد معناً صحيحاً في مراجعة المفتي فلا حرج عليهن هذا من باب الطمأنينة، إن الرسل راجعوا الله عز وجل فيما أخبرهم به، لما بشرت الملائكة امرأة إبراهيم بالولد قالت: قَالَتْ ياوَيْلَتَا ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَاذَا بَعْلِى شَيْخًا وقالت مريم: أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ ، وقال زكريا: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ فالمراجعة التي يُقصد بها الاستيضاح والخير لا بأس بها.
هذا الرجل قال له النبي ( في الثالثة: ((ويلك)) في الثالثة أو في الثانية ويلك يعني ألزمك الله ويلك، والويل: هو العذاب، وفُسر بأنه وادي في جهنم، والصحيح أنها كلمة وعيد، وهي هنا ليست للوعيد وإنما يجري عليها اللسان بدون قصد كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) وقال لمعاذ حين قال له: يا رسول الله، هل يؤاخذ الناس بما يقولون؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم )) .
طيب هل يجوز أن يحلبها إذا كان فيها حليب، وهي هدي؟ الجواب: نعم، وهل يلزم أن يتصدق به أو له أن ينتفع به؟ الجواب: الثاني له أن ينتفع به ؛ لأنه إنما أهدى البدنة، وأما منافعها المنفصلة فإنها لم تُهدى ، كذلك لو أوجبها وفيها حمل، دخل في ضمن الهدي، ولو حملت بعد ذلك دخل في كونه هدياً.(5/11)
.
104ـ بَاب مَنْ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ
1578 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُليْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَل بِالحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لمْ يُهْدِ فَلمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ قَال للنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَليَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَليُقَصِّرْ وَليَحْلل ثُمَّ ليُهِل بِالحَجِّ فَمَنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا فَليَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلى أَهْلهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلمَ الرُّكْنَ أَوَّل شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لمْ يَحْلل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَل مِثْل مَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الهَدْيَ مِنَ النَّاسِ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ(5/12)
رَضِي الله عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْل الذِي أَخْبَرَنِي سَالمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) هذا الحديث سياق جيد، ولكن فيه إشكالات:
أولاً: قوله: (متمتع) النبي ( بالعمرة إلى الحج، من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتمتع بين العمرة والحج، ولم يحل، فكيف يُخرَّج هذا اللفظ؟ يمكن أن يُخرَّج بأن معنى تمتع بالعمرة إلى الحج أي ضم العمرة إلى الحج فصار قارناً، هذا جواب.
فيه إشكال ثاني، قوله: (فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) هذا إشكال، فيه إشكال؛ لأن عائشة رضي الله عنها حين قسمت الناس إلى ثلاثة أقسام حين خرجوا مع النبي ( ، منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بحج وعمرة، قالت: (وأهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحج) وهذا صريح، وتقسيم واضح، والتقسيم يدل على حقيقة الواقع، ليس كسياق جاء غير مقسم، فإن التقسيم يعتبر تفصيلاً فيكون معارضاً لحديث ابن عمر؛ لأن ظاهر حديث ابن عمر أنه أهل أولاً بعمرة، ثم أهل بالحج فيحتاج إلى جواب، عندك؟
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 539 :
قوله: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة إلى الحج) قال المهلب: معناه أمر بذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن ويقول: بل كان مفرداً ، وأما قوله: (وبدأ فأهل بالعمرة) فمعناه أمرهم بالتمتع.
الشيخ: هذا لاشك إنه صرف للكلام عن ظاهره.
متابعة التعليق : وهو أن يهلوا بالعمرة أولاً ويقدموها قبل الحج، قال: ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر قلت: لم يتبين هذا التأويل المتعسف، وقد قال بن المنير في الحاشية: إن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله: (رجم) وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات؛ لأن الرجم من وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه.
الشيخ: الرجم يقصد بذلك رجم الزاني ما هو رمي الجمار؛ لأنه قال : رجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماعزاً ، يعني أمر برجمه، والاستشهاد بهذا ليس بواضح.
متابعة التعليق : وأما أعمال الحج من إفراد و قران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أجاز تأويلاً أخر، وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لاسيما مع قوله: ((خذوا عني مناسككم)) فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك، قلت: ولم يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله: (تمتع) محمولاً على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها بل قال النووي: إن هذا هو المتعين، قال: وقوله: (بالعمرة إلى الحج) أي بإدخال العمرة على الحج، وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل.
الشيخ: (بإدخال العمرة على الحج) يعني أحرم أولاً بحج ثم أحرم بعمرة، ولكن هذا يعكر عليه قوله في نفس الحديث (فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)، فلا يستقيم.
متابعة التعليق : وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل وإنما المشكل هنا قوله: (بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) ؛ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس.
الشيخ: على كل حال يمكن أن يكون أهل أولاً بعمرة ثم أهل بالحج يعني عند الإهلال بدل أن يقول: لبيك حجاً وعمرة صار يقول: لبيك عمرة وحجاً ، فيبدأ بالعمرة في التلبية خاصة وليس في عقد النية، وما ذكره من انه أحرم أولاً بحج ثم أحرم بعمرة، هذا هو الذي يستقيم، ولكنه على قواعد مذهب الإمام أحمد لا يصح؛ لأنه يكون إذا أدخل العمرة على الحج لم تنعقد ولا يكون قارناً، ولكن لو أدخل الحج على العمرة صح، ولكن ما دل عليه الحديث وهو مذهب الشافعي أصح أنه يجوز إدخال العمرة على الحج، كما يجوز إدخال الحج على العمرة.
القارئ: وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال: لبيك بعمرة وحجة معاً، وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر بن عمر ذلك على أنس، فيحتمل أن يُحمل إنكار بن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث: (وتمتع الناس) إلى آخره، فإن الذين تمتعوا إنما بدءوا بالحج لكن فسخوا حجهم إلي العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم.
الشيخ: على كل حال لابد من التأويلات ، لابد من التأويل ليزول الإشكال، فنقول: إنه إذا كان هذا اللفظ محفوظاً (بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) فالمعنى المراد بذلك صفة الإهلال فقط، فيقول: لبيك عمرة وحجاً ، بدل أن يقول: لبيك حجاً وعمرة، وأما نفس العقد ، فالذي دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحرم بالحج، ثم قيل له: قل عمرة وحج، فقرن وعليه فيكون في ذلك دليل على مذهب الشافعي رحمه الله من جواز إدخال العمرة على الحج، وعليه فيكون للقران ثلاث صور:
الأول: أن يحرم بهما جميعاً، فيقول: لبيك عمرةً وحجاً.
الثاني: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، كما فعلت عائشة رضي الله عنها.
الثالث: أن يحرم أولاً بالحج ثم يدخل العمرة على الحج، فيكون قارناً.
سؤال: عفا الله عنك، هل مفاهيم، مفاهيم أهل العلم تختلف يا شيخ؟ هل هو اختلاف كثير من يتبعها تصير عنده بعض الأفكار، إذا كان يا شيخ عرفنا النص، وعرفنا ما ذهبوا إليه رحمهم الله.
الجواب: صحيح، نتبع للموافقين للنص، ونعتذر عن المخالفين للنص؛ لأن هذا منتهى علمهم ومنتهى فهمهم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
سؤال: مثل الاعتراضات يا شيخ، مثل إذا اختلفوا في شيء، ما الذي نرجحه؟
الجواب: نرجح الأقرب للأدلة.
نعود للشرح:
وفيه هنا أمر النبي ( بالتقصير لمن أحلوا بالعمرة، مع أن الحلق أفضل، فيُقال: إنما أمر بالتقصير ليكونوا في وقت الحج ، فهم ليس بينهم وبين الحج إلا أربعة أيام، ولو حلقوا ما بقي للحج شيء ، فأمر بالتقصير ليتوفر الشعر للحلق في الحج.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك، ابن عمر سمى القران تمتعاً ، بعضهم استدل بهذا على أن إيجاب الهدي على القارن بالنص، أن قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ تشمل القرآن والتمتع، ما يكون بالقياس؟
الجواب: له وجه ، ولكن عبارات الصحابة أو ألفاظ الصحابة في صفة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مختلفة بعضهم يقول: تمتع، وبعضهم يقول: قارن، وبعضهم يقول: أفرد، وما دامت المسألة فيها احتمال أن هذا من تصرف الرواة الصحابة أو من دونهم يكون في ضيق .
سؤال: أحسن الله إليك يا شيخ، الصورة الثالثة التي ذكرناها إنه يُهل بالحج أولاً ثم يدخل العمرة عليهن هي نفس الصورة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب: إي نعم، هي نفس الصورة.
نعود للشرح:
وفي حديث ابن عمر دليل صريح على أن التحلل نوعان: كامل وناقص، ولكن بماذا يكون التحلل الأول؟ الصحيح أنه يكون بالرمي والحلق، ولكن من ساق الهدي فالظاهر أنه لابد أن ينحر لقول النبي :( ((فلا أحل حتى أنحر)) ، ولو قلنا: هذا خاص بالذي ساق الهدي، وغيره يحل بالرمي والحلق، وقال بعض أهل العلم: إنه يحل بالرمي وإن لم يحلق، أيهما أفضل؟ الأول إنه لا يحصل إلا لمن رمي وحلق، تقولون: إنه الأحوط، وأنا أقول: ليس هذا على إطلاقه، قد يكون الأحوط أن نقول: إنه يحل بالرمي فيما لو جامع الإنسان بين الرمي والحلق، إن قلنا: إنه حل التحلل الأول بالرمي لم يفسد النسك، ولم يلزمه بدنة ولا إعادة النسك؛ لأن الجماع صار بعد التحلل الأول، وإن قلنا: لا يمكن التحلل الأول إلا بالحلق مع الرمي فقد فسد نسك هذا الرجل ولزمه المضي فيه وقضاءه وبدنة.
سؤال: هل صحيح ما قاله البعض، يقول: إني سمعت الشيخ ابن عثيمين أفتى بأن الذي فوق بيته دش حرام عليه الجنة؟
الجواب: لا...قلنا إن الإنسان الذي يموت وهو الذي جاب الدش لأهله هو غاش لهم أو ناصح؟ طيب في الحديث ((ما من عبد استرعاه على راعية يموت يوم يموت وهو غاش لراعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) هذا على سبيل العموم ، أما الشخص المعين فلا، ما نقول: هذا الرجل حرمه الله على الجنة، ففرق بين العموم وبين التخصيص.
سؤال: الذي عليه هدي تمتع هل يتحلل قبل أن يذبحه؟
الجواب: أي نعم، ما دام لم يسق الهدي يتحلل.
سؤال: يا شيخ، معلوم أن إي شعر ولو كان قصيراً، يجزئ عن النسك بالحلق، التحلل بالحلق يعني، فالآن المتمتع إذا جاء بالعمرة في أشهر الحج خصوصاً إذا كان بين هذه العمرة وبين شهره فترة شهر مثلاً، فألا نقول له إن الأفضل الحلق؟
الجواب: إذا أمكن فيحلق.
السائل: كذلك أشكل عليَّ يا شيخ أن النبي ( أمرهم بالحلق وفي فترة أربعة أيام سينشأ شعر يعني؟
الجواب: لا..ما ينشأ شعر، أربعة أيام ما فيه شعر ولا يسود الرأس؛ لأنه لو بعض أن بعض الناس نمو شعره سريع ما يمكن أن يحمم رأسه.
سؤال: هل الأحوط إنه يتحلل بالرمي أو بالرمي والحلق؟
الجواب: تكلمنا إنه يتحلل بالرمي والحلق، ولكن سألتكم أيهما أحوط؟ قد يقول بعض الناس: الأحوط أن لا يحل حتى يرمي ويحلق، ولكن كما ذكرنا لكم إنه قد يُعارض هذا فيما لو حصل الجماع بين الرمي والحلق، إلا إن هذا الرمي غير معتبر ، والصحيح إنه لا يحل إلا بالرمي والحلق.(5/13)
105ـ بَاب مَنِ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ
1579 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَال قَال عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهممْ لأَبِيهِ أَقِمْ فَإِنِّي لا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ البَيْتِ قَال إِذًا أَفْعَلُ كَمَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ قَال اللهُ: *لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلى نَفْسِي العُمْرَةَ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ مِنَ الدَّارِ قَال ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالبَيْدَاءِ أَهَل بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ وَقَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فَلمْ يَحِل حَتَّى حَل مِنْهُمَا جَمِيعًا(1)
106ـ بَاب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلدَ بِذِي الحُليْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ
وَقَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا إِذَا أَهْدَى مِنَ المَدِينَةِ قَلدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الحُليْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ وَوَجْهُهَا قِبَل القِبْلةِ بَارِكَةً.
1580 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ مِنَ المَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الحُليْفَةِ قَلدَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ.
__________
(1) سبق هذا الحديث وتكلمنا عنه.(5/14)
1581 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِل لهُ(1)
__________
(1) الهدي إما أن يكون من الإبل أو البقر أو الغنم، هه الثلاثة تشترك في أنها تُقلد، يعني يُجعل في عنقها قلادة يكون فيها أشياء تدل على أنها هدي، ومثلوا لذلك بآذان القرب البالية، وبالنعال البالية، حتى يعرف الفقراء أنها هدي فيترقبوها وينتفعوا بها، وأما الإشارة ففي الإبل خاصة وهو أن يشرط الجانب الأيمن من السنام حتى يسيل الدم فيعرف الفقراء أنها هدي، هذا الألم الذي يحدث لها ألم يسير في مقابل منفعة عظيمة، كما أن الكي بالوسم مع إنه يؤلم الحيوان جائز من أجل المصلحة، ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الصغار إذا اشترى حمامة فإنه ينتف قوادمها ، قوادم الجناح، من أجل ما تطير، هذا فيه ألم بلا شك، ولكن لمصلحة ليحفظ الإنسان ماله، كالوسم يحفظ الإنسان به ماله.
أما حديث عائشة رضي الله عنها ففيه أنه يجوز للإنسان أن يرسل الهدي من بلده إلى مكة ولا يحرم عليه شيء بذلك، لأن التحريم إنما يكون بالإحرام، والذي بعثه من بلده لم يحرم ، فيبعث بالهدي ويكون حلاً حلالاً تاماً.
سؤال: الرسول ( قال: ((لا أحل حتى أنحر))، عندنا كثير من الناس الحين ما هو معروف هذا.
الجواب: السبب بارك الله فيك إنهم ما يساقون الهدي، وهذه في من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه.
الشرط الحادي عشر ـ الوجه الثاني.
سؤال: في الجماع، لو أن رجلاً جامع في نهار رمضان قلنا: لا نعفيه مما يترب على ذلك، إذا إنسان جامع في نهار رمضان، قلنا لا نعفيه مما يترتب على الجماع من كفارة ولو كان جاهلاً.
الجواب: لا....ولو كان جاهلاً بالكفارة لا بتحريم الجماع، هذا رجل يعرف إن الجماع في حال الصيام حرام هل هو جاهل أو عالم؟ عالم، ولكنه لا يدري إنه يترتب عليه هذه الكفارة فيكون جاهلاً بما يترتب على العمل، غير جاهل في حكم العمل، واضح الآن؟ ومثله الزاني إذا زنى المحصن يعرف أن الزنا حرام، ولكنه لا يعرف إنه يترتب عليه إنه يُرجم، ولو علم إنه يترتب عليه الرجم ما زنا، فهل نرجمه أو لا نرجمه؟ الجواب: نرجمه.
سؤال: أمس قلنا: إذا أرسل الدراهم في بلاد في الخارج، فالحكم في تحريم أن يأخذ من شعره وأظافره حتى يتقين من ذبح أضحيته، فكيف نجمع بينه وبين الحديث، حديث عائشة رضي الله عنها (بأنه عندما قلدها وأرسلها فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِل لهُ)؟
الجواب: هذا هدي، ما هي أضحية.
سؤال: نحر الهدي لابد أن يكون وجهها قبل القبلة؟
الجواب: كونها كذلك هذا أضمن لشقها، يعني شق السنام ، وأما كونها مستقبلة القبلة فلا أعلم في هذا نص ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينحر هديه في منى مستقبل القبلة، ولكن لعل ابن عمر قال: إنها طاعة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وقال: كل طاعة فالأفضل فيها استقبال القبلة إلا بدليل، حتى قالوا: ينبغي لمن يتوضأ أن يستقبل القبلة حال وضوءه إلا بدليل.(5/15)
.
107ـ بَاب فَتْل القَلائِدِ للبُدْنِ وَالبَقَرِ
1582 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ قَال أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله عَنْهمْ قَالتْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلمْ تَحْلل أَنْتَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَحِل مِنَ الحَجِّ.
1583 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الليْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيِهِ ثُمَّ لا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ(1)
__________
(1) قولها رضي الله عنها، حفصة: (فلا أحل حتى أحل من الحج) أكثر الروايات (فلا أحل حتى أنحر) فعلى هذا يكون من ساق الهدي لا يحل إلا بالنحر، وأما من لم يسق الهدي فإنه إذا رمى وحلق وإن لم ينحر حل التحلل الأول.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله هل يفرق بين الأنثى والذكر في الهدي؟
الجواب: نعم، الأنثى أطيب لحماً وأغلى ثمناً في الغالب فتكون أفضل.
سؤال: ما معنى لم يجز ولد الناقة أن ينتفع به؟ يعني لم يجوز للذي أهدى البدنة أن ينتفع بابن الناقة بولدها يعني.
الجواب: ما معناها لم يجز هل انفصل قبل أن يهديها ، أي ولدها؟
السائل: لا ..هو أشعرها وولدت بعدها .
الجواب: يدخل معها، لأنه في بطنها.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليكم من أرسل دراهم ليُذبح له هدي في مكة، هل يُساق ما اشتراه للهدي من الحل، أم يسقه من الميقات.
الجواب: كيف؟
السائل: من أرسل دراهم مع واحد من الحجاج ليذبح له هدي.
الجواب: يجوز إنه يشتري في مكة ويذبح، ويجوز أن يشتري من قبل حدود الحرم يعني من الحل، ويجوز من الميقات حسب ما يتيسر.
السائل: وهل يجمع له ما بين الحل والحرم، يعني يخرجه إلى الحل ثم يدخله إلى الحرم.
الجواب: هذا السياق، ما يحتاج ، هذا إذا قلنا يسوق الهدي بمعنى أنه يأتي به من الحل هذا أدنى شيء.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك من ساق الهدي هل له الحلق قبل النحر؟
الجواب: هذه مشكلة عويصة، كررت هذا في هذا المجلس أكثر من مرة، أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة والحلق، إلا من ساق الهدي فلابد من النحر.
السائل: هناك إشكال، أن الصحابي لما سأل النبي ( فقال: إني حلقت قبل أن أنحر، النبي ( ما سأله هل سقت الهدي أم لا.
الجواب: الأصل عدم السوق، ثم عندنا النص صريح (أن من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر) ما يحتاج ، مايرد هذا الإشكال .(5/16)
108ـ بَاب إِشْعَارِ البُدْنِ َقَال عُرْوَةُ عَنِ المِسْوَرِ ( قَلدَ النَّبِيُّ ( لهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ
1584 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلدَهَا أَوْ قَلدْتُهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلى البَيْتِ وَأَقَامَ بِالمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ لهُ حِلٌّ(1)
109ـ بَاب مَنْ قَلدَ القَلائِدَ بِيَدِهِ.
1585 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلى عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا إِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَليْهِ مَا يَحْرُمُ عَلى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ قَالتْ عَمْرَةُ فَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا ليْسَ كَمَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلتُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلمْ يَحْرُمْ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ شَيْءٌ أَحَلهُ اللهُ لهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ(2)
__________
(1) سبق.
(2) قولها: (حتى نحر الهدي) ليس المعنى ثم لما نحره حرم عليه، بل المراد استمرار هذا الحكم إلى نحر الهدي فقط.
وفي هذا السياق من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث بهذا الهدي مع أبي بكر ( .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 547 :
قولها: (مع أبي) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق، واُستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس، قال بن التين: أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نُسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها: (فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي) أي وانقضى أمره ولم يحرم وترك إحرامه بعد ذلك أحرى وأولى؛ لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى.
الشيخ: هذه الفائدة قد تكون عزيزة؛ لأن هذا الحديث يمر كثيراً ولم يُبين فيه متى كان بعثه، وهذا كما قال الحافظ رحمه الله يدل على أن ذلك كان في سنة تسع من الهجرة حينما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر الصديق أميراً على الحاج في تلك السنة؛ لأن بعد الرمي والحلق تحلل التحلل الأول، فيخف التحريم.
سؤال: وجه ما قاله؟
الجواب: بعد الرمي لا يحل إلا بالحلق مع الرمي؛ لأنه ما بعد حل التحلل الأول.
سؤال: في كل هدي يُقلد ويشعر؟
الجواب: عام في كل الهدي؛ لأن في الحديبية قلد الرسول وأشعر في الحديبية ليس في حج.(5/17)
110ـ بَاب تَقْليدِ الغَنَمِ
1586 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ أَهْدَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَرَّةً غَنَمًا.
1587 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كُنْتُ أَفْتِلُ القَلائِدَ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيُقَلدُ الغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلهِ حَلالاً.
1588 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ الغَنَمِ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيَبْعَثُ بِهَا ثُمَّ يَمْكُثُ حَلالاً.
1589 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ لهَدْيِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ تَعْنِي القَلائِدَ قَبْل أَنْ يُحْرِمَ(1)
__________
(1) هذا غير الأول؛ لأن قولها: (قبل أن يحرم) يدل على أنه كان في عمرة أو حج، أما ما سبق فإنه يدل على انه كان يبعث بالهدي من المدينة ويبقى في المدينة.
سؤال: يقول: يقلد لغيره، ألا يجب أن يقلدها هو بنفسه.
الجواب: لا بأس ولكن بشرط أن يكون له ميانة عليه حتى لا يسأل الناس، وعائشة معلوم أنها في خدمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
سؤال: إرسال الهدي والرجل حلال هل هي نفس الأضحية أم غيرها
الجواب: لا ..هدي الأضحية لا تكون إلا في أيام العيد، عيد الأضحى، يرسل هديه لمكة يُذبح هناك ويوزع على الفقراء.
السائل: يعني صدقات.
الجواب: أي نعم.
سؤال: تقليد الهدي سنة، الآن الناس يأخذون الهدي بسيارات مغلفة لا يُرى الهدي، هذه ظاهرة يا شيخ.
الجواب: هذا سؤال جيد، يقول: يحمل الهدي في السيارة وهي مغلقة لا يراها الفقراء فهل نقول: إن هذه السنة باقية أو لا؟ هذه لها نظر، مثلاً الميكرفون الآن يؤذن المؤذن فيه فهل يلتفت يميناً وشمالاً كما لم يؤذن بدون ميكرفون أم نقول هذه سنة فات محلها بمعنى لا يوجد لها محل؟ نقول: يلتفت ولو في الميكرفون؟ ما يلتفت؛ لأنه ربما لو التفت صار أخفض لصوته، لكن الهدي أرى إنه يقلدها ولو كانت في السيارة؛ لأنها لابد أن تنزل يوماً ما ، أفهمت؟ .
سؤال: جزاك الله خيراً، لو قلنا في الأذان ما يلتفت، نقول: تفوت هذه السنة، لأجل غالب المؤذنين يؤذن في المكبرات، وكونه ينخفض صوته هذه فقط في أربع جمل الباقي موجود، السنة قد تموت بهذا الشكل.
الجواب: لا...ما تموت إن شاء الله، طيب وضع اليدين في الأذان؟ يضعها لأن هذا لاشك إنه أندى للصوت وأجمع للصوت.(5/18)
111ـ بَاب القَلائِدِ مِنَ العِهْنِ
1590 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي(1)
112ـ بَاب تَقْليدِ النَّعْل
1591 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُالأَعْلى بْنُ عَبْدِالأَعْلى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا قَال فَلقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَليُّ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
113ـ بَاب الجِلال للبُدْنِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا لا يَشُقُّ مِنَ الجِلال إِلا مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلالهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا.
__________
(1) ما هو العهن؟ الصوف، يعني الحبل التي تقلد به فتلته عائشة رضي الله عنها من هذا الصوف.(5/19)
1592 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْه قَال أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلال البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا(1)
__________
(1) قال رحمه الله (باب جلال البدن) الجلال: ما تجلل به البعير أي تغطى به، يغطونها إما عن الشمس أو عن البرد، ويفتحون للسنام، حتى يبقى الجلال لا يسقط؛ لأنهم لو جلوها بدون أن يفتحوا للسنام سقط، لكن السنام يمنعها، فكانوا يجلونها، هذا الجلال إذا ذُبحت البدنة فإنه يُتصدق به تبعاً لها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي بن أبي طالب أن يتصدق بجلال الإبل التي أهداها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفيه توقي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الدم لئلا يتلطخ به الجلال، لاحتمالين:
الاحتمال الأول: إنه يخشى من الدم المسفوح، والدم المسفوح نجس لا إشكال فيه لقول الله تبارك وتعالى: قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ، هذا قوله عز وجل: لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أي هذا المطعوم نجس، الدم المسفوح: هو الذي يسيل عند النحر أو والذبح، فيُحتمل أن الجلال الذي جلل به عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بدنته واسع يصل إلى حد المنحر.
ويحتمل إنه رضي الله عنه أراد أن لا يتلوث الجلال بالدم الطاهر؛ لأن الدم الذي يبقى بعد زهوق النفس في كل مزكى أو منحور طاهر، انتبه لهذا، حتى لو أنك لما طبخته ظهر أن الدم في القدر فإنه طاهر لماذا؟ لأن المزكي أو المنحورة لما تفرغ الدم صار الباقي في اللحم طاهر حلال حتى الكبد ، وحتى دم القلب حلال، مع أن دم القلب كثير، ولكنه حلال طاهر.
وفيه، في أثر ابن عمر رضي الله عنهما دليل على أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتصدق بشيء أن يتصدق به نظيفاً غير ملطخ بشيء، لأن هذا أبلغ في الإخلاص.
أما حديث علي بن أبي طالب ( قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلال البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا) هو نحر رضي الله عنه كم؟ سبعة وثلاثين بدنة؛ لأن الذي أهداه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع مائة بعير، انتبه، مائة بعير؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكرم الخلق، أهدى مائة بعير، وذبح ثلاثة وستين بيده الكريمة، نحر ثلاثة وستين بيده الكريمة، وأعطى علي بن أبي طالب وكله أن ينحر الباقي، كم الباقي؟ سبعة وثلاثين بدنة، قال أهل العلم رحمهم الله: في هذا إشارة أو موافقة بدون قصد لعمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن عمره كان ثلاثة وستين سنة، أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها، أما الجلال فينفع ماذا يُتخذ؟ يُتخذ لباساً، يُتخذ فِراشاً، ويُتخذ أكياساً يحفظ بها الطعام، أو ما أشبه ذلك.
وأما الجلود فإنه ظاهر أيضاً إنه ينتفع به مدبوغة أو غير مدبوغة، وكان الناس في هذه البلاد قبل أن تنفتح علينا الصناعات المتنوعة، كانوا يخرزون النعل من جلود الإبل؛ لأنها قوية ، فلذلك كان يأمره أن يتصدق بالجلود، أرأيتم لو أن الإنسان لم يتصدق بالجلود ولكن تصدق باللحم، يجوز؟ نعم يجوز من باب أولى؛ لأن اللحم في الغالب أغلى عند الناس من الجلد.(5/20)
114ـ بَاب مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلدَهَا
1593 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَال أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا الحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهمَا فَقِيل لهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ قَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلدًا اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلمْ يَزِدْ عَلى ذَلكَ وَلمْ يَحْلل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلقَ وَنَحَرَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّل ثُمَّ قَال كَذَلكَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) في هذا الحديث ما سبق من فوائده، لكن فيه تعين الحجة متى كانت، وذلك يوم حج الحَرُورِيَّةِ ، والحَرُورِيَّةِ: نسبة إلى مكان يُقال له حَرورَى بظاهر الكوفة، اجتمع هؤلاء الخوارج على علي بن أبي طالب ( لقتاله، والخوارج قوم أشداء في القتال، أشداء في الأعمال صبَّارون عليها، حتى إن أحدهم ليصلي الصلاة يحقر الصحابة صلاتهم عند صلاته، وقراءتهم عند قراءته، ولكن وصفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن القرآن لا يتجاوز حناجرهم ـ والعياذ بالله، اللهم أعذنا من هذاـ ، وهذا الإنسان كلما قرأه خاف، خاف على نفسه، يخشى أن يكون علمه على لسانه فقط، وقراءته على لسانه فقط، اللهم أدخل الإيمان في قلوبنا يا رب العالمين، المسألة خطيرة،ربما تجد هذا الرجل عنده غيرة وقوة في الحق ، وصوم وصلاة وصدقة، ولكن لا يصل إلى القلب أعوذ بالله؛ لأنه ما عنده الإيمان الذي يصلح به نفسه أولاً، يريد من الناس أن يصلحوا وأما نفسه فقد أهملها، هؤلاء القوم عندهم جلد ، وعندهم صبر، حجوا أيام ابن الزبير رضي الله عنهما وخاف الناس أن يكون قتال، وابن عمر رضي الله عنهما كما تعلمون صحابي جليل عنده من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يحتاج الناس إليه، فخافوا إن حصل قتال أن يُقتل هذا الحبر العالم فأشاروا عليه أن لا يحج، ولكنه رضي الله عنه صمم أن يحج، والحمد لله وقاه الله اللهم إلا شيئاً يسيراً حصل على قدميه، فأوجب العمرة أولاً، ثم بدا له أن يقرن ويسوق الهدي، ففعل قرن وساق الهدي واشتراه من كُدى كما مر ، وقدم مكة وطاف وسعى ولكن لم يحل إلا يوم النحر.
في هذا السياق يقول: إنه حلق ونحر والواو لا يلزم منها الترتيب، ويجوز أن يكون الترتيب على ظاهر الحديث ، ويكون ابن عمر فعل الرخصة؛ لأنه يجوز أن يحلق قبل أن ينحر، ولكن قوله هكذا فعل النبي ( ظاهره أنه قدم النحر على الحلق، مع أنه يجب أن تعلموا أنهم أحياناًً يقولون: هكذا فعل النبي(، أو هكذا صلاة النبي (، ومرادهم في الجملة لا في التفصيل.
سؤال: بالنسبة للذي فعل ابن عمر ( لما أوجب العمرة، هل أراد العمرة لوحدها أو أراد التمتع؟
الجواب: هو يريد التمتع؛ لأنه أسمع كل من اعتمر في أشهر الحج وهو يريد الحج فهو متمتع، هو جاء للحج، نعم ربما يكون إنسان مثلاً ذهب في أشهر الحج يريد العمرة فقط، ولا على باله أن يحج، ثم طرأ له أن يحج هذا نقول إنه مفرد.
سؤال: غفر الله لك يا شيخ بالنسبة لعمل الآخرة، في قوله : (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم ) الذي يظهر لي هل من أراد أن يعمل عمل الآخرة لوجه الله أو أراده لكي يذكر؟
الجواب: هذه غيرة معهم ولكنها غيرة هوجاء متشددة في الدين، فلذلك لا يُنسب إليهم الإيمان الذي هو غاية السعادة.
السائل: الذي يسوق الإنسان للعمل.
الجواب: قد يسوق الإنسان العمل وإرادة وجه الله، لكن قد يضل، أليس النصارى ابتدعوا الرهبانية ما كُتب عليهم.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيكم، لم يتضح لي كلامكم قبل قليل، وهو أن الإنسان إذا اعتمر ولم يطرأ على باله الحج، ثم بدا له أن يحج، في سفرة واحدة، فهو مفرد، مع أنه جاء بها في سفرة واحد في أشهر الحج، وبين كون النية ليست شرطاً في التمتع.
الجواب: يعني لا يُشترط أن تكون نويت التمتع، يعني بعض الناس يظنون إن التمتع لابد أن تقول بلسانك وبقلبك: نويت التمتع، فنحن نقول: لا حاجة لنوي التمتع، هو بمجرد أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج فهو متمتع؛ لأن بعض الناس يقول: إن معنى قول العلماء أن ينوي التمتع معناه أنه ينوي العمرة ناوياً التمتع أيضاً، وهذا لا حاجة، هو إذا نوى العمرة وأحل منها فقط تمتع.(5/21)
115ـ بَاب ذَبْحِ الرَّجُل البَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ
1594 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ لا نُرَى إِلا الحَجَّ فَلمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِل قَالتْ فَدُخِل عَليْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلحْمِ بَقَرٍ فَقُلتُ مَا هَذَا قَال نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَال يَحْيَى فَذَكَرْتُهُ للقَاسِمِ فَقَال أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ(1)
__________
(1) يعني معناه أنها ضبطت ...وهذا واضح، إذا ذبح الرجل عن أهله بدون عملهم فإنه يُجزئ؛ لأنه هو راعيهم والمسؤول عنهم، وهم آذنون له في الواقع، ولكن ما تقولون: لو أن رجلاً ضحى عن شخص بدون أذنه وأمره، وليس بينه وبينه صلة كصلة الرجل مع أهله، فهل يجزئ أو لا يجزئ؟ نقول: إن ذبحه ناوياً عنه ، يعني ناوي أن هذه الأضحية عن الأول كوكيل عنه، فهذا لا يصح إلا على قول من يرى جواز التصرف الفضولي، وأما إذا نوى الثواب له، الثواب لأنه ذبح له لا أنه كالمنفذ الوكيل فهذا لا بأس به، فهمتم الفرق؟ طيب، هذا الإنسان ذبح أضحية لشخص كأنه وكيل عنه يذبح له بدون وكالة، هذا نقول: إنه لا يصح؛ لأنه عبادة لم يؤذن له فيها، إلا إذا قلنا بجواز التصرف الفضولي، يعني التصرف الذي يتوقف على إجازة من تُصرف له، وهو الصحيح فإنه يجزئ، أما إذا ذبحها على أنه هو المضحي ولكن نوى ثوابها لفلان فهنا لا يُشترط إذنه ولا إشكال فيه.
سؤال: هل يشترك معه في الأجر ؟
الجواب: لا .. ما يشترك في الأجر ، إنما يكون له الإحسان فقط، أجر الإحسان فقط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمرأة التي رفعت يديها بالصبي، وقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) ولم يقل : لك أجر الحج؛ لأن أجر الحج لمن نوى له، ولكن هذا يؤجر أجر المحسن.
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 551 :
القارئ: قوله: (باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن) عم التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح، وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها.
الشيخ: الذي استحب نحرها كأنه قاسها على الإبل التي تجزئ عن سبع، ولكن القياس في غير محله والفرق ظاهر، الفرق أن عنق الإبل طويل فلو ذبحت من عند الرأس لشق ذلك مشقة عظيمة عليها؛ لأنه يبقى سيل الدم طويلاً فتتألم، ولكن لو نحرها في أسفل الرقبة فهو قريب من القلب، بمجرد أن يضخ القلب أول مرة يندفع الدم، ولهذا كان موت الإبل أسرع من موت الشاة، لماذا؟ لأن المسافة بين القلب وبين ذبح الشاة طويلة نسبياً وأما النحر فهو قريب جداً من القلب، وهذا من حكمة الله عز وجل، أن الإبل تُنحر وما سواها يُذبح.
القارئ: وأما قوله: (من غير أمرهن) فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دُخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام، لكن ليس ذلك دافعاً للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك.
قوله: (عن عمرة) في رواية سليمان المذكورة (حدثتني عمرة).
قوله: (لا نُرى) بضم النون أي لا نظن، وقوله: (إلا الحج) تقدم القول فيه في الكلام على باب التمتع والإفراد والقرآن.
وقوله: (فدُخل)علينا بضم الدال على البناء المجهول.
قوله: (بلحم بقر) قال بن بطال: أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة، وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره، انتهى، ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا، ولفظه أصرح من لفظ يونس. قال: (ما ذُبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة) وروى النسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ابنة من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن) صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري، وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة) أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ مخالف لما تقدم، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق بن عيينة عن عبدالرحمن بن القاسم بلفظ (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر) ولم يذكر ما زاده عمار الدهني، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ (أهدى) بدل (ضحى) والظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ (أهدى) وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله: (لا ضحايا على أهل منى) وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم.
واُستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتُعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة، وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية، وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب.
الشيخ: يكون فيه إشكال من جهة زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كن تسعاً، والبقرة لا تجزئ إلا عن سبع، ولكن قد يُقال: إن الثنتين الباقيتين ذبح عنهما شاة، شاة شاة، وهذا سهل، الجمع على هذا سهل ما هو مشكلة.
سؤال: أحسن الله إليك أخذ من هذا الحديث بعض الناس أن الأضحية بالبقرة أفضل من البدنة.
الجواب: لا حجة فيه؛ لأن هذا ليس أضحية هذا هدي، وأما لفظ (ضحى) فكما قال ابن حجر من تصرف الرواة؛ لأن هذا الذبح وقع في الضحى فتصرف بعض الرواة وقال: ضحى، وإلا فهو هدي.
سؤال: والشاة يا شيخ، الأضحية بالشاة.
الجواب: الأفضل الأضحية بالشاة، هذا الأفضل، ثم سبع البدنة، ثم سبع البقرة.
سؤال: هل الأضحية لا تُضحى إلا بعد طلوع الشمس؟ لا تُذبح إلا بعد طلوع الشمس، من بكر يا شيخ ـ أحسن الله إليك ـ إلى منى فإنه لا يحل إذا كان ساق الهدي إلا بنحر، فهل يبقى إلى طلوع الشمس على إحرامه؟ إذاً ما استفاد من التعجيل هذا، ما استفاد من الدفع قبل الناس؟
الجواب: نعم، استفاد الرمي، النحر ما فيه إشكال؛ لأن النحر ينحر الإنسان في أي مكان ولو على سفوح الجبال، ولكن المشكلة الرمي لأنه محصور في مكان معين.
السائل: الآن النحر محصور في مكان مثل الرمي.
الجواب: معلوم الآن للمصلحة؛ لأنه لو بقي كل إنسان ينحر أو يذبح هديه عند خيمته لحصل ضرر عظيم، ونحن أدركنا بعضه، لما كان الناس كلٌ ينحر أو يذبح عند خيمته حصل رائحة كريهة ما يقدر الإنسان أن يبقى في منى ولا يوم، ويحصل أوبئة، ولكن الحمد لله الآن كما ترون.
السائل: ما يذبح للحاجة؟
الجواب: لا ، لا يذبح للحاجة.
سؤال: ما الذي يجوز إلقاءه يعني رميه من الدماء التي يتقرب بها إلى الله؟
الجواب: ما يجوز، يجب على الإنسان أن يأكل ويُطعم ، إلا إذا كان المساكين حوله وقال: يا جماعة خذوا فلا بأس.
السائل: الجلود والأكارع ؟
الجواب: الجلود والأكارع وما أشبه ذلك مشقة على الناس الآن، فنقول : خليها إما أن تشتغل بها الحكومة أو الفقراء يأتون ويأخذونها.
السائل: إذا رماها أعليه حرج؟
الجواب: هو يخليها فيما يسمونه بالشبك كل ما لا ينتفع به فلا بأس بإلقائه ورميه في البر إذا كان لا ينتفع به، وإن كان يُنتفع به فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلخوا جلد الشاة الميتة ويدبغوه وينتفعوا به.
ش12 ـ وجه أ :
سؤال: الأضحية يا شيخ حفظكم الله، تجب على كل مسلم بالغ؟
الجواب: لا ..هي سنة مؤكدة، ولكن أهل البيت يكيفهم واحد.
السائل: هل الوالد يضحي عني؟
الجواب: لكن إذا كنت عنده في البيت يضحي عنك وعن زوجتك.
السائل: أما إذا خرجت فأضحي عن نفسي.
الجواب: عن نفسي وعن زوجتك جميع.
السائل: ولكن هو واجب يا شيخ إني أضحي أو لا؟
الجواب: لا..قلت لك سنة مؤكدة.(5/22)
116ـ بَاب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى
1595 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالدَ بْنَ الحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْهم كَانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ قَال عُبَيْدُاللهِ مَنْحَرِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1596 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ الليْل حَتَّى يُدْخَل بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الحُرُّ وَالمَمْلُوكُ(1)
__________
(1) لاشك إنه إذا أمكن النحر في منحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أفضل، لكنه إذا كان في المكان هذا ضرر فلينحر في المكان الذي ليس فيه ضرر، كما هو معمول به الآن.
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نحرت ها هنا)) ويشير إلى مكانه ((ومنى كلها منحر)) وهل يجوز أن ننحر في مكة؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: مكة ومنى واحد، يعني إنه يجوز أن ينحر في مكة، وفي السنن أن النبي ( قال: ((فجاج مكة طريق ومنحر)) وعلى هذا فلك أن تنحر في مكة، وهل الأفضل في مكة أو في منى؟ للمسألة مراتب:
المرتبة الأولى: منحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الثاني: منى، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومنى كلها منحر)).
الثالث: مكة.
فأيها أفضل؟ نقول الأفضل ما كان أنفع وأقرب للمقصود، ومعلوم أن مكان نحر النبي ( اليوم لا يمكن النحر به، ولكن منى في المكان المعد للنحر يمكن، إلا أنه إذا كان نحرك في منى أو ذبحك يتضمن التعب والمشقة، وعدم التصرف في اللحم كما ينبغين وفي مكة أهون وتجد فقراء تعطيهم كما تريد فهنا نقول: الفضل المتعلق بذات العبادة أفضل من الفضل المتعلق بمكانها، ولهذا كان كثير من الناس الآن الذين لهم معارف في مكة يوكلونهم بأن يذبحوا لهم هديهم، ويقولوا: اذبحوا الهدي عنا، وادخروا لنا ما نأكله من هذا الهدي، فيفعلون، فيحصل بهذا راحة للجميع ويطمئن الإنسان إلى الانتفاع باللحم كله.
سؤال: وإن كان خارج الحرم؟
الجواب: أين في مكة خارج الحرم؟ الأولى أن لا يخرج عن الحرم؛ لأن العلماء يقولون: إن هدي التمتع يجب أن يكون في الحرم، ولهذا انتبه لمسألة فعلها بعض الناس وذهبت عليهم هدراً، ذبحوا في عرفة قالوا: لأنه أوسع وأحسن، ذبحوا في عرفة وجاءوا باللحم هؤلاء لا يصح هديهم، الهدي حلال يؤكل، ولكن لا يصح لأنه في غير مكانه، وإلا لجاز أن يوصي الإنسان أهله في أقصى الدنيا ، ويقول: اذبحوا هدي عندكم ، وهذه نقطة يجب التنبه لها، بناءً على هذا نقول: الذين خارج الحرم في التنعيم، يعني خارج الحرم فهؤلاء لا يذبحون هديهم في مكانهم، يذبحونه في منى أو في أي طريق آخر.
سؤال: يعني الغيرة في الحق، وليس عن إيمان، هل هذا صحيح؟
الجواب: أي نعم، ما دام النبي ( يقول: ((إنه لا يتجاوز حناجرهم)) ويقول: ((إنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) .
السائل: يُمدح عليه ؟
الجواب: لابد إذا كان على حسب السنة، أما على الهوى فلا، ولهذا تجد أهل الخوارج استباحوا دماء الصحابة استحلوها، ولهذا يقول شيخ الإسلام أو بعض العلماء: هؤلاء استحلوا دماء المسلمين وامتنعوا عن دماء المشركين.
سؤال: إذا نظرنا إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من بعيد ؟
الجواب: لا يجب كثير يأخذ يداً بجنبها ويمشي ، مع إني أقول لك حسب ما سمعت، يقولون: إذا خرجت من المجزرة ومعك اللحم لا تخطو خطوات إلا والفقراء كلهم أخذوه منك، هكذا سمعت، وعلى هذا استعن بالله واحمله على ظهرك، والدم طاهر والحمد لله.
السائل: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو واجب أو مستحب ، حيث أكل من كل بعير ؟
الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس امتثالاً لأمر الله، وقد قال الله تعالى: {فكلوا منها} ما هو مثلنا إذا جاء الأمر نقول هو للوجوب أو للاستحباب، كلوا كلوا، والله أنا أرى إن أردت السلامة فكل ولو في كيس صغير، مع أني قلت فيه ناس الآن يقولون: إذا خرجوا من المجزرة ما يمشوا خطوات إلا وقد أُخذ كله، هات فعل الرسول ونرى أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة .(5/23)
117ـ بَاب مَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ بِيَدِهِ
1597 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَذَكَرَ الحَدِيثَ قَال وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مُخْتَصَرًا(1)
118ـ بَاب نَحْرِ الإِبِل مُقَيَّدَةً
1598 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَتَى عَلى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَال ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَال شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ(2)
__________
(1) شوف الذبح هذا هل هو في الحديبية أو في أي مكان؟
القارئ: يقول سيأتي بعد باب بتمامه.
الشيخ: ننتظر.
(2) هذا الإبل الأفضل أن ينحرها وهي قائمة مقيدة في أي اليدين؟
طالب: اليد اليسرى
الشيخ: التي تُعقل اليد اليسرى أو اليمنى تأكد ؟
طالب: اليسرى.
الشيخ: تأكد، على كل حال الذي ذكره العلماء رحمهم الله إنه يعقل اليسرى من أجل أن يأتيها من الجانب الأيمن ويضربها بيده بالحربة، وتسقط من هناك ما تسقط عليه؛ لأن المعقول يكون السقوط من جهته، ولكن إذا كان أعسر يعني لا يعرف إلا باليد اليسرى، فيه ناس الآن لا يعرفون أن يأخذون ولا يعطون ولا يرمون بل ولا يكتبون إلا باليد اليسرى، أليس كذلك؟ بلى، فيه ناس ما يكتبون إلا باليد اليسرى.
طيب على كل حال هذا الذي لا يعرف أن يعمل إلا باليد اليسرى أيسر له ولناقته، أن يأتيها من الجانب الأيسر ويعقل اليمنى، نظير ذلك الشاة تُضجع على أي الجنبين؟ الجانب الأيسر؛ لأنه إذا أضجعها وطأ بقدمه على العنق، ثم ذبحها باليمنى، طيب وإذا كان أعسر بالعكس يضجعها على الجانب الأيمن؛ لأنه لا يتسنى له إلا هكذا، فيضع يديه ورجله على صفحة عنقها ويذبحها، وهنا سؤال: لو أن الإنسان ذبح البعيرة باركة، هل يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن المسألة على السنة، ثم هي على السنية، إذا كان الإنسان يعرف كيف ينحرها قائمة؛ لأن بعض الناس لا يعرفون أن ينحروها قائمة، أبداً ولا يستطيعون إلا وهي باركة، هؤلاء نقول: بركوها، طيب هذه واحدة، ثانياً: هل الأفضل أن نجعل قوائمها تتحرك وتضطرب أو نُمسك بقوائمها؟ الأول خلاف ما يظنه بعض الناس الآن، يقول: دعها، اجعل قدمك على صفحة العنق ودعها؛ لأنها إذا قامت تضطرب بقوائمها فهو أريح لها، من جهة، وأسرع لتفرغ الدم منها من جهة أخرى فدعها، وأما ما يفعله بعض الناس الآن حسب ما نسمع وقد رأينا تجد يكون الرجل النشيط يمسك يدها ورجليها ويبرك عليها بروكاً، فهذا غلط ، ورأيت بعض الناس إذا أراد أن يذبح يأخذ بيدها اليسرى ويلويها على عنقها، على ظاهر العنق من أجل أن لا تضطرب يدها فتلطخه بالدم، هذا أيضاً غلط، لقول النبي(: ((إذا ذبيحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
طالب: فيه تفصيل يا شيخ ذبح الشاة.
الشيخ: نعم، فصل، يمكن بعض الناس سوت ذلك، ولكن الأفضل أنك تضع رجلك على العنق، وتذبحها، فيه بعض الناس قوي، وفيه بعض الذابحين أيضاً ضعيف.
سؤال: شيخ بارك الله فيك، حديث ابن عمر يقول: (ورأى أن قضى طوافه للحج والعمرة) طوافه الأول يقصد السعي هنا؟
الجواب: إي نعم.
سؤال: شيخ بارك الله فيك، بعض البلدان إذا ذبح الشاة يسوي لها خرم في يدها، ويبدأ في النفخ، ينفخ الجلد حتى تتفرق الجلد عن اللحم، وفي أثناء النفخ يضرب الشاة، فهل هذا جائز؟
الجواب: هذه لا تجوز لاسيما التي تُباع، يُباع لحمها؛ لأن هذا النفخ يبهي اللحم، وإذا رأى الإنسان هذه لحمها سمينة وطيبة، ولذلك يعتبر عندنا غشاً، أما إذا كان من أجل أن يسهل السلخ، فهذا لا بأس به، ولكنه لا تُنفخ إلا بعد أن تموت.
السائل: إي نعم، بعد الموت، ولكن يا شيخ الآن معروف، يعني في بعض البلدان الآن معروف هذا النحر، يستحيل أن تُذبح الآن شاة في هذه البلدان إلا ويعرفون أن السلخ يكون هكذا.
الجواب: إذاً ما صار فيها غش ما دام معروف عند الناس، ليس فيه غش مع أن تركه أحسن؛ لأن بعض الناس ما يعرف يسلخ، رأيت رجلاً، رأيته بعيني ولكن ما شاهدت فعله في يوم عيد الأضحى، بعد الصلاة والخطبة يذبح عشرين شاة قبل الظهر ويتممها كلها، هذا غريب، أنا لو أذبح شاة من صلاة العيد انتهى عند أذان الظهر، ومع ذلك الجلد ما يسلم من الشحوم .
سؤال: هل يمكن أن يحصل بالبوية مثلاً على الظهر؟
الجواب: لا...هذه علامة مثل الوسم، التقييد لابد من شيء يعلق عليها.
سؤال: حفظكم الله، الآن أكثر الغنم خصوصاً التي في المغرب أو الاسترالية، يأتي غزلها قصير جداً، وإذا سلخوه نصف ما يُسلخ في العادة يعني في الجزيرة يذهب كثير من اللحم مع الجلد، فينفخونها حتى ينعزل الجلد ويسهل على من كان يسلخ، أنا رأيت هذا بنفسي، وهذا موجود في المسالخ الحديثة، ولكن الآن يا شيخ الله يغفر لك، في الحج في الهدي نجد بعض الغنم البربرية الأبيض الذي رأسه أسود هذا، وهو الموجود حتى الإنسان يريد هدي إما مثل نجدي ولا يجد إلا هذا البربري وهو صغير الجسم يا شيخ.
الجواب: ما تم ستة أشهر؟ إذا كان من الضأن يتم ستة أشهر من الماعز يتم سنة.
السائل: ولكن جسمه صغير يا شيخ.
الجواب: ما يضر.
السائل: وأحياناً نجد واحد كبير وسمين ولكن أو يكون فيه مرض وتعبان ومريض ؟
الجواب: المريض لا يجزئ، إذا كان بيِّن المرض لا يجزئ.(5/24)
119ـ بَاب نَحْرِ البُدْنِ قَائِمَةً وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا سُنَّةَ مُحَمَّدٍ (، وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا (صَوَافَّ) قِيَامًا.
1599 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ ( قَال صَلى النَّبِيُّ ( الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا فَلمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلتَهُ فَجَعَل يُهَللُ وَيُسَبِّحُ فَلمَّا عَلا عَلى البَيْدَاءِ لبَّى بِهِمَا جَمِيعًا فَلمَّا دَخَل مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا وَنَحَرَ النَّبِيُّ ( بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ.
1600 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه قَال صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْهم ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ البَيْدَاءَ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ(1)
120ـ بَاب لا يُعْطَى الجَزَّارُ مِنَ الهَدْيِ شَيْئًا
__________
(1) الشيخ: يمكن هذا الباب الذي يشير إليه ابن حجر، سبع بدنات؟
القارئ: أحال، يقول: سيأتي في الباب الذي بعده، في الباب الذي بعده يقول: إنه نحر مائة.
الشيخ: على كل حال إن كان هذا اللفظ محفوظاً، فأنس ما ذكر إلا ما رأى.(5/25)
1601 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْهم قَال بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُمْتُ عَلى البُدْنِ فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلالهَا وَجُلُودَهَا قَال سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُالكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْهم قَال أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَقُومَ عَلى البُدْنِ وَلا أُعْطِيَ عَليْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا(1)
__________
(1) يعني لا يجوز أن يُعطى الجزار شيئاً من الأجرة من اللحم، فمثلاً إذا كان هذا الجزار ينحر البعير ويقسم لحمه بمائة، وأعطيناه لحماً يساوي خمسين ، وخمسين ريالً ، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا رجوع فيما أخرجه الإنسان لله عز وجل، وهو كالعود في الصدقة، أما لو أعطى له هدية فلا بأس، أو أعطاه صدقة فلا بأس، وعلامة ذلك أن يكون قد أعطاه أجرة الجزارة تامة بلا نقص، فحينئذٍ لا بأس أن يعطيه هدية أو صدقة.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك، هل هذا خاص بما يُتقرب به إلى الله عز وجل أم في جميع الذبائح؟
الجواب: خاص بما يُتقرب به إلى الله، وأما إذا كان للحم فله أن يعطيه من اللحم مقابل الأجرة أو بعضها.
سؤال: : يا شيخ بارك الله فيك، إذا وكل أحداً يذبح بدنة للسبع، هل يذكر أسماءهم جميعاً أم لا؟ يقول لفلان لفلان.
الجواب: لا تكفي النية، ويقول بلسانه: اللهم هذه منك ولك، اللهم هذه عن من وكلني بنحرها، وإن فسر فبحسب.
سؤال: الأضحية
الجواب: إذا حج إنسان وله أهل في البلد، فإنهم يوكلهم أن يضحوا وهو يُهدي.
سؤال: الآن في منى أكثر الجزارين لا يأخذون أجرة ويذبحون ثم هذا الهدي، يتتركونه الناس عندهم، ثم هم يبيعونه لأهل مكة.
الجواب: لكن الأجرة على الحكومة الظاهر، ما هي على الحكومة؟
السائل: لا...، في بعض المسالخ، الحكومي على الحكومة، وفي مسالخ فقراء تدفع للجزار.
الجواب: إذا دفعت للجزار لابد أن تعطيه الأجرة كاملة، ثم إن تركتها له فلا بأس.
السائل: يبيعونها؟
الجواب: كما أن الرجل الذي تعطيه من الأضحية له أن يبيع اللحم؛ لأنه ملكه ودخل ملكه فيتصرف فيه كما يشاء، كما جاء في حديث بريرة ((هي لها صدقة ولنا هدية)).
السائل: هل يكفي الذبح فقط أم يسلخها أيضاً؟
الجواب: حسب الشرط، فإن لم يكن شرط فحسب العرف، والظاهر لي أنا أن الجزارين حسب العرف لابد من السلخ والتقطيع وكل شيء.(5/26)
121ـ بَاب يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الهَدْيِ
1602 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مُسْلمٍ وَعَبْدُالكَرِيمِ الجَزَرِيُّ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي ليْلى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَليًّا رَضِي الله عَنْه أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلى بُدْنِهِ وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلالهَا وَلا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا.
122ـ بَاب يُتَصَدَّقُ بِجِلال البُدْنِ
1603 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُليْمَانَ قَال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ليْلى أَنَّ عَليًّا رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ قَال أَهْدَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلالهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا(1)
__________
(1) سؤال: بعض الحجاج يأتون الجزار ويتركون الهدي، يأتي بعض الناس ويذبح هديه ويتركه للجزار ويمشي، ما أكل.
الجواب: فاته الأكل فقط والجزار غالب الجزارين فقراء.
سؤال: عفا الله عنك يا شيخ، الجزارين يا شيخ أكثر الجزارين ما أحتملهم كلهم، ولكن الغالب منهم ، يقول أنا أقسمهم وإذا ذهب صاحب الهدي، باعه هو، يبيعها هذه على الناس.
الجواب: ما فيه بأس.
سؤال: بالنسبة لمن أراد الأضحية ثم خرج للحج، هل نقول: الفضل أن يكون قارناً حتى ....
الجواب: لا ..الأفضل أنه يكون متمتعاً، وتقصيره بعد العمرة لا يضر؛ لأنه نسك.
سؤال: بعض الجزارين بيأخذ أجرة الجزار، ثم يأخذها معها الجلد، جلد الشاة، فلو قلت: أعطني الجلد. ما رضي ؟
الجواب: هذا يُخشى أن يكون عده من الأجرة، وهذه مشكلة، لكن هل يأخذه بناءً على انه من الأجرة أو هكذا؟ إذا كان بناءً على أنه من الأجرة فهو لا يجوز .
سؤال: موضوع الجزارين يا شيخ فيه إشكال، وهو أنهم يأخذون الأجرة معروف هذا لمن أخذ أنه يقسمه، أما من ترك اللحم ما سأله عن الأجرة، يا شيخ أنا كنت عندي هدي ذبحه واحد، ولما خرجت أخذ يبيعه، قلت: ما تبيعه، أنا بأقسمه ، قال: أعطني الأجرة؛ لأنه كل من يريد أن يقسم اللحم يوفي بالأجرة، ولهذا نحن نبيعه ويكون بدل الأجرة، الناس يخافون من دفع الأجرة، يتركون اللحم خوفاً من دفع الأجرة ، هكذا إلا إذا كان واحد يريد يوزع كما أنا أريد، يقول: هات الأجرة إذاً.
الجواب: هذا ما يجوز، هذا حرام، أعطيه الأجرة، وإن يسر الله وأخذته فهذا المطلوب، وإن ما أخذته ففي ذمته، يكون غصباً.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله بعض الحملات وهذا أمر شاهدته أنا بنفسي، يسمحون خصوصاً للعامة لابد أن يأكل منها فيذبحون الهدي ثم يأكلونه، يأكلونه في الأيام كلها، الحملة تأكل ثلاثمائة خروف أو مائتي خروف، ما يوزعون شيء.
الجواب: لعلهم يقولون: كل واحد منا يُهدي للآخر، نعم ومنا فقراء تكون لهم صدقة، هذا لا يجوز، في الواقع أنا سمعت أفظع من هذا ، هناك قول مشهور للشافعي رحمه الله: إنه يجوز ذبح هدي التمتع من حين الإحرام بالعمرة أو التحلل منه، قياساً على الصيام؛ لأن صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي يجوز من حين أن يحرم بالعمرة، وقد أفتى به بعض العلماء قبل سنوات، قبل أن تأتي المسالخ الحديثة هذه، وجاء الناس يسألون: نحن ذبحنا من قبل بناءً على فتوى فلان أو فلان، فأفتيناهم بأنه لا حرج ما داموا مستندين إلى فتوى عام وهم فرض أن يسألوا أهل العلم ولا حرج.
سؤال: يا شيخ، في يوم الأضحى الناس إذا صاروا محلهم يسهل عليهم الذبح ، ولكن الذي يتصدق في النهار في يوم عرفة يكون أيسر .
الجواب: لا ما يجوز أن يذبح في عرفة .
السائل: لا ما هو أضحية، صدقة.
الجواب: حتى ولو تصدق قبل عرفة ما فيه إشكال على خير، لكن الذي يجعله هدياً أو يجعله أضحية ما يشرع، هو على كل حال عرفة خارج حدود الحرم، فلا يتناولها التغليظ الذي يحصل لمكان داخل الحرم.
سؤال: أحسن الله إليك ، الذبح خارج الحرم في عرفة، قلتم: الأولى أن لا يذبح.
الجواب: ما هو الأولى، قلنا: لا يجزئ ، لا يجزئ أصلاً، فمن ذبح هناك، قلنا أعد ، أعد للذبح.
السائل: لو ذبح ونقل اللحم إلى الحرم.
الجواب: لا ما يصلح؛ لأنه في الحقيقة المقصود هو الذبح، ولهذا لو ذبح داخل حدود الحرم ونقل اللحم إلى الخارج فلا بأس.(5/27)
123ـ بَاب ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ ذَلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لهُ عِنْدَ رَبِّه) (1)
__________
(1) قال البخاري رحمه الله تعالى فيما ساقه من كلام الله تبارك وتعالى: باب (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ) يعني هذا باب في هذه الآيات، فهو خبر لمبتدأ محذوف ولا يُضاف إلى ما بعده؛ لأنه مستقل.
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ) أي اذكر يا محمد إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، أي هيأناه له وبيناه له، والمراد بالبيت الكعبة.
(أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) يعني أن هذا التبويء مبني على التوحيد، أن لا تشرك بي شيئاً، وليس لإقامة أحجار تُعبد من دون الله، ولكن للتوحيد، وقوله: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) نكرة في سياق النفي، أو في سياق النهي؟ النهي بدليل أنها جزمت (أَنْ لا تُشْرِكْ) جزم الفعل فدل على أن (لا) ناهية وليست نافية، (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا شجراً ، ولا حجراً، ولا شمساً، ولا قمراً، ولا شيئاً، ففي العبادة فلا يُستثنى من هذا شيء، لا يجوز للإنسان أن يعبد أحداً بأي عبادة كانت، تطوعاً كانت او واجباً، وأما فيما يتعلق بالربوبية فلا بأس أن يُنسب الشيء إلى مخلوق إذا صح إنه قائم به، مثل إضافة الأشياء إلى أسبابها بشرط أن يؤمن أن يعتقد الإنسان أن هذا السبب من عند الله عز وجل وليس مستقلاً بالتأثير بالمسبب، ولهذا يجوز للإنسان أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، ويجوز للإنسان أن ينسب الشيء إلى سببه المعلوم حساً أو شرعاً، فمثلاُ ينسب الشفاء إلى العسل؛ لأنه معلوم شرعاً وحساً، ينسب الشفاء إلى دواء لم يُذكر في القرآن ولكنه مؤثر، يصح، ولكن بشرط أن يكون عند الإنسان عقيدة بأن هذه الأسباب لا تؤثر بذاتها ولكن بما أودع الله فيها من القوة، ويدخل في قوله: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) النهي عن تمثيل المخلوق بالخالق في الأفعال أو في الأوصاف، ولهذا قال الله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} فلا يحل لأحد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى مماثل لحد من المخلوقين ولا أن أحداً مماثل لله.
(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أضافه الله إليه تشريفاً وتكريماً ، كما أضاف الناقة إليه تشريفاً وتكريماً، مثل قوله: {ناقة الله} وليس المراد أنه بيت يسكنه حاشا وكلا ، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وهو في السماء على العرش، كذلك الناقة ليس المعنى أنها ناقة الله التي يركبها كلا وحاشا، ولكن هذه الإضافة من باب التشريف، إضافة هذا البيت إلى الله يوجب أن يتعلق به نسك، وأن نعظمه؛ لأن الله عظمه بإضافته إليه، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليه}
(للطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) بدأ بالطواف؛ لأن الطواف أخص عبادة تتعلق بهذا البيت، لا يُطاف بغيره، لا يُطاف إلا بهذا البيت، فقدمها؛ لأنها أخص عبادة تتعلق به، ويُذكر أن بعض الخلفاء نذر أن يتعبد لله عبادة لا يشاركه فيها أحد فسأل كثير من العلماء، فقالوا: لا يمكن، إن صليت فلعل غيرك يصلي ، إن صمت فلعل غيرك يصوم، إن تصدقت فلعل غيرك يتصدق، ففتح الله على بعضهم وقال له: يُخلى لك المطاف ـ يعني أمنع الناس من الطوافـ وطف وحدك، حينئذٍ لا يشاركك أحد؛ لأن الطواف خاص بالبيت، وقوله: (وَالقَائِمِينَ) أي المقيمين فيه، ويحتمل القائمين بالصلاة لقرينة قوله: (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وفي الآية الأخرى {والعكافين} بدل القائمين، فإذا قلنا: القيام بمعنى المكث صارت الآيتان بمعنى واحد، وإذا قلنا: القيام يعني القائم في الصلاة، اختف المعنى، ويكون تطهير البيت للطائف والمعتكف والقائم في الصلاة والراكع والساجد.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ) يعني أعلمهم به على وجه الإعلام والإبانة بالحج يعني إلى هذا البيت.
(يَأْتُوكَ رِجَالاً) سبحان الله، (يأتوك) هذه مجزومة ، ما الذي جزمها؟ لأنها جواب الأمر، يعني كأنه قال: إن تؤذن يأتوك، ولهذا ذهب بعض النحويين إلى أن الجزم هنا لشرط محذوف معلوم من السياق، والتقدير إن تعظم يأتوك، لكننا نركب السهل في خلاف النحو، وأيهما أسهل عدم التقييد ، فنقول: هي جواب الأمر، والمعنى واضح المعنى واحد أذن في الناس بالحج يأتوك، وهذا يدل على أن أذان إبراهيم عليه السلام سيؤثر في الناس.
(يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلى كُل ضَامِرٍ) رجالاً: أي يمشون على أرجلهم، وهي حال؛ لأنها وإن كانت اسماً جامداً، لكنها بمعنى مشتق إذ المعنى يأتوك راجلين، (وَعَلى كُل ضَامِرٍ) يعني ويأتوك أيضاً (وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ) الضامر: الناقة المضمرة التي يخف لحمها وشحمها وتكون مستعدة تماماً للسير، وهذا معنى تضمير الإبل، الناقة المضمرة في عهد الإبل كالسيارة التي تسمى في الوقت الحاضر الشبح، أحسن السيارات وأسوقها.
وقوله: (مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ) أي من كل ناحية بعيدة، كان الناس يأتون من أقصى الصين، ومن أقصى أفريقيا، قبل أن تُفتح قناة السويس، كانت أفريقيا وآسيا ملتحمة بعضها مع بعض، ثم حُفرت القناة من اجل أن يسهل عبور هذه القناة من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، ولكن يأتي هؤلاء على كل ضامر من كل فج عميق، وشاهدناهم يعني قبل يأتون على أرجلهم من الهند وباكستان وما وراء ذلك ، يأتون على أرجلهم، يمشون ستة أشهر من بلادهم على مكة، كل ما مروا ببلد بقوا فيها ما شاء الله أن يبقوا، ومنهم من يكون لدية صناعة يستأجر دكان صغير ويصنع، أذكر أنهم يصنعون لنا شيء مثل اللعبة كذا ويجر الحبل ويبيعون علينا، يبيعون أيضاً أشياء حاويات صغيرة كالفناجيل وغيرها، المهم أنهم يمشون من بلادهم، ويتكسبون في البلاد التي يتوقفون فيها حتى يصلوا إلى الحج على أرجلهم، ثم يرجعون كذلك ستة أشهر، سبحان الله القلب هو الذي يمشي الإنسان
بعيد على كسلان أو ذي ملالة فأما على المشتاق فهو قريب
(وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ) اللهم لك الحمد، بدأ بنصيبنا قبل نصيبه عز وجل، (ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ) أي يحضروها بماذا؟ بالبيع والشراء والتكسب، كما قال عز وجل: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات} كذلك أيضاً منافع بمعرفة المسلمين لأحوال إخوانهم، وما يلزمهم نحوهم، كذلك منافع بالإلفة والمودة والمحبة وشكاية الأحوال على الآخرين، المهم أن كلمة منافع كلنا يعرف أنها صيغة منتهى الجموع، فتشمل منافع عظيمة جداً.
(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) بعض العلماء يقول: كما أشرت إليه أولاً إن هذا دليل على أن فوائد الحج العامة أهم من ذكر اسم الله وهو النحر، ولكني عندي أننا نقول: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) من باب عطف الخاص على العام؛ لأن ذكر اسم الله عز وجل على بهيمة الله منفعة.
ش12 ـ وجه ب :
دينية ودنيوية، وهذا أولى أن نقول: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) من باب عطف الخاص على العام، يعني نص عليه؛ لأنه أهم المنافع، أهم المنافع ذكر الله عز وجل. (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) أي يقولوا: بسم الله (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) الرزق بمعنى العطاء، كما قال تعالى: { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم فيها} أي أعطوهم، وقوله: (مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) هي الإبل والبقر والغنم بالاتفاق، وسميت بهيمة؛ لأنها عجماء لا تتكلم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((العجماء جُبار)).
وقوله: (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) هذا بالإجماع، أي أنه لا يُتقرب إلى الله بالهدي إلا من بهيمة الأنعام، وكذلك الأضاحي، ولابد فيها من أن تكون بالغة السن الواجبة، وهي في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنة، وفي الضأن نصفها، قال بعضهم: ويُعرف بلوغ الضأن نصف السنة بأن ينزل شعره، إذا كان واقفاً ينزل شعره إذا بلغ ستة أشهر نزل على ظهره، كان بالأول قائماً فإن صح هذا فهي علامة، وقرينة ليست شيئاً مؤكداً.
الشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب، العيوب التي تمنع من الإجزاء، وهي أربع بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء ـ يعني الهزيلةـ التي لا مخ فيها)) عرفتم؟ أربع، ما سوى ذلك من العيوب فهو منقص لا مانع من الإجزاء إلا أن يساوي هذه العيوب، وهنا سؤال: لو أن شخصاً أراد أن يهدي أو أن يضحي بعمياء ما تشوف أبداً، تجزئ أو لا تجزئ؟ لا تجزئ، والعجب أن بعض العلماء قال: تجزئ، وعلل تعليلاً يصح أن يكون في أيام الصيف الحارة، ما المعنى؟ بارد جداً، قال: لأن العمياء ما فيها نقص؛ لأن مالكها سوف يحضر لها الطعام والشراب، والعوراء يأتيها النقص لأن صاحبها يكلها إلى نفسها، والعوراء ما تشوف إلا من جهة واحدة فيفوتها شيء كثير من المرعى، ولكن هذا القول كما قلت لكم: قول باطل.
طيب، مقطعة الأربع، ما لها رجلين ولا يدين تجزئ؟ على قياس الأول تجزئ؛ لأنه يأتي لها علف وتأكل، ولكن هذا كله غير صحيح، لولا إنه قيل ما صدق الإنسان أن يقوله عاقل فضلاً عن عالم.
طيب، أورد شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله مسألة، فقال: إنه إذا كان قحط وجدب والأرض لا تنبت، ثم جاء المطر وأنبتت الأرض، ورعت المواشي، وكانت الأول المواشي من الهُزال ما فيها مخ، لأنها ما ترعى، ثم نزل المطر، ونبتت الأرض ورعت وسمنت سمن كبيرة، ولكن ما فيها مخ فهل تجزئ أو لا تجزئ؟ تجزي؛ لأن الحديث ((العجفاء التي لا مخ فيها)) وهذه ليست عجفاء، قال شيخنا: وهذا يقع كثيراً، حدثه بذلك أهل البادية، (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) لها شروط ، فقيل: الهدي هل له أوقات معلومة كالأضحية؟ الجواب: لا، إلا هدي التمتع والقرآن فقد دلت السنة على أن له أوقات معلومة وهي أوقات ذبح الأضحية، أما هدي التطوع، والهدي الواجب لجبران أو لفعل محظور فهذه مقيدة بأوقاتها حتى ولو أحرم الإنسان بعمرة في نصف السنة وترك واجباً أو فعل محظوراً فإنه يفدي في وقته، (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) طيب، على ما رزقهم (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، الأيام المعلومات هي أربعة أيام أولها العاشر من ذي الحجة وآخرها غروب الشمس ثالث أيام التشريق، وقوله: (فِي أَيَّامٍ) لا يعني أنها لا تصح في الليالي؛ لأن العرب تُطلق الأيام وتريد الأيام والليالي وبالعكس.
قال الله عز وجل: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) كلوا منها: أي من هذه البهائم، والأمر هنا للاستحباب عند أكثر العلماء، وذهبت الظاهرية إلى وجوب الأكل منها، قالوا: إذ لا صارف لهذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وقالوا أيضاً: إن النبي ( أمر من كل بدنة مما أهداه وهي مائة بعير ببضعة فجُعلت في قدر فطُبخت، فأكل من لحمها، وشرب من مرقها، فلا يُكلف أصحابه بأخذ هذه القطع حتى تُجعل في القدر مائة قطعة ثم يأكل من لحمها ويشرب من مرقها، إلا لأن الأمر للوجوب، والقول: بأن الأمر للوجوب، ليس بعيداً؛ لأنك لا تستطيع أن تعرف صارفاً عن الوجوب، ولكن جمهور العلماء على أنه للاستحباب.
(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) البائس: يعني المعدم، الفقير: الذي ليس عنده مال، والمعنى متقارب كما قال الشاعر:(فألف قولها كذبا ومينا) الكذب والمين بمعنى واحد. طيب، (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) لو نظرنا إلى ظاهر الآية الكريمة لقلنا: يأكل النصف ويُطعم النصف، ولو نظرنا إلى إطلاق الأكل، وإطلاق الطعام، قلنا: إن الأمر مطلق المهم أن يأكل وأن يتصدق، ولا يحتاج إلى التقييد بنصف أو ثلث أو ربع، ولكن كثيراً من السلف يستحبون أن تكون أثلاثاً، ثلث للأكل، وثلث للصدقة، وثلث للهدية، والأمر في هذا واسع، لكن لو أكلها كلها ماذا يصنع؟ نقول: يجب عليه أن يضمن حق الفقير من مثل ما أكل، فمثلاً إذا كانت ضأن يضمن بلحم ضأن، إذا كانت بعيراً يضمن بلحم بعير، ولحم الغنم أطيب.
(ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) ثم: أي بعد ان يأكل ، ومعلوم أن هذا النحر ما يكون تحلل إلا بعد النحر؛ لأن النحر سيتقدم على الحلق حسب الترتيب الأفضل، فيكون مثلاً الحجاج يرموا رمية العقبة، ثم ينحر، ثم يحلق، وحينئذٍ يحل، ولهذا قال: (ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ) يعني بعد أن يذبحوا ويتصدقوا ويأكلوا (ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ) التفث: يعني إلقاء الأوساخ مثل قص شعره ظفره وما أشبه ذلك.
(وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي يوفوا نسكهم؛ لأن النسك نذر فإن من تلبث بالنسك فقد أوجب على نفسه أن يتمه، لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج} فجعل الإحرام فرضاً، ولذلك لا يوجد عبادة إذا شرع فيها الإنسان لزمه أن يتمها وهي نفل إلا الحج والعمرة، وكذلك الجهاد إذا حضر الصف.
(وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) يطَّوفوا: ضعف الفعل، إما أن يكون يطوفوا، وإما لكثرة الطائفين؛ لأن الفعل قد يُشدد لكثرة الفاعل لا لكثرة الفعل، انتبهوا لهذه النكتة، قد يُضعف الفعل لكثرة الفاعل لا لكثرة الفعل، ومنه على القول الراجح ما ورد في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زوارات القبور) زوارات، وفي لفظ (زائرات) ، لفظ (زائرات) ما فيه إشكال؛ لأنه يصدق عليه إذا زارت مرة واحدة، ولكن (زوارات) بعض العلماء من المتأخرين والمتقدمين يقولون: إن هذا ينصب على من تكثر الزيارة، ولكن شيخ الإسلام أبطل هذا، وقال: إن الفعل قد ضُعف لكثرة الفاعل، لا لكثرة الفعل، فيكون (لعن زوارات) يعني كل زائرة، كل زائرة للقبور، وما قاله رحمه الله صحيح، ما قاله فهو صحيح، وهو مسلم أيضاً، فإن لم نسلم فترجيح المخفف واضح أيضاً، لماذا؟ لأنك إذا قلت: من زارت مرة واحدة فهي ملعونة يكون أخص مما قلت: إن كررت فهي ملعونة، فيكون اللَّعنة حق عليها من مرة واحدة.
طيب، (وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ)يطوفون به، والبيت العتيق: قيل: إن معناه القديم، وقيل معناه: المعتق من الجبابرة؛ لأنه ما قصده جبار إلا قصمه الله، وأنظر أصحاب الفيل، طيب لو قلنا بالمعنيين فحسن، وقيل: العتيق الغالي في الصدور، فإن الشيء الغالي في الصدور يُقال: هذا عتيق، ويُقال للحر: عتيق، وهذا أيضاً معنى ثالث نضيفه إلى المعنيين السابقين، نسال الله تعالى أن يحميه من أعدائه الظاهرين والباطنين.
(وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) وقوله: (بالبيت) الباء هنا للاستيعاب، كما في قوله تعالى: {امسحوا برؤوسكم} الباء هنا للاستيعاب، ولهذا يجب مسح الرأس كلها، طيب، أرأيتم لو قال: وليطوفوا في البيت، فهل يجب الاستيعاب؟ لا، لأن في للظرفية، يُستفاد من قوله: (بِالبَيْتِ العَتِيقِ) أن الإنسان لو طاف دخل من بين الحجر والكعبة القائمة، فشوطه غير صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود، طيب، لو سمتعم قارئ يقرأ : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) صحيح أو خطأ؟
طالب: خطأ.
الشيخ: اللهم أهدنا، خطأ، لماذا؟ لأن المعنى أختلف، لو قال: ثم لْيقضوا صارت اللام للتعليل لا للأمر؛ لأن الذي يُسكن بعد ثم هي لام الأمر، ولذلك يغلط بعض الناس في تلاوة قول الله تبارك وتعالى: {هذا بلاغ للناس وليُنذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليتذكر أولوا الألباب} فتجده يُسكن اللام وهذا غلط، إذا جعلها لام التعليل فهذا غلط بلا شك، لماذا؟ لأن لام التعليل تُكسر ولو ...الحروف، ولكن لا استبعد وأنا لا أدري أن تكون فيها قراءة {هذا بلاغ للناس وليُنذروا به } هذه بعيدة أن تكون لام الأمر، (وليعلموا) يمكن أن تكون للأمر، وكذلك (وليتذكروا)، لكني لا أدري هل فيها قراءة بالسكون أو لا .
سؤال: قوله سبحانه: { (ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا) فيه قراءة يا شيخ.
الجواب: فيها، للتعليل، إذا كُسرت فهي للتعليل.
نعود للشرح: قال الله تعالى: (ذلك) يعني ذلك حكم الله، أي ذلك المذكور هو حكم الله عز وجل وشريعة الله، (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لهُ عِنْدَ رَبِّه) (من) شرطية، و(يعظم) فعل الشرط، (فهو خير له) جواب الشرط، وكلمة (حرمات الله) عامة، فيه حرمات الحرم المكين وفيه حرمات الشريعة كلها، من يعظمها ويحترمها إن كانت مأموراً بها عظمها فلا يخل بها، وإن كانت منهياً عنها عظمها فلا ينتهكها، (فهو خير له عند ربه)، ولا شك أن قول الله عز وجل يستلزم أن يحث الإنسان نفسه على تعظيم حرمات الله عز وجل.
سؤال: قوله تعالى : (وإذ بوأنا لإبراهيم) أن الله بين لإبراهيم بإرسال سحابة حتى وقفت على موضع البيت وظللت، هل هذه الرواية صحيحة يا شيخ؟
الجواب: يجب أن تعلموا أن ما أبهمه الله، ولم ترد السنة ببيانه، فالواجب إبهامه، لم يبين لك كيف بوأه له، فالواجب أن نقول: بوأه بأي سبب، إما بكونه أكمة كما قيل إنها أكمة مرتفعة عن ما حولها، أو بغير ذلك، ولا حاجة أن نعرف إنما المقصود أن الله تعالى بوأه وهيأه له، وأنه عليه السلام لم يتجاوز ما بينه الله عز وجل، فلم يزد ولم ينقص ولم يغير.
سؤال: مسألة البيت يا شيخ، فيه خصوصية لإبراهيم عليه السلام، ومحمد (، خصوصية عن الأنبياء كلهم لأن الله ذكر أن إبراهيم هو الذي يعمره، ومحمد ( يعتني به؟
الجواب: لا ، على القول الراجح، أول من بناه إبراهيم، وأما القول بأنه مبني من قبل بناه آدم وأنه من قبل بنته الملائكة فهذا لا دليل يعتمد عليه.
السائل: .............؟
الجواب: إبراهيم وإسماعيل لا تنسى، ومحمد عليه الصلاة والسلام لاشك أنه أنقذه من المشركين.
سؤال: هل من أراد التمتع، وأحرم بالعمرة متمتعاً، ثم بعد ذلك بدا له أن يسوق الهدي لا بنية أنه هدي التمتع، وإنما هدي مطلقاً، هل له ان يتمتع، أو لابد أنه يقرن؟
الجواب: هل له أن يتمتع؟ إذا أحرم العمرة ثم اشتراه من أثناء الطريق قبل أن يبدأ الطواف فلا بأس أن يكون قارناً.
السائل: لا..هل له أن يتمتع؟
الجواب: كيف يتمتع وهو معه الهدي؟
السائل: معه الهدي ولكنه طرأ بعدما أحرم بالعمرة.
الجواب: ما يمكن.
السائل: الهدي ألا يصح مطلقاً ويصح معيناً؟
الجواب: بلى.
السائل: فلماذا لا نتركه على إطلاقه ويستفيد؟
الجواب: لا يستقيم، إذا ساق الهدي فلا يمكن له أن يحل.
سؤال: بارك الله فيك، أمر الله عز وجل إبراهيم أن يؤذن في الناس، فهل أذان ، كيف كان تأذين إبراهيم؟
الجواب: ما ندري، الله أعلم، أذانه في الناس إما أنه كما قيل: إنه أذان بالحج وسمعه الناس كلهم، حتى إن بعضهم بالغ وقال: إنه سمعهم من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وإما إنه أذن أعلم بما ورث عنه من الوحي.
سؤال: قال تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} هل فيه إشارة إلى أن المحرم المؤمن تقليم أظافره
الجواب: ما يدل على هذا؛ لأن أمره بهذا على سبيل الاستحباب.
سؤال: يا شيخ، المراد بقوله تعالى:{ إن أول بيت للذي وضع ببكة مباركاً} الأولية هنا.
الجواب: نسبية، أول بيت وُضع للعبادة.
سؤال: أحسن الله إليكم، بالنسبة للطواف، هذا الطواف بالبيت خاص بالله سبحانه وتعالى، فكيف يكون الإنسان إذا طاف بالقبور، أو غير ذلك، هل يكون شركاً أكبر أم أصغر؟
الجواب: إذا طاف بالقبور إذا نوى إنه يتعبد لهذا المقبور كما يتعبد الطائف لله، فهذا شرك أكبر لا شك، وإن كان يطوف على القبور يظن أن هذا أقرب إلى الإجابة، وأن الذي يُطاف له ويُسأل هو الله فليس شركاً أكبر يعني حسب نيته فيه، إذا كان يطوف ويقول: أنا أرجو من هذا النفع والضرر والثواب ودرأ العقاب فهو كافر.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيكم، يُشكل أحياناً التفريق بين (من) الموصولة، والشرطية، حتى الموصولة تجد مجزوم ما بعدها
الجواب: مثل .
السائل: أنا ما استحضر ولكن يمر كثيراً، ونقول: هذا بسبب العموم، يعني يُلحق ما بعدها ...
الجواب: أنا بينت هذا بالنسبة لما ذكرت ارتباط الفاء بالخبر بمن الموصلة قالوا: لأنها تُشبه الشرطية في العموم، فهمت، ولذا الفرق والواضح بأن من الشرطية إذا كان مضارعاً جُزم .
السائل: هل يكون فعل الشرط هو مضارع ؟
الجواب: ......يبقى الجواز ما هو إشكال؛ لأن لك أن تجعلها موصولة ولك أن تجعلها شرطية، إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحدهما.
السائل: يا شيخ، هل فيه فرق جوهري في المعنى.
الجواب: ما فيه شيء، الفرق في الحكم، ولكن من حيث التأثير الشرطية أبلغ؛ لأن ترتب الشيء على الشيء أبلغ من الخبر بأن هذا الشيء يكون بعده شيء.
سؤال: هل يُشترط في هدي التطوع، السن المعتبر؟
الجواب: إي نعم، إنما قصد به التقرب بالصدقة به، إن كان مقصوده التطوع بالصدقة به فهذا جنس هدي الدجاج والبيضة كما جاء في حديث في صلاة الجمعة، وأما إذا كان القصد التقرب بذبحه، فلابد من هذه الشروط التي ذكرت، فهمت، ولكن أحياناً تكون المواشي هزيلة ما ترعى ويذهب مخها، تبقى هزيلة، ثم يأتي الربيع بسرعة تأكل ثم تسمن قبل أن يصل أثر الشحم إلى عظامها، فتكون سمينة وليس فيها مخ، ولهذا عن هذا النوع يقول شيخنا رحمه الله: هذا النوع ما يستطيعيقوم ، إذا ربضت لازم تقومها ، من أجل ماذا ؟ ضعيفة ليس فيها مخ.
السائل: المخ يا شيخ، المراد به ماذا ؟
الجواب: ما تعرف المخ، ما عمرك كسرت ساق البهيمة؟ مر علينا إن شاء الله تعالى في منى، ونكسر عظمة ونريك إياه، صحيح ما عمرك رأيت هذا؟
السائل: لا.. والله، أنا فكرت المخ الذي في العقل.
الجواب: الراس يعني ؟ لا ..المخ الذي في الأعضاء، فهمت الآن، وأفهم أيضاً فهماً جيداً أنه لا عقل في البهائم لا السمينة ولا غير السمينة.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك، قلنا إنه يجوز أن يُنسب الشيء إلى سببه سواءً كان شرعاً أو حساً، وهذا لا يؤثر بنفسه، متى ينكر على من يقول: هذه الأشياء، يعني يُنسب الشيء إلى سببه متى يُنكر عليه إذا كان يعتقد أن الشيء يؤثر بنفسه ؟
الجواب: ما يُنكر عليه إذا عُرف أن السبب صحيح، مثل أن يكون واحد حصل له حادث، قال: لولا أن السيارة انضطجعت على حجر وارتفع عني لهلكت، ما في هذا شيء.
السائل: إذا اعتقد في السبب متى يُنكر عليه ؟
الجواب: يعني بمعنى مستقلة عن الله، ما هو الذي قدرها الله.
السائل: متى يُنكر عليه؟
الجواب: متى اعتقد هذا، الطبائعيون الآن لا يرون أسباباً ومؤثرات بتأثير خارج، بكونها تؤثر بأمر خارج بل بذاتها.
سؤال: إذا قال قائل قلنا يا شيخ، أحسن الله إليك إن الجزار لا يُعطى من الهدي شيء، إذا قال قائل: إن الجزار إذا أعطيناه شيئاً ولو كان فقيراً والأصل في الجزار إنه فقير إذا أعطيناه شيء، استثنيناه، يعني الفقير عموم الجزار ، فما الصارف من النهي أن نُخرج الفقير من عموم المنع؟
الجواب: أحسنت، النهي عن أن يُعطى الجزار منها شيئاً لئلا يقطعه الإنسان من الأجرة، هذا السبب، وهو لا يجوز أن يقتطعه من الأجرة، وقد أخرج الشاة لله عز وجل.(5/28)
124ـ وَمَا يَأْكُلُ مِنَ البُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ وَقَال عُبَيْدُاللهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا لا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلكَ وَقَال عَطَاءٌ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ المُتْعَةِ(1)
__________
(1) هذا واضح، جزاء الصيد لا يؤكل منه؛ لأنه كفارة فلا يؤكل منه الإنسان شيئاً، وإنما يُهدى لأهل الحرم حتى ولو فرض أن المحرم قتل الصيد خارج الحرم وجب أن يعطيه أهل الحرم، وهذا مما يخص به الصيد من المحظورات، المحظورات تؤدى في مكان المخالفة ولكن الصيد جزاءه لابد أن يصل إلى مكة ، لقوله تبارك وتعالى: {هدياً بالغ الكعبة}.
كذلك أيضاً النذر، النذر لا يأكل منه شيئاً، إذا نذر أن يتقرب إلى الله تعالى بالذبح، بذبح أضحية أو هدي، فإنه لا يأكل منه شيئاً، ولكن الصحيح في مسألة الأضحية أنه إذا نذر أن يذبح أضحية وجب عليه الذبح فقط، أما الأكل فيكون كما أنه لم يُنذر بمعنى أنه يأكل ويتصدق ويهدي؛ لأن الناذر نذر أضحية لا يريد إنه لا يأكل، هو نذر أضحية، والمشروع في الأضحية ماذا؟ الأكل والإطعام صدقة وهدية، أما المتعة فكما قال، كما في النص عندي عطاء يقول: يأكل من دم المتعة، ونقول: صحيح، كما أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هدي القران، فإذا قال قائل: ما الفرق بين الدم الواجب لفعل محظور، أو ترك واجب وبين دم المتعة والقران وكلاهما واجب؟ فالجواب: قال أهل العلم بأن دم المتعة والقرآن من باب شكر الله تعالى على النعمة وهي نعمة التمتع، وأما الدم الواجب لترك واجب أم فعل محظور فهو جزاء وفدية.(5/29)
1604 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ كُنَّا لا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلنَا وَتَزَوَّدْنَا قُلتُ لعَطَاءٍ أَقَال حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ قَال لا(1)
1605 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى قَال حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ وَلا نُرَى إِلا الحَجَّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا فَدُخِل عَليْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلحْمِ بَقَرٍ فَقُلتُ مَا هَذَا فَقِيل ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَال يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ للقَاسِمِ فَقَال أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ(2)
__________
(1) كل هذا جائز، يعني دم المتعة والقران لك أن تأكله كله في مكة، ولك أن تأكل بعضه وتحمل بعضه إلى بلدك؛ لأنه ملكك تقربت به إلى الله وأباح لك الله أكله.
(2) سؤال: من أكل من جزاء الصيد هل يجزئه أم يعيد؟
الجواب: من أكل يضمن ما أكل، يضمن ما أكل من جنس ما فدى به، ويتصدق به.
سؤال: أحسن الله إليك هل يجوز تقديم السعي للمتمتع والطواف للحج للقارن والمفرد؟
الجواب: لا...هذا لا يجوز، إذا كنت تريد إنه يجوز أن يقدم السعي على الطواف يوم النحر؟ فهذا لا بأس.
السائل: بعض الناس قبل أن ينزلوا إلى منى يطوفون ويسعون ؟
الجواب: لا بأس.
السائل: حتى المتمتع؟
الجواب: والمتمتع لا بأس، الطواف والسعي هذا للحج، سيأتينا بعد الآن إن شاء الله.(5/30)
125ـ بَاب الذَّبْحِ قَبْل الحَلقِ
1606 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سُئِل النَّبِيُّ ( عَمَّنْ حَلقَ قَبْل أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ فَقَال لا حَرَجَ لا حَرَجَ.
1607 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال رَجُلٌ للنَّبِيِّ (زُرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال لا حَرَجَ قَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال لا حَرَجَ قَال ذَبَحْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال لا حَرَجَ وَقَال عَبْدُالرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ (وَقَال القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ (وَقَال عَفَّانُ أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ ( وَقَال حَمَّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ ((1)
__________
(1) هذا ما فيه إشكال إلا قوله: (ذبحت قبل أن أرمي) فإن ظاهر هذا إنه ذبح مبكراً، والفقهاء يقولون: لا يذبح إلا إذا مضى قدر صلاة العيد، ما عندك كلام عليه.
تعليق قراءة من فتح الباري ج: 3 ص: 559 :
قوله: (باب الذبح قبل الحلق) أورد فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح، ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه، وقد أورد حديث بن عباس من طرق ثم حديث أبي موسى، فأما الطريق الأولى لحديث بن عباس فمن طريق منصور بن زاذان عن عطاء عنه بلفظ: (سُئل عمن حلق قبل أن يذبح) ونحوه والطريق الثانية من طريق أبي بكر وهو بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن بن عباس فذكر فيه الزيارة قبل الرمي، والحلق قبل الذبح، والذبح قبل الرمي، وعرف به المراد بقوله في رواية منصور ونحوه.
الشيخ: ما ذكر الفوائد؟
القارئ: طرق الحديث فقط يا شيخ.
الشيخ: طيب، هل نقول: إن هذا ظاهر أنه لا بأس أن ينحر ولو في الليل؛ لأن الرمي يجوز في آخر الليل للضعفاء، ويجوز أن يرمي من حين أن تطلع الشمس كغيرهم، فهل نقول: إنه يجوز النحر ، ويكون هذا مستثنى من أجل التسهيل على الخلق؛ لأن معروف ـ أن الأضاحي لا يصح ذبحها قبل الصلاة، إذا ذُبحت قبل الصلاة فهي شاة لحم، فهذا يحتاج إلى تحرير، من لنا به؟(5/31)
1608 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلى حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سُئِل النَّبِيُّ ( فَقَال رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَال لا حَرَجَ قَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَنْحَرَ قَال لا حَرَجَ(1)
1609 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَال أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي الله عَنْهم قَال قَدِمْتُ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَ(2)
__________
(1) الأحاديث واضحة، يعني ما فيها إشكال، يعني إنه سواءً كان الإنسان متعمداً أو غير متعمد، جاهلاً أو عالماً، ناسياً أو ذاكراً، فالأمر فسيح ولله الحمد، قال بعض أهل العلم: وفي قوله : (بعدما أمست) دليل على جواز الرمي في الليل يوم الحادي عشر والثاني عشر؛ لأن المساء يُطلق على آخر النهار، ويُطلق على أول الليل، فيكون فيه دليل على جواز الرمي ليلاً، والبيان الذي ظهر من هيئة كبار العلماء فيما سبق، يقولون: أن النبي ( حدد أول الرمي وهو بعد الزوال، ولم يحدد آخره، فدل هذا على أنه مطلق، وينبني على هذه المسألة، مسألة مهمة وهي إذا تعجل الإنسان في اليوم الثاني عشر وتأهب، ولكن حبسه السير حتى غابت الشمس قبل أن يرمي، فهل نقول: ارم واستمر، أم نقول: أرم وبات في منى؟ الأول، نقول: أرم وأستمر، ولا يلزمك البقاء؛ لأنك تعجلت، ورميت في وقت الرمي.
القارئ: يقول: وأما إذا ذبح قبل أن يرمي فقال مالك وجماعة من العلماء لا شيء عليه؛ لأن ذلك نص في الحديث، والهدي قد بلغ محله، وذلك يوم النحر كما لو لم ينحر المتمتع هدياً ساقه قبل أن يطوف بعمرة. انتهى.
الشيخ: قول مالك، يجوز ولكن هل هذا قبل أن تشرق الشمس ؟ هذا هنا إشكال .
(2) الشيخ: (بم) بدون ألف.
القارئ: عندي بألف يا شيخ.
الشيخ: لا ..غلط ؛ لأن ما الاستفهامية إذا جرت بإلى أو بالباء أو بعلى تًحذف ألفها.(5/32)
أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ انْطَلقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهم فَذَكَرْتُهُ لهُ فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَحِل حَتَّى بَلغَ الهَدْيُ مَحِلهُ(1)
126ـ بَاب مَنْ لبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَحَلقَ
1610 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّهَا قَالتْ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلمْ تَحْلل أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ(2)
__________
(1) ش13 ـ وجه أ :
كأن عمر لم يرض بهذا ؛ لأن عمر ( ممن يرى عدم التمتع، ويرى الإفراد فقط؛ لأنه يريد أن يُعمر المسجد الحرام طول السنة، وفي الحديث أشياء نذكرها فيما بعد إن شاء الله .
(2) قوله صلى الله عليه وسلم: ((لبدت رأسي)) أي وضعت عليها ما يلبده من صمغ ونحوه، وهو إشارة إلى أنه لن يحل، فبقي على ما كان عليه. وفي هذا الحديث دليل على أن ما يُلبد على الرأس لا يمنع من صحة الوضوء، فمثلاً بعض النساء تُلبد على رأسها شيئاً من الحناء فيجوز أن تمسح عليه ولا حرج عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبد رأسه وهو يمسح عليه قطعاً، ولأن طهارة الرأس في الأصل مخففة فلا غسل فيها ولا تكرار للمسح ، فلذلك لم يُشترط أن لا يكون هناك حائل، شوف الترجمة.
تعليق من فتح الباري :
قوله: (باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق) أي بعد ذلك عند الإحلال ، قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا؟ فنقل ابن بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر.ا.هـ. وهذا قول الشافعي في الجديد وليس للأول دليل صريح وأعلى ما فيه ما سيأتي في اللباس عن عمر: (من ضفر رأسه فليحلق ) وأورد المصنف في هذا الباب حديث حفصة وفيه (إني لبدت رأسي) وليس فيه تعرض للحلق إلا أنه معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه في حجه، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث ابن عمر كما في أول الباب الذي بعده وأردفه ابن بطال بحديث حفصة فجعله من هذا الباب لمناسبته للترجمة . وقد قلت غير مرة : إنه لا يلزمه أن يأتي بجميع ما اشتمل عليه الحديث في الترجمة بل إذا وجدت واحدة كفت، وقد تقدم الكلام على حديث حفصة في باب التمتع والقرآن.
الشيخ : في حديث أبي موسى قال : ( قَدِمْتُ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ ) وذلك بعد أن أنهى طوافه وسعيه خرج إلى البطحاء ونزل فيها إلى يوم منى ( فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَ أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ ) أحججت : يعني نويت الحج ، وأراد بهذا التوطئة للاستفهام الذي بعده ، وإلا فهو يعرف إن أبا موسى أتى محرماً، والمحرم لابد أن يكون إما بحج أو بعمرة. وفيه استحسان النبي صلى الله عليه وسلم لفعله حيث قال : ( أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أو (كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) لأن هذا يدل على حسن التأسي والمتابعة ، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يختار إلا ما هو أفضل .
( قَال أَحْسَنْتَ انْطَلقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ ... إلى آخره) أمره بأن يذهب ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة ليحل . قال : ( ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ ) فلت رأسي : معناه أن الرجل قصَّر لأنه لو حلق ما بقي للقمل مكان ، وفل الرأس يعني تتبع القمل وإتلافه ، وهذا يدل على أن الرأس باقٍ ولكنه مقصر . ( ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهم فَذَكَرْتُهُ لهُ فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ ) في قوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } ( وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَحِل حَتَّى بَلغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) كأن عمر رضي الله عنه لا يرى جواز الفسخ ويقول إن نأخذ بالقرآن فالقرآن يقول الله فيه : {أتموا الحج والعمرة لله } فأنت أتيت بحج أتمه ، وإن نأخذ بالسنة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحل ، وكان عمر رضي الله عنه لا يرى متعة الحج بحجة أن ذلك يؤدي إلى هجران البيت في بقية السنة .
ولكن الجواب عن ما قال عمر رضي الله عنه أن نقول إن انتقال الإنسان من الحج إلى العمرة ليصير متمتعاً إتمام للحج لأن الرجل يريد أن يتحلل من العمرة لماذا ؟ ليأتي بالحج ، ولهذا لو أراد أن يفسخ العمرة لا ليتمتع حرم عليه ، فهذا يقال إنه أتم الحج ولكنه انتقل من صفة إلى صفة أفضل منها . هذا الجواب عن رأي عمر رضي الله عنه .
سؤال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : ( طف بالبيت وبالصفا والمروة ) وهو أهل كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : أهل كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يعني لو كان قد ساق الهدي لكان قد قال له استمر في الإحرام .
السائل : وهو مفرد الآن ؟
الجواب : لا .. أبو موسى أهل بإهلال الرسول لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حوله إلى أن يجعله تمتعاً .
السائل : يعني في أول الأمر هو اتبع الرسول يعني أهل بإهلال الرسول ؟
الجواب : هو أصله جاء من اليمن لم يأت مع النبي من المدينة ، جاء من اليمن وصادف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأبطح ، ما الإشكال ؟
السائل : الإشكال أنا اعتبرت أنه هو ما دام أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يعني كأنه مقرن ..... ؟
الجواب : لا .. هو ما يدري ، ولهذا لما قال بما أهللت لم يقل أهللت بالقران ، قال : كإهلال النبي ، وهو مجهول عنده .
سؤال : أحسن الله إليك ، هل تلبيد الرأس سنة عند الإحرام ؟
الجواب: إي نعم سنة إذا كان الإنسان لا يريد الحل أما إذا أراد الحل لا يلبده لأنه إذا أراد الحل لابد أن يقصر تقصير الملبد صعب أو متعذر .
سؤال : الرسول صلى الله عليه وسلم أقر علي رضي الله عنه على ما أهل عليه وهو ما ساق الهدي؟
الجواب : لا .. ساق الهدي ، علي قد ساق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشركه في هديه وهو قد جاء ببعض الإبل من اليمن على حساب الرسول لكن الرسول أشركه فصار هذا الإشراك إلى أول النسك .
السائل : لكنه قال لأبي موسى اجعلها عمرة ؟
الجواب : لأن أبا موسى ما معه هدي ، الفرق أن علياً معه هدي .(5/33)
127 ـ بَاب الحَلقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلال
1611 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ حَلقَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّتِهِ .
1612 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال اللهُمَّ ارْحَمِ المُحَلقِينَ قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللهِ قَال اللهُمَّ ارْحَمِ المُحَلقِينَ قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللهِ قَال وَالمُقَصِّرِينَ.
وَقَال الليْثُ حَدَّثَنِي نَافِعٌ رَحِمَ اللهُ المُحَلقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَال وَقَال عُبَيْدُاللهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَال فِي الرَّابِعَةِ وَالمُقَصِّرِينَ(1)
__________
(1) جزم إنها في الرابعة وعلى كل حال في الثالثة أو في الرابعة يدل على أن المحلقين أفضل لأنه دعا لهم من أول الأمر بدون سؤال ، ولم يدع للمقصرين إلا بعد أن سُئل وأُلح عليه في السؤال ، ثم قال أيضاً لما أراد أن يدعو للمقصرين قال: (( والمقصرين )) إشارة إلى أنهم تبع لمن ؟ للمحلقين حيث أتى بالواو ولم يقل اللهم ارحم المقصرين قال : ((والمقصرين )) ، ومعلوم أن تكرار العامل أبلغ من العطف كما يشهد لهذا قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وهذا يدل دلالة واضحة على أن الحلق أفضل ، فلا تبخل يا أخي على نفسك بشعرات تبقى على رأسك ، احلقها وسوف تنبت ، لكن بعض الناس تجده يشح يذهب مثلاً ويقصر بالماكينة نمرة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربع .(5/34)
1613 حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَليدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اللهُمَّ اغْفِرْ للمُحَلقِينَ قَالُوا وَللمُقَصِّرِينَ قَال اللهُمَّ اغْفِرْ للمُحَلقِينَ قَالُوا وَللمُقَصِّرِينَ قَالهَا ثَلاثًا قَال وَللمُقَصِّرِينَ(1)
1614 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَال حَلقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ .
1615 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِي الله عَنْهمْ قَال قَصَّرْتُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِشْقَصٍ(2)
__________
(1) يقال في الجمع بين حديث ابن عمر وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا مرة بالرحمة ومرة بالمغفرة وهما متلازمان ، أما الرحمة فإنها تدخل فيها المغفرة ؛ لأن الرحمة هي جلب المنافع ودفع المضار والمغفرة دفع المضار ، فالرحمة أبلغ .
(2) هذا في غير حجة الوداع ؛ لأنه في حجة الوداع لم يقصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث إنه لم يحل إلا يوم النحر ، وإحلاله يوم النحر بالحلق . شوف الشرح في إشكال في الوقت .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( قصرت ) أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة ، وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولاسيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة ولفظه : ( قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة ) أو ( رأيته يُقَصَّر عنه بمشقص وهو على المروة ) وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ : ( أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك ) وبين المراد في ذلك في رواية النسائي فقال بدل قوله : (فقلت له لا ... الخ ) يقول ابن عباس : وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات الحديث وقال وأول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص .ا.هـ.
وهذا يدل على أن ابن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية إن هذه حجة عليك إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة .
وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم ، وفي كونه في حجة الوداع نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة . وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى ، وفرَّق أبو طلحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان . هذا هو الصحيح المشهور ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : (( أني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر )) قلت : ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت ، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه ولا يعارضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره : ( فعلناها ـ يعني العمرة ـ في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعرش ) بضمتين يعني بيوت مكة يشير إلى معاوية لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه . ويعكر على ما جوزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة ولم يستصحب أحدا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين فقدم مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت فخفيت عمرته على كثير من الناس . كذا أخرجه الترمذي وغيره ولم يُعد معاوية فيمن صحبه حينئذ ولا كان معاوية فيمن تخلف عنه بمكة في غزوة حنين حتى يقال لعله وجده بمكة بل كان مع القوم وأعطاه مثل ما أعطى أباه من الغنيمة مع جملة المؤلفة .
وأخرج الحاكم في الإكليل في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل .
الشيخ : هذا ضعيف لأنه إذا قَصَّر أولاً حل ولم يبق للحلق فائدة ولا يكون الحلق نُسكاً لأنه حلل .
متابعة التعليق : وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا . قال صاحب الهدي الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله فلا أحل حتى أنحر وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره ، ثم قال ولعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته. ا.هـ.
الشيخ : على كل حال سمعتم في بعض روايات مسلم يقول : ( رأيته يُقصر ) فيحتمل إن معاوية رضي الله عنه رآه في عمرة القضاء وهو على كفره أو على إسلامه سراً والذي قصره غيره ، وأما عمرة الجعرانة فيه .... المهاجرين الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .... يدل على ..... لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم . وأما ما أبداه ابن القيم رحمه الله من الاحتمال فالأصل عدم الاحتمال ، احتمال أنه نسي ونقل تقصيره في الجعرانة إلى تقصيره في الحج ، فالأصل عدم هذا ، فالذي يظهر أن يقال : إن معاوية رضي الله عنه إن صح أنه رآه فقط فلا يمنع أن يكون ذلك في عمرة القضاء قبل أن يسلم معاوية ؛ لأن معاوية ما أظهر إسلامه إلا عام الفتح ولا يمنع أن يرى أحداً يقصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا مانع ، فأما إذا لم يستقم هذا وكان هو الذي قصَّر أي كان ذكر تقصيره إياه أرجح من ذكر رؤيته إياه يُقصر فتُحمل على الجعرانة وليس في هذا إشكال.
سؤال : الذين يقصرون الشعر إلى آخر درجة وتبقى شعيرات صغيرة جداً هل يعتبر حلق هذا ؟
الجواب : لا .. تقصير ، حتى إذا نمرة واحد تقصير .
سؤال : من المعلوم أن النسك إذا دُفع فيه أكثر كالأضحية مثلاً كان أعظم الأجر ويترتب على هذا ألا يساوم عليه ؟
الجواب : لا .. هو أولاً ليس الأكثر قيمة هو الأفضل بل الأفضل لحماً هو الأفضل وإن لم ترتفع قيمته ، لكن عند التساوي يقال إن الأكثر قيمة أفضل من حيث الدلالة على أن هذا الذي ضحى مثلاً بذل المال المحبوب إليه في محبة الله عز وجل .
السائل : لكن هل له أن يساوم أو الأفضل عدم المساومة ؟
الجواب : لا .. يساوم ولا بأس لاسيما في هذا الوقت .
السائل : حتى في الحلق ؟
الجواب : في الحلق غالب الناس يعرفون الأجرة ، الأجرة معروفة ما يمكن يزيد الحلاق .
السائل : لكن قول بعض العلماء إن النسك لا يشارط عليه ؟
الجواب : ما هو بصحيح ، هم قالوا لا يجوز في الحلق لكن ما هو بصحيح . ولاسيما الآن الهدي لو قلنا لا تشارط يجيء واحد يريد يبيع الهدي يحب مالاً كثيراً يقول مثلاً هذا بألفين . تقول لا .. كثير ، قال أنزل لك مائتين بثمانمائة ، .. كثير ، قال : أنزل لك مائتين . كم صار ؟ ستمائة، قلت : يا رجل خليه بخمسمائة . شوف كيف نزل ؟ وهذا شيء مجرب .
سؤال : بارك الله فيك ، من لبد رأسة ووضع دهان على يديه أو رجليه يمنع من وصول الماء هل يعتبر .... ؟
الجواب : الدهن ما يمنع وصول الماء ، إذا كان مائعاً ما يمنع وصول الماء ، أما إذا جمد على العضو منع وصول الماء .
سؤال : الذين يذهبون للحج ومعهم الهدي يركب في السيارة ، ما يكون من السنة تقليد السيارة التي يركبها الهدي ؟
الجواب : إي نعم يكون من السنة تقليد السيارة إذا صار بيذبحها !
السائل : يعني ما يضع عليها خطوط ؟
الجواب : لا .. العلامة لا بأس من العلامة ، مثل الكتابة الآن يعني مثلاً سيارة الهدي لا بأس .
سؤال : أبو طلحة قال : إنه فرَّق شعر النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس ، الآن في بعض المتاحف في بعض الدول تجد عندهم من الشعر هذا ، في متاحف الآن في تركيا تجد عندهم من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وتصور توزع على بعض المدار على الطلاب ؟
الجواب : هذا ما يجوز ، أولاً : من يقول هذا ؟ ........... والثاني : هل يجوز أن نتبرك برؤية شعر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الحقيقة إن الاتجاه للآثار الحسية يؤدي إلى غفلة القلوب عن الآثار المعنوية الشرعية ، يصير الإنسان يتعلق قلبه بهذا الشعر أو بهذا النعل أو بهذا القدم ، لكن ما سمعت إنه يُعرض في المدارس ، هنا في السعودية ؟! بعد تثبت يا رجل إنه يعرض .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يقول تكفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى القران ........؟
الجواب : من ؟ عمر ؟ المعروف أن عمر وأبا بكر رضي الله عنهما يأمرون بالإفراد لأن القران أصلاً لا يكون إلا لمن معه الهدي ، فكانوا يأمرون بالإفراد يقولون حج الآن واعتمر في الشهر الثاني . لا ما قصده هذا ، قصده ألا يحل .
سؤال : تلبيد الرأس قلنا لا يمنع من صحة الوضوء ، إذا احتاج بعد أن لبد رأسه إلى غسل الجنابة ؟
الجواب : هذا لابد أن يزيل التلبيد ويغسل كل الشعر حتى الجلد .
السائل : ومثله المرأة ؟
الجواب : ومثله المرأة .
سؤال : الهدي في أول يوم يكون غالياً جداً فهل لنا أن نؤخره إلى آخر يوم ؟
الجواب : لا تفعل ، أحياناً تكون في أول اليوم أرخص من ثاني يوم وفي ثاني يوم أرخص من الثالث .
السائل : مجرب العكس ؟
الجواب : لا .. مجرب هذا وهذا ، كيف العكس ؟
السائل : أول يوم كانت رخيصة .
الجواب : هي الحقيقة العرض والطلب ، لا شك أن طلب الناس في أول الأيام لأن كل واحد يحب أن يتقدم ، لكن العرض له تأثير ، أحياناً تنفذ البهائم ولا يجد منها شيئاً ، وأحياناً يوجد قليل ويكون كثير الثمن .
أنا أرى أنه إذا كان عندك قدرة مالية أن تبدأ بأول يوم ، أولاً لأنه أفضل ، وثانياً لأنه احتياطاً ، والثالث أنه ربما لا يوجد شيء .(5/35)
128 ـ بَاب تَقْصِيرِ المُتَمَتِّعِ بَعْدَ العُمْرَةِ
1616 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُليْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا .
129 ـ بَاب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَقَال أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمْ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الزِّيَارَةَ إِلى الليْل وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ يَزُورُ البَيْتَ أَيَّامَ مِنًى .
1617 وَقَال لنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَرَفَعَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُاللهِ .(5/36)
1618 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَال حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلهِ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّهَا حَائِضٌ قَال حَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَال اخْرُجُوا وَيُذْكَرُ عَنِ القَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ(1)
__________
(1) وهذا هو المتعين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف يوم النحر ، وفي السياق الطويل المتقن الذي رواه مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما حل أولاً نزل إلى مكة فطاف وحان وقت صلاة الظهر فصلى الظهر في مكة ثم خرج . وفي الصحيحين عن أنس أنه صلى الظهر بمنى ظهر العيد ، والجمع بينهما أنه صلى الظهر أولاً في مكة ثم خرج إلى منى فوجد أصحابه ـ يعني بعضهم ـ لم يصلوا فصلى . وأما زيارته في الليل فهذه شاذة ليست صحيحة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في منى ليلاً ونهاراً ولم ينزل إلى مكة إلا حين أتم حجه ، نزل وبات في المحصب إلى آخر الليل ثم ارتحل وطاف للوداع ومشى . ولهذا البخاري رحمه الله الرواية الأولى عن أبي الزبير علقها ، ثم إن أبا الزبير رواه عن عائشة وهو مُدلس لا يُحمل حديثه على الاتصال إلا إذا قال حدثنا أو نحوه . ثم الأثر الثالث يُذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى . يُذكر بصيغة التعريض ، وذكر البخاري له مع أنه ضعيف عنده لينبه على أن هذا ضعيف حتى لا يأخذ به أحد لو قرأه في كتاب آخر . ( وَقَال لنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ ) هذا ما فيه إشكال .(5/37)
130 ـ بَاب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى
أَوْ حَلقَ قَبْل أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً
1619 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قِيل لهُ فِي الذَّبْحِ وَالحَلقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَال لا حَرَجَ.
1620 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ لا حَرَجَ فَسَأَلهُ رَجُلٌ فَقَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال اذْبَحْ وَلا حَرَجَ وَقَال رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَال لا حَرَجَ(1)
__________
(1) الحديث الأول والثاني ليس فيه ذكر ناسي أو جاهل ، لكن البخاري رحمه الله ذكر الترجمة إشارة إلى لفظ آخر للحديث ، قال : ( لم أشعر ففعلت كذا ) وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة فقيل إنه لا يُعذر إلا من كان ناسياً أو جاهلاً وحملوا هذه المطلقات على العذر بجهل أو نسيان ، ولكن هذا ضعيف جداً لأن قوله : ( لم أشعر ) حكاية حال ، وقوله : ( لا حرج ) لفظ عام . وأيضاً فإنه قال : ( لا حرج ) ولم يقل ولا تعد كما في قصة أبي بكرة حين ركع قبل أن يصل الصف قال : (( زادك الله حرصاً ولا تعد )) . فالصواب الذي لا شك فيه أن تقديم هذه الأنساك بعضها على بعض ليس فيه حرج سواء كان ناسياً أو جاهلاً أو عالماً أو ذاكراً لا حرج والحمد لله الأمر سهل .
سؤال : إذا كان المتمتع في غير أشهر الحج ساق الهدي ، فهل لا يحل حتى ينحره أو لا ؟
الجواب : إذا ساق الهدي ينحره في وقته ، ما يبقى إلى الحج ، إي نعم يذبحه بعد انتهاء العمرة .
سؤال : مراد البخاري تكرار المعنى الواحد في الأحاديث ؟
الجواب : مقصده لابد أن يكون هناك سبب إما في الإسناد وإما في المتن ، لكن البخاري رحمه الله له فهم عميق في هذه المسائل قد يخفى على كثير من الناس .
سؤال : بالنسبة للحلق هل يكون في العمرة كذلك ؟
الجواب : إي نعم أفضل في العمرة إلا المتمتع فالأفضل في حقه التقصير ، أليس إذا صادف الإنسان صلاة العيد يوم النحر فهل يصلي ؟ نعم يصلي .(5/38)
131 ـ بَاب الفُتْيَا عَلى الدَّابَّةِ عِنْدَ الجَمْرَةِ
1621 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلحَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَال رَجُلٌ لمْ أَشْعُرْ فَحَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال اذْبَحْ وَلا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَال لمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال ارْمِ وَلا حَرَجَ فَمَا سُئِل يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إِلا قَال افْعَل وَلا حَرَجَ
1622 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلحَةَ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِليْهِ رَجُلٌ فَقَال كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْل كَذَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَال كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْل كَذَا حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَنْحَرَ نَحَرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ وَأَشْبَاهَ ذَلكَ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ افْعَل وَلا حَرَجَ لهُنَّ كُلهِنَّ فَمَا سُئِل يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلا قَال افْعَل وَلا حَرَجَ .(5/39)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَال أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِي الله عَنْهمَا قَال وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَلى نَاقَتِهِ فَذَكَرَ الحَدِيثَ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ(1)
132 ـ بَاب الخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى
__________
(1) فيه دليل على جواز الخطبة على الراحلة ، أما السيارة فلا إشكال لأنها لا تتعذب ولا يشق عليها ، وأما البعير فهذا مقيد بما إذا لم يشق عليه فإن شق عليه فلا ؛ لأنه لا يجوز الإشقاق على البهائم . وفيه دليل على طلب ارتفاع الخطيب وذلك لفائدتين :
الفائدة الأولى : انه أبلغ في إسماع الصوت .
والثانية : أن مشاهدة الخطيب لها تأثير بالنسبة للإنصات والمتابعة .
فلهذا ينبغي أن يكون على علو .
سؤال : بالنسبة لحديث حفصة النبي صلى الله عليه وسلم في الإحرام بالتلبيد لمن ساق الهدي ، هل في هذا دليل على قول من قال إن التحلل الأول يكون بالرمي والحلق ، لأن هذا الحديث فيه دلالة ـ الذي مر معنا ـ على أن الإنسان إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحر ، هل نقول أيضاً إن الإنسان لا يحل التحلل الأول حتى يحلق ؟
الجواب : هذا هو الراجح إنه ما يمكن أن يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق . وما فيه دليل ، هذا قد يقول قائل فيه دليل على أنه إذا نحر وإن لم يحلق حل لأنه قال : (( حتى أنحر )) لكن مر علينا في بعض السياقات أنه قال : (( حتى أحل )) .(5/40)
1623 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَال يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَال فَأَيُّ بَلدٍ هَذَا قَالُوا بَلدٌ حَرَامٌ قَال فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَال فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال اللهُمَّ هَل بَلغْتُ اللهُمَّ هَل بَلغْتُ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوَصِيَّتُهُ إِلى أُمَّتِهِ فَليُبْلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ(1)
__________
(1) هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) يضربُ : يتعين أن تكون بالرفع لأنها صفة للكفار ، ولا يجوز الجزم على أنها جواب النهي لأنه يختلف المعنى كثيراً . وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( كفاراً )) إن كانوا يفعلون ذلك على سبيل الاستحلال فهو كفر أكبر ، وإن كانوا يفعلون ذلك لعصبية أو تأويل أو ما أشبه ذلك فهو كفر أصغر إذا لم يوجد ما يقتضي أن يكون كفراً أكبر ، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم } .(5/41)
1624 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَال سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو.
1625 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَال أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَال أَليْسَ ذُو الحَجَّةِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ بَلدٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَتْ بِالبَلدَةِ الحَرَامِ قُلنَا بَلى قَال فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا إِلى يَوْمِ تَلقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلا هَل بَلغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَال اللهُمَّ اشْهَدْ فَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ(1)
__________
(1) خطب بعرفة اليوم التاسع ، وخطب يوم النحر اليوم العاشر .(5/42)
1626 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَقَال فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلدٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ قَال بَلدٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ قَال شَهْرٌ حَرَامٌ قَال فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا وَقَال هِشَامُ بْنُ الغَازِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَّةِ التِي حَجَّ بِهَذَا وَقَال هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ اللهُمَّ اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا هَذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) ش13 ـ وجه ب :
يقول : ( وقف يوم النحر بين الجمرات ) البينية الآن هل هي بين الأولى والثانية أو بين الثانية والثالثة ؟ فيه احتمال لكن في بعض طرق الحديث أنه خطب عند الجمرة الكبرى ، فيكون مبين لهذا أي بين الوسطى والأخيرة . وفي قوله : ( أي يوم هذا ، أي شهر ، أي بلد ) تنبيه المخاطب واستدعاء إنصاته ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم هذا ولم يغيره عن أصله ، لكن من أجل أن ينتبهوا ويؤكد حرمة الدماء والأموال والأعراض .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، بالنسبة لتسمية الجمرة الشمالية بالكبرى ، ما أعرف هل بسبب أنها تُرمى يوم العيد يوم النحر ؟
الجواب : هذا هو الظاهر أنها الكبرى لأنها تُرمى من دون أخواتها وأيضاً الناس ينحصرون فيها لأن مكانها ضيق فسُميت كبرى لمشقة رميها.
سؤال : التخيير بين الأنساك في يوم النحر ؟
الجواب : في يوم النحر ، كيف ؟ عرفة فاتت ومزدلفة .
السائل : ثم بعده النحر .
الجواب : لكن التخيير بين الأنساك ، الأنساك ثلاثة التمتع والقران والإفراد .
السائل : لا يا شيخ ، ما يفعله الحاج يوم العيد ، التخيير بين أعمال الحج يوم العيد .
الجواب : أكمل السؤال .
السائل : أقول يا شيخ التخيير في هذه الأمور لم أفهم كيف يدخل فيه القارن الذي الساق الهدي لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قيده بالحل ؟
الجواب : هذا إما أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه التخيير فيما بعد ؛ لأنه قال هذا الكلام قل أن يخرج فرخص للأمة بعد أن قال هذا ، وإما أن يقال هذا خاص فيمن ساق الهدي لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .
