المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد .
قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ( فاطر 28 ) .
وقال تعالى : { وقل ربي زدني علما } ( طه 114 ) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) [1] .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ) [2] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتق الشر يوقه ) [3] .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) [4] .
انطلاقاً من هذه النصوص الشرعية في فضل العلم وأهله قام إخوانكم شباب مسجد سالم العلي في الكويت بخدمة شرح من شروح كتب العلم لجبل من جبال العلم ، وهذا الشرح هو :
شرح العقيدة السفارينية
للشيخ العلامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
سبب اختيار هذا الشرح
وقد جاء اختيارنا لهذا الشرح لأسبابٍ كثيرة منها ما يلي :
1 – أنه منظومةٌ شاملة في عقيدة أهل السنة والجماعة العقيدة السلفية ، فخدمة هذه المنظومة وهذا الشرح هو خدمة لعقيدة أهل السنة والجماعة ومنهج السلف الصالح .
2 – أن هذه المنظومة قد شرحها أحد كبار علماء الدعوة السلفية في هذا العصر ألا وهو الشيخ العلامة المحقق في فنون العلم الجهبذ الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى .(1/1)
3 – أن هذا المنظومة قلَّ من شرحها من العلماء فرأينا في إخراج شرح الشيخ لها خدمة علمية جليلة لها ولمؤلفها العلامة السفاريني رحمه الله تعالى .
4 – أن في إخراج هذا الشرح مساهمة متواضعة في خدمة التراث العلمي الغزير الذي تركه لنا الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى .
المكانة العلمية للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
ولا يخفى على القارئ الكريم المكانة العلمية للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ، فهو الشيخ العلامة المحقق الفقيه المفسر الذي ملأ الدنيا علماً ، وتعجب من فقهه واستنباطه لنصوص الكتاب والسنة القاصي والداني ، واستفاد من بحر علومه الكبير والصغير والعالم والجاهل والعامة والخاصة .
إلى جانب ذلك فقد ساهم الشيخ في خدمة علوم الشرع ففي العقيدة شرح هذه المنظومة وشرح عقيدة أهل السنة والجماعة والعقيدة الواسطية وكتاب التوحيد وفي الفقه شرح زاد المستقنع شرحاً ممتعاً وعلق على كتاب الكافي وفي أصول الفقه شرح نظم الورقات للعمريطي ورسالته الأصول من علم الأصول وفي القواعد الفقهية شرح منظومة في القواعد والأصول وعلق على القواعد والأصول الجامعة وعلى قواعد ابن رجب وفي الحديث شرح الأربعين النووية شرحاً عظيماً وشرح جزءً من عمدة الأحكام وشرح بلوغ المرام كاملاً وعلق على صحيحي البخاري ومسلم وفي مصطلح الحديث شرح المنظومة البيقونية ونخبة الفكر وفي التفسير فسر سوراً كثيرة منها سور البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وجزء عم وغيرها من السور فسرها تفسيراً فيه العجب العجاب ونفائس المسائل مما لا مجال لبسطه في هذا الموضع .
ومن تأمل تفسير الشيخ لآية من كتاب الله أو شرحه لحديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عَلِمَ عِلْمَ اليقين مدى قوة الشيخ العلمية ودقه فهمه واستنباطه للأحكام الشرعية والفوائد العلمية من الكتاب والسنة .(1/2)
ومن رأى شرح الشيخ لكتاب من كتب العقيدة أو شرحه للفقه أو تَكَلُّمَهُ في مسألةٍ فقهية ظن أن الشيخ لا يحسن إلا العقيدة والفقه .
فالشيخ رحمه الله تعالى في العقيدة بحرٌ لا ساحل له ، وفي الفقه جبلٌ شامخ ألان الله له الفقه كما قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى ، وفي أصول الفقه وقواعده علامةٌ جهبذ لا يجارى ولا يبارى ، وفي الحديث ومصطلحه والتفسير وأصوله إمامٌ ومحققٌ نحرير تتعجب من فقهه واستنباطه للأحكام الشرعية والفوائد العلمية من نصوص الكتاب والسنة ، فكأن العلوم بين عينيه يختار منها ما يشاء ويدع ما يشاء .
فلله دره من إمامٍ محقق وعلامةٍ جهبذ ، فقد خسرت هذه الأمة والله هذا العلم الشامخ وهذا الجبل الراسخ ، اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها .
وبعدُ فقد تميز شرح الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى لهذه العقيدة السفارينية بوضوح العبارة والتأصيل العلمي المتين لمسائل العقيدة وبيان التعريفات العلمية والتقسيم والتنويع للمسائل العلمية مما لا يستغني عنه طالب العلم وذكر الاعتراضات على المسائل والقواعد والأصول والضوابط وبيان الجواب عنها وغيرها من الدرر العلمية النفيسة بأسلوبٍ علمي لا مثيل له فيما نعلم .
لذا قام إخوانكم شباب مسجد سالم العلي بإخراج هذا الشرح العظيم خدمةً للعلم الشرعي وأهله وإهداءً لطلاب العلم في كل مكان وزمان .
منهجنا في شرح العقيدة السفارينية
هذا الشرح يتكون من ( 31 شريطاً ) من إنتاج مؤسسة الاستقامة الإسلامية جزى الله القائمين عليها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
وقد قام إخوانكم شباب مسجد سالم العلي بخدمة هذا الشرح العظيم بما يلي :
أولاً : قمنا بتفريغ أشرطة ( شرح العقيدة السفارينية ) ومراجعتها لاستدراك السقط والنقص .
ثانياً : قمنا بترتيب الشرح حيث أن الشيخ رحمه الله حصل منه تقديم وتأخير في شرح بعض الأبيات .(1/3)
ثالثاً : قمنا بكتابة الأسئلة التي أوردها الطلبة على الشيخ وجواب الشيخ لها ، حتى ولو لم تكن لها علاقة بالشرح أو بعلم العقيدة .
وقد يَرِدُ في الشرح بعض الأسئلة ولكننا لا نوردها في الكتاب لعدم وضوح الصوت ، ولكننا التزمنا بكتابة جواب الشيخ عنها .
رابعاً : قمنا بترتيب أبيات منظومة العقيدة السفارينية وترقيمها وتبويبها .
ووضعنا كل بيت وتحته شرحه ، حتى يسهل الرجوع إلى البيت .
خامساً : قمنا باستبدال بعض الألفاظ التي قالها الشيخ باللهجة المحلية بألفاظٍ مرادفةٍ لها باللغة العربية الفصحى .
سادساً : قمنا بتنسيق شرح الشيخ رحمه الله تعالى وذلك بوضع التعاريف والقواعد العلمية والفوائد المهمة بخطٍّ غليظ .
يكثر الشيخ رحمه الله من ذكر الاعتراضات على القواعد والمسائل بقوله : ( فإذا قال قائل : ..... ) أو ( فإن قال قائل : ..... ) أو ( لو قال قائل : ..... ) ويقوم بالجواب عن هذه الاعتراضات وقد حرصنا على وضع هذه الاعتراضات بخطٍّ غليظ من باب تنبيه طالب العلم على هذه الاعتراضات والجواب عنها .
إذا ذكر الشيخ خلافاً في مسألة من المسائل قمنا بترقيم أقوال العلماء من باب التيسير على طالب العلم بمعرفة الأقوال عن طريق الأرقام .
إذا ذكر الشيخ خلافاً في مسألة من المسائل وذكر الراجح أو الصحيح عنده في هذه المسألة قمنا بوضع هذا الترجيح والتصحيح بخطٍّ غليظ لينتبه طالب العلم إلى القول الراجح والصحيح عند الشيخ رحمه الله .
إذا ذكر الشيخ خلافاً في مسألة من المسائل وذكر أدلة المختلفين أو المخالفين قمنا بترقيم هذه الأدلة لكل قول ومذهب ليسهل على طالب العلم حصر أدلة المختلفين أو المخالفين .
كما قمنا بتنسيق التقاسيم والأنواع بترقيمها .
سابعاً : قمنا ببيان كلام الشيخ في الحاشية إذا اختلف كلامه في الشرح .
ثامناً : عزو الآيات القرآنية ، بذكر السورة ورقم الآية .(1/4)
تاسعاً : تخريج الأحاديث النبوية ، وقد اقتصرنا على الصحيحين إذا كان الحديث فيهما أو في أحدهما .
أما إذا لم يكن الحديث في الصحيحين فإن كان في الكتب التسعة اقتصرنا عليها .
وأما إذا لم يكن في الكتب التسعة فنخرج الحديث مع إحالته إلى مصادره الأصلية ، مع ذكر حكم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى على الأحاديث – التي ليست في الصحيحين – إذا كان يرى صحتها .
أما إذا كان يرى ضعف الحديث الذي أورده الشيخ ابن عثيمين فإننا نقتصر على تخريج الحديث دون ذكر حكم الشيخ الألباني على الحديث .
لأننا نعتقد أنه لم يورده الشيخ ابن عثيمين إلا وهو يرى صحته عنده .
وقد يذكر الشيخ رحمه الله حديثاً ونبين تواتر هذا الحديث ومن نص على هذا التواتر من أهل العلم بالحديث إتماماً للفائدة .
وقد يذكر الشيخ حديثاً ونحيل إلى شرحٍ لشيخ الإسلام عليه لإتمام الفائدة .
تاسعاً : تخريج الآثار السلفية وعزوها إلى قائليها وإلى مصادرها .
وقد نحيل إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه الآثار في كتبه .
عاشراً : نسبة الأبيات الشعرية إلى قائليها قدر الإمكان والكلام عليها من حيث الاختلاف في قائليها وفي ألفاظها .
وقد يذكر الشيخ بعض الأبيات التي يستدل بها بعض أهل البدع على باطلهم فنحيل لكتب القوم مع بيان ردود أهل السنة عليهم .
الحادي عشر : إحالة مسائل العقيدة التي أوردها الشيخ في شرحه على المنظومة إلى مظانها من كتب المتقدمين وكتب المتأخرين مثل : كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب ابن القيم ، وبعض كتب المعاصرين في العقيدة ، مع التركيز على الإحالة لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية .
وقد يذكر الشيخ المسألة والإجماع عليها وقد نبين المصدر الذي ورد فيه هذا الإجماع .
وقد يذكر الشيخ مسألة من مسائل العقيدة ولا يورد الإجماع عليها فنبين في الحاشية الإجماع مع بيان المصدر الذي ذكر هذا الإجماع .(1/5)
وقد يذكر الشيخ قولاً في العقيدة ولا ينسبه إلى قائله وقد نبين قائله في الحاشية .
وقد يذكر الشيخ قولاً للجمهور ولا ينسبه إليهم وقد نبين أنه قول الجمهور في الحاشية .
الثاني عشر : بيان الأقوال التي تراجع عنها الشيخ رحمه الله مع ذكر ما ذهب إليه أخيراً .
الثالث عشر : إحالة المسائل الفقهية ونسبة الأقوال فيها إلى مصادرها الأصلية من كتب الفقه قدر الإمكان .
الرابع عشر : إحالة المسائل الأصولية ونسبة الأقوال فيها إلى مصادرها الأصلية من كتب أصول الفقه قدر الإمكان .
الخامس عشر : إحالة المفردات اللغوية والتعاريف الاصطلاحية إلى مصادرها الأصلية من كتب اللغة .
السادس عشر : إحالة المسائل النحوية التي ذكرها الشيخ في شرحه إلى مصادرها من كتب النحو قدر الإمكان .
السابع عشر : قمنا بترجمة الأعلام الوارد ذكرهم في الشرح مع بيان المصادر التي ترجمت لهم قدر الإمكان .
الثامن عشر : قمنا بالتعريف بالفرق والطوائف الواردة في الشرح مع بيان المصادر .
التاسع عشر : قمنا بوضع فهرس للموضوعات في نهاية الشرح .
العشرون : قمنا بوضع متن ( العقيدة السفارينية ) قبل الشرح ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة .
هذا هو منهجنا وعملنا في هذا الشرح باختصار وهو جهد المقل .
وقد استغرق منا هذا العمل أكثر من سنتين .
خاتمة ونصيحة ودعوة
وختاماً : ننصح إخواننا المسلمين في كل مكان وزمان بأن يجتهدوا في طلب العلم الشرعي ، وندعوهم إلى خدمة هذا العلم وخدمة الكتاب والسنة ولو بالجهد اليسير فقليلٌ دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع .
وما كان في عملنا هذا من صوابٍ فمن الله وما كان فيه من خطأ فمنا ومن الشيطان .
نسأل الله أن يبارك لنا في عملنا هذا وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم إنه سميعٌ مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إخوانكم
شباب مسجد سالم العلي
الفحيحيل – الكويت
---(1/6)
[1] - رواه ابن ماجه ( 220 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ( 1 / 92 ) برقم 184 .
[2] - أخرجه الترمذي ( 2606 ) وأبو داود ( 3157 ) وابن ماجه ( 219 ) وأحمد ( 20723 ) وحسنه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 1 / 138 ) برقم 70 .
[3] - أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( 9 / 129 ) وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 670 ) برقم 342 .
[4] - جزء من حديث أخرجه البخاري ( 69 ) ومسلم ( 1719 ) .(1/7)
العقيدة السفارينية
الموسومة بـ ( الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية )
1 – الحمد لله القديم الباقي .
مقدر الآجال والأرزاق .
2 – حي عليم قادر موجود .
قامت به الأشياء والوجود .
3 – دلت على وجوده الحوادث .
سبحانه فهو الحكيم الوارث .
4 – ثم الصلاة والسلام سرمدا .
على النبي المصطفى كنز الهدى .
5 – وآله وصحبه الأبرار .
معادن التقوى مع الأسرار .
6 – وبعد فاعلم أن كل العلم .
كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي .
7 – لأنه العلم الذي لا ينبغي .
لعاقل لفهمه لم يبتغي .
8 – فيعلم الواجب والمحالا .
كجائز في حقه تعالى .
9 – وصار من عادة أهل العلم .
أن يعتنوا في سَبْرِ ذا بالنظم .
10 – لأنه يَسْهُلُ للحفظ كما .
يروق للسمع ويشفي من ظما .
11 – فمن هنا نظمت لي عقيدة .
أرجوزة وجيزة مفيدة .
12 – نظمتها في سلكها مقدمة .
وست أبواب كذاك خاتمة .
13 – وسمتها بالدرة المضية .(1/8)
في عقد أهل الفرقة المرضية .
14 – على اعتقاد ذي السداد الحنبلي .
إمام أهل الحق ذي القدر العلي .
15 – حبر الملا فرد العلى الرباني .
رب الحجا ماحي الدجى الشيباني .
16 – فإنه إمام أهل الأثر .
فمن نحا منحاه فهو الأثري .
17 – سقى ضريحا حَلَّهُ صوب الرضى .
والعفو والغفران ما نجم أضا .
18 – وحله وسائر الأئمة .
منازل الرضوان أعلى الجنة .
فصل
في ترجيح مذهب السلف
19 – اعلم هديت أنه جاء الخبر .
عن النبي المقتفى خير البشر .
20 – بأن ذي الأمة سوف تفترق .
بضعاً وسبعين اعتقاداً والمحق .
21 – ما كان في نهج النبي المصطفى .
وصحبه من غير زيغ وجفا .
22 – وليس هذا النص جزماً يعتبر .
في فرقة إلا على أهل الأثر .
23 – فأثبتوا النصوص بالتنزيه .
من غير تعطيل ولا تشبيه .(1/9)
24 – فكل ما جاء من الآيات .
أو صحَّ في الأخبار عن ثقات .
25 – من الأحاديث نُمِرُّهُ كما .
قد جاء فاسمع من نظامي واعلما .
26 – ولا نرد ذاك بالعقول .
لقول مفتر به جهول .
27 – فعقدنا الإثبات يا خليلي .
من غير تعطيل ولا تمثيل .
28 – وكل من أوَّلَ في الصفات .
كذاته من غير إثبات .
29 – فقد تعدى واستطال واجترى .
وخاض في بحر الهلاك وافترى .
30 – ألم تر اختلاف أصحاب النظر .
فيه وحسن ما نحاه ذو الأثر .
31 – فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى .
وصحبه فاقنع بهذا وكفى .
الباب الأول
في معرفة الله تعالى
32 – أول واجب على العبيد .
معرفة الإله بالتسديد .
33 – بأنه واحد لا نظير .
له ولا شبه ولا وزير .
فصل
في بحث أسمائه جل وعلا
34 – صفاته كذاته قديمة .
أسمائه ثابتة عظيمة .(1/10)
35 – لكنها في الحق توقيفية .
لنا بذا أدلة وفية .
فصل
في بحث صفاته تعالى
36 – له الحياة والكلام والبصر .
سمع إرادة وعلم واقتدر .
37 – بقدرة تعلقت بممكن . .
كذا إرادة فَع ِ واستبن .
38 – والعلم والكلام قد تعلقا . .
بكل شيء يا خليلي مطلقا .ت
39 – وسمعه سبحانه كالبصر .
بكل مسموع وكل مبصر .
فصل
في مبحث القرآن العظيم
وبيان اختلاف الناس فيه ومذهب السلف
40 – وأن ما جاء مع جبريل .
من محكم القرآن والتنزيل .
41 – كلامه سبحانه قديم .
أعيى الورى بالنص يا عليم .
42 – وليس في طوق الورى من أصله .
أن يستطيعوا سورةً من مثله .
فصل
في الصفات التي يثبتها السلفيون ويجحدها غيرهم
43 – وليس ربنا بجوهر ولا .
عرض ولا جسم تعالى ذو العلا .
44 – سبحانه قد استوى كما ورد .
من غير كيفٍ قد تعالى أن يُحَدّ .
45 – فلا يحيط علمنا بذاته .
كذاك لا ينفك عن صفاته .(1/11)
46 – فكل ما قد جاء في الدليل .
فثابت من غير ما تمثيل .
47 – من رحمة ونحوها كوجهه .
ويده وكل ما من نهجه .
48 – وعينه وصفة النزول .
وخلقه فاحذر من النزول .
49 – فسائر الصفات والأفعال .
قديمة لله ذي الجلال .
50 – لكن بلا كيف ولا تمثيل .
رَغْماً لأهل الزيغ والتعطيل .
51 – فمرّها كما أتت في الذكر .
من غير تأويل وغير نُكْرِ .
52 – ويستحيل الجهل والعجز كما .
قد استحال الموت حقاً والعمى .
53 – فكل نقص قد تعالى الله .
عنه فيا بشرى لمن والاه .
فصل
في إيمان المقلد
54 – وكل ما يُطْلَبُ فيه الجزم .
فَمَنْعُ تقليد بذاك حتم .
55 – لأنه لا يُكتفى بالظن .
لذي الحجا في قول أهل الفن .
56 – وقيل : يكفي الجزم إجماعا بما .
يُطْلَبُ فيه عند بعض العلما .
57 – فالجازمون من عوام البشر .(1/12)
فمسلمون عند أهل الأثر .
الباب الثاني
في الأفعال المخلوقة
58 – وسائر الأشياء غير الذات .
وغير ما الأسماء والصفات .
59 – مخلوقة لربنا من العدم .
وضل من أثنى بالقدم .
60 – وربنا يخلق باختيار .
من غير حاجة ولا اضطرار .
61 – لكنه لم يخلق الخلق سدي .
كما أتى في النص فاتبع الهدى .
62 – أفعالنا مخلوقة لله .
لكنها كسبٌ لنا يا لاهي .
63 – وكل ما يفعله العباد .
من طاعة أو ضدها مرادٌ .
64 – لربنا من غير ما اضطرارِ .
منه لنا فافهم ولا تمارِ .
65 – وجَازَ للمولى يعذب الورى .
من غير ما ذنبٍ ولا جرمٍ جرى .
66 – فكل ما منه تعالى يجمل .
لأنه عن فِعْلِهِ لا يُسْأَلُ .
67 –فإنْ يُثِبْ فإنه من فضله .(1/13)
وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله .
68 –فلم يجب عليه فعل الأصلح .
ولا الصلاح ويح من يفلح .
69 – فكل من شاء هداه يهتدي .
وإنْ يُرِدْ إضلال عبدٍ يعتدي .
فصل
في الكلام على الرزق
70 – والرزق ما ينفع من حلال .
أو ضده فَحُلْ عن المُحَالِ .
71 – لأنه رازق كل الخلقِ .
وليس مخلوقٌ بغير رزقِ .
72 – ومن يَمُتْ بِقَتْلِهِ من البشر .
أو غيره فبالقضاء والقدر .
73 – ولم يَفُتْ من رزقه ولا الأجل .
شيءٌ فدع أهل الضلال والخطل .
الباب الثالث
في الأحكام والإيمان ومتعلقات ذلك
74 – وواجبٌ على العباد طراًّ .
أنْ يعبدوه طاعةً وبراًّ .
75 – ويفعل الذي به أمر .
حتماً ويترك الذي عنه زجر .
76 – وكل ما قدَّر أو قضاه .
فواقعٌ حتماً كما قضاه .
فصل
في الكلام على القضاء والقدر غير ما تقدم(1/14)
77 – وليس واجباً على العبد الرضا .
بكل مقضي ولكن بالقضا .
78 – لأنه من فعله تعالى .
وذاك من فعل الذي تقالا .
فصل
في الكلام على الذنوب ومتعلقاتها
79 – ويَفْسُقُ المذنب بالكبيرة .
كذا إذا أَصَرَّ بالصغيرة .
80 – لا يخرج المرء من الإيمان .
بموبقات الذنب والعصيان .
81 – وواجب عليه أنْ يتوبا .
من كل ما جََّر عليه حوبا .
82 – ويقبل المولى بمحض الفضل .
من غير عبد كافر منفصل .
83 – ما لم يتب من كفره بضده .
فَيَرْتَجِعْ عن شركه وصده .
فصل
في ذكر من قيل بعدم قبول إسلامه
84 – ومن يمت ولم يتب من الخطا .
فأمره مفوض لذي العطا .
85 – فإن يشأ يعفو وإن شاء انتقم .
وإن يشأ أعطى وأجزل النعم .
86 – وقيل في الدروز والزنادقة .
وسائر الطوائف المنافقة .
87 – وكل داعٍ لابتداع يُقتلُ .(1/15)
كمن تكرر نكثه لا يُقبل .
88 – لأنه لم يُبْدِ من إيمانه .
إلا الذي أذاع من لسانه .
89 – كملحد وساحر وساحرة .
وهم على نياتهم في الآخرة .
90 – قلت إن دلت دلائل الهدى .
كما جرى للعيلبوني اهتدى .
91 – فإنه أذاع من أسرارهم .
ما كان فيه الهتك من أستارهم .
92 – وكان للدين القويم ناصرا .
فصار منا باطنا وظاهرا .
93 – فكل زنديق وكل مارد .
وجاحد وملحد ومنافق .
94 – إذا استبان نصحه للدين .
فإنه يُقبلُ عن يقين .
فصل
في الكلام على الإيمان
واختلاف الناس فيه
وتحقيق مذهب السلف في ذلك
95 – إيماننا قول وقصد وعمل .
تزيد بالتقوى وتنقص بالزلل .
96 – ونحن في إيماننا نستثني .
من غير شكٍّ فاستمع واستبن .
97 – نتابع الأخيار من أهل الأثر .
ونقتفي الآثار لا أهل الأشر .(1/16)
98 – ولا تقل إيماننا مخلوق .
ولا قديم هكذا مطلوق .
99 – فإنه يشمل للصلاة .
ونحوها من سائر الطاعات .
100 – ففعلنا نحو الركوع محدث .
وكل قرآنٍ قديم فابحثوا .
101 – وَوَكَّلَ الله من الكرام .
اثنين حافظين للأنام .
102 – فيكتبان كل أفعال الورى .
كما أتى في النص في من غير امْتِرا .
الباب الرابع
في ذكر بعض السمعيات من ذكر البرزخ والقبور وأشراط الساعة والحشر والنشور
ذكر البرزخ والقبور والبعث والنشور ( كذا عندي في الكتاب )
103 – وكل ما صح من الأخبار .
وجاء في التنزيل والآثار .
104 – من فتنة البرزخ والقبور .
وما أتى في ذا من الأمور .
فصل
في ذكر الروح والكلام عليها
105 – وأن أرواح الورى لم تُعْدَمِ .
مع كونها مخلوقةً فاستفهم .
106 – فكل ما عن سيد الخلق ورد .
من أمر هذا الباب حقٌّ لا يُرد .
فصل
في أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ومجيئها(1/17)
107 – وما أتى في النص من أشراط .
فكله حقٌ بلا شَطاط .
108 – منها الإمام الخاتم الفصيح .
محمد المهدي والمسيح .
109 – وأنه يَقْتُلُ للدجالِ .
بباب لُدِّ خَلِّ عن جِدالي .
110 – وأمر يأجوج ومأجوج أثبت .
فإنه حق كهدم الكعبة .
111 – وإن منها آية الدخان .
وأنه يُذهبُ بالقرآن .
112 – طلوع شمس الأُفْقِ من دَبورِ .
كذات جيادٍ على المشهور .
113 – وآخر الآيات حشر النار .
كما أتى في محكم الأخبار .
114 – فكلها صحت بها الأخبار .
وسَطَّرَتْ آثارها الأخيار .
فصل
في أمر المعاد
115 – واجزم بأمر البعث والنشور .
والحشر جزماً بعد نفخ الصور .
116 – كذا وقوف الخلق للحساب .
والصحف والميزان للثواب .
117 – كذا الصراط ثم حوض المصطفى .(1/18)
فيا هنا لمن نال به الشِّفا .
118 – عنه يُذادُ المفتري كما ورد .
ومن نحا سبل السلامة لم يُرَد .
119 – فكن مطيعاً واقْفُ أهل الطاعة .
في الحوض والكوثر والشفاعة .
120 – فإنها ثابتةٌ للمصطفى .
كغيره من كل أرباب الوفا .
121 – من عالمٍ كالرُّسْلِ والأبرار .
سوى التي خُصت بذي الأنوار .
فصل
في الكلام على الجنة والنار
122 – وكل إنسانٍ وكل جِنة .
في دار نارٍ أو نعيم جنة .
123 – ومن عصى بذنبه لم يخلد .
وإن دخلها يا بوار المعتدي .
124 – هما مصير الخلق من كل الورى .
فالنار دار من تعدى وافترى .
125 – وجنة النعيم للأبرار .
مصونة عن سائر الكفار .(1/19)
126 – واجزم أن النار كالجنة في .
وجودها وأنها لم تتلف .
127 – فنسأل الله النعيم والنظر .
لربنا من غير ما شينٍ غبر .
128 – فإنه يُنظر بالأبصار .
كما أتى في النص والأخبار .
129 – لأنه سبحانه لم يُحجب .
إلا عن الكافر والمكذب .
الباب الخامس
في ذكر النبوة ومتعلقاتها
130 – ومن عظيم منة السلام .
ولطفه بسائر الأنام .
131 – أن أرشد الخلق إلى الوصول .
مبيناً للحق بالرسول .
132 – وشرط من أُكْرِمَ بالنبوة .
حريةٌ ذكورةٌ كقوة .
133 – ولا تًُنال رتبة النبوة .
بالكسب والتهذيب والفتوة .
134 – لكنها فضلٌ من المولى الأَجَلَّ .
لمن يشأ من خلقه إلى الأجل .(1/20)
135 – ولم تزل فيما مضى الأنباء .
من فضله تأتي لمن يشاء .
136 – حتى أتى بالخاتم الذي ختم .
به وأعلانا على كل الأمم .
137 – وخَصَّه ُبذاك كالمقام .
وبعثه لسائر الأنام .
فصل
في بعض الخصائص النبوية
138 – ومعجز القرآن كالمعراج .
حقاً بلا مينٍ ولا اعوجاج .
139 – فكم حباه ربه وفَضَّلَه .
وخَصَّهَ سبحانه وخَوَّلَه .
فصل
في التنبيه على بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جداً
140 – ومعجزات خاتم الأنباء .
كثيرة تجل عن إحصاء .
141 – منها كلام الله معجز الورى .
كذا انشقاق البدر من غير افترا .
142 – وأفضل العالم من غير امترا .
نبينا المبعوث في أم القرى .
فصل
في ذكر فضيلة نبينا وأولي العزم وغيرهم من النبيين والمرسلين
143 – وبعده الأفضل أهل العزم .(1/21)
فالرسل ثم الأنبياء بالجزم .
فصل
فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم وما يستحيل في حقهم
144 – وأن كل واحدٍ منهم سلم .
من كل ما نقص ومن كفر عُصم .
145 – كذاك من إفكٍ ومن خيانة .
لوصفهم بالصدق والأمانة .
146 – وجائزٌ في حق كل الرسل .
النوم والنكاح مثل الأكل .
فصل
في ذكر الصحابة الكرام
147 – وليس في الأمة بالتحقيق .
في الفضل والمعروف كالصديق .
148 – وبعده الفاروق من غير افتراء .
وبعده عثمان فاترك المِرا .
149 – وبعد فالفضل حقيقاً فاسمعِ .
مني نظامي للبطين الأنزع .
150 – مجندل الأبطال ماضي العزم .
مفرج الأوجال وافي الحزم .(1/22)
151 – مسدي الندي مبدي الهدى مردي العدى .
مجلي الصدى يا ويل من فيه اعتدى .
152 – فحبه كحبهم حتماً وجب .
ومن تعدى أو قلى فقد كذب .
153 – وبعد فالأفضل باقي العشرة .
فأهل بدر ثم أهل الشجرة .
154 – وقيل : أهل أحد المقدِّمِة .
والأول أولى للنصوص المحكمة .
155 – وعائِشُ في العلم مع خديجة .
في السَّبْقِ فافهم نُكْتَةَ النتيجة .
156 – وليس في الأمة كالصحابة .
في الفضل والمعروف والإصابة .
157 – فإنهم قد شاهدوا المختارا .
وعاينوا الأسرار والأنوارا .(1/23)
158 – وجاهدوا في الله حتى بانا .
دين الهدى وقد سَمَى الأديانا .
159 – وقد أتى في محكم التنزيل .
من فضلهم ما يشفي الغليل .
160 – وفي الأحاديث وفي الآثار .
وفي كلام القوم والأشعار .
161 – ما قد ربى من أن يحيط نظمي .
عن بعضه فاقنع وخذ من علم .
162 – واحذر من الخوض الذي قد يُزري .
بفضلهم مما جرى لو تدري .
163 – فإنه عن اجتهادٍ قد صدر .
فاسلم أذل الله من لهم هجر .
164 – وبعدهم فالتابعون أحرى .
بالفضل ثم تابِعوهُم طراّ .
فصلٌ
في ذكر كرامات الأولياء وإثباتها
165 – وكل خارقٍ أتى عن صالح .
من تابع لشرعنا وناصح .(1/24)
166 – فإنها من الكرامات التي .
بها نقول فاقفُ الأدلة .
167 – ومن نفاها من ذوي الضلال .
فقد أتى في ذاك بالمحال .
168 – لأنها شهيرةٌ ولم تزل .
في كل عصرٍ يا شقى أهل الزلل .
فصلٌ
في المفاضلة بين الملائكة والبشر
169 – وعندنا تفضيل أعيان البشر .
على ملاك ربنا كما اشتهر .
170 – وقال من قال سوى هذا افترا .
وقد تعدى في المقال واجترى .
الباب السادس
في ذكر الإمامة ومتعلقاتها
171 – ولا غنى لأمة الإسلام .
في كل عصرٍ كان عن إمام .
172 – يذب عنها كل ذي جحود .
ويعتني بالغزو والحدود .
173 – وفعل معروفٍ وترك نكر .
ونصر مظلومٍ وقمع كفر .
174 – وأخذ مال الفيء والخراج .
ونحوه والصرف في منهاج .(1/25)
175 – ونصبه بالنص والإجماع .
وقهره فَحُلْ عن الخداع .
176 – وشرطه الإسلام والحرية .
عدالةٌ سمعٌ مع الدَّرية .
177 – وأن يكون من قريش عالماً .
مكلفاً ذا خبرةٍ وحاكماً .
178 – فكن مطيعاً أمره فيما أمر .
ما لم يكن بمنكرٍ فيُحتذر .
فصلٌ
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
179 – واعلم بأن الأمر والنهي معا .
فرضا كفايةٍ على من قد وعى .ت
180 – وإن يكن ذا واحداً تعينا .
عليه لكن شرطه أن يأمنا .
181 – فاصبر وزل باليد واللسان .
لمنكرٍ واحذر من النقصان .
182 – ومن نهى عن ما له قد ارتكب .
فقد أتى مما به يقضي العجب .
183 – فلو بدا بنفسه فذادها .
عن غيِّها لكان قد أفادها .
الخاتمة
184 – مدارك العلوم في العيان .
محصورةٌ في الحد والبرهان .(1/26)
185 – وقال قومٌ عند أصحاب النظر .
حسٌ وإخبار صحيح والنظرٌ .
186 – فالحد وهو أصل كل علم .
وصفٌ محيطٌ كاشفٌ فافتهم .
187 – وشرطه طردٌ وعكس وهو إن .
أنبا عن الذوات فالتام استبن .
188 – وإن تكن بالجنس ثم الخاصة .
فذاك رسمٌ فافهم المحاصة .
189 – وكل معلومٍ بحسٍّ وحِجا .
فَنُكْرُهُ جهلٌ قبيحٌ في الهجى .
190 – فإن يقم بنفسه فجوهر .
أو لا فذاك عرض مفتقر .
191 – والجسم ما ألف من جزئين .
فصاعدا فاترك حديث المين .
192 – ومستحيل الذات غير ممكن .
وضده ما جاز فاسمع زكني .
193 – والضد والخلاف والنقيض .
والمثل والغيران مستفيض .
194 – وكل هذا علمه مُحقَّق .
فلم نُطِلْ فيه ولم ننمق .(1/27)
195- والحمد لله على التوفيق .
لمنهج الحق والتحقيق .
196 – مُسَلِّماً لمقتضى الحديث .
والنص في القديم والحديث .
197 – لا أعتني بقول غير السلفِ .
موافقاً أئمتي وسلفي .
198 – ولست في قولي بِذا مقلداَ .
إلا النبي المصطفى مبدي الهدى .
199 – صلى الله عليه الله ما قطرٌ نزل .
وما تعانا ذكره من الأزل .
200 – وما انجلى بهديه الديجور .
وراقت الأوقات والدهور .
201 – وآله وصحبه أهل الوفا .
معادن التقوى وينبوع الصفا .
202 – وتابعٍ وتابعٍ للتابع .(1/28)
خير الورى حقاًّ بنص الشارع .
203 – ورحمة الله مع الرضوان .
والبِر والتكريم والإحسان .
204 – تُهدى مع التبجيل والإنعام .
مني لمثوى عصمة الإسلام .
205 – أئمة الدين هُداة الأمة .
أهل التقى من سائر الأئمة .
206 – لا سيما أحمد والنعمان .
ومالك محمد الصنوان .
207 – من لازمٍ لكل أربابه العمل .
تقليد حَبْرٍ منهم فاسمع تخل .
208 – ومن نحا لسبلهم من الورى .
ما دارت الأفلاك أو نجمٌ سرى .
209 – هديةٌ مني لأرباب السلف .
مجانباً للخوض من أهل الخلف .
210 – خذها هُديتَ واقتفي نظامي .
تفز بما أمليت والسلام .(1/29)
شرح العقيدة السفارينية
للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :-
هذه المنظومة بيَّن فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف ، وإن كان في بعضها شيء من المخالفات التي يأتي التنبيه عليها إن شاء الله .
واعلم :- أن أقسام التوحيد ثلاثة [1] :
1. توحيد الربوبية .
2. وتوحيد الألوهية .
3. وتوحيد الأسماء والصفات .
فأما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية فلم يختلف فيه أهل القبلة ، يعني لم يختلف فيه المسلمون .
كل المسلمين مجمعون على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية .
أي أنه يجب إفراد الله عز وجل بالربوبية ويجب إفراده بالعبادة [2] .
وأما توحيد الأسماء والصفات فهو الذي اختلف فيه أهل القبلة أي اختلف فيه المنتسبون إلى الإسلام اختلافاً يمكن أن نقول : إنه على ستة أوجه في إجراء النصوص [3] :
1 – فمنهم من أجرى النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل ، هذا قسم ،
وهؤلاء هم السلف وأتباعهم – أجروا النصوص على ظاهرها اللائق بالله وتركوا ما وراء ذلك .
فـ { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) .
قالوا : إن ظاهره إن الله استوى على العرش أي علا عليه ،
فنؤمن بأن الله سبحانه وتعالى نفسه علا على العرش ولا نلتفت لما وراء ذلك .
لا نقول : أين الله قبل أن يخلق العرش ؟ لا نقول هذا .
لا نقول : هل استواؤه على العرش بمماسة أو بانفصال ، لا نقول هذا .
لا نقول : إن استواءه على العرش للحاجة إليه ، أو نقول : ليس للحاجة إليه .
بل يجب أن نقول : ليس للحاجة إليه ، فرقٌ بين الأمرين .
فنقول : إن استواء الله على العرش ليس لحاجة إلى العرش بخلاف استواء الإنسان على السرير أو على الدابة فهو للحاجة إليه ، ولهذا لو أزيل السرير من تحته لسقط ،(1/30)
أما الرب عز وجل فإن استواءه على عرشه لظهور عظمته عز وجل وتمام ملكه ،
ليس لأنه محتاج إلى العرش [4] ،
بل إن العرش وغيره في حاجة إلى الله عز وجل ، في ضرورة في إيجاده وإمداده ،
ولا يمكن أن نقول : أن ( استوى الله على العرش ) للحاجة إليه ،
ولا نقول : إن استواء الله على العرش يقتضي أن يكون جسما أو ليس بجسم ،
لأن مسألة الجسمية لم ترد لا في القرآن ولا في السنة إثباتاً ولا نفياً ،
ولكن نقول بالنسبة للفظ : لا ننفي ولا نثبت ،
لا نقول : جسم وغير جسم ،
لكن بالنسبة للمعنى نفصل ونستفصل ،
ونقول للقائل : ماذا تعني بالجسم ؟ هل تعني أنه الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به الفاعل بالاختيار القابض الباسط ؟
إن أردت هذا فهو حق ومعنى صحيح ،
فالله تعالى قائم بنفسه فعال لما يريد متصف بالصفات اللائقة به ، يأخذ ويقبض ويبسط ، يقبض السماوات بيمينه ويهزها [5] ،
وإن أردت بالجسم الشيء الذي يفتقر بعضه إلى بعض ولا يتم إلا بتمام أجزائه فهذا ممتنع على الله ،
لأن هذا المعنى يستلزم الحدوث والتركيب ،
وهذا شيء ممتنع على الله عز وجل [6] ،
والمهم أن نقول : إن من أهل القبلة من أجرى النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل دون أن يتعرض لشيء وهؤلاء من ؟
هم السلف ،
طريقة السلف على هذا الوجه أسلم وأعلم وأحكم ،
أسلم لأنهم ما تعرضوا لشيء وراء النصوص ،
وأعلم لأنهم أخذوا عقيدتهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
أحكم لأنهم سلكوا الطريق الواجب سلوكها : وهو إجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل ،
ومن هؤلاء السلف ؟
هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين كالإمام أحمد بن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم من أئمة المسلمين ،
وهل يمكن أن تكون السلفية في وقتنا الحاضر [7] ؟(1/31)
نعم ونقول : هي سلفيةٌ عقيدة وإن لم تكن سلفيةً زمناً ، لأن السلف سبقوا زمننا ،
لكن هؤلاء سلفية عقيدةً وعملاً في الواقع [8] ، عقيدةً وعملاً في الواقع ،
وهم بالنسبة لمن بعدهم سلف ،
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في زيارة المقابر : ( أنتم سلفنا ونحن في الأثر ) [9] ،
القسم الثاني : أجروا النصوص على ظاهرها ،
وقالوا : النصوص على ظاهرها لكنها من جنس صفات المخلوقين ،
قالوا : إن لله يدًا كأيدينا ووجهًا كوجوهنا ،
وهؤلاء من ؟
هؤلاء هم الممثّلة ،
وهؤلاء بلا شك ضالون لم يقدروا الله حق قدره ،
ولو قدروا الله حق قدره ما جعلوا صفاته كصفات خلقه ،
وهم أيضا متناقضون لأنهم لم يجعلوا الذات الإلهية كالذات المخلوقة ،
ومعلوم أن الصفات فرع عن الذات ،
فإذا كانت الذات لا تماثل ذوات المخلوقين ،
فالصفات أيضاً لا تماثل صفات المخلوقين ،
لأن صفة كل ذات تناسبها ،
أرأيت قدم البعير قدم الذرة ؟ أو رجل البعير ورجل الذرة يتماثلان ؟
أقول : لا يتماثلان ، بينهما فرق عظيم جدا ،
فإذا قال قائل : عندي رِجْلُ جمل ، وقال الآخر : عندي رِجْلُ ذرة ، هل يفهم أحد من الناس أن الذي عند الثاني كالذي عند الأول ؟
أبدًا ، لأن ذات الجمل ليست كذات الذرة .
إذن صفاتها ليست كصفات الذرة ،
قوة الفيل وقوة الذرة كلاهما قوة ، وهل هما متماثلان ؟
غير متماثلين ، لأن قوة الذرة بسيطة تعجز عن شيءٍ يسير ،
الفيل ما شاء الله يحمل أشياء كثيرة ،
فإذا قال الله عن نفسه عز وجل : { بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) أو { لما خلقت بيدي } ( ص 75 ) هل يمكن لعاقل أن يتصور أن يد الله عز وجل كيد المخلوق ؟
لا يمكن ، أبدًا ،
وكيف يمكن ذلك ، والله عز وجل يقول : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } ( الزمر 67 ) ، { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } ( الأنبياء 104 ) ؟(1/32)
الإنسان يطوي الكتاب بسهولة ، لكن هل يمكن للبشر كلهم أن يطووا واحداً من السماوات ؟
أبداً ،
إذن هؤلاء ضالون الممثلة ضالون لم يقدروا الله حق قدره ،
وهل هم كافرون ؟
نعم كافرون ،
لأن الله عز وجل يقول : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) .
فإذا قال : ( بل مثله شيء ) ، فقد كذب الخبر وتكذيب خبر الله كفر ،
ولهذا قال نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله شيخ البخاري : ( من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها ) [10] ،
فإذن هؤلاء ضالون وكفارٌ أيضاً ،
ومن هذا ما كتب به إلي بعض الناس وسمعته من بعض الأشرطة أنه يوجد في الأفلام الكرتونية التي تُنشر في التلفزيون يوجد أنهم يشبهون الله عز وجل بشيخٍ رهيب مزعج المنظر ذو لحية طويلة عملاق فوق السحاب يسخِّر الرياح ويعمل ،
الحقيقة أني أُشْهِدُ الله أن هذا نشر للكفر الصريح ،
لأن الصبي إذا شاهد مثل هذا وفي أول تمييزه سوف ينطبع في نفسه إلى أن يموت ، أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ،
اللهم إلا أن يقيض الله له من ينتشله من هذه الورطة فنعم ،
ولهذا أقول : إن الذين يعرضون هذه الأشياء لصبيان المسلمين سوف يحاسبون عند الله حساباً عسيراً يوم القيامة ،
لأنهم يريدون شاءوا أم أبوا أن يضل الناس بهذا ضلالاً مبيناً ، وعلينا جميعاً إذا كانت الأفلام على هذا الوجه أن نحذر منها أهل البيوت حتى لا يقعوا في هذا الشر المستطير الذي هو أعظم من شر الأغاني وغيرها ،
لأن كون الإنسان يمثل الله عز وجل بهذه الصورة البشعة ، لا شك أنه من أعظم المنكر والعياذ بالله ،(1/33)
أنا سمعت اليوم في أخبار لندن اليوم السبت الموافق للحادي والعشرين من شهر ذي القعدة عام تسع وأربع مائة وألف سمعت أنه حصلت مظاهرات عظيمة في بنغلادش على نعال مكتوب اسم الجلالة لفظ الجلالة صريحاً فحصلت مظاهرات عظيمة حتى أدى إلى أن تعتذر الشركة الموردة لهذا إلى الحكومة والشعب وتلتزم بإحراقها وإبدالها ،
فأقول : انظروا إلى أعداء الله كيف يريدون أن يهينوا رب العزة والجلال ، بهذه الأشياء التي تسري على الناس سريان النار في الفحم من غير أن يُشعر بها وسريان السم في الجسد من غير أن يُشعر به ،
والواجب علينا نحن المسلمين ولا سيما في بلادنا هذه أن نكون حذرين يقظين ،
لأن بلادنا هذه مغزوة في العقيدة وفي الأخلاق وفي الأعمال من كل وجه ،
لا تظنوا أن الغزو أن يقبل العدو بجحافله ودباباته وصواريخه ليهدم الديار ويقتل الناس ،
الغزو هو هذا ، هذا هو الغزو المشكل الذي يدخل الناس من حيث لا يشعرون ،
والإنسان بشرٌ مدنيٌ متكيف ينفر من الشيء أول ما يسمعه لكن بعد مدة يرتاح إليه ويتأقلم عليه ويكون كأنه أمرٌ عادي ،
حتى الأمراض التي في الجسم أول ما يدخل الفيروس المرض ينفر منه الجسم ويتأثر ويسخن لكن ربما يأخذ عليه ،
على كل حال ، هذه النقطة أنا أود منكم بارك الله فيكم وأنتم طلبة علم عليكم مسؤولية أن تحذروا الناس من هذه الأفلام ،
ما دامت تعرض مثل هذه الأمور التي لا يشك مؤمن بالله عز وجل أن عرضها قيادةٌ للأطفال إلى الكفر بالله عز وجل وإهانة الله سبحانه وتعالى ،
نحن أهل الجزيرة علينا مسؤولية عظيمة ليست على بقية الناس ،
من هنا ظهر الإسلام وإليه يعود في هذه الجزيرة ،
قال رسول البرية عليه الصلاة والسلام في مرض موته : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) [11] ،
وقال : ( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) [12] ،
وقال : ( أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ،(1/34)
وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بإخراج أجسادهم فإنه يأمرنا أمراً أولولياًّ بإخراج أفكارهم التي يبثونها بين الناس ليضلوا عباد الله عز وجل ،
ما ظنكم لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمامنا الآن يقول في مرض موته على فراش الموت :
( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ،
لماذا ؟ لأنهم أجسام بشر مثلنا ؟
لا ، لأنهم يبثون شركهم وشرورهم بيننا ،
فهذه الجزيرة لها شأنٌ عظيم وميزانٌ كبير في نظر الشرع باعتبار حماية الدين الإسلامي ،
فأنا أجعلها أمانةً في أعناقكم أن تحرصوا غاية الحرص على التحذير من هذه الأفلام ،
وأنا ما كنت أظن أنها تبلغ إلى هذا المبلغ ،
ولهذا أُسْأَلُ عنها فأتهاون فيها الواقع ، أُسْأَلُ عنها هل تجوز للصبيان مشاهدتها فأتهاون فيها ،
لكن سمعت شريط بالأمس شريط بعنوان : ( منكرات البيوت ) أحد الخطباء جزاه الله خير خطب حول هذا الموضوع أربع خطب وذكر منها ما قلت لكم ،
وجاءني أيضاً رسالة من شخص فيها هذا الشيء يقول :
أنه يُبث من التلفزيون هذه المناظر للأطفال ،
هذه الجملة جملةٌ معترضةٌ لكنها جملة هامةٌ جداً ،
لكنها معترضة بالنسبة للدرس سببها الاستطراد على مسألة المماثلة وأن من مَثَّلَ الله بخلقه فهو كافر ،
اشترك هذان القسمان في إجراء النصوص على ظاهرها ،
وافترقا في أن السلف أجروها على اللائق بالله عز وجل وهؤلاء أجروها على وجه التمثيل بالمخلوقات وهذا فرقان عظيم ،
القسم الثالث : - من أجروا النصوص على خلاف ظاهرها إلى معانٍ ابتكروها بعقولهم ،
وهؤلاء الذين يدعون أنهم العلماء والحكماء ،
ويقولون : طريقة السلف طريقة الذين يقرؤون الكتاب أماني ولا يعرفون ،
أما نحن فنحن أهل العلم والحكمة ، ولهذا قالوا : طريقة الخلف أعلم وأحكم ،
وقد ذكرنا في كتاب ( تلخيص الحموية ) بيان بطلان هذا القول لهؤلاء الذين يجرون النصوص على خلاف الظاهر إلى معان عينوها بعقولهم ،(1/35)
فقالوا : { استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) أي استولى على العرش ،
يد الله : أي قوته أو نعمته ،
وجه الله : ثوابه ،
محبة الله : ثوابه ،
غضب الله : انتقامه وهكذا ، لماذا ؟
قالوا : لأن المعنى الظاهر ممتنع على الله عز وجل ، وإذا كان ممتنعا فلنا عقول نتصرف فيها ،
إذا كان الأمر كما قلتم ،
نقول بكل بساطة : لماذا يتحدث الله عن نفسه بعبارات غير مقصودة ، ويجعل الأمر موكولاً إلى عقولنا ،
بل الصواب : أنه ليس إلى العقل ،
بل إلى الهوى المختلف الذي يقول فيه فلان : هذا واجب ،
ويقول فلان الثاني : هذا ممتنع على الله ،
والثالث يقول : هذا جائز ،
لماذا يجعل الله عز وجل الحديث عن صفاته بكلمات لا يراد بها ظاهرها ؟
وهل هذا إلا تعمية ؟
خلاف البيان الذي قال الله : { يريد الله ليبين لكم } ( النساء 36 ) ، { يبين الله لكم أن تضلوا } ( النساء 176 ) ؟
ولماذا يجعل الأمر موكول إلى ما تقتضيه عقولنا التي هي ليست عقلاً في الواقع بل هي وهم ؟
قالوا : لأجل أن يزيد ثوابنا بتحويل النص إلى معناه ،
لأنك إذا أخذت النص على ظاهره لم تتكلف ،
لكن إذا صرفته عن ظاهره يحتاج إلى دليل من اللغة وشواهد وجهد كبير حتى تصل إلى المعنى المراد ،
فهذه التعمية الواردة في أعظم الأخبار المقصود بها كثرة الثواب ،
يا سبحان الله ! يضيع الله أصلاً عظيمًا بالتحدث عن نفسه من أجل أن يزيد ثوابنا بالتعب ؟
ثم التعب الذي يأتي لغير سبب لا يثاب عليه الإنسان ،
لو قال قائل : الآن الناس يحجون على الطائرة وعلى السيارة ، أنا سأحج على حمارٍ أعرج أركبه تارة وأسوقه تارة وأقوده تارة وأدفه تارة وتارةً أقعد أنا وهو حتى نصل إلى مكة ، لأن هذا فيه تعبٌ عظيم وأجرٌ كبير ،
هل يؤجر الإنسان على هذا ؟
لا ، لا يؤجر ،
لأن هذا تعب حصل باختيارك أنت ،(1/36)
ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل الذي نذر أن يقف في الشمس أمره أن يدخل في الظل ونهاه عن تعذيب نفسه [13] ،
والله عز وجل يقول : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً } ( النساء 147 ) ،
فالحاصل : أن هؤلاء لا شك أنهم مخطئون ضالون مرتكبون لضلالين ،
يتضمن كل ضلال منهما القول على الله بلا علم :
فقولهم : أن الله لم يرد كذا .
هذا قول على الله بلا علم ، كيف لا يريد وهو ظاهر لفظه ،
وقولهم : أراد كذا ، هذا أيضاً قول على الله بلا علم ،
لأنه إذا انتفت إرادة الظاهر بقي ما يخالف الظاهر قابلاً لاحتمالات الكثيرة ،
فما الذي يجعل هذا الاحتمال المعين هو المراد دون غيره من الاحتمالات ؟
القسم الرابع : قسم قالوا : نفوِّض ما نقول معناها كذا ولا كذا نقرأ القرآن والحديث وكأنما نقرأ لغة لا نعرفها كأننا عرب نقرأ باللغة الإنجليزية ولم نعرف اللغة الإنجليزية أو كأننا عامة لا يعلمون الكتاب إلا أماني ،
هؤلاء يقولون : كل نصوص الصفات غير معلومة المعنى ،
فنقول للواحد منهم : ما تقول بارك الله فيك وهداك إلى الصواب : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، ما تقول فيها ؟
قال : الله أعلم ،
ما تقول في قوله : { بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) ؟
قال : الله أعلم ،
ما تقول في قوله : { ويبقى وجه ربك } ( الرحمن 27 ) ؟
قال : الله أعلم ،
كل شيء الله أعلم ؟
نعم ، هو كل شيء الله أعلم ،
لكنه عز وجل أنزل علينا كتابا مبينًا { كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدَّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } ( ص 29 ) ، { ونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ( النحل 89 ) ،
أي فائدة لنا في قرآن لا نعرف معناه ؟ وهل يمكن أن نمتثل أمر الله عز وجل ؟ وهل يمكن أن نعظم الله ؟ وهل يمكن أن ننفي عنه النقائص ونحن لا نعلم ما أراد بكلامه ؟ ما الجواب ؟
الجواب : لا يمكن !(1/37)
وإذا كنتم معنا تقولون : إن آيات الأحكام وأحاديث الأحكام معلومة المعنى ، فالناس يعرفون الصلاة والصيام والحج ، فلماذا لا تجعلون آيات الصفات – وهي أعظم – معلومة المعنى ؟
لأن آيات الصفات تتعلق بذات الخالق عز وجل ،
وآيات الأحكام تتعلق بعمل المخلوق ،
فلماذا لا تجعلون هذه أولى بالعلم ؟
وهؤلاء يسمون عند أهل السنة : ( المفوضة ) ،
ألم تعلموا أن بعض العلماء يقولون : إن التفويض هو مذهب السلف [14] ؟!!!
ويقول : أهل السنة قسمان :
1 – مؤوّلة .
2 – ومفوّضة !!!
هذا واقع ،
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : وصدق فيما قال : ( قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) [15] ،
وذكر تعليلاتٍ عظيمةً قويةً في كتابه المعروف ( درء تعارض العقل والنقل ) ،
ذكر أدلة وقال : هذا الذي فتح علينا باب الفلاسفة ، هذا الذي جعل أهل التخييل [16] ينكرون اليوم الآخر والجنة والنار ،
وقالوا : إذا كنتم لا تعلمون معاني هذه الصفات فنحن أصحابها نحن الذين نعرف أنتم لا تعرفون ما يتعلق بالرب ، نحن الذين نعرف ما يتعلق بالرب ،
الرب كله ليس له أصل وإنما هو تخويف من عباقرة من البشر من أجل أن يستقيم الناس على ما طلب منهم ،
فشيخ الإسلام رحمه الله صدق فيما قال .
يعني ينزل الله علينا كتاباً ورسوله عليه الصلاة والسلام يخبرنا بأخبار فيما يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ،
كله ليس له معنى ولا يجوز أن نتكلم بمعناه ،
هذا من أعظم ما يكون من الإلحاد والكفر ،
وفيه من الاستهانة بالقرآن الكريم والذم له ما لا يعلمه إلا من تأمل هذا القول الفاسد الباطل ،
القسم الخامس : قالوا : والله نحن ما نتكلم .
نقول : يجوز أن يكون المراد بها الظاهر اللائق ،
ويجوز أن يكون المراد بها الظاهر المماثل للمخلوقين ،
ويجوز أن يكون المراد بها خلاف الظاهر ،
ويجوز أن لا يكون المراد بها شيء ،(1/38)
كل هذا ممكن وجائز ، ومادامت الاحتمالات قائمة فالواجب الإمساك ،
والفرق بينهم وبين المفوضة : أن المفوضة يقولون : لا نقول شيء أبدًا ،
وهؤلاء يقولون : يحتمل كذا وكذا ونكف عن القول ،
لأن الاحتمالات كلها واردة وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال ،
السادسة : قوم أعرضوا عن هذا كله وقالوا : فُكُّونا منكم يا جماعة لا تقولوا شيء في صفات الله نحن سنقرأ القرآن ونتعبد لله بقراءته ولا نتعرض لمعناه فيما يتعلق بالصفات إطلاقاً ،
قل : المراد ظاهرها اللائق بالله ،
المراد ظاهرها المماثل للمخلوقين ،
المراد خلاف الظاهر ،
وجوب التفويض ،
يحتمل هذا وهذا ،
قل : أحد الأشياء الخمسة ؟
قال : ما أقول شيء فكونا من شركم يا جماعة ، ويصرخ علينا : روحوا عني ،
وهؤلاء ساكتون لا يقدرونها بقلوبهم ولا ينطقون بها بألسنتهم بل يسكتون عن هذا كله وهؤلاء غير سالمين واقعون في الخطأ ،
القرآن تبيان لكل شيء ، القرآن يراد به لفظه ومعناه الدال عليه لفظه .
ومن لم يقل بذلك فهو على ضلال ،
القرآن نزل بألفاظه ومعانيه لكن علينا أن نكون أديبين مع الله عز وجل لا نتجاوز القرآن ولا نتجاوز الحديث ،
ولو أن أحداً أراد أن يتكلم عن صفة شخص ليس حاضراً ، هل يسوغ له أن يتكلم عن صفته ؟
لا ،
فكيف تتكلم عن صفات الخالق وتتحكم بعقلك أو تحكم بعقلك على هذه الصفات العظيمة التي لا يمكنك أن تدركها بعقلك أبدًا ؟
غاية ما عندنا نحن أن ندرك المعنى ،
أما الحقيقة والكيفية فهذا شيء لا يمكن إدراكه ،
ولهذا يحرم على الإنسان أن يتخيّل أو أن يتصوّر شيئًا من صفات الله عز وجل ، يعني لا يجوز أن تتصور أو أن تتخيل يد الله ؟ كيف هي مثلاً ؟
ولهذا سألني سائل مرة : ما تقول في أصابع الله ؟ كم أصابع الله ؟
أعوذ بالله ، أحد يسأل هذا السؤال يا أخي اتق ربك ، أنت ملزم بهذا ؟!!!
اثبت أن لله أصابع كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام .(1/39)
وأما كم ؟ ما يمكن أن نتكلم بهذا ؟
قلت له : والله ما أنت بأحرص على العلم بالله من الصحابة .
هل الصحابة لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع ) [17] ، هل قالوا يا رسول الله : هل لله أكثر من هذه الأصابع ؟
ما قالوه لأنهم أكمل أدباً وأشد تعظيماً لله ممن يأتي بعدهم ،
وإذا كنت صادقا في عبادة الله فلا تتجاوز ما أخبر الله به عن نفسه كما أنك لا تتجاوز ما شرعه الله لعباده ،
لو أردت أن تصلي الظهر خمساً ، قال لك الناس : كلهم هذا خطأ ،
إذن لا تتكلم فيما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله إلا بمقدار ما بلغك ،
وأنت إذا سلكت هذا والله تسلم من أمور كثيرة شبهات يوردها الشيطان على قلبك ، ومن شبهات يوردها غيرك عليك ،
لما قيل للإمام مالك : يا أبا عبدالله { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) كيف استوى ؟ أطرق حتى علاه العرق من شدة هذا السؤال وعظمته لأن هذا السؤال منكر ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ،
انظر كلام السلف ،
كل إنسان يسأل في هذه الأمور عما لم يتكلم السلف الصحابة خاصة فهو مبتدع ،
قال قائل : إنه ثبت أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ونحن نشاهد أن الثلث يدور على الأرض إذن الله ينزل كل الليل .
أعوذ بالله ، من قال هذا ؟
قف حيث جاءت النصوص وتسلم من هذا التقدير ،
اعتقد أن الله { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) ، وتسلم من هذا التقدير ،
طلع الفجر هنا في المملكة وهو ثلث الليل في المغرب النزول بالنسبة لنا انتهى بالنسبة لهؤلاء الذين عندهم الثلث موجود نحن في الثلث وأهل المشرق قد طلع عليهم الفجر النزول بالنسبة لأهل المشرق انتهى وبالنسبة لنا بدأ ،
ولا تتعدى هذا يا أخي لست بملزوم بهذه التقديرات أبداً .
والله لو كان خيراً لسبقنا إليه الصحابة رضي الله عنهم الصحابة .(1/40)
الصحابة أحرص منا على الخير ،
فإذا قال قائل : ربما لم يكن في قلوبهم هذا التقدير لأنهم ما عرفوا عن كروية الأرض على وجهٍ مفصلٍ ولا عرفوا أن الشمس تغرب عن أهل المدينة قبل أن تغرب عن المغرب فلهذا لم يسألوا ؟
نقول : لو كان من شرع الله لَقَيَّضَ الله له من يسأل حتى يتبين ،
ولهذا لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : أن أيام الدجال فيها يومٌ كسنة ويومٌ كشهر ويومٌ كأسبوع أنطق الله الصحابة وقالوا : اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يومٍ واحد ؟ قال : لا اقدروا له قدره [18] .
فلا تظن أبداً أن شيئاً يلزمنا في ديننا يمكن أن يغفل إطلاقاً ،
لو لم يتكلم به الرسول عليه الصلاة والسلام ابتداءً فسوف من يقيض الله له من يسأل عنه ،
لأن الله يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( آل عمران 5 ) ،
لما انقسم أصحاب القبلة يعني الذين ينتسبون للإسلام لما انقسموا هذه الانقسامات صار الناس يؤلفون الكتب المبنية على الجدل والنزاع والخصومات التي لا نهاية لها ،
وإذا طالعت كتب هؤلاء المحرفين خصوصًا أهل التحريف الذين يسمون أنفسهم ( أهل التأويل ) عجبت من التقديرات التي يقدّرونها ويفصِّلون فيها ويجادلون فيها في أمر لا يمكنهم إدراكه بالنسبة لما يتعلق بصفات الله عز وجل ، وجعلوا الحكم راجعًا إلى ما تقتضيه عقولهم لا إلى ما يقتضيه الكتاب والسنة ، فضلّوا في ذلك ضلالاً بيِّناً وصاروا يتخبطون خبط عشواء لا يعرفون من الحق شيئًا ،
ألّف أهل السنة - الذين سلكوا مسلك السلف - ألفوا كتباً في العقيدة كتباً كثيرةً مختصرةً ومطولةً ومتوسطة [19] ،
ومن جملة ما ألف هذه المنظومة التي نظمها السفاريني رحمه الله فنظمها على مذهب أهل السنة والجماعة على ما فيها من بعض الأشياء التي تحتاج إلى بيان ،
خطبة المتن
1 – الحمد لله القديم الباقي ،(1/41)
مقدر الآجال والأرزاق ،
قوله : ( الحمد لله ) : ما معنى الحمد ؟
يقولون : هو : ( وصف المحمود بالكمال على وجه المحبة والتعظيم ) ،
فإن كرر الوصف صار ثناءً ،
ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله تبارك وتعالى يقول : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة 2 ) قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : { الرحمن الرحيم } ( الفاتحة 3 ) قال : أثنى علي عبدي ) [20] ،
فنفسر الحمد بأنه : ( وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ) ،
قوله : ( الحمد ) : ( أل ) : قالوا : إنها للاستغراق ، يعني جميع المحامد ثابتة لله ،
واللام في قوله : ( لله ) : قالوا : إنها للاستحقاق أو للاختصاص ،
وإن شئنا قلنا : إنها للاستحقاق وللاختصاص ،
للاستحقاق ، لأن الله تعالى مستحق للحمد ،
وللاختصاص ، لأن المحامد كلها لا تكون إلا لله وحده فقط ،
قوله : ( لله ) : الله سبحانه وتعالى علم على الرب سبحانه وتعالى رب العالمين ،
وهو علم مختص به لا يمكن أن يكون لغيره [21] ،
وهذا العلم يكون دائمًا متبوعاً لا تابعاً بمعنى أنه هو الذي يُتبع بالأسماء وليس بتابع ،
فمثلاً : قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة 2 ) ، { لله ) ثم قال : { رب العالمين } ولم يقل : ( الحمد رب العالمين الله ) ،
وقال : { بسم الله الرحمن الرحيم } ، ولم يقل : ( بسم الرحمن الرحيم الله ) ، فهو دائما هو الذي تلحقه الأسماء ويُلحق بها ،
قوله : ( القديم ) : القديم : يعني : ( السابق لغيره ) ، فهو بمعنى ( الأول ) ،
وقد قال الله تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيءٍ عليم } (الحديد 3 ) ،
ولكن هذا الاسم بهذا اللفظ لم يَرِدْ لا في الكتاب ولا في السنة [22] ،
اسم ( القديم ) لم يَرِدْ لا في الكتاب ولا في السنة ،(1/42)
وإذا لم يَرِدْ في الكتاب ولا في السنة فليس لنا أن نسمي الله به ،
لأننا إذا سمينا الله بما لم يُسَمِّ به نفسه فقد قفونا ما ليس لنا به علم وقلنا على الله ما لم نعلم ،
والله تعالى قد حرم ذلك ،
فقال : { قل إنما حرم بي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 33 ) ،
وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } ( الإسراء 36 ) ،
وإذا سمينا الله بما لم يسم به نفسه فذلك جناية وعدوان ،
أرأيت لو أن شخصًا سمّاك بغير اسمك هل تعتبر ذلك جناية عليك ؟
نعم ، جناية عليك ،
كذلك إذا سميت الله عز وجل بما لم يسم به نفسه فهذا جناية وعدوان في حق الخالق عز وجل فلا يحل لك ،
إذن ننظر في القرآن والسنة هل جاء اسم القديم من أسماء الله ؟
الجواب : لا ،
إذن لا يجوز أن نسمي الله به :
1 – لأنه لم يَرِدْ في الكتاب ولا في السنة ،
2 – ثانيا : لأن ( القديم ) ليس من الأسماء الحسنى ،
والله عز وجل يقول : { ولله الأسماء الحسنى } ( الأعراف 180 ) ،
( القديم ) ليس من الأسماء الحسنى ، لأنه لا يدل على الكمال ،
فإن القديم يطلق على السابق لغيره سواءٌ كان حادثًا أم أزليًا ،
قال الله تعالى : { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } ( يس 39 ) ،
والعرجون القديم حادث وهو – أي العرجون القديم – عذق النخلة الذي يلتوي إذا تقدم به العهد [23] ، ولا شك أنه حادث ، والحدوث نقص ،
وأسماء الله تعالى كلها حسنى لا تحتمل النقص بأي وجه ،
فتبين أن تسمية الله بالقديم لا تجوز ، بدليل عقلي وبدليل سمعي ،
الدليل السمعي : قوله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } إلى قوله : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 33 ) ،(1/43)
وقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس به علم } ( الإسراء 36 ) ،
والدليل العقلي : أن القديم ليس من الأسماء الحسنى ، لأنه يتضمن نقصًا ،
ما هو النقص ؟
وهو أن القديم قد يراد به الشيء الحادث ، ومعلومٌ أن الحدوث نقص ،
فلو قال المؤلف بدل ( القديم ) : ( الحمد لله العليم ) أو ( العظيم ) أو ( الكريم ) أو ما أشبه ذلك من الأسماء التي أثبتها الله لنفسه ،
إذن هذا مما يؤخذ على المؤلف رحمه الله تعالى ،
قوله : ( الباقي ) : يعني الذي يبقى بعد كل شيء .
فهو بمعنى : ( الآخر ) : الذي ليس بعده شيء .
والآخر من أسماء الله ،
قال الله تعالى : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } ( الحديد 3 ) ،
فكأن المؤلف رحمه الله أتى بـ ( القديم ) بازاء ( الأول ) ، وأتى بـ ( الباقي ) بازاء ( الآخر ) ، ولكن في هذا نظراً !
فـ ( الباقي ) لم يَرِدْ من أسماء الله عز وجل [24] ،
وإنما جاء { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ( الرحمن 27 ) والصفة لا يشتق منها اسم [25] ،
وقد مر علينا في القواعد المثلى :
( أن كل اسم متضمن لصفة وليس كل صفةٍ يشتق منها اسم ) ،
فإذا قال الله تعالى : { ويبقى وجه ربك } ( الرحمن 27 ) ،
فلا يعني ذلك أنه يجوز أن نسمي الله بـ ( الباقي ) ،
فالصواب : أن يجعل بدل هذين الاسمين ( الأول – والآخر ) كما ثبت ذلك في القرآن والسنة ،
قوله ( مقدِّر ) : أي جاعلها على قدرٍ معلوم ،
قوله : ( الآجال ) : جمع أجل ،
قوله : ( والأرزاق ) : جمع رزق ،
والآجال : جمع أجل وهو ( منتهى الشيء وغاية الشيء ) [26] ،
ومنه عمر الإنسان مثلاً ، فإنه مُقَدَّرْ عند الله عز وجل بأجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر ، وكذلك ما يحدث من الحوادث فهي مُقَدَّرَة بأجل معلوم لا تتقدم ولا تتأخر ،
قوله : ( والأرزاق ) : جمع رزق وهو العطاء [27] ،
والله سبحانه وتعالى هو مُقَدِّرِ الأرزاق يقسمها بين عباده حسب ما تقتضيه حكمته ،(1/44)
وقد جاء في الحديث : ( إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ، وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر ) [28] .
والله عز وجل يرزق من يشاء لكن حسب حكمته ورحمته ،
قد يبتلي الله الإنسان بالفقر ليعلم أيصبر أم يجزع ،
وقد يبتلي الله الإنسان بالغنى ليعلم أيشكر أم يكفر ، والله عز وجل يقدر الأرزاق كلها ،
فإذا قال قائل : إذا كان الله مقدر الآجال والأرزاق فهل يسوغ لنا أن لا نفعل ما يكون به الرزق ؟
فالجواب : أنه لا يسوغ ،
لأن الله تعالى إذا قدَّر شيئًا فإنه يقدِّره بأسبابه ،
فإذا قدَّر الرزق لشخص فإنه يقدِّره لأسبابٍ يقوم بها الشخص ،
وقد يكون لأسبابٍ لا يقوم بها الشخص ،
كما لو مات لك ميت فورثته فهذا ليس من فعلك ،
لكن على كل حال تقدير الله تعالى للأشياء لا يستلزم ولا يسوغ أن تدع الأسباب النافعة ،
******************
2 – حي عليم قادر موجود ،
قامت به الأشياء والوجود ،
قوله : ( حي ) : من أسماء الله ، قال الله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي } ( البقرة 255 ) ،
فالله سبحانه وتعالى هو الحي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال ،
الحياة الكاملة بجميع صفات الكمال [29] ،
قوله : ( عليم ) : أي ذو علم [30] ،
والعلم : ( إدراك الشيء على ما هو عليه ) [31] ،
وعلم الله سبحانه وتعالى شامل لكل شيء ،
{ إن الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء } ( آل عمران 5 ) ،
{ لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ( ق 16 ) أي ما تحدثه به نفسه ، وإن لم يخرجه للناس ،
بل يعلم سبحانه وتعالى ما سيحدث فضلاً عن الحادث ،
قوله : ( قادر ) : القدرة : ( صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل بلا عجز ) ،(1/45)
فالله عز وجل قادر بقدرة هي وصفه فهو يفعل عز وجل دون أن يعجز [32] ،
والقوة : ( صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل بلا ضعف ) [33] ،
واضرب مثلاً يتبين به الفرق ،
فإذا قيل لشخص : ارفع هذا الحجر فزحزحه وعجز ، نقول : إنه غير قادر ،
وإذا حمله لكن بمشقة شديدة ، نقول : قادر ولكنه ليس بقوي ،
وجاء رجل ثالث فحمله بسهولة ، فنقول : هذا قوي ،
إذن القوة أكمل من القدرة كما أن القوة أشمل من القدرة ،
لأنها يوصف بها ذو الشعور وغيره ،
فيقال : للإنسان قوي وللحيوان قوي وللحديد قوي وللصخر قوي ،
والقدرة لا يوصف بها إلا ذو الشعور ،
ولهذا لا نقول للحديد : إنه قادر ولا للصخر إنه قادر ، لكن نقول : إنه قوي ،
فالرب عز وجل قادر ،
قال الله تعالى : { وهو على كل شيءٍ قدير } ( المائدة 120 ) ،
قدرته لا يستعصي عليها شيء قادر على كل شيء ،
وسيأتينا إن شاء الله ما تتبين به القدرة في كلام المؤلف ،
قوله : ( موجود ) : كلمة : ( موجود ) : الحقيقة أنها مقحمة إقحاماًَ لا وجه له ،
لأنها يغني عنها قوله ( حي ) ،
لأن الحي موجود أو معدوم ؟
موجود ،
وكلمة ( موجود ) ليست من الصفات الكاملة ،
لأن الموجود قد يكون ناقصاً وقد يكون كاملاً ،
لكن يعتذر عن المؤلف أنه أتى بها من باب الخبر لا من باب التسمية ،
ويصح أن نخبر عن الله بأنه موجود ولكن لا نسميه بذلك ،
كما يصح أن نقول : ( إن الله متكلم ) ولكن لا نسميه بذلك ،
لماذا لا نسميه بأنه متكلم ؟
لأن الكلام ليس صفة مدح على كل حال ،
قد يتكلم الإنسان بالسوء فيكون كلامه نقصًا ،
ولكن أقول : إنه يُتَسامَح عن المؤلف بأنه قصد الخبر ،
قوله : ( قامت به الأشياء والوجود ) : ( قامت به ) : أي بالله عز وجل الأشياء كلها بل الوجود كله ،
لولا الله عز وجل ما كان الوجود ولا كانت الأشياء ،
لولا الله عز وجل يمد هذه الأشياء والوجود بما تبقى به ما بقيت ،
فكل شيء قائم بالله عز وجل ،(1/46)
لقوله : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } ( الروم 25 ) ،
فكل شيء قائم بالله من الأشياء والوجود ،
يعني قيام الشيء بالله عز وجل يشمل ثلاثة أشياء :
1. الإيجاد ،
2. والإمداد ،
3. والإعداد ، [34]
1 – أما الإيجاد : فلولا الله عز وجل ما وجدت الأشياء ، هو الذي أوجد الأشياء عز وجل بقدرته وبحكمته ،
وهذه الأشياء الموجَدَة :
منها ما هو معلوم لنا ،
ومنها ما هو غير معلوم ،
نحن لا نعلم إلا ما أعلمنا الله تعالى منه ، ومع ذلك فما أعلمنا الله به لا نعلم أكثر مما نعلم عنه ،
قال الله تعالى : { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض } ( الكهف 51 ) ،
نحن لا نعرف إلا السماء والأرض والنجوم والشمس والقمر والعرش والكرسي ، لكن هناك مخلوقات من قبل لا ندري عنها ،
لأن الله سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال فعَّالاً ، والفاعل والفعل لا بد أن ينتج عن مفعول ،
فإذا قلنا : إن من صفاته الأزلية أنه فعّال لزم من ذلك أن يكون هناك مفعول ،
فكل الأشياء كائنةٌ بالله ،
2 – أيضاً الإمداد : هو الذي أمدها حتى تبقى ،
أرأيت النبات ينبت في الأرض إذا منع الله المطر فني النبات وإذا أنزل الله المطر بقي النبات وزاد النبات ،
إذن فإمداد هذه الموجودات بما يبقيها وينميها من عند الله عز وجل ،
3 – ثالثاً : إعدادها : يعني تهيئتها لما هي صالحةٌ له .