السائل : يعني يُستثنى من ساق الهدي ؟
الجواب : لا .. هذا على الاحتمال الثاني ، أما على الاحتمال الأول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُذن له بالترخيص بعد ذلك فلا يرجع لهذا. دليل ذلك حديث ابن عمر لما سُئل ما يلبس المُحرم ؟ قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين)) هذا في المدينة ، في عرفة وهو بعد حديث ابن عمر حديث ابن عباس ، قال : (( من لم يجد نعلين فليلبس الخفين )) ولم يذكر القطع ، فصار القطع منسوخاً بعد أن كان واجباً .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، أيام منى بعض الناس يشتغلون بالمديح ؟
الجواب : مدح من ؟
السائل : مدح النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب : ما سمعنا بهذا إلا منك .
السائل : في ناس يفعلون هذا ويقولون هذا من الذكر ، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً من الذكر .
الجواب : قل لهم لماذا لا تمدحون الله كما تزعمون ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ؟
السائل : يقولون لهذا المديح ؟
الجواب : المديح ما هو بلازم ولا ورد عن الصحابة ، لكن مساكين هؤلاء لعب عليهم الشيطان فجعل تعظيم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قلوبهم أشد من تعظيم الله ، ولهذا رأينا من يبكي إذا مُنع من السفر إلى المدينة لتأخرهم ، رأينا منهم من يبكي ويقول فاتتني الأنوار وفاتني كذا وفاتني كذا ! .. يا رجل الكعبة عندك . قال : لا .. الأنوار في زيارة المختار ! أنا رأيته والله يبكي . مساكين .. ولذلك حق عليكم أنتم أيها الذين اُبتليتم بمثل هؤلاء أن تنصحوهم دائماً ، تقولون لهم من تتبعون ؟ تتبعون الرسول أو أهواءكم ؟ عرفت ؟
بحث مقدم من أحد الطلاب :
الباحث : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فهذا بحث مختصر في الضعفة الذين يسرعون من مزدلفة بعد منتصف الليل هل لهم أن ينحروا هديهم قبل طلوع الشمس أما لا ؟
فنقول وبالله التوفيق : السادة العلماء رحمهم الله هل للضعفة أن يفعلوا من أعمال يوم النحر إذا وصلوا منى ؟ فمنع منهم الإمام مالك وأبو يوسف كما ذكر ذلك ابن هبيرة في الإفصاح . قال القاضي عبد الوهاب ـ وهو من علماء المالكية في كتابه ( المؤونة ) : ولا يجوز هدي التمتع والقران قبل يوم النحر لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم قبل أن يبلغ الهدي محله } وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر . وقال القرافي في ( الذخيرة ) : وفي الكتاب لا يُجزئ ذبح الهدايا قبل الفجر لقوله تعالى : { في أيام معلومات } واليوم النهار لقوله : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } ولأنه السنة . ا.هـ.
وقال الكمال بن الهمام من الحنفية في شرح فتح القدير : ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران ، أما دم المتعة والقران فلقوله تعالى : {فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير ثم ليقضوا تفثهم } وقضاء التفث مختص بيوم النحر كالأضحية . وأجاز الإمام أحمد والشافعي الرمي بعد نصف الليل وكذلك الطواف ، وقال في ( الإنصاف ) : وهو الصحيح من المذهب مطلقاً ، وقال في الطواف : وهو الذي عليه أصحابي . وكذا في مغني المحتاج للشربيني : وأما الحلق فأجازه الشافعية قياساً على الرمي . قال : وقيس الطواف والحلق على الرمي بجامع أن كلاً من أسباب التحلل ا.هـ.
واُعترض عليه في الطواف لأن ثبوته بالنص كما في قصة أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت . ولم أجد كلاماً في الأصحاب في جواز تقديم الحلق بعد نصف الليل وكلهم اتفقوا على تحريم نحر الهدي بعد نصف الليل . وكلهم ـ أي المتقدمين من المالكية والأحناف والحنابلة ـ منعوا نحر الهدي بعد منتصف الليل ، قبل طلوع الفجر من يوم النحر . وأما الشافعي وابن حزم واختاره ابن الخطاب من الأصحاب كما في الإنصاف ، قالوا : وقت استحباب ذبحه يوم النحر ووقت جوازه بعد الفراغ من العمرة وبعد الإحرام بالحج .
الشيخ : هدي التمتع .
الباحث : إي نعم ، وهل يجوز بعد الفراغ من العمرة ؟ وجهان كما ذكر النووي في ( المجموع ) قال ابن حزم في ( المحلى ) : ولا يجزئه أن يهدي إلا بعد أن يحرم بالحج ، وقولنا لا يجزئه أن يهديه إلا بعد أن يحرم بالحج وأن له أن يذبحه أو ينحره متى شاء بعد ذلك ولا يجزئه أن يهديه أو ينحره إلا بمنى أو مكة فلأن الله تعالى قال : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وإنما أطلقه تعالى على من تمتع بالعمرة إلى الحج، وهو قول الشافعي وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة ومالك لا يجزئه الهدي قبل يوم النحر ، وهذا القول لا دليل على صحته بل هو دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو ساقط . انتهى كلامه .
وقالوا أيضاً في الاستدلال عليه : إنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر وهو أولى من الصوم لأنه مُبدل . قال الشنقيطي في ( أضواء البيان ) : القول بعدم الاختصاص بيوم النحر ويمين أو يوم بعده ظاهر البطلان لأن عدم الاختصاص بجعل زمن النحر مطلقاً ليس مقيداً بزمان وهذا يرد صريح قوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فجعل وقته أياماً معلومات يرد الإطلاق بالزمن رداً لا ينبغي أن يُكتب فيه كما ترى . ا.هـ.
وهنا تنبيه : قول الفقهاء إن وقت ذبح الهدي كوقت الأضحية قياساً عليه اختلفوا فيه ، فقال آخرون : يصح من بعد فجر يوم النحر . وهو ظاهر كلام القاضي عبد الوهاب من المالكية وابن الهمام من الأحناف وكلام القاضي أبي يعلى وأصحابه من الحنابلة . وهو الظاهر لأن الله قال : { في أيام معلومات } وإقرار شيء منها يفتقر إلى دليل . وقياسه على الأضحية معارض بدعاء الحاجة إلى بيانه ، ولما لم يُبين دل على جوازه من طلوع الفجر . والله أعلم .
هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقني وشيخنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرزقنا علماً نافعاً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ : ولا شك الاحتياط أن لا يذبح إلا إذا ارتفعت الشمس ، لكن لو أن أحداً سألنا بعد أن وقع منه الفعل فلا نتجاسر فنقول إن هديك لا يُقبل ؛ لأن عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن نحر قبل أن يرمي تقتضي إجزاءه ، لاسيما وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أن من الناس من يتقدم قبل الفجر . فيُقال : الأولى أن لا يذبح إلا بعد ارتفاع الشمس وإن ذبح وجاء يسأل بعد أن ذبح فلا نتجاسر على وجوب إعادة الهدي .
سؤال : بعد منتصف الليل أو بعد الفجر لا نتجاسر أن نقول أعد ؟
الجواب : إي .. إذا جاز الرمي ونحر في وقت يجوز فيه الرمي على حسب حال الحاج فهنا لا نتجاسر على أنه يعيد .(5/43)
133 ـ بَاب هَل يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى
1627 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ح .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ ح .
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ قَال حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ العَبَّاسَ رَضِي الله عَنْه اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليَبِيتَ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى مِنْ أَجْل سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لهُ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ(1)
__________
(1) هذا الباب وما فيه من الأحاديث ظاهر الأحاديث أنه لا يجوز أن يبيت إلا في منى لأن ( أذن ) و( استأذن ) و( رخص ) وما أشبه ذلك إنما تكون في أمر واجب فيستأذن منه . فيُستفاد من ذلك أن من يشتغل لمصالح الحجاج فإن له أن يدع المبيت كما يشهد لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للضعاف أن يدعوا المبيت .
وعلى هذا فنقول الشرطة في المرور والنجدة وما أشبه ذلك يحل لهم ترك المبيت لأنهم يشتغلون لصالح الحجيج ، والأطباء والممرضون وما أشبه ذلك يحل لهم أن يدعوا المبيت لأنهم يشتغلون بمصالح الحجيج . الدعاة هل نلحقهم بهذا أو يُقال إن الدعاة يحصل أو يدركون عملهم في أي مكان ؟ الثاني ، الظاهر إن الدعاة لا يُرخص لهم لأنهم يدعون إلى الخير في أي مكان . هذا مع إمكان المبيت في منى ، أما إذا لم يمكن المبيت امتلأت منى ولم تجد مكاناً إلا على الأرصفة أو في الشوارع على وجه تتأذى وتؤذي ، فهل يسقط المبيت ونقول الآن بت في أي مكان تريد أو نقول إنه يجب أن تبيت عند آخر خيمة سواء من جهة مزدلفة أو من جهة مكة ؟ الذي يظهر لي أنه يجب أن يبيت عند آخر خيمة ؛ لأن هذا ـ أعني المبيت عند آخر خيمة ـ نظير ما إذا امتلأ المسجد بالمصلين فإنهم لا نقول تسقط عنكم الجماعة ، نقول صلوا متصلين بالمصلين . لكن لو قال إنه لا يتمكن فحينئذٍ يسقط وإذا سقط يبيت في أي مكان . انظر ترجمة البخاري في الفتح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى ) مقصوده بالغير من كان له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاة. قوله : ( عن عبيد الله ) هو بن عمر العمري ، قوله : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كذا اقتصر عليه وأحال به على ما بعده ، ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس المذكور في الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته . قوله في طريق ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن كذا اقتصر عليه أيضا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر المذكور في الإسناد أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية . قوله : ( تابعه أبو أسامة ) أي تابع ابن نمير وصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ولفظه مثل رواية ابن نمير .
وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن ، وبالوجوب قال الجمهور وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة ، ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل . وهل يختص الإذن بالسقاية وبالعباس أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم ، فقيل يختص الحكم بالعباس وهو جمود ، وقيل يدخل معه آله وقيل قومه وهم بنو هاشم ، وقيل كل من أحتاج إلى السقاية فله ذلك ، ثم قيل أيضا يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ، ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين . والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال ، وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة وهو قول أحمد واختاره ابن المنذر أعني الاختصاص بأهل السقاية والرعاء للإبل .
والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني ، وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء .
الشيخ: كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه عام لكل من كان لسقاية أو رعاية.
متابعة التعليق : قالوا ومن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة ، وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين ، وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دم وهي رواية عن أحمد ، والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه وقد تقدم الكلام على سقاية العباس في الباب المشار إليه في أول الكلام على هذا الباب . وفي الحديث أيضا استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من استؤمر إلى الأذن عند ظهور المصلحة والمراد بأيام منى ليلة الحادي عشر والليلتين بعده ووقع في رواية روح عن ابن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى وكأنه عنى ليلة الحادي عشر لأنها تعقب يوم الإفاضة وأكثر الناس يفيضون يوم النحر ثم في الذي يليه وهو الحادي عشر والله أعلم .
الشيخ : الصحيح أنه لا يجب الدم إلا إذا ترك المبيت ليلتين وأما واحدة فلا يجب ، لكن هل يتصدق بدرهم أو يتصدق بقبضة من طعام ؟ الظاهر إنه يتصدق بما يُسمى صدقة وأما أن نوجب عليه فيما لو ترك ليلتين شاتين فهذا بعيد ، مع أني لا أظن من قال بأن كل ليلة فيها شاة لا أظنه يقول إذا اجتمعت الليلتان فعليه شاتان ، لكن مهما كان الصواب أنه لا يجب دم إذا قلنا بوجوب الدم بترك الواجب إلا إذا ترك الثنتين لأنهما نسك مجتمعتين ، أما إذا ترك واحدة فلا نتجاسر ونقول عليك دم .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، رجال الأعمال كرجال الأمن والمرور والأطباء ، هل يُرخص لهم ترك لباس الإحرام ؟
الجواب : أما رجال الأمن والمرور وما أشبه ذلك فلا بد أن يلبسوا الزي العسكري ؛ لأنهم إن لم يفعلوا ما بقي لهم قيمة أبداً ، وأما الأطباء فيمكن أن يشتغلوا بدون اللباس المعروف ولا يُرخص لهم في أن يلبسوا القميص ونحوه مما مُنع ، ويبقى إذا رخصنا للشُرط من أصحاب المرور وغيرهم بهذا اللباس هل عليهم فدية أو لا؟ الظاهر لي أنه لا فدية عليهم هذا إذا قلنا بوجوب الفدية في اللباس ، والمسألة من أصلها فيها نظر ، لكن حتى لو قلنا بوجوب الفدية فيها ففي إيجابها على هؤلاء نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل )) ولم يذكر فدية ، وهؤلاء محتاجون كأنهم لم يجدوا الإزار لأن عدم لبسهم لهذا اللباس المعين لا يُهيب .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض الناس يترك المبيت بمنى لأنه تاجر يبيع ويشتري في مكة أو لأنه سائق ينقل الناس ؟
الجواب : أما السائق فقد يُقال إنه يُلحق بالرعاة ، وأما التاجر فلا ، التاجر ما جلس إلا يريد المصلحة لنفسه ، نعم لو هو بالدكان ثم إن جاءه الحجاج أعطاهم مجاناً فلا بأس ، كلامك على أنه يعطي مجاناً أو لا ؟
السائل : لا .. والسائق يا شيخ يريد يكتسب ؟
الجواب : حتى الرعاة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهرهم يأخذون على رعايتهم .
سؤال : عفا الله عنكم ، في أيام منى بعض الحجاج يذهب لأجل الطواف في أول الليل وأحياناً لا يأتي إلا بعد الفجر ، هل يلزمه شيء ؟
الجواب: لا شيء عليه لكن الأحسن لهؤلاء أن يبقوا إلى أن ينتصف الليل فيكونون معظم الليل في منى ثم ينزلوا إلى مكة ومتى خرجوا خرجوا، هذا الأولى .(5/44)
134 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ
وَقَال جَابِرٌ رَمَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلكَ بَعْدَ الزَّوَال .
1628 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَال سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا مَتَى أَرْمِي الجِمَارَ قَال إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ فَأَعَدْتُ عَليْهِ المَسْأَلةَ قَال كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا(1)
__________
(1) باب رمي الجمار ) أولاً : ما هي الحكمة من مشروعيته ؟ والجواب : أن الحكمة إقامة ذكر الله عز وجل وكمال التذلل والتعبد له ، أما الأول فلقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )) وأما الثاني فظاهر لأن كون الإنسان ينقاد إلى أن يأخذ حجرات يرمي بها هذا المكان دون أن يفهم لهذا علة حسية يدل على كمال انقياده لربه عز وجل وأنه منقاد للشرع على أي حال كان . كما قال عمر في الحجر الأسود : ( لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
وأما عدد الجمار فهي سبع ، لكن كان الصحابة إذا رموا رجعوا يقولون : رمينا خمساً رمينا ستاً ، وهذا يدل على أن الأمر في هذا هين ، يعني نقص حصاة أو حصاتين لا بأس به ولا شيء على الإنسان فيه . وأما مكان الرمي فمكان الرمي يكاد الإنسان يجزم بأنه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوسع من الموجود الآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى جمرة العقبة على بعيره والناس كذلك ، وهذا يقتضي أن يكون المكان واسعاً . ولكن المسلمون تحجروا هذا المكان المعين من زمان ومشوا عليه وجعلوا الواجب في الرمي أن يقع في هذا الحوض وأنه إن وقع دونه أو تجاوزه لم يصح الرمي . ولا ينبغي الخروج عن إجماعهم، وإلا فالإنسان يشك كثيراً أن يكون موضع الرمي هذا المكان الصغير .
وأما رمي الشاخص فليس بمشروع ؛ لأن هذا الشاخص ما جُعل ليُرمى إنما جُعل علامة على مكان الرمي . وأما هل يرمي أو يضع ؟ الأول يرمي ، فلو فُرض أن الإنسان وقف على الحوض وأخذ الحصى بدأ ينقطها هكذا فإن ذلك لا يُجزئ لأنه لم يرم ، لابد أن يشد يده ويرمي . وهل يسمى هذا رجماً ؟ سُئل سائل متى نرجم ؟ قال إذا وجدت زانياً محصناً . هذا لا يُسمى رجماً إنما يُسمى رمياً كما جاءت به السنة وأما الرجم لم يأت بالسنة وإن قُدر أنه ورد في بعض الألفاظ فإنه من تصرف الرواة .
وأما الصِغر والكِبر فلا تكون كبير ولا صغيرة جداً ، يعني لا تجعلها كحبة ذرة لا تنفع ولا كحبة شعيرة لا تنفع ، لكن اجعلها فوق الحمصة الصفراء ودون البندقة ، لا تكبرها ، وأما ما يفعله بعض الجهال فيرمي بحجر كبير وينفعل ويشتم ويلعن فهذا حرام من اتخاذ آيات الله هزواً .
أما الزمن فقد بينه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي يوم النحر ضحى إذا ارتفعت الشمس لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم جلس في مزدلفة حتى أسفر جداً ثم دفع ولم يصل إلى الجمرة إلا حين ارتفع النهار وصار ضحى ، فيرميها ضحى ، أما بعد ذلك فإذا زالت الشمس ، إذا زالت الشمس رمى ولا يرمي قبلها . وكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤخر الرمي إلى زوال الشمس يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يُجزئ . وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن ليختار هذا الوقت الذي هو أشد ما يكون حرارة ويدع أول النهار الذي فيه البرودة والراحة. وعليه فلا يجوز أن يرمي قبل الزوال إلا يوم العيد كما هو ظاهر. وأما ترخيص بعض العلماء للرمي إذا تعجل قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال فقول لا دليل عليه ولا دليل على أن النافر يرمي ثم يمكث في منى ، بل يرمي ويخرج من منى ، وقد سبق أن بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث من أيام التشريق رمى بعد الزوال ثم نزل إلى مكة وصلى بها الظهر .
فإذا قال قائل : فهمنا أن وقت الرمي في أيام التشريق من الزوال ، فمتى ينتهي ؟ عند فقهائنا رحمهم الله ينتهي بغروب الشمس ، وهذا يُمكن أن يكون بلا مشقة ولا ضرر لو كان عدد الحجاج لا يبلغ هذا المبلغ العظيم ، أما الآن فهل يمكن أن يُقال إن مليون نفر يمكنهم أن يرمي كل واحد منهم سبع حصيات ؟ هذا مستحيل وتعب شديد ، لذلك أفتى العلماء عندنا وهم يفتون على مذهب الحنابلة أنه لا بأس بالرمي ليلاً للحاجة إلى ذلك والمنع ليس مجمعاً عليه والنصوص محتملة ، الابتداء موقت والانتهاء غير موقت ، إلى الفجر ، وهذا هو الذي نفتي به وكنا نتوقف فيه ، وكان أحد طلبة الشيخ عبد الرحمن رحمه الله البارزين رحم الله الجميع ......
إذا عرفنا الآن إن القول الراجح الذي تدعوا الحاجة إليه اليوم أن آخر الرمي طلوع الفجر من اليوم الثاني ، وليُعلم أن للحاجة أثراً في الأحكام الشرعية ، انظر إلى نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجلوس في الطرقات ، نهى عن الجلوس في الطرقات ، قالوا : يا رسول الله هذه مجالسنا ليس لنا منها بد ، قال : (( إن كان ولا بد فأعطوا للطرق حقه )) وذكر حق الطريق . وانظروا إلى العرايا بيع الرطب بالتمر ، غير العرايا جائز أو غير جائز ؟ غير جائز ، في العرايا جائز لدعاء الحاجة ، فالفقير الذي ما عنده دراهم وهذه الرطب على رؤوس النخل الناس يتفكهون في الرطب وهو لا يستطيع لأنه ليس عنده إلا تمر قديم يجوز له أن يشتري تمراً على رؤوس النخل بهذا النخل القديم لكن إذا كان الرطب يساوي القديم كيلاً . لماذا ؟ للحاجة .
فالإفتاء بأنه يمتد إلى طلوع الفجر وهو ليس محل إجماع ، أعني من؟ هذا أمرٌ له وجه قوية في الدين الإسلامي .
هذه الأحجار هل يشترط أن تكون من مكان معين أو من أي مكان ؟ الجواب : من أي مكان ، وقد رأيت في منسك ابن حزم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف عند جمرة العقبة يوم العيد وأمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وجعل يقلبها بيده ويقول كأمثال هؤلاء وهؤلاء . إذاً لا تُلقط إلا عند الحاجة إليها ، وهذا هو والحمد لله هو المُفتى به وهو الذي عليه العمل الآن . وكان الناس فيما سبق يقولون القط الحصى من مزدلفة فرأينا الناس في أرديتهم حزم من حصى مزدلفة ، يربطه تجده يتدلى حصى ، ووجدنا الواحد إذا ضاعت منه حصاة جاء لأخيه يقول : جزاك الله خيراً أقرضني حصاةً ! صحيح .. يسلفه حصى يمكن يرجعها له العام القادم أو يرجع إلى في مزدلفة ، ما أدري عنهم إنهم يستقرض بعضهم من بعض لأن الناس يقال لهم الأفضل تأخذ من مزدلفة ويظن هذا واجب .
وأقول : ليس الأفضل أن تأخذه من مزدلفة إن كنت تريد اتباع السنة ولكن الذين استحبوا أن تأخذه من مزدلفة من السلف الصالح رضي الله عنهم قالوا لأن ليس كل إنسان يتمكن من أن يأمر شخصاً يلقط له الحصى ، ومعلوم أن رمي جمرة العقبة تحية منى فيأمرونهم أن يلقطوا من مزدلفة من أجل أن يكونوا مستعدين للرمي من حين أن يصلوا . هذا الظاهر .
هل يمكن أن يلقط الإنسان الحصى من تحت الحوض المملوء الذي تناثر الحصى منه ، هل يمكن أن يأخذ واحدة ويرمي بها ؟ فيه خلاف ، بعض العلماء يقول لا يمكن أن يرمي بحصاة قد رُمي بها ، لماذا ؟ قالوا : لأن هذه الحصاة اُستعملت في عبادة فلا يصح أن تُستعمل في عبادة مرة ثانية . كالماء إذا تُوضئ به صار طاهراً غير مطهر وكالعبد إذا أُعتق لا يمكن أن يعاد فيُعتق مرة أخرى . سمعتم القياس ؟ فيه نظر . أولاً نقول : الأصل الأول الذي قستم عليه هو أن الماء المستعمل في طهارة لا يستعمل مرة ثانية هذا لا نُسلم به ونقول إن الماء المستعمل في الطهارة يُستعمل في الطهارة مرة أُخرى لأنه طهور وانتقاله من الطهورية إلى الطهارة غير مُسلم . فإذا بطل الأصل الذي نقيص عليه بطل الفرع ، وأما قولكم إن العبد إذا أُعتق فلا يمكن أن يُعتق مرة أخرى فنقول إذا أُعتق لم يكن عبداً بل صار حراً ، والحصاة إذا رُمي بها ماذا تكون ؟ حصاة فلم يصح القياس ، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أُعتق ذهب إلى الكفار ثم حصل بيننا وبينهم جهاد فاستُرق هذا العبد يُعتق أو لا ؟ يُعتق ، فبطل القياس . فعندنا معشر الحنابلة لا يجوز أن يرمي بحصاة قد رُمي بها وعند الشافعية يجوز ولا حرج .
قال الذين يمنعون : إذا قلتم أنه يجوز أن يرمي بحصاة قد رُمي بها لزمكم أن تكفوا الحجيج كلهم حصاة واحدة . إيش الإلزام هذا ؟ بمعنى أن الحجيج كلهم يقفون ، لو هذا رمى .. الله أكبر ثم أخذها .. الله أكبر ، ثم أخذها .. الله أكبر .. إلى أن يجيئون عن آخرهم . هل هذا إلزام واقعي ؟ لكن الإنسان عند الجدل يغيب عنه بعض الأشياء .
ش14 ـ وجه أ :
نقول إذا أمكن فأهلاً وسهلاً نلتزم بهذا اللازم إذا أمكن ، لكن إذا صاروا مليون نفر كل واحد يبي يرمي بسبع كم يصير ؟ سبعة ملايين ينتظرون ! يرموا إلى أن يهل هلال محرم . فعلى كل حال يعني بعض العلماء اللهم اعفوا عنا وعنهم يلزمون بأشياء غير واقعية ، لكن سبحان الله أرأيت لو أن إنساناً بيده سبع حصيات واقف عند الجمرة فسقطت واحدة منها ثم رمى بست وتدحرجت إحدى الحصيات وهو يشوفها أخذها ورمى بها كيف يكون ما صح رميه ؟ مشكلة هذه لو قلنا لا يصح كان كل الحصى الذي تحدر من قمة الحصاة لا يُرمى به ونقول إذا سقطت منك واحدة اطلع برة مع الزحام الشديد والضنك والشدة علشان تجيب واحدة وترمي بها .
إذاً القول الراجح أنه يجوز أن يرمي الإنسان بالحصاة المرمي بها لأنها لم تزل حصاة ولم تتغير .
سؤال : التقاط الأحجار من داخل المسجد ؟
الجواب : أي مسجد ؟
السائل : مسجد منى .
الجواب : مسجد الخيف فيه أحجار الآن ؟ لا يجوز أخذها من المساجد لأن هذه فُرش بها المسجد وصارت وقفاً على المسجد .
سؤال : هناك أعمال في العشر يا شيخ وعبادات هل تدل على ميزة العشر في هذه العبادات ؟
الجواب : الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إليه من هذه الأيام العشر )) قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : (( ولا الجهاد )) كل شيء ، كل عمل صالح افعله في هذه الأيام العشر .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليكم ، وجدنا من يفتي الناس بمنى بجواز الرمي في الصباح عن الليلة السابقة أو اليوم السابق في الصباح قبل الزوال استناداً إلى أن الرسول حدد بداية الرمي ولم يحدد آخره . ولما قيل له إن هذا اليوم هو اليوم الثاني وهو يرمي عن اليوم الأول . قال : أيضاً الليلة تكون ثانية عن اليوم ومع ذلك أجازت الهيئة الرمي خلال هذه الليلة ؟
الجواب : هو على كل حال إذا فات الرمي عن وقته لعذر فلا أرى مانعاً أن يُقضى في ضحى اليوم الذي يليه ويكون قضاءً ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )) أما أن يتعمد تأخير الرمي إلى طلوع الفجر فلا أراه جائزاً .
السائل : ولو كان بعيداً ؟
الجواب : إي لكن ما هي بصحيحة، الآن في آخر الليلة لن تجد أحداً .
سؤال : هل يلزم أن يبدأ الليل بمنى ؟
الجواب : ذكرنا لكم أن الأولى لمن نزل إلى مكة ليطوف أن لا ينزل إلا بعد منتصف الليل من أجل أن يستوعب معظم الليل في منى .
السائل : في غير هذه الأيام ، في اليوم الثامن مثلاً ؟
الجواب : ما يلزم ، يعني لو أنه مثلاً خارج منى فلما بقيت ثلثي الليل دخل منى وبات فيها .
سؤال : أحسن الله إليك ، من أخرجها عن وقتها عمداً ؟
الجواب : عمداً ؟ لا ...... نحن ذكرنا لكم يا جماعة قاعدة مفيدة : كل عبادة موقتة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بلا عذر فهي غير مقبولة، والدليل واضح: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ولهذا قلنا من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يقضيها، يتوب إلى الله .
سؤال : في الهدي ...؟
الجواب : في إيش ؟ في الصلاة ؟
الجواب : لا .. الهدي، الهدي ما يذبحه ولا يقبل منه فهو يفعله فقط؟
الجواب : ما هو بواجب ما هو مثل الزكاة ، مع أن الزكاة لها وقت .
مسألة : أرأيت لو رمى بدل الحجر ذهباً ، رمى خرز من الذهب واحد عشرين خرزة ، في اليوم الثاني ـ الحادي عشر ـ ذهب ورمى سبع في الأولى وسبع في الوسطى وسبع في الآخرة ، ماذا تقول ؟
طالب : النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرمي بالأحجار ، فهذا كما قلنا : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) .
الشيخ : سمعتم الجواب ؟ يقول : لقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم بالأحجار وقال : (( بأمثال هؤلاء فارموا )) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . فيه محظور آخر ثالث أنه من باب إضاعة المال .(5/45)
135 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي
1629 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَال رَمَى عَبْدُاللهِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي فَقُلتُ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَال وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ . وَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ الوَليدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا(1)
__________
(1) يريد برمي الجمار من بطن الوادي يريد بذلك جمرة العقبة ؛ لأنها هي التي يحفها الوادي ، الوادي هو مجرى السيل العظيم ، وكانت هذه الجمرة كانت في سفح جبل رأيناها بأعيننا في سفح الجبل ، والجبل رفيع ، ورميها من الجبل فيه صعوبة وفيه خطورة أيضاً ، فوقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوادي ورماها من بطن الوادي. لكن كيف يرميها؟ المشهور من المذهب عند أصحابنا رحمهم الله أنه يرميها مستقبلاً القبلة ويجعلها عن اليمن ، يجعل الجمرة عن اليمين ويرمي مستقبلاً القبلة . كيف يكون الرمي ؟ يكون هكذا وجهه هنا والجمرة هنا هكذا . هذه في الوقت الحاضر لا يمكن وفي الوقت السابق أيضاً ليس بصحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى من بطن الوادي وجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره واستقبل الجمرة لأن لا يمكن للإدراك أن يكون الرمي في مكانه إلا إذا استقبل المكان .
وقول عبد الرحمن لعبد الله بن مسعود : ( وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ ) يعني مقام النبي صلى الله عليه وسلم . أقسم من أجل أن يدفع التردد الذي يحصل عند بعض الناس إذا رأى الناس يرمونها من فوق ، والقسم من أجل دفع التردد جائز بل قد يكون واجباً . وقوله : ( الذي نزلت عليه سورة البقرة ) ولم يقل محمد صلى الله وعلى آله وسلم ؛ لأن البقرة سنام القرآن وأعظم سوره ، ولأن فيها كلاماً كثيراً عن أحكام الحج ، وهذا وإن كان أيضاً في سورة الحج ففيها أحكام كثيرة من الحج لكن البقرة أفضل من سورة الحج . واعلم بهذه المناسبة أن القرآن الكريم يتفاضل لا من جهة المتكلم به لأن المتكلم به رب العالمين واحد ، لكن تتفاضل السور بما تدل عليه من المعاني العظيمة والفوائد والأحكام ، وإلا فهي من حيث المتكلم سواء .
سؤال : بارك الله فيكم ، ما معنى كون الصحابة رضي الله عنهم يرجعون فيقولون رمينا بخمس أو رمينا بست ، هل يا شيخ هذه نتيجة إسهاب أو نسي أو شك ....... ؟
الجواب : لا هو من باب التساهل والتسامح في هذه الأمور .
السائل : طيب يا شيخ، هل التساهل أثناء الرمي أم إذا رجع الإنسان؟
الجواب : لا .. مع أن كلامنا كلام عام لكن ما ينبغي أثناء الرمي الظاهر أثناء الرمي ما أظنه .
السائل : مثل هذا الذي يحاول أثناء الزحام ويريد مجاهدة ليدخل وهي في يده أو جيبه ؟
الجواب : ما يضر .
السائل : يعني الآن دخل يا شيخ وهو في يده حصيات سبع أو ثلاث ثم رمى فظن أنه رمى سبع فلما رجع وجد الباقي في يده حصاتين، فيبقى أنه رمى ست فقط .
الجواب : وجد في يده حصاتين ؟ يعني ممسوكات باليد ؟
السائل : هذا متيقن إنه رمى ست، لكن في زحمة فهل يرجع ليرمي؟
الجواب : الظاهر إن شاء الله تعالى يسامح فيه ، أحوال الناس الآن ما يمكن أن تقاس على ما سبق .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يا شيخ الظاهر أنه ليس هناك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شاخص ولا حوض؟
الجواب : لا شاخص ولا حوض .
السائل : ما معنى الجمرة ؟
الجواب : الجمرة هي محل الجمار ، والجمار هي الحصى الصغار ، اسم للحصى الصغار .
سؤال : أحسن الله إليكم ، إذا احتاج الحاج أن يلبس سراويلات قصيرة ، هل نقول لمن لا يحسن ستر العورة إذا لبس الإزار نقول له البس هذا ؟
الجواب : لا نقول ، أحياناً بعض الحجاج يحتاج إلى شيء ، يكون بعض الناس مع المشي تتحاك أفخاذه ويتسلخ ، هذا لا نقول لا بأس أن تلف على الفخذ خرقة تلفها لفاً كما تلف على الجبيرة وتبقى من بداية الإحرام إلى آخره .
السائل : ما يلبس لباس قصير ؟
الجواب : هو على كل حال ، ستر العورة غير وارد لأن الإنسان يستطيع أن يستر عورته ، لكن الوارد هو هذا الذي قلت لك أن تتحاك الفخذان ثم تتسلخ . هل نقول إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص في لبس السراويل لمن لم يجد الإزار يدل على أن الإنسان متى احتاج إلى السراويل ولو في غير هذه السورة ؟ فلا بأس .(5/46)
136 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1630 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه أَنَّهُ انْتَهَى إِلى الجَمْرَةِ الكُبْرَى جَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَال هَكَذَا رَمَى الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب رمي الجمار بسبع حصيات ذكره ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ) يشير بذلك إلى حديث ابن عمر الموصول عنده بعد بابين ويأتي الكلام عليه هناك وأشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن ابن عمر قال ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع وأن ابن عباس أنكر ذلك وقتادة لم يسمع من ابن عمر أخرجه بن أبي شيبة من طريق قتادة وروى من طريق مجاهد من رمى بست فلا شيء عليه ومن طريق طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم .
القارئ : نقرأ في الباب الذي بعده يا شيخ .
الشيخ : اقرأ خليه يتواصل يكمل البحث هذا .
القارئ: (باب يكبر مع كل حصاة قاله ابن عمر) في الباب الذي بعده.
الشيخ : ما يخالف كمل البحث .
متابعة التعليق من فتح الباري : قوله : ( جمرة العقبة ) هي الجمرة الكبرى وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة ، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها ، يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك . قوله : ( فاستبطن الوادي ) في رواية أبي معاوية عن الأعمش فقيل له أي لعبد الله بن مسعود إن ناسا يرمونها من فوقها الحديث أخرجه مسلم. قوله: ( حاذى ) بمهملة وبالذال المعجمة من المحاذاة . وقوله : ( اعترضها ) أي الشجرة يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة .
الشيخ : خليه عنك لأنه طويل ، نشوف أحداً يحقق لنا الموضوع هذا .
القارئ : ما هو المطلوب يا شيخنا ؟
الشيخ : المطلوب إذا نقص عن سبع هل يُسامح في هذا ؟
القارئ : قرأناه .
الشيخ : لكن ودي شيء أبسط من هذا ، يعني أوسع . كأنك تشير إلى أنك ستتولى هذا إن شاء الله .(5/47)
137 ـ بَاب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَجَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ
1631 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنْه فَرَآهُ يَرْمِي الجَمْرَةَ الكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَجَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَال هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ(1)
__________
(1) طيب الجمرتان الأوليان أين يكون موقعه ؟ نقول : إذا أمكن أن يجعل الجمرة بينه وبين القبلة فهو أفضل لأنه يكون حينئذٍ تعبد إلى الله عز وجل متجهاً على الكعبة وإذا لم يمكن بأن كان الزحام شديداً ولكن إن أتيتها من الأمام سار أخف فأتها من الأمام ، وهذا أخف بكثير ؛ لأن الناس يقبلون على الجمرة من الشرق فيتجمعون عند طرفها الشرقي ويرميها من هناك، ومنهم من يفعل ذلك قصداً لأنه يرى أنه من السنة ومنهم من يفعل هذا لأنه متجهه ، لكن إذا رأيت أنك إذا أتيتها من الأمام فهو أسهل فافعل .
سؤال : لماذا نفرق بين جمرة العقبة والجمرات الأخرى ؟
الجواب : نفرق بينهما لأن جمرة العقبة ما يمكن تأتيها من الشرق ، هي في مكان منخفض ومستندة على جدار جبل ، رأينا هذا من قبل ، ولهذا تُسمى جمرة العقبة ، العقبة هي الطريق بين جبلين .
بحث مقدم من أحد الطلاب :
المبحث هذا في مسألة عدد حصى الجمار . اختلف العلماء رحمهم الله في عدد الحصيات التي تُرمى بها كل جمرة على أقوال :
القول الأول : أنها سبع ، وهذا مذهب الأمة الأربعة ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وغيره . ومذهب مالك أن من ترك حصاة واحدة فهو كمن ترك رمي الجميع ، ومذهب الثلاثة أن في ترك حصاة واحدة ...... إطعام مسكين وفي ترك حصاتين ....... وهذا إنما ..... في آخر جمرة من آخر يوم عند من يشترط الترتيب ، وإلا لم يصح رمي ما بعدها ، وفي أكثر من حصاتين دم .
القول الثاني : يجزئه ست ، وهو رواية عن أحمد ، لما رواه كعب بن مالك ، قال : رجعنا في حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض . أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي ، وذكره ابن حزم في المحلى والطبري وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : رجاله رجال الصحيح . وأخذ ابن أبي شيبة في الملحق عن قتادة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : لا أبالي رميت بست أو سبع. وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس أنه سُئل عن رمي الجمار فقال : ما أدري رماه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماها بست أو سبع . قال المحب الطبري في الفراء : وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرة بسبع حصيات من ورواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم . وشك الشاك لا يؤثر في جزم الجازم .
القول الثالث : يُجزئه خمس ، وهو رواية عن أحمد لأنه ثبت عن الصحابة التساهل في البعض ، والأكثر هو حكم الجميع ، قال ابن حزم في المحلى : والراوي من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن يوسف أن عبد الله بن عثمان أخبره أنه سمع أبا حباك الأنصاري يفتي بأنه لا يشهد لما رمى به الإنسان من عدد الحصى ، فجاء عبد الله بن عمرو إلى ابن عمر فأخبره فقال : صدق أبو حبة . قال أبو محمد أبو حبة بدري .
ذكر الحافظ الخلاف في كونه صحابياً وأن الواقدي وغيره أنكر أن يكون في البدريين من يُكنى أبا حبة ، وأن الذي شهد بدراً يُكنى أبا حلة واسمه ثابت بن النعمان وليس هو ذاك .
القول الرابع : ذكره المحب الطبري في الفراء ، وقال : أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك ، وقال إنما جُعل الرمي في ذلك بالحصى سبباً في حفظ التكبيرات السبع .
قال الموفق في المغني : والأولى أن لا ينقص عن سبع حصيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع حصيات فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا باس ولا ينقص أكثر من ذلك ، وهذا قول مجاهد وإسحق . وفي الكافي قال أحمد : إن رمى بست حصيات فلا بأس وخمس حسن وأقل من خمس لا يرمي أحد وأحب إلي سبع .
الشيخ : الخلاف عليها واضح . وكما قال الإمام أحمد أحب إلينا وهو أحوط وأبرأ للذمة ، ولكن أحياناً لا يمكن التدارك ، فتجد مثلاً الناس يرجعون من الحج ويتدارسون ما حصل ويقول بعضهم رميت الجمرة بخمس حصيات أو بست حصيات . فمثل هذا لا يستطيع الإنسان أن يلزمه بدم . وقد جاء عن العلماء رحمهم الله والسلف ما سمعتم . لكن فتح باب التهاون لا أراه إنما إذا وقعت الواقعة فالإنسان له أن يفتي بما يظن أنه أقرب الصواب . وهذا هو طريق أهل العلم أنه قبل العمل يُعطى الحكم الأحوط أما بعده فيُنظر في أمره لأنه وقعت الواقعة ما يمكن رفعها .
الباحث : بقي معنا تاريخ وضع الحوض هذا .
الشيخ : طيب فائدة .
الباحث : قال الشافعي رحمه الله تعالى : الجمرة مجتمع الحصى لا ما سال من الحصى فما أصاب مجتمع الحصى بالرمي أجزأه ومن أصاب سائل الحصى الذي ليس بمجتمعه لم يجزئه فالمراد مجتمع الحصى الذي في موضعه المعروف وهو الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.ا.هـ. قال ابن حجر الهيثمي في حاشيته على الإيضاح : قوله : الجمرة مجتمع الحصى حده ال..... الطبيعي بأنه ما كان بينه وبين أصل الجمرة ثلاثة أذرع فقط ، وهذا التحديد من تفقهه وكأنه قرر به مجتمع الحصى غير السائل والمشاهدة تؤيده فإن مجتمعه غالباً لا ينقص عن ذلك .ا.هـ.
وقال الشيخ سليمان بن علي بن مشرف في منسكه : المرمى الذي تترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني . وقد بقي مكان الرمي طوال هذه القرون غير محاط بشيء وفي عام اثنين وتسعين ومائتين وألف وضع شق حديدي لمنع الزحام وذلك بفتوى من بعض علماء مكة ، فاعترض على هذا العمل بعض العلماء وأشدهم اعتراضاً الشيخ على با.... عالم جدة وقال إن هذا الشق يوهم بأن ما وراءه كله مرمى فأُزيل ووضع الحائط المحيط بالجمرات الآن وذلك في عام ثلاث وتسعين ومائتين وألف .
الشيخ : طيب هذا فائدة .
سؤال : بخصوص الحوض هل يمكن أن يزاد فيه من أجل الزحام ؟
الجواب : هذا بُحث في هيئة كبار العلماء لكن ما رأوه ، رأوا كل شيء يبقى على ما هو عليه ، كرهوا أن يُحدثوا بالمشاعر شيئاً فيكون ألعوبة كما قال مالك لهارون الرشيد لما أراد أن يعيد الكعبة على بناء إبراهيم ، قال له : يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك . فتركه على ما هو عليه .
سؤال : قولهم ورجعنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحجة وكان أحدنا يقول يرمي بسبع ويرمي بست ، هذا إذا رجع من الحج ، طيب إذا كان أثناء الحج ؟
الجواب : ما فهمنا هل رجعوا من المدينة أو رجعوا من المرمى ؟ ما ندري .(5/48)
138 ـ بَاب يُكَبِّرُ مَعَ كُل حَصَاةٍ
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1632 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال سَمِعْتُ الحَجَّاجَ يَقُولُ عَلى المِنْبَرِ السُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا البَقَرَةُ وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ قَال فَذَكَرْتُ ذَلكَ لإِبْرَاهِيمَ فَقَال حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنْه حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ قَال مِنْ هَا هُنَا وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ قَامَ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
139 ـ بَاب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ
وَلمْ يَقِفْ قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
140 ـ بَاب إِذَا رَمَى الجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ وَيُسْهِلُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ
__________
(1) كان الحجاج يقول لا تضاف إلى البقرة ولا إلى آل عمران بل يقال السورة التي يًذكر فيها كذا ، ولكن هذا من باب الغلو والتعنت والتنطع، فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول البقرة وآل عمران فكيف بمن دونه ، وابن مسعود كذلك يقول هذا فكيف بمن دونه ؟(5/49)
1633 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا طَلحَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلى إِثْرِ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِل فَيَقُومَ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ فَيَقُومُ طَوِيلا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَال فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ فَيَقُومُ طَوِيلا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُهُ(1)
__________
(1) سبق الكلام على هذا والوقوف سنة وليس بواجب ، فلو أن إنساناً رمى ولم يقف بين الأولى والثانية ، والثانية والثالثة ، فلا حرج عليه .
سؤال : الوقوف يكون على اليمين عند الجمرات ؟
الجواب : حيثما يتيسر في ذلك الوقت الأرض ما هي مستوية مجاري أمطار فيتقدمون حتى يُسهلوا ويأخذوا جهة الشمال بالنسبة للوسطى لأنه هو المناسب ، أما الآن فنقول قف حيث كان أسهل لك والسطى أيضاً .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم، الأحجار التي تعلق في الكوبري ما تنزل على نفس الجمرة قلنا إنه ما يجزئ إذا ردتها مظلة أو نعل ونحو ذلك؟
الجواب : لأن العلماء يقولون لابد أن تسقط في نفس الحوض .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، مسالة عدد الحصى ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة قولهم أنهم رموا عن سبعة فمن قصر عن سبعة ما له وجه ولا عذر ؟؟
الجواب : يمكن يكون جاهل الإنسان أو أنه يكون سقطت منه حصاة في هذا الزحام لو أهوى ليأخذها دهسوه .
سؤال : عفا الله عنك ، مثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل فعل الصحابة ، ما لهم وجه لأن السبعة وتر ؟
الجواب : والخمس وتر .
السائل : الخمس وتر لكن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، والتهاون في هذا يا شيخ التهاون في العبادة ما هو طيب ؟
الجواب : صحيح إن الذي ينشر هذا حتى يفشى بين الناس يوجب التهاون ، والناس ربما الآن ودهم تطيح الحصاة علشان ينصرفوا . لكن لو جاءك يسأل بعدما رمى ولم يتمكن . مشكل .(5/50)
141 ـ بَاب رَفْعِ اليَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالوُسْطَى
1634 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُليْمَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلى إِثْرِ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ قِيَامًا طَوِيلا فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذَلكَ فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَال فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ قِيَامًا طَوِيلا فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ ذَاتَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ.
142 ـ بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ(5/51)
وَقَال مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا رَمَى الجَمْرَةَ التِي تَلي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ مِمَّا يَلي الوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ التِي عِنْدَ العَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا قَال الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ يُحَدِّثُ مِثْل هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
143 ـ بَاب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الجِمَارِ وَالحَلقِ قَبْل الإِفَاضَةِ(5/52)
1635 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَكَانَ أَفْضَل أَهْل زَمَانِهِ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ طَيَّبْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلحِلهِ حِينَ أَحَل قَبْل أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا(1)
__________
(1) قوله رحمه الله : ( باب الطيب عند رمي الجمار والحلق قبل الإحرام ) يحتمل أن يكون قوله : ( والحلق ) معطوفة على ( رمي ) فيكون المعنى : باب رمي الجمار وباب الحلق ، ويحتمل أن المعنى الطيب والحلق قبل الإفاضة ، يعني أنه يحلق قبل أن ُيفيض ، لكن الظاهر المعنى الأول ، رمي الجمار والحلق بدليل أنه ساق حديث عائشة : ( كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) فقولها : (لحله قبل أن يطوف بالبيت ) يدل على أنه لا حل إلا بعد الحلق وإلا لقالت ولحله قبل أن يحلق ؛ لأنه لو كان يحل برمي جمرة العقبة لكان يحل بالرمي قبل الحلق لأنه بعد الرمي نحر ثم بعد النحر حلق ، فلما قالت : (ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) عُلم أن الحل لا يكون إلا بعد الحلق ، فيكون بين الحلق والطواف بالبيت ، وهذا هو الراجح من قول العلماء وهو الأحوط أنه لا يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق . شوف الترجمة في شرحه .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة ) أورد فيه حديث عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف الحديث ، ومطابقته للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته وقد ثبت أنه استمر راكبا إلى أن رمى جمرة العقبة ، فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي وأما الحلق قبل الإفاضة فلأنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه بمنى لما رجع من الرمي ، وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل ، والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف .
الشيخ : قوله : ( بأمرين من ثلاثة ) هذا هو المشهور عند الفقهاء لكن ليس عليه دليل ، يقولون اثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف إذا فعل اثنين حل التحلل الأول ، وبناء على هذا لو حلق وطاف حل التحلل الأول قبل أن يرمي ، وفي نفسي من هذا شيء . والذي ينبغي أن يقال إن التحلل الأول يحصل بالرمي والحلق ، وبالنحر لمن ساق الهدي ، هذا الذي يظهر من السنة . وكأن ابن حجر رحمه الله حمل الترجمة على الاحتمال الثاني يعني أن التطييب وباب الحلق قبل أن يفيض إلى البيت . والترجمة محتملة لهذا المعنى وللمعنى الذي ذكرنا أولاً وهو أن أراد بعد الرمي والحلق فيكون قبل الإفاضة وهذا هو ما يدل عليه عائشة رضي الله عنها ، فالظاهر أن البخاري رحمه الله أراد هذا المعنى دون ما أشار إليه الحافظ .
متابعة التعليق : فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب وفي هذا الحديث حجة لمن أجاز الطيب وغيره من محظورات الإحرام بعد التحلل الأول ومنعه مالك وروى عن عمر وابن عمر وغيرهما وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفي في باب الطيب عند الإحرام وأحلت على هذا السياق هناك .
تنبيه : قوله : ( حين أحرم ) أي حين أراد الإحرام ، وقوله : ( حين أحل ) أي لما وقع الإحلال وإنما كان كذلك لأن الطيب بعد وقوع الإحرام لا يجوز والطيب عند إرادة الحل لا يجوز لأن المحرم ممنوع من الطيب والله أعلم .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، هل يقال لمن ساق الهدي أنه يجوز أن يتحلل التحلل الأول إذا قدم النحر على الرمي والحلق ؟
الجواب : لا .. حتى ينحر حسب فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من كان يقف في بعض الليل في منى ثم يبيت الباقي خارج منى ؟
الجواب : المبيت في منى المبيت معظم الليل سواء من أوله أو من آخره . فإن كان من أوله فلا بد أن يبقى حتى ينتصف الليل ، وإن كان من آخره فلا بد أن يأتي إلى منى قبل أن ينتصف الليل .
سؤال : عفا الله عنك ، بعض الحجاج يأخذ الحصى الذي عند الجمار متعمداً ، لو فعل هذا تعمداً هل يأثم ؟
الجواب : لا .. ما يأثم ، هو الأسهل لأن الذي عند الجمار حصى كثير لكن في الطريق تبقى مدة ما ترى حصاة ، فبعض الناس يفعل هذا وهو الأسهل له ، وربما يكون فقيها ويفعل هذا ليقتضى به ويتبين أن اشتراط أن لا يكون قد رُمي بها ليس عليه دليل .
ش14 ـ وجه ب :(5/53)
144 ـ بَاب طَوَافِ الوَدَاعِ
1636 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ.
1637 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ الليْثُ .(5/54)
حَدَّثَنِي خَالدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ ابْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) طواف الوداع واجب على القول الراجح بدليل قول أنس رضي الله عنه : ( إلا أنه خفف عن الحائض ) والتخفيف ضده التشديد ، ولو كان غير واجب لكان مخففاً على كل أحد ؛ لأن غير الواجب يستطيع الإنسان أن يتركه، فهذا دليل على أن طواف الوداع واجب . ولكن هل يجب في الحج والعمرة أو في الحج فقط ؟ في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من عد طواف الوداع في واجبات الحج وأسقطه في واجبات العمرة ، ومنهم من قال هو واجب في الحج والعمرة ، والراجح أنه واجب في الحج والعمرة لأن عموم قوله: ( أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض ) يشمل هذا وهذا ، فالناس هم الناس في الحج وفي العمرة ، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمى العمرة حجاً أصغر مع أن الحديث لم يُقيد بالحج ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لزياد بن أمية : ((اصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك )) وهذا عام ويستثنى منه بالإجماع الوقوف والرمي والمبيت . ولأن المعنى يتقتضيه فهذا الرجل دخل إلى البيت بتحية وهي الطواف والسعي فكان من المناسب أن يخرج بتحية ، فليست الأولى بأهم من الثانية . فهذا هو الراجح فيه . ولكن ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لو أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند السفر أجزأ عن طواف الواداع .
وأشكل على بعض الناس قالوا : إنه إذا طاف طواف الإفاضة ثم سعى بالحج لم يكن آخر عهده الطواف ، والجواب على هذا من وجههين :
الأول : أن عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت تلك الليلة اكتفت بطواف العمرة عن طواف الوداع . وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة نفسها في صحيحه وستأتي إن شاء الله .
والثاني : أن السعي بعد الطواف تابع له ، بدليل إنه لا يجوز إلا بعد طواف نسك ، ويُغتفر بالتابع ما لا يُغتفر في الأصل .
قال الذين لا يوجبون طواف الوداع في العمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنقل عنه أنه طاف الوداع في عُمَره وإنما أمر بذلك في حجة الوداع . والجواب : إن هذا لا يُعارض لأنه من الواجبات التي حدثت أخيراً أي أنه لم يوجب إلا في حجة الوداع . نعم يستقيم هذا الاستدلال لو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد هذا القول ولم يطف صار الدليل واضحاً ، أما أنه لم يعتمر بعد أن أمر الناس فإنه لا يصح أن يكون دليلاً .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هل يُلحق بالحائض بقية الأعذار إذا خاف مثلاً فوات رفقته إذا دخل بطواف الوداع ؟
الجواب : يُلحق بالحائض النفساء على القول الراجح خلافاً لابن حزم، ابن حزم يقول : النفساء ما يحرم عليها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (( غير أن لا تطوفي بالبيت )) وهي حائض وأمر أسماء بنت عميس عند الإحرام أن تستثفر بثوب وتحرم ولم يقل لها لا تطوفي بالبيت . لكن قوله ضعيف الصواب أن النفاس كالحيض .
أما بقية الأعذار كالمرض وما أشبهه فليس بعذر ولهذا لما قالت أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم إنها كانت مريضة في طواف الوداع ، قال لها : (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة )) ولم يعذرها .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، وجهة نظر من أسقط طواف الوداع عن العمرة يا شيخ الذين أوجبوه في الحج وأسقطوه في العمرة هل لهم وجه في إسقاطه عن صاحب العمرة ؟
الجواب : أنا لا أرى لهذا وجه ، أنا أرى أنه يطوف .
سؤال : رجل حج حجة الفريضة وأول ما شرع في سعي الحج وكان مفرداً ولم يطف طواف القدوم، حج بعدها أكثر من حجة فهل عليه شيء ؟
الجواب : بنية القضاء ؟
السائل : لا .
الجواب : هذا على قاعدة المذهب أن كل الحجج التي بعد الأولى كلها فاسدة لأنه أدخل حجة على حجة ولا يزال إحرامه متعلقاً بالحجة الأولى لأن سعيه لم يصح . والذي أرى إن شاء الله أن الحجات التي وقعت بعد ذلك أنها مقبولة لأنه جاهل وقد اعتبر نفسه محلاً ، وربما يقول متأولاً قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قال سعيت قبل أطوف قال : (( لا حرج )) .(5/55)
145 ـ بَاب إِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
1638 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَال فَلا إِذًا(1)
1639 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْل المَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فقَال لهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لا نَأْخُذُ بِقَوْلكَ وَنَدَعُ قَوْل زَيْدٍ قَال إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا المَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُليْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ(2)
__________
(1) يعني فلا حبس لأنها بقي عليها إيش ؟ طواف الوداع ، وطواف الوداع لا يجب على الحائض .
(2) هؤلاء قد جهلوا حال ابن عباس رضي الله عنه وإلا فمن المعلوم أن ابن عباس أفقه من زيد وأعلم لكنهم لعلهم جهلوا هذا وكان عندهم زيد على جانب كبير من العلم فلم يثقوا بابن عباس ، ولكنهم لا ينبغي لهم أن يقولوا مثل هذا مجابهة ، ولعل هؤلاء من جنس الأعراب .(5/56)
1640 حَدَّثَنَا مُسْلمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال رُخِّصَ للحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَال وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَخَّصَ لهُنَّ(1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن المجتهد بالعلم لا حرج عليه إذا رجع عن قوله الأول ، فحال ابن عمر رضي الله عنهما كان يمنع من أن تنفر المرأة وهي حائض قبل طواف الوداع ثم رجع بعد ذلك ، ولهذا تجد العلماء الذين تبحروا في العلم يكون لهم أقوال متعددة في مسألة واحدة لأنهم كلما اطلعوا على علم أخذوا به . المقلد تجده على خط واحد لأنه لا يتعدى أن يرجع إلى كتاب المُقلد ، لكن المجتهد تختلف أقواله أحياناً ، حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما قيل في مسألة الحمارية فإنه كان أولاً يُسقط الأشقاء . أتعرفون الحمارية ؟
الحمارية : أن امرأة ماتت عن زوج وأم وأخوين من أم وأخوين شقيقين . فمسألتها من ستة : للزوج النص ولأمها السدس ، بقي الثلث للأخوة من الأم ، والأخوة الأشقاء ما لهم شيء . هذا أول ما يسمعها الإنسان يستغرب كيف ما لهم شيء؟ أشقاء مدلون بالأم والأب يُطردون والمدلي بالأم وحدها يرث ؟ هذه يستنكرها الإنسان . فقضى فيها رضي الله عنه أنهم لا يرثون ، ثم بعد ذلك وقع في مسألة أخرى . وألحوا على عمر رضي الله عنه وقالوا : يا أمير المؤمنين هم أدلوا بأم ونحن أدليننا بأم وأب. ويذكر الفرضيون أنهم قالوا لعمر : هب أبانا كان حماراً وظنوا أنهم لو صح هذا لحبسهم وقال إذاً أنتم حمير ونحن ما نعرف إلا الآدميين . لكن ما أذاهم إطلاقاً إنما ذكروا له العلة قالوا هم يرثون بأم ونحن لا نرث بأم وأب؟ فرجع رضي الله عنه وشركهم ، ولكن القول بالتشريك ضعيف جداً مخالف للقرآن والسنة . فإذا راجعنا القرآن وجدنا المسألة الزوج كم له بنص القرآن؟ النصف ، والأم ؟ السدس بنص القرآن ، والأخوة من الأم ؟ الثلث بنص القرآن . السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر )) ألحقنا الفرائض بأهلها ولم يبق شيء .
المهم أنه لا لوم ولا ظن على الإنسان الذي يتبع ما صحت به السنة أو ما جاء به القرآن ويعتمد أولاً على فهمه ثم على فهم آخر إذا تعددت عنه الأقوال في مسالة واحدة .(5/57)
1641 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلا نَرَى إِلا الحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَحِل وَكَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَل مِنْهُمْ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ الهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلمَّا كَانَ ليْلةَ الحَصْبَةِ ليْلةُ النَّفْرِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ كُل أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَال مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالبَيْتِ ليَاليَ قَدِمْنَا قُلتُ لا قَال فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَقْرَى حَلقَى إِنَّكِ لحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ بَلى قَال فَلا بَأْسَ انْفِرِي فَلقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلى أَهْل مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَال مُسَدَّدٌ قُلتُ لا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلهِ لا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة يجب عليها أن تنتظر ويجب على وليها أن يمكث ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( أحابستنا هي )) وهذا هو الصريح ، ثم إن صفية من ستحبس ؟ الرسول والناس كلهم من أجل أنها حاضت ، ولكن إذا لم يمكنها الإقامة لا هي ولا محرمها وكانت في بلاد لا يمكن أن ترجع إلى البيت ، فماذا تصنع ؟ قال بعض أهل العلم : تبقى على إحرامها ـ يعني بقي عليها التحلل الثاني ـ تبقى إلى أن تموت . فعلى هذا إن كانت ذات زوج فزوجها لا يقربها وإن كانت بكراً فلا تتزوج ! مشكلة هذه ، مشقة عظيمة . وقال بعض أهل العلم : إنها تبقى محصرة بمعنى أنها تتحلل ويُقال إن حجكِ لم تؤد به الفريضة . وهذا أيضاً مشكل أو غير مشكل ؟ مشكل، هذه المرأة ربما لها سنوات وهي تجمع لحجها ثم يقال ما لك حج ما أديت الفريضة ؟ هذا أيضاً مشكل .
وقال بعض العلماء : تطوف وعليها دم . فإذا قال قائل : ما الدليل على طوافها ؟ فيقال : الدليل أن الله قال : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } فلتطف . هذا لا شك أنه دليل قوي .
بقي أن نقول لهم : من الذي أوجب عليها الفدية ؟ من الذي أوجب ، أنت إما أن تقول طوافها صحيح ، والصحيح لا فدية فيه ، وإما أن تقول غير صحيح فلا تنفع فيه الفدية . لكنه يعارض ويقول إن النسك يُجبر بالدم في ترك الواجب ، وهذه فاتها واجب وهو الطهارة فتجبره بدم .
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه إن لم تمكنها الإقامة فإنها تتلجم بشيء ـ أي تتحفض ـ لئلا ينزل الدم على المطاف ثم تطوف للضرورة . وقال إن هذا من أشد الضرورات . أن تبقى محرمة أو أن تُحصر ويضيع حجها ، فهذا ضرر عظيم ، والقول الذي اختاره هو الصواب ، ولكن مع الأسف أن بعض الناس توسع في هذا وقال إذا لم يمكنها البقاء في مكة فإنها تتحفض ولو كانت من أهل الطائف أو من أهل المدينة أو من أهل القصيم أو في المملكة عموماً . وهذا غلط كبير على العلماء وعلى كتاب الله عز وجل . لكن مشكلتنا سوء الفهم ، شيخ الإسلام رحمه الله لا يقول بهذا ، يقول في امرأة من خارج البلد لا يمكنها أن ترجع ، لكن من كانت داخل المملكة يمكنها أن ترجع ؟ يمكنها أن ترجع بكل سهولة ، فنقول : أنت الآن بالخيار إن شئت أن تبقي فاجلسي وإلا فاذهبي على ما بقي من إحرامك وإذا طهرت فاغتسلي وارجعي .
طيب ، إذا رجعت هل نقول إنها يلزمها أن تُحرم من الميقات بعمرة ثم إذا حلت طافت للإفاضة أو لا يلزمها ؟ الظاهر الثاني إنه لا يلزمها ولكن لو فعلت فلا بأس ، نقول لا يلزمها لأنها أتت لإكمال نسك سابق وليس ابتداء نسك واجب ولها أن تأت بعمرة لأن العمرة بعد التحلل الأول جائزة فلا يقال إن الإنسان أدخل نسكاً على نسك لأن النسك بعد التحلل الأول يضعف جداً ولهذا يباح فيه كل شيء إلا النساء . وهل المحرم في النساء الجماع فقط أو الجماع والمباشرة والخطبة والعقد ؟ فيه خلاف ، بعض العلماء يقول : لا يحرم إلا الجماع فقط وأما المباشرة وعقد النكاح والخطبة فلا بأس بها . لكن الاحتياط ترك الريبة لا شك .
إذاً الصواب في هذه المسألة أن من يمكنها أن ترجع ولو بزيادة نفقة لا يحل لها أن تستثفر بالثوب وتطوف ، ومن لا يمكنها فلها أن تفعل ذلك لعموم قول الله تبارك وتعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
سؤال : من قدم الطواف والحلق هل نأمره بأن يبقى على إحرامه أم نتركه يحل ؟
الجواب : أما على قول من يقول إنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول فقد حل التحلل الأول . فهمت هذا أو لا ؟ وعلى القول الذي يظهر لنا أنه لا يحل حتى يرمي .
سؤال : ما مدى صحة القصة التي ذكرها ابن حجر بأن إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل لما سرد تسمية الجمرات بالجمرات لما عرض لهما إبليس جمرا ؟
الجواب : لا .. القصة ليست صحيحة .
سؤال : شيخ الإسلام رحمه الله أكثر فتاويه تقنع النفس يا شيخ .
الجواب : ولهذا امكث على قراءة مؤلفاته اقرأها كما حث عليها شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ، كان له قصيدة من جملتها الحث على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، امرأة من القصيم حاضت قبل طواف الإفاضة لكنها تعلم أن ولي أمرها لن يعود معها أخبرها بأنه لا يستطيع ؟
الجواب : هذه نقول لها لا تطوفي وإذا وصلت إلى محلها في القصيم وطهرت سيكون هناك شيء آخر ، يُرفع الأمر للقاضي وله أن يُجبر محرمها أن يحج معها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كُتب في الغزوة : (( انطلق وحج مع امرأتك )) وهذا ضروري ما هو باختياره .(5/58)
146 ـ بَاب مَنْ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَبْطَحِ
1642 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَال سَأَلتُ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيْنَ صَلى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَال بِمِنًى قُلتُ فَأَيْنَ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَال بِالأَبْطَحِ افْعَل كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ(1)
__________
(1) لما أخبره بالسنة وواجب عليه أن يبينها قال : ( افعل ما يفعل أُمراؤك ) يعني لا تخالف اتبعهم والمسألة مسألة استحباب ، واتباع الإمام وعدم المنابذة واجب . ولكن الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم النفر صلى الظهر والعصر في الأبطح ؛ لأنه حين رمى انصرف إلى مكة وصلى الظهر والعصر .(5/59)
1643 حَدَّثَنَا عَبْدُالمُتَعَال بْنُ طَالبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ(1)
__________
(1) في الحديث الأول فائدة مهمة وهي أن الجواب قد يكون على قدر السؤال وليس قيضاً في الحكم ، فالسائل سأل أنس بن مالك : أن صلى العصر ؟ فقال : ( بالأبطح ) هل نقول يُفهم من هذا أنه صلى الظهر بمنى ؟ نقول لا .. لا يلزم ؛ لأن أنس سُئل عن شيء معين وأخبر به بدليل الحديث الذي بعده عن أنس نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بإيش ؟ بالمحصب صلى الظهر بمنى يوم ثمانية يوم التروية . وهذه دائماً تجدونها مثلاً في المناظرات والمجادلات يقول مثلاً : هذا قُيد بحسب سؤال السائل ، كما ذكروا في سفر المرأة بلا محرم ، بعض روايات الحديث يوم وليلة ، بعضهم ليلة ، بعضهم ثلاثة أيام ، فأجاب العلماء أن هذا التقييد ليس قيداً في الحكم لكن قُيِّد باعتبار السؤال ، وإلا فالحكم العام هو الذي خطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال : (( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )) .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، بما ينقطع طواف الوداع ؟
الجواب : كيف ينقطع ؟
السائل : يعني لو طاف الإنسان طواف الوداع ، كيف نقول له أعد الطواف مرة أخرى ، مثلاً لو نام في مكة ؟
الجواب : طواف الوداع يجب أن يكون آخر أموره كما جاء في الحديث : (( حتى يكون آخر عهدهم بالبيت )) لكن رخص العلماء رحمهم الله في الإقامة لشد الرحل يعني حمل السيارة أو الإقامة لشراء حاجة في طريقه لا لتجارة أو الإقامة لانتهاء الرفقة أو الإقامة لإصلاح الراحلة كإنسان مثلاً راكب السيارة ثم في أثناء الطريق قبل أن يخرج من مكة حصل فيها خلل السيارة ، فبقي يصلح هذا الخلل فلا يعيد الطواف .
سؤال : أحسن الله إليكم ، حديث أنس ( افعل كما يفعل أمراؤك ) الآن ليس هناك أمير عام يؤم الحجاج ويُتبع في الحج ، ويحصل خلاف في الحملات يتخذ قرار راعي الحملة أو المسؤول عن الحملة الصلاة في مكان معين لظرف ما فيحدث خلاف . فهل نلزمهم بهذا الحديث بأن هذا هو أميرهم في الحج ؟
الجواب : نعم نقول افعل ما يقول أمير الحملة إلا إذا علمنا أن أمير الحملة يريد أن يخلي الحج يمشي الحال على ما يقولون ، فهنا يُمنع ، لكن الحمد لله اسمع أن الحملات كلها يكون معها طلاب علم يرجعون إلى طالب العلم وهذه نعمة والحمد لله .
سؤال : أحسن الله إليك ، عائشة رضي الله عنها أليست قارنة ؟
الجواب : بلى .
السائل : كيف تحتج بأن أصحابها يرجعون بحج وعمرة وهي ترجع بحج فقط ؟
الجواب : هي تريد عمرة منفردة ، ولهذا قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : (( غير أن لا تطوفي بالبيت وبالصفا والمروة من حجك وعمرتك )) لكن لتعلم أن هذه امرأة لها نظائر ، والنساء لا يلغن في عقولهن عقول الرجال فربما يأتي يوم من الأيام تفتخر النساء نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيقلن لها أنت ما جئت إلا بحجة . فلذلك ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم إلحاحاً تاماً وكان صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله . ولهذا لو قال لنا قائل : هل يسن للمرأة إذا حاضت وهي متمتعة وقرنت هل يسن لها أن تعتمر بعد الحج ؟ قلنا : لا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن لعائشة إلا بعد الإلحاح تطييباً لقلبها .(5/60)
147 ـ بَاب المُحَصَّبِ
1644 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليَكُونَ أَسْمَحَ لخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالأَبْطَحِ .
1645 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال ليْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) فهذين اثنين من أفقه الصحابة عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله رضي الله عنهم يقولان إن النزول بالمحصب ليس بسنة إنما نزله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه أسمح لخروجه . وهذا ينبني على قاعدة هل الأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التعبد أو الأصل عدمه إلا بدليل ؟ الظاهر الثاني أن الأصل عدم التعبد إلا بدليل ، فالمحصب نزله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن لم يأمر به ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة حتى نقول هل ورد عليه فيكون مشروعاً أو لا ؟ فالأقرب أن نزول المحصب ليس بسنة . كذلك النزول بنمرة مر علينا أن بعض أهل العلم قال إنه ليس بسنة لكن النبي صلى الله عليه وسلم نزله ليستريح حتى يستقبل الموقف بنشاط والدليل على هذا أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن تُضرب له قبة بنمرة ويأتينا منع أن تُضرب له القبة . قالوا هذا دليل على أنه ليس بنسك .
أما الآن فنزول المحصب مستحيل لأنه صار بنايات وعمارات وأسواق ، لكن لسائل أن يقول إذا كنت أرى أنه سنة أستأجر شقة بهذه العمارت وأنزل بها ؟ فيقال : إذا فعلت هذا فاتك شيء آخر وهو مظهر الحجيج أن يكونوا سواء في هذا المكان لأنه نسك وأنت وحدك في هذه الشقة . فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه من باب تسهيل السير فقط كما قالت عائشة وابن عباس .(5/61)
148 ـ بَاب النُّزُول بِذِي طُوًى قَبْل أَنْ يَدْخُل مَكَّةَ
وَالنُّزُول بِالبَطْحَاءِ التِي بِذِي الحُليْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
1646 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ التِي بِأَعْلى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلا عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلقُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ إِلى مَنْزِلهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ التِي بِذِي الحُليْفَةِ التِي كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُنِيخُ بِهَا.(5/62)
1647 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ الحَارِثِ قَال سُئِل عُبَيْدُاللهِ عَنِ المُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ قَال نَزَل بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يُصَلي بِهَا يَعْنِي المُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَال وَالمَغْرِبَ قَال خَالدٌ لا أَشُكُّ فِي العِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
149 ـ بَاب مَنْ نَزَل بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
__________
(1) ابن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم حتى الأشياء التي ليست بعبادة فكان يتتبع الأثر حتى المكان الذي ينزل فيه فيبول أو ينزل فيه فينام أو ينزل فيه فيصلي ، لكن ابن عمر رضي الله عنهما خالف سائر الصحابة في هذا الموضع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، والأصل أن ما لم يقم الدليل على أنه بعبادة فليس بعبادة لأن العبادة من شرطها أن يُعلم أن الشرع شرعها . وفي هذا دليل على أن المعتمر يبدأ بالطواف والسعي ويكمل العمرة قبل أن يأتي إلى رحله وهذا إذا تيسر هو الأفضل ؛ لأنك لو سألت هذا القادم لمكة ماذا تريد ؟ قال : أعتمر . نقول : إذا كنت تريد أن تعتمر فابدأ بما أتيت من أجله وهذه عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُقدم ما جاء من أجله كما فعل ذلك في حديث عتبان بن مالك حين دعاه رضي الله عنه إلى بيته ليتخذ مصلى له ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت قال : (( أين تريد أن اصلي )) فبدأ بذلك قبل الوليمة التي كان أعدها عتبان .(5/63)
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَل بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَل وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ(1)
150 ـ بَاب التِّجَارَةِ أَيَّامَ المَوْسِمِ وَالبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الجَاهِليَّةِ
1648 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ ذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِليَّةِ فَلمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلكَ حَتَّى نَزَلتْ ( ليْسَ عَليْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ ) فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ(2)
151 ـ بَاب الادِّلاجِ مِنَ المُحَصَّبِ
__________
(1) هذه من جملة القاعدة التي مشى عليها عبد الله رضي الله عنه اقتفاء آثار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى حين ينزل فيبول ، وذي طوى هي الزاهر الآن بمكة ، وهي الآن بيوت وأسواق ، اختلف الوضع .
(2) هذا دليل على أن التجارة في الحج لا بأس بها ولكن ينبغي للإنسان أن يكون قصده الحج ويجعل التجارة تبعاً لا يجعل التجارة أصلاً والحج تبعاً لأن تجارة الآخرة أعظم نفعاً وأفضل من تجارة الدنيا ، ومثل ذلك لو أن الإنسان أجر سيارته في الحج أو في العمرة مع نية العمرة فلا حرج ، لكن يجعل الأصل العبادة الحج والعمرة .(5/64)
1649 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ ليْلةَ النَّفْرِ فَقَالتْ مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَكُمْ قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَقْرَى حَلقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيل نَعَمْ قَال فَانْفِرِي .
قَال أبو عَبْد اللهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا نَذْكُرُ إِلا الحَجَّ فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِل فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَلقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَال كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ نَعَمْ قَال فَانْفِرِي قُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنِّي لمْ أَكُنْ حَللتُ قَال فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلقِينَاهُ مُدَّلجًا فَقَال مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن الطواف لا يصح مع الحيض وأن طواف الإفاضة لابد منه حتى لو انحبس الناس من أجل النساء اللاتي حضن فإنه واجب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عقرى حلقى )) وهذا يقوله الناس في الجاهلية وفي الإسلام أيضاً لكن لا يقصدون المعنى ، يعني لا يقصدون الدعاء بالعقر والحلق لكنهم يقولون ذلك مما جرى على لسانهم مثل : تربت يمينك ، ثكلتك أمك .
فإذا قال قائل : إذا كان الركب لا يستطيعون أن يبقوا فماذا تصنع ؟ نقول : إذا أمكنها أن تبقى في مكة هي ومحرمها فعلت ، فإن لم يمكن فهنا طريقان :
ش15 ـ وجه أ :
الأول : إن كانت من أهل المملكة المقيمين أو المواطنين فإنها تبقى على ما بقي من إحرامها ، بمعنى أنها حلت التحلل الأول فقط فلا يقربها زوجها في الجماع فإذا طهرت عاد بها .
والثاني : أنها إذا لم تكن من أهل المملكة العربية السعودية فإنه لا شك أنها يشق عليها أن ترجع ، فنقول : الضرورة تبيح المحظورات فتطوف طواف الإفاضة ولكنها تستثفر بثوب لئلا ينزل شيء من الدم على أرض المسجد فقط وتطوف ، هذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو إن شاء الله هو الحق . وقال بعضهم : تكون محصرة فتتحلل بهدي ولا تحسب لها الحجة . وهذا شيء عظيم . وقال بعضهم : تبقى على إحرامها حتى تقبل على البيت أو تموت . وهذا أيضاً مشقة عظيمة . فالقول الصواب ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله .
لكن سمعت أن بعض طلبة العلم يفتون به مطلقاً حتى لو كانت المرأة من أهل المدينة يقول تستثفر وتمشي . وهذا غلط ، غلط على الشرع وغلط على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . فإن قال قائل : قولكم لها أن تخرج على ما بقي من إحرامها فإذا طهرت عادت لماذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم في قضية صفية ، لماذا لم يجعل الناس يخرجون إلى المدينة وإذا طهرت صفية رجعت مع محرمها ؟ فالجواب : أن ذهابها إلى المدينة ورجوعها يستغرق عشرين يوماً وبقاؤها حتى تطهر يستغرق كم ؟ ستة أيام أو سبعة ، ولا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يختار الأشق مع وجود الأسهل .
سؤال : لو بعد خروج الدم أخذت ما يرفعه فارتفع ؟
الجواب : لا حرج ، يعني لو أخذت ما يوقف الدم فوقف فلها أن تطوف كما لها أن تصلي أيضاً وتصوم ويأتيها زوجها .
سؤال : بارك الله فيكم ، في انتظار الفقة بعضها بعضاً قد يتأخرون الساعة والساعتين والثلاث ساعات ، فهل للمنتظرين أن يتسوقوا وأن يأكلوا وأن يشربوا ؟
الجواب : نعم ، يعني إذا بقي الإنسان بعد أن طواف الوداع لانتظار الرفقة فله أن يأكل ويشرب وينام حتى يجتمعوا ويتسوق لا للتجارة . يشتري ما يحتاج إليه .
سؤال : إذا كان من عادة المرأة أن تبقى تطهر شيء من اليوم ليس اليوم كاملاً ثم تعود إليها الدورة ، فهل يسمى هذا طهراً ؟
الجواب : لا .. هذا حيض هذا ليس بطهر ، نصف اليوم أو اليوم كاملاً هذا ليس بطهر لأنه جرت به العادة .(5/65)
بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبْوَاب العُمْرَةِ
1 ـ بَاب وُجُوبِ العُمْرَةِ وَفَضْلهَا
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا ليْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَليْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا إِنَّهَا لقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللهِ ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ ) .
1650 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال العُمْرَةُ إِلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لمَا بَيْنَهُمَا وَالحَجُّ المَبْرُورُ ليْسَ لهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ(1)
__________
(1) هذان الأثران يدلان على وجوب العمرة حديث ابن عمر وحديث ابن عباس ، وهو كذلك ، والصواب أن العمرة واجبة لكنها ليست كوجوب الحج لأن الحج ركن من أركان الإسلام والعمرة ليست ركناً من أركانه إلا أنها واجبة على القادر عليها ويأثم من لم يعتمر .
والعمرة مكونة من إحرام وطواف وسعي وحلق ، أربعة أشياء ، والحج أوسع من هذا . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )) ليس دليلاً على إكثار العُمَر ، بل دل على أن الإنسان متى اعتمر فما بين عمرته الأخيرة والتي قبلها كفارة . وأما كثرة العمرة يعني الإكثار منها فموضع خلاف بين العلماء لكنهم متفقون على أنه لا يُسن فعل ما يفعله العوام الآن يأتي منها في الأسبوع سبع مرات ، كل يوم يعمل عمرة ، والشيء المطلق من الألفاظ يُحمل على المقيد من الأفعال، فهل كان الصحابة يترددون على مكة ليُكفر عنهم ؟ لا .. ولهذا كره بعض الأئمة أن يعتمر في السنة أكثر من مرة ، في السنة كلها أكثر من مرة ، وقال شيخ الإسلام رحمه : إن المولاة بينها والإكثار منها مكروه باتفاق السلف ، وكلام شيخ الإسلام مقبول لأنه رحمه الله كثير الاطلاع على كلام السلف وحريص على اتباعهم . المهم أن المطلق من القول يقيده الفعل فما علمنا أن الرسول كرر العمرة ولا أصحابه وأعلى ما بلغنا من ذلك حديث عائشة وهو في قضية معينة . قوله : ( وَالحَجُّ المَبْرُورُ ليْسَ لهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ ) سبق شرحه ، أليس كذلك ؟
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، ما المراد بقوله : ( كنت طفت يوم النحر قالت نعم ) ؟
الجواب : المراد به أنها طافت طواف الإفاضة ، لأن طواف الإفاضة الأفضل أن يكون يوم النحر .
السائل : والذي تكلمنا عليه يا شيخ ؟
الجواب : وهو ؟
السائل : قبل قليل أن المرأة إذا حاضت ولم تطف طواف الإفاضة قلنا يلزمها أن تبقى إلى غير ذلك من الأقوال هذا ما هو على طواف الإفاضة؟
الجواب : نعم .
السائل : وهي كيف طافت طواف الإفاضة ؟
الجواب : طافت قبل أن تحيض ، صفية طافت قبل أن تحيض .
السائل : وبعد أن حاضت ؟
الجواب : بعد أن حاضت ما بقي إلا طواف الوداع والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم أنها طافت للإفاضة ، ولهذا سأل قال : ((أطافت يوم النحر )) فيه إشكال ؟
السائل : والله يا شيخ ما فهمت .
الشيخ : ما هو الذي ما فهمته ؟ فهمت أن صفية لو لم تطف طواف الإفاضة لانحبس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معها . طيب لما قالت إنها طافت والمراد طافت قبل أن تحيض أمر بالرحيل ؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض . اتضح ؟
السائل : إن شاء الله .
الشيخ : اتضح ؟ قل .
السائل : ما فهمت .
الشيخ : إيش الإشكال عندك ؟
السائل: نحن تكلمنا الآن قبل قليل على طواف الإفاضة أو لا يا شيخ؟
الشيخ : تكلمنا .
السائل : قولنا إن المرأة إذا حاضت ولم تطف طواف الإفاضة إذا ألجأتها الضرورة تتزر وتطوف ، الكلام هذا على طواف الإفاضة أو على الوداع ؟
الجواب : على طواف الإفاضة ، طواف الوداع ما فيه إشكال إذا حاضت تمشي ما يحتاج تطوف . اتضح ؟
السائل : إن شاء الله .(5/66)
2 ـ بَاب مَنِ اعْتَمَرَ قَبْل الحَجِّ
1651 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالدٍ سَأَل ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ العُمْرَةِ قَبْل الحَجِّ فَقَال لا بَأْسَ قَال عِكْرِمَةُ قَال ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَبْل أَنْ يَحُجَّ وَقَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالدٍ سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال عِكْرِمَةُ بْنُ خَالدٍ سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا مِثْلهُ(1)
3 ـ بَاب كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ
__________
(1) يعني مراده رحمه الله ( العمرة قبل الحج ) لا في سفر واحد لأن هذا ما فيه إشكال فقد أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة ، لكن مراده هل تُقدم العمرة على الحج في سفر مثل أن تعتمر مثلاً في رجب ثم تحج في ذي الحجة فلا بأس ، يعني لا يقول قائل لماذا قدمتم غير الأوكد على الأوكد ؟ نقول : لا بأس كما نقدم النفل على الفرض . واضح ؟ وليس مراد البخاري من اعتمر قبل أن يحج في سفر واحد لأن هذا شيء معلوم أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع .(5/67)
1652 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال دَخَلتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا جَالسٌ إِلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلونَ فِي المَسْجِدِ صَلاةَ الضُّحَى قَال فَسَأَلنَاهُ عَنْ صَلاتِهِمْ فَقَال بِدْعَةٌ ثُمَّ قَال لهُ كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَليْهِ قَال وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فِي الحُجْرَةِ فَقَال عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ أَلا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالتْ مَا يَقُولُ قَال يَقُولُ إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالتْ يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ (1)
__________
(1) اعتمار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربع عُمَر لا شك :
العمرة الأولى : عُمرة الحديبية وصُد عنها .
والعمرة الثانية : عمرة القضاء ، القضاء يعني المقاضاة أي المصالحة التي جرت بينه وبين قريش ، وهي بعدها بسنة وبقي في مكة ثلاثة أيام حتى أخرجه قريش .
والعمرة الثالثة : عمرة الجعرانة حين رجع من غزوة حنين ، وهذه العمرة خفيت على كثير من الصحابة ؛ لأنها كانت ليلاً نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة واعتمر ولم يعلم به كثير من الصحابة .
العمرة الرابعة : في حجته فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول : (( لبيك عمرة وحجة )) .
ولم يعتمر في رجب ، وفي هذا دليل على أن الإنسان الكبير قد يتوهم فإن عبد الله بن عمر من أحرص الناس على سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن أورعهم ومع ذلك يقول إنه اعتمر في رجب ، وهذا وهم منه رضي الله عنه ، ولهذا وهمته عائشة وساقت أن ابن عمر ما اعتمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا وهو معه ، ومع ذلك خفي عليه الأمر . والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر أربع مرات كلها في أشهر الحج ، لم يعتمر في رمضان ولا في رجب ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التنعيم، يعني لم يخرج فيأتي بعمرة من التنعيم أبداً ، ما اعتمر إلا من خارج الحرم عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يدعو لأخيه إذا أخطأ بالعفو والرحمة وما أشبه ذلك خلافاً لما يفعله بعض الناس حيث يتتبع أغلاط إخوانه وينشرها ولا يترحم عليه ولا يسأل له العفو . والذي ينبغي للمؤمن إذا أخطأ أخوه بشيء ولم يتمكن من مناقشته أن يسأل الله له الرحمة والعفو لاسيما إذا كان عالماً يأخذ الناس بقوله فإن زلة العالم أخف من زلة الجاهل بلا شك .
وفيه أيضاً الكنية، أن الكنية تكريم لقولها: ( يرحم الله أبا عبد الرحمن) ولم تقل عبد الله بن عمر وهي امرأة لكن الكنية عند العرب فيها تفخيم وتكريم ، ولهذا قال الشاعر :
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب
يعني لا ألقبه حين يكون اللقب سوءة وليس المعنى لا يلقبه أبداً لا .. الإنسان يلقب بما يستحق من صفات الكمال ، فالله عز وجل لقب المسيح ابن مريم وكذلك العلماء يلقبون الأئمة ويلقبون الخلفاء ، فقول الشاعر لا ألقبه والسوءة اللقب الواو هذه حالة وليست استئنافية خلافاً لما يظنه بعض قارئي البيت فيقول إن اللقب سوء ، وهذا غلط . المهم أن الكنية تعظيم وتفخيم للمكنى .
قوله : ( وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ ) تسوكها وهذا يدل على قربها منهم ، لأنه لا يمكن يستمع استنانها إلا عن قرب . شوف الشرح إيش قال .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وسمعنا استنان عائشة ) أي حس مرور السواك على أسنانها وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن.
الشيخ : فيه المبالغة بالتسوك لكن بشرط أن لا يلحق اللثة ضرر كما نص عليه العلماء رحمهم الله قالو : يكره أن يتسوك بما يضر اللثة . لأن الإنسان مأمور بالمحافظة على بدنه ، وقال العلماء أيضاً : يستاك عرضاً بالنسبة للأسنان . وقال الأطباء : لا يستاك طولاً لأن من استاك طولاً رفع اللثة عن أصول الأسنان إلا إذا استاك طولاً ينزل يعني مثلاً يضع السواك على أعلى السن ثم ينزل فهذا لا بأس لأنه لا يضر اللثة ، وربما يحتاج الإنسان إليه أكثر إذا كان فيما بين الأسنان شيء من الوسخ فهنا الطول أحسن لكن يجعله كذا .. بعض الناس نشوفه كذا .. هذا يرفع اللثة . بل يضع السواك فوق وينزل به .
سؤال : أحسن الله إليكم ، لما سألوا عبد الله بن عمر صلاة هؤلاء ضحى قال بدعة ؟
الجواب : هذه والله أعلم أنهم كانوا يصلون جماعة فبدعهم .(5/68)
1653 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال سَأَلتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي رَجَبٍ(1)
__________
(1) في هذه المسألة مسألة أصولية ، لو قال قائل : ابن عمر يثبت وعائشة نافية والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي . نقول : هذه القاعدة يستعملها بعض الناس استعمالاً سيئاً ، معنى المثبت مقدم ما لم يكن الفعل واحداً ، فإن كان الفعل واحداً وجزم النافي بالنفي فهو مثبت في الواقع . مثلاً ذكر ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه إلى حذو منكبيه ثم يكبر للصلاة حين يركع ويحن يرفع من الركوع وحين يقوم من التشهد الأول ، قال : وكان لا يفعل ذلك في السجود . فهنا نقول أي حديث يرد على أنه يفعله في السجود ولا يقاوم أحاديث الصحيحين وغيرهما في أنه لا يفعل يعتبر شاذاً ، أنتم فاهمين الآن؟ لأن ابن عمر يحكي جازماً بالنفي ولا يحتمل أن يكون نفيه لعدم العلم ، لا .. هنا يثبت للنفي متتبع للصلاة يراه يرفع يده عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند القيام من التشهد الأول ولا يفعل ذلك في السجود ، متتبع الرجل ، فنفيه هنا إثبات بخلاف الذي ينفي ويحتمل أن يكون نفيه لعدم علمه فهنا نقدم المثبت . لاحظوا هذه القاعدة وهذه تنفعكم عند المجادلة لأن بعض الناس يجادل ويقول مثلاً المثبت مقدم على النافي وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع . فيقال : إذا كان هذا الحديث يقاوم حديث ابن عمر صارت المسألة من باب تنوع العبادات مرة يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ومرة لا يرفع ، لكن إذا كان لا يقاومه فيعتبر شاذاً .(5/69)
1654 حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِل فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالحَهُمْ وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلتُ كَمْ حَجَّ قَال وَاحِدَةً(1)
__________
(1) ما ذكر الرابعة احتمال نسي مع أنه صرح بأن العُمَر أربعة ، فيحتمل أن هذا ذهول من أنس ، وهو الأقرب . الرابعة ما هي ؟ الرابعة مع الحج . قوله : ( حجة واحدة ) هذا متفق عليه بإجماع أنه لم يحج بعد الهجرة إلا واحدة ، وسببها ظاهر : قبل الفتح مكة بيد من ؟ بيد المشركين ، وإذا كانوا صدوه عن العمرة وهي أقل من الحج فسيصدونه عن الحج لو حج قبل الفتح، واضح ؟ بعد الفتح لم يبادر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحج أي لم يحج في السنة التاسعة ، فإما أن فرض الحج تأخر العاشرة كما قيل وإما أنه فُرض في التاسعة لكن تأخر من أجل الوفود . وهذا هو الأقرب ، إيش الوفود ؟ الوفود : الذين كانوا يفدون على المدينة يتعلمون دينهم فأراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرحمته ورأفته بالمؤمنين أراد أن يبقى في المدينة لأنها وسط في الجزية ولأن الناس قد يشق عليهم الذهاب إلى مكة ، فبقي في المدينة ليستقبل الوفود ، واستقبال الوفد مهم لأنهم يُعلمون أمر دينهم .(5/70)
1655 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَال سَأَلتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه فَقَال اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنَ القَابِل عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ(1)
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَال اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلا التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وَمِنَ العَامِ المُقْبِل وَمِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.(2)
__________
(1) أما قبل الهجرة فقد أخرج الترمذي رحمه الله حديثاً فيه نظر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج مرة . هذا قبل الهجرة ، والذي أظن أنه لم يقتصر على حجة واحدة لأنه بقي في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة والحج معروف عند العرب فكيف يقال أنه مع كل هذه المدة لم يحج إلا مرة مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد عُرف بأنه يخرج إلى القبائل يدعوهم ، والقبائل لا يجتمعون في مكة إلا في الحج أو في الأسواق الجاهلية .
(2) قوله رضي الله عنه : ( إِلا التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ ) يريد أنه لم يعتمر عمرة كاملة في ذي القعدة لأنه ابتدأ عمرته في حجته في آخر ذي القعدة لكن لم ينتهي منها إلا حين طاف وسعى في الحج .(5/71)
1656 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال سَأَلتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْل أَنْ يَحُجَّ وَقَال سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْل أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ(1)
__________
(1) هذا فيه نظر ( اعتمر مرتين ) إلا أن يريد الاعتمار الذي حصل فيه عمرة كاملة ، وأما العمرة التي تعتبر عمرة مع عدم اكتمالها فإنها عُمَر ثلاثة : عمرة الحديبية ، وعمرة القضية ، وعمرة الجعرانة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، على قولنا أن العمرة واجبة كالحج ، هل فُرضت العمرة قبل الحج ؟
الجواب : أنا ما قلت قبل الحج .
السائل : النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج .
الجواب : عمرة تطوع .
سؤال : ألا يدل كون عمراته صلى الله عليه وسلم أغلبها في ذي القعدة على فضل العمرة فيه ؟
الجواب : بلى يدل على فضل العمرة في أشهر الحج ، وقد توقف ابن القيم رحمه الله هل العمرة في رمضان أفضل أو في أشهر الحج ، توقف في هذا لأن العمرة في رمضان تعدل حجة ، هذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأم سنان ، فقد قال بعض العلماء : إنه خطاب لامرأة فاتها الحج مع الرسول عليه الصلاة والسلام فقالها لها خاصة وليست على الإطلاق . ولكن أكثر العلماء يقولون : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . إنما إذا قلنا إن العمرة في رمضان لا شك أنها فيها فضل عظيم فهل هي أفضل من العمرة في أشهر الحج ؟ ابن القيم توقف في هذا .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة ، هل يؤخذ من هذا دليل على أن الحج ليس واجباً على الفور ؟
الجواب : لا .. لا يؤخذ دليلا ؛ لأن على القول أنه وجب في العاشرة فلا إشكال ، وإذا قلنا وجب في التاسعة قلنا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخره لغرض أهم من تقديمه وهو تلقي الوفود .(5/72)
4 ـ بَاب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ
1657 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يُخْبِرُنَا يَقُولُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا قَالتْ كَانَ لنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلانٍ وَابْنُهُ لزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَليْهِ قَال فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَال(1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة ، وفي هذا دليل على فائدة مهمة وهو أنك إذا نسيت اسم الشخص الصحابي أو غيره فكني عنه بما يدل عليه ، يعني مثلاً نسيت صحابي تقول : قال بعض الصحابة ، فقام رجل من الصحابة ؛ لأنك تعينه وتخطئ فيه وأنت والحمد لله في حل . التعيين ليس واجباً إلا إذا تعلق بقضية بينها المعين .
فهنا يقول : ( سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) وفي الأول قال : (امرأة من الأنصار) . ابن حجر يذكرنا باسمها .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) القائل نسيت اسمها ابن جريج بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه : ( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج .. ) الحديث ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكراً له لما حدث به حبيبا وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال : ( جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي) أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال عن عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي .(5/73)
5 ـ بَاب العُمْرَةِ ليْلةَ الحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا
1658 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال لنَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِل بِالحَجِّ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل بِعُمْرَةٍ فَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ قَالتْ فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجٍّ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ فَلمَّا كَانَ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي(1)
__________
(1) هذا الحديث فيه إشكال ، قوله في الحديث : ( مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) والمعروف إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة وليس في يوم خمسة وعشرين موافاة للهلال. ثانياً أن الحديث يقول : ( فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال ارْفُضِي ) والمعروف أنها أصابها الحيض قبل أن تصل إلى مكة في سبع ، فلا أدري أهو محفوظ أو لا ؟ .
القارئ : شرحه بعد بابين في باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( خرجنا موافين لهلال ذي الحجة ) أي قرب طلوعه وقد تقدم أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة .
الشيخ : يعني في نصف الطريق ، إذا أخذنا خمس وأربعة صار في نصف الطريق تقريباً ، فكيف يقال خرجنا ؟ الظاهر إن هذا من جنس ما سبق إن الإنسان قد ينسى ، الرواة . فما دامت هي قد صرحت بأنهم خرجوا يوم خمس وعشرين من ذي القعدة يتبين إن هذا فيه شيء . على كل حال إن شاء الله البحث يأتي ....
.... هذا الحديث سبق لنا الإشارة إلى أن سياقه مخالف لسياق الأحاديث الأخرى من عدة وجوه : منها أنها قالت : (مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) والمعروف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عائشة أيضاً أنه خرج وقد بقي من ذي القعدة خمسة أيام . وحمل موافين أي مقاربين لهلال ذي الحجة فيه نظر .
ثانياً : ( فَقَال لنَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِل بِالحَجِّ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل بِعُمْرَةٍ ) قال : ( فَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ ) هذا ما قاله إلا حين طاف وسعى عليه الصلاة والسلام ما قاله قبل أن يصل إلى مكة بل قاله حينما طاف وسعى . وظاهر السياق أنه قاله قبل ذلك ، على أنه يمكن أن يؤول على أن الراوي اختصر الحديث ثم انتقل من تخيير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يهلوا بواحد من الأنساك الثلاثة ثم بعد ذلك قال : ( لولا أني أهديت لأهللت بعمرة ) لكن السياق يبعد هذا .
ثالثاً : ( قَالتْ فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ) وهذا لا يستقيم أبداً ؛ لأن المعروف المشهور أنها حاضت في سرف قبل أن تصل إلى مكة وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تدخل الحج على العمرة هناك لا في يوم عرفة .
ومنها أنه قَال : ( ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ ) وهذه الكلمة شاذة لأنها لو نفضت عمرتها لكانت مفردة لا قارنة ، وهي بلا شك صارت قارنة لكن لولا أن السياق فيه اضطراب لأمكن بسهولة أن نقول ( ارفضي عمرتك ) أي أفعالها لا تكمليها ، لكن أصل الحديث وسياق الحديث فيه هذا الاضطراب . والرواة كائن بشر قد ينسى الإنسان وقد يتوهم . ويغني عن هذا الحديث الأحاديث الأخرى التي في صحيح البخاري على غير هذا السياق .
وأما قولها : ( فَلمَّا كَانَ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ ) ليلة الحصباء هي ليلة الرابع عشر ، والحصباء هي الحصى الصغار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل في المحصب حين ما تأخر بمنى وخرج نزل هناك . وقولها : ( أرسل معي ) من المعروف أن عائشة هي التي طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وألحت عليه، لكن هذا لا يمنع أن يقال أرسل معي أخي بعد الإلحاح . لعل ابن حجر يشير إلى هذا .
القارئ : فيه لابن القيم على قوله : ( انفضي رأسك وامتشطي ) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وأما قوله : ( انفضي رأسك وامتشطي ) فهذا مما أُعضل على الناس ولهم فيه أربعة مسالك :
أحدها : أنه دليل على رفض العمرة كما قالت الحنفية .
المسلك الثاني : أنه دليل على أنه يجوز للمحرم أن يمشط رأسه ولا دليل من كتاب ولا سنة والإجماع على منعه من ذلك ولا تحريمه ، وهذا قول ابن حزم وغيره .
المسلك الثالث : تعليل هذه اللفظة وردها بأن عروة انفرد بها وخالف بها سائر الرواة ، وقد روى حديثها طاووس والقاسم والأسود وغيرهم فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة ، قالوا : وقد روى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها حديث حيضها في الحج فقال فيه : حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : (( دعي عمرتك وانفضي رأسك وامتشطي .. )) وذكر تمام الحديث . قالوا : فهذا يدل على أن عروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة .
المسلك الرابع : أن قوله : ( دعي العمرة ) أي دعيها بحالها لا تخرجي منها وليس المراد تركها ، فقالوا : ويدل عليه وجهان : أحدهما قوله : ( يسعك طوافك لحجك وعمرتك ) ، والثاني قوله : ( كوني في عمرتك ) ، قالوا : وهذا أولى من حمله على رفضها لسلامته من التناقض. قالوا : وأما قوله : ( وهذه مكان عمرتك ) فعائشة أحبت أن تأتي بعمرة مفردة فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن طوافها وقع حن حجتها وعمرتها وأن عمرتها قد دخلت في حجها فصارت قارنة فأبت إلا عمرة مفردة كما قصدت أولاً ، فلما حصل لها ذلك قال : ( هذه مكان عمرتك ) .
وفي سنن الأثرم عن الأسود قال : قلت لعائشة اعتمرت بعد الحج ؟ قالت : والله ما كانت عمرة ما كانت إلا زيارة زرت البيت . قال الإمام أحمد : إنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة حين ألحت عليه فقالت : يرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك ؟ فقال : يا عبد الرحمن أعمرها . فنظر إلى أدنى الحل فأعمرها منه .
القارئ : نكمل الكلام على موضع الحيض والطهر ؟
الشيخ : نعم .
القارئ : قال رحمه الله : فصل ، وأما موضع حيضها فهو سرف بلا ريب وموضع طهرها قد اُختلف فيه فقيل بعرفة ، هكذا روى مجاهد عنها وروى عروة عنها أنها أظلها يوم عرفة وهي حائض ، ولا تنافي بينهما والحديثان صحيحان وقد حملهما ابن حزم على معنين ، فطهر عرفة هو الاغتسال للوقوف بها عنده ، قال : لأنها قالت تطهرت بعرفة ، والتطهر غير الطهر . قال : وقد ذكر القاسم يوم طهرها أنه يوم النحر وحديثه في صحيح مسلم ، قال : وقد اتفق القاسم ومسلم على أنها كانت يوم عرفة حائضاً ، وهما أقرب الناس منها . وقد روى أبو داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة .. فذكر الحديث وفيه : فلما كانت ليلة البطحاء طهرت عائشة . وهذا إسناد صحيح. لكن قال ابن حزم إنه حديث منكر مخالف لما روى هؤلاء كلهم عنها ، وهو قوله : إنها طهرت ليلة البطحاء . وليلة البطحاء كانت بعد يوم النحر بأربع ليال ، وهذا محال . إلا أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة ليست من كلام عائشة فسقط التعلق بها لأنها ممن دون عائشة وهي أعلم بنفسها . قال : وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا رُهيب بن خالد وحماد بن زيد فلم يذكروا هذه اللفظة .
ش15 ـ وجه ب :
قلت : يتعين تقديم حديث حماد بن زيد ومن معه على حديث حماد بن سلمة من وجوه :
أحدها : أنه أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة .
الثاني : أن حديثهم فيه إخبارها عن نفسها وحديثه فيه الإخبار عنها .
الثالث : أن الزهري روى عن عروة عنها الحديث وفيه : فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة . وهذه الرواية هي التي بينها مجاهد والقاسم عنها لكن قال مجاهد عنها : فتطهرت في عرفة . والقاسم قال : يوم النحر.
الشيخ : على كل حال المشهور هو أنها حاضت في سرف ، والشيخ ابن القيم رحمه الله ما أجاب عن قولهم إنها حاضت في عرفة ، أجاب عن قصة الطهر . هل قصة الطهر هل هي بعرفة أو يوم النحر ؟ هذا يمكن الجمع بأن يقال إنها طهرت يوم عرفة ولم تطهر إلا يوم النحر احتياطاً لئلا يكون هذا جفافاً لا طهراً ، إذا كانت اللفظتان محفوظتين . وأما أنها طهرت ليلة البطحاء هذا لا شك أنه غلط .
طالب : تكلم عليه ابن حزم متى هي طهرت ........
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وأن عائشة حاضت ) في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها كان بعرفة وفي رواية القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى وله من طريقه فخرجت من حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفنا بالبيت الحديث واتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر واقتصر النووي في شرح مسلم على النقل عن أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم .
ويُجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للإغتسال إلا بعد أن نزلت منى أو انقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى وهذا أولى والله أعلم .
طالب : هذا هو ما ذكرتم .
الشيخ : إي هذا هو الظاهر ، المهم إن ـ سبحان الله ـ اختلاف الروايات في الحج كثير ، ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد تتبع هذا الاختلاف واعتمد على المشهور وما خالف المشهور حاول أن يرده إلى المشهور بتأويل قريب أو بعيد .
سؤال : يا شيخ اثابك الله ، بالنسبة للاختلاف في طهر عائشة متى طهرت ما الذي يترتب عليه ؟
الجواب : لا .. بس الروايات ، ولنعلم أن الحائض يجوز أن تقف بعرفة ومزدلفة ومنى .
سؤال : أحسن الله إليكم هل يُفهم من هذا الحديث أن الإمام مسلم رحمه الله قد يعتمد صحة السنة ولو كانت المتن شاذاً ؟
الجواب : الإمام البخاري ترى ، أنت قلت مسلم ، استصحاب الأصل لأنه ربما يكون في هذا السياق فائدة ولو واحدة يستفاد بها على الأحاديث السابقة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، ما يمكن الجمع بين الروايات السابقة ؟
الجواب : لا .. لا .(5/74)
6 ـ بَاب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ
1659 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ قَال سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو(1)
__________
(1) لو قال قائل : هل للتنعيم خصيصة في هذا ؟ الجواب : لا ، لكن التنعيم بالنسبة للمحصب هي أقرب الحل ، أقرب من عرفة ، وإلا لو أحرمت من عرفة أو من الجعرانة أو من الحديبية فلا بأس ، المهم أن العمرة لا يمكن أن يُحرم بها من الحرم لا أهل مكة ولا غيرهم .(5/75)
1660 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ بْنُ عَبْدِالمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ المُعَلمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَهَل وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ وَليْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَلحَةَ وَكَانَ عَليٌّ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدْيُ فَقَال أَهْللتُ بِمَا أَهَل بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا إِلا مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلقُ إِلى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلغَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال لوِ اسْتَقْبَلتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ وَأَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَاضَتْ فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلهَا غَيْرَ أَنَّهَا لمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ قَال فَلمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ أَتَنْطَلقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلقُ بِالحَجِّ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالكِ ابْنِ جُعْشُمٍ لقِيَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَال أَلكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُول اللهِ قَال لا بَل للأَبَدِ(1)
__________
(1) هذا أيضاً خلاف السياق ، في حديث جابر في صحيح مسلم أن سراقة قال ذلك عند المروة لا عند العقبة ، فإما أن يُحمل على أن المروة لها عقبة وإما أن يُقال : يعتمد السياق التام الذي في صحيح مسلم .
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت )) هل يقال إن هذا تمني خلاف الواقع أو يقال إن هذا خبر مجرد ؟ الثاني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتمن لأنه يعلم إن هذا هو الأفضل ـ أعني قرانه ـ لكنه قال للصحابة هكذا لتطيب نفوسهم ويحلوا برضا .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قلنا يحتمل أن عند المروة عقبة ، لكن هنا قال : ( وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا ) ؟
الجواب : نعم قلنا احتمال هذا واحتمال هذا . شوف كلام ابن حجر على هذا ، قوله : ( وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا ) .
سؤال : الجعرانة لها خصيصة ؟
الجواب : لا .. ما لها خصيصة .
السائل : أدنى الحل قبل الجعرانة بكثير ؟
الجواب : لأنه كان نازلاً في الجعرانة .
السائل : السؤال عن فعل الناس الآن ؟
الجواب : الناس يأتونها ؟
السائل : يأتونها في مسجد هناك يحرمون منه .
الجواب : لا قصدي يحرمون قبلها أو يمشون ؟
السائل : يحرمون من الجعرانة .
الجواب : طيب وإيش الإشكال ؟
السائل : يظنون أنه السنة .
الجواب : طيب وإيش الإشكال ؟
السائل : يجوز هذا ؟
الجواب : يجوز من أي حل كان .
السائل : حدود مكة قبل حدود الجعرانة .
الجواب : وهل يظن أن غيرها حرام ؟ أقول هل الذين يحرمون من الجعرانة هل يقولون عن التنعيم لا يجوز ؟
السائل : أنا أقصد الجهة .
الجواب : الإنسان يجوز أن يحرم من أي جهة لأنه المشروع ، المشروع أن يُحرم من أقرب حل له ، لو كان ساكناً مزدلفة نقول احرم من عرفة . عرفت ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وأن سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها ) يعني وهو يرمي جمرة العقبة وفي رواية يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني وهو يرمي جمرة العقبة هذا فيه بيان المكان الذي سأل فيه سراقة عن ذلك . ورواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر كذلك ، وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة ، وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين .
الشيخ : وربما احتمال آخر أوضح أن يكون سراقة أعاد السؤال مرة ثانية إما لأنه نسي ما قاله عند المروة أو للتأكد ، يعني لزيادة تأكد . وهذا قد يقع .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هؤلاء الحجاج الأفاقيين يا شيخ بعضهم يعتمرون بعد الحج مباشرة من التنعيم ، هل ينهون يا شيخ ؟
الجواب : نعم ينهون عن هذا .
السائل : إذا رجعوا إلى بلادهم لا يستطيعون أن يعتمروا مرة ثانية ؟
الجواب : طيب ما يمكن أن يجعلوه تمتع أو قران ؟
السائل : هم في اعتقادهم أنهم لو جعلوه تمتعاً أو قراناً لزمهم الهدي يفرون من هذا ويجعلونه حجاً مفرداً ؟
الجواب : لزم القادر الهدي والعاجز الصيام .
السائل : إي نعم ، هم يفرون من هذا .
الجواب : هذا غلط ، وأيضاً العمرة ليست متفقاً عليها أنها واجب ، كثير من العلماء يرى أنها سنة وممن يرى أنها سنة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . فالمسألة ما هي واجب ، يعني حتى ولو انصرفوا بدون عمرة فلا شيء عليهم على هذا الرأي ، أما أن يُحدثوا بدعة ما كان الرسول فعلها ولا أصحابه ، هذا غلط . سبحان الله ، ولا يمكن أن يتعلل أحد بحديث عائشة ، إذ أن حديث عائشة قضية عين ، إذا وقع لامرأة مسلمة ما وقع لعائشة قلنا لا بأس ، بمعنى أنها أحرمت بعمرة ثم حاضت وامتنعت من الطواف ثم قرنت ثم لم تطب نفسها إلا أن تأتي بعمرة قلنا لا بأس ، وإن طابت نفسها أن تكتفي بعمرة القران فلا يمكن نقول .
سؤال : ربما يقولون إن العمرة ليست لهم ؟
الجواب : صحيح ، لكن عمل السلف ، العمل الصالح ما له وقت لكن عمل السلف يقيد الموضوع ، والسلف لا شك الصحابة أحرص من غيرهم على الخير ، وليس كلهم كان متمتعاً أو قارناً .(5/76)
7 ـ بَاب الاعْتِمَارِ بَعْدَ الحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
1661 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَال أَخْبَرَنِي أَبِي قَال أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْل أَنْ أَدْخُل مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلكَ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ فَفَعَلتُ فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا وَلمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلكَ هَدْيٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ(1)
8 ـ بَاب أَجْرِ العُمْرَةِ عَلى قَدْرِ النَّصَبِ
__________
(1) قوله : ( هَدْيٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ ) يعني زائد عن هدي التمتع لأن الهدي أو الصدقة أو الصوم إنما تكون عند المخالفة فبينت رضي الله عنها أنها لم يلزمها شيء زائد يعني زائداً عن هدي التمتع .(5/77)
1662 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالا قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا يَا رَسُول اللهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقِيل لهَا انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلكِنَّهَا عَلى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ.
9 ـ بَاب المُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ العُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ
هَل يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) الترجمة هذه تدل على أن البخاري رحمه الله يرى وجوب طواف الوداع للمعتمر لأنه قال : ( إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يُجزئه عن طواف الوداع ) ويحتمل أنه أراد إذا اعتمر بعد الحج ثم خرج بعد العمرة مباشرة هل يُجزئه عن طواف الوداع . وكلا الأمرين صحيح ، أما أن يطوف طواف الوداع للعمرة سيأتينا إن شاء الله في صحيح البخاري قريباً ما يدل على ذلك ، وأما المعتمر إذا اعتمر وخرج فور انتهائه فكذلك لا يلزمه طواف الوداع وذلك لأنه طاف بالبيت والسعي تابع للطواف بدليل أنه لا يُجزئ قبله إلا في الحج فإنه يُجزئ قبله لأنه في ضمن أفعال النسك . فلو أن إنساناً قدم مكة معتمراً ثم طاف وسعى وقصر وسافر فلا شيء عليه . ما ذكر في الشرح الترجمة ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ) أورد فيه حديث عائشة في عمرتها من التنعيم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما .. الحديث . قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة انتهى . وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة وأيضا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك هنا ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن إن قلنا إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معا .
الشيخ : أحياناً يستشكل بعض الناس بعض طلبة العلم إذا قيل لهم إن المعتمر إذا اعتمر وطاف وسعى وقصر ومشى . يقولون : كيف ؟ آخر شيء السعي والحلق . فيقال هذا تابع . كذلك إذا أخَّر طواف الإفاضة والسعي بعضهم قال : يقدم السعي على الطواف لأن تقديم السعي في الحج على الطواف جائز ويجعل الطواف آخر . نقول : لا حاجة لهذا التكلف طف ثم اسع رتب الترتيب الشرعي ، والفصل بين الطواف والسفر بالسعي لا يضر لأن السعي تابع .(5/78)
1663 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُهِلينَ بِالحَجِّ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَحُرُمِ الحَجِّ فَنَزَلنَا سَرِفَ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لأَصْحَابِهِ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلهَا عُمْرَةً فَليَفْعَل وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلا وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الهَدْيُ فَلمْ تَكُنْ لهُمْ عُمْرَةً فَدَخَل عَليَّ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَال مَا يُبْكِيكِ قُلتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلتَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قَال وَمَا شَأْنُكِ قُلتُ لا أُصَلي(1) قَال فَلا يَضِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَليْكِ مَا كُتِبَ عَليْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا قَالتْ فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلنَا المُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ فَقَال اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الحَرَمَ فَلتُهِل بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ الليْل فَقَال فَرَغْتُمَا قُلتُ نَعَمْ فَنَادَى بِالرَّحِيل فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَل النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالبَيْتِ قَبْل صَلاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلى المَدِينَةِ(2)
__________
(1) قولها : ( لا أصلي ) دليل على أن ذكر اللازم يفيد وجوب الملزوم . ومازالت هذه الكلمة تستعمل عند النساء تقول إنها ما تصلي مثلاً؛ لأن ذكر اللازم يدل على وجوب الملزوم
(2) قوله : ( اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ) ظاهر جداً في أن العمرة لا تصح من الحرم وأنه لا بد أن تكون من الحل ، وعلى هذا فيكون قوله صلى الله عليه وسلم : (( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة )) يستثنى من ذلك العمرة فإن أهل مكة لا يحرمون منها . وأي زيارة حصلت لهم وهم محرمون من مكة ؟ والعمرة زيارة ، ولا إشكال عند التأمل في أنه لا يجوز الإحرام بالعمرة من الحرم بل لابد أن يخرج إلى الحل . لكن أي حل ؟ يجوز أن يخرج إلى عرفة ويحرم منها ؟ يجوز ، من الجعرانة من الحديبية من أي مكان ، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو نازل بالمحصب وهو الأبطح أقرب شيء له من الحل هو التنعيم ، فلهذا أمر عبد الرحمن أنم يذهب بها إلى التنعيم . وفي هذا دليل واضح أيضاً على أنه لا يُسن للإنسان أن يأتي بعمرة بعد الحج ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرشد عبد الرحمن لذلك وعبد الرحمن لم يفعل أيضاً مما يدل على أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه أن يحرموا بعمرة بعد الحج .
فإن قال قائل : وعائشة ؟ قلنا : عائشة ألحت إلحاحاً عظيماً على النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يطيب قلبها في أمر ليس بمحرم ، فطيب قلبها وقال : (( اخرج بأختك من الحرم )) .
ثانياً : إذا تنزلنا جدلاً وحصل لامرأة ما حصل لعائشة أحرمت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من أداء العمرة ولم تطب نفسها إلى أن تأت بعمرة مستقلة قلنا في هذه الحال لا بأس أن تفعل . ولا نقل يُسن أن تفعل ، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمرها بذلك وإنما أذن لها ، وهذا لا يعني أنه يُسن .
وإذا نظرنا لحال المسلمين اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ تجده بعد فراغ الحج يأتي بعمرة وعمرة وعمرة وعمرة ، وكل يوم يأتي بعمرة فيُتعب نفسه ويُتلف ماله ويُضيق على إخوانه ويخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
سؤال : قولنا إن الإحرام بالعمرة لا يجوز من الحرم ، هل .....؟
الجواب : .......... المشهور من مذاهب الفقهاء فيما نعلم أن الإحرام يصح ولكن عليه دم لأنه ترك واجب ، وفي قول ـ أظنه للظاهرية ـ أن من أحرم من غير الميقات لا ينعقد إحرامه كما لو أحرم قبل أشهر الحج ، فيرون أن الميقات الزمني والمكاني على حد سواء .
السائل : هل العمرة كذلك ؟
الجواب : العمرة كذلك لكن إلى الآن لا أطمئن إلى قول الظاهرية .
سؤال : بالنسبة للعمرة امرأة أتت وحاضت قبل الميقات ، هل تفعل مثل ما فعلت عائشة إذا طهرت تذهب إلى التنعيم ؟
الجواب : لا أبداً ، ما نأمرها لكن إذا لم تطب نفسها فلا بأس .
سؤال : إذا اعتمر المسلم قبل أن يعرف أن العمرة واجبة هل عمرته تجزئه ؟
الجواب : هذا سؤال مهم ، يقول : إذا اعتمر الإنسان قبل أن يعرف أن العمرة واجبة فهل تجزئه عن الواجب ؟ الظاهر إنه يجزئه لأن هي غير موقتة بوقت حتى نقول هذا أحرم قبل وقتها ، الظاهر أنها تجزئه .(5/79)
10 ـ بَاب يَفْعَلُ فِي العُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الحَجِّ(1)
1664 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَال حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ وَعَليْهِ جُبَّةٌ وَعَليْهِ أَثَرُ الخَلُوقِ أَوْ قَال صُفْرَةٌ فَقَال كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَأَنْزَل اللهُ عَلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ أُنْزِل عَليْهِ الوَحْيُ فَقَال عُمَرُ تَعَال أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ أَنْزَل اللهُ عَليْهِ الوَحْيَ قُلتُ نَعَمْ فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِليْهِ لهُ غَطِيطٌ وَأَحْسِبُهُ قَال كَغَطِيطِ البَكْرِ فَلمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ اخْلعْ عَنْكَ الجُبَّةَ وَاغْسِل أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ(2)
__________
(1) انتبه لقول البخاري : ( يفعل في العمرة ما يفعل في الحج ) يفعل ولم يقل يترك ، مما يدل على أن الأصل تساوي العمرة والحج في الأحكام إلا ما قام الدليل على خروج العمرة ، فمثلاً الوقوف بعرفة في الحج وليس في العمرة ، المبيت في مزدلفة في الحج وليس في العمرة ، المبيت في منى في الحج وليس في العمرة ، الرمي في الحج وليس في العمرة ، والباقي افعل ما تفعل في الحج إلا ما قام الدليل على عدمه .
(2) الشاهد قوله : ( اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك ) لكن بعض العلماء قال : اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك يعني في تجنب المحظورات ، لكن نقول ما المانع من أن نجعله عاماً .
في هذا الحديث : أولاً شدة ما يلاقيه النبي صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي ، وقد قال الله تعالى : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وفيه أيضاً أنه إذا نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أن يُلحق بالقرآن فإنه لا يكون قرآناً ، بل يكون إلهاماً ويعبر عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنها وجوب التخلي عن محظورات الإحرام فوراً لكن حسب الاستطاعة ، فمثلاً لو كان الإنسان عليه إزار ملطخ بالطيب وقيل له إن هذا حرام ، لأن من المعلوم أننا لن نقول له في الحال اخلع الإزار ، لماذا ؟ لأنه يبقى عارياً ، لكن يجب عليه أن يبادر وأن لا يتأخر .
وفيه أنه لا يجوز لبس الإحرام المطيب خلافاً لمن قال إنه يجوز مع الكراهة إذا لبسه قبل أن يعقد الإحرام . والصواب أنه لا يجوز سواء طيبه بعد الدخول في الإحرام أو قبل الدخول في الإحرام ، وعليه لا تُطيب الإزار ولا الرداء إذا أردت الإحرام لا بدهن ولا ببخور . وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا تلبسوا ثوباً مسه زعفران ولا ورس )) فالصواب أنه لا يجوز لبس المطيب سواء كان ذلك التطييب قبل الإحرام أو بعده .
وفيه أيضاً دليل على أنه لا يجوز أن يلبس الجبة ، لأن الجبة تعتبر لباس وإن كانت قد تكون مفتوحة الوجه فإنها لباس ، ومثل ذلك المشلح لا يجوز للإنسان أن يلبسه لكن لو وضعه على أكتافه على غير لبس تلفع به كرداء فإن ذلك لا يضر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ((لا يلبس القميص )) ومعلوم أن النهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن العام . هل نأخذ من هذا أن من فعل محظوراً جاهلاً فلا شيء عليه أو نقول هذا فعل المحظور قبل أن ينزل حكمه ؟ الظاهر الثاني ، يعني ما نأخذ من هذا الحديث دليلاً على أن من فعل شيئاً من المحظورات جاهلاً فلا شيء عليه ، بل نأخذ أنه متى علم الجاهل أنه على خطأ فليبادر بتصحيحه .
بحث مقدم من أحد الطلاب :
وبعد .. فهذا لفظ مختصر لما أورده البخاري في صحيحه : عن عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال لنا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل . وهو أن فيه إشكال عند الباحث وذهب في الكلام عليه في مسائل : الأولى : ..
الشيخ : يعني الحديث ؟
الباحث : إي نعم .
الشيخ: بس ما ذكرت الحديث، الآن ظننتك تتكلم عن القطعة هذه فقط.
الباحث : على حديث عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْل أَنْ أَدْخُل مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ .
الشيخ : يعني سقت الحديث بتمامه .....
الباحث : والكلام على هذا الحديث في مسائل :
المسألة الأولى : من جهة الإسناد ، وهذا الحديث رواه البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، فلا يجوز إسناد عروة بن الزبير الثقة الفقيه المشهور ، قال ابن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة عروة وعمرة والقاسم .
الشيخ : مع أنه الأصح أن يقول أحفظ يعني كان هؤلاء كان عروة و...... أعلم .
الباحث : وأما الكلام على هشام بن عروة فقال الذهبي في السير الرجل حجة مطلقة ولا عبرة لما قاله الحافظ ابن حسن بن قطان من أنه سهيل بن أبي صالح اختلط أو تغير ، فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر وتنقص حدة ذهنه ، فليس هو في شيخوخته كهو في شبابه . وما ثم أحد معصوم من السهو والنسيان ، وما هذا التغير بضار أصلاً وإنما الذي يضر الاختلاط وهشام لم يختلط قط ، هذا أمر مقطوع به ، وحديثه محتج به في الموطأ والصحاح والسنن .
وقال ابن بطال إنه اختلط قول مردود مردود فارني إمام من الكبار سلم من ...... والوهم ، فهذا شعبة وهو في الذروة له أوهام وكذلك معمر والأوزاعي رحمة الله عليهم . وقال في الميزان : ولما قدم العراق في آخر عمره .............. في غضون ذلك أحاديث لم يدونها .ا.هـ.
المسألة الثانية : ذكر من أعل هذا الحديث ـ أعني حديث هشام بن عروة ـ هذا الحديث ضعفه ابن حزم وقال : إنه منكر ، وذكر ابن القيم أن بعضهم أعله مستدلين أن حماد بن زيد رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة روى حديث الحيض في الحج فقال حدثني غير واحد ، فهذا يدل على أن عروة لم يسمع من عائشة زيادة دعي عمرتك .
قال ابن القيم في زاد المعاد : وأما قوله في رواية حماد ( حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها دعي عمرتك ) فهذا إنما يحتاج إلى تعليله ورده إذا خالف الروايات الثابتة عنها ، وأما إذا وافقها وصدقها وشهد لها أنه أحرم بعمرة فهذا يدل على أنه محفوظ وأن الذي حدث به ضبطه وحفظه ، قال : مع أن حماد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعللة وهي قوله : فحدثني غير واحد ، وخالفه جماعة فروه متصلاً عن عروة عن عائشة . انتهى كلامه . قلت : لجاء التصريح بالتحديث على صحيح البخاري .
المسألة الثالثة : ما جاء في حديث عائشة في قولها : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) فهذا ظاهره المعارضة مع ما رواه البخاري عن عائشة قولها : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ) قال ابن حجر في الفتح : قولها : ( خرجنا موافين لهلال ذي الحجة ) أي قرب طلوعه ، وتقدم أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وأقمت قريبة من آخر الشهر . فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة .
المسألة الرابعة : قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ)) متى قاله النبي صلى الله عليه وسلم هل كان بسرف أو بعد فراغه من العمرة ؟ قال ابن القيم في زاد المعاد : فلما كان بسرف قال لأصحابه من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا . وهذه نقطة أخرى فوق نقطة التخيير عند الميقات ، فلما كان بمكة أمر أمراً حتماً من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه ، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه .ا.هـ.
قلت : وقد جاء التصريح أنه كان بسرف كما جاء في البخاري من طريق أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة : فنزلنا بسرف وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه الهدي فلا )) .
المسألة الخامسة : قولها في الحديث في حجة الوداع : ( فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ ) هل هذا يخالف أنها حاضت بسرف ويدل على أن الحيض أتاها في عرفة ؟ الجواب : لا ، وهذا الرواية فيها اختصار وهي رواية أبي معاوية الضرير . وروايته عن هشام قال عنها الإمام أحمد فيها اختلاط ، لكن جاء في رواية يحي القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ما يزيل هذا الاحتمال ، وهو في البخاري ، وهو قولها : ( فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ) ورواية يحيى مقدمة على رواية أبي معاوية ، على أن رواية أبي معاوية لا تدل على ما ذكروه فغاية ما تدل عليه أنها كانت يوم عرفة حائض دون أن يدل ذلك على ابتداء زمن الحيض .
الشيخ : المشكلة هذه أن الظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي في عرفة والمعروف إنها بسرف .
المسألة السادسة : أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الحيض وبوب له باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض ، وباب غسل المرأة شعرها عند غسل المحيض ، فهل هذا يدل على أن البخاري يرى أن طهرها كان يوم عرفة ؟ قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري على صحيح البخاري : وهذا الحديث لا دلالة فيه على واحد من الأمرين ، فإن غسل عائشة التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم به لم يكن من الحيض بل كانت حائضاً وحيضها يومئذٍ موجود فإنها لو كان انقطع حيضها لطافت للعمرة ولم تحتج إلى هذا السؤال ولكن أمرها أن تغتسل في حال حيضها وتُهل بالحيض ، فهو غسل للإحرام في حال الحيض .
وقد ذكر ابن ماجه في كتابه ( باب الحائض كيف تغتسل ) ثم قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعائشة بنت محمد حدثنا وكيع وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضاً : انقضي شعرك واغتسلي . قال علي في حديثه : ( انقضي رأسك ) وهذا أيضاً يوهم أنه قال لها هذا في غسلها من الحيض وهذا مختصر من حديث عائشة الذي خرجه البخاري ، وقد ذُكر هذا الحديث المختصر للإمام أحمد عن وكيع فأنكره ، قيل للإمام : كأنه اختصره من حديث الحج . فقال : أيحل له أن يختصر ؟ نقله عنه المغولي ، ونقله عنه إسحق في مسائله أنه قال : هذا باطل .
قال ابن رجب : وقد يُحمل مراد البخاري رحمه الله على وجه صحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر عائشة بنقض شعرها وامتشاطها عند الغسل للإحرام لأن الغسل للإحرام لا يتكرر فلا يشق نقض الشعر فيه ، وغُسل الحيض والنفاس يوجد فيه هذا المعنى بخلاف غسل الجنابة فإنه يتكرر فيشق النقض فيه ، فلذلك لم يؤمر فيه بنقض الشعر . انتهى كلامه .
المسألة السابعة : قال ابن رجب وقد تكلم بعض العلماء في لفظة ...
الشيخ : بقي كثير ؟ نكمل البحث إن شاء الله في الدرس القادم .(5/80)
1665 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال قُلتُ لعَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْل اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) فَلا أُرَى عَلى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالتْ عَائِشَةُ كَلا لوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلونَ لمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا جَاءَ الإِسْلامُ سَأَلُوا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلكَ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلا عُمْرَتَهُ لمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
ش16 ـ وجه أ :
11 ـ بَاب مَتَى يَحِل المُعْتَمِرُ
وَقَال عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه أَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا(5/81)
1666 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَال اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلمَّا دَخَل مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ وَأَتَى الصَّفَا وَالمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْل مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ فَقَال لهُ صَاحِبٌ لي أَكَانَ دَخَل الكَعْبَةَ قَال لا قَال فَحَدِّثْنَا مَا قَال لخَدِيجَةَ قَال بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنَ الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ
1667 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَال وَسَأَلنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا فَقَال لا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(5/82)
1668 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِي الله عَنْه قَال قَدِمْتُ عَلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَا أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ طُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِل فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كَانَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ فَقَال إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ(1)
1669 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَاللهِ مَوْلى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ صَلى اللهُ عَلى رَسُولهِ مُحَمَّدٍ لقَدْ نَزَلنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَليلٌ ظَهْرُنَا قَليلةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ فَلمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أَحْللنَا ثُمَّ أَهْللنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ(2)
__________
(1) يوجد انقطاع في شرح الشيخ رحمه الله للأحاديث الثلاثة الأولى من باب متى يحل المعتمر.
(2) أنا عندي : ( فلما مسحنا البيت أحللنا ـ بالحاء ـ ثم أهللنا من العشي بالحج ) شوف الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله: ( ونحن يومئذ خفاف ) زاد مسلم في روايته : ( خفاف الحقائب) والحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف وبالموحدة وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف . قوله : ( فاعتمرت أنا وأختي ) أي بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة ففي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فقال من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل فلم يكن معي هدي فأحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل.ا.هـ.
وهذا مغاير لذكرها الزبير مع من أحل في رواية عبد الله مولى أسماء فإن قضية رواية صفية عن أسماء أنه لم يحل لكونه ممن ساق الهدي فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع كما أشار إليه النووي على بعده وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف .
ويُقوي صنيع البخاري ما تقدم في باب الطواف على وضوء من طريق محمد بن عبد الرحمن وهو أبو الأسود المذكور في هذا الإسناد قال سألت عروة بن الزبير فذكر حديثا وفي آخره وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا . والقائل أخبرتني عروة المذكور وأمه هي أسماء بنت أبي بكر وهذا موافق لرواية عبد الله مولى أسماء عنها . وفيه إشكال آخر وهو ذكرها لعائشة فيمن طاف والواقع أنها كانت حينئذ حائضا . وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن سياق رواية هذا الباب تأباه فإنه ظاهر في أن المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع . والقول فيما وقع من ذلك في حق الزبير كالقول في حق عائشة سواء وقد قال عياض في الكلام عليه ليس هو على عمومه فإن المراد من عدا عائشة لأن الطرق الصحيحة فيها أنها حاضت فلم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها .
قال : وقيل لعل عائشة أشارت إلى عمرتها التي فعلتها من التنعيم ثم حكى التأويل السابق وأنها أرادت عمرة أخرى في غير التي في حجة الوداع وخطأه ولم يعرج على ما يتعلق بالزبير من ذلك .
قوله : ( وفلان وفلان ) كأنها سمت بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي ولم أقف على تعيينهم فقد تقدم من حديث عائشة أن أكثر الصحابة كانوا كذلك . قوله : ( فلما مسحنا البيت ) أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن وقد تقدم في باب الطواف على غير وضوء من حديث عائشة بلفظ مسحنا الركن وساغ هذا المجاز لأن كل من طاف بالبيت يمسح الركن فصار يطلق على الطواف كما قال عمر بن أبي ربيعة :
ولما قضينا من منى كل حاجة ومَسَّح بالأركان من هو ماسح
أي طاف من هو طائف.
قال عياض ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا وحذف السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف قال ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين والله أعلم .
الشيخ : عائشة لا شك أنها لم تدخل في هذا في حجة الوداع لأنها ما طافت إلا طواف الإفاضة ، وفي هذا الحديث إذا كان اللفظ محفوظاً دليل على جواز العمرة صباح اليوم الثامن ؛ لأنها تقول : ( أهللنا من العشي بالحج ) لكن الحديث كما سمعتم فيه شيء من القلق والاضطراب .
سؤال : فلما مسحنا البيت أهللنا من العشي ؟
الجواب : لا .. أحللنا ثم أهللنا . أحللنا بالحاء ثم أهللنا .(5/83)
12 ـ بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوِ الغَزْوِ
1670 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا قَفَل مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلى كُل شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ(1)
__________
(1) البخاري رحمه الله يقول : ( إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو ) والحديث قال : ( إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة ) مطابق للترجمة تماماً . لكن هل يقال هذا في كل سفر أو في هذه الأسفار الثلاثة ؟ ظاهر الحديث أنه في هذه الأسفار الثلاثة .
وقوله : ( يكبر على كل شرف من الأرض ) الشرف : المرتفع ، يكبر ثلاث مرات ، ووجه ذلك أن الإنسان إذا علا استعظم نفسه واستكبر نفسه فيقول : الله أكبر لأجل أن يذل نفسه فلا يرتفع ، ويشبه هذا من بعض الوجوه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا يقول : (( لبيك إن العيش عيش الآخرة )) سبحان الله ، لبيك إجابة لك لئلا تفتنه نفسه فيُبعد عن الله ، فيقول لبيك ثم يقول إن العيش عيش الآخرة من أجل أن يُزهد نفسه في عيش الدنيا ويرغبها في عيش الآخرة . وهكذا ينبغي لك إذا رأيت ما يعجبك من الدنيا من قصور أو سيارات أو غير ذلك تقول : لبيك إن العيش عيش الآخرة .
أما البقية يقول : ( آيِبُونَ ) أي راجعون ( تَائِبُونَ ) أي إلى الله عز وجل ، والتوبة هي التخلص من الذنب واستقامة الحال ( عَابِدُونَ ) من العبادة ( سَاجِدُونَ ) خص السجود لأنه مختص بالصلاة التي هي أفضل أنواع العبادة ( لرَبِّنَا حَامِدُونَ ) قدم المعمول لإفادة الحصر أي لربنا وحده حامدون ، والحمد هو عبارة عن إقرار الإنسان بكمال صفات الله عز وجل مع المحبة والتعظيم ( صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ ) لأي شيء ؟ وعدهم بالنصر { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } ( وَنَصَرَ عَبْدَهُ ) المراد الجنس لكن بالنسبة للإنسان إذا كان هو نصره بنفسه فالمراد العين يعني الشخص ( وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) من غير معين ، هزمهم جل وعلا بالأسباب المعلومة المعروفة ، يعني لا بخسف أو وابل من السماء بل بالأسباب المعروفة . وأبلغ مثال على هذا قصة الأحزاب الذين حاصروا المدينة ثلاث وعشرين ليلة فأرسل الله عليهم الريح الشرقية بشدة عظيمة وبرودة عظيمة حتى كفأت قدورهم ونقلت خيامهم وصاروا يصطلون على النار من شدة الهواء وبرودته ، ولعل مر عليكم قصة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حين طلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أصحابه من يذهب يخبره بخبر القوم ، كررها مرتين أو ثلاثة ثم قال : (( قم يا حذيفة )) فقلت : لما قال قم يا حذيفة لم أر بداً من إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال : (( اذهب وأخبرنا عن القوم ولا تُحدث شيئاً )) يقول : فخرجت من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخلت مكانهم مع شدة البرودة كأني في حمام ـ الله أكبر أذهب الله البرودة والريح وكل شيء ـ يقول فجعلت أنظر فإذا أبو سفيان يصطلي على النار يستدبرها ويستقبلها ، يقول : فلو أردت أن أصيبه لأصبته لقربي منه وتمكني لكني قد قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تُحدث شيئاً )) فلم أُحدث ، يقول : ثم صاح أبو سفيان لينظر كل واحد منكم من جليسه . يقول : فأخذت من بجانبي فقلت من أنت ؟ ـ بادره وهذا مما يدل على الذكاء ـ من أنت ؟ قال أنا فلان . يقول : فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلما دخلت ـ يعني تعديت منطقة العدو ودخلت منطقة الصحابة عاد البرد كما كان ، يقول : فجئت للنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع علي من ردائه عليه الصلاة والسلام ليدفأ .
فالحاصل أن الله تعالى نصر المسلمين هنا بشيء خارج عن العادة أو هو المعتاد ؟ معتاد لأن الريح والبرد الشديد معروف أن الناس ما هم صابرين عليها لكن ما نزل من شيء من السماء ، إذاً هزم الأحزاب وحده بما أرسل عليهم من أسباب الهزيمة . نشوف كلامه في الترجمة هل هذا الذكر خاص بمن يرجع من غزو أو حج أو عمرة أو عام ؟
القارئ : يقول : سيأتي في الدعوات . يقول : أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر وهذا في حق المعتمر الآفاقي وقد ترجم لحديث الباب حديث نافع عن ابن عمر في الدعوات ما يقول إذا أراد سفرا أو رجع ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يقول إذا قفل من الغزو هل يكون حين قفوله أو إذا رأى مرتفع ؟
الجواب : لا .. إذا قفل ، الحديث يدل على هذا .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، الحديث ظاهر في الدابة التي على الأرض ؟
الجواب : كيف الدابة ؟
السائل : هل يشرع إذا ارتفعت الطائرة عن الأرض أن يُكبر ؟
الجواب : إي نعم حين ارتفاعها يُكبر ، حين نزولها يسبح .
سؤال : ما المناسبة إذا نزل يقول سبحان الله ؟
الجواب : لأن النزول سفول والسفول نقص ، فينزه الله عز وجل عن النقص والسفول . واضحة المناسبة ؟
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، قول سبحان الله في النزول هل هو عام أم في السفر فقط ؟
الجواب : لا .. ورد في السفر فقط .
سؤال : هل للمسلم كلما وجد في نفسه شيء من الكبر والاستكبار أن يفعل من الأذكار من أجل أن تطمئن نفسه ؟
الجواب : إي نعم ، ما يوجب أن يطمئن مثل الله أكبر .
سؤال : بالنسبة للسجود في الصلاة يكون في الصلاة خاصة
الجواب : ولهذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . والظاهر أنه لو سجد سجود تلاوة يدخل في هذا .(5/84)
13 ـ بَاب اسْتِقْبَال الحَاجِّ القَادِمِينَ وَالثَّلاثَةِ عَلى الدَّابَّةِ
1671 حَدَّثَنَا مُعَلى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلتْهُ أُغَيْلمَةُ بَنِي عَبْدِالمُطَّلبِ فَحَمَل وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلفَهُ(1)
14 ـ بَاب القُدُومِ بِالغَدَاةِ
1672 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَجَّاجِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلى مَكَّةَ يُصَلي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلى بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ(2)
15 ـ بَاب الدُّخُول بِالعَشِيِّ
__________
(1) هذا في استقبال القادم من الحج ومن غيره أيضاً ، وكان الناس فيما سبق أدركناهم يفعلون ذلك ؛ لأن ركب الحج يذهبون جميعاً ويرجعون جميعاً . إذا ذهبوا يخرج معهم الناس يشيعونهم وإذا رجعوا خرج الناس خارج البلد يستقبلونهم . لكن الآن فيه استقبال الذين يخرجون للمطار مثلاً يخرجون يستقبلون المسافرين .
(2) تعليق من فتح الباري :
أورد فيه حديث ابن عمر في خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة من طريق الشجرة ومبيته بذي الحليفة إذا رجع وفيه ما ترجم له وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أوائل الحج .
الشيخ : ما شاء الله هذا ابن حجر ؟(5/85)
1673 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي طَلحَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَال كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يَطْرُقُ أَهْلهُ كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً(1)
__________
(1) العشي آخر النهار ، والطرق هو الغدو في الليل ، والآن اختلفت الأمور قد لا يتهيأ للإنسان أن يصل إلى بلده إلا في الليل كما هي مواعيد الطائرات الآن لكن يُخبر أهله بأنه سيقدم عليهم الليلة الفلانية حتى لا يبغتهم وحتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك .
سؤال : هل يخبرهم قبل قدومه بساعة ؟
الجواب : الأفضل أن يخبرهم قبل قدومه بوقت يتمكنون من التهيؤ له.
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة ) قال عياض : هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا ، وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب .
سؤال : هل يصلي المسافر إذا رجع ركعتين في بيته أو يصلي قبل أن يدخل البلد ؟
الجواب : لا .. لابد أن يدخل البلد ، إذا دخل المسافر البلد أول ما يبدأ أن يصلي ركعتين في المسجد .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع ) فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري ومثله في رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ باب ، والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق فيما أظن الحديث الذي أوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر وقد أردف صفية فلما كان ببعض الطريق عثرت الناقة ) فإن في آخره : ( فلما أشرفنا على المدينة قال : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الأدب وفي أواخر اللباس وشرحته هناك إلا الكلام الأخير هنا فوعدت بشرحه هنا .
قوله : ( كان إذا قفل ) بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه ووقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا .. ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون .. ) الحديث وإلى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله : ( إذا أراد سفرا ) .
قوله : ( من غزو أو حج أو عمرة ) ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة ، وقيل يتعدى أيضا إلى المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب ، وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لان مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره . وهذا التعليل متعقب لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص ، فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شُرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، ولهذا ترجم بالسفر على أنه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في أواخر أبواب العمرة ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة .
قوله : ( يكبر على كل شرف ) بفتح المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي ، ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ : ( إذا أوفى ) أي ارتفع . قوله : ( على ثنية ) بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة أو فدفد بفتح الفاء بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع ، وقيل هو الأرض المستوية ، وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره ، وقيل غليظ الأودية ذات الحصى .
قوله : ( ثم يقول لا إله إلا الله .. ) إلى آخره ، يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه وإلا فإذا هبط سبح كما دل عليه حديث جابر . ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط . قال القرطبي : وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المتفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن .
قوله : ( آيبون ) جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير نحن آيبون وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ، وقوله : ( تائبون ) فيه إشارة إلى التقصير في العبادة ، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لأمته أو المراد أمته كما تقدم تقريره . وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب .
قوله : ( صدق الله وعده ) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله : { وعدكم الله مغانم كثيرة } ، وقوله : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ... } الآية ، وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } .
قوله : ( ونصر عبده ) يريد نفسه ، قوله : ( وهزم الأحزاب وحده ) أي فعل أحد من الآدميين ، واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب ، وقد مضى خبرهم مفصلا في كتاب المغازي ، وقيل المراد أعم من ذلك ، وقال النووي المشهور الأول وقيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الدعاء إنما شرع من بعد الخندق والجواب أن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة الأحزاب : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } وفيها قبل ذلك : { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .. } الآية ، والأصل في الأحزاب أنه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار ، وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب . قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر .
الشيخ : الأول أظهر لا شك وأيضاً الأظهر إنه عام ليس خاص بالأحزاب الذين حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بل هو عام .(5/86)
16 ـ بَاب لا يَطْرُقُ أَهْلهُ إِذَا بَلغَ المَدِينَةَ
1674 حَدَّثَنَا مُسْلمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه قَال نَهَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلهُ ليْلا(1)
17 ـ بَاب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلغَ المَدِينَةَ
1675 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا قَال أبو عَبْد اللهِ زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا .
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَال جُدُرَاتِ تَابَعَهُ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ(2)
18 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )
__________
(1) وسبق أن المراد ( لا يطرق أهله ليلاً ) إلا إذا أعلمهم ، إذا أعلمهم فلا بأس . وفي الوقت الحاضر كما هو معلوم تكون مواعيد الطائرات الآن لا تكون إلا في الليل ، لكن يكون عند الأهل خبر باتصال هاتفي أو موعد مقدم يعني سأحضر في الليلة الفلانية فيزول المحظور ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن السبب قال : (( لأجل أن تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة )) .
(2) وهذا يدل على محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمدينة وأنه من شدة الشوق إذا رآها حرك الناقة ، فيستفاد من هذا أنه إذا كان الإنسان يحب بلدته فإنه إذا أقبل عليها يُحرك كما يفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : كيف يُحرك ؟
الجواب : يسرع في المشي .(5/87)
1676 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَل أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَخَل مِنْ قِبَل بَابِهِ فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلكَ فَنَزَلتْ ( وَليْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )(1)
19 ـ بَاب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ
__________
(1) ها يدل على جهل الناس قبل الإسلام وأن الرجل إذا قفل من الحج أو العمرة لا يدخل من الباب المعروف ، يذهب يتسور الجدار ، ويرون أن دخوله مع الباب عيب ، ولكن الله عز وجل بيَّن هذا وأن المشروع أن يأتوا البيوت من أبوابها . وهذه الجملة في الآية صارت نبراساً يتمشى عليه الإنسان في تصرفاته فيأتي البيوت من أبوابها حتى في المعاملات . مثلاً إذا كان عنده إشكال لا يذهب إلى إدارة التعليم مثلاً دون إدارة المدرسة ، يبدأ بإدارة المدرسة . إذا تنتهي إلى إدارة التعليم لا يرفعها للوزارة ، وهكذا ، فصارت هذه الآية مثلاً لكل من أراد أن يعامل معاملة فيأتي البيوت من أبوابها .
كذلك أيضاً لو رأى امرأة متبرجة فلا يتكلم معها ، يتكلم مع من ؟ مع وليها زوجها أو أبيها أو أخيها أو ما أشبه ذلك ، فيكون قد أتى البيوت من أبوابها . كذلك أيضاً في طلب العلم لا يطلب العلم أول ما يطلب يذهب إلى المغني مثلاً أو إلى الشرح المهذب أو إلى التمهيد أو ما أشبه ذلك ، لا .. يبدأ من أسفل . فهذه الآية الكريمة صارت الآن نبراساً يمشي عليه الناس في كل أحوالهم .(5/88)
1677 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَليُعَجِّل إِلى أَهْلهِ (1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن السفر قطعة من العذاب ، يعني من الألم والتعب والتأذي ، وليس المراد العذاب الذي هو عقوبة الله عز وجل ؛ لأن السفر قد يكون سفر طاعة ، سفر حج ، جهاد ، عمرة ، طلب علم ، لكن المراد أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام يمنع الإنسان الراحة ويكون دائماً في هم ، وسبحان الله حتى في وقتنا الحاضر الذي كان السفر على الطائرات هو أيضاً فيه عذاب ، وهو على الطائرة تجده يقول : أخشى أن تقع ، أخشى أن تضل ، وما أشبه ذلك . فالإنسان في قلق ما دام مسافراً ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قضى الإنسان حاجته من سفره أن يُعجل إلى أهله ، ومن ذلك الحج والعمرة إذا انتهيت من الحج والعمرة فعجل إلى الأهل ؛ لأن غرضك الذي جئت من أجله قد انتهى . وفي هذا حسن المعاشرة للأهل أن الإنسان لا يتأخر عنهم ما دام انتهت حاجته فلا يتأخر .
سؤال : أحسن الله إليكم ، بالنسبة للآية { وادخلوا البيوت من أبوابها } الآن إذا جاء شخص يريد شخصاً في الغالب أنه يأتيه من الشباك يناديه ، فهل يدخل في النهي ؟
الجواب: هذا فيمن أراد أن يدخل البيت أما هذا ما أراد أن يدخل البيت
السائل : إذاً لا حرج أن ينادي عليه ؟
الجواب : لا بأس ، بس لا يزعجه فيكون من جنس الأعراب الذين ينادون الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، ........... ؟
الجواب : كل مسافر سواء للحج أو عمرة أو زيارة أو تجارة ....
( ملحوظة ) : يوجد انقطاع في الشرح مع نهاية الوجه الأول من الشريط 16 وبداية الوجه الثاني من نفس الشريط )
الشيخ : هل نأخذ بعموم أول الآية ونقول : ثلاثة قروء واجبة على كل مطلقة سواء كان طلاقها بائناً أو رجعياً أو نقول إن هذا خاص بالرجعية ؟ على القاعدة أن يكون عاماً حتى المطلقة ثلاثاً لابد أن تعتد ثلاثة قروء لكن إذا تأمل الإنسان وجد إنها خاصة بالرجعية ، لماذا ؟ لأنه إنما كانت ثلاثة قروء لعله يندم ويرجع ، والبائن ليس فيها رجعة ، فثلاثة قروء زيادة تطويل عليها لا حاجة إليها . ويدل لهذا أنه ثبت أن المخالعة تعتد بحيضة واحدة لأنه لا رجعة لها ، فيكون هذا لم يخرج عن القاعدة إلا لسبب وإلا لكان عاماً .(5/89)
20 ـ بَاب المُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلى أَهْلهِ
1678 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ قَال كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَل فَصَلى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَال إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبْوَاب المُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
وَقَوْلهِ تَعَالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلا تَحْلقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) وَقَال عَطَاءٌ الإِحْصَارُ مِنْ كُل شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَال أبو عَبْد اللهِ ( حَصُورًا ) لا يَأْتِي النِّسَاءَ.(1)
1 ـ بَاب إِذَا أُحْصِرَ المُعْتَمِرُ
__________
(1) عطاء رحمه الله يقول : ( الإِحْصَارُ مِنْ كُل شَيْءٍ يَحْبِسُهُ ) يعني عموم ، وقوله هو الصواب .(5/90)
1679 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا حِينَ خَرَجَ إِلى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ قَال إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْل أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ أَهَل بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ .(1)
__________
(1) إذا أُحصر فماذا يصنع ؟ قال الله عز وجل : { فما استيسر من الهدي } يعني يجب أن يفدي بذبح ما استيسر من الهدي ، فإن لم يجد ؟ فقال الفقهاء رحمهم الله : يصوم عشرة أيام قياساً على دم المتعة . ولكن الصواب عدم وجوب الصيام ؛ لأن الله قال : { فما استيسر من الهدي } وسكت فنقف على ما وقف الله عليه ، ولا يصح القياس ؛ لأن دم التمتع دم شكران وهذا دم جبران لما فاته من إتمام النسك . طيب وهل يجب الحلق أو لا يجب ؟ ليس في الآية ما يدل على وجوب الحلق لكن السنة دلت على وجوبه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يحلقوا ولكنهم تأخروا رضي الله عنهم رجاء أن يرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذا الأمر فدخل على أم سلمة متغيراً غاضباً ، فقالت : يا رسول الله اخرج ولا تكلم أحداً وادع بالحلاق فليحلق ، ففعل . فجعل الناس يكادون يقتتلون على المبادرة بالحلق . وهذا يدل على أن تأثير الفعل أقوى من تأثير القول .
سؤال : أحسن الله إليك ، فعل ابن عمر في هذا الحديث أنه في الفتنة ولعله يتوقع أن يُصد ؟
الجواب : نعم هو لا يرى أن يشترط أي واحد ويُنكر الاشتراط غاية الإنكار ويقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . عكس الذين يقولون : اشترط وإن لم تخش ما ينهاك . والصواب أن الاشتراط في الإحرام أن من خشي مانعاً لإتمام نسكه فليشترط ومن لا فلا .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، قوله في الآية ( فما استيسر من الهدي ... ) هذا ليس من المعروف ، فهل يكون أي شيء ؟
الجواب : لا .. فما استيسر من الهدي وجوداً .
السائل : لو أقل شيء ؟
الجواب : لا .. لا تذبح إلا مسنة ، تريد مثلاً تذبح ما له إلا شهر ؟ تذبحه وتهديه في الغنم . ( ما استيسر ) فهم إن المعنى أي شيء ، لكن لابد أن يكون مما يُجزئ في الأضحية .
سؤال : هل الحاج مفرد هل عليه فدية أيضاً ؟
الجواب : المفرد لا ما عليه ، يعني قصدك المحصر أو غير محصر؟
السائل : المحصر .
الجواب : لا .. كلا من أُحصر لابد أن يذبح ما استيسر من الهدي لأجل عدم إتمام النسك .(5/91)
1680 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَاللهِ بْنَ عَبْدِاللهِ وَسَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلمَا عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا ليَاليَ نَزَل الجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالا لا يَضُرُّكَ أَنْ لا تَحُجَّ العَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَال بَيْنَكَ وَبَيْنَ البَيْتِ فَقَال خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَدْيَهُ وَحَلقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ العُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْطَلقُ فَإِنْ خُليَ بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيل بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلتُ كَمَا فَعَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ مِنْ ذِي الحُليْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَال إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلمْ يَحِل مِنْهُمَا حَتَّى حَل يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لا يَحِل حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ . حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِاللهِ قَال لهُ لوْ أَقَمْتَ بِهَذَا .(5/92)
1681 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَال قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَلقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلا(1)
2 ـ بَاب الإِحْصَارِ فِي الحَجِّ
__________
(1) وهذا اعتماره للعام القابل ليس قضاءً للعمرة التي أُحصر فيها ؛ لأنه إذا أُحصر انتهت العمرة ، لكنه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً على هذه العمرة فسميت عمرة القضاء أو عمرة القصية ، ويدل لهذا أن الذين اعتمروا عام الحديبية لم يعتمر بعضهم عمرة القضية ولا قال للناس اقضوا عمرتكم . فالصواب أن من أُحصر تحلل بما استيسر من الهدي وبالحلق ولا يلزمه الإعادة إلا إذا كان النسك هذا فَرَضَه فيلزمه أن يحج من العام القابل لا على أنه قضاء ولكن على أنه فريضة . .
سؤال : في الإحصار لو أحرم بالحج ولم يتمكن من الذهاب ؟
الجواب : يجب أن تعرف الفرق بين الإحصار وبين الفوات ، الإحصار أنه يُمنع ، والفوات أنه ما يدرك الوقوف بعرفة . فماذا تريد ؟
السائل : أريد الإحصار وفوات الحج لأنالحج موقت بوقت فهل نقول مثلاً مجرد الإحصار يحل ويفدي أم ممكن أن ينتظر فقد يتمكن من الأداء كما لو جاءه المرض مثلاً في الطريق ؟
الجواب : المذهب لا ترد عليه هذه المسألة ، الذين يقولون إن الإحصار خاص بالعدو يقولون : إذا أُحصر بمرض يبقى على إحرامه حتى يُعافى ثم يقضي ولو بقي عشرين سنة . لكن هذا القول كما ترى أولاً أنه ضعيف والثاني فيه مشقة على الناس .(5/93)
1682 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال أَخْبَرَنِي سَالمٌ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَليْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِاللهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال حَدَّثَنِي سَالمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ(1)
3 ـ بَاب النَّحْرِ قَبْل الحَلقِ فِي الحَصْرِ
1683 حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ المِسْوَرِ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ نَحَرَ قَبْل أَنْ يَحْلقَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلكَ.
1684 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الوَليدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ قَال وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَاللهِ وَسَالمًا كَلمَا عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا فَقَال خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بُدْنَهُ وَحَلقَ رَأْسَهُ.
4 ـ بَاب مَنْ قَال ليْسَ عَلى المُحْصَرِ بَدَلٌ
__________
(1) هذا إذا حُصر عن الحج يعني مُنع من الخروج إلى عرفة ومزدلفة ومنى فماذا يصنع ؟ نقول : يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر. وقول ابن عمر رضي الله عنه : ( يَحُجَّ عَامًا قَابِلا ) هذا إذا لم يؤد الفريضة فأمتا إذا أداها فقد تحلل بالإحصار .(5/94)
وَقَال رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا إِنَّمَا البَدَلُ عَلى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلكَ فَإِنَّهُ يَحِل وَلا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لمْ يَحِل حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ وَقَال مَالكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلا قَضَاءَ عَليْهِ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَصْحَابَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلقُوا وَحَلوا مِنْ كُل شَيْءٍ قَبْل الطَّوَافِ وَقَبْل أَنْ يَصِل الهَدْيُ إِلى البَيْتِ ثُمَّ لمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلا يَعُودُوا لهُ وَالحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنَ الحَرَمِ(1)
__________
(1) ظاهر الحديث أنه لا يلزمه البدل ، يعني لا يلزمه أن يأتي بعمرة بدل التي أُحصر فيها .
سؤال : في باب الإحصار في الحج قول ابن عمر : أو يصوموا إن لم يفتدوا .....؟
الجواب : هذا المتمتع ، اقرأ الحديث .
السائل : إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا .
الجواب : الظاهر أنه في التمتع .
سؤال : التحلل بالإحصار يكون بالنحر ؟
الجواب: بالنحر والحلق الصحيح أنه بهما جميعاً، وأنه لا بد أن ينحر ويحلق .(5/95)
1685 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال حِينَ خَرَجَ إِلى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْل أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ أَهَل بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَال مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ فَالتَفَتَ إِلى أَصْحَابِهِ فَقَال مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الحَجَّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى(1)
__________
(1) في هذا دليل على أنه يجوز للإنسان إدخال الحج على العمرة ولو بدون ضرورة. عائشة رضي الله عنها أدخلت الحج على العمرة للضرورة، ما هي الضرورة التي أوجبت لعائشة أن تدخل الحج على العمرة ؟
طالب : كانت عائشة في الحيض .
الشيخ : نعم كانت حائضاً ولم تتمكن من الطواف بالبيت فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تُدخل الحج على العمرة ، لكن إذا لم يكن ضرورة فهل نُدخل الحج على العمرة ؟ الجواب : نعم كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه . وهذا أحياناً تأتي عند الحاجة بمعنى أن الإنسان يُحرم بالعمرة متمتعاً بها لإلى الحج فإذا وصل إلى مكة وجد الزحام شديداً ، فهنا نقول : أدخل الحج على العمرة وتكون قارناً وارجع إلى رحلك وإذا كان يوم العيد تطوف طواف الإفاضة لأن طواف القدوم سنة . بمعنى إذاً قد يحتاج الإنسان إلى إدخال الحج على العمرة بدون عذر . فنقول الحمد لله الأمر في هذا واسع .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قد يأتي إنسان بنية أن يتمتع لكنه ما يبقى من الوقت إلا ساعة أو ساعة ونصف ويبدأ وقت الإهلال بالحج في اليوم الثامن فهل الأفضل أن يتمتع والبقية من الوقت وهو ضيق جداً ؟
الجواب : إذا أمكن أن يتمتع ولو لساعة واحدة يكفي ، لكن إذا وصل بعد الظهر يوم ثمانية فهنا نقول لا تمتع لأنه دخل وقت الحج وإقامتك في منى أفضل من طوافك. المقصود من التمتع الراحة التمتع، الإنسان إذا تمتع لبس ثيابه وفعل جميع المحظورات حتى لو كانت امرأته معه يتمتع بها.
سؤال : أحسن الله إليك ، بعضهم يتم العمرة ثم يضع رداءه على رأسه ثم يحرم بالحج في الحال ؟
الجواب : غلط ، أنا أرى إذا لم يصل إلى مكة إلا بعد خروج الناس إلى منى يجعلها حجة ويكون قارناً .
سؤال : قول ابن عمر رضي الله عنهما : ( إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ ) هل هي صفة تجمع الصفات كلها أو يختص بعضها عن بعض ؟
الجواب : لا .. هذا كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((دخلت العمرة في الحج )) فمعنى شأنهما واحد أن بعضهما لا يناقض بعض ، فإذا أدخلت الحج على العمرة فإن العمرة لا تبطل ، أكون جامعاً بين الحج والعمرة قراناً .(5/96)
5 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلاثَةُ أَيَّامٍ(1)
1686 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَال لعَلكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَال نَعَمْ يَا رَسُول اللهِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ احْلقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ(2)
__________
(1) قوله : (أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) قال العلماء : كلما جاءت ( أو ) في القرآن فهي للتخيير ، يعني في الأحكام ، كلما جاءت ( أو ) في القرآن في الأحكام فهي للتخيير .
(2) هذا كعب بن عجرة رضي الله عنه كان مع المسلمين في الحديبية وكان مريضاً وكان القمل يكثر في المرضى ، وكان عليهم شعر فيتوارى في هذا الشعر ويكثر ، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمولاً والقمل يتناثر على وجهه ، فقال : (( ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى )) يعني ما كنت أظن أنك وصلت إلى هذا الحال ، ثم أمره أن يحلق وأن يفدي . يحلق لإيش ؟ لإزالة الأذى ، ما في ضرر القمل ما هو متعب ، لكن يتأذى به ، أمره أن يحلق وأن يُطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة ، شاة تُجزئ يوزعها على الفقراء ، هو مُخير في هذا . وبدأ الله تعالى بالصيام لأنه أسهل ، في الغالب أسهل ، ثم بالإطعام لأنه أسهل من الذبح ، ثم بالذبح .
أطلق العلماء على هذه الفدية فدية الأذى ، فكلما سمعت في كتب الفقهاء فدية أذى فهي هذه ، فدية على التخيير والحمد لله .
طيب فإذا قال قائل : بأي شيء تثبت هذه الفدية ؟ فاسمع : قال الفقهاء : الشعرة في إطعام مسكين ، والثانية إطعام مسكينين ، والثالثة فدية أذى . سبحان الله ، ما هو الدليل على أن الشعرة فديتها إطعام مسكين ؟ لا دليل ، والشعرتين إطعام مسكينين ؟ لا دليل ، والثلاث شاة ؟ لا دليل ، هل يمكن أن يُقال لإنسان أخذ ثلاث شعرات واحدة من هنا واحدة من وراء وواحدة من الجانب الثاني هل يُقال إنه حلق ؟ أبداً ولا يُقال إنه حلق ، لو أخذ ثلاثين ما يقال إنه حلق ، فكيف نُلزم عباد الله بما لم يُلزمهم به الله ؟ وهذه الشعرات لا تُزيل الشعر ولا الغبرة ، الشعر باقي لم يتأثر فكيف نوجب الفدية؟ سبحان الله، ثلاث شعرات فيهن شاة بثلاثمائة ريال أو أكثر أو أقل؟ المهم أننا كيف نوجب على عباد الله ما لم يوجبه الله .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه حلق للحجامة وهو مُحرم ، ومعلوم أن الحلق للحجامة واسع يمكن أربعمائة شعرة ، ومع ذلك لم يفدي ، لماذا ؟ لأنه لا يُطلق عليه أنه حلق رأسه ، حلق جزءاً من رأسه لا يفوت به الشعر ولا يختل به النسك لأنه سيحلق الباقي عند انتهاء النسك، فانظر إلى الحجامة كيف حلق النبي صلى الله عليه وسلم لموضعها ولم يفد وهي ليست ثلاث شعرات ولا أربع ولا عشرة ، كثيرة . فالصواب أن يقال إن الفدية لا تلزم إلا من حلق رأسه كلها أو أكثرها ، وما دون ذلك دون أكثر يعني الثلث مثلاً أو الربع فهو آثم لا شك لكن ما فيه فدية ولا يلزم من الإثم ثبوت الفدية ولا من سقوط الفدية سقوط الإثم . المهم أن هذا هو القول الراجح وإنما قلنا إذا حلق الأغلب الأكثر لأن الأغلب ملحق بالكل في كثير من مسائل العلم وإنما قلنا أيضاً لا فدية حتى يحلق الرأس كله هذا هو الصواب وهو الذي تطمئن له النفس وهو الذي يمكن أن يكون حجة للعبد أمام الله عز وجل يوم القيامة كيف أوجبت على عبادي ما لم أوجب عليهم ؟ المسألة ما هي هينة يا جماعة ، إيجاب ما لم يجب كتحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ولا فرق .
طيب إذا قال قائل : هل يجوز حلق الرأس لغير قمل ، مثل لو فرضنا أن الرأس تجرحت نبت فيه جروح كثيرة لا يمكن معالجتها إلا بإزالة الشعر هل يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز لكن فيه فدية كما لو حلقه لإزالة القمل . أفهمتم ؟ طيب .
سؤال : أحسن الله إليكم ، ماالقدر الذي يتحلل به المحرم بالحلق ؟
الجواب : كل الرأس .
سؤال : من جامع زوجته في الحج وجب عليه القضاء ؟
الجواب : الجماع ، يعني من أفسد نسكه الجماع وجب عليه القضاء .
سؤال : ولو أدى الواجب ؟
الجواب : أي واجب ؟ ولو أدى الواجب لأن الإنسان إذا شرع في الحج أو العمرة وجب عليه لزمه وصار لازماً في حقه ، وهذا الذي تلذذ بامرأته لا لعذر ليس كالمحصر ، المحصر هو الذي لا يجب عليه إلا قضاء الواجب ، أما هذا فهو أفسده باختياره ، واضح ؟(5/97)
6 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( أَوْ صَدَقَةٍ ) وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
1687 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَال حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَال سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي ليْلى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَال وَقَفَ عَليَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلا فَقَال يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلتُ نَعَمْ قَال فَاحْلقْ رَأْسَكَ أَوْ قَال احْلقْ قَال فِيَّ نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ) إِلى آخِرِهَا فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ(1)
7 ـ بَاب الإِطْعَامُ فِي الفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
__________
(1) هذا فيه دليل على مقدار ما يتصدق به وهو ( فَرَق ) مقداره ثلاثة أوصع فيكون لكل مسكين نصف صاع . وهذه الكفارة فيها تقدير الآخذ والمعطى، فمن الآخذ ستة مساكين والمُعطى نصف صاع لكل واحد . هناك شيء يُقدر فيه المعطى دون الآخذ وذلك صدقة الفطر فيها صاع من طعام ، تُعطيه كم ؟ أعطه لمن شئت ، أعطه واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة . فهنا قُدر بماذا قُدر ؟ المُعطى .
فيه من قُدر الآخذ دون المُعطى ، يعني الطاعم دون المُطعم وهي كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ولم يُقدر ، فتبرأ ذمته بما يصدق عليه أنه إطعام . فصار ثلاثة أنواع : ما قُدر فيه المطعوم والطاعم ، وما قُدر فيه المطعوم دون الطاعم ، وما قُدر فيه الطاعم دون المطعوم .(5/98)
1688 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَال جَلسْتُ إِلى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه فَسَأَلتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فَقَال نَزَلتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لكُمْ عَامَّةً حُمِلتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهِي فَقَال مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلتُ لا فَقَال فَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لكُل مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ(1)
8 ـ بَاب النُّسْكُ شَاةٌ
__________
(1) هذا من الاختصار ، إلا أنه بدأ بذبح الشاة لأنها أنفع للفقراء ، وليس ذلك بواجب ففي كتاب الله ذكر الشاة بعد الصيام والصدقة فالمسألة ليست على الترتيب إلا على وجه الأفضلية ، الأفضل نسك شاة ثم إطعام ثم صيام .(5/99)
1689 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلى وَجْهِهِ فَقَال أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَال نَعَمْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلقَ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَلمْ يَتَبَيَّنْ لهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلونَ بِهَا وَهُمْ عَلى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَل اللهُ الفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ(1) وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلى وَجْهِهِ مِثْلهُ.
9 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( فَلا رَفَثَ )
__________
(1) والمراد ( يهدي شاة ) أي يفدي بها لأن الفدية ليست هدياً .(5/100)
1690 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلدَتْهُ أُمُّهُ (1)
10 ـ بَاب قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل ( وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ )
__________
(1) الشاهد قوله : ( لمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ ) يعني يعصي ، والرفث الجماع ومقدماته هذا هو الرفث ، فقوله تعالى : { لا رفث } يعني لا جماع ولا مقدمات الجماع ولا ما كان سبباً للجماع ، ولهذا لا يخطب المحرم ولا يعقد ، حتى خطبة النساء حرام على المحرم ، فإذا حل فالتحلل نوعان : التحلل الثاني وهو الأكبر يتحلل من كل شيء حتى من النساء فيجوز له أن يجامع ، وتحلل أصغر وهو الأول يحل من كل شيء إلا الجماع . ولهذا كان الصواب أن من عقد بعد التحلل الأول عقد نكاح فنكاحه صحيح ، ومن باشر ولم يجامع فلا حرج عليه والمحرم هو الجماع فقط . وقال بعض أهل العلم : يحرم عليه بعد التحلل الأول كل ما يتعلق بالنساء من الخطبة والعقد والمباشرة وغير ذلك .
وقوله في الحديث : ( فقد حل لكم كل شيء إلا النساء ) ظاهره النساء يعني الجماع ومع ذلك فهو داخل في التحريم .(5/101)
1691 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلدَتْهُ أُمُّهُ (1)
__________
(1) كيوم ولدته أمه ) وفي الأول ( كما ولدته ) والمعنى واحد ، المعنى أن الله يغفر له فيرجع نقياً من الذنوب لكن لم يرفث ولم يفسق . الترجمة يقول : (بَاب قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل : وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ ) لم يذكر الجدال في الحديث ، والجدال نوعان بل ثلاثة أنواع :
الأول : جدال يراد به إثبات الحق وإبطال الباطل وهذا واجب في حال الإحرام وعدمه ولابد منه ، فلو رأينا رجلاً يجادل ببدعة والإنسان محرم فهل يسكت ويقول لا جدال؟ لا .. يجب أن يجادل لعموم قوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } يجب أن يجادل .
الثاني : الجدال المحرم في الإحرام وغيره ، وهو الذي يجادل بالباطل ليدحض به الحق ، كصاحب بدعة يجادل عن بدعته أو إنسان يجادل عن وجوب صلاة الجماعة ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا محرم ، لا في الإحرام ولا في غير إحرام ، وضابطه كل من جادل بباطل ليدحض به الحق .
الثالث : جدال لا لهذا ولا لهذا كما يحدث بين الناس كثيراً في المجالس ، فهذا يُنهى عنه في الحج وأما في غيره فيُنظر ماذا يستفيد منه ، يعني هو من جنس المباح الذي يكون له الأحكام الخمسة لكن في الحج لا جدال ؛ لأنك إذا جادلت انفتح على نفسك باب التفكير ليش يقول كذا ليش يقول كذا ، ثم إن الجدال يوجب أن تحمأ النفس وتنفعل وتغلط ، وهذا لا شك أنه يخفف من هيبة النسك ، ثم إنا لو قدرنا إنك في الطواف وجعلت تجادل بشيء ليس واجباً عليك انشغلت عن أذكار الطواف وانشغل قلبك أيضاً عن مراقبة الله عز وجل فيضيع عليك ، وإذا كان الكلام مطلقاً محرماً في الصلاة فالجدال في الحج محرم ، ولا غرابة أن يحرم الجدال في الحج ويباح في غير الحج ، وهذا في غير الجدال الواجب الذي يُقصد به إبطال الباطل وإحقاق الحق فهذا واجب في كل حال .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، ما هو ضابط الفسوق ؟
الجواب : ضابطه الحرام ، كل شيء حرام فهو فسوق .
سؤال : يا شيخ ، كيومِ أو كيومَ
الجواب : لا .. هو مبني ، والمبني إذا أُضيف الزمان إلى جملة ماضية صار الأشهر بناؤه علىالفتح .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هنا حدد الطاعم والمطعوم والثاني يا شيخ والثالث ؟
الجواب : حُدد الطاعم دون المطعوم ، حُدد المطعوم دون الطاعم .
السائل : الأولى .
الجواب : لماذا لا تقل لي أعدها من الأول بدلاً من أن تذهب يمين ويسار ؟ شيء حُدد في الطاعم والمطعوم كهذه الفدية ، حُدد فيه المطعوم دون الطاعم كصدقة الفطر صاع من طعام لو أطعمت به عشرة ما يخالف أو تعطيه واحد يكفي ، الثالث شيء حُدد فيه الطاعم دون المطعوم وهو كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين وكذلك في الظهار إطعام ستين مسكيناً ولم يبين قدر ما يُطعم .
سؤال : وليس في هذين اللفظين معرفة حتى يُرد بل اللفظة المنكرة هي ما رواها أبو معاوية ؟
الجواب : ش17 ـ وجه أ :
المعتمد أنها حاضت بسرف وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تدخل الحج على العمرة بسرف وقال لها : ((دعي العمرة )) يعني اتركي أعمالها لأنها لما كانت قارنة دخلت أعمال العمرة في الحج فلا تفعل إلا الحج فقط ، وهذا تستقيم به الأدلة ولا يحصل إشكال .(5/102)
1 ـ بَاب جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ
وَقَوْل اللهِ تَعَالى : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلكَ صِيَامًا ليَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِليْهِ تُحْشَرُونَ )(1)
__________
(1) قال البخاري رحمه الله: ( باب قول الله تعالى : لا تقتلوا الصيد ) حذف أول الآية والأولى ذكرها : { يا أيها الذين آمنوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } جملة ( وأنتم حرم ) حال في موضع نصب ، والمعنى : وأنتم في حال حرمه وهذا يشمل من أحرم بحج أو عمرة ومن كان داخل حدود الحرم وإن كان محلاً . والمراد بالصيد كل حيوان حلال بري متوحش ، كل حيوان حلال بري يعني بحسب الأصل ، متوحش . فخرج بذلك الحرام فهذا لا يحرم على المحرم قتله . ومنه ما هو مأمور بقتله كالخمس الفواسق، وخرج بقولنا بري البحري ، فالبحري لا يحرم سواء كان في الحرم أو خارج الحرم وسواء كان الإنسان محلاً أو محرماً ، حلال لقوله تعالى : { أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } .
الشرط الثالث : متوحش أصلاً ، يعني ليس أليفاً يعيش مع الناس في دورهم وأماكنهم احترازاً من الدجاج وشبهه فإنه حلال بري لكنه ليس متوحشاً . هذا هو الصيد . ( وأنتم حرم ) قلنا أي محرمون أو في الحرم ولو محلين .
( وَمَنْ قَتَلهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ ) أي فعليه جزاء ، ( من قتله منكم متعمداً ) أي متعمداً قتله ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وخرج بذلك من قتله غير متعمد كمن قذف حجراً فأصاب صيداً فهذا لا شيء عليه لأنه غير متعمد . وهل المراد متعمداً للإثم أو متعمداً للقتل ؟ الصواب أنهما جميعاً متعمداً للقتل ومتعمداً للإثم ، فلو قتله غير متعمداً للإثم إما ناسياً وإما جاهلاً يحسبه من الصيود المباحة وإما جاهلاً لمكانه يحسب أنه في الحل وهو في الحرم فالصواب أنه لا جزاء عليه ، والدليل قوله تعلى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } فقال الله : ((قد فعلت )) فالصواب متعمداً للفعل والإثم ، والناسي ليس متعمداً للإثم يكون متعمداً للفعل وينسى أنه محرم ولكن لم يتعمد للإثم . والجاهل كذلك لو تعمد الفعل لكنه لم يتعمد الإثم . وعليه فقوله : ( متعمداً ) يشمل الأمرين جميعاً أي متعمداً للفعل وللإثم .
( فجزاء ) أي فعليه جزاء ( مثل ما قتل من النعم ) المماثلة هنا مشابهة وليست الموازنة ، فالعبرة بالشكل إذا كان مثله في الشكل فهو الجزاء ، فمثلاً النعامة فيها بدنة بعير ، وأيهما أكبر ؟ البعير أكبر من النعامة ، لكنها تشببها في طول الرقبة والسير على الأرض بدون طيران . ففي النعامة بدنة . طيب في الحمامة شاة ، أين المشابهة ؟ يقول المشابهة هنا في الشرب ، كيف تشرب الحمامة ؟ كيف تشرب الشاة ؟
طالب : تضع فمها في الماء وتشرب .
الشيخ : تضع فمها في الماء وتشرب ؟ هذه كلٌ يعرفها ، ما بنحضر رضاعة ونعطيها إياها .
الطالب : هذا من عندي يا شيخ
الشيخ : طيب جزاك الله خيراً . يقولون : الشاة تشرب عباً ، أتدري ما العب ؟ تشرب مصاً تمص مصاً حتى تروى ، الحمامة كذلك تعب الماء عباً، فالمشابهة الآن مشابهة خفية ما يمكن نعرفها، يعني لو عرفنا كيف تشرب الشاة ما عرفنا كيف تشرب الحمامة . الدجاجة ـ سبحان الله ـ ما تشرب عباً وإنما تشرب جرعاً ، يعني جرعة جرعة ، تضع منقارها في الماء وتسحب من الماء ما يملأ فمها ثم تنزله إلى الحوصلة ثم تعود وتشرب الحمامة أبداً ما ترفع رأسها حتى تروى ، الشاة كذلك .
المهم أن الواجب على من قتل صيداً وهو حرم جزاء ، عليه جزاء مثل ما قتل من النعم . إلى أين نرجع في معرفة المشابهة ؟ قال العلماء : نرجع في ذلك إلى ما قضت به الصحابة ، فما قضت به الصحابة وجب تنفيذه لقوله تعالى : {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فإذا حكم به الصحابة وقالوا إن النعامة تشبه البدنة . قلنا خلاص ما عاد فيه تأويل ولا رجوع .
طيب ، الضب ماذا فيه ؟ الضب فيه جدي ، يعني ولد ماعز صغير ، الوبر كذلك ، الفأرة كذلك ؟
طالب : الفأرة ليست صيداً .
الشيخ : ليست صيداً لماذا ؟ لأنها حرام ، كل ما أُمر بقتله من الدواب فهو حرام { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقوله ( ذوا عدل ) أي صاحبا عدل أي ثقات ، ولكن لابد من إضافة شيء آخر وهو الخبرة ، وهذا الشرط معلوم من كلمة يحكم لأنه ما يمكن أن يحكم إلا بخبرة فلابد من شرطين : أن يكون عنده خبرة ، والثاني أن يكون عدلاً . الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول وأما الخبرة فبعضهم ذو خبرة وبعضهم ليس له خبرة في مثل هذه الأمور فيُرجع إلى صاحب الخبرة الأمين .
{ هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ } يعني حال كون الجزاء هدياً ( بالغ الكعبة ) أي بالغ المسجد الحرام ، ولذلك يجب جزاء الصيد أن يكون في مكة ولو كان الإنسان قتله في بدر لأن الله صرَّح { هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ } هذه واحد ، { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } فعليه جزاء مثل ما قتل أو كفارة يعني عليه كفارة طعام مساكين ، كيف ذلك ؟ لو أن أحداً من العلماء قال : كفارة طعام مساكين أي طعام ثلاثة مساكين أو ستة مساكين كما في فدية الأذى ، إن كان أحد من العلماء قال بهذا فقوله هو الصواب ، لكن الفقهاء يقولون : يقوم هذا المثل من النعم بدراهم ويُشترى بها طعام يُطعم بها المساكين كل مسكين له مُد بر أو نصف صاع بغيره . وقيل الذي يُقوم هو الصيد لأن هذا الصيد هو المُتلف فيُقوَّم الصيد لأنه الأصل ، والقائلون بأنه يُقوَّم المثل يقولون لأنه هو الواجب .
{ أَوْ عَدْلُ ذَلكَ صِيَامًا } يعني أو ما يعادل ذلك من الصيام ، الصيام كل إطعام مسكين يعادل يوماً ، ولهذا في كفارة الظهار صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً بالترتيب ، وعلى هذا فإذا قدرنا أن قيمة هذا الجزاء تساوي ألف ريال وأن إطعام كل مسكين بريال كم يصوم ؟ يصوم ألف يوم ، وهذا أيضاً محل بحث هل المراد ( أو عدل ذلك صياماً ) أي ما يعادل إطعام المساكين الستة أو الثلاثة ؟ إن كان الأمر كذلك فالأمر سهل ، لكن إذا كان الأمر آلافاً ففيه شيء من الصعوبة والمسألة عندي تحتاج إلى تحرير وكل يوم أقول سأفعل ولكن قدر الله وما شاء فعل .
{ ليَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ } اللام للتعليل ، والتعليل يفيد الحكمة وهو أن جميع أحكام الله تعالى مقرونة بالحكمة ( وبال أمره ) أي عاقبة أمره { عَفَا اللهُ عَمَّا سَلفَ } الحمد لله ، عفا الله عما سلف لأنه كان قبل الحكم فيعفو الله عنه { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } من عاد بعد أن علم الحكم فالله ينتقم منه .
وفي هذا دليل على شدة احترام الحرم المكي وأن من قتل فيه متعمداً فعليه الجزاء ، فإن عاد بعد هذا الحكم فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ، فتأمل كيف ينتقم الله عز وجل ممن قتل صيداً فكيف بمن قتل إنساناً ثم كيف بمن قتل ديناً ، أولئك القوم الذين في مكة منهم من يحارب الدين ، ليس يسل السيف ويحارب لكن بالأخلاق السيئة والكتابات السيئة في الصحف والجرائد . ولست أريد أن أهل مكة معظمهم .. لا .. فيهم ناس يقتلون الدين والمعنويات ، كما أن البلاد الأخرى فيها أناس لكن الثوب النظيف يكون العيب فيه أوضح وأبين ، ومكة يجب أن تكون أم القرى في الدين والعبادة والخلق والنصح وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة .
{ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ } أُحل : المُحل هو الله عز وجل ، ولم يُسم للعلم به ( صيد البحر وطعامه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : صيد البحر ما صيد حياً ، وطعامه ما وجد ميتاً ، فأباح الله لنا ونحن حُرُم صيد البحر وطعامه ، أي ما أمسكناه حياً أو ما وجدناه ميتاً . ويحتمل أن يكون صيد البحر الحيوان كالسمك والحوت ، وطعامه ما يوجد فيه من الأشجار التي فيها أحياناً فيها أدوية فيها مصالح فيها شيء كثير ، ويكون عموم قوله صيد البحر شاملاً للحي والميت ، وعلى كل حال صيد البحر حلال سواء كان حياً أو ميتاً كما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطهور بماء البحر فقال : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) .
{ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ } متاعاً لكم أيها المقيمين وللسيارة أيها المسافرون { وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } أي في حرم أو حرام وعرفتم ما هو صيد البر { وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِليْهِ تُحْشَرُونَ } في هذا أمر ووعيد ، الأمر في قوله ( اتقوا الله ) الوعيد في قوله ( الذي إليه تُحشرون ) فإذا علم الإنسان أنه سيُحشر إلى الله فإنه سوف يستقيم لأنه يخشى من هذا الحشر إلى الله عز وجل .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، المعروف حرمة مكة والمدينة يا شيخ ، لكن بعض الناس يفخر فيها بعمل المعاصي داخل مكةوالمدينة ؟
الجواب : نسأل الله العافية ، هذا غلط ، المكان لا يشفع لأي كائن ، السعادة بتقوى الله والقرب من قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع القريب الذي ينفع اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، لكن هذا من جهل الناس ، يقولون الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، وفي جوار الله عز وجل، ثم يتهاون بالمعاصي . سبحان الله ، إذا كنت من أهل مكة فاحترمها أكثر . وكذلك يُقال في المدينة .
سؤال : بعض الناس يا شيخ يقولون في المدينة النائم فيها أفضل من العابد وغيره ؟
الجواب : والله زين هذا ، أقول إذا صح الكلام هذا فهو طيب يروح الواحد ينام الليل والنهار في المدينة ويقول خلاص أحسن من العبادة . والنوم لا شك أنه إذا كان للتقوي على طاعة الله صار عبادة .
سؤال : أحسن الله إليك ، في قوله : ( هدياً بالغ الكعبة ) الهدي لا يبلغ الكعبة نفسها إنما في داخل الحرم ؟
الجواب : إشارة إلى أن أهل الحرم يُعظمون لأن فيهم الكعبة .
سؤال: هل يستدل على أن المضاعف في الصلاة عامة في الحرم جميعاً لقوله : ( هدياً بالغ الكعبة ) مع أنه ما يبلغها نفسها ؟
الجواب : التضعيف إنما جاء في المسجد الحرام ما جاء في الكعبة .
السائل : يقول لأن الذبح داخل في حدود الحرم ؟
الجواب : إي نعم لكن ما جاء الآن ذكر الحرم إطلاقاً هذا ذكر الكعبة، هذه واحدة . الشيء الثاني : كيف نعارض حديثاً صحيحاً صريحاً بمثل هذه التأويلات الباردة ؟ أليس الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة )) ؟ صريح. وأنا أقول لكم ـ بارك الله فيكم ـ احملوا المتشابه على المحكم ، النصوص القرآنية والنبوية فيها محكم ومتشابه لا تتبعوا المتشابه بناء على أذواقكم وأهوائكم ، اتبعوا المحكم ، هذا نص محكم ما فيه إشكال . لكن أنا أقول : لا شك أن صلاة في الحرم أي داخل حدود الحرم أفضل من صلاة في الحل بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نزل الحديبية صار مستقراً في الحل لكن يصلي في الحرم يدخل ، وفرق بين الفضل المطلق والفضل المقيد ، نقول الحرم أفضل من غيره مطلقاً ، أما المقيد بمائة ألف صلاة فهذا خاص بالمسجد . وأقول أيضاً : إذا امتلأ المسجد واصطف الناس في خارج حدود المسجد فالأجر واحد ........ انتهينا من الكلام على الآيات التي ذكرها البخاري رحمه الله في جزاء الصيد وشرحناها ، وكأنه رحمه الله لم يكن عنده حديث موصول في هذه المسألة فترك ذكر أحاديث .(5/103)
2 ـ باب إِذَا صَادَ الحَلالُ فَأَهْدَى للمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلهُ
وَلمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الإِبِل وَالغَنَمِ وَالبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالخَيْل يُقَالُ ( عَدْلُ ذَلكَ ) مِثْلُ فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلكَ (قِيَامًا ) قِوَامًا ( يَعْدِلُونَ ) يَجْعَلُونَ عَدْلا(1)
__________
(1) باب إِذَا صَادَ الحَلالُ فَأَهْدَى للمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلهُ ) ظاهر كلام البخاري رحمه الله في هذه الترجمة أنه لا يأكله مطلقاً ، ولكن الصواب في أن في ذلك تفصيلاً ، فإن صاده الحلال للمحرم حرم على المحرم لأنه إنما صيد لأجله ، فهو الأثر في صيده ، وإن صاده الحلال لنفسه وأطعم منه الحرام ـ أي المحرم ـ فإن ذلك جائز . هذا هو القول الراجح في هذه المسألة . وإن كان بعض العلماء قال : إن الصيد حرام على المحرم سواء صاده هو أو صيد له أو صاده حلال فأطعمه .ولكن الصواب التفصيل . ويدل لهذا التفصيل حديث جابر رضي الله عنه في السنن : (( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصد لكم )) وهذا واضح التفسير .
أما أصل المسألة فيدل عليه حديث أبي قتادة رضي الله عنه وحديث الصعب بن جثامة ، فإن أبا قتادة صاد حماراً وحشياً فأكله وأجل اصحابه ، وأما الصعب بن جثامة فإنه أتى بما صاده للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرده وقال : (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم )) والمعلوم إن الصعب بن جثامة إنما ذهب ليصيد للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نزل عليه ضيفاً.(5/104)
1692 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَال انْطَلقَ أَبِي عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ فَانْطَلقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلتُ عَليْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلنَا مِنْ لحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَطَلبْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلقِيتُ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ الليْل قُلتُ أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ أَهْلكَ يَقْرَءُونَ عَليْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلةٌ فَقَال للقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ(1)
__________
(1) وحُمل ذلك على أن أبا قتادة إنما صاده لنفسه وإن كان يعلم أن أصحابه سيأكلون لكن ما صاده لهم ، وفرق بين ما يُصاد للشخص نفسه وما يصيده الإنسان لنفسه على أنه سيُطعم منه من يُطعم ، أليس كذلك ؟ الفرق واضح إذا صاده له معناه أنه تعين له ، إذا صاده لنفسه ويعرف أنه سيأكل معه من يأكل فهو ما صاده لأجلهم ، ولذلك تجده في ضميره لا يُضمر عشرة ولا عشرين ولا زيداً ولا عمراً ، وهذا واضح في جواز أكل المحرم ما صاده الحلال . فإن قال قائل : لماذا لم يُحرم أبا قتادة ؟ فالجواب : لأنهم ينتظرون عدواً فيخشى أن يحتاج إلى القتال فإذا كان محرماً منعه ذلك بعض الشيء .(5/105)
2 ـ بَاب إِذَا رَأَى المُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الحَلالُ
1693 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَال انْطَلقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَل بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلتُ عَليْهِ الفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلنَا مِنْهُ ثُمَّ لحِقْتُ بِرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَليْهِ شَأْوًا فَلقِيتُ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ الليْل فَقُلتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلحِقْتُ بِرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَليْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ العَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَل فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّا أصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلةً فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
3 ـ بَاب لا يُعِينُ المُحْرِمُ الحَلال فِي قَتْل الصَّيْدِ(5/106)
1694 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِي الله عَنْه قَال كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالقَاحَةِ مِنَ المَدِينَةِ عَلى ثَلاثٍ ح .
وحَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِي الله عَنْه قَال كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالقَاحَةِ وَمِنَّا المُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لا نُعِينُكَ عَليْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَال بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَال بَعْضُهُمْ لا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلتُهُ فَقَال كُلُوهُ حَلالٌ قَال لنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلى صَالحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَليْنَا هَاهنا(1)
__________
(1) هذا فيه دليل على أن المحرم لا يعنين المحل في قتل الصيد لأن الصحابة رضي الله عنهم لما سقط رمح أبي قتادة قال ناولوني إياه فأبوا ؛ لأن الإعانة على المحرم حرام وهؤلاء يحرم عليهم الصيد . فإن قال قائل : أليس الصيد حلالاً لأبي قتادة ؟ فنقول : بلى . فيقول : إذاً هم أعانوه على حلال له . فالجواب : أنهم شاركوه في إتلاف هذا الصيد ، شاركوه ما هو مجرد إعانة ، شاركوه لأنهم أدنوا له الرمح .
إذاً نأخذ من هذا أنه إذا ساعد المحرم حلالاً في قتل الصيد حرم عليهم على المعين وعلى غير المعين ، لأنه اجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر وإذا صيد من أجل المحرم حرم على المحرم دون غيره ، وإذا صاده الصائد لنفسه فهو حلال للمحرم على كل حال .(5/107)
3 ـ بَاب لا يُشِيرُ المُحْرِمُ إِلى الصَّيْدِ لكَيْ يَصْطَادَهُ الحَلالُ
1695 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَال خُذُوا سَاحِل البَحْرِ حَتَّى نَلتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِل البَحْرِ فَلمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلهُمْ إِلا أَبُو قَتَادَةَ لمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَل أَبُو قَتَادَةَ عَلى الحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلنَا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِ الأَتَانِ فَلمَّا أَتَوْا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَل عَليْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلنَا فَأَكَلنَا مِنْ لحْمِهَا ثُمَّ قُلنَا أَنَأْكُلُ لحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلنَا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِهَا قَال أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِل عَليْهَا أَوْ أَشَارَ إِليْهَا قَالُوا لا قَال فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِهَا(1)
__________
(1) هذا واضح أنهم لو قالوا نعم لمنعهم ؛ لأن قوله : ( كلوا من لحمها ) مبني على قوله لا . فلو قالوا نعم لمنعهم ، وهذا واضح في أنه إذا أعان المحرم الحلال على شيء فإنه يحرم عليه .
سؤال : إذا ضحك المحرم ففطن الحلال أليس هذا إشارة للصيد ؟
الجواب : لا .. هم ما ضحكوا لأجل الإشارة إليه ، ما ضحكوا لأجل أن ينبهوه . ولعل الحمار هذا يفعل أشياء تُضحك ، وإلا فلا يظهر لي أنهم بمجرد ما رأوه يضحكون لكن لعله يقفز أو يتدحرج أو يفعل أشياء تُضحك.(5/108)
4 ـ بَاب إِذَا أَهْدَى للمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لمْ يَقْبَل
1696 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِاللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ الليْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَليْهِ فَلمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَال إِنَّا لمْ نَرُدَّهُ عَليْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ(1)
__________
(1) كأن البخاري رحمه الله بترجمته يدل على أن الصعب أهدى الحمار حياً فلم يقبله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم )) فعُلم منه أنه لو كان حلالاً لقبله .
وفي هذا الحديث تغير وجه الإنسان إذا رُدت هديته ، وهذا إذا كان صادقاً في إهدائه ، أما إذا كان مجاملاً أو خجلاً فإنه إذا رُدت إليه الهدية يتغير وجهه بفرح فلكل مقام مقال . إذا علمت أن هذا الرجل أهدى إليك حياءً وأنك لو رددت عليه وتعذرت عليه بأي عذر فرح بهذا وقبل فلا حرج أن ترده ، وإلا فلا .. اقبل وإذا علمت من صاحبك الذي أهدى إليك أنه فقير مثلاً فاردد عليه من النفقة والدراهم ما يقابل هديته لتجمع بين الحسنين بين قبول هبته وبين رد نفقته .
سؤال : ما الفرق بين الحي والميت مع أنه لو أُهدي للمحرم وقد صيد من أجله يحرم عليه ؟
الجواب : هذا الحديث فيه اختلاف ، فبعض الرواة يقول أهداه ميتاً حتى قال إنه جاء به يقطر دماً ، وبعضهم قال إنه حي . بعد ما نستكمل الروايات نرجع نتكلم عليه إن شاء الله .
سؤال : أحسن الله إليكم ، مارأيكم في الذي يقدم هدية لأحد ويطلب منه زيادة ، هل هذا يجوز ؟
الجواب : ما يجوز هذا ، قال تعالى : { ولا تمنن تستكثر } ولا غيره أيضاً هذا من سوء الأدب ، لكن لو فعل أحد هذا فمن أحسن ما يكون أن يقول له المهدى إليه : تفضل خذ هديتك فكنا من شرك .
السائل : ...........؟
الجواب : لا .. لا .. هذه يسمونها هبة الثواب وهي بمعنى البيع ، فلا يجوز أن المُهدي يرضى أن يُرد إليه بشيء يريده وذاك لا يريده . وعلى كل حال هذا يقع .
سؤال : نعم يحصل هذا موجود عندنا ويفعلوه مع السلاطين إذا جاء السلطان قدموا إليه شيئاً وطلبوا ......
الجواب : وقالوا اعطنا ؟
السائل : الذي يخجل طلب والثاني طلب من أحد أن يخبره .
الجواب : عجيب .
ما تكلم الشارح على حديث الصعب ؟
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 32 :
قوله : ( حمارا وحشيا ) لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال : ( لحم حمار وحش ) أخرجه مسلم . لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه . وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف .
وقال إسحاق في مسنده أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال : ( لحم حمار ) وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال : ( حمار وحش ) كالأكثر أخرجه الطبراني من طريق بن إسحاق عن الزهري فقال : ( رجل حمار وحش ) وابن إسحاق حسن الحديث الا أنه لا يحتج به إذا خولف ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال قلت للزهري الحمار عقير قال لا أدري أخرجه ابن خزيمة وابن عوانة في صحيحيهما .
وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب : ( لحم حمار ) فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ) وفي رواية عنده : ( عجز حمار وحش يقطر دماً ) . وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة حمار وحش وتارة شق حمار . ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال : (قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام قال أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله أنا حرم ) .
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال : ( يا زيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) فذكره ، واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه إلا ما رواه ابن وهب والبهيقى من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم . قال البهيقى : إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم .
قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله .
وقد قال الشافعي في الأم : إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدي له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له .
الشيخ : هذا احتمال متعين لأن الصعب رضي الله عنه لما نزل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان رجلاً عداءً وصياداً ذهب إلى الجبال وأتى بهذا الحمار ، وهذا واضح أنه صاده لأجل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
متابعة التعليق : ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان . وقال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا . قال ويحتمل أنه اهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل . قال والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات .
وقال النووي ترجم البخاري بكون الحمار حيا وليس في سياق الحديث تصريح بذلك وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح .ا.هـ.
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولاسيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب . وقد قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار . وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش محفوظ .
الشيخ : سبحان الله الحديث متعدد الروايات وذلك لأن الرواة ينقلون الحديث بالمعنى غالبهم ، يندر من ينقله بلفظه فلذلك تختلف ، لحم حمار ، أو حمار . وعندي أن هذا ليس فيه اختلاف لأنه قد يُطلق الكل على الجزء كما يقال : أهدى إليه دجاجاً فأكل . لا يلزم أن تكون الدجاجة كاملة بل يُطلق على البعض .
ش17 ـ وجه ب :
لكن المشكل من قال حياً ومن قال إنه يقطر دماً، هذا تعارض واضح. فيقال : يُنظر للأكثر رواية ، والظاهر أنه أثبته وأنه أتى به مصيداً هالكاً ، لأن يضرب بأن يأتي به حياً خصوصاً الرماة الذين يجيدون الرمي ، ويُقال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم ـ لا نقول ظن ـ علم أنه صاده لأجله لأنه إنما صاده ليجعله قرن له وضيافة .
بقي إشكال آخر : قوله : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) ظاهر هذا أن العلة كونه محرماً لا أنه صيد له ، فيقال هذا ذكر جزء العلة ولا ينافي أن تكون العلة مركبة ، فيكون المعنى : إنا لم نرده إلا أنا حرم وقد صدته من أجلنا . وبهذا يحسن الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة رضي الله عنه . وأما من زعم أن حديث الصعب ناسخ لحديث أبي قتادة لأن حديث أبي قتادة كان في العمر عمرة الحديبية وحديث الصعب في حجة الوداع ، فيقال : دعوى النسخ غلط لأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذر الجمع ، والجمع هنا غير متعذر ، فيقال : إن أبا قتادة لم يصده لقومه ولكن صاده لكن يستشعر أنهم سيكونوا معه وأما الصعب فإنه صاده بنية خالصة للرسول صلى الله عليه وسلم . وبينهما فرق واضح .
والخلاصة : أنه يجوز للمحرم أن يأكل الصيد إذا صاده الحلال بشرط أن لا يصيده من أجله ، فإن صاده من أجله حرم على من صيد له ولم يحرم على غيره لأنه ليس في قتله أثر محرم . الذي صاده حلال ولم يعنه أحد من المحرمين .
سؤال : أثابكم الله ، هل يجب على من أثهدي له الصيد أن يسأل هل هو صيد له أم لا ؟
الجواب : لا يحتاج اللهم إلا إذا شك بقرينة واضحة ، وإلا ما يلزم .
سؤال : أحسن الله إليك ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ويقول في الآية : { يا أيها الذين آمنوا حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ماالمراد يقوله ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ؟
الجواب : المراد بقوله : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } لم يقل لا تصيدون لأن صيده قتل ، ولذلك يعتبر ميتة ، يعتبر الصيد الذي صاده المحرم ميتة ولهذا عبَّر الله عن صيده بكلمة القتل ، أما { حُرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فهذا أعم من القتل ، حُرم علينا أن نقتله ، وحُرم علينا أن ننفره ، وحُرم علينا أن نكسره ، فهو أعم .
طيب إذا وُجد مُضطر للأكل وأمامه ميتة وأمامه صيد فأيهما يُقدم ؟ قال بعض أهل العلم : يُقدم الميتة لأنه ليس في أكلها اعتداء ، وقال بعضهم يُقدم الصيد لأنه طاهر حلال وإنما حُرم لحرمته . والصحيح أنه يحل له أكله ولا جزاء عليه لأنه لم اُضطر إليه صار حلالاً والحلال لا كفارة فيه . فالصواب الذي أقطع به أنه يُقدم الصيد لأنه صيد طيب حلال يعني مذكى أو مصيد وفي حالة الضرورة لا كفارة عليه . والله أعلم .(5/109)
5 ـ بَاب مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ
1697 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ ليْسَ عَلى المُحْرِمِ فِي قَتْلهِنَّ جُنَاحٌ. وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقْتُلُ المُحْرِمُ.
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ قَال قَال عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَالتْ حَفْصَةُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لا حَرَجَ عَلى مَنْ قَتَلهُنَّ الغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالفَأْرَةُ وَالعَقْرَبُ وَالكَلبُ العَقُورُ(1)
__________
(1) هذه الدواب التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تُقتل في الحل والحرم حتى لو وجدت في داخل الكعبة فإنها تُقتل ، والقاعدة في هذا : كل ما أُمر بقتله فإنه يُقتل في الحل والحرم ، كالوزغ مثلاً والعقرب ، فكل ما أُمر به بقتله فإنه يُقتل في أي مكان . وقد جاء في الحديث نفسه أنهن فواسق أي معتديات خارجات عن نظائرهن ، فمن أجل كونهن خُلقن على هذه الجبلة صار لا حرمة لهن .
فإن قال قائل: ما فائدة خلق الله لهذه ما دامت فواسق مؤذية فما الفائدة؟ فالجواب ؟
طالب : فوائد كثيرة .
الشيخ : هات من الفوائد الكثيرة لو عشرة .
الطالب : محافظة الإنسان على الأوراد .
الشيخ : نعم أنها تحمل الإنسان على الأوراد يحتمي بها من شرها . هذه واحدة .
الطالب : فيها بيان عظمة الله في مخلوقاته .
الشيخ : كيف ذلك ؟
الطالب : حيث إن ـ سبحان الله ـ الحيوانات الصغيرة قد يخاف منها الإنسان أكثر من الكبيرة .
الشيخ : يعني بيان عظمة الله وقدرته حيث جعل هذه الحيوانات الصغيرة تؤذي الإنسان وربما تأكله . وفي حيوان كبير أكبر منها بكثير كالإبل مثلاً فيها مصلحة للإنسان . هذه اثنين ، ولابد أن نطالبك بكلمة كثيرة وإلا فانسحب .
طيب ، من الفوائد : أن الإنسان يستدل بهذه الآلام وهذه الأذية على أن ما في الآخرة أشد وأشد من الأذية ؛ لأنه قد جاء في بعض الآثار أن جهنم ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ فيها حيات وفيها عقارب ، فيستدل الإنسان على شدة آلامها في الآخرة بهذا .
ومنها : أن يعلم الإنسان أن مخلوقات الله عز وجل فيها خير فيحمد الله عليه وفيها شر فيسأل الله العافية منه ، وقلنا مخلوقات الله ولم نقل خلق الله؛ لأن خلق الله الذي هو فعله كله خير حتى ما فيه شر فإنه خير بالنسبة لإيجاده لأنه مشتمل على حكم كثيرة وعايات حميدة .
ننظر لهذه الأشياء ، يقول : ( الغراب ) الغراب نوعان : غراب صغير يقال له غراب الزرع يشبه الغداة أي أكبر من العصفور ,اقل من الغراب الكبير ، هذا لا يُقتل لأنه حلال . في الغراب الكبير الذي يعتدي على الإبل إذا وجد فيها الدبر فينزل وينقبه ويؤذي البعير ، يعتدي أيضاً على النخل فيقص الشمراخ ويلقيه في الأرض ، وله عدوان كثير ، هذا يُقتل حتى الصغير منه يُقتل ؟ الجواب : نعم لأن الصغير سيكون كبيراً فأصله وطبيعته الأذية .
الثاني : ( الحدأة ) وهي المعروفة ، معروفة بأن تعدو على اللحم وتأكله وتحمله ، وتعدو أيضاً على الذهب وتحمله ، تحب الذهب ، وحديث الوشاح الذي في البخاري يدل على هذا ، وهي أن أمة عند قوم ضاع لهم وشاح مثل القلادة من الذهب واتهموا الجارية وصاروا يعذبونها كل صباح يقولن الوشاح عندها . لما أراد الله إنقاذ هذه الجارية جاءت الحُدية بالوشاح وألقته بينهم ، وفي هذا تقول : ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا . فهي تختطف الذهب وكذلك اللحم . إذاً هي فاسقة معتدية .
( والفأرة ) الفأرة سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فويسقة تحفيزاً وتلقيفاً أو تحقيراً لها ، يعني مع صغرها فيها فسق ، ولا يخفى ما في الفأرة من الأذية . يعد لنا عبد اله أذاها .
الطالب : تقرض البناء والخشب .
الشيخ : البناء والخشب ؟ الأسمنت تقرضه ؟
الطالب : الحصى الذي عندنا في البلاد يا شيخ ، الظالمين بنوا سجناً عظيماً في الأرض ليعذبوا فيه أولياء الله ثم حتى كاد أن يكتمل وفي صباح يوم وجدوه قد انهدم جميعاً فأرادوا أن ينظروا فوجدوا أن الفأرة فئران كثيرة أكلت البناء من أسفل .
الشيخ : سبحان الله ، كذلك أيضاً ( سيل العرم ) نقضه الجرز وهو نوع من الفئران . كذلك ايضاً هي تقرض الجلود ولاسيما القربة التي كانت أوعية الناس فيما سبق تقرضها تفلقها . كذلك أيضاً تسرق الذهب ، هذا جربناه عندنا في البيت فقدنا خاتم من الخواتم للنساء دورنا ودرونا وإذا في شق في الجدار ، وكان عندي علم إنها تسرق الذهب ، زودنا الشق وجدنا الخاتم في هذا الشق . وحدثنا شيخنا رحمه الله أن رجلاً كان يكتب في حجرته فجاءت فأرة نزلت من السقف وجاءت حوله فوضع عليها إناءً حبسها، لما تأخرت عن زميلاتها جاءت واحدة منهن تبحث عنها أين ذهبت، وعلمت أنها تحت الإناء فصعدت إلى السقف وأتت بدينار ذهب ، الدينار صغير ، يعني تحمله بسهولة ، جاءت بالدينار وألقته إلى جنب الرجل . المهم الرجل قال لن أطلقها انتظرت ما في فائدة صعدت إلى السقف وأتت بدينار آخر ووضعته ولكن الرجل قال وراء الأكمة ما وراءها استمر، فجاءت بثالث ورابع وخامس إلى عشرة ، عشرة دنانير صار كتلة . يقول في النهاية جاءت بالكيس ... إشارة إلى إيش ؟ خلاص خلص الذي عندها ، يقول : لما جاءت بالكيس فتح الإناء وقتلها ، قتل الفأرة والثانية هربت .
فعلى كل حال أنا أتيت بهذا الذي حدثني به شيخنا رحمه الله .. طالب حدثناه .. للإشارة إلى أن من أذية الفأرة أنها تسرق الذهب . كذلك أيضاً تأتي على الدقيق وتلوثه بالبعر وغير ذلك ، فهي من أفسق الحيوان فيسن قتلها ولو في وسط المسجد الحرام .
الرابع : ( العقرب ) معروف العقرب ، العقرب أيضاً تُقتل لأنها لا شك في فسقها وهي من أسرع الحشرات أذية ، مجرد ما تحس بالإنسان على طول تقرصه ، وإذا لدغته أفرغت سماً يأتي من إبرة في ذيلها ثم يسري مع الدم ويؤلم الإنسان ألماً كثيراً ، فهي مؤذية . والعجب أنها من حين ما تصادم البشر على طول تفرغ السم .
( الحية ) بالعكس ، هي لا شك أنها أشد خطراً لكنها سبحان الله إذا لما يحارشها الإنسان ما ترده . شاهدت بعيني امرأة عندنا لما كنا في الزراعة أتت الحية وهي مادة رجليها المرأة فمشت من فوق رجليها ولم تُحدث شيئاً ؛ لأنها يقولون إنها مسالمة إلا من حارشها .
طيب ( الكلب العقور ) الكلب معروف والعقور الذي صفته العقر ، ولهذا جاءت على وزن فعول إشارة إلى أن هذا من خُلقه ، والعقر أنه يعض القدم من العصبة الخلفية التي عند العقب فيقطعها فيعقر الإنسان ، وربما يعض الحيوان الآخر . وأما العاقر وهو أن بعض الكلاب إذا حارشته عقرك فهذه مدافعة عن النفس ، لكن العقور الذي من شيمته العقر فهذا يُقتل في الحل والحرم .
هذه الخمس التي نص عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد من هو أشد منها أذية فهل يُقتل في الحل والحرم ؟ الجواب : نعم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا نص على شيء فما ساواه أو زاد عليه فهو مثله ؛ لأن الله تعالى يقول : { لقد أنزلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } والميزان ما توزن به الأشياء ويقاس بعضها على بعض .
سؤال : في بعض طرق الحديث ورد لفظ الأبقع على الغراب ، هل يقيد بهذا أو يترك على إطلاقه ؟
الجواب : يُنظر إذا كان غير الأبقع لا يؤذي فالقيد مراد ، اقول يُنظر في طبائعه .
سؤال : يا شيخ الله يحفظكم ، لو قال قائل ـ كما لو قلنا بالقياس ـ ما الفائدة من هذا الذي يُعد من الخمس هذه ، لو كان يؤذي ؟
الجواب : كلُ مؤذي ، الفائدة أن هذه أكثر ما تكون موجودة عند الناس والنص عليها بعينها أقوى ؛ لأنها مادامت هي الموجودة بالكثرة عينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن لنعلم أن الشريعة الإسلامية شريعة عدل لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين . وهذا موجود بكثرة في الأدلة ، يُذكر على شيء معين والمراد العموم .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، إذا كنت في الصلاة أقتل هذه الفواسق ؟
الجواب : إي نعم تقتلها إذا لم تحتج إلى عمل كثير وإلا فلا تقتلها إلا إذا هاجمتك واحتجت في الدفاع عن نفسك إلى عمل كثير فلا بأس لأن هذا ضرورة .(5/110)
1698 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُليْمَانَ قَال حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ الغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأْرَةُ وَالكَلبُ العَقُورُ.
1699 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَل عَليْهِ وَالمُرْسَلاتِ وَإِنَّهُ ليَتْلُوهَا وَإِنِّي لأَتَلقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَليْنَا حَيَّةٌ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا(1)
__________
(1) هذا معناه أن الدواب تُقتل حتى في الحرم لأن منى من الحرم . وفي هذا تلطف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخطاب وإزالة ما في النفوس ؛ لأنه لا شك أن الصحابة لما ابتدروها وفاتتهم صار في نفوسهم شيء كيف لم ندركها فنفعل ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال لهم : (( إنها وقيت شركم كما وقيتم شرها )) فهذه بتلك .(5/111)
1700 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال للوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلهِ قَال أبو عَبْد اللهِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنَ الحَرَمِ وَأَنَّهُمْ لمْ يَرَوْا بِقَتْل الحَيَّةِ بَأْسًا (1)
6 ـ بَاب لا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ(2)
__________
(1) لكن في حديث آخر أنه أمر بقتله وسماه فاسقاً أو فويسقاً . وفي أيضاً أجر إذا قتله الإنسان في أول مرة فهو أفضل مما لو قتله بمرتين وبمرتين أفضل من ثلاثة .
(2) قال ( شجر الحرم ) أضافه إلى الحرم ، وأما شجر الآدمي الذي غرسه بيده فهو له ملكه يعضده ويقطعه فهو ملكه ، لكن المراد شجر الحرم ما نبت بغير فعل الآدمي فإنه لا جوز أن يُعضد أي أن يقطع منه شيء ، ولا الشوك ، حتى الشوك المؤذي لا يُقطع ، وهذا دليل على عِظم حرمة الحرم فإنه إذا كان الشجر وهو جماد يُحترم فكيف بالإنسان ؟ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً )) .(5/112)
1701 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ أَنَّهُ قَال لعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلى مَكَّةَ ائْذَنْ لي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ للغَدِ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ ثُمَّ قَال إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلا يَحِل لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتَال رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُولُوا لهُ إِنَّ اللهَ أَذِنَ لرَسُولهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلمْ يَأْذَنْ لكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ وَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَال لكَ عَمْرٌو قَال أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلا فَارًّا بِدَمٍ وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ(1)
__________
(1) هذا الحديث حديث عظيم فيه : أولاً : إنكار المنكر ولو علناً ، وفيه أيضاً التلطف مع الأمراء ولو كانوا فساقاً ؛ لأن أبا شريح رضي الله عنه قال : ( ائذن لي أيها الأمير ) ، وفيه بقاء ولاية الأمير ولو فسق لأنه أقره على كونه أميراً ، وفيه أن أدب الصحابة رضي الله عنهم أرفع الأدب لأن هذا الكلام كلام لطف وكلام يجلب القلب ـ أعني قلب المخاطب ـ على المتكلم .
وفيه أيضاً القصة في أن عمرو بن سعيد يقال له الأشدق من بني أمية كان يبعث البعوث إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه ، فقام هذا الرجل ليبلغ بأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (ليبلغ الشاهد الغائب ) . وفيه أيضاً تأكيد الخبر ، وهذا الخبر مؤكد بأمور : أولاً بذكر المكان ، وثانياً بذكر الزمان ، وثالثاً بأداة استماعهم ، ورابعاً بأداة توكيده بالنظر .
أما الأول : فقال : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام به الغد يعني صبح يوم الفتح فتح مكة ، وقام به خطيباً عليه الصلاة والسلام ليعين هذا الحكم العظيم ، وأما المكان فهو مكة ، وأما طريق التحمل فهو السمع ، سمعته أذناي ، يعني ما نُقل إليّ نقلاً أو سمعته ولم أتأكد بل تأكدت . رابعاً : أبصرته عيناي فلا أقول لعله غير الرسول ، لعل هذا صوتاً يُشبه صوت الرسول صلى الله عليه وسلم بل إني أبصرته هو صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس . الخامس : ما ذكره لكن في سياق آخر قال: ( ووعاه قلبي ) يعني صار وعاءً له فلم يتخلف منه شيء .
القارئ : في الحديث مذكورة ( فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ ) .
الشيخ : الحمد لله ، أجل ووعاه قلبي أنه تكلم فحمد الله وأثنى عليه ، وهكذا خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غالباً يبتدئها بحمد اله والثناء عليه ؛ لأنه جل وعلا أهل لأن يُحمد وأهل لأن يُثنى عليه سبحانه وتعالى . ثم قال : ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ) يعني قضى بتحريمها واحترامها وتعظيمها الله عز وجل دون الناس ، ولا ينافي هذا ما جاء في الحدي الصحيح أن إبراهيم حرم مكة ؛ لأن المراد بتحريم مكة إظهار حكم الله تعالى وتحريمه إياها ، وأما الذي حرمها فهو الله تبارك وتعالى ولم يحرمها الناس ، وإنما قال هذا صلى الله عليه وسلم من أجل أن تنال هذه البلدة من الاحترام والتعظيم ما هو لائق بها لأن شيئاً حرمه الله أعظم من شيء حرمه الناس لاشك .
( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ) شوف التأكيد ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ) وهذا الوصف ليس إخراجاً لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ولكن للتأكيد ، أي إن كان مؤمناً حق بالله واليوم الآخر فلا يفعل لا يسفك بها دماً . وقوله : ( لامرئ ) عام في كل امرئ؛ لأن هناك ذكر في سياق النفي فيكون للعموم ( أن يسفك بها دماً) أي دماً معصوماً وأما غير المعصوم فإنه يُسفك دمه ولهذا يُجرى القصاص في مكة ويُجرى رجم الثيب الزاني في مكة ويُجرى قتل قاطع الطريق في مكة ، لكن المراد يسفك بها دماً معصوماً .
( ولا يعضد بها شجرة ) قرن هذا بهذا ليبين احترام ما في مكة حتى الشجر فكيف بالآدمي ؟ فلا يحل قطع الشجرة التي في مكة لاحترامها لمكانها ، ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مورداً إشكالاً ومجيباً عليه ، قال : ( إن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ) يعني إن أحد قاتل في مكة أو قَتَل مترخصاً بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه فعل فالجواب : أن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم . ولله الحكم إيجاباً وتحريماً وتحليلاً ، فإذا أذن لرسوله فهذا من خصائصه . ( وإنما أُذن لي ساعة من نهار ) أُذن للرسول عليه الصلاة والسلام القتال ساعة في مكة ساعة من النهار لا دائماً . قال العلماء : الساعة من طلوع الشمس إلى العصر . يعني يوم الفتح فقط لأن هذا بقدر الضرورة والإنسان لا يستبيح من المحرم إلا قدر الضرورة . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ) يعني عاد تحريمها وتعظيمها اليوم كما عاد بالأمس . ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : اليوم ـ يعني يوم فتح مكة ـ اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : (( كذب ، اليوم تُعظم الكعبة )) لأنها تُخلص من الشرك إلى التوحيد ومن الكفر إلى الإيمان ، ثم عزله وأقام ابنه قيساً بدله ؛ لأن سعد بن عبادة سيد الخزرج فله شرفه وواجهته لكن عزله تعزيراً وأقام ابنه قيساً فكأنه لم ينزع الإمارة منه لأنه جعلها لابنه قيس .
يقول : ( عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ) أبو شريح شاهد وعمرو بن سعيد غائب فوجب على أبي شُريح أن يُبلغ لاسيما والرجل جاد في تجهيز الجيوش إلى مكة . ( فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَال لكَ عَمْرٌو قَال أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ ) كذب والله ، أنا أعلم بذلك منك ؟ وهو يُحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ لكن هكذا الأمراء الذين عندهم فسوق وخروج عن ما يجب عليهم تأخذهم العزة بالإثم فيقول أنا أعلم بذلك منك ، فنقول له كذبت ، هو يُحدث عن من ؟ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثاً مؤكداً بزمانه ومكانه وسمعه وبصره وقلبه ، كيف يكون أعلم منه ؟ لكن كما قلت لكم إن هذا من باب خطاب الأمراء الذين تأخذهم العزة بالإثم والعياذ بالله .
ثم قال : ( إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلا فَارًّا بِدَمٍ وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ ) الحرم ـ يقول ـ لا يعيذ عاصياً ، يعني أن ابن الزبير عاصٍ خارج عن البيعة ( ولا فاراً بدم ) يعني لو قتل الإنسان أحداً ولجأ إلى الحرم فإن الحرم لا يعيذه ( ولا فاراً بخربة ) يعني بلية يستعيذ بالحرم من عقوبتها . هكذا رد لكنه رد مردود مخيب قائله لأنه يصادم به من ؟ قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وفي الحديث فوائد إن شاء الله نذكرها في الدرس القادم .
هذا الحديث فيه حسن منهج الصحابة رضي الله عنهم وأنهم يكلمون الأمراء ولو كانوا فسقاء بما يليق بحالهم ، لقوله : ( ائذن لي أيها الأمير ) وفي هذا ثبوت الإمارة ولو كان الرجل فاسقاً ، وهو كذلك . وفي هذا أيضاً دليل على تفخيم البعض للأمراء لقوله : ( ائذن لي أيها الأمير ) أيها للنداء تدل على التفخيم والتعظيم . وربما يقال : إن أبا شريح رضي الله عنه أراد بهذا القول أن يلين قلب عمرو بن سعيد ، أن يلين قلبه لأنه إذا فخمه أمام الناس وهو يريد أن يعظه صار هذا ألين لقلبه ، لكن سيأتينا في آخر الحديث إن هذا الرجل لم يلن قلبه .
وفيه أيضاً تأكيد الخبر بذكر الزمان والمكان والحال لأن أبا شريح أكد هذا الخبر بذكر المكان حيث قال : ( الغد من فتح مكة ) ، والزمان أيضاً حيث جعل ذلك القول يوم فتح مكة ، والحال حين قال إنه أبصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسمعه ووعاه حين تكلم به .
( وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ ) هذا فيه دليل على أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبتدئ خطبه بالحمد والثناء على الله ، سواء كانت خطبة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أو غيرها ، المهم أن تُبدأ الخطب بالحمد والثناء على الله لأن الله تعالى أحق أن يُحمد سبحانه وتعالى . ثم إن ذلك فيه استعانة على أن يتكلم بما يريد ، وفي هذا دليل على عظمة حرمة مكة وأن الذي حرمها هو الله عز وجل لم يحرمها الناس . وسياق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الجملة حتى يعظم تعظيم الناس لها .
ش18 ـ وجه أ :
وفي قوله : ( لم يحرمها الناس ) ما ظاهره أنه يعارض قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إن إبراهيم حرم مكة ) والجمع أن يقال : إن الذي حرمها هو الله عز وجل والذي أظهر التحريم هو إبراهيم . ولا بأس أن يضاف الشيء إلى من بلغه ، أليس الله تعالى قال في القرآن الكريم : { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين } وهذا جبريل ، رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغ القرآن . وقال : { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر } والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأضاف الله القول إلى جبريل ثم إلى محمد ؛ لأن جبريل بلغه محمداً صلى الله عليه وسلم ومحمداً بلغه أمته . فيكون تحريم إبراهيم إضافة التحريم إلى إبراهيم لأنه يبلغ عن الله عز وجل .
وفي هذا أيضاً دليل على تأكيد تحريم مكة وأن تعظيمها وتحريمها من الإيمان بالله واليوم الآخر ولهذا قال : ( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ) والمراد بذلك الدم المعصوم وإلا فلو ارتد مرتد في مكة قتلناه في مكة ، ولو زنى ثيب في مكة رجمناه بمكة ، ولو سرق سارق بمكة قطعناه بمكة . فإن قال قائل : أرأيتم لو أن أحداً فعل ما يهدر دمه خارج مكة ثم لجأ إليها هل يُقتل أو لا ؟ دمه الآن غير معصوم لأنه فعل ما يوجب القتل هل يُقتل في مكة بعد أن لجأ إليها أم لا ؟ فالجواب : لا يُقتل لأنه لجأ إلى ملاذ . فإن قال قائل : إذا قلتم لا يُقتل لزم من هذا أن جميع الجناة في الدنيا يلجئون إلى مكة لجوءاً شرعياً لا سياسياً ، كل من حصل عليه ما يوجب قتله أتى إلى مكة . فالجواب : نعم هذا يلزم إلا إذا علمنا كيف نعامل هذا الذي لجأ إلى مكة ، هل نعامله على أنه قادم قدوماً عادياً يتمتع بالسكنى في البيوت ويتمتع بالأكل والشرب أو نعامله معاملة تضييق ؟ الجواب : الثاني ، ولهذا قال العلماء : إذا لجأ إليها يُضيق عليه فلا يُآكل ولا يؤكل ولا يُشارب ولا يُشَرَّب ولا يؤى ، يُضيق عليه ، سيبقى في أسواق مكة وحيداً غريباً ، ولن يبقى لأنه ما دام الطعام لا يُقدم إليه والشراب لا يُقدم إليه إن بقي إن كان معه طعام حتى ينفد طعامه وإن لم يكن معه طعام فسيخرج في ثاني يوم أو ثالث يوم ، وحينئذٍ يُقتل . هذا هو المشروع عندنا في مذهب الحنابلة رحمهم الله .
وقوله : ( ولا يعضد بها شجرة ) هذا أيضاً مطلق ، والمراد ... بل هذا عام لأن شجرة ذُكرت في سياق النفي أو النهي ، عام والمراد شجرة الحرم ، أما الشجر الذي غرسه الآدمي فهو له . ولهذا نظائر يفرق فيه بين ما اكتسبه الآدمي وما كان من عند الله عز وجل، أرأيتم نقع الماء في البئر؟ لا يجوز بيعه ، يعني إنسان عنده بئر فيها ماء أراد أحد أن يدلي دلوه ويخرج الماء ، قال : لا .. إلا بفلوس . هذا حرام لا يجوز ، لكن لو أن صاحب البئر أخرج الماء ووضعه في إناء حينئذٍ يجوز بيعه ، كذلك الشجرة إذا غرست شجرة في مكة فهي ملكك افعل بها ما شئت ، وإذا خرجت شجرة من الأمطار بدون غرس آدمي فهي محترمة لا يجوز أن تُقطع . فإن قال قائل : ما تقولون في أرض خططت لتكون مساكن وفيها أشجار حرمية يعني ما هي من إنبات الآدمي ماذا نصنع هل نقطعها ؟ مشكل، هل نبقيها ؟ مشكل . ما هو الإشكال ، قلنا إن قطعناها مشكل وإن أبقيناها مشكل ما هو الإشكال ؟ إن قطعناها ونحن منهيين عن قطعها هذا إشكال . وإن أبقيناها لم ننتفع بالأرض هذا مشكل أيضاً . فأرى في مثل هذا إذا ألجأت الضرورة إلى قطعها تُقطع ؛ لأن الله أباح لنا الميتة أن نأكلها عند الضرورة . فهذه مثلاً إذا كان لابد أن تُخطط الأرض وتُسكن وتُعمر وفيها شجر واضطررنا إلى ذلك فلنقطعها .
كذلك أيضاً في الشارع لو أردنا أن نفتح شارعاً جديداً والطريق كله شجر ، إن أبقينا الشجر في الطريق لم ننتفع بالطريق ، وإن قطعنا الشجر وقعنا في النهي ، فماذا نصنع ؟ فالجواب كما قلنا في الأرض المخططة إذا كان لابد أن نفتح الطريق من هنا قطعنا الأشجار كما يباح لنا أكل الميتة للضرورة . وإذا كان يمكن حرفه إلى جهة أخرى فلا نقطعها .
إذا نبتت في الطريق بعد أن كان طريقاً وضيقت على الناس وليس هناك طريق آخر هل تُقلع أو لا ؟ نعم تُقلع ؛ لأننا إذا أبحنا أن نقلعها ابتداءً فكيف بمن طرأت على الطريق ؟
( فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتَال رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُولُوا لهُ إِنَّ اللهَ أَذِنَ لرَسُولهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلمْ يَأْذَنْ لكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ وَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ) هذا الإيراد الذي أورده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حسن تبليغه وتعليمه ، هو عارف إنه صلى الله عليه وسلم قاتل فيها ، متى ؟ في غزوة الفتح ، وعلم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الناس أسوة به فسوف يحتج المحتج ويقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاتل فيها . فأجاب بأن هذا من خصائصه لأن الله أذن له ولم يأذن لغيره ، يعني ما أُحلت لأحد من الأنبياء إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ساعة الفتح ، وهذه الجملة تفيد أن الأصل الاتباع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لم يرد ما يدل على التخصيص ، ففي القرآن الكريم قال الله عز وجل : { وامرأة مؤمنة } يعني أحللنا لك امرأة مؤمنة {إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } فبيَّن الخصوصية ، وهنا بيَّن الخصوصية أيضاً . فهذان المثلان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له خصائص اختص بها. وقد ذكر العلماء رحمهم الله الخصائص التي للنبي صلى الله عليه وسلم وجمعوها في كتاب النكاح من كتب الفقه ؛ لأن أكثر ما اختص به الرسول صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بالنكاح ، فلذلك ذكروها هناك .
وفي هذا دليل على جواز النسخ مرتين ، النسخ الأول إحلالها بعد أن كانت حراماً ، والثاني تحريمها بعد أن كانت حلالاً ، هذا ما لم تكن الإذن من الله عز وجل موقتة ، فإن كانت موقتة فلا نسخ إلا مرة واحدة ، وضاح أو غير واضح ؟ لأن إذا كان الله عز وجل أذن لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقاتل بمكة لفتحها ، ثم لما قاتل في آخر النهار منعه ، فيكون النسخ كم ؟ مرتين ، أول النهار نسخ للتحريم إلى الحل وآخر النهار نسخ من الحل إلى التحريم . أما إذا كان الله عز وجل قد قيدها وأذن له أن يقاتل ذلك النهار فقط فالنسخ مرة واحدة . لكنه نسخ مؤقت .
وأياً كان يعني لو حُرم الشيء ثم أحل ثم حُرم فلن نحجر على الله لله يفعل ما يشاء له الحكم أولاً وآخراً . وأياً كان يعني لو حرم الشيء ثم أُحل ثم حُرم فلن نحجر على الله لله أن يفعل ما يشاء له الحكم أولاً وآخراً . فإن قال قائل : كيف أُحلت للرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحل لأحد قبله من الأنبياء ؟ فالجواب : أُحلت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تعظيماً لها لا استهانة بحرمتها . تعظيماً لها ؟ نعم لأنه خلصها من الشرك ، صارت بلد توحيد بعد أن كانت بلد شرك وبلد إيمان بعد أن كانت بلد كفر ، وهذا لا شك إنه تعظيم ، ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه في ذلك اليوم : ( اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((كذب سعد ، اليوم اليوم الذي تُعظم فيه الكعبة )) اللهم صلي وسلم عليه . ثم أخذ الإمرة منه والقيادة إلى ابنه قيس بن سعد .
ما هي الساعة التي أُحل له فيها القتال ؟ قلنا إنها من طلوع الشمس إلى العصر . بقدر الحاجة .
في هذا الحديث : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) وجوب التبليغ على من بلغه من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى من لم تبلغه سواء شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو قرأ سنته ، فالواجب تبليغها للناس حتى يصبح الناس كلهم عارفين بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وفي أمره بتبليغ الشاهد الغائب دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا وأنه ينبغي أن يرثه الآخر عن الأول .
وفي هذا الحديث أيضاً : ( فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ ) لم يُذكر القائل لكن جرت العادة أن مثل هذه الأمور العظيمة الكبيرة يُستفهم عنها ، وإلا لكان يقول القائل : هذا لا يعني فلماذا يسألون؟ نقول : هذه مسألة كبيرة عظيمة لابد أن يُعرف ما جواب عمرو بن سعيد . جواب عمرو بن سعيد جواب المتعلم المعجب بنفسه الجاهل بالشريعة ، قال : ( أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ ) وهذا غير صحيح لأن أبا شُريح ينسبه إلى من ؟ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا علم ، أما كلام عمرو بن سعيد إنما قاله من رأيه ، فيكون قول عمرو بن سعيد مبنياً على جهل وقول أبي شريح على علم . ثم قال : (إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا ) وعل كلام عمرو لو أن إنساناً عاصياً وجب عليه حد أو تعزير ولجأ إلى الحرم فإنه يُقام عليه الحد أو التعزير ، وليس كما قلنا فيما سبق إنه يضيق عليه حتى يخرج . لكن هذا غلط من عمرو بن سعيد . كذلك أيضاً قال : ( وَلا فَارًّا بِدَمٍ ) يعني لو قتل رجل آخر وثبت عليه القصاص وهرب إلى مكة فالحرم لا يعيذه ، وعلى كلام عمرو يُقتل في الحرم لأنه لا يُعيذه . ( وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ ) أي بلية توجب أن يُقتل فإن الحرم لا يُعيذه ، وقصده بذلك أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لا يُعيذه الحرم حين خرج عن ولاية بني أمية لأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كوَّن خلافة في مكة ، في الحجاز مكة والمدينة ، وبنو أمية في الشام فاعتبروه خارجاً عن بيعتهم ولائذاً بالحرم ولذلك قاتلوه . ولكن حسابهم على الله عز وجل ، هم قتلوه واستحلوا الكعبة حتى إن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يضرب الكعبة بالمنجنيق ـ والعياذ بالله ـ .
ويقال ـ والعهدة على التعريف ـ إنهم محاصرين لمكة وأرسل الله عليهم الرعد الخاسف والصواعق ، فقيل لهم للحجاج : ألا تخاف ؟ قال : لا هذه قعقعة الحجاز . فالله أعلم هل هذه مدسوسة عليه أو صحيحة . وعلى كل حال الرجل معروف في أن لديه غشماً وظلماً وله حسنات لكنه سيئاته تغلب على حسناته .
سؤال : عفا الله عنك ( لعن الله من آوى محدثاً ) ما حكم من آوى محدثاً ؟
الجواب : من كبائر الذنوب أن تُغني المحدث ، الواجب أن تطرده وأن لا تنزله بضيافتك .
السائل : ما الفرق بين إقامته عليه وبين من استوجبه ، أي الحد ؟ ثم إن ضيِّق عليه يخرج فيقام عليه ؟
الجواب : الفرق بينهما أن من فعل ما يوجب الحد في الحرم انتهك حرمة الحرم فلا يكون له حرمة جزاءً وفاقاًُ ، وأما إذا كان خارج الحرم ثم لجأ فهذا يعتقد تعظيم الحرم وأنه ملجأ ومعاذ .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هذا الحديث : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) مثل هذا الحديث ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) البعض يستدل بمثل هذه الأحاديث أن الإنسان العامي الذي ما عنده إلا حديث واحد يقف داعياً في الناس ، هذا المنهج يا شيخ سليم ؟
الجواب : لا .. ما هو سليم ، يُبلغ ما سمع فقط بشرط أن يكون عنده علم ، لعله نُسخ . أنا أرى أن لا يدعوا أحد إلا بشيء يتيقنه ، هذه واحدة ، ثانياً إذا وجهت إليه أسئلة بعد الموعظة فلا يجيب إلا عن ما يتيقنه لا يقل أنا صرت الآن شيخ وسلوني على ما بدا لكم . يقول بلسان حاله : ..... ما تقول في هذا إيه الشيخ ؟ حرام ، ما تقول .. ؟ حلال ، ما تقول .. ؟ واجب، ما تقول .. ؟ فيه تفصيل . فهذا يوجد بعض الوعاظ على هذا الوجه . يوجد هذا وما يجوز ، إذا سُئلت عن شيء تعرفه مثل الشمس أجب وإلا قل والله يا أخي لا علم عندي في هذا وأسأل . تُبرئ ذمتك ويُعرف أنك رجل متثبت ويثقوا بك أكثر . أفهمت ؟(5/113)
7 ـ بَاب لا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ
1702 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلمْ تَحِل لأَحَدٍ قَبْلي وَلا تَحِل لأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلتْ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لا يُخْتَلى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ وَقَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ لصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَال إِلا الإِذْخِرَ وَعَنْ خَالدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَال هَل تَدْرِي مَا لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّل يَنْزِلُ مَكَانَهُ (1)
__________
(1) هذا الباب فيه فوائد منها : أن الله تبارك وتعالى هو الذي حرم مكة ، ونسبة تحريمها إلى إبراهيم نسبة إظهار لا ابتداء ، ومنها أن مكة لم تحل لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تحل لأحد بعده ، وهذا واضح ؛ لأنه لا يحل لأحد أن يستحل مكة بالقتال فهي لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تحل لأحد بعده . لكن لو قاتل أهل الحرم ومنعوا الناس أو جاء الناس من الخارج وقاتلوا أهل الحرم هل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ؟ نعم يقول الله تعالى : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ما قال فقاتلوهم ، اقتلوهم ، بمعنى أنه يباح دماءهم حتى بعد انتهاء القتال لأن هؤلاء مفسدون يقاتلون فيها ، لم يقل إن قاتلوكم فقاتلوهم ، قال اقتلوهم ، وهذا أبلغ .
وعليه فهذا الحديث : ( لا تَحِل لأَحَدٍ بَعْدِي ) هل نقول إنه مقيد أو نقول إن ما ذكرناه من هذه السورة الذي دلت عليه الآية لم يدخل في الحديث أصلاً ؟ الجواب : الثاني ؛ لأن الذين يقاتلون ليدخلوا الحرم أو يقاتلون في دفاع من قدم وقاتل لم يستحلوا مكة ، بل مكة عندهم محترمة لكن يقاتلون ليدافعوا عن أنفسهم إن كان المقاتلون جاءوا من الخارج ، أو يقاتلون ليتمكنوا من حقهم في دخول مكة ، والفرق بين هذا وهذا واضح .
يقول صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّمَا أُحِلتْ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) سبق أنها من طلوع الشمس إلى صلاة العصر ( لا يُخْتَلى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ ) هذه أربعة أشياء : لا يختلى خلاها : يعني الحشيش ، فلا يحل لأحد أن يحش من مكة ولو لبهائمه ولو ليبيعه ويقتات به . فإن قال قائل : وهل يجوز أن يرعى إبله وبقره وغنمه فيها أولاً ؟ الجواب : يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ...... والإبل ترعى ، وتعرفون أن الرعاة رُخص لهم بترك المبيت بمنى وتأجيل الرمي . ولا يمكن أن تكمم أفواه الإبل أو الغنم ، فهذا جائز بالإجماع رعي الغنم في مكة أو الإبل أو البقر .
ثانياً : ( لا يعضد شجرها ) لا يعضد يعني يقطع ، والشجر ما له ساق قائم كشجر الطلح والعوشج وما أشبه ذلك لا ينبغي أن يقطع . طيب لو فُرض أن هذه الشجرة على طريق ولها غصن متدلي يؤذي المارة فهل يجوز قطعه ؟ لا يجوز ، فإن قال قائل : ألستم تجيدون قتل الصيد إذا صال على الإنسان في مكة ؟ فالجواب : نعم نجيز هذا لأنه إذا صال على الإنسان الضبع ، الضبع حلال ، وهو محرم أو في مكة صار لا يمكن دفعه إلا بقتله فله قتله . فلماذا لا تقولون في الشجرة إذا تدلى غصنها على الطريق ويؤذي المارة لماذا لا تقولون إنها صائل ؟ الجواب : أنها ليست بصائل ، نعم لو أن الشجرة لما أحست بالآدمي جعلت تمشي من أجل تؤذيه أو تعمى عينيه يجوز لدفعها قطعها أو لا ؟ يجوز . إذاً هي ليست صائلة ، لكن ماذا نصنع هل نبقي على الغصن يؤذي المسلمين ؟ نقول لا نبقيه نلويه لياً ، يعني يحرفه إلى الجهة الأخرى كما قال الفقهاء رحمهم الله : لو تدلى غصن شجرة على جارك وجب عليك إذا طالب الجار أن تلويه حتى لا يتأذى به .
( ولا يُنفر صيدها ) أي يُطرد ، وليس مقيداً بما قال عكرمة رحمه الله أن تطرده لأجل أن تجلس مكانه ، ما هو شرط ، لا تنفر سواء كان الصيد مستظلاً بظل شجرة أو كان على غصن يغرد أو كان على أي شيء ، لا تنفره أي تطرده . ورميه جائز أو غير جائز ؟ غير جائز ، إذا كان تنفيره حراماً فكيف بما فيه قتله ، طيب لونفرته ثم في طيرانه اصطدم بشيء تضمن أو لا تضمن ؟ نقول تضمن لأنك كنت السبب ، لو ما رميته كان بقي مكانه فأنت السبب وأحالت الضمان على غير ممكن .
إذا قال قائل : حمامة وقعت في الدريشة نسيته ، ماذا نقول ؟ فرجة أيضاً نسيته ............ لو أن هذه الحمامة وقعت في الدريشة هل لنا أن ننفرها أو لا ؟إذا كنت تريد أن تُغلِّق الباب باب الرخصة هل ننفرها ؟ الجواب : نعم لأن البيت بيتك وإبقائك إياها إكرام لها منك ، فإذا كنت محتاج إلى إغلاق الفرجة فلا حرج أن تغلقها ، لكن إذا أمكن أن تُغلقها برفق لعلها لا تطير فهو أولى .
فالقول : ( صيدها ) ما هو الصيد ؟ كل حيوان حلال بري وحشي أصلاً . وقوله : ( لا ينفر صيدها ) إذا كان الصيد لك تنفره صيدها أي صيد من مكة ، الطيور التي هي في الغالب في مكة لا تنفره ، إذا كان الصيد لك تنفره ؟ الجواب : نعم أُنفره وأذبحه ، كيف هذا ؟ يكون هذا بأن يدخل الإنسان بصيد من الحل ، كحمامة من الحل أو أرنب أو غزال دخل به من الحل فهي ملكه له أن يذبحها ويأكلها . وكان الناس في عهد عبد الله بن الزبير كانوا يبيعون الصيد في جوف مكة ، لكنهم يأتوا به من الحل ؛ لأنك لما أخذته من الحل ملكته صار ملكاً وليس صيداً صيد مكة .
وقال بعض الفقهاء رحمهم الله : إذا دخلت بالصيد إلى حدود الحرم وجب عليك أن تطلقه . ـ سبحان الله ـ تطلقه ؟ إذا قدرنا أن الغزال يساوي خمسائة ريال تُطلقها ؟ إضاعة مال ، وإذا كانت إضاعة مال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال . طيب ، أتى بحمام معه من القصيم إلى أن أقارب له في مكة في القفص ، عشرين حمامة ، لما وصل بها الحرم على رأي هؤلاء الفقهاء رحمهم الله نقول : افتح القفص وخلي سبيلها ، وإن أحد أخذها مطالبة بهذه الحمامة . لكن هذا قول كما ترون ضعيف والصواب أنه يجوز للإنسان أن يدخل بالصيد إلى مكة ويبقى ملكه عليه يتصرف فيه كما يشاء .
الرابع أو الخامس ؟ ( لا يُخْتَلى خَلاهَا ، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ ) يعني لو وجدت في مكة لقطة دراهم ألف ريال لا تأخذها إلا إذا أردت أن تعرفها ، كم ؟ قال الفقهاء : تعرفها سنة ، وقال الآخرون : تعرفها مدى الدهر حتى بعد موتك توصي بأنهم يعرفونها، أيهما أصح ؟ الثاني لا شك ؛ لأن تعريفها سنة لا يظهر امتياز مكة على غيرها تكون مكة وغيرها سواء وهذا من احترام ما في مكة .
طيب ، عرفت الآن ، قلنا عرفه مدى الدهر ، احفظه في كيس وعرفه للدهر ، أين يعرفه ؟ في مكان وجوده في مكة . نقول هذا فيه مشقة شديدة ، نقول : إذا لزم مشقة شديدة فجوابها أن تتركه . فإذا تركته أنت وجاء الثاني وتركه والثالث وتركه فسوف يعود صاحبه إليه ويجده . وهذا ممكن لما كانت مكة صغيرة ودورها صغيرة والذين فيها عندهم خشية من الله ، لكن في الوقت الحاضر الآن إذا كان في مكة من يقطع الجيب ليسرقه هل أترك هذا في الأرض يأتيه واحد ليتركه والثاني يتركه حتى يجده صاحبه ؟ لا .. اليوم إبقاء اللقطات في الأرض يعني ضياعها على صاحبها . فأنا أقول ـ لكن من فضل الله أن الحكومة وفقها الله جعلت عند الحرم عند المسجد جهة مسؤولة عن تلقي هذه الأموال الضائعة فخذها أنت وأعطهم إياها وتسلم . لو قال قائل : إذا لم يوجد هيئة تقبل هل لي أن آخذها وأتصدق بها على صاحبها ؟ هذا محل نظر واجتهاد ، قد يقول القائل نعم أخذك إياها وتصدقك بها خير من إبقائها حتى تأكلها السباع . وقد يقال : أبقها وأنت لست مسؤولاً .
قال : ( َقَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ لصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا ) هذا مستثنى من قوله : ( لا يختلى خلاها ) يعني الإذخر من هذا النوع ، حشيش وعبارة عن شجرة كلها عيدان لينة وإذا يبست صارت من أحسن ما يكون للوقود تشتعل فيها النار بسرعة ، والنار في ذلك الوقت ليست كوقتنا هذا ، وقتنا هذا ماعليك إلا تطرق الزناد وتشتعل النار ، لكن هناك صعب جداً متى يجنون الزند ومتى يقدحون ومتى تشتعل النار ، فكانوا يستعملون الإذخر . والصاغة جمع صاغ ، صواغ ، وفي لفظ ( لقيلهم ) يعني الحدادين ، ولا مانع أن يكون يستعمله الصواغ والحدادون . لكنه قال : (وقبورنا ) لصاغتنا وقبورنا ، كيف ذلك ؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم القبور تُحفر وتُلحد ويوضع الميت في اللحد ثم يُصف عليه اللبن ثم يوضع في خلل اللبن الإذخر ويُضرب عليه بالطين من أجل أن لا ينهال التراب على الميت في القبر فيستعملونه في القبور . كأن العباس رضي الله عنه يقول يا رسول الله هذه حاجة ملحة يحتاجها الأحياء والأموات واجتنابها صعب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِلا الإِذْخِرَ ) إلا الإذخر مستثنى من قوله : ( لا يُختلى خلاها ) فاستثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإذخر .
يستفاد من هذا الحديث أنه يجوز الاستثناء بعد فراق المستثنى منه وإن لم ينو المستثني إلا بعد فإنه صحيح . وهذه المسالة اختلف فيها العلماء رحمهم الله ، منهم من قال : إن الاستثناء لا يصح إلا إذا نواه المستثني قبل تمام الكلام ، فإذا قال رجل لنسائه الثلاث : أنتن طوالق . فقال له ابنه : يا أبي إلا أمي . قال : إى أمك علشانك . تطلق أو ما تطلق ؟ على القول بأنه لا بد أن ينو المستثنى قبل تمام المستثنى منه تطلق ما ينفع الاستثناء ، وعلى القول الراجح الذي هو مقتضى هذا الحديث لا تطلق لأنه استثناها والكلام لم ينفصل من بعضه .