فالإبل مثلاً : للركوب : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون ، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } ( يس 71 – 71 ) ،
كيف أعدها وجعلها صالحةً لما خُلقت له من حيث القوة والشكل واحتداب الظهر حتى يقوى على التحمل وإيجاد الشحم الكثير على ظهرها لئلا يرهق الحمل ويكسر العظام أو يخل بها إلى غير ذلك من الأشياء التي تكون مهيأة للشيء لما أعد له ،
فقيام الأشياء بالله عز وجل من حيث الإيجاد والإمداد والإعداد كل هذا قائم بالله عز وجل ،(1/47)
دليل هذا : قال الله تعالى : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } ( الروم 25 ) ،
لولا أمر الله عز وجل الكوني ما قامت السماوات والأرض ،
وصلاح الأرض والسماء بالقيام بأمر الله الشرعي أيضاً ،
ولهذا تعد معصية الله من الإفساد في الأرض ،
ودليل آخر : قوله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ( البقرة 255 ) ،
لأن معنى : ( القيوم ) : ( القائم بنفسه القائم على غيره ) ،
ودليل ثالث : قوله تعالى : { أفمن هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسبت } ( الرعد 33 ) يعني كمن ليس كذلك ،
ومن القائم على كل نفس بما كسبت ؟
هو الله عز وجل ،
فصار الوجود كله قائم بالله عز وجل إيجادًا وإمدادًا وإعدادًا ،
******************
3 – دلت على وجوده الحوادث ،
سبحانه فهو الحكيم الوارث ،
قوله : ( دلت على وجوده الحوادث ) : أراد المؤلف رحمه الله أن يستدل على وجود الله عز وجل ،
فاستدل بوجوده سبحانه وتعالى على الحوادث ،
يعني أن حدوث الأشياء دليل على وجود الله عز وجل ،
وتقرير هذا الدليل : أن نقول : كل حادث لا بد له من محدث ،
وإذا تتبعنا الأشياء وجدنا أنه لا محدث لهذا الحادث إلا الله عز وجل ،
ودليل هذا : قوله تعالى : { أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون } ( الطور 35 ) ،
الجواب : لا هذا ولا ذاك ،
يعني ليسوا خلقوا من غير خالق ولا خلقوا أنفسهم ،
وحينئذ يتعين أن يكون لهم خالقاً ،
فمن الذي خلقهم ؟
الذي خلقهم هو الله ،
لأنه لا أحد يستطيع أن يقول عن نفسه : أنا الذي خلقت ؟
حتى الأب والأم لا يستطيع أن يقولا : خلقنا ما في بطون الأم ، لو قال الأب : أنا الذي خلقت ابني وجعلت له عينين ولساناً وشفتين وأصابع يدين ورجلين قال الناس : له كذبت ملء شدقيك وأين أنت من الجنين في بطن أمه ؟ هل شققت البطن وجعلت هذا هل نفخت فيه الروح ؟
أبدًا ،
إذن فهو كاذب ،(1/48)
ولا يمكن أن يدعي ذلك أحد ، لو قال : الذي خلقه سيدنا فلان المولى العظيم الكبير الذي في قبره ،
فنقول له : كذبت ألف مرة ، هذا اذهب إلى قبره إما أن يكون أكلته الأرض وإلا فهو جثة لا يملك لنفسه شيئا فكيف يملك لغيره ؟ وإذا كابرت فكل أحد يرد قولك ،
إذن الحوادث دليل على وجود الله لدليل سمعي ودليل عقلي ،
الدليل : { أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون } ( الطور 35 ) ،
ودليلٌ عقلي : وهو أن ( كل حادث لا بد له من محدث ) ولا محدث للحوادث إلا الله عز وجل ،
ولكن ينبغي أن نسأل :
هل المؤلف أراد حصر الدليل على وجود الله عز وجل بهذه الطريق فقط ؟
الجواب : لا ، فإن كان أراد ذلك فلا شك أن هذا قصور ،
لأن الأدلة على وجود الله عز وجل أدلةٌ كثيرة شرعية وعقلية وحسية وفطرية [35] ،
فدلالة الفطرة على وجود الله أقوى من كل دليل لمن لم تجتله الشياطين ،
ولهذا قال الله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } بعد قوله : { فأقم وجهك للدين حنيفاً } ( الروم 30 ) ،
فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله ولا يمكن أن يعدل عن هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين ومن اجتالته الشياطين فقد وُجد في حقه مانعٌ قوي يمنع هذا الدليل ،
والحقيقة أن دلالة الحوادث على المحدث دلالة حسية عقلية :
أما كونها حسية : فلأنها مشاهدة بالحس ،
وأما كونها عقلية : فلأن العقل يدل على أن كل حادثٍ لا بد له من محدث ،
ولهذا سئل أعرابي : بم عرفت ربك ؟ فقال : الأثر يدل على المسير ، والبَعْرَة تدل على البعير ، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير ؟
الجواب : بلى ،
هذا أعرابي استدل على أن هذه الحوادث العظيمة تدل على خالقٍ عظيم عز وجل ، هو السميع البصير ،
فالحوادث دليل على وجود المحدث ،
ثم كل حادثٍ منها يدل على صفةٍ مناسبةٍ غير الوجود ،(1/49)
فنزول المطر يدل لا شك على وجود الخالق ويدل على رحمته وهذه دلالةٌ غير الدلالة على الوجود ،
وجود الجدب والخوف والحروب تدل على وجود الخالق وتدل على غضب الله عز وجل وانتقامه ،
فكل حادثٍ فله دلالتان :
1. دلالةٌ كلية عامة : تشترك فيها جميع الحوادث وهي وجود الخالق وجود المحدث ،
2. ودلالةٌ خاصة : في كل حادثٍ بما يختص به كدلالة الغيث على الرحمة ودلالة الجدب على الغضب وهكذا ،
هل هناك أدلةٌ أخرى على وجود الخالق ؟
الجواب : نعم ، هناك أدلة أخرى ،
جميع الشرائع دالةٌ على الخالق وعلى كمال علمه وحكمته ورحمته ،
لأن هذه الشرائع لا بد لها من مشرِّعٍ والمشرِّع هو الله عز وجل ،
فجميع الشرائع دالة على وجود المشرع وهو الله سبحانه وتعالى ،
هناك دلالة أخرى :
النوازل التي تنزل لسبب دالة على وجود الخالق ،
مثل : دعاء الله عز وجل ثم استجابته للدعاء دليل على وجوده ،
وهذه وإن كانت من باب دلالة الحادث على المحدث لكنها أخص ،
لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله أن يغيث الخلق قال : ( اللهم أغثنا اللهم أغثنا ) ثم نشأ السحاب وأمطر قبل أن ينزل من المنبر [36] ،
هذا حديث أنس يدل على وجود الخالق وهذا أخص من دلالة العموم ،
إذن عندنا من الدلالات على وجود الخالق عز وجل :
1 – الحوادث على سبيل العموم .
2 – والشرائع .
3 – والحوادث الخاصة التي تكون لسبب .
4 – وهناك أيضاً الفطرة .
فالفطرة السليمة تدل على وجود الخالق ،
ليست الفطرة التي فطر عليها الإنسان بل التي فطر عليها جميع الخلق ،
حتى البهائم العُجْمْ تعرف خالقها ،
قال الله تعالى : { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا ويسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ( الإسراء 44 ) ، { وإن من شيءٍ } أي : ( ما من شيءٍ ) ،
وهل يسبح المسبح من لا يعرفه ؟
لا ، لا يسبح إلا من يعرفه ،(1/50)
فهذه أربعة أوجهٍ كلها تدل على وجود الخالق عز وجل ،
قوله : ( سبحانه ) : ( سبحان ) اسم مصدر ( سبح ) ، والمصدر ( تسبيح ) .
وأصل هذه المادة يدل على البُعْد ،
ومنه السَّبْحُ في الماء لأن السابح يذهب بعيداً ،
والمراد بتسبيح الله عز وجل تنزيهه المتضمن لبعده عن كل نقص [37] ،
والنقص :
إما أن يكون في أصل الصفة ،
وإما أن يكون بمقارنتها بغيرها ،
ففي أصل الصفة : نقول : هو حيٌ عليمٌ قادرٌ حكيمٌ عزيزٌ ،
كل صفاته ليس فيها نقص حيٌ حياة لا نقص فيها عليمٌ علماً لا نقص فيه سميعٌ سمعاً لا نقص فيه ،
أو نقصٌ باعتبار مقارنتها بغيرها وذلك بأن ننزهه عن مماثلة المخلوقين لأن تمثيله بالمخلوقين يعتبر نقصاً ،
فصار النقص دائراً بين شيئين :
أولاً : نقص الصفة بذاتها ، فصفاته غير ناقصة ،
والثاني : نقصها باعتبار مقارنتها بصفة المخلوق ،
فإنه لا مقارنة بين صفة الخالق وصفة المخلوق ،
فهو منزه إذن عن النقص في صفاته وعن النقص بمشابهته أو بمماثلته المخلوقين ،
نحن نقول في الصلاة : ( سبحان ربي الأعلى ) ،
وإني أسألكم : هل أنتم حينما تقولون : ( سبحان ربي الأعلى ) ، تستحضرون هذا المعنى أو تقولون : ( سبحان ربي الأعلى ) باعتبار أنه ذكر وثناء على الله ؟
الغالب هو هذا عموماً وخصوصاً ،
أنهم إذا قالوا : ( سبحان ربي الأعلى ) لا يشعرون إلا بالثناء على الله والتنزيه المطلق ،
لكن ما يشعر إني أنزهك يا رب عن مماثلة المخلوقين وعن كل نقصٍ في صفاتك ، ما يشعر بهذا إلا قليلاً ،
قوله : ( فهو الحكيم ) : ( الحكيم ) : مأخوذة من الحُكْم والإحكام [38] ،
فلله عز وجل الحكم وحكمه كله إحكام أي إتقان والإتقان يعني الحكمة ،
لأن الإتقان : ( أن يوضع الشيء في موضعه على وجه لا خلل فيه ) ،
والله سبحانه وتعالى في أفعاله وأحكامه كذلك ،
قال العلماء : والحكم حكمان [39] :
1. حكمٌ كوني ٌ ،
2. وحكمٌ شرعيٌ ،(1/51)
مثال الحكم الكوني : قوله سبحانه وتعالى عن أحد أخوة يوسف : { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي } ( يوسف 80 ) ،
هذا حكم كوني ،
ليس حكماً شرعياً :
لأنه من حيث الحكم الشرعي قد حكم الله له ،
لكن من حيث الحكم الكوني ، فهذا حكم يتعين أن يكون حكماً كونياً ،
مثال الحكم الشرعي : قوله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون } ( المائدة 50 ) ،
هذا حكم شرعي ،
ولا يتضمن حكماً كونياً ،
ومثال الذي يشمل الكوني والشرعي : { له الحكم وإليه تُرجعون } ( القصص 88 ) ، { أليس الله بأحكم الحاكمين } ( التين 8 ) ،
يشمل الحكم الكوني والشرعي ،
إذن أحكام الله عز وجل كونية وشرعية ،
فإذا قال قائل : نحن لا نشك بأن أحكام الله تعالى كونية وشرعية ، فما الفرق بينهما ؟
الفرق بينهما من وجهين :
أولا : الحكم الكوني واقع لا محالة وشاملٌ لكل أحد ،
الحكم الكوني يكون فيما يرضاه وما لا يرضاه ،
قد يحكم الله عز وجل بأن يقع الكفر والشرك والزنا والفواحش لكنه لا يرضاها شرعاً ،
والحكم الشرعي قد يقع وقد لا يقع بمعنى أنه قد ينفذ وقد لا ينفذ ،
أما من حيث أن الله حكم به فهو واقع لا شك ، لكن هل ينفذ أو لا ينفذ ؟
إذا قضى الله عز وجل بأن هذا واجب على العباد فقد يفعلونه وقد لا يفعلونه لكن إذا حكم كوناً بأن هذا واجب على العباد واقع عليهم فلا بد أن يقع ،
الثاني : أن الحكم الشرعي لا يكون إلا فيما يرضاه الله عز وجل ، إما أن يرضى وجوده وإما أن يرضى عدمه ،
الحكم الكوني والشرعي ، قلنا : إن الحكيم بمعنى الحاكم وبمعنى المحكم ،
كل أحكام الله سبحانه الكونية والشرعية كلها محكمة مبنية على الحكمة ،
فما من حكم كوني حكم الله به إلا وهو مطابق للحكمة ،
وما من حكم شرعي حكم الله به إلا وهو مطابق للحكمة ،
والحكمة نوعان :
1. غائية ،
2. وصورية ،(1/52)
الغائية : بمعنى أن الشيء إنما كان لغايةٍ حميدة ،
والصورية : بمعنى أن كون الشيء على هذه الصورة المعينة لحكمة ،
فإذا تدبرت الصلاة كونها على هذا الوجه قيام ثم ركوع ثم قيام ثم سجود ثم قعود ،
هذه صورية مطابقة للحكمة تماماً ،
والغاية منها حكمة أيضاً وهي الثواب والأجر عند الله عز وجل ،
وهكذا أيضاً المخلوقات : كون الشمس بهذا الحجم وبهذه الحرارة وبهذا الارتفاع ،
هذه صورية هذا مناسب للحكمة تماماً ،
الثمرات الناتجة عن الشمس غائية ،
فالحاصل : أن حكمة الله عز وجل تتعلق بالشيء من حيث صورته ومن حيث غايته وكل ذلك مطابق للحكمة ،
ولكن هل الحكمة معلومة للخلق ؟
الجواب : قد تكون معلومة وقد لا تكون معلومة ،
لكن كونها غير معلومة لا يعني أنها معدومة ،
بل إنها موجودة لكن لقصورنا أو تقصيرنا لم نصل إليها ،
الأحكام الشرعية إذا لم يعلم العلماء حكمتها سموها بـ ( الأحكام التعبدية ) ،
ولهذا لو قال لك قائل : ما الحكمة في أن تكون صلاة الظهر أربعاً دون ثمان ؟
قلنا : هذه تعبدية ليس للعقل فيها مجال ،
فهم يقولون : إن عُلِمَتْ حكمة الحكم فهو حكم معقول المعنى ، مع ما فيه من التعبد لله ،
وإن لم تعلم فهو حكم تعبدي ليس لنا أمامه إلا التعبد ،
وأيهما أقوى في التعبد الامتثال للحكم التعبدي أو للحكم المعقول المعنى ؟
الأول أبلغ في التذلل ، أن تقبل الحكم وإن لم تعرف حكمته ، هذا أبلغ ،
لأن كون الإنسان لا يقبل الحكم إلا إذا علم حكمته فيه نوع من الشرك ،
وهو عبادة الهوى وأنه وافق الشيء هواه وأدرك حكمته قبله واطمئن إليه ورضي به وإن لم يكن صار عنده فيه تردد ،
وانظروا إلى الناس اليوم تجدوا أن أكثرهم يطلبون العلة العقلية ،
حتى إن بعضهم تقول : قال الله ورسوله ، يقول : وما الحكمة ؟
أنت مأمور إن كنت مؤمناً أن تكون الحكمة عندك قول الله ورسوله ،(1/53)
ولهذا لما سئلت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ ، بماذا أجابت ؟ قالت : ( كنا يصيبنا ذلك ، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) [40] ،
إذن هذه الحكمة إذا أجبنا بهذه الحكمة لا يمكن لأحد أن يتكلم لكن إذا ذهبنا نأتي بعلل معقولة قد تكون مقصودة للشرع ، وقد لا تكون ، أوردوا علينا وناقضونا ،
لأن هؤلاء إنما يريدون الجدل ، فكلما أتيت بعلة نقضوها ،
ولهذا نقول : كل من سألنا : ما الحكمة في هذا ؟
نقول : الحكمة قول الله ورسوله إن كنت مؤمناً ،
لأن الله يقول : { وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم } ( الأحزاب 36 ) وبهذا نسد عليه الباب ،
إن أراد أو حاول أن يجادل فإيمانه ضعيف ، لأن فرض المؤمن أن يقول : سمعنا وأطعنا ،،
خلاصة القول : إن باب الحكمة باب عظيم ينبغي للإنسان أن يعقله وأن يؤمن به إيماناً تاماً وأن يعلم أن أفعال الله مقرونة بالحكمة ،
خلافا لمن قال : ( أن أمره وفعله لغير حكمه بل لمجرد المشيئة ) ،
فإن في هذا من تنقص الله عز وجل ما هو معلوم [41] ،
قوله : ( الوارث ) : هذا الاسم جاء في القرآن بالجمع وبالفعل ، { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } ( مريم 40 ) ، { وكنا نحن الوارثين } ( القصص 58 ) ،
فالوارث معناه : الذي يرث من قبله [42] ،
ولا شك أن الله هو الآخر الذي ليس بعده شيء ،
فإذا كان الآخر الذي ليس بعده شيء لزم أن يكون الوارث لكل شيء ،
فالله سبحانه وتعالى هو الوارث لكل شيء ،
كل من سواه فإن الله سبحانه وتعالى بعده هو الآخر الذي ليس بعده شيء ،
هذه الأبيات الثلاثة كلها ثناء على الله عز وجل ،
وقد اعتاد المصنفون رحمهم الله أن يبدؤوا مصنفاتهم بالثناء على الله عز وجل ، ثم بالصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ،(1/54)
لأن القصد الأول هو الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم دال على الطريق الموصل إلى الله فكان حقه بعد حق الله سبحانه وتعالى ،
******************
4 – ثم الصلاة والسلام سرمدا ،
على النبي المصطفى كنز الهدى ،
قوله : ( ثم ) : أي بعد الثناء على الله أثنى بذكر حق الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بالصلاة والسلام عليه ،
وأعظم حقوق البشر حق النبي صلى الله عليه وسلم فهو أحق من الوالدين وأحق من الأقارب ،
بل وأحق من النفس ،
ولهذا يجب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس ،
فيجب فداؤه بالنفس عليه الصلاة والسلام ،
ولا أحد من الخلق يجب فداؤه بالنفس إلا محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولا أحد من الخلق يجب تقديم محبته على النفس إلا محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولهذا لا يؤمن الإنسان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،
ولا يمكن أن يؤمن الإنسان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه حتى من نفسه ،
قوله : ( سرمدًا ) : يعني أبدًا ،
قوله : ( الصلاة ) : تكلم العلماء رحمهم الله في معناها [43] ،
ولكن أصح الأقوال فيها : ما قاله أبو العالية الرياحي [44] : أنها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى [45] ،
ومعنى : ( ثناؤه عليه في الملأ الأعلى ) : أي أن الله تعالى يذكر أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الحميدة عند الملائكة ويثني عليها .
وهو أخص من مطلق الرحمة ، لأن الرحمة عامة لكل أحد ، كل المؤمنين مرحومون ،
لكن هل كل المؤمنين مُصَلىً عليهم ؟
أخبر الله بأنه يصلي علينا هو وملائكته لكن الرحمة أعم ،
ولهذا اتفق العلماء على أنه يجوز أن تقول : اللهم ارحم فلاناً ،
واختلفوا : هل يجوز أن تقول : اللهم صل على فلان ،
ولكن الصحيح : جوازه ما لم يتخذ شعارًا لهذا الشخص المعين ،
فإن اتخذ شعارًا لهذا الشخص المعين فهو ممنوع ،(1/55)
لأنه خصه بخصيصة يفهم معنىً فاسداً ، فالصلاة أخص من الرحمة ،
فإذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ( اللهم صل على محمد ) ، فإن الله يصلي عليك عشرًا ، يعني إذا سألت الله أن يثني على رسوله مرة واحدة أثنى الله عليك عشر مرات ،
قوله : ( والسلام ) : بمعنى السلامة من كل آفة ، والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم من كل آفة ،
إن قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فما معنى الدعاء له بالسلامة ؟
فالجواب : أن دعاءنا له بالسلامة يشمل السلامة في الدنيا والسلامة في الآخرة ،
والآخرة إذا لم يسلّم الله البشر هلكوا ،
ولهذا كان الناس يمرون على الصراط وكان دعاء الأنبياء يومئذ : ( اللهم سلم ، اللهم سلم ) [46] .
أيضا في الدنيا تدعو أن الله يسلم الرسول عليه الصلاة والسلام .
وكيف ذلك ؟
يسلِّمه من العدوان على جسده ،
أفليس قد ذكر في التاريخ أن رجلين أراد أن يستلبا جسد النبي عليه الصلاة والسلام ،
إذن فأنت تدعو الله أن يسلمه حتى في الدنيا يسلم جسده ،
ثم ربما يقال : أن المسألة أوسع من ذلك بأن تسأل الله تعالى أن يسلمه في الدنيا أي يسلم شريعته من أن ينالها أحد بسوء ،
لأن شريعة الإنسان لا شك أنه يذود عنها كما يذود عن نفسه ، الإنسان يذود عن مبدأه وعن شريعته وعن طريقه كما يذود عن نفسه وما أكثر الذين يستميتون من أجل تحقيق دعوتهم ،
إذن فالسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم نقول : يكون في الدنيا والآخرة ويكون بسلامته عليه الصلاة والسلام نفسه وبسلامة شريعته ،
وقوله : ( على النبي ) : النبي : هل هو بالهمز وخفِّف أو بالياء التي أصلها الواو ؟
قيل : إن أصله من النَّبْوة من نبا ينبو نبوًا ، وهو الارتفاع ، لأن نبا بمعنى ارتفع ،
ولا شك في ارتفاع رتبة النبي ،
وعلى هذا فيكون النبي أصلها النبيوء ،(1/56)
لكن اجتمع الواو مع الياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً فصارت ( النبي ) ،
وقيل : إنه من النبأ بمعنى الخبر ،
لأن النبي منبأ ومنبئ ولكن سهلت الهمزة إلى الياء لكثرة الاستعمال ،
فأصلها النبيوء ثم سهل فصارت ( النبي ) [47] ،
وقد ذكرنا قاعدة ( أنه إذا احتمل اللفظ معنيين لا يتنافيان حمل عليهما جميعًا ) ،
فنقول : هو مشتق من هذا ومن هذا ، لأن النبي رفيع المنزلة وهو أيضا منبئ ومنبأ ،
وقوله : ( المصطفى ) : يعني : المختار ،
لأنه مأخوذ من الصفوة ( وصفوة الشيء خياره ) [48] ،
فهو صلى الله عليه وسلم مصطفى أي مختار على جميع الخلق ،
فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل [49] ،
والرسل أفضل الخلق [50] ،
والدليل على أنه أفضل الرسل :
أولا : أن الله تبارك وتعالى قال : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه قال أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } ( آل عمران 81 ) ،
فهذه الآية نص صريح في أن محمدًا صلى الله عليه وسلم إمام الأنبياء وأنه يجب عليهم إتباعه ،
لأن الذي جاء مصدقا لما معهم هو الرسول عليه الصلاة والسلام ،
كما قال الله تبارك وتعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } ( المائدة 48 ) ،
ثانيا : أنه في ليلة المعراج لما صلى الأنبياء من كان إمامهم ؟
كان إمامهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فهو صفوة الصفوة عليه الصلاة والسلام ، ولهذا نقول : ( المصطفى ) ،
إذا قال قائل : أليس الله قد اتخذ إبراهيم خليلاً والخلة أعلى أنواع المحبة ، فما الجواب ؟
نقول : بلى ، لكنه قد اتخذ أيضا محمدًا خليلاً .
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ) [51] ،
فإن قال قائل : أليس الله تعالى قد كلم موسى تكليماً ؟(1/57)
فالجواب : بلى ،
ولكنه أيضا كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم تكليماً ،
إذا كان كلّم موسى وموسى في الأرض فقد كلم محمدًا صلى الله عليه وسلم ومحمدا فوق السماوات السبع ،
فما من صفة كمال لنبي من الأنبياء إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها أو خير منها ،
وما من آية لنبي إلا كان لمحمد صلى الله عليه وسلم مثلها أو لأتباعه ،
ومعلوم أن الكرامات للأتباع كالمعجزات للنبي المتبوع ،
فيه كلمة يقولها من يزعمون أنهم يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقولون : محمد حبيب وإبراهيم خليل ،
وهذا نقص بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن الخلة أعلى من المحبة ،
ولهذا نقول : إن الله يحب المحسنين والمتقين ،
ولا نقول : إنه خليل للمحسنين والمتقين ، يحب الأنبياء ،
ولا نقول : إنه خليل لهم إلا لمحمد وإبراهيم ومن سواهم من الأنبياء ، لا نثبت لهم الخلة فثبت لهم المحبة لا شك لكن الخلة أعظم وأكمل ،
وقوله : ( كنز الهدى ) : يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الكنز ،
لكن ليس كنز الذهب والفضة ، ولكنه كنز الهدى ، أي هدى الدلالة والإرشاد ،
فالنبي عليه الصلاة والسلام هو العلم والمنار الذي يُهتدى به ، لكنه ليس كنز الهدى بمعنى التوفيق ،
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يستطيع أن يهدي أحدًا أبدًا ، ولو استطاع أن يهدي أحدًا لهدى عمه أبا طالب الذي أحسن إليه ودافع عنه وناضل عنه وحماه ومع ذلك كان يقول له عند موته : ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) [52] ،(1/58)
ولكنه والعياذ بالله قد حقت عليه كلمة العذاب فلم يقل هذا وإنما كان آخر قوله : هو على ملة عبد المطلب ، فأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، ولكن من أجل أن هذا الرجل دافع عن الإسلام وحمى النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه ، جازاه الله عز وجل بجزاء لم يكن لغيره من الكافرين ، فأذِن الله لنبيه أن يشفع فيه فشفع فيه النبي عليه الصلاة والسلام فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ، وهو أهون أهل النار عذاباً [53] ، إذا كان الدماغ أبعد ما يكون عن النعلين يغلي فما بالك بما تحته ،
ولهذا نقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم كنز الهدى هدى العلم والدلالة دون التوفيق والعمل فإنه لا يستطيع أن يهدي أحدًا هداية توفيق وعمل ، وإذا كان هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ففي حق غير الرسول من باب أولى ،
يعني نحن لا نملك هداية الناس هداية توفيق إنما علينا أن نهديهم هداية دلالة وإرشاد ، ونسأل لله عز وجل أن يعيننا على ذلك ،
نحن وظيفتنا أن ندل ونرشد ونبين وندعو ونأمر وننهى ونغير ،
وكل هذا بقدر الاستطاعة ، فهنا بيان ودعوة وأمر وتغيير ،
كثير من الناس يظنون أن معناها واحد ، وليس كذلك ،
البيان أن تبين بياناً عاماً للناس ،
والدعوة أن تقول : ( افعلوا يا أيها الناس ) ، فتدعوهم كالذي يدعو الغنم للشرب ، تأمرهم تقول : ( يا فلان افعل كذا ) ، فالأمر أخص من مجرد الدعوة ،
وأعلى شيء هو التغيير إذا رأيت آلة لهو ما تنهى عنها بل تأخذها وتكسرها ،
وكل هذا والحمد لله منوط بالاستطاعة ، ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) [54] ،
******************
5 – وآله وصحبه الأبرار ،
معادن التقوى مع الأسرار ،
قوله : ( وآله ) : من هم الآل ؟
نقول : الآل : تطلق على معان :(1/59)
وأصح ما نقول فيها : أنها إن قرنت بالاتباع فالمراد بها المؤمنون من قرابته .
وإن لم تقرن بالأتباع فالمراد بآله : اتباعه على دينه ، ويشمل المؤمنين من قرابته .
هذا هو أصح ما قيل في الآل ،
وعبارة المؤلف ليس فيها ذكر الأتباع ،
إذن فنقول : المراد بـ ( آله ) اتباعه على دينه ،
في التشهد نقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ،
المراد : اتباعه على دينه ،
لأنه لم يذكر الأتباع ،
لكن إذا قلنا : ( اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ) ،
صار المراد بالآل المؤمنين من قرابته ،
وقد قال الناظم [55] :
آل النبي هم أتباع ملته ،
من الأعاجم والسودان والعرب ،
لو لم يكن آله إلا قرابته ،
صلى المصلي على الطاغي أبي لهب [56] ،
لكن الصواب : أن الذين قالوا : إن الآل هم القرابة ،
لا شك أنهم يريدون المؤمنين من قرابته ،
لأنه لا يمكن لأي مؤمن أن يقول : أنني إذا قلت : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) أي المشركون من قرابته ،
وقوله : ( وصحبه ) : الصحب والأصحاب والصاحب في اللغة العربية : تدل على المرافق الملازم [57] ،
ولهذا قلنا : إن أصحاب النار هم أهلها الخالدون فيها ولا يكون الإنسان صاحباً إلا بملازمة طويلة إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مجرد الملاقاة مع الإيمان به تكون بها الصحبة ،
فـ ( الصحابي ) : ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك ) [58] ،
حتى وإن لم يجتمع به إلا لحظة واحدة فهو صحابي [59] ،
قوله : ( الأبرار ) : جمع بَرْ ، وضدها الفجار ،
قال الله تعالى : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } ( المطففين 7 ) ، وبعد ذلك { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } ( المطففين 18 ) ،(1/60)
البَرْ : في الأصل ( كثير الخير ) [60] ،
ومنه : قوله تعالى : { إنا كنا ندعوه من قبل إنه هو البَرُّ الرحيم } ( الطور 28 ) ،
فالأبرار : هم كثيروا العمل الصالح الذين أكثروا من الأعمال الصالحة ،
ولا نعلم أحدًا من الخلق أكثر عملاً في الصالحات من الصحابة رضي الله عنهم ،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [61] ،
ويجب علينا نحن خلف الأمة أن نعرف لهؤلاء السلف حقهم وقدرهم وأن نحترمهم في أقوالهم وأفعالهم ما وجدنا لها مكاناً في الاحترام ،
ومن المؤسف أن من الخلف اليوم ولا سيما بعض المدعين للاجتهاد الذين يرونهم أنه مجتهدون على الإطلاق وأنهم كالثريا بالنسبة للثرى مع العالم الآخر ،
من المؤسف أن هؤلاء عندما تقول لهم : قال فلان من الصحابة المعروفين بالفقه والعلم ، يقول : هذا قول صحابي ولا نوافق ، أشمت الله بالعدو الأعداء كيف قول صحابي وبهذه البساطة تتكلم بهذا الكلام ؟ قول صحابي ولا نعمل به !
حتى إن بعضهم قال : إن الأذان الأول للجمعة بدعة ،
يا هذا قد سنه الخليفة الراشد الذي أمرنا باتباعه عثمان بن عفان ،
قال : وإن لم يسنه الرسول عليه الصلاة والسلام ،
إذن حكم على خليفة المسلمين الثالث وعلى المسلمين عمومًا بالضلال ، لأني لا أعلم إلى ساعتي هذه أن أحدًا من الصحابة أنكروا على عثمان هذا الأذان فيكون الصحابة مجمعين على إقرار الضلالة ويكون الخليفة الراشد ضالاً ، لأن كل بدعة ضلالة ،
وهذا والعياذ بالله غرور بالنفس وزهو ولا شك أن من ترافع إلى هذا الحد سوف يضعه الله وأن من تواضع لله رفعه الله ،
يجب أن نعرف لهؤلاء السلف حقهم ومنزلتهم عند الله وفي العلم وفي العبادة ،
إذا قال أحدٌ قولاً مخالفاً للكتاب وإن كان غير معصوم فلنا أن نرده لكن نرده مع الاعتذار عنه أما أن نرده بهذه الوقاحة في أمر اجتهادي قد يكون الصواب مع الصحابي لا معك ،(1/61)
حدثني بعض الأخوة أنه جاءهم رجل وقال لهم : إن التكبير – الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد – هذا ليس بصحيح ولا تقل هكذا ، لماذا ؟
قال : لأنه ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأغفل أنه مروي عن عمر وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم خليفتان من خلفاء المسلمين أن صفة التكبير – الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد – وعن ابن مسعود [62] أو غيره من الصحابة التكبير ثلاث مرات [63] ،
كيف نقول : إن هذا لا يقال ، لأنه قول صحابي ليس فيه حديث عن الرسول ؟
قول الصحابي خير من قولك ، أنا لا أقول عين هذا القول لكن أقول : لا تنكر هذا القول ،
لأن الإنكار يحتاج إلى دليل ،
وقول الصحابي إذا لم يخالف الدليل دليلٌ على قاعدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعلى ظاهر الأدلة العامة ، ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [64] ،
فالمهم أنني أحثكم – بارك الله فيكم – على الحذر من هؤلاء وطريقتهم الذي لا يقيمون وزناً للسلف الصالح ولا يحترمونهم ويعدون القول منهم كقول السوقة من الناس اليوم ،
فإن الواجب أن نحترم أقوالهم ، وإذا رأيناها مخالفة للدليل نطلب لهم العذر ،
ونقول : لعله لم يبلغه لعله تأول ،
ولهذا الصحابة رضي الله عنهم علموا أن عثمان بإتمامه الصلاة في منى ليس على صواب ومع ذلك ما شنعوا عليه ولا انفصلوا عنه بل أتموا الصلاة ،
فأنا أحذِّركم – بارك الله فيكم – من هؤلاء وطريقتهم ،
وأقول : إنه يجب علينا أن نحترم أقوال سلفنا الصالح ولكننا لا نعتقد عصمتهم ،
بل نقول : إن الخطأ جائز عليهم كما هو علينا أجوز ،
ولكن إذا رأينا خطأ بينًا مخالفاً للكتاب والسنة فإننا لا نقبله ،
ولكن نعتذر عمن علمنا حسن قصده حتى من بعد الصحابة ،
يعني فيه أئمة يخطئون فيه اتباع للأئمة لكنهم أئمة بمذاهبهم يخطئون ،(1/62)
ولكن هل نتخذ من هذا الخطأ الجفاء معهم والكلام الذي لا ينبغي ؟
لا ، أبدًا ، بل إذا اخطئوا اعتذرنا عنهم وقلنا : والله نحن لا نتبع إلا ما قام الدليل عليه ولكن هؤلاء اخطئوا وربما يكون لهم عذر ،
ومن قرأ كتاب شيخ الإسلام رحمه الله ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) تبين له كيف يعامل الأئمة والعلماء ، إما أن نستعز بأنفسنا ويرى الواحد منا كأنه رسول يوحى إليه فهذا خطأ عظيم ،
والغالب أن هؤلاء يحرمون بركة العلم – ولا أعني ببركة العلم أن لا يكون عندهم علم واسع ، قد يكون عندهم علم واسع – لكن يحرمون بركته من خشية الإنسان لربه عز وجل وإنابته إليه ، والحقيقة أن العلم إذا لم يثمر خشية الله عز وجل والإنابة إليه والتعلق به سبحانه وتعالى واحترام المسلمين ، فإنه علم فاقد البركة بل قد يختم لمن سلك هذا المسلك بخاتمة سيئة مثل ما علمنا أناسًا علماء فطاحل لكنهم – والعياذ بالله – ختم لهم بسوء الخاتمة ،
لأنهم اعتزوا بأنفسهم وفخروا بأنفسهم وازدروا غيرهم وهذا خطير جداً ،
نسأل الله أن يعافيني وإياكم منه وأن يعافي بقية إخواننا المسلمين من ذلك ،
وقوله : ( معادن ) : المعدِن : أصل الشيء [65] ،
ومنه : المعادن الأرضية التي هي أصل هذه الجواهر النفيسة [66] ،
قوله : ( التقوى ) : أصلها ( وقوى ) ، مأخوذة من الوقاية [67] ،
وهي : ( اتخاذ الإنسان وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ) ،
هذا أجمع ما قيل فيها ،
إذن فهي : ( اسم جامع لفعل الأوامر وترك النواهي ) ،
لكن أحيانًا يقال : بر وتقوى ،
فإذا قيل : بر وتقوى ، صار البر : ( فعل الطاعات ) ، والتقوى : ( ترك المنهيات ) ،
وإلا إذا ذكرت التقوى وحدها شملت البر .
وإن ذكر البر وحده شمل التقوى ،
وقوله : ( مع الأسرار ) : ( الأسرار ) : جمع : ( سر ) ،
والمراد به هنا : الاطلاع على خفايا العلوم والمناهج ،
والمناهج : يعني السبل والطرق والأخلاق التي يتخلقون بها ،(1/63)
فلا أحد أعمق علماً من الصحابة ولا أحد أقل تكلفاً من الصحابة ،
ولذلك لو جمعت كل ما روي عن الصحابة في أبواب العلم لوجدته ينقص كثيراً عن مؤلَّف من مؤلفات علماء الكلام الذي ليس فيه إلا حشو الكلام الذي لا منفعة فيه بل فيه مضرة أدناها إضاعة الوقت ،
تجد كلام الصحابة رضي الله عنهم سهلاً واضحًا سلساً ليس فيه تكلف ولا تشدد بل كله مبني على السهولة ،
لما أفطر الناس في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن تغرب الشمس ، لأنها كانت غيمًا ثم طلعت الشمس ، قالوا : يا أمير المؤمنين إن الشمس قد طلعت ، قال : الخطب سهل إننا لم نتجانف لإثم ، وفي رواية : الخطب سهل نقضي يوماً مكانه [68] ،
******************
6 – وبعد فاعلم أن كل العلم ،
كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي ،
قوله : ( وبعد ) : أي بعد ما ذكر من الحمد والثناء على الله عز وجل والصلاة والسلام على رسوله وآله ،
و ( بعد ) هنا مضمومة ضمة بناء لأنه حذف المضاف إليه ونوي معناه ،
وهذه الكلمات ( بعد وأخواتها ) يقول النحويون فيها أنها لا تخلو من أربع حالات [69] :
1 – أن يحذف المضاف إليه ويُنوى معناه وحينئذ تبنى على الضم ،
2 – أن يحذف المضاف إليه ويُنوى لفظه ، وحينئذ تعرب بالحركات غير منونة ، فتجر في حال الجر وتنصب في حال النصب وما أمكن أن يرفع منها يرفع في حال الرفع لكن غير منونة لأنه قد نوي لفظه المضاف إليه .
والكلمة إذا أضيفت لا تنون ،
كما قيل :
كأني تنوين وأنتَ إضافة ،
فأين تراني لا تحل مكاني [70] ،
3 – أن يذكر المضاف إليه فتعرب بالحركات حسب العوامل بغير تنوين ،
4 – أن يحذف المضاف إليه ولا يُنوى لا لفظه ولا معناه وحينئذ تعرب بالحركات منونة ،
قال الشاعر :(1/64)
فساغ إلي الشراب وكنت قبلاً ،
أكاد أغص بالماء الفرات [71] ،
قال : وكنت قبلاً وأكثر ما ترد هذه الكلمات مبنية على الضم لأن المضاف إليه يكون محذوفاً وينوى معناه ،
قوله : ( فاعلم ) : الفاء رابطة في جواب شرط مقدر ،
لأن التقدير : ( وأما بعد فاعلم ) فأمرك المؤلف أن تعلم ،
لأن المقام مقام ينبغي أن يهتم به وهو أن يعلم الإنسان أن جميع العلوم كالفرع للتوحيد كل العلوم كعلم الفقه الذي ينبني عليه دين العبد ولا يمكن أن يقوم دين إلا بتوحيد { فاعلم أنه لا إله إلا الله } ( القصص 19 ) ،
قوله : ( كالفرع للتوحيد ) : يعني بأقسامه الثلاثة :
توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ،
فكل العلوم والأعمال مدارها على التوحيد فالتوحيد هو الأصل وما سواه فهو فرع ،
قوله : ( فاسمع نظمي ) : آمرك بأن تعلم وأن تسمع ،
قوله : ( نظمي ) : أي منظومي الذي سأنظمه وأقوله ، لأن ما سينظمه رحمه الله في علم التوحيد ولهذا أمرك بأن تسمع إليه سماع انتفاع ،
ثم علل كون العلوم كالفرع للتوحيد بقوله :
******************
7 – لأنه العلم الذي لا ينبغي ،
لعاقل لفهمه لم يبتغي ،
قوله : ( لأنه ) : أي علم التوحيد ،
قوله : ( العلم الذي لا ينبغي ) : أي لا يصلح ولا يستقيم ، ولا يمكن للإنسان العاقل ألا يبتغي فهمه ،
فاللام في قوله : ( لفهمه ) : زائدة ،
يعني : لا ينبغي لعاقل لم يبتغ فهمه ،
يعني أنه لا ينبغي للعاقل أن يدع فهم علم التوحيد ،
لأنه الأصل ،
وإذا كان هو الأصل وجب أن يقدم على غيره ،
لأن الفرع لا يبنى إلا على أصل ،
******************
8 – فيعلم الواجب والمحالا ،
كجائز في حقه تعالى ،(1/65)
قوله : ( فيعلم ) : يعني من جملة علم التوحيد أن به يعلم الواجب والمحال والجائز في حق الله تعالى ، يعلم الواجب في حق الله ويعلم المستحيل في حق الله ويعلم الجائز في حق الله ،
فالأقسام ثلاثة [72] :
1. واجب ،
2. مستحيل ،
3. جائز ،
ويقال للواجب أحياناً : اللازم ،
ويقال للمحال : الممنوع ،
ويقال للجائز : الممكن ،
والمدار على المعنى ،
فما هو الواجب في حقه ؟
الواجب في حقه : ( ما لا يتصور عدمه بالنسبة إليه ) ،
كل شيء لا يتصور عدمه بالنسبة لله فهو واجب ،
فمثلاً : الحياة من الواجب ، العلم من الواجب ، القدرة من الواجب ، القوة من الواجب ، والأمثلة في هذا كثيرة ،
فكل ما لا يتصور عدمه فهو واجب ،
المستحيل : ( كل ما لا يتصور وجوده ) ،
مثل : الموت والعجز والضعف والجهل والنسيان وما أشبه ذلك ، هذا ممتنع في حق الله عز وجل ،
إذا ما هو الضابط في الأول والثاني ؟
الضابط : كل كمال فهو من الواجب ، وكل نقص فهو من الممتنع في حق الله عز وجل ،
الجائز : ( ما جاز وجوده وعدمه بالنسبة للخالق ) ،
مثل : النزول إلى السماء الدنيا والاستواء على العرش ،
وخلق شيء معين ، مثل : خلق الذباب مثلاً أو خلق السماوات وخلق الأرض ،
هذا من الأمور الجائزة ،
لأنه يجوز أن لا يخلق الله هذا الشيء ويجوز أن يخلقه ، لو لم يخلقه لم يكن ذلك نقصاً ، ولو خلقه لم يكن نقصاً الاستواء على العرش كذلك النزول على السماء الدنيا كذلك من الأمور الجائزة ،
فإذا قال قائل : إن إثبات الجائز ممنوع لأنه إن كان وجوده كمالاً كان عدمه نقصاً ، وإن كان عدمه كمالاً كان وجوده نقصاً فلا يتصور شيءٌ جائزٌ في حق الله ؟
فالجواب : أن نقول : هو كمالٌ في حال وجوده نقصٌ في حال عدمه إن كان من الموجودات أو هو كمالٌ في حال عدمه نقصٌ في حال وجوده ،(1/66)
فمثلاً : إذا اقتضت الحكمة أن يوجد هذا الشيء فوجد صار كمالاً ووجوده قبل اقتضاء الحكمة وجوده نقص وإذا اقتضت الحكمة عدمه كان وجوده نقصاً ووجوده في حال اقتضاء الحكمة عدمه نقص ،
فإذن بهذا يمكن أن نقول : إن هناك شيئاً جائزاً في حق الله ويكون في حال اقتضاء الحكمة وجوده كمالاً ويكون في حال اقتضاء الحكمة عدمه وجوده نقصاً ، نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر في هذه الحال كمال ، في غير هذه الحال لا يكون كمالاً لأن الله اقتضت حكمته أن يكون النزول في هذا الوقت فقط ولو اقتضت الحكمة أن ينزل في غير هذا الوقت ولم ينزل كان عدم النزول نقصاً وهذا شيءٌ مستحيل في حق الله عز وجل ،
******************
9 – وصار من عادة أهل العلم ،
أن يعتنوا في سَبْرِ ذا بالنظم ،
صار من العادة ،
والعادة : ( الشيء الذي يعود ويتكرر فيألفه الناس ويكون من عادتهم ) [73]،
فـ (صار أهل العلم ) رحمهم الله ( من عادتهم أن يعتنوا ) أي يبذلوا العناية ( في سبر ذا ) أي في سبر علم التوحيد ،
والمراد بالسبر : ( التتبع والاستقراء ) [74]،
سبروه ( بالنظم ) ،
لا شك أن هذا التركيب فيه تطويل ،
ومعناه أنه صار من عادة أهل العلم أن يبحثوا في هذا الموضوع الذي هو علم التوحيد بالنظم وهناك عادةٌ أخرى غير النظم وهي النثر وربما تكون اكثر من النظم ،
وكلام العلماء في علم التوحيد نثراً أكثر من كلامهم فيه نظماً ،
لكن مع ذلك النظم شائعٌ مشهورٌ معتادٌ عندهم أي ينظموا العقائد وعلم التوحيد حتى يكون كما أشار إليه المؤلف :
******************
10 – لأنه يَسْهُلُ للحفظ كما ،
يروق للسمع ويشفي من ظما ،
النظم الذي كان العلماء يعتادون عليه في هذا الباب ،
على أي بحر ؟
على الرجز وغيره ،(1/67)
قد يكون على سبيل الرجز وقد يكون على الكامل أو الطويل أو البحور الأخرى المعروفة في علم العروض [75] ،
لكن أكثر ما يكون الرجز لأن الرجز خفيف عند القراءة وسهل عند النظم ،
لأن غير الرجز لا بد أن يلتزم الإنسان قافية معينة وهذه قد تصعب على الإنسان غير الشاعر ،
أما الرجز فكل بيت له قافية معينة لا يحتاج الراجز إلا إلى مراعاة الشطر الأول والشطر الثاني فقط [76] ،
قوله : ( لأنه يسهل للحفظ ) : هذه فائدة فالنظم يسهل للحفظ أكثر من النثر ،
قوله : ( كما يروق للسمع ) : يروق يعني يحسن ويطرب له السمع ،
أما قوله : ( ويشفي من ظما ) : فكون هذا خاصاً بالشعر فيه نظر ، لأن الشفاء من الظمأ يكون في الشعر ويكون في النثر ،
لكن لعله يريد – رحمه الله – تكميل البيت بهذه الجملة ، وإلا فإن شفاء من الظمأ يكون بالنثر وبالنظم بل قد يكون في النثر أكثر ،
لأن النظم أحياناً يضطر فيه الناظم إلى استعمال عبارات أو تركيبات من الكلام ، توجب تعقيد المعنى وعدم فهمه ،
******************
11 – فمن هنا نظمت لي عقيدة ،
أرجوزة وجيزة مفيدة ،
قوله : ( فمن هنا ) : أي من هذا الباب أو من هذا المأخذ نظمت لي عقيدة ،
أصل النظم هو ضم الخرزات بعضها إلى بعض في سلك ويطلق على ضم الكلمات بعضها إلى بعض في بيت تشبيهاً بالخرزات خرزات السبحة أو غيرها مما ينظم [77] ،
قوله : ( نظمت لي عقيدة ) : هل اللام هنا بمعنى : ( من ) : أي نظمت مني عقيدة لإخواني المسلمين ؟ أو أن اللام للاختصاص ، يعني : نظمت لنفسي عقيدة ؟
الظاهر : أن المراد : المعنى الأول أي نظمت عقيدة لإخواني المسلمين مني ،
قوله : ( عقيدة ) : فعيلة بمعنى مفعولة أي شيء معتقد ،
والعقيدة في الأصل : من العقد وهو : إحكام الشد ، وضده الحل ، هذا في اللغة العربية [78] ،
وأما في الاصطلاح : فهو ( حكم الذهن الجازم ) [79] ،(1/68)
يعني : أن تحكم على الشيء حكماً جازماً تحكم عليه ذهناً ،
يعني : تعتقد في قلبك بأن هذا كذا نفياً أو إثباتاً جازماً به فلا عقيدة مع الشك ،
لأنه لا بد أن يكون هناك جزم ولا عقيدة باعتبار نطق اللسان ،
لأن نطق اللسان يقع حتى من المنافق ، فالمنافق يقول : لا إله إلا الله ، ولكن ليس عنده عقيدة ،
وهل نقول المطابق للواقع أو لا ؟
لا ، لا نقول هكذا ،
بل نقول : ( حكم الذهن الجازم ) ، فإن طابق فهي عقيدة صحيحة ، وإن خالف الواقع فهي عقيدة فاسدة ،
اعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة ، هذا عقيدة فاسدة ، لأنها غير مطابقة للواقع ،
اعتقاد أهل التحريف أن الاستواء بمعنى الاستيلاء عقيدة ، لكنها فاسدة ، لأنها خلاف الواقع ،
لكن هم يجزمون بذلك ويعتقدون هذا ،
ووصف هذه العقيدة بأنها ( وجيزة ) : يعني غير مطولة وهو كذلك ، فإنها ليست مطولة ، يذكر فيها رحمه الله القواعد العامة بدون تفصيل ،
وأنها ( مفيدة ) : يعني تفيد قارئها وسامعها وكاتبها أيضاً ،
فقوله : ( إنها أرجوزة وجيزة ) : هذا ليس فيه مدح ،
لكن قوله : ( مفيدة ) : فيه مدح ،
فإذا قال قائل : كيف يسوغ للإنسان أن يمدح ما كان من صنعه وتأليفه ، وهل هذا إلا افتخار ؟
فالجواب : يسوغ ذلك إذا لم يقصد بهذا الافتخار على الخلق وإنما قصد بيان الواقع .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) [80] ،
وقال ابن مسعود : ( لو أعلم أن أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لرحلت إليه ) [81] ،
وهذا يتضمن بلا شك أنه على علم عظيم بكتاب الله عز وجل ،
لكن هل ابن مسعود رضي الله عنه قال هذا القول ليمدح نفسه ويفتخر أو ليحث الناس على التلقي عنه وعن غيره من أهل العلم ؟
الجواب : الثاني بلا شك ،
أيضاً العلماء رحمهم الله إذا صنفوا يذكرون فوائد مصنفاتهم ،
كما قال ابن مالك في الثناء على ألفيته وذكر فوائدها [82] ،
لا ليفتخر بها وأنها من تأليفه ،(1/69)
ولكن من أجل أن يحث الناس على تلقيها وتعلمها ،
هكذا المؤلف رحمه الله هنا قال : ( مفيدة ) ، لأجل أن تحرص عليها وعلى ما فيها من الفوائد ،
*****************
12 – نظمتها في سلكها مقدمة ،
وست أبواب كذاك خاتمة ،
قوله : ( في سلكها ) : هذا يسميه علماء البلاغة الاستعارة [83] ، لأن هذه الأرجوزة ليس لها سلك ، لكنه شبهها بخرزات السبحة التي لها سلك فتنضم لينضم بعضها إلى بعض ولا يضيع بعضها عن بعض ولا تتفرق وتتشتت ،
وتشتمل على مقدمة وستة أبواب وخاتمة ،
فقال : ( مقدمة ، وست أبواب كذاك خاتمة ) : فيكون المجموع ثمانية ،
المقدمة والخاتمة وستة أبواب ،
*****************
13 – وسمتها بالدرة المضية ،
في عقد أهل الفرقة المرضية ،
قوله : ( وسمتها ) : أي جعلت عليها علامة ، لأن الوسم هو العلامة ،
وفي بعض النسخ : ( سميتها ) .
والمعنى متقارب يعني أنني سميت هذه المنظومة أو وسمتها جعلت عليها علامة ،
قوله : ( بالدرة المضية ) : أصل ( المضية ) المضيئة ، لكن سهلت الهمزة لأجل استقامة البيت ، قوله : ( والدرة ) : هي أعلى ما يقتنصه أهل البحر من البحار ،
قوله : ( والمضية ) : يعني التي لها إضاءة لقوة صفائها وحسنها ، وهذا الاسم مطابق لمسماه فإن هذه المنظومة درة مضيئة لمن قرأها وتأملها ، لأن فيها فوائد عظيمة كثيرة فيما يتعلق بالعقيدة ،
وقوله : ( في عقد ) : ( عقد ) بمعنى : ( اعتقاد ) ، فهي اسم مصدر ، يعني اعتقد يعتقد اعتقاد ،
واسم المصدر : يقول النحويون : ( ما دل على معنى المصدر ولم يشتمل على حروفه ) ،
قوله : ( أهل الفرقة ) : المراد ( أهل الفرقة ) : يعني : ( الطائفة ) ،
قوله : ( المرضية ) : التي ارتضاها الله ورسوله والمؤمنون .(1/70)
وهم ( أهل السنة والجماعة ) : الذين كانوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
وضد هذه الفرقة المرضية أصحاب الفرق المسخوطة من أهل البدع على اختلاف أصنافهم وأنواعهم ،
******************
14 – على اعتقاد ذي السداد الحنبلي ،
إمام أهل الحق ذي القدر العلي ،
يعني أنها مبنية على اعتقاد ذي السداد ،
قوله : ( السداد ) : يعني الصواب المسدّد [84] الموافق للحق ،
قوله : ( الحنبلي ) : صفة لـ ( ذي ) لا لـ ( السداد ) يعني على اعتقاد الحنبلي وهو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور فنسبته إلى حنبل لأنه جده [85] ،
قوله : ( إمام أهل الحق ) : يعني الذي يقتدي به أهل الحق ،
لكن إمامته رحمه الله وإمامة غيره من الأئمة ليست إمامة مستقلة ،
بل هي إمامة تابعة للإمامة العظمى وهي إمامة رسول الله عليه الصلاة والسلام ،
ولولا ائتمام هؤلاء الأئمة به صلى الله عليه وسلم ما صاروا أئمة ،
قال الله تعالى : { وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ( السجدة 24 ) .
فهؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين صاروا أئمة ، لأنهم أهل للإمامة لما أعطاهم الله تعالى من الصبر واليقين ،
قوله : ( ذي القدر ) : يعني ذي الشرف ،
قوله : ( العلي ) : ضد النازل ،
والإمام أحمد رحمه الله له قدراً علياً بين أهل الحق تكاد تكون الأمة كلها مجمعة على الثناء عليه [86] .
حتى إن بعض العلماء قال : إنه يجوز أن نشهد له ولأمثاله بالجنة ، لأن الأمة اتفقت على الثناء عليه ، وقد قال الله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وَسَطَا لتكونوا شهداء على الناس } ( البقرة 143 ) فإذا شهدت الأمة لشخص بالصلاح فلنا أن نشهد له بالجنة ،
وهذه المسألة فيها خلاف [87] ،(1/71)
لكن الكلام على أن الرجل قد اتفق على أنه رحمه الله من أجل أئمة الدين وأعظمهم قدراً ، وحصل له من المحنة في الدفاع عن السنة ما يعلم من ترجمته ، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في ( البداية والنهاية ) [88] وغيرهم ممن تكلموا عن سيرة الرجال [89] ،
******************
15 – حبر الملا فرد العلى الرباني ،
رب الحجا ماحي الدجى الشيباني ،
قوله : ( حَبْر ) : بمعنى عالم ،
ويقال : حِبْر ،
بفتح الباء وكسرها [90] ،
وهي موافقة للبحر في الاشتقاق الأكبر ،
لأنها موافقة لها في الحروف دون الترتيب ، حبر ، بحر ،
إذن فهو العالم الواسع العلم ،
قوله : ( الملا ) : يعني الخلق ،
ومن المعلوم أنه رحمه الله واسع العلم وكثيره [91] ولا سيما علم المأثور ،
مع أنه يتكلم في علم المعقول كلاماً جيدًا [92] كما يعرف من كلامه في الرد على الجهمية ،
لكنه في علم المأثور أكثر منه في علم المعقول ،
قوله : ( فرد العلا ) : يعني المتفرد بالعلا والشرف ،
ولا شك أن هذه الأوصاف التي تدل على الإطلاق ، لا شك أن المؤلف لا يريد بها الإطلاق ،
لأن مثل هذه الأوصاف على الإطلاق لا تنطبق إلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ،
لكنها أوصاف نسبية يعني بالنسبة لمن دونه مع أن الأولى والأفضل أن تكون الألفاظ مطابقة للواقع بحيث لا يحصل فيها غلو ، لأن الغلو قد يخرج بالإنسان إلى الكذب ،
وتوجيه مثل هذا الكلام المطلق أن يقال : إنه ( حبر الملا ) في وقته ( فرد العلا ) في وقته ،
وأما أن نقول على سبيل العموم فهذا غير مراد للمؤلف رحمه الله ،
قوله : ( الرباني ) : يعني الذي تلقى علمه من شريعة الله ، لأن الشريعة ألصق ما تكون بالربوبية فهو رحمه الله تلقى علمه من شريعة الرب عز وجل ،
وقيل : إن الرباني هو المخلص لله في علمه النافع لعباد الله المربي لهم على شريعة الله [93] ،(1/72)
فالمخلص لله لا يقصد إلا الرب ، والنافع لعباد الله بالعلم ،
المربي لهم تربية علمية وخلقية ،
فالتربية العلمية ، قال العلماء معناها : أن يربي الطلبة بصغير العلم قبل كبيره ، فإن هذا من التربية العلمية ،
والتربية الخلقية : أن يبحث العالم في طلابه هل طبقوا العلم وأن يتفقدهم ، وإذا ذكر له عن شخص خالفه يتكلم معه بالكلام الذي يناسب والوقت المناسب في المكان المناسب ،
أما أن يملأهم من العلوم ويدعهم من العمل ، فهذا بلا شك قصور جدًا ، لأن ثمرة العلم هي العمل ،
قوله : ( رب ) : بمعنى صاحب ،
قوله ( والحجى ) : بمعنى العقل .
يعني صاحب العقل ،
قوله : ( ماحي الدجى ) : أي الظلمة بما لديه من نور الرسالة وهذا علمه بالأثر ،
فالإمام أحمد رحمه الله عنده معلوم المعقول ومعلوم المنقول ومن راجع كتبه ورسائله عرف أن الرجل يتكلم بالمعقول كما يتكلم بالمنقول ، وإن كان هو في علم الأثر أقوى منه في علم النظر ، لأن الأمة الإسلامية في عهده لم تكن بلغت مبلغاً كبيراً في الاستدلال بالنظر والمعقول لكن مع ذلك يجادل أهل الباطل بالمعقول ،
لأن المعقولات التي تشعّبت في الأمة الإسلامية هي من علم المنطق الذي قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله : ( إنه لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد [94] ) .
والناس يعرفون الجدل والمناظرة حتى قبل عثورهم على علم المنطق اليوناني ،
فالحاصل : أن هذا الشطر من البيت يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله عنده علم بالمعقول وعلم بالمنقول ،
علم المعقول في قوله : ( رب الحجى ) : والمنقول : ( ماحي الدجى ) ،
قوله : ( الشيباني ) : يعني أنه من بني شيبان رحمه الله وهذا نسبه [95] ،
ومن أراد المزيد من العلم بحياته فليرجع إلى ما صُنِّف في تاريخ حياته ،
وقد صنف في تاريخ حياته مصنفات مستقلة [96] ، وذكر أيضا على سبيل التبع في كتب الرجال وكتب التاريخ ،
******************(1/73)
16 – فإنه إمام أهل الأثر ،
فمن نحا منحاه فهو الأثري ،
قوله : ( فإنه ) : يعني الإمام أحمد ،
قوله : ( إمام أهل الأثر ) : يعني إمام السلفيين : ( الذين يأخذون بالأثر في علم العقائد كما يأخذون بالأثر في المسائل العملية ) ،
وذلك أن الإمام أحمد رحمه الله بلغ الإمامة في عصر المأمون [97] في المحنة التي أبتلي بها علماء السلف في ذلك العهد [98] ،
فإن المأمون أدخل على الأمة الإسلامية من علم اليونان وعلم الكلام ما يستحق عليه الجزاء من الله عز وجل ،
لأنه أدخل على الأمة علوماً أفسدت العقائد ونصر البدعة نصراً عزيزاً [99] ،
وحصل منه إيذاء لأهل السنة فكان يحبسهم ويشهِّر بهم ويطوف بهم في الأسواق ويضربهم ، والعياذ بالله ،
مما اضطر كثير من العلماء إلى أن يوافقوا ولو ظاهراً على سبيل أنهم مكرهون ومنهم من يتأول ،
ولكن الإمام أحمد رحمه الله ومحمد بن نوح [100] أصرا على أن يعلنا الحق بدون تأويل ،
وحصل للإمام أحمد من الإيذاء والإهانة ما لا يصبر عليه إلا أمثاله حتى كانوا يجرونه في الأسواق بالبغلة ويضربونه بالسياط حتى يغمى عليه [101] وهو صابر ومصمم على أن يبقى على ما هو عليه من قول الحق ،
لأنه لو قال خلاف الحق في ذلك الوقت ولو بالتأويل لضل الناس [102] ،
إذ أن الناس ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد بن حنبل [103] ،
فبذلك استحق أن يكون إماماً ،
لأنه صبر وكان موقناً بما هو عليه من الحق والصواب ،
وقد قال تعالى : { وجعلنا منهم أئمةً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ( السجدة 24 ) .
فبذلك صار إماماً رحمه الله لمن بعده ،
ولكن هذه الإمامة نسبية .
لأنها إمامة تابعة لإمامة عظمى وهي إمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الإمام الأعظم الذي يتفرع من إمامته إمامة الأئمة ،(1/74)
فإمامة الأئمة من هذه الأمة إمامةٌ فرعية ، لا إمامة أصلية ،
ولهذا لو خالف هذا الإمام هدي الإمام الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم لوجب أن يطرح قوله وأن يؤخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولولا أن هذا الإمام تابع لإمامة الرسول عليه الصلاة والسلام ما استحق أن يكون إماماً إلا أن يكون إمام ضلال ،
فإن الضلال له أئمة ، كما قال تعالى : { وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار } ( القصص 41 ) .
قوله : ( فمن نحا منحاه فهو الأثري ) : أي من سلك مسلكه فهو الأثري ، يعني نسبة إلى الأثر ،
والعلوم نوعان :
1 - أثرية ،
2 - ونظرية ،
فما كان متلقى من الكتاب والسنة فهو : ( أثري ) ،
وما كان متلقى من العقل فهو : ( نظري ) ،
واعلم : أن العلم الأثري لا ينافي العلم النظري بل كلاهما يؤيد الآخر ،
وأيهما الأصل ؟
الأصل عند أهل السنة : هو الأثر لا في الأمور العلمية ولا في الأمور العملية .
فهم يحكمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء ،
والأصل عند أهل البدع : العلوم النظرية .
ولهذا يقدمون ما يدعون أنه عقل على الآثار من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فضلُّوا بذلك عن سواء السبيل وأضلوا أمماً لا يعلمهم إلا الله ،
إذن الأثري هو الذي نحى منحى الإمام أحمد رحمه الله في الرجوع إلى الكتاب والسنة ،
ولهذا أقول : من الممكن أن نقول : إن الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل الأثر في مسلكه لا في أقواله ،
ومعنى : ( في مسلكه ) : أنه سلك تحكيم الكتاب والسنة ،
وليس المعنى : ( إمام أهل الأثر ) يؤخذ قوله وحينئذ لا نحتاج إلى تقييد الإمامة بالنسبة له ،
لأننا نقول : هذه الإمامة صحيحة أن يكون الإنسان متبعاً لما جاء به الكتاب والسنة ،
******************
17 – سقى ضريحاً حَلَّهُ صوب الرضى ،
والعفو والغفران ما نجم أضا ،
قوله : ( سقى ضريحاً ) : الضريح : القبر ،(1/75)
قوله : ( حلّه ) : نزل فيه ،
يعني يسأل الله سبحانه وتعالى أن يسقي ضريحه صوب الرضى من الله عز وجل ،
فالجملة هنا خبرية لكنها دعائية يعني يسأل الله تعالى أن يسقي ضريح الإمام أحمد صوب الرضى ،
قوله : ( صوب الرضى ) : و ( الصوب ) و ( الصيب ) : معناهما واحد ،
أي الصيب من الرضى ،
والصيب في الأصل : هو ( الماء النازل من السماء ) فهو المطر [104] ،
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا رضي عن العبد أرضى الناس عنه وإذا سخِط على العبد أسخط الناس عليه ،
فإذا كنت تريد أن يرضى الناس عنك فاتبع رضى الله ،
ولكن لا تتبع رضى الله من أجل أن يرضى الناس عنك فتطلب الأعلى للأدنى ،
ولكن اجعل رضى الله هو الأصل ،
وَثِقْ بأن الله إذا رضي عنك رضي عنك الناس ،
ولكن إياك أن تنوي بطلب رضى الله رضى الناس فتكون متوسلاً بالأعلى إلى الأدنى ،
لأنه ربما إذا نويت هذه النية لا يرضى الله عنك ،
وحينئذ يفوتك مقصودك مع ضعف مقصودك ،
قوله : ( والعفو والغفران ) : العفو عن ترك الواجبات ، والغفران عن فعل المحرمات ،
هذا إذا اقترن العفو بالمغفرة ،
إما إذا انفصل أحدهما عن الآخر فكل واحد منهما يتضمن معنى الثاني ،
لكن إذا قيل : عفا الله عنك وغفر لك ،
صار ( عفا الله عنك ) ما أهملته من واجبات ،
و ( غفر لك ) ما اقترفته من سيئات ،
لأن الغَفْر بمعنى : ( الستر مع التجاوز ) ،
والعفو بمعنى : ( النزول عن الحق والإبراء منه ) ،
قوله : ( ما نجم أضا ) : يعني مدة إضاءة النجم وهذا طويل إلى ما لا نهاية له ،
وأيضاً يقول : ( ما نجم ) : نكرة يشمل كل نجم ،
******************
18 – وحله وسائر الأئمة ،
منازل الرضوان أعلى الجنة ،
قوله : ( وحله وسائر الأئمة ) : يعني أنزله وأنزل سائر الأئمة ،
قوله : ( الأئمة ) : يعني أئمة الإسلام ،(1/76)
وليس المراد بذلك : الأئمة الأربعة فقط ،
بل هو شامل لكل إمام في دين الله من الأئمة الأربعة وغيرهم ،
وسواء كان إماماً بالخلافة وتدبير الملك أو إماماً في العلم وتوجيه الناس ،
فإنه يدخل في قوله : ( وحله وسائر الأئمة - منازل الرضوان أعلى الجنة ) ،
الأسئلة
نقول : إن كون الإنسان يقبل الشيء يتعبد به عرف الحكمة أم لم يعرف هذا هو المتعبد حقيقة .
أما الذي لا يتعبد إلا إذا عرف الحكمة فهذا ناقص .
لكن معرفة الحكمة قد تزيد الإنسان إيماناًَ لا شك إذا عرف أسرار الشريعة وحِكَمَها ازداد رغبةً فيها وطمأنينةً بها ودفاعاً عنها ودعوةً إليها ،
السائل : لكن يا شيخ إذا عرف الحكمة فنستفيد فائدةً أخرى وهي مثلاً عندما تسأله عن الحكمة فإنه يعلمها ؟
الجواب : هذا يزداد علماً لا شك ، لكن أنا أقول : ليس كل من عرف الحكمة يضعف إيمانه .
قد تكون معرفة الحكمة زيادةً في الإيمان وزيادة في التعبد أيضاً .
لكن أصل التعبد الخضوع للشيء سواءً عقلتَ معناه أم لم تعقله ،
السؤال : أحسن الله إليك الوارث من الأسماء الحسنى ؟ هل هو مأخوذ من الآية ؟
الجواب : نعم .
السؤال : يا شيخ ذكرنا أن الحوادث دلالتها عقلية ؟
الجواب : لا ، لا ، ذكرنا أن الحوادث دلالتها حسية عقلية ،
السؤال : الأمور التعبدية التي ذكر العلماء أنها تعبدية لا ينبغي أن يُلتمس لها علل ؟
الجواب : بل ينبغي لكن هناك شيء نعلم أننا لن نصل إلى شيء .
مثلاً : نقض الوضوء بلحم الإبل .
كثير من العلماء قال : إنها تعبد [105] .
عدم الصلاة في الحمام كثير من العلماء قال : إنها تعبد .
هذه ممكن أن نحاول معرفة الحكمة .
لكن الصلاة أربعاً هذه لا يمكن .
لو حاولنا لن نعرف محاولة الوصول إلى الحكمة قد تكون كمحاولة الوصول إلى كيفية صفات الله ،(1/77)
السؤال : لكن فيه يا شيخ مثلاً بعض المتأخرين يذكر في جملة من الأحكام التي ذكرها عنها العلماء المتقدمين أنها تعبدية ومنها أيضاً أن الصلاة أربعاً يسرد من العلل والأحكام ومناسبة الوقت ،،،، ؟
الجواب : لا ، دعنا من توقيتها لكن كونها أربع ركعات ، لم لا تكون ستاً ؟
السؤال : ربما لمناسبة الجو ؟
الجواب : كيف مناسبة الجو ؟ يعني في الشتاء نجعلها ستاً وفي الصيف أربع ؟
لا ، فيه أشياء الحقيقة لا يمكن أن نعلم الحكمة .
يعني يكون من باب التعنت محاولة العلة .
نعم صحيح التوقيت بخمسة أوقات الفجر مثلاً والظهر قد يجد الإنسان مناسبة .
وقد يجد مناسبة واضحة في بعضها دون بعض .
فصلاة العصر مثلاً قد لا تستطيع أن تعرف المناسبة .
لكن الظهر والمغرب والعشاء والفجر .
السؤال : المصطفى هل هو من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا ، الظاهر أنه من أوصافه .
والغريب من أن بعض الناس سبحان الله العظيم يقول : ( قال المصطفى ) ،
مع أن الصحابة رضي الله عنهم أشد من تعظيماً للرسول عليه الصلاة والسلام وأعلم منا بمناقبه ، ما قال أبي هريرة ( قال المصطفى ) ولا قال أي واحد من الصحابة يعني كل كتب الحديث يقول الصحابي : ( قال رسول الله – قال نبي الله – قال أبو القاسم ) وما أشبه ذلك ،
لكن الناس في الوقت الحاضر ابتُلُوا بصياغة الألفاظ ولم ينظروا إلى من سبقهم ،
والحقيقة أنه ينبغي لنا أن ننظر إلى من سبقنا مثل بعض الناس الآن إذا أراد أن يقول : ( قال الله تعالى ) يقول : ( قال الحق – وهذا قول الحق ) ،
لا شك أن الله هو الحق المبين ،
لكن قل : ( قال الله ) ،
النبي عليه الصلاة والسلام لا شك أنه أعلم بالله منك وأشد تعظيماً لله منك ،
إذا أراد أن يتحدث عن الله عز وجل في الحديث ،
ماذا يقول ؟
( قال الله تعالى ) ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ) [106] ،(1/78)
لكن بعض الناس يريد أن يجدد ولكن التجديد في مثل هذه الأمور لا ينبغي ،
اتباع السلف في هذه الأمور أولى من التجديد ،
- من العلماء من زور وحرف في توحيد الألوهية ،
لكنهم متفقون على أنه لا يُعبد إلا الله والشركيات التي وقعت من هذه العلماء فهذا عن جهل تعتبر عن جهل ،
السؤال : زوجات النبي صلى الله عليه وسلم هل يعتبرن من آله ؟
الجواب : الصحيح : أنهن من آله ،
السؤال : تخفيف الله سبحانه وتعالى على أبي طالب أليس هذا قبولاً للعمل من كافر ؟
الجواب : لا ، يفيد أن الكافر قد يُجازى وإلا فإنه لا يُقبل من عمله ،
لكن قد يُجازى كما يُجازى في الدنيا إذا أحسن الكافر فقد يجازيه الله تعالى في الدنيا بدفع المصائب عنه أو حصول المطلوب أو كثرة المال أو كثرة الأولاد ،
السؤال : هل يجوز أن تضعيف الأذكار ؟
الجواب : ليس به بأس ،
لأن هذا ورد في السنة : ( سبحان الله وبحمده عدد خلقه سبحان الله وبحمده رضا نفسه سبحان الله وبحمده زنة عرشه سبحان الله وبحمده مداد كلماته ) [107] لا بأس أن يقال هذا ،
السؤال : النبي صلى الله عليه وسلم يُحَبُّ أكثر من الوالدين ، لكن هل يجوز أن يحب الإنسان غير النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من محبة الوالدين ؟
الجواب : أما المحبة الدينية فربما يكون له مثلاًَ والدان عاصيان فيحب أبا بكر وعمر وعثمان أكثر منهما ،
السؤال : المصطفى اسم مفعول فمن المصطفي ؟ واصطفى ممن ؟
الجواب : المصطفي الله مصطفي من الخلق ، صفوة من الخلق صفوة الخلق { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وَطَهَّرَكِ واصطفاك على نساء العالمين } ( آل عمران 42 ) .