وعليه فلا يُشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه ولا يُشترط اتصال المستثنى بالمستثنى منه ؛ لأن بين قوله : ( ولا يُنفر صيدها ) وقوله : ( إلا الإذخر ) بينها جُمل ، لكن الكلام واحد . وهذا ينفعك في كل الاستثناءات ، لو قال رجل لآخر : عندي لك عشرة دراهم ، فقال له إلا درهماً أوفيتنيه . فهنا لا يصلح استثناء على رأي من يرى أنه لابد من نيته قبل تمام المستثنى منه لكن يسقط الدرهم لاعتبار أن صاحبه اعترف بأنه وصله . على كل حال القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يُشترط في الاستثناء نية المستثنى قبل تمام المستثنى منه ولا اتصاله به مكادام الكلام واحداً .
ومثل هذا في قصة سليمان عليه السلام لما قال : والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله . من محبته للقتال أقسم أن يطوف على تسعين امرأة كل واحدة تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله ، فقال له الملك : قل إن شاء الله . فلم يقل إن شاء الله ، بناء على ما في قلبه من القوة والعزم . فجامع تسعين امرأة جامعهن في ليلة ، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان . سبحان الخلاق العليم ، يريك عزته ويبدي حتى لا تتألى على الله ، اجعل الأمر منوطاً بمشيئة الله عز وجل . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لو قال إن شاء الله لم يحنث )) .(5/114)
8 ـ بَاب لا يَحِل القِتَالُ بِمَكَّةَ
وَقَال أَبُو شُرَيْحٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا
1703 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لا هِجْرَةَ وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلدٌ حَرَّمَ اللهُ يَوْمَ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَإِنَّهُ لمْ يَحِل القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلي وَلمْ يَحِل لي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا وَلا يُخْتَلى خَلاهَا قَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لقَيْنِهِمْ وَلبُيُوتِهِمْ قَال قَال إِلا الإِذْخِرَ(1)
9 ـ بَاب الحِجَامَةِ للمُحْرِمِ
وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَتَدَاوَى مَا لمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ
__________
(1) ش18 ـ وجه ب :
هذا سبق الكلام عليه إلا أنه قال : ( لا هجرة ) يعني بعد الفتح ، وهذا النفي الذي يدل على العموم يراد به الخاصة ، أي لا هجرة من مكة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنها لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ، أو حتى تطلع من مغربها . فيتعين حمله على أن المراد لا هجرة من مكة .
وهذا فيه إشارة إلى أن مكة ستبقى بلد إسلام لأنها لو صارت بلد كفر أعاذها الله من ذلك لهاجر الناس منها .(5/115)
1704 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال قَال لنَا عَمْرٌو أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَقُلتُ لعَلهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا(1)
__________
(1) احتجم وهو محرم ، ففيه دليل على جواز الحجامة ، ويلزم أن يكون من جواز الحجامة إذا كانت في الرأس أن يُحلق الشعر ، وعلى هذا فحلق الشعر للحجامة في الإحرام لا بأس به ، ولكن هل تجب فيه فدية أو لا؟ الصحيح أنه لا فدية ؛ لأن الله قال : { لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وهذا لم يحلق رأسه إنما حلق جزءاً منه . كثيراً ما يسألنا الناس في يقول : إنه حك جلده فظهر منه دم ، يعني وفي الدم دم . ولكن هذا ليس بصحيح ، لو جرح الإنسان جرحاً وجعل الدم يثعب فإن ذلك ليس حراماً في الإحرام ولا علاقة له بالإحرام .
وفي هذا دليل على جواز التداوي بالحجامة ولكن أن لا يُباشر ذلك إلا حاذق لأنها خطر ، إذا أن الحجامة تفريغ الدم وهذا يحتاج إلى من يعرف الدم الذي يمكن تفريغه والكمية التي يمكن أن تُفرغ . وهل هذا سنة أو لا ؟ الجواب : لا .. ليس بسنة ، بل من احتاج إلى الحجامة فله أن يتداوى بها ، ومن لم يحتج فلا يحتجم .
يقول الناس لنا : إن الإنسان إذا اعتاد الحجامة فلا بد أن يحتجم ، بمعنى أنه إذا جاء وقت هيجان الدم في الربيع والصيف فإنه لا يصبر عن الحجامة بل تصيبه الدوخة وربما الإغماء حتى يحتجم ، وأما من لم يعتدها فلا يهمه .
سؤال : هل صحيح أنه لا ينبغي الحجامة في بعض أيام الأسبوع ؟
الجواب : إي نعم ، ابن القيم تكلم على هذه المسالة ، متى تنبغي الحجامة ومتى تُكره ، يعني من الناحية الطبية .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، بالنسبة للهجرة بعض الناس يُضيق عليه في بلاد معينة في رزقه ولا يستطيع أن يسافر إلى بلاد الإسلام لا يُستقبل فيها وبلاد الكفر مفتوحة له ، فهل مثل هذا يسوغ له الهجرة إلى بلاد الكفر ؟
الجواب : إذا كان لا يظهر دينه وجب عليه أن يهاجر ، أما إذا كان يُظهر دينه فلا فرق بين هذه البلاد وهذه .
السائل : بالنسبة للدين فهو يبين شعائر الدين .
الجواب : الحمد لله لا داعي للهجرة .(5/116)
1705 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلقَمَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِي الله عَنْه قَال احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ.
10 ـ بَاب تَزْوِيجِ المُحْرِمِ
1706 حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُالقُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ(1)
__________
(1) هذه الترجمة من البخاري رحمه الله غريبة : ( باب تزويج المحرم ) حيث تدل على أنه جائز ، ثم استدل بحديث ميمونة . حديث ميمونة الذي ذكر ابن عباس وميمونة خالته يدل على جواز تزوج المحرم ، ولكن هذا الحديث مُعارَض بقول ميمونة رضي الله عنها نفسها : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوجها وهي حلال ، وبقول السبيل بينها وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني الواسطة وهو أبو رافع قال : إنه تزوجها وهو حلال . فأينا أدرى بالقضية ، من القضية قضيته والسفير بينه وبين الآخر أو من كان بعيداً ؟ الأول لا شك ، ولكننا مع هذا نحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يعلم بتزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميمونة إلا بعد أن أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان لم يعلم إلا بعد أن أحرم قال إنه تزوجها وهو محرم . وهذا كما قلنا في جمعه رضي الله عنه هو من أين أهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بعضهم أهل من مكانه ، وبعضهم قال حين سارت به ناقته على البيداء، وبعضهم قال حين ركب . ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين الروايات بأن كل إنسان حدَّث بما سمع ، فهنا نقول : إن ابن عباس حدَّث بما سمع ، لم يسمع أنه تزوج بها إلا بعد الإحرام فقال إنه تزوج بها وهو مُحرم .
على كل حال بعض العلماء يقول : إن هذه من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج وهو محرم . ولكننا ليس لنا أن نقول ولا علينا أن نقول هكذا إلا إذا علمنا أنه تزوج وهو مُحرم بدون معارض ، أما مع وجود معارض فلا يمكن أن نثبت حكماً قطعياً ونقول هذا من خصائص الرسول ؛ لأن هذا يتطلب منا شيئين : أولاً : جواز التزوج حال الإحرام ، والثاني أن نجعله خاصاً بالنبي صلى عليه وعلى آله وسلم . أفهمتم الآن ؟ إذاً لم يتزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميمونة وهو محرم وإنما تزوجها قبل أن يُحرم ولم يعلم ابن عباس بذلك إلا بعد الإحرام فحكى ما سمعه .
هل يصح أن يتزوج المحرم بعد التحلل الأول ؟ في هذا خلاف ، فالمذهب عندنا أنه لا يحل ، وإذا تزوج بعد التحلل الأول فالنكاح فاسد . والصحيح أنه جائز وأن النكاح صحيح .
سؤال : ما يُحمل حديث ابن عباس على حرم المدينة ؟
الجواب : كيف يقول هو محرم وهو بحرم المدينة ؟ هل يستقيم هذا السؤال ؟ الحديث وهو محرم ، المدينة ما فيها حرم ، يعني ما فيها حرم يُحرم له .
سؤال : الأحكام التي مرت معنا في الحرم هل تشمل حرم المدينة ؟
الجواب : لا ما تشملها .(5/117)
11 ـ بَاب مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ للمُحْرِمِ وَالمُحْرِمَةِ
وَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا لا تَلبَسِ المُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ
1707 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا الليْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَامَ رَجُلٌ فَقَال يَا رَسُول اللهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا تَلبَسُوا القَمِيصَ وَلا السَّرَاوِيلاتِ وَلا العَمَائِمَ وَلا البَرَانِسَ إِلا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ ليْسَتْ لهُ نَعْلانِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَليَقْطَعْ أَسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ وَلا تَلبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا الوَرْسُ وَلا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ وَلا تَلبَسِ القُفَّازَيْنِ تَابَعَهُ مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالقُفَّازَيْنِ. وَقَال عُبَيْدُاللهِ وَلا وَرْسٌ وَكَانَ يَقُولُ لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ وَلا تَلبَسِ القُفَّازَيْنِ وَقَال مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ وَتَابَعَهُ ليْثُ بْنُ أَبِي سُليْمٍ(1)
__________
(1) إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سُئل عن ما يأمر به من اللباس حال الإحرام ، ولكنه عدل عن هذا إلى ذكر ما يُمنع ، وإذا علم الإنسان ما يُمنع عرف ما يجوز ، ولما كانت الممنوعات أقل من المحللات ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : ( لا تلبسوا القميص ) وهو الثوب المعروف الدرع بالأكمام ، الثاني : ( لا تلبسوا السراويلات ) يعني السراويل ، والسراويل في اللغة الفصحى مفرد وليس جمعاً ، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله :
ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع
إذاً إذا كان السراويل مفرداً فالجمع سراويلات .
( ولا العمائم ) معروفة العمائم ، ( ولا البرانس ) وهي الثياب التي يكون غطاء الرأس مشتهراً بها ، واشتهرت عند المغاربة ، ( إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفان وليقطع أسفل من الكعبين ) يعني إنسان ليس معه نعال وليس معه ما يشتري به نعال ومعه خفان فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين . وهذا الحديث منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بعرفة : ( من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ) ولم يذكر القطع ، مع أن الجمع الذين حضروا بعرفة أكثر بكثير من الجمع الذين حضروه في المدينة ، لأن حديث ابن عمر هذا في المدينة ، فدل هذا على النسخ . ولأن إبقاء الخف بدون قطع هو الموافق للشريعة لما في القطع من إتلاف المال ، وإذا كان الإنسان قد أُبيح له أن يلبس الخفين نظراً للحاجة فإنه لا حاجة إلى قطعهما ، فالصواب أنه لا يقطعهما .
يقول في الحديث : ( ولا تلبسوا شيئاً مسه زعفران ولا ورس ) هذا الشاهد أنه لا يجوز للمحرم أن يتطيب بما يعد طيباً وله رائحة الطيب ، والورس ليس هو اللون الأحمر بل الورس نوع من الزهر له رائحة طيبة من جنس الورد ، قال : ( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) لا تنتقب يعني لا تغطي وجهها بنقاب ولا تغطي يديها بقفازين . أما تغطية وجهها بدون نقاب فالصحيح أنه لا بأس به ويجب إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها . وقول من قال من العلماء : إن المرأة إحرامها في وجهها وأنه يحرم عليها أن تغطي الوجه فضعيف ؛ لأن النهي عن النقاب أخص من النهي عن التغطية ، ثم إن النقاب بالنسبة للوجه بمنزلة الثياب واللباس فالنقاب لباس الوجه فلا تنتقب .
وشدد بعض العلماء رحمهم الله فيما إذا وجب عن المرأة أن تستر وجهها في وجود الرجال الأجانب فقال لا بد أن تضع عمامة ـ هكذا ـ من أجل أن لا يمس الخمار وجهها . لكن هذا تشديد ما أنزل الله به من سلطان.
( ولا تلبس القفازين ) القفازان هما لباس الكف بالأصابع ، ويسمى في اللغة العامية شراب اليدين ، هذا هو الممنوع ، وأما لف المرأة بنحو كيس أو لف لفافة عليها فلا بأس به لأن هذا لا يُسمى قفازاً .(5/118)
1708 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِل(1)
__________
(1) هذا كان في يوم عرفة ، والرجل رضي الله عنه واقف مع الناس فوقصته الناقة اسقطته ومات ، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا يصنعون به فأرشدهم، قال : ( اغسلوه ) والأمر هنا للوجوب، والمراد أن يُغسل كله من هامه إلى إبهامه ، والأفضل عند التغسيل أن يُبدأ بمواضع الوضوء وبالميامن وإن غُسل جملة واحدة فلا بأس . وقال صلى الله عليه وسلم : ( اغسلوه وكفنوه ) وفي سياق آخر : ( كفنوه في ثوبين ) أي استروه ، والمراد بالثوبين الإزار والرداء . ولهذا إذا مات الإنسان قبل أن يحل التحلل الأول فالأفضل أن لا يُكفن إلى في إزاره وردائه كما قلنا في الشهيد إذا قُتل يُكفن بجديد أو في الثياب ؟ في الثياب التي عليه .
قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا تغطوا رأسه ) وسكت عن الوجه ، فهل يقال إذا نهي عن تغطية الرأس فهذا يستلزم النهي عن تغطية الوجه ، أو يمكن أن يُغطى رأسه ووجه باقي ؟ الجواب : الثاني ، يعني يمكن أن يُلف على رأسه خمار ويُغطى والوجه باق ، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لا تخمروا رأسه ، فدل هذا على جواز تخمير الوجه ، ولعل هذا أيضاً أنسب من جهة أخرى ، بل من جهتين : الجهة الأولى أن المحرم لا يحرم عليه تغطية وجهه ، والثاني أنه إذا بقي وجهه مكشوفاً صار في ذلك شيء من الرعب لمن شاهده أو شيء من إساءة الظن به لو كان وجهه متغيراً ؛ لأن الإنسان ـ أحسن الله لي ولكم الخاتمة ـ إذا كانت خاتمته سوءً تغير وجهه والعكس بالعكس . فالصواب أن تغطية الوجه للمحرم الحي والميت لا بأس بها .
( ولا تقربوه طيباً ) هذا الشاهد ، وكان الميت إذا مات يُحنط بالطيب، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال : ( إنه يُبعث مهل ) ومعنى يهل أي يلبي فيُبعث على ما مات عليه . في هذا فوائد كثيرة لا يمكن الآن أن نسوقها لأن الوقت قد انتهى ، لكن أهم ما فيه أنه إذا اشترط عند الإحرام وقال : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني . ثم مات في أثناء العمرة حل من إحرامه وحينئذٍ لا يُبعث يوم القيامة ملبياً ، وهذا من تعليلات من قال : إنه لا يُسن الاشتراط عند الإحرام . وهذا هو الصواب أنه عند الإحرام لا تقول فإن حبسني حابس ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل ذلك ، إلا إذا خاف الإنسان من عدم إتمام النسك فليقل إن حبسني حابس ، كما أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه ضباعة بنت الزبير ، مع أن ابن عمر رضي الله عنه لا يرى الاشتراط ولا لمن خاف ، ولهذا لما أحرم زمن الفتنة لم يشترط وقال : أُهل بكذا فإن أُحصرت فعلت ما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . لكن الصواب الذي تجتمع به الأدلة أن الاشتراط سنة لمن خاف أن لا يُتم النسك . والله أعلم .
سؤال : .............؟
الجواب : ما هو الرسول كره ذلك ورأى الغضب في وجهه ثم أمره أن يقطعها بين النساء ، أين الدليل ؟
السائل : في قوله كساني .
الجواب : إي لكن ما أراد أن يلبسها . أولاً أنا أشك في كلامك لأني ما أظن أن أحداً يشم رائحة العلم يستدل بهذا ، فلابد أن تحقق هذا الكلام . على كل حال تأتي بماذكرت الليلة المقبلة .
ثانياً : أنه كيف يقال هذا والرسول أنكر هذا ؟ وكيف نأخذ بالأحاديث المتشابهة مع الأحاديث المحكمة ؟ لا يغرنكم هؤلاء الذين ليس عندهم إلا نصف علم ونصف فهم أيضاً ، حتى الفهم ما يعرفونه ، انتبهوا لهذا لعلكم تطالعون مثلاً كتب فيها مثل هذه الأقاويل التي لا تساوي نقلها في الورق .(5/119)
12 ـ بَاب الاغْتِسَال للمُحْرِمِ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَدْخُلُ المُحْرِمُ الحَمَّامَ وَلمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالحَكِّ بَأْسًا(1)
__________
(1) يعني هذه ترجمة في أمرين : أولاً : الاغتسال للمحرم هل هو جائز أو لا ؟ والجواب : جائز ، وإذا كان عن جنابة كان واجباً وإن كان عن حيض كان واجباً . وعلى هذا القول بالجواز يستلزم أن المحرم إذا كان قد تطيب ومس الطيب فإن ذلك لا يضر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُرى وبيص المسك في مفارقه ومع ذلك يغتسل ويخلل الشعر، وهذا يدل على أنه إذا كان المحرم متطيباً وتوضأ ومس الطيب فإن ذلك لا يضره لأنه لم يبتدئ التطيب ، ولأننا لو قلنا بأنه لا يجوز لزم من هذا مشقة وصار الإنسان كلما توضأ ومسح رأسه المطيب يلزمه أن يغسل يديه حتى تذهب الرائحة ، وفي هذا من المشقة ما فيه .
المسألة الثانية : حك الرأس ، حك الرأس لا بأس به للمحرم ويحكه حكاً عادياً ، وليس كما يفعل بعض الناس يحكه بالأنامل لا بالأظافر ، بعض الناس يحكه بالأنامل هكذا لا بالأظافر ، وبعضهم أيضاً أشد من ذلك إذا أراد أن يحكه قام ينقره كالديك ينقر رأساً . لماذا ؟ أخشى أحكه تسقط شعرة ، مع أن الشعرة لا تضر ولو قُدر أنها تضر إذا كانت لم يُقصد قطعها فلا بأس حكك رأسك ، وقد جاء في الأثر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو لم أحك شعر رأسي إلا برجلي لفعلت .(5/120)
1709 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ العَبَّاسِ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلفَا بِالأَبْوَاءِ فَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَال المِسْوَرُ لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ فَأَرْسَلنِي عَبْدُاللهِ بْنُ العَبَّاسِ إِلى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلمْتُ عَليْهِ فَقَال مَنْ هَذَا فَقُلتُ أَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلنِي إِليْكَ عَبْدُاللهِ بْنُ العَبَّاسِ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لي رَأْسُهُ ثُمَّ قَال لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَليْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَل بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَال هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ(1)
__________
(1) هذا دليل على جواز غسل المحرم رأسه وتخليله إياه ، وفيه دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا في الأمر رجعوا إلى من هو أعلم ، كما رجع المسور وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم . وفيه أيضاً دليل على جواز التوكيل في العلم فإنهما وكلا عبد الله بن حنين . وفيه دليل أيضاً على أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول ، دليله أن أبا أيوب طأطأ الستر واراه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل . وفيه دليل على ذكاء عبد الله بن حنين لأنهما أرسلاه يسألانه هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل راسه أم لا ؟ لكنه عدل عن ذلك وقال : كيف كان يغسل رأسه، ويعني هذا أنه قد تقرر عنده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه ولكن كيف كان ذلك . فإما أن يقال : إن عبد الله بن حنين وثق بقول ابن عباس أكثر من قول المسور ، وإما أن يقال إن هذا من ذكائه ، وأياً كان ففيه دليل على جواز تصرف الوكيل في صيغة السؤال إذا رأى ذلك من المصلحة .
سؤال : قلنا إن المحرم إذا اشترط ومات حل فيُبعث يوم القيامة لا يُلبي ، عندي في ذلك يا شيخ ثلاثة إشكالات : الأول أنه معلوم أن الذي يصح توجيه الخطاب إليه بالإحلال وعدمه والحل وعدمه المكلف الذي تجب عليه أحكام التكليف ، فالميت إذا مات ارتفعت عليه الأحكام ، فكيف خاطبناه بالإحلال وعدم الفدية وهو ليس بمكلف ؟
الجواب : لأنه هو الذي اشترط قال : إن حبسني حابس عن إتمام النسك فمحلي حيث حبستني . فهنا علَّق الإحلال بالحابس . ثم إن بقاؤه يُبعث يوم القيامة ملبياً فيه دليل على أن بعض الأحكام تبقى مع الميت .
السائل : الإشكال الثاني : هل المحرم إذا مات ولم يشترط هل لوليه أن يفدي عنه ؟
الجواب : لماذا يهدي ؟
السائل : لأنه لم يشترط .
الجواب : إي .. ولا يفدي عنه ولا شيء .
السائل : ألا يعارض هذا قولنا أنه إذا اشترط يحل ولا يفدي ؟
الجواب : لا .. ما يعارض لأن الإحلال هذا من نفسه هو الذي اشترط هذا ، أما الميت فلا يُقضى عنه بقية الحج حتى لو كان فريضة .
السائل : الإشكال الثالث : هل إذا اشترط وحل نُغسله ونحنط رأسه وهكذا ؟
الجواب : نعم هذا مقتضى القاعدة لأنه إذا حل ترتفع عنه محظورات الإحرام .
سؤال : أحسن الله إليك ، عبد الله بن حنين تكلم مع أبي أيوب وهو يغتسل ، مثل هذا يجوز يا شيخ ؟
الجواب : يجوز ، مثل ما كلمت أم هانئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل .
السائل : وإذا كان في قضاء الحاجة ؟
الجواب : حتى لقضاء الحاجة لا بأس به للحاجة ، والممنوع أن يتقارب الرجلان في قضاء الحاجة يتحدث أحدهما إلى صاحبة فإن الله يمقت على ذلك .(5/121)
13 ـ بَاب لُبْسِ الخُفَّيْنِ للمُحْرِمِ إِذَا لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ
1710 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ مَنْ لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَمَنْ لمْ يَجِدْ إِزَارًا فَليَلبَسْ سَرَاوِيل للمُحْرِمِ(1)
__________
(1) وهنا لم يذكر القطع ، قال أهل العلم : إن هذا من باب النسخ وليس من باب المطلق المحمول على المقيد ، وقال آخرون : بل هذا من المطلق المحمول على المقيد . فاهمين الإشكال الآن ؟ حديث ابن عمر الذي مر قال : ( وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ) يعني الخفين ، وهنا قال : ( فليلبس الخفين ) ولم يذكر القطع ، فكيف الجمع ؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذا ، فقال بعضهم : يُحمل حديث ابن عباس المطلق على حديث ابن عمر المقيد ويقال يلبس الخفين ويقطعهما ، وقال بعضهم : لا يُحمل بل هذا من باب نسخ الأمر بالقطع . وهذا هو الصواب لأن هذا الحديث متأخر ، ولأن هذا الحديث وقع في مجمع عظيم أكثر من المجمع الذي كان في حديث عبد الله بن عمر ، فلذلك لا يُحمل هذا على ذاك . نعم لو فُرض أن حديث ابن عمر ورد متأخراً فربما يُقبل القول بالتقييد ، وأما أنه سبق وفي جمع أقل ثم يأتي هذا بعده وفي جمع أكثر فالنسخ فيه واضح. وهنا يكون المنسوخ هو الأمر بالقطع .(5/122)
1711 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه سُئِل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَا يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ فَقَال لا يَلبَسِ القَمِيصَ وَلا العَمَائِمَ وَلا السَّرَاوِيلاتِ وَلا البُرْنُسَ وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسٌ وَإِنْ لمْ يَجِدْ نَعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَليَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ.
14 ـ بَاب إِذَا لمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَليَلبَسِ السَّرَاوِيل
1712 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَاتٍ فَقَال مَنْ لمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَليَلبَسِ السَّرَاوِيل وَمَنْ لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ(1)
__________
(1) في هذا من الفوائد : مشروعية الخطبة في عرفة ليُعلم الناس أحكام الوقوف والانصراف من بعده وغيرهما من المناسك ، هذا بعد ذكر القواعد العامة في الشريعة كالتوحيد والعقيدة وما أشبه ذلك . وظاهر قوله : ( إزاراً ) أنه يلبس الإزار على كل حال سواء ربطه بسير أو بعقدة أو بخياطة ما دام يُطلق عليه اسم الإزار فإنه جائز ، ولا يُقال إنه إذا خيط أشبه السروال ، فإن الجواب عن هذا أن نقول : إذا خيط لا يُشبه السروال ، السروال قد خيط على قدر العضو ، الرجل اليمنى لها كم والرجل اليسرى لها كم ، فبينهما فرق عظيم . أما هذا فهو إزار سواء خيط أو لم يُخط .
سؤال : أحسن الله إليك ، في موضوع الستر ، كون الإنسان يستره أحد حتى يغتسل ، في هذا فيه أشياء ثلاثة : بعضهم يقول : الغسل مما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل مع إحدى زوجاته ، قالوا : الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبلس شيئاً يستر عورته المغلظة وإلا ما يجوز أن الإنسان يكشف عورته يغتسل مع زوجته وهم عراة ما عنهم شيء ؟
الجواب : من قال هذا ؟
السائل : وهكذا قرره عندنا بعض ......
الجواب : هذا غلط بل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغتسل مع أهله في إناء واحد تختلف يده مع يد زوجته ، وقد قال الله عز وجل : {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم } وفي الحديث وإن كان فيه ضعف : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) وأما حديث عائشة الذي ذُكر عنها : ( ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأى مني ... ) هذا ضعيف لا حجة فيه .
السائل : الوجه الثاني : كون الإنسان يستره أحد فإنه متعرض لكشف عورته ، والذي يستر بالثوب ينظر إلى عورة الجالس، فقالوا هذا لا يجوز إلا أن الإنسان الذي يُستر عليه يلبس شيئاً يستر عورته المغلظة.
الجواب : هذا فيه احتمال إنه يلف على عورته المغلظة شيئاً ، لكن ليس كذلك لأنه يمكن يستره هكذا ويكون وجهه بعيداً ليس إلى عورة الرجل.
السائل : يعني يلتفت إلى الجهة الثانية ؟
الجواب : السترة على قدر سترة الإنسان وهو واقف ، هذا الساتر إن كان قصيراً فلن يستطيع النظر إلى عورته وهو داخل السترة ، وإن كان طويلاً يرمي بصره إلى الأمام .
السائل : يتعرض يا شيخ لكشف العورة .
الجواب : ما يتعرض ، إذا قصد يمكن .
السائل : عندنا بعض الناس لا يتروش حتى إلا بسرواله يقول ما يجوز الواحد يكشف عورته الملائكة يرونه ؟
الجواب : إذاً حتى في الغائط الملائكة تراه عن اليمين وعن الشمال قاعدين .
السائل : ما سألناهم عن هذا ، لكن عندنا أنا أعرف كثيراً من الناس يستعملون هذا .
الجواب : على كل حال هذا من تشدد بعض الناس .
سؤال : ما حكم تطيب الرجال بالزعفران ؟
الجواب : تطيبهم بالزعفران لا يجوز ، وهم محرمون يعني ؟
السائل : لا .. في حال الإقامة ؟
الجواب : ما فيه شيء ، الممنوع إنه يلبس الثوب الأحمر كاملاً وأما إنه يتطيب بالزعفران فلا بأس ، حتى عبد الرحمن بن عوف كان فيه من الزعفران لما تزوج .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من لا يُحسن الاتزار في الإحرام هل له أن يلبس السروال ؟
الجواب : كيف لم يُحسن ؟
السائل : بعض الناس لا يُحسن أن يستر عورته في الإحرام ؟
الجواب : يأخذ إزاراً واسع ، أما أن يأخذ إزاراً قصيراً ما ينفع ، يعني يلفه مرتين وثلاثة على جسمه . إلا إذا كان يركب بعير لكن يخاف من جلده فهو يصل واحد بواحد .
ش19 ـ وجه أ :
السائل : هذا يا شيخ في الواقع لو التف به ولف الثاني ما استطاع أن يمشي أو يجري .
الجواب : لا .. يستطيع بس يرفعه شوي إلى نصف الساق ويستطيع .
سؤال : هل يخيط إزاره ويفتحه يا شيخ ؟
الجواب : صحيح إذا خاطه ارتاح .(5/123)
15 ـ بَاب لُبْسِ السِّلاحِ للمُحْرِمِ
وَقَال عِكْرِمَةُ إِذَا خَشِيَ العَدُوَّ لبِسَ السِّلاحَ وَافْتَدَى وَلمْ يُتَابَعْ عَليْهِ فِي الفِدْيَةِ(1)
1713 حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنْه اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ لا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاحًا إِلا فِي القِرَابِ(2)
__________
(1) اقرأ الشرح على الترجمة .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 58
قوله : ( وقال عكرمة إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى أي وجبت عليه الفدية ) ولم أقف على أثر عكرمة هذا موصولا . وقوله : ( ولم يتابع عليه في الفدية ) يقتضى أنه توبع على جواز لبس السلاح ثم الخشية وخولف في وجوب الفدية . وقد نقل ابن المنذر عن الحسن أنه كره أن يتقلد المحرم السيف ، وقد تقدم في العيدين قول ابن عمر للحجاج أنت أمرت بحمل السلاح في الحرم ، وقوله له وأدخلت السلاح في الحرم ولم يكن السلاح يُدخل فيه . وفي رواية أمرت بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله . وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب من كره حمل السلاح في العيد وذكر من روى ذلك مرفوعا ، ثم أورد المصنف في الباب حديث البراء في عمرة القضاء مختصرا .
الشيخ : قوله : ( لم يتابع ) كأن البخاري رحمه الله شبه نقل الإجماع على عدم الفدية ، فعلى هذا نقول : إذا احتاج إلى حمل السلاح حمله بدون فدية .
(2) كل هذا من تعصب الجاهلية ، يقولون لو دخل بالسلاح مسلولاً لكان هذا إهانة لمكة فلا يدخله إلا يغمده .
القارئ : هنا ذكر العيني قال : قوله : ( ولم يتابع عليه في الفدية ) من كلام البخاري ، ولم يتابع على صيغة المجهول أي لم يتابع عكرمة على قوله وافتدى ، وحاصل الكلام لم يقل أحد غيره بوجوب الفدية عليه . قال النووي لعله أراد إذا كان محرماً فلا يكون مخالفاً للجماعة .
الشيخ : المسألة فيها إذا كان محرم ؛ لأنه لو لبس السلاح في مكة بدون إحرام ما أحد يقول عليه فدية . توجيه النووي رحمه الله فيه نظر .(5/124)
16 ـ بَاب دُخُول الحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ
وَدَخَل ابْنُ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالإِهْلال لمَنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ وَلمْ يَذْكُرْ للحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ(1)
1714 حَدَّثَنَا مُسْلمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِل وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ هُنَّ لهُنَّ وَلكُل آتٍ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ(2)
__________
(1) هذه من المسائل الهامة ، هل يجوز للإنسان أن يدخل مكة بدون إحرام ؟ الجواب : اختلف العلماء رحمهم الله في هذا ، فمنهم من قال لا يجوز إلا في مسائل معينة عينوها كدخولها للحطب ومن روحاته تتكرر وما أشبه ذلك ، ومنهم من قال لا يلزمه الإحرام إلا إذا كان الإحرام فرضه يعني لم يؤد فريضة الحج والعمرة أو أراد الحج أو العمرة ولو تطوعاً . وهذا القول هو الراجح وهو الذي ذكره البخاري رحمه الله . فالصواب أن من أدى الفريضة ـ فريضة العمرة والحج ـ ثم سافر إلى مكة لم يلزمه الإحرام إلا أن يريد الحج أو العمرة فلا يتجاوز الميقات حتى يُحرم . ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سُئل عن الحج أفي كل عام؟ قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) وهذا عام .
(2) هذا سبق الكلام عليه ، أليس كذلك ؟(5/125)
1715 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل عَامَ الفَتْحِ وَعَلى رَأْسِهِ المِغْفَرُ فَلمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَال إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَال اقْتُلُوهُ(1)
17 ـ بَاب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلا وَعَليْهِ قَمِيصٌ
__________
(1) قوله : ( على رأسه المغفر ) هو لباس يُلبس على الرأس من الحديد يتقي به المقاتل السنان والرماح ، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر لأن القتال قد حل له ، وفي هذا دليل على اتخاذ الأسباب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ المغفر وكان يلبس الدروع في الحرب ، وظاهر بين درعين في غزوة أحد ، لبس درعين . والأخذ بالأسباب كما أنه من طبيعة البشر فهو أيضاً مما أمر به الشرع . ولهذا لما وضع المغفر يعني انتهى القتال ومع ذلك أُتي إليه ابن خطل متعلق بأستار الكعبة تعوذاً بها ، فقال اقتلوه ، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال قبل ذلك : من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، لكن هذا لم يُؤَمنه مع أنه متعلق بأستار الكعبة لأن جرمه عظيم فقد قيل إن هذا الرجل والعياذ بالله كان له جاريتان بعد أن ارتد ـ يعني أسلم أولاً ثم ارتد ـ وكان عنده جاريان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلعظم ذنبه وجرمه لم تُؤمنه الكعبة .(5/126)
وَقَال عَطَاءٌ إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لبِسَ جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا كَفَّارَةَ عَليْهِ(1)
__________
(1) عطاء رحمه الله من علماء مكة وعنده من العلم بالمناسك ما ليس عند غيره ، ويقول : إنه إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه ، فيستفاد من هذا الأثر أنه لا كفارة على من فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً ، ودليل هذا عموم قول الله تبارك وتعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله تعالى : (( قد فعلت )) . وخصوص قوله تعالى في الصيد : { ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم } ويستفاد من الأثر أنه إذا فعل هذه الأشياء عالماً ذاكراً فعليه كفارة ، ولكن ما هي الكفارة ؟ الكفارة فدية الأذى ، يعني أن يصوم ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يذبح فدية شاة يوزعها على الفقراء ، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله .
وفي نفسي من هذا شيء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حرَّم ما حرَّم على المحرم من اللباس والطيب لم يذكر ما يجب عليه والأصل براءة الذمة لكن الإيجاب ـ أعني إيجاب الفدية ـ فيه تربية للنفس فإذا لم يكن عند الإنسان اقتناع بأن فيها فدية فلينسب هذا إلى العلماء ، يقول قال العلماء كذا وكذا ويخرج من عهدته وهذا كما قلت هو تربية ؛ لأنك إذا قلت للعامي البس القميص أو ما أشبه ذلك وليس عليك إلا التوبة سهل عليه هذا ، لكن إذا ألزمته بالكفارة فإنه يحترز ويبتعد عن المحظورات اقرأ في الفتح الكفارة ......
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 63 :
قوله : ( باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص ) أي هل يلزمه فدية أو لا وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية ومن ثم استظهر المصنف الراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث . قال ابن بطال وغيره وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . وفرق مالك فيمن تطيب أو لبس ناسيا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية وقول مالك فيه احتياط ، وأما قول الكوفيين والمزنى فهو مخالف هذا الحديث وأجاب ابن المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا أنتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه .
الشيخ : ما تكلم عن الأثر ؟
القارئ : ما تكلم يا شيخ .
متابعة التعليق : قوله : ( وقال عطاء ... الخ ) ذكره ابن المنذر في الأوسط ووصله الطبراني في الكبير وأما حديث يعلى فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب غسل الخلوف في أوائل الحج .
القارئ : تكلم على الحكم ...... في حديث يعلى بن أمية .
الشيخ : ما تكلم عن الأثر .
متابعة التعليق :
قوله : ( وقال عطاء ) مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعطاء هو ابن أبي رباح ، قوله : ( إذا تطيب ) أي المحرم جاهلاً أو ناسياً ، وبقول عطاء قال الشافعي ، وعند أبي حنيفة وأصحابه تجب الفدية بالتطيب ناسياً وباللبس ناسياً قياساً على الناسي في الصلاة .
القارئ : ما تكلم على الكفارة .
الشيخ : على كل حال يُحمل الكلام على أدنى الكفارة وهي فدية الأذى، وقد سبق لنا أن محظورات الإحرام تنقسم إلى أربعة أقسام : قسم ليس فيه شيء ، وقسم فيه الجزاء ، وقسم فيه بدنة ، وقسم فيه التخيير في ثلاث .(5/127)
1716 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَال حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَال كُنْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَليْهِ جُبَّةٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لي تُحِبُّ إِذَا نَزَل عَليْهِ الوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ فَنَزَل عَليْهِ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَال اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ يَعْنِي فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
18 ـ بَاب المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ
وَلمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ
1717 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَال فَأَقْعَصَتْهُ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ أَوْ قَال ثَوْبَيْهِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلبِّي.
__________
(1) هذا جمع بين حديثين وإلا فإن قضية العض ما وردت في حديث يعلى بن أمية لكن الظاهر جمع بينهما .(5/128)
1718 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَال فَأَوْقَصَتْهُ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تَمَسُّوهُ طِيبًا وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلبِّيًا(1)
__________
(1) وهذا الذي ذكره البخاري هو الصواب المتعين أن الإنسان إذا مات في حال الإحرام لا يُقضى ما بقي حتى لو كان فريضة الحج ، خلافاً لمن قال من الفقهاء إنه إذا مات والحج فريضة يجب أن يُقضى عنه ما بقي. فيقال : هذا لا دليل عليه ، ولو قُضي عنه ما بقي لم يُبعث يوم القيامة ملبياً لأنه انتهى حل . فالصواب ما دل عليه الحديث أنه لا يُقضى عنه .
سؤال : هل يختص الحج من بين العبادات أن الإنسان لم يتم فرضه قام يلبي أم يعم جميع العبادات كمن مات وهو يصلي ؟
الجواب : إذا مات وهو يصلي يقوم يلبي ؟
السائل : لا .. إذا كانت لم تنته الصلاة يقوم وهو يصلي يعني مثلاً في حال صلاته .
الجواب : لا .. هذا خاص بالحج والجهاد فقط أن الإنسان يُبعث على ما مات عليه ، ولهذا يُبعث الشهيد وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك ، وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الشهداء أن يدفنوا في ثيابهم ولا يُغسلوا ولا يكفنوا . الحج نوع من الجهاد .
السائل : من قاس هذا في المعاصي قياسه ليس صحيح ؟
الجواب : إيش المعاصي ؟
السائل : قاس بأن مات في معصية قام وهو على تلك المعصية .
الجواب : يعني لو مات فوق المعصية يزني بها يعني يوم القيامة يُبعث هو والمرأة متراكبين .
السائل : هم قاسوا على المغنيين .
الجواب : أنا ذكرت لك العقوبات ما فيها قياس ، ولهذا تجد أحياناً عقوبة عظيمة على عمل صغير في نظر الإنسان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كثير )) .
سؤال : أحسن الله إليك ، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب ابن عجرة بالفدية إلا بعدما حصل به القمل ، لم يأمره بفدية الأذى إلا بعدما وقع هذا المحظور من كعب فهل نقول مثل ذلك في بقية المحظورات يعني حيث إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بها لكن لم تقع هذه المحظورات من أحد فيُحمل أن النهي ................
الجواب : ما فهمت السؤال ، كعب بن عجرة رضي الله عنه حصل له ما حصل فأنزل الله الآية .
السائل : وقبل هذا يا شيخ لم ندري بفدية الأذى .
الجواب : في حلق الرأس ؟
السائل : قبل نزول الآية .
الجواب : قبل نزول الآية ؟ طيب . هذا نقول مثل ما قال ابن بطال ليعلى بن أمية ؛ لأن هذا تلبس بالخلوق قبل أن ينزل حكمه .
سؤال : أحسن الله إليك ، هذا الذي تُوفي وهو مُحرم إذا أتم أهله الحج بعده وهو ما أمر بهذا وهو توفي في الحج ؟
الجواب : إي نعم لكن هو لم يأمر به ، يعني لم يوصي به ، لكنه شرع عند هؤلاء معمول به ، يعني يروا يجب أن يتمه ؟
السائل : فإذا أتموا ؟
الجواب: إذا أتموا نقول لا تتموا وسبحان الله رجل واقف بعرفة، نقول تعال يا رجل احرم وقف بعرفة بقية اليوم وامش ، أو إنسان قد انصرف من عرفة وبات بمزدلفة نقول أيضاً احرم وارم الجمرات وبت في منى ؟
السائل : إذا أتموا جهلاً هل يُبعث ملبياً إذا لم يوص ؟
الجواب : إذا أتموا جهلاً لا يظهر لي هذا ، إذا أتموه له فقد أتموه بمقتضى الشرع عندهم فيكون تحلل .(5/129)
19 ـ بَاب سُنَّةِ المُحْرِمِ إِذَا مَاتَ
1719 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلبِّيًا.
20 ـ بَاب الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَةِ(5/130)
1720 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَال نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لوْ كَانَ عَلى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ(1)
__________
(1) هذا دليل على أن من مات وعليه حج واجب أنه يحج عنه وليه أو غيره من الناس ، وشبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دين الله بدين الآدمي ثم قال : (( الله أحق بالوفاء )) فاختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا تزاحم دين الله ودين الآدمي في التركة فما الذي يُقدم ؟ قال بعضهم : يُقدم حق الآدمي لأنه مبني على المشاحة ، مثاله : رجل عليه مائة ريال زكاة وعليه مائة ريال دين ولم يترك خلفه إلا مائة ريال ، يقول هؤلاء القوم : تؤدى المائة ريال إلى صاحب الدين لأن حق الله مبني على العفو وحق الله مبني على المشاحة . وقال آخرون : يُقدم حق الله فتُدفع الزكاة وصاحب الدين إن كان المدين قد أخذه يريد أداءه أدى الله عنه . قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( فالله أحق بالوفاء )) . وقال آخرون : بل يتحاصان ، وقالوا إن معنى قوله : (( أحق بالوفاء )) يعني إذا جاز قضاء دين الآدمي فقضاء دين الله من باب أولى . والمرأة ما سألت عن دين الله ودين الآدمي حتى يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم حق الله ، لكنه بيَّن لها أن القياس يقتضي أن دين الله أحق بالوفاء ، لكن الترجمة الآن والحديث البخاري رحمه الله يقول : ( بَاب الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَةِ ) والحديث الذي حج امرأة عن امرأة ، فلابد أن يتكلم عنه الشارح .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 65
قوله : ( والرجل يحج عن المرأة ) يعني أن حديث الباب يستدل به على الحكمين وفيه على الحكم الثاني نظر لأن لفظ الحديث أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل وأجاب ابن بطال بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله اقضوا الله قال ولا خلاف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح ا.هـ. والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيها : ( أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن أختي نذرت أن تحج ... ) الحديث وفيه : ( فاقض الله فهو أحق بالقضاء ) أخرجه المصنف في كتاب النذور وكذا أخرجه أحمد والنسائي من طريق شعبة .
الشيخ : هذا اللفظ واضح .
سؤال : في مسألة قلنا إن الذين استدلوا أن الاشتراط لا يكون إلا عن خوف استدلوا أنه لو اشترط ومات لا يُبعث ملبياً لأنه حل ، الم نقل أنه إذا اشترط بلا خوف لا تنفع ، فإذا كانت لا تنفعه ومات فإنه مات مع إحرامه؟
الجواب : نعم صحيح .
السائل : ألا ينقض هذا القاعدة ؟
الجواب : لا ينقضها ، إلا إذا قلنا إنه يصح الاشتراط ولو بلا عذر ، لكن الذي قال يشترط أو لا يشترط الظاهر إنه على سبيل الأفضلية فقط هل الأفضل أن يشترط أو الأفضل أن لا يشترط .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، بالنسبة للحج عن الغير هل يُقتصر فيه على الفرض أم يتوسع فيه كذلك في النفل ؟
الجواب : إي نعم بيأتي في الباب الذي بعده .
سؤال : أحسن الله إليك ، حج النذر لو مات الإنسان وهو كان عليه حج نذر هل يقضوا عنه أهله ؟
الجواب : إذا شاءوا لا بأس .
السائل : والفريضة ؟
الجواب : والفريضة .
السائل : وهو متلبس يا شيخ بالإحرام يعني في عرفة أقصد .
الجواب : إذا مات في أثناء النسك لا يُقضى عنه لا نذر ولا فريضة .(5/131)
21 ـ بَاب الحَجِّ عَمَّنْ لا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلى الرَّاحِلةِ
1721 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الفَضْل بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمْ أَنَّ امْرَأَةً ح . حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ ابْنَ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلى الرَّاحِلةِ فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَال نَعَمْ(1)
__________
(1) هذه المسألة أيضاً إذا كان الإنسان عاجزاً عن الحج نظرنا إن كان العجز يُرجى زواله ، يعني كإنسان أُصيب بزكام أو حمى أثناء وقت الحج فهذا يُرجى زواله ، فيقال لا يُحج عنه لأنه يمكن أن يؤدي الفريضة بنفسه ، أما إذا كان عجزه مستمراً كالكبر والمرض الذي لا يُرجى بُرؤه والهزال الشديد وما أشبه ذلك ، فهذا يُحج عنه ، لكن هل يُحج على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ إن كان عنده مال فإنه يحج عنه على سبيل الوجوب؛ لأن المرأة لما قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدركت أبي فريضة الله على عباده في الحج . أقرها على هذا ، مع أنه في بدنه لا يستطيع لكن عنده مال ، فهنا نقول : يجب أن يُقام من يحج عنه ، أما إذا لم يكن له مال فإنه لا يجب عليه الحج .
بالنسبة لحج النفل ، حج النفل عن الحي المستطيع وغير المستطيع على المشهور في المذهب عندنا الحنابلة أنه جائز ، وعن أحمد رواية أنه لا يجوز الحج عن الغير في النفل ، وقال إن الفريضة جازت للضرورة وأما النفل فلا ضرورة ، فمن أراد أن يحج فليحج ومن لا يريد فلا يقيم من يحج عنه لأن الحج عبادة والعبادة يُقصد أن يقوم الفاعل بها حتى تؤثر على قلبه وصلاحه . أي فائدة للإنسان إذا قال يا فلان حج عني تطوعاً وهو جالس في سهوه ولهوه يتمتع بكل ما يتمتع به ، أي فائدة ؟ وربما يكون يتمتع بأشياء محرمة اعتماداً على أن هذا حج عنه ، هذا ليس عبادة .
فالذي نرى أن حج النفل لا تصح الاستنابة فيه إلا لعاجز ، ويقال للإنسان إما أن تحج بنفسك وإلا فلا ، ثم نُرشده إلى ما هو أفضل ونقول بدلاً من هذا اعط الدراهم التي تريد أن تحج بها إلى شخص فقير ليحج بها الفرض وتكون هنا قد أعنته على حج الفرض ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من جهز غاز فقد غزا ، فيُرجى كذلك أن من أعان شخصاً على غير الجهاد يُرجى له أن يكون له مثل أجره .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من مات ولم يحج الفريضة لكنه أوصى أن يُبنى مسجد بماله وهذا غير واجب ، هل يُبنى مثلاً ما وصى به أم يُحج عنه ؟
الجواب : يُبدأ بالفريضة أولاً لأن الفريضة دين فإذا فرغ شيء بقيت الوصية من ثلث الباقي فأقل إلا إذا أذن الورثة . مثال ذلك : رجل خلَّف أربعمائة دينار ، مائة دينار يُحج بها عنه ، يبقى ثلاثمائة دينار ، ننظر هذا المسجد الذي أوصى به هل يستغرق أكثر من مائة دينار ؟ إن قالوا نعم قلنا لا تنفذوا الوصية إلا بمقدار مائة دينار ، ما أن يأذن الورثة وهم مكلفون بالغون مرشدون . وأما إذا كان الذي أوصى به يستوعب مائة دينار فأقل فيجب أن يقام به الوصية لأن الوصية من الثلث فأقل جائزة سواء أذن الورثة أم لم يأذنوا .
سؤال : إذا كان هو صحيح ويقدر على الحج ولم يحج ويوصي به ؟
الجواب : هذه المسألة المعروفة عند الفقهاء أنه يجب أن يحج عنه ، ولكن الصواب أنه لا يُحج عنه وأنه لو حُج عنه لم ينفعه ؛ لأن الرجل ترك فريضة من فرائض الإسلام وهو حي صحيح . قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن : وهكذا جميع العبادات الواجبة إذا تهاون الإنسان بها حتى مات لا تُقضى عنه . لكن ينبغي أن نستثني الزكاة ، لو أن الإنسان بخل بها حتى مات فهنا ينبغي أن نقول الزكاة لابد من إخراجها ، لماذا ؟ لأنها متعلقة بحق الغير ، لكن تُخرج ولا تُجزئ عن الميت ، يُعذب عليها يوم القيامة لأنه تركها متعمداً . والله أعلم .(5/132)
22 ـ بَاب حَجِّ المَرْأَةِ عَنِ الرَّجُل
1722 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَجَعَل الفَضْلُ يَنْظُرُ إِليْهَا وَتَنْظُرُ إِليْهِ فَجَعَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْل إِلى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلى الرَّاحِلةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَال نَعَمْ وَذَلكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) هذا فيه فوائد منها : أن صوت المرأة ليس بعورة ، وهذا قد دل عليه القرآن الكريم كما قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول } والنهي عن الخضوع بالقول يدل على جواز القول المُطلق ، وما زالت النساء تأتي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مجلسه والناس حوله وتسأل ، والممنوع أن تخضع بالقول وتأتي بقول ليِّن يثير الشهوة .
وفيه دليل على ما ترجم به البخاري رحمه الله من جواز حج المرأة عن الرجل ، وفيه دليل على أن من عجز ببدنه وقدر بماله فالحج فريضة عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقرها على قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي . ولكن يبقى هل هي تريد أن تسأل الحج عنه الآن يعني هذه السنة أو في المستقبل ؟ فيه احتمال ، أما إذا قلنا إن المراد في المستقبل أن تحج عنه فلا إشكال ، وأما إذا قيل المراد هذا العام فيبقى إشكال وهو هل هذه المرأة أدت الفريضة عن نفسها أو لا ؟ يغلب على الظن أن لا ؛ لأن الحج لم يجب إلا في السنة التاسعة ، فإذا قلنا هكذا قلنا كيف تحج عن أبيها ؟ ينبني على خلاف العلماء هل يجوز أن يؤدي الفريضة عن الغير من لم يأت الفريضة عن نفسه ؟ والخلاف في هذا معروف ، وإذا قلنا قد حجت وأن هذه الحجة لأبيها فكيف تسأل تقول أفأحج عنه وقد أحرمت بالحج عن أبيها ؟ فالجواب سهل أن نقول ( أفأحج عنه ) يعني أفأستمر في الحج عنه أو لا ؟ وعلى كل حال الإشكال لا يزال باقياً لأنه في حديث ابن عباس الذي قال الإمام أحمد إن رفعه خطأ ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع من يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة . فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسأل هذه المرأة . موقفنا من هذا الحديث نفسه أن نقول هذه مسألة وقعت على هذا فلا حاجة أن نستفهم ولا حاجة أن نقول حجت أو لم تحج لكننا ننظر إلى القواعد العامة في هذه المسألة وهي حج الإنسان عن الغير قبل أن يحج عن نفسه .
وفيه أيضاً دليل على الإرداف على الدابة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل ابن العباس في دفعه من مزدلفة إلى منى ، لكن اشترط العلماء أن لا يكون في ذلك مشقة على الدابة ، فإن كان فيه مشقة فإنه لا يجوز . وفيه دليل على تحريم نظر الرجل إلى المرأة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل ، ولكن هل هذا على عمومه أو في مثل هذه القضية ؟ الجواب : في مثل هذه القضية ، المرأة قد كشفت وجهها ، والفضل جعل ينظر إليها و( جعل ) من أفعال الدوام تدل على أنه تقصد النظر إليها ، فصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر وإلا فالصواب أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل ولا حرج والرجل لا ينظر إلى المرأة .
فإن قال قائل : في هذا إشكال وهو أن ظاهر الحديث أن وجهها مكشوف فيبقى فيه إشكال ، فالجواب أن نقول : هذه المرأة وقفت تسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكشف المرأة للرسول صلى الله عليه وسلم لا بأس به بدليل أنه يذهب إلى بيت أم هانئ ويبقى عندها وأنه قد يضع رأسه لتفليه المرأة ، فهذا خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام .
يبقى النظر ، فرضنا أنه خاص بالرسول المرأة محرمة وبين الناس ، نقول ما الذي أدرانا أنها قد كشفت وجهها قبل أن تقف تسال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلعلها كانت في الأول قد غطت وجهها ولما أرادت أن تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم كشفت وجهها من أجل أن يتبين كلامها ويكون مقابلتها للرسول صلى الله عليه وسلم أشد وعياً وأفهم . هذا الاحتمال وارد أو غير وارد ؟ وارد ، إذاً مادامت المرأة فيها شك هل هذه المرأة كاشفة وجهها لعموم الناس أو حين وقفت تسال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ والعلماء يقولون : إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .
ش19 ـ وجه ب :
ولا يجوز أن نستدل بهذا الحديث المشتبه ليبطل النصوص المحكمة الدالة على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب .
في الحديث هذا تغيير المنكر باليد ، من أين يؤخذ ؟ من صرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الجانب الآخر ، وفي هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أردف معه من صغار بني المطلب بل بني هاشم وهو الفضل كما أنه في الرجوع من عرفة أردف أسامة بن زيد مولى من الموالي ، فهو لا يتخير وجهاء الناس وشرفاء الناس حتى يردفهم ، بل تواضع صلى الله عليه وسلم فأردف في رجوعه من عرفة مولى من الموالي وفي رجوعه من مزدلفة من صغار بني هاشم .
سؤال : إذا قيل بأن المفسدة الموجودة في نظر الرجل للمرأة موجودة في نظر المرأة للرجل ؟
الجواب : فالجواب سهل ، ما دام النصوص دلت على هذا ما يمكن نتجرأ على النصوص ، هذا من جهة ، من جهة أخرى تعلق الرجل بالمرأة أكثر من تعلق المرأة بالرجل ، ولهذا الرجل هو الطالب ، وهو الذي يطلب النساء . أفهمت ؟ ما دام عندنا النصوص فرَّقت بينهما يكفي ، نعم لو فُرض أن المرأة تنظر إلى الرجل نظرة تمتع أو نظرة تلذذ شهوة فهنا نقول : لا .. امنع ، وإلا فلا إشكال أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل . المرأة تمشي في السوق والرجال كلهم قد كشفوا وجوههم ، وإذا قلنا بأنها لا تنظر لقلنا للرجل استر وجهك كما قلنا للمرأة تستر وجهها ، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت قيس : (( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده )) ومكن عائشة رضي الله عنها أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى طابت نفسها .
سؤال : في الحديث في صحيح مسلم صاحب الخاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزعه بيده ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل استدل بعض طلبة العلم على أن الداعي إلى الله لا بأس بعض الأحيان أن يكون غليظاً في دعوته إلى الله ، ومثلوا لذلك قالوا رجل مثلاً معروف أنه لا يبالي ولا يحترم كبار القوم فمثلاً يُشعل السيجارة أمامهم ، فقالوا لا بأس أحياناً أن ينهر أو أن يقطع أو يظهر غلظة ؟
الجواب : ما في شك أنه وجيه ، كل حالة لها مقال . الإنسان المعاند الذي نعرف أنه معاند ونحن لنا سلطة نعامله بالأشد ، والإنسان الذي لا يدري يعني لا نعلم أنه معاند نعامله بالأخف ، فالأعرابي بال في المسجد وزجره الناس ونهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام . والرجل تكلم في الصلاة جهراً وكرر الكلام ولم ينهره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : المحظور في نظر الرجل إلىالمرأة كذلك يوجد في نظر المرأة للرجل ؛ لأن المرأة بعض الأحيان هي التي تتعدى على الرجل في هذه المسائل ؟
الجواب : صحيح ، امرأة العزيز ماذا فعلت بيوسف ؟ هذا نادر بالنسبة للنساء ، كما قلنا لكم ما دامت النصوص فرقت بينهما ما لنا كلام ولا يمكن أن نعارض النصوص بالقياس الفاسد .(5/133)
23 ـ بَاب حَجِّ الصِّبْيَانِ
1723 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ بَعَثَنِي أَوْ قَدَّمَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ(1)
1724 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال أَقْبَلتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الحُلُمَ أَسِيرُ عَلى أَتَانٍ لي وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَائِمٌ يُصَلي بِمِنًى حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّل ثُمَّ نَزَلتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَال يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
__________
(1) قوله : ( بليل ) لم يحدد هذا الليل ، ولكن الظاهر أنه إذا مضى معظم الليل جاز الدفع سواء غاب القمر أو أم لم يغب ، وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها أمرت غلامها أن يرقب غروب القمر . هذا من باب الاحتياط ، وإلا ليس في السنة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إذا غرب القمر فادفعوا ، إنما دفع بليل . فالظاهر كما قال الفقهاء رحمهم الله أن المعتبر إذا مضى أكثر الليل سواء كان الثلثان أو ثلاثة أرباع أو ما أشبه ذلك . الشاهد من هذا الحديث قوله : ( قَدَّمَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ ) المراد بالثقل النساء وما أشبههم ،ولهذا قال لابن عمر : ( إنه قد أُذن للظعن ) جمع ظعينة وهي المرأة .(5/134)
1725 حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال حُجَّ بِي مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.
1726 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بْنُ مَالكٍ عَنِ الجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَال سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالعَزِيزِ يَقُولُ للسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَل النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ (1)
__________
(1) هذا مما يدل على حج الصبيان ، أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقد قال عن نفسه إنه في منى حين يسير على أتان إنه قد ناهز الاحتلام ، أي قاربه ، وأما حديث السائب فصريح أنه له سبع سنين ، وعلى هذا فيحج الصبيان . وإذا حجوا فهل تسقط الفريضة أو لا ؟ الجواب : لا تسقط الفريضة لأنهم حجوا قبل أن يكون واجباً عليهم فهو بمنزلة من صام قبل دخول رمضان لا يُجزئه عن رمضان . وإذا حجوا ماذا يفعلون ؟ يجب أن يفعلوا كل ما يقدرون عليه على المشهور من المذهب ، وما عجزوا عنه قام به وليهم كالرمي مثلاً ، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يلزمه إتمام النسك وأن للصبي أن يفسخ النسك . وقوله أقرب إلى الصواب لأن هذا لم يبلغ الحد الذي يُلزم فيه بالعبادات فهن غير مكلف . ثم إنه في عصرنا الحاضر الحاجة داعية لذلك ، كثيراً ما يُحرم الصبيان على أن الأمر سهل وأنهم سيتمون النسك ثم يعجزون من الزحام وشدة الحر في أيام الصيف أو البرد في أيام الشتاء ولا يتحملون ، فماذا نصنع بهؤلاء ؟ نقول : على القول الراجح ما فيه مشكل يتحللون ويلبسون ثيابهم .
سؤال : ما هو القول الراجح في الصبي الذي بلغ في وقت الصلاة وقد صلاها هل القول الراجح أن يعيدها باعتبار أنها واجبة عليه ؟
الجواب : القول الراجح أنها لا تلزمه الصلاة ، نقول صلى الظهر فقام بما أُمر به .
السائل : لماذا لا نقول كذلك في الحج ؟
الجواب : يعني أن تقول إذا حج وأتم الحج هل يلزمه حج آخر ؟ هذا سؤالك . الفرق بينهما أن الصلاة أداها في وقتها على أنها الظهر وعلى أنها الصلاة التي أُمر بها فبرأت ذمته ؛ لأنه لا يُلزم بأكثر من هذا ، أما الحج فلا الحج ليس كالصلوات الخمس كل صلاة لها وقت ، ثم إن فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من حج وهو صغير فعليه إذابلغ أن يحج حجة أخرى .
سؤال : أحسن الله إليك ، قلنا في حديث ابن عباس ، المرأة التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أبيها ، قلنا أنه يؤخذ منه أن من عجز ببدنه واستطاع بماله يجب الحج عليه ، ما وجه ذلك ؟
الجواب : لأنها قالت : ( إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي وهو شيخ كبير ) فأقرها على أن الرجل هذا قد فُرض عليه الحج ، واضح ، ولا يمكن أن يُفرض عليه بدون مال .
سؤال : ....................؟
الجواب : ربع مثقال .
سؤال : هل هذا التحديد شرعي ؟
الجواب : لا .. هذا من جنس الملبوسات ، إن خرج عن العادة وصار إسرافاً حرم وإن كان العادة فليس فيه شيء .
السائل : العامة عندنا يا شيخ أحسن الله إليك يلبسون الإصبع كله ، يعني الفص الداخلي يلبسون قرابة أربعة من الخواتم في هذا وفي الثاني ثلاثة ؟
الجواب : كل اليدين ؟
السائل : لا .. في إصبعين من أصابع اليد .
الجواب : الخنصر والبنصر . يملأون ؟
السائل : يملأون هذا أربع وهذا أربع أحياناً .
الجواب : لا .. لازم خمسة لأن هذا أطول !!
السائل : أحياناً تجد الواحد عنده إصبعين ملآنة ؟
الجواب : هذا لا يجوز .
السائل : نقول لهم حرام ؟
الجواب : إي نعم حرام لأن هذا إسراف فيُقلد في واحد ، أنت تبي تتجمل للناس ؟ المرأة هي التي تنلبس هذه الأشياء .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، لو نظرنا في لبس الخاتم للرجال فهناك حاجة ما هو للزينة ؛ لأن الموضع هذا يخص النساء ما يخص الرجال ؟
الجواب : هو الذي نرى أنه إذا احتاج الإنسان إليه فليلبسه كالرئيس والملك والوزير وما أشبه ذلك وإلا فالأفضل أن يتبع أهل بلده ، عندنا في عرفنا أنه لا يلبسه أهل المروءة إلا من يحتاجون إليه ، أما أهل المروءة على العادة فلا يلبسوه ، مشايخنا ما لبسوه إلا القضاة منهم فإنهم يلبسونه لأنهم يحتاجون لهذا . هذا جوابك(5/135)
24 ـ بَاب حَجِّ النِّسَاءِ
1727 وقَال لي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَذِنَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ(1)
__________
(1) في هذا إشارة إلى ما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجاته ، قال : (( هذه )) يعني حجة الوداع (( ثم لزوم الحصر )) جمع حصير ، يعني بعد ذلك لا تحججن ، فلم يحججن في زمن أبي بكر لقوله : (( هذه ثم لزوم الحصر )) ولا في خلافة عمر ، لكن في آخر حياته رضي الله عنه كأنه خاف بمنعهن من الحج فأذن لهن فحججن جميعاً مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعثمان بن عفان .
بقي أن يُقال : هل هذا يدل على أن الأولى للمرأة أن لا تحج بعد الفريضة ؟ أقول : نعم لاسيما في عصرنا الحاضر حيث إن النساء يختلطن اختلاطاً مشيناً مع الرجال في الطواف والسعي والرمي ويلحقهن من المشقة ما يلحقهن ، حتى إن المرأة لتنفلت عليها عباءتها وتبقى بالثياب فقط ، وحتى إن بعض النساء إذا رأى هذا الزحام الشديد يُغمى عليهن قبل أن يدخلن الزحام ، والحمد لله المرأة إذا أدت فريضتها تكفي .
فإذا قال قائل : هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرماً فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين ليس بمحرمية ولكن باحترام ، أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم ؟ الأول محتمل ، والثاني محتمل ، فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول ؟ الاحتمال الأول أو بالثاني ؟ بالثاني ونقول : لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن .(5/136)
1728 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَاحِدِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَال حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَلا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَال لكِنَّ أَحْسَنَ(1) الجِهَادِ وَأَجْمَلهُ الحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَقَالتْ عَائِشَةُ فَلا أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(2)
__________
(1) لَكُنَّ ) لعلها ( لَكِنَّ ) على النصب يمكن ( لَكِنَّ ) .
القارئ : نجعلها ( لَكُنَّ ) أو ( لَكِنَّ ) ؟
الشيخ : الذي عندي ( لَكُنَّ ) . على كل حال إذا كانت ( لَكُنَّ ) تكون ( أحسنُ) بالرفع لأنها مبتدأ والخبر ( لَكُنَّ ) ، وإذا كانت ( لَكِنَّ ) تكون منصوبة اسم لكن .
(2) هذا لا يُشكل في الواقع ؛ لأنه قال هذا لعله قبل أن يبلغها (( هذه ثم لزوم الحصر )) . شوف كلام الحافظ .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 74
قوله : ( ألا نغزو أو نجاهد ) هذا شك من الراوي وهو مسدد شيخ البخاري وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ( ألا نغزو معكم ) أخرجه الإسماعيلي . وأغرب الكرماني فقال ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد فإن الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل النفس في القتال قال أو ذكر الثاني تأكيدا للأول .ا.هـ . وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو وقد أخرجه النسائي من طريق جرير عن حبيب بلفظ ( ألا نخرج فنجاهد معك ) ولابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد ( فإنا نجد الجهاد أفضل الأعمال ) وللإسماعيلى من طريق أبي بكر بن عياش عن حبيب ( لو جاهدنا معك قال لا جهاد لكن حج مبرور ) وقد تقدم في أوائل الحج من طريق خالد عن حبيب بلفظ ( نرى الجهاد أفضل العمل ) فظهر أن التغاير بين اللفظين من الرواة فيقوى أن أو للشك .
قوله : ( لكن أحسن الجهاد ) تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج وهل هو بلفظ الاستثناء أو بلفظ خطاب النسوة . قوله : ( الحج حج مبرور ) في رواية جرير ( حج البيت حج مبرور ) وسيأتى في الجهاد من وجه آخر عن عائشة بنت طلحة بلفظ ( استأذنه نساؤه في الجهاد فقال يكفيكن الحج ) .
ولابن ماجه من طريق محمد بن فضيل عن حبيب : ( قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ) قال ابن بطال زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى: { وقرن في بيوتكن } يقتضى تحريم السفر عليهن، قال وهذا الحديث يرد عليهم لأنه قال: ( لكن أفضل الجهاد ) فدل على أن لهن الحج والحج أفضل منه.اهـ.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ( لا ) في جواب قولهن ( ألا نخرج فنجاهد معك ) أي ليس ذلك واجبا عليكن كما وجب على الرجال ولم يُرد عليهن فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد وخُص به عموم قوله : ( هذه ثم ظهور الحصر) وقوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهى كما تقدم .
وقال البيهقي في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال لا المنع من الزيادة ، وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما كما سيأتي البحث فيه في الذي يليه الحديث الثالث .
قوله : ( لا تسافر المرأة ) كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الآتى في الباب فقال : ( مسيرة يومين ) ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة وعنه روايات أخرى وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام وعنه روايات أخرى أيضا . وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات . وقال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفر فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يُعمل بمفهومه . وقال ابن المنير وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين وقال المنذري يحتمل أن يُقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها وأن يكون ثم جمعهما أشار إلى مدة الذهاب والرجوع وعند إفرادهما أشار إلى قدر ما تُقضى فيه الحاجة .
الشيخ : يعني ثلاثة أيام في الذهاب والرجوع .
متابعة التعليق : قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والاثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد . ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد . فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر خلافا للحنفية ، وحجتهم أن المنع المقيد بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن . ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه . ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد ، وقد خالفوا ذلك هنا والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث الباب فإنه لم يُختلف على ابن عباس فيه . وفرَّق سفيان الثوري بين المسافة البعيدة فمنعها دون القريبة . وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال إذا لم تجد زوجا أو محرما لا يجب عليها الحج هذا هو المشهور عنه وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة ، قالوا وهو مخصوص بالإجماع .
قال البغوي : لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت . وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة ، قالوا وإذا كان عمومه مخصوصا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة . وأجاب صاحب المغني بأنه سفر الضرورة فلا يُقاس عليه حالة الاختيار ، ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل ضرر متوهم ولا كذلك السفر للحج .
وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ : ( لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ) فنص في نفس الحديث على منع الحج فكيف يخص من بقية الأسفار؟ والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات . وفي قول تكفى امرأة واحدة ثقة . وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المذهب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا. وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة. وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها واستحسنه الروياني قال إلا أنه خلاف النص .
قلت : وهو يُعكر على نفى الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا واختلفوا هل المحرم وما ذُكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة . وعبارة أبي الطيب الطبري منهم الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لهم إلا مع محرم أو زوج أو نسوة ثقات .
ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أُمن الطريق أول أحاديث الباب لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك . ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم لا من جهة توقف السفر على المحرم ، ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين أحدهما عقب الآخر ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء إلا ما نُقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تُشتهي . وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة .
قال ابن دقيق العيد : الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى يعني مع مراعاة الأمر الأغلب وتعقبوه بأن لكل ساقطة لاقطة والمُتعقِب راعي الأمر النادر وهو الاحتياط . قال والمتعقب على الباجي يرى جواز سفر المرأة في الأمن وحدها فقد نظر أيضا إلى المعنى ، يعني فليس له أن ينكر على الباجي . وأشار بذلك إلى الوجه المتقدم والأصح خلافه ، وقد احتج له بحديث عدي بن حاتم مرفوعا : ( يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج معها ... ) الحديث وهو في البخاري وتُعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه . وأُجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز .
الشيخ : الرسول أخبر عن شيء عن تمام الأمن فقط بغض النظر عن جوازه ، وقد أخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها ، هل نقول يجوز أن نتبع لأن الرسول أخبر به ؟ لا نقول هذا . بالنسبة لأمهات المؤمنين ما في دليل على أنهن ليس معهن محرم ، الحديث ما فيه ذكر المحرم أبداً ، والقاعدة عندنا أن نحمل المُطلق على المقيد .
متابعة التعليق : ومن المستظرف أن المشهور من مذهب من لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور وكان المناسب لهذا قول هذا وبالعكس .
طالب : بارك الله فيك ، مسألة حج نساء النبي عليه الصلاة والسلام بعده تكلم عليها ابن حجر في الشرح تكلم عليها قبل صفحتين يا شيخ .
الشيخ : يعني قبل هذا البحث ؟
الطالب : إي نعم ، في قوله : ( وعبد الرحمن ..... )
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 73 :
قوله : ( وعبد الرحمن ) زاد عبدان عبد الرحمن بن عوف وكان عثمان ينادي ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب ، وفي رواية لابن سعد فكان عثمان يسير أمامهن وعبد الرحمن خلفهن وفي رواية له وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر . في إسناده الواقدي . وروى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة . أي بن شعبة ، والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها .
ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد الخزاعية قالت : رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلن بقُدَيْد فدخلت عليهن وهن ثمان . وله من حديث عائشة أنهن استأذن عثمان في الحج فقال أنا أحج بكن ، فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع : ( هذه ثم ظهور الحصر ) زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة : ( فكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن إلا سودة وزينب فقالا لا تُحَرِكنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وإسناد حديث أبي واقد صحيح . وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل ، وهو أقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل . والعذر عن عائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها ، على أن المراد بذلك أنه لا يجب تلك الحجة وتأيد ذلك عندها بقوله صلى الله عليه وسلم : (لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة ) . ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن على ذلك من ذكر من الصحابة ومن في آلاف نكير .
وقد روى ابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال : منع عمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة . ومن طريق أم درة عن عائشة قالت : منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا . وهو موافق لحديث الباب وفيه زيادة على ما في مرسل أبي جعفر وهو محمول على ما ذكرناه . واستُدل به على جواز حج المرأة بغير محرم . وسيأتى البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث .
سؤال : رواية : ( وكان عثمان ينادي ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن ) معروف أنه إذا كان معهن محرم سيدنو منهن وينظر لهن وقد يكون لحاجة أو كذا ، كذلك رواية : ( إذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلا يصعد إليهن أحد ) معلوم أن النساء قد تكون في حاجة إلى ماء أو كذا ؟
الجواب : عندهن عبد الرحمن بن عوف وعثمان .
السائل : إذا كان موجوداً المحرم يكون أولى من عبد الرحمن بأن يصعد وهو هكذا ؟
الجواب : هذا يظهر منه أنه لا محرم معهم لكن ما هو صريح .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، أمهات المؤمنين أليسوا محارم للمؤمنين ؟
الجواب : لا .. في الاحترام فقط .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، أم معبد الخزاعية تقول : ( فدخلت عليهن وهن ثمان ) بينما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسع ولم تحج زينب ولا سودة ، فيكون العدد سبع ؟
الجواب: قولها ( وهن ثمان ) يعني الحيات الباقيات، زينب ماتت قبل.
السائل: يعني ليس المراد اللواتي كن في الحج لأن الحديث تقول ..؟
الجواب : لعلها ظنت أن سودة حاجة ، على كل حال مسألة المحرم عندنا حديث محكم وواضح ولاسيما في وقتنا الحاضر فلا نرى جواز سفر المرأة بلا محرم لحديث عبد الله ابن عباس : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) وهو عام ، فأما أمهات المؤمنين فإما أن يُقال : إن المقصود من المحرم هو حماية المرأة وصيانتها وهذا حاصل لاسيما إذا كان عثمان ينادي لا يقربهن أحد ولا ينظر إليهن . فقد حصل المقصود . وإما أن يقال : ليس هناك دليل صريح على أنه لا محرم معهن ، فيمكن يكون معهن محرم ، وكونه لا يُذكر في أنه يأتي في رأس الشعب لأنه ليس كل محرم لواحدة يكون محرماً للجميع ، فبعد المحارم عنهن يكون أصوب .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، إذا قلنا المحرم ، عمر رضي الله عنه محرم لابنته وأخوان عائشة محرم لها؟
الجواب : ممكن .. والله أعلم .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليكم ، في الصبغة الناس يختلفون وبعض الناس يصبغ وعادته الصبغ لكن يريد أن يُنكر على من لا يصبغ ، وآخر يصبغ لكنه يميل إلى اللون البني ربما تقول إن هذا الصبغ بالأسود ...؟
الجواب : هو الممنوع الأسود الخالص وأما إذا خُلط الأسود بلون آخر فلا بأس ، يعني مثلاً الحنة أصفر والكتم أسود إذا خلطهما الإنسان وصبغ بذلك فلا بأس . أما الذين ينكرون على من لا يصبغون إنكاراً شديداً ففيه نظر لأنه قد يكون هناك عذر ، فالإمام أحمد رحمه الله قال في اتخاذ الشعر في الرأس قال : هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة . وإن كان القول الراجح في مسألة الشعر أنه تبع العادة . المهم أنه رحمه الله تعذر بالكلفة وأنه يحتاج إلى ترجيل وتسريح وتطييب وما أشبه ذلك . كثير من علمائنا ـ ولا أحتج بهم على السنة لأن السنة أولى أن تتبع ولا شك ـ لا يفعلون هذا ، لا يغيرون الشيب ، أدركنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وإخوانه عبد اللطيف ، وأدركنا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ومشايخ آخرين ، كلهم لا يصبغون والظاهر لي ـ والله أعلم ـ أن علتهم هو ما علل به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنها تحتاج إلى عناية وكل يوم يتفقدها الإنسان ، لأن الشعر إذا صُبغ ما يبقى ثلاثة أيام أربعة أيام إلا وقد بان من أسفل الشعر يحتاج على أن يُصبغ مرة ثانية . ثم هل قول الرسول عليه الصلاة والسلام : (( غيروا بياض الشيب خالفوا اليهود فإنهم لا يصبغون )) هل المراد المخالفة أو المراد في عدم الاشتباه في ذلك الوقت، بمعنى أنه إذا وُجد يهود لا يصبغون قلنا للمسلمين اصبغوا أو إنها سنة مستقلة ؟ هذا أيضاً محل نظر إذا قلنا إنه سنة مستقلة فعلناه سواء كان عندنا يهود أو ما عندنا يهود وسواء يصبغون أو لا يصبغون .
ش20 ـ وجه أ :
ولذلك احتج بعض الناس على الذين لا يصبغون يقول : كيف تنكرون علينا حلق اللحية والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خالفوا المجوس اعفوا اللحى )) وهنا قال : (( خالفوا اليهود اصبغوا )) فيجعلون من لم يصبغ كالذي يحلق اللحية ، وهذا احتجاج باطل ؛ لأن الذي يحلق أزال ما أوجد الله فهو مغير لخلق الله عز وجل ، وأما الثاني فلم يزل شيئاً غاية ما هنالك أنه لم يفعل الأمر أو لم يمتثل للأمر في الصبغ فقط ، فجعل هذا مثل هذا ما هو إلا مجادلة فقط .
اليهود الآن ما أدري هم يتخذون اللحى أو لا ؟ يتخذون اللحى ، ويصبغون ؟ ما يصبغون .(5/137)
1729 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَليْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَال رَجُلٌ يَا رَسُول اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ فَقَال اخْرُجْ مَعَهَا(1)
__________
(1) هذا في الأول فيه تحريم سفر المرأة بلا محرم سواء للحج أو لغيره وسواء كان معها نساء أو لا وسواء كانت آمنة أو لا وسواء كانت شابة أو كبيرة وسواء كانت جميلة أو غير جميلة ، الحديث عام ، وكما سمعتم في الليلة الماضية لكل ساقطة لاقطة ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، الواجب الأخذ بالعموم لأن الأمر صعب جداً والفتنة حاصلة ، ولهذا قال الله عز وجل : { ولا تقربوا الزنا } يعني ابتعدوا عنه لا تحوموا حوله ، وهو أبلغ من قوله لا تزنوا .
في هذا الحديث دليل على وجوب اصطحاب المحرم للمرأة التي هو محرمها ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر الرجل أن يدع الغزو ويذهب مع امرأته . هذا واجب ابتداءً أو واجب إذا حصل سفر المرأة فنقول أدرك المرأة واذهب معها ؟ الظاهر الثاني وأنه لو كان ابتداءً بمعنى أن المرأة قالت لزوجها أو محرمها إني أُريد الحج وليس لي محرم إلا أنت وهو في البلد ، فهنا لا نقول إنه يجب عليه أن يسافر ؛ لأنه لو أوجبنا عليه ذلك لأثمناه به والأصل عدم التأثيم ، ولكن إذا وافق فهل نفقة الحج عليه أو على المرأة ؟ فالجواب : على المرأة إلا إذا تبرع ، إذا تبرع فيُشكر على هذا . فصار لو أن إنساناً سافرت محرمه ثم علم أنه لابد من المحرم فهنا يجب عليه أن يسافر أن يلحقها ليمنعها . هل نقول بالعموم في السفر سواء كان قصيراً أو طويلاً ؟ الجواب : نعم ما دام يُسمى سفراً فإنه لا يجوز إلا بمحرم ، فمن المحرم ؟ المحرم هو البالغ العاقل ولا يُشترط إسلامه ، فيكون الأب الكافر محرم لابنته المسلمة وذلك لأنه مؤتمن عليها ومأمون . الفاسق من باب أولى يكون محرماً .
طيب ، المسلم إذا كان يُخشى منه الفتنة يكون محرماً ؟ لا يكون ، ويُتصور هذا في محارم الرضاع ، محارم الرضاع مثلاً كعم من الرضاع أو أخ من الرضاع لأنه ليس بينه وبين المرأة مثلاً قرابة تهيبه من فعل الفاحشة ، وإذا كانت جميلة وهذا الرجل ضعيف الدين فالخطر واقع .
الحكمة من وجوب المحرم هو صيانة المرأة وحمايتها والذب عنها ، هذا هو الحكمة ، إذاً فمنعها من السفر بلا محرم من مصلحتها أو من التضييق عليها ؟ من مصلحتها بلا شك . وأما ما اشتهر عند العوام يقول إن السبب في وجوب المحرم أنها لو ماتت في الطريق فإنه ينزل في قبرها لحل عُقد الكفن . هكذا يعلل العوام عندنا ما أدري هل عندكم هكذا ؟ أجيبوا يا أهل اليمن . ما عندك علم ، طيب أهل مصر . ما يدرون . على كل حال هذا عندنا ، فهذا ليس بصواب لأنه لا يُشترط لمن ينزل في قبر المرأة ليرجعها ويحل رباط الكفن لا يُشترط أن يكون محرماً . ولهذا اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان بن عفان رضي الله عنه في جنازة زوجة عثمان رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( أيكم لم يقارف الليلة )) قال أبو طلحة : أنا يا رسول الله ، قال : (( انزل )) فنزل في قبرها ولحدها وهو ليس بمحرم لها .
سؤال : هل يشترط أن يكون بالغاً ؟
الجواب : يُشترط أن يكون بالغاً عاقلاً .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك بالنسبة للمسلمات إذا كان محرماً كافراً كيف فرضية الحج ؟
الجواب : في الحج ما يمكن لأن الكافر لا يمكن أن يدخل الحرم .
السائل : يعني يعتبر هذا عذر شرعي فتسقط عنها فرضية الحج ؟
الجواب : إي نعم، وهنا سؤال : هل وجوب المحرم شرط للوجوب أو شرط للأداء؟ الصحيح أنه شرط للوجوب وأن المرأة إذا لم تجد محرماً فهي كالمرأة التي لم تجد مالاً ولا فرق ، وقال بعض أهل العلم : إنه من شروط الأداء وأنه إذا لم تجد محرماً وجب عليها الحج فتنيب من يحج عنها.(5/138)
1730 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ المُعَلمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَال لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ قَالتْ أَبُو فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لنَا قَال فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي . رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ . وَقَال عُبَيْدُاللهِ عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) اقرأ شرح الحديث .
تعليق من فتح الباري : وقد تقدم الحديث مشروحاً في باب عمرة في رمضان .
الشيخ : لكن ما قرأ الشرح ؟
القارئ : ليس بهذا المجلد ، في المجلد الذي قبل هذا .
تعليق من شرح العيني :
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : ( ما منعك من الحج ) فإنه يدل على أن للنساء أن يحججن ، والترجمة في حج النساء ، والحديث قد مضى في أوائل باب العمرة ، في باب عمرة في رمضان ، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ... إلخ . وهنا أخرجه عن عبدان وهو لقب لعثمان بن جبلة بن أبي رواد المروزي عن يزيد بن زُريع مصغر الزرع أبي الحارث عن حبيب ضد العدو المُعلم بلفظ الفاعل من التعليم وهو ابن أبي قُريبة بضم القاف وفتح الفاء الموحدة .
الشيخ : شرح الحديث .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 603
قوله : ( لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) القائل (نسيت اسمها) ابن جريج بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ، ولفظه : ( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج ... ) الحديث ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكراً له لما حدث به حبيبا . وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي . أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء ، أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال : عن عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة .
فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها . وقد اختلف في صحابيه على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في باب حج النساء . وقد وقع شبيه بهذه القصة لأم معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة . وقد اُختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال : جاءت امرأة فذكره مرسلا وأبهمها ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل . ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت : ( لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض فهلك أبو معقل فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال ما منعك أن فذكرت ذلك له قال فهلا حججت عليه فإن الحج في سبيل الله فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة ) ووقعت لأم طُليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن وابن منده في الصحابة والدولابي في الكُنى من طريق طلق بن حبيب أن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له وله جمل وناقة أعطني جملك أحج عليه قال جملي حبيس في سبيل الله قالت إنه في سبيل الله أن أحج عليه فذكر الحديث وفيه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق ) وفيه : ( ما يعدل الحج قال عمرة في رمضان ) .
وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان ، وفيه نظر لأن أبا معقل مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين فدل على تغاير المرأتين ، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا ، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث بن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في حديث غيره ، ولقوله في حديث ابن عباس إنها أنصارية وأما أم معقل فإنها أسدية ووقعت لأم الهيثم أيضا ، والله أعلم .
قوله : ( أن تحجي ) في رواية كريمة والأصيلي ( أن تحجين ) بزيادة النون وهي لغة ، قوله : ( ناضح ) بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير قال ابن بطال الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه ، لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا ، وفي رواية حبيب المذكورة ( وكان لنا ناضحان ) وهي أبين ، وفي رواية مسلم من طريق حبيب ( كانا لأبي فلان ) زوجها ، قوله : ( وابنه ) إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا ، وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس ، وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا . قوله : ( ننضح عليه ) بكسر الضاد ، قوله : ( فإذا كان رمضان ) بالرفع وكان تامة ، وفي رواية الكشميهني : ( فإذا كان في رمضان ) .
قوله : ( فإن عمرة في رمضان حجة ) وفي رواية مسلم : ( فإن عمرة فيه تعدل حجة ) ولعل هذا هو السبب في قول المصنف : ( أو نحوا مما قال ) قال ابن خزيمة في هذا الحديث : أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها ؛ لأن العمرة لا يُقضى فيها فرض الحج ولا النذر . وقال ابن بطال : فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة. وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع قال : وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا لأن حج أبي بكر كان إنذارا ،قال فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج .
قلت : وما قاله غير مُسلم إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك ، لكنه بني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض .
ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها ، وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد . وقال غيره يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة ، وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة . وقال ابن التين : قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة .
قلت : الثالث قال به بعض المتقدمين ، ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير : ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها . ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها قال : فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فما أدري ألِي خاصة تعني أو للناس عامة .اهـ. والظاهر حمله على العموم كما تقدم والسبب في التوقف استشكال ظاهره وقد صح جوابه والله أعلم .
الشيخ : الخلاصة أن كونها تعدل حجة لا يعني أنها تجزئ عنها فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وإن قرأها الإنسان ثلاثين مرة في الصلاة لم تجزئ عن الفاتحة ، وقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . عشر مرات يعدل عتق أربعة أنفس من بني إسماعيل ، ولو قال هذا الذكر لإعتاق أربعة رقاب لم يُجزئ بالإجماع . فلا يلزم من المعادلة في الثواب المعادلة في الإجزاء .
أما مسألة الخصوصية الظاهر كما قال ابن حجر العموم ، الظاهر العموم ، يبقى النظر في كلمة معي ، هل هي محفوظة أو شاذة ؟ فإن كان محفوظة فهنا يتوجه القول بأن كونها حجة مع الرسول بالنسبة لهذه المرأة التي تخلفت عن حجها مع الرسول ، وأما أصل الصواب فالظاهر العموم . والله الموفق .(5/139)
1731 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِالمَلكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ مَوْلى زِيَادٍ قَال سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِي الله عَنْه وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَال أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَوْ قَال يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي أَنْ لا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ ليْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الأَقْصَى(1)
__________
(1) سبق لنا ذكر حج النساء وما جرى لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهن في حجةالوداع : ((هذه ثم ظهور الحصر )) جمع حصير ، والحديث هذا صحيح وجيد ، وذكر لي بعض الأخوة البارحة أن الشيخ عبد العزيز رحمه الله ضعفه ، من الذي قال هذا ؟ خالد الصايغ أين وجدت هذا ؟
الطالب : موجود يا شيخ في تعليقه على الموطأ .
الشيخ : ماذا قال ؟
الطالب : قال الحديث غير صحيح .
الشيخ : غريب .. لأن العلماء السابقين صححوه .
الطالب : تريد أن آت به ؟
الشيخ : كلامه يعني ؟ لا ... إن شاء الله أنت ثقة ، وهذا خبر ديني يُكتفى فيه بخبر الواحد . لكن على كل حال هذا شيء معروف ومشهور .
القارئ : الحافظ بن حجر يقول : وروى أبو داود وأحمد من طريق ابي واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه ، ثم قال : وإسناد حديث أبي واقد صحيح .
الشيخ : ورأيت العلماء السابقين صححوه .
الطالب : هو يا شيخ قُرئ عليه بحث كامل ثم ذكر رأيه .
الشيخ : بحث من الطلبة ؟
الطالب : نعم من الطلبة .
الشيخ : على كل حال المسألة الآن فيها خلاف وإذا قال أحد عن شيء إنه صحيح أو ضعيف فلا بد من دليل .
الحديث الذي معنا الآن يقول : ( أَنْ لا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ ليْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ ) سبق الكلام على هذا وبيَّنا أن الأحاديث المقيِّدة اختلف التقييد فيها ، قال العلماء : وهذا يدل على أن القيد غير مراد وإنما هي حسب أسئلة السائل .
الثاني يقول : ( وَلا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى ) يعني عيد الفطر وعيد الأضحى صومه محرم بالإجماع حتى ولو كان عن نذر ، لو نذر أن يصوم يوم الاثنين فصادف يوم النحر فإنه لا يصومه ، ولو كان متمتعاً ولم يجد الهدي وصام ثلاثة أيام في الحج يوم النحر فإنه لا يجوز ، وكذلك يقال في صوم عيد الفطر . فإذا قال قائل : ما الحكمة في هذا ؟ قلنا : الحكمة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك وكفى بها حكمة . وذكر بعض العلماء أن الناس في هذين اليومين ضيوف الله عز وجل وأنه لا ينبغي أن يدعوا هذه الضيافة فيمسكوا عن الأكل والشرب . فإن كان هذا حقاً فهو حق وإلا فالواجب أن يقال إن هذا مما يُقتصر فيه على النص .
( وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) بعد العصر إلى أن تغرب الشمس ما في صلاة ، والمراد صلاة العصر لا وقتها ، وهذا يختلف إذا وجدنا رجلين أحدهما صلى العصر والثاني لم يصلي ، نقول الأول لا يتطوع والثاني يتطوع لأن الحكم مقيد بالصلاة . كذلك بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وقد جاء في السنة بأن هذا يمتد إلى أن تطلع قيد رمح ، وهذا أيضاً المعتبر في صلاة الفجر ، فلو فُرض أن شخصاً تطوع بعد أذان الفجر وقبل الصلاة فلا بأس لكن الأفضل أن لا يتطوع بشيء إلا سنة الفجر ويخففها أيضاً كما جاء هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا الإطلاق مقيد بما إذا لم يكن لصلاة النفل سبب ، فإن كان لها سبب صُليت لوجود سببها ، مثل تحية المسجد ، سنة الوضوء ، الكسوف على رأي جمهور العلماء على أنه ليس بواجب ، فكل صلاة لها سبب من النوافل فلا نهي عنها ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي ، وهو الصواب .
بعد ذلك : ( وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ) لا تُشد الرحال أي لا يُسافر وكنى بذلك عن السفر سواء شدت الرحال أو ذهبت في سيارة أو في طيارة ، لا تُشد الرحال إلى أي مسجد إلا المساجد الثلاثة فقط ، فلا تُشد الرحال إلى مسجد قباء مثلاً لأنه ليس من المساجد الثلاثة ، ولا تُشد الرحال إلى أي مسجد في مكة سوى المسجد الحرام ، ولذلك تميز بكون الصلاة فيه بمائة ألف صلاة لأنه تُشد غليه الرحال .
إذا قال قائل : لو شددت الرحل إلى مسجد لطلب العلم فيه لأن فيه درس علم أو لأن خطيبه مؤثر في خطبته فهل يدخل في هذا النهي أو لا يدخل ؟ الجواب : لا .. لأنك لم تشد الرحل إلى المسجد إنما شددته إلى ما يُلقى في المسجد ، ولذلك لو فُرض أنه عُدل الخطيب المؤثر أو درس العلم لم تشد الرحل إليه . هل يؤخذ من هذا تحريم شد الرحل لزيارة القبور ؟ أخذ شيخ الإسلام رحمه الله من ذلك أنه يحرم شد الرحل لزيارة القبور وقال : إن شد الرحل إلى زيارة القبور قد شده على مكان متقرباً على الله عز وجل ، قد شده إلى مكان يتقرب إلى الله تعالى بهذا السفر ، وهذا بدعة فيدخل في النهي ، وما قاله هو الصواب . ولهذا نقول : إذا أردت أن تسافر إلى المدينة فانو بالسفر شد الرحل إلى المسجد ثم بعد ذلك تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وما تُسن زيارته .
سؤال : أحسن الله إليك ، عندنا كبار رؤوس المبتدعة يبطلون الاستدلال بهذا الحديث على منع الزيارة للقبور ويقولون إن ليس فيه ذكر القبر أبداً إنما هو فيه من شد الرحل إلى مسجد غير هذه المساجد ، وأما القبور فيستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه ليزور قبر أمه فأذن له ، ومثل هذا لا يرد عليه هذا الحديث ، يعني يشوشون على الناس ويخفون كلام الحق ، فمثل هذه الشبه كيف تُدفع ؟
الجواب : تُدفع بأن كل شيء يحصل به التقرب إلى الله في مكان معين فهو داخل ، ولو نظرنا إلى ظاهر اللفظ ( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) لقلنا إن النهي عن شد الرحال إلى المساجد غير الثلاثة ، لكننا إذا أخذنا بالقياس والمعنى صار لا فرق بين أن تشد إلى مسجد من المساجد أو إلى بقعة ترى إنها مباركة أو ما أشبه ذلك . ما هو صحيح استنادهم ، وهل الرسول صلى الله عليه وسلم شد الرحل إلى أمه ، قد يكون شد الرحل أو استأذنه في الطريق إلى مكة ، ما ندري .
سؤال : إذا صلى الإنسان صلاة العصر مثلاً ثم قال له آخر صلي معي حتى نحصل على فضل الجماعة ، فهل هذا ذات سبب ؟
الجواب : إي نعم ، يعني لو صلى العصر ثم دخل آخر وقام يصلي معه يتصدق عليه فهذا جائز له سبب .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، مما يستدل يا شيخ بزيارة القبور على نهي الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذا قلنا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن زيارة المساجد وهي يُقصد بها عبادة الله وحده ، ولكن هي ليست سبب من الأسباب يؤدي إلى الشرك بالله ، ولا سيلة من الوسائل بمعنى الشرك ، والقبور هي المعروفة بقصد التبرك مع العامة ، كيف نقيس هذا على ذاك ؟
ش20 ـ وجه ب :
الجواب : إي نعم ، هذا أيضاً وجه ، نقول إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شد الرحال إلى المساجد مع أنها أماكن العبادة ولا يُخشى فيها شرك فشدها للقبور من باب أولى ؛ لأن شد الرحل إلى القبور سوف ينتج عنه تعظيم هذه القبور وأنها جديرة بشد الرحل إليها . ثم قد يكون في هذه المقبرة شخص معين يُشد الرحل إليه وهذا في النهاية يؤدي إلى عبادته والشرك به .
سؤال : أحسن الله إليكم ، بالنسبة لركعتي الفجر هل الأولى أن يصليهما الإنسان غير الإمام في بيته أو في المسجد ؟
الجواب : في بيته ، الأولى أن يصلي في بيته كل النوافل الراتبة في بيته إلا ما شُرعت له الجماعة ففي المسجد كقيام الليل في رمضان .(5/140)
25 ـ بَاب مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إِلى الكَعْبَةِ
1732 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل قَال حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَال مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَال إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ(1)
__________
(1) نذر المشي إلى الكعبة ليس من نذور الطاعة أما نذر السفر إلى الكعبة فهو من الطاعة لأن الكعبة تُشد الرحال إليها ، أما المشي فلا ، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيخ بين ابنيه وسأل عنه قال : ((إن الله تعالى غني عن تعذيب هذا نفسه )) وصدق . فهل يمكن أن نقول : إن كلمة عن تعذيب هذا نفسه تدل على أنه لو كان الإنسان نشيطاً قوياً لا يتعذب يجب عليه أن يوفي بالنذر أو لا ؟ الظاهر أنه لا فرق لأن هذا لابد أن يتعب لابد أن يتعذب لاسيما مع طول المسافة . شوف الكلام عليه في الشرح ، الترجمة أولاً .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 79 :
قوله : ( باب من نذر المشي إلى الكعبة ) أي وغيرها من الأماكن المعظمة هل يجب عليه الوفاء بذلك أو لا ؟ وإذا وجب فتركه قادرا أو عاجزا ماذا يلزمه ؟ وفي كل ذلك اختلاف بين أهل العلم سيأتي إيضاحه في كتاب النذر .
الشيخ : خلاص ؟
القارئ : الروايات ، الشيخ هذا من هو ؟
الشيخ : هذا ما يهم، القسطلاني ترى يتكلم عن الحديث وإحالاته قليلة.
تعليق من القسطلاني :
قوله : ( عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً ) قيل هو إسرائيل ، نقله مغلطاي عن الخطيب لكن قال في فتح الباري إنه ليس في كتاب الخطيب ، وقيل اسمه قيس ، وقيل قيصر . (يُهادى ) بضم التحتية وفتح الدال المهملة مبني للمجهول ، ( بين ابنيه ) لم يسميا ، أي يمشي بينهما معتمداً عليهما . ( قال عليه الصلاة والسلام ما بال هذا ) أي يمشي هكذا ، ( قالوا ) وفي مسلم من حديث أبي هريرة : ( قال ابناه يا رسول الله نذر أن يمشي ) أي نذر المشي إلى الكعبة ( قال عليه الصلاة والسلام إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسه لغني ، أمر ) ولأبي ذر عند الكشمهيني ( وأمر أن يركب ) أن مصدرية أي أمره بالركوب ، بينما لم يأمره بالوفاء بالنذر إما لأن الحج راكباً أفضل من الحج ماشياً فنذر المشي يقتضي التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء .
الشيخ : هذا التعليل غلط ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علل بأن ذلك تعذيب للنفس .
متابعة التعليق : أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره وهذا هو الأظهر . قاله في الفتح .
الشيخ : على كل حال في مثل هذا إذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يوفي بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه )) لكن إذا عجز عن الوفاء سقط عنه الوجوب لعموم قول الله تبارك وتعالى : { لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } فإذا سقط الوجوب فهل يلزمه كفارة يمين أو لا ؟ الصحيح أنه يلزمه كفارة يمين لأنه لم يوف بالنذر. ثم يقال : هل نذر الطاعات أمر مطلوب أو غير مطلوب ؟ فالجواب : لا هو غير مطلوب ، دل على ذلك الكتاب والسنة . فمن الكتاب قول الله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن } قال الله تعالى : { قل لا تقسموا طاعة معروفة } وأما السنة فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النذر وقال : (( إنه لا يأتي بخير )) شوف نفى أن يكون فيه الخير ، وقال : (( إنه لا يرد قضاءً )) فما أراد الله أن يكون لا ينفع فيه النذر وما أراد الله أن يمتنع لا ينفع فيه النذر . إذاً ما الفائدة ؟ لا فائدة إلا أن يلزم نفسه بشيء هو عافية منه . ولهذا مال كثير من العلماء رحمهم اله إلى أن النذر محرم . وليس هذا ببعيد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه وقال : (( إنه لا يأتي بخير )) .
وانظر إلى هؤلاء القوم الذين ينذرون ثم إذا حصل ما نذروا عليه قاموا يترددون على العلماء يريدون أن يفكوا أنفسهم من هذا النذر أو قاموا به على وجهٍ شر يتكرهونه . والمسألة خطيرة قال الله تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتاني من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاه من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه } احذر النذر وحَذِّر منه كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم إن النذر عند العلماء على أقسام وليس هذا موضع بسطها ، لكن أهم شيء أن من نذر طاعة وجب عليه الوفاء ومن نذر معصية لم يجب عليه الوفاء بل حرم عليه الوفاء ، ومن نذر مباحاً فهو يمين إن شاء فعله وإن شاء تركه وكفَّر كفارة يمين .
القارئ : العيني تكلم يقول : واحتج أهل الظاهر بهذا الحديث وبالأحاديث الأخرى الآتية فيه فقالوا : من عجز عن المشي فلا هدي عليه ولا يثبت في ذمته شيء إلا بيقين وليس المشي مما يوجب نذراً ، ولأن فيه تعب الأبدان وليس الماشي في حال مشيه في حرمة إحرامه فلم يجب عليه المشي ولا بدل منه . وسائر الفقهاء لهم في هذه المسألة أقوال :
القول الأول : روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم : من نذر المشي إلى بيت الله تعالى فعجز عنه أنه يمشي ما استطاع ، فإذا عجز ركب وأهدى شاة . وهو قول عطاء والحسن وبه قال أبو حنيفة والشافعية . وقال أبو حنيفة : وكذا إن ركب وهو غير عاجز ويكفر عن يمينه لحنثه . حكاه الطحاوي . وقال الشافعي : الهدي في هذه احتياط من قِبل أنه من لم يُطق شيئاً سقط عنه ، وحجتهم قوله : (( فلتركب ولتهدي )) .
والقول الثاني : يعود ثم يحج مرة أخرى ثم يمشي ما ركب ولا هدي عليه ، وهو قول ابن عمر . ذكره مالك في الموطأ .
الشيخ : هذا عجيب ، يعني يحج مرة ثانية ويشوف المواضع التي كان ركب فيها في العام الماضي يمشي ! سبحان الله ، قول غريب .
متابعة التعليق: ورُوي عن ابن عباس وابن الزبير والنخعي وابن جبير
والقول الثالث : يعود فيمشي ما ركب وعليه الهدي ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً ، ورُي عن النخعي وابن المسيب ، وهو قول مالك جمع عليه الأمرين المشي والهدي احتياطاً .
الشيخ : الصواب أنه إذا عجز سقط عنه الوجوب لكن يُكفر كفارة يمين ، أما سقوط الوجوب فلقوله تعالى : { لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } وأما كفارة اليمين فلأن النذر عبادة يجب أن يوفى به وتعذر الوفاء به شرعاً أو حساً كفَّر كفارة يمين .
سؤال : ما معنى الهدي الذي ذكر ؟
الجواب : الهدي هدي المحصر ، يعني ما استيسر .(5/141)
1733 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَال أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلى بَيْتِ اللهِ وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لهَا النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَال صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لتَمْشِ وَلتَرْكَبْ قَال وَكَانَ أَبُو الخَيْرِ لا يُفَارِقُ عُقْبَةَ .
قَال أبو عَبْد اللهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ(1)
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيم
كِتَابُ فَضَائِل المَدِينَةِ
1 ـ بَاب حَرَمِ المَدِينَةِ
__________
(1) الشاهد من هذا الحديث ( فلتمشي وتركب ) يعني تمشي حتى تتعب ثم تركب ، ولم يذكر عليها الكفارة ، وهذا مطابق للقاعدة العامة (اتقوا الله ما استطعتم) أما من ترك المشي نهائياً فعلى الحديث الأول يُكفر كفارة يمين ، وأما إذا كان يمشي كلما تعب ركب ، كلما تليَّن نزل ومشى فهذا أتى بما يقدر عليه .
سؤال : إن نذر رجل معصية وهو يعلم أن الوفاء بها محرم ثم تاب بعد ذلك هل يلزمه كفارة ؟
الجواب : نعم يلزمه كفارة يمين .(5/142)
1734 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلى كَذَا لا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(1)
__________
(1) المدينة هي مهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهي أطهر البقاع بعد مكة ، وهي مثوى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومكة مولده ، فولد في مكة ودُفن في المدينة . ولها فضائل عظيمة منها :
سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طيبة وطابا ، ولها أسماء وتُسمى المدينة النبوية ، هكذا وصفها في الكتب السابقة ، ثم طرأ هذا اللفظ الأخير المدينة المنورة ، والظاهر أنه وجد في زمن الخلافة العثمانية ، ولكن هذا غلط لأن وصفها بالنبوية أخص من وصفها بالمنورة إذ أن كل مدينة دخلها الإسلام فقد استنارت بالإسلام ، كما قال عز وجل : { وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } فمن استنار بالقرآن ......... ، لكن النبوية لا يمكن أن يشاركها أحد في هذا الوصف . ولهذا بدء والحمد لله كثير من الناس اليوم يقول المدينة النبوية ، وهذا هو الأفضل بلا شك .
المدينة ـ يقول في هذا الحديث ـ ( حرم من كذا إلى كذا ) لكن هذه الحرمة أقل بكثير من حرمة حرم مكة حتى إن بعض العلماء قال ليس لها حرم ، ولكن الصواب أن لها حرماً ولكن حرمته أقل من حرم مكة ، وقوله : ( من كذا إلى كذا ) هذا الإبهام من الراوي وإلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابد أن يُعين ؛ لأن عليه صلى الله عليه وسلم ومنه صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين . و( من كذا إلى كذا ) ما هي بيان ، لكن كأن الراوي نسي وقال من كذا إلى كذا . ولا حرج على الإنسان إذا نسي أن يُكني عن ما نسيه بكذا وكذا .
ثم ذكر المحرمية فقال : ( لا يُقْطَعُ شَجَرُهَا ) لكن يستثنى منه ما كان الناس محتاجون إليه لأجل الفلاحة ، كالذي بالأعضاء والخشب وما أشبه ذلك فإنه جائز ، ثم هل في قطعه فدية ؟ الجواب : لا .. ليس في قطعه فدية بخلاف قطع الشجر في مكة فإن كثيراً من العلماء يقول إن فيه فدية ، ولكن السنة لم تأت بهذا لا في مكة ولا في المدينة . ولكن أيهما أعظم قطع الشجر في مكة أو في المدينة ؟ في مكة .
ثم قال : ( وَلا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ ) المراد بالحدث هنا حدث الدين ، لا يُحدث فيها حدث لأنها مقر النبوة ومهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف يُحدث فيها حدث ؟ ولهذا كان إظهار البدع في المدينة أعظم من إظهاره في غيرها ، ولعل الحدث يشمل ما هو أشد مثل انتهاك حرمتها بقتل رجالها أو نسائها أو الذي بداخلها ، يعني يشمل هذا وهذا . يقول : ( فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) هذا خبر من عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله يلعنه والملائكة والناس أجمعين ، فكل من سمع بفعله سوف يلعنه .(5/143)
1735 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ فَقَال يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي فَقَالُوا لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلى اللهِ فَأَمَرَ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْل فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْل قِبْلةَ المَسْجِدِ(1)
__________
(1) هذا فيه أيضاً من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول ما بدأ ببناء المسجد ، فيؤخذ منه أنه يجب على الذين يخططون المساكن في بلاد الإسلام أن يضعوا المكان للمسجد قبل كل شيء ، وبهذا نعرف ضلال من يخططون المدن الإسلامية ثم تأتي الحي كاملاً ليس فيه مسجد ؛ لأن هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنه يؤدي إلى ضياع صلاة الجماعة ؛ لأنه إذا كان الحي خالياً من المساجد فإن الناس لن يذهبوا إلى أحياء بعيدة .
ومنها اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمساجد ، ومنها جواز نبش قبور المشركين ونقلها لمكان آخر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالقبور فنُبشت ، ومنها أنه لا تجوز الصلاة في محل القبور ، لماذا ؟ قال بعض العلماء : لأنه يُخشى أن يكون التراب قد اختلط بصديد الموتى . فنقول : سبحان الله ، إذا كان الميت مدفوناً في تراب والقبر عميق كيف يكون ؟ فقال بعضهم منفصلاً عن هذا الذي قال المراد المقبرة التي قد نُبشت ثم أعيد الدفن فيها لأنها إذا نُبشت ربما أخرجوا التراب الذي في الأسفل الذي يباشر الميت ويكون متلوثاً بالصديد . فنقول لهذا : كلامك هذا خلاف النص، ثم هل صديد الميت نجس ؟ الجواب ؟ لا .. ليس بنجس، المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً . ولهذا كان القول الراجح أن دم الإنسان الذي لا يخرج من القبل أو الدبر طاهر ، لا يجب غسله ولا التنزه منه إلا على سبيل النظافة فيُندب للإنسان أن لا يبقى الدم على جسده أو ثوبه أو ما أشبه ذلك لأن الوجوه تتقزز من هذا . ولهذا قامت فاطمة رضي الله عنها تغسل وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد حين شُج في وجهه وجعل الدم يسيل فجعلت تغسله ، تنظيفاً وإلا فالمؤمن لا ينجس . وإذا كان العضو إذا قُطع من الإنسان فهو طاهر فكيف بالدم ؟ الدم أهون ، وليس هناك إجماع ـ كما ادعاه بعضهم ـ على نجاسة دم الآدمي .
إذاً ما هي العلة في المنع منالصلاة في المقبرة ؟ العلة خوف الإشراك، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بل على أن الشريعة الإسلامية سدت كل باب يمكن أن يوصل على الشرك . حتى الصور كما سمعتم ، وذلك لعظم الشرك وكونه يجعل الإنسان معدوماً في الواقع ، فكل طريق يؤدي إلى الشرك فإنه ممنوع شرعاً .
وفيه أيضاً أنه ينبغي أن تُسور أرض المسجد حتى يمكن أن يستقر الناس على الأرض في السجود والجلوس ، ومنها أيضاً قطع النخل إذا كانت في المسجد ، يعني مثلاً لو أننا اشترينا أرضاً فيها نخل لنبنيها مسجداً لابد من قطع النخل .
سؤال : الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بنبش قبور المشركين في أرض المسجد فهل يدل أنه كان يشارك المسلمين قبور المشركين ؟
الجواب : ما ندري الله أعلم ، لكن هي قبور للمشركين .
السائل : إذا كان يوجد في الأرض قبور مسلمين ، تُنبش ؟
الجواب : لا .. قبور المسلمين لا يمكن تُنبش لأن الإنسان إذا دُفن فقد ملك الأرض التي دُفن فيها ولا يمكن أن يتعدى عليه أحد .
سؤال : جزاك الله خيراً يا شيخ ، في بلاد عندنا الأموات ، عندهم إيجار الأرض ما يملكون الأرض الأموات إلا بالأجرة ؟
الجواب : إلى متى ؟
السائل : إلى مثلاً مدة عشر سنوات أو ثلاث سنوات ؟
الجواب : المهم ما بعد العشر سنوات .
السائل : على كل حال هناك عندهم الأجرة إذا ما سدد بعد عشر سنوات يطلعوه ؟
الجواب : على كل حال إذا أمكن أن يُجعل للمسلمين مقبرة خاصة يُدفن فيها الأموات ويبقون فيها إلى .......
السائل : في مقبرة خاصة بالمسلمين ، إنما القانون ما يفرقون بين الكفار والمسلمين ؟
الجواب : ما هي الأرض مملوكة للمسلمين ؟
السائل : لا .. خاص بالبلدية .
الجواب : اللهم عافينا ، الكفر أعظم من هذا .
سؤال : إذا وجد قبر في أحد الأحياء وهو مكان أرض هل الأفضل أن يُنبش هذا القبر وأن يُنقل إلى المقبرة أو يُسور عليه سور ؟
الجواب : لا .. ما يُسور عليه ، وأما إذا كانت الأرض احتاج الناس لها طريق أو ما أشبه ذلك يُنبش ويُدفن في المقابر ، أما لو بُني عليه لأتى الناس تعظيماً له ، وربما يعيد في زمن المستقبل .(5/144)
1736 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُليْمَانَ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال حُرِّمَ مَا بَيْنَ لابَتَيِ المَدِينَةِ عَلى لسَانِي قَال وَأَتَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بَنِي حَارِثَةَ فَقَال أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الحَرَمِ ثُمَّ التَفَتَ فَقَال بَل أَنْتُمْ فِيهِ(1)
__________
(1) ما بين لابتيها ) ما بين الحرتين هذا الحرم ، حرم المدينة من الشرق على الغرب ما بين الحرتين ، ومن الشمال إلى الجنوب ما بين عير ثور وهما معروفان ، قال العلماء : والمسافة بريد في بريد ، يعني من الشرق إلى الغرب بريد ، والشمال إلى الجنوب بريد ، والبريد كم فرسخ ؟ أربعة فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال . على كل حال عندنا الآن حكومتنا وفقها الله قد جعلت رجالاً وتتبعوا الأماكن التي هي حد الحرم وحددوها والحمد لله فصار واضحاً . وفائدة التحديد هو احترام الأشجار وما أشبه ذلك وإلا فإنه لا يُحْرِم داخل المدينة من أحرم عند دخولها فقد ابتدع ولا يحل له ذلك.(5/145)
1737 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْه قَال مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلا كِتَابُ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ وَقَال ذِمَّةُ المُسْلمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلمًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ وَمَنْ تَوَلى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَاليهِ فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ قَال أبو عَبْد اللهِ عَدْلٌ فِدَاءٌ(1)
__________
(1) هذا حديث عظيم وذلك أنه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعهد إلى علي بالخلافة وقال أنت الخليفة ، فكان الناس يأتون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويقولون هل أفضى إليكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء هل خصكم بشيء ؟ فيقول: لا ، ولقد أقسم مرة فقال : لا .. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما خصني بشيء إلا ما في هذه الصحيفة . ويقرأ .
وأما قول الرافضة إنه عهد إليه بالخلافة وأن أبا بكر وعمر خانا وغدرا وغصبا وظلما . فقولهم باطل ، هذا الواقع ، علي بن أبي طالب بايع عمر وبايع عثمان ، قال الإمام أحمد : من طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله . ولهذا أجمع المسلمون على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .
ذكر في الحديث : ( إِلا كِتَابُ اللهِ عز وجل ) القرآن ، الذي أجمع المسلمون عليه صاغراً عن كابر . قال العلماء : ومن أنكر حرفاً من القرآن مما اتفق عليه القراء فهو كافر . أما ما اختلف فيه القراء فإنه لا يكفر لإمكان التأويل ؛ لأنه في بعض الأحيان يكون فيه قراءة بالواو وقراءة بإسقاط الواو مثلاً . مثل في البقرة قال : { قالوا اتخذ الله ولداً } أضافوا واو { وقالوا اتخذ الله ولداً } وله نظائر . لكن الذي أجمع عليه المسلمون إذا أنكر الإنسان حرفاً واحداً كفر فكيف إذا أنكر كلمة ؟ فكيف إذا أنكر سورة ؟ فكيف إذا أنكر سورة في القرآن كما تقول الرافضة ، يقول بعضهم : إن ثلث القرآن مكتوب ـ والعياذ بالله ـ لكن هذا لا أظنه إجماعاً منهم .
( الصحيفة ) يقول : ( عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلى كَذَا ) عائر هو عير ، وإلى كذا فُسرت في أحاديث الفقهاء بأنها ثور ، والمسافة بينهما بريد . ( مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أحدث : بنفسه ، آوى محدثاً : يعني تكتم عليه وتستر عليه وإن كان هذا المحدث قد قدم من غير المدينة فإذا استقبله وآواه وكتمه دخل في اللعن ـ والعياذ بالله ـ وهذه المسألة فرد من أفراد أن من أعان على شيء فله مثل من أعان عليه أو عقوبته ، فالذي يُؤوي المُحدث كاتم كأنه هو الذي أحدث ؛ لأنه أعانه على الإثم والعدوان .
ش21 ـ وجه أ :
( لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ ) صرف يعني صرف العذاب عنه بدون مقابل ، ولا عدل أي بمقابل ، يعني لو طلب أن يُشفع له ويُرفع عنه العذاب لا يُقبل ، لو طلب أن يُسلم فداءً لا يُقبل ، نسأل الله العافية .
وَقَال عليه الصلاة والسلام : ( ذِمَّةُ المُسْلمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلمًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ذمة يعني عهد ، بمعنى أنه إذا عاهد أحد المسلمين رجلاً من الكفار فهو ماضٍ على الجميع كما قال في حديث آخر : (( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم )) فلا يحل لأحد أن يغدر بهذا المعاهد أو يقتله حتى ولو كان كافر ، ما دام دخل بأمان رجل من المسلمين فهو محفوظ محترم ، فكيف إذا دخل بأمان ولاة الأمر يكون محترماً أو لا ؟ أشد وأقوى ، ولهذا من الخبل والسفه والجهل الذين يعتدون على السواح في البلاد الأخرى يقتلونهم أو يعتدون عليهم ، هذا إخفار للذمة وذمة المسلمين واحدة ، حتى لو رأيت مع مسلم كافراً فإنه محروس . لكن إذا منعه ولاة الأمور الذمم إلا من خلال الحكومة ، فماذا يكون ؟ يكون هذا الذي أعطاه الذمة معتدياً لا حرمة له . وهذا ـ أعني لزوم ما يقرره ولي الأمر في عدم إعطاء الذمة لأحد ـ هذا هو المتعين في الوقت الحاضر . لماذا ؟ لأن أي واحد يشوف كافر ملحد على الحدود يقول تعال أنا أُعطيك الذمة والعهد ، ثم يدخل ويقول لا أحد يؤذيه ! ما يصير .
مثال لهذا : الآن من دخلوا بإذن ولي الأمر فلهم الذمة لا يجوز إخفارهم ، من دخل بذمة ولي غير ولي الأمر فإنه محروس إلا إذا علمنا أن نظام الدولة لا يسمح بإدخال كافر وتأمينه إلا من قِبل الدولة فهنا لو أن أحداً أعطاه الذمة فعطيته إياه لا تُقبل ولا يُعتد بها .
( فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلمًا فَعَليْهِ لعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ ) ذكرنا هنا بحثاً مهما : إذا كان هذا فيمن أخفر مسلماً فيمن عاهده فكيف بمن أخفر ذمة ولي الأمر؟ يكون أشد لما فيه من العدوان وإخفار الذمة ولكونه أمن . معاهدة الواحد من الناس ممنوعة نظاماً والشرع يقتضي ذلك ؛ لأنه لو فُتح المجال لكل إنسان أن يدخل ، يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً بعهد لحصل شر كثير ، فانتبهوا لمثل هذا .
( وَمَنْ تَوَلى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَاليهِ ) يعني كعتيق أعتقه آل فلان فتولى إياه أخذه بغير إذن مواليه فعليه هذا الوعيد . ومفهوم قوله ( بغير إذن مواليه ) أنه إذا كان بإذن مواليه فلا بأس ، وفي هذا إشكال لأن الولاء لحمة كلحمة النسب لا يوهب ولا يُورث ولا يُباع ، فهذا فيه إشكال ولهذا الشارح يحله إن شاء الله .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 86
قوله : ( ومن يتولى قوما بغير إذن مواليه ) لم يجعل الإذن شرطا لجواز الادعاء وإنما هو لتأكيد التحريم ؛ لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه وحالوا بينه وبين ذلك ، قاله الخطابي وغيره ، ويحتمل أن يكون كنى بذلك عن بيعه فإذا وقع بيعه جاز له الانتماء إلى مولاه الثاني ، وهو غير مولاه الأول ، أو المراد موالاة الحلف ، فإذا أراد الانتقال عنه لا ينتقل إلا بإذن .
وقال البيضاوي : الظاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه ، والجمع بينهما بالوعيد فإن العتق من حيث أنه لحمة كلحمة النسب فإذا نُسب من هو له كان كالدعى الذي تبرا عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة . ثم أجاب عن الإذن بنحو ما تقدم وقال : ليس هو التقييد وإنما هو للتنبيه على ما هو المانع وهو إبطال حق مواليه . فأورد الكلام على ما هو الغالب وسيأتى البحث في ذلك في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى .
الشيخ : أولاً السياق الذي معنا ليس فيه ( من ادعى إلى غير أبيه ) ليس فيه هذا . لكن حمله على ولاية العهد هو أقرب شيء لأنه في سياق المعاهدة فهو أقرب شيء فيكون إذا انتقل إلى ولاية معاهدة مع قوم : ( بغير إذن مواليه ) استحق هذا الواجب .
سؤال : ما اتضح هذا عندي ؟
الجواب : مايحتاج يعني مثلاً فيما سبق يكون بين الإنسان وبين قبيلة من القبائل معاهدة يدخلون في عهده ، دخل في عهده ، كما فعل خزاعة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديبية . فإذا دخل في عهدهم فإنه لا يحل أن ينتقل إلى ولاء آخرين إلا بإذن هؤلاء وحينئذٍ لا إشكال .
سؤال : مر معنا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمسجده في المدينة ، هناك سؤال يتعلق ببناء المساجد في بلاد الكفار أن بعض الهيئات الحكومية والخاصة تتبرع للمسلمين بترميم المساجد أو حتى في بنائها ، فهل يجوز للمسلمين أن يأخذوا هذه التبرعات بدون قيد أو شرط؟
الجواب : يعني معناه صندوق وضع للتبرع لبناء المساجد في بلاد الكفار؟
السائل : الصورة كما يلي يا شيخ : في مسجد الآن المدرسون في الجامعة استحسنوا تصرفات المسلمين ورغبوا أن يساعدوا المسلمين في إعادة ترميم المسجد ، فهذه هي القضية .
الجواب : أنا لا أرى مانعاً أن يقوم كافر ببناء مسجد أو المساعدة فيه بشرط أن لا يكون بذلك إلا للمسلمين ، بمعنى أنه يمن عليهم كلما صار شيء قال أنا فعلت أنا فعلت . لأن هذا عمل طيب ، ولكن هل لهذا الكافر أجره ؟ الجواب : إن أسلم جُزئ عليه ، أُثيب ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( أسلمت على ما أسلفت من الخير )) . وأما إن مات على الكفر تجده قد يثاب عليه في الدنيا في زيادة المال أو الأولاد أو ما أشبه ذلك ، وقد لا يثاب عليه .
سؤال : يا شيخ الله يحفظكم ، كيف نستأمن الكفار على أمر من أمور الدين ولا يؤمن يا شيخ مكرهم ، ثم إن المنافقين ـ مسجد الضرار مثلاً ـ حينما كانوا أرادوا أن يفتكون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يا شيخ في جدة الآن أحد المساجد نصارى بنوه رسموا صوراً يا شيخ ، ثم أحدهم أسلم وكنا لا نعرف هذه الصور فبين والحمد لله الصور ؟
الجواب : إذا فيه هذا الشيء مباح ليس معناه يباح في كل حال ، إذا اقترن به ما أرادوا البيع والشراء ، مباح أو حرام ؟
السائل : مباح .
الجواب : مباح ؟ ما الدليل ؟
السائل : أحل الله البيع وحرم الربا .
الجواب : أحله الله ، طيب .. إذا لزم من هذا البيع الوقوع في إثم مثل أن نبيع السلاح على قطاع الطريق ، يجوز أو لا ؟ ما يجوز . انتبهوا لهذه القاعدة يا إخوان : إذا قيل الشيئ مباح ليس معناه على كل حال ، المباح خاصة تجري فيه الأحكام الخمسة: واجب ، وحرام ، ومكروه ، ومستحب . فإذا قلنا يجوز أن يشارك النصارى في بناء المساجد أو إعمار المساجد ، ليس معنى ذلك أن نقول يجوز أن يضعوا صورة مريم وصورة عيسى في المسجد أو أن يبنوه على صورة كنيسة ، لا .. الذي يتولى بناءه المسلمون .
سؤال : الآن يوجد في بعض بلاد المسلمين نصارى يبنون مدارس لتحفيظ القرآن الكريم ، الآن الشعوب يرون أنهم يفعلون خيراً المسلمون ما بنوا ، هؤلاء جاءوا وبنوا مدارس لتحفيظ القرآن ........؟
الجواب : هذا طيب إلا إذا دخلوا دينهم قد يدسون فيه السم ، قد يدسون في هذه المدارس عقائد النصارى .
السائل: يأتون بالقرآن فقط لكن خائفين أن يكون وراءهم كل شيء .
الجواب : الحمد لله إذا صار شيء منعناهم .
السائل : ما نمنعهم الآن ؟
الجواب : لا نمنعهم إذا كانوا يفعلون الخير وليس فيه أدنى شبهة .(5/146)
2 ـ بَاب فَضْل المَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ
1738 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَال سَمِعْتُ أَبَا الحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ المَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ(1)
__________
(1) الله أكبر ، ( أُمرت بقرية ) يعني أن أسكنها ( تأكل القرى ) يعني أن أهلها يجاهدون في سبيل الله فيفتحون القرى وتكون كأنها تأكل القرى ، وهذا هو الواقع فإن جيوش الإسلام إنما انطلقت من المدينة.
( يقولون يثرب ) أي أنها يسمونها يثرب ، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر هذا ، قال في سيقا آخر : ( يقولون يثرب وهي طيبة ) ولهذا نرى أولئك الكتاب المساكين الذين يكتبون التاريخ أو يتكلمون عن هذا يقولون يثرب كأنهم يفتخرون بهذا الاسم ، كما يفتخر بعضهم باللغة الإنجليزية إذا نطق بها يرى أنه متقدم ، يكون هذا من ضعف الشخصية من وجه ومن الجهل .
ولهذا كره الإمام مالك رحمه الله وغيره من أهل العلم أن يسمي أحد المدينة يثرب ؛ لأن هذا صفة نقص . فإذا قال قائل : أليس الله تعالى قد قال في القرآن الكريم : { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا } ؟ فالجواب : من قائل هذا ؟ { وإذا قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } الله تعالى يذكر كلامهم ، من ؟ المنافقون ، والمنافقون يرجون أن ....... المدينة .
على كل حال افهموا هذا أن المدينة لا تُسمى يثرب وإنما تُسمى المدينة أو تُسمى طيبة ، ولهذا يقولون ، يقول النحويون : إن أل في مدينة للعهد الذهني كأل في الكتاب إذا تكلم به النحويون ، النحويون إذا قالوا : الكتاب . يعنون به كتاب سيبويه . المدينة إذا أُطلقت فالمراد المدينة النبوية. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد ) المراد بالناس من ؟ أهل الفسق والفجور لأنه شبهها بنفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، يعني أهل الفسق والفجور تضيق صدورهم في المدينة وتنفيهم ، ولا يَرِد على هذا أنه يوجد في المدينة من هو فاسق فاجر ؛ لأنا نقول : هؤلاء إنما سكنوها باعتبار من هم لهم ملجأ من أقارب ونحوهم وإلا لفروا منها . ثم هي أيضاً تنفي هذا حقيقة إذا جاء الدجال في آخر الدنيا ، يأتي الدجال ولكن ما يستطيع أن يدخل المدينة لأن عليها ملائكة يحفظونها . ( فترجف المدينة بأهلها المدينة فيخرج منها كل منافق ) ـ سبحان الله ـ ما يستطيع البقاء ، يخرج منها وحينئذٍ تكون نفت الناس .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، يؤخذ من هذا الحديث يا شيخ أن الفاسق إذا أراد أن يجلس في المدينة يترك يجلس بها ؟
الجواب : لا .. نقول للفاسق تُب حتى تكون ممن يستحقوا سكناها .
سؤال : إذا لاقينا واحد يكون يعمل في المدينة عمل بدعة نقول له الله يلعنك ، أو كيف ؟
الجواب : إي بس ما نعينه ، نقول لعن الله من أحدث فيها حدثاً على سبيل العموم ، يعني قولك : لعنك الله تفسد الجميع .
سؤال : يا شيخ لو رأينا شخصاً فاسقاً يريد سكنى المدينة فهل نمنعه من ذلك ؟
الجواب : لا .. لكن نقول لعل الله يهديه .(5/147)
3 ـ بَاب المَدِينَةُ طَابَةٌ
1739 حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ قَال حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رَضِي الله عَنْه أَقْبَلنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلى المَدِينَةِ فَقَال هَذِهِ طَابَةٌ(1)
__________
(1) هذا من محبته لها واشتياقه إليها ، كأنها شيء ضائع دله كما لو ضاع من الإنسان بعير ثم وجده فقال هذه بعيري ، وحُق لها أن تكون محبوبة لأنها مهاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومبعثه يوم القيامة حيث يُبعث من هذا المكان .
سؤال : يا شخ بارك الله فيكم ، بعض الناس يقولون إن المدينة تُضاعف فيها الحسنات دون السيئات ومكة تُضاعف فيها الحسنات والسيئات ، وينسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : اللهم أعط المدينة ضعف البركة التي في مكة ؟
الجواب : هذا في الطعام .
السائل : وقولهم هذا صحيح يا شيخ ؟
الجواب : ما هو بصحيح ، الصحيح أن السيئات والحسنات تُضاعف في كل مكان فاضل ، لكن السيئة لا تُضاعف كمياً بل في الكيفية ، يعني لا نقول السيئة في مكة عن عشر سيئات ، ما يجوز ؛ لأن الله قال في سورة الأنعام وهي مكية : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها } وهي مكية . لكن في الكيفية . أتدري ما الكيفية ؟
السائل : لا يا شيخ .
الجواب: ما تدري، ومثل له الشيخ رحمه الله بالضرب الخفيف والثقيل
سؤال : بعض الناس من البلاد البعيدة يقصدون إلى المدينة يقولون : نذهب إلى المدينة نمكث فيها ونموت فيه ونُدفن في مقابر البقيع . هذا هو قصدهم ويمكثون ، ما هو فعلهم الآن ؟
الجواب : ما هو السؤال ؟
السائل : السؤال يعني ما هو فعلهم هل صحيح ؟
الجواب : هذا غلط لأنه ينبغي لمن قصد المدينة أن ينوي زيارة المسجد النبوي ، ثم يأتي بعد ذلك تبعاً زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبر صاحبيه ثم بقية القبور .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، في الحديث ( يثرب ) كأن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن هذا معنى قبيح ؟
الجواب : إي ما في شك .
السائل : ما معناها ؟
الجواب : الرسول ما بينه أصلاً التثريب ويثرب كلها تدور حول اللوم والتوبيخ وما أشبه ذلك كما قال يوسف لإخوانه { لا تثريب عليكم اليوم } .(5/148)
4 ـ بَاب لابَتَيِ المَدِينَةِ
1740 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ(1)
5 ـ بَاب مَنْ رَغِبَ عَنِ المَدِينَةِ
__________
(1) المدينة صيدها حرام لا يحل للإنسان تنفيره ، لكن من قدم بالصيد من خارج المدينة جاز أن يبقى ملكه عليه ، وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للطفل الصغير : (( يا أبا عمير ما فعل النغير )) كنية لهذا الطفل الصغير كان معه طائر يسمى النغير يلعب به فرح به كما هي العادة الآن إذا أخذ الصبي طائر صغير يفرح به ويلعب به . مات الطائر فاغتم الطفل ، فلاطفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : (( يا أبا عمير ماذا فعل النغير )) .
الصيد إذا أُتي به من الحل إلى حرم المدينة جائز وسبق في مكة أن في ذلك خلافاً وأن الصواب أنه باق على ملك صاحبه وأنه لا يجب عليه أن يطلقه . العلماء صاروا في هذه المسألة يختلفون في وجه آخر : الصيد في مكة فيه الجزاء وفيه المدينة لا جزاء عليه وهذا فرق بيِّن . يعني مثلاً لو أن أحداً قتل صيداً في المدينة فإنه ليس عليه الجزاء ولكن هل يحل أو لا يحل؟ الجواب : لا يحل لأن قتله غير مأذون فيه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) أي مردود .(5/149)
1741 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ تَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلى خَيْرِ مَا كَانَتْ لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِ يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا حَتَّى إِذَا بَلغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا عَلى وُجُوهِهِمَا(1)
__________
(1) شوف الترجمة في الشرح .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 90 :
قوله : ( باب من رغب عن المدينة ) أي فهو مذموم أو باب حكم من رغب عنها . قوله : ( تتركون المدينة ) كذا للأكثر بتاء الخطاب والمراد المخاطبين لكنهم من أهل البلد أو من نسل المخاطبين أو من نوعهم ، وروي يتركون بتحتانية ورجحه القرطبي . قوله : ( على خير ما كانت ) أي على أحسن حال كانت عليه من قبل . وقال القرطبي تبعا لعياض وقد وُجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم ، وحُملت إليها خيرات الأرض وصارت من أعمر البلاد ، فلما انتقلت الخلافة عنها إلى الشام ثم إلى العراق وتغلبت عليها الأعراب تعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافى الطير والسباع .
ش21 ـ وجه ب :
والعوافي جمع عافية وهي التي تطلب أقواتها ، ويقال للذكر عاف . قال ابن الجوزي : اجتمع في العوافى شيئان أحدهما أنها طالبة لأقواتها من قولك عفوت فلانا أعفوه فأنا عاف والجمع عفاة أي أتيت أطلب معروفه، والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه . وقال النووي المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ، ويؤيده قصة الراعيين فقد وقع عند مسلم بلفظ : ( ثم يُحشر راعيان ) وفي البخاري أنهما آخر من يُحشر .
قلت : ويؤيده ما روى مالك عن بن حماس بمهملتين وتخفيف عن عمه عن أبي هريرة رفعه : ( لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد أو على المنبر قالوا فلمن تكون ثمارها قال لعوافى الطير والسباع ) أخرجه معن بن عيسى في الموطأ عن مالك ورواه جماعة من الثقات خارج الموطأ . ويشهد له أيضا ما روى أحمد والحاكم وغيرهما من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال : ( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم لقيني وأنا خارج من بعض طرق المدينة فأخذ بيدي حتى أتينا أحدا ثم أقبل على المدينة فقال ويل أمها قرية يوم يدعها أهلها كأينع ما يكون قلت يا رسول الله من يأكل ثمرها قال عافية الطير والسباع ) . وروى عمر بن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالك قال : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ثم نظر إلينا فقال أما والله ليدعنها أهلها مذللة أربعين عاما للعوافي أتدرون ما العوافى الطير والسباع ) .
قلت : وهذا لم يقع قطعا ، وقال المهلب في هذا الحديث إن المدينة تُسكن إلى يوم القيامة وإن خلت في بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة .
الشيخ : هذا الظاهر أنه ـ والله أعلم ـ في آخر الزمان لأنه لم يقع هذا فيما مضى ، فيُحمل على أنه في آخر الزمان . ويبقى الإشكال في قوله : ( تتركون ) والجواب عنه من أحد وجهين : إما أنا يقال إن الصواب يتركون كما هي رواية وحينئذٍ لا إشكال ، أو تتركون المراد الجنس أي تتركونها يا بني آدم ، فيكون المراد هنا ليس مخاطبتهم بأعيانهم ولكن المراد الجنس . وسيقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن عاجلاً وإن آجلاً .(5/150)
1742 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّهُ قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ تُفْتَحُ اليَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ وَتُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ وَتُفْتَحُ العِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لهُمْ لوْ كَانُوا يَعْلمُونَ (1)
__________
(1) هذا الحديث فيه آية من آيات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث ذكر أن هذه الأقاليم الثلاثة تُفتح اليمن والشام والعراق ، وأن من أهل المدينة من يبسون أن ينصرفون عنها بأهليهم ويسكنون هذه البلاد ، قال : (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) وهذا في غير من ذهب إلى جهاد أو نشر العلم أو ما أشبه ذلك فذهابه خير . ولهذا ذهب كبار الصحابة رضي الله عنهم إلى الشام ومصر والعراق واليمن من أجل نشر الدعوة الإسلامية إذ لو بقوا في المدينة فمن يدعو الناس ؟ لو بقوا في المدينة من يجاهد الناس؟ تكلم على هذا الشارح ؟
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 92
قوله : ( تُفتح اليمن ) قال ابن عبد البر وغيره افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام أبي بكر وافتتحت الشام بعدها والعراق بعدها ، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترتيبه ، ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم .
وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه ، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض ، ولم يختلف العلماء في أن المدينة فضلا على غيرها وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة . قوله : ( يبسون ) بفتح الموحدة وبكسرها من بس يبس . قال ابن عبد البر في رواية يحيى بن يحيى بكسر الموحدة وقيل إن ابن القاسم رواه بضمها قال أبو عبيد معناه يسوقون دوابهم . والبس سوق الإبل تقول بس بس عند السوق وإرادة السرعة . وقال الداودي معناه يزجرون دوابهم فيبسون ما يطؤونه من الأرض من شدة السير فيصير غبارا . قال تعالى : { وبست الجبال بسا } أي سالت سيلا ، وقيل معناه سارت سيرا . وقال ابن القاسم : البس المبالغة في الفت ، ومنه قيل للدقيق المصنوع بالدهن بسيس . وأنكر ذلك النووي وقال إنه ضعيف أو باطل . وقال ابن عبد البر وقيل معنى يبسون يسألون عن البلاد ويستقرئون أخبارها ليسيروا إليها ، قال وهذا لا يكاد يعرفه أهل اللغة ، وقيل معناه يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح ويدعونهم إلى سكناها فيتحملون بسبب ذلك من المدينة راحلين إليها . ويشهد لهذا حديث أبي هريرة عند مسلم : ( يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون . وعلى هذا فالذين يتحملون غيرهم يبسون ، كأن الذي حضر الفتح أعجبه حسن البلد ورخاؤها فدعا قريبه إلى المجيء إليها لذلك فيتحمل المدعو بأهله وأتباعه .
قال ابن عبد البر وروي يبسون بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي من أبس إبساسا ومعناه يزينون لأهلهم البلد التي يقصدونها وأصل الإبساس للتي تُحلب حتى تدر باللبن وهو أن يجري يده على وجهها وصفحة عنقها كأنه يزين لها ذلك ويحسنه لها . وإلى هذا ذهب ابن وهب وكذا رواه ابن حبيب عن مطرف عن مالك يُبسون من الرباعي وفسره بنحو ما ذكرنا . وأنكر الأول غاية الإنكار . وقال النووي الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملا بأهله بأسا في سيره مسرعا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة .
قلت : ويؤيده رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام عن عروة في هذا الحديث بلفظ : ( تُفتح الشام فيخرج الناس من المدينة إليها يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) ويوضح ذلك ما روى أحمد من حديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) وفي إسناده ابن لهيعة ولا بأس به في المتابعات وهو يوضح ما قلناه والله أعلم .
وروى أحمد في أول حديث سفيان هذا قصة أخرجها من طريق بشر بن سعيد أنه سمع في مجلس الليثيين يذكرون أن سفيان بن أبي زهير أخبرهم أن فرسه أعيت بالعقيق وهو في بعث بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه يستحمله فخرج معه يبتغى له بعيرا فلم يجده إلا ثم أبي جهم به حذيفة العدوي فسامه له فقال له أبو جهم لا أبيعكها يا رسول الله ولكن خذه فاحمل عليه من شئت ثم خرج حتى إذا بلغ بئر إهاب قال : (يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان ويوشك الشام أن تُفتح فيأتيه رجال من أهل هذا البلد فيعجبهم ريعه ورخاؤه والمدينة خير لهم ... ) الحديث .
قوله : ( لو كانوا يعلمون ) أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي وثواب الإقامة فيها وغير ذلك ، ويحتمل أن تكون لو بمعنى ليت فلا يحتاج إلى تقدير ، وعلى الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها . قالوا والمراد به الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها ، وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث . قال الطيبي الذي يقتضيه هذا المقام أن يُنزل ( ما لا يعلمون ) منزلة اللازم لتنتفى عنهم المعرفة بالكلية ، ولو ذهب مع ذلك إلى التمنى لكان أبلغ لأن التمنى طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظا وتشديدا . وقال البيضاوي المعنى أنه تُفتح اليمن فيعجب قوما بلادها وعيش أهلها فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهليهم حتى يخرجوا من المدينة والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم ؛ لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها . وقواه الطيبي لتنكير قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله : ( لو كانوا يعلمون ) لأنه يُشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية والحطام الفاني وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول ولذلك كرر ( قوما ) ووصفه في كل قرينة بقوله : ( يبسون ) استحضار لتلك الهيئة القبيحة والله أعلم .
الشيخ : الحمد لله ، هذا وافق ما ذكرناه أن من خرج لا راغباً عنها ولكن لمصلحة دينية أو حاجة دينية فلا بأس ، كما كان حال الصحابة رضي الله عنهم يفعلوا هذا .(5/151)
6 ـ بَاب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلى المَدِينَةِ
1743 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَال حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ ابْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ الإِيمَانَ ليَأْرِزُ إِلى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلى جُحْرِهَا(1)
7 ـ بَاب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْل المَدِينَةِ
1744 حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَخْبَرَنَا الفَضْلُ عَنْ جُعَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ هِيَ بِنْتُ سَعْدٍ قَالتْ سَمِعْتُ سَعْدًا رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ لا يَكِيدُ أَهْل المَدِينَةِ أَحَدٌ إِلا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلحُ فِي المَاءِ(2)
8 ـ بَاب آطَامِ المَدِينَةِ
__________
(1) أي يأزر إليها كما تأزر الحية إلى جحرها وهذا لأن رجوع الإيمان إلى المدينة سيرجع إلى مأمن كما ترجع الحية إلى جحرها .
(2) يعني أي إنسان يكيد إلى المدينة فإنه كيده سيكون في نحره ، فيموع كما يموع الملح في الماء .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، كيف توجيه هذا الحديث الذي فيه : إن الإيمان ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها ، متى يكون ؟
الجواب : في آخر الزمان .
السائل : حتى لو كانوا أهل بدع وأهواء ؟
الجواب : البدع والأهواء تموت لأن المدينة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( كل بدعة ضلالة ) فهي بعيدة من الإيمان .(5/152)
1745 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ سَمِعْتُ أُسَامَةَ رَضِي الله عَنْه قَال أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَلى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ فَقَال هَل تَرَوْنَ مَا أَرَى إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلال بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ القَطْرِ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُليْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ(1)
9 ـ بَاب لا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ
1746 حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ لهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلى كُلِّ بَابٍ مَلكَانِ(2)
__________
(1) وهذا وقع ، فإن في زمن الحرة وقع شر عظيم من الفتن واستحلال المحارم وقتل النفوس في سط المدينة .
(2) المسيح الدجال هذا الذي يأتي في آخر الزمان ويدعي أنه إله ويتبعه من يتبعه من الناس ، وأعطاه الله عز وجل من الآيات التي فيها فتن ما تحصل به الفتن ، كما يأمر السماء فتمطر والأرض تنبت . وهذا الرجل يبقى في الأرض أربعين يوماً ، اليوم الأول كسنة ، والثاني كشهر ، والثالث كأسبوع ، وبقية الأيام كأيامنا .
ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث سأله الصحابة وقالوا يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد ؟ قال : (( لا اقدروا له قدره )) وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم وعلى تعمقهم فيه وأن كل شيء يمكن أن يحتاجوا إليه يسألوا عنه . .
وفيه أيضاً دليل على أن سير الشمس بيد الله عز وجل ، فإنها تبقى في اليوم الأول سنة كاملة في الأفق ، يعني مدة اثنا عشر شهراً . وفيه أنه يُقدر لهذا اليوم قدره ، لكن كيف نقدر قدره ؟ من المعلوم أن القدر فيما سبق صعب جداً لأن الإنسان لا يدري الزمن بين الصلاتين على وجه التحديد ، ولهذا تجد العلماء رحمهم الله يقولون : إنه يمكن أن نستدل على دخول الوقت بقراءة القرآن ، يكون عادته أن يقرأ ما بين الصلاتين كذا وكذا من القرآن ، أو استماعه يكون عادة الناس يسمع كذا وكذا بين الصلاتين . الآن والحمد لله الأمر ميّسر جداً بواسطة الساعة ما يبقى إشكال، فيُقدر له قدره .
يبقى السؤال في عصرنا الحاضر وقبله أيضاً بقاع من الأرض لا تغيب عنها الشمس إما مدة أربعة أيام أو أسبوع أو شهر أو ستة أشهر فماذا نصنع ؟ نقول : الحمد لله أن الله عز وجل أنطق الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا يصنعون في اليوم الذي كسنة ، فنقول هؤلاء يقدرون له قدره . إذا قدروا قدره فهل يعتبرون أقرب بلاد إليهم فيها يوم وليلة يتعاقبان أو يقدرون قدره بالنصف بالتساوي يعني ، أو يقدرون قدر بالنسبة لمكة لأنها أم القرى ومرجعها ؟ في هذا أقوال ثلاثة ، وأقرب الأقوال من حيث الحكم الجغرافي أن ينظر إلى أقرب البلاد التي فيها يوم وليلة في أربع وعشرين ساعة ، هذا أقرب شيء . وسبحان الله كنت أتصور أن معنى كون النهار ستة أشهر أن الشمس تغيب ستة أشهر ، وقالوا : لا ، إنها تدور هكذا .. محورية ، ما تمر من الشرق إلى الغرب .. لا .. المرور هكذا ... محورية .. سبحان الله .
سؤال : ألا يكون بعد أن يزول العلم وتُرفع الساعات قد تذهب ولا يُعرف الوقت ؟
الجواب : إذا ذهبت يقدرون قدرها .
السائل : والدليل قوله في الحديث : المدينة لها سبعة أبواب ، في هذا تحصين للمدينة .
الجواب : نعم ، من الدجال لئلا يدخلها .
سؤال : أحسن الله إليك ، بالنسبة للأبواب هذه حسية أو معنوية ؟
الجواب : الأبواب هذه حسية لأن الدجال رجل حسي يمشي على الأرض .
سؤال : هذا القدر في الصلاة هل ينسحب على الصيام ؟
الجواب : إي نعم .
السائل : يعني يفطرون والشمس ظاهرة ؟
الجواب : ربما يفطرون والشمس ظاهرة ، كما أنهم يصلون صلاة الليل والشمس ظاهرة .(5/153)
1747 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِاللهِ المُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَلى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ.
1748 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا الوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال ليْسَ مِنْ بَلدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ ليْسَ لهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَليْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ فَيُخْرِجُ اللهُ كُل كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ.(5/154)
1749 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله عَنْه قَال حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَدِيثًا طَوِيلا عَنِ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَال يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَليْهِ أَنْ يَدْخُل نِقَابَ المَدِينَةِ ينزل بَعْضَ السِّبَاخِ التِي بِالمَدِينَةِ فَيَخْرُجُ إِليْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَل تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلا أُسَلطُ عَليْهِ(1)
__________
(1) هذا من آيات الله عز وجل ومن الفتنة ، الفتنة أنه يقتله ثم يُفرق بين الجزلتين ويمشي بينهما أيضاً تحقيقاً للانفصال ثم يأمره فيقوم ويتهلل وجهه ويقول : أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقتله الثانية فيفعل كذلك ، ويقول : والله ما ازدت فيك إلا بصيرة . ثم يُحاول أن يقتله الثالثة فيعجز مع إنه في الأول قتله مرتين ومشى بين جزئيه وفي النهاية يعجز ، وهذا من الفتن في الأول ومن إظهار عجز الدجال في الثاني فيتبين للناس أن الدجال كذاب لأنه ما قدر على أن يقتله في المرة الثالثة .
سؤال : هل يقال يا شيخ إن من أصيب بالطاعون يُقال له اذهب إلى المدينة ؟
الجواب : لا .. المصاب بالطاعون يلزم داره ، لكن هل يقال مثلاً لو انتشر الطاعون في الأرض هل نقول للناس زودوا بالمدينة ؟ هذا محل نظر قد يكونوا مثل الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف فقال لهم الله موتوا .
سؤال : الكلام فيمت حصل من الفتن في مقتل الزبير وزمن الحرة ، هل يقص هذا علىالناس ؟
الجواب : لا .. لا نرى هذا ؛ لأن كون الناس يهابون الكلام في الصحابة رضي الله عنهم ويرونهم أعلى وأشرف من أن يقع بينهم مثل النزاع هذا هو الواجب لاسيما إذا جاء إنسان يقص ولكنه لا يُعقب فهذا شرٌ محض .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليكم ، هل في الحديث جواز خروج العالم للفتن ومقابلة أصحاب الفتن لمناقشتهم ؟
الجواب : ربما يكون هذا فيه دليل لكن إذا وثق من نفسه أما إذا لم يثق مشكلة تبقى مناظرته أهل البدع ضررا ، لكن إذا وثق من نفسه وجب عليه أن يخرج .(5/155)
10 ـ بَاب المَدِينَةُ تَنْفِي الخَبَثَ
1750 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَبَايَعَهُ عَلى الإِسْلامِ فَجَاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُومًا فَقَال أَقِلنِي فَأَبَى ثَلاثَ مِرَارٍ فَقَال المَدِينَةُ كَالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا.
1751 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ يَزِيدَ قَال سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ لمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِلى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالتْ فِرْقَةٌ نَقْتُلُهُمْ وَقَالتْ فِرْقَةٌ لا نَقْتُلُهُمْ فَنَزَلتْ ( فَمَا لكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ ) وَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَال كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ.
11 ـ بَاب
1752 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال اللهُمَّ اجْعَل بِالمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلتَ بِمَكَّةَ مِنَ البَرَكَةِ تَابَعَهُ عُثْمَانُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ.
1753 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.(5/156)
12 ـ بَاب كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ تُعْرَى المَدِينَةُ
1754 حَدَّثَنَا ابْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَال أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلى قُرْبِ المَسْجِدِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ تُعْرَى المَدِينَةُ وَقَال يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ فَأَقَامُوا.
13 ـ بَاب
1755 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ قَال حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلى حَوْضِي.(5/157)
1756 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهم عَنْهَا قَالتْ لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ أَلا ليْتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ ليْلةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَل أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَل يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَال اللهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلى أَرْضِ الوَبَاءِ ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اللهُمَّ حَبِّبْ إِليْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللهُمَّ بَارِكْ لنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لنَا وَانْقُل حُمَّاهَا إِلى الجُحْفَةِ قَالتْ وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ قَالتْ فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلا تَعْنِي مَاءً آجِنًا.(5/158)
1757 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه قَال اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَل مَوْتِي فِي بَلدِ رَسُولِكَ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَال ابْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَالتْ سَمِعْتُ عُمَرَ نَحْوَهُ وَقَال هِشَامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه(1)
__________
(1) وقف الشيخ رحمه الله عند : ( بَاب المَدِينَةُ تَنْفِي الخَبَثَ ) ولم يُتم التعليق على بقية أحاديث الكتاب ، وذلك في السادس والعشرين من شهر صفر من عام واحد وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية المباركة ، نسأل الله تعالى أن يغفر لشيخنا وأن يرفع درجته في المهديين ، وأن يُجزيه عن الأمة خير الجزاء . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .(5/159)
((((( االأضحية )))))(5/160)
الأضحية(5/161)
أحكام الأضحية والذكاة
المقدمة
محمد بن صالح العثيمين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فقد كنت كتبت كتاباً في أحكام الأضحية والذكاة مطولاً يقع في 93 صفحة وفيه ذكر بعض الخلاف والمناقشات التي تطول على القارىء، فرأيت أن أكتب تلخيصاً لذلك الكتاب حاذفاً ما لا تدعو الحاجة إليه، زائداً ما تدعو الحاجة إليه.
والله أسأل أن يجعل عملنا في ذلك كله خالصاً لله تعالى، مبيناً لشريعته، نافعاً لنا وللمسلمين إنه جواد كريم.
وهذا التلخيص يشتمل على الفصول التالية:
الفصل الأول: في تعريف الأضحية وحكمها.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الأول : في تعريف الأضحية وحكمها
محمد بن صالح العثيمين
في تعريف الأضحية وحكمها
الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل، وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل. وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }.(5/162)
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما». وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي». رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: «ضح بها» رواه البخاري ومسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين». رواه البخاري ومسلم.
فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم. واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.(5/163)
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء». فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها». متفق عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية. انتهى كلامه.
فصل
والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له.
والأضحية عن الأموات ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلّم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها وأصل هذا قوله تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.(5/164)
الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهم ثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض من الناس يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها (أضحية الحفرة) ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً، أو بمقتضى وصاياهم ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الثاني : في شروط الأضحية
محمد بن صالح العثيمين
في شروط الأضحية
يشترط للأضحية ستة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم.(5/165)
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:
1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: «أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى». رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» وذكر نحوه.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي:
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها.
2 ـ المبشومة حتى تثلط ويزول عنها الخطر.
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.
4 ـ المصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.(5/166)
الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.
الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء». وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى». وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الثالث : في الأفضل من الأضاحي جنساً أو صفة
محمد بن صالح العثيمين(5/167)
فيمن تجزىء عنه الأضحية
تجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها: «يا عائشة هلمي المدية (أي أعطيني السكين) ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه (أي أخذ يستعد لذبحه) ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به». رواه مسلم، وما بين القوسين تفسير وليس من أصل الحديث. وعن أبي رافع رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والاخر عن أمته جميعاً»، رواه أحمد. وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون». رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه.
ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزىء عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا.
ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وهذا في غير الاشتراك في الثواب، فقد ورد التشريك فيه بدون حصر كما سبق.(5/168)
وعلى هذا فإذا وجدت وصايا لجماعة كل واحد موص بأضحية من ريع وقف مثلاً، ولم يكف ريع كل وصية لها فإنه لا يجوز جمع هذه الوصايا في أضحية واحدة، لما عرفت من أن الواحدة من الغنم لا تجزىء عن شخصين فأكثر في غير الثواب، وعلى هذا فيجمع الريع حتى يبلغ ثمن الأضحية، فإن كان ضئيلاً لا يجتمع إلا بعد سنوات تصدق به في عشر ذي الحجة.
أما لو كان الموصي واحداً أوصى بعدة ضحايا فلم يكف الريع لجميعها فإن شاء الوصي جمع الضحايا في أضحية واحدة لأن الموصي واحد، وإن شاء ضحى أضحية في سنة، وأضحية في سنى أخرى والأولى أولى.
(تنبيه هام): يقدر بعض الموصين قيمة الأضحية من الريع لقصد المبالغة في غلائها استبعاداً منه أن تبلغ ما قدر فيقول يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالاً؛ لأنها كانت في وقته أرخص بكثير فيعمد بعض الأوصياء الذين لا يخافون الله فيعطل الأضحية بحجة أن الموصي قدر قيمتها بريال ولا توجد أضحية بريال، مع أن الريع كثير وهذا حرام عليه وهو آثم بذلك، وعليه أن يضحي ولو بلغت الأضحية آلاف الريالات مادام الريع يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي من التقدير المبالغة في قيمة الأضحية لا تحديدها بهذا المقدار.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الرابع : فيمن تجزىء عنه الأضحية
محمد بن صالح العثيمين
فيمن تجزىء عنه الأضحية(5/169)
تجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها: «يا عائشة هلمي المدية (أي أعطيني السكين) ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه (أي أخذ يستعد لذبحه) ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به». رواه مسلم، وما بين القوسين تفسير وليس من أصل الحديث. وعن أبي رافع رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والاخر عن أمته جميعاً»، رواه أحمد. وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون». رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه.
ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزىء عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا.
ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وهذا في غير الاشتراك في الثواب، فقد ورد التشريك فيه بدون حصر كما سبق.(5/170)
وعلى هذا فإذا وجدت وصايا لجماعة كل واحد موص بأضحية من ريع وقف مثلاً، ولم يكف ريع كل وصية لها فإنه لا يجوز جمع هذه الوصايا في أضحية واحدة، لما عرفت من أن الواحدة من الغنم لا تجزىء عن شخصين فأكثر في غير الثواب، وعلى هذا فيجمع الريع حتى يبلغ ثمن الأضحية، فإن كان ضئيلاً لا يجتمع إلا بعد سنوات تصدق به في عشر ذي الحجة.
أما لو كان الموصي واحداً أوصى بعدة ضحايا فلم يكف الريع لجميعها فإن شاء الوصي جمع الضحايا في أضحية واحدة لأن الموصي واحد، وإن شاء ضحى أضحية في سنة، وأضحية في سنى أخرى والأولى أولى.
(تنبيه هام): يقدر بعض الموصين قيمة الأضحية من الريع لقصد المبالغة في غلائها استبعاداً منه أن تبلغ ما قدر فيقول يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالاً؛ لأنها كانت في وقته أرخص بكثير فيعمد بعض الأوصياء الذين لا يخافون الله فيعطل الأضحية بحجة أن الموصي قدر قيمتها بريال ولا توجد أضحية بريال، مع أن الريع كثير وهذا حرام عليه وهو آثم بذلك، وعليه أن يضحي ولو بلغت الأضحية آلاف الريالات مادام الريع يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي من التقدير المبالغة في قيمة الأضحية لا تحديدها بهذا المقدار.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الخامس : فيما تتعين به الأضحية وأحكامه
محمد بن صالح العثيمين
فيما تتعين به الأضحية وأحكامه
تتعين الأضحية بواحد من أمرين:
أحدهما: اللفظ بأن يقول: هذه أضحية. قاصداً إنشاء تعيينها، فأما إن قصد الإخبار عما يريد بها في المستقبل فإنها لا تتعين بذلك؛ لأن المقصود به الإخبار عما سيفعل بها في المستقبل لا إنشاء تعيينها.
الثاني: الفعل وهو نوعان:
أحدهما: ذبحها بنية الأضحية، فمتى ذبحها بهذه النية ثبت لها حكم الأضحية.(5/171)
ثانيهما: شراؤها بنية الأضحية إذا كانت بدلاً عن معينة، مثل أن يعين أضحية فتتلف بتفريط منه فيشتري أخرى بنية أنها بدل عن التي تلفت فهذه تكون أضحية بمجرد الشراء بهذه النية؛ لأنها بدل عن معينة، والبدل له حكم المبدل. أما إذا لم تكن بدلاً عن معينة فإنها لا تتعين بالشراء بنية الأضحية، كما لو اشترى عبداً يريد أن يعتقه فإنه لا يصير عتيقاً بمجرد الشراء، أو اشترى شيئاً ليجعله وقفاً فإنه لا يصير وقفاً بمجرد الشراء، فكذلك إذا اشترى بهيمة بنية أنها أضحية فلا تكون أضحية بمجرد ذلك.
وإذا تعينت الأضحية تعلق بها أحكام:
الأول: أنه لا يجوز التصرف بها بما يمنع التضحية بها من بيع وهبة ورهن وغيرها إلا أن يبدلها بخير منها لمصلحة الأضحية، لا لغرض في نفسه، فلو عين شاة أضحية ثم تعلقت بها نفسه لغرض من الأغراض فندم وأبدلها بخير منها ليستبقيها لم يجز له ذلك؛ لأنه رجوع فيما أخرجه لله تعالى لحظ نفسه لا لمصلحة الأضحية.
الثاني: أنه إذا مات بعد تعيينها لزم الورثة تنفيذها، وإن مات قبل التعيين فهي ملكهم يتصرفون فيها بما شاءوا.
الثالث: أنه لا يستغل شيئاً من منافعها فلا يستعملها في حرث ونحوه، ولا يركبها إلا إذا كان لحاجة وليس عليها ضرر، ولا يحلب من لبنها ما ينقصها أو يحتاجه ولدها المتعين معها، ولا يجز شيئاً من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها فيجزه ويتصدق به أو يهديه أو ينتفع به ولا يبيعه.
الرابع: أنها إذا تعيبت عيباً يمنع من الإجزاء مثل أن يشتري شاة فيعينها فتبخق عينها حتى تكون عوراء بينة العور فلها حالان:
إحداهما: أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل؛ لأن تعيبها بسببه فلزمه ضمانها بمثلها يذبحه بدلاً عنها، وتكون المعيبة ملكاً له على القول الصحيح يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره.(5/172)
الثانية: أن يكون تعيبها بدون فعل منه ولا تفريط فيذبحها وتجزئه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين لأنها أمانة عنده وقد تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه ولا ضمان.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه إبدالها بسليمة تجزىء عما في ذمته، مثل أن يقول لله علي نذر أن أضحي هذا العام فيشتري أضحية فيعينها عما نذر ثم تصاب بعيب يمنع من الإجزاء فيلزمه أن يبدلها بسليمة تجزىء في الأضحية، وتكون المعيبة له، لكن إن كانت أعلى من البدل لزمه أن يتصدق بالأرش وهو فرق ما بين القيمتين.
الخامس: أنها إذا ضاعت أو سرقت فلها حالان أيضاً:
إحداهما: أن يكون ذلك بتفريط منه مثل أن يضعها في مكان غير محرز فتهرب أو تسرق فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل يذبحه بدلاً عنها، وتكون الضائعة أو المسروقة ملكاً له يصنع فيها إذا حصل عليها ما شاء من بيع وغيره.
الثانية: أن يكون ذلك بدون تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين لأنها أمانة عنده ولا ضمان على الأمين إذا لم يفرط، لكن متى حصل عليها وجب عليه التضحية بها ولو بعد فوات وقت الذبح، وكذا لو غرمها السارق فيجب التضحية بما غرمه لصاحبها على صفتها بدون نقص.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه أن يذبح بدلها ما يجزىء عما في ذمته، ومتى حصل عليها فهي له يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره، لكن إن كان البدل الذي ذبحه عنها أنقص منها وجب عليه أن يتصدق بأرش النقص وهو فرق ما بين القيمتين.
السادس: أنها إذا أتلفت فلها ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون تلفها بأمر لا صنع للادمي فيه كالمرض والافة السماوية والفعل الذي تفعله هي فتموت به فلا ضمان عليه، إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده تلفت بسبب لا يمكن التضمين فيه فلم يكن عليه ضمان.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه أن يذبح بدلها ما يجزىء عما في ذمته.(5/173)
الثانية: أن يكون تلفها بفعل مالكها فيجب عليه أن يذبح بدلها على صفتها أو أكمل؛ لوجوب ضمانها حينئذ.
الحال الثالثة: أن يكون تلفها بفعل آدمي غير مالكها فإن كان لا يمكن تضمينه كقطاع الطرق فحكمها حكم ما تلفت بأمر لا صنع للادمي فيه على ما سبق في الحال الأولى. وإن كان يمكن تضمينه كشخص معين ذبحها فأكلها أو قتلها ونحوه فإنه يجب عليه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها.
الحكم السابع: أنها إذا ذبحت قبل وقت الذبح ولو بنية الأضحية فالحكم فيها كالحكم فيما كما إذا أتلفت على ما سبق. وإن ذبحت في وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله فقد وقعت موقعها وإن كان الذابح غير صاحبها ولا وكيله فلها ثلاث حالات:
إحداها: أن ينويها عن صاحبها فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت، وإن لم يرض بذلك لم تجزىء على الصحيح، ويجب على الذابح ضمانها بمثله يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها. وقيل: تجزىء وإن لم يرض بذلك وهو المشهور من مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة رحمهم الله.
الثانية: أن ينويها عن نفسه لا عن صاحبها. فإن كان يعلم أنها لغيره لم تجز عنه ولا عن غيره ويجب عليه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها، وقيل: تجزىء عن صاحبها وعليه ضمان ما فرق من اللحم. وإن كان لا يعلم أنها لغيره أجزأت عن صاحبها فإن كان ذابحها قد فرق لحمها وجب عليه ضمانه بمثله لصاحبها إلا أن يرضى بتفريقه إياه.
الثالثة: أن لا ينويها عن أحد فلا تجزىء عن واحد منهما لعدم النية، وقيل: تجزىء عن صاحبها ومتى أجزأت عن صاحبها في حال من الأحوال السابقة فإن كان اللحم باقياً أخذه صاحبها ليفرقه تفريق أضحية، وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي بذلك صاحبها فلا ضمان على الذابح وإلا ضمنه لصاحبها ليفرقه تفريق أضحية.(5/174)
فائدتان:
الأولى: إذا تلفت الأضحية بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من لا تمكن مطالبته ولم يفرط صاحبها فلا ضمان على صاحبها، وإن فرط ضمن ما يجب به الصدقة فتصدق به.
الثانية: إذا ولدت الأضحية بعد التعيين فحكم ولدها حكمها في جميع ما سبق، وإن ولدت قبل التعيين فهو مستقل في حكم نفسه فلا يتبع أمه في كونه أضحية لأنها لم تكن أضحية إلا بعد انفصاله منها.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل السادس : فيما يؤكل ويفرق من الأضحية
محمد بن صالح العثيمين
فيما يؤكل ويفرق من الأضحية
يشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ }. وقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَنِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية بدون سؤال، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وأطعموا وادخروا». رواه البخاري والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا وادخروا وتصدقوا». رواه مسلم.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مقدار ما يأكل ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، والمختار أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، وما جاز أكله منها جاز ادخاره ولو بقي مدة طويلة إذا لم يصل إلى حد يضر أكله إلا أن يكون عام مجاعة فلا يجوز الادخار فوق ثلاثة أيام لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء». فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال صلى الله عليه وسلّم: «كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها». متفق عليه.(5/175)
ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعاً أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حي أو ميت أو عن وصية؛ لأن الوصي يقوم مقام الموصي، والموصى يأكل ويهدي ويتصدق؛ ولأن هذا هو العرف الجاري بين الناس، والجاري عرفاً كالمنطوق لفظاً.
فأما الوكيل فإن أذن له الموكل في الأكل والإهداء والصدقة أو دلت القرينة أو العرف على ذلك فله فعله وإلا سلمها للموكل وكان توزيعها إليه.
ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية لا لحماً ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئاً منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع.
فأما من أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره، غير أنه لا يبيعه على من أهداه أو تصدق به.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل السابع : فيما يجتنبه من أراد الأضحية
محمد بن صالح العثيمين
فيما يجتنبه من أراد الأضحية
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره». رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: «فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي»، وفي لفظ: «فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً». وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه.(5/176)
وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «وأراد أحدكم أن يضحي» ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة.
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام. وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل الثامن : في الذكاة وشروطها
محمد بن صالح العثيمين
في الذكاة وشروطها
الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر، أو ذبح، أو جرح.
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
ويشترط للذكاة شروط تسعة:
الشرط الأول: أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً، فلا يحل ما ذكاه مجنون، أو سكران، أو صغير لم يميز، أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.(5/177)
الشرط الثاني: أن يكون المذكي مسلماً، أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود أو النصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى، عدلاً أم فاسقاً، طاهراً أم محدثاً. وأما الكتابي فيحل ما ذكاه سواء كان أبوه وأمه كتابيين أم لا. وقد أجمع المسلمون على حل ما ذكاه الكتابي لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الْمُؤْمِنَتِ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الاَْخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ }. ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم أكل من شاة أهدتها له امرأة يهودية، وأكل من خبز شعير وإهالة سنخة دعاه إليهما يهودي.(5/178)
وأما سائر الكفار غير أهل الكتاب فلا يحل ما ذكوه لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الْمُؤْمِنَتِ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الاَْخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ } فإن (الذين أوتوا الكتاب) اسم موصول وصلته وهما بمنزلة المشتق المتضمن لصفة معنوية يثبت الحكم بوجودها وينتفي بعدمها، قال الإمام أحمد: لا أعلم أحداً قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة، ونقل الإجماع عليه الخازن في تفسيره. وعلى هذا فلا يحل ما ذبحه الشيوعيون والمشركون سواء كان شركهم بالفعل كمن يسجدون للأصنام، أو بالقول كمن يدعون غير الله، ولا يحل ما ذبحه تارك الصلاة؛ لأنه كافر على القول الراجح سواء تركها تهاوناً، أو جحداً لوجوبها. ولا يحل ما ذبحه جاحد وجوب الصلوات الخمس ولو صلى إلا أن يكون ممن يجهل ذلك لكونه حديث عهد بإسلام ونحوه.
ولا يلزم السؤال عما ذبحه المسلم أو الكتابي كيف ذبحه، وهل سمى عليه أو لا، بل ولا ينبغي لأن ذلك من التنطع في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلّم أكل مما ذبحه اليهود ولم يسألهم. وفي صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم: إن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال: «سموا عليه أنتم وكلوه» قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم بأكله دون أن يسألوا مع أن الآتين به قد تخفي عليهم أحكام الإسلام، لكونهم حديثي عهد بكفر.(5/179)
الشرط الثالث: أن يقصد التذكية لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية، فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط.(5/180)
الشرط الرابع: أن لا يكون الذبح لغير الله، فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة، كالذي يذبح تعظيماً لصنم، أو صاحب قبر، أو ملك، أو والد ونحوهم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.(5/181)
الشرط الخامس: أن لا يسمي عليها اسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي، أو جبريل، أو فلان، فإن سمى عليها اسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إلى قوله: {وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وفي الحديث الصحيح القدسي قال الله تعالى: «من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».(5/182)
الشرط السادس: أن يذكر اسم الله تعالى عليها فيقول عند تذكيتها باسم الله لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَتِهِ مُؤْمِنِينَ }. وقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا». رواه البخاري وغيره، فإن لم يذكر اسم الله تعالى عليها لم تحل لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }. ولا فرق بين أن يترك اسم الله عليها عمداً مع العلم أو نسياناً أو جهلاً لعموم هذه الاية، ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل التسمية شرطاً في الحل، والشرط لا يسقط بالنسيان والجهل، ولأنه لو أزهق روحها بغير إنهار الدم ناسياً أو جاهلاً لم تحل فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الكلام فيهما واحد من متكلم واحد فلا يتجه التفريق.
وإذا كان المذكي أخرس لا يستطيع النطق بالتسمية كفته الإشارة الدالة لقوله تعالى: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لاَِنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم من حديد أو أحجار أو زجاج أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سنّاً أو ظفراً وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة». رواه الجماعة. وللبخاري في رواية «غير السن والظفر فإن السن عظم، والظفر مدى الحبشة»، وفي الصحيحين أن جارية لكعب بن مالك رضي الله عنه كانت ترعى غنماً له بسلع فأبصرت بشاة من الغنم موتاً فكسرت حجراً فذبحتها به فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فأمرهم بأكلها.(5/183)
فإن أزهق روحها بغير محدد لم تحل مثل أن يخنقها أو يصعقها بالكهرباء ونحوه حتى تموت، فإن فعل بها ذلك حتى ذهب إحساسها ثم ذكاها تذكية شرعية وفيها حياة مستقرة حلت لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إلى قوله: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
وللحياة المستقرة علامتان:
إحداهما: أن تتحرك.
الثانية: أن يجري منها الدم الأحمر بقوة.(5/184)
الشرط الثامن: إنهار الدم أي إجراؤه بالتذكية، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه». ثم إن كان الحيوان غير مقدور عليه كالشارد والواقع في بئر أو مغارة ونحوه كفى إنهار الدم في أي موضع كان في بدنه، والأولى أن يتحرى ما كان أسرع إزهاقاً لروحه؛ لأنه أريح للحيوان وأقل عذاباً.
وإن كان الحيوان مقدوراً عليه فلابد أن يكون إنهار الدم من الرقبة من أسفلها إلى اللحيين، بحيث يقطع الودجين وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم وتمام ذلك أن يقطع معهما الحلقوم ـ وهو مجرى النفس ـ والمريء ـ وهو مجرى الطعام والشراب ـ ليذهب بذلك مادة بقاء الحيوان وهو الدم وطريق ذلك وهو الحلقوم والمريء، وإن اقتصر على قطع الودجين حلت الذكية.
الشرط التاسع: أن يكون المذكى مأذوناً في ذكاته شرعاً، فأما غير المأذون فيه فنوعان:
أحدهما: ما حرم لحق الله تعالى كصيد الحرم والإحرام فلا يحل وإن ذكي لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الاَْنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }. وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.
النوع الثاني: ما حرم لحق المخلوق كالمغصوب والمسروق يذبحه الغاصب أو السارق ففي حله قولان لأهل العلم انظرهما ودليلهما في الأصل ص 82 ـ 85.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل التاسع : في آداب الذكاة
محمد بن صالح العثيمين
في آداب الذكاة
للذكاة آداب ينبغي مراعاتها ولا تشترط في حل الذكية بل تحل بدونها فمنها:
1 ـ استقبال القبلة بالذكية حين تذكيتها.
2 ـ الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة.(5/185)
وقيل: هذا من الاداب الواجبة لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته». رواه مسلم. وهذا القول هو الصحيح.
3 ـ أن تكون الذكاة في الإبل نحراً، وفي غيرها ذبحاً فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر، فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها.
وأما البروك عليها والإمساك بقوائمها فلا أصل له من السنة، وقد ذكر بعض العلماء أن من فوائد ترك الإمساك بالقوائم زيادة إنهار الدم بالحركة والاضطراب.
4 ـ قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين. وانظر الشرط الثامن من شروط الذكاة.
5 ـ أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.
6 ـ أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.
7 ـ أن يسمي عن ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير، ويسأل الله قبولها فيقول: بسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك عني إن كانت له، أو عن فلان إن كانت لغيره. اللهم تقبل مني إن كانت له، أو من فلان إن كانت لغيره.
أحكام الأضحية والذكاة
الفصل العاشر : في مكروهات الذكاة
محمد بن صالح العثيمين
في مكروهات الذكاة
للذكاة مكروهات ينبغي اجتنابها فمنها:
1 ـ أن تكون بآلة كآلة، أي غير حادة، وقيل: يحرم ذلك، وهو الصحيح.
2 ـ أن يحد آلة الذكاة والبهيمة تنظر.
3 ـ أن يذكي البهيمة والأخرى تنظر إليها.
4 ـ أن يفعل بعد التذكية ما يؤلمها قبل زهوق نفسها، مثل أن يكسر عنقها، أو يسلخها، أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت، وقيل: يحرم ذلك، وهو الصحيح.(5/186)
وإلى هنا انتهى ما أردنا تلخيصه من كتاب (أحكام الأضحية والذكاة) نسأل الله تعالى أن ينفع به وبأصله، وكان الفراغ منه عصر يوم الأربعاء الموافق 13 من ذي الحجة سنة 1400هـ أربعمائة وألف.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(5/187)
((((( البيوع )))))(5/188)
البيوع(5/189)
المداينة
مقدمة
محمد بن صالح العثيمين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.. أما بعد.
فلمَّا كان الدين الإسلامي ديناً كاملاً شاملاً لِمَا يقوم به العباد تجاه ربّهم من العبادات وما يفعلونه في أنفسهم من العادات، وما يتعاملون به بينهم من المعاملات، وقد جاء مبيِّناً لأحكام ذلك تفصيلاً وإجمالاً، وكان مما شاع بين الناس التعامل بالمداينة وهي بيعُ الغائب بالنَّاجز أو بالعكس، أو بيعُ الغائب بالغائبِ، أحببتُ أن أُبيِّن أحكام بعض ذلك فيما يأتي فأقول:
المداينة
المداينة
محمد بن صالح العثيمين
أقسام المداينة
القسم الأول: أن يحتاج إلى شراء سلعة وليس عنده ثمن حاضر ينقده، فيشتريها إلى أجلٍ معلومٍ بثمن زائد على ثمنها الحاضر فهذا جائز. مثل أن يشتري بيتاً ليسكنه أو يؤجِّره بعشرة آلاف إلى سنة، وتكون قيمته لو بيع نقداً تسعة آلاف، أو يشتري سيارة يركبها أو يؤجِّرها بعشرة آلاف إلى سنة، وقيمتها لو بيعت نقداً تسعة آلاف. وهو داخل في قوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}.
القسم الثاني: أن يشتري السلعة إلى أجل لقصد الاتجار بها. مثل أن يشتري قمحاً بثمن مؤجل زائد على ثمنه الحاضر ليتجر به إلى بلد آخر أو لينتظر به زيادة السوق أو نحو ذلك، فهذا جائز أيضاً لدخوله في الآية السابقة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية 6 عن هذين القسمين أنهما جائزان بالكتاب والسنة والإجماع (ذكره ابن قاسم في مجموع الفتاوى ص499 ج29).(5/190)
القسم الثالث: أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بشيء في ذمته. مثل أن يقول لشخص: أعطني خمسين ريالاً بخمسة وعشرين صاعاً من البُرِّ أسلِّمها لك بعد سنة، فهذا جائز أيضاً، وهو السَلمُ الذي ورد به الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدمَ النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلِفُونَ في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وسلّم: «مَن أسلف فليُسْلِف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم».
القسم الرابع: أن يكون محتاجاً لدراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على صاحبها الذي اشتراها منه بثمن أقل منه نقداً، فهذه هي مسألة العينة، وهي حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاءً لا يرفعه حتى يرجعوا لدينهم» [رواه أحمد وأبوداود].
ولأن هذه حيلة ظاهرة على الرِّبا، فإنه في الحقيقة بيعُ دراهم حاضرة بدراهم مؤجلة أكثر منها دخلت بينهما سلعة، وقد نص الإمام أحمد وغيره على تحريمها.
القسم الخامس: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم مَن قال: إنَّها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إمَّا عين السلعة وإمَّا عوضهَا وكلاهما غرض صحيح.
ومن العلماء مَن قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلاً، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفعُ بها حصول المفسدة لا يُغني شيئاً. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرأ ما نوى».
والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد.(5/191)
بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في «تهذيب السنن» (5/801).
ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلَّة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط:
1 ـ أن يكون محتاجاً إلى الدراهم، فإن لم يكنْ محتاجاً فلا يجوزُ كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره.
2 ـ أن لا يتمكَّن من الحصول على المال بطرقٍ أخرى مباحة كالقرض والسَّلم، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنَّه لا حاجة به إليها.
3 ـ أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الرِّبا مثل أن يقول: بعتك إيَّاها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إمَّا مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصحّ. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إيَّاها بكذا وكذا إلى سنة.
4 ـ أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمَّت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجهٌ كيلا يحصل تضييقٌ على الناس. وليكن معلوماً أنَّه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة السابقة في القسم الرابع.
القسم السادس: طريقة المداينة التي يستعملها كثير من الناس اليوم، وهي أن يتفق المستدين والدائن على أخذ دراهم العشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، ثم يذهبا إلى الدكان فيشتري الدائن منه مالاً بقدر الدراهم التي اتفق والمستدين عليها، ثم يبيعه على المستدين، ثم يبيعه المستدين على صاحب الدكان بعد أن يخصم عليه شيئاً من المال يسمونه السعي، وهذا حرام بلا ريب، وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في عدَّة مواضع على تحريمه، ولم يحك فيه خلافاً مع أنه حكى الخلاف في مسألة التورُّق.(5/192)
والمواضع التي ذكر فيها شيخ الإسلام تحريم هذه المسألة هي:
1 ـ يقول في ص74 من المجلد28: «و... والثلاثية مثل أن يدخلا بينهما محلِّلاً للربا يشتري السلعة منه آكل الربا، ثم يبيعها المعطي للرِّبا إلى أجلٍ ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلِّل. هذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي، أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدِّينَ على المعسر. ومن هذه المعاملات ما تنازع فيها بعض العلماء لكن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام أنها حرام.
2 ـ وفي ص437 مجلد29 قال: «... وقول القائل لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام... إلى أن قال: وبكل حال فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصدُ بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية».
3 ـ وفي ص439 من المجلد 29 المذكور قال: «أمَّا إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم بأكثر منها إلى أجلٍ، والمعطي بقصد إعطاء ذلك، فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحايلا على ذلك بأي طريق كان،. فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى». وذكر نحو هذا في ص430 وص433 وص441 من المجلد المذكور وذكر نحوه في كتاب: إبطال التحليل في ص109.
وبعد، فإنَّ تحريم هذه المداينة التي ذكرنا صورتها في أول هذا القسم لا يمتري فيه شخص تجرَّد عن الهوى وعن الشح وذلك من وجوه:(5/193)
* الأول: أن مقصود كل من الدائن والمدين دراهم بدراهم، ولذلك يقدِّران المبلغ بالدراهم، والكسب بالدراهم، قبل أن يعرفا السلعة التي يكون التحليل بها؛ لأنهما يتفقان أولاً على دراهم: العشرة كذا وكذا ثم يأتيان إلى صاحب الدكَّان فيشتري الدائن أي جنس وجده من المال، فربما يكون عنده سكر أو خام أو أرز أو هيل أو غير ذلك، فيشتري الدائن ما وجد ويأخذه المستدين، وبهذا علم أن القصد الدراهم بالدراهم، وأن السلعة غير مقصودة للطرفين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى».
ويدلُّ على ذلك أنَّ الدائن والمستدين كلاهما لا يقلِّبان السلعة ولا ينظران فيها نظر المشتري الرَّاغب، وربما كانت معيبة أو تالفاً، منها ما كان غائباً عن نظرهما مما يلي الأرض أو الجدار المركونة إليه وهما لا يعلمان ذلك ولا يباليان به.
إذن فالبيع بيع صوريٌّ لا حقيقي، والصور لا تغيِّر الحقائق ولا ترتفع بها الأحكام. ولقد حُدِّثت أنه إذا لم يكف المال الموجود عند صاحب الدُّكان للدراهم التي يريدها المستدين. فإنَّهم يعيدون هذا البيع الصُّوري على نفس المال وفي نفس الوقت، فإذا أخذه صاحب الدُّكان من المستدين باعه مرة أخرى على الدائن، ثم باعه الدائن على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل، ثم باعه المستدين على صاحب الدكان، فيرجع الدائن مرة أخرى فيشتريه من صاحب الدكان، ثم يبيعه على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه. وهكذا أبداً حتى تنتهي الدراهم، فربما يكون المال الذي عند صاحب الدكان لا يساوي عُشرَ مبلغِ الدراهم المطلوبة، ولكن بهذه الألعوبة يبلغون مرادهم والله المستعان.
* الوجه الثاني: مما يدل على تحريم هذه المداينة أنه إذا كان مقصود الدائن والمدين هي الدراهم، فإن ذلك حيلة على الربا بطريقة لا يرتفع بها مقصود الرِّبا، والتحايل على محارم الله تعالى جامع بين مفسدتين:(5/194)
مفسدة المحرم التي لم ترتفع بتلك الحيلة.
ومفسدة الخداع والمكر في أحكام وآيات الله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.
ولقد أخبر الله عن المخادعين له بأنَّهم يخادعون الله وهو خادعهم، وذلك بما زيَّنه في قلوبهم من الاستمرار في خداعهم ومكرهم فهم يمكرون، ويمكر الله والله خير الماكرين.
قال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصِّبيان، ولو أتوا بالأمر على وجهه لكان أهون.
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلّم أمَّته من التحايل على محارم الله فقال: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل». وقال صلى الله عليه وسلّم: «لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشُّحومُ فباعوها وأكلوا أثمانها».
* الوجه الثالث: أنَّ هذه المعاملة يربحُ فيها الدائن على المستدين قبل أن يشتري السلعة، بل يربحُ عليه في سلعة لم يعرفا نوعها وجنسها فيربحَ في شيء لم يدخلْ في ضمانه.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمنْ، وقال: «الخراجُ بالضّمانِ»، وقال: «لا تبعْ ما ليس عندك». وهذا كله بعد التسليم بأنَّ البيع الذي يحصل في المداينة بيع صحيح، فإنَّ الحقيقة أنَّه ليس بيعاً حقيقيًّا، وإنما هو بيعٌ صوريٌّ، بدليل أن المشتري لا يقلِّبه ولا ينظرُ فيه ولا يماكسُ في القيمة، بل لو بيع عليه بأكثر من قيمته لم يبال بذلك.
* الوجه الرابع: أنَّ هذه المعاملة تتضمنُ بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها إلى محلِّ المشتري ونقلها عن محلِّ البائع.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن بيع السلع حيث تُشترى حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
فعن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تُباعَ السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم». رواه أبوداود.(5/195)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كانوا يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يبيعوه حتَّى ينقلوهُ». رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه.
القسم السابع: من طريقة المداينة أن يكون في ذمَّة شخص لآخر دراهم مؤجلة، فيحل أجلها وليس عنده ما يوفِّيه فيقول له صاحب الدين: أدينُكَ فتوفيني فيدينهُ فيوفيه، وهذا من الربا بل هو مما قال الله فيه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَفاً مُّضَعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَفِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.
وهذا القسم من المداينة من أعمال الجاهلية حيث كان يقول أحدهم للمدين إذا حلَّ الدين: إما أن توفِّي وإما أن تُربي، إلا أنَّهم في الجاهلية يضيفون الرِّبا إلى الدَّين صراحة من غير عمل حيلة، وهؤلاء يضيفون الرِّبا إلى الدَّين بالحيلة. والواجب على صاحب الدَّين إذا حلَّ دينه إنظار المدين إذا كان معسراً، لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}. أمَّا إذا أبراه من الدَّين فذلك خيرٌ وأفضل. أما إن كان المدين موسراً فإنَّ للدائن إجباره على الأداء لأنه يحرم على المدين حينئذٍ أن يماطل ويدافع صاحب الدَّين لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «مطلُ الغني ظلم». ومن المعلوم أن الظلم حرام يجبُ منع فاعله وإلزامه بما يُزيلُ الظلم.(5/196)
القسم الثامن: من المداينة أن يكون لشخص على آخر دين، فإذا حلَّ قال له: إمَّا أن توفِّي دينك أو تذهب لفلان يدينك وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والثاني اتفاقٌ مسبقٌ في أنَّ كل واحد منهما يدين غريم صاحبه ليوفِّيه ثم يعيدُ الدَّين عليه مرة أخرى ليوفِّي الدائن الجديد. أو يقول: اذهب إلى فلان لتستقرض منه وتوفِّيني، ويكون بين الدائن الأول والمقرض اتفاق أو شبه اتفاق على أن يقرض المدين. فإذا أوفى الدائن الأول قلب عليه الدين، ثم أوفى المقرض ما اقترض منه. وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلاثية وهي حرام لما تقدم من تحريم الحيل وتحذير النبي صلى الله عليه وسلّم أمته من ذلك.
خلاصة ما تقدم:
وبعد، فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة، وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشرُّ والخسارة ونزع البركة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يزيِّن لصاحبه سوء عمله، فيستمر فيه ولا يرى أنه على باطل، فيكون داخلاً في قول الله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ}. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاَْخْسَرِينَ أَعْمَلاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }.
فالحلال من هذه الأقسام:
1 ـ أن يحتاجَ الشخص إلى سلعة أو عقار فيشتريه بثمن مؤجَّل لقضاء حاجته.
2 ـ أن يشتري السلعة أو العقار بثمن مؤجل للاتجار به وانتظار زيادة السِّعر.
3 ـ أن يحتاجَ إلى دراهم فيأخذها من شخص بسلعة يكتبها الآخذ في ذمته.
وهذه الأقسام الثلاثة جائزة بلا ريب وسبقَ تفصيلها.
والحرام من الأقسام الأخرى:(5/197)
1 ـ أن يحتاج إلى دراهم فلا يجدُ مَن يقرضه فيشتري سلعة من شخص بثمنٍ مؤجَّل زائد على قيمتها الحاضرة، ثم يبيعها على غيره، وهذه هي مسألة التَّورُّق، في جوازها خِلاف بين العلماء كما تقدم.
2 ـ أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد مَن يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجَّل، ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة.
3 ـ أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، ثم يذهب إلى ثالث فيشتري الدائن منه سلعة، هو في الحقيقة شراء صوري، ثم يبيعها على المدين ثم يبيعها المدين بدوره على الذي أخذها الدائن منه.
وهذه طريقة المداينة التي يستعملها الآن كثير من الناس، وهي حرام كما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يذكر خلافاً في تحريمها كما ذكر في مسألة التَّورُّق.
4 ـ أن يكون لشخص على آخر دينٌ مؤجَّلٌ فيحل أجله وليس عنده ما يوفيه، فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني، فيدينه فيوفيه. وهذه طريقة أهل الجاهلية التي تتضمن أكل الرِّبا أضعافاً مضاعفة، إلا أنها صريحة في الجاهلية خديعة في هذا الزمان، ففيها مفسدتان.
5 ـ أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل فيحل أجله، ويكون لصاحب الدين صاحب يتَّفق معه على أن يقرض المدين أو يدينه ليوفِّي الدائن، ثم يقلب عليه الدين مرة أخرى. وهذه هي طريقة الجاهلية مع إدخال الطرف الثالث المشارك في الإثم والعدوان والمكر والخداع.
فهذه الأقسام الخمسة محرَّمة، وقد علمت ما في القسم الأول منها من الخلاف.
واعلم أنَّ الدَّين في اصطلاح أهل الشرع اسم لما ثبت في الذمة سواء كان ثمنَ مبيعٍ أو قرضاً أو أجرةً أو صداقاً أو عوضاً لخلع أو قيمة لمتلف أو غير ذلك.(5/198)
وليس كما يظنه كثير من العوام من أنَّ المداينة هي التي يستعملونها ويستدلون عليها بقوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}. فإن المراد به هو الدين الحلال الذي بيّن الله ورسوله حِلَّه، دون الدين الحرام، وهذا كثير في نصوص الكتاب والسنة تأتي مطلقة أو عامة في بعض المواضع ولكن يجبُ أن تخصص أو تقيد بما دل على التخصيص والتقيد.
* * *
خاتمة
ولنختم هذا البحث بما ورد في الكتاب والسنة من تحريم الرِّبا والتشديد فيه.
قال تعالى: {بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }. ففي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن لم يترك الرِّبا، وذلك بمحاربته لله ورسوله، فأي ذنب في المعاملة أعظم من ذنب يكون فيه فاعله محارباً لله ولرسوله؟ ولذلك قال بعض السلف: «من كان مقيماً على الربا لا يتوب منه كان حقًّا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نَزَعَ وإلاَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ».
وفي قوله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }. إشارة إلى أنَّ آكل الربا بأنَّه لو كان مؤمناً بالله ورسوله حقَّ الإيمان راجياً ثواب الله في الآخرة خائفاً من عقابه لَمَا استمرَّ على أكل الرِّبا والعياذ بالله تعالى.(5/199)
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَنُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَواْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ }.
ففي هذه الآية وصف آكلي الربا بأنهم يقومون من قبورهم يوم القيامة أمام العالم كلهم كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المسِّ ـ يعني كالمصروعين الذين تصرعُهُم الشياطين وتخنُقهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «آكل الربا يُبعثُ يوم القيامة مجنوناً يُخْنَق». ثم بيَّن الله ما وقعَ لهم من الشبهة التي أعمت أبصارهم عن التمييز بين الحق والباطل، فقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَواْ}. وهذا يحتمل أنَّهم قالوه لشبهةٍ وقعت لهم وتأويلٍ فاسد لجأوا إليه، كما يحتج أهل الحيل على الرِّبا، ويحتمل أنهم قالوا ذلك عناداً وجحوداً، وعلى كلا الاحتمالين فإنَّ هذا يدل على أنهم مستمرون في باطلهم، منهمكون في أكل الرِّبا ومجادلون بالباطل ليُدْحِضُوا به الحق. نعوذ بالله من ذلك.(5/200)
وقال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَفاً مُّضَعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَفِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. ففي هاتين الآيتين: نهى الله عباده المؤمنين بوصفهم مؤمنين عن أكل الرِّبا، ثم حذَّرهم من نفسه في قوله: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ}، ثم حذَّرهم النار التي أُعدَّت للكافرين، وبيَّن أنَّ تقواه وطاعته سبب للفلاح والرحمة: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
وهذا كله دليل على تعظيم شأن الرِّبا وأنَّه سبب لعذاب الله تعالى ودخول النار والعياذ بالله تعالى من ذلك.
وقال تعالى: {وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ} الآية. وقال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَواْ وَيُرْبِى الصَّدَقَتِ}.
فالربا لا يربو عند الله ولا يزداد صاحبه به قربة عند ربه، فإنَّه مال مكتسب بطريق حرام فلا خير فيه ولا بركة، ولو أنَّ صاحبه تصدَّق به لم يقبل منه إلا إذا كان تائباً إلى الله تعالى من ذلك الذنب الكبير فيتصدق به للخروج من تبعته عند عدم معرفته لأصحابه وبذلك يكون بريئاً منه. أمَّا إن تصدَّق به لنفسه فإنَّه لا يقبلُ منه لأنه لا يربو عند الله، بينما الصدقات المقبولة تربو عند الله، وإن أنفقه لم يبارك الله له فيه لأن الله يمحقه أو يسحق بركته، فلا خير ولا بركة في الربا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اجتنبوا السبع الموبقات ـ وذكر منها ـ الربا» متفق عليه.(5/201)
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ حتى أتينا على نهر من دم فيه رجلٌ قائمٌ وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فمه فردَّهُ حيث كان، فجعل كلما أراد أن يخرج رمي في فمه بحجر فيرجع كما كان. فقلت: ما هذا الذي رأيتُه في النهر؟ قال: آكل الربا» رواه البخاري.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم آكل الرِّبا وموكلِه وكاتبه وشاهدهُ. وقال: هم سواء» رواه مسلم وغيره.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الرِّبا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمَّه». رواه الطبراني وله شواهد.
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من الرِّبا وبيان تحريمه، وأنَّه من كبائر الذنوب وعظائمها.
فليحذر المؤمن الناصح لنفسه من هذا الأمر العظيم، وليتب إلى الله تعالى قبل فوات الأوان وانتقاله عن المال، وانتقال المال إلى غيره فيكون عليه إثمه وغرمه ولغيره كسبه وغنمه.(5/202)
وليحذر من التحيُّل عليه بأنواع الحيل، لأنه إذا تحيَّل فإنما يتحيَّل على مَن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولن تفيده هذه الحيل، لأن الصور لا تغير الحقائق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب «إبطال التحليل» ص108: «... فيا سبحان الله العظيم، أيعود الرِّبا الذي قد عظَّم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحلِّه، ولعن أهل الكتاب بأخذه، ولعن آكلهُ وموكلهُ وشاهدهُ وكاتبهُ، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجأ في غيره إلى أن يستحلَ جمعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحكُ منها ويُستهزأ بها.. أم يستحسنُ مؤمن أن ينسب نبيًّا من الأنبياء فضلاً عن سيد المرسلين، بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرِّم هذه المحارم العظيمة ثم يُبيحُهَا بنوع من العبثِ والهزل الذي لم يقصدْ ولم يكنْ له حقيقة وليس فيه مقصود للمتعاقدين قط».
وقال في ص137: «... وكلما كان المرءُ أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره من الحيل أشد، قال: وأظنُّ كثيراً من الحيل إنَّما استحلَّها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بُد من التزام ظاهر الحكم، فأقام رسم الدين دون حقيقة، ولو هُدي إلى رشده لسلَّم لله ورسوله وأطاعَ الله ظاهراً وباطناً في كل أمره.
أسأل الله تعالى أن يوقظ بمنِّه وكرمه عباده المؤمنين من هذه الغفلة العظيمة، وأن يقيهم شُحَّ أنفسهم ويهديهم صراطه المستقيم إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(5/203)
مجموعة أسئلة في بيع و شراء الذهب
مجموعة أسئلة في بيع و شراء الذهب
محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, واشهد إن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلى آله وسلم... أما بعد..
فقد شرع الله تعالي لعباده في معاملاتهم نظما كاملة مبنية على العدل لا يساويها أي نظام أخر, وإن من الظلم في المعاملات واجتناب العدل والاستقامة أن تكون مشتملة على الربا الذي حذر الله تعالي منه في كتابه وعلى لسان رسوله صلي الله عليه وسلم واجمع المسلمون على تحريمه.قال تعالي: ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون ) (البقرة 278-279) وقال تعالي:( يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (130) واتقوا النار التي أعدت للكافرين (131) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) (آل عمران 130-132 ) . وقال تعالي : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي تخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) (البقرة 275-276 ) .(5/204)
ولقد ثبت في صحيح مسلم(1) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: ( هم سواء ) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالي, والله تعالي إنما خلق الجن والإنس, وأودع فيهم العقول والإدراك, وبعث فيهم الرسل وبث فيهم النذر ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعة مقدمين أمره وأمر رسوله على ما تهواه أنفسهم, فان ذلك هو حقيقة العبادة ومقتضي الإيمان بالله سبحانه وتعالي كما قال الله تعالي: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )(الأحزاب 36 ) .
فلا خيار للمؤمن إن كان مؤمنا حقا في أمر قضاه الله ورسوله, وليس أمامه الا الرضا والتسليم التام سواء وافق هواه أم خالفه, والا فليس بمؤمن كما قال الله تعالي: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) (النساء 65) .إذا تبين هذا فاعلم أن أوامر الله تعالي تنقسم إلي قسمين:
قسم يختص بمعاملته سبحانه وتعالي كالطهارة والصلاة والصيام والحج, وهذا لا يستريب أحد في التعبد لله تعالي به, وقسم يختص بمعاملة الخلق وهي المعاملة الجارية بينهم من بيع وشراء وإيجار ورهن وغيرها, وكما أن تنفيذ أوامر الله تعالي والتزام شريعته في القسم الاول أمر معلوم وجوبه لكل احد, فكذلك تنفيذ أوامره والتزام شريعته في القسم الثاني أمر واجب إذ الكل من حكم الله تعالي على عباده, فعلى المؤمن تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذه وذاك...وبعد ..
فهذه أسئلة عن البيع وشراء واستعمال الذهب(2) موجهة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين تفضل بالإجابة عليها سائلا الله تعالي أن ينفع بها من قرأها أو سمعها, وان يعظم الأجر والمثوبة لمن كتبها أو طبعها أو نشرها أو عمل بها وهو حسبنا ونعم الوكيل...(5/205)
السؤال الاول: ما الحكم في أن كثيرا من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل ( الكسر ) ثم يذهبون به إلى تاجر الذهب ويستبدلونه بذهب جديد مصنع وزن مقابل وزن تماماً, يأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد ؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.ثبت عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم انه قال: ( الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالمح, مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيدٍ ) (1)
وثبت عنه انه قال: ( من زاد أو استزاد فقد أربى ) (2)وثبت عنه( انه أتي بتمر جيد فسأل عنه فقالوا: كنا نأخذ الصاع بصاعين, والصاعين بثلاثة, فامر النبي صلي الله عليه وسلم برد البيع وقال:هذا عين الربا ) ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الردئ, ثم يشتروا بالدراهم تمرا جيدا.(3)
ومن هذه الأحاديث نأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجرة التصنيع إلى أحدهما انه أمر محرم لا يجوز, وهو داخل في الربا الذي نهي النبي صلي الله عليه وسلم عنه ، والطريق السليم في هذا أن يباع الذهب الكسر بثمن من غير مواطأة ولا اتفاق, وبعد أن يقبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشئ الجديد, والأفضل أن يبحث عن الشئ الجديد في مكان أخر, فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه واشتري بالدراهم وإذا زادها فلا حرج, المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ولو كان ذلك من اجل الصناعة. هذا إذا التاجر تاجر بيع, أما إذا كان التاجر صائغاً فله ان يقول خذ هذا الذهب اصنعه ليّ على ما يريد من الصنعة أعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة, فلا بأس.
***
السؤال الثاني: ما رأي فضيلتكم أن بعض أصحاب محلات الذهب يقومون باستبدال الذهب الجديد لديهم مقابل ذهب مستعمل من الراغب في الشراء منهم ويأخذون عليه أجرة تصنيع ؟(5/206)
الجواب: لا يظهر لي فرق بين هذا السؤال والذي قبله والحكم فيهما واحد.
***
السؤال الثالث: إن بعض أصحاب محلات الذهب يقومون بشراء الذهب بالأجل معتقدين إن هذا حلال وحجتهم إن هذا من عروض التجارة ولقد نوقش كبارهم على إن مثل هذا العمل لا يجوز فأجاب بان أهل العلم ليس لهم معرفة بمثل هذا العمل ؟
الجواب: إن هذا اعني بيع الذهب بالدراهم إلى اجل حرام بالإجماع, لأنه ربا نسيئة, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت حين قال: ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة..........الخ ) الحديث قال: ( فان اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدٍ )(4) هكذا أمر النبي صلي الله عليه وسلم.
وأما قوله إن أهل العلم لا يعلمون ذلك فهذا اتهام لأهل العلم في غير محله, لان أهل العلم كما وصفهم أهل علم والعلم ضد الجهل, فلولا أنهم يعلمون ما صحّ أن يسميهم أهل العلم, وهم يعلمون حدود ما انزل الله على رسوله, ويعلمون إن مثل هذا العمل عمل محرم لدلالة النص على تحريمه.
***
السؤال الرابع: ما الحكم في إن بعض محلات الذهب يشترط على البائع للذهب المستعمل أن يشتري منه جديدا.
الجواب: هذا أيضا لا يجوز, لان هذا حيلة على بيع الذهب بالذهب مع التفاضل. والحيل ممنوعة في الشرع, لأنها خداع وتلاعب بأحكام الله
السؤال الخامس: هل يلزم أن يكون التوكيل لفظا بين أصحاب محلات الذهب أم يكفي بمثل أن يأخذ منه على ما اعتادوا بينهم من انه سيبيعه بالسعر المعروف ؟
الجواب: الوكالة عقد من العقود تنعقد بما دلّ عليها من قول أو فعل, فإذا جرت العادة بين أهل الدكاكين إن السلعة التي لا توجد عند احدهم إذا وقف عنده المشتري فذهب إلي جاره واخذ منه السلعة على انه يبيعها له, وكان الثمن معلوما عند هذا الذي أخذها وباعها لصاحبها بالثمن المعلوم بينهم, فان هذا لا باس به, لان الوكالة كما قال أهل العلم تنعقد بما دلّ عليها من قول أو فعل.
***(5/207)
السؤال السادس: ما الحكم فيما إذا أتي المشتري واشتري بضاعة الذهب ثم اشترط إذا لم تصلح يردها للمحل للاستبدال أو استرداد قيمتها, وماهي الطريقة المشروعة في مثل هذا الحالة حيث إن بعضهم قد يكون بعيد المسافة عن المدينة مما يستحيل العودة بنفسه إلى المحل في نفس اليوم أو اليوم الثاني ؟
الجواب: الأفضل في مثل هذا والأحسن أن يأخذ السلعة الذهبية قبل أن يتم العقد, ويذهب بها إلى أهله, فان صلحت رجع إلي صاحب الدكان وباع معه واشتري من جديد هذا هو الأفضل. أما إذا اشتراها منه وعقد العقد ثم اشترط الخيار له إن صلحت لأهله والا ردها, فهذه محل خلاف بين أهل العلم, فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن المسلمين على شروطهم, ومنهم من منع ذلك وقال: إن هذا الشرط يحل حراما وهو التفرق قبل تمام العقد على وجه لازم. والأول ظاهر اختيار شيخ الإسلام بن تيمية, والثاني هو المشهور من المذهب, وإن كل عقد يشترط فيه التقابض فانه لا يصح فيه شرط الخيار. وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن تبرأ ذمته ويسلم فليسلك الطريقة الأولي أن يأخذها ويشاور عليها قبل أن يتم العقد.
ما معني قبل أن يتم العقد ؟؟
أي يعطهم دراهم رهنا أو أي سلعة يستوثقون بها لا على إنها ثمن للذهب الذي اشتراه
***
السؤال السابع: ما الحكم في إن بعض أصحاب محلات الذهب يشتري ذهبا مستعملا نظيفا ثم يعرضه للبيع بسعر جديد. فهل يجوز مثل هذا أو يلزمه تنبيه المشتري بأنه مستعمل أو لا يلزمه حيث أن بعض المشتريين لا يسأل هل هذا جديد أم لا ؟(5/208)
الجواب: الواجب عليه النصيحة, وان يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ومن المعلوم لو أن شخصا باع عليك شيئا مستعملا خفيفا لم يؤثر فيه وباعه عليك على انه جديد لعددت ذلك غشا منه وخديعة, فإذا كنت لا ترضي أن يفعل بك الناس هذا فكيف تسوغ لنفسك أن تفعله بغيرك. وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل حتى يبين للمشتري ويقول له: إن هذا قد استعمل استعمالا خفيفا أو ما أشبه ذلك.
***
السؤال الثامن: ما الحكم فيمن سلم ذهبه لمصنع الذهب ليصنعه فربما اختلط ذهبه مع ذهب غيره حال صهر الذهب في المصنع ولكن عند استلامه من المصنع يستلمه بنفس الوزن الذي سلمه ؟
الجواب يجب على المصنع أن لا يخلط أموال الناس بعضها ببعض, وان يميز كل واحد على حده فإذا كان عيار الذهب يختلف. أما إذا كان عيار الذهب لا يختلف فلا حرج أن يجمعها لا نه لا يضر.
***
س: وهل يلزم تسديد أجرة التصنيع عند استلام الذهب أو نعتبره حساب جاري؟
ج: لا يلزم أن يسدد لان هذه الأجرة على عمل, فان سلمها حال القبض فذالك والا متي سلمها صح.
السؤال التاسع: ماراي فضيلتكم حيث إن بعض المشتريين للذهب يسال عن سعر الذهب ثم إذا علم بسعره قام واخرج ذهبا مستعملا معه وباعه, وعند استلامه الدراهم يقوم ويشتري بضاعة جديدة ؟
الجواب: هذا لا باس به إذا لم يكن هناك اتفاق ومواطأة من قبل الا أن الإمام احمد رحمه الله يري انه في مثل هذه الحالة يذهب ويطلب من جهة أخري فيشتري منها, فان لم يتيسر له ذلك رجع إلي الذي باع عليه أولا ليشتري منه حتى يكون ذلك ابعد عن الشبهة, شبهة الحيلة
***
السؤال العاشر: ما الحكم فيمن باع ذهبا على صاحب المحل ثم يشتر يذهبا أخر من صاحب المحل بمبلغ مقارب للمبلغ الذي باع عليه به مثلا, ثم يسدد له قيمة الذهب الذي اشتراه من قيمة الذهب الذي باعه وهو لم يستلمها ؟(5/209)
الجواب : هذا لا يجوز , لأنه إذا باع شيئا بثمن لم يقبض واعتاض عن ثمنه ما لا يحل بيعه به نسيئة, فقد صرح الفقهاء بان هذا حرام ,لأنه قد يتخذ حيله على بيع ما لا يجوز فيه النسيئة بهذه الصفة بدون قبض,وإذا كان من جنسه صار حيلة على ربا الفضل(1) وربا النسيئة(2) .
***
السؤال الحادي عشر: ما حكم من اشتري ذهبا وبقي عليه من قيمته وقال أتي بها عليك متى تيسر ؟
الجواب: لا يجوز هذا العمل, وإذا فعله صح العقد فيما قبض عوضه, وبطل فيما لم يقبض, لان النبي صلي الله عليه وسلم قال في بيع الذهب بالفضة: ( بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ) (3)
***
السؤال الثاني عشر: ما الحكم فيمن اشتري ذهبا وتم البيع عليه ثم سدد القيمة وبقي عليه جزء من المبلغ فهل يجوز أن يذهب إلي أي مكان ليأتي بالباقي بعد قليل مثلا من ( السيارة أو البنك ) ولم يستلم الذهب الا بعد أن أتي بالباقي, فهل يصح هذا العمل ؟ والا يلزم إعادة العقد بعدما أتي بالباقي ؟
الجواب: الأولي أن يعاد العقد بعد أن يأتي بالباقي, وهذا لا يضر ماهو الا إعادة الصيغة فقط مع مراعاة السعر إن زاد أو نقص, وإن تم العقد على السعر الاول فلا باس, وإن ترك العقد حتى يأتي بباقي الثمن كان أولي, لأنه لا داعي للعقد قبل إحضار الثمن, والله الموفق.
***
السؤال الثالث عشر: هنالك بعض أصحاب محلات الذهب يذهب إلي تاجر الذهب ويأخذ منه ذهبا جديدا بوزن كيلو مثلا, ويكون هذا الذهب مخلوطا به فصوص سواء كانت من أحجار كريمة المسماة بالماس أو الزراكون أو غيرها, ويعطيه المشتري مقابل هذا الكيلو ذهبا صافيا وزنا بوزن, ولكنه ليس فيه فصوص, ثم إن البائع يأخذ زيادة على ذلك تسمي أجرة التصنيع.فيكون عند البائع زيادتان أولهما زيادة ذهب مقابل وزن الفصوص, وثانيهما زيادة أجرة التصنيع لأنه تاجر ذهب وليس مصنع ذهب. فما حكم هذا العمل وفقكم الله ؟(5/210)
الجواب:هذا العمل محرم لأنه مشتمل على الربا.والربا فيه كما ذكر السائل من وجهين: الوجه الاول زيادة الذهب حيث جعل ما يقابل الفصوص وغيرها ذهبا وهو شبيه بالقلادة التي ذكرت في حديث فضالة بن عبيد حيث أشتري قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارا, ففصلها فوجد فيه أكثر,فقال النبي صل الله عليه وسلم:(لا تباع حتى تفصل)(1)
أما الوجه الثاني: فهو زيادة أجرة التصنيع, لان الصحيح إن زيادة أجرة التصنيع لا تجوز, لان الصناعة وإن كانت من فعل الآدمي لكنها زيادة الوصف الذي من خلق الله عز وجل, وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن يشتري صاع التمر الطيب بصاعين من التمر الردئ (2) والواجب على المسلم الحر من الربا والبعد عنه لأنه من أعظم الذنوب
***
السؤال الرابع عشر: ما حكم العمل عند أصحاب محلات الذهب الذين يتعاملون بمعاملات غير مشروعة سواء كانت ربوية أو حيلا محرمة أو غشا أو غير ذلك من المعاملات التي لا تشرع ؟
الجواب: العمل عند هولاء الذين يتعاملون بالربا أو بالغش أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة, العمل عند هولاء محرم, لقول الله تعالي: ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (المائدة 2 ) ولقوله: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم )(النساء: 140)
ولقول النبي صلي الله عليه وسلم: ( من رأي منكم منكرا فلغيره بيده فان لم يستطيع فبلسانه, فان لم يستطع فبقلبه )(3) . والعامل عندهم لم يغير لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه فيكون عاصيا للرسول صلي الله عليه وسلم.
***
السؤال الخامس عشر: ما حكم التعامل بالشيكات في بيع الذهب إذا كانت مستحقة السداد وقت البيع حيث إن بعض أصحاب الذهب يتعامل بالشيكات خشية على نفسه ودراهمه أن تسرق منه ؟(5/211)
الجواب : لا يجوز التعامل بالشيكات في بيع الذهب أو الفضة , وذلك لان الشيكات ليست قبضا وإنما هي وثيقة حوالة فقط بدليل إن هذا الذي اخذ الشيك لو ضاع منه لرجع على الذي أعطاه إياه , ولو كان قبض لم يرجع عليه .
وبيان ذلك إن الرجل لو اشتري ذهباً بدراهم فاستلم البائع الدراهم فضاعت منه لم يرجع على المشتري, ولو انه اخذ من المشتري شيكا ثم ذهب به ليقبضه من البنك ثم ضاع منه فانه يرجع علي المشتري بالثمن.وهذا دليل على الشيك ليس بقبض, وإذا لم يكن قبضا لم يصح البيع, لان النبي صلي الله عليه وسلم أمر أن يكون بيع الذهب بالفضة يدا بيد. الا إذا كان الشيك مصدقا من قبل البنك واتصل البائع بالبنك وقال ابقي والدراهم عندك وبيع لي, فهذا قد يرخص فيه. والله اعلم.
***
السؤال السادس عشر ما حكم بيع الذهب الذي يكون فيه رسوم أو صور مثل فراشة أو راس ثعبان أو ما شابه ذلك ؟
الجواب: الحلي الذهب أو الفضة المجعول على صورة حيوان حرام بيعه وحرام شراءه وحرام لبسه, وحرام اتخاذه, وذلك لان الصور يجب على المسلم أن يطمسها ويزيلها. كما في صحيح مسلم, عن أبي الهياج إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له: ( الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ : الا تدع صورة الا طمستها, ولا قبرا مشرفا الا سويته )(1) وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة(2) . وعلى هذا فيجب على المسلمين أن يتجنبوا استعمال هذا الحلي وبيعه وشراءه.
***
السؤال السابع عشر ما حكم حجز الذهب وذلك بدفع بعض قيمته وتأمينه عند التاجر حتى تسدد القيمة كاملة ؟(5/212)
الجواب: ذلك لا يجوز لأنه إذا باعها فإن مقتضى البيع أن ينتقل ملكها من البائع إلي المشتري بدون قبض الثمن, وهذا حرام لا يجوز, بل لا بد أن يقبض الثمن كاملا ثم إن شاء المشتري أبقاها عند البائع وان شاء أخذها. نعم لو سامه منه ولم يبع عليه ثم ذهب وجاء بباقي الثمن ثم تم العقد والقبض بعد ذلك, فهذا جائز لان العقد لم يكن الا بعد إحضار الثمن.
***
السؤال الثامن عشر: ماحكم إخراج الذهب قبل استلام ثمنه, وإذا كان لقريب يخشى من قطيعة رحمه مع علمي التام انه سيسدد قيمتها ولو بعد حين,
الجواب:يجب أن تعلم القاعدة العامة بل إن بيع الذهب بدراهم لا يجوز أبدا الا باستلام الثمن كاملا, ولا فرق بين القريب والبعيد, لان دين الله لا يحابي فيه احد. وإذا غضب عليك القريب في طاعة الله عز وجل فليغضب, فانه هو الظالم الآثم الذي يريد منك أن تقع في معصية الله عز وجل وأنت في الحقيقة قد بررت حين منعته أن يتعامل معك المعاملة المحرمة, فإذا غضب أو قاطعك لهذا السبب فهو الآثم وليس عليك من إثمه شئ.
***
السؤال التاسع عشر: ما حكم اخذ التاجر ذهبا مقابل ذهب يريد المشتري أن يشاور عليه, وهذا الذهب الذي أخذه التاجر رهن إلي أن يرد المشتري ما اخذ منه مع العلم انه لابد من اختلاف في الوزن بينما ما أخذه ورهنه ؟
الجواب : هذا لا بأس به مادام إنه لم يبعه إياه وإنما قال : هذا الذهب رهنا عندك حتى اذهب وأشاور ثم أعود إليك ونتبايع من جديد , ثم إذا تبايعنا سلمه الثمن كاملا واخذ ذهبه الذي أخذه رهنا عنده .
***
السؤال العشرون: رجل اشتري قطعة ذهبية بمبلغ مائتي دينار, واحتفظ بها مدة من الزمن إلي أن زادت قيمة الذهب أضعافا فباعها بثلاثة ألاف دينار, فما حكم هذه الزيادة ؟(5/213)
الجواب : هذه الزيادة لا بأس بها ولا حرج , ومازال المسلمون هكذا في بيعهم وشراءهم يشترون السلع وينتظرون زيادة القيمة , وربما يشترونها بأنفسهم للاستعمال ثم إذا ارتفعت القيمة جدا ورأوا الفرصة في بيعها باعوها مع إنهم لم يكن عندهم نية في بيعها من قبل , والمهم إن الزيادة متى كانت تبعا للسوق فانه لا حرج فيها فلو زادت أضعافا مضاعفة . لكن لو كانت الزيادة في الذهب بادل به في ذهب أخر واخذ زيادة في الذهب الأخر فهذا حرام لان بيع الذهب بالذهب لا يجوز الا وزنا بوزن ويدا بيد كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم, فإذا بعت ذهبا بذهب ولو اختلافا في طيب يعني احدهما أطيب من الأخر فانه لا يجوز الا مثلا بمثل سواء بسواء يدٍ بيد. فلو أخذت من الذهب عيار (18) مثقالين بمثقال ونصف من الذهب عيار (24) فان هذا حرام ولا يجوز, لأنه لابد من التساوي. ولو أخذت مثقالين بمثقالين من الذهب ولكن تأخر القبض في احدهما فانه لا يجوز أيضا, لأنه لابد من القبض في مجلس العقد, ومثل ذلك بيع الذهب بالأوراق النقدية المعروفة, فانه إذا اشتري الإنسان ذهبا من التاجر أو من الصائغ لا يجوز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة إذ إن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الفضة, وبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض قبل التفرق, لقول الرسول عليه والصلاة والسلام: ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )(1)
***
السؤال الحادي والعشرون: ما حكم بيع الخواتم من الذهب المخصصة بلبس الرجال إذا تيقن التاجر إن المشتري سيلبسها ؟(5/214)
الجواب: بيع الخواتم من الذهب للرجال إذا علم البائع إن المشتري سوف يلبسها أو غلب على ظنه انه يلبسها, فان بيعها عليه حرام, لان الذهب حرام على ذكور هذه الأمة, فإذا باعه على من يعلم أو يغلب على ظنه انه يلبسه فقد أعان على الإثم, وقد نهي الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان, قال تعالي: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة 2) . ولا يحل للصائغ أن يصنع الخواتم الذهب ليلبسها الرجال.
***
السؤال الثاني والعشرون: ماهي العلة في تحريم لبس الذهب على الرجال لأننا نعلم إن دين الإسلام لا يحرم على المسلم الا كل شئ فيه مضرة عليه, فما هي المضرة المترتبة على التحلي بالذهب للرجال ؟
الجواب : اعلم أيها السائل وليعلم كل من يستمع هذا البرنامج(2) أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن هي قول الله ورسوله , لقوله تعالي : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (النساء 36 ). فأي واحد يسألنا عن إيجاب شئ أو تحريم شئ دل على حكمه الكتاب والسنة فإننا نقول العلة في ذلك كافية لكل مؤمن ولهذا لما سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت: (كان يصيبنا ذلك فنأمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )(3) لان النص من كتاب الله أو من سنة رسوله علة موجبة لكل مؤمن, ولكن لا باس أن يتطلب الإنسان الحكمة, وان يتلمس الحكمة في أحكام الله, لان ذلك يزيده طمأنينة, ولان ذلك يبين سمو الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها, ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر أخر لم ينص عليه, فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاثة.(5/215)
ونقول بعد ذلك في الجواب على سؤال الأخ: انه ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث, ووجه ذلك إن الذهب أعلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به, فهو زينة وحلية, والرجل ليس مقصودا له الأمر أي ليس إنسانا يتكمل بغيره أو يكمل بغيره, بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة, ولأنه ليس بحاجة إلي أن يتزين لشخص أخر بخلاف المرأة, لان المرأة ناقصة تحتاج إلي تكميل جمالها, ولأنها بحاجة إلي التجمل بأعلى أنواع الحلي حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها. ولهذا أبيح للمرأة أن تتحلي بالذهب دون الرجل, قال تعالي في وصف المرأة: ( أومن يُنشُؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (الزخرف 18) .
وبهذا يتبين حكمة الشرع في تحريم لباس الذهب على الرجال. وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى هولاء الذين ابتلوا من الرجال بالتحلي بالذهب, فإنهم بذلك عصوا الله ورسوله, والحقوا أنفسهم بالإناث, وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلون بها كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم, فعليهم أن يتوبوا إلي الله سبحانه وتعالي, وإن شاءوا أن يتختموا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك, وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل إلى حد السرف أو الفتنة.
والحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***
---
(1) في كتاب المساقات ، باب لعن آكل الربا وموكله رقم (1598).
(2) ما يقال عن بيع وشراء الذهب يقال عن بيع وشراء الفضة .
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).
(2) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1588).
(3) متفق عليه رواه البخاري في كتاب البيوع ، باب إذا أراد بيع التمر بالتمر خير منه رقم (2201) ، و مسلم في كتاب المساقاة ، باب الطعام مثلاً بمثل ، رقم (1593).(5/216)
(4) سبق تخريجه .
(1) ربا الفضل : هو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة .
(2) ربا النسيئة : تأخير القبض في بيع ما يشترط فيه القبض من الربويات .
(3) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب القلادة فيها خرز وذهب ، رقم (1591).
(2) متفق عليه ، وتقدم تخريجه ص (8) .
(3) رواه مسلم كتاب الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان رقم (49) .
(1) رواه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الأمر بتسوية القبر رقم (969) .
(2) متفق عليه . رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب التصاوير رقم (5949) ومسلم ، كتاب اللباس ، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة رقم ( 2106) .
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).
(2) هذا السؤال مأخوذ من برنامج نور على الدرب .
(3) رواه مسلم كتاب الحيض ، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة رقم (335) .(5/217)
هذه الرسالة هي منهج الفقه سابقاً
للمرحلة الثاني متوسط في المملكة العربية السعودية
وقد كتب عليها / تأليف : محمد بن صالح العثيمين
كتاب البيع
الحكمة من مشروعيته :
الإنسان لا ينال مرامه ومطلوبه ، ويحصل على غرضه ، ويسد حاجته : إلا بطريق المعاوضة والبيع ، ولذلك شرعه .
تعريفه
البيع لغة : أخذ شيء وإعطاء شيء مأخوذ من الباع (1)، لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء .
وشرعاً : معاوضة المال بالمال لغرض التملك .
حكمه : جائز ، لقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(2) وقال عليه الصلاة والسلام " البيعان بالخيار مالم يتفرقا "(3) ، وإجماع المسلمين على ذلك .
ما ينعقد به البيع
ينعقد البيع بصيغتين :
1 - قولية : وهي الإيجاب والقبول .
فالإيجاب : أن يقول البائع : بعتك ، أو ملكتك ، أو نحوها . والقبول : أن يقول المشتري : ابتعت ، أو قبلت ، أو مافي معنييهما .
2- فعلية : وهي المعاطاة ، كأن يقول : أعطني بهذا الريال خبزاً ، فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول البائع : خذ هذا بعشرة قروش ، فيأخذه .
شروط البيع
وهي سبعة :
1- التراضي من البيعين ، لقوله تعالى ( إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)(4) ، ولا يصح بيع المكره بغير حق ، لحديث " إنما البيع عن تراض " (5)
2- جواز التصرف من المتعاقدين : بأن يكون كل منهما حُرّاً مكلفاً رشيداً ، فلا يصح بيع المميز ، والسفيه ، مالم يأذن لهما وليهما .
3- إباحة المبيع في جميع الأحوال : فلا يباع ما لا نفع فيه أصلاً كالحشرات ، ولا ما نفعه محرم كالخمر ، ولا ما فيه منفعة لا تباح إلا في حالة الاضطرار كالميتة ، وما لا يباح اقتناؤه إلا لحاجة كالكلب .
__________
(1) - الباع : قدر مد اليدين .
(2) - البقرة: 275
(3) - متفق عليه .
(4) - النساء: 29
(5) - رواه ابن ماجة والبيهقي عن أبي سعيد رضي الله عنه .(5/218)
4- أن يكون المبيع مملوكاً للبائع ، أو مأذوناً له فيه وقت العقد : لحديث حكيم بن حزام أن النبي ( قال : " لا تبع ما ليس عندك " (1) .
5- أن يكون المبيع مقدرواً على تسليمه : فلا يصح بيع الشارد والطير في الهواء ، والسمك في الماء ، والسمن في اللبن .
6- العلم بالمبيع : إما بالوصف أو المشاهدة حال العقد أو قبله بيسير .
7- معرفة الثمن : لأن الجهالة غَرر ، وقد نهى النبي ( عن بيع الغرر .
***********
البيوع المنهي عنها
كان الرسول الأمين ( مرشداً عظيماً ، ومعلماً كبيراً ، ينهى أمته عن كل ما يضرها : ديناً ، وأخرى ، ويرشدها إلى ما يجلب البركة والخير ، ويدفع المَحْقَ والنقيصة . فنهى عن بيوع متعددة لما في بعضها من إيغار الصدور ، وملئها بالأحقاد والضغائن والإِحَن (2) ، وفي البعض الآخر : من الإضرار بأهل السوق ، وتغرير المشترين والباعة ، وجهالة المبيعات . وحرصاً منه ( - وهو الرحيم بأمته – على توحيدها ، وانسجامها ، وسلامة صدور أفرادها : من الغل والتناحر والشحناء ، فقد حرم النَّجْشَ ، وبيع الرجل على بيع أخيه ، وشراءه على شرائه ، لما تجر على المجتمع الإسلامي من شرور وبيلة ، وعواقب وخيمة . ومن تلك البيوع :
1- بيع الملامسة :
الملامسة : لغة : مفاعلة من اللمس . وهو الإفضاء إلى الشيء باليد .
وشرعاً : أن يقول : أيَّ ثوب لمستَه فهو لك بكذا .
حكمه : فاسد لا يصح .
علته : الجهالة والغرر (3) .
2- بيع المنابذة :
المنابذة : لغة : مأخوذ من النَّبْذِ ، وهو الطرح والإلقاء .
وشرعاً : أن يقول : أي ثوب نبذته إليَّ فهو عليَّ بكذا .
حكمه : فاسد لا يصح .
وعلته : الجهالة والغرر .
__________
(1) - رواه الخمسة إلا ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(2) - الإحْنة الحقد وجمعها إحَنٌ . ( مختار الصحاح )
(3) - الغرر : هو الخداع الذي يؤدي إلى عدم الرضا ، فيكون من أكل أموال الناس بالباطل .(5/219)
دليلهما : حديث أنس قال : نهى النبي ( عن المحاقلة (1) والمنابذة والملامسة والمزابنة (2). رواه البخاري .
3- بيع الحصاة :
وهو أن يقول : ارمِ هذه الحصاة . فعلى أيِّ ثوب وقعت فهو لك بعشرة ريالات .
حكمه : فاسد لا يصح .
وعلته : الجهالة والغرر .
دليله : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( : نهى عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر (3).
4- بيع الرجل على بيع أخيه :
صورته : أن يتبايع رجلان سلعةً بعشرين ريالاً " مثلاً " فيجيء آخر إلى المشتري ، قبل الركون نهائياً على بيع وانقطاع خيار المجلس ، ويقول : أنا أبيعك مثلها بأقل من الثمن الذي اشتريت به ، أي بثمانية عشر ريالاً . أو يقول : أبيعك خيراً منها بثمنها .
حكمه : حرام .
علته : ما فيه من الإضرار بالمسلم ، والإفساد عليه ، مما يوغر صدره ، ويملؤه غيظاً وحَنَقاً .
دليله : قول الرسول ( :" لا بيع بعضكم على بيع بعض " (4).
حكم شراء الرجل على شراء أخيه : حرام قياساً على ذلك في الحكم ، والعلة ، والدليل ، ومثاله : أن يقول لمن باع سلعة بتسعة : عندي فيها عشرة ، ليترك المشتري الأول ، ويعقد معه .
5- بيع النَّجْش :
النَّجْش : لغة : الإثارة ، مأخوذ من " نَجَشْتُ الصيدَ " إذا أثرته ؟
وشرعاً : أن يزيد في السلعة ، من لا يريد شراءها ، ولو بلا مواطأة ، ومنه : أعطيت فيها كذا وهو كاذب .
حكمه : حرام .
علته : تغرير المشتري وخداعه .
دليله : ما رواه ابن عمر : أن النبي ( نهى عن النَّجْش . متفق عليه .
6- بيع العينة :
صورتها : أن يبيعه سلعة إلى أجل ، ثم يبتاعها(5) منه بأقل من ذلك نقداً .
حكمه : حرام وباطل .
__________
(1) - المحاقلة : بيع الطعام في سنبله .
(2) - المزابنة : هي بيع العنب بالزبيب كيلاً وبيع الرطب بالتمر كيلاً .
(3) - رواه الجماعة إلا البخاري .
(4) - متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) - تستخدم كلمة ابتاع بمعنى : اشترى ، وكلمة البيع تشمل البيع والشراء .(5/220)
علته : أنه ذريعة إلى الربا .
دليله : ما روى ابن عمر : سمعت رسول الله ( يقول : "إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر (1)و رضيتم بالزرع (2)و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أبو داود .
شروط عد صحة بيع العينة :
1- أن يكون العقد قبل قبض الثمن الأول .
2- أن يكون المشتري هو البائع أو وكيله .
3- أن يشتريها من المشتري أو وكيله .
4- أن يكون الثمن أقل من الأول .
5- ألا يتغير المبيع بنحو مرض أو عيب .
7- البيع بعد نداء الجمعة الثاني :
حكم البيع والشراء ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني : محرم .
دليله : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (3).
***********
بيع الأصول والثمار (4)
بيع الأرض وما يتبعها :
إذا باع شخص داراً : تناول البيع أرضها ، وبناءها ، وفناءها ، وما اتصل بها من منافعها : كالأبواب ، والنوافذ المنصوبة ، وخزانات المياه : علويها وسفليها ، وما فيها من شجر وغرس .
وإذا كان المبيع أرضاً : شمل البيع ما فيها من غراس وبناء ، وإن كان فيها زرع ، فله ثلاث حالات :
1- إن كان الزرع لا يحصد إلا مرة : كبُرٍّ ، وشعير ، وبصل . فللبائع ، مُبَقّى إلى أول وقت أخذه بلا أجرة .
2- إن كان الزرع لا يحصد إلا مرة : كبُرٍّ ، وشعير ، وبصل ، واشترطه المشتري : فهو له .
__________
(1) - " وأخذتم أذناب البقر " كناية عن الانشغال بالحرث عن الجهاد .
(2) - " ورضيتم بالزرع " كنابة عن كونه قد صار همهم وهمتهم .
(3) - الجمعة:9
(4) - الأصول : جمع أصل : وهو ما يتفرع عنه غيره ، والثمار : جمع ثمرة وهي : حمل الشجر .(5/221)
3- إن كان الزرع يُجَزُّ مراراً : ككُرّاث ، أو يلقط مراراً : كباذنجان ، وقثاء ، فالأصول : للمشتري ، والجزة واللقطة الظاهرتان عند البيع للبائع ، وعليه قطعهما في الحال مالم يشترط مشترٍ دخول ما لبائع عليه ، فإن اشترطه : كان له لحديث " المسلمون على شروطهم " (1).
بيع أصول الشجر :
إذا بيعت الأرض ، وفيها نخل أو شجر ، فلها ثلاث حالات :
1- إن كان النخل لم يُؤَبَّرْ (2)، والعنب لم يبد طلعه فللمشتري .
2- إن كان النخل قد أُبِّر ، والعنب ثمره باد . فللبائع .
3- إن كان النخل قد أُبِّر ، والعنب ثمره باد ، واشترطه المشتري فله .
دليل ذلك : حديث ابن عمر رضي الله عنه : " من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر ، فثمرتها للذي باعها ، إلا أن يشترطه المبتاع " متفق عليه .
بيع الثمر :
لا يصح بيع ثمر النخلة ، أو غيرها من الأشجار ، حتى يبدو صلاحها . ولا يصح بيع الزرع قبل اشتداد حبه ، لحديث ابن عمر قال : نهى رسول الله ( عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها . نهى البائع والمبتاع . متفق عليه .
وحديثه أيضاً : أن النبي ( نهى عن بيع السُنبل حتى يبيض ، ويأمن العاهة . رواه مسلم .
ما يعرف به صلاح الثمر :
1- علامة صلاح ثمر النخل : أن يحمّر أو يصفّر . دليل ذلك أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو ، قيل لأنس : وما زُهوها ؟ قال : تحمرُّ أو تصفرُّ (3).
2- وعلامة صلاح ثمر العنب : أن يَتموَّهَ حُلْواً ، لحديث أنس رضي الله عنه : نهى النبي ( عن بيع العنب حتى يَتموَّهَ .
3- وعلامة صلاح بقية الثمار : كالتفاح والخوخ : أن يبدو فيه النضج ، ويطيب أكله ، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب . رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه .
__________
(1) - رواه الترمذي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه .
(2) - التأبير : التلقيح .
(3) - أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه .(5/222)
4- وصلاح نحو قثاء أن يؤكل عادة ، وفي حَبٍّ أن يشتدَّ أو يبيضَّ .
وضع الجوائح (1):
حكم وضع الجوائح : واجب ، لحديث جابر : أن النبي ( أمر بوضع الجوائح . رواه مسلم .
صورته : أن تصيب الثمرة المتروكة إلى الحصاد أو الجَذاذ آفة سماوية ، لا صنع للآدمي فيها : كالريح ، والبرد ، والعطش ، والجراد .... فتتلفها . ففي هذه الحالة ، يرجع المشتري بالثمن على البائع .
دليل ذلك : حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( :" إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ، لم تأخذ مال أخيك بغير حق " رواه مسلم .
***********
الخيار
نظراً لأن عقد البيع ربما يقع من غير تروٍ ولا تفكير ، ومن دون تأكل ولا نظر في القيمة ، فينجم عن ذلك ندم وتحسر من كلا المتبايعين ، ولهذا فقد اقتضت محاسن الشريعة الإسلامية الكاملة ، أن تجعل لهذا العقد فترة زمنية يتروى فيها المتبايعان ، ويعيدان النظر والتأمل ، ويتبينان رغبتهما فيه من عدمها ، ألا وهو " الخيار " الذي يعطي كلاً من البائع والمشتري فرصة في استرداد المبيع أو القيمة عند تندمه ، أو رغبته في استرجاعه إلى حوزته لسبب ما . فبالخيار تكون له الحرية المطلقة في المدة التي قررها الشرع لخيار المجلس ، أو قررها المتبايعان في خيار الشرط لهما أو لأحدهما . فإن أراد احدهما إنفاذ البيع أنفذه ، وإن أراد فسخه فسخه ، ما دام في مدة الخيار . وهذا من محاسن الدين الإسلامي الكامل ، الذي راعى أحوال بنيه ، ويسر لهم أسباب الخير والاطمئنان والراحة ، وأعطاهم الفرص التامة أمام ما يجلب لهم الأسى والندم ، وصدق رسول الله ( : " تركتم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك " .
تعريفه :
__________
(1) - الجوائح : جمع جائحة ، وهي الآفة التي تصيب الزروع أو الثمار فتهلكها ، دون أن يكون لآدمي صنع فيها ، مثل القحط والبرد والعطش .(5/223)
الخيار : طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه .
وله أقسام منها :
1- خيار المجلس .
2- خيار الشرط .
3- خيار العيب .
4- خيار الغبن .
5- خيار التدليس .
6- خيار اختلاف المتبايعين .
أولاً : خيار المجلس :
خيار المجلس للمتبايعين معاً : ودليله : حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( : " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منها بالخيار ما لم يتفرقا و كانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع " متفق عليه.
مدة خيار المجلس : من حين العقد إلى التفرق بالأبدان . مثاله : إذا كانا في مكان واسع ، فبأن يمشي أحدهما خطوات مستدبراً لصاحبه ، وغن كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت ، فبأن يفارقه من بيت إلى بيت . وإن كانا في دار صغيرة ، فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها ، فقد افترقا ، وإن كانا في سفينة كبيرة ، فبصعود أحدهما أعلاها إن كانا أسفل ، أو نزوله أسفلها إن كانا أعلى .
ثانياً : خيار الشرط :
معناه : أن يشترط العاقدان الخيار في صلب العقد ، أو يشترطاه بعده في زمن الخيارين " خيار المجلس وخيار الشرط " إلى مدة معلومة ، فيصح ولو طالت . ودليله : قول رسول الله ( " المسلمون على شروطهم "(1) .
مدته : ابتداءُ مدة خيار الشرط من حين عقد شرط فيه ، إلى أن تنتهي المدة المشروطة ولو طالت .
إذا قطعا الخيار قبل انتهاء مدته انقطع ، وإذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ المشترط البيع لزم ، والمُلك مدة الخيارين للمشتري .
ثالثاً : خيار العيب :
العيب : ما ينقص قيمة المبيع عند التجار .
ويحرم على الإنسان أن يبيع سلعة بها عيب دون بيانه للمشتري .
إذا وجد أحد المتبايعين بالسلعة التي اشتراها عيباً لم يكن علمه ، فهو مخير بين حالتين : إحداهما : رده واخذ الثمن ، والثانية : أمساكه وأخذ أَرْش العيب .
معنى الأَرْش : قسط ما بين قيمة الصحة والعيب .
__________
(1) - رواه الترمذي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه .(5/224)
صفة إخراجه : أن يقوّم المبيع صحيحاً ، ثم يقوم معيباً ، ويؤخذ ما بينهما .
مثال ذلك : ان تشتري امرأة حُلياً بستة الاف ريال ، فيبين به عيب لم تكن تعلمه إبّان العقد ، فيقوم صحيحاً بـ ( 6000 ريال ) ومعيباً بـ ( 5000 ريال ) فيرجع بسدس الثمن ، وهو ( 1000 ريال ) .
دليل خيار العيب : أن رجلاً اشترى غلاماً في زمن رسول الله ( ، وكان عنده ما شاء الله ، ثم رده من عيب وجده ، فقضى رسول الله ( برده بالعيب . فقال المقضي عليه : قد استعملَه . فقال رسول الله ( :" الخراج بالضمان " (1)
رابعاً : خيار الغبن :
معناه : أن يُغبن في السلعة غبناً يخرج عن العادة ، ولم يرد الشرع بتحديده ، فيُرجع فيه إلى العرف ، فمتى ثبت أن الغبن يخرج عن العادة فله الفسخ ، وإن لم يخرج عن العادة فلا فسخ .
خامساً : خيار التدليس :
التدليس : أن يفعل البائع ما يزيد في قيمة السلعة المباعة ، مثل إبقاء اللبن في الضرع عند عرضها على المشتري ليجلب رغبته فيها ، ويوهمه بكثرة لبنها وغزارته .
حكم التدليس : حرام .
علته : تغرير المشتري وغشه .
دليله : قوله ( : " من غش فليس مني " .
سادساً : خيار اختلاف المتبايعين :
إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن : فقال البائع : بعته عليك بمائة ، وقال المشتري : اشتريته بتسعين ، ولا بينة لأحدهما ، فالحكم : أنهما يتحالفان ويتفاسخان ، إلا إذا رضي أحدهما بقول الآخر .
صفة التحالف : أن يحلف البائع أولاً : والله ما بعته عليك بتسعين وإنما بعته بمائة . ثم يحلف المشتري : والله ما اشتريته بمائة وإنما اشتريته بتسعين .
__________
(1) - رواه الخمسة عن عائشة رضي الله عنها ، وضعفه البخاري وأبو داود ، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان.(5/225)
دليله : ما رواه ابن مسعود عن النبي ( أنه قال : " إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة ، والمبيع قائم بعينة فالقول ما قاله البائع أو يترادان البيع " رواه ابن ماجه ، وفي لفظ : " تحالفا " .
"الإقالة"
حكمتها : التوسعة على المتبايعين ، فقد يتفق أن اثنين يتبايعان ، ثم يريان أن من مصلحتهما فسخ هذا العقد ، فالشارع الحكيم رحمة بهما شرع الإقالة وأجازها ، فإذا أقال أحدهما صاحبه فقد صنع معروفاً يدل على كرم أخلاقه ، وينال الأجر والثواب من الله في أخراه ، والشكر من الناس في دنياه .
معناها لغة : الرفع والإزالة والإبطال ، وشرعاً : فسخ البيع بمثل الثمن إذا ندم أحد المتبايعين ، واستجاب لندمه الآخر .
حكمها : الاستحباب .
دليلها : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( : " من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته " (1) .
***************
"الربا والصرف"
حكمة تحريم الربا وبيان مضاره
الربا : محرم في كتاب الله تعالى : قال جل شأنه : ( وَحَرَّمَ الرِّبا )(2) ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، ويعظمه لعن النبي ( آكله وهو : الأخذ وموكله وهو : المحتاج المعطي للزيادة ، وكاتبه وشاهديه ، ولإعانتهم عليه .
ومضاره على المجتمعات البشرية كثيرة دينياً ودنيوياً : منها تضخم المال بطرق غير مشروعة لأنه تضخم على حساب سلب مالٍ الفقير وضمه إلى كنوز الغني ، وهو داء فتاك في المجتمعات ، وسبب في لخصومات والعدوات ، وأداة هدامة للنشاط ، والعمل الشريف ، واستثمار الأرض واستخراج طيباتها ، وهو أن زاد مال المرابي حسا فإنه يمحقه معنى ، والمعاملة به تنافي الأخلاق الإسلامية وتهدم جميع الخصائص التي جعلها الله من مقومات المجتمع الإسلامي .
معنى الربا لغة : الزيادة ، وشرعاً : زيادة في شيء مخصوص ، منع الشرع من التفاضل فيه .
__________
(1) - رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه . .
(2) - البقرة: من الآية275(5/226)
معنى الصرف : بيع نقد بنقد من جنسه أو غيره ، مأخوذ من الصريف ، وهو تصويت النقد بالميزان .
الأعيان المنصوص على تحريم الربا فيها بالإجماع ستة :
الذهب بالذهب ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح .
يقاس على هذه الأعيان كل ما وافقها في العلة : بأن كان مكيلاً مطعوماً أو موزون مطعوماً .
دليل ذلك : حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي ( قال : " الذهب بالذهب مثلاً بمثل ، والفضة بالفضة مثلا بمثل ، والتمر بالتمر مثلاً بمثل ، والبر بالبر مثلاً بمثل ، والشعير بالشعير مثلاً بمثل ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى "(1) .
"الربا نوعان"
1. ربا الفضل : وهو أن تبيع أو تقرض مالاً أو حبوباً أو غيرها على أن يرد من جنسه ذهباً بذهب أو حباً بحب ، ومع زيادة على المثل ، أو منفعة تعود عليك ، فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد .
ولتجنب الوقوع في ربا الفضل لا بد من توفر شرطين :
(أ) . المماثلة في القدر .
(ب) . القبض قبل التفرق .
2 . ربا النسيئة : وصورته أن يبيع مائة صاع بر بمائتي صاع شعير مؤجلة ، أو بيع صاع بر بمائة صاع بر مؤجلة فهذا ربا نسيئة ، أما لو باع مائة صاع بر مؤجلة بخمسين صاع بر حاضرة فهو ربا نسيئة وفضل ، ويشترط لتجنب ربا النسيئة التقابض قبل التفرق ، وكلا النوعين محرم بنص القرآن والسنة المطهرة .
***********
القرض
بيان فضله وحكمته : القرض من عقود الإرفاق والقربة التي ندب إليها الشرع واستحبها ، وهو من باب التيسير على المعسر ، الذي نزلت به ضائقة مالية ، يقترض ليتوسع ، ويرد إذا أيسر ، ففيه تفريج عن أخيه المسلم ، وقضاء لحاجته ، وعون له . فكان مندوباً إليه كالصدقة عليه .
معناه : لغة : القطع . وشرعاً : دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله .
__________
(1) - رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه . .(5/227)
حكمه : مندوب للمقرض ، مباح للمقترض .
كل ما صح بيعه ، صح قرضه ، إلا بني آدم .
الإحسان في قضاء القرض
الإحسان في قضاء القرض جائز ، إذا لم يكن شرطاً . بدليل حديث أبي رافع رضي الله عنه : أن رسول الله ( استلف من رجل بكراً (1) ، فقدمت إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد في الإبل إلا خِيارا رَبَاعيا(2) ، فقال :" أعطوه أياه ، فإن خير الناس أحسنهم قضاء " (3)
القرض الذي يجر نفعاً
كل قرض جر نفعاً فهو حرام ، وذلك : كأن يسكنه داره أو يعيره دابته ، أو يقضيه خيراً منه بشرط من المقرض .
***********
الْحَجْر
معناه : شرعاً : منع إنسان من تصرفه في ماله .
الحجر نوعان :
( أ ) حجر لحظ غيره : كالحجر على المفلس .
( ب ) حجر لحظ نفسه : كالحجر على الصغير .
إنظار المعسر
- إنظاره واجب ، قال تعالى ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)(4)
- إبراؤه سنة .
الحجر على المفلس
لا يحجر على المدين إلا إذا كان ماله أقل من دينه ، فإذا سأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه ، وجب عليه إجابتهم ، لأن السلطة الشرعية التي تأخذ حقوق بعضهم من بعض .
دليله : حديث كعب بن مالك رضي الله عنه : أن النبي ( حَجَر على معاذ وباع ماله (5).
إذا تم الحجر على إنسان ، فلا يجوز تصرفه في ماله ، ولم يُقبل إقراره عليه .أما إقراره على نفسه : فيصح ، ويطالب به بعد فك الحجر عنه .