السؤال : نحن قلنا : أن عم النبي صلى الله عليه وسلم أقل أهل النار عذاباً ، فهل هو أقل عذاباً من عصاة المؤمنين ؟(1/79)
الجواب : لا ، عصاة المؤمنين لا يسمون أهل النار ، يدخلون النار وليسوا من أهلها ، أنت الآن تأتي إلى عنيزة وتقيم بها يومين هل تسمى من أهل عنيزة ؟ لا ، أهل النار هم أهلها المخلدون فيها ،
السؤال : تقسيم المحال إلى محال ذاتي ومحال معنوى ومحال لغيره هل هذا التقسيم صحيح ؟
الجواب : لا ، لا حاجة ، المحال مهما كان ، كل شيء لا يجوز على الله فهو محال ،
السؤال : ألا نستطيع أن نقول المراد بقوله : ( يروق للسمع ،،، ويشفي من ظما ) ( كلام غير واضح ) ؟
الجواب : صحيح لكن أيهما أشد ؟
السؤال : أشد ؟ الشعر ، لا يكفي ،
الجواب : لا ، يكفي ، لأنه حتى ( يشفي من ظما ) أحياناً يكون النثر أشفى من الظما من النظم إنما الشيء الذي يكون فيه النظم أظهر نوافق المؤلف عليه ،
السؤال : ألا نقول أن الأولى أن المؤلف قال : ( على اعتقاد أهل السنة والجماعة ) بدلاً من أن يأتي بفرد منهم ؟
الجواب : لا ، لأن الإمام أحمد رحمه الله متفق على أنه إمام أهل السنة يعني حتى يطلق عليه ( إمام أهل السنة ) ،
السؤال : أليس الأفضل الصحابة وهم أولى منه ؟
الجواب : صحيح ، لكن الصحابة ما حصل في وقتهم من البدع ما احتاجوا أن يدافعوا كما يدافع الإمام أحمد لأنهم كلهم على الحق وهم مستقيمون ما برز أحد يدافع ،
فصل
في ترجيح مذهب السلف
19 – اعلم هديت أنه جاء الخبر ،
عن النبي المقتفى خير البشر ،
بَيَّنَ المؤلف رحمه الله أن كتابه هذا يشتمل على ستة أبواب ومقدمة وخاتمة ،
فالمقدمة ذكر فيها ما يدل على الثناء على أهل السنة والجماعة المتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله : ( اعلم ) : يعني علم يقين ،
قوله : ( هديت ) : جملة معترضة دعائية يعني : ( وفقت للخير وعلمت الخير ) ،
قوله : ( أنه جاء الخبر ) : يعني الحديث ،(1/80)
والخبر في اللغة : شمل : ( قول ) ، يحتمل الكذب والصدق لذاته [108] ،
يعني بقطع النظر عن قائله ،
لأن في القول ما لا يحتمل الكذب باعتبار قائله ،
وفي القول ما لا يحتمل الصدق باعتبار قائله ،
ونحن نتكلم باعتبار القول ،
وقول الله ورسوله يحتمل باعتبار المخبر به ،
قول مدعي النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتمل الصدق لكن باعتبار المخبر به ،
لو قال : إني رسول الله ، هذه الكلمة خبر ،
لأنه يحتمل الصدق والكذب لذاته ،
لكن لو قاله محمد رسول الله كان صدقاً ، ولو قاله مسيلمة الكذاب كان كذباً ،
أما الخبر في الاصطلاح : ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قول أو فعل أو تقرير [109] ،
قوله : ( عن النبي ) : سبق الكلام عن أصل النبي في مقدمة الكتاب ،
وسبق أن اللفظ صالح للوجهين :
1 – أي صالح لأن يكون أصله النبيؤ ، ولكن سُهِّلَ ،
2 – ولأن يكون أصله من النبوة وهو الارتفاع [110] ، لأن النبي رفيع المقام وهو مخبِر ومخبَر ،
قوله : ( المقتفى ) : يعني الذي يجب اقتفاؤه ،
ومعنى الاقتفاء : أن نكون خلفه نقفوا أثره [111] ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم مقتفى ،
أي واجب الاقتفاء يعني يجب على أمته أن تقتفي به أي أن تقفوا أثره وتتبعه ،
قوله : ( خير البشر ) : ( البشر ) : هم بنو آدم ،
وسُمُّوا بشراً لأن أبشارهم ظاهرة بادية ، والمخلوقات الأخرى أبشارها مستورة ،
وهذا من رحمة الله عز وجل ،
لأن الحيوانات الأخرى لا بد أن يسترها شيء يقيها من الحر والبرد ،
أما بنو آدم فجعل الله تعالى الستر لهم هم الذي يسترون أنفسهم بالثياب التي رزقهم الله تعالى وهذه حكمة عظيمة من أجل أن يعرف الإنسان أنه بحاجة إلى ستر عورته المعنوية كما أنه بحاجة إلى ستر عورته الحسية فيحاول ستر عورته المعنوية كما يستر عورته الحسية ،
إذن النبي عليه الصلاة والسلام خير البشر حتى الأنبياء والرسل فإنه صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل ،(1/81)
وهذه الخيرية تشمل كل الخيرات ،
خير البشر في النسب ، وخير البشر في الخُلق وخير البشر في الهداية ، وخير البشر في العبادة ،
فهي خيرية مطلقة ،
ومع هذا فإنه ليس له حق في خصائص الربوبية ،
فليس يعلم الغيب وليس يملك الضرر والنفع ولا يملك لغيره كذلك ،
والناس بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب بين طرفين ووسط :
1. بين طرف غالٍ في مفرط في المدح والثناء حتى جعلوه بمنزلة الرب ،
2. وبين طرف آخر ينتقصوا النبي صلى الله عليه وسلم ويجعلوه لا فرق بينه وبين البشر في الأمور التي يختص بها ،
3. وقسم ثالث عرف للنبي صلى الله عليه وسلم حقه ، فأنزله منزلته وقال : هو عبد الله ورسوله وليس له حق فيما يختص بالرب عز وجل وهو أعلى من البشر فيما خصه الله به ، وهذا هو مذهب أهل الحق ،
******************
20 – بأن ذي الأمة سوف تفترق ،
بضعاً وسبعين اعتقاداً والمحق ،
قوله : ( ذي ) : اسم إشارة يعني : بأن هذه الأمة سوف تفترق ،
قوله : ( الأمة ) : المراد بالأمة : هنا أمة الإجابة ،
لأن أمة الدعوة : تشمل اليهود والنصارى والمشركين ،
لكن المراد بذلك : أمة الإجابة الذين ينسبون إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ،
والأمة في اللغة : تأتي لعدة معان [112] :
تأتي بمعنى الزمن وبمعنى الجماعة وبمعنى الإمامة وبمعنى الطريقة ،
هذه أربعة معان :
1. تأتي بمعنى الزمن : مثل قوله تعالى : { وادَّكَرَ بعد أمة } ( يوسف 45 ) أي بعد زمن ،
2. وتأتي بمعنى الملة : مثل قوله تعالى : { وإن هذه أمتكم أمةٌ واحدة } ( المؤمنون 52 ) ،
3. وتأتي بمعنى الطائفة : كما في كلام المؤلف ،
4. وتأتي بمعنى الإمامة : { إن إبراهيم كان أمةً } ( النحل 120 ) أي إماماً ،
قوله : ( بأن ذي الأمة ) : يعني الطائفة وهي أمة الإجابة ،(1/82)
قوله : ( سوف تفترق بضعاً وسبعين ) : البضع : ما بين الثلاثة إلى التسعة ،
المراد به هنا : الثلاثة ،
كما جاء في الحديث : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) [113] ،
ليس معنى ذلك : أنها من أصحاب النار ،
لكن ما خرجت به عن السنة فهو من عمل أهل النار ،
لأن أهل النار مخالفون لأهل الجنة ،
فكل من خرج عن عمل أهل الجنة فقد دخل في عمل أهل النار ،
ولا يلزم أن يكون من أصحاب النار ،
فهذه بضع وسبعون ،
وإنما افترقت على ثلاث وسبعين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن هذه الأمة : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ! ) [114] ،
والمتبع لسنة من كان قبله مخالف لشريعته ،
فإذا كان اليهود إحدى وسبعين والنصارى اثنتين وسبعين وارتكب أحد من هذه الأمة طريقة النصارى صار الضلال في اثنتين وسبعين فرقة فيبقى فرقة واحدة هي التي خرجت عن مشابهة اليهود والنصارى وصارت على ملة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ولهذا قال المؤلف :
بأن ذي الأمة سوف تفترق ،
بضعاً وسبعين اعتقاداً والمحق ،
والغريب أن هذه الفرق كلها تدعي أنها على الحق ، فالذي على الحق منها أمره واضح ،
والذي على غير الحق ويدعي أنه على الحق ،
نقول : هذا لا تخلو حاله من أحد أمرين :
إما شبهة عرضت له فظن أن ما هو عليه هو الحق ،
وإما شهوة عرضت له أراد بذلك الرئاسة والجاه فبقي على الضلال مدعياً أنه على حق ،
فالعوام المتبعون للأئمة البدع الذي حملهم على الخروج عن الحق شبهة ،
لأن العامي لا يدري فظن أن هذا هو الحق ،
وأئمة البدع الضالون هؤلاء عرض لهم شهوة ،(1/83)
لأن الغالب عليهم أنهم يعرفون الحق لكن أصروا على ما هم عليه من أجل البقاء على رئاستهم وعلى قيادتهم والعياذ بالله ،
مثل : ما صنع أئمة الكفر في الجاهلية كأبي جهل وغيره بقوا على الضلال مع علمهم بالحق [115] ،
وكما فعل فرعون فهو يعلم أنه على باطل وإن الحق بما جاء به موسى ومع ذلك بقي على باطله [116] ،
إذن نقول : إن هذه الفرق الثلاث والسبعين كل واحدة منها تعتقد أنها على صواب وعلى حق ،
فالذين أصابوا ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، هؤلاء على الحق لا شك ،
والذين خالفوا عرضت لهم إما شبهة وإما شهوة ،
قوله : ( والمحق ) : يعني : الذي كان على الحق ،
******************
21 – ما كان في نهج النبي المصطفى ،
وصحبه من غير زيغ وجفا ،
قوله : ( ما كان في نهج ) : ( في ) : للظرفية يعني ما كان في الدائرة التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقوله : ( المصطفى ) : يعني المختار الذي اختاره الله عز وجل واصطفاه من خلقه حتى جعله رسولاً إلى العالمين إلى يوم القيامة ،
قوله : ( وصحبه ) : يعني الصحابة رضي الله عنهم ،
قوله : ( من غير زيغ ) : ( زيغ ) : يعني من غير ميل عن الحق بالغلو ،
قوله : ( جفا ) : أي تقصير ،
والحقيقة أن التقصير زيغ لكن لما جاء الزيغ ثم جاء الجفاء وجب أن نحمل الزيغ على الغلو والجفاء على التقصير ،
يعني : فالذين على طريقة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من غير غلو ولا تقصير هؤلاء هم المحقون ،
فإذا قال قائل : بأي شيء ندرك أن هذا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟
فالجواب : بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن الصحابة وفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن قول الصحابة حجة ،
لقوله : ( في نهج النبي المصطفى وصحبه ) .(1/84)
وهذا أحد احتمالين :
1 – أن يكون مراده بذلك أن قول الصحابي حجة ،
2 – والاحتمال الثاني : أن يكون مراده أن نهج الصحابة الرجوع إلى الكتاب والسنة ،
فمن كان على نهجهم ورجع إلى الكتاب والسنة فهو على صواب ،
ولا يلزم على هذا الاحتمال أن يكون قول الصحابي حجة ،
لأنه أي الصحابي قد يرجع إلى الكتاب والسنة ويكون لديه خطأ في الفهم أو خطأ في الدليل خفاء الدليل عليه أو الخفاء الدلالة ،
على كلِّ كلام المؤلف يحتمل وجهين :
والأسلم للمرء الأخير ،
يعني : إذا قال : أنا لا أريد إلا أن أتبع الكتاب والسنة لأن هذا هو نهج الصحابة خير من أن يقول : أن أتبع الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابي ،
ولكن أعلم أن ما أجمع عليه الصحابة فهو حق ، لأن الإجماع دليل مستقل بنفسه ،
وكلامنا في الاحتمالين الذين ذكرناهما إنما هو في قول الواحد من الصحابة وأما إذا جمعوا فلا شك أن إجماعهم حجة وأنه دليل مستقل ،
******************
22 – وليس هذا النص جزماً يعتبر ،
في فرقة إلا على أهل الأثر ،
قوله : ( جزماً ) : عائد على النفي وليس متعلقاً بقوله ( يعتبر جزماً ) يعني : بحيث يعتبر ظناً ولكن المعنى أن هذا النص جزماً لا يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر ،
والنص قوله : ( كلها في النار إلا واحدة ) فمن هذه الواحدة ؟
نقول : نجزم جزماً بأنها هي فرقة أهل الأثر ،
يعني الكتاب والسنة ،
لأن الدليل :
1 – إما أثر ،
2 – وإما نظر ،
فإن كان الدليل عقلياً فهو نظر ،
وإن كان الدليل شرعياً فهو أثر ،
فمن هم أهل الأثر ؟
هم الذين اتبعوا الآثار اتبعوا الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ،
وهذا لا يتأتى في أي فرقة من الفرق إلا على ( السلفيين ) الذين التزموا طريق السلف ،
******************(1/85)
23 – فأثبتوا النصوص بالتنزيه ،
من غير تعطيل ولا تشبيه ،
قوله : ( أثبتوا ) : الضمير يعود على أهل الأثر ،
أثبتوها لفظاً وأثبتوها عقيدة وأثبتوها عملاً بمقتضاها ،
وإثباتها اللفظي أيضاً يتفرع عليه إثبات المعنى ،
فَيَحْسُنُ أن نقول : إثباتها لفظاً ومعنًى وإثباتها اعتقادًا وإثباتها عملاً بمقتضاها ،
مثال ذلك : من أسماء الله تعالى : ( السميع ) ،
اثبتوا هذا الاسم لفظاً ،
وأثبتوه معنىً ،
واعتقدوا لله السمع وإنه متصف به ،
وعملوا بمقتضى ذلك وهو أنهم إذا اعتقدوا أن الله يسمع نزهوا ألسنتهم عن قول ما لا يرضاه الله عز وجل ،
( البصير ) :
إثباته لفظاً .
وإثباته معنىً أي انه دال على البصر .
واعتقاد ذلك لأنه ليس مجرد العلم كافياً بل لا بد من عقيدة ،
والرابع : العمل بمقتضاه ، ما مقتضى الإيمان بأن الله يرى ؟
أن لا أفعل شيئاً لا يرضاه الله ما أتحرك بأي حركة لا يرضاها الله عز وجل ، لأني أومن بأن من أسماء الله تعالى البصير وأن البصير متضمن للبصر واعتقد ذلك بقلبي ،
إذن جوارحي لا بد أن تعمل بمقتضى ذلك الاعتقاد ،
قلت : إن العلم لا يستلزم العقيدة .
أبو طالب يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله ،
لكن لم ينفعه لأنه ما اعتقد ولا انقاد ،
فقول المؤلف : ( النصوص ) : جمع نص .
والمراد به ( الكتاب والسنة ) .
قوله : ( بالتنزيه ) : الباء للمصاحبة ، يعني : أثبتوها إثباتاً مصاحباً للتنزيه ،
والمراد بالتنزيه : ( تنزيه الله عز وجل عن كل نقص ) ،
فمثلاً : يثبتون أن الله قدير ،
وأن هذا الاسم متضمن لمعناه وهي القدرة ،
ويعتقدون أن الله تعالى قادر بقدرة لا يلحقها نقص ولا يلحقه فيها عجز ،
ويعملون بمقتضى ذلك وأنه لو شاء الله عز وجل لأخذهم أخذ عزيز مقتدر إذا خالفوا أمره ،(1/86)
الإنسان له قدرة هذه القدرة فيها نقص ، لأن الإنسان لا يقدر على كل شيء ،
وأما قدرة الله فليس فيها نقص ، فإن الله على كل شيء قدير ،
وهكذا جميع النصوص يثبتونها مع عدم النقص في إثباتها ،
سمع لا يعتريه صمم ، بصر لا يعتريه عمى ، كلام لا يعتريه خرس ولا عي ، كل النقص ينزهون الله سبحانه تعالى عنه ،
وقوله : ( من غير تعطيل ) : يعني : أنهم ينزهون الله تنزيهاً خالياً عن التعطيل ،
والتعطيل : هو ( تخلية الله تعالى عما يجب له من الأسماء والصفات ) ،
فيعطلون النصوص عن مدلولها ويخلون الله عز وجل عن ما يتصف به مما تقتضيه هذه النصوص هؤلاء أهل التعطيل ،
أهل السنة والجماعة يتبرءون من ذلك ،
وإنما قال المؤلف : ( بالتنزيه من غير تعطيل ) : لأن المعطِّلة الذين أنكروا صفات الله أو أنكروا بعضها أو أنكروا الأسماء والصفات أيضاً ،
يقولون : إنهم ينزهون الله عز وجل يدّعون أنهم منزهون لله ، كيف ذلك ؟
يقولون : لأن إثبات هذه الصفات يقتضي التشبيه والله منزه عن المشابهة ،
فإذن يجب أن ننكر هذه الصفات ،
والغالون : قالوا : يجب أن ننكر حتى الأسماء ، لأن إثبات الأسماء على زعمهم ينافي تنزيه الله سبحانه وتعالى حيث إنه يقتضي التشبيه عندهم ،
أما أهل السنة فينزهون الله عن النقص ولا يعطلون النصوص الواردة في إثبات الصفات ،
قوله : ( ولا تشبيه ) : يعني : أنهم لا يشبهون الله بخلقه [117] ،
ومراد المؤلف بالتشبيه ( التمثيل ) ولهذا لو عبّر به لكان أولى من وجوه ثلاثة :
الوجه الأول : أن الذي جاء به القرآن والسنة نفي التمثيل لا نفي التشبيه .
كما قال الله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) ، { فلا تضربوا لله الأمثال } ( النحل 74 ) .
ومعلوم أن المحافظة على لفظ النص لا سيما في هذه الأمور الدقيقة أولى من الإتيان بلفظ آخر ، ولو ادعى من أتى به أنه مرادفٌ للفظ الذي جاء به النص ،(1/87)
الوجه الثاني : أن نفي التشبيه فيه إجمال [118] ،
لأنه إن أراد نفي التشبيه من كل وجه فهذا غلط ،
وإن أراد نفي التشبيه في كل الصفات فهذا هو التمثيل ،
يعني : إن أراد نفي التشبيه أي أنه لا يشابه الخلق في أي شيء وأي وجه من الوجوه فهذا خطأ ،
وإن أراد نفي التشبيه يعني أنه مشابه للخلق في كل وجه وفي كل معنى ،
فهذا يكفي عنه قوله : ( التمثيل ) ،
فنفي التشبيه من كل وجه من الوجوه هذا خطأ ، لأن هناك تشابه واشتراك في بعض المعاني ،
فمثلاً : الحياة ، يتصف بها الخالق ويتصف بها المخلوق ،
فبينهما تشابه من حيث أصل الصفة وهي الحياة ،
ولولا هذا التشابه المشترك بين صفات الله وصفات المخلوق ما عرفنا معاني صفات الله ،
فلا بد أن يكون هناك اشتراك وتشابه من بعض الوجوه ؟
لله علم وللمخلوق علم بين علم الله وعلم المخلوق تشابه من حيث أصل المعنى ، المخلوق يدرك ما يعلمه والخالق عز وجل كذلك ،
فهناك اشتراك في أصل المعنى ، للمخلوق بصر وللخالق بصر ،
البصر للخالق والمخلوق مشتركان في أصل الرؤية ،
فبينهما تشابه من هذا الوجه ،
لكنهما لا يتماثلان ،
لأن المماثلة : ( التساوي من كل وجه ) ،
والمشابهة : ( الاشتراك ولو في بعض الوجوه ) [119] ،
الوجه الثالث : أن نفي التشبيه صار عند كثير من الناس يساوي نفي الصفات مطلقاً .
وذلك عند من يقول : كل من اثبت لله صفة فهو مشبه ،
فإذا قلنا : ( من غير تشبيه ) : صار معنى هذا الكلام عندهم أي من غير إثبات صفة ،
فيوهم هذا بأن مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب أهل التعطيل ،
لأنهم يرون أن معنى ( نفي التشبيه ) يعني نفي الصفات ،
حيث يزعمون أن كل من أثبت لله صفة فهو مشبِّه ،
فالحاصل : أن المؤلف رحمه الله تابع في قوله : ( ولا تشبيه ) : تابع عبارة كثير ممن كتبوا أو تكلموا في هذا الباب ،
والصواب : أن نقول : ( من غير تمثيل ) ،(1/88)
ولهذا عبَّر شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية بذلك [120] ،
فقال : ( من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ) ،
وعند المناظرة على العقيدة – لأنه جلس له مناظرة عند الوالي – عند المناظرة على العقيدة قال : لماذا لم تقل : ( ولا تشبيه ) ؟ قال : لأن التمثيل هو الذي ورد به القرآن فعبّرت باللفظ الذي جاء به القرآن ولم يذكر الوجهين الآخرين ،
لكن ذكر أحدهما وهو أن نفي التشبيه صار يطلق على نفي الصفات مطلقاً ذكره في العقيدة التدمرية [121] ،
******************
24 – فكل ما جاء من الآيات ،
أو صحَّ في الأخبار عن ثقات ،
25 – من الأحاديث نُمِرُّهُ كما ،
قد جاء فاسمع من نظامي واعلما ،
هذه القاعدة التي ذكرها المؤلف رحمه الله أن :
( كل ما جاء في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث فإننا نُمِرُّهُ كما قد جاء ) ،
وهذا هو المروي عن السلف ،
يقولون في آيات الصفات وأحاديثها : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) [122] ،
فالواجب علينا أن نمرها كما جاءت ،
ولكن هل هذا الإمرار إمرار لفظي بمعنى أن نُمِرَّ لفظها فقط أو هو إمرار لفظي معنوي ؟
الجواب : الثاني ، أما الأول فإنه مذهب باطل ويسمى مذهب أهل التفويض أو المفوِّضة ،
وهو كما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : ( من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) [123] ،
لأنهم بهذا المذهب ارتكبوا خطأ عظيماً ،
حيث جعلوا المسلمين يجهلون معاني آيات الصفات وأحاديثها ،
وهذا خطر عظيم ،
إذا كنا متعبدين بألفاظ الأحكام الشرعية كالصلاة والوضوء والزكاة والحج ،
فكيف لا نتعبد بآيات الصفات حتى نفهم معناها ؟؟؟!!!(1/89)
المهم : أننا نمره كما جاء ، ومن المعلوم أنه لفظ جاء لمعنى ،
فالواجب إثبات هذا اللفظ ومعناه المراد به ،
فإذا قال قائل : هل المعنى المراد هو الظاهر أو الاحتمال المرجوح ؟
فالجواب : أنه هو الظاهر ،
لأن صرف اللفظ عن ظاهره إلى احتمال مرجوح يحتاج إلى دليل ،
وهذا الدليل إذا لم يكن معلوماً لنا كان ادعائه من اتباع الهوى والتحكم على الله عز وجل ،
وعلى هذا فنمر آيات الصفات الفعلية وآيات الصفات الخبرية وآيات الصفات الذاتية نمره على ما هو عليه ،
فالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والقوة وما أشبه ذلك من الصفات الذاتية نمرها كما جاءت ، ونقول : إن لله حياة وعلماً وقدرة وسمعاً وبصراً وعزة وقوة ،،،،،الخ
ولا يجوز أن نصرفها عن ظاهرها ، لأن صرفها عن ظاهرها خروج بها عن ما يراد بها ،
كذلك الصفات الفعلية نمرها كما جاءت ،
مثل : المجيء والإتيان ، الغضب ، السخط ، الرضى ، الفرح ، العجب ، وغير ذلك من الصفات الفعلية فنمره كما جاء ،
فنقول : المراد بالرضى المعنى الحقيقي – بالسخط المعنى الحقيقي – بالفرح المعنى الحقيقي – بالكراهة المعنى الحقيقي – وهكذا ،
لأنها ألفاظ جاءت بمعناها فإذا صرفناها عن معناها الظاهر صار ذلك من باب اتباع الهوى لا الهدى ،
الصفات الخبرية : وهي التي تدل على مسمى هو أبعاض لنا وأجزاء ،
مثل : الوجه ، واليد ، والقدم ، والأصابع ، والعين ،
كل هذه ألفاظ تدل على مسميات ،
هي بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء ،
أما بالنسبة لله ما نقول إنها أبعاض وأجزاء ،
لأن البعض والجزء : ( ما يمكن انفصال بعضه عن بعض ) [124] ،
وهذا بالنسبة لله عز وجل مستحيل ،
ولهذا لم نرى أحداً يقول : إن يد الله بعض منه أو جزء منه ، لا يقال هكذا في حق الله عز وجل [125] ،
لأن البعض والجزء : ( ما صح انفصاله عن الأصل ) ،
وهذا بالنسبة لله أمر مستحيل .(1/90)
إذن نسميها يداً ووجهاً وعيناً وإصبعاً وقدماً وما أشبه ذلك ، لكننا لا نسميها بعضاً أو جزءً ،
عكس طريقة السلف في هذا الباب : الذين أجروها على خلاف ظاهرها أو أجروها على ظاهرها وجعلوها من جنس صفات المخلوقين أو لم يجروها على ظاهرها ولا على غير ظاهرها بل سكتوا ،
فمثلاً : الذين أجروها على ظاهرها وجعلوها من جنس صفات المخلوقين هؤلاء الممثلة ،
وحقيقة الأمر : أنهم لم يجروها على ظاهرها وإن ادعوا إن هذا هو الظاهر فهم كاذبون ،
ولنضرب لذلك مثلاً بـ ( اليد ) إذا قالوا : إن ظاهر اليد أن تكون مثل أيدي المخلوقين ،
قلنا : كذبتم ليس هذا هو الظاهر ،
لأن هذه اليد أضيفت إلى الله فلا يمكن أن يكون المضاف إلى الله كالمضاف إلى المخلوق ،
بل المضاف إلى الله يكون لائقاً بالله عز وجل ووصف كل موصوف يناسبه ،
أرأيت يد الإنسان هل تفهم من هذه اليد المضافة إلى الإنسان أنها مثل اليد المضافة إلى الذرة ؟
أبداً ، ولا يمكن أن يفهم هذا إلا من فيه هوس ،
فكذلك اليد المضافة إلى الله لا يمكن أن يكون مدلولها كاليد المضافة إلى الإنسان ،
لأنها يد أضيفت إلى موصوف بها وصفة كل موصوف تليق به وتناسبه وبحسبه ،
فقولكم : إن ظاهر النصوص هو التمثيل [126] ، وأننا أسعد باتباع ظواهر النصوص ممن نفى التمثيل .
نقول : إن قولكم هذا ليس بصواب ،
الذين نفوا هذا الظاهر وقالوا : إن المراد بـ ( اليد ) القوة أو النعمة ،
وقالوا : نحن أسعد بتنزيه الله منكم ،
نقول لهم : كذبتم لستم أسعد بتنزيه الله منا ،
بل أنتم وصفتم الله تعالى وكلامه بالنقائص ،
حيث زعمتم أن الكتاب لا يراد به ظاهره ،
بل يراد به معنى يخالف الظاهر تتصرفون فيه أنتم بعقولكم كما تشاءون ،
ولذلك نجدكم متفرقين في المعنى المراد بهذا اللفظ ،
منكم من يقول : المراد كذا ،
وكل إنسان يأتي بما أراد مما يراه عقليات وهي وهميات ليست عقليات ،(1/91)
إذًا نقول : إن هؤلاء الذين قالوا : المراد بها خلاف الظاهر هم أيضاً لم يتبعوا ما يلزمهم من إجراءها على ظاهرها ،
إذن ما هو ظاهرها ؟
ظاهرها المعنى اللائق بالله حقيقة دون المجاز ،
فالمراد بـ ( اليد ) يد حقيقية تأخذ وتتصرف وتقبض وتبسط ،
وكذلك المراد بالأصابع أصابع حقيقية يأخذ الله بها ما أراد من خلقه ،
وكذلك المراد بالعين وهكذا بقية الصفات فنحن نمرها كما جاء لفظاً ومعنىً ،
لأنها ألفاظ جاءت لمعان فمن نفى اللفظ فإنه لم يمرها ومن نفى المعنى فإنه لم يمرها ،
بل الواجب أن نمرها كما جاءت ولا نتعرض لقولنا : كيف ؟ ولم ؟
لأن هذا التعرض من سبيل أهل البدع ،
بدليل : قول الإمام مالك رحمه الله : ( والسؤال عنه بدعة ) [127] ،
فلا يجوز أن يسأل عن صفة من صفات الله ، ونقول : كيف ؟
ولا يجوز أيضاً أن نقول : إذا صح هذا لزم منه هذا مما يمتنع على الله ،
يعني مثل الذين يقولون : إذا صح نزوله إلى السماء الدنيا لزم أن تكون السماء الثانية فوقه ،
هذا حرام ، ولا يجوز ،
ولا يمكن أن يُقَدِّرَ هذا التقدير من عرف الله وقدره حق قدره ،
بل نحن موقفنا في هذا الأمور التسليم وعدم التعرض لأي سؤال مثل هذه الأسئلة ،
أما لو قال : ما معنى النزول ؟ أو ما معنى المجيء ؟
فهذا لا بأس أن يسأل عن المعنى حتى يبين له ،
ما معنى الاستواء ؟
لا بأس .
لكن كيف استوى كيف ينزل كيف يجيء كيف عينه ؟ كيف قدمه ؟
لا يجوز .
******************
26 – ولا نرد ذاك بالعقول ،
لقول مفتر به جهول ،
قوله : ( ولا نرد ذاك ) : أي ما جاءت به النصوص من الآيات والأحاديث ،
قوله : ( لانرده بالعقول ) : وإنما قال ذلك إشارة إلى قول من يقول : إن المرجع في إثبات الصفات أو نفيها هو العقل ،(1/92)
فما اقتضى العقل ثبوته أثبتناه ،
وما اقتضى العقل نفيه نفيناه سواء كان موجوداً في القرآن والسنة أم غير موجود ،
وما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه فإما أن نتوقف فيه وإما أن ننفيه ،
وأكثرهم نفى ذلك [128] ،
فالأقسام عندهم ثلاثة :
الأول : ما اقتضته العقول فيثبتونه سواء كان ثابتاً في الكتاب والسنة أم لا ،
الثاني : ما اقتضى العقل نفيه فينفونه سواء كان ذلك موجوداً في الكتاب والسنة أم لا ،
الثالث : ما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه ،
فانقسموا فيه إلى قسمين :
1. قسم نفاه وهم الأكثر ،
2. وقسم توقف فيه وقال : لا نثبت ولا ننفي ، لأن العقل لا يقتضي إثباته ولا نفيه ،
فالذين نفوه وهم الأكثر قالوا : لأن العقل لم يدل عليه ، وما لم يدل عليه الدليل ، فالواجب نفيه ،
والذين توقفوا فيه قالوا : إن العقل لم يدل على نفيه ولم يدل على إثباته فالواجب التوقف ،
لكن كل هذه القاعدة قاعدة مبنية على شفا جرف هارٍ ،
لأنها قاعدة تقتضي تقديم المعقول على المنقول ، والعقل يقتضي تقديم المنقول على المعقول ،
وهذا من العجب أن يقولوا نحن نتبع العقل وهم يهدمون العقل بما يدعونه عقلاً ، العقل يقتضي أن هذه الأمور الغيبية نقتصر فيها على الخبر المجرد ، لأن العقل لا يمكن أن يتحكم فيها أو يدركها فكان مقتضى العقل الصريح أن يرجع فيها إلى النقل ،
خبرٌ محض ما تدركه بعقلك كيف ترجع إلى عقلك فيه ؟
الآن لو رجعت إلى عقلك بالنسبة إلى حال شخص من البشر ، هل يمكن أن تحكم بعقلك على أحواله ؟
لا يمكن لكن إنما تعتمد في أحواله على ما نقله عن نفسه أو ما نُقِلَ عنه بالخبر الصادق ، أما أن تتحكم عليه بعقلك فليس بصحيح كلٌّ له تصرف يختص به ، أنت في بيتك تقوم وتفطر وتذهب لعملك وهو لا يقوم ولا يفطر يروح لعمله قبل أن يفطر أليس كذلك ؟ يختلف عنك ، هذا وهو بشر حاله قريبةٌ من حالك فكيف بالله عز وجل ؟(1/93)
كيف تحكم على الله بعقلك والعقل يقتضي أن تعتمد في ذلك على النقل ؟
لأن هذا لا يثبت إلا بالخبر المحض ،
ولهذا نقول : أنتم يا أصحاب العقول هدمتم العقول ، لأنكم تقولون : العقل يقتضي ألا يوصف الله بذلك وهو قد وصف به نفسه
وهو خبر عن أمر لا يدرك بالعقل ، فالواجب فيه الاعتماد على النقل :
تقولون : هذا ثابت لله والله لم يثبته لنفسه ،
هذا أيضاً إثبات للعقل بما ينافي العقل ،
لأن الذي يقتضيه العقل أن ما لم يبلغك خبره في أمر غائب عنك أن تتوقف فيه ، أما أن تثبته مع نفي الله له ، فهذا زيادة في العدوان ،
فالحاصل : أن قول المؤلف : ( لا نرد ذاك بالعقول ) : يشير به إلى رد قول من يقول : ( إن المرجع في صفات الله إلى العقل ) ،
نقول لهم : إن هذه القاعدة باطلة من أساسها وإن هذه القاعدة تبطل الاعتماد على العقل ،
لأن العقل يقتضي أن ما طريقه الخبر المجرد يعتمد فيه على النقل وعلى الخبر ،
ما دامت العقول لا تدرك هذا فالواجب عليها أن تعتمد على النقل وما أخبر الله به عن نفسه أو أخبرت عنه رسله ،
ثالثاً : أن نقول : تحكيم العقل في هذا الباب تحكيم من لا يحيط بالحكم علماً ،
وذلك لأن ما يصف الله به نفسه لا يمكن للعقل أن يدركها ،
إذا كان الله يقول : { لا تدركه الأبصار } ( الأنعام 103 ) .
والإدراك بالبصر إدراك بمحسوس فكيف تدركه العقول ؟
العقول لا تدرك كنه حقيقة صفات الله عز وجل أبداً ،
{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) ،
ثم نقول لهم رابعاً : أن هذه العقول التي زعمتم أنها مرجع ومُحَكَّمْ في صفات الله عقولٌ متناقضة !
لأن هؤلاء العقلاء كما يَدَّعُون يتناقضون ،
فتجد بعضهم يقرر وجوب ذلك عقلاً والآخر يقرر وجوب ذلك عقلاً ،
وفرق واسع شاسع بين الواجب والممتنع ،
وكلٌّ منهم يَدَّعي أنه من ذوي العقول ،
هذا يقول : هذا ممتنع على الله ولا يجوز وصفه به ،
وهذا يقول : واجب لله فيجب وصفه به ،(1/94)
أين العقل ؟ بأي شيءٍ يوزن ما يجب لله وما يمتنع ؟ بأي عقلٍ يوزن ؟
إن قلنا : بعقل زيد ، قال عمرو : وراكم تتركون عقلي ،
إن قلنا : بعقل عمرو ، قال زيد : وراكم تتركون عقلي ،
فبأي عقل يوزن ؟
فأنتم متناقضون ،
بل إنه كما قال شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم : إن الواحد من هؤلاء الذين يحكمون العقل يكون متناقضاً ،
فيكتب في بعض مصنفاته : أن هذا واجب لله ،
ويكتب في المصنفات الأخرى : أنه ممتنع على الله ،
إذن الرجوع إلى العقل باطل من هذه الوجوه الأربعة ،
والواجب أن نرجع إلى النقل ،
فإذا وجب الرجوع إلى النقل فهناك مرحلة أخرى واجبة :
وهي أن نأخذ بظاهر هذا النقل ولا نحرفه ،
لا نقول : المراد به كذا وكذا مما يخالف الظاهر ، بل الواجب أن نأخذ بظاهره ،
فإذا قال قائل : إذا أخذت بظاهره فقد مثلت الله بخلقه ،
ولنفرض أنك أخذت بظاهر اليد أن لله يدين ،
يقول : إذا قلت : إن المراد باليدين هما ما يؤخذ بهما ويقبض فقد مثلت الله بخلقه ،
وحينئذِ وقعت فيما هو كفر ،
فما جوابنا على ذلك ؟
جوابنا على ذلك أن نقول : من يقول : إن ظاهر اليدين حقيقة يقتضي المماثلة ؟ من يقول هذا ؟
بل لنا أن نقول : إن ظاهر المضافتين إلى الله حقيقة يقتضي امتناع المماثلة وذلك ، كيف ذلك ؟
لأنها يداً أضيفت إلى متصفٍ بها ،
ومن المعلوم أن ما أضيف إلى الشيء فإنه يكون لائقاً به ،
فاليدان اللتان أضافهما الله إلى نفسه يدان لائقتان لله عز وجل لا يمكن أن تماثل أيدي المخلوقين ،
ألم تكن تقول : يد إنسانٍ ، وتقول : يد حمار ، وتقول : يد جملٍ ، وتقول : يد هرٍّ ، وتقول : يد أسدٍ ، وتقول : يد ذرة ؟
هل أحد من الناس يعتقد التماثل في هذه الأيدي ؟
أبداً ،
لأنها مضافة إلى متصفٍ بها فتكون هذه الأيدي لائقةً بالموصوف به ،
لكن إذا قلت : يد أسدٍ ويد أسدٍ آخر ، صارت مماثلة ،(1/95)
فإذا عُلم التباين بين المخلوقات بعضها مع بعضٍ فالتباين بين الخالق والمخلوق من باب أولى ،
ومن اعتقد أن ظاهر نصوص الكتاب والسنة التمثيل ، فقد كفر ،
لأن تمثيل الله بخلقه كفرٌ ،
ومن زعم أن ظاهر الكتاب والسنة ما يقتضي الكفر ، فهو كافر ،
لأن الكتاب والسنة يقرران الإيمان وينكران الكفر ،
ولهذا قال نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله شيخ البخاري : ( من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً ) [129] ،
فالحاصل أن نقول : إننا إذا أخذنا بظاهر النصوص لم نكن ممثلين ، بل نحن أبعد الناس عن التمثيل ،
والممثل حقيقة : هو الذي صرف عن ظاهرها هذا هو الذي جعل النصوص دالة على التمثيل ،
لأنه لم يصرفها عن ظاهرها إلا حيث اعتقد أن ظاهرها يقتضي التمثيل فلما اعتقد هذه العقيدة الباطلة ذهب يصرفها عن ظاهرها [130] ،
ولهذا نقول : كل معطلٍ فهو ممثل لأنه لم يعطل إلا حيث اعتقد أن ظاهرها التمثيل فذهب يصرفها عن ظاهرها ويعطل مدلولها عما أراده الله ،
من القائلون بتحكيم العقل ؟
القائلون بتحكيم العقل الجهمية [131] والمعتزلة [132] والأشاعرة [133] والماتريدية ،
وكل أهل التأويل يقولون بتحكيم العقل في هذا الباب ،
وسيأتي إن شاء الله في كلام المؤلف : أن الأشاعرة لا يثبتون من الصفات إلا سبعاً ،
ادعوا أن العقل يقتضيها وأنكروا بقية الصفات بحجة أن العقل لا يقتضيها ،
ولكننا نقول إن شاء الله : بأن العقل يؤيد ما جاءت به النصوص من هذه الصفات الكمالية التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها ،
قوله ( ولا نرد ذاك بالعقول ) : والذين رجعوا إلى العقول هل ردوها ؟
ردوها لأنهم أنكروا دلالتها على المراد بها ،
فقالوا مثلاً : في قوله تعالى : { وجاء ربك } ( الفجر 22 ) أي وجاء أمر ربك ، ردوها ،
إذا قالوا : نحن لم نردها ولم نكذب بمجيء الله لكن المراد بمجيئه مجيء أمره ؟(1/96)
نقول : وهل هذا إلا ردٌ ، ما معنى الرد إذا لم يكن هذا رداًّّّ ؟
ربنا تعالى يقول : { وجاء ربك } .
وأنتم تقولون : لم يجيء ربك الذي جاء أمره ،
سبحان الله ، هل الله يبين لعباده خشية أن يضلوا أو يعمي على عباده ليضلوا ؟
الجواب : الأول ، { يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيءٍ عليم } ( النساء 176 ) لو كان الله يريد بقوله : { وجاء ربك } : ( وجاء أمر ربك ) لكان هذا أبلغ ما يكون في التعمية ،
كيف يقول لنا : { وجاء ربك } ، وهو يريد ( وجاء أمره ) ؟
هل هذا إلا من عدم البيان بل من التلبيس على العباد ؟
كيف يقول عن نفسه وهو واجب على عباده أن يعرفوه بصفاته ؟
كيف يقول : { وجاء ربك } وهو يريد ( وجاء أمر ربك ) ؟
فإذا قال قائل : إن الله يقول : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } ( النحل 1 ) ، فيجب أن نحمل { وجاء ربك } على هذا الآية ؟
نقول : هذه الآية التي استدللتم بها حجة عليكم وليست حجة لكم ،
لأن اختلاف التعبير في موضعين يدل على أن أحدهما غير الآخر ،
لو كان الله يريد بقوله : { وجاء ربك } يعني ( جاء أمر ربك ) لقاله كما قاله في الآية الثانية { أتى أمر الله } ثم إن الله قال هنا : { وجاء ربك والمَلَكُ صفاً صفاً } ( الفجر 22 ) ومعلوم أن الذي جاء هم الملائكة أنفسهم وليس أمرهم ،
ففي الآية أيضاً قرينة لفظية تدل على امتناع تفسيرها بمجيء أمره ،
ولا تعجبوا أن يكون كل دليل استدل به المبطل فإنه يكون دليلاً عليه ،
لأن استدلاله به يدل على أن فيه إشارة إلى هذا المعنى لكنه إشارة على غير ما أراده ،
وقد التزم شيخ الإسلام في كتابه : ( درء تعارض العقل والنقل ) التزم بأنه لا يأتي مبطل بحجة يحتج بها على باطله إلا جعلها دليلاً عليه ، لا له ،
إذن نحن نقول لهؤلاء الذي يحكمون العقل : أنكم أنتم الذين خرجتم بآيات الصفات وأحاديثها عن ظاهرها ، أما نحن فإننا أخذنا بظاهرها ،(1/97)
لأن الله تعالى إنما أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء وأراد من عباده أن يهتدوا بهذا القرآن لا أن يضلوا فيه ،
وإذا كنتم أنتم تعملون بظاهر النصوص في العبادات والمعاملات ، وهي أيضاً – أعني العبادات والمعاملات – فيها ما يرجع فيه إلى العقل كالمسائل القياسية ،
فكيف لا ترجعون فيها إلى مجرد النقل وتمنعون القياس كما منعه أهل الظاهر ؟
مع أن هؤلاء الذين يرجعون إلى العقل في باب الصفات يرجعون إليه أيضاً في باب الأحكام ،
لكنهم يأخذون بظاهر النصوص فيها ،
ولا يأخذون بظاهر النصوص في باب الصفات ،
وهذا من التناقض في الاستدلال ،
خامساً : أن في الاعتماد على العقل ارتكاب محظورين عظيمين :
أحدهما : أن نقول على الله ما لا نعلم ،
ثانياً : أن ننفي عن الله ما أثبته لنفسه ،
وهذا محذور عظيم ، لا يمكن لمؤمن أن يرتكبه بل ولا يمكن لعاقل أن يرتكبه فضلاً عن المؤمن ، وهؤلاء ارتكبوا ذلك بحجة أن العقل يمنع هذا على الله ، أو بحجة أن العقل يوجب على الله هذا الشيء ،
ولهذا قال المؤلف :
ولا نرد ذاك بالعقول ،
لقول مفتر به جهول ،
قوله : ( لقول مفتر ) : اللام هنا للتعليل أي من أجل قول مفتر ، والمفتري هو الكاذب ،
قوله : ( به ) : أي كاذب به ،
قوله : ( جهول ) : ويجوز أن نجعل ( به ) متعلق بجهول ، أي جهول به ،
وإنما قال المؤلف ( مفتر وجهول ) : لأن من خالف النص وقال المراد به كذا فهو :
إما كاذب وإما جاهل ،
إما كاذب إن تعمد مخالفة النص ،
يعني يعلم أن النص يدل على كذا ، ولكن يقول : نرجع إلى كذا ،
وإما جهول إن كان لا يدري أنه خالف النص ،
فالذين خالفوا النصوص في هذا الباب لا يخرجون عن أحد هذين الوصفين :
1. إما الكذب إن علموا أن النص يدل على خلاف قولهم ولكن ارتكبوا خلافه عن عمد ،(1/98)
2. وإما الجهل أن ارتكبوا خلاف النص عن غير عمد ،
******************
27 – فعقدنا الإثبات يا خليلي ،
من غير تعطيل ولا تمثيل ،
قوله : ( فعقدنا ) : يعني اعتقادنا ،
قوله : ( الإثبات ) : أي إثبات هو ؟ إثبات ما أثبته الله لنفسه ،
ولا شك أن في العبارة قصوراً ،
لأن : ( عقدنا ) : الإثبات فيما أثبته الله لنفسه ، والنفي ما نفاه الله عن نفسه ، والتوقف فيما لم يرد إثباته ولا نفيه ما لم يتضمن نقصاً فإن تضمن نقصاً محضاً فهو مما ينفي عن الله ،
فصار اعتقادنا على النحو الآتي :
أولاً : إثبات ما أثبته الله لنفسه ،
والثاني : نفي ما نفاه الله عن نفسه [134] ،
والثالث : التوقف فيما لم يرد إثباته ولا نفيه ما لم يتضمن نقصاً محضاً ، فإننا ننفيه عن الله ،
1 - إثبات ما أثبته الله لنفسه : كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والوجه والعين واليد والقدم والأصبُع وما أشبه ذلك ،
2 - نفي ما نفاه الله عن نفسه : كالظلم والجهل والغفلة والنسيان وما أشبه ذلك ،
ننفي ما نفاه الله عن نفسه ، والعور أيضاً ، العور في العين فننفى ما نفاه الله عن نفسه ،
3 - الثالث : ما لم يرد نفيه ولا إثباته : يجب علينا أن نتوقف فيه ما لم يتضمن نقصاً ،
فإن تضمن نقصاً محضاً وجب رده وإن لم يَرِدْ نفيه ،
مثال ذلك : فيما لم يرد إثباته ولا نفيه : الجسم ،
لو قال لنا قائل : هل تقولون إن الله جسم ؟
فالجواب : لا نقول : إنه جسم ، انظر العبارة : لا نقول : إنه جسم ، أو نقول : إنه ليس بجسم ،
أيهما أصح ؟ يعني هل الصحيح نقول : ليس بجسم ، أو الصحيح نقول : إنه ليس بجسم ؟
الثانية الصحيحة ، يعني لا نقول : إنه جسم ،
لأنك إذا قلت : نقول : إنه ليس بجسم نفيت أنه جسم ،
أما إذا قلت : لا نقول : إنه جسم فقد نفيت القول بأنه جسم وفرق بين النفيين ،(1/99)
لأن الأول نقول : إنه ليس بجسم ، حكمٌ بانتفاء الجسمية عن الله ، وهذا ليس عندنا علم فيه ،
والثاني لا نقول : إنه جسم ، نفيٌ للقول بذلك ونعم نحن ننفي أن نقول بذلك لأننا لا نعلم ،
إذن الجسم نقول : لا نثبته ولا ننفيه ، لماذا ؟
لأن الله لم يثبته لنفسه ولم ينفيه ، فإذا لم ينفه عن نفسه ولم يثبته فليس لنا شغل ، نقف حيث وقف النص ،
ولكن نسأل عن المعنى المراد بالجسم ، يعني اللفظ نتوقف فيه ، المعنى نسأل : ماذا تريد بالجسم ؟
إن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يستحقه من الصفات فهذا المعنى صحيح ،
فإن الله تعالى شيء قائم بنفسه متصف بما يليق به من الصفات يستوي ويأتي وينزل ويفرح ويغضب ويرضى نؤمن بذلك ،
وإن أردت بالجسم الشيء المركب من أجزاء يفتقر بعضها إلى بعض ويجوز انفصال بعضها عن بعض كما في الأجسام المخلوقة فهذا باطل [135] ،
كذلك أيضاً : ( الجهة ) هل الله في جهة ؟
نقول : أما اللفظ فإننا نتوقف فيه وما لنا وله ،
ولكن المعنى نستفصل : ماذا تريد في جهة ؟
إن أردت أن الله تعالى في جهة تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا ممتنع وباطل ،
وإن أردت بذلك سُفْلْ ومخالطة للمخلوقات فهذا أيضاً باطل ممتنع على الله فليس الله تعالى في جهة السفل وليس في جهة تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف ،
وإن أردت أنه في جهة عليا عدمية لا تحيط به ما ثم إلا هو عز وجل فهذا حق [136] ،
والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى ، قال للجارية : ( أين الله ؟ ) ، قالت : في السماء [137] ،
فاستفهم بـ ( أين ) التي يستفهم بها عن المكان ، والمرأة أجابت بـ ( في ) الدالة على الظرفية لكن الظرفية العدمية نعني ما فيه شيء يحيط بالله ما ثَمَّ فوق المخلوقات إلا الله ،(1/100)
وفي خطبة يوم عرفة التي لم يشهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا المسلمون اجتماعاً أكبر منها وأعظم منها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال وهو يخطب الناس : ( ألا هل بلغت ؟ ) قالوا : نعم ، قال : ( اللهم اشهد ) ، يشير بها إلى السماء ويَنْكُتُ بإصبعه إلى الناس ، ( ألا هل بلغت ؟ ) ، قالوا : نعم ، ففعلها مرة أخرى ، ( ألا هل بلغت ؟ ) ، قالوا : نعم ، ففعلها مرة ثالثة [138] ،
ماذا تعني هذه الإشارة ؟
تعني أن الله في جهة العلو ،
إذن إذا أردت بذلك جهة علو عدمية أي ليس فوق إلا الله وحده فهذا صحيح ، لكن مع ذلك فنظراً لكون البسطاء من الناس يفهمون من الجهة أنه في كل مكان مثلاً ،
نقول : لا تطلق أن الله في جهة أو في غير جهة بل لا بد من التقييد على حسب التفصيل السابق ،
( الحيِّز ) كذلك اللفظ نتوقف فيه ،
المعنى نستفصل :
فإن أردت أن الله في ( حيِّز ) يحيط به ويحوزه فهذا باطل وممتنع ، لأن الله عز وجل لا يحيط به شيء من مخلوقاته ،
وإن أردت أنه منحاز عن المخلوقات بائن منها غير مختلط فيها ولا هي حالَّةٌ فيه فهذا حق [139] ،
قلنا : في القسم الثالث : الذي لم يرد نفيه ولا إثباته نتوقف فيه إلا إذا تضمن نقصاً محضاً ،
مثل لو قال لك قائل : هل لله أمعاء ؟
فتقول : لا ، لأن الأمعاء إنما تكون للآكل ، والله عز وجل يُطعِم ولا يُطعَم ولا يأكل ،
وقد يقول قائل : إن هناك دليلاً من القرآن على أنه ليس له أمعاء وهي الصمد [140] ،
لكن لو قال قائل : هل لله آلة تناسل مثلاً ؟
نسأل الله العافية ، لأن أهل التعطيل يلجئون أهل السنة بمثل هذه الافتراضات ، ماذا نقول ؟
نقول : لا ، لأن هذه إنما يحتاج إليها من يحتاج إلى الولد ، والله عز وجل { لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد } ( الإخلاص 3 – 4 ) .
وذكرنا أن قول المؤلف : ( فعقدنا الإثبات ) : فيه قصور ،
لأن الواقع أن عقدنا إثبات ونفي وتوقف ،(1/101)
ولكن في باب النفي هل الله تعالى متصف بصفات هي نفي محض ؟
الجواب : لا ،
صفات الله تعال المنفية متضمنة لثبوت كمال فيجب أن نؤمن بأنها متضمنة لثبوت كمال ،
لأنها يراد بها بيان كمال الصفة المضادة فلا يظلم الله شيئاً ،
{ إن الله لا يظلم الناس شيئا } ( يونس 44 ) ، لكمال عدله ،
فهذا النفي إنما هو من أجل كمال الضد ،
قد يكون في الإنسان عدل لكن يكون فيه أيضاً ظلم ،
فيقال : فلان عدل ، لكن ظلم في القضية الفلانية ،
فلا ينتفي عنه الظلم ،
لكن الله عز وجل ينتفي عنه الظلم ،
لأن العدل لديه كامل ،
لا يمكن أن يرد في حقه الظلم لا في قليل ولا في كثير فانتفى الظلم عنه ،
لكمال العدل في حقه عز وجل ،
لو قلت : أنا أقول : لا يظلم ، ولا أقول : لكمال العدل ،
قلنا : هذا ليس بصحيح ،
لأن صفات الله عز وجل كلها عليا ،
وظلم لا يتضمن كمال العدل ليس من الصفات العليا ،
لأن نفي الظلم إذا لم يكن لكمال العدل ، فقد يكون نقصاً ، وقد يكون لعدم القابلية ،
فلا يمدح بنقص ولا كمال ،
نفي الظلم قد يكون نقصاً ،
وقد يكون لعدم القابلية فلا يكون نقصاً ولا مدحاً ،
فإذا قلت : فلان رجل حبيب لا يظلم الناس ،
يضربونه ، يقول : اللهم أعني على ذكرك وذكرك وحسن عبادتك وأعني على الصبر ،
يأخذون ماله ، ويقول : اللهم أغنني ،
يكسرون سيارته ، يقول : اللهم يسر لي من يصلحها حتى تذهب إلى الفحص ، وهكذا ، لماذا ؟
لأنه غير قادر لأنه ضعيف مرة ضعيف جداً بل يخاف إن تكلم أن يضرب زيادة ،
هل هذا يعتبر مدحاً إذا قلنا : لا يظلم ؟
لا ،
ولهذا قال الشاعر [141] :
قُبَيِّلَةٌ لا يغدرون بذمة ،
ولا يظلمون الناس حبة خردل ،
لو سمعت هذا لقلت هؤلاء أناس أهل وفاء وأهل عدل ،
لكن الواقع أنه يسبهم أنهم لا يقدرون على الغدر ولا على الظلم ،(1/102)
وإلى زمن قريب أظن أن أهل البادية يرون الشرير السروق الظالم يرون أنه هو الرجل هو صاحب الشهامة ،
ولهذا يقولون : أن بعضهم يقول : لا نزوج هذا الرجل حتى يثبت أنه سرق أكثر من مرة لأنه هو الرجل ،
ويقول الشاعر أيضاً [142] :
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسبٍ ،
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا ،
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةً ،
ومن إساءة أهل السوء إحساناً ،
فليت لي بهمُ قوماً إذا ركبوا ،
شنوا الغارة فرساناً وركباناً [143] ،
هذا الرجل يمدح قومه أو لا ؟ يذمهم ولهذا قال ليت لي بدلهم ،
إذن نفي النقص لعدم القدرة عليه يعتبر نقصاً ، وقد يكون نفي النقص لأن المحل غير قابل له ،
كما لو قلت : جدارنا لا يظلم الناس سيارتي لا تظلم أحدًا فهذا لا يعتبر مدحاً ، لأنه لا يقبل لا الظلم ولا العدل ،
طيب لو قلت : بعيري لا تظلم ، يمكن ، لأن بعض الإبل يكون شريراً أليس كذلك ؟ يكون شريراً يأكل الناس ويأكل أطعمتهم ،
ولهذا لما قالوا : خلأت القصواء – ناقة النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية – قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ) [144] ،
فدل على نفي النقص عنها لأنها كاملة ، ( ما خلأت وليس لها بخلق وإنما حبسها حابس الفيل ) والله أعلم ،
قوله : ( من غير تعطيل ولا تمثيل ) : يجب علينا أن نثبت بلا تعطيل ،
والتعطيل نوعان :
1 – تعطيل للنص ،
2 – وتعطيل للصفة ،
فأما تعطيل النص : فتعطيله عن دلالته ،
وأما تعطيل الصفة : فنفيها عن الله عز وجل ،
مثلاً : اليد تعطيلها باعتبار تعطيل صفة ، أن يقول : ليس لله يد حقيقية ،(1/103)
وتعطيل النص : أن يقول : قوله تعالى : { لما خلقتُ بيديَّ } ( ص 75 ) أي بقدرتي أو نعمتي ،
فالتعطيل إذن إما تعطيلٌ للنصوص بمنع دلالاتها على ما أُريدَ بها ،
وإما تعطيل للصفات بنفيها عن الله سبحانه وتعالى مع ثبوتها له ،
أهل السنة والجماعة يتبرءون من التعطيلين ،
لأنهم يجرون النصوص على ظاهرها ولأنهم يثبتون لله ما أثبته الله لنفسه ،
ثم اعلم أن التعطيل الذي ينفيه أهل السنة والجماعة ينقسم إلى أقسام :
1 – أولاً : تعطيل جزئي : يكون بإثبات الأسماء وإثبات سبعٍ من الصفات وإنكار الباقي ،
وهذا مذهب الأشاعرة [145] ،
الأشاعرة يثبتون الأسماء لله عز وجل ويثبتون سبعاً من الصفات وينكرون الباقي ،
فإذا جاءت النصوص بدلالةٍ على الباقي حرفوها ، فيكون هؤلاء عطلوا النصوص وعطلوا الصفات فيما نفوه ،
فمثلاً : يقولون : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( المائدة 119 ) ، يقولون : معنى : { رضي الله عنهم } : أي أثابهم ،
فيفسرون الرضا بالمفعول المنفصل عن الله وهو الثواب فهؤلاء عطلوا ماذا ؟
عطلوا الصفة وهي الرضى ،
وعطلوا النص فصرفوا وهو دلالته عن الرضى إلى الثواب فعطلوه عن مدلوله ،
2 – فيه تعطيل فوق ذلك : بتعطيل الصفات كلها دون الأسماء ،
فينكرون الصفات عن الله ويثبتون الأسماء ،
ومنهم يقر بالعلم والحياة والقدرة لأنه لا بد للرب منها وما عدا ذلك يحرفونه ،
وهؤلاء هم المعتزلة هذا المشهور عنهم [146] ،
أنهم يقرون الأسماء ولكن ينكرون الصفات أو يقرون بثلاث صفات وينكرون الباقي ،
3 – الثالث : تعطيلٌ فوق ذلك : وهو إنكار الأسماء والصفات ،
فيقولون : إن الله لا يسمى سميعاً ولا يثبت له سمع وكل ما سمى الله به نفسه يجعلونه اسماً للمخلوقات ، السميع ليس الله هو السميع بل السميع خلقه وأضيف السمع إليه لأن الله هو الذي خلقه في هذا ، فيجعلون الأسماء والصفات كلها للمخلوقات لا للخالق عز وجل ،(1/104)
وهؤلاء غلاة الجهمية يقولون : لا نؤمن بأن الله له أسماء ولا بأن الله له صفات [147] ،
4 – الرابع : قومٌ فوق ذلك : لا يثبتون لله أي صفةٍ ثبوتية ،
كل شيءٍ ثبوتي لا يثبتونه لله ، وإنما يثبتون لله السلبيات فقط ،
فيقولون مثلاً : ليس بمعدوم ليس بجاهل ليس بأصم ليس بأعمى ،
وأما إثبات الصفة فهي ممنوعة لا الأسماء ولا الصفات ،
وهؤلاء أيضاً القرامطة وأشباههم [148] ،
5 – والخامس : فوق ذلك : وهم الذين يعطلون النفي والإثبات ،
فلا يصفون الله بصفة ثبوتية ولا بصفةٍِ سلبية ،
وهذا مذهب غلاة الغلاة ( ذكرها الشيخ في المناقشة ) ،
فيقولون : إنه لا يرضى فلا نثبت الرضى ، ولا نقول : لا ، لا يرضى ،
لا يثبتون الإثبات ولا النفي ،
يقولون : لا نقول : حي ولا ميت لا سميع ولا أصم لا بصير ولا أعمى ،
فينفون عنه النفي والإثبات ،
يقولون : لأنك لو أثبتَّ لشبهته بالمثبتات ولو نفيت لشبهته بالمنفيات ،
فأنت واقع في التشبيه سواءٌ أثبتَّ أم نفيت ،
فنقول لهم : هل تقولون : إنه موجود ؟ فسيقولون : لا ، هل تقولون : معدوم ؟ لا ،
إذن لا موجود ولا معدوم ،
وهل هذا ممكن أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً أو أن يكون الشيء موجوداً معدوماً ؟
لا يمكن ،
إذن أنتم الآن فررتم من تشبيهه بالمنفيات أو بالمثبتات وشبهتموه بالممتنعات ،
والممتنع لا وجود له أصلاً ،
انظر كيف الشيطان يلعب ببني آدم إلى هذا الحد ،
يقول : إن قلت : حي فقد شبهت ، وإن قلت : ليس بحي فقد شبهت ،
إن قلت : السميع شبهت إن قلت : ليس بسميع شبهت ،
ماذا نصنع ؟
قل : لا سميع ولا غير سميع ،
إن قلت : موجود شبهت ، إن قلت : لا موجود شبهت ،
إذن ماذا أقول ؟
قل : لا موجود ولا لا موجود ،
وهذا غاية ما يكون من الامتناع ،(1/105)
وقال لهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : يا جماعة – يعني بهذا المعنى ما هو بهذا اللفظ – أنتم إن فررتم من تشبيهه بالمثبتات والمنفيات مع أن المثبتات والمنفيات أمر ممكن فقد شبهتموه بالممتنعات ،
لأن تقابل والنفي والإثبات بإجماع العقلاء من باب تقابل النقيضين [149] ،
يعني لو سلمنا جدلاً بأن الحياة والموت من باب تقابل العدم والملكة ،
وأنه يصح أن نقول : لا حي ولا ميت فيما لا حي ولا ميت ، فيما لا يقبل الحياة ولا الموت كالجماد ،
مثلاً : الجدار هذا نقول : لا حي ولا ميت ، لأنه لا يقبل الحياة ولا الموت ،
يعني لو سلمنا جدلاً أن نوافقكم بأن تقابل الحياة والموت والسمع والصمم ، من باب تقابل العدم والملكة التي يجوز أن تُنفى عن من لا يكون محلاً قابلاً لها ،
لكن لا يمكن أن تخرجوا عن الإثبات والنفي ،
لأن تقابل الإثبات والنفي من باب تقابل النقيضين يعني ليس هناك شيء إلا موجود أو معدوم إلا ثابت أو منفي ،
فإذا نفيتم الإثبات والنفي أو الوجود والعدم فقد أتيتم بما أجمع العقلاء على امتناعه لماذا ؟
لأن تقابل الوجود والعدم والإثبات والنفي من باب تقابل النقيضين اللذين أجمع العقلاء على أنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ،
فأنتم لا بد أن تصفوه إما بالوجود وإما بالعدم ،
إما أن تقولوا : ليس بموجود ،
أو تقولوا : ليس بمعدوم ،
أما أن تقولوا : لا موجود ولا معدوم ، فهذا شيء ممتنع ،
على كل حال صار التعطيل خمسة أنواع ،
الخامس : يقول شيخ الإسلام : إن هؤلاء غلاة القرامطة والباطنية يقولون هكذا لا يصفون الله بالصفات الثبوتية ولا بالسلبية وهو كما عرفتم ،
إذن خمسة أنواع التعطيل ،
أهل السنة والجماعة يتبرءون من جميع هذه الأنواع ويثبتون لله كل ما أثبته لنفسه ،
ويقولون لهؤلاء : إنكم ما فررتم من شيء إلا وقعتم في شرٍّ منه لا في مثله فحسب في شرٍّ منه ،
لأن هؤلاء إذا فروا من مما يعتقدونه تشبيهاً وأثبتوا صفةً أخرى ،(1/106)
نقول لهم : هذه الصفة موجودة في المخلوق فقد وقعتم فيما فررتم منه من حيث التشبيه بالمخلوق وشرٍّ منه من حيث تحريف النص ،
ونضرب مثلاً : الذين يقولون : إن الله ليس له يدٌ حقيقية وإنما له قوة ،
لماذا لم يثبتوا اليد الحقيقية ؟
قال : لأن هذا يقتضي التشبيه بالمخلوق الذي له يد وجارحة ،
نقول : والقوة هل للمخلوق قوة ؟
نعم ،
لا يستطيع أن يقول : لا ،
والله يقول : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة } ( الروم 54 ) ، أنتم الآن كان لكم ضعف ثم قوة ثم ضعف ،
فأنتم إذا قلتم : اليد القوة ، وقعتم في التشبيه على قاعدتكم ،
لأن للمخلوق قوة فيلزم على قاعدتكم أن تكونوا مشبهين لله تعالى بخلقه ،
قلنا : وشر مما فروا منه وهو تحريف النص حيث حرفتم معنى النص إلى معنى خلاف الظاهر ،
وهكذا كل الذين يتكلمون في التعطيل نقول : هم فروا من شيء ووقعوا في شرٍ منه ،
قوله : ( ولا تمثيل ) : يعني كذلك أيضاً نثبت بلا تمثيل ،
وهذا من المؤلف جيد جداً حيث أتى بنفي التمثيل دون نفي التشبيه [150] ،
فإن هذا أولى لوجوه ثلاثة :
الوجه الأول : أن نفي التمثيل هو الذي جاء به النص ،
كما قال تعالى : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) .
وقال تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } ( النحل 74 ) .
ولا شك أن استعمال الألفاظ التي جاءت بها النصوص أولى بكثير من استعمال ألفاظ جديدة ، لماذا ؟
لأنك إذا استعملت الألفاظ التي جاءت بها النصوص ربطت الناس ربطتهم بالنصوص ،
وربط الناس بالنصوص له أثرٌ جيد محبوب ،
وثانياً : إذا استعملت الألفاظ التي جاءت بها النصوص سلمت من أي اعتراض ، لماذا ؟
لأن النصوص مُحْكَمَة ليس فيها تناقض ولا اختلاف ،
وثالثاً : أنك إذا استعملت الألفاظ التي جاءت بها النصوص فإن ذلك أدق وأَبْيَنْ مما إذا استعملت عبارات أخرى ،
وإن كانت فيما يبدو للسامع مرادفةً لما جاءت به النصوص ،(1/107)
إذن ( من غير تمثيل ) نقول : أولى لوجوهٍ ثلاثة :
الأول : أن ذلك هو اللفظ الذي جاء به النص ،
الثاني : أن نفي التشبيه من أي وجه لا يصح ،
لأنه ما من شيئين موجودين إلا وبينهما تشابه في الجملة ،
لولا هذا التشابه ما استطعنا أن نعرف المعنى أبداً ،
فلله حياة وللإنسان حياة فيه نوع من التشابه ،
لكن هل فيه تشابه فيما يختص فيه كل واحد ؟
لا ، للمخلوق حياة تتميز عن حياة الخالق وللخالق حياةٌ تتميز عن حياة المخلوق ،
كما أن للخالق ذاتاً تتميز عن ذات المخلوق وكذلك للمخلوق ذاتٌ تتميز عن حياة الخالق ،
الوجه الثالث : أن نفي التشبيه صار يطلق على نفي الصفات ،
لأن من الناس من يقول : كل من أثبت لله صفة فهو مشبه ،
فإذا قلت : ( من غير تشبيه ) صار معناها عند هذا القائل : ( من غير إثبات صفات ) ، وهذا معنىً باطل ،
إذن فما نقرأه من كلمة ( من غير تشبيه ) في كثير الكتب المؤلفة في هذا الباب إنما يريدون به ( من غير تمثيل ) ،
لأن نفي التشبيه من كل وجه لا يصح ،
ولأن نفي التشبيه يرى بعض الناس أو يعتقد بعض الناس أن كل من أثبت صفةً لله فهو مشبه ،
ويكون المعنى على اعتقاد هذا من غير إثبات صفات ،
وأما الوجه الثالث : فلأنه اللفظ الذي جاء به القرآن ،
******************
28 – وكل من أوَّلَ في الصفات ،
كذاته من غير إثبات ،
29 – فقد تعدى واستطال واجترى ،
وخاض في بحر الهلاك وافترى ،
قوله : ( وكل ) : مبتدأ ، والخبر : ( فقد تعدى ) ،
وقرن المؤلف الخبر بالفاء ، لأن المبتدأ يشبه الشرط في العموم ،
قال العلماء : وإذا كان المبتدأ يشبه الشرط في العموم حَسُنَ اقتران خبره بالفاء ،
ومثلوا لذلك بقولهم : ( الذي يأتيني فله درهم ) وهذا مثله ، كل من أوّل فقد تعدى ،(1/108)
قوله : ( مَن أوّل ) : ( مَن ) : اسم موصول يشمل كل مؤوّل ،
يعني سواء كان تأويله عاماً أو خاصاً ،
فإذا أوّل أي نص من غير ما إثبات فإنه يكون متعدياً ،
وسواء أوّل في الصفات الخبرية أو في الصفات الفعلية أو في الصفات الذاتية فإنه يعتبر متعدياً ،
فمن قال مثلاً : إن المراد باليدين النعمة فهو مؤوّل ،
ومن قال : إن المراد بالوجه الثواب فهو مؤوِّل ،
ومن قال : إن المراد بالاستواء الاستيلاء فهو مؤوّل ،
وتسميتنا إياه تأويلاً من باب التسامح وإلا في الحقيقة أن هذا تحريف ،
فكل تأويل ليس له أصل فإنه ينبغي أن نسميه تحريفاً كما نطق به القرآن { يُحَرِّفونَ الكلم عن مواضعه } ( النساء 46 ) .
فكل من أوّل الكلم عن موضعه وحمله على معنىً آخر فقد حرّف ،
قوله : ( كذاته ) : يعني : كما أن من أوّل في ذات الله من غير إثبات فهو متعدي فكذلك من أوّل في الصفات ،
وهذا إشارة من المؤلف بأن القول في الصفات كالقول في الذات [151] ، فكما أننا نشبه لله ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين ، فإننا نثبت له صفات لا تشبه صفات المخلوقين ،
قوله : ( من غير ما إثبات ) : يعني : من غير ما دليل على تأويله ، فإنه يكون متعدياً ،
فإن وجد دليل للتأويل فإن ذلك لا بأس به ولا يعد هذا تعدياً ،
مثاله : قوله سبحانه وتعالى : ( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) [152] ، هذا حديث قدسي ،
لو قال قائل : ظاهر الحديث أن الله يكون سمع الإنسان وبصره ويده ورجله فلماذا تؤولون هذا الحديث وتقولون : إن المراد أن الله يسدد هذا الرجل في سمعه وبصره ومشيه وبطشه ؟(1/109)
فالجواب : نقول : لأن عندنا دليلاً يدل على ذلك يقول الله عز وجل : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) [153] ، فهنا فيه عابد ومعبود ،
لقوله : ( ما تقرب إلي عبدي ) فيه متقرِّب ومتقرَّب إليه ( ما تقرب إلي عبدي ) ،
فيه فارض ومفروض عليه ( مما افترضته عليه ) ،
فيه أيضاً سائل ومسئول ومعطٍ ومعطي ومستعيذ ومستعاذ به ( ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ) ،
وكل هذا يدل على التباين بين هذا وبين هذا ،
فإذا كان هذا دال على التباين ،
فكيف يكون هذا الشيء المبايِن بعضاً من الشيء المبايَن ؟
كيف يكون سمعه وبصره ويده ورجله ؟
هذا مستحيل ، أيضاً السمع والبصر واليد والرجل بعضٌ من مخلوق ولا يمكن أن يكون بعضَ المخلوق هو الخالق هذا شيء مستحيل ،
فعندنا دليل على هذا التأويل ،
وإذا قام الدليل على التأويل ، فإننا نقول : ليس ظاهر الحديث مقصوداً ،
بل لنا أن نقول : إن هذا الظاهر الذي أدّعي ليس هو ظاهر الحديث ،
لأن ظاهر الحديث يناقض سياقه لأن ظاهر الحديث المزعوم يناقض سياقه ،
ومعلوم أن ظاهر الكلام ما يقتضيه سياقه والألفاظ ليس كل لفظ له معنىً منفرد بل الألفاظ يكون معناها بضم بعضها إلى بعض فنحن لم نخرج عن ظاهر الحديث ولم نؤول ،
وإذا تنزلنا جدلاً وقلنا : إن هذا تأويل ،
فإننا نقول : إن هذا التأويل قد دل عليه الدليل ،
وإذا دل عليه الدليل من كلام من تأولنا كلامه لم نكن خرجنا بكلامه عن ظاهره ، لأن المتكلم أعلم بالمراد ،(1/110)
ومثل ذلك أيضاً : ما جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى يقول : ( عبدي جعتُ فلم تطعمني ومرضت فلم تعدني ) [154] ، فإننا لو أخذنا بظاهر هذا اللفظ لقلنا : إن الله يمرض وإن الله يجوع وهذا شيء مستحيل على الله ،
لكن هذا قد فُسِّر في نفس الحديث حيث قال : إن عبدي فلاناً جاع فلم تطعمه ومرض فلم تعده ، فهذا يدل على أن هذا اللفظ الذي يُدَّعى أنه ظاهر غير مراد ، لأن الله تعالى بينه بنفسه ،
فالحاصل : أن المؤلف رحمه الله أعطانا قاعدة :
( أن جميع من أوّل في الصفات من غير إثبات ودليل يدل على تأويله فإنه متعدي ) ،
قوله : ( كذاته ) : أن كما أننا لا نؤول في الذات يجب ألا نؤول في الصفات ،
وذلك لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ،
فقد تعدى واستطال واجترى ،
وخاض في بحر الهلاك وافترى ،
هذه خمس أوصاف وكلها لمن أوّل في الصفات من دون دليل :
قوله : ( تعدى ) : على النصوص وعلى المتكلم بالنصوص ،
لأن هذا التأويل تعدي على النص وإخراج له عن ظاهره وتعدٍ على قائل النص ،
حيث كلّم الناس بما لا يريد وهذا نوع من التعمية ،
وهو خلاف قوله تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم } .
وخلاف قوله تعالى : { يبين الله لكم أن تضلوا } ( النساء 176 ) .
وخلاف قوله تعالى : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } ( النساء 26 ) .
فكل إنسان يؤوِّل فقد تعدى على النص وعلى من تكلم بالنص وهو الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام ،
كذلك ( استطال ) [155] : من الطَّوْل وهو الغنى ،
لقوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طوْلاً أن ينكح المحصنات } ( النساء 25 ) .