الحجر على السفيه والصغير والمجنون
__________
(1) - البكر : الثني من الإبل .
(2) - الرباعي : الذي استكمل ست سنين ، ودخل في السابعة .
(3) - رواه الجماعة إلا البخاري .
(4) - البقرة:280
(5) - رواه الدارقطني وصححه الحاكم .(5/228)
يجب على ولي الصغير والسفيه والمجنون : أن يمنعهم من التصرف الذي يضرهم في أموالهم . قال تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً )(1) وعليه إلا يقرب مالهم غلا بالتي هي أحسن ، من حفظه والتصرف النافع لهم ، والصرف عليهم منه ما يحتاجون إليه .
وإذا رشد السفيه ، وعقل المجنون ، وبلغ الصغير ورشد : زال الحجر عنهم .
يعرف الرشد بحسن التصرف في المال : قال تعالى ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )(2)
***********
الحوالةُ
أباحت الشريعة الإسلامية الحوالة : لما فيها من الرفق ، وتبادل المصالح بين أفراد الأمة .
ومعنى الحوالة : مشتقة من التحول ، لأنها تنقل الحق من ذمة المُحيل إلى ذمة الُمحال عليه فهي إذاً شرعاً نقل الحق من ذمة إلى ذمة .
تنعقد الحوالة بلفظ : أحلتك ، أو أتبعُتك بدينكَ .
إذا أحال المدين دائنة على إنسانٍ عليه له مثله ، ورضي المُحالُ :
برئ المُحيل وأصبح المطالب به المحال عليه ، شريطة أن يكون الدين مستقراً في ذمة المحال عليه ، ومماثلاً للحق المُحال به .
مماطلة (3)الغني : حرام ، لما فيها من الظلم لحديث النبي ( : " مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على ملئٍ فليتبع " (4).
السفتجة : أن يعطي شخص مالاً لآخر ـ وللآخر مالٌ في بلدٍ آخر فيوفيه إياه هناك .
فائدتها : أمن خطر الطريق .
حُكمها : الجواز ، والشارع لا ينهى عما ينفع الناس ويصلحهم ويحتاجون إليه ، وإنما ينهى عما يضرهم ويفسدهم ، وقد أغناهم الله .
وتُعد الإحالة على المصارف [ البنوك ] تبرئةً للذَّمة ، إذا التزم المصرف [ البنك] المحال عليه بالدفع ، لأنه حُكمِ الإحالة على ملئٍ .
الضمانُ والكفالةُ
__________
(1) - النساء: من الآية5
(2) - النساء: من الآية6
(3) -التأخير في تسديد الدين مع القدرة على التسديد . .
(4) - متفق عليه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .(5/229)
الحكمة من مشروعيتها : من رحمة الله بعباده ، أن شرع الوثائق ، لحفظ الحقوق واستحصالها ، وعقد أواصر المحبة والإخاء ، ومن هذه الوثائق : الضمان والكفالة ، فالكفالة لإحضار بدن الغريم ، والضمان يكون للدين .
وفائدتها : التزام الضامن بالوفاء ، مع إلزام من علية الحق ، فيتعلق الحق بذمة كل واحدٍ منهما ، فلصاحبه مطالبتهما جميعاً ، ومطالبة أحدهما إذا شرط الثاني أنه لا يطالبه ، حتى يتعذر عليه أخذ الحق من صاحبه .
معني الضمان : التزام ما وجب على غيره مما تدخله النيابة .
معنى الكفالة : التزام بإحضار بدن من عليه حق مالي لربه .
إذا ضمن الدين عن المدين ضامن : لم يبرأ المدين ، وصار الدين عليهما جميعاً ، وللدائن مطالبة من شاء منهما .
إذا استوفى الدائن من المضمون عنه ، أوز أبرئه برئ الضامن .
إذا أبرأ الدائن الضامن : لم يبرأ الأصيل(1) .
إذا استوفى الدائن من الضامن رجع على المضمون عنه بما دفعه .
حكم الضمان : جائز لقوله تعالى : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(2) .
وحكم الكفالة : الجواز ، ودليلة : (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (3).
إذا كفل إنسان إحضار مدين فلم يحضره ، غرم ما عليه .
يبرأ الكفيل ، بموت المكفول ، أو إذا تلفت العين بفعل الله تعالى ، أو سلم نفسه ، أو سلم الكفيل مكفولاً .
************
"الرهن "
معناه لغة : الثبوت والدوام ، وشرعاً : توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها ، أو من بعضها ، أو من ثمنها .
حكمه : الجواز .
دليلة : قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ)(4) .
__________
(1) - أي المضمون عنه الذي عليه الدين . .
(2) - يوسف: من الآية72
(3) - يوسف:66
(4) - البقرة: من الآية283(5/230)
الغرض من مشروعيته : حفظ المال الذي به قوام العالم ، وتوثيقه لئلا يضيع حق الدائن ، لإغذا عجز المدين عن التسديد ، بيع واستوفى الحق من ثمنه ، وبه يطمئن الدائن على حقه ، ويأمن من غدر صاحبه .
كل ما جاز بيعه ، جاز رهنه ، وما لا فلا .
ينعقد : بالقول والمعاطاة : كالبيع .
مئونة الرهن : مئونته على الراهن ، وأجره مخزنه ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه " (1) .
نماء الرهن وغلته : نماؤه المتصل (2)، والمنفصل (3)، وكسبه (4)، وأرش الجنابة (5) عليه : ملحق به ويباع معه لوفاء الدين إذا بيع.
************
" الصلحُ "
معناه لغة : التوفيق وقطع المنازعة ، وشرعاً : عقد ينهي الخصومة بين المتخاصمين .
فائدته الاجتماعية
شرع المولى جل وعلا الصلح بأنواعه ، إذا حصل نزاع بين شخصين ، أو طائفتين من المسلمين ، للتوفيق بينهما ، وإزالة الشقاق والخصومة والمنازعة ، التي ربما تستفحل ، فينتج منها شر مستطير ، وفسادٌ كبير قال الله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )(6) ، وفي حديث عمرو بن عوف المزني : أن النبي ( قال : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو حل حراماً " (7) .
والسعي للصلح بين أفراد الأمة الإسلامية مرغب فيه : قال تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)(8)
وهو قسمان :
1. صلح على إقرار .
2. وصلح على إنكار .
__________
(1) -. رواه الدار قطني والخاكم .
(2) - كأن تكبر الشاة الصغيرة .
(3) -. كأن تلد الشاة .
(4) -.مثل أن يتكسب العبد المرهون .
(5) - أي قيمة الجناية على العبد أو السيارة أو الدابة .
(6) - النساء: من الآية128
(7) - رواه ابن داود وابن ماجه والترمذي .
(8) - النساء: من الآية114(5/231)
1 ـ صلح الإقرار : تصح المصالحة عن عين أقر بها ، بعين أخرى أو بدين ، وإن كان له عليه دين فصالحة عنه ، بعين أو دين قبضه قبل التفرق ، جاز أو كان له عليه دين لا يعلمان مقداره فصالحه على شيء صح .
2 ـ صلح الإنكار : إذا أنكر دعوى المدعي ، أو سكت وهو يجهل ، ثم صالحه ، صح الصلح ، وكان إبراءً في حقه ، وبيعاً في حق المدعي ، ومن علم بكذب نفسه ، فالصلح باطل في حقه ، وما أخذه حرام .
************
"من أحكام الجوار"
"وضع الخشب ونحوه على جدار الجار"
يحرم وضع خشب على جدار الجار ، أو على حائط مشترك ، إلا إذا كان لا يمكن التسقيف إلا بوضع الخشب بشرط عدم تضرر جدار الجار ، فيجوز بلا ضرر حائط ، ويجبر رب الجدار أو الشريك فيه على تمكينه منه ، أن أبى بلا عوض ، لحديث أبي هريرة : " لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره " ، ثم يقول أبو هريرة : مالي لا أراكم عنها معرضين ؟ والله ..لأرمين بها بين أكتافكم " متفق عليه .
"الأحداث في الملك ما يضر بالجار "
يحرم على المالك أن يحدث بملكه ما يضر بجاره ، لحديث النبي ( : " لا ضرر ولا ضرار " (1) . فلا يجوز له وضع مكنة طحن أو كهرباء تهتز بها حيطانه ونحوه .
فتح الأبواب والنوافذ
في الطريق العام والمشترك
يجوز في الطريق العام فتح الأبواب للاستطراق(2) ، لأنه لم يتعين له مالك ، ولا ضرر على المجتازين ، ولا يجوز ذلك في طريق مشترك بى إذن المستحق ، أما فتح النوافذ في الشارع العام والمشترك ، فجائز ، ما لم يشرف على أحدٍ .
لمشارفة على الجار
__________
(1) - رواه أحمد وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
(2) -أي جعله طريقاً إلى البيت .(5/232)
يلزم أعلى الجارين بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل : فإن استويا في العلو اشتركا في البناء ، وأيهما أبى أجبر مع الحاجة إلى السترة ، وليس لصاحب السطح الأعلى ، الصعود على سطحه ، وعلى وجه يشرف على سطح جاره ، إلا أن يبني سترة تستره ، ولا يلزم الأعلى سد طاقته ، إذا لم ينظر ما يحرم نظره من جهة جاره .
"إحداث شيء في الطريق يضر بالناس"
يحرم أن يتصرف في طريق نافذ بما يضر ، كأن يخرج في طريق المسلمين شيئاً من أجزاء البناء ، لأن الشوارع والأسواق مشتركة بين المسلمين ، فإحداث شيء فيها مضر بهم ، والرسول( يقول : " لا ضرر ولا ضرار " .
**************
" الوكالة "
من العقود الجائزة التي أباحها الشارع : الوكالة : عندما يحتاج الإنسان أن يعمل عملاً من الأعمال ذات الصلة بالجهات الحكومية أو القضائية ، وتحول بينه وبين ذلك عوائق من سفر ، أو مرض أو أي معوق آخر ، فقد أجاز له الشرع أن ينيب غيره في هذا العمل ، جاء في القرآن الكريم ، قوله تعالى : ( وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا )(1) ، وجاء في الحديث : أن رسول الله ( قال لجابر : " إذا أتيت وكيلي بخيبر ، فخذ منه خمسة عشر وسقاً ، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته " (2) .
الوكالة عقد جائز : يجوز لكل منهما فسخها ، وتنعقد بكل ما يدل عليها من قولٍ أو فعل ، وتصح من جائز التصرف لنفسه في كل ما تجوز فيه النيابة : كالإجازة والمرافقة في الخصومة ، والرهن ، ونحو ذلك ، ولا تصح فيما لا تدخله الإستنابة ، مثل : الصلاة ، والحلف ، والطهارة .
مبطلات الوكالة :
1. موت أحد المتعاقدين .
2. جنونه .
3. فسخه لها وعزله من قبل الموكل .
" تصرف الوكيل وتوكيله لغيره "
__________
(1) - التوبة: من الآية60
(2) -رواه أبو داود وصححه عن جابر رضي الله عنه .
.(5/233)
يتصرف الوكيل فيما تناوله الموكل لفظاً أو عرفاً : وليس له أن يوكل فيما وكل فيه ، إلا أن يجعل ذلك إليه ، وليس له الشراء من نفسه ولا البيع لها ، إلا بإذن موكله .
" الوكيل بأجرة "
يجوز التوكيل بأجر وبغيره : فلو قال الموكل لوكيله : بع هذه السلعة بعشرة فما زاد فلك ...صح .
" باب الشركة "
"حكمها وحاجة المجتمع إليها"
حكمها : عقد جائز ، والمجتمع بحاجة ماسة إليها ، ولا سيما في المشاريع الضخمة التي لا يسيطر عليها الشخص بمفرده ، وتستطيع الأمة الهيمنة عليها ، واستغلالها في كل مجال خير ، يسمو بلأمة ويقودها إلى شوطئ الرقي والتحضر كالمشاريع ، العمرانية والصناعية ، والزراعية وغيرها .
تعريفها لغة : الاختلاط .
وشرعاً : اجتماع في استحقاق أو تصرف .
ومن أنواع الشركة :
1. شركة العنان ، 2. شركة المضاربة ، 3. شركة الأبدان .
فشركة العنان : أن يشتركا في ماليهما وبدنيهما .
وشركة المضاربة : أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً يتجر به بجزء معلوم مشاع من ربحه .
كأن يدفع شخص لآخر سيارته ليعمل عليها بجزء من الغلة .
وشركة الأبدان : أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح ، كاحتشاش واحتطاب وصناعةٍ ومن الممكن أن نميز بينهما هكذا : فالعنان مال وعمل منهما ، والمضاربة عمل من أحدهما ومالٍ من الآخر والأبدان عمل منهما معاً .
"الربح والخسارة في الشركة"
…يوزع الربح ـ في جميع أنواع الشركة ـ على حسب اشتراط الشريكين واتفاقهما ، فإن فرض لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان صح ، وتوزع الخسارة على قدر المال ، فلو كان رأس المال ( 5000) ريال على رأس الحول ، فإنها توزع بينهم على قدر أنصابهم على سعد مائتان ، وعلى خالد ثلاثمائة ريال .
وإذا اجتمع ربح وخسارة : تجبر الخسارة من الربح .
الشروط التي لا تجوز في الشركة :
1 . لا يجوز أن يشترط لأحدهما جزءاً مجهولاً .
2. أو أن يشترط له دراهم معينة .(5/234)
3. أو أن يشترط له ربح أحدي السفرتين أو السلعتين ، لأن ذلك يفضي إلى الجهالة .
"المساقاة والمزارعة والمغارسة "
1. المساقاة : دفع شجرٍ له ثمار إلى آخر ليقوم بسقيه وما يحتاجه بجزءٍ معلوم مشاعٍ من ثمره .
2. المزارعة : دفع أرضٍ لمن يزرعها بجزء معلوم مشاعٍ من الزرع .
3. المغارسة : دفع الشجر والإرض ، لمن يغرسه فيها ويعمل عليه حتى يثمر ، بجزء مشاعٍ معلوم منه أو من ثمره أو منهما معاً .
ويلزم العامل بكل ما جرت العادة بعلمه ، كحرث وسقيٍ وعلى رب المال ما يصلحه كسد حائط وإجراء الأنهار .
حكمها : عقود جائزة .
والدليل : أن رسول الله ( عامل أهل خيبر بشطر (1) ما يخرج منها من ثمر أو زرعٍ (2).
*****************
" باب إحياء الموات "
حكمة إحياء الموات ترجع إلى ثلاث منافع :
1. إحياء أرض كانت مواتاً .
2. أتساع دائرة الرزق بين الناس .
3. انتفاع الإمام بما يأخذ لبيت مال المسلمين من زكاة يفرقها على المستحقين .
" الموات"
الموات لغة : مشتقة من الموت وهو عدم الحياة .
وشرعاً : هي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك .
ما يحصل به الإحياء
يحصل إحياؤها : إما بحائط منيع ، أو إجراء ماءٍ لا تزرع إلا به أو غرس شجر ، أو حفر بئر فيها ، فمن أحياها ملكها بجميع ما فيها إلا المعادن الظاهرة لحديث : " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " (3) .
" حريم (4) البئر الجديدة والمعادة "
حريم البئر الجديدة : خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب .
حريم البئر المعادة : خمسون ذراعاً من كل جانب .
وحريم العين والقناة والبئر الارتوازي الفوار : خمسمائة ذراع من كل جانب .
" التحجر والاختصاص "
__________
(1) - الشطر : النصف .
(2) -رواه الجماعة عن ابن عمر رضي الله عنه . .
(3) -رواه أحمد والترمذي وصححه عن جابر رضي الله عنه . .
(4) ـ حريم البئر : الموضع المحيط به .(5/235)
إذا تحجر مواتاً بإن أدار حوله أحجاراً ، أو حفر بئراً لم يصل إلى مائها ، أو أقطع أرضاً : فهو أحق بها ، ولا يملكها حتى يحبها ، والأرض الداخلة في البلد ، أو قريباً منه ، لا تملك إلا بإذن الحاكم ، إذا ربما تكون من المرافق (1) العامة للمسلمين فيتأذون بامتلاكها وتعميرها تعميراً خاصاً .
************
" الجعالة "
تعريفها : أن يجعل عوضاً لإنسان على أمرٍ يفعله .
حكمها : الجواز ، لأن الحاجة تدعو إليها ، فإن العمل قد يكون مجهولاً ، كرد الضالة والآبق ، فلا تنعقد الإجازة عليه .
دليلها من الكتاب : قوله تعالى : ( وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ)(2)
ومن السنة : ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : أن أناساً من أصحاب رسول الله ( أتوا حياً من أحياء العرب ، فلم يقروهم ، فبينما هم كذلك ، إذ لدغ سيد أولئك ، فقالوا : هل فيكم من راق ؟ فقالوا : لم تقرونا فلا نفعل ، أو تجعلوا لنا جعلاً ، فجعلوا لهم قطيع شياة ، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن ويجمع ريقه ويتفل ، فبرأ الرجل ، فأتوهم بالشاء ، فقالوا : لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله ( ، فسألوا عنها رسول الله ( فقال : " وما يدريك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي فيها بسهم " متفق عليه .
صفتها : أ، يقول الإنسان ، من بنى لي هذا الحائط أو نسخ لي هذه المذكرة فله كذا من المال ، ومن رد ضالتي أو لقطتي فله كذا مالاً فمن فعل ذلك الفعل : استحق الجعل .
" اللقطة "
تعريفها لغة : الشيء المتلقط .
وشرعاً : مال مختص ضاع عن مالكه .
__________
(1) - متفق عليه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) - يوسف: من الآية72(5/236)
والأصل فيها : ما رواه زيد بن خالد الجهني قال : " سئل رسول الله ( عن لقطة الذهب والورق (1) فقال : " اعرف وكاءها (2) وعفاصها (3) ، ثم عرفها سنة ، فإن لم تعرف فاستنفقها ، ولتكن وذيعة عندك ، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر : فادفعها إليه " . وسأله عن ضالة الإبل فقال ( : " مالك ولها ؟ فإن معها حذاءها(4) وسقاءها (5) ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها " . وسأله عن الشاة فقال ( : " خذها فإنما هي لك ، أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه .
والملتقط ثلاثة أنواع :
1. ما يجوز أخذه بدون تعريف : وذلك يتمثل في الشيء التافه الحقير الذي تقل قيمته همة ولا تتبعه همة أوساط الناس (6) كالسوط ، والرغيف ، فيملك بالتقاطه ، لقول جابر : " رخص رسول الله ( في العصا ، والسوط ، وأشباهه ، يلتقطه الرجل ينتفع به " .
2. ما لا يجوز أخذه : كالحيوان الذي يمتنع بنفسه من السباع إما لسرعتها " كالظباء والغزال " أو لقوتها وتحملها " كالإبل والبقر " أو لطيرانها " كطيور ونحو ذلك " فهذا يحرم التقاطه ، ومن أخذه لم يملكه ، ولزمه ضمانه ، ولم يبرأ إلا بدفعه إلى ( الإمام ) أ, نائبه .
3. ما يجوز أخذه مع تعريفه سنة كاملة : كالأمتعة من الحقائب ونحوها ، والأثمان كالنقود والحيوانات التي لا تمتنع بنفسها من صغار السباع كالغنم فيجوز أخذه بقصد الحفظ لصاحبه ، ويجب تعريفه سنة كاملة في المجمعات العامة : كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات ويملكه بعد ذلك حكماً (7).
__________
(1) - الورق : الفضة .
(2) - الوكاء : الحبل الذي يشد به .
(3) - العفاص : الوعاء الذي توضع فيه النفقة .
(4) - الحذاء : الخف .
(5) -السقاء : الجوف . .
(6) -متوسط الحال : ليس بالغني ولا بالفقير . .
(7) -لا حقيقة بحيث لو جاء صاحبها بعد سنين مثلاً فإنه يدفعها إليه . .(5/237)
التصرف في اللقطة : لا يجوز التصرف في اللقطة قبل تمام الحول إلا إذا كان ذلك لمصلحة أو بعد تمام الحول فيتصرف فيها كما شاء لأنه ملكها لكن متى جاء طالبها فوصفها وصفاً مطابقاً وجب دفعها إليه .
لقطة الحرم
لا يسوغ أخذها إلا إذا خيف عليها التلف والضياع ، ويجب على آخذها تعريفها ما دام في الحرم ، وعند خروجه منه يسلمها للحاكم أو نائبه ، وليس له تملكها لقول رسول الله ( : " أن هذا البلد حرام ، لا يعضد شوكه ، ولا يختلى خلاه (1) ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا لمعروف " وفي الحديث : " أن الحديث أن النبي ( : "نهى عن لقطة الحاج " رواه مسلم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه .
******************
" السبق "
المسابقة مشروعة ، وهي من الرياضة المحمودة ، وأحياناً تكون مستحبة أو مباحة حسب النية والقصد .
أنواع المسابقة : قد تكون المسابقة بالعدو بين الأشخاص ، كما تكون بالسهام ، والأسلحة ، والخيول ، والإبل .
ففي المسابقة بالعدو بين الأشخاص ، ثبت أن عائشة رضي الله عنها قالت : " سابقت النبي ( فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني ، فقال هذه بتلك "(2) .
والمسابقة بالسهام والرماح وكل سلاح يمكن أن يرمى به مشروعة يقل الله تعالى : (وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )(3).
وقال عقبة بن عامر : سمعت رسول الله ( وهو على المنبر يقرأ " وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " ألا إن القوة الرمي ، إلا أن القوة الرمي ، إلا أن القوة الرمي " رواه مسلم .
" فائدته الاجتماعية "
للسباق مزايا عدة وفوائد جمة : نختار منها ما يلي :
__________
(1) -أي لا يقطع الرطب من النبات . .
(2) ـ رواه أحمد وأبو داود . .
(3) - الأنفال: من الآية60(5/238)
1 . تقوية أجسام الشباب ، وتعويدهم المهارة في الحركة ، والقوة في الجري .
2. تنمية روح التنافس بينهم وحملهم على التسابق الشريف .
3 . تعويدهم الصبر ، والتحمل ، والجلد ، والثقة بالنفس .
4. تهيئة جيل قوي يخوض المعارك بعزيمة صادقة وقلب ثابت لإعلاء كلمة الله ورفع الراية الإسلامية .
" السبق بعوض "
لا تصح المسابقة بعوض : إلا في ثلاثة أشياء :
1ـ الإبل . 2ـ الخيل . 3ـ الرمي .
لحديث : " لا سبق إلا في نصل (1) أو خف أو حافر " (2) .
" السبق بغير عوض "
تجوز المسابقة بغير عوض في الأشياء المباحة كلها : كالحيوان ، والأقدام ، والدرجات ، وغيرها يدل على ذلك مسابقة النبي ( عائشة .
والمصارعة جائزة : فقد صارع رسول الله ( ركانة على شاة فصرعه ثم عاد فصرعه فأسلم فرد عليه غنمه (3) .
المباريات الرياضية النافعة للشباب الإسلامي
لا شك أن للمباريات الرياضية أثراً قوياً في شد عضلات الشباب وتقوية أجسامهم ، وإبراز مواهب الذكاء الكامنة في نفوسهم ، وإيقاظ عزائمهم ، وإلهاب حماسهم إلى العمل الرياضي والبروز فيه ، وهي تغرس الثقة في نفوس الشباب، وتعودهم المهارة والدقة ، وتقضي على فراغهم ، وتقوي رغبتهم في الجهاد بعزيمة صادقة ورباطة جأش .
هذا إذا أنتخب لها مدربون أمناء اصطبغوا بالإسلام ، عقيدة وعملاً ، ونهجوه سلوكاً ، وخلقاً ، وعبادة ومعاملة فبذروا في نفوس الشباب حب الخير والفضيلة ، وتعهدوهم بالخلق الزاكي ، وألزموهم بالمحافظة التامة على شعائر الإسلام والبعد عن كل ما يدنس المرء ويشينه ، فبهذه التنشئة الصالحة ، يجني الشباب ثماراً طيبة ، ولا بد لذلك من شروط كستر العورة وعدم إضاعة الأوقات الطويلة في الكرة مثلاً وإلا تشغل الرياضة عما هو أهم منها .
" الوديعة "
__________
(1) - النصل : السهم .
(2) - رواه الخمسة عن أبي هريرة رضي الله عنه . .
(3) - رواه أبو داود عن محمد بن علي بن ركانة .(5/239)
تعريفها : الوديعة لغة : مأخوذة من ودع الشيء إذا تركه ، وشرعاً : المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض .
وهي جائزة : للمودع وأخذها للمستودع إحسان مستحب أن وثق من نفسه القيام بمسؤوليتها قال الله تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(1) .
ضمانها إذا تلفت عنده : فإن كان بتعد منه أو تفريط ضمنها .
ومن الصور التي يجب عليه فيها الضمان :
1. إلا يحفظها في حرز مثلها أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه .
2 . أن يتصرف فيها لنفسه .
3. أن يكسر ختم كيسها .
4. أن يمتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه .
*****************
" العارية"
معناها لغة : مشتقة من العري ، وهو : التجرد ، وسميت بذلك لتجردها عن العوض .
وشرعاً : إباحة نفع عينٍ تبقي بعد استيفائه .
وهي مشروعية للمعير لقولة تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(2) وقد ذم الله جل وعلا المانع لها في قوله : (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)(3) وفي حديث صفوان بن أمية : أن النبي ( استعار منه دروعاً يوم حنين ، فقال : أغضب يا محمد ؟ قال : " بل عارية مضمونة " (4).
" ضمانها وعدم ضمانها "
تضمن العارية إذا تلفت بيد المستعير ، بتعديه أو تفريطه ، لقوله ( : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " (5). وإن شروط ضمانها : ضمنها سواء تعدى المستعير أم لم يتعد ، فإن لم يشترط وتلفت بدون تعد ولا تفريط : لم يجب عليه ضمان .
" الإجارة "
الإجارة لغة : المجازاة والثواب .
وشرعاً : عقد على منفعةٍ مباحة معلومة .
__________
(1) - البقرة: من الآية195
(2) - المائدة: من الآية2
(3) - الماعون:7
(4) -رواه الخمسة إلا النسائي عن سمرة رضي الله عنه . .
(5) -رواه أحمد وأبو داود . .(5/240)
حكمها : عقد لا زم من الطرفين ، لا يجوز لواحد منها فسخه ، قال تعالى : ( قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)(1) ، وقال رسول الله ( : " قال الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره " رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
" حاجة الناس إليها "
الإجارة من مستلزمات المجتمع البشري وضرورياته ، لأن فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم بعضا، لأن العمل الذي يقوم به الفرد الواحد غير العمل الذي يقوم به ثلاثة أو أربعة ، وكل المزارع والمصانع والأعمال الكبيرة تتطلب الأيدي الكثيرة ولا طريق لذلك إلا هذا العقد .
وحاجة الناس إلى المنفعة ماسة : فهم يحتاجون الدور للسكنى ، والدواب والسيارات للحمل والركوب والآلات لاستعمالها في حوائجهم الأخرى ....وهكذا .
" شروطها "
شروطها أربعة :
1. أن يكون من جائز التصرف . 2. معرفة المنفعة .
3. معرفة الأجرة . 4. أن تكون المنفعة مباحة .
" الأجير الخاص والأجير المشترك "
الأجير الخاص : من قدر نفعه بالزمن ، وللمستأجر نفعه في هذه المدة جميعاً .
والأجير المشترك : من قدر نفعه بالعمل ، كخياطه ثوب ، أو بناء حائط ، ولا يضمن الأجير الخاص ما تلف بيده مالم يفرط ، ولكن الأجير المشترك : يضمن ما تلف من حرزه .
" ما يلزم المستأجر والمؤجر"
يلزم المستأجر بعد استكمال مدته : دفع الأجرة كاملة أن لم تكن مؤجلة ، مع تسليم المحل نظيفاً إذا استلمه نظيفاً
ويلزم المؤجر : كل ما جرت به العادة من آلة المركوب وقيادته ، وترميم الدار ، وإزالة كل عائق يمنع من الانتفاع بالعين المؤجرة .
" ما تنفسخ به الإجارة "
تنفسخ بتلف العين المؤجرة وانقطاع نفعها ، ومتى تعذر النفع من جهة المؤجر فلا شيء له لأنه لم يسلم ما تناوله عقد الإجارة .
" حق المستأجر في استيفاء المنفعة بنفسه أو بغيره "
__________
(1) - الكهف: من الآية77(5/241)
للمستأجر أن يستوفي نفع العين المؤجرة بنفسه ، وله أن يقيم مقامه من يستوفيه بأجره أو غيرها ، بشرط أن يكون مثله أو أقل منه ، فإذا اكترى دار فله أن يكنها مثله ومن هو دونه في الضرر ، لأنه لم يزد على استيفاء حقه ، ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضرراً منه ، لأنه يأخذ فوق حقه .
**************
" الغصب "
معناه لغة : أخذ الشيء ظلماً .
وشرعاً : الاستيلاء على مال غيره قهراً بغير حق .
" تحريمه وتغليظ عقوبته"
مال الإنسان على الإنسان حرام ، فلا يحل لأحد أخذ شيء من مال أحدٍ إلا بطيبة نفسه ، وقد قال ر سول الله ( : " أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " (1).
و هو كبيرة من كبائر الذنوب وعقوبته مغلظة : قال رسول الله ( : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع ارضين يوم القيامة " (2) .
"رد المغصوب"
يجب على الغاصب رد ما غصبه ولو غرم أضعافه : لأنه من رد المظالم إلى أهلها ، وقد قال رسول الله ( : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " (3) . " وعليه نفقته وأجره مثله ـ إن كان له أجرة ـ مدة مقامه في يده .
"ضمانه"
يجب عليه ضمانه إذا تلف مطلقاً ، وزيادته لربه ، كما يضمن جنايته ونقصه وما أتلفه .
"غرس الغاصب وبناؤه "
إذا غصب أرضاً فغرسها أو بنى فيها ألزم بقلع غرسه وإزالة بنائه ، وأرش نقص الأرض ، وتسويتها والأجرة لقوله ( : " ليس لعرق ظالم حق " (4) .
**************
" الشفعة "
معناها لغة : مأخوذة من الشفاعة وهي : الزيادة والتقوية أو من الشفع وهو الزوج ، فالشفيع كان نصيبه منفرداً في ملكه ، فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه فصار شفعاً .
__________
(1) -رواه البخاري ومسلم عن أبي بكر رضي الله عنه . .
(2) - متفق عليه عن عائشة . .
(3) -رواه الخمسة دون النسائي عن سمرة رضي الله عنه . .
(4) - رواه أبو داود من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه . .(5/242)
وشرعاً : استحقاق انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها بثمنه الذي استقر عليه العقد .
حكمة مشروعيته : دفع الضرر عن الشريك ، لأنه ربما يشتري الشقص عدو له ، أو ذو أخلاق شريرة فاسدة ، فيتولد من ذلك بغض في النفوس ، وحقد في القلوب ، فيتأذى الجار بذلك الجوار وقد أكبر النبي ( : " حق الجار فقال : "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه "(1). وقال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فليكرم جاره "( (2) لذا : جعل الشارع الشفعة وأجازها لهذه الأغراض السَّامية . وجعل للشريك الحق في الأولوية والتقدم على غيره في الشراء ، إلا إذا سقط حقه بامتناعه عنه .
"ما تقع فيه الشفعة"
تقع في العقار الذي لم يقسم وما يتصل به من البناء والغراس ، لحديث جابر رضي الله عنه : " قضى النبي ( بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق : فلا شفعة "(3) .
ما يبطلها : تبطل بتأخير المطالب بها بلا عذر مع العلم ، وبالعجز عن أداء الثمن كله أو بعضه ، وبمطالبته ببعض نصب شريكه .
****************
…
__________
(1) -مروي في الصحيحين عن عائشة ..
(2) - مروي في الصحيحين عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه . .
(3) - متفق عليه ، عن جابر رض الله عنه واللفظ للبخاري . .(5/243)
((((( الفرائض )))))(5/244)
الفرائض(5/245)
تسهيل الفرائض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً.
أما بعد : فإن الله فرض المواريث بحكمته وعلمه، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأعدله، بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة ورحمته الشاملة وعلمه الواسع، وبيَّن ذلك أتمّ بيان وأكمله، فجاءت آيات المواريث وأحاديثها شاملة لكل ما يمكن وقوعه من المواريث، لكن منها ما هو صريح ظاهر يشترك في فهمه كل أحد، ومنها ما يحتاج إلى تأمل وتدبر.(5/246)
وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يورثون النساء، ولا الصغار من الذكور، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فأبطل الله هذا الحكم المبني على الجهل والظلم، وجعل الإناث يشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن، فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية، ولا سوّاها بالرجل كما فعله بعض المنحرفين عن مقتضى الفطرة والعقل، ثم قال: ) آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(النساء:الآية11).وقال في آية أخرى: ) وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)(النساء:الآية12) )تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13) )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) وقال في آية ثالثة: ) يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النساء:الآية176)
فبيَّن الله تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض منه لازم لا يحل تجاوزه ولا النقص منه، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشى فيها على ما حدّه وفرضه، جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وتوعد من خالفه وتعدى حدوده، بأن يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين.
كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التام حتى لا نضل ولا نهلك، فلله الحمد رب العالمين.(5/247)
واعلم أنك إذا جمعت قوله (صلى الله عليه وسلم ): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر(1)" ، إلى آيات المواريث؛ وجدتها قد استوعبت عامة أحكام المواريث ومهماته، وها أنا أشرح ذلك بحول الله، فأقول وبالله أقول:
آيات المواريث التي ذكرها الله نصاً في المواريث ثلاث:
الآية الأولى: في إرث الأصول والفروع.
الآية الثانية: في إرث الزوجين وأولاد الأم.
الآية الثالثة: في إرث الإخوة لغير أم.
فالآية الأولى: قوله تعالى: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(النساء:الآية11)؛ بيّن الله فيها أن الأولاد وهم الفروع ثلاثة أقسام: ذكور خلّص، وإناث خلّص، ومختلط من الجنسين.
فالذكور الخلّص لم يقدِّر لهم ميراثاً فدل، على أنهم عصبة يرثون بالسوية.
والإناث الخلّص قَدَّر ميراثهن للواحدة النصف، ولمن فوق الثنتين الثلثان، وقد دل الحديث ومفهوم قوله: ) وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف)(النساء:الآية11)على أن للثنتين الثلثين.
والمختلط من الجنسين لم يقدر لهم ميراثاً فدل على أنهم عصبة ولكن للذكر مثل حظ الأنثيين.
أما الأصول؛ فابتدأ الله بيان إرثهم بقوله: ) وَلِأَبَوَيْه) إلى آخره فذكر لهم حالتين:
إحداهما: أن يكون للميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث.
الثانية: أن لا يكون للميت أحد من الأولاد.
ففي الحال الأولى: ميراث كل واحد من الأبوين السدس فرضاً، والباقي للأولاد إن كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً؛ لأنهم حينئذٍ يكونون عصبة، وعصبة الفروع أولى من عصبة الأصول؛ لأن الفروع جزء من الميت.
وإن كان الأولاد إناثاً خلّصاً، أخذن فرضهن والباقي - إن كان - يأخذه الأب؛ لأنه أولى رجل ذكر، ولا يتصور أن يبقى له شيء إذا كن اثنتين فأكثر مع الأم.(5/248)
وفي الحال الثانية: وهي أن لا يكون للميت أحد من الأولاد، وورثه أبواه، فقد فرض الله للأم الثلث، وسكت عن الأب فيكون له الباقي، إلا أن يكون للميت إخوة اثنان فأكثر، فقد فرض الله لها السدس فقط والباقي للأب.
وتأمل قوله عز وجل: ) وَوَرِثَهُ أَبَوَاه)(النساء:الآية11)؛ فإنه ربما يؤخذ منه أنه لو ورثه معهما غيرهما، لم يكن للأم الثلث، فيكون فيه إشارة إلى ميراث الأم في العمريتين، وهما زوج وأم وأب، وزوجة وأم وأب، فإن للزوج أو الزوجة فرضه، ثم تعطى الأم ثلث الباقي بعده، والباقي للأب، وذلك أن الله جعل للأب مثليها إذا انفردا بالمال، فقياس ذلك أن يكون له مثلاها إذا انفردا ببعضه، والله أعلم.
والآية الثانية: قوله تعالى: )وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)(النساء:الآية12)، يبيِّن الله تعالى فيها أن للزوج حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجته الميتة أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضه الربع.
الثانية: أن لا يكون لها أحد من الأولاد؛ ففرضه النصف.
وكذلك بيَّن أن للزوجة حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجها الميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضها الثمن.
الثانية: أن لا يكون له أحد من الأولاد؛ ففرضها الربع.
أما أولاد الأم وهم الإخوة والأخوات من الأم فبيّن الله تعالى أنهم يرثون في الكلالة، وأن ميراثهم مقدّر للواحد السدس، وللاثنين فأكثر الثلث بالسوية لا فضل لذكر على أنثى؛ وذلك - والله أعلم - لأن اتصالهم بالميت من طريق الأم - وهي أنثى - فليس هنا جهة أبوة حتى يفضل جانب الذكورة.
والآية الثالثة: قوله تعالى: )يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة)(النساء:الآية176)ذكر الله فيها ميراث الإخوة لغير أم، ويؤخذ من الآية الكريمة أنهم ثلاثة أقسام:
أحدها: ذكور خلّص ويرثون بالسوية بلا تقدير.
الثاني: إناث خلّص ويرثن بالتقدير للواحدة النصف، وللثنتين فأزيد الثلثان.(5/249)
الثالث: مختلط من الجنسين ويرثون بلا تقدير؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأما قوله (صلى الله عليه وسلم ): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(2) ؛ فيؤخذ منه إرث من عدا الأصول والفروع والإخوة، وأنه لا يرث منهم إلا الذكور بلا تقدير، يقدم الأولى فالأولى كالعم على ابنه، والشقيق على الذي لأب.
ويؤخذ من قوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(الأنفال:الآية75)إرث ذوي الأرحام وهم من سوى أهل الفرائض والعصب، ولكن هذه الآية ليست نصاً في الميراث، فمن ثَمّ اختلف أهل العلم في إرث ذوي الأرحام، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً.
أما بعد : فإن الله فرض المواريث بحكمته وعلمه، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأعدله، بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة ورحمته الشاملة وعلمه الواسع، وبيَّن ذلك أتمّ بيان وأكمله، فجاءت آيات المواريث وأحاديثها شاملة لكل ما يمكن وقوعه من المواريث، لكن منها ما هو صريح ظاهر يشترك في فهمه كل أحد، ومنها ما يحتاج إلى تأمل وتدبر.(5/250)
وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يورثون النساء، ولا الصغار من الذكور، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فأبطل الله هذا الحكم المبني على الجهل والظلم، وجعل الإناث يشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن، فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية، ولا سوّاها بالرجل كما فعله بعض المنحرفين عن مقتضى الفطرة والعقل، ثم قال: ) آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(النساء:الآية11).وقال في آية أخرى: ) وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)(النساء:الآية12) )تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13) )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) وقال في آية ثالثة: ) يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النساء:الآية176)
فبيَّن الله تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض منه لازم لا يحل تجاوزه ولا النقص منه، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشى فيها على ما حدّه وفرضه، جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وتوعد من خالفه وتعدى حدوده، بأن يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين.
كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التام حتى لا نضل ولا نهلك، فلله الحمد رب العالمين.(5/251)
واعلم أنك إذا جمعت قوله (صلى الله عليه وسلم ): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر(1)" ، إلى آيات المواريث؛ وجدتها قد استوعبت عامة أحكام المواريث ومهماته، وها أنا أشرح ذلك بحول الله، فأقول وبالله أقول:
آيات المواريث التي ذكرها الله نصاً في المواريث ثلاث:
الآية الأولى: في إرث الأصول والفروع.
الآية الثانية: في إرث الزوجين وأولاد الأم.
الآية الثالثة: في إرث الإخوة لغير أم.
فالآية الأولى: قوله تعالى: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(النساء:الآية11)؛ بيّن الله فيها أن الأولاد وهم الفروع ثلاثة أقسام: ذكور خلّص، وإناث خلّص، ومختلط من الجنسين.
فالذكور الخلّص لم يقدِّر لهم ميراثاً فدل، على أنهم عصبة يرثون بالسوية.
والإناث الخلّص قَدَّر ميراثهن للواحدة النصف، ولمن فوق الثنتين الثلثان، وقد دل الحديث ومفهوم قوله: ) وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف)(النساء:الآية11)على أن للثنتين الثلثين.
والمختلط من الجنسين لم يقدر لهم ميراثاً فدل على أنهم عصبة ولكن للذكر مثل حظ الأنثيين.
أما الأصول؛ فابتدأ الله بيان إرثهم بقوله: ) وَلِأَبَوَيْه) إلى آخره فذكر لهم حالتين:
إحداهما: أن يكون للميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث.
الثانية: أن لا يكون للميت أحد من الأولاد.
ففي الحال الأولى: ميراث كل واحد من الأبوين السدس فرضاً، والباقي للأولاد إن كانوا ذكوراً أو ذكوراً وإناثاً؛ لأنهم حينئذٍ يكونون عصبة، وعصبة الفروع أولى من عصبة الأصول؛ لأن الفروع جزء من الميت.
وإن كان الأولاد إناثاً خلّصاً، أخذن فرضهن والباقي - إن كان - يأخذه الأب؛ لأنه أولى رجل ذكر، ولا يتصور أن يبقى له شيء إذا كن اثنتين فأكثر مع الأم.(5/252)
وفي الحال الثانية: وهي أن لا يكون للميت أحد من الأولاد، وورثه أبواه، فقد فرض الله للأم الثلث، وسكت عن الأب فيكون له الباقي، إلا أن يكون للميت إخوة اثنان فأكثر، فقد فرض الله لها السدس فقط والباقي للأب.
وتأمل قوله عز وجل: ) وَوَرِثَهُ أَبَوَاه)(النساء:الآية11)؛ فإنه ربما يؤخذ منه أنه لو ورثه معهما غيرهما، لم يكن للأم الثلث، فيكون فيه إشارة إلى ميراث الأم في العمريتين، وهما زوج وأم وأب، وزوجة وأم وأب، فإن للزوج أو الزوجة فرضه، ثم تعطى الأم ثلث الباقي بعده، والباقي للأب، وذلك أن الله جعل للأب مثليها إذا انفردا بالمال، فقياس ذلك أن يكون له مثلاها إذا انفردا ببعضه، والله أعلم.
والآية الثانية: قوله تعالى: )وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)(النساء:الآية12)، يبيِّن الله تعالى فيها أن للزوج حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجته الميتة أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضه الربع.
الثانية: أن لا يكون لها أحد من الأولاد؛ ففرضه النصف.
وكذلك بيَّن أن للزوجة حالين:
إحداهما: أن يكون لزوجها الميت أحد من الأولاد الذكور أو الإناث؛ ففرضها الثمن.
الثانية: أن لا يكون له أحد من الأولاد؛ ففرضها الربع.
أما أولاد الأم وهم الإخوة والأخوات من الأم فبيّن الله تعالى أنهم يرثون في الكلالة، وأن ميراثهم مقدّر للواحد السدس، وللاثنين فأكثر الثلث بالسوية لا فضل لذكر على أنثى؛ وذلك - والله أعلم - لأن اتصالهم بالميت من طريق الأم - وهي أنثى - فليس هنا جهة أبوة حتى يفضل جانب الذكورة.
والآية الثالثة: قوله تعالى: )يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة)(النساء:الآية176)ذكر الله فيها ميراث الإخوة لغير أم، ويؤخذ من الآية الكريمة أنهم ثلاثة أقسام:
أحدها: ذكور خلّص ويرثون بالسوية بلا تقدير.
الثاني: إناث خلّص ويرثن بالتقدير للواحدة النصف، وللثنتين فأزيد الثلثان.(5/253)
الثالث: مختلط من الجنسين ويرثون بلا تقدير؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأما قوله (صلى الله عليه وسلم ): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(2) ؛ فيؤخذ منه إرث من عدا الأصول والفروع والإخوة، وأنه لا يرث منهم إلا الذكور بلا تقدير، يقدم الأولى فالأولى كالعم على ابنه، والشقيق على الذي لأب.
ويؤخذ من قوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(الأنفال:الآية75)إرث ذوي الأرحام وهم من سوى أهل الفرائض والعصب، ولكن هذه الآية ليست نصاً في الميراث، فمن ثَمّ اختلف أهل العلم في إرث ذوي الأرحام، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
المؤلف
الإرث
أركانه - شروطه - أسبابه - موانعه - أقسامه
أركان الإرث ثلاثة: مورِّث، ووارث، وموروث.
فالمورِّث:انتقلت التركة منه وهو الميت.
والوارث:انتقلت التركة إليه.
والموروث: التركة.
وشروط الإرث ثلاثة:
- أحدها: موت المورِّث حقيقة أو حكماً.
- الثاني: حياة الوارث بعده ولو لحظة، حقيقة أو حكماً.
- الثالث: العلم بالسبب المقتضي للإرث.
أما موت المورِّث فلقوله تعالى: ) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك)(النساء:الآية176)والهلاك الموت، وتركه لماله لا يكون إلا بعد انتقاله من الدنيا إلى الآخرة.
ويحصل تحقق الموت بالمعاينة والاستفاضة وشهادة عدلين.
وأما الموت حكماً: فذلك في المفقود إذا مضت المدة التي تحدد للبحث عنه؛ فإننا نحكم بموته إجراء للظن مجرى اليقين عند تعذره، لفعل الصحابة رضي الله عنهم .
وأما اشتراط حياة الوارث بعد موت مورِّثه؛ فلأن الله تعالى ذكر في آيات المواريث استحقاق الورثة باللام الدالة على التمليك، والتمليك لا يكون إلا للحي.
ويحصل تحقق حياته بعد موت مورثه بالمعاينة، والاستفاضة، وشهادة عدلين.(5/254)
وأما حياة الوارث حكماً: فمثلوا له بالحمل يرث من مورثه إذا تحقق وجوده حين موت مورثه، وإن لم تنفخ فيه الروح بشرط خروجه حياً.
وأما اشتراط العلم بالسبب المقتضي للإرث؛ فلأن الإرث مرتب على أوصاف كالولادة والأبوة والأخوة والزوجية والولاء ونحو ذلك، فإذا لم نتحقق وجود هذه الأوصاف، لم نحكم بثبوت ما رتب عليها من الأحكام؛ لأن من شروط ثبوت الحكم أن يصادف محله، فلا يحكم بالشيء إلا بعد وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه.
ومعنى العلم بالسبب المقتضي للإرث: أن تعلم كيف يتصل الوارث بالمورث؛ هل هو زوج أو قريب أو ذو ولاء أو نحو ذلك؟ لكن ههنا حالان:
إحداهما: أن يكون للميت وارث معلوم فيدعي آخر أنه أولى بإرث الميت منه؛ ففي هذه الحال لا بد أن نعلم بكيفية اتصال المدعي بالميت، وبمنزلته منه أيضاً؛ بأن نعلم أنه أخوه أو عمه أو ابن أخيه أو ابن عمه، وهل هو بعيد المنزلة من الميت أو قريب؛ لتعلم بذلك أيهما أولى بالإرث، ولا يكفي في هذه الحال أن تعلم أنه قريبه ونحوه؛ لئلا ندفع به حق الوارث المعلوم بلا علم.
الثانية: أن لا يكون للميت وارث معلوم ففي هذه الحال يكفي أن نعلم أنه قريبه أو من قبيلته ونحوه، ويستأنس لهذا بما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: مات رجل من خزاعة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه فقال: "التمسوا وارثاً أو ذا رحم"، فلم يجدوا له وارثاً ولا ذا رحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا أكبر رجل من خزاعة ". رواه أبو داود(8) .
وأسباب الإرث ثلاث: نكاح، ونسب، وولاء.(5/255)
فالنكاح عقد الزوجية الصحيح؛ فيرث به الزوج من زوجته والزوجة من زوجها بمجرد العقد، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة؛ لعموم قوله تعالى: )وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُم)( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)(النساء:الآية12). والمرأة تكون زوجة بمجرد العقد ولا تكون زوجة إلا بعقد صحيح، وروى الخمسة من حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود : أنه قضى في امرأة توفي عنها زوجها ولم يكن دخل بها أن لها الميراث، فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى به. وصححه الترمذي(9)
والنسب: هو الرحم، وهو الاتصال بين إنسانين بولادة قريبة أو بعيدة، لقوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(الأنفال:الآية75)
والولاء: ولاء العتاقة وهي العصوبة التي تثبت للمُعْتِقِ وعصبته المتعصبين بأنفسهم، سواء كان العتق تبرعاً أو عن واجب؛ من نذر أو زكاة أو كفارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" . متفق عليه(10).
فروع تتعلق بأسباب الإرث
الفرع الأول: يمتد التوارث بين الزوجين إلى أن تحصل البينونة بينهما بطلاق أو فسخ، فإذا حصلت البينونة انقطع التوارث بينهما، وعلى هذا فيثبت التوارث بين الزوجين في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة؛ لأن الرجعية لا تبين إلا بانقضاء عدتها.
وأما الفسخ والطلاق البائن فينقطع التوارث فيهما بين الزوجين بمجرد الفرقة، إلا أن تقع من أحدهما في حال يتهم فيها بقصد حرمان الآخر من الإرث؛ فإن المتهم يُوْرَث ولا يَرِث معاقبة له بنقيض قصده السيّئ، ومثَّلوا لذلك بأمثلة منها:(5/256)
1 - أن يطلق زوجته في مرض موته المخوف متهماً بقصد حرمانها، فلا يرثها لو ماتت؛ لأن البينونة منه، وأما هي فترثه ما دامت في العدة، وأما بعد انقضائها فلا ترثه في قول أبي حنيفة وأصحابه وقديم قولي الشافعي، وعن أحمد ما يدل عليه، لكن المشهور عنه أنها ترثه ما لم تتزوج، قال الأصحاب: أو ترتد، فإن ارتدت أو تزوجت سقط إرثها سواء عادت إلى الإسلام أم لا، وسواء فارقها الزوج الثاني أم لا. وقال مالك: لا يسقط إرثها بالزواج فترث ولو كانت مع الزوج، والله أعلم بالصواب.
وفي هذا المثال التهمة من الزوج.
2 - أن تفعل الزوجة في مرض موتها المخوف، ما يفسخ نكاحها من زوجها متهمة بقصد حرمانه، مثل: أن يعقد عليها لطفل صغير فترضعه رضاعاً تثبت به الأمومة، فإن النكاح ينفسخ ويرث منها لو ماتت ولا ترثه
والتهمة في هذا المثال من الزوجة.
الفرع الثاني: القرابة ثلاثة أصناف أصول، وفروع، وحواشي.
فالأصول:لهم ولادة على الشخص كالأم والأب وإن عَلَوا، والوارث منهم:
1 - كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى، كالأب وأبيه، وإن علا بمحض الذكور، فإن كان بينه وبين الميت أنثى فهو من ذوي الأرحام كأبي الأم ونحوه.
2 - كل أنثى ليس بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى، كالأم وأمها وأم الأب وأم الجد وإن علون بمحض الإناث، فإن كان بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى فهي من ذوي الأرحام كأم أبي الأم؛ لأنها مدلية بمن هو من ذوي الأرحام، فكانت من ذوي الأرحام.
واختلف أهل العلم في الجدة المدلية بذكر وارث فوق الأب كأم الجد وأبيه وإن علت، والصواب أنها وارثة لأنها مدلية بوارث كأم الأب، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قال في "المغني": وروي عن ابن عباس، قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذاً. انتهى.(5/257)
والفروع: كل من للشخص عليهم ولادة كالأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والوارث منهم كل من ليس بينه وبين الميت أنثى، كالأولاد وأولاد الأبناء، فأما من بينه وبين الميت أنثى كأولاد البنات فمن ذوي الأرحام.
والحواشي: فروع الأصول كالإخوة والأعمام وأبنائهم، وإن نزلوا، والوارث منهم:
1 - الأخوات مطلقاً، فأما غيرهن من إناث الحواشي فمن ذوي الأرحام؛ كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت العم ونحوهن.
2 - الإخوة من الأم دون فروعهم.
3 - كل ذكر أدلى بذكر كالإخوة والأعمام لغير أم وأبنائهم، فأما المدلي بأنثى كالخال والعم لأم وابن الأخت ونحوهم فمن ذوي الأرحام.
الفرع الثالث: لا يرث بالولاء إلا المُعْتِق وعصبته المتعصبون بأنفسهم؛ كابن المعتق وأبيه وجده وأخيه لغير أم ونحوهم، وذلك لأن الولاء يورث به ولا يورث، هذا قول جماهير العلماء، وقال شريح: "إن الولاء يورث كما يورث المال، فلا يختص بالعصبة المتعصبين بأنفسهم"، وهو مروي عن الإمام أحمد.
فلو مات العتيق عن ابن معتقه وابنة معتقه فالمال للابن فقط على قول الجمهور؛ لأنه عاصب بنفسه، وليس للبنت شيءٌ لأنها عاصبة بغيرها، وعلى قول شريح المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
الفرع الرابع: ليس للميراث سبب غير هذه الأسباب الثلاثة عند جمهور العلماء، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية عند عدم الأسباب المذكورة أسباباً أُخر، وهي: الموالاة، والمعاقدة، والإسلام على يديه، والالتقاط، وكونهما من أهل الديوان، وقال: هو رواية عن الإمام أحمد، قال: "ويرث المولى من أسفل وهو العتيق عند عدم الورثة، وقاله بعض العلماء". انتهى.
وفي بعض ذلك أحاديث في "السنن" منها:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه، وكانوا يتوارثون بذلك حتى نزل قوله تعالى :
(وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(لأنفال:الآية75)(5/258)
] ، فتوارثوا بالنسب. رواه أبو داود والدار قطني(11) ، وفي إسناده من فيه مقال.
2 - عن قبيصة عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين؟ فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته". رواه الخمسة وصححه أبو زرعة، وقال الشافعي: ليس بثابت. وقال الترمذي: ليس بمتصل(12) .
3 - عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه". أخرجه الخمسة إلا أحمد، وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه الحاكم، وفي إسناده عمر بن ربيعة التغلبي، قال البخاري: فيه نظر، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قيل: تقوم به الحجة؟ قال: لا، ولكن صالح(13) .
4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يترك وارثاً إلّا عبداً هو أعتقه، فأعطاه ميراثه. رواه الخمسة، وفي إسناده عوسجة؛ قال النسائي: ليس بالمشهور. وقال أبو زرعة: ثقة(14) .
وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها ما ترى؛ فإن بَيْن هؤلاء وبين الميت من الصلة الخاصة ما يجعلهم أولى بميراثه من بيت المال، الذي هو لعموم المسلمين. والله أعلم.
موانع الإرث
موانع الإرث ثلاثة: الرق والقتل واختلاف الدِّين.
فالرق: وصف يكون به الإنسان مملوكاً يباع ويوهب، ويورث ويتصرف فيه، ولا يتصرف تصرفاً مستقلاً.
وعرّفه بعضهم بأنه: عجز حكمي يقوم بالشخص بسبب الكفر.
وإنما كان الرق مانعاً من الإرث؛ لأن الله أضاف الميراث إلى مستحقه باللام الدالة على التمليك، فيكون ملكاً للوارث، والرقيق لا يملك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع عبداً له مال فماله للبائع إلى أن يشترطه المبتاع" (15) . متفق عليه. فإذا كان لا يملك لم يستحق الإرث لأنه لو ورث لكان لسيده وهو أجنبي من الميت .(5/259)
والقتل: إزهاق الروح مباشرة أو تسبباً، والذي يمنع من الإرث من القتل ما كان بغير حق، بحيث يأثم بتعمده لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث القاتل شيئاً"(16) . رواه أبو داود.
وعن عمر نحوه مرفوعاً رواه مالك في "الموطأ" وأحمد وابن ماجه.
ولأنه قد يقتل مورّثه ليتعجل إرثه منه؛ فحرم من الإرث سداً للذريعة.
ولا فرق بين أن يكون القتل عمداً أو خطأ تعميماً لسد الذريعة، ولئلا يدّعي العامد أنه قتل خطأ. وقال مالك : "يرث القاتل خطأ من تِلاد مال المقتول دون الدية". وذكره ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" صفحة (521) ج 3 في فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في الزوجين يقتل أحدهما صاحبه خطأ أنه يرث من ماله ولا يرث من ديته. ذكره ابن ماجه(17) . قال ابن القيم: وبه نأخذ. انتهى.
قلت: وعلى هذا القول فالظاهر أنه لا بد من قرينة ظاهرة تدل على أن القتل ليس بعمد. والله أعلم.
فأما القتل الذي لو تعمده لم يكن آثماً كقتل الصائل فلا يمنع الإرث، وكذلك القتل الحاصل بتأديب أو دواء أو نحوه؛ فإنه لا يمنع الإرث إذا كان مأذوناً فيه، ولم يحصل تعدٍّ ولا تفريط.
واختلاف الدين: أن يكون أحدهما على ملة والثاني على ملة أخرى؛ مثل أن يكون أحدهما مسلماً والثاني كافراً، أو أحدهما يهودياً والآخر نصرانياً أو لا دين له، ونحو ذلك؛ فلا توارث بينهما لانقطاع الصلة بينهما شرعاً، ولذلك قال الله تعالى لنوح عن ابنه الكافر: ) إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود: من الآية46) ولحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ". رواه الجماعة.
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"(18) . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
واستثنى الأصحاب رحمهم الله من ذلك مسألتين:(5/260)
إحداهما: الإرث بالولاء فلا يمنعه اختلاف الدِّين بل يرث المولى ممن له عليه ولاء وإن كان مخالفاً له في دينه.
الثانية: إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فيرث من قريبه المسلم ترغيباً له في الإسلام.
كما استثنى شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاث مسائل:
إحداها: الاختلاف بالإسلام الصحيح والنفاق، قال: "فالنفاق، لا يمنع التوارث بين المسلم والمنافق للحكم بإسلامه ظاهراً".
الثانية: المسلم يرث من قريبه الذمي ولا عكس.
الثالثة: المرتد إذا مات أو قتل على ردته ورثه قريبه المسلم.
والصواب أنه لا يستثنى من ذلك شيء، لعموم الأدلة على منع التوارث مع اختلاف الدين، ولا دليل صحيح على التخصيص، لكن المنافق إذا لم يظهر نفاقه فإننا نحكم بظاهر حاله، وهو الإسلام؛ فيرث من قريبه المسلم وبالعكس، أما إذا كان معلوم النفاق ؛ فالصواب أن لا توارث بينه وبين قريبه المسلم. والله أعلم
فروع تتعلق بموانع الإرث
الفرع الأول : تنقسم موانع الإرث إلى قسمين:
أحدهما: ما يمنع من الجانبين.
والثاني: ما يمنع من جانب واحد.
فالذي يمنع من الجانبين اختلاف الدين والرق؛ فلا يرث المخالف في الدين لمن خالفه، ولا يرثه من خالفه، ولا يرث الرقيق ولا يورث.
والذي يمنع من جانب واحد القتل؛ فالقاتل لا يرث من المقتول والمقتول يرث من القاتل إذا مات القاتل قبله، ويتصور ذلك بأن يجرح مورثه جرحاً مميتاً ثم يموت الجارح قبله.
الفرع الثاني : الرق إن كان كاملاً منع من الإرث كله، وإن كان بعض الشخص رقيقاً وبعضه حراً - ويسمى المبعض - تبعض الحكم فيرث ويورث بقدر حريته؛ لأن الحكم يدور مع علته، قال الإمام أحمد رحمه الله : (إذا كان العبد نصفه حر ونصفه عبد ورث بقدر الحرية كذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم(19) . انتهى.
لكن ما كسبه أو ورثه بجزئه الحر فليس لمالك باقيه منه شيء، وإنما يكون لورثة المبعض كما صرح به الأصحاب رحمهم الله.(5/261)
الفرع الثالث : المرتد لا يرث ولا يورث، فإن مات أو قتل قبل أن يعود إلى الإسلام؛ كان ماله فيئاً يصرف في مصالح المسلمين، واختار الشيخ تقي الدين أن ماله يكون لورثته المسلمين، وقال: أنه رواية عن أحمد، وأنه المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم.
أقسام الإرث
الإرث ينقسم إلى قسمين: إرث بفرض وإرث بتعصيب.
فالإرث بالفرض أن يكون للوارث نصيب مقدر كالنصف والربع.
والإرث بالتعصيب أن يكون للوارث نصيب غير مقدر.
والفروض الواردة في القرآن ستة: نصف، وربع، وثمن، وثلثان، وثلث، وسدس، وأما ثلث الباقي فثابت بالاجتهاد في العمريتين، وفي بعض مسائل الجد، ومن يرث معه من الإخوة، على ما يأتي إن شاء الله.
واعلم أن لأهل العلم في الكلام على الفروض ومستحقيها طريقتين:
إحداهما: الكلام في كل فرض على حِدَة؛ فيذكر النصف ومن يرث به، والربع ومن يرث به، وهكذا.
الثانية: الكلام على مستحقي الفروض وبيان أحوالهم كل على حِدَة؛ فيذكر الزوج بأنه تارة يرث النصف، وتارة يرث الربع.
ويذكر الأم بأنها تارة ترث الثلث، وتارة ترث السدس، وتارة ترث ثلث الباقي.
ويبين شروط كل حالة.
وقد سلكت في هذه الرسالة هذه الطريقة لأنها طريقة القرآن، وأقرب إلى الفهم، وأبعد عن التشتت، والله الموفق.
أصحاب الفروض
نبدأ بأصحاب الفروض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(20) .
فأصحاب الفروض عشرة: الزوج، والزوجة فأكثر، والأم والأب، والجد، والجدة فأكثر، والبنات، وبنات الابن، والأخوات لغير أم، وأولاد الأم.
ميراث الزوج
يرث الزوج من زوجته النصف: إن لم يكن لها فرع وارث؛ والفرع الوارث هم الأولاد، وأولاد الأبناء وإن نزلوا، فأما أولاد البنات فهم فروع غير وارثين، فلا يحجبون من يحجبه الفرع الوارث.(5/262)
ويرث الربع: إن كان لزوجته فرع وارث سواء كان منه أم من غيره؛ لقوله تعالى: )وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ) (النساء:الآية12) ، ولفظ الولد يشمل الذكر والأنثى من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
فلو هلكت امرأة عن زوج وأب: فللزوج النصف لعدم الفرع الوارث والباقي للأب.
ولو هلكت عن زوج وابن: فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث والباقي للابن.
ميراث الزوجة
ترث الزوجة من زوجها الربع: إن لم يكن له فرع وارث. وترث الثمن: إن كان له فرع وارث منها أو من غيرها، ولا فرق بين أن تكون الزوجة واحدة أو أكثر، فلا يزيد الفرض بزيادتهن؛ لقوله تعالى: ) وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم)(النساء:الآية12)فلو هلك امرؤٌ عن زوجة وأب: فللزوجة الربع لعدم الفرع الوارث والباقي للأب.
ولو هلك عن زوجة وابن: فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث والباقي للابن.
ميراث الأم
ميراث الأم: إما الثلث، وإما السدس، وإما ثلث الباقي.
فترث الثلث بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يكون للميت فرع وارث.
الثاني: أن لا يكون له عدد من الإخوة أو الأخوات أو منهما.
الثالث: أن لا تكون المسألة إحدى العمريتين.(5/263)
وترث السدس إن كان للميت فرع وارث، أو كان له عدد من الإخوة أو الأخوات أو منهما؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس)(النساء:الآية11) ، ولا فرق بين أن يكون الأخوة ذكوراً أو إناثاً، أو مختلفين: أشقاء أو لأب أو لأم، ولا بين أن يكونوا وارثين أو محجوبين بالأب، كما هو ظاهر الآية الكريمة؛ لأن الله فرض للأم الثلث مع الأب ثم قال: { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس } ، فأتى بالفاء الدالة على ارتباط الجملة الثانية بالأولى وبنائها عليها، والأخوة لا يرثون مع الأب ومع ذلك فجعل للأم السدس في هذه الحال، وهذا هو قول جمهور العلماء.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم لا يحجبون الأم إلى السدس إذا كانوا محجوبين بالأب وهو خلاف ظاهر الآية الكريمة، فعلى قوله لو هلك امرؤ عن أبوين وأخوين كان للأم الثلث والباقي للأب، وعلى قول الجمهور للأم السدس فقط والباقي للأب.
وانظر لو هلك عن أم وأخ شقيق وأخ لأب؛ فهل يكون للأم الثلث على قول الشيخ؛ لأنه ليس معنا وارث من الإخوة إلا واحد؟
الظاهر: نعم لها الثلث قياساً على ما إذا حجب الإخوة بالأب، والله أعلم.
وترث ثلث الباقي في العمريتين، وهما:
(أ ) زوج وأم وأب.
(ب) زوجة وأم وأب.
فالمسألة الأولى:ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقي واحد والباقي اثنان للأب.
والمسألة الثانية:أربعة للزوجة الربع واحد وللأم ثلث الباقي واحد والباقي اثنان للأب.
وإنما سمِّيتا بالعمريتين؛ لأن أول من قضى بهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ووافقه على ذلك جمهور الصحابة والأئمة.(5/264)
وقد دلّ القرآن على ذلك بطريق الإشارة، حيث جعل الله للأم ثلث المال إذا انفردت به مع الأب، فكذلك ينبغي إذا انفردت معه ببعض المال أن يكون لها ثلث ما انفردا به مما بقي بعد فرض الزوجين، وهذا أيضاً قياس قاعدة الفرائض؛ فإن كل ذكر وأنثى من جنس إذا كانا في درجة واحدة كان للذكر مثل حظ الأنثيين، أو على السواء، ولو أعطينا الأم الثلث كاملاً في العمريتين لاختلت هذه القاعدة، ولذا لو كان بدل الأب جَدّ في العمريتين لكان للأم الثلث كاملاً؛ لأنها أقرب منه، فلا يزاحمها في كامل حقها.
أمثلة أحوال الأم:
1 - هلك هالك عن أم وأب: للأم الثلث؛ لتمام الشروط والباقي للأب.
2 - هلك هالك عن أم وابن: للأم السدس؛ لوجود الفرع الوارث والباقي للابن.
3 - هلك هالك عن أم وأخوين لأب للأم السدس لوجود عدد من الإخوة والباقي للأخوين.
4 - هلك هالك عن أم وأخوين وأب، للأم السدس لوجود عدد من الإخوة والباقي للأب.
ميراث الأب
يرث الأب إما بالفرض، وإما بالتعصيب، وإما بالفرض والتعصيب.
فيرث بالفرض فقط إذا كان للميت ذكر وارث من الفروع، وفرضه السدس لقوله تعالى:) وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ )(النساء:الآية11) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(21) ؛ فإذا أخذ الأب فرضه كان الباقي لأولى رجل ذكر، وذكر الفروع أولى بالتعصيب من الأب، كما يأتي إن شاء الله.
ويرث بالتعصيب فقط إذا لم يكن للميت فرع وارث لقوله تعالى: ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)(النساء:الآية11)، ففرض للأم ولم يفرض للأب، فدل على أنه يرث في هذه الحال بالتعصيب فقط
ويرث بالفرض والتعصيب إذا كان للميت فرع وارث من الإناث فقط، لما سبق من الآية والحديث، والأب هنا أولى رجل ذكر فيكون الباقي له بالتعصيب.(5/265)
أمثلة أحوال الأب:
1 - هلك هالك عن أب وابن: للأب السدس فرضاً؛ لوجود ذكر وارث من الفروع والباقي للابن، وميراث الأب هنا بالفرض فقط.
2 - هلك هالك عن أم وأب: للأم الثلث؛ لوجود شروطه، والباقي للأب لعدم الفرع الوارث، وميراثه هنا بالتعصيب فقط.
3 - هلك هالك عن بنت وأب: للبنت النصف وللأب السدس فرضاً والباقي تعصيباً؛ لوجود أنثى وارثة من الفروع، وميراث الأب هنا بالفرض والتعصيب.
ميراث الجد
الجد الوارث هو من ليس بينه وبين الميت أنثى كأبي الأب، وميراثه كميراث الأب على ما سبق تفصيله، إلا في مسألتين:
إحداهما: العمريتان فإن للأم فيهما مع الجد ثلث جميع المال، ومع الأب ثلث الباقي بعد فرض الزوجية، كما سبق.
الثانية: إذا كان للميت إخوة أشقاء أو لأب فإنهم يسقطون بالأب، وفي سقوطهم بالجد خلاف، والراجح أنهم يسقطون به؛ كما يسقطون بالأب، وكما يسقط الإخوة من الأم، وهو قول أبي بكر الصديق وأبي موسى وابن عباس وأربعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم قال البخاري: "لم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون" (22)انتهى، وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره من أصحابنا جماعة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وصاحب "الفائق"، قال في "الفروع": وهو أظهر، وصوبه في "الإنصاف"، واختاره شيخنا عبد الرحمن السعدي، وشيخنا عبد العزيز بن باز، وذكر ابن القيم لترجيحه عشرين وجهاً فلتراجع من صفحة (71) إلى صفحة (81) من الجزء الثاني من "أعلام الموقعين" المطبوع مع "حادي الأرواح".
وعلى هذا القول الراجح لا يرث الإخوة معه شيئاً بكل حال، فيكون حكمه حكم الأب، إلا في العمريتين.
وأما على القول المرجوح - وهو المشهور من المذهب - فإن الجد يسقط الإخوة لأم ولا يسقط الإخوة الأشقاء أو لأب، وله معهم حالان:(5/266)
إحداهما: أن لا يكون معهم صاحب فرض، فميراثه في هذه الحال الأكثر من ثلث المال، أو مقاسمة الإخوة.
والضابط في هذه الحال أنه متى كان الإخوة أكثر من مثليه فالأكثر له ثلث المال، ومتى كانوا أقل فالأكثر له المقاسمة، ومتى كانوا مثليه استوى له الأمران.
فلو هلك عن جد وثلاثة إخوة: فالأكثر للجد ثلث المال فيأخذه، والباقي للإخوة.
ولو هلك هالك عن جد وأخ: فالأكثر للجد المقاسمة؛ فيكون المال بينهما نصفين.
ولو هلك عن جد وأخوين لاستوى له الأمران الثلث والمقاسمة، فورثه بما شئت منهما.
ولو هلك عن زوج وجد وأخت: لكان للزوج النصف، ويستوي للجد ثلث الباقي وسدس جميع المال، لكن الإخوة هنا أقل من مثليه فالأكثر له المقاسمة، فيكون الباقي بعد فرض الزوج بينه وبين الأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولو هلك هالك عن زوج وجد وأخوين: فللزوج النصف ويستوي هنا للجد المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال؛ فورثه بما شئت منها.
الحال الثانية: أن يكون معهم صاحب فرض: فيأخذ صاحب الفرض فرضه، ثم يكون ميراث الجد الأكثر من المقاسمة، أو ثلث الباقي بعد الفرض، أو سدس جميع المال؛ فإن لم يبق إلا السدس أخذه الجد وسقط الإخوة، إلا في الأكدرية، وتأتي إن شاء الله.
وإليك ضوابط هذه الحال:
الضابط الأول: إذا لم تستوعب الفروض النصف فلا حظ للجد في سدس المال، لكن إن كان الإخوة أكثر من مثليه فالأكثر له ثلث الباقي، وإن كانوا أقل فالأكثر له المقاسمة، وإن كانوا مثليه استوى له الأمران.
فلو هلك هالك عن زوجة وجد وثلاثة إخوة: فللزوجة الربع ولا حظ للجد في سدس المال، وهنا الإخوة أكثر من مثليه فالأكثر له ثلث الباقي فيأخذه؛ والباقي بين الإخوة.
ولو هلك هالك عن أم وجد وأخت: لكان للأم الثلث، ولا حظ للجد في سدس المال، والإخوة هنا أقل من مثليه فالأكثر له المقاسمة؛ فيكون الباقي بعد فرض الأم بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.(5/267)
ولو هلك هالك عن زوجة وجد وأخوين: لكان للزوجة الربع، ولا حظ للجد في السدس، والإخوة هنا مثلاه فيستوي له المقاسمة وثلث الباقي.
الضابط الثاني: إذا استوعبت الفروض النصف فقط استوى للجد ثلث الباقي وسدس جميع المال على كل حال، لكنْ إن كان الإخوة أكثر من مثليه فهما أكثر له من المقاسمة، وإن كانوا أقل فالمقاسمة أكثر، وإن كانوا مثليه استوت له الأمور الثلاثة.
فلو هلك هالك عن بنت وجد وثلاثة إخوة: فللبنت النصف، ويستوي للجد ثلث الباقي وسدس المال، وهما أكثر له من المقاسمة؛ لأن الإخوة أكثر من مثليه فيأخذ السدس، وإن شئت فقل: ثلث الباقي، والباقي بين الإخوة.
ولو هلك هالك عن زوج وجد وأخت: لكان للزوج النصف، ويستوي للجد ثلث الباقي وسدس جميع المال، لكن الإخوة هنا أقل من مثليه فالأكثر له المقاسمة، فيكون الباقي بعد فرض الزوج بينه وبين الأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولو هلك هالك عن زوج وجد وأخوين: فللزوج النصف ويستوي هنا للجد المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال؛ فَوَرِّثه بما شئت منها.
الضابط الثالث: إذا استوعبت الفروض أكثر من النصف فلا حظ للجد في ثلث الباقي، لكن إن كان الإخوة مثليه فأكثر، أو كان الباقي بعد الفروض أقل من الربع؛ فالأكثر له السدس؛ وإن كانوا أقل من مثليه والباقي ربع فأكثر؛ نظرت أيهما أكثر له المقاسمة أم سدس المال.
ولو هلك هالك عن بنتين وزوجة وجد وأخ: فللبنتين الثلثان، وللزوجة الثمن، ولا حظ للجد في ثلث الباقي ولا في المقاسمة فيأخذ السدس والباقي للأخ.
ولو هلك هالك عن بنتين وجد وأخ: فللبنتين الثلثان، ولاحظ للجد في ثلث الباقي، وهنا يستوي له سدس المال والمقاسمة فورثه بما شئت منهما.
ولو كان مع الأخ أخ آخر لكان الأكثر للجد سدس المال فيأخذه والباقي بين الأخوين.
ولو كان بدلهما أخت واحدة فالأكثر للجد المقاسمة فيأخذ الباقي بعد فرض البنتين هو والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.(5/268)
فائدة: متى استوى للجد أمران فأكثر مما سبق فورثه بما شئت منهما.
الأكدرية
الأكدرية: زوج وأم وجد وأخت لغير أم.
مسألتها من ستة: للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللجد السدس واحد وللأخت النصف ثلاثة فتعول إلى تسعة، ثم نجمع نصيب الجد والأخت ليقتسماها تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فيكون نصيبهما أربعة ورؤوسهما ثلاثة، وهي تباين نصيبهما فنضرب رؤوسهما ثلاثة في عول المسألة تسعة، تبلغ سبعة وعشرين؛ للزوج تسعة وللأم ستة وللجد والأخت اثنا عشر له ثمانية ولها أربعة.
وسميت هذه المسألة بالأكدرية؛ لأنها كَدَّرتْ قواعد باب الجد والإخوة حيث خالفتها في ثلاثة أمور:
الأول: أن قاعدة هذا الباب إذا لم يبق إلا السدس أن يسقط الإخوة، وهنا في الأكدرية لم تسقط الأخت.
الثاني: أن مسائل هذا الباب لا تعول والأكدرية عالت.
الثالث: أنه في غير المعادة لا يفرض للأخت في هذا الباب، وفي الأكدرية فرض لها.
وهذه المسألة كما كدرت قواعد باب الجد والإخوة، فقد كدرت أيضاً قواعد الفرائض كلها، حيث ضم فيها فرض، إلى فرض ثم قسما بين صاحبيهما قسمة تعصيب، وليس في الفرائض فرضان مستقلان يضم أحدهما إلى الثاني، وليس في الفرائض وارث فرض له ثم ورث بالتعصيب.
المعادة
المعادة: أن يعد الإخوة الأشقاء أولاد الأب على الجد.
وشرح ذلك: أنه إذا اجتمع مع الجد إخوة أشقاء، وإخوة لأب؛ جعلنا الإخوة لأب إخوة أشقاء ليزاحموا الجد، فإذا أخذ نصيبه ورث الإخوة، كأن لم يكن معهم جد، وحينئذٍ لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في الإخوة الأشقاء ذكور، فلا إرث للإخوة لأب بكل حال؛ لأن ذكور الأشقاء يحجبون الإخوة لأب.
فلو هلك هالك عن جد، وأخ شقيق، وأخوين لأب: فالأكثر للجد ثلث المال؛ لأن الإخوة أكثر من مثليه فيأخذه، والباقي للأخ الشقيق، ولا شيء للأخوين لأب.(5/269)
الحال الثانية: أن يكون الإخوة الأشقاء إناثاً، اثنتين فأكثر، فلا يتصور أن يبقى شيء للإخوة لأب؛ لأن أكثر ما يمكن أن يبقى بعد نصيب الجد الثلثان، وهما فرض الشقيقتين فأكثر.
فلو هلك هالك عن جد، وأختين شقيقتين، وأخوين لأب: فالأكثر للجد، ثلث المال، فيأخذه، ثم يفرض للأختين الثلثين فتأخذانهما ويسقط الأخوان.
ولو هلك هالك عن جد، وأختين شقيقتين، وأخت لأب: فالأكثر للجد المقاسمة، فيأخذ سهمين من خمسة، والباقي للأختين الشقيقتين، وتسقط الأخت للأب، ولم نكمل للشقيقتين الثلثين؛ لأن ذلك يستلزم العَوْلَ، ولا عَوْلَ في هذا الباب في غير الأكدرية.
الحال الثالثة: أن يكون الإخوة الأشقاء أنثى واحدة فقط، فيفرض لها بعد أخذ الجد نصيبه النصف، فإن بقي شيء، أخذه الإخوة لأب، وإلا سقطوا.
فلو هلك هالك عن جد، وأخت شقيقة، وأخ لأب: فالأكثر للجد المقاسمة، فيأخذ سهمين من خمسة، ثم يفرض للأخت الشقيقة النصف، فتأخذه، والباقي للأخ لأب.
ولو هلك هالك عن جد، وأخت شقيقة وأخت لأب: فالأكثر للجد المقاسمة، فيأخذ سهمين من أربعة، ثم يفرض للشقيقة النصف فتأخذه، وتسقط الأخت لأب؛ لأنه لم يبق بعد فرض الأخت الشقيقة شيء.
(تنبيه) لا نحتاج إلى المعادة إلا في الحال التي تكون فيها المقاسمة أكثر للجد لو قاسم الإخوة الأشقاء؛ ليكثر بذلك عدد الإخوة فيزاحموا الجد. أما إذا لم تكن المقاسمة أكثر له، فلا حاجة إلى المعادة.
فلو هلك هالك عن جد، وأخوين شقيقين، وأخ لأب: فلا حاجة إلى المعادة؛ لأن المقاسمة ليست أكثر للجد إذ تستوي له هنا وثلث المال، فلو عد الأخ لأب على الجد، لم ينقص حقه بذلك، فإنه سيرث ثلث المال بكل حال، فيأخذه، والباقي للشقيقين ويسقط الأخ لأب.(5/270)
ولو هلك هالك عن بنت، وزوج، وجد، وأخت شقيقة، وأخ لأب: فللبنت النصف وللزوج الربع ويستوي للجد المقاسمة وسدس المال، فلذلك لا نحتاج إلى عد الأخ لأب عليه؛ لأن نصيب الجد لن ينقص عن السدس بكل حال، فيأخذه، والباقي للأخت الشقيقة، ويسقط الأخ لأب.
(تنبيه هام) جميع ما ذكرنا من أحوال الجد، والأكدرية، والمعادة، فإنما هو على القول بتوريث الإخوة مع الجد فأما على القول الراجح، من أنهم لا يرثون معه بكل حال، فإنه لا حاجة إلى هذه التفاصيل التي ليس عليها دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ميراث الجدة
لا إرث للجدات مطلقاً مع وجود الأم.
والجدة الوارثة هي أم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب وإن علون بمحض الإناث.
فأما من أدلت بأب أعلى من الجد، كأم أبي الجد وإن علا فهي من ذوي الأرحام على المشهور من المذهب.
والصحيح أن كل جدة أدلت بوارث فهي وارثة، وإن أدلت بأب أعلى من الجد، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وصاحب الفائق؛ لأنها مدلية بوارث فكانت وارثة كأم الأب، والجد.
أما من أدلت بغير وارث، وهي من كان بينها وبين الميت ذكر قبله أنثى، كأم أبي الأم، فهي من ذوي الأرحام قولاً واحداً (23).(5/271)
وميراث الجدة السدس سواء كانت واحدة أو أكثر، فلا يزيد الفرض بزيادتهن، لحديث قبيصة بن أبي ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال: ما لك في كتاب الله شيءٌ، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر قال: ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها فقال ما لك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها. رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. وقد نقل محمد بن نصر اتفاق الصحابة رضي الله عنهم أن السدس فرض الجدة الواحدة فأكثر.
فإن تعددت الجدات وتساوين في القرب، فالسدس بينهن بالسوية، وإن كان بعضهن أقرب من بعض سقطت البعيدة، سواء كانت من جهة الأم، أم من جهة الأب، وإن أدلت إحداهن بجهة وأخرى بجهتين، فلذات الجهة ثلث السدس، ولذات الجهتين ثلثاه.
فإذا هلك هالك عن أم أم، وأم أب، وعم: فللجدتين السدس بالسوية، والباقي للعم.
ولو هلك عن أم أم أم، وأم أب، وعم: فالسدس لأم الأب فقط؛ لأنها أقرب والباقي للعم.
ولو هلك عن جدة هي أم أم أمه، وأم أم أبيه، وجدة أخرى هي أم أبي أبيه، وعم: فللجدة الأولى ثلثا السدس، وللجدة الثانية ثلثه؛ لأن الجدة الأولى أدلت بجهتين، والثانية أدلت بجهة واحدة، والباقي للعم.
وصورة هذه المسألة أن يتزوج بنت خالته، فتأتي بولد، ثم يموت الولد عن الجدة المذكورة، وعن جدة أبيه.(5/272)
مثاله: أن يكون لهند ابنتان زينب وحفصة، ولزينب ابن اسمه محمد من زوجها علي، واسم أم علي فاطمة، ولحفصة بنت اسمها أسماء، فتزوجها ابن خالتها محمد، فأتت بولد اسمه بكر، ثم مات بكر عن جدتيه هند وفاطمة، فلهند ثلثا السدس؛ لأنها أدلت بجهتين إذ هي أم أم أم، وأم أم أب، ولفاطمة ثلثه؛ لأنها أدلت بجهة واحدة مع ذات جهتين، إذ هي أم أبي أب.
ميراث البنات
البنات يرثن تارة بالفرض، وتارة بالتعصيب بالغير.
فيرثن بالتعصيب بالغير إذا كان معهن أخوهن، لقوله تعالى :(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن)(النساء:الآية11)
ويرثن بالفرض إذا لم يكن معهن أخوهن، فإن كانت واحدة فلها النصف، وإن كانتا اثنتين فأكثر فلهما الثلثان، لقوله تعالى: ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف)(النساء:الآية11)، وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ابنتي سعد بن الربيع الثلثين، رواه الخمسة إلا النسائي(24)
فلو هلك هالك عن بنت، وعم: فللبنت النصف؛ لأنها واحدة ولا معصب معها، والباقي للعم.
ولو هلك هالك عن بنتين، وأب: فللبنتين الثلثان؛ للتعدد، وعدم المعصب، وللأب السدس فرضاً، والباقي تعصيباً.
ولو هلك عن بنت، وابن: فالمال بينهما تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا فرض للبنت لوجود المعصب.
ميراث بنات الابن
ميراث بنات الابن إذا لم يوجد فرع وارث أعلى منهن كميراث البنات، فيرثن بالتعصيب بالغير، إذا وجد ابن ابن بدرجتهن، ويرثن بالفرض، إذا لم يوجد ابن ابن بدرجتهن، للواحدة النصف وللثنتين فأكثر الثلثان؛ وذلك لأن أولاد الأبناء أولاد فيدخلون في عموم قوله تعالى: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(النساء:الآية11) وإن وجد فرع وارث أعلى منهن، فإما أن يكون ذكراً، أو أنثيين، أو أنثى واحدة.(5/273)
فإن كان ذكراً سقطن؛ لأن كل ذكر من الفروع، يسقط من تحته من أولاد الابن.
وإن كانتا أنثيين فأكثر لا ذكر معهن، فلهما الثلثان، ويسقط من دونهن من بنات الابن؛ لاستغراق من فوقهن الثلثين، إلا أن يعصبهن ذكر بدرجتهن، أو أنزل منهن.
وإن كانت أنثى واحدة لا ذكر معها، فلها النصف، ولمن دونها من بنات الابن السدس تكملة الثلثين، سواء كن واحدة أم أكثر، فلا يزيد الفرض بزيادتهن؛ لأن إناث الفروع لا يتجاوز فرضهن الثلثين، وقد أخذت البنت النصف، فلم يبق إلا السدس يكون لبنات الابن.
وعن ابن مسعود ، أنه قضى في بنت، وبنت ابن، وأخت، بأن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، وقال: (أقضي فيها بما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم). رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي(25)
أمثلة لما سبق:
لو هلك هالك عن بنت ابن، وابن ابن: فالمال بينهما تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا فرض لبنت الابن لوجود المعصب.
ولو هلك عن بنت ابن، وابن ابن ابن: فلها النصف؛ لانفرادها وعدم المعصب، وعدم فرع أعلى منها، والباقي لابن الابن النازل.
ولو هلك عن بنتي ابن، وعم: فلهما الثلثان، والباقي للعم.
ولو هلك عن بنت، وبنتي ابن، وعم: فللبنت، النصف ولبنتي الابن السدس، تكملة الثلثين، والباقي للعم.
ولو هلك عن بنت، وبنت ابن، وبنت ابن ابن، وابن ابن أنزل منها: فللبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي بين بنت الابن النازلة، وابن الابن النازل، تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين. وإنما عصبها مع كونه أنزل منها لاحتياجها إليه؛ حيث استغرق من فوقها الثلثين، ولولا تعصيبه إياها لسقطت.
فائدتان:
إحداهما: لا يمكن أن ترث أنثى من الفروع بالفرض مع وجود ذكر مساوٍ لها، بل يرثان بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان أعلى منها حجبها، وإن كان أنزل، لم يعصبها إلا إذا استغرق من فوقها الثلثين.(5/274)
الثانية: كل طبقة من الفروع فهي بالنسبة لما فوقها في الإرث، كأولاد الابن بالنسبة للأولاد على ما سبق تفصيله.
ميراث الأخوات الشقيقات
ميراث الأخوات الشقيقات، إما بالفرض، وإما بالتعصيب بالغير، وإما بالتعصيب مع الغير.
فيرثن بالفرض بثلاثة شروط، أن لا يوجد فرع وارث، ولا ذكر من الأصول وارث، ولا معصب وهو الأخ الشقيق.
وفرض الواحدة النصف، والثنتان فأكثر الثلثان لقوله تعالى: )يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَك)(النساء:الآية176)، فإن وجد فرع وارث، وكان ذكراً، سقطت الأخوات؛ لأنه لا إرث للحواشي مع ذكر الفروع، وإن كان الفرع أنثى واحدة أو أكثر، أخذن فرضهن، والباقي للأخوات تعصيباً، لحديث ابن مسعود السابق، وهذه هي الحال التي يرثن فيها بالتعصيب مع الغير.
وإن وجد ذكر من الأصول وارث، فإن كان الأب، سقطت الأخوات بالإجماع، وإن كان الجد، فقد سبق ذكر الخلاف فيه، وأن الراجح سقوطهن به، فلا إرث للحواشي مع ذكر من الأصول مطلقاً على القول الراجح.
وإن وجد معهن معصب وهو الأخ الشقيق، ورثن معه بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى:
) وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(النساء:الآية176) وهذه هي الحال التي يرثن فيها بالتعصيب بالغير.
أمثلة لما سبق:
لو هلك هالك عن أخت شقيقة، وعم: فلها النصف لتمام الشروط، والباقي للعم.
ولو هلك عن أختين شقيقتين، وعم: فلهما الثلثان، والباقي للعم.
ولو هلك عن أخت شقيقة، وابن: فالمال للابن، ولا شيء للأخت.
ولو هلك عن بنت، وأخت شقيقة: فللبنت النصف، والباقي للأخت الشقيقة تعصيباً؛ لوجود ذي فرض من الفروع.(5/275)
ولو هلك عن أب، وأخت شقيقة: فالمال للأب، ولا شيء للأخت، وكذلك لو كان بدل الأب جد على الراجح.
ولو هلك عن أخت شقيقة، وأخ شقيق: فالمال بينهما تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ميراث الأخوات لأب
ميراث الأخوات لأب، كميراث الأخوات الشقيقات على ما سبق تفصيله، بشرط أن لا يوجد أحد من الأشقاء، فإن وجد أحد من الأشقاء، فإن كان ذكراً سقطت الأخوات لأب، وإن كان شقيقة واحدة فلها النصف، وللأخوات لأب السدس، تكملة الثلثين، سواء كن واحدة أم أكثر، وإن كانت الشقيقات أكثر من واحدة سقطت الأخوات لأب؛ لاستغراق الشقيقات الثلثين، إلا أن يعصبهن أخ لأب.
أمثلة لما سبق:
أمثلة هذا الباب هي أمثلة الباب الذي قبله، بجعل الأخت الشقيقة أختاً لأب، والأخ الشقيق أخاً لأب، ولهذا الباب أمثلة خاصة نذكر منها ما يلي:
لو هلك هالك عن أخ شقيق، وأخت لأب: فالمال للأخ الشقيق ولا شيء للأخت؛ لأن ذكور الأشقاء يسقطون الإخوة لأب.
ولو هلك عن أختين شقيقتين، وأخت لأب، وعم: فللشقيقتين الثلثان، والباقي للعم، ولا شيء للأخت لأب؛ لاستغراق الشقيقتين الثلثين، وعدم المعصب لها.
ولو هلك عن أخت شقيقة، وأخت لأب، وعم: فللشقيقة النصف، وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، والباقي للعم.
ولو هلك عن أختين شقيقتين، وأخت لأب، وأخ لأب: فللشقيقتين الثلثان، والباقي بين الأخ لأب وأخته تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين.
فائدتان:
الأولى: هؤلاء الأربع، أعني البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات لأب، إذا وجد ذكر مماثل لهن درجة ووصفاً عصبهن بكل حال، فيرثن معه بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن لم يكن مماثلاً لهن درجة ووصفاً، لم يعصبهن إلا ابن الابن النازل، مع بنت ابن أعلى منه، إذا استغرق من فوقها الثلثين.
أما إذا كان الذكر أعلى منها، فإنه يسقطها بكل حال.(5/276)
الثانية: ابن الأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، لا يعصبان الأخت لأب إذا استغرقت الشقيقات الثلثين، بخلاف ابن الابن النازل، فيعصب من فوقه من بنات الابن، إذا استغرق من فوقهن الثلثين، والفرق بينهما، أن الإرث بالولادة أقوى من الإرث بالأخوة، وأن ابن الأخ لا يعصب أخته، فلا يعصب عمته.
ميراث أولاد الأم
لا يرث أولاد الأم، إلّا إذا لم يوجد للميت فرع وارث ولا ذكر من الأصول وارث. فإن وجد للميت فرع وارث، أو ذكر وارث من الأصول، سقط أولاد الأم.
وميراث الواحد منهم السدس، والاثنين فأكثر الثلث بينهم بالسوية، لا يفضل ذكر على أنثى، لقوله تعالى:
) وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)(النساء:الآية12). والكلالة الحواشي، فالذي يورث كلالة هو من يرثه حواشيه إذ لا ولد له ولا والد، والمراد بالأخ والأخت في هذه الآية أولاد الأم، وكون ما زاد على الواحد شركاء في الثلث، يدل على عدم تفضيل الذكر على الأنثى؛ لأن مطلق الشركة يقتضي التسوية.
أمثلة لما سبق:
لو هلك هالك عن أب، وأخ من أم: فالمال للأب، ولا شيء للأخ؛ لوجود أصل من الذكور وارث.
ولو هلك عن بنت، وأخ، لأم، وعم: فللبنت النصف، والباقي للعم، ولا شيء للأخ؛ لوجود الفرع الوارث.
ولو هلك عن أم، وأخ لأم، وأخت لأم، وأخ شقيق: فللأم السدس، ولولدي الأم الثلث بالسوية، والباقي للأخ الشقيق.
قواعد في الفروض وأهلها(5/277)
القاعدة الأولى: جميع الفروض الثابتة بالقرآن وهي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، يمكن اجتماع واحد منهما مع الآخر في مسألة واحدة إلا الثمن، فلا يجتمع مع الثلث ولا مع الربع، وذلك لأن الثمن فرض الزوجة فأكثر مع الفرع الوارث، ولا يوجد الثلث مع الفرع الوارث؛ لأن الثلث إما للأم - ومن شرط إرثها إياه أن لا يوجد فرع وارث - وإما لأولاد الأم ولا إرث لهم أصلاً مع الفرع الوارث.
وأما الربع؛ فلأنه للزوج مع الفرع الوارث، ولا يمكن أن يجتمع زوج وزوجة في مسألة واحدة.
القاعدة الثانية: لا يجتمع فرضان من جنس في مسألة واحدة إلا النصف والسدس.
القاعدة الثالثة: لا يرث بالفرض من الذكور إلا الزوج، والأخ من الأم، وكذلك الأب، والجد مع الفرع الوارث.
القاعدة الرابعة: أربعة أصناف من ذوي الفروض فرض الواحد منهم والمتعدد سواء وهم:
الزوجات، والجدات، وبنات الابن، إذا فرض لهن السدس. والأخوات لأب إذا فرض لهن السدس. هكذا ذكر الفرضيون فيما رأيت، ويمكن زيادة صنف خامس وهو الأب إذا تعدد؛ وذلك في وطء الشبهة، إذا وطىء شخصان امرأة بشبهة وألحقته القافة بهما. فإنهما يرثانه ميراث أب واحد، فلو مات عنهما وعن ابن لكان لهما جميعاً السدس، ولو انفرد أحدهما لكان له السدس وحده والباقي للابن.
العصبة
العصبة جمع عاصب، وهو من يرث بلا تقدير، فإذا انفرد أخذ جميع المال، وإن كان معه صاحب فرض أخذ الباقي بعده، وإن استغرقت الفروض التركة سقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" متفق عليه(26) .
أقسام العصبة
ينقسم العصبة ثلاثة أقسام عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
فالعصبة بالنفس هم:
1 - جميع الذكور الوارثين من الأصول، والفروع، والحواشي، إلا الأخوة من الأم.
2 - من يرث بالولاء من ذكر أو أنثى، كالمعتق والمعتقة.(5/278)
والعصبة بالغير هن البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات لأب مع ذكر مماثل لهن درجة ووصفاً، أو أنزل منهن في بنات الابن خاصة، إذا استغرق من فوقهن الثلثين، فيرث هؤلاء الأربع مع من كن عصبة به، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والعصبة مع الغير هن الأخوات الشقيقات، والأخوات لأب مع إناث الفروع، فتجعل الأخوات الشقيقات بمنزلة الأخوة الأشقاء، والأخوات لأب بمنزلة الأخوة لأب.
جهات العصوبة وترتيب الإرث بها:
جهات العصوبة على القول الراجح خمس، مجموعة على الترتيب في قوله:
بنوةٌ أُبوةٌ أُخوةٌ عمومةٌ وذو الولا التتمة
فالبنوة يدخل فيها الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، وكذا البنات وبنات الابن مع ذكر معصب لهن
والأبوة يدخل فيها الأب وآباؤه وإن علوا بمحض الذكور.
والأخوة يدخل فيها الأخوة لغير أم وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، وكذا الأخوات لغير أم إذا كن عصبة بالغير أو مع الغير.
والعمومة يدخل فيها الأعمام لغير أم، وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور.
والولاء يدخل فيه المعتق، وعصبته المتعصبون بأنفسهم.
هذه جهات العصوبة على القول الراجح الذي يجعل الجد أباً.
أما على القول المرجوح الذي لا يجعله أباً فالجهات ست: البنوة ثم الأبوة ثم الجدودة والأخوة ثم بنو الأخوة ثم العمومة وبنوهم ثم الولاء.
فيقدم في التعصيب الأسبق جهة، فإن كانوا في جهة واحدة، قدم الأقرب منزلة، فإن كانوا في منزلة واحدة، قدم الأقوى، وهو من يدلي بالأبوين على الذي يدلي بالأب وحده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"(27) ، فالابن أولى من الأب لأنه أسبق جهة، والأب أولى من الجد لأنه أقرب منزلة، والأخ الشقيق أولى من الأخ لأب لأنه أقوى. قال الجعبري مشيراً إلى ما سبق:
فبالجهةِ التقديمُ ثم بقربه وبعدهما التقديمَ بالقوة اجعلا(5/279)
فلو هلك هالك عن أب، وابن: فللأب السدس فرضاً، والباقي للابن تعصيباً، ولا تعصيب للأب؛ لأن جهة البنوة أسبق من جهة الأبوة.
ولو هلك عن زوجة، وابن، وابن ابن: فللزوجة الثمن، والباقي للابن وحده؛ لأنه أقرب منزلة.
ولو هلك عن عم أبيه، وابن ابن ابن ابن عمه: فالمال لابن العم النازل دون عم الأب؛ لأن ابن العم يتصل بالميت في الجد وعم أبيه يتصل به في أبي الجد، فابن العم أقرب منزلة.
ولو هلك عن أخ لأب، وابن أخ شقيق: فالمال للأخ؛ لأنه أقرب منزلة ولم نعتبر قوة الثاني؛ لأن قرب المنزلة مقدم على القوة.
ولو هلك عن بنت، وأخت شقيقة، وأخ لأب: فللبنت النصف والباقي للأخت الشقيقة؛ لأنها أقوى من الأخ لأب
فوائد:
الفائدة الأولى: سبق أن العاصب إذا استغرقت الفروض التركة سقط، فعلى هذا يسقط الإخوة الأشقاء في الحمارية وهي:
زوج، وأم، أو جدة فأكثر، وعدد من أولاد الأم، وعصبة من الأشقاء.
فلو هلكت امرأة عن زوج، وأم، وأخوين من أم، وأخ شقيق: فالمسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأخوين من أم الثلث اثنان، ولا شيء للأخ الشقيق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" (28). فإذا ألحقنا بهؤلاء فرائضهم التي فرضها الله لهم بنص القرآن، لم يبق للأخ الشقيق شيء، فيسقط بمقتضى النص وكل قياس خالفه فهو فاسد يجب نبذه لمعارضته النص.
وتسمى هذه المسألة - أيضاً - (المُشَرَّكَة)؛ لأن مذهب مالك والشافعي - رحمهما الله - التشريك فيها بين الإخوة الأشقاء والإخوة لأم في الثلث، وهو آخر الروايتين عن عمر، وإحدى الروايتين عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما .
والصواب عدم التشريك؛ لأنه مقتضى النص كما سبق.
ولو كان بدل الزوج زوجة، لكان لها الربع، وللأم السدس، وللأخوين من أم الثلث، والباقي للأخ الشقيق، ولو كانوا مائة أخ.(5/280)
ولو كان بدل الأخوين من أم، أخ واحد، لكان للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخ من الأم السدس، والباقي للأخ الشقيق، ولو كان معه ألف أخ.
ولو كان بدل الأخ الشقيق أخت شقيقة، لكان للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين من أم الثلث، وللأخت الشقيقة النصف، وتعول إلى تسعة. فإن كان معها أخت أخرى فرض لهما الثلثان، وعالت إلى عشرة.
ولا تشريك في هذه المسائل، وهذا دليل على ضعف القول بالتشريك في مسألة المشركة.
الفائدة الثانية: علم مما سبق أنه لا يرث بنو أب الميت الأعلى مع بني أبيه الأقرب وإن نزلوا؛ لأن بني أبيه الأقرب أقرب منزلة، فإن من يجتمع بالميت في الجد مثلاً، أقرب ممن يجتمع به في أبي الجد، ولذلك كان بنو الأخوة وإن نزلوا، أولى من الأعمام وإن قربوا.
فلو هلك هالك عن عم جده، وابن ابن ابن ابن عم أبيه: كان المال للثاني؛ لأنه أقرب منزلة.
الفائدة الثالثة: لا يتصور التقديم بالقوة إلا في الأخوة والأعمام وأبنائهم وإن نزلوا.
الفائدة الرابعة: ترتيب عصبة المعتق في التقديم، كترتيب عصبة النسب، لكن لا يرث إلا العصبة بأنفسهم.
فلو هلك عن ابن معتقه، وأخي معتقه: كان المال للأول؛ لأنه أسبق جهة.
ولو هلك عن ابن معتقه، وابن ابن معتقه: فالمال للأول؛ لأنه أقرب منزلة.
ولو هلك عن أخ معتقه الشقيق، وأخيه من أبيه: فالمال للأول؛ لأنه أقوى.
ولو هلك عن ابن معتقه، وبنت معتقه: فالمال للابن؛ لأنه هو العاصب بالنفس، والبنت عاصبة بالغير.
الفائدة الخامسة: قد يرث الشخص بالفرض، والتعصيب من جهة واحدة، كما سبق في الأب والجد مع إناث الفروع، وقد يجتمع في الشخص جهة فرض، وجهة تعصيب، فيرث بهما إن لم تحجبا أو أحدهما. فلو تزوج بنت عمه فهلكت عنه، فله النصف فرضاً؛ لأنه زوج، والباقي تعصيباً؛ لأنه ابن عم.(5/281)
وإن حجبتا لم يرث، فلو هلك عن بنت، وعم، وابن عم هو أخ من أم، فللبنت النصف، والباقي للعم، ولا شيء لابن العم بجهة الفرض؛ لأن البنت تحجبه، ولا بجهة التعصيب؛ لأن العم يحجبه.
وإن حجبت إحداهما ورث بالأخرى فقط، فلو هلك عن بنت، وابني عم أحدهما أخ من أم: فللبنت النصف، والباقي لابني العم تعصيباً بالسوية، ولا إرث للأخ من الأم بالفرض؛ لأن البنت تحجبه.
ولو هلكت امرأة عن عم، وابن عم هو زوج: فلابن عمها النصف فرضاً؛ لأنه زوج والباقي للعم ولا إرث لابن العم بالتعصيب؛ لأن العم يحجبه.
الفائدة السادسة: قد يجتمع في الشخص جهتا تعصيب فيرث بالمقدم منهما فقط إن لم يوجد لها مانع، فلو هلك عن عم معتق لأبيه، وابن عم معتق له: فالمال للعم، اعتباراً بالجهة المقدمة من التعصيب، وهي جهة النسب، ولو اعتبرنا المؤخرة وهي جهة الولاء لكان المال لابن العم؛ لأنه معتق للميت نفسه، فيكون أولى من معتق أبيه.
ولو هلك عن عمين أحدهما معتق: فالمال بينهما بالسوية بعصوبة النسب.
ولا يتميز المعتق بزيادة بسبب الولاء؛ لأنه إذا اجتمع في الشخص جهتا تعصيب، ورث بالمقدم منها فقط.
فإن وجد بالمقدم من جهتي التعصيب مانع ورث بالأخرى، فلو كان العتيق في المثال الأخير مخالفاً لعميه في الدين، ورثه العم المعتق بالولاء فقط؛ لوجود مانع في عصوبة النسب، وهو اختلاف الدين دون عصوبة الولاء؛ لأن اختلاف الدين لا يمنع من الإرث بالولاء على المشهور من المذهب، وقد سبق أن الصواب أنه مانع كالإرث بالنسب، فعليه لا ميراث لهما جميعاً.
ولو اشترت بنت أباها عتق عليها، ثم إذا هلك عنها وعن ابنه ورثاه بتعصيب النسب، للذكر مثل حظ الأنثيين
ولو اشترى الأب المذكور عبداً فأعتقه ثم هلك العتيق عن ابن معتقه وبنته المذكورين، لكان ماله للابن دون البنت؛ لأن الولاء لا يرث به إلا العاصب بالنفس، والبنت عاصبة بالغير.(5/282)
فإن قيل: هذه البنت معتقة المعتق فهي عاصبة بالنفس؟ فالجواب: أن الابن عاصب بالنفس من جهة النسب، والبنت عاصبة بالنفس من جهة الولاء، وعصوبة النسب مقدمة على عصوبة الولاء، فكان الابن مقدماً عليها
الفائدة السابعة: من لا أب له شرعاً، كولد الزنا والمنفي بلعان، فعصبته عصبة فروعه، فإن عدموا فأمه، فإن عدمت فعصبتها على الترتيب السابق.
والمذهب أن عصبته عصبة فروعه، فإن عدموا فعصبة أمه المتعصبون بأنفسهم، ولا عصبة للأم ولا لغير العاصب بالنفس من عصبتها.
والأول أصح لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة، لأمه ولورثتها من بعدها(29) . رواه أبو داود. وسبق حديث واثلة ابن الأسقع(30): "أن المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه"، ولأن الولادة انقطعت شرعاً من جهة الأب، فانحصرت في الأم؛ فكانت الأم بمنزلة الأم والأب؛ ولأن قاعدة الفرائض أن لا يدلي عاصب بصاحب فرض محض، فلا يدلي العاصب إلا بعاصب، فإذا كان عصبة الأم عصبة فهي عصبة أيضاً، وهي أقرب منهم، فتكون أولى بالتعصيب. وهذا القول هو قول ابن مسعود وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار الشيخ تقي الدين.
فلو هلك منفي بلعان عن بنت، وأمه، وخاله، وخالته: فللبنت النصف، وللأم السدس فرضاً والباقي تعصيباً على القول الأول. أما على القول الثاني فللبنت النصف وللأم السدس فرضاً، والباقي للخال تعصيباً، ولا شيء للخالة؛ لأنها عاصبة بالغير.
الفائدة الثامنة: عُلِمَ مما سبق أن الورثة ينقسمون باعتبار الإرث بالفرض والتعصيب خمسة أقسام:
الأول: من يرث بالفرض فقط، وهم الزوجان، وأولاد، الأم وإناث الأصول، كالأم والجدة وإن علت.
الثاني: من يرث بالتعصيب بالنفس، وهم الأبناء، وأبناؤهم، والإخوة لغير أم، وأبناؤهم، والأعمام لغير أم، وأبناؤهم، وذو الولاء من ذكر وأنثى.(5/283)
الثالث: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب بالنفس تارة، ويجمع بينهما تارة، وهو الأب، والجد وإن علا.
الرابع: من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب بالغير تارة ولا يجمع بينهما، وهن البنات، وبنت الابن وإن نزل
الخامس: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب بالغير تارة، وبالتعصيب مع الغير تارة، ولا يجمع بين ذلك، وهن الأخوات الشقيقات والأخوات لأب.
هذه هي الأقسام التي قام عليها الدليل، وبقي قسم سادس لا دليل عليه، وهو من يرث بالفرض أولاً، ثم يقسم عليه بالتعصيب، وهو الجد، والأخت في الأكدرية، وقد سبق الكلام عليها وبيان ضعفها ومخالفتها للدليل وقواعد الفرائض.
الحجب
الحَجْبُ في اللغة المنع، وفي الاصطلاح منع الوارث من الإرث كله أو بعضه.
وهذا الباب مهم جداً في الفرائض لا ينقص أهمية عن أسباب الإرث وشروطه؛ وذلك لأن الإرث كغيره لا يتم إلا بوجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه، فالحكم بالميراث يتوقف على معرفة أسبابه وشروطه وموانعه؛ حتى لا يحكم به مع تخلف الأسباب والشروط أو وجود الموانع، ولذلك قال بعض العلماء: لا يحل لمن لا يعرف باب الحجب أن يفتي في الفرائض خوفاً من أن يورث من لا إرث له فيحرم الحق أهله، ويعطيه من لا يستحقه.
وينقسم الحجب إلى قسمين: حجب بوصف، وحجب بشخص.
فالحجب بالوصف أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث السابقة الرق والقتل واختلاف الدين .
وهذا القسم يمكن دخوله على جميع الورثة، فإن كان كل واحد منهم يمكن أن يكون رقيقاً أو قاتلاً أو مخالفاً في الدين.
والمحجوب بالوصف وجوده كالعدم، فلا يحجب غيره ولا يعصب غيره.
والحجب بالشخص أن يكون بعض الورثة محجوباً بشخص آخر، ويتنوع هذا القسم إلى نوعين حجب حرمان وحجب نقصان.
فحجب الحرمان أن لا يرث المحجوب مع الحاجب شيئاً، ويمكن دخوله على جميع الورثة إلا من يدلي إلى الميت بلا واسطة وهم ستة: الأم والأب والبنت والابن والزوجة والزوج.(5/284)
وحجب النقصان أن يرث المحجوب مع الحاجب شيئاً لولا الحاجب لورث أكثر منه، وهذا النوع يمكن دخوله على جميع الورثة من غير استثناء.
والمحجوب بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان، ولكن قد يحجبه حجب نقصان، كالإخوة يحجبون الأم إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب.
وهذه قواعد لحجب الحرمان بالشخص:
القاعدة الأولى : في الأصول، فكل وارث من الأصول يحجب من فوقه إذا كان من جنسه، فالأب يحجب الأجداد لأنهم من جنسه ولا يحجب الجدات لأنهن من غير جنسه، والأم تحجب الجدات لأنهن من جنسها ولا تحجب الأجداد لأنهم من غير جنسها.
القاعدة الثانية : في الفروع، فكل ذكر وارث من الفروع يحجب من تحته سواء كان من جنسه أم لا، فالابن يحجب أبناء الابن وبنات الابن، فأما الأنثى من الفروع فلا تحجب من تحتها لكن إذا استغرقن الثلثين فإن من تحتهن من الإناث يسقطن، إلا أن يعصبهن ابن ابن بدرجتهن أو أنزل منهن.
القاعدة الثالثة : في الحواشي مع الأصول والفروع؛ فكل ذكر وارث من الأصول والفروع، فإنه يحجب الحواشي الذكور منهم والإناث، ولا يستثنى من ذلك شيء على القول الراجح، وسبق أن المذهب تشريك الإخوة لغير أم مع الجد على التفصيل السابق.
وأما الإناث من الأصول أو الفروع فلا يحجبن الحواشي، إلا إناث الفروع وهن البنات وبنات الابن فيحجبن الإخوة لأم.
القاعدة الرابعة : في الحواشي بعضهم مع بعض؛ فكل من يرث منهم بالتعصيب فإنه يحجب من دونه في الجهة أو القرب أو القوة على ما سبق في باب التعصيب. وأما من يرث بالفرض كالأخوات فإنه لا يحجب من يرث بالتعصيب ولا بالفرض(31) .(5/285)
القاعدة الخامسة : في الولاء؛ فكل من يرث بالتعصيب من النسب فإنه يحجب من يرث به من الولاء، وكل من كان أعلى من غيره بالجهة أو المنزلة أو القوة فإنه يحجب من دونه، إلا أنه يفرض للأب والجد وإن علا، السدس مع الأبناء وأبنائهم على المذهب، والصواب أن لا فرض في الولاء لا للأب ولا للجد ولا لغيرهما وأنهما يسقطان بالأبناء وأبنائهم. اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره عنه في الفائق.
القاعدة السادسة : قال الأصحاب: كل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، إلا الإخوة من الأم فإنهم يدلون بالأم ويرثون معها، وإلا الجدة أم الأب وأم الجد فإنها تدلي بهما وترث معهما.
وذكر ابن رجب هذه القاعدة على وجه آخر وهو: أن من أدلى بشخص فإن قام مقامه عند عدمه سقط به وإلا فلا.
أمثلة على ما سبق:
لو هلك هالك عن أم، وأخت شقيقة، وأخ شقيق رقيق، وعم لغير أم: فللأم الثلث وللأخت النصف والباقي للعم ولا شيء للأخ؛ لأنه رقيق فهو محجوب بالوصف، ولذلك لم يحجب الأم إلى السدس، ولم يعصب أخته ولم يسقط العم؛ لأن المحجوب بالوصف وجوده كالعدم فلا يحجب غيره ولا يُعصبه.
ولو هلك هالك عن أم، وأب، وإخوة: فللأم السدس والباقي للأب ولا شيء للإخوة؛ لأن الأب يحجبهم وإنما حجبوا الأم مع أنهم لا يرثون؛ لأن المحجوب بالشخص قد يحجب غيره نقصاناً.
ولو هلك هالك عن أب، وأمه، وجد، وأمه: فلأم الأب السدس، والباقي له، ولا شيء للجد؛ لأنه محجوب بالأب لكونه من جنسه، ولا لأمه؛ لأنها محجوبة بأم الأب لكونها من جنسها، ولو كان الأب معدوماً لكان لأمه السدس والباقي للجد، ولو كانت أم الأب معدومة لكان لأم الجد السدس والباقي للأب ولم يحجبها لأنها ليست من جنسه.
الحجب
الحَجْبُ في اللغة المنع، وفي الاصطلاح منع الوارث من الإرث كله أو بعضه.(5/286)
وهذا الباب مهم جداً في الفرائض لا ينقص أهمية عن أسباب الإرث وشروطه؛ وذلك لأن الإرث كغيره لا يتم إلا بوجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه، فالحكم بالميراث يتوقف على معرفة أسبابه وشروطه وموانعه؛ حتى لا يحكم به مع تخلف الأسباب والشروط أو وجود الموانع، ولذلك قال بعض العلماء: لا يحل لمن لا يعرف باب الحجب أن يفتي في الفرائض خوفاً من أن يورث من لا إرث له فيحرم الحق أهله، ويعطيه من لا يستحقه.
وينقسم الحجب إلى قسمين: حجب بوصف، وحجب بشخص.
فالحجب بالوصف أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث السابقة الرق والقتل واختلاف الدين .
وهذا القسم يمكن دخوله على جميع الورثة، فإن كان كل واحد منهم يمكن أن يكون رقيقاً أو قاتلاً أو مخالفاً في الدين.
والمحجوب بالوصف وجوده كالعدم، فلا يحجب غيره ولا يعصب غيره.
والحجب بالشخص أن يكون بعض الورثة محجوباً بشخص آخر، ويتنوع هذا القسم إلى نوعين حجب حرمان وحجب نقصان.
فحجب الحرمان أن لا يرث المحجوب مع الحاجب شيئاً، ويمكن دخوله على جميع الورثة إلا من يدلي إلى الميت بلا واسطة وهم ستة: الأم والأب والبنت والابن والزوجة والزوج.
وحجب النقصان أن يرث المحجوب مع الحاجب شيئاً لولا الحاجب لورث أكثر منه، وهذا النوع يمكن دخوله على جميع الورثة من غير استثناء.
والمحجوب بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان، ولكن قد يحجبه حجب نقصان، كالإخوة يحجبون الأم إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب.
وهذه قواعد لحجب الحرمان بالشخص:
القاعدة الأولى : في الأصول، فكل وارث من الأصول يحجب من فوقه إذا كان من جنسه، فالأب يحجب الأجداد لأنهم من جنسه ولا يحجب الجدات لأنهن من غير جنسه، والأم تحجب الجدات لأنهن من جنسها ولا تحجب الأجداد لأنهم من غير جنسها.(5/287)
القاعدة الثانية : في الفروع، فكل ذكر وارث من الفروع يحجب من تحته سواء كان من جنسه أم لا، فالابن يحجب أبناء الابن وبنات الابن، فأما الأنثى من الفروع فلا تحجب من تحتها لكن إذا استغرقن الثلثين فإن من تحتهن من الإناث يسقطن، إلا أن يعصبهن ابن ابن بدرجتهن أو أنزل منهن.
القاعدة الثالثة : في الحواشي مع الأصول والفروع؛ فكل ذكر وارث من الأصول والفروع، فإنه يحجب الحواشي الذكور منهم والإناث، ولا يستثنى من ذلك شيء على القول الراجح، وسبق أن المذهب تشريك الإخوة لغير أم مع الجد على التفصيل السابق.
وأما الإناث من الأصول أو الفروع فلا يحجبن الحواشي، إلا إناث الفروع وهن البنات وبنات الابن فيحجبن الإخوة لأم.
القاعدة الرابعة : في الحواشي بعضهم مع بعض؛ فكل من يرث منهم بالتعصيب فإنه يحجب من دونه في الجهة أو القرب أو القوة على ما سبق في باب التعصيب. وأما من يرث بالفرض كالأخوات فإنه لا يحجب من يرث بالتعصيب ولا بالفرض(31) .
القاعدة الخامسة : في الولاء؛ فكل من يرث بالتعصيب من النسب فإنه يحجب من يرث به من الولاء، وكل من كان أعلى من غيره بالجهة أو المنزلة أو القوة فإنه يحجب من دونه، إلا أنه يفرض للأب والجد وإن علا، السدس مع الأبناء وأبنائهم على المذهب، والصواب أن لا فرض في الولاء لا للأب ولا للجد ولا لغيرهما وأنهما يسقطان بالأبناء وأبنائهم. اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره عنه في الفائق.
القاعدة السادسة : قال الأصحاب: كل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة، إلا الإخوة من الأم فإنهم يدلون بالأم ويرثون معها، وإلا الجدة أم الأب وأم الجد فإنها تدلي بهما وترث معهما.
وذكر ابن رجب هذه القاعدة على وجه آخر وهو: أن من أدلى بشخص فإن قام مقامه عند عدمه سقط به وإلا فلا.
أمثلة على ما سبق:(5/288)
لو هلك هالك عن أم، وأخت شقيقة، وأخ شقيق رقيق، وعم لغير أم: فللأم الثلث وللأخت النصف والباقي للعم ولا شيء للأخ؛ لأنه رقيق فهو محجوب بالوصف، ولذلك لم يحجب الأم إلى السدس، ولم يعصب أخته ولم يسقط العم؛ لأن المحجوب بالوصف وجوده كالعدم فلا يحجب غيره ولا يُعصبه.
ولو هلك هالك عن أم، وأب، وإخوة: فللأم السدس والباقي للأب ولا شيء للإخوة؛ لأن الأب يحجبهم وإنما حجبوا الأم مع أنهم لا يرثون؛ لأن المحجوب بالشخص قد يحجب غيره نقصاناً.
ولو هلك هالك عن أب، وأمه، وجد، وأمه: فلأم الأب السدس، والباقي له، ولا شيء للجد؛ لأنه محجوب بالأب لكونه من جنسه، ولا لأمه؛ لأنها محجوبة بأم الأب لكونها من جنسها، ولو كان الأب معدوماً لكان لأمه السدس والباقي للجد، ولو كانت أم الأب معدومة لكان لأم الجد السدس والباقي للأب ولم يحجبها لأنها ليست من جنسه.
التأصيل والتصحيح
التأصيل: تحصيل أقل عدد تخرج منه سهام المسألة بلا كسر.
والتصحيح: تحصيل أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر.
وأصل المسألة: أقل عدد تخرج منه سهامها بلا كسر.
فإن كان الورثة عصبة نسب، فأصل مسألتهم بعدد رؤوسهم، يجعل الذكر رأسين والأنثى رأساً واحداً، فلو هلك عن ابنين، وابنتين فمسألتهم من ستة لكل ابن اثنان ولكل ابنة واحد.
وإن كان الورثة عصبة ولاء فإن تساووا في الملك فأصل مسألتهم بعدد رؤوسهم، وإن اختلفوا فأصل مسألتهم أقل عدد ينقسم على أنصبائهم من العتيق، فلو هلك عن موليين لكل واحد منهما نصفه فالمسألة من اثنين لكل واحد واحد، وإن كان لأحدهما ربعه فالمسألة من أربعة لذي الربع واحد والباقي لشريكه.
وإن كان في الورثة ذو فرض فأصل مسألتهم أقل عدد يخرج منه فرضها أو فروضها بلا كسر.
فإن كان الفرض واحداً أو اثنين فأكثر من جنس فأصل المسألة أقل عدد ينقسم على مخرجه، وإن كانت الفروض اثنين فأكثر والجنس مختلف، فأصل المسألة أقل عدد ينقسم على مخرجيهما.(5/289)
وأصول مسائل ذوي الفروض سبعة على المشهور: اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون.
فالاثنان لكل مسألة فيها نصف كزوج وعم، أو نصفان كزوج وأخت لغير أم.
والثلاثة لكل مسألة فيها ثلث كأم وعم، أو ثلثان كبنتين وعم أو ثلثان وثلث كأختين لغير أم وأختين لأم.
والأربعة لكل مسألة فيها ربع كزوج وابن، أو ربع ونصف كزوج وبنت وعم.
والستة لكل مسألة فيها سدس أو سدسان أو ثلاثة، كأم وابن، أو أم وأخ لأم وأخ شقيق، أو أم وأب وبنت وبنت ابن، أو سدس وثلث كأم وأخ لأم وعم، أو سدس ونصف كأم وبنت وعم، أو سدس وثلثان كأم وابنتين وعم، أو نصف وثلث كزوج وأم وعم أو نصف وثلثان كزوج وشقيقتين وعم.