أو من الاستطالة وهي العلو والترفع ،
والثاني : أنسب يعني أنه استطال واستعلى وترفع واعتد برأيه وأنكر رأي الآخرين ،
قوله : ( واجترى ) : من الجرأة وهي الإقدام ،(1/111)
أي إقدام الإنسان على ما ليس له بحق وقد تجرأ فلان على كذا يعني أقدم على شيءٍ ليس له فيه حق ،
وهذا أيضاً الذي يؤول في الصفات ، نقول : هو أقدم على شيءٍ ليس له بحق ،
قوله : ( وخاض ) : الخوض في الأصل يطلق على العمل الذي ليس بِمُرَكَّز ولا منظم ،
ومنه : الخوض في الوحل والخوض في الماء ، والخوض في الطين ،
كقوله تعالى : { الذين هم في خوضٍ يلعبون } ( الطور 12 ) وما أشبه ذلك ،
قوله : ( في بحر الهلاك ) : الهلاك هنا حسي أو معنوي ؟
في بحر الهلاك المعنوي ،
فإنه يبقى حياً لكنه في الحقيقة حيٌ ميت بل الميت على الحق خير من هذا الذي بقي على الباطل ،
الخامس : قوله : ( وافترى ) : يعني كذب ووجه كذبه أنه قال : إن الله لم يرد كذا وأراد كذا ، فكذب في النفي وكذب في الإثبات ،
مثلاً في اليدين : قال : إن الله لم يرد اليدين ، وأراد النعمة فكذب في النفي وكذب في الإثبات ،
{ استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) قال : إن الله لم يستوِ على العرش ولكن استولى ، أو لم يرد العلو ولكن أراد الاستيلاء [156] ،
فنقول له : كذبت في الأول وفي الثاني !! ،
******************
30 – ألم تر اختلاف أصحاب النظر ،
فيه وحسن ما نحاه ذو الأثر ،
لما ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز الرد إلى العقول في باب الصفات وذكر تحريم التأويل وأنه استطالة وجرأة وافتراء ذكر دليلاً حسياً ملموساً ،
فقال :
ألم ترَ اختلاف أصحاب النظر ،
فيه وحُسْنَ ما نحاه ذو الأثر ،
يعني : ألم تعلم أن أصحاب النظر والمراد بأصحاب النظر أصحاب الكلام الذين يرجعون في إثبات الصفات أو نفيها إلى العقل ،(1/112)
هؤلاء اختلفوا واضطربوا اضطراباً كثيراً عظيماً حتى إن بعضهم يوجب ما يرى الآخر أنه مستحيل انظر النقيضان يقول هذا واجب لله والثاني يقول هذا مستحيل على الله والآخر يقول هذا جائز فاضطربوا اضطراباً كثيراً فيما هم عليه ،
ولا ريب أن اختلاف الأقوال واضطرابها يدل على ضعفها وأنه ليس لها أساس ، لأن الأقوال كلما قويت أساساتها تقاربت ولهذا تجد المسائل المنصوصة في القرآن أو السنة تجد فيها الخلاف قليلاً ،
وأضرب لك مثلاً بالمواريث : الخلاف بين العلماء في المواريث قليل بالنسبة للخلاف في غيره ، لأن غالب أحكامه منصوص عليها والمنصوص عليه لا يختلف الناس فيه ،
كذلك أهل الزكاة الثمانية لا تكاد تجد خلافاً إلا قليلاً بالنسبة للخلاف في مسائل أخرى لأن أصحاب الزكاة منصوص عليهم ،
فكلما كانت الأقوال مؤيدة بالنصوص كان الخلاف فيها أقل لأن النص يجمع أطراف الخلاف ،
أما إذا كانت ليست مبنية على نص ولا على أصل فإنك ترى فيها الخلاف العجيب ،
لو شئتَ لقلت : إن الخلاف أكثر من أصحابه فإذا كانوا عشرة اختلفوا على خمسة عشر قولاً ، كيف الخلاف أكثر من أصحابه ؟ تصور ، نقول نعم ، للواحد عدة أقوال فإذا كانوا عشرة كل واحد له عدة أقوال كم صار الخلاف ؟ خمسين وجه ، خمسين وجهاً من الخلاف ،
فأصحاب النظر الذين يدّعون أنهم أصحاب عقول وأن غيرهم عامة وحشوية وبُلَهاء وما أشبه ذلك [157] ، هم أكثر الناس اختلافاً في هذا الباب ،
ومن طالع ما ينقل عنهم رأي العجب العجاب حتى إنك لتكاد ألا تتصور القول من شدة فساده ، فإذا كان هذا حال أصحاب النظر فكيف يعتمد على هؤلاء فيما هو أساس الرسالات وهو معرفة الرب عز وجل بأسمائه وصفاته ؟
كيف نعتمد على هذه الأقوال المتناقضة التي لا تبني على أصل ؟
ولهذا جاء المؤلف رحمه الله باختلاف أهل النظر دليلاً على فساد أقوالهم ،
لأن الاختلاف والاضطراب يدل على الفساد ،
من هم أصحاب النظر ؟(1/113)
الجواب : أصحاب الكلام ،
وعلمهم علم الكلام [158] ،
وسُمُّوا أصحاب نظر لأنهم قدموا النظر على الأثر ،
أصحاب النظر هؤلاء المتكلمون هم أكثر الناس فساداً واضطراباً في الأقوال ،
لأنهم لم يبنوا على أسس صحيحة إنما بنوا على وهميات ظنوها عقليات فبنوا عليها عقيدتهم ،
ولعله قد مرَّ بك أن أساطينهم ورؤسائهم أقروا بأنهم على ضلال ،
فمن جملتهم : الرازي [159] الذي يقول : ( لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات ، قول الله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، وقوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } ( فاطر 10 ) ، وأقرأ في النفي : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) ، { ولا يحيطون به علما } ( طه 110 ) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ) [160] ،
انظروا الرازي من أساطينهم وكبرائهم وعلمائهم يقول : هذه المناهج والطرق ما رأيتها تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً لا تسمن ولا تغني من جوع ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن يعني طريقة تحكيم النصوص في هذا الباب ،
ثم ضرب مثلاً : أقرأ في الإثبات قول الله تعالى { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، فأؤمن بأنه على العرش استوى واقرأ : { إليه يصعد الكلم الطيب } ( فاطر 10 ) ، فأؤمن بأنه في العلو وأقرأ في النفي { ليس كمثله شيء } { ولا يحيطون به علما } فـ { ليس كمثله شيء } نفي للتمثيل و { ولا يحيطون به علما } نفي للتكييف ( ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ) ،
ويقول بعضهم [161] :
نهاية إقدام العقول عقال ،
وأكثر سعي العالمين ضلال ،
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ،
وحاصل دنيانا أذىً ووبال [162] ،(1/114)
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا [163] ،
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ،
هذا محصولٌ جيد ( قيل وقالوا ) والرسول نهى عن قيل وقالوا ،
هؤلاء ما استفادوا طول عمرهم قيل وقالوا وغاية دنياهم أذىً ووبال والعياذ بالله ،
لأن غاية دنياهم نسأل الله العافية الشك والحيرة ،
أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام ،
لأنهم ليس لديهم عقيدة يبنون عليها معبودهم عز وجل لا يعرفونه إلا بوهمايتهم التي يدَّعونَها عقليات ، فلذلك إذا جاءت الساعة وجاء وقت الامتحان والمحك ضاعوا لم يجدوا حصيلة ،
فكانوا أكثر الناس شكاً نسأل الله العافية ،
حتى إن بعضهم يقول : ( هاأنا ذا أموت على عقيدة أمي ) أمه الأمية التي لا تعرف ،
والآخر يقول : ( هاأنا أموت على عقيدة عجائز نيسابور ) [164] ،
رجعوا إلى عقيدة العجائز لأنها فطرية ،
وهم عقيدتهم نظريةٌ وهمية في الواقع ،
فإذا نظرنا إلى هؤلاء وإلى مآلهم وإلى أحوالهم ،
فهل يمكننا أن نقول : إنهم على حق وندع الأثر لنظرهم ؟
لا يمكن ، أبدًا ،
كل إنسان عاقل لا يمكن أن يتولى مثل هؤلاء ويأخذ من أقوالهم ،
لأنها أقوال فاسدة متناقضة ليس لها أساس لا من كتاب الله ولا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من أقوال السلف [165] ،
الغريب أن الناظم هذا يقول : ( أرواحنا في وحشةٍ من جسومنا ) يعني إلى هذا الحد روحه مستوحشة من جسده لا تود أن تَقَرَّ فيه كأنما يتمنون الموت الآن ومفارقة الروح للجسد الذي هي في وحشةٍ منه ،
لأن الإنسان نسأل الله العافية والسلامة وأن يثبتنا وإياكم إذا لم يكن له عقيدة ضاع اللهم إلا أن يكون قلبه ميتاً لأن الذي قلبه ميت يكون حيوانياً لا يهتم بشيء أبداًَ ،
لكن الإنسان الذي عنده شيء في القلب إذا لم يكن له عقيدة فإنه يضيع ويهلك ويكون في قلقٍ دائم لا نهاية فتكون روحه في وحشةٍ من جسمه ،(1/115)
قوله : ( وحسن ما نحاه ذو الأثر ) : يعني : وألم تر حسن ما نحاه أي اتبعه ذو الأثر ؟
والجواب : أننا نرى ذلك وبأي وسيلة نراه ؟
نطالع كتب هؤلاء وأقوالهم نجد أن هؤلاء الأثريين إذا قالوا قولاً فإنما يقولون بقول الله ورسوله مطمئنين منشرحةً صدورهم ،
أما أولئك فهم على العكس من هذا دائماً في صراع وقال وقيل وجدلٍ لا نهاية له وفرضيات وهمية ليس لها أصل فتجدهم في حيرة وقلق ،
لكن ما نحاه أهل الأثر واتبعوه يأخذ كلام الله عز وجل ،
يقرأ : { وجاء ربك } ( الفجر 22 ) يقول : سبحانه وتعالى يجيء كما يليق بجلاله ،
{ استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) يستوي عز وجل على العرش كما يليق بجلاله ،
{ بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) له يدان لكنها ليست كأيدي المخلوقين ،
لأن الله { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) .
وهكذا يقرأ في القرآن والسنة نصوصاً واضحة بينة ،
والله لو خلوا من التقديرات التي يقدرونها ما وجدوا إلا الخير ،
أي شيءٍ يضير الإنسان إذا قال : أنا أؤمن بأن لله يدين لأن الله أثبتهما له ولكني أؤمن بأنه لا مثيل لهاتين اليدين ، هل عليه ضير ؟
أبداً ،
بل ينشرح صدره يستريح من التقديرات التي لا أساس لها ،
ولذلك تجد أهل السنة والجماعة في هذا الباب هم أريح الناس بالاً وأشرحهم صدراً ( كلمة غير واضحة ) نفساً هم أهل السنة والجماعة ليس عندهم إشكال ،
لكن نذهب نُقَدِّرْ ، ونقول : اليد الجارحة ، والجارحة ممتنعة والجارحة بعضٌ من كل وما أشبه ذلك وهذا جسم وهذا عرض نتعب في هذا ،
نؤمن بأن لله يداً ، ونقول : سبحان الله العظيم ، بأن له وجهاً بأن له عيناً بأنه مستوٍ على العرش بأنه يجيء يوم القيامة بأنه ينزل إلى السماء الدنيا إلى غير ذلك بدون أن يقدِّر تقديرات ،
لسنا نحن الذين نحكم على الله بل الله هو الذي يحكم علينا ولنفسه بما شاء أما نحن فليس لنا إلا التسليم في هذه الأمور ،(1/116)
ولهذا قال : ( حسن ما نحاه أهل الأثر ) : أنا أجزم جزم أنك لو تلوت على أحدٍ من العامة حديثاً في صفات الله عز وجل تجده يسبح بلسانه ويعظم الله بقلبه ويقشعر من ذلك جلده ،
لكن لو تقرأه بصفات الله على واحدٍ من أهل الكلام ما أحس بهذا ، يتصور أن الله مماثل للمخلوق ثم يحاول أن يسلك هذا النص إلى معنىً يَدَّعي أنه معقول وتجده يتعب نفسه ، وذاك العامي يسبح ويهلل ويمجد الله وهذا يتعب نفسه : ماذا نحمله عليه ؟ ماذا يحتمل ؟
والله يحتمل في اللغة العربية عشرة معاني ، أي المعاني يريد ؟
بحث عن القرائن وهكذا ولا يقوم بقلبه من تعظيم الله مثل ما يقوم بقلب العامي ،
وهذا أمرٌ محسوس ولهذا ما أوتي قومٌ من جدل إلا ضلوا ، أبداً ،
إذا أخذت النصوص على ظاهرها سلمت تسلم يا أخي من كل شيء وتعظم الله حق تعظيمه [166] ،
ولا يحتاج أنك تتكلم في ذات الله كأنك تشرِّح جسماً من أجسام الآدميين كما يوجد عند بعض الناس الآن ،
يعني حتى إني رأيت في بعض الناس يقول : هل يقال إن الله ذكر أو أنثى ؟
أعوذ بالله إلى هذا الحد نسأل الله العافية ،
الإنسان والله ليس في قلبه تعظيم لله عز وجل ،
وهو يفرض هذا الفرض تجده يقول : لا ، أقم دليل على أن الله ذكر ،
إذن قل : هل الله واحد أو متعدد ؟
والله عز وجل يقول : { إنا نحن نزلنا الذكر } ( الحجر 9 ) ، { نحن نزلنا } هذا جماعة فإذا أراد الإنسان السلامة فليدع هذه الأشياء يدعها ما أنت يا ابن آدم بالنسبة للسماء ؟ ما أنت بالنسبة للأرض ؟ ما أنت بالنسبة للأشجار ؟
لست بشيء تتكلم في خالق السماوات والأرض بأشياء ما تكلم بها عن نفسه ولا تحدث بها رسوله عليه الصلاة والسلام ولا قالها من هم أحرص منك على الخير وأشد تعظيماً الله الصحابة ،(1/117)
هل لما قال الرسول : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ،،،، الخ ) [167] ، بماذا فكر الصحابة ؟ هل فكروا كيف ينزل وكيف يصعد أو فكروا متى نستغل هذا الوقت بالاستغفار والدعاء والسؤال ؟ الثاني أو الأول ؟
الثاني وهذا هو الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام منهم ،
ما أراد الرسول أن يفكروا كيف نزل ومتى يصعد وكيف صعد ،
أراد منهم أن ينتهزوا هذه الفرصة بهذا الجزء من الليل الذي يقول الله فيه من يدعوني ؟ من يسألني ؟ من يستغفرني ؟
فالمهم أن الواجب علينا أيها الأخوة أن نعرض عما قاله أهل الكلام في هذا كله ،
ونحن نحاجهم بكلمة بسيطة هم عندهم شيطنة وعندهم جدل ، نقول : أأنتم أعلم بالله أم الله ؟
إن قالوا : نحن أعلم ! على طول حط عليهم خطٍّ أحمر من هامهم إلى أبهامهم كفرة ،
وإن قالوا : الله أعلم ،
نقول : ماذا قال عن نفسه ؟ ، قال عن نفسه : كذا وكذا وكذا ،
نقول : اقبلوا هذا ،
لماذا تحاولون الزيغ يمين ويسار ؟
والله عز وجل وضّح وبين وكلامه أبين الكلام { يريد الله ليبين لكم } ( النساء 26 ) { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } ( النحل 44 ) .
فالقرآن مبيَّن والرسول عليه الصلاة والسلام مبيِّن ،
ولا يمكن أبدًا بحال ٍ من الأحوال أن يبين الله لنا كيف نبول كيف نتغوط كيف نلبس كيف ندخل كيف ننام كيف نستيقظ ثم يدع البيان بأسمائه وصفاته التي هي زبدة الرسالة ،
نحن إذا لم نعرف الله ما عبدناه وإذا عرفناه فيجب أن نعرفه كما وصف نفسه ،
أما أن نحاول ما ذكره المؤلف مما يشير إليه في اختلاف أصحاب النظر فهذا يصدنا عن سبيل الله ويبعدنا كثيراً ،
إذن بأي شيء يكون حسن ما نحاه ذي الأثر ؟
باتباع الآثار طمأنينة القلب انشراح الصدر ركود النفس الانبساط وعدم القلق والحيرة كل هذا موجود ولله الحمد فيما نحاه ذو الأثر يقولون : سمعنا وأطعنا ،
******************(1/118)
31 – فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى ،
وصحبه فاقنع بهذا وكفى ،
قوله : ( فإنهم ) : أي أهل الأثر ،
قوله : ( قد اقتدوا بالمصطفى ) : وهو محمد عليه الصلاة والسلام فاتبعوه ظاهراً وباطناً ،
ومن اتبع المصطفى عليه الصلاة والسلام { فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم } ( آل عمران 101 ) ، كما قال تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم } ( الشورى 52 ) ،
ومن وفق لذلك فقد وفق لمحبة الله له { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ( النساء 31 ) .
ومن وفق لذلك فقد شرح صدره { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه } ( الزمر 22 ) .
فإذا وفقت لاتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في العقيدة والقول والعمل والفعل والترك فقد وفقت لكل خير ،
ونكرر دائماً ما قاله بعض السلف : ( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) الله أكبر ،
لو سألت أهل الدنيا من أنعم الناس ؟
لقالوا : الملوك وأبناء الملوك ،
لكن أهل العبادة أنعم من هؤلاء وأسرُّ بالاً واشرح صدراً وأهدأ نفساً ،
لأنهم متصلون بالله عز وجل في قيامهم وقعودهم ومنامهم ويقظتهم ، دائماً مع الله والله معهم ،
فهم أنعم الناس في الدنيا والآخرة ،
ولهذا قال : ( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجادلونا عليه بالسيوف ) ،
لكن الملوك إذا أخذوا بمثل ما أخذ به هؤلاء صاروا أنعم منهم ،
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمامٌ عادل وشاب نشأ في طاعة الله ،،،، ) [168] .
فبدأ بهؤلاء السبعة بالإمام العادل : ( العادل في معاملة الله وفي معاملة عباد الله ) ،
المهم أننا نقول : الاقتداء بالرسول عليه الصلاة السلام فيه كل الخير ،
احرص على اتباعه ظاهراً وباطناً في العقيدة والأقوال الأعمال والأفعال والتروك ،(1/119)
لكن ما فعله على سبيل التعبد فإنك تفعله عبادةً وتقرباً إلى الله عز وجل ،
وما فعله لا على سبيل التعبد فإن من الناس من يفعله لمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام لا للتقرب إلى الله به يفعله ليس على أنه عبادة ،
ولكن لأن الرسول يفعله فيحب ما فعله الرسول فقط لا تعبداً ،
كما أن الإنسان إذا أحب شخصاً تجده يقلده وإن كان لا يعتقد أن في ذلك عبادةً وتقرباً إلى الله عز وجل ،
ومن ثَمَّ كان ابن عمر رضي الله عنهما كان يتتبع آثار الرسول عليه الصلاة والسلام حتى في غير الأمور العبادية حتى أنه كان يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليبول فيه في الطريق فينزل ويبول ،
لكن هذه القاعدة ، يقول شيخ الإسلام : خالفه فيها أكثر الصحابة رضي الله عنهم ،
قوله : ( وصحبه ) : صحب الرسول من هم ؟ ( كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك ) [169] ،
ولكن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم طبقات ليسوا طبقةً واحدة ،
كما قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) .
حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لخالد بن الوليد لما نازع عبد الرحمن بن عوف قال له عليه الصلاة والسلام : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) [170] ،
ففرق بين خالد الذي تأخر إسلامه وبين عبد الرحمن بن عوف الذي يعتبر من السابقين للإسلام ،
المهم : أن الصحب طبقات في الصحبة طبقات في الهجرة طبقات في العلم طبقات في كل شيء ،
لا يوجد أحد أفضل من أبي بكر ،
لأن الله نص على صحبته في القرآن الذي يتلى إلى يوم القيامة { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ( التوبة 40 ) .
الله أكبر أثبت الله الصحبة له وأثبت المعية له المعية الخاصة له مع الرسول صلى الله عليه وسلم [171]،(1/120)
ثم يليه بلا شك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اختاره أبو بكر ،
ونحن نشهد الله عز وجل أن أبا بكر أشد الناس أمانة وأصدقهم فراسة ،
أشد الناس أمانة لأننا نعلم لو كان الرجل يريد الخيانة ما ولى عمر لولى أحد أبنائه أو أحد قومه لكنه أمينٌ على هذه الأمة فأدى الأمانة رضي الله عنه حياًّ وميتاًّ ،
ونعلم أنه أصدق الناس فراسة لأنه ولى عليهم من هو خير الناس بعده فالنبي عليه الصلاة والسلام كان دائماً يقول : ( ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ) و ( جئت أنا وأبو بكر وعمر ) ودائماً يقترن اسم هذين الرجلين باسم الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ولهذا شاء الله سبحانه وتعالى بحكمته أن يكون هؤلاء الثلاثة قرناء في الحياة وفي الممات فقبورهم في مكانٍ واحد ويوم القيامة يقومون من قبورهم قيام رجلٍ واحد وهذه هي الميزة والفضيلة يالله من فضلك ،
المهم : أن الصحب يختلفون ،
لكن على كل حال لا أحد يساوي الصحابة في فضل الصحبة أبدًا ،
الصحبة لا يمكن أن يشاركهم فيها أحد ،
في العلم ربما يوجد من التابعين من هو أعلم من بعض الصحابة ،
فإن الرجل الأعرابي لو جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به وأخذ منه ما أخذ من الشريعة وانصرف إلى قومه ولم يأتِ إلى المدينة للتعلم لا شك أن من التابعين من هو أعلم منه ،
ولكن الصحبة التي هي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام مع الإيمان به لا توجد في غير الصحابة ،
قوله ( فاقنع بذا وكفى ) : نقول للمؤلف : سمعاً وطاعة ً نقنع بهذا إن شاء الله ونسأل الله أن يميتنا عليه ،
قوله : ( اقنع بهذا ) : أي باتباع آثار المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وصحبه ،
قوله : ( وكفى ) : عن كل شيء كفى عن أهل النظر وعن مجادلاتهم وعن معقولاتهم التي هي وهميات ،
ففي هذين البيتين أكبر دليل على بطلان ما عليه أهل النظر وأكبر دليل على صحة ما عليه أهل الأثر ، والله أعلم ،
الأسئلة(1/121)
السؤال : في قوله : ( وصحبه ) ألا يقصد الحديث : ( من كان على ما أنا عليه وأصحابي ) [172] ؟
الجواب : نعم ، لكن الواو للجمع يعني ( عليه أنا وأصحابي ) ما في نص صريح على أنه إذا كان أصحابه على شيء فهو حق إلا إذا أجمعوا عليه ، ربما يقصد هذا الحديث المهم أن لفظه من حيث هو يحتمل الوجهين ،
السؤال : الفرق كم وصل عددها ؟
الجواب : الفرق الآن التي عدوها أوصلوها إلى ثلاث وسبعين لكن بتكلف ،
حتى إنهم ليجعلون في بعض الفرق ليجعلون الرجل المخالف في مسألة واحدة مخالفاً في المنهج وهذا في النفس منه شيء ،
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الثلاث وسبعين فرقة غير معلومة لنا ويحتمل أنها قد حصلت الآن ويحتمل أنها لم تحصل وأنها ستأتي وهذا القول أولى ،
لأنك إذا رجعت إلى ما مشى عليه الشارح رحمه الله وغيره في تعداد الفرق وجدت أن بعضها لا يصح أن يُعد فرقة تجد واحد من هذه الفرقة ،
مثلاً : من الجهمية خالف في مسألة من المسائل ما يعد هذا منهجاً مستقلاً ،
كما أنه في مسائل الفروع تجد بعض الحنابلة يخالفون مذهب الإمام أحمد إلى مذهب الشافعي أو غيره ،
فهل نقول : بأنهم خرجوا بذلك عن الحنبلية ؟
لا ،
السؤال : بالنسبة للجهمية والمعتزلة ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : نعم ، إلا من كفر منهم أن بعضهم يعتبر كافراً كل من انتسب إلى القبلة فهو معدود من أمة الإجابة لكن قد يفعل فعلاً يكون كافراً ، بعض السلف أخرج الجهمية من هذا وقال إن الجهمية وإن استقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فليسوا منا ،
السؤال : ما الفائدة افتراق هذه الطوائف ؟ هل الفائدة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ( كلمة غير واضحة ) أن نحذرها ( كلمة غير واضحة ) إذا قلنا : غير معلومة ؟
الجواب : لا ، الفائدة أن نمشي على منهج الرسول وأن نجعل كل ما خَلَفَ ذلك فهو مرفوض ،
السؤال : العلم بها أيضاً يؤيد ما كان عليه ؟(1/122)
الجواب : العلم بها نعم لأن الشيء لا يُعرف حسنه إلا بمعرفة ضده لكن قد لا نعلمها نحن الآن نعلم طوائف لا شك أنها خارجة لكن هل أننا نقحم أنفسنا حتى نلجئها إلى تتم ثلاث وسبعين ؟ أو نقول مثلاً عرفنا الآن عشرين فرقة والباقي قد يكون فيما يأتي فيما بعد ؟ وإذا أردنا أن نعد ربما نعد أكثر من ثنتين وسبعين ، السؤال : العلماء الذين قالوا بتحكيم العقل في نصوص الصفات ؟
الجواب : هؤلاء نقول : إنهم لم يوفقوا للصواب ونعلم أنهم ما أرادوا سوءاً لكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، لكن هم الذي يشفع لهم أننا نعلم حسن نيتهم وأنهم يقصدون الخير فيكونون ممن اجتهد فأخطأ فلو أجر ،
السؤال : نحن قررنا أهل السنة أن نثبت اللفظ والمعنى ، وقد قال المؤلف : ( من الأحاديث نمره كما قد جاء ) ألا يدل على قول المفوضة ؟
الجواب : لا ، إذا قال : ( نمرها كما قد جاءت ) فهي ألفاظٌ جاءت لمعاني ، ما جاءت ألفاظٌ بلا معنى ، فإمرارها كما جاءت يقتضي إثباتها لفظاً ومعنى ، { استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) ، على كلام المؤلف جاءت للفظ جاءت بلفظٍ دالٍّ على المعنى
إذن نثبت هذا اللفظ وما دلت عليه من المعنى ،
السؤال : هل نحكم بتكفير الذين يحكمون بعقولهم ؟
الجواب : لا ، ما نحكم نحن ذكرنا في باب حكم المرتد أنهم إذا أنكروا كفروا ،
وإن أوَّلوا نظرنا فإن كان للتأويل مساغٌ في اللغة العربية فإنهم لا يكفرون ،
وإن لم يكن له مساغ فإن التأويل الذي لا مساغ له في اللغة العربية بمنزلة الإنكار ،
لكن كل شيء يؤولونه في هذا الباب يأتون عليه بشبه من اللغة العربية ،
مثل : تأويلهم â 3?uqtG??$# ? بمعنى استولى ،
واستدلالهم بالبيت المشهور :
قد استوى بِشْرٌ على العراق ،
من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق [173] ،
لكن على كل حال هم ضالون في هذا الشيء ،(1/123)
السؤال : بالنسبة للوجه الرابع في إبطال الاستدلال بالعقل : أن العقول متناقضة فقد أوجب شيء وتمنعه أقران ، ألا يقال : أن كما أن العقول تفهم النصوص فهم مختلف فيرجع إلى العقل الذي وُفِّقَ للصواب فيُرَجِّحْ بين العقول يُرى ،،،،،، ؟
الجواب : نعم لكن الآخرون المخالفون يرون أن النصوص دلت على ما اقتضته عقولهم هم أيضاُ لا يلتفتون إلى النصوص أصلاً ، لا تظن أنهم كمثلك يرجعون إلى النصوص ، لا يرجعون إلى النصوص أصلاً ، عندهم ما أثبته العقل من صفات الله ثبت وما نفاه فهو منفي ،
السؤال : لكن هم يقولون : إن العقول إذا اختلفت عندنا فنحن نرجح ننظر الأصوب ونأخذ به ؟
الجواب : كل واحد منهم يرى أن العقل دل
على هذا فبأي عقل نرجع إليه ؟
السؤال : إلى الأقرب إلى الصواب ،
الجواب : لا ، ما يصير لأن هذا يقول : أنا الذي عندي الصواب ، يقول عقلك فاسد ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟
الجواب : لا ، لا ، ما نقول : إنه جسم ، الأصل ما نقول : إنه جسم ، حتى لو قلنا : إنه الشيء قائم بنفسه ، ما نقول : إنه جسم [174] ، ولا نقول : إن الله في جهة ،
السؤال : الرسول عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : نعم هذا بالنسبة للرسول واضح أنه ما قال خلاف ذلك ، لكن هم الكلام هم الصحابة الإنسان إذا نقل الإجماع عن الصحابة لكان نقل الإجماع صحيحاً ،
السؤال : ورد كم بيت يسمي النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطفى ألا ينتقد بذلك ؟
الجواب : لا ، الله قال في عباده : { وإنهم عندنا لمن المُصْطَفَيْنَ الأخيار } ( ص 47 ) ، { قل الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى } ( النمل 59 ) ، وعباده الذين اصطفى هم الرسل ، كما قال تعالى : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين } ( الصافات 180 – 182 ) .
السؤال : يا شيخ يعني الكلمة ذي السابقة شرط ( جملة غير واضحة ) ؟(1/124)
الجواب : لا ، لا ، نحن لا نشير إلى هذا ، نشير إلى أن بعض الناس بدل ما يقول : ( قال رسول الله ) يقول : ( قال المصطفى ) والصفوة قلنا : لا تختص بالأنبياء ولا بالرسل ، فلو قال : ( قال رسول الله ) لكان أولى لأنه الآن ينقل قولاً يحتج به والاحتجاج بالشيء إذا كان من رسول الله لكن إما أن يثنى على النبي في مقام الخبر يثنى على أنه المصطفى أو أنه مقتفى هذا ما فيه شيء ،
ولهذا قال المؤلف :
اعلم هديت أنه جاء الخبر ،
عن النبي المقتفى خير البشر ،
ما قال ( عن النبي المصطفى ) لأن المقام مقام اتباع فاختار لفظ ( المقتفى ) على لفظ ( المصطفى ) ثم إن الناظم أيضاً قد يضطر إلى أن يعبر بهذه العبارة لصعوبة النظم ،
ولهذا قال الحريري في الملحة :
وجائزٌ في صنعة الشعر الصَّلِف ،
أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف ،
فوصف الشعر بأنه صلف وهو صحيح ،
السؤال : أهل التفويض المفوضة ألا يدخلون في قوله ( من غير تشبيه ) ؟
الجواب : لا ، لا يقصدونهم في هذا القول هم معطلون ولكنهم لا يعطلون عند الناس وإلا فهم معطلة لأنهم عطلوا النصوص عن معناها [175] ،
السؤال : لكنهم عطلوها عن معناها ما جعلوا لها معنى كالمعتزلة ؟
الجواب : لا ، لا ، المعتزلة ينفون لا يقولون ليس لها معنى يعني يقطعون بالنفي هؤلاء لا يقطعون بنفي ولا إثبات يفوضون ،
السؤال : بالنسبة للقسم الخامس من التعطيل ، ما الرد على قولهم بأن هذه الملكة ملكة وعدم القبول يحتجوا بذلك ،،، ؟
الجواب : نعم يحتجون بذلك في مسألة الوجود والعدم والنفي والإثبات ليس من باب تقابل العدم والملكة هذه بإجماع العقلاء من باب تقابل النقيضين ،
السؤال : لكن يجوز الوصف جدلاً ( لا يسمع ويسمع ) ؟(1/125)
الجواب : نعم ولكن لا يقبل أن يكون لا موجود ولا معدوم ،
السؤال : مثال ما لم يرد نفيه ولا إثباته فيه دليل يدل على نفيه : â ?Ns9 ô$?#t? ?Ns9ur ô?s9q?? C?E ? ( الإخلاص 3 ) ؟
الجواب : لا ، لا ، لم ينف نفس الصفة ( كلام غير واضح ) ،
السؤال : القسم الخامس من المعطلة وهم الذين لا يثبتون الشيء ولا ينفونه أو ليسوا مثل الجهمية القسم الثالث الذين أنكروا الأسماء والصفات ؟
الجواب : لا ، لا ، هؤلاء أنكروا الإثبات فقط ولا ينكرون النفي لكن هؤلاء ينكرون الإثبات والنفي جميعاً ، يقولون لا يوصف بإثبات ولا نفي ،
السؤال : إذن من المرتبة الرابعة من المعطلة ، المرتبة الرابعة يثبتون ولا ينفون ؟
الجواب : الطوائف الأربع لهم إثبات لكن منهم من يثبت لك النفي ويقول لا يوصف بكذا ومنهم من لا يثبت النفي ،
الباب الأول
في معرفة الله تعالى
32 – أول واجب على العبيد ،
معرفة الإله بالتسديد ،
معرفة الله قسمان :
1 – معرفة وجود ومعاني ، وهذا هو المطلوب منا ،
2 – ومعرفة كنه وحقيقة ، وهذا غير مطلوب منا لأنه مستحيل ،
يعني : لو قال قائل : تعرف الله مثلا : تعرف حقيقة ذاته وحقيقة صفاته ؟
لكان الجواب : لا ، لا نعلم ذلك وليس مطلوب منا والوصول إلى ذلك مستحيل ،
فالمطلوب إذن معرفة الذات بالوجود ومعرفة الصفات بالمعاني ،
أما معرفة الكنه والحقيقة فهذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل ،
فصار قول المؤلف في معرفة الله لا بد فيه من هذا التسديد ،
قوله : ( أول واجب على العبيد ) : أول واجب على الإنسان أن يعرف الله ،
وقالوا : المراد أول واجب لذاته ، وأما أول واجب لغيره فهو النظر والتدبر الموصل إلى معرفة الله ،
فالعلماء قالوا : أول ما يجب على الإنسان أن ينظر فإذا نظر وصل إلى غاية وهي المعرفة فيكون النظر أول واجب لغيره ، والمعرفة أول واجب لذاته ،(1/126)
وقال بعض أهل العلم : إن النظر لا يجب لا لغيره ولا لذاته [176] ،
لأن معرفة الله عز وجل معلومة بالفطرة [177] ، والإنسان مجبول عليها ولا يجهل الله عز وجل إلا من اجتالته الشياطين ولو رجع الإنسان إلى فطرته لعرف الله دون أن ينظر أو يفكر ،
قالوا : ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ) [178] ،
وقوله سبحانه في الحديث القدسي : ( إني خلقت عبادي حنيفاً ، فاجتالتهم الشياطين ) [179] ،
فصار الصارف عن مقتضى الفطرة حادث وارد على فطرة سليمة ، فأول ما يولد الإنسان يولد على الفطرة ولو ترك ونفسه في أرض برية ما عبد غير الله ، ولو عاش في بيئة مسلمة ما عبد غير الله ، وحينئذ تكون عبادته لله ،
إذا عاش في بيئة مسلمة يكون المقوم لها شيئين : وهما الفطرة والبيئة ، لكن إذا عاش في بيئة كافرة فإنه حينئذ يحدث عليه هذا المانع لفطرته من الاستقامة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ،
إذن معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى نظر في الأصل ، ولهذا عوام المسلمين الآن هل هم فكروا ونظروا في الآيات الكونية والآيات الشرعية حتى عرفوا الله أم عرفوه بمقتضى الفطرة ؟
ولا شك أن للبيئة تأثيراً ، ما نظروا بل إن بعض الناس – والعياذ بالله – إذا نظر وأمعن ودقق وتعمق وتنطع ربما يهلك ،
كما قال صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون ) [180] ،
فالصحيح : إذن ما قاله المؤلف أن : أول واجب : معرفة الله ،
أما النظر : فلا نقول : إنه واجب ،
نعم لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر لو كان إيمانه فيه شيء من الضعف يحتاج إلى التقوية فحينئذ لا بد أن ينظر ،
ولهذا قال تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأنْ عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديثٍ بعده يؤمنون } ( الأعراف 185 ) ،(1/127)
وقال : { أفلم يدَّبروا القول } ( المؤمنون 68 ) .
وقال تعالى : { كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليَّدبروا آيته } ( ص 29 ) .
فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفاً حينئذٍ يجب أن ينظر ،
لكن لا ينظر هذا الناظر من زاوية الجدل والمعارضات والإيرادات ،
لأنه إن نظر من هذه الزاوية يكون مآله الضياع والهلاك يورد عليه الشيطان من الإيرادات ما يجعله يقف حيران ، ولكن ينظر من زاوية الوصول إلى الحقيقة ،
فمثلاً : نظر إلى الشمس هذا المخلوق الكبير الوهاج لا يقول من الذي خلقه ؟
خلقه الله عز وجل ،
فيقول : من الذي خلق الله ؟
لا ، يقول خلقه الله ويسكت ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن ننتهي إذا قال لنا الشيطان من خلق الله ؟ لنقطع التسلسل ،
الحاصل : أن النظر لا يحتاج إليه الإنسان إلا الضرورة كالدواء لضعف الإيمان وإلا فمعرفة الله مركوزة بالفطر ،
وقول المؤلف : ( معرفة الإله بالتسديد ) : أي بالصواب ،
لكن ما هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل ؟
الطريق : قلنا بالفطرة قبل كل شيء ،
فالإنسان مفطور على معرفة ربه تعالى وأن له خالق ، وإن كان لا يهتدي إلى معرفة صفات الخالق على التفصيل ولكن يعرف أن له خالقاً كامل من كل وجه ،
ومن الطرق التي توصل إلى معرفة الله : العقل ،
الأمور العقلية فإن العقل يهتدي إلى معرفة الله بالنظر إلى ذاته – هذا إذا كان القلب سليما ً من الشبهات – فينظر إلى ما بالناس من نعمة فيستدل به على وجود المنعم ،
لأنه لولا وجود المنعم ما وجدت النعم وعلى رحمته فلولاه ما وجدت ينظر إلى إمهال الله عز وجل للعاصين فيستدل به على حلم الله { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } ( فاطر 45 ) .
لأن أكثر الناس على الكفر ، فلو أراد الله أن يؤاخذه – أن يؤاخذهم على أعمالهم – ما ترك على ظهرها من دابة ،(1/128)
ننظر في السماوات والأرض فنستدل به على عظم الله فإن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق ،،،،، وهكذا ،
نعرف الله تعالى بإجابة الدعاء ، فنعرف بهذا وجود الله وقدرته ورحمته وصدقه عز وجل ، { ادعوني استجب لكم } ( غافر 60 ) أخذ الله للكافرين بالنكبات والهزائم تدل على أن الله شديد العقاب ، وأنه من المجرمين منتقم ، ونصر الله لأوليائه تدل على أن الله ينصر من شاء ،
******************
33 – بأنه واحد لا نظير ،
له ولا شبه ولا وزير ،
قوله : ( واحد ) : في ذاته وصفاته وأحكامه الكونية والشرعية ،
فهو واحد في ذاته لا نظير له ولا شفيع له ولا وزير ،
وواحد أيضاً يعينه بل لا أحد لا يشفع عنده إلا بإذنه لكمال سلطانه ،
وكذلك واحد في ألوهيته فلا يعبد إلا هو عز وجل ولا يتأله إلا إليه ،
ويجب أن يعرف الإنسان حبه وتعظيمه كله لله فلا يحب إلا ما يحبه الله ولا يرضى إلا بما يرضى الله ويكره ما كرهه الله ويبغض ما أبغضه الله عز وجل ، فيوحد الله بالقصد والعبادة ،
وكذلك واحد في صفاته ليس له نظير في صفاته لا الصفات المعنوية ولا الصفات الخبرية لا الذاتية اللازمة ولا الفعلية المتعلقة بمشيئته ،
قوله : ( لا نظير له ) : النظير : يعني المماثل والمشابه ،
وعليه فلا شبه من باب عطف المتماثلين أو المترادفين ،
كقول الشاعر [181] :
فألفى قولها كذباً وميناً [182]
الكذب والمين معناهما واحد وإن اختلفا في اللفظ [183] ،
والنظير والشبيه معناهما واحد وإن اختلفا في اللفظ ،
وهذا من باب التوكيد اللفظي ،
قوله : ( ولا شبيه ) : سبق لنا أن الأولى أن نعبّر بقولنا ( لا مثل ) للوجوه الثلاثة السابقة ، لا نظير له في ذاته ولا شبيه له في ذاته وكذلك لا شبيه له في صفاته وأفعاله ،(1/129)
قوله : ( ولا وزير ) : الوزير : المعين ، ومنه قوله تعالى عن موسى : { واجعل لي وزيراً من أهلي ، هارونَ } ( طه 29 – 30 ) .
فالوزير : هو المعين ، مأخوذ من المؤازرة وهي : المعاونة [184] ،
فالله تعالى ليس له أحد يعينه ،
لأنه قادر على كل شيء { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) .
وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةٍ من السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شركٍ وما له منهم من ظهير ، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه } ( سبأ 22 - 23 ) .
فإن قال قائل : أليس هناك ملائكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم ، وملائكة موكلون بالقطر ، ملائكة موكلون بالنبات ، ملائكة موكلون بالحفظ العام لبني آدم ، وهكذا فما الجواب ؟
فالجواب : نقول : بلى ، هذا موجود ،
لكن هل وكلهم الله تعالى استعانة بهم ؟
كلا والله ، لكن وكلهم الله بذلك ليبين عظمته وكمال سلطانه كما أن الملك في الدنيا – ولله المثل الأعلى – له من يتولى شئون مملكته ، لكن الملوك في الدنيا يفعلون ذلك لقصورهم وعدم أحاطتهم ، أما الله عز وجل فلا ، إنما فعل ذلك سبحانه ليظهر عظمة ملكه وسلطانه وأنه مدبر سبحانه وتعالى وأن له جنوداً لا يستعين بهم ولكن جنودٌ يمتثلون بأمره ويكلفهم عز وجل بما شاء { وما يعلم جنود ربك إلا هو } ( المدثر 31 ) لكن ليسوا جنوداً يعينون كجنود الملك في الدنيا بل جنود تظهر بهم عظمته تعالى وكمال سلطانه .
فصل
في بحث أسمائه جل وعلا
34 – صفاته كذاته قديمة ،
أسمائه ثابتة عظيمة ،
قوله : ( صفات ) : مبتدأ ، والخبر : ( قديمة ) ،
قوله : ( كذاته ) : حال يعني : صفاته حال كونها كذاته قديمة ،(1/130)
الصفات : يعني ما يتصف به الموصوف وهي بالنسبة لله عز وجل ثلاثة أقسام [185] :
1 – صفات ذاتية ،
2 – وصفات فعلية ،
3 – وصفات خبرية ،
الصفات الذاتية : هي صفات المعاني الثابتة لله أزلاً وأبداً [186] ،
مثل : الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة إلى غير ذلك وهي كثيرة ،
تسمى صفات ذاتية فهذه صفات ذاتية ،
لأنه متصف بها أزلا ً وأبدًا لا تفارق ذاته ،
الصفات الفعلية : هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها ،
مثل : الاستواء على العرش ، والنزول إلى السماء الدنيا ، والمجيء للفصل بين العباد ، والفرح بتوبة التائب ، والضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة ، والغضب على الكافرين والرضى للمؤمنين وما أشبه ذلك ،
هذه تسمى صفات فعلية ،
لأنها من فعله وفعله يتعلق بمشيئته ،
لكن هذا القسم من صفات الله ، آحاده حادثة تحدث شيئاً فشيئاً ،
وأما جنس الفعل فإنه أزلي أبدي ،
فجنس كون الله فعالاً أزلي لم يزل ولا يزال فعالاً لم يأت وقت من الأوقات يكون الله تعال معطلاً فيه عن الفعل ، فإن الله لم يزل ولا يزال فعالاً لما يريد سبحانه وتعالى ،
لكن نوع الفعل أو آحاده هي التي تكون حادثة ،
فمثلاً : الاستواء على العرش نوع من أنواع الفعل وهو حادث ، لأنه بعد خلق العرش ، النزول إلى السماء الدنيا نوع من أنواع الفعل ، هل هو حادث أو غير حادث ؟
حادث كان بعد أن خلق السماء الدنيا ، الرضي نوع من أنواع الفعل وهو حادث ، لأنه إذا فعل العبد فعلا ً يقتضي الرضى رضي الله عنه إذا فعل فعلاً يقتضي الغضب غضب الله عليه ،
هذه تسمى الصفات الفعلية ، وربما تسمى ( الأفعال الاختيارية ) [187] ،
لأن هذه الأفعال تتعلق بمشيئة الله واختياره ، { وربك يخلق ما يشاء ويختار } ( القصص 68 ) .
اعلموا أن كل صفة فعلية فإنها حادثة النوع أو الفرد لكنها قديمة الجنس ،(1/131)
القسم الثالث : صفات خبرية : يعني : أننا نعتمد فيها على مجرد الخبر ، ليست من المعاني المعقولة بل المدركة بالسمع المجرد ،
ونظير مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء كاليد والوجه والعين والقدم والإصبع هذه نسميها الصفات الخبرية لأنها ليست معنى من المعاني ، فاليد غير القوة ، القوة معنى واليد صفة من نوع آخر صفة مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء ، فاليد بعض منا أو جزء منا ، والوجه كذلك ،
لكن بالنسبة لله لا نقول : إنها جزء أو بعض [188] ،
لأن البعضية والجزئية لم ترد بالنسبة إلى الله لا نفياً ولا إثباتاً ،
ولهذا نقول لمن قال : إن الله واحد لا يتجزأ ولا ينقسم [189] وما أشبه ذلك ،
نقول : هذه ألفاظ بدعية ،
من قال لك تصف الله بهذا النفي ؟ هل أنت أعلم بالله من الله ؟ هل أنت أعلم بالله من أصحاب رسول الله ؟
ما قال واحد منهم قط : إنه لا يتبعض ولا يتجزأ ،
فاحبس لسانك عما حبسوا ألسنتهم عنه ،
ولا أحد يتصور أن الله يتجزأ حتى تنفيه أتركه !!
إنما ينفى مثل هذا الكلام ،
لو أن أحدًا قاله ، أما ولم يقله أحد ،
فقل : لله يد وله وجه وله عين ودع عنك لا يتجزأ ولا يتبعض ،
أحد تعبدك بهذا ؟
ما أحد أبدًا تعبدك بهذا ،
ما قال الله : قولوا في الله إنه لا يتبعض ولا يتجزأ ،
ولا قال : قولوا في الله إنه يتبعض ويتجزأ ،
بل قال : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون } .
وقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ( البقرة 255 ) .
وقال : { قل هو الله أحد ، الله الصمد } ( الإخلاص 1- 2 ) .
فالحاصل : أن الصفات الخبرية هي التي مسماها أبعاض وأجزاء لنا ،
لكن بالنسبة لله ما نقول : إنها بعض أو جزء ،(1/132)
لأن إثبات البعضية أو الجزئية أو نفي البعضية أو الجزئية بالنسبة لله من الألفاظ المبتدعة التي يجب على الإنسان أن يتحاشاها ،
ونحن نؤمن بأن يد الله غير ذاته وجه الله غير ذاته شيء آخر زائد عن الذات ،
ولا ننكر أن يعبر الله عن نفسه بوجهه ،
كما قال تعالى : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ( الرحمن 27 ) .
وذات الله تعالى قديمة ،
والقديم عندهم : ( هو الذي لا ابتداء له ) ،
فالقديم عند المتكلمين : ليس هو القديم في اللغة العربية ،
القديم في اللغة العربية : ( ما سبق غيره ولو كان حادثاً ) ،
ومنه : قوله تعالى : { حتى عاد كالعرجون القديم } ( القمر 39 ) .
والقديم عند المتكلمين كما سبق : ( هو الذي لم يسبق بعدم ) ، يعني دائماً وأبدًا موجود ،
الصفات تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ولها عدة أقسام وهذا تقسيم ،
التقسيم الثاني : صفات الله سبحانه وتعالى كلها كمال سواء كانت مطلقة أو مقيدة ،
1. فما كان كمالاً محضاً فهو مطلق ،
2. وما كان كمالاً في حال دون حال فهو مقيد لكن كلها كمال ،
فمثلاً : الخلق والرزق والكلام وما أشبه ذلك ،
هذا كمال مطلق ، فيوصف الله به على الإطلاق ،
فيقال : إن الله متكلم رازق خالق وما أشبه ذلك ،
وما كان كمالاً في حال دون حال فإنه لا يجوز إطلاقه على الله وإنما يوصف به مقيدًا ،
مثل : المكر والخديعة والاستهزاء والكيد ،
هذا يكون كمالاً في حال ونقصاً في حال ، فلا يوصف الله به إلا على وجه الكمال ،
فالمكر مثلاً : لا يجوز أن تصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق ،
وتقول : إن الله ماكر ، هذا حرام ،
لأنه يفهم من ذلك النقص والعيب ،
فإن المكر عند الإطلاق صفة قدح وذم ،
لكنه عند المقابلة يكون صفة مدح ،
فتقول : إن الله يمكر بمن يمكر به وبرسوله ،
وهنا صار المكر صفة كمال ومدح يعني أنه أعلى من مكر أعدائه ،
كذلك إذا وصفت المكر بما يدل على الكمال فلا بأس ،(1/133)
مثل : أن تقول : ( الله خير الماكرين ) ، كما قال تعالى : { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } ( الأنفال 30 ) .
وكذلك الخداع لا يجوز أن تصف الله بأنه خادع أو من صفاته الخداع على سبيل الإطلاق لكن يجوز أن تصفه به على سبيل المقابلة ،
فتقول : إن الله تعالى يخدع المنافقين أو خادع المنافقين أو خادع من يخدعه ،
لأنها في هذه الحال تكون صفة كمال ،
ولا يجوز أن تصفه بها على سبيل الإطلاق ،
لأنها تحتمل معناً صحيحاً ومعناً فاسداً ،
3. القسم الثالث من الصفات : ما كان نقصًا ، فإنه لا يدخل في صفات الله أبدًا ، لا مطلقاً ولا مقيدًا ،
كالخيانة ،
فإنها لا تدخل في صفات الله لأنها ذم وقدح بكل حال ،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تخن من خانك ) [190] ،
وقال : ( الحرب خدعة ) [191] ،
فأذن في الخدعة في محلها وهو الحرب ،
ونهى عن الخيانة في محلها ،
فقال : ( لا تخن من خانك ) ،
فإذا ائتمنك إنسان بشيء وقد خانك من قبل فلا تخنه فيه ،
لأن الخيانة وصف ذم على الإطلاق ،
وبهذا نعرف خطأ العامة : ( خان الله من يخون ) وهذا لا يجوز وهو قول باطل ،
لكن لو قال : ( خدع الله بمن يخدع ) فهذا صحيح ،
إذن ممكن أن نقول أن الصفات بالنسبة لله عز وجل على ثلاثة أقسام :
1. صفات كمال محض ، فهذه يوصف بها على سبيل الإطلاق ،
2. صفات كمال في حال دون حال ، فلا يوصف بها إلا مقيدة في الحال التي فيها كمالاً ،
3. صفات نقص على الإطلاق ، فلا يوصف بها مطلقاً ،
فإذا قال قائل : هل هناك فرق بين الأسماء والصفات في هذا الباب ؟ بمعنى أن الاسم إذا كان متضمناً لنقص فإنه يسمى به الله في حال الكمال ؟
الجواب : لا ،
لأن الله تعالى قال في الأسماء : { ولله الأسماء الحسنى } ( الأعراف 180 ) أي البالغة في الحسن كماله ،
وحينئذ لا يسمى الله تعالى باسم يتضمن نقصا ولو في بعض الأحوال ،(1/134)
ولهذا لا يسمى الله بالمتكلم مع أن الله يخبر عنه بأنه متكلم ويوصف بذلك ،
ولكن ما تقول في ( يا متكلم اغفر لي ) ،
ويوصف الله بالإرادة لكن لا يسمى مريد ،
فالأسماء الحسنى من القسم الأول فقط أنها الكمال المطلق ما تتضمن كمالاً ونقصا في حال دون حال بل هي كمال مطلق ،
والدليل على ذلك وصف الله تعالى بأنها حسنى لكن الصفات كما سبق،
قوله ( أسماؤه ثابتة ) : ( ثابتة ) بمعنى أنها حق يجب الإيمان بها وإثباتها ،
قوله : ( عظيمة ) : لاشتمالها على أحسن الصفات وأكملها ،
وأسماء الله سبحانه وتعالى البحث فيها من عدة أوجه :
الوجه الأول : أسماء الله سبحانه وتعالى كلها حسنة ، فليس فيها نقص بوجه من الوجوه ولا بحال من الأحوال ،
قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } ( الأعراف 180 ) .
وقال تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ، هو الله الخالق البارئ المصور سبحان الله عما يشركون } ( الحشر 23 – 24 ) .
فوصفها باسم التفضيل ، فليس فيها نقص بوجه من الوجوه ،
الوجه الثاني : أسماء الله متضمنة لصفاته فكل اسم من أسماء الله متضمن لصفة من صفاته أو أكثر بحسب أنواع الدلالة وذلك لأن كل اسم من أسماء الله فهو مشتق من صفته ،
فالرحمن متضمن للرحمة ، والخالق متضمن للخلق ،
ونحن نقول : إن كل اسم متضمن لصفة فأكثر حسب مدلول هذا الاسم أو حسب أنواع الدلالة ، قد يدل الاسم على صفة أو صفتين أو أكثر حسب مقتضى الدلالة ،
فمثلاً : الخلاّق من أسماء الله ،
الخلق يتضمن علماً ويتضمن قدرة ويتضمن خلق ،
فهو دال على الخلق بمقتضى مادته ودال على العلم والقدرة بلازمه ،
لأن مِنْ لازم الخلق العلم والقدرة فمن لا علم عنده لا يمكن أن يخلق كيف يخلق وهو لا يعرق الخلق ؟ ومن لا قدرة عنده لا يخلق وكيف يخلق وهو ضعيف ؟(1/135)
ونحن نضرب لكم مثلاً بالإنسان : إنسان قيل له : اصنع لنا مسجلاً وهو إنسان عنده المواد الخام وعنده قدرة ونشاط وذكاء لكن ليس عنده علم لا يدري كيف يركب المسجل فهذا لا يمكن أن يصنع المسجل لعدم العلم إنسان آخر مهندس ودارس ويعرف لكنه مشلول ما يقدر يعمل شيء فهذا لا يستطيع عمل المسجل لعدم القدرة ،
إذن فاسم الله ( الخلاًّق ) تضمن ثلاث صفات :
1 - الخلق ،
2 - والعلم ،
3 - والقدرة ،
ولهذا قال الله تعالى عز وجل : { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قدير ولتعلموا أن الله أحاط بكل شيءٍ علما } ( الطلاق 12 ) فقال : { لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قدير } .
يعني أخبرناكم بذلك لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، ولولا علمه وقدرته ما خلق السماوات والأرض ،
قوله : ( كذاته ) : الكلام على مسألة الذات ؟ ،
أصل الذات : كلمة مولدة بالمعنى المراد بها ،
لأن المراد بها عند القائلين كلمة ذات وصفات ، المراد بها النفس [192] ،
فذات الإنسان يعني نفس الإنسان ،
فالله سبحانه وتعالى لم يعبر عن نفسه بـ ( الذات ) ،
إنما عبر عن نفسه بـ ( النفس ) ،
فقال : { ويحذركم الله نفسه } .
وقال عز وجل عن عيسى : { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } ( المائدة 116 ) .
وأصل الذات في اللغة العربية : بمعنى صاحبة [193] ،
فيقال مثلاً : ذات علم ، ذات قدرة ،
ويقال للمرأة : ذات جمال ، وما أشبه ذلك ،
فهي ( ذات ) بمعنى ( صاحبة ) ، تضاف إلى صفة ،
نقلها المتكلمون من كونها تضاف إلى صفة وجعلوها اسماً للموصوف ،
فقالوا : كل موصوف قائم بنفسه فهو ذات ،
فمثلاً : أصل ذات الله يعني ذات الألوهية ،
فنقلوا كلمة : ( ذات ) إلى ( الشيء القائم بنفسه ) ،
وقطعوه عن الإضافة ،
ولم تكن من كلام العرب ولا يعرفها العرب بهذا المعنى أي بأنها قائمة مقام النفس ،(1/136)
لكن هم لما قالوا : ( ذات علم ) ، قالوا : إذن معناه علم صفة وذات موصوف ،
فنقول : الموصوف نطلق عليه اسم ( ذات ) فقالوا : بدل من ( الله ) و ( صفاته ) ،
قالوا : الذات والصفات [194] ،
لكن لا مشاحة في الاصطلاح يعني أن العلماء تقبلوا هذا ،
وصاروا يقولون : ذات وصفات ، صفات الذات ، صفات الأفعال [195] ،
وإلا فهي في الأصل ليست من كلام العرب ،
وسبق أن ذكرنا أي لها معاني خمسة أو أربعة ،
لكن الخمسة بناءً على اصطلاح المتكلمين أن الذات بمعنى النفس [196] ،
الوجه الثاني : هل أسماء الله تعالى مشتقة أو غير مشتقة بمعنى أنها هل تتضمن معاني وأوصافاً أو لا تتضمن ؟
الجواب : أنها تتضمن كل اسم منها يتضمن الصفة التي اشتق منها ،
حتى اسم ( الله ) يتضمن صفة وهي الألوهية ،
فأسماء الله أعلام دالة على صفة ،
ولولا أنها تتضمن معنى لم تكن حسنى ،
لأنها إذا لم تتضمن معنى صارت أسماءً جامدة لا معنى لها ،
وإذا كانت أسماءً جامدة لا معنى لها ، فأين يأتيها الحسن ؟
والله عز وجل وصفها بأنها حسنى أي بالغة في الحسن كماله ،
إذًا ما من اسم إلا ويتضمن صفة وقد يتضمن صفتين أو أكثر ،
لكن تضمنه الصفتين أو الأكثر يكون عن طريق الالتزام يعني من باب دلالة الالتزام ،
مثلاً : الخلاّق ، من أسماء الله ،
يتضمن صفة الخلق ،
ويستلزم صفة العلم والقدرة إذ لا خلق إلا بعلم وقدرة ،
هذا المبحث الثاني ويعبر عنه بأن أسماء الله أعلام وأوصاف ، فباعتبار دلالته على الذات هي أعلام وباعتبار دلالتها على المعاني هي أوصاف ، ويترتب على هذا البحث ،
ثالثاً : هل هي متباينة أو مترادفة ؟
نقول : أما باعتبار دلالتها على الذات فهي مترادفة ،
لأنها دلت على شيء واحد وهو الله عز وجل ،
وأما باعتبار دلالتها على المعنى فهي متباينة [197] ،
لأن لكل اسم منها معنى غير المعنى في الاسم الثاني ،
وما هو المترادف والمتباين ؟(1/137)
المترادف : متعدد اللفظ متحد المعنى [198] ،
والمتباين : متعدد اللفظ والمعنى [199] ،
فحجر وإنسان متباين ، لأن اللفظ مختلف والمعنى مختلف ،
وبشر وإنسان مترادف ، لأن اللفظ متعدد والمعنى واحد ،
الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، ،،،، الخ :
باعتبار دلالتها على ( الله ) مترادفة ، لأنها تدل على شيء واحد ،
وباعتبار دلالة كل واحد منها على معناه متباينة ،
المبحث الرابع : هل أسماء الله عز وجل محصورة بعدد معين معلوم أو لا [200] ؟
الجواب : لا ، ليست محصورة ،
ولا يمكن حصرها ،
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حديث ابن مسعود في دعاء الغم والهم ،
قال : ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري ،،،،،، الخ ) [201] ،
فالشاهد قوله : ( أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) ،
وهذا يدل على أن من أسماء الله ما استأثر الله به ، وما استأثر الله به فلا يمكن الوصول إليه ، لأنه لو أمكن الوصول إليه لم يكن مستأثراً به ،
ولهذا قال : استأثرت به في علم الغيب عندك ،
فإذن ليست أسماء الله محصورة ولا يمكن حصرها ،
فإذا قال قائل : كيف نجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) [202] ؟ ،
الجواب : أن هذا الحديث الثاني لا يدل على الحصر ،
وإنما يدل على حصر معين وهو أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسماً إذا أحصيتها دخلت الجنة ،
يعني : إذا أحصيت تسعة وتسعين اسمً من أسماء الله فإنك تدخل الجنة ،
ونظيره : لو قلت : عندي عشر سيارات أعددتها لحمل البطحاء ،
هل معنى ذلك أنه ليس عندك إلا عشر ؟
لا ،
لكن هذه العشر خصت بأنها معد ، لحمل البطحاء ، وفيه سيارات أخرى معدة لحمل الخشب معدة لحمل الرجال ولحمل الأمتعة ،(1/138)
فالمهم : أن مثل هذا التعبير لا يدل على الحصر ،
فإذا قال قائل : ما الفائدة من هذا الكلام إذا قلنا إنه لا يدل على الحصر ؟
الجواب : قلنا : الفائدة من أجل أن يبحث المكلف عن هذه الأسماء من الكتاب والسنة حتى يدركها ،
وإلا لكان النبي عليه الصلاة والسلام يسردها لنا سرداً ونستريح ،
لكن من أجل أن يبتلي الله الإنسان الحريص من غير الحريص ،
الحريص هو الذي يبحث عن الشيء حتى يصل إليه ،
وغير الحريص هو الذي يقول : إن كان الشيء سهلاً أخذته وإن كان صعباً يحتاج إلى مراجعه وإلى بحث فلا حاجة ،
المبحث الخامس : هل يسمى بها غيره ؟
الجواب : أن من أسماء الله ما لا يسمى به غيره ،
مثل : ( الله ) لا يمكن تسمي أحداً بهذا الاسم ، لا على سبيل إرادة المعنى ولا غيره ،
( الرحمن ) كذلك ،
قال العلماء : لا يجوز أن يسمي به غيره ولا يوصف به غيره [203] ،
لأن الألوهية والرحمة الواسعة الشاملة التي هي وصف لازم للراحم هذه لا تكون إلا لله ،
أما بقية الأسماء فهي إن قصد بها ما يقصد بأسماء الله من الدلالة على العلمية والوصفية فإنها ممنوعة ،
وإن قصد بها مجرد العلمية فليست ممنوعة ،
فالحكم والحكيم من أسماء الله فإذا سمينا شخص بالحكم أو الحكيم ولم نقصد معنى الحكمة فيه ولا معنى الحكم ، فهنا لا بأس به ،
وفي الصحابة من اسمه ( حكيم ) وفيهم من اسمه (الحكم ) ،
وإن قصدنا بذلك المعنى الذي اشتققنا منه هذا الاسم فهذا لا يجوز ،
لأن هذا من خصائص أسماء الله هي التي يراد بها الاسم والوصف ،
ولهذا إذا سمينا رجلاً بـ ( صالح ) فإنه جائز ولا يغير الاسم ،
لأننا لم نقصد بذلك التزكية – أي وصفه بالصلاح – وإنما سمينا ( صالح ) مجرد عَلَم ،
وكذلك لو سمينا شخصاً بـ ( سلمان ) هل لأنه سالم ؟
لا ، قد يكون من أتعس الناس ومع ذلك نسميه ( سلمان ) وكذلك ( سليمان ) ،
فالمهم : أنه إذا لم يقصد المعنى في الاسم فإنه جائز مجرد علم فقط ،(1/139)
المبحث السادس : هل أسماء الله تعالى توقيفية أو لنا أن نسمي الله عز وجل بما لم يسمّ به نفسه ؟
قال السفاريني رحمه الله تعالى :
******************
35 – لكنها في الحق توقيفية ،
لنا بذا أدلة وفية ،
قوله : ( لكنها ) : أي أسماء الله عز وجل ،
قوله : ( في الحق ) : أي في القول الحق الصحيح ،
قوله : ( توقيفية ) : أي موقوفة على ورود الشرع بها [204] ،
والتوقيفي : هو الذي يتوقف إثباته أو نفيه على قول الشارع ،
فهي توقيفية لا يجوز لنا أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه ،
بعض العلماء يقول : إن الأسماء ليست توقيفية بل هي قياسية ،
والصحيح : أنها توقيفية ،
ودليل ذلك من الأثر والنظر :
أما الأثر : فقوله تعالى : { قل إنما حرم بي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 33 ) .
وإثبات اسم من أسماء الله لم يسم به نفسه هذا من القول عليه بلا علم ، فيكون حراماً ،
وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } ( الإسراء 36 ) ،
وإثبات اسم لم يسم الله به نفسه لله من قفو ما ليس لنا به علم ،
أما النظر : فلأن اسم المسمى لا يكون إلا بما وصفه لنفسه وإذا كان الناس يعدون من العدوان أن يسم الإنسان بما لم يسم به نفسه أو بما لم يسمه به أبوه فإن كون ذلك عدواناً في حق الخالق من باب أولى ،
ثانياً : من الدليل النظري : أن الله قال : { ولله الأسماء الحسنى } ( الأعراف 180 ) .
الحسنى : البالغة في الحسن كماله ،(1/140)
وأنت إذا سميت الله باسم فهل عندك علم أنه بلغ كمال الحسن ؟ قد تسميه باسم تظن أنه حسن وهو سيئ ليس بحسن وهذا أيضاً دليل عقلي يدل على أنه لا يجوز أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه ،
فهذه أربعة أدلة : دليلان شرعيان ودليلان عقليان نظريان ،
ولهذا قال المؤلف : ( لنا بذا أدلة وفية ) ،
قوله : ( لنا بذا ) : المشار إليه : القول بأنها توقيفية ،
قوله : ( أدلة وفية ) : أي كافية وافية بالمقصود ،
فهذه ست مباحث في أسماء الله عز وجل ،
طيب هل الصفات كالأسماء توقيفية ؟
الجواب : سبق لنا القول في هذا ،
وذكرنا أن الصفات ثلاثة أقسام :
1 – كمال محض ،
2 – ونقص محض ،
3 – وكمال في حال دون حال ،
فالكمال المحض : يوصف الله به ،
والنقص المحض : لا يوصف الله به في حال النقص ولا على الإطلاق ،
إذن فليست كالأسماء توقيفية ولهذا ممكن أن نشتق من كل فعل من أفعال الله صفة ،
فنقول : إن الله مزجي السحاب ،
لقوله : { ألم تر أن الله يزجي السحاب ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبالٍ فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه أن يذهب بالأبصار } ( النور 43 ) .
ونقول : إن الله تعالى ماكر بمن يمكر به ،
لقوله :{ ويمكر الله والله خير الماكرين } ( الأنفال 30 ) .
مستهزئ بمن يستهزئ به ،
لقوله : { الله يستهزئ بهم } ( البقرة 15 ) لما قالوا : { إنما نحن مستهزؤون } ( البقرة 14 ) .
خادع من يخدعه ،
لقوله : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } ( النساء 142 ) .
وعلى هذا فقس ،،، ،
الأسئلة
السؤال : ما حكم قول بعض الناس : ( يا ساتر ) ؟
الجواب : هم لو أخبروا خبراً لقلنا صحيح ،
لكن إذا قالوا : ( يا ساتر ) دعاء ، فالله عز وجل يقول : { فادعوه بها } ( الأعراف 180 ) .(1/141)
فلا يدعي الله تعالى إلا بأسمائه الحسنى أو بالصفات التي لا يتصف بها إلا هو ،
السؤال : كيف يخبروا بها ؟
الجواب : أقول : ما قصدهم الخبر ،
لو قالوا : إن الله ساتر فهذا صحيح ،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من ستر مسلماً ستره الله ) [205] ، فأضاف الستر إلى الله ،
لكن إذا دَعَوْهُ بها فإنه لا يدعى إلا باسمائه أو بصفاته التي لا يتصف بها إلا هو ،
مثل : قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ) [206] ، فدعا الله عز وجل بالصفات التي لا يتصف بها إلا هو ،
السؤال : هل المنتقم من أسماء الله عز وجل ؟
الجواب : المنتقم ليس من أسماء الله ونصفه على سبيل التقييد فهو من المجرمين منتقم ،
لكن لا على سبيل الإطلاق ،
لكن نصفه بأنه ذو انتقام يعني صاحب انتقام لكن ليس على سبيل الإطلاق ،
ولهذا لو قلت لك : إنك أنت ذو انفعال ، ذو انفعال يعني معناه يحصل منك انفعال ،
ولا شك أن الله يحصل منه انتقام { فانتقمنا منهم } ( الأعراف 136 ) كثير في القرآن ،
لكن أن نسميه المنتقم على الإطلاق هذا لا يجوز ،
السؤال : والذي يدعو فيقول : ( يا منتقم انتقم لي من فلان ) ؟
الجواب : نقول : لا تقل هكذا ، قل : ( يا عزيز يا ذا الانتقام ، انتقم لي من فلان ) ،
السؤال : الضابط في التفريق بين الأسماء والصفات ؟ يعني كيف نعرف ؟ مثلاً : النور هل هو اسم أو صفة ؟
الجواب : الصفة : ( ما دل على معنى ) ، والاسم : ( ما دل على معنىً وذات ) ،
ما دل على معنىً وذات فهو اسم ،
وما دل على معنىً فقط فهو صفة ،
هذا الفرق ،
السؤال : النور دل على معنىً وذات وما ألحقناه بالأسماء ؟
الجواب : بعض العلماء يقول : النور ليس من الأسماء ،
بعض العلماء يقول : النور من أسماء الله ،
لكن ما ورد بهذا اللفظ النور من أسمائه ،
بل ورد : { الله نور السماوات والأرض } ( النور 35 ) .(1/142)
لكن هناك بعض المطوفين يقولون : يا نور النور ، هذه لا أدري من أين أتوا بها ،
السؤال : في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يكذب ثلاث كذبات في ذات الله ) [207] ، أليس معناها ( في نفس الله ) ؟
الجواب : لا ، لا ، في ذات الله في جهته أو يعني أو في حقه أو ما أشبه ذلك ، لأنه ما كذب في نفس الله ، كذب في الشيء المتعلق في الله ؟
السؤال : ذكرت أقسام الصفات ، التقسيم الأول والتقسيم الثاني ما الفرق بين التقسيمين ؟
الجواب : التقسيم الأول من جهة أن الصفات مثبتة لله أو منفية عنه ،
تنقسم بهذا الانقسام :
1 - إلى ثبوتية ،
2 - وسلبية ،
وذكرنا هذا أظن في أول المقدمة تكلمنا عليه في أول المقدمة على أننا إن شاء الله سنعود ونكمل البحث في الأسماء والصفات لأننا نرى أننا قصرنا في تقسيم الصفات ،
التقسيم الأخير :
1 - إلى ذاتية ،
2 - وفعلية ،
3 - وخبرية ،
والتقسيم الآخر :
1 - إلى كمال مطلق ،
2 - وإلى نقص مطلق ،
3 - وإلى كمالٍ مقيد ،
السؤال : هل توجد صفة مشتركة بين أن تكون خبرية وتكون ذاتية ؟
الجواب : ما معنى خبرية ذاتية ؟
السؤال : ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : لا ، نحن قسمناها بالأقسام الثلاثة :
1 - إلى المعنوية اللازمة لله ،
2 - الصفات الذاتية ، قلنا : هي الصفات المعنوية الثابتة لله أزلاً وأبداً ،
3 - الخبرية : هي الصفات التي مسماها أبعاض وأجزاء لنا ،
لكن هي باعتبار الثبوت كالصفات الأولى يعني أنها دائمة لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها ،
السؤال : يا شيخ العلو أليس كما ذكرت ؟
الجواب : كيف العلو ؟
السؤال : العلو أليس صفةً ذاتية خبرية ؟
الجواب : لا ، ليست خبرية ، صفةٌ ذاتية وعقلية حتى العقل دل على أن موصوفٌ بالعلو ،
فصل
في بحث صفاته تعالى
شرع المؤلف في بيان الصفات على سبيل التفصيل :
36 – له الحياة والكلام والبصر ،(1/143)
سمع إرادة وعلم واقتدر ،
قوله : ( له ) : الضمير يعود على الله ،
قوله : ( سمع ) : هذا على تقدير عاطف أي ( وسمع ) ،
قوله : ( إرادة ) : كذلك على تقدير عاطف أي : ( وإرادة ، وعلم ، واقتدر بقدرة ) ،
فهذه سبع صفات أثبتها المؤلف - رحمه الله - لله عز وجل ،
وسنبين أن في كلامه إيهاماً بأنه لا يثبت إلا هذه الصفات السبع ،
ولكن له كلام آخر بأنه يجب إثبات كل ما وصف الله به نفسه في قوله فيما سبق :
فكل ما جاء من الآيات ،
أوضح في الأخبار عن ثقات ،
من الأحاديث نُمِرُّهُ كما ،
قد جاء فاسمع من نظامي واعلما ،
ولا نرد ذاك بالعقول ،
لقول مفتر به جهول ،
قول السفاريني رحمه الله تعالى :
والعلم والكلام قد تعلقا ،
بكل شيء يا خليلي مطلقا ،
وسمعه سبحانه كالبصر ،
بكل مسموع وكل مبصر ،
فإن كلامه السابق يدل على أننا نثبت لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الصفات ،
أولاً : له الحياة :
يعني أن الله تعالى موصوف بالحياة وهذا مذكور في القرآن في عدة مواضع ،
قال الله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ( البقرة 255 ) .
وأثبتنا الحياة من قوله : ( الحي ) : لأنه سبق لنا أن الاسم يدل على الذات وعلى الصفة ،
الحي : يدل على أن هناك ذاتاً توصف بالحياة ،
إذن له الحياة وحياة الله عز وجل حياة كاملة ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ،(1/144)
قال الله تعالى : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم } ( البقرة 255 ) .
وقال تعالى : { وتوكل على الحي الذ ي لا يموت } ( الفرقان 58 ) .
فحياته عز وجل لم تسبق بعدم ولا يلحقها موت ولا يعتريها سنة ولا نوم ، لأنها حياة كاملة ،
حياة المخلوق ناقصة في أولها وآخرها وأثنائها ،
فهي حياة مسبوقة بعدم ملحوقة بموت مخلوطة بنوم وسنة ،
و ( الحياة ) : ( ال ) فيها للاستغراق يعني الحياة الكاملة ، أو لبيان الحقيقة وتعرف الحقيقة بحسب ما تضاف إليه الصفة ،
فالحياة المضافة حياة الله عز وجل أزلية أبدية ،
أي لم يزل ولا يزال حياً ثم حي أيضاً حياة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ،
قال الله تعالى : { وتوكل على الحي لا يموت } ( الفرقان 58 ) .
فهذا فبه الامتناع عن زوال هذه الحياة ،
وفي قوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } ( البقرة 255 ) منع لوصفها بالنقائص ،
فهي حياة كاملة ليس فيها سنة ولا نوم حياة دائمة ليس فيها موت حياة أزلية ، لأنها لم تسبق بعدم ،
وكل حياة المخلوق مسبوقة بعدم ، كذلك أيضاً قابلة للزوال جميع حياة الأحياء قابلة للزوال غير الله عز وجل حتى ما خلق للبقاء كالروح وغلمان أهل الجنة والحور هذه خلقت للبقاء وستبقى لكنها قابلة للزوال لو شاء لله تعالى لأهلكها ،
أما حياة الله عز وجل فإنها غير قابلة للزوال ولا للنقص ولا للابتداء فيستحيل عليه ابتداء الحياة وزوالها ونقصها ،
ولهذا قال عز وجل : { لا تأخذه سنة ولا نوم } بخلاف حياة الإنسان فإنه وإن امتنع عن النوم وحاول أن يبتعد عن النوم فلا بد أن يأخذه النوم أو يهلك ، ولهذا عبّر بقوله : { لا تأخذه } أي لا تغلبه ، ولم يقل : ( لا ينم ) ، لأن البشر قد يحاول ألا ينام ولكن لو حاول ألا ينام فلنقصه لا بد أن تأخذه السنة والنوم أو يهلك ،(1/145)
وفي الحديث الصحيح : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) [208] ، فانتفى بذلك غلبة النوم والسنة عليه عز وجل بنص القرآن ، وأنه لا ينام ولا بإرادته ،
لأن ذلك من المستحيل عليه ، لقوله : ( ولا ينبغي له أن ينام ) .
لأن النوم نقص ونحن إنما ننام لنقصنا لا لكمالنا ننام من أجل الراحة عما مضى واستجلاب القوة لما يستقبل ، أما الله عز وجل فإنه لم يزل ولا يزال قوياً وخلق السماوات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب ،
فالحاصل : أن الله له الحياة الكاملة أزلاً ابتداءً وانتهاءً واستمراراً ،
ثانياً : له الكلام :
فهو سبحانه وتعالى يتكلم ، والكلام كمال ، ولهذا يعد الخرس عيباً ونقصاً ،
فله الكلام وكلامه سبحانه وتعالى بحرف وصوت ، لأننا نجد أن ما يتكلم الله به حروف ، ونعلم أن كلامه يسمع ويرد عليه ،
أما الأول : وهو أن كلامه بحرف فهو أشهر من أن يذكر ، كل الكلام الذي ذكره الله عن نفسه نجده بحروف ،
فمثلاً : القرآن الكريم سماه الله تعال كلاماً له ،
فقال : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون } ( التوبة 6 ) .
ومعلوم أن القرآن كله حروف ،
ثم إن الله يقول : { وإذ قال الله يا عيسى بن مريم } ( المائدة 116 ) .
{ إذ قال ربك للملائكة أني خالق بشراً من طين } ( ص 71 ) .
{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } ( البقرة 35 ) .
كل هذه المقولات حروف ،
وهل هي حروف متتابعة أو متقارنة ؟
الجواب : متتابعة ،
فقوله : { يا عيسى } ( آل عمران 55 ) ، فـ ( عيسى ) بعد ( يا ) وقوله : { إني متوفيك } بعد ( عيسى ) ، فهي متتابعة بعضها بعد بعض وليست متقارنة ولا يمكن أن تكون متقارنة ،
وهل كلام الله بصوت ؟
الجواب : نعم كلام الله تعالى بصوت ،
{ وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياّ } ( مريم 52 ) .
فالمناداة بصوت مرتفع ،
والمناجاة بصوت منخفض ،(1/146)
وكل ذلك وصف الله به نفسه : { وناديناه } ، { وقربناه نجياّ } .
ثم إن المحاورة التي تقع بين الله وبين رسله تكون بشيء مسموع بلا شك ،
فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما كان الله يحاوره { وما تلك بيمينك يا موسى ، قال هي عصاي أتوكأ بها وأهش عليها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ، قال ألقها يا موسى ، فألقاها فإذا هي حيةٌ تسعى ، قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } ( طه 17 – 21 ) لا شك أن موسى كان يسمع هذا ،
وهل يمكن أن يُسمع شيء بلا صوت ؟
لا يمكن ، لا بد من صوت فكلام الله أيضاً يتعلق بمشيئته ابتداءً وانتهاءً وكيفية ،
يعني متى شاء تكلم ، ومتى شاء لم يتكلم ،
وكيفية : إن شاء تكلم بصوت مرتفع ، وإن شاء تكلم بصوت غير مرتفع ،
إن شاء تكلم بالعربية وإن شاء تكلم بغير العربية ،
فكلامه مع موسى بغير العربية ،
لأنه لو كلم موسى بالعربية ما فهم موسى شيئاً ،
وكلامه لمحمد صلى الله عليه وسلم بالعربية ،
لو تكلم بغير العربية ما فهمه محمد صلى الله عليه وسلم ،
إذن يتكلم كيف شاء ابتداءً وانتهاءً وكيفية ،
ولهذا المحاورة التي مع موسى له ابتداء وانتهاء { وما تلك بيمينك يا موسى } ( طه 17 ) ابتداءً بالواو وانتهاءً بالألف من قوله : { يا موسى } ، { قال ألقها } ، { ولا تخف } ابتداءً بالهمزة وانتهاء بالألف ،
المهم : أنه يبتدئ عز وجل بالكلام وينتهي بالكلام ، يتكلم كذلك كيف شاء بالنسبة للغة ، فيكلم محمداً بالعربية ويكلم موسى بالسريانية هذا هو الظاهر لنا ،
وإن كان من الجائز أن يكلمه الله بالعربية وأن يلقي له فهماً خاصاً في تلك اللحظة يفهم به اللغة العربية هذا جائز عقلاً لكنه خلاف الظاهر ، ونحن ليس لنا إلا الظاهر ، أما ما وراء الظاهر ما نعلم عنه ، فمن ادعاه فعليه الدليل ، فالله عز وجل يتكلم كيف شاء ،(1/147)
ويتكلم عز وجل بما شاء بالأمر والنهي والخبر والاستخبار الذي هو الاستفهام وغير ذلك ، فهو يتكلم بما شاء ، لأن له الملك المطلق والتدبير المطلق فله أن يتكلم بما شاء من الكلام ، ومتى شاء كذلك ، لأن الكلام يتعلق بمشيئته فمتى شاء تكلم ،
فالكلام الذي حصل لموسى كان حين أرسله وكان حين جاء للميقات { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك } ( الأعراف 143 ) في أي وقت شاء ، وكلامه في أي وقت شاء ضروري ، أمر يوجبه العقل ، لأننا نشاهد المحدثات ، والمحدثات لا تحدث إلا بإرادته وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ،
إذن لا بد أن يتعلق الكلام بمشيئته ، فمتى شاء تكلم بما يريد عز وجل من الكلام الكوني والكلام الشرعي ،
المهم : أن كلام الله تعالى يتعلق بمشيئته ،
ولهذا قال أهل العلم من أهل السنة : إن الله يتكلم بحرف وصوت بما شاء متى شاء كيف شاء ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في كلام الله عز وجل ،
وهو مذهب تؤيده الأدلة الشرعية والأدلة العقلية والأدلة اللغوية ، لأن الكلام لا يعقل إلا بحرف وصوت [209] ،
وقال أهل البدع قولاً كثيراً في الكلام بلغ إلى ثمانية أقوال بالإضافة إلى قول أهل السنة والجماعة ، ذكرها ابن القيم رحمه الله وتجدونها في ( مختصر الصواعق المرسلة ) ،
نذكر منها قولين مشهورين :
القول الأول : قول الجهمية [210] والمعتزلة [211] واتباعهما :
يقولون : إن الله تعالى يتكلم بكلام يسمع وبحرف ومتى شاء وبما شاء ، ولكن ليس كلامه صفة فيه بل كلامه مخلوق من مخلوقاته بائن منه يخلق كلاماً في الهواء كلاماً في جهة معينة ثم يسمع فيضاف إلى الله إضافة تشريف وخلق ،
كما أضاف الله إلى نفسه البيت في قوله : { وطهِّر بيتي } ( الحج 26 ) .
كما أضاف إلى نفسه الناقة وقال : { ناقة الله وسقياها } ( الشمس 13 ) .(1/148)
وكما أضاف إلى نفسه المساجد في قوله : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } ( البقرة 114 ) .
فإضافة الكلام إليه لا لأنه تكلم به وأنه صفة من صفاته ولكن لأنه خلقه ،
أما الله عز وجل فمحال أن يتكلم بكلام وإنما يخلق كلاما في غيره ثم يضيفه إليه على سبيل التشريف والتكريم والتعظيم [212] ،
ما تقولون في مناداة الله لموسى ؟
الجواب : قالوا : نعم ، نقول : { وناديناه من جانب الطور الأيمن } ( مريم 52 ) خلق الله عز وجل في جانب الطور الأيمن صوتاً فسمعه موسى ناداه من الشجرة فهو خلق كلاما في الشجرة فسمعه موسى ،
فنقول : سبحان الله كيف يضيف الله تعالى الكلام إلى نفسه { وناديناه من جانب الطور الأيمن } ويضيفه إلى نفسه في محاورته لموسى ثم تقولون : إنه من الشجرة ؟
وعلى قاعدتكم هذه نقول : كل كلامٍ يمكن أن يكون كلام الله حتى كلام البشر يمكن أن نقول إنه كلام الله لأنه مخلوق في الإنسان ،
بل إن كلام البشر على قاعدتكم يكون أشرف من كلام الله لأنه مسموع من البشر الذي فضله الله على كثير ممن خلق تفضيلا وكلام الله عندكم مسموع من شجرة أو من جبل أو ما أشبه ذلك ،
ومن ثَمَّ ادعى أهل الحلول أن كل كلام فهو كلام الله حتى نعيق الطيور وأصواتها كلام الله ،
وقال قائلهم [213] :
وكل كلامٍِ في الوجود كلامه ،
سواءٌ علينا نثره ونظامه [214] ،
كل كلامٍ في الوجود فهو كلام الله وهذا غير معقول يعني حتى الذي يتكلم باللعن والسب والشتم ويشتم الله ورسله وكتبه يعتبر كلامه كلام الله عند أهل الحلول لكن هذا القول ،
وإن كان الجهمية والمعتزلة ينكرونه لكنه لازمٌ لهم ،
لأنكم إذا صححتم أن ما يضاف إلى الله من الكلام يكون كلام غيره فلا فرق بين أن يكون كلام البشر أو كلام الشجرة وجانب الطور وما أشبه ذلك ،(1/149)
وعلى هذا المذهب لا يوصف الله بالكلام في الواقع وإنما يوصف بأنه خالق الكلام ومن ثَمَّ بنوا على هذا قولهم : إن القرآن مخلوق [215] ،
واستدلوا بقوله تعالى : { الله خالق كل شيء } ( الزمر 62 ) .
والكلام شيءٌ فيكون مخلوقاً غير منزل ، ويقولون : حتى لو قلنا : إنه منزل فليس كل منزلٍ مخلوقاً ،
فالله أنزل من السماء ماءاً والماء النازل من السماء مخلوق { وأنزلنا لكم من الأنعام ثمانية أزواج } ( الزمر 6 ) والأنعام مخلوقة { وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد } ( الحديد 25 ) والحديد مخلوق فانظر كيف التلبيس وهو من تلبيس إبليس ،
فبماذا نجيبهم على شبهتم هذه ؟
الجواب : نقول : إن المنزل إما أن يكون عيناً قائمةً بنفسها وحينئذِ يكون مخلوقاً ،
لأنه بائنٌ من الله عز وجل ،
وإما أن يكون وصفاً لا يقوم إلا بغيره وحينئذِ يجب أن يكون من صفات الله ،
والكلام وصفٌ لا يقوم إلا بغيره ،
وحينئذِ إذا أضاف الله الكلام إلى نفسه فهو صفةٌ من صفاته ،
أما حديد يكون من صفات الله هذا غير معقول ،
كل إنسانٍ يعرف أن الحديد ليس من صفات الله ،
والماء النازل من السماء ليس من صفات الله ،
كذلك أيضاً الأنعام الإبل والبقر والغنم مع ضأنها ومعزها ليست من صفات الله ،
بل هي أعيانٌ قائمةٌ بنفسها أضافها الله تعالى على نفسه إضافة خلقٍ وتكوين وليس إضافة صفة إلى موصوفها ،
ونرد عليهم نقول : { الله خالق كل شيء } ( الزمر 62 ) تدل على خالقٍ ومخلوقٍ ،
فيجب أن يكون المخلوق بائناً منفصلاً عن الخالق ، كما لو قلنا : صانع ومصنوع ،
فإننا إذا قلنا مثلاً : هذا صانع للقِدر فالقِدر ليس من صفاته بل هو بائن عنه ،
إذن فالمخلوق الذي خلقه الله بائن عن الله عز وجل ،
ومن المعلوم أن الكلام معنى يقوم بالغير ليس عيناً قائمة بنفسها فإذا أضافه الله إليه فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ،(1/150)
إذن ما احتجوا به فهو باطل ، وهم إذا أنكروا كلام الله الذي هو وصفه وقالوا : إنه مخلوق ،
فإن إنكارهم هذا في الحقيقة يقتضي إنكار الشرع والقدر ،
لأنه يقتضي أن تكون المخلوقات بغير كلام الله بل بمخلوق مثلها ،
ويقتضي أن يكون الشرع بغير وحي الله بل بمخلوق من المخلوقات ،
ولا يقتضي إلزام الناس به لأنه مخلوق ،
فلهذا ذكر ابن القيم في النونية أن هذا القول يترتب عليه إبطال الخلق والأمر جميعاً ،
لأنه لا يكون خلق بقوله { كن } ( البقرة 117 ) ولا الشرع بقول : ( افعلوا ) ،
وإنما بأشياء مخلوقة بمخلوقة وهذا إبطال للشرع والقدر ،
القول الثاني : قول الأشاعرة [216] :
قالوا : إن كلام الله صفة من صفاته وليس بمخلوق ،
ولكن الكلام الذي نقر به هو المعنى القائم بنفسه وليس الشيء المسموع الذي يكون بالحروف [217] ،
فإن هذا الشيء المسموع الذي يكون بالحروف خلق من مخلوقات الله خلقه الله تعبيراً عما في نفسه وليس هو كلام الله ،
لكن إضافته إلى الله من باب المجاز [218] ،
وتُجوِّز عما كان عبارة عن الشيء تجوّز به نسمي به الشيء فسمي كلام الله ، لأنه عبارة عنه وليس هو كلام الله ،
إذن الكلام هو المعنى القائم بالنفس وهو أزلي أبدي لا يتعلق بمشيئته ،
بل هو وصف لازم له ،
كلزوم الحياة والعلم والقدرة يعني أنه لا يتكلم متى شاء على زعمهم ،
كما أنه لا يعلم متى شاء علمه لازم لذاته ،
هم يقولون : الكلام لازم لذاته لا يتعلق بمشيئته [219] ،
الجهمية والمعتزلة خير منهم من هذا الوجه ،
لأنهم يقولون : إن كلام الله يتعلق بمشيئته لكنه مخلوق [220] ،
هم يقولون : لا يتعلق بمشيئته ولا بإرادته ،
ثم يقولون : إن ما يسمعه محمد عليه الصلاة والسلام وموسى وغيرهما من كلام الله إنما هو شيء مخلوق ،
فشاركوا الجهمية والمعتزلة في أن ما يسمع مخلوق ،
لكن الجهمية قالوا : هو كلام الله ،
وهؤلاء قالوا : عبارة عن كلام الله ،(1/151)
فوافقوا الجهمية في أن المسموع مخلوق،
وخالفوهم في أنهم قالوا : إنه عبارة ، وهؤلاء قالوا : إنه حقيقة ،
فصار المعتزلة والجهمية خيراً منهم من هذا الوجه أيضاً ،
ونرد عليهم فنقول : دعواكم أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس هذا دعوى يكذبه الشرع وتكذبه اللغة ، وإذا كان يكذبه الشرع وتكذبه اللغة فهو باطل ،
أما الشرع : فلأن الله تعالى وصف القرآن بأنه كلام الله ،
والأصل أن الصفة حقيقة في موصوفها ، وهذا القرآن مسموع وبحروف ويتعلق بالمشيئة فكذب دعواكم بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس ،
وأما مخالفته للغة : فإنه لا يقال في اللغة للكلام كلام حتى يخرج باللسان ،
وإنما يذكر الكلام القائم بالنفس كلاماً مقيَّداً .
فيقال : حدث نفسه .
ويقال :حديث النفس .
ويقال : يقول في نفسه [221] ،
أما عند الإطلاق : فإن القول والكلام لا يقال إلا لما يسمع ويكون بحروف ،
فإذا قالوا : إن الله تعالى يقول { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } ( المجادلة 8 ) قلنا : هذا رد عليكم وليس لكم بل هو دليل عليكم وليس لكم ،
لأن الله لما أراد حديث النفس قال : { ويقولون في أنفسهم } ، ولما أراد حديث اللسان قال : { بما نقول } فأطلق ولم يقولوا بما يقولون في أنفسهم ، لأنهم يقولون بألسنتهم لكن يحدثون أنفسهم ويقولون { لولا يعذبنا الله بما نقول } فحديث النفس لا يسمى قولاً ولا كلاماً ولا حديثاً إلا مقيداً ،
وأما القول والحديث والكلام عند الإطلاق فإنما هو قول اللسان وهذا بالنسبة للآدمي لكنه القول المسموع الذي يكون بالحروف ،
ثم إننا نقول لهم : أي فرق بين العلم والكلام على ما زعمتم ، لأن حقيقة الأمر أنه إذا كان الكلام هو ما قدره الله في نفسه صار معناه العلم ، فلا فرق بين العلم والكلام على زعمهم ،
فإن قالوا : قال الشاعر [222] :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ،(1/152)
جعل اللسان على الفؤاد دليلاً [223] ،
قلنا : وهذا دليل عليكم أيضاً وليس لكم ،
لأن الشاعر يريد أن الكلام المعتبر هو الذي يخرج من القلب ،
ولكنه لا يسمى كلاماً ولا يضاف إلى الإنسان حتى يقوم عليه الدليل ، وبماذا يكون الدليل ؟ باللسان الذي ينطق فيسمع ويكون بحروف ، هذا إذا تنزلنا أن نوافق على الاستشهاد بهذا البيت ،
وأما إذا قيل : إن القائل لهذا البيت هو الأخطل [224] ؟
فإنه لا دليل فيه ، لأن الأخطل رجل من النصارى يجوِّزون من الوهميات ما لا تجيزه العقول ، فالنصارى يقولون : إن الله ثالث ثلاثة ، ويقولون : نحن موحدون ، وكيف يكون موحد من جعل الآلهة ثلاثة فهم عندهم خطأ وعندهم ضلال ولهذا وصفوا بأنهم ضالون ، وإن قولاً يستشهد له ويستدل له بأقوال النصارى لقول مبني على شفا جرف هار [225] ،
إذا قال قائل : على أي شيء بنى المعتزلة قولهم وعلى أي شيء بنى الأشاعرة قولهم ؟
الجواب : نقول : أما المعتزلة فبنوا قولهم على نفي الصفات عن الله ،
لأنهم ينفون صفة الكلام فهم يثبتون الأسماء وينفون الصفات ،
وأما الأشاعرة فبنوا قولهم على امتناع قيام الحوادث بالله [226] ،
وقالوا : الشيء الحادث الذي يكون بالمشيئة لا يقوم بالله أبداً ، لماذا ؟
قالوا : لأن الحادث لا يقوم إلا بحادث ، فإذا قامت بالله الحوادث لزم من ذلك أن يكون حادثاً [227] ،
وهذا لا شك أنه خطأ ،
أما مذهب المعتزلة والجهمية فظاهرٌ خطؤه لأنهم ينكرون جميع الصفات ونحن نثبت لله جميع ما أثبته لنفسه ،
وأما الأشعرية فنقول : من قال : إن الحادث لا يقوم إلا بحادث ؟
قد يقوم الحادث بالقديم أي بالأزلي الأبدي ، وهذا من كمال الله أن يكون فعله متعلقاً بمشيئته وأن يحدث من أمره ما شاء ،
ونقول لهم : ماذا تقولون في قوله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) فإن الآية واضحة بأنه عند إرادة الشيء يقول له : { كن فيكون } ،(1/153)
والفاء تدل على الترتيب والتعقيب ؟
إذن فالأمر بالكون سابق للكون لكنه متصل به { كن فيكون } ،
فإن ادعوا أن المراد يقول في الأزل : { كن } ،
فالجواب : أن هذا خلاف الظاهر ، لأن { كن فيكون } تدل على أنه هذه عقب هذه ، وهذا يستلزم أن يكون قوله حادثاً عند وجود ما أراده عز وجل ،
ثالثا : قوله ( والبصر ) يعني : وله البصر ،
والبصر : هو ( رؤية الأشياء ) ،
وقد أثبت الله في كتابه أنه بصير بما يعمل العباد ،
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن لله بصراً في قوله : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) [228] ،
وعلى هذا فالبصر ثابت لله بالكتاب والسنة ،
لكن هذا الحديث الذي ذكرناه هو بصر الرؤية ، أما بصر العلم فيستفاد من الآية ،
ولهذا نقول : إن بصر الله تعالى نوعان :
1. بصر رؤية ،
2. وبصر علم ،
كلاهما يشمله قوله تعالى : { والله بصيرٌ بالعباد } ( آل عمران 15 ) { والله بصيرٌ بما يعملون } ( الحجرات 18 ) وما أشبه ذلك ، فإن هذا البصر شامل لبصر العلم وبصر الرؤية ،
أما قوله عليه الصلاة والسلام : ( لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) [229] ، فإنه يختص ببصر الرؤية على حال ،
البصر ثابت لله عز وجل وهو من الصفات الذاتية التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها ، فهو لم يزل ولا يزال عليماً ولم يزل ولا يزال بصيراً بخلقه عز وجل أي يبصرهم ،
وهل يلزم من البصر العين ؟
الجواب : لا ، ولولا النصوص الدالة على ثبوت العين لم يجز أن نثبتها بثبوت البصر ،
ولهذا كانت الأشاعرة يثبتون لله البصر ، ولا يثبتون له العين [230] ،
يقولون : إن الله يُري ، لكن لا بعين ،
لكن لو قال قائل : هل يمكن عقلاً أن يجعل بصره بلا عين ؟(1/154)
الجواب : نعم يمكن ، فقد قال الله تعالى عن الأرض : { يومئذٍ تحدِّث أخبارها } ( الزلزلة 4 ) أي تخبر بما عمل الناس عليها وعمل الناس قد يكون فعلاً يرى وقد يكون قولاً يسمع ، فالأرض تسمع بلا أذن ، وترى بلا عين ، والله على كل شيء قدير ،
فالمهم : أننا نثبت لله البصر بصر العلم وبصر الرؤية ،
ونرى أنه من الصفات الذاتية التي لم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفاً بها ،
رابعاً : السمع حيث ذكره بقوله : ( سمعٌ ) وهذه معطوفة على قوله : ( الحياة ) لكنها بإسقاط حرف العطف لضرورة النظم ،
والسمع الذي أثبته الله لنفسه نوعان :
1. سمع إدراك المسموع ،
2. وسمع إجابة المسموع ،
وهناك فرق بين الإدراك وبين الإجابة : قال الله تعالى : { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } ( الأنفال 21 ) ، : { سمعنا } يعني سمع إدراك : { وهم لا يسمعون } سمع استجابة سمع الله عز وجل يشمل سمع الإدراك وسمع الاستجابة ،
ففي قوله تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك } ( المجادلة 1 ) سمع إدراك ،
وفي قوله تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } ( إبراهيم 39 ) سمع الاستجابة ،
وفي قول المصلي : ( سمع الله لمن حمده ) سمع الأمرين جميعاً يعني يسمع ويجيب من حمده بالإثابة ،
وهل هما من الصفات الذاتية أو لا ؟
الجواب : أما سمع الإدراك فهو من الصفات الذاتية ،
وأما سمع الاستجابة فهو من الصفات الفعلية ، لأنه إن شاء استجاب وإن شاء لم يستجب ،
فأولوا الألباب الذين يقولون : ربنا إننا آمنا ، قال الله تعالى : { فاستجاب لهم ربهم } ( آل عمران 195 ) ، { وقال ربكم ادعوني استجب لكم } ( غافر 60 ) ،
فالاستجابة حصلت بعد الدعاء ،
وكل شيء من صفات الله يكون له سبب فهو من الصفات الفعلية ،
سمع الاستجابة من الصفات الفعلية ، فمن استجاب الله له فقد سمعه ،
لكن سمع الإدراك ذكرنا أنه من الصفات الذاتية لكن الحادث هو المسموع لا السمع ،(1/155)
أنا مثلاً أسمع الصوت الآن وسمعي موجود من قبل ؟ لا ، سمعي لهذا الصوت المعين ، ولكن بمعنى أن القوة السمعية موجود فيَّ من قبل هذا الشيء ، فيمكن أن تكون الصفة قديمة ومتعلقها حادث ، ولا مانع ،
قال العلماء : والسمع بمعنى الإدراك ينقسم إلى عدة أقسام :
الأول : سمع عام لكل شيء ،
مثاله : قوله تعالى : { إنه سميعٌ عليم } ( الأعراف 200 ) فهذا يشمل المؤمن والكافر وما يرضاه الله وما لا يرضاه ،
الثاني : سمع خاص ،
مقتضاه النصر والتأييد ،
وهذا الخاص له أمثلة :
منها : قوله تعالى لموسى وهارون : { لا تخافا إني معكما أسمع وأرى } ( طه 46 ) فالمراد أسمع وأرى فأنتصر لكما ،
وقد يكون للتهديد والوعيد :
مثل : قوله تعالى : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء } ( آل عمران 181 ) .
وقوله تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } ( الزخرف 80 ) .
فصار الخاص قد يراد به النصر والتأييد وقد يراد به التهديد والوعيد ،
وقولي : ( قد يراد به ) أي قد يكون مقتضاه النصر والتأييد وقد يكون مقتضاه التهديد والوعيد ،
فإذا قال قائل : ما هو الضابط لما يقتضي هذا وهذا ؟
الجواب : أن الضابط القرائن أي قرائن الأحوال وسياق الكلام تدل على أن مقتضاه كذا وكذا ،
خامساً : الإرادة : وذكرها بقوله : ( إرادة ) ، بالرفع عطفاً على الحياة ، بإسقاط حرف العطف لضرورة النظم ، يعني : أن الله عز وجل له الإرادة ،
ودليل ذلك :
قوله تعالى : { فعال لما يريد } ( البروج 16 ) .
وقوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ( النساء 27 ) .
وقول الله تعالى : { يريد الله ليبين لكم } ( النساء 26 ) ، والآيات في الإرادة كثيرة ،
قال أهل العلم : والإرادة تنقسم إلى قسمين :
1 – إرادة كونية وهي التي بمعنى المشيئة ،
2 – وإرادة شرعية وهي التي بمعنى المحبة [231] ،(1/156)
مثال : قوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ( النساء 27 ) .
هذه بمعنى المحبة وليست بمعنى المشيئة ،
لأنها لو كانت بمعنى المشيئة لتاب الله على جميع الناس ،
لكنها بمعنى المحبة تتعلق بمشيئته إن شاء تاب وإن شاء لم يتب ،
إرادة بمعنى المشيئة :
مثل : قوله تعالى : { إن الله يفعل ما يريد } ( الحج 14 ) أي ما يشاء ،
بدليل قوله تعالى في الآية الثانية : { ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) .
هذه إرادة بمعنى المشيئة ،
فالإرادة إذن قسمان :
1 – كونية ،
2 – وشرعية ،
إذا قال قائل ما الفرق بينهما من حيث الحكم ؟
فالجواب : الفرق بينهما من وجهين :
الوجه الأول : أن الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد ،
والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد ، قد يريد الله شيئاً شرعاً ولا يقع ،
الفرق الثاني : الإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله ،
والإرادة الكونية تكون فيما يحبه وما لا يحبه ،
الفرق واضح ،
فإذا قال قائل : أعطوني أمثلة توضح ذلك ؟
قلنا : مثلاً : الإيمان والعمل الصالح مرادٌ لله كوناً أو شرعاً ؟ شرعاً ، لماذا ؟
لأن من الناس من لم يؤمن بالله ولم يعمل صالحاًَ ،
ولو كان مراداًَ لله كوناً وقدراً للزم أن يعمل الناس كلهم وأن يعملوا صالحاًَ ،
إذا قال قائل : الكفر الواقع من بني آدم هل هو مرادٌ لله ؟
مرادٌ كوناً لا شرعاً ، مرادٌ كوناً ،
لأنه واقع وكل شيءٍ يقع فهو مرادٌ لله عز وجل { إنما أمره إذا شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) فهو مرادٌ كوناً غير مرادٍ شرعاً ،
لأن الله لا يريد من عباده الكفر وإنما يريد منهم الإيمان ،
نمثل بالأشخاص : ما تقولون في كفر أبي جهلٍ ؟
مرادٌ كوناً لأنه واقع ، وكل شيءٍ واقع فهو مرادٌ كوناً ،
وليس مراداً شرعاً لأن الله لا يحبه ، وإذا كان الله لا يحب شيئاً فإنه وإن وقع غير مرادٍ لله شرعاً ،
إيمان أبي بكر :
مرادٌ شرعاً لأن الله يحبه ،(1/157)
ومرادٌ كوناً لأنه واقع ،
كل شيءٍ مرادٌ كوناً فإنه واقع أي شيءٍ كان ،
وإيمان أبي بكر واقع ،
إذن هو مرادٌ كوناً لوقوعه ،
مرادٌ شرعاً لأنه محبوب إلى الله عز وجل ،
إيمان أبي لهب :
مرادٌ شرعاً لأنه محبوب إلى الله عز وجل ،
وليس مراداً كوناً لأنه لم يقع ،
يَرِدْ علينا إشكال : كيف يكون الشيء مراداً لله كوناً وهو لا يحبها ، وهل يكرهه على أن يوقع ما لا يحب ؟
هذا إشكال وارد ،
ولهذا أجاب بعض المعتزلة فقال : كل ما وقع فهو مرادٌ لله كوناً وشرعاً ، كل شيء واقع فهو مراد كوناً وشرعاً ،
حتى المعاصي قالوا : إن الله أرادها شرعاً ،
ولكن هذا فيه إشكال ، فما هو الجواب السديد عن مثل هذه المسألة ؟
إذا قال قائل : إذا كان الله يكره كفر هذا الكافر فلماذا وقع وهو يكرهه ؟ هل أحدٌ أكرهه على أن يوقع شيئاً يكرهه ؟
الجواب : لا ، لكنه مكروهٌ لذاته محبوبٌ لغيره ،
الكفر الواقع مكروهٌ لذاته محبوبٌ لغيره ،
ما هذا الكلام ؟ يكون الشيء محبوباً مكروهاً ؟
نعم ، يكون محبوباً مكروهاً باعتبارين لا باعتبار واحد ،
الممتنع أن يكون الشيء محبوباً مكروهاً باعتبارٍ واحد أو من وجهٍ واحد ،
أما إذا كان من وجهين فهذا يمكن ليس بممتنع ،
أرأيت الرجل يأتي بالحديدة مُحَمَّاةً حمراء من النار ويكوي بها ابنه المريض ،
هل كَيُّهُ لابنه مراد لذاته ؟
لا ، مراد لغيره ،
ولهذا تجده محبوباً له مكروهاً محبوباً من وجه مكروهاً ،
من وجه إيلامه مكروه ،
من وجه أنه سببٌ لشفائه محبوب ،
إذن هذا الكفر الواقع بإرادة الله عز وجل مكروهٌ إلى الله لذاته محبوبٌ إلى لغيره ،
كيف ؟
لولا الكفر ما عُرِفَ الإيمان لولا الكفر لم يكن جهاد لولا الكفر لم يكن امتحان ،
أليس كذلك ؟
لولا الكفر لكان خلق النار عبثاً إلى غير ذلك من المصالح العظيمة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يقع الكفر بحكمته ،(1/158)
ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لا يعرف قدر الإسلام أو لا ينقض الإسلام عروةً عروة إلا من لم يدخل في الكفر ،
يعني أن من عرف قدر الإسلام هو الذي لا ينقضه ولا يعرف الإنسان قدر الإسلام إلا إذا كان قد دخل في الكفر ،
فـ ( بضدها تتبين الأشياء ) ،
فالحاصل : أن نقول جواباً على هذا الإيراد الشائك : كيف يكون في مُلْكِ الله عز وجل شيءٌ يكرهه وهو الذي أراده ؟
والجواب : أن هذا المكروه إلى الله مكروهٌ إليه لذاته محبوبٌ إليه لغيره فهو مكروهٌ محبوبٌ من وجهين ،
فإن قال قائل : هل هذا ممكن ؟
قلنا : نعم ،
ونضرب له مثلاً ،
بماذا ؟
بالرجل يكوي ابنه المريض لِيُشْفى ،
فالكي مكروهٌ لذاته لكنه محبوبٌ لغيره ،
خلاصة ما قلنا الآن :
أن الإرادة تنقسم إلى قسمين :
1 – إرادة كونية ،
2 – وإرادة شرعية ،
فما معنى كل واحدة ؟
الإرادة الكونية التي بمعنى المشيئة ،
والشرعية هي التي بمعنى المحبة ،
ما الفرق بينهما من حيث الحكم ؟
الفرق :
أولاً : الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد فما أراده الله كوناً فلا بد أن يقع ،
والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد أي أن الله قد يريد الشيء شرعاً وقد لا يقع ،
الفرق الثاني : الإرادة الكونية عامة لما يحبه الله وما لا يحبه ،
والإرادة الشرعية خاصة فيما يحبه الله ،
إذن الشيء الواقع نجزم أن فيه الإرادة الكونية لأنه واقع ،
ولكن ، هل فيه الإرادة الشرعية ؟
ننظر ، لا نقول : لا ، ولا نعم ، ننظر ،
إن كان هذا الواقع مما يحبه الله ففيه الإرادتان الكونية والشرعية ،
وإن كان مما لا يحب ففيه الإرادة الكونية وليس فيه الإرادة الشرعية ،
إذا كان الشيء لم يقع فإننا نجزم بانتفاء الإرادة الكونية فيه نقول : هذا ليس فيه إرادة كونية ،
لأنه ما وقع ،
هل ننفي الإرادة الشرعية عنه أو لا ؟
ننظر : هل يحبه الله فتكون الإرادة الشرعية ثابتة فيه أو يكرهه فتكون الإرادة الشرعية غير ثابتة فيه ،(1/159)
فإذا كان لم يقع وهو مكروه إلى الله ،
انتفى عنه الإرادتان الكونية والشرعية ،
ولهذا كفر المؤمن غير مراد لا كوناً ولا شرعاً ،
لا كوناً لأنه لم يقع لأنه مؤمن ،
ولا شرعاً لأنه مكروه إلى الله عز وجل ،
ثم بحثنا ثانياً في إيراد : وهو كيف يكون في مُلْكِ الله عز وجل ما يكرهه الله ؟
أو كيف تقولون : إن هذا المكروه إلى الله واقعٌ بإرادة الله ؟ فهل لله أحدٌ يكرهه ؟
الجواب : لا ،
إذن يكون الكفر غير واقعٍ بإرادته كيف يريد الله عز وجل شيئاً يكرهه ؟
والجواب : أن الواقع مما يكرهه الله كائنٌ بلا شك بإرادة الله ،
لكنه مكروهٌ إلى الله من وجه محبوبٌ إليه من وجهٍ آخر ،
فمن حيث كونه كفراً مكروهٌ إلى الله ،
ومن حيث ما يترتب على ذلك من المصالح العظيمة والحكم البالغة يكون محبوباً إلى الله عز وجل ،
من أمثلة الإرادة الكونية :
قوله تعالى : { إنْ كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم } ( هود 34 ) فهنا الإرادة كونية ،
لأن الله تعالى لا يريد شرعاً أن يغوي عباده بل يريد شرعاً أن يهديهم { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } ( النساء 26 ) .
من أمثلة الإرادة الشرعية :
قوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر } ( البقرة 185 ) .
وقوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ( النساء 27 ) .
قوله : ( وعلم ) : أي من صفات الله تعالى : العلم ،
والعلم صفة كمال ،
ولهذا يتمدح به الإنسان ويكره أن يوصف بضده ،
لو قلت شخصٍ : يا جاهل ، وأنت من أعلم الناس ، قال لك : الجاهل أنت ،
لأنه يرى أن وصفه بالجهل عيبٌ وقدح ،
فلو جاء مثلاً : رجل من أعلم الناس وقال لآخر : يا جاهل كيف تعمل هذا العمل ؟
قال الجاهل : أنت ، مع أنه من أعلم الناس لكنه لما سبه رد عليه مسبته ،
فالعلم صفة كمال بلا شك ،
وعلم الله عز وجل شاملٌ لكل شيء حاضراً مستقبلاً وماضياً ،(1/160)
قال الله سبحانه وتعالى : { لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قدير وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علما } ( الطلاق 12) .
وقال تعالى عن الملائكة : { ربنا وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلما } ( غافر 7 ) .
قال تعالى : { وهو بكل شيءٍ عليم } ( البقرة 29 ) .
وكذلك أيضاً علم الله تعالى محيطٌ بكل شيءٍ تفصيلاً ،
قال الله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين } ( الأنعام 59 ) .
وعلمه سبحانه وتعالى شامل لما يتعلق بعلمه وما يتعلق بفعل عباده ،
قال الله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ( ق 16 ) .
وقال تعالى : { والله عليمٌ بذات الصدور } ( آل عمران 154 ) .
وقال : { والله بما تعملون عليم } ( البقرة 283 ) .
فعلم الله شامل لكل ما يعمله العبد ،
إذن علم الله ثابت له بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والنظر الصحيح ،
الكتاب ما أكثر الآيات التي تصف الله بالعلم ،
والسنة كذلك مملوءة بما أن الله تعالى بكل شيءٍ عليم ،
كما في حديث الاستخارة وغيره ،
وإجماع المسلمين ثابت بأن الله بكل شيءٍ عليم ،
والنظر الصحيح يدل عليه ،
لقول الله تعالى مستدلاً على علمه بدلالة عقلية : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } ( الملك 14 ) .
فالخالق لا بد أن يكون عالماً بمخلوقه وعالماً بخلقه كيف يخلق ،
فالعلم دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل جملةً وتفصيلاً ،
******************
37 – بقدرة تعلقت بممكن ، ،
كذا إرادة فَع ِ واستبن ،
قوله : ( واقتدر بقدرة تعلقت بممكن ) : أي من صفات الله تعالى القدرة ،
قوله : ( اقتدر ) : من باب المبالغة أبلغ من ( قدر ) ،
فإن ( اقتدر ) تدل على صفة ٍ ذاتيةٍ لازمة ،(1/161)
قال الله تعالى : { إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر } ( القمر 54 - 55 ) .
وقال تعالى : { وإن الله على كل شيءٍ قدير } ( البقرة 20 ) ، والآيات في هذا كثيرة ،
وقدرة الله تعالى قدرةٌ مقرونةٌ بالقوة فهو القوي القادر بخلاف المخلوق ،
فإن قدرته محدودة وقد تكون قدرة ًبقوة وقد تكون قدرة بلا قوة ،
لكن المؤلف قيد القدرة قال : ( تعلقت بممكن ) : وتعلقت بالواجب أيضاً ؟
نعم ، بالواجب من باب أولى ،
تعلقت بالمستحيل ؟
لا ، لأن المستحيل ليس بشيء فضلاً عن أن يكون مقدوراً عليه ،
لكن المستحيل الذي يُتَصَوَّرُ ذهناً أنه مستحيل :
1 – مستحيلٌ لذاته ،
2 – ومستحيل لغيره ،
أما المستحيل لذاته فهو مستحيل لا يمكن ،
لو أن أحداً أراد أن يقول : هل الله قادر على أن يخلق مثله ؟
لقلنا : هذا مستحيل لكن الله قادر على أن يخلق خلقاً أعظم من الخلق الذي نعلمه الآن ونحن نعلم الآن أن أعظم مخلوقٍ نعلمه هو العرش ،
العرش أعظم من كل شيء من المخلوقات التي نعلمها ،
ومع ذلك نعلم أن الله قادر على أن يخلق أعظم من العرش ،
لكن الشيء المستحيل لذاته هذا غير ممكن ،
نعلم أنه يستحيل في العادة ليس في ذاته أنه لا يقع ،
خسوف القمر في أول الشهر هذا مستحيل حسب العادة ،
ونعلم أيضاً أنه لا يمكن أن يَهِلَّ الهلال ثم تخسف الشمس بعد غروبها بعد الغروب ،
هذا نعلم علم اليقين أنه لن يكون ،
لكن لذاته أو لغيره ؟
لغيره أي حسب ما أجرى العادة ،(1/162)
وإلا فإن الله قادر على أن يكسف القمر في أول الشهر وعلى أن يهل الهلال ثم تخسف الشمس بعد غروبها ، هلال الهلال لا يمكن أن يكون قبل خسوف الشمس بمعنى أنه إذا خسفت الشمس في ليلةٍ قلنا إنها أول ليلة في الشهر فهذا شيءٌ مستحيل لأن من المعلوم أن كسوف الشمس سببه الذي جعله الله سبباً كونياً حيلولة القمر بين الشمس والأرض وحيلولة القمر بين الشمس والأرض يمنع أن يهل الهلال قبل الخسوف لأنه إذا هَلَّ الهلال قبل الخسوف لا يمكن أن يتجاوز ثم يحول بين الشمس والأرض لأن المعلوم أن القمر يتأخر عن الشمس ما هو سبب الخسوف الذي جعله الله سبباً لخسوف القمر ؟ حيلولة القمر بين الشمس والقمر ،
إذن الشمس لم تسبق أبداً في هذا الحال ،
إذن قول المؤلف : ( تعلقت بممكن ) : نقول : ضده المستحيل ،
فالمستحيل لا تتعلق به القدرة ،
لأنه على اسمه مستحيل ،
لكن يجب أن نعلم حتى لا يتوهم واهم أننا خصصنا ما عمه الله أو قيد ما أطلقه ،
يجب أن نعلم أن المستحيل نوعان :
1 – مستحيل لذاته ،
2 – ومستحيل لغيره ،
فالمستحيل لذاته : ما لا يمكن أن تتعلق به القدرة ،
كما مثلنا وقلنا : لو قال قائل : هل يقدر الله أن يخلق مثله ؟
قلنا : هذا مستحيل لذاته ،
لأن المماثلة مستحيل أدنى ما نقول : أن نقول : أن هذا مخلوق والرب خالق ،
فتنتفي المماثلة على كل حال ،
الشيء الثاني : المستحيل لغيره ،
بمعنى أن الله تعالى أجرى هذا الشيء على هذه العادة المستمرة التي يستحيل أن تنخرم ،
ولكن الله قادر على أن يخرمها ،
هذا نقول : إن القدرة تتعلق به ،
فيمكن للشيء الذي نرى أنه مستحيل بحسب العادة أن يكون جائزاً واقعاً بحسب القدرة ،
وهذا الشيء كثير كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب مستحيل لغيره ،
انشقاق القمر للرسول عليه الصلاة والسلام مستحيل لغيره لكن لذاته غير مستحيل ،
لأنه وقع والله قادر على أن يشق القمر نصفين ،
بل قادر على أن يشق الشمس نصفين ،(1/163)
نحن الآن نرى أنه من المستحيل أن الشمس تنزل وتكون فوق المنارة ،
لو جاءنا واحد وقال : إنني مررت بمنارة ووجدت أن الشمس موضوعة فوق المنارة بالضبط ،
ماذا نقول ؟
هذا كذب مستحيل ،
لكن مستحيل لغيره أو لذاته ؟
حسب ما أجرى الله العادة ،
لكن الله قادر على أن تكون الشمس على مستوى منارة بل دون المنارة ،
فإنه يوم القيامة تكون على رؤوس الناس بقدر ميل ،
فعبارة المؤلف رحمه الله تحتاج إلى بيان في قوله : ( تعلقت بممكن ) ،
فإن ظاهر كلامه أن القدرة لا تتعلق بالمستحيل ،
ونحن نقول لا بد في ذلك من التفصيل :
وهو أن المستحيل لذاته لا تتعلق به القدرة ،
لأنه ليس بموجود ولا يمكن أن يوجد ولا يفرضه الذهن ،
هل يمكن أن يكون الشيء متحركاً ساكناً ؟
لا يمكن ،
لأنه إذا كان متحركاً فليس بساكن ،
إن كان ساكناً فليس بمتحرك ،
أما المستحيل لغيره يعني بحيث يكون بحسب العادة غير ممكن ،
فهذا تتعلق به القدرة ،
وإذا طُلِبَ منا مثلٌ لذلك ،
قلنا : ما أكثر الأمثلة ،
كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب في العادة ،
لو أحد قال : أنا سأضرب هذا الحجر ، ضربه بعصاه قال : فانفلق اثني عشر عين ،
ماذا نقول ؟
هذا مستحيل حسب العادة ،
لو تضرب حجراً بعصاً من حديد حتى يتفتت الحجر ما جاءك اثني عشر عين ،
لكن هل هو مستحيل لذاته ؟
لا ، لأن الله جعله لموسى ،
إنسان معه عصا وقال أنا أضع هذا العصا ويكون حية ، ماذا نقول ؟
نقول : هذا ليس بصحيح ،
لا يمكن أن يكون حية ، حتى في السحر لا يمكن أن يكون حية ،
إنما يكون حية بالسحر حسب نظرنا ، لكن حقيقةً لا ليس بحية ،
لكن يمكن أن يكون العصا حية حقيقية حسب القدرة قدرة الله ،
فكون العصا حيةً مستحيل لغيره ،
لكنه لقدرة الله ليس مستحيلاً ،
ولهذا كان عصا موسى ينقلب حية حقيقية تلقف تأكل ،(1/164)
الإنسان مخلوق من الطين لو واحد صنع تمثالاً على شكل إنسان أو على شكل طير ، على شكل طير أحسن لكي توافق الآية التي لعيسى صنع تمثالاً على شكل طير وقام ينفخ فيه وقال طار طير طار نصدقه ،
لأن هذا مستحيل حسب العادة لكنه مستحيل لغيره ،
وأما حسب القدرة فليس بمستحيل ،
ولهذا جعله الله آيةً لعيسى يخلق تمثالاً على شكل الطير ثم ينفخ فيه فيطير ،
لم يذكر المؤلف متعلقاً للحياة ،
لأن الحياة لا متعلق لها ،
قوله : ( بممكن ) : يخرج به المستحيل ،
المستحيل لغيره له أمثلة كثيرة منها :
فخلق عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب أمرٌ مستحيل في العادة ،
لا يمكن أن يوجد ولد بلا أب وخلق ولد بلا أم أيضاً مستحيل ،
ولد بلا أم مستحيل في العادة ما من ولد إلا وله أم ،
ولكن في حواء صار لها أبٌ وليس لها أم ،
كذلك يستحيل في العادة أن يوجد ولدٌ بلا أمٍّ ولا أب ،
فلو جاءنا رجل وقال : ابشروا وجدت ولداً نابتاًَ في السطح ،
ماذا نقول له ؟
نقول : هذا مجنون لا يمكن أن يكون هكذا ،
ولكن هذا مستحيل لغيره لو شاء الله أن يخلقه لخلقه ،
أليس الناس إذا دُفِنوا في القبور فإن الأرض تأكل أجسامهم كلها إلا عَجْبَ الذَّنَب ؟!!!
ومع ذلك يتكون من هذا التراب يتكون آدمي بشر ،
وآدم عليه الصلاة والسلام كان خُلِق من الطين ،
وهذا مستحيل لغيره حسب العادة ولكن الله قادر عليه ،
قوله : ( كذا إرادة ) : يعني كذلك الإرادة تتعلق بالممكن ،
أما المستحيل فلا يمكن ،
فالمستحيل لذاته لا يمكن أن يريده الله ،
لأن هذه الإرادة عبث والله منزهٌ عن العبث ،
لو قال قائل مثلاً : إن الله يريد هذا الشيء يكون متحركاً ساكناً ؟
فالجواب : لا ، لا يريد هذا ،
لأنه متى كان متحركاً لم يكن ساكناً ومتى كان ساكناً لم يكن متحركاً ،
وليس المراد أنه يكون متحركاً ثم يسكن أو ساكناً ثم يتحرك هذا ممكن ،
فالإرادة تتعلق بالممكن ،(1/165)
ولهذا نقول : إن الإرادة إذا أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون ،
وهذا يدل على أن الإرادة تكون في الأشياء الممكنة التي يمكن أن يفعلها الله عز وجل ،
******************
38 – والعلم والكلام قد تعلقا ، ،
بكل شيء يا خليلي مطلقا ،ت
قوله : ( والعلم والكلام قد تعلقا بكل شيء ) : يعني يمكن أن الله يتكلم بالشيء المستحيل ويعلم الشيء المستحيل ،
فالله سبحانه وتعالى يقول : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ( الأنبياء 22 ) .
فقال : بالمستحيل يعني تكلم عن شيء مستحيل ،
{ وما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } ( المؤمنون 91 ) فتكلم بشيء مستحيل ،
والعلم يتعلق بالمستحيل والدليل هاتان الآيتان { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } هذا خبر يخبر الله أنه لو كان في السماء والأرض آلهة إلا الله لفسدتا ، هذا خبر عن شيء مستحيل ،
إذن الكلام يتعلق بالمستحيل ويتعلق بالواجب من باب أولى ،
فالله تعالى يتكلم بالشيء الواجب ومما تكلم به من الأمور الواجبة أن الله واحدٌ لا شريك له :
{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ( آل عمران 18 ) .
العلم أيضاً تعلق بالماضي والمستقبل والحاضر ، لأن الله بكل شيء عليم كل شيء فالله عليم به ،
******************
39 – وسمعه سبحانه كالبصر ،
بكل مسموع وكل مبصر ،
إذن السمع يتعلق بالمسموعات لا بكل شيء فلا يتعلق بالمرئيات ، ما يقال : سمع الله فلاناً أي نظر إليه إنما يتعلق السمع بالمسموعات والبصر بالمبصرات ، والأفعال من شأن البصر ، لأن الفعل يرى ولا يسمع بل الذي يسمع حركة الفاعل مثلاً والأقوال من متعلقات السمع ،
إذن الأفعال من متعلقات البصر والأقوال من متعلقات السمع ،(1/166)
ولهذا قال : ( بكل مسموع ) ، كالأقوال ( وكل مبصر ) كالأفعال ،
ماذا بقي من الصفات السبع ؟
بقي واحدة وهي الحياة ،
الحياة لا تتعلق بشيء بائن عن الله عز وجل ،
لأن الحياة وصف لازم لذاته لا تتعدى لغيره فلهذا لم يذكر له المؤلف متعلقاً ،
فهذه سبع صفات ذكرها المؤلف ،
ولكن إذا قال قائل : لماذا لم يذكر غيرها ؟
الجواب : أنها هي الصفات التي اتفق عليها السلف وأهل التأويل من الأشعرية ونحوهم ،
فلهذا خصّها المؤلف بالذكر لأنها محل اتفاق ،
أما السلف فيثبتون لله تعالى أكثر من هذه الصفات أكثر من سبع أكثر من سبعين صفة يثبتونها لله يثبتون لله كل ما وصف به نفسه من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام والحفظ والرضا والغضب وغير ذلك مما وصف الله به نفسه ،
لكن الأشاعرة لا يثبتون إلا هذه الصفات السبع فقط ، لماذا ؟
الجواب : قالوا : لأن هذه الصفات السبع دل عليها العقل فأثبتناها لدلالة العقل عليها ،
وأما ما سواها فإن العقل لا يدل عليها فيجب أن نؤول ،
قيل لهم : اشرحوا لنا كيف دل عليها العقل ؟
قالوا : الإيجاد دل على القدرة فإيجاد الأشياء يدل على قدرة الموجد وهو الله عز وجل وأشياء موجودة ،
وإحكام هذه الأشياء إحكامها خلقاً وصنعاً يدل على العلم لأن الجاهل لا يحكم الشيء ،
بقي الإرادة ، التخصيص يدل على الإرادة ،
يعني كون هذا ذكر ، وهذه أنثى ، وهذه شمس ، وهذا قمر ، وهذه أرض ، وهذه سماء ، يدل على الإرادة ، أراد الله أن يكون السماء سماءً فكان أن تكون الأرض أرضاً ، فكانت أن يكون الإنسان إنساناً ، فكان أن يكون البعير بعيراً ،
فكان فالتخصيص يدل على الإرادة ،
كم هذه من صفات ؟
ثلاث ،
قالوا : وهذه الصفات الثلاث لا تقوم إلا بحي أي من لازم المتصف بهذه الصفات الثلاث أن يكون حياً فنثبت الحياة ، فتكون الصفات الآن أربعة ،
ثم يقولون : إذا ثبت أنه حي فإما أن يتصف بالسمع والبصر والكلام ،(1/167)
أو بضد ذلك وضد ذلك ممتنع ،
لأن ضد السمع الصمم وضد الكلام الخرس وضد البصر العمى ،
وهذه الصفات صفات عيب لا يمكن أن يتصف بها الخالق ،
هذا وجه دلالة العقل على هذه الصفات السبع ،
الرحمة ؟ قالوا : ما فيه رحمة ، الرضى ؟ قالوا : ما فيه رضى ، الحكمة ؟ ما فيه حكمة ،
الوجه ؟ ما فيه وجه ، اليدان ؟ ما فيه يدان ، كيف ؟
قالوا : لأن هذه الصفات لا يدل عليها العقل ،
وإذا لم يدل عليها العقل فإنه لا يمكن أن نثبتها لله عز وجل ،
كيف نجيبهم ؟
نجيبهم بثلاثة أدلة :
أولاً : أن الرجوع إلى العقل في هذه الأمور باطل شرعاً وعقلاً :
أما الشرع :
فقال الله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ( الإسراء 36 ) .
وقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما تعلمون } ( الأعراف 33 ) .
وأما بطلانه عقلاً :
فلأن هذه الأمور من الأشياء التي تتلقى بالخبر ،
لأن الخالق عز وجل ليس كمثل الخلق ،
فلا يجوز عليه ما يجوز عليهم ولا يمتنع عليه ما يمتنع عليهم ولا يجب له ما يجب لهم ،
فهو مخالف للخلق ،
وإذا كان مخالفا للخلق فهل يحكم الخلق عليه بعقولهم ؟
الجواب : لا ، كيف تحكم عليه لا شاهدت الله ولا شاهدت نظيراً له فكيف تحكم عليه بالعقل ؟
فكان في الشرع والعقل ما يبطل الاعتماد على العقل في هذه الأمور ،
ثم نقول : ثانياً : هب أن العقل لا يدل على سوى هذه الصفات السبع فقد دل عليها الشرع ،
وتعدُّد الدليل جائزٌ عقلاً وواقعاً ،
فإذا انتفى أحد الدليلين ثبت المدلول بالدليل الآخر ،
لأن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول ،
فقد يكون للمدلول دليلٌ آخر غير الدليل الذي انتفى ،
فإذا فرضنا جدلاً أن العقل لا يدل على هذه الصفات ، فإن الشرع دل عليها ،
وإذا دل عليها وجب إثباتها بدلالة الشرع لأن الشيء قد يكون له أكثر من دليل ،(1/168)
فإذا انتفى الدليل المعين قام الدليل الثاني مقامه لأن بعض الأشياء تتعدد أدلته ،
الوجه الثالث : أننا يمكننا أن نثبت بالعقل ما نفيتم أن العقل دال عليه أي أننا نستدل بالعقل كما استدللتم بالعقل ،
ونقول : ما نفيتموه قد دل عليه العقل ،
مثال ذلك : هذه النعم التي نشاهدها وهذه النقم التي تندفع عنا مع وجود أسبابها تدل على الرحمة ،
فنزول المطر من آثار الرحمة ونبات الأرض من آثار الرحمة والنوم والراحة من آثار الرحمة والعلم والرزق من آثار الرحمة كل ما بنا من نعمه فهي من آثار الرحمة ،
كل ما بنا من نعمة فهو من آثار الرحمة ،
ودلالة هذه الأشياء على الرحمة عقلاً أوضح وأبين من دلالة التخصيص على الإرادة ،
لأن دلالة هذه الأشياء على الرحمة واضحةً للعامي والعالم ،
ودلالة التخصيص على الإرادة لا يفهمها إلا شخصٌ عالم ،
وأنتم الآن لولا أنكم عرفتم ذلك من كتب أهل العلم ما عرفتم كيف تستدلون بالتخصيص على الإرادة ،
ونقول : إثبات الطائعين وتعلية منازلهم دليل على الرضا عنهم ،
لأنه لو كرههم لعاقبهم وانتقامه تعالى من المجرمين يدل على الغضب { فلما آسفونا انتقمنا منهم } ( الزخرف 55 ) .
فالمهم أن ما ذكروا أن العقل لا يدل عليه فإنه يمكننا أن نثبته نحن بدلالة العقل وحينئذِ نجيبهم بثلاثة أجوبة ،
إثبات الأشاعرة لهذه الصفات السبع ليس كإثبات أهل السنة لها يختلف ،
فمن ذلك مثلاً : الكلام :
الكلام عند أهل السنة ليس هو الكلام عند الأشاعرة ،
سبق أن الأشاعرة قالوا في الكلام قولاً لا يقوله من له عقل ،
بل قالوا قولاً حقيقته نفي الكلام ،
لأنهم قالوا : أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس والمسموع عبارة عن هذا الكلام خلقه الله ليعبر عما في نفسه ،
وسبق بيان قولهم والرد عليهم ،
حتى أيضاً السمع والبصر يختلف إثباتها لها عن إثبات أهل السنة والجماعة ،(1/169)
فلهذا نقول : إن مذهب أهل السنة والجماعة مع مذهب الأشاعرة متماثل في عد هذه الصفات السبع وثبوتها ،
وإن كان يختلف في كيفية إثباتها ،
صارت هذه الصفات الست :
اثنان منها تتعلق بكل شيء وهما العلم والكلام ،
واثنان تتعلقان بالممكن وجوداً وعدماً وهما القدرة والإرادة ،
والثالث يتعلق بالموجود السمع والبصر ،
الأسئلة
السؤال : الاستغراق إنما يكون في ما له أفراد مثل : { وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً } ( النساء 28 ) ، { وخُلِقَ الإنسان } ، كل إنسان وهذا له أفراد كل واحدة متميزة عن الأخرى وحياة الله تعالى ليست كذلك الله واحد فكيف نقول للاستغراق ؟
الجواب : استغراق الصفات الكاملة .
لأن من كمال الحي أن يكون ذا صفات استغراق الحياة بمعنى الحياة الكاملة المتضمنة لجميع الصفات الكاملة فليس استغراق أعيان ، استغراق أوصاف في المعاني والكمال ، استغراق الحياة غير استغراق الحي فاستغراق الحياة هنا استغراق صفات يعني أن الحياة حياة الله عز وجل متضمنة لكل الأوصاف الكاملة التي هي من مقتضى كمال الحياة ،
السؤال : قوله تعالى : { إني أنا الله } ( القصص 30 ) ، ألا يرد عليهم في إثبات الكلام لله ؟
الجواب : نعم هذا من الرد عليهم قال لهم الإمام أحمد ، هم يقولون عندنا بابٌ يسمى باب المجاز فيقول إن الله خلق هذه الكلمة في هذه الشجرة وليست تعني نفسها ولكن هذا من باب التجوز كما لو قلت أنا محمد وأنا مرسلٌ منه ، يعني واحد أرسلني اسمه عبدالله فقلت أنا عبدالله لو مثلاً كلمت بكلام وقلت أعطني حق عبدالله أنا موكلني أقبض منك قلت اصبر دعني أراجع عبدالله قلت أنا عبدالله يعني وكيلاً عنه ، مشكل هذا ولهذا يجب أن نكسر المجاز قبل أن نتجوزه ،
السؤال : إن الأشاعرة يقولون : إن القرآن جاء به جبريل إلى محمد عليه الصلاة والسلام وإذا جعلتموه صفةً من صفات الله فكيف تنفك الصفة عن الموصوف ؟(1/170)
الجواب : الجواب على هذا بسيط عندما أقول لك يا هداية الله بلغ أحمد بكذا وكذا وكذا ،
الكلام ، من كلامه ؟
كلامي أنا وأنت الذي بلغته ،
فالكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدءاً لا إلى من قاله مبلغاً ،
أصل الكلام : كلام الله ،
لكن تكلم جبريل به هذا مخلوق ،
أما المُتَكَلَّم به فهو كلام الله ،
أنا الآن عندما أقرأ : { الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين } ( الفاتحة 2 – 4 ) ،
صوتي هذا مخلوق ،
لكن ما أُصَوِّتُ به هو صفة الله غير مخلوق .
ولهذا وصف الله القرآن بأنه قول محمد وقول جبريل ولا يمكن أن يكون قولٌ من قائلين .
فقال : { إنه لقول رسولٍ كريم ، ذي قوةٍ عند ذي العرش مكين } ( التكوير 19 – 20 ) .
من المراد بالرسول هذا ؟
جبريل ،
{ إنه لقول رسولٍ كريم ، وما هو بقول شاعر } ( الحاقة 40 – 41 ) .
المراد بالرسول هنا محمد .
فأضاف القول إلى محمد .
وأضاف القول إلى جبريل .
ومن المعلوم أنه لا محمد ولا جبريل ،
القائل : الأول ، من هو ؟
الله عز وجل ، { وإنه لتنزيلٌ من رب العالمين } ( الشعراء 192 ) .
انظر الآية التي في الشعراء تبين : { وإنه لتنزيلٌ من رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين } ( الشعراء 192 – 194 ) ، ثلاثة ، { وإنه لتنزيلٌ من رب العالمين } ، هذا الأول ،
إذن فالكلام يضاف إلى من ؟
إلى أول من قاله ،
أنا لو قلت :
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل [232]
قلت الآن الكلام هذا ، من الذي قالها ؟
أمرئ القيس [233] ، الذي قالها أمرئ القيس ،
وأنا قلتها الآن لكن قلتها إما مبلغاًَ إن قد أمرت بتبليغها وإما حاكياً إن كنت لم أؤمر بتبليغها ،
السؤال : قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي ( جملة غير واضحة ) يعني في آخر الحديث أنه أتاه الموت ،،،،،،،، فهذا يا شيخ يكون مراداً كوناً ؟(1/171)
الجواب : ( وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره إساءته ولا بد له منه ) [234] ، هذا أمر لا يتعلق بالإرادة الشرعية مسألة موت المؤمن قد نقول إنه غير مرادٍ لله شرعاً لأن بقاء هذا المؤمن يتعبد لله خير ،
السؤال : ما يحبه يا شيخ بعد الموت الله سبحانه يحب أن يجزيه خيراً ؟
الجواب : الله عز وجل يكره هذا الموت للمؤمن لأن المؤمن يكرهه فهو سبحانه وتعالى يتردد في قبض نفس المؤمن لأن المؤمن يكره ذلك والله تعالى لا يحب أن يفعل ما يكرهه المؤمن لكن لما كان هذا أمراً لا بد منه تقتضيه الحكمة فعله الله عز وجل ،
السؤال : إذا قال قائل : أن نزول المطر وتعلية منازل الصالحين وجَعْلْ الكفار في النار أن هذا من علمه ، من علمه أن يجعل هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة وينزل المطر ويذل بالعقاب ؟
الجواب : ليس فيه شك ودال على القدرة ودال على الرضا ،
السؤال : لكن قد يقال : أن هذا يدل على العلم ولكن دلالتها على الرحمة مشكوك فيها فندخلها في العلم ؟
الجواب : غير مشكوك فيها واضحة هل الذي يعطيك النعم ويربيك بها ويدفع عنك النقم هل هذا من رحمته أو من غضبه وانتقامه ؟ الرجل إذا عمل له ولداً ثم أعطاه ماذا يدل عليه ؟ على رضاه بذلك ،
السؤال : أحسن الله إليكم ذكرنا حين بيَّنا المستحيل بذاته قلنا خلق الله مثله أقول يا شيخ التمثيل بهذا المثال ،،،، ؟
الجواب : هذا مشهور عند العلماء .
يعني لو قال قائل : هل يقدر الله أن يخلق مثله ؟
فليس فيه شيء نحن مثلنا به للمستحيل وليس بالجائز أي أن هذا ليس بإقرار أن الله يخلق مثله هذا إنكار بأن الله يخلق مثله ،
السؤال : لكن يا شيخ لو نترك هذا المثال ونمثل دائماً بالحركة والسكون ؟
الجواب : ليس بلازم ليس بلازم ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟
الجواب : هذه مشهورة حتى أن ابن القيم رحمه الله [235] ذكرها في مفتاح دار السعادة [236] وغيره .(1/172)
وذكر أن الشيطان جاء للعابد لما قال جنود الشيطان للشيطان : لماذا تفرح بموت العالم أكثر مما تفرح بموت العابد ، والعابد يتعبد لله دائماً ليل ونهار ؟
قال : لأن هذا أضر علي العالم أضر علي من العابد .
وضرب لهم مثلاً قالوا لهم : تعالوا نذهب نمشي جاءوا للعابد .
قالوا له : يا أيها الرجل هل يستطيع الرجل أن يخلق مثله ؟
قال : يستطيع الله على كل شيء قدير حاكم الله واستدل المسكين جهل مركب قالوا طيب هل يستطيع الله أن يجعل السماوات والأرض كلها في قشر بيضة ؟
قال : لا يمكن ، لا يستطيع ، مستحيل .
وذهبوا للعالم وسألوه هذا السؤال .
قال : أما الأول فهذا مستحيل ولا يمكن أما الثاني فإن الله قادر على أن يكبر هذا القشر ويصغر السماوات والأرض فتكون السماوات والأرض فتكون السماوات والأرض في قشر البيضة .
أما يجعل السماوات والأرض بحالتها الحاضرة في قشر بيضة فهذا من المستحيل الذي لا تتعلق به القدرة أصلاً .
---
[1] - انظر في مسألة تقسيم التوحيد : رسالة الشيخ الدكتور عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد ( القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد ) فهي مفيدة في بابها ، وأضواء البيان للشيخ العلامة السلفي محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى ( 4 / 309 – 311 ) وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ص 3 ،
[2] - اقتضاء الصراط المستقيم ( 1 / 854 ) ،
[3] - انظر أصناف الناس في الأسماء والصفات عند شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 ) ،
[4] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 519 ، 542 ) ،
[5] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 273 ) ،(1/173)
[6] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 50 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 605 ، 618 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 40 ، 120 ، 133 وبغية المرتاد ص 424 – 429 والرد على المنطقيين ص 222 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 وشرح حديث النزول ص 83 – 88 ، 113 – 114 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ،
[7] - انظر رسالة الشيخ العلامة الدكتور صالح الفوزان ( نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية لمحمد رمضان من هفوات ) ،
[8] - المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ( 1/ 351 وما بعدها ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن السلفية الشرعية في بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 536 ) ،
[9] - أخرجه الترمذي ( 1053 ) وقال : حديث حسن غريب .
[10] - أخرجه الللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 578 ) وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 110 – 196 – 263 ) وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 10 / 610 ) ( 13 / 299 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 117 ،
[11] - أخرجه البخاري ( 2888 ) ومسلم ( 1637 ) .
[12] - أخرجه مسلم ( 1767 ) .
[13] - أخرج البخاري في صحيحه ( 6326 ) : عن ابن عباس قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه ) .
[14] - ومنهم إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في العقيدة النظامية له ص 32 – 33 ،
[15] - درء تعارض العقل والنقل ( 1 / 205 ) ،
[16] - انظر معنى أهل التخييل عند شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض المنطق ص 56 ،
[17] - أخرجه البخاري ( 7013 ) ومسلم ( 2786 ) واللفظ له .
[18] - أخرجه مسلم ( 2937 ) .(1/174)
[19] - انظر رسالة الشيخ الدكتور محمد بن ربيع بن هادي المدخلي ( أضواء على كتب السلف ) ففيها ذكر جملة من كتب السلف رحمهم الله ،
[20] - أخرجه مسلم ( 598 ) .
[21] - انظر تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 25 وشأن الدعاء للخطابي ص 31 – 35 ،
[22] - منهاج السنة النبوية ( 2 / 123 ) والصفدية ( 2 / 47 ) وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص 112 ،
[23] - نفس الصباح في غريب القرآن للخزرجي ( 2 / 600 ) والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص 1095 ،
[24] - وقد ذكر هذا الاسم في حديث أبي هريرة وهو : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ،
أخرجه البخاري ( 2585 )، ومسلم ( 2677 ) ،
وذلك في الزيادة عليه التي سردت فيها الأسماء الحسنى ، من ثلاث طرق :
الأول : طريق عبد العزيز بن الحصين ، أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ( 1/ 32 ) ، والحاكم في المستدرك ( 1 / 17 ) ،
والثاني : طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني ، أخرجه ابن ماجة في سننه ( 3860 ) ،
والثالث : طريق الوليد بن مسلم ، أخرجه الترمذي في سننه ( 3507 ) ، وابن مندة في كتاب التوحيد ( 2 / 205 ) ،
والصحيح : أن الزيادة في سرد الأسماء الحسنى لم يصح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من إدراج بعض الرواة ،
ويؤيد ذلك كلام كبار الحفاظ والمحققين من أهل العلم ،
انظر لزاماً : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 379 ) ، ( 8 / 96 ) ، ( 22 / 482 ) ، فتح الباري لابن حجر ( 11 / 218 ) ، وفيه كلام شاف كاف لا يحتاج إلى زيادة ، وفي تخريج حديث الأسماء الحسنى ، له ص 59 ، المحلى لابن حزم ( 8 / 31 ) ، وابن كثير في تفسيره ( 2 / 258 ) ، طرح التثريب للعراقي ( 7 / 147 – 156 ) ، تحفة الأحوذي للمباركفوري ( 4 / 260 ) ، المشكاة للألباني ( 2 / 708 ) ، وضعيف الجامع له ص 281 – 282 ،(1/175)
[25] - ومن الذين ذهبوا إلى هذا الاشتقاق : الحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان ( 1 / 188 ) ،
[26] - مجمل اللغة لابن فارس ( 1 / 88 ) ،
[27] - مختار الصحاح لابن أبي بكر الرازي ص 101 ،
[28] - روى نحوه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( 6 / 14 ) .
[29] - اشتقاق الأسماء لأبي القاسم ص 102 والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للغزالي ص 102 ،
[30] - تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 39 والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي ( 1 / 199 ) ،
[31] - كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي ( 2 / 1219 ) ،
[32] - شأن الدعاء للخطابي ص 85 وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 59 ،
[33] - انظر في القوة وأقسامها : كتاب جامع العلوم لأحمد نكري ص 717 ،
[34] - شرح العقيدة الطحاوية ص 256 ،
[35] - انظر الكلام على هذه الأدلة في درء تعارض العقل والنقل ( 8 / 46 ) وبغية المرتاد ص 373 – 374 وشرح حديث النزول ص 123 والفوائد لابن القيم ص 40 وما بعدها ( 13 / 272 – 274 ، 532 ) والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي ( 1 / 188 ) ودعوة التوحيد للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ص 29 ، 31 ومذكرة التوحيد للشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله تعالى ص 13 ،
[36] - أخرجه البخاري ( 968 ) ومسلم ( 897 ) .
[37] - معجم مقاييس اللغة لابن فارس ( 3 / 125 ) ،
[38] - اشتقاق الأسماء لأبي القاسم ص 60 وشأن الدعاء للخطابي ص 73 ،
[39] - التحفة العراقية ص 328 ،
[40] - أخرجه مسلم ( 335 ) ،(1/176)
[41] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 92 – 93 ) ومنهاج السنة النبوية ( 1 / 141 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 163 – 217 ) والنبوات ( 1 / 467 ) ومفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 409 وما بعدها ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 285 ) وكتاب الحكمة والتعليل للشيخ الدكتور محمد بن ربيع بن هادي المدخلي ص 41 وكتاب القضاء والقدر للدكتور عبدالرحمن المحمود ص 76 ، 166 – 167 ،
[42] - المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للغزالي ص 118 والأسماء والصفات للبيهقي ( 1 / 47 ) ،
[43] - جلاء الأفهام لابن القيم ص 76 – 77 ،
[44] - هو رفيع بن مهران البصري الإمام المقرئ الحافظ المفسر كان مولى لإمرة من بني رياح بن يربوع ثم من بني تميم ، ثقة كثير الإرسال أسلم في خلافة أبي بكر الصديق مات سنة تسعين وقيل : ثلاث وتسعين ، انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ( 4 / 207 ) وتقريب التهذيب لابن حجر ص 238 ،
[45] - أخرجه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 / 392 ) تعليقا بصيغة الجزم ، ووصله إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على النبي ( ص 80 ) ،
[46] - جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ( 773 ) ومسلم ( 182) ،
[47] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 3 / 211 ) ،
[48] - الصحاح للجوهري ( 6 / 2401 ) ،
[49] - الرد على البكري ص 329 – 330 ،
[50] - منهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) ،
[51] - أخرجه مسلم ( 532 ) وانظر في الكلام على هذا الحديث : التحفة العراقية ص 409 وما بعدها ،
[52] - أخرجه البخاري ( 3671 ) ،
[53] - أخرجه مسلم ( 211 ) ،
[54] - أخرجه مسلم ( 49 ) ،(1/177)
[55] - هو الأمير نشوان بن سعيد بن سعد الحميري الصبري ، أبو سعيد المعتزلي القاضي ، عالم في اللغة والفرائض ، له مؤلفات من أشهرها كتابه ( شمس العلوم ) في اللغة ، ولاعتزاله تأثير واضح في بعض المسائل اللغوية المتعلقة بأسماء الله تعالى وصفاته ، والصبري نسبة إلى جبل صَبِر _ بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة _ وهو جبل شامخ عظيم مطل على قلعة تعز في اليمن ، فيه عدة حصون وقرى ، قد استولى عليه في آخر عمره ، فقدمه أهل جبل صَبِر أميراً عليهم ، مات سنة 573 هـ . معجم الأدباء للحموي ( 19 / 217 ) ، انباه الرواة للقفطي ( 3 / 342 ) ، إشارة التعيين لليماني ( ص 362 ) ، البلغة للفيروزآبادي ( ص 231 ) ، كشف الظنون لحاجي خليفة ( 2 / 1061 ) ، هدية العارفين لإسماعيل باشا ( 2 / 489 ) ، بغية الوعاة للسيوطي ( 2 / 312 ) ، أسماء الكتب لرياضي زاده ( ص 188 ) ، هجر العلم ومعاقله للأكوع ( 1 / 541 ) ، الروض المعطار لعبد المنعم الحميري ( ص 354 ) ، مراصد الإطلاع لابن عبد الحق البغدادي ( 2 / 832 ) ، معجم المدن اليمنية للمقحفي ( ص 244 ) ، وفي أسماء الكتب لزاده : ( المعشرلي ) بدل ( المعتزلي ) وهو تصحيف ، وذكر القفطي ، واليماني ، والفيروزآبادي ، أن وفاته في حدود 580 هـ ، والأول عليه الأغلبية ، وهو الأضبط .