والثمانية لكل مسألة فيها ثمن كزوجة وابن، أو ثمن ونصف كزوجة وبنت وعم.
والاثنا عشر لكل مسألة فيها ربع وسدس كزوج وأم وابن، أو ربع وثلث كزوجة وأم وعم، أو ربع وثلثان كزوجة وشقيقتين وعم.
والأربعة والعشرون لكل مسألة فيها ثمن وسدس كزوجة وأم وابن، أو ثمن وثلثان كزوجة وابنتين وعم.
- أقسام هذه الأصول باعتبار العول وعدمه:
لا تخلو فروض المسألة بالنسبة إلى أصلها من أحد ثلاثة أمور:
أحدها: أن تكون زائدة على أصل المسألة.
الثاني: أن تكون ناقصة عن أصل المسألة.
الثالث: أن تكون بقدر أصل المسألة من غير زيادة ولا نقص.
فالأول وهو زيادة الفروض على أصل المسألة يسمى (العول)
والثاني وهو نقص الفروض عن أصل المسألة يسمى (النقص)
والثالث وهو كون الفروض بقدر أصل المسألة من غير زيادة ولا نقص يسمى (العدل)
وهذه الأصول السبعة السابقة باعتبار العول والنقص والعدل أربعة أقسام:
أحدها: ما يكون ناقصاً دائماً، وهما أصل: أربعة وثمانية.
الثاني: ما يكون ناقصاً أو عادلاً ولا يكون عائلاً، وهما أصل: اثنين وثلاثة.
الثالث: ما يكون ناقصاً أو عائلاً ولا يكون عادلاً، وهما أصل: اثني عشر وأربعة وعشرين.
الرابع: ما يكون ناقصاً وعادلاً وعائلاً، وهو أصل: ستة.(5/290)
وبهذا تبين أن الذي يمكن عوله ثلاث أصول:
الأصل الأول : أصل ستة وتعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة.
مثال ذلك: أن تهلك امرأة عن زوج وأختين شقيقتين فالمسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وتعول إلى سبعة.
فإن كان معهم أم كان لها السدس واحد وتعول إلى ثمانية.
فإن كان معهم أخ لأم كان له السدس واحد وتعول إلى تسعة.
فإن كان معهم أخ لأم آخر كان له مع أخيه الثلث وتعول إلى عشرة، وتسمى الستة إذا عالت إلى عشرة أم الفروخ - بالخاء المعجمة - لكثرة عولها.
الأصل الثاني : أصل اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر ولا تعول إلى شفع أبداً.
مثال ذلك: أن يهلك هالك عن ثلاث زوجات وثمان أخوات لغير أم وجدتين، فالمسألة من اثني عشر، للزوجات الربع ثلاثة لكل واحدة واحد، وللأخوات الثلثان ثمانية لكل واحدة واحد وللجدتين السدس اثنان لكل واحدة واحد، وتعول إلى ثلاثة عشر. فإن كان معهم أخت لأم كان لها السدس اثنان وتعول إلى خمسة عشر. فإن كانت الأخوات لأم أكثر من واحدة كأربع مثلاً كان لهن الثلث أربعة لكل واحدة واحد وتعول إلى سبعة عشر وتسمى هذه المسألة (أم الفروج) بالجيم لأن الوارثات كلهن نساء، وتسمى أيضاً (الدينارية الصغرى) لأن كل أنثى أخذت ديناراً مع اختلاف جهاتهن.
الأصل الثالث : أصل أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين فقط.
مثال ذلك: أن يهلك رجل عن زوجة، وابنتين، وأبوين: فالمسألة من أربعة وعشرين. للزوجة الثمن ثلاثة، وللبنتين الثلثان ستة عشر، وللأم السدس أربعة، وللأب السدس أربعة، وتعول إلى سبعة وعشرين.
وأما الأصول التي لا يمكن عولها فهي أربعة:
أحدها : أصل اثنين يكون ناقصاً كزوج وعم، ويكون عادلاً كزوج وأخت شقيقة.
الثاني : أصل ثلاثة يكون ناقصاً كأم وعم، أو بنتين وعم، ويكون عادلاً كأختين شقيقتين وأختين لأم.
الثالث : أصل أربعة يكون ناقصاً دائماً كزوج وابن، أو زوج وبنت وعم.(5/291)
الرابع : أصل ثمانية يكون ناقصاً دائماً كزوجة وابن، أو زوجة وبنت وعم.
فوائد:
الفائدة الأولى : هذه الأصول السبعة السابقة هي الأصول المتفق عليها وبقي أصلان مختلف فيهما، وهما أصل ثمانية عشر وستة وثلاثين ويختصان بباب الجد والإخوة على القول بتوريثهم معه. فقيل: إنهما أصلان وقيل: بل مَصَحَّان.
فأصل ثمانية عشر لكل مسألة فيها سدس وثلث الباقي كأم وجد وثلاثة إخوة لغير أم فالمسألة من ثمانية عشر. للأم السدس ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة والباقي للإخوة.
وأصل ستة وثلاثين لكل مسألة فيها سدس وربع وثلث الباقي كأم وزوجة وجد وثلاثة إخوة لغير أم. فالمسألة من ستة وثلاثين للأم السدس ستة وللزوجة الربع تسعة وللجد ثلث الباقي سبعة والباقي للإخوة.
الفائدة الثانية : إذا حصل العول في مسألة فإنه ينقص من نصيب كل وارث بقدر نسبة ما عالت به إليها بعد العول. فإذا عالت الستة مثلاً إلى سبعة كان نقص سهم كل وارث سبعاً لأنها عالت بواحد ونسبة الواحد إلى السبعة سبع. وإذا عالت إلى عشرة كان نقصه الخمسين؛ لأنها عالت بأربعة ونسبة الأربعة إلى العشرة خمسان.
الفائدة : أول مسألة حصل فيها العول وقعت زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في زوج وأختين لغير أم فاستشار الصحابة فاتفقوا على العول؛ لأنه الميزان القسط إذ لو لم نقل به لزم إكمال حق بعض الورثة ونقص الآخرين، وليس أحدهم أولى به من الآخر لأن الكل له فرض مقدر، فكان مقتضى العدل أن يدخل النقص على الجميع بالقسط كالغرماء إذا ضاق مال المفلس عن وفاء ديونهم. وهذا هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الله فرض لذوي الفروض فروضهم من غير استثناء ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلحاق الفرائض بأهلها(35) ولا طريق إلى ذلك عند التزاحم إلا بالعول.
الفائدة الرابعة : إذا نقصت الفروض عن المسألة ولم يوجد عاصب رد على كل ذي فرض بقدر فرضه إلا الزوجين.(5/292)
وقد اختلف العلماء في القول بالرد، فالمالكية والشافعية قالوا: إذا نقصت الفروض عن المسألة لم يرد على ذوي الفروض بل يصرف الزائد في بيت المال إن كان منتظماً.
والحنفية والحنابلة قالوا: بثبوته لدلالة الكتاب والسنة والاعتبار الصحيح.
أما الكتاب فقوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(الأنفال:الآية75)، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك مالاً فلورثته"(36) .
وأما الاعتبار فلأن صرف المال إلى الأقارب أولى من صرفه إلى بيت المال الذي هو لعموم الناس، ولأن الفروض تنقص بالعول إذا زادت على المسألة، فالقياس أن تزيد بالرد إذا نقصت عنها.
أما الزوجان فلا يرد عليهما؛ قال في "المغني": "باتفاق من أهل العلم، إلا أنه روي عن عثمان أنه رد على زوج، ولعله كان عصبة أو ذا رحم فأعطاه لذلك، أو أعطاه من بيت المال لا على سبيل الميراث، وسبب ذلك - إن شاء الله - أن أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في عموم قوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(الأنفال:الآية75)
والزوجان خارجان من ذلك". انتهى كلامه.
وقد نقل الإجماع على عدم الرد على الزوجين غير واحد من الفرضيين وتقرير الدليل الذي قاله صاحب "المغني" أن الله فرض لذوي الفروض فروضهم فيجب أن لا يعطى أحد فوق فرضه ولا ينقص منه إلا بدليل، وقد قام الدليل على أنه ينقص منه عند التزاحم كما سبق في العول، وقام الدليل على أنه يعطى القريب ما فضل عن الفرض عند عدم العاصب وهو قوله تعالى: ) وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(الأنفال:الآية75)، فبقي الزوجان لا دليل على إعطائهما فوق ما فرض الله لهما.(5/293)
وأما ما وقع في "فتاوى شيخ الإسلام" صفحة (48) مجموعة رقم (1) وفي "مختصر الفتاوى" صفحة (420) وفي "الاختيارات" صفحة (197) في امرأة خلفت زوجاً وأماً وبنتاً أنها تقسم على أحد عشر للبنت ستة أسهم وللزوج ثلاثة أسهم وللأم سهمان، وهذا على قول من يقول بالرد، كأبي حنيفة وأحمد. انتهى. فإن ظاهر هذه القسمة أنه يرد على الزوج وفي ذلك نظر من وجوه ثلاثة:
الأول : أن الشيخ صرح بأنها مبنية على قول من يقول بالرد. وقد علم أن القائلين بالرد لا يرون الرد على الزوجين، فقسمة المسألة المذكورة عندهم من ستة عشر للزوج أربعة وللبنت تسعة وللأم ثلاثة.
الثاني : أن الأصحاب لم ينقلوا عن الشيخ أنه يرى الرد على الزوجين مع اعتنائهم بآرائه واعتبارهم لها، بل إن صاحب "مختصر الفتاوى" قال عن المسألة المذكورة: إن فيها نظراً.
الثالث : إن الشيخ نفسه ذكر في موضع آخر مسألتين رد فيهما أحد الزوجين ولم يرد عليهما.
ففي صفحة (50) من المجموعة رقم (1) من "الفتاوى" في رجل مات وترك زوجة وأختاً لأبوين وثلاث بنات أخ لأبويه. قال الشيخ: للزوجة الربع وللأخت النصف ولا شيء لبنات الأخ. والربع الثاني إن كان هناك عصبة فهو للعصبة، وإلا فهو مردود على الأخت على أحد قولي العلماء وعلى الآخر فهو لبيت المال.(5/294)
وقال في صفحة (52) من المجوعة المذكورة في امرأة خلفت زوجاً وابن أخت: أن للزوج النصف وأما ابن الأخت: ففي أحد الأقوال له الباقي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأحمد في المشهور عنه، وفي القول الثاني لبيت المال وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، قال: وأصل المسألة تنازع العلماء في ذوي الأرحام الذين لا فرض لهم ولا تعصيب، فمذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية: أن من لا وارث له بفرض ولا تعصيب يكون ماله لبيت مال المسلمين. ومذهب أكثر السلف وأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه يكون لذوي الأرحام. ثم ذكر دليل ذلك. فأنت ترى أن الشيخ لم يرد على الزوجين في هاتين المسألتين ولو كان يراه لرد عليهما لاستحقاقهما الرد في مثل هذه الحال لو كانا من أهله. والظاهر أن المسألة الأولى التي ظاهرها الرد على الزوج سهو أو سَبْقَةُ قلم. والله أعلم.
ويمكن أن يقال في مسألة الرد على الزوجين أنه إذا لم يكن وارث بقرابة ولا ولاء فإنه يرد على الزوجين؛ لأن ذلك أولى من صرفه إلى بيت المال الذي يكون لعموم المسلمين فإن بين الزوجين من الاتصال الخاص ما ليس لعموم المسلمين فيكونان أحق بما بقي بعد فرضهما من بيت المال. ويحتمل أن يحمل على هذا ما روي عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه .
عمل مسائل الرد
كنا كتبنا عمل مسائل الرد هنا ثم رأينا بعدُ أن نرجئها بعد التصحيح، والله الموفق .
التصحيح
سبق لك أن التصحيح تحصيل أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر، وعلى هذا لا نحتاج إلى التصحيح فيما يأتي:
1 - إذا كان الورثة عصبة؛ لأن أصل مسألتهم من عدد رؤوسهم قلوا أو كثروا.
2 - إذا كان الورثة ذوي فرض مردود عليهم وهم من جنس واحد لأن أصل مسألتهم من عدد رؤوسهم أيضاً.
3 - إذا كانت السهام منقسمة على الورثة.
فإن كانت السهام منكسرة على الورثة أو على بعضهم فلا يخلو إما أن يكون الانكسار على فريق واحد أو على فريقين فأكثر، فهاتان حالان:(5/295)
الحال الأولى : أن يكون الانكسار على فريق واحد فلنا فيه نظر واحد وهو النظر بينه وبين سهامه، فإما أن يكون بينهما موافقة أو مباينة فإن كان بينهما موافقة فاردد الرؤوس إلى وفقها ثم اضربه في أصل المسألة أو عولها إن كانت عائلة، فما بلغ فمنه تصح وعند القسم يضرب سهم كل وارث من المسألة بما ضربتها به يخرج نصيبه.
وإن كان بينهما مباينة فاضرب جميع الرؤوس في أصل المسألة أو عولها إن كانت عائلة، فما بلغ فمنه تصح. وعند القسم يضرب سهم كل وارث من المسألة بما ضربتها به يخرج نصيبه.
مثال الموافقة: أن يهلك هالك عن أم وأربعة أعمام: فالمسألة من ثلاثة، للأم الثلث واحد، والباقي اثنان للأعمام وهم أربعة لا ينقسم عليهم، ويوافق بالنصف فنرد رؤوسهم إلى نصفها اثنين ونضربه في أصل المسألة ثلاثة يبلغ ستة، ومنه تصح للأم الثلث واحد في اثنين باثنين، والباقي للأعمام اثنان باثنين بأربعة لكل واحد واحد.
ومثال المباينة: أن يهلك هالك عن زوجتين وابن فالمسألة من ثمانية، للزوجتين الثمن واحد، والباقي للابن، وسهم الزوجتين لا ينقسم عليهما ويباين فنضرب رؤوسهما في أصل المسألة ثمانية تبلغ ستة عشر ومنه تصح. للزوجتين الثمن واحد في اثنين باثنين لكل واحدة واحد، والباقي للابن سبعة في اثنين بأربعة عشر.
الحال الثانية : أن يكون الانكسار على فريقين فأكثر فلنا نظران:
النظر الأول: بين كل فريق وسهامه فإن كان بينهما مباينة أثبتنا جميع الرؤوس، وإن كان بينهما موافقة أثبتنا وفقها.
النظر الثاني: بين ما أثبتنا من الرؤوس فإما أن يكون بينهما مماثلة أو مداخلة أو موافقة أو مباينة وتسمى هذه (النسب الأربع) فالمماثلة تساوي العددين كثلاثة وثلاثة.(5/296)
والمداخلة أن يكون أحد العددين منقسماً على الآخر بلا كسر كثلاثة وستة. وإن شئت فقل أن يكون أصغر العددين جزءاً غير مكرر لأكبرهما، فإن الثلاثة نصف الستة والنصف جزء غير مكرر بخلاف الأربعة مع الستة فإنها جزء مكرر إذ هي ثلثان.
والموافقة أن يتفق العددان بجزء من الأجزاء ولا ينقسم أحدهما على الآخر إلا بكسر، كأربعة وستة فقد اتفقا في جزء وهو النصف ولا تنقسم الستة على الأربعة إلا بكسر، وإن شئت فقل أن ينقسم العددان على آخر غير الواحد ولا ينقسم أحدهما على الآخر، فإن كلاً من الأربعة والستة ينقسم على اثنين ولا تنقسم الستة على الأربعة إلا بكسر.
والمباينة أن لا يتفق العددان في جزء من الأجزاء كثلاثة وأربعة، فإن الثلاثة لها ثلث وليس لها ربع، والأربعة بالعكس. وإن شئت فقل هي أن لا ينقسم أحد العددين على الآخر إلا بكسر، ولا ينقسما على عدد ثالث إلا بكسر فإن الثلاثة لا تنقسم على اثنين، والأربعة لا تنقسم على ثلاثة إلا بكسر.
فإن كان بين المثبت من الرؤوس مماثلة فاكتف بأحدهما.
وإن كان بين ذلك مداخلة فاكتف بأكبرهما.
وإن كان بين ذلك موافقة فاضرب وفق أحدهما بالآخر وأثبت الحاصل.
وإن كان بين ذلك مباينة فاضرب أحدهما بالآخر وأثبت الحاصل.
ويسمى المثبت من أحد المتماثلين وأكبر المتداخلين وحاصل الضرب في المتوافقين والمتباينين يسمى (جزء السهم)، فاضربه في أصل المسألة أو عولها إن كانت عائلة، فما بلغ منه تصح وعند القسم يضرب سهم كل وارث من المسألة في جزء السهم.(5/297)
مثال المماثلة: أن يهلك هالك عن أربع زوجات وأربعة أبناء: فالمسألة من ثمانية للزوجات الثمن واحد لا ينقسم ويباين فنثبت رؤوسهن، والباقي سبعة للأبناء لا ينقسم ويباين فنثبت رؤوسهم ثم ننظر بينهما وبين رؤوس الزوجات نجد بينهما مماثلة، فيكون أحدهما جزء السهم نضربه في أصل المسألة ثمانية تبلغ اثنين وثلاثين، ومنه تصح للزوجات واحد في أربعة بأربعة لكل واحدة واحد، وللأبناء سبعة في أربعة بثمانية وعشرين لكل واحد سبعة.
ومثال المداخلة: أن يهلك هالك عن أختين لأم وثمانية أعمام فالمسألة من ثلاثة: للأختين الثلث واحد لا ينقسم ويباين والباقي للأعمام اثنان لا ينقسم عليهم ويوافق بالنصف، فنرد رؤوس الأعمام إلى نصفها أربعة، ثم ننظر بينها وبين رؤوس الأختين لأم نجدهما متداخلين فنكتفي بالأكبر، وهو رؤوس الأعمام، ثم نضربه في أصل المسألة ثلاثة تبلغ اثني عشر، ومنه تصح للأختين لأم واحد في أربعة بأربعة، لكل واحدة اثنان، وللأعمام اثنان في أربعة بثمانية لكل واحد واحد.
ومثال الموافقة: أن يهلك هالك عن أربع زوجات وستة أبناء فالمسألة من ثمانية: للزوجات الثمن واحد لا ينقسم ويباين، فنثبت رؤوسهن والباقي سبعة للأبناء لا ينقسم ويباين، فنثبت رؤوسهم، ثم ننظر بينها وبين رؤوس الزوجات نجد بينهما موافقة بالنصف، فنضرب نصف أحدهما بالآخر يبلغ اثني عشر وهو جزء السهم فنضربه في أصل المسألة ثمانية تبلغ ستة وتسعين ومنه تصح للزوجات واحد في اثني عشر باثني عشر لكل واحدة ثلاثة وللأبناء سبعة في اثني عشر بأربعة وثمانين لكل واحد أربعة عشر.(5/298)
ومثال المباينة: أن يهلك هالك عن زوجتين وثلاث جدات وخمس أخوات لغير أم. فالمسألة من اثني عشر: للزوجتين الربع ثلاثة لا ينقسم ويباين، فنثبت رؤوسهما، وللجدات السدس اثنان لا ينقسم ويباين، فنثبت رؤوسهن، وللأخوات الثلثان ثمانية لا ينقسم ويباين، فنثبت رؤوسهن، ثم ننظر بين المثبتات في الرؤوس نجد بينهما مباينة فنضرب رؤوس الزوجتين في رؤوس الجدات تبلغ ستة، نضربها برؤوس الأخوات الخمس تبلغ ثلاثين، وهذا جزء السهم فاضربه في عول المسألة ثلاثة عشر تبلغ ثلاثمائة وتسعين ومنه تصح. للزوجتين ثلاثة في ثلاثين بتسعين لكل واحدة خمسة وأربعون، وللجدات اثنان في ثلاثين بستين لكل واحدة عشرون، وللأخوات ثمانية في ثلاثين بمائتين وأربعين لكل واحدة ثمانية وأربعون.
فوائد:
الفائدة الأولى : وجه انحصار النسبة بين كل عددين في النسب الأربع، أن العددين اللذين فوق الواحد إما أن يكونا متساويين فهما متماثلان، أو متفاضلان لا ينقسم أحدهما على الآخر ولا ينقسمان على عدد ثالث غير الواحد إلا بكسر فهما متباينان، أو متفاضلان لا ينقسم أحدهما على الآخر ولكن ينقسمان على عدد ثالث غير الواحد فهما متوافقان في الجزء الذي انقسما على مخرجه، أو متفاضلان ينقسم أحدهما على الآخر بلا كسر فهما متداخلان.
الفائدة الثانية : متى حصلت الموافقة في جزء أصغر لم يلتفت إلى الجزء الأكبر. فإذا اتفق العددان في الربع مثلاً وفي النصف اعتبرنا الربع لأن ذلك أخصر.
الفائدة الثالثة : إذا أردت أن تحصل أقل عدد ينقسم على الرؤوس فلك طريقان:(5/299)
أحدهما: أن تنظر بينهما جميعاً فتثبت المباين ووفق الموافق وأحد المتماثلين وأكبر المتداخلين ثم تضرب المثبتات بعضها ببعض، فإذا أردت النظر بين ثلاثة وأربعة وخمسة وستة قلت بين الثلاثة والستة مداخلة فتكتفي بالستة، وبين الأربعة والستة موافقة بالنصف فنثبت نصف الستة ثلاثة، وبين الثلاثة والخمسة مباينة فنثبتهما، وبين الخمسة والأربعة مباينة فنثبتهما، فصار الحاصل معك ثلاثة وأربعة وخمسة فاضرب أحدهما بالآخر تبلغ ستين وهو أقل عدد ينقسم على هذه الأعداد (ثلاثة وأربعة وخمسة وستة).
الطريق الثاني: أن تنظر بين عددين منها فقط وتحصل أقل عدد ينقسم عليهما، ثم تنظر بينه وبين العدد الثالث وتحصل أقل عدد ينقسم عليهما، ثم تنظر بينه وبين العدد الرابع وهكذا.
ففي المثال المذكور ننظر بين الثلاثة والأربعة نجدهما متباينين، فنضرب أحدهما في الآخر يبلغ اثني عشر، ننظر بينها وبين الستة نجدهما متداخلين فنكتفي بالأكبر وهو اثنا عشر، ننظر بينه وبين الخمسة نجدهما متباينين فنضرب أحدهما بالآخر يبلغ ستين وهي أقل عدد ينقسم على الأعداد المذكورة (ثلاثة وأربعة وخمسة وستة) وهذه الطريقة أقرب إلى الضبط وأيسر على المتعلم.
الفائدة الرابعة : لا يقع الانكسار على أكثر من فريق في أصل اثنين، ولا على أكثر من فريقين في أصل ثلاثة وأربعة وثمانية وثمانية عشر، ولا على أكثر من ثلاث فرق في أصل ستة وستة وثلاثين، ولا على أكثر من أربع فرق في أصل اثني عشر وأربعة وعشرين.
وبهذا نعرف أنه لا يقع الانكسار على أكثر من أربع فرق قال صاحب "العذب الفائض": وهذا في غير الوصايا والولاء وذوي الأرحام والمناسخات، فإنه قد يقع الانكسار فيها على أكثر من أربعة أصناف. انتهى
المناسخات
المناسخات جمع مناسخة وهي في اصطلاح الفرضيين أن يموت وارث فأكثر قبل قسمة التركة.
وأحوال المناسخة ثلاثة:(5/300)
الأولى: أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول من غير اختلاف، فنقسم التركة على من بقي كأن الميت الأول مات عنهم.
فلو هلك هالك عن ثلاثة أبناء ثم مات اثنان منهم واحداً بعد الآخر عمن بقي فالمال له.
الحال الثانية: أن يكون الميت الثاني من ورثة الأول وورثته لا يرثون غيره، ففي هذه الحال نصحح مسألة الميت الأول ونعرف سهم كل وارث منها، ثم نصحح مسألة من مات بعده ونقسم سهامه من المسألة الأولى على مسألته، فإما أن تنقسم أو تباين أو توافق. فإن انقسمت صحت مما صحت منه الأولى وكانت الأولى هي الجامعة.
وإن باينت سهامه مسألته فأثبت المسألة. وإن وافقتها فأثبت وفقها، ثم انظر بين المثبت من المسائل بالنسب الأربع وحصل أقل عدد ينقسم عليها كما سبق في النظر بين السهام والرؤوس، ثم اضرب الحاصل في مسألة الميت الأول فما بلغ فهو الجامعة ومنه تصح.
وعند القسم من له شيء من الأولى فاضربه فيما ضربتها به، فإن كان صاحبه حياً أخذه، وإن كان ميتاً فاقسمه على مسألته، فما حصل فهو جزء سهمها يضرب به نصيب كل واحد من ورثته.
ثم بعد ذلك اجمع ما حصل من أسهم الجامعة، فإن طابق ما صحت منه فالعمل صحيح، وإن زاد أو نقص فالعمل غير صحيح فأعده.
مثال الانقسام: أن يهلك رجل عن زوجة وثلاثة بنين، ثم يموت أحدهم عن ثلاثة أبناء وبنت، والثاني عن ابنين وثلاث بنات فمسألة الأول من ثمانية وتصح من أربعة وعشرين. للزوجة الثمن ثلاثة ولكل ابن سبعة. ومسألة الميت الثاني من سبعة. ومسألة الميت الثالث من سبعة. وسهام كل ميت منقسمة على مسألته فتصح المسألتان مما صحت منه الأولى أربعة وعشرين.(5/301)
ومثال المباينة: أن يهلك هالك عن زوجة وابنين ثم يموت أحدهما عن ثلاثة أبناء، والثاني عن أربعة أبناء. فمسألة الميت الأول من ثمانية وتصح من ستة عشر، للزوجة اثنان ولكل ابن سبعة. ومسألة الميت الثاني من ثلاثة. ومسألة الميت الثالث من أربعة، وسهام كل ميت تباين مسألته فنثبت كامل المسألتين ثلاثة وأربعة وبينهما تباين، فنضرب إحداهما بالأخرى يحصل اثنا عشر وهو جزء السهم، نضربه فيما صحت منه مسألة الميت الأول ستة عشر يبلغ مائة واثنين وتسعين وهي الجامعة. فللزوجة من المسألة الأولى اثنان في اثني عشر بأربعة وعشرين، ولكل ابن منها سبعة في اثني عشر بأربعة وثمانين. فاقسم نصيب الابن الأول على مسألته ثلاثة يحصل ثمانية وعشرون، وهو جزء سهم مسألته يضرب به سهم كل واحد من ورثته يكن لكل ابن ثمانية وعشرون، واقسم نصيب الابن الثاني من المسألة الأولى أربعة وثمانين على مسألته أربعة يحصل واحد وعشرون، وهو جزء سهم مسألته يضرب به نصيب كل واحد من ورثته يكن لكل ابن واحد وعشرون.(5/302)
ومثال الموافقة: أن تهلك امرأة عن زوج وأربعة بنين، ثم يموت أحد الأبناء عن ابنين وابنتين ويموت الثاني عن ثلاثة أبناء وثلاث بنات. فمسألة الميت الأول من أربعة وتصح من ستة عشر. للزوج أربعة ولكل ابن ثلاثة. ومسألة الميت الثاني من ستة والثالث من تسعة، وكل مسألة بينها وبين سهام المورث فيها موافقة بالثلث، فنرد الستة إلى ثلثها اثنين والتسعة إلى ثلثها ثلاثة، ثم ننظر بين الاثنين والثلاثة نجدهما متباينين نضرب أحدهما في الآخر يحصل ستة، نضربها في مسألة الميت الأول ستة عشر تبلغ ستة وتسعين وهي الجامعة، فللزوج من المسألة الأولى أربعة في ستة بأربعة وعشرين، ولكل واحد من الابنين الحيين ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وللميت الثاني من الأولى ثلاثة في ستة بثمانية عشر، فاقسمها على مسألته ستة يخرج ثلاثة وهو جزء سهم مسألته، فاضرب به نصيب كل واحد من ورثته يكن لكل ابن ستة ولكل بنت ثلاثة. وللميت الثالث من المسألة الأولى ثلاثة في ستة بثمانية عشر، فاقسمها على مسألته تسعة يكن الحاصل اثنين وهو جزء سهمها، فأعط كل واحد من ورثته نصيبه من مسألته مضروباً في جزء السهم يكن لكل ابن أربعة ولكل بنت اثنان.
الحال الثالثة: ما سوى الحالين الأوليين ولها ثلاث صور:
إحداها: أن يكون ورثة الميت الثاني هم بقية ورثة الميت الأول مع الاختلاف.
الثانية: أن يكون ورثة الثاني من ورثة الأول وغيرهم.
الثالثة: أن يكون ورثة الميت الثاني من غير ورثة الأول.
وفي هذه الحال في جميع صورها نصحح مسألة الميت الأول ونعرف سهم كل وارث منها ثم نصحح مسألة الميت الثاني ونقسم سهامه من الأولى عليها، فإن انقسمت صحت الثانية مما صحت منه الأولى، وإن لم تنقسم فإن وافقت سهامه مسألته رددتها إلى وفقها وإن باينت سهامه مسألته فأثبت المسألة ثم اضرب الوفق عند التوافق أو الكل عند التباين في مسألة الميت الأول فما بلغ فمنه تصح ويسمى (الجامعة) .(5/303)
وعند القسم من له شيء من المسألة الأولى فأعطه إياه من الجامعة فيما إذا كانت سهام الثاني منقسمة على مسألته وإن لم تكن منقسمة فاضربه فيما ضربت به المسألة الأولى ومن له شيء من الثانية أخذه مضروباً في الخارج بقسمة سهام مورثه على مسألته إذا كانت منقسمة وإلا أخذه مضروباً في جميع سهام مورثه عند التباين أو وفقها عند التوافق ومن كان وارثاً من المسألتين جمعت نصيبه من المسألة الأولى إلى نصيبه من المسألة الثانية ثم اجمع أسهم الورثة من الجامعة فإن طابقها فصحيح وإن زاد أو نقص فالعمل غير صحيح فأعده.
فإن مات ميت ثالث عملت له مسألة أخرى بعد عمل جامعة لمن قبله وهكذا كلما تعدد الأموات عملت لكل واحد مسألة مستقلة وجامعة.
وبهذا تبين أن الفرق بين هذه الحال وبين الحال الثانية أن هذه لا بد فيها لكل ميت من مسألة مستقلة وجامعة. أما الحال الثانية فيجمع الأموات كلهم في جامعة واحدة، والله أعلم.
وإليك أمثلة لهذه الحال لكل صورة مثال:(5/304)
فمثال الصورة الأولى: أن يهلك هالك عن زوجة وابنتين منها وابن من غيرها ثم تموت إحدى البنتين عمن بقي ثم الثانية عمن بقي فالمسألة الأولى من ثمانية وتصح من اثنين وثلاثين. للزوجة أربعة وللابن أربعة عشر ولكل بنت سبعة ومسألة البنت الأولى وهي الميت الثاني من ستة لأن ورثتها أم وأخت شقيقة وأخ من أب للأم السدس واحد وللأخت النصف ثلاثة والباقي اثنان للأخ وسهامها من الأولى سبعة وهي مباينة لمسألتها فاضرب مسألتها ستة في ما صحت منه الأولى اثنين وثلاثين تبلغ مائة واثنين وتسعين وهي الجامعة فللزوجة من المسألة الأولى أربعة مضروبة في المسألة الثانية ستة بأربعة وعشرين ومن المسألة الثانية واحد مضروب في سهام المورث سبعة بسبعة الجميع واحد وثلاثون وللابن من المسألة الأولى أربعة عشر مضروبة في المسألة الثانية ستة بأربعة وثمانين ومن المسألة الثانية اثنان مضروبان في سهام المورث سبعة بأربعة عشر الجميع ثمانية وتسعون وللبنت الباقية من المسألة الأولى سبعة مضروبة في المسألة الثانية ستة باثنين وأربعين ولها من الثانية ثلاثة مضروبة في سهام مورثها سبعة بواحد وعشرين الجميع ثلاثة وستون.
انتهى عمل مسألة الميت الثاني وجامعته.
أما مسألة الميت الثالث وهي البنت الثانية فمن ثلاثة لأن ورثتها أم وأخ لأب للأم الثلث واحد والباقي للأخ لأب وسهامها ثلاثة وستون منقسمة على مسألتها وجزء سهمها واحد وعشرون، فللأم منها واحد في واحد وعشرين بواحد وعشرين أضفها إلى نصيبها من الجامعة واحد وثلاثين يكن المجموع اثنين وخمسين وللأخ منها اثنان في واحد وعشرين باثنين وأربعين أضفها إلى نصيبه من الجامعة ثمانية وتسعين يكن المجموع مائة وأربعين.(5/305)
ومثال الصورة الثانية: أن يهلك هالك عن ثلاثة أبناء ثم يموت أحدهم عن بنت ومن بقي ويموت الثاني عن زوجة وبنت ومن بقي فمسألة الميت الأول تصح من ثلاثة لكل ابن واحد ومسألة الثاني تصح من أربعة للبنت اثنان ولكل أخ واحد وهي مباينة لسهامه فنضربها في المسألة الأولى ثلاثة تبلغ اثنتي عشر وهي الجامعة لكل ابن من المسألة الأولى واحد مضروب في المسألة الثانية أربعة بأربعة ومن المسألة الثانية واحد مضروب في سهام مورثه واحد بواحد الجميع خمسة فنصيب الابنين من الجامعة عشرة وللبنت من المسألة الثانية اثنان مضروبان في سهام مورثها واحد باثنين.
ومسألة الميت الثالث من ثمانية للزوجة الثمن واحد وللبنت النصف أربعة والباقي ثلاثة للأخ وهذه المسألة مباينة لسهام الميت من الجامعة فنضربها في الجامعة اثني عشر تبلغ ستة وتسعين ومنه تصح. للابن الحي من الجامعة الأولى خمسة مضروبة في مسألة الميت الثالث ثمانية بأربعين وله من المسألة الثالثة ثلاثة مضروبة في سهام مورثه خمسة بخمسة عشر ومجموع ما له من الجامعة وهذه المسألة خمسة وخمسون ولبنت الميت الثاني من الجامعة الأولى اثنان مضروبان في مسألة الميت الثالث ثمانية بستة عشر ولزوجة الميت الثالث من مسألته واحد مضروب في سهامه من الجامعة خمسة بخمسة ولبنته أربعة مضروبة في سهامه من الجامعة خمسة بعشرين.
ومثال الصورة الثالثة: أن يهلك هالك عن ابنين ثم يموت أحدهما عن ثلاثة أبناء ثم يموت أحد الأبناء عن ابنين فمسألة الميت الأول من اثنين لكل ابن واحد ومسألة الميت الثاني من ثلاثة لكل ابن واحد وهي تباين سهام مورثهم من المسألة الأولى فاضربها في الأولى اثنين تبلغ ستة وهي الجامعة للابن من المسألة الأولى واحد مضروب في المسألة الثانية ثلاثة بثلاثة ولكل ابن في الثانية واحد مضروب في سهام مورثه واحد بواحد.(5/306)
ومسألة الميت الثالث من اثنين لكل ابن واحد وهي تباين سهام مورثهما فنضربها في الجامعة الأولى ستة تبلغ اثني عشر ومنه تصح لابن الميت الأول من الجامعة الأولى ثلاثة مضروبة في مسألة الميت الثالث اثنين بستة ولكل ابن من أبناء الميت الثاني من الجامعة واحد مضروب في مسألة الميت الثالث اثنين باثنين ولكل ابن من ابني الميت الثالث واحد من مسألته مضروب في سهامه من الجامعة واحد بواحد.
عمل الشباك
اعلم أن عمل المناسخات من أصعب علم الفرائض وأحوجها إلى معرفة تامة بعلم حسابها ومما يسهله طريقة الشباك التي وضعها الفرضيون لهذا الغرض ونحن نذكر هنا ما تحصل به الفائدة إن شاء الله فنقول:
سبق أن للمناسخات ثلاثة أحوال:
إحداها: أن يكون ورثة الثاني بقية ورثة الأول من غير اختلاف فهذه الحال لا تحتاج إلى عمل شباك لأنها تقسم على من بقي.
وإنما نحتاج إلى عمل الشباك في الحالين الأُخريين وسنضع أمامك من كل حال مثالاً تقيس عليه، فخذ المثال الثاني من الحال الثانية وهو:
رجل مات عن زوجتيه وابنيه ثم مات أحد الابنين عن ثلاثة أبناء والثاني عن أربعة وهذه صورتها في الشباك.
24
2
جه
ت
7
ابن
ت
7
ابن
28
1
ابن
28
1
ابن
28
1
ابن
21
1
ابن
21
1
ابن
21
1
ابن
21
1
ابن
تأمل هذا الشباك تجد أننا عملنا ما يلي:
1 - وضع جدول خاص لورثة الميت الأول كل واحد في مربع خاص.
2 - ثم وضع جدول لمسألته ووضع سهم كل وارث بإزائه.
3 - ثم وضع جدول لورثة الميت الثاني بحيث تنزل حقولهم عن حقول ورثة الميت الأول لأنهم غيرهم.
4 - ثم وضع جدول لمسألة الميت الثاني وسهم كل وارث بإزائه.
5 - ثم وضع جدول لورثة الميت الثالث بحيث تنزل حقولهم عن ورثة من قبلهم لأنهم ليسوا منهم.
6 - وضع جدول لمسألته وسهم كل وارث بإزائه.
7 - وضع جدول خاص بالجامعة ووضع سهم كل وارث من كل مسألة بإزائه في الجامعة.(5/307)
8 - أننا رمزنا للميت بحرف (ت) بإزائه إشارة إلى موته ولو كان الميت أنثى لوضعنا (تت).
وهكذا يكون العمل في الشباك بالرمز للاختصار فيرمز للزوج (ج) وللزوجة (جه) وللجد (د) وللجدة (ده) وللأخ الشقيق (ق) وللأخت الشقيقة (قه) وللأخ لأب (خب) وللأخت لأب (ختب) وللأخ لأم (خم) وللأخت لأم (ختم) وإذا كان في المسألة زوج أو زوجة وأولاد فإن كانوا منهما كتب بإزاء الولد (هـ) إن كان الميت الزوجة و (ها) بالألف إن كان الميت الزوج وإن لم يكن الأولاد منهما كتب بإزاء الولد (غ) .
9 - وضع قوس فوق كل مسألة وعلى كل قوس عدد وهو جزء سهم المسألة التي تحته وضع فوقها ليضرب به سهم كل وارث منها فجزء سهم المسألة الأولى هو أقل عدد ينقسم على ما صحت منها مسائل الأموات الآخرين وجزء سهم الأموات الآخرين هو الحاصل بقسمة نصيبهم من الأول مضروباً بجزء سهمها على مسائلهم.
وإليك مثالاً من الحال الثالثة للصورة الأولى وهي: أن يكون ورثة الميت الثاني هم بقية ورثة الميت الأولى مع الاختلاف وهي:
رجل مات عن زوجة وابنتين منها وابن من غيرها ثم ماتت إحدى البنتين عمن بقي ثم ماتت الثانية عمن بقي - أيضاً - وهذه صورتها في الشباك.
52
1
أم
31
1
أم
4
جه
تت
7
بنت ها
تت
63
3
قه
7
بنت ها
140
2
خب
98
2
خب
14
ابن غ
تأمل هذا الشباك تجد أننا عملنا لكل ميت مسألة منفردة وهذا ليس بغريب فقد مر عليك في المثال الأول، لكن الغريب عليك شيئان:
أحدهما: أننا وضعنا اسم كل وارث في المسائل الأخيرة بإزاء اسمه في المسألة الأولى ووضعنا أسهمه من المسائل كلها بإزاء اسمه في الجامعة وذلك لأن الوارث في الأولى وارث فيما بعدها.
الثاني: أننا عملنا لكل ميت جامعة ولم نجعل الأموات كلهم في جامعة واحدة لما مر بك في القواعد.(5/308)
وهكذا لو فرضنا أن ورثة الثاني خليط من ورثة الأول وغيرهم فإننا نعمل كهذا العمل إلا أننا نضع حقولاً أسفل للورثة الجدد الذين ليسوا من ورثة الأول كما في المثال الآتي:
رجل مات عن زوجة وبنتين منها وابن من غيرها ثم ماتت إحدى البنتين عن زوج ومن بقي، ثم ماتت البنت الثانية عن زوج وابن ومن بقي.
فمسألة الميت الأول تصح من اثنين وثلاثين، سهام الميت الثاني منها سبعة ومسألته من سبعة، فهي منقسمة عليها فصحت مما صحت منه الأولى، ومسألة الميت الثالث من اثني عشر وسهامه من الجامعة عشرة فهي توافقها بالنصف فنضرب نصف مسألته ستة بالجامعة اثنين وثلاثين تبلغ مائة واثنين وتسعين للزوجة في المسألة الأولى التي هي أم فيما بعد ذلك أربعون وللابن في المسألة الأولى أربعة وثمانون ولا شيء له من غير المسألة الأولى وللزوج في المسألة الثانية ثمانية عشر، وللزوج في المسألة الثالثة خمسة عشر وللابن خمسة وثلاثون.
وإليك صورتها في الشباك:
40
2
أم
5
1
أم
4
جه
تت
7
بنت ها
تت
10
3
قه
7
بنت ها
84
14
14
ابن غ
18
3
3
ج
15
3
ج
35
7
ابن
تأمل هذا الشباك تجد أننا لم نعمل فيه شيئاً جديداً عما سبق في الشباك الذي قبله سوى أننا نزلنا حقولاً بعدد الورثة الجدد في المسألتين الأخيرتين وهم زوج البنت الأولى وزوج وابن البنت الثانية.
فوائد:
الفائدة الأولى : قال الفرضيون: إذا كان في الورثة فريق من جنس فإنه يحسن أن تجعلهم في مربع واحد وتضع فيه رقماً بعددهم وتجعل سهامهم بإزائهم من مربعات المسألة حتى لا يطول الجدول نازلاً إلا أن يكون هناك غرض في كتابة كل واحد منهم بمربع خاص مثل أن يكون أحدهم قد مات فنحتاج إلى معرفة نصيبه لنقسمه على ورثته أو يكون لأحدهم وارث يختص به فيتعين كتابته بمربع خاص بسبب ميزته.(5/309)
الفائدة الثانية : تبين لك مما سبق أننا نضع على مسألة الميت الأول جميع مسألة الميت الثاني عند التباين ووفقها عند التوافق وتضع على مسألة الميت الثاني جميع سهامه عند التباين ووفقها عند التوافق وهذا الموضوع على كل واحدة هو جزء سهمها يضرب به سهم كل وارث منها. فلو كانت سهام الميت الثاني منقسمة على مسألته فإننا نضع فوق المسألة الأولى رقم واحد لنضرب به سهم كل وارث منها أو ندعها بلا شيء وننقل نفس سهام الورثة فيها بإزائهم في الجامعة، وأما المسألة الثانية فنضع فوقها ما خرج بقسمة سهام الميت من الأولى عليها.
الفائدة الثالثة : لمسائل المناسخات اختصار قبل العمل واختصار بعد العمل فأما الاختصار قبل العمل فقد سبق في الحال الأولى (إذا كان ورثة الثاني هم بقية ورثة الميت الأول من غير اختلاف).
وأما الاختصار بعد العمل فيتأتى فيما إذا اشتركت سهام الورثة في الجامعة بجزء كثلث ونحوه فترد الجامعة وسهام كل وارث منها إلى ذلك الجزء الذي حصل فيه الاشتراك.
مثال ذلك: أن يهلك هالك عن زوجة وابن وبنت ثم تموت البنت عمن بقي فالمسألة الأولى تصح من أربعة وعشرين، للزوجة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللبنت سبعة والمسألة الثانية من ثلاثة لأن الورثة فيها أم وأخ للأم الثلث واحد والباقي للأخ وبينها وبين سهام المورث من المسألة الأولى تباين فنضربها فيما صحت منه الأولى أربعة وعشرين تبلغ اثنين وسبعين وهي الجامعة للزوجة من الأولى ثلاثة مضروبة في الثانية ثلاثة بتسعة ولها من الثانية واحد مضروب في سهام المورث سبعة بسبعة الجميع ستة عشر وللابن من الأولى أربعة عشر مضروبة في الثانية ثلاثة باثنين وأربعين وله من الثانية اثنان مضروبان في سهام مورثه سبعة بأربعة عشر الجميع ستة وخمسون وهي مشاركة لسهام الزوجة بالثمن لأن كلاً منهما ينقسم على ثمانية فنرد الجامعة وسهام الورثة فيها إلى الثمن تكن الجامعة تسعة نصيب الزوجة منها اثنان ونصيب الابن سبعة(5/310)
عمل مسائل الرد
لا يخلو أهل الرد من حالين:
إحداهما: أن لا يكون معهم أحد من الزوجين.
الثانية: أن يكون معهم أحد الزوجين.
ففي الحال الأولى إن كان المردود عليه واحداً أخذ جميع المال فرضاً ورداً، وإن كان أكثر من واحد وهم من جنس واحد فأصل مسألتهم من عدد رؤوسهم.
وإن كان أكثر من واحد وهم جنسان فأكثر فأصل مسائلهم من ستة، وترجع بالرد إلى العدد الذي تنتهي به فروضها.
فلو هلك هالك عن بنت فلها المال كله فرضاً ورداً.
ولو هلك عن أربع بنات فمسألتهن من أربعة لكل واحدة واحد.
ولو هلك عن جدة وأخ لأم فالمسألة من ستة للجدة السدس واحد وللأخ السدس واحد وترجع بالرد إلى اثنين فإن كان بدل الجدة أم صار لها الثلث اثنان وللأخ السدس واحداً وترجع بالرد إلى ثلاثة، فإن كان بدل الأخ بنت فلها النصف ثلاثة وللأم السدس واحد وترجع بالرد إلى أربعة فإن كان معهم بنت ابن صار للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وللأم السدس واحد وترجع بالرد إلى خمسة.
وأما في الحال الثانية: وهي أن يكون معهم أحد الزوجين فنعمل مسألة الزوجية من مخرج فرضها ونصححها إن احتاجت للتصحيح، ثم إن كان صاحب الرد واحداً أخذ الباقي بعد فرض الزوجية فرضاً ورداً.
وإن كان صاحب الرد اثنين فأكثر من جنس قسمت الفاضل بعد فرض الزوجية عليهم كفريق فإن انقسم صحت مسألة الرد مما صحت منه مسألة الزوجية وإلا ضربت مسألة الرد في مسألة الزوجية أو في وفقها فما بلغ فمنه تصح.
وإن كان صاحب الرد اثنين فأكثر من أجناس فصحح مسألة الرد من أصل ستة ثم اقسم الفاضل بعد فرض الزوجية عليها فإن انقسم صحت المسألتان من أصل واحد وإلا ضربت مسألة الزوجية في مسألة الرد أو وفقها فما بلغ فمنه تصح.(5/311)
وإذا أردت القسم فقل من له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروباً في مسألة الرد عند التباين أو وفقها عند التوافق أو بواحد عند الانقسام ومن له شيء من مسألة الرد أخذه مضروباً في الفاضل بعد فرض الزوجية عند التباين أو وفقه عند التوافق أو بالخارج بقسمة الباقي بعد فرض الزوجية على مسألة الرد عند الانقسام.
وإليك أمثلة لما سبق:
المثال الأول: هلكت امرأة عن بنت وزوج، فمسألة الزوجية من أربعة للزوج الربع واحد والباقي للبنت فرضاً ورداً.
المثال الثاني: هلك هالك عن زوج وثلاث بنات، مسألة الزوجية من أربعة للزوج الربع واحد ومسألة الرد من ثلاثة والباقي بعد فرض الزوج منقسم عليها فتصح المسألتان من أربعة فلو كانت البنات أربعاً باينت مسألة الرد للفاضل بعد فرض الزوج فنضربها في مسألة الزوجية تبلغ ستة عشر، للزوج من مسألة الزوجية واحد مضروب في مسألة الرد أربعة بأربعة ولكل بنت من مسألة الرد واحد مضروب في الفاضل بعد فرض الزوجية ثلاثة بثلاثة.
ولو كانت البنات ستاً لكانت مسألتهن من ستة وهي توافق الفاضل بعد فرض الزوجية بالثلث فنردها إلى ثلثها اثنين ونضربه في مسألة الزوجية أربعة تبلغ ثمانية ومنه تصح، للزوج من مسألة الزوجية واحد مضروب في وفق مسألة الرد اثنين باثنين ولكل واحدة من البنات واحد مضروب في وفق الفاضل بعد فرض الزوجية واحد بواحد.
المثال الثالث: أن يهلك هالك عن زوجة وأم وأخ من أم، فمسألة الزوجية من أربعة للزوجة الربع واحد ومسألة الرد من ستة وترجع بالرد إلى ثلاثة، للأم اثنان وللأخ واحد والباقي بعد فرض الزوجة منقسم على مسألة الرد فتصح المسألتان من أصل واحد.(5/312)
فلو كان بدل الأم جدة رجعت مسألة الرد إلى اثنين بينها وبين الفاضل بعد فرض الزوجة تباين فنضربها في مسألة الزوجية أربعة تبلغ ثمانية ومنه تصح، للزوجة من مسألة الزوجية واحد مضروب في مسألة الرد اثنين باثنين وللجدة من مسألة الرد واحد مضروب في الفاضل بعد فرض الزوجة ثلاثة بثلاثة وللأخ من الأم كذلك.
ولو كان مع الأخ لأم أخوان آخران صارت مسألة الرد من ثلاثة للجدة واحد وللإخوة اثنان لا ينقسم عليهم ويباين فنضرب رؤوسهم ثلاثة في ثلاثة بتسعة والفاضل بعد فرض الزوجية ثلاثة يوافقها بالثلث فنرد مسألة الرد إلى وفقها ثلاثة ونضربه في مسألة الزوجية أربعة تصح من اثني عشر، للزوجة من مسألة الزوجية واحد مضروب في وفق مسألة الرد ثلاثة بثلاثة وللجدة من مسألة الرد ثلاثة مضروبة في وفق الفاضل بعد فرض الزوجة واحد بثلاثة وللإخوة ستة مضروبة في وفق الفاضل بعد فرض الزوجة واحد بستة لكل أخ اثنان.
وإن شئت أن تعمل مسائل الرد التي فيها أحد الزوجين على طريقة الشباك التي عرفتها في باب المناسخة فاعمل جدولاً لمسألة الزوجية ثم جدولاً لمسألة الرد واضعاً لكل مسألة جدولين أحدهما: لأسماء الورثة، والثاني: للسهام ثم تضع جدولاً خامساً للجامعة بينهما.
(تنبيه): وقع في عبارة بعض الفرضيين أن الفاضل بعد فرض الزوجية لا يمكن أن يكون موافقاً لمسألة الرد إذا كان أهل الرد من أجناس بل إما منقسم أو مباين، ولكن هذا ما لم تحتج مسألة الرد لتصحيح فإن احتاجت لتصحيح فقد يكون بينهما موافقة كما في المثال الأخير الذي مثّلنا، والله أعلم.
***
قسمة التركات
القسمة جعل الشيء الواحد أقساماً.
والتركة ما يخلفه الميت من مال أو حق أو اختصاص.
والمراد بقسمة التركات إعطاء كل وارث من التركة ما يستحقه شرعاً.
وبهذا تعرف أهمية هذا الباب، فإن أهمية الشيء بحسب ثمرته ومقصوده وقد ذكر الفرضيون رحمهم الله لقسمة التركة طرقاً كثيرة نذكر منها ما يلي:(5/313)
الأول: طريق النسبة وهو أن تنسب سهم كل وارث من المسألة إليها وتعطيه من التركة بمثل تلك النسبة وهذا أعم الطرق نفعاً لأنه يعمل به فيما يقبل القسمة كالدراهم وما لا يقبلها كالعبد.
مثال ذلك: أن تهلك امرأة عن زوج وأم وأخت شقيقة والتركة ثمانون فالمسألة من ستة، للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللأخت النصف ثلاثة وتعول إلى ثمانية ونسبة سهم الزوج إلى المسألة ربع وثمن فأعطه من التركة ربعاً وثمناً ثلاثين ونسبة سهم الأم إلى المسألة ربع فأعطها ربع التركة عشرين ونسبة سهم الأخت إلى المسألة ربع وثمن فأعطها ربع التركة وثمنها ثلاثين.
الطريق الثاني: أن تضرب سهم كل وارث في التركة وتقسم الحاصل على ما صحت منه المسألة فما حصل فهو نصيبه ففي المثال السابق تضرب سهم الزوج ثلاثة في التركة ثمانين تبلغ مائتين وأربعين فاقسمها على ما صحت منه المسألة ثمانية يحصل ثلاثون فهي نصيبه من التركة وتفعل كذلك بسهم الأخت وتضرب سهم الأم اثنين في التركة ثمانين يبلغ مائة وستين فاقسمها على مصح المسألة ثمانية يحصل عشرون وهو سهم الأم من التركة.
فإن حصل في نصيب أحد الورثة كسر فحول المسألة إلى أضلاعها وهي الأعداد التي إذا ضربت بعضها ببعض خرجت المسألة ويحسن أن تبدأ بالأكبر فالأكبر، فإذا ضربت سهم أحد من الورثة في التركة فاقسمه على الضلع الأصغر، فإن بقي كسر فضعه تحته واقسم الحاصل الصحيح على الضلع الثاني، وهكذا حتى تصل إلى التركة فضع ما تبقى معك تحتها وهو نصيب الوارث منها.
واعلم أن كل ضلع بالنسبة لما قبله كواحد منه.(5/314)
فلو كانت التركة في المثال السابق ستين لحصل كسر في نصيبي الزوج والأخت فنحل المسألة إلى أضلاعها اثنان وأربعة ثم تضرب سهم الزوج في التركة ستين يبلغ مائة وثمانين فاقسمها على الضلع الأصغر اثنين يكن الحاصل تسعين فضع تحته صفراً أو اتركه هملاً واقسم التسعين على الضلع الأكبر أربعة يحصل اثنان وعشرون ويبقى اثنان ضعهما تحت الضلع، وضع العدد الصحيح وهو اثنان وعشرون تحت التركة وبهذا تعرف أن للزوج اثنين وعشرين واثنين من أربعة من الواحد وهما نصف الواحد وتعمل في نصيب الأخت عملك في نصيب الزوج.
واضرب سهم الأم اثنين في التركة ستين يكن مائة وعشرين فاقسمها على الضلع الأصغر اثنين يحصل ستون، اقسمها على الضلع الأكبر أربعة يحصل خمسة عشر فهي نصيب الأم من التركة.
وإليك صورتها في الشباك:
تأمل هذا الشباك تجد أننا وضعنا:
أولاً: جدول أسماء الورثة.
ثانياً: جدول المسألة.
ثالثاً: جدول التركة.
رابعاً: جدول ضلع المسألة الأكبر.
خامساً: جدول ضلع المسألة الأصغر.
وإذا أردت أن تعرف صحة العمل فاجمع ما تحت الضلع الأصغر واقسمه عليه فإن انقسم بلا كسر فاضمم الحاصل بالقسمة إلى ما تحت الضلع الذي يليه ثم اقسم حاصل جمعها على الضلع المذكور فإن انقسم بلا كسر فاضممه إلى ما تحت التركة فإن ساوى التركة فالعمل صحيح وإلا فلا.
ومتى تعددت الأضلاع فاعمل بما تحتها من الجمع والقسمة كما سبق.
وإذا أردت أن تختبر المسألة المذكورة بما قلنا فانظر إلى الضلع الأصغر تجد لا شيء تحته فدعه وانظر إلى الضلع الثاني تجد تحته اثنين واثنين فاقسم حاصل جمعهما أربعة عليه يخرج واحد فاضممه إلى ما تحت التركة واجمعه يبلغ ستين وهو قدر التركة فالعمل إذاً صحيح.
وبقية طرق قسمة التركات معروفة في كلام الفرضيين رحمهم الله.
قسمة التركات إذا كان هناك وصية ويسمى عمل (الوصايا):
تنقسم الوصية بالنسبة إلى الموصى به ثلاثة أقسام: وصية بنصيب ووصية بجزء ووصية بهما.(5/315)
فالوصية بالنصيب أن يوصى بنصيب أو بمثل نصيب أحد الورثة وهي نوعان:
أحدهما: أن يوصى بنصيب وارث معين فللموصى له مثل نصيب ذلك الوارث مضموماً إلى المسألة.
فلو أوصى بمثل نصيب زوجته وله زوجة وابن فمسألة الورثة من ثمانية للزوجة الثمن واحد والباقي للابن فنعطي الموصى له مثل نصيب الزوجة واحداً مضموماً إلى المسألة فتصح المسألة من تسعة، للزوجة واحد وللموصى له واحد والباقي للابن.
ولو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فللموصى له الثلث ولكل ابن واحد، ولو كان معهما بنت فللموصى له سبعان ولكل ابن سبعان وللبنت سبع.
ولو كانت الوصية بمثل نصيب البنت كان للموصى له سدس وللبنت سدس ولكل ابن سدسان.
النوع الثاني : أن يوصي بنصيب أو بمثل نصيب وارث غير معين، فللموصى له مثل ما لأقلهم.
فلو أوصى له بمثل نصيب أحد الورثة والورثة أم وثلاث زوجات وابن فمسألة الورثة من أربعة وعشرين للأم السدس أربعة وللزوجات الثمن ثلاثة لكل واحدة واحد والباقي للابن، فأقل الورثة نصيباً إحدى الزوجات، فإن نصيبها واحد من أربعة وعشرين فيكون للموصى له واحد من خمسة وعشرين.
والوصية بالجزء أن يوصي له بجزء من ماله وهو نوعان أيضاً:
أحدهما : أن يوصي له بجزء غير معين كشيء وحظ ونصيب ونحوها فللموصى له ما شاء الورثة مما يتمول إلا إذا أوصى له بسهم فقيل: له ما شاء الورثة وقيل: له سدس بمنزلة سدس مفروض وهو المذهب وقيل: له سهم مما صحت منه المسألة إلا أن يزيد على السدس فيعطى السدس فقط ويظهر أثر هذا الخلاف بالمثال:(5/316)
فإذا أوصى له بسهم من ماله وله زوجة وأم وابن فعلى القول الأول يعطيه الورثة ما شاؤوا، وعلى المذهب له أربعة من ثمانية وعشرين، لأن مسألة الورثة من أربعة وعشرين وسدسها أربعة فزده عليها تكن ثمانية وعشرين للموصى له أربعة وللأم أربعة وللزوجة ثلاثة والباقي للابن وعلى القول الثالث للموصى له سهم من خمسة وعشرين، لأن مسألة الورثة من أربعة وعشرين فسهمها واحد زده عليها تكن خمسة وعشرين للموصى له واحد وللأم أربعة وللزوجة ثلاثة والباقي للابن.
النوع الثاني: أن يوصي بجزء معين كثلث وربع ونحوهما فلك في عملها طريقان:
أحدهما: طريق ما فوق الكسر بأن تزيد على مسألة الورثة مثل الكسر الذي فوق الجزء الموصى به، فإذا أوصى بالخمس فزد على مسألة الورثة مثل ربعها أو بالربع فزد عليها مثل ثلثها وهكذا.
وضابط ذلك أن تزيد على مسألة الورثة عدداً يبلغ نسبة الجزء الموصى به بالنسبة إلى مجموع المسألتين.
مثال ذلك: أن يوصي بالخمس ومسألة الورثة من اثني عشر فزد عليها ثلاثة وذلك مثل ربعها وهو خمس الخمسة عشر فيكون للموصى له ثلاثة من خمسة عشر ومسألة الورثة بحالها كل له سهمه منها.
ولو أوصى له بالسبع ومسألة الورثة من ستة فزد عليها واحداً وهو نصيب الموصى له وإن كانت من اثني عشر فزد عليها اثنين وإن كانت من أربعة وعشرين فزد عليها أربعة فإن حصل كسر فابسطها من جنسه ليزول فلو أوصى له بالخمس ومسألة الورثة من ستة لبلغت سبعة ونصفاً فابسطها من مخرج الكسر اثنين تكن خمسة عشر، للموصى له ثلاثة واثنا عشر للورثة.
الطريق الثاني: أن تصحح مسألة الوصية من مخرجها ثم تصحح مسألة الورثة وتقسم الباقي بعد الوصية على مسألة الورثة فإن انقسم صحت مسألة الورثة مما صحت منه مسألة الوصية وإن حصل بينهما موافقة فاضرب وفق مسألة الورثة في مسألة الوصية فما بلغ فمنه تصح وإن حصل بينهما مباينة ضربت مسألة الورثة في مسألة الوصية فما بلغ فمنه تصح.(5/317)
وعند القسم من له شيء من مسألة الوصية أخذه مضروباً في مسألة الورثة عند التباين أو وفقها عند التوافق أو أخذه بحاله عند الانقسام ومن له شيء من مسألة الورثة أخذه مضروباً في الباقي بعد الوصية عند التباين أو وفقه عند التوافق أو في الخارج بقسمته عليها عند الانقسام.
وإليك الأمثلة لما سبق:
المثال الأول للانقسام: أن توصي امرأة بثلث مالها ثم تموت عن زوج وشقيقة فمسألة الوصية من ثلاثة للموصى له واحد والباقي اثنان ومسألة الورثة من اثنين للزوج النصف وللأخت النصف والباقي بعد الوصية منقسم عليها فتصح المسألتان من ثلاثة للموصى له واحد وللزوج واحد وللأخت واحد.
المثال الثاني للموافقة: أن يوصي بالخمس ثم يموت عن بنت وزوجة وعم فمسألة الوصية من خمسة، للموصى له واحد والباقي أربعة ومسألة الورثة من ثمانية، للبنت النصف أربعة وللزوجة الثمن واحد والباقي للعم وإذا نظرت بين الفاضل بعد الوصية وبين مسألة الورثة وجدتهما متوافقين بالربع فنرد مسألة الورثة إلى ربعها اثنين ونضربه في مسألة الوصية خمسة يبلغ عشرة ومنه تصح، للموصى له واحد مضروب في وفق مسألة الورثة اثنين باثنين وللبنت أربعة مضروبة في وفق الباقي بعد الوصية واحد بأربعة وللزوجة واحد مضروب في وفق الباقي بعد الوصية واحد بواحد وللعم ثلاثة مضروبة في وفق الباقي بعد الوصية واحد بثلاثة.
المثال الثالث للمباينة: أن يوصي بالربع ثم يموت عن بنت وعم فمسألة الوصية من أربعة، للموصى له واحد ويبقى ثلاثة ومسألة الورثة من اثنين للبنت النصف واحد والباقي للعم وهي تباين الباقي بعد الوصية فاضربها في مسألة الوصية أربعة تبلغ ثمانية ومنه تصح، للموصى له واحد مضروب في مسألة الورثة اثنين باثنين وللبنت واحد مضروب في الفاضل بعد الوصية ثلاثة بثلاثة وللعم كذلك.(5/318)
وثم طريق ثالث، قد يكون أسهل، وذلك بأن تضرب ابتداء ما صحت منه مسألة الورثة بمخرج الجزء الموصى به فما بلغ فمنه تصح فأعط الموصى له نصيبه ثم اقسم الباقي على الورثة بقدر سهامهم.
ومتى حصل بين السهام وبين الوصية موافقة بجزء من الأجزاء فاردد المسألة إليه فإذا أوصى له بالسبع ومسألة الورثة من ستة فاضربها بمخرج السبع سبعة تبلغ اثنين وأربعين للموصى له ستة والباقي للورثة ستة وثلاثون وهي توافق نصيب الموصى له بالسدس فاردد المسألة إلى سدسها سبعة واردد نصيب كل من الموصى له والورثة إلى سدسه يكن للموصى له واحد والباقي للورثة.
القسم الثالث: الجمع بين الوصية بالنصيب والجزء ولقلة وقوعه نحيل به القارئ على كتب الفقه، والله أعلم.
***
ميراث الحمل
إذا مات عن ورثة فيهم حمل فإن شاؤوا تأجيل القسمة حتى يوضع الحمل فلا بأس لأن الحق لهم وإن طلبوا أو بعضهم القسمة قبل الوضع فلهم ذلك، وحينئذ يجب العمل بالأحوط في إرث الحمل وفي إرث من معه.
فأما إرث الحمل فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يختلف بالذكورة والأنوثة كالأولاد فيوقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين.
وضابط ذلك أنه متى استغرقت الفروض أقل من الثلث فإرث الذكرين أكثر وإن استغرقت أكثر من الثلث فإرث الأنثيين أكثر، وإن كانت الفروض بقدر الثلث استوى له ميراث الذكرين والأنثيين، وهذا الضابط فيما إذا كان الحمل يرث مع الأنوثة بالفرض، أما إذا كان يرث بالتعصيب فإن إرث الذكرين أكثر بكل حال أو يستويان.
فلو مات عن أم حامل من أبيه وعم، فللأم السدس ويوقف للحمل إرث ذكرين لأن الفروض لم تستغرق الثلث
ولو كان معهم زوجة فلها الربع وللأم السدس ويوقف للحمل إرث أنثيين لأن الفروض زادت على الثلث.
ولو مات عن أخوين لأم وزوجة أب حامل منه، فللأخوين الثلث والباقي للحمل وهنا يستوي ميراثه بالذكورة والأنوثة لأن الفروض بقدر الثلث.(5/319)
ولو مات عن زوجة وأخ شقيق وأم حامل من أبيه فللزوجة الربع وللأم السدس ويوقف للحمل إرث ذكرين ولو أن الفروض أكثر من الثلث لأن الحمل يرث بالتعصيب بكل حال فلا يمكن أن يكون إرث الأنثيين أكثر.
ولا يوقف للحمل أكثر من إرث اثنين لأن ما زاد عليهما نادر، والنادر لا حكم له، ولا ينقص عن اثنين لأن وضع الاثنين كثير فوجب العمل بالاحتياط.
ثم إذا وضع على وجه يثبت به إرثه فإن كان ما وقف له بقدر إرثه أخذه وإن كان أقل أخذ تتمته ممن هي بيده وإن كان أكثر رد الزائد على من يستحقه من الورثة.
الحال الثانية: أن لا يختلف إرثه بالذكورة والأنوثة كأولاد الأم فَوَقِّف له إرث اثنين وقَدِّرْهُما ما شئت من ذكور أو إناث.
وأما إرث من مع الحمل فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
إحداها: أن لا يحجبه الحمل شيئاً فيعطى إرثه كاملاً.
الثانية: أن يحجبه عن بعض إرثه فيعطى اليقين وهو ما يرثه بكل حال.
الثالثة: أن يحجبه عن جميع إرثه فلا يعطى شيئاً.
فلو هلك هالك عن زوجة حامل وجدة وعم فالجدة لا ينقصها الحمل شيئاً فتعطى إرثها السدس كاملاً والزوجة يحجبها الحمل عن بعض إرثها فتعطى اليقين وهو الثمن والعم يحجبه الحمل عن جميع إرثه فلا يعطى شيئاً.
شروط إرث الحمل
يشترط لإرث الحمل شرطان:
أحدهما: أن يتحقق وجوده حين موت مورثه وذلك بأحد أمرين:
الأول: أن تضع من فيه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من موت مورثه مطلقاً.
الثاني: أن تضع من فيه حياة مستقرة لأربع سنين فأقل من موت مورثه بشرط أن لا توطأ بعد وفاته، فإن ولدته لأكثر من أربع سنين لم يرث مطلقاً على المذهب بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين.(5/320)
والصواب أنه يرث إذا لم توطأ بعد موت مورثه لأن مدة الحمل قد تزيد على أربع سنين كما وقع، قال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود" بعد ذكر الخلاف في تحديد أكثر مدة الحمل: "وقالت فرقة لا يجوز في هذا الباب التحديد والتوقيت بالرأي لأنا وجدنا لأدنى الحمل أصلاً في تأويل الكتاب وهو الأشهر الستة فنحن نقول بهذا ونتبعه ولم نجد لآخره وقتاً وهذا قول أبي عبيد وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها الرجل فالولد غير لاحق به فإن جاءت به لستة أشهر من يوم نكحها فالولد له". انتهى.
الشرط الثاني: أن يوضع حياً حياة مستقرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا استهل المولود ورث"(37). رواه أبو داود ، وفيه محمد بن إسحاق. وتُعْلَمُ حياته باستهلاله وعطاسه ورضاعه ونحوها، فأما الحركة اليسيرة والاضطراب والتنفس اليسير الذي لا يدل على الحياة المستقرة فلا عبرة به.
ومتى شك في وجود الحياة المستقرة لم يرث لأن الأصل عدمها.
(فائدة) : يجب الاستبراء بعد موت المورث لكل موطوءة يرث حملها أو يحجب غيره، فلو مات عن أم متزوجة بزوج بعد موت أبيه وعن أخوين شقيقين وجب على الزوج الاستبراء لأن حمل أمه يرث منه.
ولو مات عن أم متزوجة بزوج بعد أبيه وأخ شقيق وجد وجب على الزوج الاستبراء لأن الحمل يحجب أمه
عمل مسائل الحمل
طريقة عمل مسائل الحمل أن تعمل مسألة لكل حال من أحوال الحمل وتحصل أقل عدد ينقسم على المسائل فما حصل فهو الجامعة فاقسمه على كل مسألة ليخرج جزء سهمها ثم اضرب به نصيب كل وارث منها.(5/321)
فلو مات عن زوجة حامل وعم فالمسألة على تقدير موت الحمل من أربعة، للزوجة الربع واحد والباقي للعم، وعلى تقدير حياته وذكوريته من ثمانية، للزوجة الثمن واحد والباقي للحمل، وعلى تقدير حياته وأنوثيته من أربعة وعشرين للزوجة الثمن ثلاثة وللحمل الثلثان ستة عشر لأننا قدرناه ابنتين والباقي للعم، وإذا نظرت بين المسائل الثلاث وجدتها متداخلة فاكتف بالكبرى وهي الأربعة والعشرون واقسمها على مسألة موته أربعة يكن جزء سهمها ستة وعلى مسألة ذكوريته ثمانية يكن جزء سهمها ثلاثة وعلى مسألة أنوثيته أربعة وعشرين يكن جزء سهمها واحداً ثم أعط الزوجة نصيبها من إحدى المسألتين، مسألة الذكورة أو مسألة الأنوثة مضروباً بجزء سهمها يحصل لها ثلاثة ولا تعط العم شيئاً.
ميراث المفقود
المفقود من انقطع خبره فلم يعلم له حياة ولا موت وله حالان:
إحداهما: أن ينقطع خبره على وجه ظاهره السلامة كمن فقد في سفر تجارة آمن ونحوه فهذا ينتظر به تمام تسعين سنة منذ ولد لأن الغالب أن لا يعيش فوق ذلك فإن فقد من له تسعون اجتهد الحاكم في تقدير مدة يبحث فيها عنه.
الحال الثانية: أن ينقطع خبره على وجه ظاهره الهلاك كمن فقد في غرق مركب ونحوه فهذا ينتظر به تمام أربع سنين منذ فقد.
هذا هو المشهور من المذهب في تقدير مدة الانتظار في الحالين، والصواب أن الرجوع في تقديرها إلى اجتهاد الحاكم ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن والحكومات، فيقدر مدة للبحث عنه بحيث يغلب على الظن تبين حياته لو كان موجوداً ثم يحكم بموته بعد انتهائها، والله أعلم.
ولنا في المفقود نظران أحدهما: في إرثه، والثاني: في الإرث منه.
فأما إرثه: فإنه متى مات مورثه قبل الحكم بموته ورثه المفقود فيوقف له نصيبه كاملاً ويعامل بقية الورثة باليقين، فمن كان محجوباً لم يعط شيئاً ومن كان ينقصه أعطي الأقل، ومن كان لا ينقصه أعطي إرثه كاملاً.(5/322)
فلو هلك عن زوجة وجدة وعم وابن مفقود أعطينا الزوجة الثمن لأنه اليقين والجدة السدس لأن المفقود لا ينقصها ولم نعط العم شيئاً لأن المفقود يحجبه فنقف الباقي ثم لا يخلو من أربعة أحوال:
إحداها: أن نعلم أنه مات قبل مورثه فنرد الموقوف إلى من يستحقه من ورثة الأول.
الثاني: أن نعلم أنه مات بعده فيكون الموقوف تركة للمفقود ويصرف لورثته.
الثالثة: أن نعلم أنه مات ولا ندري أقبل مورثه أم بعده فجزم في "الإقناع" بأن الموقوف يكون لمن يستحقه من ورثة الأول كالحال الأولى، وجزم في "المنتهى" بأن الموقوف تركة للمفقود يصرف لورثته وهذا هو المذهب، وهو الصواب لأن الأصل بقاء حياته ولا يحكم بموته إلا بعد انقضاء مدة التربص.
الرابعة: أن لا نعلم له حياة ولا موتاً حتى تنقضي المدة وحكمها كالثالثة خلافاً ومذهباً.
النظر الثاني: في الإرث منه: فلا يورث ما دامت مدة التربص باقية لأن الأصل بقاء حياته، فإذا انقضت مدة التربص حكمنا بموته وقسمنا تركته على من كان وارثاً منه حين انقضائها ثم إن استمر جهل حاله فالحكم باق، وإن تبين أنه مات قبل ذلك أو بعده فماله لورثته حين موته وإن تبين أنه حي فماله له.
ومتى تبين أن ورثته حين انقضاء المدة لا يستحقون إرثه رجع عليهم من يستحقه بعينه إن كان باقياً أو بدله إن كان تالفاً من مثل مثلي أو قيمة متقوم لأنه قد تبين أنهم لا يستحقونه.
عمل مسائل المفقود
إذا مات مورث المفقود في مدة التربص فاعمل له مسألة حياة ومسألة موت وحصل أقل عدد ينقسم عليهما فهو الجامعة فاقسمه على كل مسألة ليخرج جزء سهمها وتضرب به نصيب كل وارث منها.(5/323)
فلو هلكت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين إحداهما مفقودة فمسألة الحياة تعول إلى سبعة، للزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة، ومسألة الموت من اثنين، للزوج النصف واحد وللأخت النصف واحد وبين المسألتين تباين فاضرب إحداهما في الأخرى تبلغ أربعة عشر وهو الجامعة فاقسمها على مسألة الحياة سبعة يكن جزء سهمها اثنين، واقسمها على مسألة الموت اثنين يكن جزء سهمها سبعة والأضر في حق الزوج والأخت حياة المفقودة فأعطهما نصيبهما من مسألة الحياة، فللزوج ثلاثة في اثنين بستة وللأخت اثنان في اثنين بأربعة ويوقف للمفقودة أربعة فإن تبين أنها تستحقها فهي لها وإلا فللزوج منها واحد وللأخت ثلاثة.
(فائدة): قال الفرضيون رحمهم الله: قد لا يكون للمفقود حق في الموقوف مثل أن يكون ممن يحجب غيره ولا يرث وقد يكون له حق في بعضه مثل أن يكون الموقوف أكثر من نصيب المفقود وفي كلا الحالين يجوز للورثة أن يصطلحوا على ما لا حق للمفقود فيه ويقتسموه.
مثال الأول: أن تهلك امرأة عن زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخ لأب مفقود، فمسألة حياته من اثنين، للزوج النصف واحد وللأخت الشقيقة النصف واحد ولا شيء للأخت لأب لأنها عصبة بأخيها وقد استغرقت الفروض التركة، ومسألة موته من ستة للزوج النصف ثلاثة وللشقيقة النصف ثلاثة وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين واحد وتعول لسبعة.(5/324)
وإذا نظرت بين المسألتين وجدتهما متباينتين فاضرب إحداهما في الأخرى تبلغ أربعة عشر وهي الجامعة فاقسمها على مسألة الحياة اثنين يكن جزء سهمها سبعة وإذا قسمتها على مسألة الموت سبعة صار جزء سهمها اثنين والأضر في حق الزوج والأخت الشقيقة مسألة الموت فيعطيان نصيبهما منها مضروباً في جزء سهمها فيكون لكل واحد ستة ويبقى من الجامعة اثنان ولا حق للمفقود فيهما بل هما إما للأخت لأب إن تبين موته قبل موت المورث وإلا ردا على الزوج والشقيقة فالحق لهؤلاء الثلاثة، الزوج والشقيقة والأخت لأب فلهم أن يصطلحوا عليهما.
ومثال الثاني: أن تهلك امرأة عن زوج وأختين شقيقتين وأخ شقيق مفقود فمسألة حياته تصح من ثمانية، للزوج أربعة والباقي للأخ وأختيه للذكر مثل حظ الأنثيين فله اثنان ولكل أخت واحد، ومسألة موته من ستة، للزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وتعول لسبعة وبين المسألتين تباين فاضرب إحداهما سبعة في الأخرى ثمانية تكن الجامعة ستة وخمسين فاقسمها عليهما يكن جزء سهم مسألة الحياة سبعة وجزء سهم مسألة الموت ثمانية والأضر في حق الزوج موت الأخ فأعطه من مسألة الموت سهمه ثلاثة مضروباً في جزء سهمها ثمانية بأربعة وعشرين والأضر في حق الأختين حياة أخيهما فأعطهما من مسألة الحياة سهمها اثنين مضروباً في جزء سهمها سبعة بأربعة عشر لكل واحدة سبعة ووقف للمفقود نصيبه من مسألة الحياة اثنين مضروباً في جزء سهمها سبعة بأربعة عشر والباقي من الجامعة أربعة لا حق للمفقود فيها وإنما هي للأختين إن تبين موت أخيهما قبل موت المورث أو للزوج إن لم يتبين ذلك، فللزوج والأختين أن يصطلحوا عليها ويقتسموها لأن الحق لهم.
تتمة
لو اصطلحوا على ما سبق ثم تبين اختصاص أحدهم به لظهور حال المفقود لم يُنْقَض الصلح لأنه برضاهم وهم أهل الحق ولو شاؤوا لانتظروا فلما رضوا بالتعجيل والصلح على بعض حقهم صار الحكم على ما رضوا به، والله أعلم.
الخنثى المشكل(5/325)
الخنثى المشكل: هو من لا يعرف أذكر هو أم أنثى، وذلك بأن يكون فيه علامتا الذكور والإناث من غير تمييز أو لا يكون فيه علامة أحدهما.
وأحكام الخنثى المشكل نوعان:
نوع لا يختلف فيه الذكور والإناث فلا حاجة لتخصيص الخنثى فيه بحكم كالزكاة والفطرة ونحوهما.
ونوع يختلف فيه الذكور والإناث كالميراث فيحتاج فيه إلى أحكام تخص الخنثى وهل يلحق بالذكور أو بالإناث، والغالب أن يسلك به طريق الاحتياط في باب التحريم وبراءة الذمة في باب الإيجاب.
هذا وقد أشبع الكلام عليه في باب الميراث الفقهاء والفرضيون ولقلة وقوعه - ولله الحمد - تركنا الكلام عليه.
***
الغرقى والهدمى
يقصد الفرضيون رحمهم الله بهذا الباب كل جماعة متوارثين ماتوا بحادث عام كهدم وغرق ونحوهما.
فمتى وقع ذلك فلا يخلو من خمسة أحوال:
الأولى: أن نعلم المتأخر منهم بعينه فيرث من المتقدم ولا عكس.
الثانية: أن نعلم أن موتهم وقع دفعة واحدة فلا توارث بينهم لأن من شروط الإرث حياة الوارث بعد موت مورثه حقيقة أو حكماً ولم يوجد.
الثالثة: أن نجهل كيف وقع الموت؛ هل كان مرتباً أو دفعة واحدة؟
الرابعة: أن نعلم أن موتهم مرتب ولكن لا نعلم عين المتأخر.
الخامسة: أن نعلم المتأخر ثم ننساه.
وفي هذه الأحوال الثلاث لا توارث بينهم عند الأئمة الثلاثة وهو اختيار الموفق والمجد والشيخ تقي الدين وشيخنا عبد الرحمن السعدي، وشيخنا عبد العزيز بن باز، وهو الصحيح لأن من شروط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث حقيقة أو حكماً ولا يحصل ذلك مع الجهل إلا أن الشافعية قالوا في الحال الأخيرة يوقف الأمر حتى يذكروا أو يصطلحوا لأن التذكر غير ميؤوس منه.
والمشهور من مذهب أحمد في الأحوال الثلاث الأخيرة أنه إن حصل بين ورثتهم اختلاف في السابق ولا بينة تحالفوا ثم لا توارث بينهم لعدم المرجح وإن لم يحصل اختلاف ورث كل منهم من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه منه دفعاً للدور.
عمل مسائل الغرقى(5/326)
عمل مسائل الغرقى إذا لم يحكم بالتوارث بينهم لا يختلف عن عمل مسائل غيرها وأما إذا حكم بالتوارث فإنه يعمل مسألة لأحدهم لإرث تلاد ماله فنقسمها على ورثته الأحياء ومن مات معه ثم نعمل مسألة ثانية للأحياء من ورثة من مات معه ونقسم عليها نصيبه من مسألة الميت الأول ونحصل جامعة لهما كما سبق في المناسخات وبذلك تمت أول مسألة من الأموات ثم نرجع لنعمل مسألة الميت الثاني وهو الذي قدرنا أولاً أنه حي فنعمل له مسألة ونقسمها على ورثته الأحياء ومن مات معه ثم نعمل مسألة ثانية للأحياء من ورثة من مات معه ونقسم عليها سهامه ونصححها كما سبق، وإليك مثالاً يوضح ذلك:
أخوان صغير وكبير ماتا بهدم فمات الصغير عن زوجة وبنت وأخيه الذي معه وعم وتركته ثمانية دنانير ومات الكبير عن بنتين وأخيه الذي معه والعم وتركته أربعة وعشرون درهماً.
فمسألة الصغير من ثمانية، للزوجة الثمن واحد وللبنت النصف أربعة والباقي ثلاثة للأخ ولا شيء للعم، ومسألة إحياء الكبير من ثلاثة للبنتين الثلثان اثنان والباقي واحد للعم وإذا قسمت نصيب الكبير من أخيه على مسألته وجدته منقسماً عليها فتصح مسألتهما من ثمانية وبهذا انتهت مسألة الصغير وصار لزوجته دينار ولبنته أربعة ولكل واحدة من ابنتي أخيه دينار ولعمه دينار وقد وضعنا في الشباك بينها وبين مسألة الكبير فاصلاً ثلاثة خطوط.
ومسألة الكبير من ثلاثة، للبنتين الثلثان فلهما من التركة ستة عشر درهماً والباقي ثمانية دراهم لأخيه ولا شيء للعم ومسألة إحياء الصغير من ثمانية، للزوجة الثمن واحد وللبنت النصف أربعة والباقي للعم، وإذا قسمت نصيب الصغير من أخيه على مسألته وجدته منقسماً فتصح مسألتهما من أربعة وعشرين وبهذا انتهت مسألة الكبير فصار لكل واحدة من ابنتيه ثمانية دراهم ولبنت أخيه أربعة دراهم ولزوجته درهم وللعم ثلاثة.(5/327)
وإذا جمعت ما لكل واحد من الأحياء تبين أن لزوجة الصغير دينار ودرهم ولبنته أربعة دنانير وأربعة دراهم ولكل واحدة من ابنتي الأخ الكبير دينار وثمانية دراهم وللعم دينار وثلاثة دراهم فهذه ثمانية دنانير وأربعة وعشرون درهماً وإليك صورتها في الشباك:
جه
1
1
جه
1
1
بنت
4
4
بنت
4
4
ق
3
ت
عم
عم
1
1
عم
3
3
بنت
1
1
بنت
8
8
بنت
1
1
بنت
8
8
ق
8
ت
دراهم
تأمل هذا الشباك تجد أننا وضعنا:
أولاً: ورثة الصغير.
ثانياً: سهامهم من التركة.
ثالثاً: الأحياء من ورثة الكبير.
رابعاً: سهامهم من التركة.
خامساً: جامعة المسألتين.
سادساً: أسماء ورثة الكبير.
سابعاً: سهامهم من التركة.
ثامناً: أسماء الأحياء من ورثة الصغير.
تاسعاً: سهامهم من التركة.
عاشراً: جامعة المسألتين.
وهذه العملية حينما تحكم بالتوارث، أما إذا لم تحكم بالتوارث فإننا نقسم تركة كل واحد منهما على الأحياء من ورثته فنقسم تركة الصغير على زوجته وبنته وعمه، لزوجته دينار واحد ولبنته أربعة دنانير ولعمه ثلاثة دنانير، ونقسم تركة الكبير على بنتيه وعمه، للبنتين ستة عشر درهماً وللعم ثمانية دراهم، وعلى هذا فيكون الحظ للعم إذ جاءه على هذا الوجه ثلاثة دنانير وثمانية دراهم وعلى الوجه الأول لم يأته إلا دينار واحد وثلاثة دراهم، والله أعلم.
وإلى هنا انتهى ما أردنا جمعه، وقد تم نقله في ليلة الأربعاء الموافق الأول من جمادى الآخرة عام أربع وثمانين وثلاثمائة وألف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
---(5/328)
(37) رواه أبو داوود (2920) كتاب الفرائض باب المواود يستهل ثم يموت ، وله شاهد عند الترمزي (1032) كتاب الجنائز 43- باب ما جاء في ترك الصلاة على الجنين حتى يستهل . والنسائي (6358 - 6359) كتاب الفرائض 18- توريث المولود إذا استهل . وابن ماجه (2750 - 2751) كتاب الفرائض 17- باب إذا استهل المولود ورث . ومال إلى صحة وقفة الترمزي والنسائي والدار قطني .
---
(35) سبق رقم (1) وأنه في الصحيحين .
(36) رواه البخاري (2298) كتاب الكفالة 5- باب الدين ومسلم (1619) كتاب الفرائض باب من ترك مالاً فلورثته .
---
(31) إلا ما سبق فيما استغرقت الأخوات الشقيقات الثلثين فتسقط الأخوات لأب إن لم يعصبهن أخ لأب .
---
(31) إلا ما سبق فيما استغرقت الأخوات الشقيقات الثلثين فتسقط الأخوات لأب إن لم يعصبهن أخ لأب .
---
(26) سبق تخريجه رقم (1) .
(27) رواه البخاري ومسلم وسبق رقم (1) .
(28) رواه البخاري ومسلم وسبق رقم (1) .
(29) رواه ابو داوود (2907 - 2908) كتاب الفرائض ، باب ميراث ابن الملاعنة وله شاهد عند الطبراني موقوفاً على ابن مسعود قال الهيثمي (4/230) من المجمع : رجاله رجال الصحيح إلا أن قتادة لم يدرك ابن مسعود وفي الباب غير ذلك . وصححه الألباني .
(30) سبق رقم (13) .
---
(20) رواه البخاري ومسلم كما سبق رقم (1) .
(21) رواه البخاري ومسلم كما سبق رقم (1) .
(22) ذكره البخاري في صحيحه معلقاً : كتاب الفرائض 9- ميراث الجد مع الأب والإخوة . قال الحافظ في تغليق التعليق (5/ 214): قول أبي بكر إن الجد أب أسنده المؤلف " البخاري" في فضل ابي بكر، وأسنده في هذا الباب " أي برقم 6738" . وكذا قول ابن الزبير.(5/329)
(23) رواه مالك في الموطأ (2/513/1076) كتاب الفرائض 8- باب ميراث الجدة . وأبو داوود (2894) كتاب الفرائض باب في الجدة. والترمزي (2101) كتاب الفرائض 10- باب ما جاء في ميراث الجدة وصححه . وابن ماجه (2724) كتاب الفرائض 4- باب ميراث الجدة وضعفه ابن حزم في المحلى (9/274) بالانقطاع وكذا عبد الحق وابن القطان ومال إليه الحافظ في التلخيص (3-82) . وقارن مع التمهيد (11/92) لأبن عبد البر .
(24) رواه أبو داوود (2891) كتاب الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب و الترمزي (2092) كتاب الفرائض 3- باب ما جاء في ميراث البنات وقال: حسن صحيح وابن ماجه (2720) كتاب الفرائض 2- باب فرائض الصلب . وأحمد (3/352) وحسنه الألباني وهو ظاهر صنيع الحافظ في الفتح (8/244) والشوكاني في النيل (6/171) .
(25) رواه البخاري (6736) كتاب الفرائض 8- باب ميراث ابنة ابن مع ابنة ، وأبو داوود (2890) كتاب الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب والترمزي (2093) كتاب الفرائض 4- باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع الصلب وقال: حسن صحيح . والنسائي في الكبرى (6329) كتاب الفرائض 9- تأويل قول الله عز وجل : ) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ )(النساء: من الآية176) وابن ماجه (2721) كتاب الفرائض 2- باب فرائض الصلب .
---
(19) رواه أبو داوود (4582) كتاب الديات باب دية المكاتب ، والترمزي (1259) كتاب البيوع ، 35- باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي وحسنه ، والنسائي في المجتبي (4808) كتاب القسامة دية المكاتب . وصححه ابن حزم (6/137) و (9/35) والألباني في الارواء (1726).
---
(15) رواه البخاري (2379) كتاب المساقات 17- باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل . ومسلم (1543) كتاب البيوع 15- باب من باع نخلاً عليها ثمر .(5/330)
(16) رواه أبو داوود (4564) كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء، والنسائي (6367) كتاب الفرائض 21- باب توريث القاتل. وقواه البيهقي (6/219-220) بشواهده وصححه الألباني في الأرواء (1671) وشاهده من حديث عمر : رواه مالك (2/867/10) كتاب العقول والنسائي (6368) كتاب الفرائض باب توريث القاتل، وابن ماجه (2646) كتاب الديات 14- باب القاتل لا يرث. وأحمد (1/ 46) مرسلاً إلا أحمد فوصله وفيه الحجاج وهو ضعيف .
(17) رواه ابن ماجه (2736) كتاب الفرائض 8- باب ميراث القاتل. والدارقطني (4/72-73/16) كتاب الفرائض والسير وغير ذلك. ومال إلى تصحيحه. وضعفه البويصري والألباني بل قال: موضوع وابن الجوزي في التحقيق (2/242/1661) وعبد الحق كما في نصب الراية (4/330) وقد روى عن عطاء ومجاهد وابن أبي نجيح والزهري ومجمد بن جبير وغيرهم القول بتوريث القاتل خطأ من المال دون الدية . أنظر : المصنف لابن شيبة (11/358) ومصنف عبد الرزاق (9/400) .
(18) رواه أبو داوود (2911) كتاب الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر . والنسائي (6382- 6384) كتاب الفرائض 25- سقوط الموارثة بين الملتين ، ابن ماجه (2731) كتاب الفرائض 6- باب ميراث أهل الأسلام من أهل الشرك . وأحمد (2/178) وصححه الألباني وابن الملقن في الخلاصة (2/135/1744) وقال الحافظ في الفتح (12/51) : وسند أبي داوود إلى عمرو بن شعيب صحيح . وأخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر في حديث كما ذكره الحافظ في التلخيص (3/97) .
---
(11) رواه الدار قطني (4/88) والطبراني في الكبير (11/284/11748) وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد) (7/28) رجاله رجال الصحيح . ويلاحظ أن لفظ أبي داوود (2921 - 2924) في إرث الحلف لا إرث المؤاخاة . كتاب الفرائض باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم وانظر عنده ( 2922) وكلها صحهها الشيخ الألباني .(5/331)
(12) علقه البخاري في صحيحه قال: ويذكر عن تميم الداري واختلفوا في صحة الخبر ، وجزم في التاريخ الكبير (5/198) أنه لا يصح ووصله الترمزي (2112) كتاب الفرائض20- باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي رجل. وقال: لا يصح . وأبو داوود (2918) كتاب الفرائض باب في الرجل يسلم على يدي الرجل . وابن ماجه (2752) كتاب الفرائض 18- باب الرجل يسلم على يدي الرجل والنسائي (6411 - 6413) كتاب الفرائض 32- باب ميراث موالي الموالاة . وأحمد (4/102-103) وضعفه البيهقي (10/297) وحسنه أبو زرعة الدمشقي والألباني .
(13) رواه أبو داوود (2906) كتاب الفرائض 9- باب ميراث ابن الملاعنة . والنسائي (6420) كتاب الفرائض 37- باب ميراث اللقيط . وابن ماجه (2742) كتاب الفرائض 12- باب تحوز المرأة ثلاث مواريث ، والترمزي (2115) كتاب الفرائض 23- باب ما جاء ما يرث النساء من الولاء وقال : حسن غريب . وأحمد (4/106) وضعفه ابن عدي والبيهقي (6-259) وابن حزم والالباني ويفهم أن الحافظ في الفتح (12/31) مال إلى تحسينه ولعل ذلك (بجزء من الملاعنة ) أنظر ص (64) هنا .
(14) رواه أبو داوود (2905) كتاب الفرائض باب ميراث ذوي الأرحام . والنسائي (6409 - 6410) كتاب الفرائض 31- إذا مات العتيق وبقي المعتق ، والترمزي (2106) كتاب الفرائض 14- باب لا وراث له . وأحمد (1/ 358) وضعفه المنذري والألباني . ولعل أصله ما رواه الفاكهي في أخبار مكة (2164) باسناد صحيح عن عطاء عن عمر موقوفاً ولكنه منقطع .
---
(8) رواه ابو داوود (2903-2904) كتاب الفرائض ، باب في ميراث ذوي الأرحام والنسائي (6394) كتاب الفرائض ، 28- توريث ذوي الأرحام وأحمد (5/347) وضعفه المنذر والألباني .(5/332)
(9) رواه أحمد (1/ 430) . وأبو داوود (2114-2116) كتاب النكاح ، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات والترمزي (1145) كتاب النكاح ، 44- باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها . وقال : حسن صحيح والنسلئي (5515) كتاب النكاح 70- إباحة التزوج بغير من صداق ، وابن ماجه (1891) كتاب النكاح 18- باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك وصححه ابن حزم والألباني والحاكم (2/196-197).
(10) رواه البخاري (2155) كتاب البيوع ، 67 – باب البيع والشراء مع النساء ، ومسلم (1504) كتاب العتق 2- باب إنما إنما الولاء لمن أعتق .
---
(1) رواه البخاري (6732) كتاب الفرائض ، 5- باب ميراث الولد من أبيه وأمه . و مسلم (1615) كتاب الفرائض ، 1- بابا ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر .
(2) سبق الحديث في رقم (1) وهو في الصحيحين .
---
(1) رواه البخاري (6732) كتاب الفرائض ، 5- باب ميراث الولد من أبيه وأمه . و مسلم (1615) كتاب الفرائض ، 1- بابا ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر .
(2) سبق الحديث في رقم (1) وهو في الصحيحين .(5/333)
تلخيص فقه الفرائض
تلخيص فقه الفرائض
محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب أليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله واصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً ، وبعد :
فهذه رسالة مختصرة في علم الفرائض حسب المنهج الجديد المقرر للسنة الأولى الثانوية راعيت فيها سهولة التعبير مع الإيضاح بالأمثلة وسميتها ( تلخيص فقه الفرائض ) أسال الله تعالى أن يجعل عملي خالصا له نافعاً لعباده انه جواد كريم .
1ـ تعريف الفرائض 2ـ فائدته 3ـ حكمه
1ـ الفرائض : جمع فريضة بمعنى مفروضة ، وهى لغة : الشي الموجب والمقطوع .
في الاصطلاح هنا : العلم بقسمة المواريث فقها وحسابا .
2ـ فائدته : إيصال نصيب كل وارث إليه .
3ـ حكمه : فرض كفاية ، إذا قام به من يكفى سقط الفرض عن بقية الناس .
الحقوق المتعلقة بالتركة وبيان المقدم منها
الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة مرتبة كالتالي :
1ـ مؤن تجهيز الميت من ثمن ماء تغسله وكفنه وحنوطه واجرة غاسله وحافر قبره .
2ـ الحقوق المتعلقة بعين التركة كالديون الموثقة بالرهن .
3ـ الحقوق المتعلقة بذمة الميت كالديون التي ليس فيها رهن سواء كانت لله تعالى كالزكاة أم للآدميين كالقرض .
4ـ الوصية الجائزة ، وهى ما كانت بالثلث فاقل لغير وارث .
5ـ الإرث ، ويقدم منه بالفرض ثم التعصيب ثم الرحم .
مثال يوضح ذلك : أن يموت ميت ويبلغ ما يتعلق بتركته كالتالي :
100 ريال مؤن تجهيزه .
100 ريال دين موثق برهن .
100 ريال دين ليس فيه رهن .
100 ريال وصية جائزة .
وارث : زوج أخت شقيقة .
فإذا خلف مائة ريال صرفت في مؤن تجهيزه ،وترك الباقي .
وإذا خلف مائتي ريال فقط صرفت في مؤن تجهيزه والدين الموثق ، وترك الباقي .(5/334)
وإذا خلف ثلاثمائة ريال فقط صرفت في مؤن تجهيزه والدين غير الموثق وترك الباقى .
وإذا خلف ستمائة ريال صرفت منها ثلاثمائة فيما سبق ، ومائة ريال فى الوصية ومائة ريال للزوج ، ومائة ريال للأخت الشقيقة .
ووجه تقديم الوصية على الإرث هنا ان فرض كل واحد من الزوج والأخت الشقيقة ، ولم يفرض لهما النصف إلا بالنسبة لما بقى بعد الوصية ولو لم تقدم الوصية عليهما لكان للوصية خمسة وسبعون ، ولكل واحد من الزوج والأخت مائة واثنا عشر ريالا ونصف ريال .
أسباب الإرث .
أسباب الإرث ثلاثة : نكاح ، ونسب ، وولاء .
أ ـ فالنكاح : عقد الزوجية الصحيح ، فيرث به الزوج من زوجته ، والزوجة من زوجها بمجرد العقد وان لم يحصل بينهما اجتماع .
ب ـ والنسب : القرابة وهى الاتصال بين شخصين بولادة قريبة أو بعيدة .
ج ـ والولاء : عصوبة تثبت للمعتق وعصبية المتعصبين بأنفسهم بسبب العتق .
أقسام القرابة باعتبار جهاتهم
ينقسم القرابة باعتبار جهاتهم إلي ثلاثة أقسام : أصول وفروع وحواشي .
أ ـ فالأصول من تفرع الميت منهم كالآباء والأمهات وكلهم وارثون بالفرض أو التعصيب سوى صنفين :
1 ـ كل ذكر حال بينه وبين الميت أنثي مثل أب الأم .
2 ـ كل أنثى أدلت بذكر حال بينه وبين الميت أنثى مثل أم أب الأم .
وهذان الصنفان من ذوى الأرحام .
ب ـ والفروع : من تفرعوا من الميت كالأولاد ، وكلهم وارثون بالفرض أو التعصيب إلا من أدلى بأنثى مثل : ابن البنت وبنت البنت فمن ذوى الأرحام .
جـ : والحواشي : من تفرعوا من أصول الميت كالاخوة والأعمام وكلهم وارثون بالفرض أو التعصيب سوى صنفين :
1ـ كل ذكر أدلى بأنثى سوى الاخوة من الام مثل : ابن الأخت وابن الأخ من الام والعم لام والخال .
2ـ جميع الإناث سوى الأخوات مثل بنت الأخ والعمة وبنت العم والخالة .
وهذان الصنفان من ذوى الأرحام .
شروط الإرث
شروط الإرث ثلاثة .
أ ـ تحقق موت المورث أو إلحاقه بالأموات .(5/335)
مثال إلحاقه بالأموات : المفقود إذا مضت مدة انتظاره .
ب ـ تحقق حياة الوارث بعده أو إلحاقه بالأحياء .
مثل إلحاقه بالأحياء : الحمل إذا تحقق وجوده حين موت مورثه وان لم تنفخ فيه الروح . وكذلك المفقود في مدة انتظاره إذا لم نتحقق أن موته قبل موت مورثه .
وبناء على هذين الشرطين فلا توارث بين متوارثين ماتا ولم يَعلم أيهما اسبق موتا ، مثل ان يموتا بهدم أو غرق أو حريق أو حادث طريق ونحوه لعدم تحقق المورث قبل الوارث وحياة الوارث بعده .
جـ ـ العلم بالجهة الموجبة للإرث من زوجة أو قرابة أو ولاء ، بان نعلم هذا يرث هذا الميت لكونه زوجه و نحوه .
موانع الإرث
موانع الإرث ثلاثة : اختلاف الدين ، والرق ، والقتل .
فمتى وَجد واحد منها في شخص صار كالمعدوم فلا يرث ولا يؤثر على غيره من الورثة .
أ ـ فأما اختلاف الدين فمعناه : أن يكون إحداهما على ملة والثاني على ملة أخرى ، وهو مانع من الجانبين ، فالكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر ، واليهودي لا يرث النصراني ، والنصراني لا يرث اليهودي وهكذا .
ب ـ وأما الرق فهو وصف يكون به الشخص مملوكا وهو مانع من الجانبين فلا يورٌث
ج ـ واما القتل فهو إزهاق الروح والمانع منه ما كان بغير حق سواء كان عمداً أم غير عمد وسواء كان مباشرة أم غير مباشرة أم بسبب . وهو مانع من جانب واحد ، جانب القاتل ، فالقاتل لا يرث من المقتول . واما المقتول فيرث من القاتل مثل أن يجرح أحد الشقيقين أخاه جرحاً مميتاً ثم يموت الجارح قبله فيرث منه المجروح حينئذ .فأما القتل بحق فلا يمنع من الإرث مثل أن يقتل مورثه قصاصاً فيرث منه حينئذ .
أقسام الورثة باعتبار نوع الإرث .
ينقسم الورثة باعتبار نوع الإرث ثلاثة أقسام : وارثين بالفرض ، ووارثين بالتعصيب ، ووارثين بالرحم .
أ ـ فالوارثون بالفرض : من ارثهم مقدٌر بجزء كالنصف والربع والثمن والثلثين والثلث والسدس .(5/336)
ب ـ والوارثون بالتعصيب : من يرثون بلا تقدير .
جـ ـ والوارثون بالرحم كل قريب ينزل منزلة ذوى الفرض أو التعصيب ، وليس وارثا بهما بنفسه .
أصحاب الفروض ومقدار نصيب كل وارث
أصحاب الفروض عشرة : الزوج ، والزوجة ، والام ، والأب ، والجدة ، والجد ، والبنات ، وبنات الابن ، والأخوات من غير أم وأولاد الام .
1ـ ميراث الزوج
ميراث الزوج النصف أو الربع :
فيرث النصف بشرط ألا يكون للزوجة فرع وارث ويرث الربع بشرط أن يكون للزوجة فرع وارث .
مثال ارثه النصف : أن تموت امرأة عن زوجها وأبيها فللزوج النصف وللأب الباقي .
ومثال ارثه الربع : أن تموت امرأة عن زوجها وابنها فللزوج الربع وللابن الباقي .
2 ـ ميراث الزوجة
ميراث الزوجة الربع أو الثمن :
فترث الربع بشرط أن لا يكون للزوج فرع وارث ، وترث الثمن بشرط أن يكون للزوج فرع وارث .
مثال ارثها الربع : أن يموت شخص عن زوجته وأبيه فللزوجة الربع وللأب الباقي .
مثال ارثها الثمن : أن يموت شخص عن زوجته وابنه فللزوجة الثمن وللابن الباقي .
والزوجتان فاكثر كالزوجة الواحدة ، فلا يزيد الفرض بزيادتهن .
3 ـ ميراث الأم
ميراث الام الثلث أو السدس أو ثلث الباقي .
فترث الثلث بشرط أن لا يكون للميت فرع وارث ولا عدد من الاخوة الأخوات ، وان تكون المسالة إحدى العمريتين .
وترث السدس إذا كان للميت فرع وارث أو عدد من الاخوة أو الأخوات وترث ثلث الباقي في العمريتين وهما :
1 ـ زوج و أم وأب . تقسم من ستة للزوج النصف ثلاثة وللام ثلث الباقي واحد ، وللأب الباقي .
2 ـ زوجة وأم وأب . تقسم من أربعة . للزوجة الربع واحد وللام ثلث الباقي واحد وللأب الباقي .
مثال ارثها الثلث : أن يموت شخص عن أمه وأبيه ، فللأم الثلث وللأب الباقي .
مثال ارثها السدس : أن يموت شخص عن أمه وابنه فللام السدس وللابن الباقي .
مثال آخر : أن يموت شخص عن أمه أخويه الشقيقين فللام السدس ، وللشقيقين الباقي .
4- ميراث الأب(5/337)
ميراث الأب بالفرض فقط وهو السدس أو بالتعصيب فقط ، أو بالفرض والتعصيب معا .
فيرث بالفرض بشرط أن يكون للميت فرع وارث ذكر .
ويرث بالتعصيب فقط بشرط أن يكون للميت فرع وارث .
ويرث بالفرض والتعصيب معاً بشرط أن يكون للميت فرع وارث أنثى لا ذكر معها .
مثال ارثه بالفرض فقط : أن يموت شخص عن أبيه وابنه فللأب السدس وللابن الباقي .
مثال ارثه بالتعصيب فقط : أن يموت شخص عن زوجته وأبيه فللزوجة الربع وللأب الباقي .
مثال ارثه بالفرض والتعصيب : أن يموت شخص عن ابنته وأبيه فللبنت النصف وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبا .
5 ـ ميراث الجدة
المراد بالجدة هنا : من لم تدل بذكر بينه وبين الميت أنثى كأم أبى الام . ولا ترث جدة مع وجود الام ولا مع وجود جدة اقرب منها كأم الام مع وجود أم الأب .
وميراث الجدة الواحدة السدس فان تعددن فالسدس بينهن بالسوية ولا يزيد الفرض بزيادتهن .
مثال الجدة الواحدة : أن يموت شخص عن جدته ( أم أبيه ) وابنه فللجدة السدس وللابن الباقي .
ومثال المتعددات : أن يموت شخص عن جداته ( أم أم أمه ، وأم أم أبيه ، وأم أبى أبيه) وأبيه فللجدات السدس بالسوية وللأب الباقي .
6ـ ميراث الجد
المراد بالجد هنا : من لم يكن بينه وبين الميت أنثى كأبي الام ولا يرث جدٌ مع وجود الأب ولا مع وجود جدٌ اقرب منه كأبي أبى الأب مع وجود أبى الأب .
وميراث الجد بالفرض فقط وهو السدس ، وبالتعصيب فقط وبالفرض والتعصيب معاً .
فيرث بالفرض فقط بشرط أن يكون للميت فرع وارث ذكر .
ويرث بالتعصيب فقط بشرط أن لا يكون للميت فرع وارث .
ويرث بالفرض والتعصيب معا بشرط أن يكون للميت فرع وارث أنثى لا ذكر معها .
مثال ارثه بالفرض فقط : أن يموت شخص عن جدة وابنة فللجد السدس وللابن الباقي .
مثال ارثه بالتعصيب فقط . أن يموت شخص عن أمه وجده فللام الثلث وللجد الباقي .(5/338)
ومثال ارثه بالفرض والتعصيب : أن يموت شخص عن بنته وجده فللبنت النصف وللجد السدس فرضا والباقي تعصيبا .
7ـ ميراث البنات
ميراث البنات بالتعصيب فقط وبالفرض فقط .
فيرثن بالتعصيب بشرط أن يكون للميت ابن . للذكر مثل حظ الانثيين ويرثن بالفرض بشرط أن لا يكون للميت ابن للواحدة النصف ، وللثنتين فاكثر الثلثان .
مثال ارثهن بالتعصيب : أن يموت شخص عن أبيه وبنته فلها المال كله ، له سهمان ، ولها سهم واحد .
ومثال ارث الواحدة بالفرض النصف : أن يموت شخص عن زوجته وابنته وأخيه وأخيه الشقيق فللزوجة الثمن وللبنت النصف وللشقيق الباقي .
ومثال ارث الثنتين بالفرض الثلثين : أن يموت شخص عن بنته وأبيه فللبنتين الثلثان وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبا .
ومثال ارث الأكثر من الثنتين بالفرض الثلثين : ان يموت شخص عن بناته الثلاث وأمه وأبيه فللبنات الثلثان وللام السدس وللأب السدس ولم يرث الأب هنا بالتعصيب لانه لم يبق بعد الفرض شي .
8 ـ ميراث بنات الابن
لا ترث بنات الابن مع وجود ذكر وارث من الفروع أعلى منهن مطلقا ، ولا مع وجود انثتين وارثتين من الفروع أعلى منهن إلا أن يكون للميت ابن ابن بدرجتهن أو انزل منهن فيرثن معه بالتعصيب للذكر مثل حظ الانثيين .
وميراثهن فيما سوى ذلك بالتعصيب فقط وبالفرض فقط فيرثن بالتعصيب بشرط ان يكون للميت ابن ابن بدرجتهن للذكر مثل حظ الانثيين .
ويرثن بالفرض بشرط إلا يكون للميت ابن ابن بدرجتهن للواحدة النصف وللثنتين فاكثر الثلثان ألا أن يوجد أنثى من الفروع أعلى منهن ورثت النصف ، فيرثن السدس تكملة الثلثين سواء كن واحدة أم اكثر ، لا يزيد الفرض عن السدس بزيادتهن .
مثال ارثهن بالتعصيب مع وجود انثيين وارثتين من الفروع أعلى منهن : ان يموت شخص عن بنتيه وبنت ابنه وابن ابنه فللبنتين الثلثان ، ولبنت الابن وابن الابن الباقي ، وله سهمان ولها سهم واحد .(5/339)
مثال آخر : أن يموت شخص عن بنتي ابنه وبنت ابن ابنه وابن ابن ابن ابنه . فلبنتي الابن الثلثان ولبنت ابن الابن وابن ابن ابن الابن الباقي ، وله سهمان ولها سهم واحد .
ومثال ارثهن بالتعصيب مع ابن ابن بدرجتهن : أن يموت شخص عن زوجته وبنت ابنه وابن ابنه . فللزوجة الثمن ولبنت الابن وابن الابن الباقي ، وله سهمان ولها سهم واحد .
ومثال ارث الواحدة بالفرض النصف : أن تموت امرأة عن زوجها وبنت ابنها وابن ابن ابنها فللزوج الربع ، ولبنت الابن النصف ، ولابن ابن الابن الباقي .
ومثال ارث الثنتين بالفرض الثلثين : أن يموت شخص عن جدته ( أم أمه ) وابنتي ابنه وأبيه فللجدة السدس ، ولابنتي الابن الثلثان وللأب السدس .
ومثال ارث الأكثر من الثنتين بالفرض الثلثين : أن يموت شخص عن بنات ابنه الثلاث وأبيه فلبنات الابن الثلثان وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبا .
ومثال ارث الواحدة السدس مع أنثى من الفروع أعلى منها ورثت النصف :أن يموت شخص عن بنته وبنت ابنه وابن ابن ابنه فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ولابن ابن الابن الباقي.
ومثال ارث الأكثر من واحدة السدس : أن تموت امرأة عن زوجها وبنتها وبنات ابنها وعمها فللزوج الربع وللبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين وللعم الباقي .
9 ـ ميراث الأخوات من غير أم .
لا يرث أحد من الاخوة أو الأخوات مه وجود ذكر وارث من الفروع أو الأصول .
أ ـ ميراث الشقيقات :
ميراث الشقيقات بالتعصيب بالغير وبالتعصيب مع الغير وبالفرض .
فيرثن بالتعصيب بالغير إذا كان للميت أخ شقيق . للذكر مثل حظ الانثيين.
ويرثن بالتعصيب مع الغير إذا كان للميت أنثى من الفروع وارثة بالفرض ، فيكن بمنزلة الاخوة الأشقاء .
ويرثن بالفرض فيما سوى ذلك للواحدة النصف وللثنتين فاكثر الثلثان .
مثال ارثهن بالتعصيب بالغير: أن يموت شخص عن أخته الشقيقة وأخيه الشقيق فلهما المال كله ، له سهمان ولها سهم واحد .(5/340)
ومثال ارثهن بالتعصيب مع الغير : أن يموت شخص عن بنته وبنت ابنه وأخته الشقيقة وأخيه من أبيه فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وللشقيقة الباقي ولا شي للأخ من الأب .
ومثال ارث الواحدة بالفرض : أن يموت شخص عن أخته الشقيقة وزوجته وأخيه من أبيه فللشقيقة النصف وللزوجة الربع ، وللأخ من الأب الباقي .
ومثال ارث الثنتين بالفرض : أن يموت شخص عن أختيه الشقيقتين وأمه وعمه الشقيق .فللشقيقتين الثلثان ، وللام السدس ، وللعم الباقي .
ومثال ارث الأكثر من الثنتين بالفرض : أن يموت شخص عن أخواته الثلاث الشقيقات وجدته (أم أبيه ) وأخيه من أبيه . فللشقيقات الثلثان وللجدة السدس ، وللأخ من الأب الباقي .
ب ـ ميراث الأخوات من الأب : لا ترث الأخوات من الأب مع وجود ذكر وارث من الأشقاء مطلقاً ، ولا مع وجود اثنتين فاكثر من الشقيقات إلا أن يكون للميت أخ من أب فيرثن معه بالتعصيب للذكر مثل حظ الانثيين . ويرثن مع الشقيقة الواحدة السدس تكملة الثلثين سواء كن واحدة أم اكثر لا يزيد الفرض عن السدس بزيادتهن .
وميراثهن فيما سوى ذلك كميراث الشقيقات على ما سبق تفصيله .
مثال ارثهن مع الشقيقتين بالتعصيب : أن يموت شخص عن أختيه الشقيقتين وأخته من أبيه وأخيه من أبيه فللشقيقتين الثلثان وللأخ من الأب والأخت من الأب الباقي سهمان ولها سهم واحد .
ومثال اِرثهن مع الشقيقة السدس : أن يموت شخص عن أخته الشقيقة وأخته من أبيه وعمه الشقيق. فللشقيقة النصف وللأخت من الأب السدس تكملة الثلثين ، وللعم الباقي .
مثال آخر : ان يموت شخص عن أخته الشقيقة وأختيه من أبيه وأمه وعمه الشقيق . فللشقيقة النصف ، وللأختين من الأب السدس تكملة الثلثين ، وللام السدس ، وللعم الباقي .
10ـ ميراث أولاد الام .(5/341)
أولاد الام هم الاخوة والأخوات من الام . ولا يرثون مع وجود أحد وارث من الفروع او ذكر وارث من الأصول وميراثهم بالفرض للواحد منهم السدس ، ولاثنين فاكثر الثلث بالسوية لا يفضل ذكرهم على أنثاهم .
مثال ارث الواحد . أن يموت شخص عن أخته من أمه وأخته الشقيقة وأختيه من أبيه وأمه فللأخت من الام السدس ، وللأخت الشقيقة النصف وللأختين من الأب السدس تكملة الثلثين ، وللام السدس .
مثال ارث الاثنين : أن يموت شخص عن أخويه من أمه وأختيه الشقيتين . فللأخوين من الام الثلث بالسوية وللشقيقتين الثلثان .
ومثال أخر الأكثر من الاثنين : أن يموت شخص عن أخيه من أمه وأختيه منها وأخيه الشقيق.فللأخوين والأخت من الام الثلث بالسوية ، وللشقيق الباقي .
تتمة
إذا اجتمعت فروض تزيد على المسالة لم يسقط أحد من أصحابها لانه ليس أحدهم أولى بالسقوط من الآخر فتعول المسالة الى منتهى فروضها ويكون النقص على الجميع بالقسط منسوباً الى منتهى عولها .
مثال ذلك :أن تموت امرأة عن زوجها وأختيها الشقيقتين فللزوج النصف وللشقيقتين الثلثان وتعول من ستة الى سبعة ، وينقص من فرض كل واحد سبعة .
مثال أخر : أن تموت امرأة عن زوجها وامها وأختيها الشقيقتين وأختيها من أمها فللزوج النصف وللام السدس وللشقيقتين الثلثان وللأختين من الام الثلث وتعول من ستة الى عشرة وينقص من فرض كل واحد خمساه .
مثال ثالث : أن يموت شخص عن زوجته وأختيه الشقيقتين وأخته من أمه . فللزوجة الربع وللشقيقتين الثلثان ولللاخت من الام السدس وتعول من أثنى عشر الى ثلاثة عشر ، وينقص من فرض كل واحد سهم من ثلاثة عشر سهماً .
مثال رابع : أن يموت شخص عن زوجته وابنتيه وأمه وأبيه فللزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وللام السدس وللأب السدس وتعول من أربعة وعشرون الى سبعة وعشرون وينقص من فرض كل واحد تسعة .
تمرينات
تمرين (1)
1 ـ اذكر الضابط فيمن لا يرث بفرض و لا تعصيب القرابة مع التمثيل .(5/342)
2ـ بيٌن من أقسام القرابة ما يأتي ومن منهم من ذوى الأرحام مع التعليل .
العمة . الأب . بنت الأخ الشقيق . الخال . بنت الابن أبو الام . أم الام . العم من الام . العم من الأب . ابن البنت . ابن الابن . ابن الأخ من الام . ابن الأخ من الأب . ابن البنت .ابن الابن ابن الأخ من الام . ابن الأخ من الأب . أم أب الام . أم الأب . ابن الأخت .
تمرين (2)
1 ـ متى يرث كل واحد من الزوجين الربع؟
2ـ متى يرث الأب بالفرض والتعصيب معأ؟
3 ـ ما هي الحالات التي لا يرث فيها كل من الجدة والجد ؟
4 ـ متى ترث الأخوات بالتعصيب مع الغير .
تمرين (3)
هات أمثلة لما يأتي مع التعليل
1 ـ مثالاً يتضمن فرض الثمن للزوجة والسدس لبنت الابن
2ـ مثالاً يتضمن فرض النصف للزوج والسدس للام
3ـ مثالاً يتضمن زيادة الفروض على المسالة من ستة الى ثمانية .
تمرين (4)
اقسم المسائل التالية مع التعليل :
1ـ أم وزوجة واخوان من أم وأخوان شقيقان
2ـ أخت شقيقة وأخ شقيق رقيق وأم وعم .
3ـ بنتان وبنت ابن وأخت من أب .
4ـ أختان شقيقتان واختان من أب واختان من أم
5 ـ زوجة وأم و جد
6 ـ زوج وأب وجدة ( أم أم ) وجدة ( أم أب ) وجدة ( أم أب أب)
7 ـ زوج وأم واختان شقيقتان وأخ من أم .
8 ـ زوجة وأم واختان من أب واختان من أم .
العصبة
العصبة : جمع عاصب وهو من يرث بلا تقدير فيرث جميع المال إن لم يكن معه صاحب فرض باقية مع صاحب فرض استغرق بعض المال ، ولا يرث شيئا مع صاحب فرض استغرق جميع المال .
مثال ارثه جميع المال : أن يموت شخص عن أخيه الشقيق . فله جميع المال .
ومثال ارثه باقية : أن تموت امرأة عن زوجها أخويها من أمها أخويها الشقيقين . فللزوج النصف وللأخوين من الام الثلث ، وللأخوين الشقيقين الباقي .(5/343)
ومثال عدم ارثه : ان تموت امرأة عن زوجها وأمها أخويها من أمها أخويها الشقيقين . فللزوج النصف وللام السدس وللأخوين من الام الثلث ولا شي للأخوين الشقيقين لاستغراق الفروض جميع المال .
أقسام العصبة
ينقسم العصبة إلى ثلاثة أقسام : عاصب بنفسه ، وعاصب بغيره ، وعاصب مع غيره .
أ ـ فالعاصب بالنفس هم :
1 ـ جميع الذكور من الأصول والفروع والحواشي الاخوة من الام وذوى الأرحام
2 ـ جميع من يرث بالولاء من الذكور أو الإناث كالمعتق والمعتقة .
ب ـ العاصب بالغير هن : البنات وبنات الابن والأخوات الشقيقات والأخوات من الأب .
1 ـ فالبنات بالأبناء .
2ـ وبنات الابن بأبناء الابن إذا كانوا بدرجتين أو كانوا انزل منهن واستغرق من فوقهن الثلثين .
3 ـ والأخوات الشقيقات بالاخوة الأشقاء
4 ـ والأخوات من الأب بالاخوة من الأب .
فترث كل واحدة من هولاء بالتعصيب مع من كانت عصبة به للذكر مثل حظ الانثيين .
مثال ذلك في البنات : أن يموت شخص عن ابنته وابنه فلهما جميع المال ، له سهمان ولها سهم واحد .
ومثاله في بنات الابن : أن يموت شخص عن بنته وبنت ابنه وابن ابنه . فللبنت النصف ولابن الابن وبنت الابن وبنت الابن الباقي ، له سهمان ولها سهم واحد .(5/344)
مثال أخر : ان يموت شخص عن بنتيه وبنت ابنه وابن ابن ابنه فللبنتين الثلثان ، ولابن ابن الابن وبنت الابن الباقي له سهمان ولها سهم واحد .ومثاله في الأخوات الشقيقات :أن يموت شخص عن أخته الشقيقة وأخيه الشقيق فلهما جميع المال له سهمان ولها سهم واحد . ومثاله في الأخوات من الأب : أن يموت شخص عن أخته من أبيه وأخيه من أبيه . فلهما جميع المال ، له سهمان ولها سهم واحد .ولا تعصب امرأة بأحد من الذكور سوى هولاء الأربعة فابن الأخ لا يعصب أخته ولا عمته ولا ابنة عمه والعم لا يعصب العمة . وابن العم لا يعصب أخته ولا ابنه عمه .مثال ذلك في ابن الأخ : أن يموت شخص عن ابنته وابن أخيه الشقيق وبنت أخيه الشقيق فللبنت النصف ولابن الأخ الشقيق الباقي ولا شي لبنت الأخ الشقيق .مثال أخر : أن يموت شخص عن أختيه الشقيقتين وأخته من الأب وابن أخيه من الأب . فللشقيقتين الثلثان ، ولابن الأخ الباقي ولا شي للأخت لعدم من يعصبها ومثاله في العم : أن يموت شخص عن عمه وعمته فللعم جميع المال ولا شي للعمة ومثاله في ابن العم : أن يموت شخص عن ابن عمه وبنت عمه فلابن العم جميع المال ، ولا شي لبنت العم .جـ ـ والعاصب مع الغير: الأخوات الشقيقات والأخوات من الأب مع من يرث بالفرض من الفروع، فتكون الأخوات الشقيقات بمنزلة الاخوة الأشقاء والأخوات من الأب بمنزلة الاخوة من الأب
مثاله في الشقيقات : أن يموت شخص عن بنته وأخته الشقيقة فللبنت النصف وللأخت الشقيقة الباقي .