[56] - البيت موجود في كتابه شمس العلوم ( 1 / 377 ) ، وفيه : ( الغاوي ) بدل ( الطاغي ) ، والذي في الشرح كما في نيل الأوطار للشوكاني ( 2 / 291 ) .
[57] - القاموس المحيط للفيروزآبادي ص 97 ،
[58] - الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر ( 1 / 158 ) ،
[59] - حتى وإن تخلل قبل موته على الإسلام ردة على الصحيح ،
انظر الإصابة لابن حجر ( 1 / 7 ) والنكت على نخبة الفكر للشيخ علي حسن عبدالحميد الحلبي ص 149،
[60] - الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي ( 1 / 333 ) ،
[61] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،(1/178)
[62] - أخرجه ابن ابي شيببه في المصنف ( 2 / 165 ) ،
[63] - وهو عبدالله بن عباس رضي الله عنهما كما أخرجه عنه البيهقي في السنن الكبرى ( 3 / 315 ) ،
[64] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،
[65] - المخصص لابن سيده ( 12 / 22 ) ،
[66] - كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، للتهانوي ( 2 / 1579 ) ، مفتاح السعادة ، لطاش كبري زاده ( ص 794 ) ،
[67] - المخصص ، لابن سيده ( 13 / 93 ) ، الصحاح ، للجوهري ( 6 / 2527 ) ،
[68] - أخرجه مالك في الموطأ ( 676 ) وانظر مجموع الفتاوى ( 20 / 572 ) .
[69] - المقرب لابن عصفور ( 1 / 214 ) ، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام ( 2 / 370 ) ،
[70] - لم نهتدي إلى قائله ، والبيت موجود في : فيض نشر الانشراح لابن الطيب الفاسي ( 1 / 371 ) .
[71] - اخْتُلِفَ في نسبة البيت ، كما اخْتُلِفَ في عجزه .
فنسبه العيني في المقاصد النحوية ( 3 / 435 ) ، إلى عبد الله بن يعرب ، وعجزه : ( أكاد أغص بالماء الحميم ) .
ووافقه في النسبة والعجز : الجرجاوي في شرح شواهد ابن عقيل ( ص 166 ) ، والعدوي في فتح الجليل ( ص 166 ) .
ووافقه في النسبة دون العجز : الشنقيطي في الدرر اللوامع ( 3 / 112 ) ، وعجزه : ( أكاد أغص بالماء الفرات ) ، وابن حمدون في حاشيته على شرح المكودي ( 1 / 345 ) ، وعجزه : ( أكاد أغص بالماء الزلال ) .
ونسبه البغدادي في خزانة الأدب ( 1 / 204 ) ليزيد بن الصعق ، وعجزه : ( أغص بنقطة الماء الحميم ) .
والرواية المحفوظة : ( الحميم ) ، ولكن رواية : ( الفرات ) هي المشهورة ، كما قال ابن يعيش في شرح المفصل ( 4 / 88 ) ، وهي التي رجحها العيني ، والجرجاوي ، والعدوي .
ويرى ابن حمدون أن رواية : ( بالماء الزلال ) مناسبة لمعناها .(1/179)
والسبب في تفضيلهم رواية : ( الفرات ) على الرواية المحفوظة أن الحميم هو الحار ، والفرات هو العذب ، وهو الأنسب لمعنى البيت ، وأما القائلون بالرواية المحفوظة يقولون أن الشاعر لم يكن مراده بالحميم الماء الحار ، وإنما أورده للقافية ، حيث أن البيت كان آخر أبيات خمسة له .
وقال آخرون أن الحميم من الأضداد ، فيطلق على الحار والبارد ، فيقصد به هنا الماء البارد ، نُقِلَ ذلك عن ابن الأعرابي في تهذيب اللغة للأزهري ( 4 / 15 ) مادة ( حم ) ، ولسان العرب لابن منظور ( 3 / 341 ) مادة ( حمم ) .
وذُكِرَ للبيت عجزاً آخر بلا نسبة : ( أكاد أغص بالماء المعين ) رواه أبو حيان في تذكرته عن الكسائي ، كما نقل ذلك البغدادي في خزانة الأدب ( 1 / 206 ) .
وذكره أيضاً بلا نسبة : الفراء في معاني القرآن ( 2 / 320 ) ، والأزهري في تهذيب اللغة ( 4 / 15 ) مادة ( حم ) ، وابن منظور في لسان العرب ( 3 / 341 ) مادة ( حمم ) ، وابن الناظم في شرح ألفية أبيه ابن مالك ( ص 401 ) ، وابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك ( 2 / 73 ) ، والرضى في شرح الكافية ( 1 / 249 ) و ( 4 / 107 ) ، وأبو حيان في تذكرة النحاة ( ص 527 ) ، والمرادي في شرحه على ألفية ابن مالك ( 2 / 278 ) ، والصفدي في تصحيح التصحيف ( ص 130 ) كلهم برواية : ( الحميم ) ، وذكره الزمخشري في المفصل ( ص 210 ) ، وابن الشجري في الأمالي ( 3 / 203 ) ، وابن هشام في قطر الندى ( ص 21 ) ، والجرجاني في شرح أبيات المفصل ( ص 381 ) ، والأشموني في شرح ألفية ابن مالك ( 2 / 169 ) ، والسيوطي في المطالع السعيدة ( 1 / 83 ) ، كلهم برواية : ( الفرات ) ، وفي لسان العرب لابن منظور ، وتصحيح التصحيف للصفدي :
( وكنت قِدْماً ) بدل ( وكنت قبلاً ) .
[72] - الحدود الأنيقة للأنصاري ص 73 – 75 ،(1/180)
[73] - التعريفات ، للجرجاني ص 151 ،
[74] - معجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ( 3 / 127 ) ،
[75] - انظر في تعريفه مفتاح السعادة ، لطاش كبري زادة ص 530 ومعجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ص 256 وللزيادة كتاب ميزان الذهب في صناعة شعر العرب لأحمد الهاشمي ،
[76] - المعيار في أوزان الأشعار للشنتريني ص 62 والعيون الغامزة للدماميني ص 182،
[77] - التكملة والذيل والصلة ، للصغاني ( 6 / 155 ) والتعريفات للجرجاني ص 261 ،
[78] - المنجد لأبي الحسن الهنائي ص 152 ومعجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ( 4 / 86 ) ،
[79] - مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ص 429 ،
[80] - أخرجه ابن ماجة ( 4308 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 3 / 402 ) برقم 4384 وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 99 – 100 – 101 ) برقم 1571 ،
[81] - أخرجه البخاري ( 4716 ) ، ومسلم ( 2463 ) ،
[82] - شرح ألفية ابن مالك ، لابن الناظم ص 18 ، وقد شرح الشيخ رحمه الله ألفية ابن مالك شرحاً وافياً ، يسر الله لنا إخراجه ،
[83] - الاستعارة : هي أن يستعار للشيء اسم غيره أو معنى سواه ،
انظر قواعد الشعر لثعلب ص 53 وأسرار البلاغة للجرجاني ص 27 وتحرير التحبير لابن أبي الإصبع ( 1 / 97 ) وخزانة الأدب لابن حجة ( 1 / 109 ) والمثل السائر لابن الأثير ( 1 / 342 ) والصناعتين للعسكري ص 268 ،
[84] - أساس البلاغة ، للزمخشري ص 206 ،
[85] - هو الإمام حقا ، وشيخ الإسلام صدقا ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، ثقة حافظ فقيه حجة ، هو أفضل أهل زمانه ، وهو من الذين انتهى العلم إليهم ، المناضل عن السنة ، الصابر في محنة خلق القرآن ، مات سنة 241 هـ رحمه الله رحمة واسعة ، انظر سير أعلام النبلاء للذهبي ( 11 / 177 ) وتقريب التهذيب لابن حجر ص 98 ،
[86] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 91 وما بعدها ) ،(1/181)
[87] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 518 ) ( 18 / 313 ، 314 ) ، شرح العقيدة الطحاوية ص 537 – 538 .
[88] - البداية والنهاية لابن كثير ( 7 / 345 – 350 ) ، وقال علي بن المديني : " إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( 4 / 418 ) ،
[89] - انظر في محنته : سيرة الإمام أحمد بن حنبل ، لابنه أبو الفضل صالح ( ص 48 ـ 65 ) ، والطبقات الكبرى لابن سعد ( 7 / 253 ) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 1 / 309 ) وحلية الأولياء لأبي نعيم ( 9 / 193 - 206 ) وتاريخ الأمم والملوك للطبري ( 5 / 186 - 194 ) والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ( 2 / 218 - 223 ، 230 ) والكامل في التاريخ لابن الأثير ( 6 / 3 ) والمنتظم لابن الجوزي ( 6 / 267 ، 274 – 288 ) وغيرهم ،
وأما الذين أفردوا مصنفات في محنته : كابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل ، ذكر ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ) وهو مطبوع ، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ( محنة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ) وهو مطبوع ،
[90] - لسان العرب ، لابن منظور ( 3 / 14 ) ،
[91] - قال إبراهيم الحربي : ( كأن الله قد جمع له علم الأولين من كل صنف ، يقول ما يرى ، ويمسك ما شاء ) طبقات الحنابلة لأبي يعلى ( 1 / 6 ) ،
[92] - قال الخلال : ( كان أحمد قد كتب كُتُب الرأي وحفظها ، ثم لم يلتفت إليها ) سير أعلام النبلاء للذهبي ( 11 / 188 ) ،
[93] - جامع البيان للطبري ( 3 / 325 – 326 – 327 ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 4 / 79 ) ومعالم التنزيل للبغوي ( 2 / 60 ) ،
[94] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 82 ) ،(1/182)
[95] - وشيبان التي ينسب إليها الإمام أحمد من بني بكر بن وائل ، انظر جمهرة النسب للكلبي ص 483 والأنساب للسمعاني ( ورقة 343 / أ ) واللباب في الأنساب لابن الأثير ( 2 / 219 ) والأنساب المتفقة للقيسراني ص 84 ،
وانظر في نسبته إلى شيبان : تهذيب الكمال للمزي ( 1 / 442 ) وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 11 / 178 ) والمنهج الأحمد للعليمي ( 1 / 70 ) والإكمال لابن ماكولا ( 2 / 563 ) وطبقات المفسرين للداودي ( 1 / 70 ) والمقصد الأرشد لابن مفلح ( 1 / 64 ) وطبقات الحنابلة لأبي يعلى ( 1 / 4 ) والوافي بالوفيات للصفدي ( 6 / 363 ) ووفيات الأعيان لابن خلكان ( 1 / 63 ) ،
[96] - منها على سبيل المثال لا الحصر ( سيرة الإمام أحمد ) لابنه صالح ، و ( مناقب الإمام أحمد ) لابن الجوزي ، و ( الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل ) لابن أبي بكر السعدي وهي مطبوعة ، و ( مناقب أحمد بن حنبل ) لتقي الدين المقريزي ، و ( امتحان أحمد بن حنبل ) لأبي طاهر القرشي وهما مخطوطان ،
[97] - هو عبدالله بن هارون الرشيد تولى الخلافة بعد قتل أخيه واستمر في الخلافة عشرين سنة وخمسة أشهر ، وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة ، وقد أضاف إلى بدعتيه هاتين البدعة النكرى والطامة الكبرى وهي القول بخلق القرآن، وفتن المسلمين بها ، وتوفي سنة 218 هـ ، وهو على عقيدته الباطلة التي أوصى أخيه المعتصم بأن يجمع الناس عليها بالقوة والإكراه ، فالله حسيبه ، انظر بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 80 ) والبداية والنهاية لابن كثير ( 7 / 280 ) ،
[98] - وهي في سنة 217هـ ، البداية والنهاية لابن كثير ( 7 / 278 ) ،(1/183)
[99] - سير أعلام النبلاء للذهبي ( 10 / 273، 278 ) ، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ( 2 / 225 ) ، تاريخ الخميس للديار بكري ( 2 / 334 ) ، فوات الوفيات للكتبي ( 2 / 235 ) صون المنطق والكلام للسبوطي ص 8 نقلاً عن الصفدي من كتابه شرح لامية العجم ، الفهرست لابن النديم ص 504 وتاريخ ابن خلدون ( 1 / 646 ) ، طبقات الأمم لصاعد ص 128 طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 67 ،
[100] - هو محمد بن نوح المضروب ، كان أحد المشهورين بالسنة ، صبر مع الإمام أحمد في المحنة ، توفي سنة 218 هـ ، وصلى عليه الإمام أحمد ، رحمهما الله ، انظر تاريخ بغداد للخطيب ( 3 / 322 ) ،
[101] - سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص 60 ، 62 ،
[102] - قال إسحاق بن راهويه : " لولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام " طبقات الحنابلة ( 1 / 13 ) ،
[103] - حلية الأولياء ، لأبي نعيم ( 9 / 206 ) ،
[104] - المحيط في اللغة ، للصاحب ( 8 / 201 ) ،
[105] - زاد المعاد ( 4 / 376 ) لابن القيم ،
[106] - أخرجه مسلم ( 2985 ) .
[107] - أخرجه مسلم ( 2726 ) .
[108] - التعريفات ، للجرجاني ( ص 101 ) ،
[109] - انظر تعريف السنة في فتح الباري لابن حجر ( 7 / 159 ) ( 9 / 105 ) ، نزهة النظر لابن حجر ص 52 ، اختصار علوم الحديث لابن كثير ( 1 / 147 ) ، شرح على شرح النخبة لعلي القاري ص 153 ،
[110] - فتح الباري لابن حجر ( 11 / 112 ) ،
[111] - المحكم ، لابن سيده ( 6 / 354 ) ،
[112] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 1 / 21 ) ،
[113] - أخرجه الترمذي ( 2640 ) وقال حديث حسن صحيح ، وأبو داود ( 4596 ) وابن ماجة ( 3991 ) وأحمد ( 16329 – 27510 ) والدارمي ( 2518 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 402 – 414 ) برقم 203 – 204 .
[114] - أخرجه البخاري ( 6889 ) ومسلم ( 2669 ) ،
[115] - السيرة النبوية لابن هشام ( 1 / 276 ) ،(1/184)
[116] - وذلك في قوله تعالى عنه : â (#r??ysy_ur $pk?5 !$yg÷FsYs)??oK??$#ur ?N?k?¦à?Rr& $VJù=à? #vqè=??ur 4 ? ( النمل : 14 ) ،
[117] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 109 ) ،
[118] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 109 ، 476 – 477 ) ( 2 / 135 ) ،
[119] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 380 ) ،
[120] - العقيدة الواسطية ( ص 4 ) ،
[121] - الرسالة التدمرية لابن تيمية ( ص 271 التحفة المهدية ) ،
[122] - أخرجه الللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن الأوزاعي والثوري ومالك والليث ( 3 /431، 503 ، 527 ، 558 ) وكتاب الصفات للدارقطني ص 69- 72 ، 75 والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد ص 31 ، 32 ،
[123] - درء تعارض العقل والنقل ( 1 / 205 ) ،
[124] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[125] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 264 ) ،
[126] - الرسالة التدمرية ص 69 والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص 47 ،
[127] - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي ( 3 / 398 ) ،
[128] - الإرشاد للجويني ص 301 ، أساس التقديس ص 220 ، والمحصل ص 142 كلاهما للرازي ،
وانظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ( 1 / 4 ) ، والصواعق المرسلة لابن القيم ( 1/ 107 ـ المختصر ) ،
[129] - أخرجه الللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 587 – 588 ) ،
[130] - الرسالة التدمرية ص 79 والتسعينية ( 3 / 751 ) ،
[131] - الجهمية : من الفرق المبتدعة الضالة ، وهم ينسبون إلى الجهم بن صفوان ، أُسُّ الضلال وأكبر شياطينهم ، ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات ، ويقولون أن الإنسان مجبور لا اختيار له ، وأن الإيمان بالله هو المعرفة فقط ، والكفر هو الجهل به ، فأصبح اسمهم علم على من عطل الصفات ، وإن كانت قليلة يقال : فيه تجهم ،(1/185)
انظر : عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني ( 1 / 273 ) والفرق بين الفرق لابن طاهر البغدادي ص 211 وتلخيص البيان للفخري ص 187 ومقالات الإسلاميين للأشعري ( 1 / 214 ) والحور العين للحميري ص 255 والتبصير بالدين لأبي المظفر ص 97 والبرهان للسكسكي ص 34 وتاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ص 9 ،
[132] - المعتزلة : من الفرق الضالة المعادية لأهل السنة والجماعة ، ورأس الاعتزال فيها هو واصل بن عطاء وتبعه عمرو بن عبيد ، وأرجح ما قيل في سبب تسميتهم أن واصلا كان تلميذا عند الحسن البصري فخالفه في حكم مرتكب الكبيرة وقال أنه في منزلة بين منزلتين ، فاعتزل حلقة الحسن ، فقال الحسن : " اعتزلنا واصل " فأطلق عليه وعلى من تبعه معتزلة ، وهم يقولون بخلق القرآن ، وبنفي الصفات ، وأن العبد يخلق أفعاله ، ولهم أصول ظواهرها تخالف بواطنها ، قالوا بالتوحيد ، وأرادوا به نفي الصفات ، وقالوا بالعدل وأرادوا به نفي القدر ، وقالوا بالمنزلة بين المنزلتين وأرادوا بها أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر ، وقالوا بالوعد والوعيد وأرادوا به أن مرتكب الكبيرة إذا مات خلد في النار ، وقالوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرادوا به وجوب الخروج على الحكام عند الظلم ،
ذكر مذاهب الفرق لليافعي ( ص 49 ) ، الملل والنحل للبغدادي ( ص 82 ) ، التبصير بالدين لأبي المظفر ( ص 24 ، 57 ) ، التنبيه والرد للملطي ( ص 49 ) ، البرهان للسكسكي ( ص 49 ) ، الملل والنحل للشهرستاني ( 1 / 48 ) ، اعتقادات الفرق للرازي ( ص 34 ) ، الصفات الإلهية للوكيل ( ص 104) ، تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ( ص 56 ) ، المنية والأمل للمرتضي ( ص 3 ) ، وانظر المعتزلة للمعتق ،(1/186)
[133] - الأشاعرة : هي فرقة تنسب إلى علي بن إسماعيل ، المشهور بأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني الذي سلك فيه طريقة ابن كلاب بعد أن رجع عن الإعتزال وقبل أن يستقر أمره على مذهب السلف ، حيث صرح في كتابه الإبانة ـ وهو ثابت النسبة إليه ـ اتباعه لمذهب السلف ، ولكنه لم يسلم من والوقوع في بعض الأخطاء ، وقد سلك منهج الأشعري رحمه الله - قبل توبته - وقال بأقواله وحمل مذهبه جيلا بعد جيل جماعة ، كالغزالي ، والجويني ، والشهرستاني ، والرازي - قبل توبتهم - وغيرهم ، الذين عرفوا بالأشاعرة ، وقد اثبت الأشاعرة بعض صفات الله بالعقل مع تأويلهم لبعضها ونفوا باقي الصفات ، وهم في الإيمان مرجئة ، وفي القدر جبرية ، وينكرون السببية في أفعال المخلوقات ، وينكرون المعرفة الفطرية لله سبحانه ويشترطونها بالنظر ، ويرون أنفسهم بأنهم أهل السنة والجماعة ! انظر الإبانة للأشعري ص 20 والملل والنحل للشهرستاني ( 1 / 94 ) وتبيين كذب المفتري لابن عساكر ص 152 ، 177 والفرق بين الفرق للبغدادي ص 323 والتبصير في الدين لأبي المظفر ص 139 والصفات الإلهية للوكيل ص 12 وانظر منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف ،
[134] - شرح حديث النزول ص 72 وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ،
[135] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 605 ، 618 ) ( 2 / 93 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[136] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 520 ) ( 2 / 115 – 130 ، 217 ، 202 ) والتسعينية ( 1 / 187 ، 221 وما بعدها ) والرسالة التدمرية ص 67 ،
[137] - أخرجه مسلم ( 537 ) ،(1/187)
[138] - أخرجه البخاري ( 2457 ) وأخرجه مسلم ( 1832 ) بلفظ : ( ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال : اللهم هل بلغت مرتين ) .
[139] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 520 ، 582 – 593 – 608 ) ( 2 / 115 – 130 ، 202 ، 217 ) والتسعينية ( 1 / 187 ، 226 وما بعدها ) والرسالة التدمرية ص 67 ،
[140] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 48 ، 511 ) ( 2 / 248 ) ،
[141] - هو قيس بن عمرو بن مالك الحارثي ، الملقب بالنجاشي نسبة إلى أمه كانت من الحبشة ، وهو شاعر مخضرم ، اشتهر في الجاهلية والإسلام ، توفي في حدود سنة 40 هـ ، سمط اللآلي للبكري ( 2 / 890 ) والبيت ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء ( 1 / 331 ) ،
[142] - هو قُرَيْط بن أُنَيْف العنبري ، من بني العنبر بن عمرو بن تميم ، من شعراء الحماسة ، قد أغار عليه أناس من بني شيبان فأخذوا له ثلاثين بعيراً ، فاستنجد قومه فلم ينجدوه ، فأتى مازن تميم فركب معه نَفَرٌ فأَطْرَدُوا لبني شيبان مائة بعير فدفعوها إليه ، فقال هذه الأبيات . هذا ما يعرف عنه ، وذكر العيني في المقاصد النحوية ( 3 / 72 ، 277 ) ، والبغدادي في خزانة الأدب ( 3 / 332 ) ، وحاشيته على شرح بانت سعاد ( 1 / 432 ) أنه شاعر إسلامي ، وجعله الدكتور يحيى شامي في موسوعة شعراء العرب ( ص 147 ) من شعراء صدر الإسلام ، إلا أن الزركلي ذكر في الأعلام ( 5 / 195 ) أنه شاعر جاهلي ! ولم يتعقبه محمد الرشيد في كتابه : " الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام " .(1/188)
[143] - ذُكِرَت هذه الأبيات وغيرها منسوبة إليه باسمه كما في شرح الحماسة للتبريزي ( 1 / 10 ) ، والمثل السائر لابن الأثير ( 2 / 273 ) ، والبغدادي في خزانة الأدب ( 3 / 332 ) ، وحاشيته على شرح بانت سعاد ( 1 / 432 ) ، وشرح الجرجاوي على شواهد ابن عقيل ( ص 118 ) ، وشرح شواهد المغني للسيوطي ( 1 / 68 ) ، والدرر اللوامع للشنقيطي ( 3 / 80 ) ، والمقاصد النحوية للعيني ( 3 / 72 ، 277 ) ، وسمط اللآلي للبكري ( 1 / 545 ) ، وفتح الجليل للعدوي ( ص 118 ) ، والمفضل لأبي فراس الحلبي ( ص 42 ، 301 ، 329 ) ، وتارة نسبة إليه بنسبه ( العنبري ) كما في شرح الحماسة للمرزوقي ( 1 / 24 ) ، والخصائص لابن جني ( 2 / 270 ) ، ولسان العرب لابن منظور ( 5 / 259 ) مادة ( ركب ) ، وشرح المفصل لابن يعيش ( 6 / 102 ) ، وتارة بوصفه ( الحماسي ) كما في جواهر الأدب للإربلي ( ص 46 ) ، ومغني اللبيب لابن هشام ( 1 / 121 ) ، والغيث المسجم للصفدي ( 1 / 330 ) ، وهمع الهوامع للسيوطي ( 2 / 336 ) ، وصبح الأعشى للقلقشندي ( 1 / 286 ) ، والتبيان للطيبي ( ص 344 ) ، وشرح الكافية البديعية للحلي ( ص 85 ) ، والجنى الداني للمرادي ( ص 40 ) ، وقراضة الذهب للتائب ( ص 107 ) ، وتارة إلى بعض شعراء ( بني العنبر ) كما في عيون الأخبار لابن قتيبة ( 1 / 188 ) ، وبلا نسبة كما في مجالس ثعلب لأبي العباس ( 2 / 405 ) ، وارتشاف الضرب لأبي حيان ( 4 / 1696 )، وكتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري ( ص 316 ) ، والعقد الفريد لابن عبد ربه ( 2 / 331 ) ، وشرح ابن عقيل ( 2 / 189 ) ، وشرح الأشموني على ألفية ابن مالك ( 2 / 88 ) ، والتهذيب الوسيط لابن يعيش _ وهو غير ابن يعيش شارح المفصل _ ( ص 157 ) ، ومقاييس اللغة لابن فارس ( 5 / 219 ) ، وشرح أبيات المفصل للزجاجي ( ص 137 ) ، وتوضيح المقاصد للمرادي ( 2 / 207 ) ، ونكتة الأمثال للكلاعي ( ص 159 ) ، والبلغة للقنوجي ( ص 106 ) .(1/189)
ويقول في مطلعها :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي .
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا .
ويروى : ( بنو الشقيقة ) بدل ( بنو اللقيطة ) كما في مجالس ثعلب ، وهو ما رجحه البغدادي ، ورجح التبريزي رواية ( بنو اللقيطة ) ، ويروى : ( شدوا الإغارة ) بدل ( شنوا الإغارة ) كما في قراضة الذهب ، وديوان الحماسة بشرح التبريزي ، أما ما في شرح المرزوقي فهي على رواية ( شنوا ) ، وقال العيني عن رواية ( شدوا ) : هي الأصح .
[144] - أخرجه البخاري ( 2385 ) ،
[145] - الرسالة التدمرية ص 31 ومسألة القرآن لابن عقيل ص 77 ،
[146] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 397 ) ،
[147] - التسعينية ( 1 / 232 وما بعدها ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على القرامطة ( 2 / 79 وما بعدها ) ،
[148] - الرسالة التدمرية ص 13- 17 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 26 ) ( 5 / 197 ، 209 ، 274 ، 303 ، 327 ) ( 6 / 35 ، 515 ) ( 12 / 355 ) ومقدمة في أصول التفسير ص 10 – 11 وجواب أهل العلم والإيمان ص 135 – 136 وبغية المرتاد ص 490 – 492 ،
[149] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 356 – 357 ) ،
[150] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 135 ) ،
[151] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 5 ) (6 / 46 ، 348 ) والرسالة التدمرية ص 43 ،
[152] - حديث قدسي أخرجه البخاري ( 6137 ) ،
[153] - أخرجه البخاري ( 6137 ) .
[154] - حديث قدسي أخرجه مسلم ( 2569) ،
[155] - مجمل اللغة لابن فارس ( 2 / 590 ) ،
[156] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 556 – 592 ) ،(1/190)
[157] - منهاج السنة النبوية ( 2 / 520 – 522 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 87 ، 89 ، 146 ) ( 3 / 186 ) ( 12 / 176 ) ،
[158] - وهو العلم الذي يقوم على إثبات العقيدة عن طريق العقل ، المواقف للإيجي ص 7 ، شرح المقاصد للتفتازاني ( 1 / 165 ) ، وانظر إحصاء العلوم للفارابي ص 86 ،
[159] - هو محمد بن عمر بن الحسين القرشي ، الرازي المولد ، أبو عبد الله ، وقيل : أبو المعالي ، المعروف بابن خطيب الري ، إمام أهل الكلام في وقته ، صاحب التصانيف في علم الكلام والمنطق المشهورة ، تاب ورجع عن علم الكلام ، وقد ذم الخوض فيه وندم على الاشتغال به كما بَيَّنَ ذلك في وصيته التي أوصى بها في آخر عمره ، مات سنة 606 هـ ، وقيل : مات مسموما ، انظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 56 ، 122 ، 625 ) والعبر للذهبي ( 5 / 18 ) والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ( 6 / 197 ) ،
[160] - سير أعلام النبلاء للذهبي ( 21 / 501 ) ،
[161] - القائل هو فخر الدين الرازي ، أقسام اللذات للرازي ، عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ص 468 ، الإحاطة لابن الخطيب ( 2 / 222 ) ، طبقات الشافعية للسبكي ( 8 / 96 ) ، وفيات العيان لابن خلكان ( 4 / 250 ) ، شذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 42 ) ، مرآة الجنان لليافعي ( 4 / 10 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 4 / 257 ) ، الفتوى الحموية الكبرى ص 15 ، الصواعق المرسلة لابن القيم ( 1 / 167 ) ،
[162] - في عيون الأنباء وطبقات السبكي : " في غفلة " ، والمثبت في : الإحاطة والوفيات والشذرات والمرآة والوافي ،
[163] - في الوافي : " طول دهرنا " ، والمثبت في باقي المراجع ،
[164] - القول الأول والثاني لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني الفتوى الحموية الكبرى ص 15 والصواعق المرسلة لابن القيم ( 1 / 167 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 122 ) .(1/191)
[165] - وانظر أقوال السلف في ذم الكلام وأهله في : ذم الكلام للهروي ، وشرح أصول السنة للالكائي ( 1 / 114 - 115 ) و ( 3 / 528 - 533 ) و ( 4/627- 634 ، 706 - 737 ) ، والحجة في بيان المحجة لقوام السنة (1/102 - 106 ) ، والإبانة لابن بطة (1/324 ،390 ) ، وخلق أفعال العباد للبخاري ( ص 118 ) ، والرد على الجهمية للدارمي ( ص 346 - 352 ) ، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ( ص 12 ) ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية ( 5/ 336 ، 337 ، 17 / 304 - 306 ) ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ( 2/92 - 95 ) ، وانظر أيضاً لغيرهم : صون المنطق للسيوطي ، وقواعد العقائد للغزالي ( ص 82 - 111 ) ، وشرح الفقه الأكبر للملا علي القاري ( ص 5 - 12 ) .
[166] - ارجع إلى كلام يُكتب بماء الذهب لشيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول ص 112 ،
[167] - أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) .
[168] - أخرجه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ) .
[169] - وإن تخلل قبل موته على الإسلام ردة على الصحيح ، انظر الإصابة ( 1 / 7 ) ، ونخبة الفكر ص 149 – النكت على النزهة ) كلاهما لابن حجر والشذا الفياح من علوم ابن الصلاح ( 2 / 486 ) للأبناسي وفتح الباقي بشرح ألفية العراقي ( ص 519 ) لزكريا الأنصاري ،
[170] - أخرجه البخاري ( 3470 ) ومسلم ( 2540 ) ،
[171] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 246 ،
[172] - أخرجه الترمذي ( 2641 ) وقال : حديث حسن غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 3 / 334 ) برقم ( 1348 ) .
[173] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ،(1/192)
وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ،
وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ،
وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[174] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ،
[175] - شرح حديث النزول ص 74(1/193)
[176] - ومذهب أهل السنة والجماعة هو أن أول واجب على المكلف هو النطق بالشهادتين انظر درء تعارض العقل والنقل ( 7 / 405 – 464 ) ( 8 / 357 ) ( 9 / 3 – 66 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 330 – 348 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 471 وما بعدها ) والاستقامة ( 1 / 142 وما بعدها ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 77 – 78 ،
[177] - درء تعارض العقل والنقل ( 8 / 441 ) وكتاب فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها للدكتور أحمد بن سعد الغامدي ،
[178] - أخرجه البخاري ( 1319 ) ،
[179] - أخرجه مسلم ( 2865 ) ،
[180] - أخرجه مسلم ( 2670 ) ،
[181] - هو عدي بن زيد العبادي شاعر جاهلي نصراني ، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى ، تزوج هنداً بنت النعمان بن منذر ، ووشى به أعداء له إلى النعمان فسجنه وقتله في سجنه بالحيرة نحو سنة 35 ق هـ ، وقد ابعد النجعة ابن تغري بردي لما اختار أن وفاته في سنة 102هـ ! النجوم الزاهرة ( 1 / 249 ) ، معجم الشعراء للمرزباني ( ص 72 ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 2/89 ) ، الإشتقاق لابن دريد ( ص 217 ) شعراء النصرانية قبل الإسلام للويس شيخو ( ص 439 ) ، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من كتابه طبقات فحول الشعراء ( 1/137 ) ، وقارن ما في كتاب سؤالات أبي حاتم للأصمعي في فحولة الشعراء ( ص 37 ) ،
[182] - الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 227 ) ، وصدره : وقدمت الأديم لراهشيه ،
[183] - نجعة الرائد لليازجي ( 2 / 84 ) ،
[184] - نفس الصباح للخزرجي ( 2 / 489 ) ،
[185] - لمزيد من الفائدة : انظر كتاب الصفات الإلهية للشيخ العلامة السلفي محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى ص 207 – 208 ،
[186] - مسألة القرآن لابن عقيل ص 77 ،
[187] - انظر رسالة في هذا النوع من الصفات بعنوان ( رسالة في الصفات الاختيارية ) وهي موجودة في ( جامع الرسائل والمسائل ) ،(1/194)
[188] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ، 264 ) ،
[189] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 47 ) ،
[190] - أخرجه الترمذي ( 1264 ) وقال : حديث حسن غريب ، وأبو داود ( 3545 ) وأحمد ( 14998 ) والدارمي ( 2597 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 4230 ،
[191] - أخرجه البخاري ( 2864 ) ومسلم ( 1066 ) ،
[192] - الحدود الأنيقة للأنصاري ص 71 ،
[193] - لسان العرب لابن منظور ( 5 / 5 ) ،
[194] - انظر منطق المشرقيين لابن سينا ص 78 والرد على المنطقيين ص 225 ،
[195] - اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص 279 ، مختصر العلو للحافظ الذهبي ص 255 ،
مع أن لفظ الذات وردت في عدة أحاديث وإثباتها لله تعالى ،
منها : ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ، اثنين منهن في ذات الله عز وجل ) ،
[196] - انظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 30 ) ،
[197] - بدائع الفوائد لابن القيم ( 1 / 170 ) ،
[198] - معجم المصطلحات العربية ص 329 ،
[199] - معجم المصطلحات العربية ص 86 ،
[200] - الفتاوى الكبرى ( 6 / 569 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 22 / 482 – 486 ) وبدائع الفوائد لابن القيم ( 1 / 170 – 171 ) ،
[201] - أخرجه أحمد ( 3704 ) ،
[202] - أخرجه البخاري ( 2585 ) ومسلم ( 2677 ) .
[203] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 1 / 72 ) ،
[204] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 26 ) وبدائع الفوائد لابن القيم ( 1 / 170 ) ورياض الجنة بتخريج أصول السنة لابن أبي زمنين تحقيق عبدالله بن محمد البخاري ص 60 والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ص 16 ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 124 – 125 ) ،
[205] - أخرجه البخاري ( 2310 ) ومسلم ( 2580 ) .(1/195)
[206] - أخرجه البخاري ( 2804 ) ومسلم ( 1742 ) .
[207] - اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ( ص 279 ) ، مختصر العلو ( ص 255 ) ،
مع أن لفظ الذات وردت في عدة أحاديث وإثباتها لله تعالى ، منها :
ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ، اثنين منهن في ذات الله عز وجل " ،،،،، ،
[208] - أخرجه مسلم ( 179) ، وانظر بغية المرتاد ص 201 ،
[209] - وقد ورد حديث صريح في أن الكلام بصوت وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( فينادى بصوت ) أخرجه البخاري ( 4464 ) .
[210] - الجهمية : من الفرق المبتدعة الضالة ، وهم ينسبون إلى الجهم بن صفوان ، أُسُّ الضلال وأكبر شياطينهم ، ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات ، ويقولون أن الإنسان مجبور لا اختيار له ، وأن الإيمان بالله هو المعرفة فقط ، والكفر هو الجهل به ، فأصبح اسمهم علم على من عطل الصفات ، وإن كانت قليلة يقال : فيه تجهم ،
عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني ( 1/ 273 ) ، الفرق بين الفرق لابن طاهر البغدادي (ص 211 ) ، تلخيص البيان للفخري ( ص 178 ) ، مقالات الإسلاميين للأشعري ( 1 / 214 ) ، الحور العين للحميري ( ص 255 ) ، التبصير بالدين لأبي المظفر ( ص 97 ) ، البرهان للسكسكي ( ص 34 ) تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ( ص 9 )،(1/196)
[211] - المعتزلة : من الفرق الضالة المعادية لأهل السنة والجماعة ، ورأس الاعتزال فيها هو واصل بن عطاء وتبعه عمرو بن عبيد ، وأرجح ما قيل في سبب تسميتهم : أن واصلا كان تلميذا عند الحسن البصري فخالفه في حكم مرتكب الكبيرة وقال أنه في منزلة بين منزلتين ، فاعتزل حلقة الحسن ، فقال الحسن : ( اعتزلنا واصل ) فأطلق عليه وعلى من تبعه معتزلة ، وهم يقولون بخلق القرآن ، وبنفي الصفات ، وأن العبد يخلق أفعاله ، ولهم أصول ظواهرها تخالف بواطنها ، قالوا بالتوحيد ، وأرادوا به نفي الصفات ، وقالوا بالعدل وأرادوا به نفي القدر ، وقالوا بالمنزلة بين المنزلتين وأرادوا بها أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر ، وقالوا بالوعد والوعيد وأرادوا به أن مرتكب الكبيرة إذا مات خلد في النار ، وقالوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرادوا به وجوب الخروج على الحكام عند الظلم ،
ذكر مذاهب الفرق لليافعي ص 49 ، الملل والنحل للبغدادي ص 82 ، التبصير بالدين لأبي المظفر ص 24 ، 57 ، التنبيه والرد للملطي ص 49 ، البرهان للسكسكي ص 49 ، الملل والنحل للشهرستاني ( 1 / 48 ) ، اعتقادات الفرق للرازي ص 34 ، الصفات الإلهية للوكيل ص 104 ، تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ص 56 ، المنية والأمل للمرتضي ص 3 ، وانظر المعتزلة للمعتق ،
[212] - شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ( ص 528 ) ، الملل والنحل للشهرستاني ( 1 / 45، 88 ) ، الفصل في الملل لابن حزم ( 3 / 11 ) ، الصفدية لابن تيمية ( 2 / 54 ) ،(1/197)
[213] - هو الحلولي الإتحادي المتهم بالإلحاد والزندقة محمد بن علي الحاتمي المعروف بابن عربي النكرة الذي فاقت مقالاته مقالات الأديان والفرق الخارجة عن الإسلام مجتمعة ، حيث يرى أن الله إنسان كبير ، وأن الله مفتقر إلى خلقه ، وأن كل شيء هو رب وإله ، فيرى أن الطبيعة هي الله ، وأن الكون هو الرب ، وأن الهوى رب أيضاً ، وتمجيده لليهودية عباد العجل ، والنصارى عباد عيسى ، والمجوسية عباد النار ، والوثنية عباد الأصنام، وزعم أنه اجتمع بالأنبياء ، ويرى أنه يتلقى الوحي من الله تعالى ، وقوله بوحدة الأديان ، وأنه يعلم الغيب ، وأن الكعبة طافة به ، ويرى بإيمان فرعون وربوبيته ، ويعتقد بعقيدة التثليث التي اخترعها ، وهي : ( حق - رجل - امرأة ) ، ويرى أن أكمل صورة لله هي المرأة، ويرى أن الأنوثة صفة الإله ، وكان يعمل بالسحر ، وكان باطني المذهب ، وكان لا يحرم فرجاً ، ولقد أعانه إبليس على جمع كفره وزندقته في كتابين سماهما بهتاناً وزوراً ( الفتوحات المكية )، وهو بالفتوحات الشيطانية أصدق ، و ( فصوص الحكم ) وهو بفصوص الظُّلم أحق ، الذي قال عنه الذهبي ( فإن كان لا كفر فيه ، فما في الدنيا كفر ! ) ، ولقد أطبق العلماء – جزاهم الله عن الإسلام خيراً - على تكفيره ، بل وقال بعضهم بتخليده في النار إن كان مات على زندقته ، وقد تبشر المسلمون بهلاكه سنة 638 هـ ،
انظر نفح الطيب للتلمساني ( 2 / 161 ) وشذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 332 ) وجامع كرامات الأولياء للنبهاني ( 1 / 198 ) وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 23 / 48 ) ، والعقد الثمين للفاسي ( 2 / 160 ) وطبقات الأولياء لابن الملقن ( ص 469 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 491 ) ، ( 10 / 162 ) ، وانظر كتاب تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للبقاعي ،(1/198)
[214] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 352 ) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ( ص 172 ) ، الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 472 - المختصر ) ، شرح نونية ابن القيم للهراس ( 1 / 135 ، 151 ) ، الفتوحات المكية لابن عربي ( 3 / 132 ) ، ( 4 / 141 ) والذي في الفتوحات : ( ألا كل قول ،،،،، أو نظامه ) ، والمثبت كما في المراجع الأخرى ،
[215] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 81 ، 86 ) ،
[216] - الأشاعرة : هي فرقة تنسب إلى علي بن إسماعيل ، المشهور بأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني الذي سلك فيه طريقة ابن كلاب بعد أن رجع عن الإعتزال وقبل أن يستقر أمره على مذهب السلف ، حيث صرح في كتابه الإبانة ـ وهو ثابت النسبة إليه ـ اتباعه لمذهب السلف ، ولكنه لم يسلم من والوقوع في بعض الأخطاء ، وقد سلك منهج الأشعري رحمه الله ـ قبل توبته ـ وقال بأقواله وحمل مذهبه جيلا بعد جيل جماعة ، كالغزالي ، والجويني ، والشهرستاني ، والرازي ـ قبل توبتهم ـ وغيرهم ، الذين عرفوا بالأشاعرة ، وقد اثبت الأشاعرة بعض صفات الله بالعقل مع تأويلهم لبعضها ونفوا باقي الصفات ، وهم في الإيمان مرجئة ، وفي القدر جبرية ، وينكرون السببية في أفعال المخلوقات ، وينكرون المعرفة الفطرية لله سبحانه ويشترطونها بالنظر ، ويرون أنفسهم بأنهم أهل السنة والجماعة ! ، الإبانة للأشعري ( ص 20 ) ، الملل والنحل للشهرستاني ( 1 / 94 ) ، تبيين كذب المفتري لابن عساكر ( ص 152 ، 177 ) ، الفرق بين الفرق للبغدادي ( ص 323 ) ، التبصير في الدين لأبي المظفر ( ص 139 ) ، الصفات الإلهية للوكيل ( ص 12 ) ، وانظر منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف ،
[217] - التسعينية ( 1 / 228 ) جامع الرسائل والمسائل ( 2 / 4 وما بعدها ) ومسألة القرآن لابن عقيل ص 61 – 109 ،
[218] - كتاب الإيمان ص 162 ،(1/199)
[219] - الإنصاف للباقلاني ص 109 ، لمع الأدلة للجويني ص 91 ، المواقف للإيجي ص 293 ، الأربعين في أصول الدين للرازي ( 1 / 250 ) ، شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص 41 ،
وانظر منهاج السنة النبوية ( 3 / 353 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 / 11 – 13 ) ،
[220] - بغية المرتاد ص 302 ،
[221] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 29 ) .
[222] - هو غياث بن غوث التغلبي النصراني ، شاعر بني أمية ، الملقب بالأخطل ، ومعناه : السفيه ، ومن سفهه أنه هجا نفسه ، وكان من المولدين ، بذيء اللسان ، كثير الهجاء ، ولما دعاه الخليفة إلى الإسلام رفض في إباء ، وهجا الإسلام وخصومه من المسلمين ، ومع ذلك لم يكن أكثر مراعاة للتعاليم النصرانية ، ولم يجمع النحاة على تفضيله على غيره من شعراء عصره ، ولم يكن شاعراً مطبوعاً ، كان يعد لقصيدته ثم يختار منها أبياتاً لنشرها ، وعده بعضهم من فحول شعراء وقته ، مات سنة 90 هـ ، طبقات فحول الشعراء للجمحي ( 1 / 298 ، 462 ، 471، 493 ) ، الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 483 ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 8 / 290 ) ، دائرة المعارف الإسلامية ( 1 / 515 ) ، شعراء النصرانية بعد الإسلام للويس شيخو ( ص 170 ) ،
[223] - نسبه إلى الأخطل : الوشاء في الموشّى ( ص 8 ) وفيه ( من الفؤاد ) ، وابن هشام في شذور الذهب ( ص 35 ) ، والباقلاني في الإنصاف ( ص 110 ) ، وفي التمهيد ( ص 284 ) له ، لكن برواية : ( من الفؤاد ) ، والجويني في لمع الأدلة ص 91 ، والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 283 ) واعتمد رواية : ( من الفؤاد ) بدلا من : ( لفي الفؤاد ) والتفتازاني في شرح العقائد النسفية ص 41 ،
وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ص 560 ،(1/200)
ومن أبطل نسبته وأثبت أنه ليس في ديوانه : أبو محمد الخشاب اللغوي النحوي ، كما في البرهان في بيان القرآن لابن قدامة ( ص 74 ) وكتاب الإيمان لابن تيمية ( ص 132 ) ، ومختصر العلو للذهبي ( ص 285 ) ، وأبطله العلاء المرداوي أيضاً ، كما في شرح الإحياء للزبيدي ( 2 / 232 ) ،
وعلى فرض ثبوته له ، أن نص البيت هو : ( إن البيان من الفؤاد ) ، ولكنه حُرِّفْ ، كما قال السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ( ص 82 ) وابن أبي العز في شرح الطحاوية ( ص 184 ) وأبو البيان كما في الصواعق المرسلة لابن القيم ( 1 / 344 ) ،
ومنهم من أثبته لابن ضمضم وليس للأخطل على رواية : ( إن البيان ) : كالفتوحي في شرح الكوكب المنير ( ص 173 ) ، وفي شرح الإحياء للزبيدي ( 2 / 232 ) ،
ومنهم من لم ينسبه لأحد : كابن يعيش في شرح المفصل ( 1 / 21 ) والغزالي في الإحياء ( 2 / 231 ـ الشرح ) ،
[224] - انظر ما سبق ،
[225] - وانظر ردود العلماء الشافية على هذا في البرهان في بيان القران لابن قدامة ( ص 75 ــ 77 ) ، وكتاب الإيمان لابن تيمية ( ص 132 ) ، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ( ص 184 ) ، والفصل في الملل والنحل لابن حزم ( 3 / 261 ) ، والعلو للذهبي ( ص 284 – المختصر ) ، وشرح نونية ابن القيم ( 1 / 270 ) لابن عيسى ، وشرح نونية ابن القيم ( 1 / 112 ) للهراس ، والماتريدية لشمس الأفغاني ( 3 / 144 ) ،
[226] - الرد على المنطقيين ص 229 – 233 ،
[227] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 529 ) ( 12 / 44 ) ( 16 / 329 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 / 221 ) ،
[228] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،
[229] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،
[230] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 345 ) ،
[231] - الاستقامة ( 1 / 433 ) ،(1/201)
[232] - البيت موجود في ديوانه ( ص 25 ) ، وعجزه : ( بقسط اللوى بين الدخول فحومل ) ، وقصيدته أولى المعلقات السبع ، والبيت هو مطلعها ، شرح المعلقات السبع للزوزني ( ص 13 ) ، وانظر للفائدة اختلافهم في قوله : ( قفا ) ، في شرح القصائد العشر للتبريزي ( ص 2 ) ، وانظر في سبب تسميتها بالمعلقات ، شرح القصائد المشهورات لابن النحاس ( 2 / 125 ) .
[233] - امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، وهو من أشهر شعراء العرب في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات المشهورة ، وامرؤ القيس لقبه ، واسمه خندج ، وقيل غيره ، مات نحو 80 ق هـ ، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من فحول الجاهلية . طبقات فحول الشعراء لابن سلام ( 1 / 51 ) ، الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 105 ) ، المؤتلف والمختلف للآمدي ( ص 10 ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 9 / 93 ) ، خزانة الأدب للبغدادي ( 1 / 160 ) و ( 3 / 609 ) .
[234] - أخرجه البخاري ( 6137 ) .
[235] - هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، المشهور بـ ( ابن قيم الجوزية ) نشأ في بيت علم ، فبرع في العلوم والفنون ، عني بالحديث متونه ورجاله والتفسير والأصول من المنطوق والمفهوم والفقه واللغة والنحو ، وكان أديباً واعظاً خطيباً، فصنف وناظر واجتهد وصار من الأئمة الكبار ، ففاق أقرانه واشتهر في الآفاق ، فكان واسع العلم عارفاً بالخلاف ومذاهب السلف ، وكان من أبرز تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث أنه لازمه إلى أن مات ، فأخذ عنه علماً جماً مع ما حواه من علوم فصار فريدً في بابه ، توفي رحمه الله سنة 751 هـ ،(1/202)
انظر البداية والنهاية لابن كثير ( 9 / 491 ) وجلاء العينين للآلوسي ص 44 والبدر الطالع للشوكاني ( 2 / 143 ) والنجوم الزاهرة لابن تغري ( 10 / 249 ) وبغية الوعاة للسيوطي ( 1 / 62 ) والرد الوافر لابن ناصر ص 124 والمعجم المختص للذهبي ص 269 والدرر الكامنة لابن حجر ( 4 / 21 ) والفتح المبين للمراغي ( 2 / 161 ) ،
[236] - مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 1 / 268 ) ،(1/203)
فصل
في مبحث القرآن العظيم
وبيان اختلاف الناس فيه ومذهب السلف
40 – وأن ما جاء مع جبريل ،
من محكم القرآن والتنزيل ،
لما ذكر المؤلف ما ذكر من صفات الله عز وجل وهي الصفات الني اتفق عليها أهل السنة والأشاعرة على خلافٍ بينهم في الإيمان بهذه الصفات أي في كيفية الإيمان بها ذكر الكلام على القرآن الكريم ،
قوله : ( وإن ) : يجوز في : ( إن ) : الفتح عطفاً على قوله : ( بأنه واحد ) : أي ومن الواجب أن ما جاء مع جبريل من محكم الآيات كلامه ويجوز الكسر ولعله أظهر ،
قوله : ( وأن ما جاء مع جبريل ) : من عند الله عز وجل كما قال تعالى : : { وإنه لتنزيلٌ من رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك } ( الشعراء 192 – 194 ) .
وجبريل أحد الملائكة الكرام العظام وهو موكل بالوحي تنزل به على الأنبياء .
وربما وكل بغير ذلك كما في قوله تعالى في قصة مريم : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياَّ } ( مريم 17 ) .
لكن العمل الموكل إليه في الأصل هو نزول الوحي على الأنبياء ،
ولهذا يقال : ثلاثة من الملائكة علمنا بأنهم موكلون بما فيه الحياة : جبريل وميكائيل وإسرافيل :
فجبريل موكل بما فيه حياة القلوب ،
وميكائيل موكل بما فيه حياة النبات بالقطر ،
واسرافيل موكل بما فيه بعث الأجساد بعد الموت وهو النفخ في الصور ،
وأشرفها وأعلاها ما فيه حياة القلوب ،
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر هؤلاء الثلاثة في افتتاح صلاة الليل حيث يقول في افتتاح صلاة الليل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم ) [1] ،(1/204)
وصف الله تعالى جبريل بأنه أمين فقال : { إنه لقول رسولٍ كريم ، ذي قوةٍ عند ذي العرش مكين ، مطاعٍ ثم أمين } ( التكوير 19 – 21 ) .
ووصفه بالقوة { علمه شديد القوى ، ذو مرة فاستوى } ( النجم 5 – 6 ) .
فاجتمع في حق جبريل عليه السلام القوة والأمانة ،
فبأمانته نعلم أنه لا زيادة ولا نقص في القرآن الذي أوحاه الله إليه ليلقيه على قلب النبي عليه الصلاة والسلام ،
وبالقوة نعلم انه لا أحد تسلط على القرآن حين نزول جبريل به أو غلبه عليه أو توانى جبريل في تنزيله لأنه قويٌ يستطيع الدفع ولا يقربه أحد فجبريل عليه الصلاة والسلام جاء بالوحي من الله عز وجل ولهذا قال : ( من محكم القرآن والتنزيل ) ،
قوله : ( محكم القرآن ) : من باب إضافة الصفة إلى موصوفها أي من القرآن المحكم والقرآن المحكم أي متقن من كل وجه ،
أخباره محكمة ليس فيها كذب ،
أحكامه محكمة ليس فيها جور ،
مدلولاته محكمة ليس فيها تناقض ،
واعلم أن الله وصف القرآن كله بأنه محكم وبأنه حكيم ،
ووصفه كله بأنه متشابه ،
ووصفه بأن بعضه محكم وبعضه متشابه [2] ،
فهذه ثلاث صفات :
1. وصفه بأنه محكم في قوله : { كتابٌ أحكمت آياته } ( هود 1 ) ، وفي قوله : { تلك آيات الكتاب الحكيم } ( يونس 1 ) .
2. ووصفه بأنه متشابه في قوله : { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني } ( الزمر 23 ) .
3. ووصفه بأن بعضه محكم وبعضه متشابه في قوله : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأُخَرُ متشابهات } ( آل عمران 7 ) .
ولكل من هذه الأوصاف وجه :
أما وصف كونه بأنه محكم : فلأن القرآن كله متقن لا يكذب بعضه بعضا ولا يناقض بعضه بعضاً وليس فيه شيءٌ من الباطل { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ( فصلت 42 ) .
وأما وصفه كله بأنه متشابه : فلأنه يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة والمنافع العظيمة ،(1/205)
وإن كان يتفاوت في هذا الوجه لكنه يشبه بعضه بعضاً [3] ،
والتفاوت باعتبار المتكلم به ممنوع ،
لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل ،
وأما باعتبار مدلول الكلام فإنه واقع الاختلاف بينه ،
فأعظم سورة في كتاب الله : الفاتحة ،
وأعظم آية : آية الكرسي .
و { قل هو الله أحد } ( الإخلاص 1 ) تعدل ثلث القرآن ،
وليست السورة التي قبلها بمنزلتها في الدلالة العظيمة ،
فسورة { تبت } ليست في موضوعها ومدلولها كسورة { قل هو الله أحد } مثلاً ،
إذن هو متشابه من حيث الكمال والجودة ،
أما وصف بعضه بأنه محكم وبعضه متشابه :
فأرجح الأقوال أن المحكم : ( ما اتضح معناه ) ،
والمتشابه : ( ما خفي معناه ) [4] ، لأنه يشتبه على بعض الناس دون بعض ولكن الذين آتاهم الله العلم يردون هذا المتشابه الخفي المعنى إلى المحكم الواضح فيكون القرآن كله واضحاً بهذا الاعتبار ،
قوله : ( من محكم التنزيل ) : التنزيل بمعنى المنزل ،
لأن التنزيل فعل المنزل وهنا منزل وتنزيل ومنزل إليه وواسطة ،
المنزل الله عز وجل ،
والتنزيل فعله ،
والمنزل إليه محمد صلى الله عليه وسلم ،
والواسطة جبريل عليه السلام ،
قوله : ( من محكم القرآن ) : القرآن ما يقرأ فهو مصدر بمعنى اسم المفعول .
فإن قلت : هل يأتي المصدر على وزن فعلان ؟
الجواب : نعم يأتي على وزن فعلان كالغفران والشكران والكفران والطغيان وما أشبه ذلك .
فالقرآن مصدر بمعنى اسم المفعول .
لأنه مقروء .
وقيل : بمعنى اسم الفاعل .لأنه قارئ أي جامع لكل ما تتضمنه الكتب السابقة .
كما قال تعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } ( المائدة 48 ) .
******************
41 – كلامه سبحانه قديم ،
أعيى الورى بالنص يا عليم ،(1/206)
هذا القرآن كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة بحروفه ومعانيه فهو كلام الله الحروف والمعاني ليس كلام الله هو الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف كلام الله حقيقة سمعه جبريل من الله ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( سبحانه ) : أي تنزيهاً له عن صفات النقص وعن نقص كماله وعن مماثلة المخلوقين ،
لأن الله ينزه عن هذه الأشياء الثلاثة ،
فمثال نقص الكمال الذي ينزه الله عنه : ما ادعاه اليهود عليه لعنة الله حيث قالوا إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام فتعب واسترح وقد كذب الله قولهم هذا في قوله : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوب } ( ق 38 ) هؤلاء أثبتوا له القدرة لكن قدرة ناقصة ،
ومثال النقص المحض : قول اليهود أيضاً : { إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء } ( آل عمران 181 ) إن الله بخيل { يد الله مغلولة } ( المائدة 64 ) هكذا قالوا ،
ومثال مماثلة المخلوقات : كقول النصارى : { إن الله ثالث ثلاثة } ( المائدة 73 ) فأثبتوا له مثيلاً والله تعالى قد كذبهم في قوله : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) وقوله : { إنما الله إلهٌ واحد } ( النساء 171 ) .
قوله : ( قديم ) : أي أن القرآن قديم ، وهذا ليس بصحيح ،
فالقرآن ليس بقديم بل إن الله عز وجل تكلم به حين إنزاله صحيح أن الكلام جنسه قديم ولكن آحاده حادثة وليست قديمة ، الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء { ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٌ إلا استمعوه وهم يلعبوه } ( الأنبياء 2 ) .
فالقرآن ليس بقديم ، أما كلام الله من حيث هو كلام الله فهو قديم النوع فإن الله لم يزل ولا يزال متكلماً ،
فلو أن المؤلف قال بدل ( قديم ) ( كلامه سبحانه عظيم ) ،
لأن الله قال : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } ( الحجر 87 ) ، أو كريم ، لأن الله قال : { إنه لقرآنٌ كريم } ( الواقعة 77 ) .(1/207)
أما ( قديم ) : فهي كلمة محدثة غير صحيحة بالنسبة للقرآن أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ ونزل إلى بيت العزة في السماء ثم صار ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت المناسب الذي يؤمر بتنزيله فيه ؟
الجواب : نعم ، روي ذلك عن ابن عباس ولكن ظواهر القرآن ترده ونحن لا نطالب إلا بما دل عليه القرآن ،
فأما قوله تعالى : { بل هو قرآنٌ مجيد ، في لوحٍ محفوظ } ( البروج 21 – 22 ) ، فإنه لا يتعين أن يكون القرآن نفسه مكتوباً في اللوح المحفوظ [5] بل يكون الذي في اللوح المحفوظ ذكره دون ألفاظه ،
وهذا لا يمتنع أن يقال إن القرآن فيه كذا والمراد ذكره كما في قوله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ( الشعراء 196 ) وإنه : أي القرآن ، { وإنه لفي زبر الأولين } : والمراد بلا شك ذكره في زبر الأولين ، لأنه ما نزل على أحد قبل محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن المراد ذكره ،
والدليل على ذكره أو لم يكن لهم آية أن يعلم علماء بني إسرائيل وكلنا يقرأ قوله تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } ( المجادلة 1 ) ولو كان القرآن العظيم مكتوباً في اللوح المحفوظ بهذا اللفظ لأخبر الله عن سمع ما لم يكن ، والله قال : { قد سمع } ثم قال : { والله يسمع } بالمضارع الدال على الحال والحاضر ،
يعني لو قال قائل : قد سمع عبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه ؟
قلنا : هذا قد نسلِّمه لكن يمتنع مثل هذه الدعوى في قوله : { والله يسمع } فإن { يسمع } فعل مضارع تدل على الحاضر ،
فالراجح عندي : أن القرآن تكلم الله به عز وجل حين نزوله وأن ما في اللوح المحفوظ إنما هو ذكره وأنه سيكون ويمكن فيه ثناء أيضاً كما قال تعالى : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ( البروج 21 – 22 ) يعني أنه ذكر في اللوح المحفوظ بالمجد والعظمة وما أشبه ذلك ،(1/208)
وعلى كلٍّ فقول المؤلف : ( قديم ) : كلمة ضعيفة لا يجوز أن يوصف بها القرآن الكريم ، فإن القرآن الكريم يتكلم الله به عز وجل حينما ينزله على محمد صلى الله عليه وسلم ،
وأن ما جاء مع جبريل ،
من محكم القرآن والتنزيل ،
يعني نؤمن بأن ما جاء مع جبريل هو كلام الله سبحانه وتعالى ،
قوله : ( مع جبريل ) : بالكسر ، مع أن ( جبريل ) لا ينصرف ،
قال الله تعالى : { من كان عدواًّ لله وملاءكته وكتبه ورسله وجبريل وميكال } ( البقرة 98 ) .
فخبره بالفتحة ، والمؤلف هنا جره بالكسرة ، وذلك لضرورة الشعر ،
قال ابن مالك رحمه الله :
ولاضطرار أو تناسب صُِرفْ ،
ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف[6] ،
يعني عند الضرورة يصرف ما لا ينصرف ،
وقوله : ( من محكم القرآن ) : من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي من القرآن المحكم ، فالقرآن محكم بلا شك لأنه من لدن حكيم خبير ،
ولكن لو قال قائل : كيف نطلق على القرآن كله بأنه محكم مع أن الله قال في كتابه : { هو الذي أنزل عليك الكتاب بالحق منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ( آل عمران 7 ) فجعل منه آيات محكمات وجعل منه أُخَر متشابهات ؟
فالجواب : أن نقول : إن الله قال في المحكمات { هن أم الكتاب } أي مرجع الكتاب فإذا وجدنا متشابهات رددناه إلى الأم والأم محكم فيكون هذا المتشابه محكماً وحينئذٍ يكون التشابه في ابتداء الأمر ، أما في النهاية فيكون محكماً وهذا تجد آيات ظاهرها التعارض يجمعها دليل آخر ، وهلم جراّ !
وبهذا يكون القرآن كله محكماً ،
قوله : ( القرآن والتنزيل ) : هذا من باب عطف المترادفين ، فإن التنزيل هو القرآن ،
قوله : ( كلامه سبحانه ) : هذا خبر ( أن ) ، يعني ما جاء مع جبريل من محكم القرآن ،(1/209)
والتنزيل الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه عز وجل – أي كلام الله لفظاً ومعنى تكلم الله به عز وجل فسمعه جبريل ، فنزل به على محمد صلى الله عليه وسلم ،
قال الله تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين } ( الشعراء 192 - 196 ) .
وقال تعالى : { وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } ( التوبة 6 ) .
وعلى هذا فهذا القرآن كلام الله عز وجل تكلم به نفسه بحروفه وألفاظه وسمعه جبريل فنزل به كما كان على محمد صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقص ،
ولهذا قال الله تعالى : { وإنه لقول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين } ( التكوير 19 – 20 ) وقال : { نزل به الروح الأمين } ( الشعراء 196 ) فوصفه بالأمانة ووصفه بالكرم ووصفه بالقوة ،
وبهذا نعلم علم اليقين أن هذا القرآن الكريم لم يتغير فيه شيء بل هو كلام الله نفسه عز وجل ،
وإذا علمت أنه كلام الله لزم من ذلك أن تعظِّم هذا الكلام ،
ولهذا أمرنا بل نهينا عن أن نمس هذا القرآن بلا طهارة كما في حديث عمرو بن حزم المرسل الذي تلقته الأمة بالقبول : ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) [7] ،
أي إلا متطهر متوضئ ، لأن الوضوء طهارة ، كما قال تعالى : { ما يريد ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } ( المائدة 6 ) .
وأما من فسّر الطاهر في قوله : ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) ، بالمؤمن فقد أبعد ،
لأننا لا نجد في القرآن ولا في السنة التعبير بالطاهر عن المؤمن أبداً وإن كان المؤمن لا ينجس لكنه لم يعبر عنه بالطاهر المؤمن يعبر عنه بالإيمان ، بالتقي وما أشبه ذلك ،
قوله : ( سبحانه ) : جملة معترضة يراد بها التنزيه تنزيه الله عز وجل ،
ولهذا يقولون : التسبيح بمعنى التنزيه ،
ويقولون : إن ( سبحان ) اسم مصدر فعله سبّح ، والمصدر : تسبيح ، و ( سبحان ) اسم مصدر ،(1/210)
واسم المصدر : ( كل ما دل على معنى المصدر وليست فيه حروفه ) ،
( الكلام ) اسم مصدر ، ففعله ( كلّم ) ،
( والسلام ) اسم مصدر ، وفعله ( سلّم ) ،
( سبحان ) اسم مصدر ، وفعله ( سبّح ) ،
وما الذي ينزه الله عنه ؟
ينزه الله تعالى عن أمرين :
1. عن النقص ومماثلة المخلوقين عن النقص في صفاته التي اتصف بها ،
2. وعن مماثلة المخلوقين فيها ،
فمن أثبت لله علماً ولكنه قال : إن الله قد يخفى عليه شيء فإنه لم يسبح الله ،
ومن قال : إن قدرة الله كقدرة المخلوق فإنه لم يسبح الله ،
قوله : ( قديم ) : القديم عندهم : ( ما ليس له أول ) ، يعني الموجود في الأزل ،
وليس القديم عندهم هو : القديم في اللغة ،
لأن القديم في اللغة : ( ما تقدم على غيره ) ، وإن كان حادثاً غير أزلي ،
قال الله تعالى : { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } ( يس 39 ) .
العرجون : هو ما يكون فيه ثمر النخل يعني القنو ، القنو القديم ينحني ويتقوّس لكن هذا القنو القديم غير أزلي ، لأنه حادث بعد أن لم يكن ،
يقول المؤلف : إن القرآن كلام الله القديم يعني الأزلي ،
أي أن القرآن قديم بقدم الله عز وجل أزلي ،
فلم يزل هذا القرآن على زعمه موجوداً من قبل كل شيء ،
ولا شك أن هذا القول باطل ، لأن القرآن يتكلم الله به حيث إنزاله ،
والدليل على هذا : أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن أشياء وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي ، وهذا يدل على أن كلامه بها كان بعد وقوعها ،
قال الله تعالى : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم } ( آل عمران 121 ) ، { غدوت } : ماضي ،
إذن هذا القول قاله الله بعد غدو الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وقال تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } ( المجادلة 1 ) ، فقال : { قد سمع } وهل يمكن أن يخبر الله عن شيء أنه سمعه وهو لم يقع ؟ هذا لا يمكن ،(1/211)
فقوله : { قد سمع } يدل على أن هذا الكلام كان بعد وقوع الحادثة وهذا هو الحق أن الله تكلم بالقرآن حديثاً ،
كما قال تعالى : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه } ( الأنبياء 2 ) .
والقول بأن المراد ( محدث ) : أي محدث إنزاله خطأ بل هو محدث هذا الذر لأن الله يتكلم متى شاء ما شاء ،
وعلى هذا فنقول : لو أن المؤلف – عفا الله عنه – قال بدل قوله : ( قديم ) لو قال : ( كلامه سبحانه عظيم ) لكان أنسب وأبعد عن الخطأ ،
ويكون قوله : ( أعيى الورى بالنص ) : مبنياً على عظمه أي لعظمه أعيى الورى وأعجزهم ، فصار كلام المؤلف رحمه الله بأن القرآن قديم كلام خطأ ،
والصواب : أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله ،
بقي النظر في كلام الله من حيث هو لا في القرآن نفسه ، هل كلام الله من حيث هو قديم ؟
الجواب : لا ليس بقديم ، لكن مصف الله تعالى بالكلام هذا أزلي أعني أنه وصف أزلي ، فالله سبحانه وتعالى لم يزل متكلماً ،
كما قال ابن القيم [8] في النونية :
والله ربي لم يزل متكلما [9]
فالله لم يزل متكلماً وكلامه سبحانه أزلي من حيث النوع .
أما من حيث الآحاد فإنه متعلق بمشيئته وليس أولياً .
والفرق بينهما ظاهر فالله لم يزل متكلماً لكن آحاد كلامه ليست أزلية .
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) .
والمراد لله متجدد يرد أن ينزل المطر فينزل ويريد أن تنبت الأرض فتنبت إذا أراد شيئاً قال .
إذن فالقول يحدث بعد الإرادة فتكون آحاد الكلام حادثة وليست أزلية .
لكن الأصل في الكلام أنه أزلي فإن الله لم يزل ولا يزال متكلماً كلامه لا ينفذ { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } ( الكهف 109 ) ، { ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } ( لقمان 27 ) .
قوله : ( أعيى ) : بمعنى أعجز ،(1/212)
قوله : ( والورى ) : الخلق فلم يأتي الخلق بمثل هذا القرآن ،
قال الله تعالى : { قل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ( الإسراء 88 ) .
وقال تعالى : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة 23 ) .
وقال تعالى : { أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات } ( هود 13 ) .
فعجز العرب وهم أهل البلاغة أن يأتوا بمثل القرآن إذن يكون هذا القرآن كلام الله لأنه لو كان كلام المخلوق لأمكن للمخلوق أن يأتي بمثله فلما عجز المخلوقون أن يأتوا بمثله علم أنه صفةٌ من صفات الله التي لا تماثلها صفات المخلوقين ،
قوله : ( بالنص ) : النص هو ما ذكرنا من الآيات السابقة ،
قوله : ( يا عليم ) : أي يا ذا العلم كأنه يقول : اعلم أنه أعيى الورى بالنص ،
******************
42 – وليس في طوق الورى من أصله ،
أن يستطيعوا سورةً من مثله ،
قوله : ( وليس في طوق الورى من أصله ) :فيه إشارة إلى رد قول من يقول : عن الورى لا يستطيعون مثله بالصرفة يعني أن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله أما في الأصل فإنهم قادرون على أن يأتوا بمثله ،
ولا شك أن هذا القول قولٌ باطل .
وذلك لأن القرآن كلام الله وكلام الله صفةٌ من صفاته .
وإذا كانت جميع صفات الله لا يمكن أن يتصف بمثلها المخلوق .
فكذلك الكلام لا يمكن أن يأتي بمثله المخلوق .
وليس لأن الله صرفهم عن معارضته ،
بل لأنهم عاجزون من أصلهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن .
وعلى فرض أن الله صرفهم فإن صرف الله عن معارضته دليلٌ على أن القرآن حق وإلا لسلط عليهم من يعارضهم ،
لكن هذا القول ضعيف والذين أنكروه وقالوا : إن إعجاز القرآن ليس بالصرفة .
قالوا : لأنه لو كان بالصرفة لكان باستطاعة الخلق أن يأتوا بمثله فلا يكون آية .(1/213)
نقول لهم : لو صح أنه بالصرفة كان آية من وجهٍ آخر أن الله لم يسلطهم على معارضته بل منعهم ،
لكننا من الأصل نقول : هذا القول ضعيف ،
والصحيح الذي لا شك فيه : أن الخلق عاجزون عن معارضة القرآن أن يأتوا بمثله لا لأنهم صرفوا عن ذلك ومنعوا منه قدراً ولكن لأنهم عاجزون من الأصل ، لأن القرآن كلام الله صفته وصفات الله لا يمكن أن يشابهها صفات ،
قوله : ( أن يستطيعوا سورةً من مثله ) : قال بعض العلماء : بل أن يستطيعوا آيةٌ من مثله ،
وقالوا : أن الله سبحانه وتعالى تحدى الخلق بأربعة وجوه :
1. بمثل القرِآن كله ،
2. وبعشر سور منه ،
3. وبسورة منه ،
4. وبحديث ،
والحديث يشمل ما دون السورة ،
بالقرآن كله في قوله تعالى : { قل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ( الإسراء 88 ) .
بعشر سور : في سورة هود : { أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات } ( هود 13 ) .
بسورة : في سورة البقرة : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة 23 )
بما دون السورة : في سورة الطور : { أم يقولون تقوَّله بل لا يؤمنون ، فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } ( الطور 33 – 34 ) .