ومثاله في الأخوات من الأب : أن يموت شخص عن بنته وبنت ابنه وأخته من أبيه . فللبنت النصف ، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ، وللأخت من الأب الباقي .
ترتيب العصبة
يرث العصبة بالترتيب فيقدم الأسبق جهة ثم الأقرب منزلة ثم الأقوى . واليه الإشارة بقوله .
فبالجهة التقديم ثم بقربه
وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا .
ا ـ فأما الجهة فالأسبق فيها مقدم في التعصيب على من بعد والجهات أربع :(5/345)
1 ـ فالبنوة يدخل فيها الأبناء وأبناؤهم وان نزلوا
2 ـ والأبوة يدخل فيها الآباء وأبناؤهم وان علوا .
3 ـ وفروع الأبوة يدخل فيها الاخوة والأعمام الأشقاء أو من الأب وأبناؤهم وان نزلوا .
4ـ والولاء ويدخل فيها المعتق وعصبته المتعصبون بأنفسهم والى هذه الجهات الأربع الإشارة بقوله .
جهاتهم بنوة أبوة فروعها وذو الولا التتمة
فمن كان في جهة من هذه الجهات قًدم في التعصيب على من بعده .
مثاله : أن يموت شخص عن أبيه وابنه فللأب السدس فرضا وللابن الباقي تعصيبا .
مثال ثان: أن يموت شخص عن أبيه وأخيه الشقيق فللأب جميع المال تعصيبا .
مثال ثالث: أن يموت شخص عن عمه ومعتقه فللعم جميع المال تعصيبا .
مثال رابع : أن يموت شخص عن أمه ومعتقه فللام الثلث وللمعتق الباقي تعصيبا .
ب ـ واما قرب المنزلة فإذا كان العصبة في جهة واحدة قٌدم الأقرب منزلة من الميت .
فالأقرب في جهة البنوة والأبوة من كان اقل واسطة إلى الميت .
والأقرب في جهة فروع الأبوة فروع الأب وهم الاخوة وأبناؤهم وان نزلوا الأقرب فالأقرب ، ثم فروع أبى الأب وهم الأعمام وأبناؤهم وان نزلوا الأقرب فالأقرب ثم فروع جد الأب وهم أعمام أبى الميت وأبناؤهم وان نزلوا الأقرب فالأقرب وهكذا نقول : فروع كل أب وان نزلوا اقرب من فروع من فوقه والأقرب في فروع كل أب اقلهم واسطة إليه .
والأقرب في جهة الولاء : المعتق ثم عصبته كترتيب عصبة النسب مثاله في جهة البنوة : أن يموت شخص عن ابنه وابن ابنه فللابن جميع المال تعصيبا .
ومثاله في جهة الأبوة : أن يموت شخص عن ابن ابن ابن عمه وعم أبيه . فلابن ابن ابن العم جميع المال تعصيبا .
ومثال ثان : أن يموت شخص عن ابن معتقه وعم معتقه فلابن العم جميع المال تعصيبا .
ومثاله في جهة الولاء : أن يموت شخص عن ابن معتقه وعم معتقه . فلابن المعتق جميع المال تصيباً .(5/346)
مثال ثان : أن يموت شخص عن ابن ابن ابن أخي معتقه وعم معتقه فلابن ابن ابن أخي المعتق جميع المال تعصيبا.
جـ ـ واما القوة فإذا كان العصبة في جهة واحدة ومنزلة واحدة قٌدٌم الأقوى صلة بالميت وهو من يدلى بالأبوين على من يدلى بالأب وحده ولا يتصور التقديم بالقوة ألا في جهة فروع الأبوة .مثاله : أن يموت شخص عن أخيه الشقيق وأخيه من الأب فللشقيق جميع المال تعصيبا .
مثال ثان : أن يموت شخص عن ابن عمه الشقيق وابن عمه من الأب . فلابن عمه الشقيق جميع المال تعصيبا .
تمرينات
تمرين (1)
1 ـ من هو العاصب وكيف ارثه ؟
2 ـ من هو العاصب بالغير ومثٌل؟
3 ـ ما هي جهات العصوبة ومن يقدٌم فيها مع التمثيل
تمرين (2)
1 ـ هات أمثلة لما يأتي مع التعليل
1 ـ عاصب مع الغير قٌدٌم على عاصب بالنفس باعتبار القوة
2 ـ صاحب فرض له الثلث مع عاصب بالنفس قدٌم على عاصب بالنفس باعتبار سبق الجهة
3 ـ صاحب فرض له الربع مع عاصب بالنفس قدم على عاصب بالنفس باعتبار قرب المنزلة .
تمرين (3)
اذكر الوارث بالتعصيب من غير الوارث به فيما يأتي مع التعليل .
ابن مع أب . أبو جد مع أبى أب . بنت أخت من أب مع أخ شقيق . أخو معتق شقيق مع أخته الشقيقة . ابن ابن عم من أب مع ابن عم أب شقيق . أخ من أب مع أخ شقيق . ابن ابن ابن عم من أب مع معتق . ابن ابن أخ شقيق مع ابن أخ من أب . أخو معتق من أب مع أخيه الشقيق . ابن ابن ابن مع ابن ابن .
تمرين (4)
اقسم المسائل التالية مبينا العاصب بنفسه وبغيره ومع غيره ومن لا يرث منه ، وعلل لما تذكر في ذلك كله .
1 ـ زوج وابن وبنت
2 ـ زوجة وأب وابن رقيق
3 ـ بنت وأخت شقيقة وأخ من أب
4 ـ أخت من أب وعم أب وعم جد
5 ـ جدة وجد أب وجد أم
6 ـ أم وابن عم من أب وعم أب شقيق
7 ـ أخوان من أم وأخوان من أب وأخوان من أم وأب .
الحجب
الحجب لغة : المنع واصطلاحاً : منع مستحق الإرث من الإرث كله أو بعضه .
وينقسم ألي قسمين : حجب بوصف وحجب بشخص(5/347)
فالحجب بالوصف : أن يكون في مستحق الإرث مانع من موانع الإرث ( اختلاف الدين والرق والقتل ) والمحجوب به يكون كالمعدوم فلا يحجب غيره ولا يؤثر عليه .
مثاله : أن يموت شخص عن أمه وأخته من أبيه وأخيه من أبيه وهو مخالف له في الدين وعمه فللام الثلث وللأخت من الأب النصف وللعم الباقي ، ولا شي للأخ من الأب
الحجب بالشخص : أن يكون مستحق الإرث محجوبا بشخص أخر .
أ ـ ففي الأصول :
1 ـ كل ذكر يحجب من فوقه من الذكور .
مثاله : ان يموت شخص عن أبيه وجده . فللأب المال ولا شي للجد .
2 ـ وكل أنثى تحجب من فوقها من الإناث .
مثاله : ان يموت شخص عن أمه وجدته وعمه فللام الثلث وللعم الباقى ولا شي للجدة .
ب ـ وفى الفروع : كل ذكر يحجب من تحته .
مثاله : ان يموت شخص عن ابنه وابن ابنه وبنت ابنه فللابن المال ولا شي لابن الابن وبنت الابن .
جـ ـ وفى الحواشي :
1 ـ جميع الحواشي يحجبون بالذكور من الأصول أو الفروع .
مثاله : أن يموت شخص عن أبيه وأخيه الشقيق . فللأب المال ولا شي للشقيق
مثال آخر : أن يموت شخص عن ابنه وأخته الشقيقة فللابن المال ولا شي للشقيقة .
2 ـ الاخوة من الام يحجبون أيضا بالإناث من الفروع .
مثاله أن يموت شخص عن بنته وأخيه من أمه وأخيه الشقيق فللبنت النصف و للشقيق الباقى ولا شي للأخ من الام .
3 ـ الاخوة من الأب يحجبون بالذكور من الأشقاء .
مثاله : أن يموت شخص عن أخته من أمه وأخته من أبيه وأخيه الشقيق فللأخت من الام السدس وللأخ الشقيق الباقي ولا شي للأخت من الأب .
وفى التعصيب :
1ـ الأسبق جهة يحجب من بعده
2 ـ القرب منزلة يحجب الأبعد
3 ـ الأقوى قرابة يحجب الأضعف . وسبق شرح ذلك وأمثلته .
الرد
الرد إضافة ما يبقى بعد الفروض إلى أصحابها إذا لم يكن عاصب .
فيرد على كل ذي فرض بقدر فرضه إلا الزوجين فلا يرد عليهما .(5/348)
فان كان المردود عليه واحداً اخذ المال جميعه فرضا ورداً وان كانوا جماعة من أجناس قسم المال بينهم من اصل ستة وتنتهى بما تنتهي به فروضهم .
وان كان معهم أحد الزوجين أعطى فرضه من غير زيادة ثم قسم الباقي بين المردود عليهم على ما سبق .
ومثاله : إذا كان المردود عليه واحداً : ان يموت شخص عن ابنته ، فلها جميع المال نصفه بالفرض وباقيه بالرد .
ومثاله إذا كان المردود عليهم جماعة من جنس : ان يموت شخص عن بنتيه فلها جميع المال ثلثاه بالفرض وباقيه بالرد مقسوماً على اثنين عدد رؤوسهما .
ومثاله إذا كان المردود عليهم جماعة من أجناس : أن يموت شخص عن بنته وبنت ابنه وأمه / فمسألتهم من ستة للبنت النصف ولبنت الأب السدس تكملة الثلثين ، وللام السدس ، وترد المسالة إلى خمسة .
ومثاله إذا كان معهم أحد الزوجين : أن يموت شخص عن زوجته وامه وأخيه من أمه . فللزوجة الربع وللام والأخ من الام الباقي فرضا ورداً من اصل ستة للام الثلث اثنان وللاخ من السدس واحد وترد المسالة إلى ثلاثة يكون للزوجة واحد وللام اثنان وللأخ من الام واحد
ذوو الأرحام
ذوو الأرحام : كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة
فذوو الأرحام من الأصول :
1 ـ كل ذكر حال بينه وبين الميت أنثى كأبى الام وأبى الجدة .
2 ـ كل أنثى أدلت بذكر حال بينه وبين الميت أنثى كأم أب الام .
ومن الفروع : كل من أدلى بأنثى كابن البنت وبنت البنت
ومن الحواشي :
1 ـ كل ذكر أدلى بأنثى إلا الاخوة من الام كالخال وابن الأخ من الام وابن الأخت .
2ـ جميع الإناث سوى الأخوات كالعمة والخالة وبنت الأخ .
ويرثون بالتنزيل فينزل كل واحد منزلة من أدلى به من الورثة ويأخذ نصيبه
مثاله : أن يموت شخص عن ابن أخته الشقيقة وبنت أخته من أبيه وابن أخيه من أمه وخاله .(5/349)
فلابن الأخت الشقيقة النصف لانه بمنزلة أمه ولبنت الأخت من الأب السدس تكملة الثلثين لأنها بمنزلة أمها ولابن الأخ من الام السدس لانه بمنزلة أبيه وللخال السدس لانه بمنزلة الام
تمرينات
تمرين (1)
1 ـ ما هو الرد وما شروطه
2 ـ مم تكون اصل مسالة الرد إذا كان المردود عليهم جماعة من جنس واحد أو أجناس ؟
3 ـ من ذووالارحام من الحواشي ؟
تمرين (2)
1 ـ مسالة رد فيها أحد الزوجين .
2ـ مسالة رد فيها أجناس انتهت بأربعة
3 ـ مسالة فيها ذوو أرحام من الأصول والفروع .
تمرين (3)
بيٌن ما لا رد فيه وما فيه رد فيما يأتي مع التعليل :
بنت وبنت ابن وأم وأب / أم وأخ من أم / زوج وأم وأب / أخت شقيقة وأخ لأب/ جدة وبنتان وأب / وأخت شقيقة وأخت من أب وأخت من أم / أخ من أم وبنت أخ شقيق
تمرين (4)
اقسم ما يأتي مع التعليل :
1ـ زوج وبنت وبنت ابن
2 ـ بنت أخت شقيقة وبنت أخ من أب وبنت عم
3ـ أم وأخ من أم وعم من أم
4ـ بنتان وبنت ابن وأخت من أب
5ـ بنت بنت وبنت بنت ابن وعم وأب
6 ـ أختان شقيقتان واختان من أب وعمتان
7 ـ بنت بنت وبنت أخ من أم وبنت أخ شقيق
والى هنا انتهى ما أردنا كتابته حسب المنهج المقرر والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .(5/350)
الذكر(5/351)
الذكر الثمين
الأذكار التي تقال صباحاً ومساءً
محمد بن صالح العثيمين
الأذكار التي تقال صباحاً ومساءً
بسم الله الرحمن الرحيم
الأذكار التي تقال صباحا ومساء
1- (الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4) أولئك هم على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) (1-5 ) آية البقرة .
2-(الله لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤدوه حفظهما وهو العلي العظيم) آية الكرسي 255 . البقرة .
3- (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (285) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا أنت مولانا فأنصرنا على القوم الكافرين) (285 – 286) آية البقرة .
4 - (حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول إلا هو إليه المصير) ( 1 – 3 آية غافر . )
5-(هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهمين العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) (22 – 24) آية الحشر .(5/352)
6- (قل هو الله أحد) .( قل أعوذ برب الفلق) . (قل أعوذ برب الناس) السورة كاملة ثلاث مرات .
7 - أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ( ثلاث مرات ) .
8- بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ( ثلاث مرات).
9-رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا (ثلاث مرات ) .
10-أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك ولح الحمد وهو على كل شئ قدير رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم ومن شر ما بعده رب أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر وأعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر . وفي المساء يقول أمسينا وأمسى الملك لله ويقول : رب أسألك خير ما في هذه الليلة .. الخ بدلا من أصبحنا وأصبح وعن هذا اليوم .
11- اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت واليك النشور . وفي المساء يقول : اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نموت وبك نحيا وإليك المصير .
12- اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر . وفي المساء يقول : ما أمسى بي .
13- اللهم إني أصبحت في نعمة وعافية وستر فأتم نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة (ثلاث مرات) وفي المساء يقول اللهم إني أمسيت الخ .
14- اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين ومن قهر الرجال .
15- اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عورتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي .(5/353)
16- اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علىّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
17- اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شرك نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن اقترف على نفسي سوءاً أو أجُره إلى مسلم .
18- اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وأنبياءك وجميع خلقك بأنك أنت الله لا اله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك . وفي المساء اللهم إني أمسيت .. الخ (أربع مرات )
19- لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير (مائة مرة ) في الصباح والمساء.
20- حبسي الله لا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ( سبع مرات ) .
21- حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى .
22- سبحان الله وبحمده ( مائة مرة ) في الصباح والمساء . أو فيهما جميعا .
23- استغفر الله وأتوب إليك (مائة مرة ) .
هذا ما يتسير كتابته أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه محمد صالح العثيمين 1418هـ
تفصيل الأذكار التي تقال صباحاً ومساءً
بسم الله الرحمن الرحيم
الأذكار التي تقال صباحاً ومساءً :
) الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(.(5/354)
)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( (البقرة:255)
ـــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه الإمام الدارمي في سنة برقم (3382) و (3383) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وله حكم الرفع قال : " من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطانٌ تلك الليلة حتى الصبح ، أربعاً من أولها، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاثُ خواتيمها أولها: ) لله ما في السموات وفي رواية : " .... لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شئ يكره ، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق " وأخرجه الطبراني في الكبير برقم " 8673) وقال الهيثمي في المجمع برقم (17013) : " ورجاله الصحيح إلا أن الشعبي لم يسمع من أبن مسعود " .(5/355)
[2] وهي حرز من الجن فعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له جرنٌ فكان ينقص ، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فسلم عليه فرد عليه السلام فقال : ما أنت جنُي أم إنسيُ قال : جني، قال : فناولني = يدك ، فناوله يده فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب ، قال : هذا خلقٌ الجن ؟ !! قال : قد علمت الجن أن فيهم رجلاً أشدُ منى ، قال : فما جاء بك ؟ قال : بلغنا أنك تحب الصدقة ، فجئنا نصيب من طعامك ، قال : فما ينجينا منكم ؟ قال : هذه الآية التي في سورة البقرة : .........................من قالها حين يُمسي أجير منا حتى يُصبح ، ومن قالها حين يُصبح أُجير منا حتى يُمسي . فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له – فقال : " صدق الخبيث " . أخرجه الطبراني في الكبير برقم (541) بإسناد جيد واللفظ له ، وأورده المنذري في الترغيب برقم (662) وأخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (784) ، وذكره الهيثمي في المجمع برقم (17012) ، وقال : " رجاله ثقاة " . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب برقم (662) .
ومعنى شبة الغلام المحتلم أي : البالغ ، وقوله : أُجير منا ، أي : وُقي منا وأُبعد عن شرنا .
= وهي سبب في حفظ الله للعبد ففي رواية البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال لي : [ يعني الشيطان في قصة تمر الصدقة ] إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية )للَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم( وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظٌ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " =(5/356)
3-) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(286)
ـــــــــــــــــــــــ
= "ما إنه قد صدقك وهو كذوب . تعلمُ من تخاطبُ مذُ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا . قال : ذاك الشيطان " رواه البخاري في صحيحه برقم (2311) .
وهي سبب في دخول الجنة برحمه الله قال صلى الله عليه وسلم : " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت " أخرجه النسائي في الكبرى برقم (9928) وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (124) . وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6464) ، والسلسلة الصحيحة برقم (972) .
* فائدة: قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص 239): " وبلغني عن شيخ الإسلام ابن تيميه قال: ما تركته عقب كل صلاة إلا نسياناً أو نحوه “. أ . هـ.
وهي أعظم آية في كتاب الله : كما صح عنه e في صحيح مسلم برقم (810) .(5/357)
[3] روي البخاري في صحيحه برقم (5009) ومسلم برقم (808.807 ) ولفظه في البخاري : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاة " وأورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (9 /71) عدة أقوال لمعنى (كفتاة) أذكر هنا بعضاً منها ، فقد قال : " قيل معناه : كفتاة كل سوء ، وقيل : كفتاة شر الشيطان ، وقيل : دفعتا عنه شر الإنس والجن ... " أ . هـ . وقال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص 205) : " الصحيح أن معناها كفتاة من شر ما يؤذيه " .
[4] لعله يُشير رحمه الله إلى ما أورده ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة "غافر" (7/116 ) – ط دار الفتح – عن البراز بإسناده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ آية الكرسي وأول حكم المؤمن عصم ذلك اليوم من كل سوء " ثم قال [أي البزار ] : " لا نعمله يروى إلا بهذا الإسناد " . ورواه الترمذي من حيث =المليكي وقال : " تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه " وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي برقم (2879)
من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاة " وأورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (9 /71) عدة أقوال لمعنى (كفتاة) أذكر هنا بعضاً منها ، فقد قال:" قيل معناه : كفتاة كل سوء ، وقيل : كفتاة شر الشيطان ، وقيل : دفعتا عنه شر الإنس والجن ... " أ . هـ . وقال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص 205) : " الصحيح أن معناها كفتاة من شر ما يؤذيه " .
) حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( [غافر : 1 – 3 ] .(5/358)
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم( (الحشر 22-24).
ـــــــــــــــــــــــ
[5]لعله يشير رحمه الله إلى ما رواه الإمام الترمذي رحمه الله برقم (2922) عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين يُصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يُصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً ومن قالها حين يُمسي كان بتلك المنزلة " وقال : " هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
وقال الذهبي في الميزان ترجمة رقم (2436) : " لم يُحسنه الترمذي ، وهو حديث غريب جداً " أهـ . وعلته خالد بن طهمان . قال الذهبي في ترجمته : " خالد بن طهمان أبو العلاء الكوفي عن أنس وحصين بن مالك وعنه أبو نعيم وافريابي وعدة – وثق- وضعفه ابن معين وقال : خلط قبل موته بعشر سنين وكان قبل ذلك ثقة، وكان في تخليطه كلما جاءوه به قرأه " أهـ . وقد ضعفه بعض المحققين من المحدثين منهم العلامة الألباني – رحمه الله – في ضعيف الترمذي برقم (2922) .
6- )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ( )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ( ( السورة كاملة ثلاث مرات ) .
7- " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " (ثلاث مرات )
ـــــــــــــــــــــــ(5/359)
[6] وقراءتها في الصباح والمساء من أعظم أسباب الحفظ ، فعن عبد الله بن خبيب عن أبيه [ يُحدث به ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قُل" فقلتُ يا رسول الله ! ما أقُولُ ؟ قال : " قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شئ " رواه أبو داود برقم (5082) واللفظ له ، والترمذي برقم (3575) وحسنه العلامة ابن باز رحمه الله في تحفة الأخيار .
[7] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي الله صلى الله عليه وسلم :" من قال حين أمسى ثلاث مرات أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم تضره حُمةٌ تلك الليلة " . أخرجه بلفظ مقارب بدون ذكر الثلاث مرات مسلم برقم (2709) ، والترمذي برقم (3604) أبو داود برقم (3898) ، وذكره العلامة أبن باز رحمه الله في تحفة الأخيار ، وقال: والحُمة : اسم ذوات السموم كالعقرب والحية ونحوهما . وقال سهيل بن أبي صالح أحد رواه الحديث : " فكان أهلنا قد تعلموها ، فكانوا يقُولونها كل ليلة ، فلدغت جارية منهم ، فلم تجد لها وجعاً" =.
8- " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " (ثلاث مرات ) .
9- " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا) " (ثلاث مرات).
ـــــــــــــــــــــــ
[8] رواه أبو داؤد برقم (5088) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ولفظه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم – ثلاث مرات- لم تُصبه فجأةُ بلاء حتى يصبح ، ومن قالها حين يُصبحُ – ثلاث مرات – لم تُصبهُ فجأةُ بلاء حتى يمسي " . وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (5088) .(5/360)
وعن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شئ " وكان أبان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل ينظر إليه فقال له أبان : ما تنظر ؟ ! أما إن الحديث كما حدّثتك ولكني لم أقله يومئذ ليُمضي الله على قدره . رواه الترمذي برقم (3388) ، وابن ماجه برقم (3869) وقال الترمذي : حسن صحيح ووافقه العلامة ابن باز رحمه الله في تحفة الأخيار .
[9] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد مسلم يقول حين يُصبح وحين يُمسي ثلاث مرات : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة " . رواه الإمام احمد برقم (1867) ط الرسالة بإشراف الدكتور عبد الله التركي ، وأبو داود برقم (5072) وحسنه شيخنا ابن باز رحمه الله في تحفة الأخيار.
* وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا سعيد ، من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً وجبت له الجنة " رواه مسلم برقم (1884) ، وأبو داود برقم (1529) ، وذكره ابن باز رحمه الله في التحفة .
* وعن العباس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ذات طعم الإيمان من رضي الله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً " رواه مسلم برقم (34) ، والترمذي برقم (2623) ، وذكره ابن باز رحمه الله في التحقة .(5/361)
10- "أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحدة لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شرّ ما في هذا اليوم ومن شرّ ما بعده ، ربّ أعوذ بك من الكسل [ والهرم] وسوء الكبر ، وأعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر " . وفي المساء يقول :" أمسينا وأمسى الملك لله " ويقول : " رب أسألك خير ما في هذه الليلة ... " الخ بدلا – عن أصبحنا وأصبح وعن هذا اليوم.
11- " اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور . وفي المساء يقول : اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نموت وبك نحيا وإليك المصير " .
ـــــــــــــــــــــــ
[10] رواه الإمام أحمد رحمه الله في المسند برقم (4192) ومسلم برقم (2723) .
(*) " لفظة : ( والهرم) لم أقف عليها في مصادر تخريج الحديث " .
12- " اللهم ما أصبح بي من نعمه أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر . وفي المساء يقول ما أمسى بي " .
[11] رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني برقم (1199) ، إلا أنه في المساء يقول : " اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير " . وهو بألفاظ نحوه عند الإمام أحمد في المسند برقم (8649) ، وأبي داود برقم (5068) ، والترمذي برقم (3391) ، وصححه شيخنا ابن باز رحمه الله في التحفة .
[12] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قال حين يُصبح اللهم ما أصبح بي من نعمه أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد ، ولك الشكر ، فقد أدى شكر يومه ، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته" رواه أبو داود برقم (5073) وهذا لفظه إلا أنه لم يذكر " أو بأحد من خلقك" ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (858) إلا أنه لم يذكر : " ومن قال مثل ذلك حين يمسي ... " وحسنه العلامة ابن باز رحمه الله كاملاً في التحفة .(5/362)
[13] لعله رحمه الله يُشير على الحديث الذي يروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قال إذا أصبح : اللهم إني أصبحتُ منك في نعمة وعافية وستر ، فأتم نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة – ثلاث مرات – إذا أصبح وإذا أمسى ، كان حقاً على الله تعالي أن يتم عليه نعمته" ذكره الإمام النووي في " الأذكار" وعزاه لابن السني في عمل اليوم والليلة وهو فيه برقم (55) .
وفي إسناده – عمرو بن الحصين – قال عنه أبو حاتم : ذاهب الحديث ، وقال أبو زرعة : واه ، وقال الدار قطني : متروك. أنظر : الميزان للذهبي ترجمة عمرو بن الحصين برقم (6357) .
[14] روي البخاري في صحيحه برقم (6363) عن أنس رضي الله عنه : قال : " فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل ، فكنت معه يكثر أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدّين وغلبة الرجال ... " :
[15] أخرجه الإمام أحمد برقم (4785) وأبو داود برقم (5074) وصححه الحاكم في مستدركه برقم (1945) ط المعرفة ووافقه العلامة ابن باز – رحمه الله – في التحفة .
* ومعنى أن أُغتال من تحتي : أي الخسف .
14- " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين ومن قهر الرجال " .
15- " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ، اللهم أحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي " .
16- " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علىّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .(5/363)
17- " اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ ومليكه اشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءً أو أجُرّه إلى مسلم " .
ـــــــــــــــــــــــ
= سيد الاستغفار الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم : " أن من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن تُصبح فهو من أهل الجنة " .
ويحسن الإشارة هنا إلى كتاب نفيس في بابه تناول شرح هذا الحديث العظيم وهو " نتائج الأفكار في شرح حديث الاستغفار " للسفاريني رحمه الله .
[17] رواه أحمد برقم (51) و (63) و (81) و (7961) ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) برقم (1202) ، ( 1204) . وفي رواية الإمام أحمد التي برقم (7961) عنه صلى الله عليه وسلم وقال في آخره " ... قله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعك " . وصححه العلامة بن باز رحمه الله في (تحفة الأخيار ) .
[18] " .... من قالها أعتق الله ربعه من النار ، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه ، ومن قالها ثلاثا أعتق ثلاثة أرباعه ، فإن قالها أربعا اعتقه الله من النار " رواه أوب داود برقم (5069) والبخاري في ( الأدب المفرد ) برقم (1201) وحسن إسناده الشيخ عبد العزيز بن باز رحمها لله في (تحفة الأخيار ) . وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم (52) بلفظ فيه اختلاف يسير وفيه لفظة " واشهد ملائكتك وأنبياؤك " وكذا برقم (70) .(5/364)
[19] ومن فضائلها ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك ، حتى يُمسي ، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك .... " رواه أحمد في المسند برقم (8008) و (8873) ، والبخاري في صحيحه برقم (3293) ، ومسلم برقم (2691) .
* ومن فضلها ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله وحدة لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، من قالها عشر مرات حين يصبح كتب =
18- " اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وأنبياءك وجميع خلقك بأنك الله لا إله إلا انت وانّ محمداً عبدك ورسولك . وفي السماء اللهم إني أمسيت ... الخ " ( أربع مرات ) .
19-"لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كلّ شئ قدير(مائة مرة) في الصباح والمساء"
ـــــــــــــــــــــــ
= له مائة حسنة ، ومحي عنه بها مائة سيئة ، وكانت له عدل رقبة ، وحفظ بها يومئذ حتى يمسي . ومن قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك " . رواه الإمام أحمد في مسنده برقم )8719) وحسنه شيخنا ابن باز رحمه الله في (التحف) .
* ومن فضلها أيضاً ما قاله صلى الله عليه وسلم " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه ، وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " رواه الترمذي برقم (3474) وحسنه الشيخ الألباني .(5/365)
[20] وفضله ما رواه ابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (71) من قوله صلى الله عليه وسلم : " من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله عز وجل ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة " . وصححه شعيب وعبد القادر الأرناؤوط في (تحقيق زاد المعاد ) (2/342) .
[21] روي مالك في الموطأ بلاغاً (الموطأ كتاب القدر حديث رقم 9) " عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال – الحمد لله الذي خلق كل شئ كما ينبغي ، الذي لا يجعل شئ أناه وقدره حسبي الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى " . وعند ابن السني رحمه الله في (عمل اليوم والليلة ) برقم (735) عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات ، وقال : " إذا أخذت مضجعك فقولي الحمد لله الكافي ، سبحان الله الأعلى ، حسبي الله وكفى ، ما شاء الله قضي ، سمع الله لمن دعا ، ليس من الله ملجأ ولا وراء الله ملتجأ ، توكلت على الله ربي وربكم )مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (هود:56) ) ) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً( (الإسراء:111) ثم ال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يقولها عند منامه ثم ينام وسط الشياطين والهوام فتضره " والله أعلم بصحته .
[22] ومما جاء في فضلها ما قاله صلى الله عليه وسلم : " ... ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر " رواه مسلم في صحيحه برقم (2691) .(5/366)
وقوله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه " رواه أحمد في المسند برقم (8835) ، ومسلم برقم (2692) ، والترمذي برقم (3469) =.
20- " حسبنا الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم " ( سبع مرات ) .
" حسبنا الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى "
" سبحان الله وبحمده (مائة مرة ) في الصباح والمساء . أو فيهما جميعاً " .
" استغفر الله وأتوب إليه " (مائة مرة ) .
هذا ما تيسر كتابته ، أسأل الله تعالي أن ينفع به (*) ، كتبه محمد الصالح العثيمين في 20/1/1418هـ.
ـــــــــــــــــــــــ
[23] وذلك لما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس توبوا إلى الله ، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " رواه مسلم برقم (6859) وقال صلى الله عليه وسلم : " .... وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " رواه مسلم برقم (6858) .(5/367)
القواعد والأصول(5/368)
منظومة القواعد
O
قال المؤلف -حفظه الله تعالى- :
الحمد لله المعيد المبدي
مثبت الأحكام بالأصولِ
ثم الصلاة مع سلام قد أتم
محمد مبعوث رحمة الورى
وبعد فالعلم بحور زاخره
لكن في أصوله تسهيلا
واغتنم القواعد الأصولا
وهاك من هذي الأصول جملا
قواعد من قول أهل العلم
معطي النوال كل من يستجدي
معين من يصبو إلى الوصولِ
على الذي أعطي جوامع الكلم
وخير هاد لجميع من درى
لن يبلغ الكادح فيه آخره
لنيله فاحرص تجد سبيلا
فمن تفته يحُرم الوصولا
أرجو بها عال الجنان نزلا
وليس لي فيها سوى ذا النظم
المقدمة
O
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكان- صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين فلا نبي بعده ، ولكن العلماء الذين ورثوا سنته كانوا خلفائه في أمته ، فإنه r كسائر إخوانه المرسلين والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر من إرث النبيين .
ولا ريب أن من شروط صحة العبادة وقبولها، بل الشرط الأساس لصحة العبادة وقبولها أن تكون مبنية على الإخلاص لله، وعلى اتباع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.(5/369)
فبالإخلاص يندفع الشرك، وبالمتابعة تندفع البدع، ولا ريب أن المتابعة لا يمكن أن تكون إلا بعلم شريعة النبي r حتى يتمكن الإنسان من تطبيقها والعمل بها؛ ولهذا كان النبي r في الحج يأمر الناس أن يأخذوا عنه مناسكهم، وفي الصلاة قال لمالك بن الحويرث t والوفد الذين معه قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي "
فلا يمكن اتباع شريعته إلا بالعلم بها؛ ولهذا كان العلم أساسا في بقاء الشريعة وفي العمل بها، فكان هو الوسيلة الوحيدة لإبلاغ الرسالة إلى الأمة .
فضل العلم وطلبه:
ولقد وردت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في فضل العلم، والحث عليه حتى إن الله -سبحانه وتعالى- جعله بديلا وعديلا للجهاد في سبيل الله، فقال تعالى: { * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ×pxےح!$sغ } يعني: وقعدت طائفة "ليتفقهوا" أي: القاعدون { فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } .
ولهذا اختلف العلماء -رحمهم الله- أيهم أفضل: طلب العلم أو الجهاد في سبيل الله؟
والتحقيق في هذه المسألة أن الحكم يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد نقول لشخصٍ ما طلب العلم في حقك أفضل، ولشخص آخر الجهاد في سبيل الله في حقك أفضل.
فإذا رأينا رجلا قوي الحفظ قوي الفهم سريع البديهة نشيطا في الطلب وهو في الجهاد دون ذلك، فإننا نقول له : طلب العلم في حقك أفضل، وإذا رأينا شخصا بالعكس .
أقول إن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا أيهما أفضل طلب العلم أو الجهاد في سبيل الله، والتحقيق في هذه المسألة التفصيل، فقد نقول لشخص ما: إن طلب العلم في حقك أفضل، وقد نقول لآخر: إن الجهاد في سبيل الله في حقك أفضل، وذكرنا من يكون طلب العلم في حقه أفضل.(5/370)
وأما من كان الجهاد في حقه أفضل فهو الرجل البليد في الفهم السيئ في الحفظ القوي في الجسم المقدام في الحرب، فهذا نقول له: إن الجهاد في سبيل الله في حقك أفضل.
وكذلك -أيضا- يختلف هذا باختلاف الأحوال، فقد يكون المسلمون في حاجة إلى الدفاع عن بلدهم وأنفسهم ودينهم، فيكون الجهاد في حقهم أفضل، وقد يكون الناس في رخاء وأمن وطمأنينة وما أشبه ذلك، فيكون طلب العلم في حقهم أفضل .
نصائح لطالب العلم:
وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله-: العلم لا يعدله شيء لمن صحّت نيته. وفسّر صحة النية بأن ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وإنني أنصح إخواني طلاب العلم أنصحهم بالنصائح التالية :
أولا- أن يقصدوا بطلب العلم امتثال أمر الله U فإن الله تعالى أمر بالعلم، فقال: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } ورغب في العلم فقال: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } وقال: { يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا } .
وكذلك النبي r حث على العلم في أحاديث متعددة منها قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " وليس المراد بالفقه في الدين الفقه المصطلح عليه بين العلماء وهو معرفة الأحكام الشرعية العملية.
وإنما المراد بالفقه في الدين معرفة دين الله الذي بعث الله به محمدا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأشرفه وأعظمه وأوكده، هو الفقه في توحيد الله U في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته؛ ولهذا كان بعض أهل العلم يسمي علم التوحيد الفقه الأكبر، وهذا اسم -بلا شك- جدير أن يسمى به علم التوحيد .(5/371)
ثانيا- أن ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وذلك أن الإنسان خُلق لا يعلم شيئا كما قال الله تعالى: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) } .
فالإنسان محتاج إلى العلم، فلينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه حتى يعبد الله على بصيرة. ورفع الجهل عن عباد الله حتى يكون من الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة، فيدخل في قول الله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } .
الأمر الثالث- أن ينوي طالب العلم بطلب العلم حفظ الشريعة، فإن الشريعة تحفظ بالرجال كما تحفظ كذلك بالكتب، فلا بد من أن يكون للشريعة من يحفظها من بني آدم. ولا يمكن أن تقوم الشريعة إلا بالرجال الذين يحفظونها؛ ولهذا كان من المعلوم أن العلم محفوظ في الصدور مكتوب في السطور .
رابعا- أن ينوي بذلك الدفاع عن الشريعة، وحماية الشريعة من عبث الأهواء بها، فإن الشريعة محتاجة إلى العلماء الذين يدافعون عنها ويصدون عنها، ويبطلون عنها تحريف المعطِّلين، ومجازفة الغالين حتى تكون الشريعة بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك .
خامسا- أن يكون الإنسان -أي: طالب العلم- متأدبا بآداب العلم ، عبادةً وخلقا وسلوكا، بحيث يعبد الله U ويكون من أشد الناس عبادة لله U ومن المعلوم أن العبادات تتفاضل، وأن أفضلها طلب العلم في غير ما هو واجب شرعا، وأن يكون أثر العلم ظاهرا عليه في أخلاقه ومعاملته للناس.
فإن النبي r قال : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا " وكان -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحسن الناس خلقا .(5/372)
والإنسان يدرك بخُلقه الحسن ما لا يدركه الغني الباذل للأموال من كل وجه، " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " ولا ينبغي إطلاقا للإنسان الذي مَنَّ الله عليه بالعلم أن يترفع على الناس بعلمه ويقول: أنا أفضل منهم، وأنا قد رُفعت درجات.
فإن الإنسان إذا أُعجب بعمله كان ذلك آية الخسران وآية الخيبة، فليحذر الإنسان -أعني: طالب العلم بالذات- ليحذر من العجب؛ فإن العجب سبب للخذلان والحرمان.
وليحذر من التكبر فإنه ليس من العقل. إذا مَنَّ الله عليك بعلم وعرفت ما في حسن الخلق من الفضل والأجر أن تذهب وتتكبر على الناس بما مَنَّ الله به عليك؛ ولهذا تجد الناس يأخذون من طالب العلم حسن الخلق أكثر مما يأخذون ممن هو فوقه في العلم، ولكنه دونه في حسن الخلق؛ وذلك لأن الإنسان ينبغي أن يكون أليفا ومألوفا، مخالطا للناس على الوجه الذي فيه الخير والصلاح .
وكذلك أيضا ينبغي لطالب العلم أن يكون حكيما في أسلوبه ودعوته بحيث ينزل كل إنسان منزلته في معاملته، اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا شك أن الجاهل لا يعامل معاملة العالم، ولا شك أن المستكبر لا يعامل معاملة من يطلب الحق ويريد الحق.
فعلى الإنسان العاقل الطالب للعلم أن ينزل كل إنسان منزلته، حتى يملك بذلك قلوب الناس وينفع الله بعلمه .
ثم ليحذر طالب العلم من الحسد والغل والحقد على المسلمين، وليعلم أن الحسد لا يمنع فضل الله تعالى على المحسود، ولا يزيد به فضل الله على الحاسد، بل إن الحسد من أسباب خذلان المرء؛ لأنه يرى كل نعمة عليه دون النعمة التي أنعم الله بها على غيره، فيحترق قلبه، فيرى أنه مظلوم، وأنه مهضوم.
لكن إذا كان يحب لإخوانه ما يحب لنفسه مَنَّ الله عليه بالهداية والفضل وسعة الصدر ، وانشراح واطمئنان القلب، وبهذا يجد الإنسان الذي ليس بحسود ييسر الله عليه الأمر ولا يسلط عليه الأعداء .(5/373)
هذه مقدمة لما نريد أن نبدأ به أو أن نشغله في هذه الدورة التي منَّ الله بها علينا وعلى إخواننا في بلاد متعددة من بلادنا، ونسأل الله أن يجعل في هذه الدورات الخير والبركة والثمرات النافعة إنه على كل شيء قدير .
الحمد رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا تعليق موجز على منظومة نظمناها سابقا، ولن يكون هذا مبسوطا كثيرا، وإنما يقتصر فيه على ما تدعو الحاجة إليه، وذلك لضيق الوقت وقلة الساعات التي يمكن أن نتكلم فيها على هذا النظم .
يقول الناظم : "الحمد لله المعيد المبدي" الحمد: قال المحققون من أهل العلم: هو وصف المحمود بالكمال، فمعنى الحمد لله أي: أنني أصف الله -تعالى- بكل كمال وليس هو الثناء؛ لأن النبي r روى عن الله U أنه قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) } قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي " ففرق الله U بين الحمد والثناء .
وقوله: "المعيد المبدي" يعني: الذي يعيد أشياء ويبديها، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) } فهو معيد الأشياء بعد تلفها، ومن ذلك إعادة الأبدان بعد موتها، وهو تعالى المبدئ المظهر للأشياء المبين لها .
"معطي النوال كل من يستجدي": النوال العطاء أي: أنه -جل وعلا- يعطي العطاء كل من يستجديه، أي: يطلبه منه -تبارك وتعالى- وهذا مأخوذ من قوله: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } .
"مثبت الأحكام بالأصول" أي: أنه -جل وعلا- ثبت الأحكام بأصولها ، وأصول الأحكام اثنان يتفرع عنهما اثنان: أما الأولان: فهما الكتاب والسنة فإنهما أصل الأصول، وعليهما مدار الأحكام الشرعية من عقدية وقولية وفعلية، وأما الأصلان الآخران الفرعان: فهما الإجماع والقياس الصحيح.(5/374)
هذه هي الأصول الأربعة التي تنبني عليها أحكام الشريعة المطهرة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح .
بهذه الأصول الأربعة تثبت الأحكام، ولا يبقى لأحد منازعة فيما ثبت، بل من المعلوم أنه يقدم القرآن ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس، حتى إن العلماء -رحمهم الله- قالوا: إن أي قياس مخالف للكتاب والسنة، فإنه قياس فاسد مردود على قائسه ويسمى عندهم فاسد الاعتبار.
"معين من يصبو إلى الوصول"أي: أن الله تعالى يعين من يميل إلى الوصول، أي: وصول الحق، فإنه -جل وعلا- يعين كل شخص يطلب الوصول إلى الحق، لكن قد يتخلف المقصود لوجود مانع أو لحكمة أرادها الله U .
بمعنى أن الإنسان قد يبذل جهده، ولكن لا يصل إلى مقصوده لحكمة يريدها الله U قد يبتلي الله العبد، فلا يتمكن من الوصول في أول محاولة أو ثاني محاولة حتى يعلم الله U مَن هو صادق في الطلب، ومن ليس بصادق .
ومن ذلك أن الله تعالى يجير أعداءه أحيانا على أوليائه؛ لينظر من يصبر ومن لا يصبر { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) } وإلا فالأصل أن كل إنسان يقصد الوصول إلى الحق بنية صادقة، فإنه لا بد أن يصل إليه .
وما أحسن عبارة قالها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال في "العقيدة الواسطية" قال: من تدبر القرآن طالبا الهدى منه، تبين له طريق الحق .
"ثم الصلاة مع السلام قد أتم" (ثم) أي: بعد الحمد لله U والثناء عليه ووصفه بما يليق به -جل وعلا- تكون الصلاة على رسول الله r .(5/375)
فمن المعلوم أن تقديم حق الله على حق الرسول هو الأمر الموافق للكتاب والسنة، وفي هذا يذكر الله تعالى حقه قبل حق رسوله، ألم ترَ إلى التشهد في الصلاة يقدم وجوب الثناء على الله U وتعظيم الله U على السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا تقول: " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " حق الله تعالى هو الأول ثم حق رسوله r .
قال: "ثم الصلاة مع سلام قد أتم" الصلاة على الرسول r اعتمد المحققون من العلماء على أنها الثناء على رسوله r في الملأ الأعلى، "مع سلام قد أتم" (سلام) أي: سلامة من الآفات وكل ما يسوء العبد، فجمع في هذا الكلام بين زوال المكروه وذلك بالسلام وبين حصول المقصود وذلك بالصلاة.
(قد أتم)، أي: أنني أصلي وأسلم على رسول الله r صلاة وسلاما تامين على الذي أُعطي جوامع الكلم وهو النبي r أعطاه الله تعالى جوامع الكلم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه r أنه أعطي جوامع الكلم .
والجوامع: جمع فرد، جمع جامعة أي: الكلمة الجامعة؛ ولهذا يتحدث النبي r بحديث قليل يغني عن كلام كثير، أرأيت قوله r " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " كيف كانت هاتان الجملتان تشتملان الدين كله ، بل تشتملان أعمال العباد كلها؟! .
ثم أرأيت قوله r " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " كيف يشمل كثيرا من الأحكام الشرعية، وتوزن به الأعمال الظاهرة؟! .
ولهذا قال أهل العلم: إن قوله r " إنما الأعمال بالنيات " هذا ميزان الأعمال الباطنة أعمال القلوب، وإن قوله r " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ميزان للأعمال الظاهرة، وبهذا يتم الدين كله، ويتحقق الشرطان الأساسيان وهما : الإخلاص لله والمتابعة لرسوله r .(5/376)
ثم أرأيت قوله r لمن ابتلي بالوسوسة أن أعطاه كلمة تحجبان عنه كل وساوس الشيطان، فقال : " لا يزالون يتساءلون مَن خلق كذا من خلق كذا، من خلق كذا " أي: لا يزال الشيطان يقول للإنسان: من خلق كذا من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا بلغ ذلك قال النبي r " فليستعذ بالله ولينته " أي: ليستعذ بالله من شر الشيطان ووساوسه، ولينته ليعرض عنه؛ وبذلك ينقطع ويحسم الشر والوساوس.
هاتان الكلمتان لو أن الفلاسفة والمتكلمين جمعوا عدة ورقات ما اهتدوا إلى هذا الكلام، ما اهتدوا إلى ما يدل عليه هذا الكلام المختصر؛ لذلك صدق وصف الرسول r بأن الله تعالى قد أعطاه جوامع الكلم .
وإنما اختير هذا اللفظ في هذه المنظومة؛ لأن هذه المنظومة تشتمل على القواعد والأصول، والقواعد والأصول من جوامع الكلم في الواقع؛ لأن القاعدة تشتمل على أشياء كثيرة، وهي قصيرة قصيرة، ثم بين من الذي أعطي جوامع الكلم ..
فقال: "محمد المبعوث" : (محمد) هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، (المبعوث) أي: الذي بعثه الله U رحمة للورى أي: الخلق، ورحمة هنا منصوبة على أنها مفعول من أجله، أي: أنه بعث رحمة للخلق كما قال الله تبارك وتعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } أي: إلا لنرحم بك العالمين .
"وخير هاد لجميع من درى" : لا شك في هذا ، أن رسول الله r خير الهداة ، فهو أهدى الناس سبيلا، وهو أقوم الناس في الدعوة إلى الله U فهو خير "هاد لجميع مَن درى" أي: من كان ذا دراية، وأما من كان ذا عماية، فإنه لا يجد الخير في هداية النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.(5/377)
ولذلك قال الله تبارك وتعالى : { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ 2 رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) } فتجد هذا الرجل يقول عن القرآن العظيم الذي فيه أعظم الهداية يقول: إنه أساطير الأولين، فأبطل الله قوله بقوله: (كلا)، ولكن العلة في قلب هذا الرجل حيث (ران) على قلبه ما كان يكسب.
المهم : أنّ قول الناظم "لجميع من درى" أي: من كان ذا دراية، يدل بمنطوقه ومفهومه على أن من كان ذا دراية فسيجد أن رسول الله r خير هاد للجميع ومن كان قلبه فيه عماية فإنه لن يرى ذلك، يحال بينه وبين الحق ، نسأل الله العافية .
ثم قال: وباب أي باب ما ذكر من الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه r "فالعلم بحور زاخرة" العلم بحور ليس بحرا واحدا، فتجد علم العقائد، علم الفقه علم النحو علم البلاغة ... إلى آخر ذلك علوم كثيرة زاخرة أي قوية واسعة.
"لن يبلغ الكادح فيه آخره" (الكادح) أي: العامل يعني: لا يمكن لأي إنسان مهما كان عمله وكدحه أن يبلغ آخر العلم؛ لقول الله تعالى: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) } حتى يصل إلى عالم الغيب والشهادة، ولكن هناك أشياء تقرب العلم وتجمعه؛ ولذلك قال:
لكن في أصوله تسهيلا
لنيله فاحرص تجد سبيلا
يعني: أنه من نعمة الله U أن جعل لهذه البحور الزاخرة، جعل لها أصولا تسهل نيلها، وهذه الأصول هي القواعد والضوابط، والأصول هنا ليست هي الأصول المذكورة في أول هذه المقدمة؛ لأن الأصول المذكورة في أولها هي الأدلة التي يعتمد عليها في فهم الأحكام، أما هنا فالمراد بالأصول القواعد والضوابط التي تجمع شتات العلم.
"وتسهيلا لنيله" أي: لنيل العلم فاحرص، أي: احرص على هذه الأصول تجد سبيلا إلى إدراك العلوم .(5/378)
قال بعد: "فاغتنم قواعد الأصول" (اغتنم) أي: اطلبها على أنها غنيمة وعلى أنك أدركتها إدراك المجاهد للغنيمة، وهذا يدل على الحرص على إدراكها من وجه والحرص على إبقائها من وجه آخر.
القواعد والأصول: القواعد جمع قاعدة، وهنا يجب أن نعرف الفرق بين القاعدة وبين الضابط.
القاعدة: عبارة عن جملة من القول تشمل أنواعا من العلم، والضابط جملة من القول تشمل أفرادا من الفهم.
الضابط يكون في مسألة واحدة، لكن يضبط أفراده، مثل أن تقول: يجري الربا في كل مكيل هذه ليست قاعدة هذا ضابط؛ لأنه إنما يجمع أفرادا في شيء معين، لكن القاعدة أن تقول: كل أمين فقوله مقبول في التلف.
هذا يشمل أشياء كثيرة من أنواع مختلفة في العلم، فهذا هو الفرق بين القاعدة والضابط، وهنا نقول اغتنموا قواعد الأصول، قد تجد في هذه المنظومة أشياء ليست من القواعد بناء على هذا التفريق، ولكنها ضوابط فيقال: الحكم على الأغلب.
وإن كنا قد نجد في هذه المنظومة شيئا ليس من القواعد، ولكنه من الضوابط فيقال: الحكم على الأكثر.
قال: "فمن تَفُتْهُ" أي: من تفته القواعد يحرم الوصول أي: الوصول إلى العلم، وفي ذلك يقول العلماء: من حُرم الأصول حُرم الوصول؛ لذلك ينبغي لنا أن نحرص على معرفة القواعد، وعلى معرفة ما تتضمنه، وأن نتباحث فيها وأن نسأل من هو أعلم منا حتى نحصل على المقصود.
وليس العلم أن يحفظ الإنسان شيئا فقط، بل العلم أن يحفظ شيئا وأن يفهم ما يدل عليه هذا الشيء ، ويُفرع عليه ويناقش فيه بنية وإخلاص وحُسن أداء، "فمن تفته" أي: هذه القواعد والأصول يُحرم الوصول، أي الوصول إلى المقصود. والألف في قوله: "الأصولا" وفي قوله: "الوصولا" الألف للإطلاق، أي: لإطلاق الرَّوِيّ، وهذا مستعمل كثيرا في النظم .(5/379)
ثم قال الناظم : "وهاك من هذي الأصول جُملا" (هاك) بمعنى خُذ من هذه الأصول جملا أرجو بها عال الجنان نزلا ، (هاك) : الخطاب لكل من يقرأ هذه المنظومة من هذه الأصول أو القواعد، (جملا) يعني: أن الناظم لم يستوعب جميع القواعد، وإنما أتى منها بجمل، (أرجو بها) أي: بهذه الأصول أو بهذه الجمل من الأصول أرجو بها "عال الجنان نزلا" وأصلها عالي الجنان لكنها خففت الياء للروي، ثم حذفت لالتقاء الساكنين.
"أرجو بها عال الجنان نزلا" والجنان جمع جنة ، وهي في الأصل البستان الكثير الأشجار، كما في قوله تعالى : { * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) } لكنها إذا أريد بها جزاء المؤمنين المتقين فهي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال الله تعالى في القرآن: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) } وقال -تعالى- في الحديث القدسي: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر "
وقوله : "أرجو بها عال الجنان نزلا"، هنا نقول: هل يمكن للإنسان أن يرجو شيئا بدون فعل الأسباب التي توصل إليه؟ الجواب: لا يمكن؛ لأن الرجاء لا بد له من سبب؛ ولهذا من رجا شيئا بدون عمل، فإنه متمن وليس بعامل.
وروي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال : " الكَيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " وعلى هذا فمن رجا الجنان فليعمل لها، ومن خاف من النار، فليعمل العمل الذي ينجيه من النار.(5/380)
وأما أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة وأنت معرض غير قائم بأمر الله، ولا منتهٍ عما نهى الله، فهذا ليس بصواب، بل هذا أشبه ما يكون بالاستهزاء، كما أن الرجل لو قال : اللهم ارزقني ولدا ولم يتزوج لعد ذلك سفها، وهو ليس من الإيمان الحقيقي بل هو اعتداء في الدعاء "أرجو بها عال الجنان نزلا"
"قواعد من قول أهل العلم" (قواعدٌ) عطف بيان لقوله (جملا)، ولكنها صُرفت لأجل الروي ، ويجوز أن تقول: (قواعدُ) ، يعني: هي قواعدُ على أنها خبر لمبتدأ محذوف، وعلى كل حال، فإنها منونة لأجل الروي، فيجوز للإنسان أن يصرف ما لا ينصرف من أجل إقامة النظم .
"قواعد من قول أهل العلم" يعني: أن الناظم تتبع أقوال أهل العلم ما استطاع منها، ثم أخذ من هذه الأقوال فوائد ونظمها في هذه الأبيات .
قال الناظم : "وليس لي فيها سوى ذا النظم" أي: سوى هذا النظم، وهذا من الإنصاف أن يعترف الإنسان لأهل الفضل بفضلهم، وأن يعترف بحق نفسه وأنه آخذ، ولكنه استعان بأهل العلم في علومهم، هذا هو خلاصة المقدمة التي تشتمل على هذه الأبيات التسعة .
ثم قال الناظم : القواعد والأصول قال :
الدين جاء لسعادة البشر
وكل أمر نافع قد شرع
ولانتفاء الشر عنهم والضرر
وكل ما يضرنا قد منع
هذه القاعدة في الشريعة الإسلامية أنها جاءت "لسعادة البشر ولانتفاء الشر عنهم والضرر" ، هذان الأمران اللذان تدور عليهما شريعة النبي r وهي تحصيل المصالح كاملة أو وافرة، وتقليل المفاسد أو إعدام المفاسد.
ولهذا قال الله U في كتابه العظيم: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) } وقال تعالى: { * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) } والآيات في هذا المعنى كثيرة.(5/381)
إن الدين إنما جاء لسعادة البشر في الدنيا وفي الآخرة، ولانتفاء الشر عنهم والضرر في الدنيا وفي الآخرة أيضا، وفي الحديث عن النبي r أنه قال: " لا ضرر ولا ضرار " يعني: أنه ليس في دين الإسلام ضرر، وليس فيه أيضا مضارة، بل هو الدين الكامل الذي بعث به محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا هو ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الدين.
إنه جاء لسعادة البشر ولانتفاء الشر عنهم والضرر، ثم فرع على هذا القول قوله: "وكل أمر نافع قد شرع" وكل ما يضرنا قد منع، جميع ما شرعه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل جميع ما شرعه الله U على لسان نبيه r نافع، لكن منه ما يظهر نفعه ويأتي بَيِّنًا لكل أحد، ومنها ما لا يظهر نفعه للخلق إلا بعد حين، لكن النهاية يظهر أنه نافع .
كذلك أيضا ما يضر قد منعه الله U والضرر قد يكون معلوما حاضرا، وقد يكون منظورا في العاقبة.
أرأيت لو أن إنسانا أخذ مائة درهم بمائة وعشرة إلى أجلٍ هذا محرم، لكن قد يقول بعض الناس ما الذي يحرمه هذا ليس فيه ضرر، ينتفع الآخذ بالثمن الحاضر، وينتفع المعطي بزيادة الثمن المؤجَّل، فلكل واحد منهما منفعة، الآخذ ينتفع بالحاضر الذي أخذه حاضرا، والمعطي ينتفع بزيادة الثمن له في مقابل التأخير!(5/382)
قلنا: نعم، هذا لأول وهلة ولكن عند التحقق وعند التأمل يتبين أنه ضرر عظيم؛ لأن هذا يؤدي في النهاية إلى قلب الديون، وأكل الربا أضعافا مضاعفة. فإن الإنسان إذا عرف أنه تجوز الزيادة في مقابل الأجل في بيع دراهم بدراهم، قال: إذًا كلما امتد الأجل يجب الزيادة وحينئذ يكون ممن يأكل الربا أضعافا مضاعفة، وهذا هو الذي نهى الله عنه وبين أنه ظلم، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) } .
قد يقول قائل: أنا سأقتصر على هذه الزيادة ولا أزيدها بزيادة الأجل أو التأخير. قلنا: لا لئن ثبت هذا لك فإنه لا يثبت لغيرك، إذْ إن ليس كل إنسان يكون على جانب من الورع؛ ولهذا سد الله U الباب نهائيا لئلا يتمادى الناس في أكل الربا وظلم المعسرين.
على كل حال كل أمر ضار فهو ممنوع شرعا، ويبقى النظر في مناط الضرر هل هو ما يقيسه الإنسان بعقله القاصر، أو أن نقول: كل ما منعه الشرع فإنه ضار، وكل ما أمر به فهو نافع وعليك به، عليك بما أمر الله به، وعليك أن تجتنب كل ما نهى الله عنه؛ لأن كل مشروع نافع وكل ممنوع ضار ثم قال :
ومع تساوي ضرر ومنفعه
يكون ممنوعا لدرء المفسده(5/383)
هذا أيضا من القواعد، إذا كان في الشيء ضرر ونفع على وجه السواء فإنه يجب أن يكون ممنوعا؛ وذلك درءًا للمفسدة، وفي هذا يقول العلماء: درء المفاسد أولى من جلب المصالح؛ وذلك لأن المفسدة المساوية للمصلحة والمضرة المساوية للمنفعة قد تغلب وتزيد على المصلحة في المستقبل؛ لأن خبثها قد يؤثر على القلب وعلى العمل فيحصل بذلك الشر للفتى، ولهذا أمثلة نأتي بها في الدرس القادم وندع ما بقي من الدرس للإجابة عن الأسئلة ، ولتكن الأسئلة مكتوبة إذا أمكن حتى لا يحصل اضطراب وتداخل في الأسئلة .
س: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ هذا سائل يقول ... أو كثرت الأسئلة وصدرت أكثرها بقولهم : إنا نحبك في الله، وكثرت الأسئلة حول الكتب المناسبة التي يقرؤها طالب العلم المبتدئ في الأصول والقواعد ؟
ج: أقول للجميع لكل من صدَّر سؤاله بهذه الجملة "إنا نحبك في الله" : أحبَّهم الله الذي أحبونا فيه. أما بالنسبة لمعرفة الكتب النافعة في القواعد والضوابط والأصول فهي في الحقيقة لا يمكن أن نحصرها؛ لأنها كثيرة وبعضها يختلف عن بعض، بعض العلماء -يعني- ينهج في القواعد والضوابط منهج التسهيل والتيسير دون تحقيق، بمعنى أنك قد تجد هذه القاعدة غير مطردة ، تنتقل في باب الصيام ولكنها سهلة سهلة المنال .
وبعض العلماء يحكم القاعدة إحكاما تاما لا تجد فيها تناقضا لكنها صعبة فمن ذلك مثلا قواعد ابن رجب الفقهية قواعد عظيمة لكنها صعبة، لا يمكن لطالب علم صغير أن يدركها، وأقول: إن الذي اطلعت عليه في هذا قليل لأنني لم أكن أتتبع الكتب المؤلفة في ذلك، ولكني كنت أتتبع ما يرد من تعليلات العلماء -رحمهم الله- فأضعه في هذا النظم ، وكذلك ما يفتح الله به وييسره .(5/384)
أحث طلبة العلم على العناية بالقواعد والضوابط لأنها هي العلم، أما المسائل الفردية أن يعرف الإنسان أن هذا حلال أو هذا حرام فهذا يزول وينسى، ولا يكون للإنسان قدم راسخ في العلم، لا يمكن أن يكون للإنسان قدم راسخ في العلم يستطيع أن ينزل المسائل الجزئية على القواعد الكلية حتى يهتم بالقواعد والضوابط .
س: وهذا يقول: نحن جماعة من المدرسين نتجاوز الخمسة عشر مدرسا نقوم بالصلاة في المدرسة مع العلم بأن المسجد بجوار المدرسة وهذا في أيام الاختبارات فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟
ج: الذي أرى أنه مع المشقة أو مع فوات بعض العمل الموكول للإنسان لا حرج على الجماعة أن يجتمعوا ويصلوا في مكان عملهم، وذلك لدعاء الحاجة إلى ذلك ولا يخفى علينا أن المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- أن الحضور إلى المسجد ليس بواجب.
لكننا لا نرى هذا القول، نرى أن الحضور للمسجد واجب بقدر الإمكان، لكن إذا كان الحضور إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل أو اختلال العمل ولأمر حادث فلا أرى في ذلك بأسا أن يصلوا في مكان عملهم .
س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، ما حكم السفر إلى بعض البلاد الإسلامية التي تكثر فيها الفتن من سفور واختلاط وغيرها، وخاصة إذا كان ذلك بسبب التنزه وغير ذلك، ولقد يقول: كثر هذا الأمر من بعض الشباب الطيبين فما توجيهكم لهم جزاكم الله خيرا ؟
ج: الحقيقة أن هذه مما يضيق الصدر أن يهرع الناس إلى السفر إلى البلاد الخارجية سواء إذا كانت بلاد إسلامية أم غير إسلامية؛ وذلك لأن يحصل فيه إضاعة مال كثير ؛ لأن الإنسان سوف يخسر أو سوف يضيع قيمة التذاكر وقيمة الفنادق وقيمة الأكل والشرب، وأشياء كثيرة أضعاف أضعاف ما ينفقه لو أنه خرج إلى مكة والمدينة والبلاد التي هي بلاد نزه من هذه المملكة والحمد لله وهذا شيء مؤكد على كل حال حتى لو كان الإنسان محافظا ، فإنه لا بد أن تقع هذه الإضاعة من ماله .(5/385)
ثانيا- أنه لا يسلم إلا من عصمه الله ، لا يسلم غالبا من مخالفة: نساء ومشاهدة نساء متبرجات متطيبات، والعائلة سوف تتأثر من هذا وسوف ينعكس على الصبي والطفل ما شاهده في زمن صباه وطفولته؛ لأن صور ما شاهده الإنسان في حال الصغر تجدها باقية في ذهنه لا تزول وهو سوف يشاهد ما لا يشاهده في بلده .
ثالثا- أنه ربما تنتقل عادات من عادات تلك البلاد لا تناسب العادات التي فيها المحافظة على عاداتنا المأخوذة من عادات السلف الصالح، والعدوى في مثل هذا قريبة جدا ومعروفة.
رابعا- أنه قد يتعرض لأخطار عظيمة إما سرقة في مال أو غير ذلك مما هو معروف عند المسافرين، فهذا نصيحة للإخوان من الشباب وغير الشباب أن يجعلوا الترفيه عن أنفسهم بعد الكد والعناية في أيام الدراسة بالسفر إلى مكة والمدينة وجنوبي البلاد، ويحصل بذلك خير -إن شاء الله تعالى- ويدرأ بذلك ضررا وفتنة .
أما السفر إلى بلاد الكفر فهو حرام فيما أرى، ولكن إلا بشروط ثلاثة :
الشرط الأول- أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
والثاني- أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
والثالث- أن يكون مضطرا للسفر، والنزهة ليست اضطرارا كما هو معلوم.
س: وهذا يقول : نحن مجموعة من الشباب قدمنا من خارج هذه البلاد لحضور دروس هذه الدورة ، فما حكم مكوثنا أثناء هذه الدورة هل نقصر الصلاة أم يكون لنا حكم المقيم ؟
ج: نعم حكمهم حكم المسافرين؛ لأن الحقيقة أنهم مسافرون ولكن لا يحل لهم أن يتخلفوا عن صلاة الجماعة من أجل القصر لعموم قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار " وفي صلاة الجمعة قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } .(5/386)
وهذا الخطاب يشمل كل مؤمن سواء كان مسافرا أم مقيما أم مستوفيا ، لكن إذا قدِّر أن الصلاة فاتتهم فلهم القصر؛ لأنهم مسافرون، سواء نووا أن يقيموا أربعة أيام أو عشرة أيام أو عشرين يوما أو شهرا.
وذلك لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر، بل ظاهر النصوص إنه لا مدة لذلك، وأن الإنسان متى كان عازما على الرجوع إلى بلده بمجرد انتهاء شغله، فإنه مسافر.
وأكبر دليل يستدل به من يقيدون ذلك بأربعة أيام هو أن النبي r قدم في حجة الوداع جاء إلى مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة ومكث إلى اليوم الثاني ثم خرج إلى منى ومزدلفة وعرفة، ثم غادر مكة صبيحة اليوم الرابع عشر ، ولكنه لا دليل في ذلك في الواقع لأن كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقدم لليوم الرابع ليس مقصودا بل هو وقع اتفاقا أو مصادفة .
ثم إن أنس بن مالك t جعل مدة إقامة النبي r في مكة عشرة أيام، وعد منها الخروج إلى المشاعر.
وأما قول بعض العلماء -رحمهم الله-: أن النبي r أنشأ السفر من حين أن خرج إلى منى في اليوم الثامن. هذا قول ضعيف، بل إن النبي r خرج في اليوم الثامن ليقيم لأداء المناسك في هذه المشاعر .
وخلاصة الجواب: أن الذين قدموا للدرس في هذه الدورة في حكم المسافرين ولكن يلزمهم أن يحضروا للجماعة فإذا فاتتهم فلهم القصر، وكذلك لهم المسح على الخفين أو الجوربين لمدة ثلاثة أيام .
س: وهذا يقول: نود من فضيلتكم الإفادة حول كتاب شرح رياض الصالحين المتداول في الأسواق؛ وذلك لأن البعض يقول بأنكم غير راضين عنه، وشكَر الله لكم وضاعف مثوبتكم؟
ج: الواقع أن كثيرا مما كتب في هذا إنما أخذ من الأشرطة، والأخذ من الأشرطة ليست كالمحرر باليد لا بد أن يكون فيه كلمة غير مناسبة، مثلا إما باللغة العامية أو ما أشبه ذلك.(5/387)
وشرح رياض الصالحين نقل من الأشرطة لكن أخونا الشيخ عبد الله بن زياد هو الذي تولى ذلك، وأرجو أن يكون قد اجتهد في تحريره وتنقيحه، لكن لا بد أن يكون فيه نقص كما شاهدنا ذلك في بعض الذي كتب ونشر.
ولكنه أمر قريب يعني: لا يختلف فيه المعنى كثيرا إما نقص كلمة أو زيادة كلمة، أو حذف بعض الأحاديث ، في رياض الصالحين كنا نُقرِئه هاهنا يعني: يقرأ القارئ علينا في الجماعة بعد صلاة العصر، وربما لا نتكلم على بعض الأحاديث إطلاقا، لأنها لا تتناسب مع الحاضرين من العوام، ولكني أدعو كل من رأى شيئا في مؤلفاتنا مما كتب أن أدعوه إلى أن يقيد ما رأى ويرسله إلي وله علي في ذلك المنة.
س: وهذا يقول : ذكرتم -حفظكم الله- في بعض كتبكم: امتثال الأمر لا يتم إلا بفعله جميعه، وامتثال النهي لا يتم إلا بتركه جميعه. والسؤال: ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة t " ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " فكيف نجمع بين هذا وبين ما ذكرتم ؟ جزاكم الله خيرا .
ج: أولا- أنا أعتب على السائل حيث يقول: كيف نجمع بين هذا وهذا ؛ لأن كلامي وكلام غيري من العلماء لا يمكن أن يعارض به كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن قد يقول : كيف يصح كلامكم مع قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: " فأتوا منه ما استطعتم " ؟.
فنقول: الحديث يدل على ما ذكرنا أن الأمر لا بد من فعل جميعه إلا إذا عجز عنه الإنسان، فإذا عجز عنه الإنسان سقط عنه الأمر به، وحينئذ يكون آتيا بجميع ما أُمر به، والنص واضح : " فأتوا منه ما استطعتم " إذًا إذا استطعنا جميعه وجب علينا أن نأتي بجميعه، إذا استطعنا بعضه فهذا ما أُمرنا به يجب علينا أن نأتي به.(5/388)
لكن بالمناسبة يجب أن يفرق طالب العلم بين فعل المحظور، وترك المأمور فيما إذا وقع جهلا من الإنسان أو نسيانا، فترك المحظور إذا وقع جهلا أو نسيانا لا يترتب عليه شيء، لا إثم ولا كفارة ولا فدية فيما فيه فدية وكفارة، وفعل المأمور إذا ترك فإنه لا بد من أن يؤتى به على الوجه السليم، وأضرب لهذا مثالين جاءت بهما السنة:
المثال الأول : قصة الرجل الذي صلى، ولم يطمئن في صلاته، فقال له النبي r " ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاث مرات- فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه الرسول -عليه الصلاة والسلام- " ولم يعذره بجهله .
المثال الثاني : مثال المحذور أن معاوية بن الحكم t تكلم في الصلاة جاهلا ، ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالإعادة " فإنه دخل في الصلاة فعطس رجل من القوم فقال : الحمد لله ، فقال معاوية: -يرحمك الله-، فرماه الناس بأبصارهم فقال: واثكل أمياه فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما سلم دعاه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: t فبأبي وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه، والله ما قهرني ولا نهرني وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن " أو كما قال r ولم يأمره بالإعادة لأنه فَعل محظورا جاهلا .
وفي الصيام قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " ولم يأمره بالإعادة لأنه كان ناسيا.
س: وهذا يقول : هل يجوز أن ينسب الضر والشر إلى الله -سبحانه وتعالى- وهل يجوز أن نقول : إن الله مصدر الخير والشر؟
ج: أما الأول فإن الشر لا ينسب إلى الله؛ لأن كل أفعاله خير، وإنما الشر إن قدر في مفعولاته لا في فعله؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : " الخير بيديك والشر ليس إليك " فاثبت الخير بأنه بيده U ونفى أن يكون الشر إليه .(5/389)
وإنما يكون الشر في مفعولاته، فمثلا لا شك أن في بعض المخلوقات من الشر ما هو معلوم كالسباع والثعابين وما أشبهها، وكذلك الأمراض تصيب العبد هي شر بالنسبة للصحة، وهذه المخلوقات التي أشرنا إليها شر بالنسبة للمخلوقات المسالمة، لكن الشر هنا ليس في فعل الله، فإن الله لم يقدر ذلك إلا لحكمة عظيمة بالغة تشتمل على الخير.
وكذلك المرض بالنسبة للإنسان ليس خيرا في حد ذاته، لكنه خير بالنسبة إلى تقدير الله له؛ لأن الله تعالى قد يقدر على الإنسان المرض لينال بذلك درجة الصابرين إذا صبر عليه، وليعرف بذلك قدر نعمة الله عليه بالصحة، فإن الأشياء قد لا تتبين للإنسان إلا بضدها كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء .
أرأيت ما يحصل للنبي r من المرض والتعب وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : " إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم " وشدّد عليه عند حضور الموت، كل هذا من أجل أن ينال أرفع درجات الصابرين -عليه الصلاة والسلام- ويكون صابرا لله U على أحكامه الشرعية وأحكامه الكونية القدرية .
أما إن الله مصدر الخير والشر، فإن أراد أن الله تعالى هو الذي قدرهما فهذا صحيح وإن أراد سوى ذلك فلا، لكن على كل تقدير لا ينبغي إطلاق هذه الكلمة على الله U لأن ذلك يوهم إضافة الشر ونسبة الشر إلى الله تعالى.
س: وهذا يقول: يقول النبي r فيما يرويه عن ربه U أنه قال : " الكبرياء إزاري والعظمة ردائي " فما معنى الإزار والرداء في الحديث؟ وهل نثبت لبس الإزار والرداء لله U أم هي صفة نقص؟ وأثابكم الله؟
ج: الحقيقة أن هذا مما نقول فيه كما قال الإمام مالك : إنه مما لا ينفع العلم به، والإزار والرداء بالنسبة إلى الله U ليس كالإزار والرداء بالنسبة إلينا؛ ولهذا يجب علينا أن نقول كما قال -النبي عليه الصلاة والسلام- ولا نسأل عن هذا ؛ لأن السؤال عن هذا بدعة.(5/390)
هل نحن أحرص من الصحابة -رضي الله عنهم- على معرفة صفات الله ؟! لا والله، وهل المسئول منا أعلم بذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! لا والله، إذًا ما دام الصحابة -رضي الله عنهم- وهم أحرص منا على معرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته لم يسألوا الرسول r وهو أعلم من سيجيب، فالواجب علينا السكوت، أن نقول بما جاء به الحديث ونسكت عما وراء ذلك، ونقول: إن الله -سبحانه وتعالى- يفعل ما يشاء .
س: وهذا يقول: هل يجوز ... انتهى الوقت الآن ، سؤال أخير جزاكم الله خيرا أي نعم، تبقى الأسئلة إلى غد إن شاء الله وننبه الإخوة أننا سنلقي أسئلة على ما شرحناه من المنظومة فليستعدوا لذلك ، نعم أحسن الله إليك.
يقول: شيخ يقول: هل يجوز إهداء المصحف إلى النصراني بغرض دعوته ؟
ج: لا يجوز لك ذلك إلا إذا أعطيته المصحف؛ لينظر فيه بحضورك فلا بأس ، أما أن تعطيه ويذهب به إلى بيته فهذا لا يجوز؛ لاحتمال أن يهينه كما يوجد من بعض طغاة النصارى وغيرهم ممن يمتهنون القرآن حتى بلغنا أنه ربما يطئوه بأقدامهم.
س: وإذا كان يا شيخ معاني القرآن -أحسن الله إليك-؟
ج: أما معاني القرآن فلا بأس إذا لم يكن في الورقات شيء من القرآن لا بأس؛ لأن المعنى غير المشروح، يعني: الشرح غير المشروح .
س: هذا يقول: يا شيخ، أنا إمام مسجد من منطقة بعيدة فما حكم توكيلي؛ لكي أحضر إلى هذه الدورة ؟
ج: هذا ينبني على: هل إنه سوف يدع الصلاة في كل الأوقات أو في وقت واحد، إذا كان في وقت واحد وأذن في ذلك المسئولون ورضي بذلك أهل الحي فلا بأس، وإلا فإنه إذا حان وقت الإقامة خرج من الدورة وذهب يصلي بأصحابه .
نواصل يا شيخ ولا نقف أحسن الله إليك(5/391)
الوقوف أحسن لأنه أولا أليس اللقاء ساعة ؟ بلى يا شيخ، طيب الآن أكثر من ساعة، أحسن الله إليك، والشيء الثاني: أني أحب أن ينصرف الناس وهم يقولون: ليتنا بقينا. إذاً نقف أحسن الله إليك ، نقف عند هذا -إن شاء الله- وغدا يكون بداية الدرس من وكل ما كلفه قد يسر ، أحسن الله إليك .
يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها
O
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد قال المؤلف -حفظه الله تعالى-:
وكل ما كلفه قد يسر
فاجلب لتيسير بكل ذي شطط
وما استطعتَ افْعَلْ من المأمورِ
والشرع لا يلزم قبل العلم
لكن إذا فرط في التعلم
وكل ممنوع فللضرورة
لكن ما حرم للذريعة
من أصله وعند عارض طرَا
فليس في الدين الحنيف من شطط
واجتنب الكل من المحظور
دليله فعل المسيء فافتهم
فذا محل نظر فلتعلم
يباح والمكروه عند الحاجة
يجوز للحاجة كالعرية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فهذا هو الدرس الثاني من شرح المنظومة منظومة القواعد الفقهية والأصولية ، وقبل أن نبدأ بالشرح نحب أن نناقش بعض ما سبق ذكره.
فأولا-: هل الحمد هو الثناء أو شيء سوى الثناء؟ يجيب عليه أحد الطلبة من الصف الثاني، أعد السؤال يا شيخ الله يحفظك، سؤال: هل الحمد هو الثناء أو شيء آخر سوى الثناء ؟
ج: الحمد: هو وصف المحمود بالكمال، نعم ، وإذا كرر ذلك فهو الثناء.
طيب ما هو دليلك على هذا ؟
ج: في الحديث عندما أورد الرسول r قول الله U عند قول العبد " { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: حمدني عبدي وعندما يقول: "رب العالمين" فيقول: أثنى عليّ عبدي " طيب.
س: بهذا نعرف أن من فسر الحمد بالثناء فقوله صحيح ولا غير صحيح ؟ يجيب طالب.
ج:السؤال يا شيخ الله يحفظك مرة ثانية،(5/392)
السؤال: الذين فسروا الحمد بالثناء في الوصف في جميع الصفات هل قولهم صواب أن الحمد هو الثناء أو لا ؟
هيا يا جماعة ؟
ج: السؤال مرة ثانية يا شيخ سؤال أخير …
س: قلنا: الحمد وصف المحمود بالكمال فيكون هذا ثناء، بعض العلماء يقولون: الحمد هو الثناء هل هذا التفسير صحيح أو غير صحيح ؟
ج: يكون غير صحيح يا شيخ ، غير صحيح ، فإذا قيل لك: ما الدليل على تضعيفك إياه، تقول: حديث أبي هريرة: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " إلخ . طيب .
سؤال يقول الناظم: "مثبت الأحكام بالأصول" ما هي الأصول التي يثبت بها الأحكام ؟
ج: الأصول يا شيخ المتفق عليها أربعة نعم ، أولا: كتاب الله U والثاني: سنة الرسول r والثالث: الإجماع، والرابع: القياس الصحيح ، أحسنت بارك الله فيك .
س: يقول الناظم : "محمد المبعوث رحمةً للورى" ، (رحمة) ما الذي نصبها ؟
ج: يا شيخ مفعول لأجله ، مفعول لأجله . طيب
س: ما هو الشاهد لهذا من القرآن ؟
ج: قول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } أحسنت، "إلا رحمة للعالمين" ، يعني: إلا لنرحم بك العالمين .
س: طيب ما هي القاعدة في الدين الإسلامي، أو ما هو الغرض الأسمى الذي من أجله جاء الدين الإسلامي؟
ج: موجود هذا في النظم، جلب المنفعة ودرء المفسدة، يعني: سعادة البشر، وانتفاء الضرر عنهم، خذوا من هذا قاعدة، القاعدة هي درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، ما دام الدين جاء لإسعاد البشر؛ فالقاعدة كل أمر سبب للسعادة فهو مشروع، كل أمر ضار فهو ممنوع.
س: طيب إذا تساوى إذا اجتمع في عمل ما ضرر ومنفعة، ولم يمكن التمييز بينهما، فهل يجتنب درءا للمفسدة أو يفعل لما فيه من المصلحة ؟
ج: يمنع مطلقا، نعم يمنع مطلقا، طيب إذا كانت المصلحة أكثر من المنفعة. أعد يا شيخ ؟ أقول إذا كانت المنفعة أكثر من المضرة، يفعل إن شاء الله ، طيب(5/393)
إذًا يقال في هذا إذا اجتمعت منفعة ومضرة فإن تساوتا مُنع ، وإن غلبت المضرة مُنع ، وإن غلبت المصلحة فُعل . كذا نعم يا شيخ ، طيب
الآن نبدأ صفحة جديدة بإذن الله وحول الله
قال الناظم :
وكل ما كلَّفَه قد يَسَّرَ
من أصل وعند عارض طرَا
يعني: أن كل ما كلف الله به العباد من هذا الدين فإنه مُيَسّر ، ودليل ذلك قوله -تبارك وتعالى- حين ذكر أحكام الصيام مع مشقته قال: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وهذه الإرادة: هي الإرادة الشرعية، يعني: أن الله تعالى شرع الدين تيسيرا عليكم.
وقال الله -تبارك وتعالى-: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } وقال الله -تبارك وتعالى-: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } فكل شيء كلف الله به العباد فهو يسير.
وقال النبي r " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " وكان يبعث البعوث ويقول: " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " كل هذا يدل على أن الدين يسر.
ومن ثَمّ اختلف العلماء فيما إذا اختلف مفتيان على قولين هل يأخذ بأيسرهما قولا، أو بأشدهما، أو يخير، أي نعم فإذا أفتى الإنسان عالمان كلاهما أهل للفتوى واختلفا، فإن تساويا عنده في العلم والدين فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يأخذ بالأشد؛ لأنه أحوط وأبرأ للذمة، والقول الثاني: يأخذ بالأيسر؛ لأنه أقرب إلى مقاصد الشريعة؛ ولأن الأصل براءة الذمة، فلا يلزم عباد الله إلا بما نتيقن أن الله ألزمهم به، والقول الثالث: أنه يخير؛ لتعارض العلتين.(5/394)
والأقرب عندي أنه يأخذ بالأيسر؛ لأنه أقرب إلى روح الشريعة، اللهم إلا أن لا تطمئن النفس إليه فحينئذ يأخذ بالأشد، الذي تطمئن نفسه إليه؛ لهذا قال النبي r " البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما تردد في الصدر " هذه قاعدة مهمة، أن كل ما كلف الله به العباد فإنه ميسر من أصله .
"وعند عارض طرأ" يعني: وكذلك يكون هناك تيسير آخر عند الطوارئ ، إذا طرأ على الإنسان ما يفقد التيسير عليه، فإن الشرع وعد بالتيسير عليه، ولنضرب لذلك مثلا بل أمثلة:
الأول في الطهارة: يجب على الإنسان أن يتطهر بالماء سواء كان حدثا أصغر أم حدثا أكبر، فإن كان مريضا، ويخشى على نفسه، فإنه يتيمم، ودليل ذلك آية الطهارة في سورة "المائدة" : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ إفح!$tَّ9$# أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) }(5/395)
فأوجب الله الطهارة بالماء، فإذا كان الإنسان مريضا، وخاف على نفسه من زيادة المرض أو تأخُّر البرء وكان يتضرر بالماء، فإنه يتيمم، وفي الحديث الصحيح " أن عمرو بن العاص t بعثه النبي r في سرية فأجنب وكانت الليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فقال له النبي r أصليت بأصحابك وأنت جنب؟! قال: يا رسول الله ذكرتُ قول الله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) } فضحك النبي r تقديرا لفعله " .
المثال الثاني في الصلاة: يجب على الإنسان أن يصلي الفريضة قائما فإن لم يستطع فقد قال النبي r لعمران بن الحصين: " صل قائما، فإن لم تستطع، فقاعدا فإن لم تستطع، فعلى جنب " .
في الصوم: يجب على الإنسان أن يصوم رمضان فإن كان مريضا فله أن يؤخر الصوم حتى يبرأ، وكذلك إذا كان مسافرا؛ لأن المسافر يشق عليه الصوم في الغالب، دليل ذلك قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }
فيسَّر الله على المريض والصائم إذا أتى عليه رمضان أن يؤخر الصوم حتى ينتهي من الصوم ويبرأ من المرض، وهذا -لا شك- أنه تيسير .
وثمة تيسير ثالث إذا كان لا يستطيع أن يصوم لمرض لا يرجى زواله أو لكبر، فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا ، هذا التيسير الذي تكرر مرتين في الصوم منشؤه أن الدين يسر من أصله أو للعارض الطارئ .
المثال الرابع في الحج يجب على الإنسان أن يؤدي الحج بنفسه إذا كان مستطيعا، فإن لم يستطع، وكان عنده مال يمكنه أن ينيب به من يحج عنه، وكان لا يرجى زوال علته، فإنه يقيم من يحج عنه عن فريضة الإسلام.
وقِس على هذا إذا هذه القاعدة: الدين مبني على التيسير والسهولة ، في حق أصل المشروعات وعند العوارض الطارئة(5/396)
وفرَّع الناظم على هذه القاعدة قوله : "فاجلب بتيسير لكل ذي شطط" أي: مشقة، أي كلما حصلت مشقة حصل التيسير، وهي أي: هذه القاعدة فرع من فروع القاعدة السابقة فليس في الدين الحنيف من شطط ، أي من مشقة وتعب، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ثم قال في سياق هذه القاعدة العظيمة: إن الدين مبني على التيسير والسهولة، قال :
وما استطعت افعل من المأمور
واجتنب الكل من المحظور
يعني: أنه إذا أمر الله بشيء في كتابه أو على لسان رسوله r فافعل ما تستطيع من المأمور، ولا تترك منه شيئا بل افعله كله أو بعضه إذا لم تستطع، وورد شرع لفعل هذا البعض .
أما المنهي عنه فاجتنبه كله لا تأتي منه شيء إلا ما اضطررت إليه، وما اضطررت إليه فإنه لا يعتبر تحريما، ولا محرما، دليل هذه القاعدة قول النبي r " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " فأمر النبي r باجتناب المنهي عنه بدون شرط ولا مما يدل على أنه لا بد أن يجتنب الإنسان كل المنهي عنه؛ لأن الاجتناب ليس فيه مشقة ولا تعنت إنما هو ترك شيء، فإذا ترك الإنسان الشيء فلا ضرر عليه.
ولهذا فإن اضطر إليه فقد قال الله تعالى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } يعني: فإنه ليس فيه تحريم وعلى هذا فيكون ما يفعل من المحرم عند الضرورة ليس في درجة الحرام بل هو حلال مباح، أما الأمر فقال الله -تبارك وتعالى-: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }(5/397)
فانظر إلى قوله: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي: خائف ألا يقبل منه، موقن بأنهم إلى الله راجعون، { وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } نعم ، قال : { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } فدل ذلك على أن المأمورات يجب فعل ما استطاع الإنسان منها، وأن المنهيات فيجب اجتنابها كلها، وهذه من القواعد المهمة أيضا في دين الله U .
ثم قال الناظم : "والشرع لا يلزم قبل العلم" الشرائع لا تلزم إلا بالعلم ، دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- . أما الكتاب فقال الله -تبارك تعالى-: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } وقال الله تعالى: { * إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } إلى قوله: { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }
وقال الله تعالى: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) } نعم هذا من القرآن.
أما الأدلة من السنة فدليله يقول الناظم:
..........................
دليله فعل المسيء فافهم(5/398)
يعني فعل في المسيء في إيه المسيء في عمل معين المسيء في صلاته، وذلك فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة t " أن رجلا دخل المسجد، والنبي r جالس في أصحابه فصلى صلاة المسيء صلى صلاة لا يطمئن فيها، ثم جاء فسلم على النبي r فرد عليه السلام، وقال له: ارجع فصل، فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما صلى أولا أي صلاة المسيء، ثم جاء فسلم على النبي r فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل، وصلى كصلاته الأولى فعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني.
فقال النبي r إذا قمت إلى الصلاة فأحسن الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تطمئن قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بإعادة ما مضى من الصلوات؛ لأنه لا كان يعلم بأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة ؛ لكنه أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة ؛ لأنه ما زال وقت الصلاة موجودا، والمطالبة فيها قائمة؛ فلهذا أمره أن يعيدها حتى أعادها على الوجه الصحيح.
إذًا لو أن إنسانا أساء في الصلاة، فلو فاتها جاهلا بها، فإنه لا يلزم بإعادتها، سواء قصر الزمن أم طال، ولهذا قال البدري: لو أن إنسانا أسلم في ناحية بعيدة عن بلاد الإسلام، وترك شيئا من الواجبات أو أتى شيئا من المحرمات، أو أنكر شيئا من المعلومات بالضرورة من الدين فإنه لا يكفر بذلك ؛ لأنه معذور إلا أن... فعل المسيء... قال: إنه اشتهر عند العلماء أن هذا الرجل، وصف بأنه مسيء في الصلاة مع أنه لم يتعمد، ولم يتكبر .(5/399)
فيقال: لا يلزم من الإساءة الإثم، أي: قد يكون الفعل سيئا غير صالح لا يعفي صاحبه لوجود مانع؛ ولهذا قال النبي r " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " فالخطأ هنا أنه إساءة، لكن لما كان صادرا عن اجتهاد لم يؤاخذ به مع أنه خطأ، فيجوز الاثنان فيقول: هذا الرجل مسيء في صلاته؛ لأنه لم يأت بها على الوجه المشروع، وإن كان لا يجب عليه، فلا يلزمه الإعادة.
ثم استدرك الناظم في هذه المسألة فقال:
لكن إذا فرط في التعلم
فذا محل نظر فلتعلم
يعني: لا يفرط في الصلاة نفسه في التعلم... لكنه تهاون، وفرط فهنا قد يقال: إنه لا يحسن... ذلك، وإنه يلزم بما أعلمه من الفرائض ؛ لأنه بذلك ليس معذورا؛ ولذلك يريد... أن يعلم أو يغلب على ظنه أو يقال : له إن فعلك هذا خطأ، فإن الواجب عليك كذا؛ ولكنه يفرط فلا يسقط عليه، فهذا نقول: إنه مفرط، وإن... وضعت هذه ... فلا يصلح فعله عذرا له لترك الواجبات، أو فعل المحظورات، وهذا الذي قلناه في هذا النظم هو ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاختيارات، وهو قول وجيه، وهو أن المفرط في التعلم، لا يشرع له من لم يقرأ على ذلك أن هذا واجب
ثم قال الناظم :
وكل ممنوع فللضرورة
يباح والمكروه عند الحاجة(5/400)
هذه من القواعد الفقهية الأصولية التي دل عليها القرآن، كل شيء ممنوع، فإنه يحل للضرورة، يحل له كل شيء ممنوع، فإنه يحل للضرورة دليل هذا قول الله -تبارك وتعالى- في سورة المائدة: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ (#مچxےx. مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ } أي في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) }
وقال في آية أخرى: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) } وقال تعالى في آية... أعم من المأكولات قال: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }
ولكن لا بد من أمرين في حل المحرم للضرورة: الأمر الأول أن يكون مضطرا إلى هذا المحرم، بحيث لا تستدعى ضرورة إلا به، والثاني أن يتيقن انتفاء ضرورته به.
الأمر الأول: أن لا تتبع الضرورة إلا بهذا المحرم، والثاني أن يعلم انتفاءها به، فإن لم يعلم فإنه لا يحرم؛ وذلك لأن فعل المحرم مفسدة محققة، وانتفاء الضرورة إذا لم يتيقن مظنون لا معلوم.
ومن المعلوم أنه لا يرتكب معلوم المفسدة بمظنون المصلحة.(5/401)
مثال ذلك : رجل في فلاة قفار، وإذا قد فقد الطعام وجاع ولم يجد إلا ميتة، فنقول: لا حرج عليك أن تأكل من الميتة ما تكف به ضرورتك أي ما يسد رمقك… لأن الأكل هنا متيقن المنفعة تندفع الضرورة؛ ولأنه لم يجد ما يسد به ضرورته من أشفار وأوراق أو غير ذلك، فإن قال القائل: لو لم يجد إلا الخمر نعم رجل عطشان، ولم يجد إلا خمرا، يأخذ منها وعاء تصبيرا، وإن كان فائدة ذلك… فهل يجوز أن يشرب الخمر؟ نقول: إن الضرورة الآن مقتضية، لكن هل تندفع ضرورته بشرب الخمر؟ الجواب لأن وذلك لأن الخمر لا فائدة منها... .
فإذا اضطر لشدة العطش فلا بأس في ذلك؛ ولذلك قالوا أي: الفقهاء قالوا: لو اضطر إلى شرب الخمر لدفع لقمة غص بها جازت له؛ وذلك لأن ضرورته تندفع بإيجادها؛ فيكون مباحا، فلو قال قائل: لو اضطر المريض إلى شرب الدم.. . لا يجوز… ولكن قيل له إذا قيل له: إن الدم يبرئ المرض، فهل يجوز … هذا الذي قيل له ذلك؟ الجواب لا يصح له ذلك، لماذا؟ لسبب انتفاء الشرطين لحل المحرم الضرورة.
أما الشرط الأول: وهو أن يوجد هناك ضرورة؛ فلأن المريض قد يتداوى بغير هذا المحرم، فيشفى، وقد يشفى بدون دواء، فليس مضطرا إلى هذا الدواء المحرم.
ثانيا: أنه …إن رجا، أو قدر أنه لا يشفى إلا بهذا الدواء المحرم، فإنه ربما يشربه، ولا يبرأ من المرض كما قد يوصى بأدوية كثيرة قد علم نفعها، وأنها تؤدي للشفاء، ومع ذلك يتناولها المريض ولا يشفى، فحينئذ يثبت أن نقول: إنه لا يكون شرب الدواء للانتفاع به .
هذا من حيث التعليل، أما من حيث الدليل، فقد جاء في الحديث عن النبي r أنه قال: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " فهذا الحكم معقول العلة؛ لأن الله سبحانه لم يحرمه علينا إلا لأنه ضار بنا، فكيف ينصرف الناس عنه، فكيف ينصرف المحرم شفاء ودواء .
إذًا القاعدة: كل ممنوع يباح للضرورة، ولكن متى يكون ذلك يكون بأمرين، وإن شئت فقل: قاعدتين:(5/402)
الأول: ألا تنتفي ضرورته إلا بتناوله بحيث لا يوجد ما…
والثاني: أن نعلم انتفاء الضرورة في تناوله، فإن لم نعلم لا يثبت؛ لأنه لا يمكن أنه لا يرتكب معلوم الضرر لمصلحة موهومة.
ثم قال: والمكروه عند الحاجة هذه قاعدة أيضا ذكرها العلماء أن المكروه يكون عند الحاجة إليه، وذكروا لهذا أمثلة كثيرة منها: لو أن إنسانا في صلاة واحتاج إلى الالتفات، مثل: أن يكون حوله صبي، فيلتفت خوفا على الصبي من أن يقع في حفرة أو أن يتناول حارا أو ما أشبه ذلك، فهنا الالتفات جائز، مع أن الأصل كراهة الالتفات في الصلاة، لكن عند الحاجة لا بأس.
والفرق بين الحاجة والضرورة:
والفرق بين الحاجة والضرورة كالفرق بين الضروريات والكماليات، أي أن الحاجة … لكنه في حالة إذا تهاون … كان ذلك أكمل في ضرره ومفقوده، فحينئذ يكون المحظور عند الحاجة مباحا، وهذه فائدة أيضا تعلق في الممنوعات ما كان ممنوعا على وجه التفصيل فإنه لا يصح … وما كان ممنوعا على وجه التنزيه، فإنه يحل عند الحاجة، ثم استطرد الناظم فقال:
لكن ما حرم للذريعة
يجوز للحاجة كالعرية
يعني المحرم لكونه ذريعة لمحرم أشد، فإنه يجوز عند الحاجة، ومثل الناظم لذلك بالعرية .
العرية: هي الرطب على رءوس النخل، يكون الإنسان عنده تمر يابس، وليس عنده نقد يشتري به رطبا يتفكه به مع الناس في هذه الحالة يجوز له أن يشتري الرطب على رءوس النخل بالتمر الذي عنده من العام الماضي مع أن شراء الرطب بالتمر حرام " فقد سئل النبي r عن بيع التمر بالرطب فَقَالَ: أَيَنْقُصُ إِذَا جف فَقَالُوا: نَعَمْ قال: فلا إذًا " لكن في العرية يجيز بيع التمر الرطب من أجل الحاجة. ما معنى الحاجة؟ …(5/403)
أن هذا الفقير يريد أن يتفكه مع الناس، وليس معه نقد ماذا يفعل؟ أيذهب ويسرق من الناس؟ لا فإذا قال القائل: يمكن أن يبيع التمر، ويشتري الرطب كما أرشد النبي r إلى ذلك فيما إذا كان عند الإنسان تمر رديء، وأراد تمرا جيدا أنه لا يبيع التمر الرديء بتمر جيد أقل منه، بل أمر أن يباع الرديء بالدراهم، ثم يشترى بالدراهم تمرٌ جيد، فلماذا نقول في العرية: إنه يفعل ذلك لماذا لا نقول: بع التمر ثم اشتر بالدراهم رطبا؟.
الجواب على هذا أولا أن السنة فرقت بينهما، وكل شيء فرق الشرع فيه، فإن الحكمة بما جاء به؛ لأننا نعرف أن الشرع لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين مفترقين، وما فرق بينهما وظننا أنهما متماثلان، فإن الخطأ فيه، فيجب أن يقول: جاء الشرع بحل هذا ومنع هذا، لكن مع ذلك يمكن أن نجيب عقلا عن هذا، فيقال: إن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يبيعون التمر الرديء بالتمر الجيد، وهذا ربا صريح لا يحل .
أما في العرية فيجب أن يحصر الرطب بحيث يساوي التمر، لو أمكن لما مر معنا ... أننا نأخذ الرطب ونقول: هذا الرطب بدايته كان تمرا هل يكون على مقدار التمر الذي اشتري به أم لا بد من معرفة ذلك هذه واحدة .(5/404)
ثانيا أن نقول: ربا الفضل إنما هو في الحقيقة لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة؛ وذلك لأن ربا الفضل لا يمكن أن يقع بين اثنين من جنس واحد، بل لا بد أن يكون هناك فرق بينهما في الوصف من أجل زيادة الفضل …وتقول: النفس إذا كانت الزيادة تجوز لعلو الصفة والنقص يجوز لرداءة الصفة فيجز الزيادة لزيادة المنفعة… فتطمع النفس لهذه الزيادة، والنفس طماعة… في البيع والشراء وذلك مع قلة الورع … والذي يمكن أن يقع عرية، هو ربا الفضل، وإذن فتحريم ربا الفضل... علمنا من الحديث الذي ذكرناه أنه حينما حرم؛ لأنه ذريعة إلى الربا والذي حرم لكونه ذريعة، فإنه يباح عند الحاجة، فإن قال قائل: الفقير الذي احتاج... ما ضرورته إلى أن يشتري الرطب بالتمر نقول: ليس بالضرورة؛ لأنه يمكن أن يعيش على التمر؛ لكن لو هناك حاجة يريد أن يتفكه ... فلهذا رخص له في العرية رخص له، يقول الناظم:
لكن ما حرم للذريعة
يجوز للحاجة كالعرية
وإلى هنا نكتفي بشرح ما تيسر من هذه المنظومة، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا آذانا صاغية وقلوبا واعية، وأن يرزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، إنك أنت العليم آمين.
أما الآن فقد جاء دور الأسئلة في خلال ربع ساعة لأن... اليوم....
س: أحسن الله إليك يا شيخ هذا سائل يقول: كيف نفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟.
ج: القواعد الأصولية موضوعها أدلة الدين، أي أنها قواعد تتعلق بالكتاب والسنة والإجماع والقياس وكيف يكون الدليل .
أما القواعد الفقهية فهي قواعد الفقه بمعنى أنها سمات عامة يندرج تحتها أنواع من العلم، فمثلا: قاعدة الطهارة قاعدة الصلاة ... ما هو العام والخاص، ما هو المطلق، ما هو المقيد ... وإنما هي قواعد الفقه، وأما القاعدة الأصولية تثبت بالأدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس فالفرق بينهما هو الموضوع القواعد الأصولية موضوعها… نعم .(5/405)
س: وهذا يقول: يا شيخ أنا إمام مسجد، وفي مسجدي حلقة لتحفيظ القرآن كل يوم بعد العصر يقول: وفي هذه الحلقة يقرءون جماعية حيث يقرأ كل واحد منا واجب من القرآن، فهل هذا العمل جائز أم لا مع أنه يومي؟.
ج: لا بأس يعني لا بأس بالقراءة القراءة الجماعية للتعلم … من القراءة أن يقرأ على وجه التعبد لله بذلك؛ لأن هذا لم يؤثر عن النبي r وأصحابه .
أما التعلم فلا بأس به فمثلا لو أراد المعلم أن يقرأ آية أو آيتين، ثم يرتلها التلاميذ بصوت واحد فلا بأس به. نعم.
س: إنه يقصد يا شيخ أن هذا العمل يتكرر كل يوم، وكل إنسان يقرأ جزءًا معينا؟.
ج: وإن كان كذلك؛ لأن مسألة التعليم يشرع فيها الأخذ بغير التعليم.
س: أحسن الله إليكم، هذا يا شيخ يقول: قدمنا من خارج الرياض، فأدركتنا صلاة الظهر والعصر، ونحن مسافرين فصليناهما جمعا وقصرا، ثم لما قدمنا الرياض، فإذا هم لم يصلوا العصر بعد، فهل تلزمنا صلاة العصر مع الجماعة أم تكفينا صلاتنا الأولى؟.
ج: هذه قد تطول… أن من فعل الصلاة على الوجه الذي أمر به لا يلزمه الإعادة؛ لأن الله تعالى لم يفرض على الناس أن يأتوا بالأمر مرتين؛ … لأن هذه الصلاة الأولى وعلى هذا فهؤلاء القوم المسافرون… الذين أدركتهم… لا يلزمهم الصلاة؛ لأنهم… فقد أتوا الأمر على وجهه، ولا يمكن أن يعيدوا الصلاة مرتين هذا إذا كانت… فلما دنو منها صلوا الظهر والعصر، ثم قدموا المدينة قبل أذان العصر؛ أو والناس يصلون لا تلزمهم الإعادة… إذا صلى الصلاة ثم أدرك الجماعة وهم يصلون فإنه يسن له أن يصلي معهم؛ لقول: النبي r للرجلين الذين تخلفا عن دخول الجماعة " إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة الجماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة " .(5/406)
ولا فرق في هذا بين أن تكون الصلاة المعادة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، فلو أن إنسانا صلى في مسجد المغرب، ثم ذهب إلى مسجد آخر، فوجدهم يصلون المغرب، فدخل معهم من أول ركعة، فإنه يسلم معهم ولا حاجة إلى أن يأتي برابعة ليشفعها؛ لأن ذلك مخالف... ... نعم.
أنواع النهي
O الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد: فهذا هو الدرس الثالث الذي يتم في الدورة العلمية بمدينة الرياض بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -وهذا هو يوم الأحد الثامن من شهر ربيع الأول عام سبعة عشر وأربعمائة وألف، وقبل البدء في الكلام على القواعد- أود أن أعطي أمثلة على التلاميذ، ثم بعد ذلك يقرأ أحد الطلبة ما يمكن أن نشرحه.
O الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال المؤلف -حفظه الله تعالى-:
وما نهي عنه من التعبد
فكل نهي عاد للذوات
وأن يعد لخارج كالعمة
والأصل في الأشياء حل وامنع
فإن يقع في الحكم شك فارجع
والأصل أن الأمر والنهي حتم
أو غيره أفسده لا تردد
أو للشروط مفسدا سياتي
فلن يضير فافهمن العلة
عبادة إلا بإذن الشارع
للأصل في النوعين ثم اتبع
إلا إذا الندب أو الكره علم
س: كفاية. ... ... فهاتان قاعدتان: الأولى يجب أن يفعل الإنسان من المأمور ما استطاع، فأين الدليل على هذه القاعدة من القرآن والسنة ؟. يجيب عن هذا أحد الطلاب .
ج: قال الله تعالى...
س: طيب، وهل يمكن أن تأتينا بمثال يحقق تلك القاعدة ؟.
ج: قال r " صل قائما، فإن لم تستطع، فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
س: القاعدة الثانية من هذا البيت: اجتنب الكل من المحظور، هل يمكن أن تأتي بدليل من الكتاب والسنة على ذلك ؟.
: هذه من السنة، ومن القرآن؟(5/407)
ج: من القرآن: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } لا هذا في الأمر. { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
هذا أيضا في الأمر، أنا لم أذكره في هذا الدرس، لكنه يؤخذ من قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) } الأمر بالاجتناب هنا أمر باجتناب أي جزء من أجزاء الخمر قل أو كثر؛ ولأن هذا الدليل عملي .
الدليل النظري أن النبي r والواجب اجتناب المسألة كلها قلت أو كثرت.
س: طيب السؤال الثاني، هل يلزم الشرط قبل العلم ؟.
ج: لا يلزم الشرط قبل العلم ،لا يلزم الدليل: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا } { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) }
س: طيب هل هناك من السنة دليل على هذا؟.
ج: الدليل من السنة أن النبي r لم يأمر بإعادة الصلوات السابقة.
س: طيب لو قال قائل : لماذا أمره بإعادة الصلاة الحاضرة؟. أعد يا شيخ، أقول: لو قال قائل: لماذا أمره بإعادة الصلاة السابقة؟.
ج: يا شيخ... لأن الوقت حاضر... أي نعم . هو ذات الوقت الحاضر... وكان بالدليل، ثم قلنا أو استثنينا باب الحال...
س: ما معنى الحال الذي استثنيناه؟.
إذا فرط، بماذا؟
ج: بالتعلم. هذا مستثنى محل نظر.
ما معنى قولك محل نظر؟
يعني خلاف. يعني ينظر فيه، إن كان الدليل قويا، فإننا نقول: بالإعادة على حسب حاله، يعني.
طيب. ما هي القاعدة في اتباع المحظور؟.(5/408)
ج: يباح المحظور للضرورة إذا لم يمكن دفع الضرر ما هو الدليل على إباحة المحظور للضرورة؟ { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }
س: اشترطنا في إباحة المحرم للضرورة شرطين فما هما؟.
ج: الشرط الأول: ألا يدفع ضرره أو ضرورته إلا به . والثاني؟. والثاني أن يعلم جازما أن هذا مما يدفع الضرورة.
س: طيب لو اضطر الإنسان إلى دواء، فهل يباح له استخدام المحرم، الدواء المحرم؟.
ج: لا يجوز لحديث: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " .
وأيضا اشترطنا ألا تندفع الضرورة بغيره أليس كذلك؟. بلى.
الدواء قد تندفع بغيره، قد يشفى بدواء آخر أو يشفى بغير دواء . نعم. أليس كذلك؟ ما فهمت السؤال؟.
ألا يمكن أن يشفى بغير دواء؟.
ج: نعم.
: طيب. ثم لا نتيقن شفاءه بهذا المحرم؛ لأنه قد يتناول الإنسان الدواء، ولا يستفيد.
س: طيب، الآن ما الذي يبيح المكروه؟ .
ح:الذي يبيح المكروه هو الحاجة.
س: ما الفرق بين الحاجة والضرورة؟.
ج: الحاجة تتعلق بالحاجيات هي دون الضرورة.
نعم. والضرورة هي التي يلحقه الضرر بعدمها بعدم فعلها.
نعم بارك الله فيك.
نبدأ الآن الدرس الجديد مستعينين بالله U سائلين الله تعالى القبول.
قال الناظم وفقه الله:
وما نهي عنه من التعبد
أو غيره أفسده لا تردد
ما اسم موصول مبتدأ، وجملة: أفسده خبر الموصول، والمعنى أن ما ينهى عنه من العبادة إذا فعله إنسان وقع فاسدا، وكذلك ما نهى عنه من غير العبادة إذا وقع على الوجه الذي نهي عنه فإنه يقع فاسدا هذه قاعدة.(5/409)
دليل ذلك قول: النبي r ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو فاسد وإن كان مائة شرط، يعني ولو اشترط مائة مرة. مثال ذلك من العبادات الصلاة قال النبي r " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب " فلو أن إنسانا صلى صلاة منهيا عنها في هذا الوقت فإنها تكون باطلة غير مقبولة؛ لأنها منهي عنها، وثبت عن النبي r أنه نهى عن صوم يومي العيدين، فلو صام إنسان يوم عيد الفطر أو يوم عيد الأضحى، فصومه باطل؛ لأنه فعل عبادة منهيا عنها.
أما في المعاملات فلو باع الإنسان الذي صلى يوم الجمعة بيعا بعد نداء الجمعة الثاني وقع هذا البيع فاسدا؛ لأنه بيع منهي عنه، ولو باع أبيضا لمن يلعب به القمار كان البيع فاسدا؛ وذلك لأنه بيع منهي عنه لقوله تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
فيقع فاسدا ولو اشترى الإنسان على شراء أخيه فإن الشراء يكون فاسدا؛ لأن النبي r قال " لا يبع بعضكم على بيع بعض " .
ولو تزوج الإنسان بعقد شغار كان العقد فاسدا؛ لأن النبي r نهى عن الشغار والأمثلة على هذا كثيرة، وقوله: أفسده لا تردد. أي: لا تردد بإفساده؛ وذلك أننا لو صححناه لكان ذلك مضادا لله U ولرسوله؛ لأن ما نهي عنه شرعا، فالمفروض عدمه شرعا، فإذا قدر أن صححناه فهذا يعني إثباته، وإثباته مضادة لله ولرسوله .
ثم ذكر الناظم كل ما نهي عنه واقتضى النهي فيه الفساد . فقال:
فكل نهي عاد للذوات
أو للشروط مفسدا سياتي
كل: مبتدأ، وقوله : سياتي خبرها، ومفسدا حال للفاعل "يأتي". والمعنى أن كل نهي عاد لذات المنهي عنه فإنه يكون مفسدا، وهذا البيت كالبيان للبيت الذي قبله، وذلك أن النهي إما أن يعود إلى ذات الشيء أو إلى شرطه أو إلى أمر خارج. والذي يظهر الفساد هو ما عاد النهي فيه لذات المنهي عنه أو إلى شرطه.(5/410)
مثال العائد إلى ذات المنهي عنه البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة. هذا عائد إلى ذات البيت، وإن كانت العلة فيه هي خوف التوصل بذلك إلى ترك ما يجب من حضور الجمعة، ومثال ما عاد إلى الشرط نهي النبي r عن بيع الغرر، فإن النهي عن بيع الغرر عائد إلى شرط البيع، وهو العلم إذ إن من شرط البيع أن يكون الثمن معلوما، وأن يكون المبيع معلوما؛ لأن جهالتهما أي جهالة المبيع أو جهالة الثمن تؤدي إلى النزاع، ثم العداوة والبغضاء، والدين الإسلامي لا يريد من أهله إلا أن يكونوا أحباء متعارفين متوافقين، وكل شيء يهدم هذا الأصل الأصيل في الدين الإسلامي، فإنه يكون منهيا عنه.
ومثل العلماء لما عاد للشروط أيضا في رجل صلى في ثوب محرم عليه، مثل أن يصلي في ثوب حرير مع تحريمه، فإن صلاته لا تصح؛ وعللوا ذلك بأن ستر العورة شرط في صحة الصلاة، ويشترط لذلك الشرط أن يكون مباحا، فإن كان محرما، فإن الصلاة لا تصح؛ لأن النهي يعود إلى شرط العبادة، ثم قال: الناظم :
وإن يعد لخارج كالعِمَّةِ
فلن يضير فافهمن العلة
يقول: إن عاد النهي إلى أمر خارج، فإنه لا يجوز كالعمة، يعني كالعمامة، أي: أن المصلي لو لبس عمامة محرمة كأن يلبس عمامة حرير، ويصلي فإن صلاته صحيحة؛ لأن هذا النهي لا يعود إلى ذات العبادة إذ ليس في شرط الصلاة أن يعتم الإنسان، ومثل ذلك لو صلى، وبيده خاتم ذهب، وهو رجل فإن صلاته تكون صحيحة ؛ لأن هذا الذي لبسه لا يعود إلى ذات العبادة، أي إلى ذات الصلاة ولا إلى تركها، وإنما يعود إلى أمر خارج.(5/411)
ومما نهي عنه، وهو لا يعود إلى شرط العبادة، ثم... نعم، ومما نهي عنه، وهو لا يعود إلى ذات الشيء ولا إلى شرطه في المعاملات تلقي الجلب، فإن النبي r قال : " لا تلقوا الجلب " والجلب هم الذين يأتون بالسلع إلى البلاد، وليسوا من أهل البلاد ليبيعوها، وينصرفوا فقد نهى النبي r عن تلقيهم ؛ لأن في تلقيهم ضررين: الضرر الأول : أنهم ربما يشترون من الجلب برخص فيقع الغبن، والضرر الثاني أنهم يحرمون أهل البلد مما يحصل من وراء المعاملات مع هؤلاء الجلب. هذا النهي لا يفسد البيع، يعني لو أن رجلا تلقى الجلب، واشترى منه، فإن البيع يقع صحيحا مع تحريم التلقي؛ وذلك لأن هذا المشترى لا يعود إلى نفي البيع ولا إلى شرطه.
ودليل صحته قول: النبي r " فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " يعني إذا أتى البائع السوق، ورأى أنه مغبون فله الخيار.
ومن ذلك أي ما لا يعود إلى شرط الشيء ولا إلى ذاته تصرية لبن في ضرع بهيمة زمعاء، فإن النبي r نهى عنه بما في ذلك من التدليس على المشتري، ولكن لو أن البائع لو أن الإنسان باع شاة مصراة أو بعيرا مصراة، ثم ظهر المشتري على هذا التدليس، فإن له الخيار.
وخلاصة هذه القاعدة أن كل منهي عنه إذا فعله فهو فاسد إن عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه، أما إذا عاد إلى أمر خارج فإنه لا يفسد، لكن يكون الفاعل آثما لوقوع النهي.
قال الناظم :
وأن يعد لخارج كالعمة
فلن يضير فافهمن العلة
أي لم يضير من حيث الصحة والفساد
"فافهمن العلة": والعلة هي ما أشرنا إليه من قبل أن هذا يعود إلى أمر خارج لا إلى ذات الشيء، ولا إلى شرطه .
الأصل في الأشياء الإباحة إلا العبادة:
ثم قال الناظم : قاعدة مفيدة مهمة جدا قال :
والأصل في الأشياء حل وامنع
عبادة إلا بإذن الشارع(5/412)
قوله:" والأصل في الأشياء" هذا يعم الأعيان والمنافع والمعاملات والأفعال، وكل شيء الأصل فيه الحل الأعيان إذا وجد الإنسان شجرا في البر فالأصل فيه الحل فليأكله ما لم يتيقن أنه من المهلكات، مثل: أن يكون شجرا ضارا، إذا وجد الإنسان طيرا أو زاحفا في البر فالأصل أنه حلال، يحل أكله ما لم يقم الدليل على تحريمه.
كذلك الأصل في المنافع أن الإنسان ينتفع بكل ما خلق الله في الأرض ما لم يكن الانتفاع حراما، وكذلك الأعمال الأصل فيها الحل إذا لم تكن عبادة، فأي معاملة عامل بها الإنسان غيره، فهي معاملة صحيحة ما لم يقم الدليل على تحريمها. دليل ذلك في الأعيان والمنافع قول الله -تبارك وتعالى-: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } فعمم وأكد التعميم، قال : "ما في الأرض"، وهذه اسم موصول تفيد العموم، ثم أكد هذا العموم بقوله: "جمعيا".
ودليل المعاملات قوله -تبارك وتعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }
فأمر الله بالوفاء بالعقود على أي وجه أخذت، وبأي معاملة كانت ما لم يثبت تحريمه، وكذلك قال النبي r " ما كانت من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " فدل على أن ما كان في كتاب الله أي ما كان موافقا لكتاب الله فإنه غير باطل، وكذلك روي عنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا " وأمثال ذلك من، فالأدلة الأصل في الأشياء كلها الأعيان المنافع والأعمال وغيرها الأصل فيها أنها حلال لا إثم فيها
قال : الناظم(5/413)
وامنع عبادة إلا بإذن الشارع العبادات الأصل فيها المنع إلا بإذن الله. دليل ذلك أن الله أنكر على الذين يقولون: هذا حلال وهذا حرام إلا بإذن الله، وأنكر على الذين يشرعون أو يتبعون الشرائع التي لم يأذن الله بها فقال U { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وأبطل النبي r كل ما أحدثه الإنسان من من العبادات في دين الله فقال r " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلو أن إنسانا تعبد لله تعالى بعبادة لم يشرعها الله كانت العبادة باطلة، سواء كانت لم تشرع من أصلها، أو شرعت على وجه آخر، وأثبت هو لها سببا غير ثابت شرعا، فإنها مردودة عليه، فلو أن إنسانا فعل عبادة بسبب لم يجعله الله ورسوله سببا لها كان مبتدعا، ومن ذلك ما يفعل في هذا الشهر شهر ربيع الأول من الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فإن الاحتفال بالمولد إنما يحمل عليه محبة النبي r عند من احتفل به أو مضاهاة النصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- أو لأسباب أخرى، لكن غالبهم إنما يحملهم عليه محبة الرسول r وذكرى ولادته كما زعموا، وهذه البدعة ليست معروفة لا في عهد النبي r ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا في عهد الصحابة، ولا في عهد التابعين ولا في عهد تابعي التابعين. وإنما أحدثت في القرن الرابع من الهجرة، وقد ثبت أن النبي r أنه حذر من محدثات الأمور، فقال: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " فإن قال قائل: أنا لا أحدث ذلك إلا محبة لرسول r الجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول : أن من علامة المحبة، وهو أصدق علاماتها أن يكون المحب متبعا لمن أحبه قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }(5/414)
وإذا كان هذا أصدق علامات المحبة فاتباع النبي r بذلك أن لا يقيم هذه البدعة ؛ لأنه لم يقمها -عليه الصلاة والسلام- . فحقيقة الاتباع أن لا نأتي بشيء لم يفعله، فإننا يعني نقول: إنك لست أشد محبة لرسول الله r من خلفائه وأصحابه، ولا يمكن لأحد أن أنه يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظم مما يحبه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة والتابعين، فهؤلاء كلهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنهم يريدون أن يطبقوا حقيقة المحبة تماما، وهي أن يتبعوا الرسول r في فعله وتركه، فكما أن فعل ما فعله الرسول -عليه الصلاة والسلام- سنة، وكذلك ترك ما ترك دون معرفة سببه سنة، وما خالف ذلك فهو بدعة، وهذه المسألة ينبغي لنا أن نتفطن لها، كلنا يعلم أن الثناء على الرسول -عليه الصلاة والسلام- على وجه لا غلو فيه محكوم إلى الله ورسوله، لكن كوننا نقيده بهذه الليلة المعينة هو من البدع على أن الاحتفال بالمولد النبوي يحدث فيه من الأغلاط والغلو المنهي عنه وغير ذلك من الأشياء ما لا يقتضيه شرع ولا عقل.
ثم إننا نقول: بالمناسبة وإن كان هذا ليس من خصائص درسنا إنه لم يثبت تاريخيا أن ولادة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كانت في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، والمحققون من الكتاب يقولون: إن ولادته كانت في اليوم التاسع، وليست في اليوم الثاني عشر، وهذا مما يوحي الاحتفال بمولد الرسول r في الليلة الثانية عشر.
نعود إلى القاعدة التي معنا: الأصل في العبادات الحظر حتى يكون دليل على الإذن، نعم الأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على الإذن بها، والأصل في غير العبادات الحل حتى يقوم دليل المنع، وهذه قاعدة مهمة ينبغي للإنسان أن تكون أمام عينه.
ثم قال الناظم :
فإن يقع في الحكم شك فارجع
للأصل في النوعين ثم اتبع(5/415)
يعني إذا شككت في الحكم شيء متجدد فارجع إلى الأصل، فإن كان من العبادات الأصل المنع حتى يقوم دليل على الإذن به، وإن كان من غير العبادات فالأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع، فإذا تنازع شخصان في حل صيد صاده أحدهما، فقال أحدهما هو حرام، وقال الثاني : هو حلال ولم نجد نصا عليه بالمنع، فإنه حلال رجوعا إلى الأصل، وكذلك لو شككنا في معاملة من المعاملات هل هي حلال أو حرام، فهي حلال حتى يقوم دليل على المنع منه، وهذا الأصل ينفع فيما حدث ذلك من المعاملات في هذا العصر، فإذا شككت في معاملة ما هل هي حلال أو حرام فهي حلال، والذي يقول: إنها ممنوعة هو المطالب بالدليل بناء على ما ذكرناه من هذه القاعدة العظيمة، وهذا ينطبق في ما اختلف الناس فيه اليوم من المعاملات الحادثة التي لم تكن معروفة من قبل بين الفقهاء، فإنه يمكنك أن تنزلها على هذه القاعدة، فترجع إلى الأصل، والأصل في المعاملات هو الحل حتى يقوم دليل على المنع.
وكذلك لو رأينا شخصا يتعبد بعبادة فإننا نطالبه بالدليل نقول: ما دليلك على أن هذا مشروع ؟ فإن أتى بدليل قبلناه وعلى العين والرأس، وإن لم يأت بدليل فإننا فإن عمله مردود عليه، وهو ضلال؛ لأن النبي r قال : " كل بدعة ضلالة " ويكون هو أي هذا العامل المتعبد لله بما لم يشرع يكون هو إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة، وإنما قلنا: إنه إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة؛ لأنه ربما يفعل هذا الشيء تأويلا لا عنادًا، لكن إذا بين له الحق وعاند وأصر على بدعته، فهو آثم بلا شك ؛ لأن النبي r حذر تحذيرا بالغا من المحدثات في الدين حتى كان r يعلن ذلك في كل جمعة في الخطبة يقول: " أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة "
حقيقة الأمر والنهي:
ثم قال الناظم :
والأصل أن الأمر والنهي حتم
إلا إذا الندب أو الكره علم(5/416)