خلاصة ما ذكره المؤلف رحمه الله ، أننا نؤمن بأن ما نزل به جبريل من عند الله كلام الله عز وجل ، لكن كوننا نقول : قديم هذا ليس بصحيح ،
ولا يجوز أن نقول ذلك ، لأنه مخالف للقرآن ،
ثانيا : أن نؤمن بأن هذا القرآن لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله من الأصل لا عن طريق الصرف ،
لأنه صفة الله وصفة الله لا يمكن أن يتصف بها المخلوق ، لا لأن المخلوق يمكن أن يقول مثله لكنه صرف ، بل نقول لأن المخلوقين عاجزون عن أن يأتوا بمثله ،(1/214)
لو قال قائل : عبَّر الله عن الماضي بقوله : { قد سمع } ( المجادلة 1 ) لتحقق وقوعه فهو كقوله : { قد أتى أمر الله } ( النحل 1 ) ؟ لو أن أحداً قال هذا القول ؟
نقول هذا القول : لا يصح لأن الله تعالى قال : { قد سمع } ،
وإذا قلنا : إنه عبر عنه قبل وقوعه صح أن نقول إنه لم يسمعه ، ولا أحد يتجرأ أن يقول مثل هذا القول ،
وأما { أتى أمر الله } فإن الله ذكر في الآية على أنه لم يأت حيث قال : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } إذن هو لم يأت ،
ويصح أن نقول في { أتى أمر الله } إنه لم يأت ، لأن الله قال : { فلا تستعجلوه } ،
إذًا نحن نؤمن بأن القرآن كلام الله تكلم به لفظاً ومعنى بحروفه ومعانيه ،
ليس الكلام هو المعاني دون الحروف ولا الحروف دون المعاني ،
ونؤمن بأنه منزل من عند الله والآيات في هذا كثيرة ،
ونؤمن بأنه غير مخلوق ،
لأنه لو كان مخلوقاً لم يكن صفة من صفاته ،
ولو جاز أن يكون مخلوقاً لكان الخلق من صفات الله ،
ومعلوم أن هذا منكر ولم يقل به أحد ،
يقول العلماء : منه بدأ وإليه يعود [10] ،
معنى ( إليه يعود ) على وجهين :
الوجه الأول : إليه يعود وصفاً فلا يوصف به غيره ،
الوجه الثاني : إليه يعود في آخر الزمان ،
حيث جاء في الآثار : أن هذا القرآن ينزع من صدور الناس ومن بطون المصاحف حتى يصبح الناس وليس بين أيديهم ،
كما أن الكعبة تُهدم وتُمحى من الأرض وذلك فيما إذا أعرض الناس عن هذا القرآن إعراضاً كلياً فإن الله تعالى يغار على كلامه أن يبقى بين أناس معرضين عنه إعراضاً والكعبة أيضاً لا يسلط عليها أحداً إلا إذا لم يقم أهلها بما يجب لها من التعظيم فإن الله يسلط عليها الرجل الحبشي ، فينقضها حجراً حجراً حتى تلقى في البحر نسأل الله العافية ،
الأسئلة
السؤال : ( غير واضح ) ؟(1/215)
الجواب : والله هذا فيه بُعْد يعني لو هذه مسألة حتمية أو خبرية لكن كون التحدث عن القرآن الكريم قد لا نسلم أن هذا القول مذكور في كتب الإسرائيليات ،
السؤال : أورد أحدهم فقال : الله سبحانه وتعالى يقول : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ( القدر 1 ) ، فكيف نرد عليه ؟
الجواب : نقول : لا شك أن هذا ليس على ظاهره فإن { قد سمع } ( المجادلة 1 ) ، لم تنزل في ليلة القدر ويكون معنى : { إنا أنزلناه } : أي ابتدأنا إنزاله ،
السؤال : تكلم الله بالقرآن بمعانيه وحروفه ، بعضها ألا ينفصل عن بعض ؟
الجواب : لا ، عند الأشاعرة ينفصل بعضها عن بعض ،
ألم تعلم أن الأشاعرة قالوا : القرآن معناه كلام الله ولفظه خلقٌ من مخلوقاته ؟
فإن قولنا هذا دفعاً لقول الأشاعرة ،
الأشاعرة الحقيقة قالوا في الكلام قولاً لا يُعقل ،
قالوا : كلام الله هو المعنى القائم بالنفس وما سمعه جبريل مخلوق ،
المعتزلة ماذا قالوا ؟
قالوا : القرآن مخلوق ، وهذا القرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله وأضيف إلى الله على سبيل التشريف ،
والأشاعرة قالوا : القرآن الذي بين أيدينا عبارةٌ عن كلام الله وليس كلام الله وأضافه الله إليه لأنه عبارةٌ عن كلامه ولهذا قال بعضهم كما مر علينا قال بعضهم إنه في الحقيقة لا فرق بيننا وبين المعتزلة فإننا جميعاً متفقون على أن هذا القرآن مخلوق ،
السؤال : لو قيل أن القرآن ( جملة غير واضحة ) ابتداءً في اللوح المحفوظ ثم حين إنزاله تكلم به ؟
الجواب : هذا خلاف الظاهر في قوله : { قد سمع } ، والله يسمع ،
السؤال : باعتبار علم الله ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : ما يستقيم ، ما يستقيم ، كيف الله يقول : الله يسمع ، وهو ما خلق المتكلم فضلاً عن صوته بعيدة هذه ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : لا ما يستقيم لأن ( كلام ) خبر ( إن ) ،(1/216)
السؤال : الخبر : ( مع جبريل ) ، يعني أن ما جاء ثابت مع جبريل ، و ( بعض ) بيان من ( محكم القرآن ) ؟
الجواب : لا ما يصلح ما يستقيم أنت تريد أن نجعل كلام الله عموماً ؟
السؤال : نعم ،
الجواب : هذا لا يستقيم حتى كلام الله عموما لا يصح أن نقول أنه قديم الآحاد هو قديم النوع فقط أو الجنس ،
فصل
في الصفات التي يثبتها السلفيون ويجحدها غيرهم
43 – وليس ربنا بجوهر ولا ،
عرض ولا جسم تعالى ذو العلا ،
قوله : ( وليس ربنا بجوهر ولا عرض ولا جسم ) : هذا الكلام من المؤلف يحتمل معنيين :
المعنى الأول : ولسنا نقول : ربنا جوهراً أو عرضاً أو جسماً ،
يعني لا نقول بذلك بل نسكت ، وهذا الوجه صحيح ،
يعني لا يجوز لنا أن ننفي أن الله جوهر أو عرض أو جسم ، كما لا يجوز لنا أن نثبت ذلك ،
لأنه لم يرد في القرآن ولا السنة إثبات ذلك ولا نفيه ،
والمعتمد في صفات الله هو الكتاب والسنة ،
فإذا لم يرد فيهما إثبات ولا نفي وجب علينا أن لا نقول بالإثبات ولا بالنفي ،
الوجه الثاني لكلام المؤلف : نفي الجوهر لا نفي القول به ،
وعلى هذا الوجه يكون معناه القول بنفي الجوهر ،
يعني : أننا نقول : إنه ليس بجوهر ،
والفرق بين الوجهين ظاهر :
أما الوجه الأول : فهذا صحيح وهو أن ننفي القول بأنه جوهر ،
لأنه ليس لنا أن نقول : إنه جوهر ، ولا لنا أن نقول : إنه ليس بجوهر ،
وأما الوجه الثاني : وهو القول : بأنه ليس بجوهر ، فهذا غير صحيح ،
وظاهر كلام المؤلف هو الثاني ،
يعني أن المؤلف رحمه الله يرى أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يقولون : ( إن الله ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم ) ،
ولا شك أن هذا النفي ليس بصحيح ولم يقل أهل السنة بذلك ، وليس هذا مذهبهم ،
لأنهم لا يجزمون بنفي شيء أو إثباته إلا بدليل وهذا ليس فيه دليل لا إثبات ولا بنفي [11] ،
أما عن تفسير جوهر وعرض وجسم فكالآتي [12] :(1/217)
الجوهر : ما قام بنفسه [13] ،
والعرض : ما قام بغيره [14] ،
والجسم : القائم المجسم [15] ،
فالمؤلف يرى أن من عقيدتنا أن ننفي هذه الثلاثة عن الله عز وجل ، ولكن هذا ليس بصحيح ،
وليس من مذهب أهل السنة والجماعة ،
وذلك أن هذه الألفاظ ألفاظ حادثة لم تكن معروفة عند السلف ،
فما في أقوال السلف قول يقول : إن الله جسم ولا أنه ليس بجسم ولا أن الله عرض ولا أنه ليس بعض ولا أن الله جوهر ولا أنه ليس بجوهر لا في القرآن ولا في السنة ولا في كلام السلف ،
لكن المتكلمين لما حدثت بدعتهم صاروا يذكرون هذه الكلمات للتوصل بنفيها إلى نفي الصفات عن الله ،
فمثلاً يقول : النزول لا يكون إلا بجسم ،
والله تعالى ليس بجسم ،
وإذا انتفى الملزوم انتفى اللازم ،
إذن فننفي استواء الله على العرش ، فهم – أعني المتكلمين – أتوا بمثل هذه العبارات ليتوصلوا بها إلى نفي صفات الله عز وجل ، وإلا فليس لهم غرض في نفي هذا أو إثباته إلا هذه المسألة ،
ولما كانت هذه الكلمات لم تكن موجودة لا في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة لا نفياً ولا إثباتاً ،
فالواجب علينا أن نتوقف لا ننفي أن الله جسم ولا نثبت ولا أن الله عرض ولا نثبت ولا أن الله جوهر ولا نثبت ،
ولكننا نستفصل في المعنى فنقول : لمن نفى أن يكون الله جسماً نقول له : ما تعنى بالجسم ؟
إن أردت بالجسم ما كان حادثاً مركباً من أجزاء وأعضاء فنحن معك في نفيه ،
فالله ليس بحادث ولا مركب من أعضاء وأجزاء بحيث يجوز أن يفقد شيء منها ،
هذا نوافقك في نفيه ،
لكن لا ننفي الجسم ،
نقول : إن الله منزه عز وجل عن أن يكون له أبعاض كأبعاض المخلوقين ، بحيث يكون جسماً مركباً منها ويفقد بعضها مع بقاء الأصل وما أشبه ذلك ،
وإن أردت بالجسم الذات الموصوفة بالصفات اللائقة بها فهذا حق نثبته ولا يجوز لنا أن ننفيه ،
لكن مع ذلك ما نقول : إن الله جسم ،
حتى وإن أردنا هذا المعنى ،(1/218)
وذلك لأن لفظ الجسم لم يرد في الكتاب والسنة لا إثباتاً ولا نفياً ،
ولأن إثبات الجسم إن أثبتناه فهو مستلزم للتشبيه على رأي بعض الناس ،
وإن نفيناه فهو مستلزم للتعطيل على رأي آخرين ،
إذن فلا نثبته ولا ننفيه ،
وهذا هو العقيدة السليمة ألا تثبت باللفظ : أن الله جسم أو ليس بجسم ، اسكت !
ما دام الله قد سكت عنه ورسوله سكت عنه والصحابة سكتوا عنه لا تثبت ولا تنفي ،
لكن تؤمن بأن الله ذاتاً موصوفة بالصفات اللائقة بها وإن الله يقبض ويبسط ويأخذ بيمينه الصدقة ويربيها وينزل ويأتي ،
يجب عليك أن تؤمن بهذا وما وراء ذلك لا تتعرض له [16] ،
قوله : ( تعالى ذو العلا ) : ( تعالى ) : ترفع عن كل ما يليق به ترفُّعاً معنوياً ، وترفع بذاته ترفُّعاً حسياً فهو سبحانه متعالٍ حساً ووصفاً عن كل نقص ،
قال الله تعالى : { رفيع الدرجات ذو العرش } ( غافر 15 ) .
******************
44 – سبحانه قد استوى كما ورد ،
من غير كيفٍ قد تعالى أن يُحَدّ ،
قوله : ( سبحانه ) : أي تنزيهاً له عن أن يكون جسماً أو جوهراً أو عرضاً وهذا التنزيه ينبغي التنزه منه لا الاتصاف به ،
لأنه كما قلنا : لا يجوز لنا نثبت ولا ننفي ،
ونفينا ذلك عن الله وادعاء أن ذلك تنزيه خطأ ،
قوله : ( قد استوى ) : ولم يذكر المؤلف متعلق الاستواء [17] ،
لكن من المعلوم أن المراد استوى على العرش كما ورد ،
وقد ذكر الله سبحانه الاستواء على العرش في سبعة مواضع من كتابه :
في سورة الأعراف قال : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) .
وفي سورة يونس : { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش } ( يونس 3 ) .(1/219)
وفي سورة الرعد : { الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش } ( الرعد 3 ) .
وفي سورة طه : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) .
وفي سورة تنزيل : { الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش } ( السجدة 4 ) .
وفي سورة الفرقان : { ثم استوى على العرش الرحمن فاسئل به خبيرا } ( الفرقان 59 ) .
وفي سورة الحديد ،
ففي سبعة مواضع ذكر الله الاستواء على العرش نصاً صريحاً واضحاً ،
فأضاف الاستواء على العرش بـ ( على ) الدالة على العلو أي علوت عليه واستقررت عليه ،
وقال تعالى : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ، لتستووا على ظهوره } ( الزخرف 12 – 13 ) ، أي تعلوا عليها وتستقروا عليها ،
واعلم أن الاستواء يرد في اللغة العربية على أربعة وجوه :
1. مطلق ،
2. ومقيد بـ ( إلى ) ،
3. ومقيد بـ ( على ) ،
4. ومقيد بالواو ،
فإذا كان مطلقاً فالمراد به الكمال كما قال الله تعالى : { ولما بلغ أشده واستوى } ( القصص 14 ) أي كمل ،
وإذا ورد مقروناً بـ ( إلى ) صار معناه الانتهاء إلى الشيء في كمال ، كقوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } ( فصلت 11 ) .
وإذا كان مقيداً بـ ( على ) كان معناه العلو والاستقرار ،
كهذه الآيات التي ذكرناها في قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } .
وإذا اقترن بالواو صار معناه المساواة ، كقولهم : استوى الماء والخشبة ، أي ساوى الماء الخشبة ،
{ ثم استوى على العرش } في جميع مواقعها في اللغة العربية لا تقتضي إلا العلو والاستقرار ،
فمن أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بأن الله تعالى استوى على عرشه ،
أي علا عليه واستقر عليه علواً واستقرارًا يليق بجلاله عز وجل [18] ،
لا يماثل استواء الإنسان على البعير أو على الفلك ،
ولهذا قال : ( كما ورد ) : ويجوز أن تكون الكاف للتشبيه يعني استواءً كالوارد ،(1/220)
والوارد في استواءه أنه استواء يليق بجلاله ،
ويحتمل أن تكون الكاف للتعليل أي استوى لأنه ورد في كتاب الله ،
والكاف تأتي للتعليل ،
كما قال ابن مالك :
شبِّه بكاف وبها التعليل قد [19]
ومنه : قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } ( البقرة 198 ) .
على أحد الوجهين : أي لهدايته إياكم ،
وقوله : { كما أرسلنا فيكم رسولاً } ( البقرة 151 ) .
وفي حديث التشهد : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ) [20] ،
وعلى كلٍّ : فمراد المؤلف رحمه الله أن نؤمن بأن الله استوى على العرش استواء يليق بجلاله ،
ولكن هل نعلم هذا الكيف أي كيفية هذا الاستواء ،
قوله : ( من غير كيف ) : والمراد بقوله : ( من غير كيف ) أي من غير تكييف ،
وليس المراد : من غير كيفية ،
لأننا نعلم أن الله استوى على العرش على كيفية يعلمها ونحن لا نعلمها .
ولا يصح أن يراد بذلك نفي الكيفية ،
لأننا إذا نفينا الكيفية نفينا الأصل ، إذ ما من شيء يكون إلا وله كيفية ، لكن المنفي التكييف ،
وعلى هذا يجب أن نصرف كلام المؤلف إن كان ظاهره خلاف ذلك إلى هذا المعنى ،
ونقول : ( من غير كيف ) : أي من غير تكييف وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله هو الذي عليه أئمة السلف ،
فإن مالكاً رحمه الله سئل وهو في مجلسه فقال له قائل : يا أبا عبد الله { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، استوى كيف استوى ؟ فأطرق رحمه الله برأسه حتى علاه العرق من شدة وقع السؤال على قلبه ثم رفع رأسه وقال : يا هذا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعاً ثم أمر به فأخرج [21] ،
وهكذا ينبغي لأهل العلم إذا رأوا في صفوفهم مبتدعاً أن يطردوه عن صفوفهم ، لأن المبتدع وجوده في أهل السنة شر ، لأن البدعة مرض كالسرطان لا يرجى برؤه إلا أن يشاء الله ،(1/221)
قوله : ( إلا مبتدعاً ) : يحتمل أنه أراد ( إلا مبتدعاً ) بهذا السؤال أو ( إلا مبتدعاً ) إلا أنك من أهل البدع ،
لأن أهل البدع هم الذين يكون دينهم عن المشتبهات من أجل التشويش على الناس ،
وأياً كان المعنى فهو يدل على أن من هدي السلف طرد المبتدعين عن صفوف المتعلمين ،
وهكذا ينبغي أن يطردوا عن المجتمع كله وأن يضيق النطاق عليهم حتى لا تنتشر بدعهم ،
ولا يقال : إن الإنسان حر ،
نعم هو حر لكن في حدود الشرع ،
أما إذا خالف الشرع فإنه يجب أن يضيق عليه ويبين له الحق ،
فإن رجع إليه فذاك ،
وإلا عومل بما تقتضيه بدعته من تكفير أو تفسيق ،
فمعنى الاستواء على العرش العلو عليه لكنه علو خاص ليس كالعلو المطلق على جميع الكون ،
لأن علو الله على العرش علو خاص ليس هو العلو المطلق على جميع الكون ،
فإن الله تعالى عالٍ علواً مطلقاً على جميع الكون [22] ،
ونضرب مثلاً يبين لنا الفرق بين العلو العام والخاص :
لو أن رجلاً على السطح على السرير كان علوه على السرير علواً خاصاً وعلوه على ما تحت السقف علو عام ،
فالاستواء على العرش أخص من مطلق العلو الشامل لجميع الكون ،
ولذلك نقول : إن الله تعالى علا على الأرض وعلى السماء ، ولا نقول : استوى على الأرض أو على السماء ،
وفي الاستواء عدة مباحث :
المبحث الأول : أن الاستواء بمعنى العلو لكنه علو خاص ،
وسبق الكلام على هذا المبحث ،
المبحث الثاني : على أي كيفية كان الاستواء ؟
الجواب : الله أعلم ، له كيفية لكننا لا نعلمها وحينئذ لا يحل لنا البحث فيها لا سؤالاً ولا إجابةً ،
لأن الله يقول : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ( الإسراء 36 ) .
ويقول : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 33 ) ( الأعراف 33 ) .
فإننا نقول له : هذا السؤال لا يجوز ،(1/222)
وإذا قال : أنا أحب أن أعرف كيفية الاستواء ،
نقول : لو كان لنا في معرفة هذا خير لبينه الله لنا ولا يمكن أن ندرك هذا ، لأن كيفية صفات الله أعظم من أن تحيط بها عقولنا ،
المبحث الثالث : هل استوى الله على العرش بمماسة أو بغير مماسة ؟
الجواب : أن نقول في هذا كما قلنا في الأول ، السؤال عن هذا بدعة وليس لنا أن نقول بمماسة أو بغير مماسة ،
نقول : استوى ولا نتجاوز القرآن والحديث ،
لأن هذه الأمور الغيبية لا يجوز لك أن تسأل عن شيء إلا عن معناها فقط ،
أما عن كيفيتها وما زاد عن المعنى فلا يحل لك أن تبحث فيه لا سؤالاً ولا إجابة ،
ولهذا نقول : يخطئ بعض العلماء الذين قالوا : إن الله استوى على العرش بدون مماسة [23] ،
نقول : ليس لك الحق أن تقول : بدون مماسة ، ولا أن تقول : بمماسة ، دع هذا يسعك ما وسع الصحابة الذين هم أحرص منك على العلم وأشد منك تعظيماً لله عز وجل ،
المبحث الرابع : هل نقول استوى على العرش بذاته أو لا ؟
الجواب : نقول كلمة ( بذاته ) ليس لنا فيها حاجة ،
لأن كل فعل أضافه الله إلى نفسه فهو إلى ذاته بلا شك ،
ولهذا لا تقول : إن الله خلق السموات بذاته ، لأنه هو نفسه الذي خلق السموات ،
ولا تقول : ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، مادام أن الفعل مضاف إلى الله فهو صادر منه ،
لكن ورد في كلام بعض السلف ، قولهم : إن الله استوى على العرش بذاته ،
ومرادهم بهذا الرد على قول من قال : إن الله استولى على العرش ،
كما قالوا : إن الله تعالى عالٍ بذاته ، رداً على قول من يقول : إن الله عالٍ بصفاته لا بذاته ،
وإلا فإن القاعدة التي ليس فيها إشكال أن كل شيء أضافه إلى نفسه فهو إليه نفسه ،
فلا حاجة إلى أن نقول : استوى على العرش بذاته ، لأن الله قال : { استوى على العرش } والله نفسه هو الذي على العرش ،
لكن لو جاء أحد يشككنا ويقول : إن ( استوى ) بمعنى ( استولى ) وليس هناك استواء ذاتي ،(1/223)
حينئذ نضطر إلى أن نقول : ( بذاته ) : ( ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ) [24] ،
لا نزيد ونقول : ينزل بذاته ،
لأن الله أضاف النزول إليه نفسه ،
فإذا قال : ( ينزل ) يعني هو نفسه ينزل ،
ما حاجه إلى أن نقول : ( بذاته ) ،
لكن لما قال المعطلون : إنه ينزل أمره ،
احتاج أهل السنة أن يقولوا : إنه ينزل بذاته يعني ينزل ذاته [25] ،
المبحث الخامس : هل يجوز أن نفسر الاستواء بالاستيلاء كما قاله أهل التعطيل ،
وقالوا : إن الله استوى على العرش يعني استولى عليه وليس معناه علا عليه ، لماذا ؟
قالوا : لأننا لو قلنا : إن استوى على العرش أي علا عليه لزم أن يكون الله محدوداً ،
ويقال : إن امرأة جهم بن صفوان قدمت البصرة فقيل لها إن الله استوى على العرش ، فقالت منكرة : محدود على محدود ، إنها تكفر بذلك [26] ،
يعني إذا استوى على العرش لزم أن يكون محدوداً ،
ولزم أن يكون جسماً ،
والحد ممتنع ،
والجسمية – على زعمهم – ممتنعة [27] ،
فلهذا نقول : استوى يتعين أن تكون بمعنى استولى ،
نقول : هذا التحريف خطأ من عدة وجوه :
الوجه الأول : أنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ،
فظاهر اللفظ { استوى على العرش } لا يوجد ( استولى ) ،
السلف أيضاً مجمعون على أن استوى بمعنى علا ،
فإن قال قائل : ما الذي أعلمكم بأنهم مجمعون ؟
نقول : لأن هذا هو معنى استوى على الشيء في اللغة العربية ،
والسلف لغتهم عربية ،
ولو كان مراد الآية سوى ما تقتضيه اللغة العربية لبينوه ،
فلما لم يأت عنهم ما يخالف مقتضى اللغة العربية بهذه الكلمة علم بأنهم يقولون فيها بمقتضى اللغة العربية ،
فهم مجمعون على أن استوى بمعنى علا على العرش واستقر ،
وقد ذكر ابن القيم في النونية أنه ورد عن السلف في ذلك أربعة معاني :
1 - علا ،
2 - واستقر ،
3 - وارتفع ،
4 - وصعد ، [28]
الوجه الثاني : أننا إذا قلنا : استوى بمعنى استولى ،(1/224)
لزم أن يكون العرش قبل استواء الله عليه ملكاً لغيره ،
وهذا لا شك أنه معنى باطل ، لا يمكن أن يقول به قائل ،
الوجه الثالث : أننا لو قلنا : استوى بمعنى استولى ،
لصح أن يقال : إنه استوى على الأرض وعلى الشمس وعلى السماء وما أشبه ذلك مما هو ملك لله ،
ولا يمكن أن يقول به قائل ،
لا يمكن أن تقول : إن الله استوى على الشمس وعلى السماء وعلى الأرض وما أشبه ذلك ،
الوجه الرابع : أن نقول : من أين لكم في اللغة العربية أن استوى تأتي بمعنى استولى ، والقرآن نزل بلسان عربي مبين ؟
وهاتوا موضعاً واحداً من السبعة المواضع ، ذكر الله فيه أنه استولى على العرش ،
سبعة مواضع كلها جاءت على وتيرة واحدة أنه استوى على العرش ،
فإذا قالوا : عندنا دليل ،
وهو قول القائل :
قد استوى بشر على العراق ،
من غير سيف أو دم مهراق [29] ،
ومعنى ( استوى بشر على العراق ) : يعني استولى على العراق ،
فالجواب على ذلك :
أولا : أن هذا البيت قائله مجهول [30] ،
ولا يمكن أن يستدل على شيء من العقيدة المتعلقة بالله ببيت شعر مجهول قائله ،
فالاحتجاج به مردود من الأصل [31] ،
ثانيا : أن نقول : لو ثبت أن قائله من العرب العرباء الذين لم تغيرهم اللكنة ولا العجمة ،
فإن المانع من جعل الاستواء هنا بمعنى العلو : قرينة ظاهرة وهو أن بِشْراً لم يكن يرتفع على العراق حتى يكون العراق تحته كالكرسي ،
فيكون لدينا قرينة تمنع من إرادة العلو ،
ولم توجد هذه القرينة في قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } [32] ،
ثالثاً : يمكن أن نجعل استوى بمعنى علا ،
فنقول : قد علا بشر على العراق لكنه علو معنوي ،
كقوله تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون } ( محمد 35 ) أي علو معنوي ،
هذا إن صح أن قائل هذا البيت من العرب العرباء ،(1/225)
مع أنه لم يصح فبطل الاستدلال بهذا البيت على أن استوى بمعنى استولى [33] ،
إذن فعقيدتنا التي ندين الله بها ، ونسأل الله أن نكون عليها حتى نموت :
هو أن استوى على العرش أي علا عليه علواً خاصاً كما يليق بجلاله وعظمته ، لا نكيفه ولا نمثله ،
أما العرش : فإن العرش هو ذلك المخلوق العظيم الذي هو فوق جميع المخلوقات ،
واختصه الله تعالى لنفسه وهو محيط بالكون كله ،
وقد ورد أن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي الذي وسمع السماوات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ، فماذا تكون ؟
لا شيء ، ولا تنسب إليه ،
قال : ( وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) ،
إذن فالعرش لا يقدر قدرة إلا الله عز وجل ، ولا يمكن أن نتصور عظمة هذا العرش ،
ولهذا وصفه الله بأنه مجيد وإنه عظيم ،
لأنه أكبر المخلوقات التي نعلمها وأعلى المخلوقات التي نعلمها ، ولذلك هو عرش يليق بالله تعالى ،
المبحث السادس : هل الله عز وجل باستوائه على العرش يكون العرش مقلاً له حاملاً له كما يستوي الإنسان منا على السرير ؟
الجواب : لا ، ليس كذلك ، لأننا لو قلنا : إنه حامل له كحمل السرير لأحدنا ،
لزم من هذا أن يكون محتاجاً إلى العرش [34] ،
والله عز وجل مستغنٍ عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه ،
فلا يمكن أن نقول : إن العرش يُقِلُّ الله أبدًا ،
الله أعظم من أن يُقِلُّهُ شيء من مخلوقاته ،
لكن هو الذي اختصه الله لنفسه بالاستواء فقط ،
وأما أن يكون مُقِلُّهُ فلا والله ما يُقِلُّهُ ،
لأنه لو قلنا بذلك لزم منه معنى فاسداً لا يدل عليه القرآن ،
وهو احتياجه كاحتياج الإنسان إلى السرير ،
ولهذا قال العلماء : إن العرش لا يُقِلُّ الله ،
بمعنى أنه ليس محتاجاً إليه كما يحتاج الإنسان منا إلى السرير يجلس عليه ،
والسرير الذي نجلس عليه لو أزيل من تحتنا لسقطنا ،
قوله : ( تعالى ) : يعني ترفع وتباعد عن الحد ،(1/226)
قوله : ( أن يحد ) : يعني عن أن يحد ،
فـ ( أن ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوبة بنزع الخافظ ،
لأن نَزْعَ الخافض مع ( أن ) و ( أن ) مضطرد ،
كما قال ابن مالك رحمه الله :
وفي أن وان مضطرد ،
مع أمن لبس لعجبت أن يدوا [35] ،
وتقدير العبارة : تعالى عن أن يحد ،
أي تعالى عن الحد ،
يعني : أن الله لا يحد ،
وهذا ( الحد ) من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة ،
ليس في الكتاب أن الله يحد ولا أنه لا يحد ،
ولا في السنة أن الله يحد ولا أنه لا يحد ،
وإذا كان كذلك فالواجب السكوت عنه ،
لا تقل : إنه يحد ، ولا أنه لا يحد ،
ما الذي حَدَّك على أن تقول : إنه يحد أو لا يحد ؟
ليس هناك ضرورة لو كان من الضروري أن نعتقد أن الله يحد أو لا يحد لكان الله يبينه أو السنة تبينه ، لأن الله تعالى يقول : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } ( النحل 89 ) ،
ولذلك اختلف كلام من تكلم به من السلف : هل نقول : إن الله يحد ، أو نقول : إن الله لا يحد ،
فمنهم من أنكر الحد وقال : لا يجوز أن نقول : إن الله محدود ،
ومنهم من قال : يجب أن نقول : إن الله محدود وأن له حداً [36] ،
ولكن يجب أن نعلم أن الخلاف يكاد يكون لفظياً ،
لأنه يختلف باختلاف معنى الحد المثبت والمنفي ،
فمن قال : إن الله محدود ، أراد بائنٌ من الخلق ومحادٌّ لهم ليس داخلاً فيهم ولا هم داخلين فيه ،
كما نقول : هذه أرض فلان وهذه أرض فلان كل واحدةٍ منهما محدودة عن الأخرى بينهما حد ،
فمن أثبت الحد أراد به هذا المعنى أي أن الله تعالى منفصل بائن عن الخلق ليس حالاًّ فيهم ولا الخلق حالُّون فيه وهذا المعنى صحيح ،(1/227)
ومن قال : إنه غير محدود ، أراد أن الله تعالى أكبر من أن يحد ولا يحده شيء من مخلوقاته ولا يحصره شيء من مخلوقاته فقد وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يمكن أن يحده شيءٌ من المخلوقات ،
وهذا المعنى صحيح ، وكل السلف متفقون على هذا ،
وعليه فيكون الخلاف بينهم لفظياً بحسب هذا التفصيل ،
فقول المؤلف : ( قد تعالى أن يُحَدّ ) : هو ممن ينكر أن يوصف الله بالحد ،
فيُحمل كلامه على أن المراد بالحد : الحد الحاصر الذي يحصر الله عز وجل ،
فنقول : إن الله تعالى بهذا المعنى غير محدود ،
الله واسع عليم { وسع كرسيه السماوات والأرض } ( البقرة 255 ) ،
والسماوات والأرضين كلها في كف الرحمن عز وجل كخردلةٍ في كف أحدنا ،
وهذا على سبيل التقريب وإلا فيه أعظم وأعظم ،
ما بين الخالق والمخلوق أعظم مما بين كف الإنسان والخردلة ،
على كل حال أراد المؤلف بنفي الحد هنا ما ذكرناه ،
يعني : الحد الذي يحصر الله عز وجل ،
ولم يُرِدْ الحد الذي يجعله بائناً من الخلق ،
فإن الحد الذي يراد به بينونة الله من خلقه أمر ثابت واجب اعتقاده ،
على أن كما قلنا : إن الكلام في الحد إثباتاً ونفياً من الأمور التي ينبغي السكوت عنها ،
لأنها لم ترد لا في القرآن ولا في السنة ، لكن إذا ابتلينا وجب أن نفصِّل ،
******************
45 – فلا يحيط علمنا بذاته ،
كذاك لا ينفك عن صفاته ،
قوله : ( فلا يحيط علمنا بذاته ) : هذا مما يدل على أنه أراد بقوله : ( تعالى أن يحد ) أنه لا يمكن أن يكون محصوراً يحاط به ،
فلهذا قال : ( فلا يحيط علمنا بذاته ) : فذات الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يحيط بها العلم ،
وإذا كان الحس لا يحيط بها فالعلم من باب أولى ،
قال الله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ( الأنعام 103 ) ، فإذا كان البصر لا يدرك الله مع مشاهدته له ،(1/228)
فكذلك العلم المبني على مجرد التخيل والتصور لا يمكن أن يحيط بالله عز وجل ، لأن الله أكبر وأعظم من كل شيء تقدره مهما قدرت فالله أعظم ، ومهما قدرت فأنت كاذب في تقديرك ، لأن الله يقول : { ولا يحيطون به علما } ( طه 110 ) فكل ما يقدره ذهنك من تصور في ذات الله عز وجل فإنه كذب ، وكل ما يقدره فالله أعظم وأجل ،
ولهذا نهى بعض السلف أن يفكر الإنسان في ذات الله ، وقال : إنما التفكر في آيات الله { ويتفكرون في خلق السماوات والأرض } ( آل عمران 191 ) ولم تأت آية ولا حديث أن نتفكر في الله نفسه ، فالتفكر إنما يكون في آياته في أسمائه في صفاته أما في ذاته فلا ، لأنه لا يمكن أن تصل إلى نتيجة إلا إلى نتيجة محرمة وهي أن تتصور مثالاً ليس لك به علم ،
وقد قال الله تبارك وتعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ( الإسراء 36 ) .
إذن دع التفكر في هذا تفكر في أسمائه ،
ما معنى الاسم ؟ ماذا يتضمن من صفة ؟ تفكر أيضاً في آياته ، ماذا تدل عليه ؟ ماذا تدل عليه الشمس والقمر اختلاف الليل والنهار ؟ مداولة الأيام بين الناس ؟ وما أشبه ذلك ،
أما أن تجعل ذات الله عز وجل هي محط التفكر فهذا خطأ وضلال ، لأنه مهما كان لا يمكن أن تدركها ،
قوله : ( لا ينفك عن صفاته ) : أي لم يزل ولا يزال متصفاً بصفات الكمال ،
وإذا كان متصفاً بصفات الكمال فلنا أن نبحث عن الصفة من حيث المعنى لا من حيث الكيفية والكُنْهْ التي هي عليه ،
لأن هذا غير مدرك أيضاً لكن من حيث المعنى لنا أن نبحث عن الصفة ،
ما معنى الرحمة ؟ ما معنى العزة ؟ ما معنى الحكمة ؟ وهكذا ،،
قوله : ( كذاك لا ينفك عن صفاته ) : فيه شيء من الإجمال يحتاج إلى تفصيل ،
وذلك أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين :
1- قسم لازم لذاته لا ينفك عنه أبداً [37] ،
وهذا ما يعرف عند العلماء : بالصفات الذاتية ، فهذا لا ينفك الله عنه ،(1/229)
مثل : العلم ، القدرة ، والحكمة ، والعزة ، وما أشبه ذلك ،
كذلك أيضاً لا ينفك عن الصفات الخبرية التي مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء ،
مثل : اليد ،
فاليد صفة ثبتت بالخبر ،
ولولا الخبر لم يهتد العقل إليها إطلاقاً ،
بخلاف القدرة ،
فالقدرة ثبتت بالنص وثبتت أيضاًِ بالعقل ،
فالعقل يهتدي إلى أن الله لا بد أن يكون قادراً ،
أما اليد فالله لا بد أن يكون له يد لا ما يثبت ذلك العقل ، إلا بعد ورود الشرع به ،
فهذه تسمى صفات خبرية يعني أن مدارها على الخبر المحض ، فليس للعقل فيها مجال إطلاقاً ،
قلنا : إن مسماها لنا أبعاض وأجزاء ، فاليد بالنسبة لنا جزء وبعض منا ،
لكن لا يجوز أن تقول : إنها بالنسبة للخالق بعض وجزء ،
لأن البعض أو الجزء : هو ( ما صح انفصاله عن الكل ) [38] ،
ومعلوم أن صفات الله تعالى كاليد والقدم لا يمكن أن نصور فيها أو أن نحكم فيها بجواز الانفصال ،
إذن فلا يصح أن تطلق عليها إنها بعض من الله أو جزء من الله قل هي صفة من صفات الله الذاتية أخبر الله بها عن نفسه فوجب علينا قبولها والإيمان بها ،
القسم الثاني من الصفات : صفات فعلية :
فهذه باعتبار الجنس صفة ذاتية لأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً ،
أفعاله لا تنقضي ، وكذلك أقواله { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا } ( الكهف 109 ) .
لكن آحاد الفعل أو نوع الفعل فهذا ينفك الله عنه يعني ليس لازماً لذاته ،
مثال ذلك : النزول إلى السماء الدنيا هذا نوع وآحاد نوع ،
لأنه لم يثبت له نظير قبل خلق السماء آحاد ، لأنه يتجدد كل ليلة ،
فالأفعال نوعها قد يكون حادثاً آحادها تكون حادثة لكن جنسها أزلي أبدي لأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً ،
النزول فعل نوعه حادث أفراده كل ليلة هذا آحاد ،
وكذلك الاستواء على العرش نوع فهو باعتبار أصل الفعل صفة ذاتية وباعتبار النوع ،(1/230)
لأنه لم يكن إلا بعد خلق العرش يكون فعلياً ،
أما آحادية فلا نستطيع أن نقول : آحادية لأن استواء الله على العرش ثابت ،
ولا يمكن أن نقول : إن الله قد لا يستوي على العرش ،
لا نقول هذا لأننا ليس عندنا علم بذلك الشيء ،
بخلاف النزول إلى السماء الدنيا لما كان مقيدًا بزمن ، قلنا : إنه يحدث كل ثلث ليلة بالنسبة للسماء الدنيا ،
إذن قول المؤلف : ( كذاك لا ينفك عن صفاته ) :
يجب أن يحمل على الصفات الذاتية والصفات الخبرية وعلى جنس الصفات الفعلية ،
******************
46 – فكل ما قد جاء في الدليل ،
فثابت من غير ما تمثيل ،
هذه قاعدة نافعة في باب الصفات ،
لكن ما هو الدليل الذي يعتمد عليه في صفات الله عز وجل ؟
الدليل الذي يعتمد عليه في صفات الله هو الأثر فقط عند أهل السنة والجماعة ،
الأثر المتمثل في أمور ثلاثة :
1 – الكتاب ،
2 – والسنة ،
3 – وأقوال الصحابة ،
هذه مصادر التلقي بالنسبة للصفات ،
عند غير أهل السنة والجماعة الدليل المعتمد عليه في هذا الباب هو العقل ،
وهذا مذهب الأشاعرة ،
فيقولون : ما اقتضى العقل إثباته أثبتناه ، وإن لم يوجد في الكتاب والسنة وما اقتضى العقل نفيه نفيناه وإن وجد في الكتاب والسنة وما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه ،
فأكثرهم نفاه لعدم الدليل المثبت ،
وبعضهم توقف فيه لعدم الدليل المثبت والنافي ،
ما جاء في الدليل من كتاب الله وسنة رسوله أقوال الصحابة فإنه ثابت ،
لا يجوز أن ننفيه لا تكذيباً ولا تحريفاً المسمى بالتأويل ،
وإن شئت فقل : لا تكذيباً ولا تأويلاً بمعنى التحريف ،
فمثلا : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) هذا ثابت بالدليل وهو قوله : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) لا يجوز أن ننفيه بتكذيب فنقول : إن الله لم يستوي ،(1/231)
لأن من قال : إن الله لم يستوي فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ،
لأنه مكذب ولا تأويل يكون تحريفاً ،
فمن قال : إن الله استوى بمعنى استولى .
فهذا أثبت الاستواء لكن حرف معناه .
فنحن نثبته ولا ننفيه لا تكذيباً ولا تأويلاً حقيقته التحريف ،
هذا معنى قول المؤلف : ( فثابت ) : أي ثابت ثبوتاً حقيقياً لا تكذيب فيه ولا تحريف ،
ما هو الدليل ؟
الجواب : الدليل على وجوب ثبوته : السمع والعقل ،
أما السمع :
فلأن الله أثبت هذه الأسماء والصفات .
فقال : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ( الأعراف 180 ) .
وقال : { وربك الغفور ذو الرحمة } ( الكهف 58 ) .
وقال : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ( الرحمن 27 ) .
فأثبت الأسماء والصفات الخبرية والذاتية ،
والدليل العقلي :
أن صفات الله عز وجل وأسمائه أمور خبرية غيبية ، لا مدخل للعقل في تفصيلها ، فوجب الاعتماد فيها على النقل فما أثبته النقل أثبتناه وما نفاه نفيناه وما سكت عنه توقفنا فيه لا نثبت ولا ننفي ،
قوله : ( من غير ما تمثيل ) : لأنه لما كان الثبوت قد يستلزم التمثيل نفي هذا [39] ، وقال : ( من غير ما تمثيل ) فلا نمثّل نثبت لله وجهاً بدون تمثيل ، يداً بدون تمثيل ، وهكذا بقية الصفات ،
والتمثيل : دل على نفيه عن الله :
السمع .
والعقل .
والحس .
فأما السمع : فقد قال الله تعالى : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) ، وهذا نفي عام لا يماثله شيء في أي شيء من صفاته ، وقال : { هل تعلم له سمياّ } ( مريم 65 ) ، وقال : { فلا تضربوا لله الأمثال } ( النحل 74 ) وقال : { فلا تجعلوا لله أندادا } ( البقرة 22 ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على أن الله ليس له مثل ولا يجوز أن يجعل له مثل .
ليس له مثل ، للأدلة الخبرية .
ولا يجوز أن يجعل له مثل ، للأدلة الطلبية .
لأن فيه نفي المماثلة وفيه نهي عن المماثلة .(1/232)
نفي المماثلة مثل : { ليس كمثله شيء } ، { هل تعلم له سمياّ } .
والنهي عن التمثيل { فلا تضربوا لله الأمثال } ، { فلا تجعلوا لله أندادا } .
الدليل العقلي على امتناع التمثيل : أن الخالق مباين للمخلوق في ذاته ووجوده ومنزلته ،
أما في ذاته : فإن كل أحد يعلم بأن الخالق ليس كالمخلوق ، المخلوق خلق من مادة مكونة يقوم بعضها ببعض ، والخالق ليس كذلك ، من جنس العناصر الموجودة ، لا من جنس الذهب ولا الحديد ولا الزجاج ولا الرصاص ولا اللمم ولا التراب ، يعني مخالف طبيعة الأجناس المخلوقة ، يعني مخالف لجميع الأجناس المخلوقة ،
كذلك أيضاً في الوجود : المخلوق وجوده ممكن ، والخالق موجود واجب ، فالمخلوق يجوز عليه العدم وكل ما نشأ من عدم فإنه يجوز عليه العدم ، أما الخالق فلا ، وجوده أزلي أبدي ،
ثالثاً : الخالق فاعل ، والمخلوق مفعول ،
والفاعل أكمل من المفعول ، فلا يمكن أن يجعل البناء كالباني ،
فلما كان مخالفاً للمخلوق في ذاته ووجوده ومرتبته لزم من ذلك أن يكون مخالفاً له في صفاته ،
لأن الاختلاف في الذات يستلزم الاختلاف في الصفات ،
ولهذا نقول : إن الله لا يماثله شيء من مخلوقاته سمعاً وعقلاً ،
والحس : يشهد بالمخالفة أيضاً فالرب عز وجل إذا أراد شيئاً قال له : كن فيكون ، الرب عز وجل كل المخلوقات في يده كخردلة في يد أحدنا ،
إذن لا يمكن أن يكون مماثلاً للمخلوق ،
كذلك أيضاً نشاهد أن الناس يدعون الله فيستجيب لهم بأمور لا يمكن أن يطيقها المخلوق ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أغثنا ) ، فنشأت سحابة وأمطرت قبل أن ينزل من المنبر [40]
فلا يمكن للمخلوق أن يصنع ذلك ، إذا الحس يشهد بمخالفة المخلوق للخالق ،
ولا يلزم من التماثل في الاسم أن يتماثل الشيء في الصفة ،
ولهذا نقول : للإنسان يد ورجل ، وللثور يد ورجل ، وللفيل يد ورجل ، وللنمل يد ورجل ، هل يلزم من هذا التماثل في الاسم أن يتماثل في الحقيقة ؟(1/233)
لا يلزم كل يعرف أن رجل الفيل ليس كرجل الذرة وهذا في المخلوقات مع بعضها فكيف بالخالق عز وجل ،
فتبين إذن نفي مماثلة الخالق للمخلوق بدليل السمع والعقل والحس ،
والتعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفي التشبيه ،
يعني أن تقول ( من غير تمثيل ) ولا نقول : ( من غير تشبيه ) ،
وهذا أولى وأحسن لوجوه :
الوجه الأول : أن هذا هو اللفظ الذي جاء به القرآن ، فقال الله تعالى : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) ولم يقل : ( ليس كشبهه شيء ) ،
ومعلوم أن التعبير الذي جاء به النص أولى من التعبير الذي لم يأت به النص ،
الوجه الثاني : أن نفي التشبيه من كل وجه لا يصح ،
يعني معناه أن الله لا يشابه خلقه في أي شيء من الأشياء غير صحيح ،
لأنه ما من شيئين إلا وقد اتفقا في أصل ما يجمع بينهما لكن يمتاز كل واحد منهما بما يختص به ،
فمثلا : الوجود ، صفة مشتركة بين الخالق والمخلوق ، ولاشتراك يقتضي التشابه فيما اشترك فيه ، فأصل الوجود الآن مشترك بين الخالق والمخلوق وهذا نوع مشابهة ،
لكن يتميز الخالق بنوع لا وجود ،
فوجود الخالق واجب ووجود المخلوق جائز ، يعني غير واجب ،
والدليل على أنه غير واجب حدوثه وما جاز حدوثه جاز عدمه ،
أما وجود الخالق فإنه واجب ،
وكذلك السمع :
الله عز وجل يسمع والمخلوق يسمع فاشتركا في أصل الصفة ،
وهذا نوع من التشابه ،
لأنه المشتركين في شيء يتشابهان فيما اشتركا فيه ،
فأصل الصفة مشتركة [41] ،
لكن فرق بين هذا وهذا ،
سمع الله تعالى محيط بكل شيء أزلي أبدي لا يعتريه النقص بوجه من الوجوه ،
وسمع المخلوق محدود ناقص قابل للزوال والتغير ،
محدود لأنك ما تسمع البعيد ناقص ،
لأنه حتى وإن أدرك الشيء أحياناً لا تدركه على ما هو عليه ،
قد يسمع كلمات القارئ ولكن لا تدري بالضبط ما يقول ،
كذلك أيضاً هو قابل للتغير كم من إنسان كان يسمع ثم ضعف سمعه حتى كان أصم ،(1/234)
وسمع الخالق سبحانه وتعالى على العكس من ذلك ،
سمعه شامل كامل لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه ،
إذن لو نفينا المشابهة وأردنا المشابهة من كل وجه فهذا لا يصح ،
لا بد من تشابه لكن تشابه لا يقتضي التماثل ،
الوجه الثالث : أن نفي التشبيه صار يطلق عند بعض الناس على نفي الصفات ، ولهذا يقولون لكل من أثبت الصفات يقولون : إنه مشبِّه ،
المعطِّلة يسمون المشتبه مشبهة يعني نحن أهل السنة والجماعة والحمد الله ،
يسمينا أهل التعطيل : المشبهة – المجسمة – الحشوية – النوابت – الغثاء ،
كل هذه يصفوننا بها أهل التعطيل [42] ،
فإذا قلنا : ( من غير تشبيه ) ،
وكان مفهوم التشبيه عند هذا السامع يعني إثبات الصفات ،
صار معنى قولنا : ( من غير تشبيه ) أي يساوي قولنا : ( من غير إثبات صفات ) وهذا معنى باطل غير مراد ،
وبهذا نعرف أن نفي التمثيل أولى من نفي التشبيه لهذه الوجوه الثلاثة ،
فإذا قال قائل : نحن نسمع في كلام السلف والخلف نفي التشبيه قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : ( من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً ) فذكر التشبيه ؟
الجواب : نقول : إنه يريد بذلك التمثيل ولا بد ،
وأيضاً ليس هو بمعصوم ،
وإذا كان لدينا عبارة في كتاب الله فهي أولى من عبارة أي معبر ،
والمؤلف رحمه الله سلك نفي التمثيل حيث قال : ( من غير ما تمثيل ) ،
قوله : ( ما ) : في قوله ( من غير ما تمثيل ) زائدة ،
والدليل على زيادتها : أنك لو حذفتها لاستقام الكلام وصح المعنى ،
يقول علماء البلاغة : إن فائدة الزوائد زوائد ،
فكل حرف زائد فهو مؤكد للمعنى الذي هو في سياقه ،
وعلى هذا فتكون ( ما ) هنا زائدة لتوكيد النفي أي نفي التمثيل ،
******************
47 – من رحمة ونحوها كوجهه ،
ويده وكل ما من نهجه ،(1/235)
قوله : ( من رحمة ) : الرحمة : صفة من صفات الله عز وجل أثبتها الله لنفسه في آيات كثيرة من القرآن :
1. فتارة بذكر هذه الصفة نفسها ، مثل قوله : { وربك الغفور ذو الرحمة } ( الكهف 58 ) .
2. وتارة بذكر الاسم المتضمن لها ، مثل قوله : { وهو الغفور الرحيم } ( يونس 107 ) .
3. وتارة بذكر الأثر وهو الفعل المشتق منها ، مثل قوله تعالى : { يعذب من يشاء ويرحم من يشاء } ( العنكبوت 21 ) .
فصفة من صفات الله تتنوع هذا التنوع ،
لاشك أنها حقيقة وأن الله تعالى متصف بها اتصافاً حقيقياً لا يحتاج إلى تحريف ،
ورحمة الله سبحانه وتعالى ،
ولا يشكل عليك قوله تعالى : { وكان الله غفوراً رحيما } ( النساء 96 ) في أن الرحمة أزلية ،
لأنه قد يقول قائل : ( كان ) فعل ماض يدل على شيء مضي ؟
الجواب عن هذا الإشكال : أن نقول : إن كان أحيانًا تسلب منها الدلالة على الزمنية ،
ويكون المراد بها إثبات الصفة دون الزمن ،
فـ { وكان الله غفوراً رحيما } ، معناه أن الله متصف بالمغفرة والرحمة ،
لا أنه ( كان ) و ( زال ) ، فـ ( كان ) هنا مسلوبة الدلالة على الزمان ،
والغرض منها إثبات الصفة على وجه الاستقرار والدوام ،
والرحمة صفة ذاتية لم يزل ولا يزال ،
الله تعالى راحم دل عليها السمع والعقل ،
أما السمع : والآيات التي ذكرنا آنفاً وهي لا تحصى كثيرة جداً في القرآن والسنة ،
أما العقل : موجه الدلالة على رحمة الله ما فينا عن النعم العظيمة ودفع النقم ،
كل هذا يدل على الرحمة فجلب النعم والأرزاق من آثار رحمة الله ،
قال الله تعالى : { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته } ( الشورى 28 ) .
وقال الله تعالى : { وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ، فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيءٍ قدير } ( الروم 49 – 50 ) ،(1/236)
إذ أن غير الرحيم لا ينعم ، بل ينتقم ويهين ويؤذي ويتعدى لكن الذي ينعم هو الرحيم ،
وما اندفع عنا من النقم من الأدلة على ثبوت الرحمة لله ،
والعجب أن من يدعون العقل يقولون إن العقل يدل على امتناع ثبوت الرحمة لله ، وإن الله لا يوصف بالرحمة عقلاً ، الرحمة تدل على الرقة واللين ، والرقة واللين ضعف ، والله عز وجل منزه عن الضعف ، وهذا الكلام موهم ،
ولكن نقول : هذا الذي ادعيته في الرحمة إنما هو إن صح أنه ملازم للرحمة في رحمة المخلوق ،
أما الخالق فهو يرحم مع كمال سلطانه وعزته وقوته ،
على أننا لا نسلم لك أن الرحمة تقتضي الرقة واللين والضعف ،
فها هو الملك ذو السلطان العظيم ، في سلطانه المناسب للبشر من أقوى الناس ويكون من أرحم الناس وهذا يمكن فلا تلازم بين الرحمة والضعف فدعواك أن الرحمة تقتضي الرقة واللين والضعف دعوى مجردة لا دليل عليها ، ثم على فرض أن يكون عليها دليل فهي بالنسبة للمخلوق ،
والعجب أيضاً من هؤلاء الذين يدعون العقل ، أنهم يقولون : إن الإرادة دل عليها العقل والرحمة لم يدل عليها العقل ،
فيثبتون لله الإرادة ويقولون : إن العقل دل عليها ،
ولا يثبتون الرحمة ويقولون : إن العقل دل على نفيها ،
ولو سألتهم : أيما أكثر في القرآن ذكر الإرادة لله أو ذكر الرحمة ؟
الجواب : ذكر الرحمة أكثر بكثير من ذكر الإرادة ،
ثم إن دليل العقل على الإرادة دليل خفي لا يفهمه إلا الجهابذة من طلبة العلم ،
لأن الدليل العقلي على ثبوت الإرادة عندهم هو التخصيص ،
ما هو التخصيص ؟
كون السماء سماءً والأرض أرضاً والشمس شمساً والقمر قمراً والبعير بعيراً والحمار حماراً ،
هذا تخصيص ،
ما الذي خصص أن يكون هذا البعير بعيراً وهذا الحمار حماراً ؟
إرادة الله ، أراد الله أن يكون البعير على هذا الشكل فصار على هذا الشكل ، والحمار على هذا الشكل فصار على هذا الشكل ، فالتخصيص يدل على الإرادة ،(1/237)
ودلالة التخصيص على الإرادة أخفى بكثير من دلالة النعم على الرحمة ،
أي عامي تسأله وتقول : الحمد لله مطرنا البارحة مطراً كثيراً خالياً من العواصف والقواصف ، من أين هذا ؟ وماذا يدل عليه ؟
الجواب : سيقول لك الحمد لله مطرنا بفضل الله ورحمته ،
ويستدل بهذا المطر على رحمة الله استدلالاً لا يحتاج إلى تعب ،
فهذه الدلالة العقلية الجلية الواضحة التي يستوفيها العام والخاص يقولون : إنها منتفية عن الله ، ولا يوجد دليل يدل على الرحمة ، بل الدليل يدل على نفي الرحمة ،
والتخصيص الخفي يقولون : هذا هو الذي نثبت به الإرادة عقلاً ،
وهؤلاء أنكروا الرحمة ولكن على أي شيء يفسرون الرحمة ؟
الجواب : قالوا : إما الإحسان وإما إرادة الإحسان ،
إذا فسروها بالإحسان فسروها بمفعول منفصل عن الله لا من صفاته ،
وإذا فسروها بالإرادة فسروها بصفة يقررونها ، لأنهم يثبتون لله سبع صفات ومنها الإرادة ،
فيفسرون الرحمة بإرادة الإحسان ،
فيقول : الرحمن الرحيم يعني المريد الإحسان أو يعني المحسن ،
فيفسرون الرحمة بلازمها ومقتضاها ،
ولا شك أن هذا تحريف ،
ونقول لهم : إذا أثبتم الإرادة فلماذا لا تثبتون الرحمة ؟
إذا قالوا : إن الرحمة رقة ولين وضعف ،
فقد سبق لنا الجواب عن هذا وقلنا إن الجواب عن هذا بأمرين :
الأول : منع أن تكون الرحمة دالة على الرقة واللين والضعف ،
الثاني : لو قدر أن هذا مقتضاها باعتبار رحمة المخلوق فإن ذلك لن يكون مقتضاها باعتبار رحمة الخالق ،
قوله : ( ونحوها ) : نأتي بمثال ويكفي :
( الحكمة ) الحكمة ممنوعة عند أهل التعطيل [43] ،
يقولون : إن الله ليس له حكمه لا في ما شرع ولا في ما خلق ،
قالوا : لأن الحكمة غرض ، والله تعالى منزه عن الأغراض منزه عن الأبعاض ومنزه عن الأعراض ،
فيقول القائل منهم في الثناء على الله : ( سبحان من تنزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض )
عن الأعراض : يعني عن الصفات ،(1/238)
والأغراض : عن الحكمة ،
والأبعاض : عن اليد والوجه والعين وما أشبهها ،
فهم ينكرون الحكمة ويقولون : إن الله لا يفعل الشيء لحكمة ، ولكنه لمجرد المشيئة ، شاء أن يفعله ففعله ، شاء أن لا يفعل فلم يفعل ، أما أن يكون لحكمة وغاية محمودة فهذا لا يمكن ،
قالوا : لأن الحكمة غرض ،
والغرض فيه منفعة لصاحب الغرض أو دفع مضرة ، والله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى المنفعة ولا إلى دفع المضرة ،
ولا شك أن هذا القول من أنكر الأقوال وفيه سلب صفة عن الله من أجل الصفات وهي الحكمة ، وعلى قولهم يكون الله تعالى قد خلق السماوات والأرض باطلاً ويكون قد خلق الإنسان سدى وقد شرع الرائع والأرض عبثاً ،
وكل هذا يكذبه القرآن ،
قال الله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ( المؤمنون 115 ) ولو كان خلق الخلق لغير حكمة لكان عبثاً ،
وقال تعالى : { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ، ما خلقناهما إلا بالحق } ( الدخان 38 – 39 ) .
وقال تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار } ( ص 27 ) .
وإذا قُدِّرَ أن الغرض : ( دفع مضرة أو جلب منفعة ) فإنما هذا بالنسبة للمخلوق ، أما الخالق عز وجل فلا ، على أننا نمنع أن يكون هذا مضطرداً في المخلوق ، فقد يريد الإنسان الشيء لجلب منفعة لغيره أو دفع مضرة عن غيره ، فلو وجد الإنسان شخصاً غريقاً في الماد ونزل لإنقاذه فهل له هو منفعة ؟
الجواب : منفعة مادية لا أول وارد يرد على الإنسان في هذا إنقاذ أخيه ، قد يكون حين الإنقاذ لم يتصور أو لم يفكر في الثواب ، فيكون الغرض من ذلك دفع مضرة عن الغير ،
ومع هذا نقول : لو سلمنا جدلاً أن الإنسان لا يريد بأفعاله وأقواله إلا ما يتعلق بمصلحته من جلب منفعة أو دفع مضرة فهذا بالنسبة للمخلوق ،(1/239)
أما الله عز وجل فإنه غني عن العباد ، قال الله تعالى : { ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين } ( آل عمران 97 ) فهو يفعل الشيء لا لمصلحته ولا لمنفعته ولا لدفع الضرر عنه ولكن للإحسان إلى المخلوق ، والإحسان إلى الغير صفة مدح ،
فإذن حكمة الله عز وجل متعلقة بفعله ومتعلقة بمفعوله ،
بفعله فلا ينسب إلى العبث ،
وبمفعوله بما يحسن به إلى الفاسدة من جلب المنفعة ودفع المضرة ،
إذن نحن نثبت الحكمة لله عز وجل ،
لا على أنه محتاج إلى جلب منفعة أو دفع مضرة ،
ولكن لأن فعله ليس بعبث وليس بباطل ،
وهو سبحانه إنما يفعل الفعل لمصلحة العبد ،
فلهذا نثبت لله الحكمة [44] ،
فهم يقولون : لا نثبت الحكمة ، ونقول : إن فعله لمجرد المشيئة ،
ولهم شبهات :
منها مثلاً : قوله تعالى : { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } ( النساء 96 ) ( الأنبياء 23 ) ،
ولكن هذا ليس فيه دليل ،
1 - لأن الآية في إبطال ألوهية الأصنام ومن خصائص ألوهية الأصنام أنها تسأل إذا كانت ممن يتوجه إليه السؤال أما الله فإنه لا يسأل ،
2 - ثانياً : أن معنى الآية : { لا يسأل عما يفعل } سؤال مناقشة بحيث يمنع أو يؤذن له لأنه تام السلطان سبحانه وتعالى فله أن يفعل ما شاء لكن نعلم أن فعله مقرون بالحكمة فليس في الآية ما يشير إلى أن فعل الله عز وجل ليس له حكمة بل في الآية ما يدل على كمال سلطانه وإنه لا أحد يسأله أو على كمال فعله وحكمته لأنه لا يحتاج أن نسأل لماذا فعل ؟
لأننا نعلم أنه ما فعل إلا لحكمة ،
فالآية منزلة على أحد وجهين :
قوله : ( كوجهه ) : من صفات الله ( الوجه ) وقد أثبت الله لنفسه الوجه في عدة آيات :
منها : قوله تعالى : { كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ( الرحمن 26 – 27 ) فأثبت الله لنفسه وجهاً ،
ووصف هذا الوجه بأنه ذو جلال وإكرام ، أي ذو عظمة وبهاء وحسن ،
وذو إكرام : اكرام أي يكرم ويكرِم سبحانه ،(1/240)
وقال الله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } ( القصص 88 ) .
وقال تعالى : { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم } ( الرعد 22 ) والآيات في هذا متعددة ،
وأما قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ( البقرة 115 ) .
ففيها قولان للسلف :
القول الأول : أن المراد بوجه الله وجه الله الحقيقي ،
وقالوا : إن الآية نزلت في الصلاة والمصلي أينما توجه فالله قبل وجهه [45] ،
وقال آخرون : بل المراد بالوجه : الجهة ،
كقوله تعالى : { ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها } ( البقرة 148 ) [46] ،
فالمراد أينما تكونوا فثم جهة الله التي أمركم باستقبالها وتكون الآية نزلت فيمن اشتبهت عليه القبلة فاتجه إلى غير القبلة وهو يريد القبلة ،
فنقول : هذه جهة صحيحة لأنك اجتهدت وأداك اجتهادك إلى ذلك أو لصلاة النافلة على السفر فإنك تصلي حيث كان وجهك لكن بقية الآيات لا يراد بها إلا الوجه ،
الوجه : صفة حقيقية ثابتة لله منزه عن مماثلة أوجه المخلوقين ،
والدليل على أنها حق ثابتة لله : أن الله أثبتها لنفسه ،
والدليل على أنها لا تماثل أوجه المخلوقين : أن الله قال : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) .
فإن قال قائل : إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ) [47] ، وهذا يدل على أن وجه أدم مماثل لوجه الله وأنتم تقولون إن لله وجهاً لا يماثل أوجه المخلوقين فما هو الجواب عن هذا الحديث ؟
الجواب : قلنا : هذا الحديث من الأحاديث المتشابهة فمن كان من قلبه زيغ اتبعه وجعله مناقضاً للقرآن ، وضرب القرآن بعضه ببعض ، وقال : هذا القرآن يقول : { ليس كمثله شيء } ، وهذا الحديث يقول : إن الله خلق آدم على صورته ، فأيهما نصدق ؟ فيتبع المتشابه .
وأما الراسخون في العلم فيفتح الله عليهم ويعرفون وجه الجمع بين النصوص ،
ويقولون في الجواب عن هذا الحديث :(1/241)
1 - إن معنى قوله : ( خلق الله آدم على صورته ) : أي على الصورة التي اختارها سبحانه وتعالى وخلقها في أحسن صورة ،
فتكون إضافة الصورة إلى الله إضافة خلق وتشريف ،
كقوله : ناقة الله ، وبيوت الله ، ومساجد الله ، وما أشبه ذلك ،
وهذا وارد في القرآن ولا يمتنع على الله عز وجل ،
2 - الوجه الثاني : أن نقول : ( على صورته ) : أي على صورة الله التي هي صفته ،
ولا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء [48] ،
والدليل على هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر [49] ،
ومعلومٌ أنها ليست على صورة القمر من كل وجه ، فليس في القمر عين ولا أنف ولا فم ، ومن دخل الجنة فهو له عين وأنف وفم ، فهذا يدل على أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً للشيء ،
فصار قولنا : ( إن الله خلق آدم على صورته ) ، لا ينافي قولنا : إننا نثبت لله وجهاً لا يماثل أوجه المخلوقين ،
س : هذه الصفة هل هي معنوية ؟
الجواب : ليست معنوية ولكنها موافقة لمسمى هو منا أبعاض وأجزاء ، فالوجه بالنسبة لنا بعض منا لكن بالنسبة لله لا نقول : إنه بعض ،
لأن البعض في اللغة : ( ما جاز انفكاكه عن أصله وانفصاله عنه ) [50] ،
ومثل هذا في صفات الله لا يمكن [51] ،
فلهذا نقول : إن هذه الصفات صفات خبرية مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء ،
ولكن بماذا يفسرون الوجه ؟
الجواب : قالوا : إنه الثواب : وفي قوله : { ويبقى وجه ربك } ( الرحمن 27 ) قالوا : أي ثوابه ، ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه ،
فالثواب : لا يوصف بأنه ذو جلال وإكرام الثواب نعم ،
إذا كان لا ينقطع كثواب الجنة لكنه لا يوصف بأنه ذو جلال وإكرام ،
بل وجه الله هو الذي يوصف بالجلال والإكرام ،
وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ) ،(1/242)
فقال : بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض ، وهذا لا يمكن أن يكون للثواب ،
المهم : أن الذين فسروه بالثواب اخطئوا الطريق وضلوا عنه وحرفوا الكلم عن مواضعه ،
فجمعوا بين الجهل والضلال حيث وصفوا الثواب بما لا يصح إلا لوجه الله ،
والعدوان على النصوص حيث حرفوها عن مواضعها بشبهة هي شبهة ليست بحجة ،
يقولون : لو أثبتنا لله وجهاً لكان جسماً ،
وجوابنا على ذلك سهل جداً : أن نقول : أأنتم أعلم أم الله ؟
إن قالوا : نحن أعلم كفروا ، وإن قالوا : الله أعلم ،
نقول : إن الذي هو أعلم هو الذي وصف نفسه بأن له وجهاً ، فلماذا تنكرون ما وصف به نفسه ؟ ثم نقول : إن تفسير الوجه بالثواب أو نحوه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ،
والواجب علينا في الأمور الخبرية اتباع النص والأخذ بظاهره واتباع السلف في هذا ،
لأن العقول ليس لها مجال في هذا الباب ،
قوله : ( ويده ) : يعني : وكذلك نؤمن بيد الله عز وجل بدون تمثيل ،
والبحث في ( اليد ) من أمور :
البحث الأول : هل ثبتت اليد لله ؟
الجواب : نعم ثبتت اليد لله بالكتاب والسنة وإجماع السلف ،
قال الله تعالى لإبليس : { ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ } ( ص 75 ) .
وقال عز وجل عن اليهود : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلَّتْ أيديهم ولُعِنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) وأثبت له يدين ،
أما السنة : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يد الله ملأى سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه ) [52] ،
وقال : ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ) [53] ،
فقوله في الحديث الأول : ( ملأى ) : أي فيها الخير الكثير ،
( سحاء ) أي معطاء تعطي ،
وذلك لأن اليد قد تكون خالية فلا يمكن العطاء منها ،
وقد تكون ملأى ويكون صاحبها بخيلاً ،(1/243)
فإذا كانت ملأى ولكنه لا ينفق صارت غير سحاء ، وإذا لم يكن فيها شيء فلا إنفاق لأنها خالية ،
فيد الله تعالى ملأى سحاء دائماً تعطي الليل والنهار ،
ومع ذلك فإنه لم ينقص ما فيه يمينه ،
أما إجماع السلف فهذا أمر معلوم ،
ولكن لو قال قائل : كيف الطريق إلى العلم به ؟
الجواب : نقول : إن القرآن نزل باللسان العربي الذي يفهمه الصحابة ،
فإذا لم يأت عنهم ما يخالف هذا القرآن فهم مجمعون عليه ،
لأنهم لو فهموا أن المراد خلاف ما جاء به لكان ينقل عنهم ،
فلما لم ينقل عنهم قول مخالف لما كانوا يتلونه في الليل والنهار عُلِمَ أنهم يقولون به ،
فهذا وجه قولنا : إن السلف أجمعوا على ذلك ،
وإلا فقد يصعب عليك أن تجد نقلاً في كل مسألة من مسائل العقيدة عن الصحابة ،
البحث الثاني : هل هي حقيقة أو مجاز [54] ؟
الجواب : نقول : هي حقيقة ،
ونقول قبل أن نجيب : ليس في القرآن مجاز أصلاً ،
وذلك لأن من أبرز علامات المجاز جواز نفيه ،
وليس في القرآن شيء يجوز نفيه أبداً ،
مثال ذلك : إذا قلت رأيت أسداً يحمل حقيبته ويحفظ درسه ، وتعني بالأسد طالباً شجاعاً ،
فإذا قال لك المخاطب : هذا ليس بأسد ، هذا بشر ،
فهنا صح كلامه فنفينا ،
فالمجاز يصح نفيه ، وليس في القرآن شيء يصح نفيه ،
وهذا الدليل دليل واضح وعليه اعتمد الشنقيطي رحمه الله [55] في كتابه منع المجاز في القرآن [56] ،
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ذهبا إلى أبعد من ذلك ،
وقالا : ليس في اللغة العربية مجاز ، والمجاز الذي ادعاه من ادعاه لطاغوت أرادوا به أن يحرفوا آيات الصفات وأحاديثها عن ما أراد الله بها ورسوله [57] ،
ولهذا عنون ابن القيم في النونية على هذه المسألة قال : ( كسر الطاغوت ) [58] ،
يعني المجاز الذي كانوا يلهجون به ويحتجون به ،
فقالوا : المجاز ممنوع في اللغة العربية كلها ،(1/244)
وعلى العكس من ذلك رأيت كلاماً لبعض أهل اللغة نقله ابن القيم في ( الصواعق المرسلة ) يقول : جميع الكلام في اللغة العربية مجاز [59] ،
فإذا قال : قلت إن زيداً قائم ،
قال : هذا ليس حقيقة ،
لأنه لا يقع الفعل على نفس الجملة يقع على مدلولها أما ( إن زيداً قائم ) ما وقع الفعل عليه ،
وعلى كل حال : فإذا قلنا : هل يد الله حقيقة أو مجاز ؟
نقول : حقيقة ،
ولكن قبل أن نجيب عن هذا السؤال ،
نقول : ليس في القرآن مجاز بل ولا في اللغة العربية مجاز للتعليل السابق ،
وهو إن المجاز أبرز علاماته : أن يصح نفيه ،
ومن المعلوم أن الكلمة في مكانها ومعناها الذي دلت عليه وضعاً أو بقرينة لا يمكن نفيه ،
فإذا قال قائل : مثلاً : { واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } ( يوسف 82 ) ، لو قال قائل : هذا مجاز ، لأن القرية سئل ؟
قلنا : ليس مجازاً ،
لأن المخاطب يعرف المعنى ،
ولو أردت أن تحول القرية إلى الجدران والبيوت ،
لقال : إنك مجنون ،
أولاد يعقوب لما قالوا : { واسئل القرية } هل يريدون من أبوهم أو يمكن أن يفهم أبوهم أنهم يريدون أن يذهب إلى القرية ويقف عند كل جدار ، ويقول : ما تقولون في ابني هل سرق أم لا ؟
أبداً ، ولا كان يريدون هذا ولا خطر ببالهم وهو أيضاً يفهم أنهم لم يريدوا هذا ،
فإذا كان المتبادر من هذا السياق أن المراد سؤال من يصح توجيه السؤال إليه ، بقي الكلام حقيقة ،
البحث الثالث : هل اليد واحدة أو متعددة ؟
الجواب : أنها متعددة ، فلله تعالى أكثر من يد ،
فإذا قال قائل : كم لله من يد ؟
الجواب : نقول له يدان اثنتان ،
والدليل : قوله تعالى وهو يتمدح بكمال القدرة { ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ } ( ص 75 ) .
ولو كان له أكثر من اثنتين لقال : ( بأيدينا ) ،
لأن الأكثر أبلغ في القدرة من الأقل ،(1/245)
فلما قال في مقام التمدح بالقدرة والقوة والتشريف لآدم لما قال : { بيديَّ } علم أنه ليس له إلا يدان اثنتان ،
ولما قالت اليهود : { يد الله مغلولة } ( المائدة 64 ) قال : { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) وهذا في مقام الثناء على الله بكثرة العطاء ، ولو كان له أكثر من اثنتين لذكرها ، لأن المعطي بثلاث أكثر من المعطي باثنتين ،
ولكن الكمال كله لله عز وجل باليدين الاثنتين ،
فإذن لله تعالى يدان اثنتان ،
فإن قال قائل : قد جاءت النصوص بأن لله يداً واحدة كقوله تعالى : { تبارك بيده الملك } ( الملك 1 ) ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يد الله ملأى سحاء ) [60] ، فكيف تجمع بين النصوص ولماذا لم تقل إنه له يداً واحدة ؟
الجواب : نقول : من المقرر عند العلماء في الاستدلال : ( أنه إذا جاء دليلان أحدهما فيه زيادة أخذ بالزائد ) ،
لأن الأخذ بالزائد أخذٌ بالناقص وزيادة ،
ولو اقتصرت على الأخذ بالناقص لألغيت الزيادة التي جاء بها الزائد وهذا خطأ ،
فنقول : النصوص الدالة على اثنتين فيها زيادة فيؤخذ بها ،
فإذا قال قائل : هل يلزم من أخذك للزيادة وأن تجعل لله يدين ثنتين أن يهدر دلالة اليد التي جاءت بالإفراد ؟
الجواب : أقول : لا يلزم ،
وذلك لأن اليد التي جاءت مفردة جاءت مضافة : ( يد الله ملأى ) ، { بيده الملك } .
والمفرد إذا أضيف يكون عاماً ،
فيشمل كل ما لله من يد ولو زادت على الواحدة ،
وحينئذ لا معارضة بين مجيئها مفردة ومجيئها مثناة ،
فإن قال : أين الدليل على أن المفرد إذا أضيف يكون للعموم ؟
الجواب : فأقول : الأدلة كثيرة ،
ومنها : قوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ( إبراهيم 34 ) ونعم الله كثيرة وليست واحدة فقط .
بدليل : قوله : { لا تحصوها } ولو كانت واحدة لكانت محصاة ،(1/246)
فإذا قال قائل : أنت أصَّلْتَ قاعدة وألزمتنا بها ونحن نقبلها وهو أنه إذا جاءت النصوص بزائد وناقص أخذ بالزائد ونحن نلزمك بناء على هذه القاعدة أن تجعل لله أكثر من يدين لأنه تعالى يقول : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا } ( يس 71 ) ويقول : { والسماء بنينها بأيدٍ وإنا لموسعون } ( الذاريات 47 ) فأثبت لله أكثر من اثنتين [61] ؟
الجواب : فأقول : قد ذكرنا أن اليدين الاثنتين ذكرتا في مقام التمدح والثناء ،
وهذا يمنع أن يكون هناك زيادة عليهما ،
لأنه لو كان هناك زيادة عليهما لم يكمل التمدح والثناء ،
لأننا أثنينا عليه بما هو أنقص من كماله ،
إذا جعلنا الكمال في أكثر من اثنتين ،
فإذا قال : أنا أسلم ذلك لكن أجيبوني عن الجمع ؟
الجواب : فنقول : إن الجمع هنا نجيبك عنه بأحد أمرين :
إما أن نسلك طريق من قالوا : إن أقل الجمع اثنان :
وقالوا : إن أقل الجمع اثنان شرعاً ولغة :
أما لغة : فقد قال الله تعالى : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } ( التحريم 4 ) وهما اثنتان وليس لهما إلا قلبان بنص القرآن ، قال الله تعالى : { ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه } ( الأحزاب 4 ) فليس لهما إلا قلبان وقد جمع فقال : { قلوبكما } وهذا يدل على أن الجمع قد يراد به الاثنان ،
وأما شرعاً : فلأن الإنسان مأمور بصلاة الجماعة وإذا صلى اثنان أحدهما بالآخر صلى جماعة وهذه جماعة شرعية وهما اثنان ،
فإذن يكون قوله تعالى : { مما علمت أيدينا أنعاماً } كما لو قال : ( مما عملت يدانا أنعاماً ) ،
لأن المدلول واحد ،
أو نقول : إن أقل الجمع ثلاثة ،
لكن الجمع هنا لا يراد به حقيقته وإنما المراد به التعظيم ، كما قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9 ) .
فقوله : â ?`?twU $uZ?9¨?tR ? هذه ضمائر جمع ،
لكن المراد بها التعظيم ،
فالأيدي هنا المراد بها التعظيم تعظيم اليد ،(1/247)
وهناك أيضاً مناسبة لفظية وهي أن أيدي أضيفت إلى ( نا ) الدالة على الجمع ،
فكان جمعها أنسب للمضاف إليه من التثنية ،
ولهذا قال : { بل يداه } ( المائدة 64 ) ولم يقل : ( لما خلقت بيدينا ) ، بل قال : { بيديَّ } ( ص 75 ) .
أما لما أضافها الله عز وجل إلى ضمير الجمع الدال على العظمة فكان المناسب أن يجمعها ليتطابق اللفظان ، ولا يحصل بينهما تناقض ،
وهناك وجه ثالث : لم يرد صيغة الجمع ورود صيغة المثنى ولا المفرد ورود صيغة المثنى ،
المثنى فيه التصريح بأن الخلق كان باليدين ،
والجمع ليس فيه التصريح بأنه بالأيدي ،
الآية الثانية : وهي قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيدٍ } ( الذاريات 47 ) والباني هو الله عز وجل ،
وعلى هذا فيكون لله أيدي كثيرة ؟
والجواب عن هذه الآية سهل جداً :
وهو أن نقول : ( أيد ) هنا ليست جمعاً ،
ومن قال : إنها جمع فهو واهم لا يعرف سياق الكلام ولا يعرف اللغة العربية ،
فـ ( أيد ) ، هنا مصدر ،
وليست اسماً لليد ( أيد ) مصدر فعلها آد يأيد ،، ،
والمصدر أيداً كباع ، يبيع بيعاً ، هي مصدر ( آد ) ،
ومعنى ( آد ) أي قوي فمعنى بأيد أي بقوة [62] ،
فيكون المعنى أن السماوات قوية كما قال تعالى : { وبنينا فوقكم سبعاً شدادا } ( النبأ 12 ) .
ويدل لذلك : أن الله لم يضف الأيد إلى نفسه ،
فإذا قلت : إن ( أيد ) هنا المراد بها يد الله فقد أخطأت خطأ عظيماً وقلت على الله ما لا تعلم ، لأن الله ما أضاف الأيد إليه ،، فكيف يصح منك أن تضيفها إلى الله ؟
فإن قال قائل : نوافقك على أن ما لم يضفه الله إلى نفسه فإننا لا نضيفه إليه ، لكنك نقضت قاعدتك ،
فقلت في قوله تعالى : { يوم يُكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ( القلم 42 ) .
قلت : إن المراد بذلك ساق الله مع أن الله لم يضفه إلى نفسه فكيف تؤصل قاعدة ثم تنقضها ؟(1/248)
الجواب : فأقول : أنا لم أنقض القاعدة وأقول في الآية : { يوم يُكشف عن ساق } :
1. يحتمل أن يراد بذلك ساق الله [63] ،
2. ويحتمل أن يراد بالساق الشدة [64] ،
وقد قال بهذين القولين السلف ،
فليس علي جناح إذا قلت : إن المراد بالساق في قوله تعالى : { يوم يُكشف عن ساق } أن المراد به الشدة ، يعني يوم تتبين الشدة ويكشف عنها حتى تظهر كما يكشف عن الوجه حتى يتبين ،
فإذا قلت بهذا فإنه لا يصح أن تورد علىّ هذه الآية ،
لأنها جارية على القاعدة ،
أنا لم أضف الساق إلى الله لأن الله ما أضافه إلى نفسه ،
بل المراد بالساق هو الشدة ،
ولو ذهبت إلى أن المراد بالساق ساق الله ،
فإنني لم أذهب إلى ذلك إلا بدليل كما هو القول الثاني للسلف في الآية [65] ،
والدليل : حديث أبي سعيد الطويل وفيه : ( أن الله يأتي عز وجل فيكشف عن ساقه فيسجد له كل من كان يسجد لله تعالى في الدنيا ) [66] ،
فإن سياق الحديث يجاري سياق الآية تماماً فتحمل الآية على ما جاء في الحديث ، وتكون إضافتنا الساق لله في الآية بناء على الحديث ،
ومن المعلوم أن الحديث يفسر القرآن ، وبهذا تكون القاعدة مضطردة ليس فيها نقص ،
هل خالف أحد من المسلمين في تفسير اليد بأنها اليد الحقيقية ؟
الجواب : نعم ،
خالف الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل في إثبات اليد الحقيقية ،
وقالوا : ليس لله يد حقيقية ،
ومن أثبت لله يداً حقيقية فقد شبه الله بخلقه فهو كافر ،
لو أثبت اليد الحقيقية لله أثبت أن الله جسم وأثبت أن له أبعاضاً وهذا حرام ،
والله يقول : { فلا تضربوا لله الأمثال } ( النحل 74 ) .
وأنت إذا أثبت يداً حقيقية فقد ضربت له الأمثال ، وقال : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) .
وإذا أثبت له يداً حقيقية كذبت مقتضى هذا الخبر ، وجعلت الله مثيلاً ،
إذن ما المراد بها ؟
الجواب : قالوا : المراد باليد النعمة ،
ألم تسمع إلى قول الشاعر [67] :(1/249)
وكم لظلام الليل عندك من يد ،
تُحَدِّثُ أن المانوية تكذب [68] ،
قوله : ( من يد ) : أي من نعمة ،
وكذلك قال مندوب قريش لأبي بكر رضي الله عنه : ( لولا يد لك عليّ لم أجزك بها لأجبتك ) [69] ، ومعنى ( يد ) أي نعمة ومنة ،
فالمراد بـ ( يد ) : الله نعمته ومنته ،
أو المراد بها : القوة والقدرة ، لأنه يقال : ما لهذا بهذا يد أي طاقة وقدرة ،
ومنه : حديث النواس بن سمعان الطويل في قصة يأجوج ومأجوج أن الله تعالى يوحي إلى عيسى بن مريم : ( أني قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد بقتالهم ) [70] ، أي لا قدرة ولا قوة لأحد بقتالهم ، فالمراد باليد إما القدرة والقوة أو النعمة ، وهذه شواهدها ،
فما الجواب عن هذه الشبهة ؟
الجواب : نقول : الجواب ولله الحمد واضح ،
أما قولكم : ( إن إثبات اليد الحقيقية يستلزم التمثيل ) : فقول باطل بنص القرآن ،
لأن الذي قال : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) .
هو الذي قال : { بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) .
وإذا قلتم : إن إثبات اليدين يستلزم التمثيل لزم أن يكون القرآن يكذب بعضه بعضاً ، وهذا لا تقولون به أنتم ،
ثانيا : أن نقول : إنه لا يلزم من إثبات اليد أن تكون مماثلة ليد المخلوق ،
كما أنكم تثبتون لله ذاتاً ولا ترون من اللازم أن تكون مماثلة لذوات المخلوقين ،
والصفات يُحذى بها حذو الذوات ،
وأنتم الآن نسألكم بالله ألكم أيدي ؟
سيقولون : نعم ، لنا أيدي ،
هل أيديكم تشبه أيدي الفيلة والقردة ؟
سيقولون : لا ،
إذن لا يلزم من إثبات اليد أن تكون مماثلة لأيدي المخلوقين ،
كما لا يلزم من إثبات يدك أنت أن تكون مماثلة ليد الفيل ،
فلا يلزم من اتفاق الشيئين في الاسم أن يتفقا في حقيقة المسمى [71] ،
إذن دعواهم أن إثبات اليد يستلزم التمثيل باطل بالشرع والعقل والحس ،
بالشرع : في القرآن : أثبت الله له اليدين ونفى المماثلة ،(1/250)
بالعقل : كما أثبتم ذاتاً لا تماثل الذوات فيلزم أن تثبتوا صفات لا تماثل الصفات ،
بالحس : المشاهد كما تثبتون لأنفسكم أيدياً حقيقية وللفيل أيدياً حقيقية ولا تتماثل ، هذا دليل حسي واضح ،
وأما دعواكم : أن المراد باليد القدرة أو النعمة فهذا يكذبه النص ، فإن الله تعالى يقول : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ( ص 75 ) وذلك لإبليس ،
إذا جعلنا اليد بمعنى القوة أو القدرة فإنه لا حجة على إبليس بهذا ،
لأنه هو أيضاً مخلوق بالقدرة ،
والله عز وجل ذكر ذلك احتجاجاً عليه ،
وإذا كان الله ذكر ذلك احتجاجاًِ على إبليس دل هذا على أن اليد ليست هي القدرة ،
فإذا قال قائل : هل يد الله عز وجل تماثل أيدي المخلوقين ؟
الجواب : لا ،
لأن لدينا قاعدة ذكرها الله تعالى في كتابه مقرراً بها ونافياً عن مخالفتها ،
وهي قوله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) .
وقال : { فلا تضربوا لله الأمثال } ( النحل 74 ) يعني لا تمثلوا لله بخلقه ،
قوله : ( وكل ما عن نهجه ) : أي طريقه يعني كل ما كان على هذا النحو من صفات الله فإن الواجب أن نؤمن به ونثبته لله عز وجل ، لكن من غير تمثيل ،
بل نقول : إن الله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) .
*****************
48 – وعينه وصفة النزول ،
وخلقه فاحذر من النزول ،
قوله : ( وعينه ) : يعني : ونؤمن أيضاً بما جاء في الدليل من ثبوت العين لله عز وجل ،
والعين لله سبحانه وتعالى البحث فيه من عدة وجوه :
الوجه الأول : هل هي عين حقيقية أو هي كناية عن الرؤية ؟
الجواب : أنها عين حقيقية ،
ودليل ذلك : أن الله أثبتها لنفسه في غير موضع وأثبت الرؤية في غير موضع ،
وإثبات هذا تارة وهذا تارة ، يدل على التغاير بينهما ،
فالرؤية شيء والعين شيء آخر ،(1/251)
فقوله تعالى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } ( التوبة 105 ) هذه رؤية ،
وقوله : { ألم يعلم بأن يرى } ( العلق 14 ) هذه رؤية ،
لكن قوله : { تجري بأعيننا } ( القمر 14 ) ، { ولتصنع على عيني } ( طه 39 ) ليست هي الرؤية بل هي عين مخالفة له أي للرؤية ،
ولهذا نقول : إن العين صفة حقيقية نظير مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء ،
لكننا لا نقول : إن العين بعض من الله أو جزء منه ،
لأن ذلك ممتنع على الله حسب فهم البعض والجزء ،
فإن البعض والجزء : هو ( ما جاز أن ينفصل عن الكل ) [72] ،
وهذا بالنسبة لصفات الله ممتنع ،
البحث الثاني : هل العين تماثل أعين الخلق بحيث يكون فيها بياض وسواد أو سواد وصفراء أو ما أشبه ذلك من أعين الخلق ؟
الجواب : لا ، لا نقول بهذا ،
بل نقول : هذا ممتنع ، لأن الله يقول : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) ،
وإن كان أهل التحريف والتعطيل يشنعون على الذين يثبتون لله العين حقيقة ،
ويقول : إذا أثبتها فلا بد أن تقول : هل هي مستديرة أو مستطيلة ؟ هل هي بيضاء أو سوداء ؟ هل فيها بياض وسواد أم ليس فيها ؟
الجواب : نقول : هذا لا يلزمنا نحن نثبت لله العين ،
ولكن لا نقول : إن لها مثيلاً حتى تلزمونا بذلك ،
وأنتم إذا ألزمتمونا بذلك ألزمناكم أيضاً بذات الله ،
وقلنا : ذات الله هل هو طويل أو قصير أسود أو أبيض سمين أو هزيل أو ما أشبه ذلك ،
فإذا ألزمتمونا بأن نقول في العين ما تدعون ،
إذن نلزمكم بأن تقولوا في الذات مثل ما تقولوا في العين ،
إذن لا نعلم حقيقة هذه العين ولا كيفية هذه العين ،
لكن نعلم أنها حقيقة إلا أنها لا تماثل أي حقيقة من حقائق المخلوقات ،
لأن الله تعالى مباين للخلق غاية المباينة في ذاته وصفاته عز وجل [73] ،
البحث الثالث : هل هي واحدة أو متعددة ؟ وإذا قلنا متعددة فهل هي اثنتان أو أكثر ؟
الجواب : أنها ليست واحدة ، بل أكثر ،
وهي قد جاءت بلفظ الأفراد ،(1/252)
وجاءت بلفظ الجمع ،
ولم تأت في القرآن بلفظ التثنية كما جاء في اليد ،
1. فمن مجيئها بلفظ الإفراد : قوله تعالى لموسى : { وألقيت عليك محبةً مني ولتصنع على عيني } ( طه 39 ) هذه مفرد ،
2. ومن مجيئها بلفظ الجمع : قوله تعالى عن سفينة نوح : { تجري بأعيننا } ( القمر 14 ) .
وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } ( الطور 48 ) .
3. أما مثناة : فلم تأت في القرآن ،
ولكنها جاءت في حديث ذكره ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق [74] ولم يعزه قال : ( إذا قام أحدكم يصلي فإنه بين عيني الرحمن ) [75] ،
ولكن جاءت في السنة بما يدل دلالة واضحة على أن العين اثنتان ، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال : أنه أعور العين اليمنى وأن ربكم ليس بأعور [76] ،
فإن هذا كالنص الصريح على أنها اثنتان ،
ووجهه : أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر علامة فارقة بين الدجال وبين الرب عز وجل ، لأن الدجال أعور العين اليمنى ، والرب ليس بأعور ، ولا عَوَر إلا لذي عينين ، ولو كان لله أكثر من اثنتين لوجب أن يقول : إن له عينان عوراوان وأن لربكم أكثر ،
لأنه لو ثبت أن لله أكثر من عينين لكان الزائد كمالاً وإذا كان كمالاً كان ذكر الكمال الفارق أولى من ذكر النقص الفارق ،
إذن تَعَيَّنَ أن تكون العينان الثابتتان لله اثنتين وهذا واضح جداً ،
يبقى النظر !
أتت العينان بصيغة الجمع : { فإنك بأعيننا } ( الطور 48 ) ، { تجري بأعيننا } ( القمر 14 ) .
فكيف نجمع بين الجمع وبين المثنى ؟
الجواب : نقول : الجمع بينهما سهل ،
هو نظير الجمع بين اليدين الوارد مجيئهما بصيغة التثنية وبصيغة الجمع ، وهو :
أن نقول : إما أن يراد بالجمع ما دون الثلاثة ،
لأن اللغة العربية قد جاءت بالجمع مراداً به ما دون الثلاثة ،
فيكون قوله : { بأعيننا } ، كقوله : ( بعيننا ) ،
لأن أقل الجمع اثنان ،(1/253)
وإما أن يقال : أقل الجمع ثلاثة – كما هو الأكثر – ،
ولكن الجمع هنا لا يراد به مدلوله التعددي ،
وإنما يراد به مدلوله المعنوي وهو التعظيم ،
فيكون الله جمع العينين فقال : { بأعيننا } تعظيماً لهما ،
وأيضاً يضاف إلى التعظيم المناسبة ،
لأن ( نا ) دالة على الجمع في أصل الوضع ،
وإن كان المراد بها هنا التعظيم ،
لكن هي في أصل الوضع للجمع فناسب أن يكون المضاف إليها مجموعاً للتعظيم ،
كما أنها هي الآن في قوله : { بأعيننا } للتعظيم فيتناسب هنا المضاف والمضاف إليه ،
وهذه مناسبة لفظية ،
البحث الرابع : هل الله تعالى يبصر بهما أو بصره بغير العين ؟
الجواب : يبصر بهما
ودليل ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) [77] ،
فإن هذا يدل على أن لله بصراً كما أن قوله : { وهو السميع البصير } ( الشورى 11 ) يدل على ذلك ،
والبصر حسب مقتضى اللغة العربية يكون بالعين ،
ولولا أن الله أثبت له العينين لقلنا : إنه يمكن أن يكون البصر بغير العين كما أن الأرض تحدث أخبارها مع أنها ليس لها أعين ،
على كل حال : الله تعالى يبصر بعينيه كما قال ذلك السلف رحمهم الله في كتبهم ،
فله عينان يبصر بهما لكنه ليس كبصر المخلوق يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء والسوداء في الليلة الظلماء ، يعني لو كانت أخفى ما يكون فإن الله يبصرها ،
أما نحن فبصرنا محدود ولا يمكن أن يكون كبصر الله سبحانه وتعالى ،
إذا قال قائل : قد ورد في تفسير بعض السلف لقوله تعالى : { بأعيننا } قال : تجري بمرأى منا [78] ، فهل يعتبر هذا تحريفاً أم ماذا ؟
الجواب : لا ، ليس هذا تحريفاً ،
لأنهم يقولون : ( تجري بمرأى منا ) مع إقرارهم بالعين ،
نعم لو أن هذا جاء من شخص فسَّر ( بمرأى منا ) وهو ينكر العين ،
لقلنا : هذا تحريفاً ،(1/254)
أما إذا قال : بمرأى منا فإن معنى كلامهم أنها تجري ونحن نراها بأعيننا ،
وكأنهم يريدون بذلك الرد على من زعم بأن ظاهر الآية أن السفينة تجري في نفس العين ، حاشا وكلا !!
وجاء بها مشبهاً على مذهب أهل السنة والجماعة ،
وقال : أنتم يا أهل السنة والجماعة ، تقولون : إننا نجري نصوص الصفات على ظاهرها ، وظاهر الآية أن السفينة في نفس عين الله ،
وهذا لا شك أنه إلزام باطل وأن السلف لا يلتزمون بهذا ،
بل يقولون : إن هذا ليس مدلول اللفظ اللغة العربية ،
يقول الإنسان لآخر : اذهب فأنت في عيني ، يعني أراك ألحظك ولا تغيب عيني ،
ولا أحد يقول : إن الرجل لذا قال لصاحبه : أنت بعيني يعني أنك في نفس العين ،
ولا هذا مقتضى اللغة العربية ،
ثم إن في الآية ما إذا يدل على المنع من ذلك ،
فقوله : { تجري بأعيننا } ( القمر 14 ) والسفينة في الأرض على الماء ،
فكيف تكون إنها تجري في عين الله ؟
لكن هم يتشبثون بكل شيء من أجل التشنيع على أهل السنة ،
ادعى بعض المجادلين قال : إن المراد بالعَور : في حديث الدجال : العيب ،
فنقول له : هذا تحريف لأن لفظ الحديث : ( أعور العين اليمنى ) [79] ، وهذا صريح بأن المراد عور العين لا العور الذي هو العيب العام الذي ينزه الله عنه على سبيل العموم ، وهذا القول تحريف ،
ولكني أتيت به لأبين لك أن أهل التحريف كلهم أصحاب جدل ، لكن من آتاه الله علما وفهماً فإنه يرد جدلهم في نحورهم ،
قوله : ( في صفة النزول ) : يعني : ومن الأمور التي نثبتها لله وهي ثابتة له من غير تمثيل [80] ،(1/255)
صفة النزول : والنزول يعني إلى السماء الدنيا وذلك لأنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو اشتهر اشتهاراً إلى قرب التواتر بأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر [81] ، ينزل نزولاً حقيقياً بذاته إلى السماء الدنيا ، لأن أعلم الخلق به وأفصح الخلق نطقاً وأنصحهم قصداً ، قال : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ ، حتى يطلع الفجر ) [82] ،
وقائل هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجب علينا أن نؤمن بأنه أعلم الناس بالله ،
وأنه أصدق الخلق مقالاً ،
وأنصحهم مقصداً ،
فلا أحد أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق ،
ولا أحد من الخلق أفصح منه بالله ،
هذه أربع صفات كلها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وبها يتم الكلام :
العلم ، والصدق ، والقصد ، والفصاحة ،
1. فالعلم : لا أحد أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
2. الصدق : لا أحد أصدق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
3. القصد : لا أحد من الخلق أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
4. البلاغة : لا أحد من الخلق أفصح ولا أبلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فإذا قال : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ، فيقول : صار المراد نزوله تعالى بذاته ،
وقد صرح أهل السنة بأن المراد : نزوله بذاته ، وصرحوا بكلمة : ( بذاته ) [83] ، مع أننا لا نحتاج إليها ،
وذلك لأن الأصل أن كل فعل أضافه الله إليه فهو إلى ذاته ، هذا هو الأصل ،
لو قلت في المخلوقين : هذا كتاب فلان ، هل المعنى هذا كتاب خادم فلان أو فلان نفسه ؟
لا شك أن المراد فلان نفسه ،
ولو قلت : جاء فلان ، فالمراد جاء هو بنفسه ، لا خادمه ولا رسوله ،
وهكذا كل ما أضافه الله إلى نفسه من فعل أو اسم ، فالمراد إليه ذاته ، لكن على وجه لا نقص فيه ،(1/256)
فمثلاً : نقول : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ،
أضافه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذات الله ( ربنا ) ،
فوجب أن يكون المراد نزوله بذاته ،
وقد أجمع على ذلك الصحابة رضي الله عنهم ، على أن المراد ينزل ربنا بذاته ،
والدليل على إجماعهم : أنه لم يأت عنهم حرف واحد يقولون : إن المراد ينزل شيء آخر غير الله ، وهم يقرؤون هذا الحديث ، فإذا قرأت ولم يرد عنهم أنهم قالوا إن المراد ينزل رحمة من رحمته أو ملك من ملائكته ، عُلم أنهم اثبتوا نزوله بذاته ،
لكن لا حاجة إلى أن يقولوا : ( بذاته ) ،
لم يظهر في زمنهم محرِّفة ،
قالوا : إن المراد ينزل أمره أو رحمته أو ملك من ملائكته ،
حتى يحتاجوا إلى القول (ينزل بذاته ) ،
لكن لما حدث هؤلاء المحرفون احتاج أئمة المسلمين إلى أن يقولوا : ( ينزل بذاته ) ، ولكل داء دواء يناسبه ،
إذن ينزل ربنا عز وجل نزولاً حقيقياً ،
البحث الثاني : هل الذي ينزل هو الله أو رحمة من رحمته أو ملك من ملائكته أو ماذا ؟
الجواب : الذي ينزل هو الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا ) ،
البحث الثالث : هل النزول يستلزم أن تكون السماء تقله وإن السماء الأخرى فوقه ؟
الجواب : لا يلزم ، بل نعلم أنه لا يمكن ،
وذلك لأنه لو أقلته السماء لكان محتاجاً إليها ،
ولو أظلته السماء الثانية لكانت فوقه ،
والله عز وجل له العلو المطلق أزلاً وأبداً ،
إذن فليست السماء تقله ولا السماء الأخرى تظله ،
البحث الرابع : هل إذا نزل إلى السماء الدنيا يخلو منه العرش أو لا يخلو ؟
الجواب : في هذا ثلاثة أقوال لعلماء السنة :
1. فمنهم من قال : إن العرش يخلو منه ،
2. ومنهم من قال : إن العرش لا يخلو منه ،
3. ومنهم من توقف ، [84]
فأما الذين قالوا : إن العرش يخلو منه فقولهم باطل ،(1/257)
لأن الله أثبت أنه استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض ولم ينفِ هذا الاستواء في الحديث ، حين قال : ( ينزل إلى السماء الدنيا ) ، لم ينفه الرسول صلى الله عليه وسلم فوجب إبقاء ما كان على ما كان ، وليس الله عز وجل كالمخلوقات ، إذا شغل حيِّزًا فرق منه الحيّز الآخر ، فالقول هذا باطل لا شك فيه ،
يبقى النظر في القولين الآخرين وهما :
1 - التوقف ،
2 - أو أن نقول : إنه لا يخلو منه العرش ،
فذهبت جماعة من العلماء إلى التوقف ،
وقالوا : ما لنا ولهذا السؤال لا ينبغي أصلاً أن نورد هذا السؤال ، لأننا لسنا أشد حرصاً على العلم بالله من الصحابة ولم يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام ،
فنقول : هذا السؤال من أصله غير وارد ،
ونقول لمن أورده : أنت مبتدع ، دعنا من هذا ،
وأنا عندي أن هذه الطريقة أسلم طريقة ،
فأسلم طريقة أن لا نسأل عن شيء لم يسأل عنه الصحابة ، وأن نلقم من سأل حجراً ،
فإذا قال : أنا أريد المعقول ؟
قلنا : اجعل عقلك في نفسك فكر في نفسك أما غيرك فلا تفكر فيه ولم يأتك خبر عنه ،
والقول الثاني : أنه لا يخلو منه العرش ،
لأنه تعالى ذكر أنه استوى على العرش حين خلق السماوات والأرض ،
ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل خلا منه العرش ،
فالواجب بقاء ما كان على ما كان ،
نقول : استوى على العرش ولم يزل مستوياً عليه ،
ينزل إلى السماء الدنيا في هذا الوقت ،
فالله على كل شيء قدير ،
ولا يقاس بخلقه ،
كما أننا نقول جزماً : إنه إذا نزل إلى السماء الدنيا لم يكن نازلاً على المخلوقات بل هو فوق كل شيء ،
وإن كان نازلاً إلى السماء الدنيا لأن الله لا يقاس بخلقه ،
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن العرش لا يخلو منه [85] ،
ولكن أنا أميل إلى القول الثاني وهو التوقف وألا يورد هذا السؤال أصلاً ،(1/258)
وإذا كان الإمام مالك رحمه الله لما قال له القائل : الرحمن على العرش استوى ، كيف استوى ؟ قال : السؤال عن هذا بدعة ، فإننا نقول السؤال عن هذا بدعة ،
البحث الخامس : استشكل كثير من الناس في عصرنا : كيف ينزل الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ونحن نعلم أن ثلث الليل الآخر لا يزال سارياً على الأرض وتحت السماء فيلزم من ذلك أن يكون النزول إلى السماء الدنيا دائماً ؟
الجواب : أن نقول : ما أسفهك أنت رجل سفيه ألم تؤمن بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ............ حتى يطلع الفجر ) ؟
فإذا قال : بلى ، أقول : قل بهذا ولا تتجاوز ، فما دام ثلث الليل الآخر باقياً في منطقة من المناطق الأرضية فالنزول باقي وحتى طلع الفجر في هذه المنطقة فلا نزول ،
وإن كان في الجهة الأخرى فيه نزول والله على كل شيء قدير ،
ولا يقاس بالخلق ينزل في جهة من الأرض حين يكون ثلث الليل الآخر ولا ينزل بالنسبة للجهة الأخرى ليس فيها ثلث الليل [86] ،
والحقيقة أن الإنسان إذا لزم الأدب مع الله ورسوله اطمئن قلبه واستراح من التقديرات ،
أما إذا كان يفجر المشاكل من مشكلة إلى أخرى فإنه يخشى عليه من الشك – نسأل الله العافية وأن يرزقنا اليقين – يخشى عليه من الشك ،
ولهذا يقول بعض السلف : ( أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام ) ،
لأنهم فجروا هذه المشاكل على أنفسهم وعجزوا عن حلها ،
لكن لو لزموا الأدب وقالوا ما قال الله ورسوله وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله لسلموا من هذا كله ،
وهذا هو الذي تستريح فيه أيها الإنسان أن تلزم الأدب مع الله ورسوله ،
قل ما قال الله ورسوله واسكت عما سكت الله ورسوله ،(1/259)
إذا كنت الآن في المنطقة الشرقية وقد أذّن الفجر والآخر في المنطقة الغربية وهو في آخر الليل نقول الرب عز وجل بالنسبة للذي في المنطقة الغربية هذا وقت نزوله ونقول للآخر : انتهى وقت النزول ونسلم ، وهذا ليس فيه إشكال الذين هم في ثلث الليل يجتهدون في الدعاء ، لأنه وقت إجابة والآخرون انتهى الوقت ، ونسلم من هذا كله ونتشوف كل ليلة إلى ثلث الليل متى يأتي لكي ندعو الله فيه ،
أما هذه الإشكاليات التي تورد فهي في الحقيقة من سفه الإنسان وقلة رشده ومن قلة أدبه مع الله ورسوله ،
وأسلم تسلم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أسلم تسلم ) [87] ،
فنحن نقول : أسلم تسلم أي استسلم للنصوص حتى تسلم ،
البحث السادس : هل النزول من الصفات الفعلية أو من الصفات الذاتية ؟
الجواب : من الصفات الفعلية ، لأنه فعل يتعلق بالمشيئة [88] ،
وكل فعل يتعلق بالمشيئة ، فإنه من الصفات الفعلية ،
قال بعض الناس منكراً لصفات الأفعال : صفات الأفعال لله باطلة ،
ولا يمكن أن نثبت لله فعلاً يتعلق بالمشيئة إطلاقاً ، لا ينزل ولا يجيء يوم القيامة ، ولا يتكلم بكلام محدث ، لا يمكن ،
لماذا ؟
قال : لأن هذا الفعل أو هذا الكلام إن كان صفة كمال وجب أن يتصف الله به دائماً وإن كان صفة نقص فإنه لا يجوز أن يوصف به ،
فيقول : إن الله لا تقوم به الأفعال الاختيارية [89] ،
فنقول لهم : هي صفة كمال في محلها ، والحكمة لا تقتضيها في غير محلها ، فلو جاءت في غير محلها لكانت نقصاً
أرأيت أن ولدك أساء فضربته كان ضربك إياه في هذا الوقت حكمة وكمالاً لكن ضربك له وهو يطيع نقص ،
فنقول : هذه الأفعال الاختيارية هي كما لله في محلها الذي تقتضيه الحكمة وفي غير محلها لا يمكن أن يتصف الله بها ،
لأنها في غير محلها لا تقتضيها الحكمة ،
والله تعالى أفعاله مقرونة بالحكمة ،
وبهذا تزول هذه الشبهة ،(1/260)
واعلموا أن جميع ما يتشبث به أهل الباطل في إبطال الحق فهو شبهات وليس بحجج ،
لقوله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه } ( آل عمران 7 ) وهذا نظير من بعض الوجوه ،
لقول من قال من أهل الفلسفة الدعاء لا فائدة منه ،
قال : إن كان الله قدر لك ذلك فسيحصل بدون دعاء ، وإن كان الله لم يقدره فلن يحصل ولو دعوت إذن لا فائدة منه ، علمه بحالي كفاه عن سؤالي ،
فنرد عليهم بشيء بسيط : نقول : إن الله قدره بهذا الدعاء وجعل له سبباً وهو الدعاء وإلا لقل أنا لن أتزوج إن كان الله قدر لي ولد فسيخرج من الأرض ، وإن كان الله ما قدر لي ولد فلن يخرج ولو أتزوج مائة امرأة ، ولا أحد يقول هذا الكلام إن قاله قلنا أنت مجنون ،
إذن : النزول من صفات الأفعال :
س : هل أحد من أهل القبلة خالف في تفسير النزول على ما قلناه ؟
الجواب : نعم ،
منهم من قال : ( ينزل ربنا ) ، أي تنزل رحمة ربنا ،
ومنهم من قال : ( ينزل ربنا ) ، أي ملك من ملائكته ، لأنهم ينكرون النزول الحقيقي ،
فنقول لهم في الرد عليهم :
1. قولكم هذا مخالف لظاهر النص ، لأن ظاهره أن الذي ينزل الله عز وجل ،
2. ثانياً : مخالف لصريح النص ، في قوله ( فيقول من يدعوني ) ، إذ أن الملك لا يمكن أن يقول للخلق : ( من يدعوني فأستجيب له ) ، لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله ،
ولو أن أحداً قاله من الخلق لقلنا : إنه نزّل منزلة الخالق والملائكة مكرمون عن هذا ، الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، ويتبرءون ممن يدعون غير الله ، كذلك أيضاً إذا قلنا : إنها الرحمة تنزل إلى السماء الدنيا فإننا نقول : هذا غلط ، لأن رحمة الله ليس غايتها السماء الدنيا ، الرحمة تنزل إلى الأرض حتى تبلغ الخلق ، فأي فائدة لنا إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ،(1/261)
ثانياً : الرحمة تنزل كل وقت ، لا تختص بثلث الليل الآخر ، بل هي تنزل كل وقت ، فإذا خصصناها بثلث الليل الآخر معناه بقي الزمن أكثره ليس فيه رحمة ،
ثالثاً : لا يمكن للرحمة أن تقول ( من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ) ،
لأن الرحمة صفة من صفات الله ،
ولو قالت هذا القول لكانت إلهاً مع الله ،
ولهذا لا يصح لنا أن ندعو صفات الله ،
حتى إن من دعا صفات الله فهو مشرك ،
لو قال : يا قدرة الله اغفر لي ، يا مغفرة الله اغفر لي ، يا عزة الله أعزيني ، هذا لا يجوز بل هو شرك ، لأنه جعل الصفة بائنة عن الموصوف مدعوة دعاءً استقلالياً ، وهذا لا يجوز ،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( برحمتك أستغيث ) [90] ، فهذا من باب التوسل يعني أستغيث بك برحمتك ، فالباء هنا للاستغاثة ، والتوسل وليست داخلة على المدعو حتى نقول إن الرسول استغاث برحمة الله ، لكن استغاث بالله ، لأنه رحيم ، هذا هو معنى الحديث الذي يتعين أن يكون معناً له ،
قوله : ( وخلقه ) : يعني : ومما يجب إثباته بالدليل القاطع إثبات الخلق ، والخلق صفة من صفات الله عز وجل الفعلية ، من حيث آحادها وأنواعها ،
أما من حيث الأصل فهي صفة ذاتية ، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال خلاّقاً ،
وقد ثبت هذه الصفة بقوله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ، هو الله الخالق البارئ } ( الحشر 22 - 24 ) .
وقال تعالى : { إن ربك هو الخلاق العليم } ( الحجر 86 ) .
فالخلاّق والخالق يؤخذ منهما صفة الخلق ،
بناءً على القاعدة التي سبقت في هذا الباب :
( وهو أنه كل اسم من أسماء الله فهو متضمن لصفة ، وليست كل صفة متضمنة لاسم ) ،
ولهذا كانت الصفات أوسع من باب الأسماء ،
لأن كل اسم يتضمن صفة ولا عكس ،(1/262)
فالخلق صفة لله ، فهو يخلق ما يشاء إيجاداً وإعداماً ،
كما قال تعالى : { الذي خلق الموت والحياة } ( الملك 2 ) فجعل الموت مخلوقاً مع أن الموت عدم ، لكنه عدم على وجه معين ليس عدماً محضاً إنما هو مفارقة الروح للجسد ، هذا موت لكنه ليس عدماً بل مفارقة تفقد بها الحياة ،
المهم : أن من صفات الله الخلق ، ونص المؤلف عليه ،
لأن الأشاعرة لا يثبتون هذه الصفة لله إنما يثبتها الماتريدية ،
فالماتريدية يقولون : إنهم يثبتون ثماني صفات ،
والأشاعرة يثبتون سبعاً ،
الخلق إذًا صفة ذاتية من حيث الأصل ، صفة فعلية من حيث النوع والآحاد ،
فالله تعالى يخلق ما يشاء بالنوع ، ويخلق ما يشاء بالآحاد ،
فالإنسان مثلاً مخلوق بالنوع ،
وبالآحاد كل إنسان على حده ،
خلق الله للإنسان من حيث هو هذا يعتبر بالآحاد ،
أما من حيث الفعل لله عز وجل الذي هو صفة الخلق :
فإن الله لم يزل ولا يزال خلاّقاً فهو من الصفات الذاتية ،
قوله : ( فاحذر من النزول ) : يعني النزول الخلقي والنزول العلمي والنزول السلوكي ، النزول صفة ذم في كل حال ،
1. النزول الخلقي : ألا تخالق الناس بخلق حسن ، فإن من الناس من قد يرزق علماً وفهماً لكنه لا يخالق الناس بخلق حسن ، تحمله الغيرة وما عنده من العلم على الشراسة والعنف وتضليل الناس ، وربما تصل به الحال إلى تكفيرهم ،
2. كذلك النزول العلمي : أي أنك لا تحرص على العلم ولا تبتغي العلم ولا تطلبه فإن العلم إذا تركته تركك ، بل إذا تهاونت في طلبه فاتك ،
ولهذا قال بعض السلف : لا ينال العلم براحة الجسم ، وقال بعضهم : أعط العلم كلك يعطيك بعضه [91] ، وأعطه بعضك يَفُتْكَ كله ،
ولم ينل العلماء الذين اشتهروا بالإمامة العلم لم ينالوا العلم هذا الذي نالوا به الإمامة إلا بدأب عظيم وتعب على ما هم عليه من شظف العيش [92] وقلة المساعد ،(1/263)
3. وكذلك النزول السلوكي : وهو قريب من النزول الخلقي لكنه يشمل العبادة والتعبد لله عز وجل ، بأن تكون عالي إلهه بالنسبة للعبادة لا تواني ولا تتكاسل ، تتقي الله ما استطعت ،
4. ومن النزول أيضاً النزول الفكري : أن تنزل بفكرك إلى ما يخالف السلف الصالح كما نزل أهل التعطيل وأهل التمثيل ،
فإن أهل التعطيل نزلوا بأفكارهم وانحدروا بها إلى الهاوية ،
وأهل التمثيل كذلك كلّ منهم نزل ،
هؤلاء غلوا في التنزيه ،
وهؤلاء غلوا في الإثبات ،
فتطرفوا جميعاً فنزلوا عن مستوى الحق والصراط المستقيم ،
******************
49 – فسائر الصفات والأفعال ،
قديمة لله ذي الجلال ،
قوله : ( فسائر الصفات والأفعال ) : ( سائر ) : ترد بمعنى ( باقي ) وترد بمعنى ( جميع ) [93] ،
فأما ورودها بمعنى ( باقي ) : فإنها مأخوذة من السئور وهو البقية ،
كما يقال : مثلاً : سئور البهائم طاهر ، يعني بقية شرابها مثلاً ،
وتقول : شربت سئور فلان أي بقية شرابه ،
وعلى هذا فتكون ( سائر ) بمعنى باقي ،
أما سائر بمعنى ( جميع ) : فهي مشتقة من السور لأنه يحيط بالقصر مثلاً،
والمؤلف هنا يتنزل على المعنى الثاني ،
فتكون ( سائر ) بمعنى ( جميع ) ،
سائر الصفات والأفعال قديمة لله وكلامه هذا في إطلاقه نظر ظاهر ،
وذلك أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
إلى خبرية وذاتية وفعلية ،
1. أما الفعلية : فنص عليها المؤلف بقوله : ( والأفعال ) ،
فيبقى قوله : ( الصفات ) شاملاً للخبرية والذاتية ، ونحن نوافقه على أن الصفات الذاتية والصفات الخبرية قديمة لله يعني أزلية لم تزل موجودة وهي كذلك أبدية لا تزال موجودة ،(1/264)
2. الصفات الخبرية : كاليد والوجه الصفات الذاتية كالعلم والقدرة والعزة وما أشبه ذلك هذه أيضاً قديمة لله عز وجل أزلية أبدية ،
أما الصفات الفعلية : التي أشار إليها المؤلف بقوله : ( والأفعال ) فيبقى قوله : ( الصفات ) شاملاً الخبرية والذاتية ونحن نوافقه على أن الصفات الذاتية والصفات الخبرية قديمة لله يعني أزلية لم تزل موجودة وهي كذلك أبدية لا تزال موجودة الصفات الخبرية كالعين واليد والوجه والقدم ، هذه صفات أزلية قديمة وهي أيضاً أبدية ،
3. الصفات الذاتية : كالعلم والقدرة والعزة وما أشبه ذلك ، هذه أيضاً قديمة لله عز وجل أزلية أبدية ،
أما الصفات الفعلية التي أشار المؤلف بقوله : ( والأفعال ) :
فلا يطلق عليها أنها قديمة على سبيل الإجمال ولا أنها حادثة ،
بل في ذلك تفصيل :
فباعتبار الجنس هي قديمة ، فإن الله لم يزل ولا يزال فعالاً لم يأت عليه وقت كان معطلاً عن الفعل ،
وباعتبار النوع والآحاد ليست قديمة ،
واضرب مثلاً للنوع : استواء الله على العرش نوع من أنواع الفعل ، ولا يمكن أن نقول إنه قديم ، لأنه لم يكن إلا بعد خلق العرش ، وخلق العرش حادث ،
فيلزم منه أن الاستواء حادث وأنه ليس بقديم ،
هذا باعتبار النوع باعتبار الآحاد كثير جداً ، فخلق الله لزيد وعمرو وبكر وخالد ، هذا حادث خلقه حين خلقه ، ومن له عشر سنوات فهو قبل أحد عشر سنة لم يكن شيئاً مذكوراً ولا تعلقت به صفة الخلق ،
إذًا : فكلام المؤلف باعتبار قوله ( الصفات ) صحيح باعتبار قسمين من الصفات : وهما الخبرية والذاتية ، والأفعال صحيح باعتبار الجنس وأما أنواعها وآحادها فليست قديمة ،
ومن الصفات الخبرية ما سبق من الأمثلة مع الساق والإصبع وما أشبه ذلك ،
كل ما ورد فيه النص فأثبته على أنه قديم ولا تستوحش من إثباته لا تقل كيف يكون لله كذا ؟ كيف يكون لله كذا ؟(1/265)
لأن الذي تكلم بهذه الصفة إما الله نفسه إذا كانت الصفة ثابتة بالقرآن ، وإما رسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق به ، فلا تستوحش مما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ،
استوحش من تحريف ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله الأفعال كثيرة نوعها وجنسها فالكلام صفة فعل باعتبار آحادها وهو صفة ذات باعتبار أصله ، الكلام ليس له حصر ، ولا يمكن أن يحاط به لأن الله تعالى يقول : { ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } ( لقمان 27 ) أي لو أن الذي في الأرض من الأشجار أقلام أي جعل أقلاماً وكتب به وجعل المداد البحر يمده من بعده سبعة أبحر لنضب الماء وتكسرت الأقلام ولم تنفد كلمات الله ،
إذن لا حصر لها ولا يمكن الإحاطة بها ، والكلام من صفات الأفعال ،
قوله : ( لله ذي الجلال ) : ( ذي ) : صفة لله ، و ( الجلال ) : بمعنى العظمة الكبرياء ،
وقد وصف الله نفسه بأنه ذو الجلال والإكرام ، وأنه مع عظمته وكبريائه ، يُكرمه المؤمنون من عباده ، ويكرم هو من يستحق الإكرام من العباد ،
ولهذا نقول : الإكرام صالحة لصدوره من الله ولصدوره لله ، صدوره من الله يكرم من يستحق الإكرام من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،
ولهذا يقال في الجنة : إنها دار كرامة ،
وهو سبحانه وتعالى مكرم من قبل عباده الخُلَّصْ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،
******************
50 – لكن بلا كيف ولا تمثيل ،
رَغْماً لأهل الزيغ والتعطيل ،
قوله : ( لكن بلا كيف ) : يعني هي قديمة وثابتة لله ، لكن بلا كيف ،(1/266)
والمراد بقوله : ( بلا كيف ) : أي بلا تكييف منالها وليس مراده أنه ليس لها كيفية وذلك أنه ما من شيء ثابت إلا وله كيفية ، فاليد لها كيفية ، الوجه له كيفية ، والعين لها كيفية ، لكن نحن لا نكيِّفها ، فتكييفنا لها حرام بل السؤال عن الكيفية بدعة ،
كما نص على ذلك الإمام مالك رحمه الله ، وأقره أهل العلم عليه [94] ،
فلا نسأل عن الكيفية ولا نكيِّف ،
والتكييف باطل بدلالة السمع ودلالة العقل ،
أما دلالة السمع :
فمنه قوله تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 33 ) .
فالشاهد قوله : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } فإذا كيَّف أحد صفة من صفات الله فقد قال على الله ما لا يعلم ،
لأن الله أخبرك بالصفة ولم يخبرك عن كيفيتها ،
وهذا من الأمور الغيبية التي لا يمكن أن تدرك بالحس ،
ولا يمكن بحسب إضافتها إلى الله أن تدرك بالعقل أيضاً ،
لأنه ليس هناك علة جامعة بين الخالق والمخلوق حتى نقيس ما غاب عنا من صفات الخالق على صفات المخلوق ،
صحيح لو أن شخصاً من الناس قالوا عن وجهه وعن عينه وعن يده لكنت أعرف كيفيتها لأني أرى نظيرها ،
لكن بالنسبة للخالق ليس هناك علة تجمع بينه وبين المخلوق حتى يقاس على المخلوق ويدعي المدعي أنه يعرف الكيفية هذا دليل ،
الدليل الثاني : قول الله تعالى : { ولا تقف ما ليس له به علم } ( لقمان 36 ) ، تقفو : يعني تتبع ما ليس لك به علم [95] ،
ومنه : تكييف صفات الله فإنه لا علم لنا به ،
{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } ( الإسراء 36 ) .
السمع والبصر والفؤاد هذه طرق الإدراك ،
يسأل الإنسان عنه إذا استمع لما لا يعنيه أو نظر إلى ما لا يعنيه أو فكَّر فيما لا يعنيه فإنه سوف يسأل عن ذلك يوم القيامة ،
أما الأدلة العقلية :(1/267)
فإننا نقول : إن الشيء لا يمكن إدراكه إلا بمشاهدته أو مشاهدة نظيره أو الخبر الصادق عنه ،
فكل شيء لا يمكنك إدراكه إلا بواحد من هذه الأمور الثلاثة :
أن تشاهده ، وهذا عين اليقين ،
أو تشاهد نظيره وهذا أدني مرتبة من الأول ، لأن هذا تدركه بالقياس ،
أو تدركه بالخبر الصادق عنه ، لكن ليس الخبر كالمعاينة فهو أدنى من الأول ،
وليس واحد من هذه الطرق الثلاثة حصل بالنسبة لصفات الله عز وجل ،
فنحن لم نشاهد شيئاً من هذه الصفات ، ولو شاهدنا شيئاً منها لم ندركه ،
لأن الله قال : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ( الأنعام 103 ) ، وقال : { ولا يحيطون به علما ) ( طه 110 ) ، فانتفى الأول ، ولم نشاهد نظيرها ، لأن الله يقول : { ليس كمثله شيء } ( الشورى 11 ) إذن لم نشاهد مثيلاً لله عز وجل ، ولم يخبرنا الله ولا رسوله عن كيفية هذه الصفات ، إذن يتعذّر أن نعلم كيفيتها ، لأن وسائل العلم انتفت ، وإذا انتفت الوسيلة انتفت الغاية ، فحينئذ نقول لا يمكن أن نكيّف صفات الله ،
وهل ينبغي أن نسأل عن الكيفية ؟
الجواب : لا ، لا يجوز أن نسأل عن الكيفية ، ومن سأل عن الكيفية نهيناه ،
لأن السؤال عن الكيفية هَلَكَه ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ) [96] ،
والسؤال عن الكيفية من التنطع ، لأنه لو كان لك فائدة في علم الكيفية لبينها الله ورسوله ،
بل نقول : لأن الوصول إلى حقيقة كيفية صفات الله أمر مستحيل لأن الإنسان أقل من أن يحيط بصفات الله ،(1/268)
وانظر إلى موسى عليه السلام حين قال لله : { رب أرني أنظر إليك } ( الأعراف 143 ) ، يطلب النظر إلى الله شوقاً إلى الله عز وجل لا شكاً في وجوده ولكن شوقاً إليه ، { قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } ( الأعراف 143 ) فنظر للجبل فلما تجلى الله عز وجل للجبل جعله دكاً اندك صار رمل فلما رأى موسى هذا المشهد العظيم خر صعقاً وغشي عليه ، وأنت تصور نفسك لو أنك في هذا الحال يغشي عليك من باب أولى ،
لما تجلى ربه للجبل عجز الجبل عن أن يقاوم هذه الرؤية العظيمة وخر صعقاً واندك ، والله عز وجل يقول عن كلامه وهو صفة من صفاته { لو انزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } ( الحشر 21 ) يهبط ويتصدع لكن لا يكون دكاً ، لأن التجلي أعظم من نزول الكلام ، وكل صفات الله عظمى ،
إذن لا يمكننا إدراك كيفية صفات الله وكنهها ، فالسؤال عنه يكون لغواً من القول وتنطعاً في الدين ، ولهذا لما ورد هذا السؤال على الإمام مالك رحمه الله عجز عن تحمله أطرق برأسه وجعل يتصبب عرقاً ،
فالكيفية ثابتة والتكييف ممنوع ولو نفيت الكيفية على الإطلاق لكنت نفيت الوجود ،
وعلى هذا نحمل كلام السلف حيث قالوا في آيات الصفات وأحاديثها : ( أمرّوها كما جاءت بلا كيف ) ، أي بلا تكييف [97] ،
قوله : ( ولا تمثيل ) [98] : يعني : وكذلك ثابتة بلا تمثيل ،
وقد سبق الكلام على نفي التمثيل ،
وبينا أنه ثابت بدلالة السمع والعقل ،
وبينا أن التعبير بقول القائل : ( بلا تمثيل ) أولى من التعبير بقوله ( بلا تشبيه ) ،
وبينا أنه أولى من ثلاثة أوجه ،
قوله : ( رغماً لأهل الزيغ والتعطيل ) : ( رغماً ) : مصدر عامل عمله ، فهو كقولك : شكر لك ، فرغماً بمعنى إرغاما لأهل الزيغ يعني أننا نثبت ذلك مراغمين أهل الزيغ ،
وما معنى الرَّغْم ؟
الرَّغْم معناه : الإذلال والإهانة ، مأخوذ من قولهم : ( رغم أنفه ) ،(1/269)
إذا سقط في الرغام وهو التراب .
ومعلوم أنه من أذل ما يكون أن ينزل أنف الرجل في الرغام [99] ،
وانظر إلى سجود المصلي كيف حصل به الذل لله عز وجل والتطامن والتواضع ،
ولكنه صار سبباً للرفعة ، لما تواضع لله رفعه الله فأقرب ما يكون العبد لله وهو في علاه عز وجل في حال السجود ،
فسبحان الله لما نزل هذا حساً ارتفع معنى فكان أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ،
قوله : ( الزيغ ) : معناه : الميل ، ومن ذلك قولهم : زاغت الشمس أي مالت عن كبد السماء [100] ،
قوله : ( الزيغ ) : معناه الانحراف عن الصراط المستقيم الذي هو صراط الذين أنعم الله عليهم ، فكل من انحرف عن طريقهم فهو زائغ ،
واعلم أن كل زيغة من قلبك تبعدك عن الهدى وتهوي بك في الهوى ، لأن الله قال : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } ( الصف 5 ) كل زيغة لا تظن أنها تذهب هكذا تصرفك ،
والزيغة الثانية كذلك ،
والثالثة : حتى تحيط بقلبك وتحيط بك خطيئتك ،
ألم تسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه ) [101] ،
الزيغة الأولى : لم تؤثر هذا الطبع ،
والثانية : لم تؤثر لكنها أدنته واقربت ،
والثالثة : طبع على قلبه ،
إذن تجب عليك أن تحرص على مسيرك إلى كل زيغة منك تبعدك عن الله عز وجل ،
قوله : ( والتعطيل ) : التعطيل : ( التخلية والترك ) ،
ومنه : كقولكم : عُطلت الدراسة يعني تركت وخلّيت ،
ومنه : قوله تعالى : { وبئرٍ معطلة } ( الحج 45 ) أي متروكة مخلاة [102] ،
أما في الاصطلاح : فالتعطيل : ( تعطيل الله عما يجب له ) وهو مع الله غيره عطلوا الله عما يجب له من العبادة ، لأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده ،
1. وهؤلاء الذين يعبدون مع الله غيره ، عطلوا الله عن التوحيد الخالص ،(1/270)
2. والمنكرون لوجود الرب أيضاً عطلوا وهذا أعظم تعطيل ، يعني : يقولون : لا رب ، وإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع هؤلاء عطلوا وجود الله رأساً ،
3. وتعطيل ثالث : عطلوا أسماء الله وقالوا : إن الله تعالى ليس له أسماء وإنما نسب إليه من الأسماء فإنما هي أسماء لمخلوقاته وليست له ، وهذا تعطيل شديد ،
4. وتعطيل رابع : تعطيل الصفات ، يقولون : إن الله له أسماء لكن ليس له صفات ، لا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة ولا قدرة ، وينكرون أشياء من الصفات هذا أيضاً تعطيل ،
وهذا تحته أنواع :
منهم من يعطل صفات الأفعال فقط ،
ومنهم من يعطل كل صفة ، لا يدل عليها العقل على زعمه ، فيختلفون في هذا ،
فصار التعطيل أنواعاً خمسة :
1. التعطيل المطلق : وهو تعطيل وجود الخالق ،
2. تعطيل ألوهيته : بأن يعبد معه غيره ،
3. تعطيل أسمائه : بأن تنفي عنه الأسماء ، والذي ينفي الأسماء ينفي الصفات من باب أولى ،
4. تعطيل الصفات : فيقولون : إن الله له أسماء وليس له صفات ،
5. تعطيل بعض الصفات ، وهذا يختلف فيه الناس كثيراً :
منهم من يعطل كثيراً ،
ومنهم من يعطل قليلاً ،
كل أنواع التعطيل منفية في قول المؤلف ( رغماً لأهل الزيغ والتعطيل ) ،
والجهمية والمعتزلة :
فالجهمية المقتصدون منهم عطلوا الصفات وأثبتوا الأسماء ،
والغلاة منهم عطلوا الأسماء والصفات [103] ،
والمعتزلة : عطلوا الصفات وأثبتوا الأسماء أسماءً مجردة لا معنى لها ، سميع بلا سمع ، وبصير بلا بصر [104] ،
والأشاعرة : أثبتوا الأسماء وأنكروا الصفات إلا سبعاً ،
وأهل السنة والجماعة : أثبتوا توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ،
وأثبتوا لله الأسماء والصفات كلها بدون قيد وبدون تفصيل ،
لأنهم يقولون : إن الواجب علينا أن نمرها كما جاءت ،
ولهذا قال المؤلف :
******************
51 – فمرّها كما أتت في الذكر ،(1/271)
من غير تأويل وغير نُكْرِ ،
قوله : ( مرّها ) : يعني أقبلها وأمرها بلسانك وبقلبك كما أتت في الذكر ،
يعني في القرآن سواء أتت في القرآن مباشرة أو بالإحالة :
1. مباشرة بأن تكون الأسماء والصفات في القرآن ،
2. أو بالإحالة بأن تكون الأسماء والصفات في السنة لأن ما جاء في السنة فقد أتى في القرآن لكن عن طريق الإحالة { وما أتاكم الرسول فخذوه } ( الحشر 7 ) .
قوله : ( مرها كما أتت في الذكر ) : هذه العبارة ورد معناها عن السلف ،
فقالوا في آيات الصفات وأحاديثها : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) [105] هكذا جاء عن السلف ،
وهذه العبارة تجاذبها طائفتان :
طائفة ادعت أن السلف أرادوا بهذه العبارة التفويض يعني أننا نمر النص ونفوض معناه ،
وتقول : الله أعلم بما أراد فنقرأ { الرحمن على العرش استوى } ( لقمان 27 ) ولكننا لا نعلم ما معنى استوى ؟
نقرأ : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) ، ولا نعلم معنى ( ينزل ) ،
نقرأ : { ويبقى وجه ربك } ( الرحمن 27 ) ولا نعلم معنى الوجه ،
وعلى هذا فقس ،
وادعوا أن هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، وأنه مذهب السلف ،
والغريب ، أن هذه الدعوى تصدر من علماء أجلاء يشهد لهم بالخير لكننا نشهد لهم بالخير ونشهد عليهم بالخطأ في نقل مذهب السلف على هذا الوجه ، ونرى أنهم مخطئون لكن عن غير عمد ، لأن نيتهم حسنة بلا شك ، لكنهم فهموا عن السلف فهماً خاطئاً فليس في معنى آيات الصفات وأحاديثها ، لكنهم من أبعد الناس أن يقولوا فيها ما لا يعلمون ،
لو أننا قلنا : إن مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها هو التفويض الذي أراده هؤلاء لكان أجهل الخلق بالله هم السلف ،
لأن من لا يعرف معنى الصفات كيف يعرف الله ،
الذي لا يعرف ما معنى السميع والبصير والعزيز والحكيم كيف يعرف الله ؟!!!
وهذا اللازم : إنه لازم باطل ،
وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ،(1/272)
ومن ثم أطلق بعض العلماء من هؤلاء القول الآتي :
( طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم )
وهذا القول فيه حق وباطل ، فقولهم : ( أسلم ) صحيح أنه أسلم لكن لا على الوجه الذي أرادوه ، لو كان مذهب السلف هو الوجه الذي أرادوه ما كان أسلم بل كان أثلم لأن مذهبا يقول : أنا أقرأ آيات الصفات وأحاديثها ولا أعرف معناها ، أين السلامة ؟
إذا لم تعرف المعنى وتثبته فأنت غير سالم ، لكن هم قالوا : إن كون الإنسان يقول : والله ما أدري هذه سلامة ،
طريقة الخلف يقولون : إنها أعلم وأحكم ،
أعلم : لأنهم يثبتون معنى وأحكم لأنهم قالوا : من المحال أن ينزل الله علينا كتاباً في أعظم ما نحتاج إليه ثم لا يكون له معنى معلوماً هذا من السفه وقد بينا أن هذه القولة باطلة متناقضة كذب على السلف فيما فهموا من مذهبهم ،
فنرجع إلى كلام المؤلف : قال السلف في آيات الصفات وأحاديثها : ( أمرّوها كما جاءت بلا كيف ) ، هل هذه العبارة تدل على أن السلف يفوِّضون المعنى ؟
لا ، هذه تدل على أن السلف يثبتون المعنى معنى آيات الصفات وأحاديثها ،
تدل على هذا من وجهين :
الوجه الأول : قولهم : ( أمروها كما جاءت ) : ومن المعلوم أنها جاءت ألفاظاً لمعان ، لم تأت ألفاظا لغير معنى كالحروف الهجائية أبداً جاءت ألفاظا لمعاني فإذا مررناها كما جاءت معناه أننا نثبت اللفظ والمعنى ،
الوجه الثاني : قولهم : ( بلا كيف ) : يعني بلا تكييف تدل على ثبوت المعنى .
لأنه لولا ثبوت أصل المعنى ما احتججنا إلى قول : ( بلا كيف ) .
إذ نفي الكيف عن ما ليس بموجود لغو من القول .
فإذا قالوا : ( أمروها كما جاءت بلا تكييف ) : يدل على أنهم أثبتوا المعنى .
ووجه ذلك : أن نفي التكييف يدل على ثبوت أصل المعنى .
لأنه لولا ثبوت أصل المعنى ما احتيج إلى أن نقول : ( بلا تكييف ) .(1/273)
لأن قولنا : ( بلا تكييف ) عن شيء ليس له أصل وليس موجوداً يعتبر لغواً من القول ، وهذا واضح جداً في أن السلف يثبتون لنصوص الصفات معنى ،
ووالله لولا أثبتنا للمعنى ما ذقنا طعم هذه النصوص للصفات وفي الأسماء ،
ولهذا كان دعوى أن السلف لا يثبتون المعنى دعوى باطلة وقدحاً في السلف عظيماً ،
مهما صدر هذا القول أو من أي جهة صدر هذا القول فهو خطأ ،
إذن إذا كان السلف يثبتون المعنى بلا تكييف صاروا أسلم وأعلم وأحكم ، وهذا هو المطلوب ،
******************
52 – ويستحيل الجهل والعجز كما ،
قد استحال الموت حقاً والعمى ،
الاستحالة : معناها : ( التعذر وعدم الإمكان ) ،
1- الجهل على الله عز وجل :
ودليل استحالته أثري ونظري :
أما الأثري : ففي قوله تعالى : { إن الله لا يخفى شيء في الأرض ولا في السماء } ( آل عمران 5 ) .
وقوله تعالى : { لتعلموا أن الله على كل شيءٍ قدير وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علماً } ( الطلاق 12 ) .
وقوله : { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين } ( يونس 61 ) .
والنصوص في أنه يستحيل الجهل على الله كثيرة ، لأن الأخبار على هذا الوجه يدل على عموم إحاطة علم الله عز وجل بكل شيء ، وإذا أحاط بكل شيء استحال الجهل ،
وأما النظري : فلأن الجهل صفة نقص حتى إن الإنسان يعير به فيقال : يا جاهل ، أو يقال : فلان جاهل ، وإذا كان صفة نقص فإنه ينزه عنه الخالق ،
وقد استدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام على أبيه بهذا ، فقال : { يا أبتِ لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ( مريم 42 ) .
إذن هذا وجه استحالته نظرياً ،(1/274)
إذا استحال الجهل فإنه يكون من الصفات السلبية ( المنفية ) وقد سبق أنه لا يوجد في صفات الله صفة سلبية محضة [106] ، بل لا بد أن تكون متضمنة لكمال ضدها ، فإذا استحال الجهل صار كمال العلم واجباً ، ولهذا يجب أن يكون الله متصف بكمال العلم ،
والجهل قد يكون سابقاً للعلم ، وقد يكون لاحقاً ، وكلاهما مستحيل ،
فما كان سابقاً للعلم فهو جهل ، وما كان لاحقاً فهو نسيان ، وكلاهما مستحيل على الرب عز وجل ، قال موسى لفرعون حين قال : { فما بال القرون الأولى } ( طه 52 ) قال موسى : { علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ( طه 52 ) .
الثاني مما يستحيل على الله : ( العجز ) ،
وهذا مستحيل بدلالة السمع ودلالة العقل ،
أما السمع : فقد قال تعالى : { وما كان الله ليعجزه من شيءٌ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً } ( فاطر 44 ) .
ومثل هذا النفي : { وما كان الله لعجزه من شيء } إنما يصاغ ممتنعاً غاية الامتناع ،
كما في قوله تعالى : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ } ( هود 117 ) .
{ وما كان ليعذبهم وأنت فيهم } ( الأنفال 33 ) وما أشبه ذلك ،
وقال تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون } ( العنكبوت 4 ) .
وقال تعالى : { وما أنتم بمعجزين } ( الأنعام 134 ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ،
هذا دليل سمعي على استحالة العجز ،
أما الدليل العقلي : فهو أن العجز صفة نقص والرب تعالى منزه عن النقص ، فيجب أن ينزه عن العجز ،
إذن العجز مستحيل سمعاً وعقلاً ،
إذا استحال العجز تجب القدرة سمعاً وعقلاً ،
أما السمع : فما أكثر الآيات التي يقول الله فيها : { إن الله على كل شيءٍ قدير } ( البقرة 20 ) .(1/275)
أما الدليل العقلي : فنقول : إن الخلق يدل على الخالق وعلى القدرة ، لأنه لا يمكن أن يوجد خلق إلا بقدرة عليه ، فإثبات المخلوقات ووجود المخلوقات دليل على قدرة الخالق عز وجل ، مضار العجز مستحيلاً سمعاً وعقلاً ، وإذا استحال العجز ثبت ضده وهي القدرة ،
قوله : ( كما قد استحال الموت حقاً ) :
3 - أيضاً الموت مستحيل سمعاً وعقلاً :
أما استحالته سمعاً : فقد قال الله تعالى : { كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ( الرحمن 26 - 27 ) .
وقال تعالى : { وتوكل الحي الذي لا يموت } ( الفرقان 58 ) .
بل نفى الله عنه الميتة الصغرى في قوله { لا تأخذه سنة ولا نوم } ( البقرة 255 ) .
النوم هو الميتة الصغرى ،
أما عقلاً : فلأن الموت لا يلحق إلا الناقص – أي ناقص الحياة – لأن الموت لا شك أنه فقد الحياة ، والحياة صفة كمال ، فإذا فقدت زال الكمال ، والله تعالى منزه عن كل نقص ،
قوله : ( حقاً ) : مصدر ، عامله محذوف ، تقديره : ( أُحق ذلك حقاً ) ، يعني : أثبته إثباتاً لا شك فيه ،
قوله : ( والعمى ) : العمى : هو ضد البصر ، والله عز وجل منزه عن العمى وعن العور الذي هو فقد إحدى العينين ،
ودليل ذلك من السمع والعقل :
أما السمع : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) [107] ،
وقال النبي عليه الصلاة والسلام في وصف الدجال : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ،
وأما العقل : فلأن من لا يبصر ناقص ، والنقص منزه عنه الله عز وجل ، ولهذا قال إبراهيم لأبيه : { يا أبتِ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر } ( مريم 42 ) .
******************
53 – فكل نقص قد تعالى الله ،
عنه فيا بشرى لمن والاه ،
كل نقص على سبيل العموم ، فإن الله تعالى قد تعالى عنه ،(1/276)
سواء كانت هذه الصفة نقصاً في ذاتها ، أو كان النقص في كمال اتصف به ،
فمثال الصفة التي هي نقص في كمالها ، كالعمى ، والجهل المطلق ،
مثال النقص في صفة اتصف بها : كالعور ، فالعور ينظر الأعور بعين واحدة وتمشي أموره ، لكن هذه الرؤية ناقصة ،
ولهذا يستدل بعض الناس – بعض أهل القيافة [108] – يستدلون على أن هذه البهيمة عوراء بالرعي برعيها الشجرة ، العوراء إذا وقفت عند الشجرة ترعى من جانب واحد ، لأنها لا ترى الجانب الآخر ، فإذا أقبل على بعير [109] ترعى شجرة ووصل إليها ووجدها قد أكلت من اليمين ، عرف أنها عوراء من اليسار ، كذلك أيضاً يستدل كل إنسان على الأعور ، إذا أتاه من جهة العوراء لا يبصره ، لأنه لا تنظر إلا من جهة واحدة ، فالعور نقص في كمال ،
كذلك أيضاً القوة ، لو كان الله ليس فيه قوة إطلاقاً لكان هذا نقصاً ، فإذا كان فيه قوة ، ولكنه لا يقوي على بعض الأشياء فهذا نقص كمال ،
فالله عز وجل منزه عن الأمرين :
1. منزه عن النقص الذي هو فقد الكمال بالكلية ،
2. وعن النقص الذي هو نقص في كماله ، ومماثلة المخلوقين نقص في كماله ،
لو قال : لله عينان مثل عيني المخلوق ،
لكان هذا نقصاً في كمال ،
لله علم مماثل لعلم المخلوق ،
صار أيضاً نقصاً في كماله ،
فالحاصل : أن الله تعالى منزه عن كل نقص سواء كان نقصاً بحسب الأصل أو نقصاً بحسب الكمال ، فالله تعالى منزه عنه ،
قوله : ( فيا بشرى لمن والاه ) : ( يا ) حرف نداء ، لكن ( بشرى ) منادى وهو غير عاقل ، فكيف يوجه النداء لغير العاقل ؟
اختلف النحويون في هذا :
1 – فقالوا : إذا وجّه النداء لغير العاقل فهو للتمني ، أو يكون المنادى محذوفاً يُقَدَّر بحسب السياق ،
ففي قول الشاعر [110] :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ،
بصبح وما الإصباح منك بأمثل [111] ،(1/277)
وقال الله تعالى : { قال يا ليت قومي يعلمون } ( يس 26 ) ، هذه للتنبيه ،
لأن ( ليت ) حرف لا ينادى فتكون للتنبيه ،
2 – وقال بعضهم : إن المنادى محذوف ، والتقدير : ( يا قوم ) أو يا رب ليت { قومي يعلمون ، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين } ( يس 26 – 27 ) .
قوله : ( فيا بشرى ) : البشرى بمعنى البشارة وهي الخبر السارّ ،
وسمي بشرى لأن البشرة تتغير به ، ولهذا إذا سر الإنسان استنار وجهه ،
كما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم حين مر محرز المدلجي بزيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما رداء قد بدت منه أقدامهما فقال : ( إن هذه الأقدام بعضها من بعض ) ، فسُرّ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى صارت أسارير وجهه تبرق [112] ،
فلذلك كل خبر سار يسمى بشرى ،
وقد تطلق البشرى على الخبر المسيء بجامع التغير في كل منهما ،
كما في قوله تعالى : { فبشرهم بعذابٍ أليم } ( الانشقاق 24 ) .
قوله : ( لمن والاه ) : أي والاه الله أي صار له ولياً ، فيا بشرى لمن كان ولياً لله ، لأن ولي الله قد أمنه الله من كل خوف ، { ألا إن أولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وهم يتقون } ( يونس 62 – 63 ) ، ولي الله عز وجل إذا عاداه أحد فقد حارب الله ،
قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( من عادا لي وليا فقد آذنته بالحرب ) [113] ،
ومن آذنه الله بالحرب فهو مغلوب على كل حال ، لأن الله تعالى عزيز قوي ، لا يغلبه شيء ،
ولهذا نقول : ( يا بشرى ) : في الدنيا والآخرة : ( لمن والاه ) : الله أي صار له وليا بالمعنى الخالص ، لأن الله ولي كل شيء ولكن المعنى الخاص لأهل الإيمان والتقوى ،(1/278)
ثم قال المؤلف منتقلاً عن ذكر الصفات إلى ذكر بعض الأحكام في التقليد ، ومن المعلوم أن إدراك المعلومات قد يكون عن اجتهاد ونظر في الأدلة فهذا ما توصل إليه الإنسان باجتهاده ونظره ، فإنه يجب عليه أن يعمل بمقتضاه لكن بشرط أن يكون من أهل الاجتهاد ذوي العلم ليس من أهل الاجتهاد ذوي الجهل لأن اجتهاد ذوي الجهل خطأ على كل حال حتى لو أصاب فهو مخطئ ، لأن استعمال اجتهاده مع عدم القدرة والأهلية خطأ ،
فلو قال قائل : رجل وجب عليه إعتاق رقبه فقال شخص اذهب إلى السجناء وأخرج واحداً محبوساً بدينه ولو كان دينه عشرة ريالات أوف عشرة ريالات فتعتق رقبة قال لأنك فككته من الأسر الحبس ،
والفقهاء يقولون : إنه يجوز صرف الزكاة في فكاك الأسير [114] ،
هذا الاجتهاد في غير محله ،
شخص آخر أفتى إنساناً أنقذ شخصاً من الغرق قال أنقذته قال : نعم ، قال : هل عليك رقبة كفارة في قتل أو ظهار أو جماع في نهار رمضان فقال : اذهب فك الله أسرك ، لأنك أنقذت هذا من الغرق ، إذن فهذا عتق رقبة ،
هذا الاجتهاد لا يقبل ولا يعتبر اجتهاده لكن المجتهد الذي فيه أهلية الاجتهاد عنده علم وبصر في كلام أهل العلم ،
الأسئلة
السؤال : المآخذ التي تؤخذ على المؤلف ألا تقدح في عقيدته ؟
الجواب : لا ، لا تقدح في عقيدته ،
لأن الأصل أنه من أهل السنة لكن قد يخطئ ويصيب ،
وإلا فالأصل أن العقيدة سليمة ،
السؤال : العرض : ( هو ما قام بغيره ) ، فلماذا لا ننفيه عن الله ؟
الجواب : لأنه ما ورد نفيه ،
لأنه قد يقول العرض هذا اصطلاح عندنا ويكون المعنى الثاني غير هذا ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : بنفسه ليس فيه شك ، قائم بنفسه ،
لكن مع ذلك لماذا نقول ؟
نقول : إن الله غنيٌ عن كل شيء فقط يعني ننفي القول به ،
لكن معناه ننفيه ،
نعم ،
نقول : إنه قائمٌ بنفسه ،
لكن نقول : ليس بعرض ،
ما نتكلف في هذا الثبوت هذا التكلف ،(1/279)
السؤال : إذا وجدنا شخصاً يعني يخوض يتكلم في الجوهر والجسم والعرض فهل ننهاه أو نقول ماذا تريد بالجسم والعرض ؟
الجواب : نقول له أولاً : يجب عليك الإعراض عن هذا وعدم الخوض فيه ،
فإن أصر إن يتكلم تكلمنا معه يعني ما نتركه ،
ولهذا بعض الناس يقول : لماذا يتكلم أهل السنة في هذه الأمور ؟
فنقول : مكره أخاك لا بطل ،
إذا تكلم فيها أهل البدع ما يمكن أن نتركهم في الميدان يرتعون كما يشاءون ،
لا بد أن ننزل معهم في الميدان ونتكلم ،
السؤال : أحياناً الإنسان يكيف بعض صفات الله سبحانه وتعالى ( كلمة غير واضحة ) أو العرش في ذهنه ويذهب به ذهنه كل مذهب لا يستطيع أن يحدد شيء معين ؟
الجواب : لا تحدد ،
أن تؤمن بأن لله يداً وله وجه ،
ولكن لا تدري عن هذا الوجه وكيفيته ،
كل ما تصورت وقدَّرت بذهنك فهو كذب وكل ما تصورت وقدَّرت بذهنك فالله أعظم ،
ولهذا ما يمكن التكييف أبداً ،
السؤال : يكثر هذا في الذهن ؟
الجواب : لا ، يجب أن تطرد نفسك عنه ،
لا يمكن أبداً أي شيء أي كيفية فاعلم أنها كذب ،
لأنك لم تقدر الكيفية إلا مقرونةً بمماثل ،
وهذا لا يمكن ،
السؤال : حاول أحدهم عندما كان يتكلم عن ساق الله تعالى ولما تكلم دفع بساقه في قوله صلى الله عليه وسلم : ( عندما يضع رب العزة ساقه في النار ) [115] ،،،، ؟
الجواب : ( رجله وقدمه ) ،
السؤال : نعم يعني مثَّل بساقه فدفع بساقه فأنكر أحدهم وقال ،،،،، ؟
الجواب ( الشيخ ممازحاً ) : ما بترها أحدهم ؟ ( فضحك الطلبة ) ،
السؤال : حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كلمة غير واضحة ) السماوات والأرض ( كلمة غير واضحة ) بيده ) ؟
الجواب : هذا لكيفية الهز ،
لا كيفية ساق الله ،
وهذا أيضاً ورد به النص ،
لكن ما لم يَرِد به النص ما يجوز أن تتكلم به ،
أنت لو قال واحد مثلاً : ( يضع رجله عليه ) ومد رجله على الكرسي وضغط على شيءٍ تحته ،(1/280)
نقول : حرام عليك من قال لك أن هذه الكيفية ؟
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا تحقيقاً للهز وأنه حسي وليس معنوي ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : آحاد لأنه يتجدد سمي آحاد مثلاً في الشهر ثلاثين ليلة كم يكون النزول ؟ ثلاثين مرة لكن نوع النزول هذا نوع ،
السؤال : اصطلاح ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : هذا مقتضى اللغة العربية أن الفعل له جنس ونوع وآحاد ،
الآن فعلك أنت يا الإنسان ( مشي ) و ( بطش ) ،
المشي والبطش كلاهما فعل هذا جنس ،
كون هذا بطش باليد وهذا مشي بالرجل هذا نوع ،
كونك تمسك شيء الآن تبطش به أو تمشي اليوم وغداً ،
كذلك هذا يسمى آحاد ،
السؤال : ( جملة غير واضحة ) صفات الله عز وجل فما تفسير حديث الصحابة ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : هذا ما يلقيه الشيطان في قلب الإنسان من الوسوسة ،
ومنه ما أخبر به الرسول قال : ( لا يزال الناس يتحدثون ، يقولون : من خلق كذا من خلق كذا حتى يقولوا من خلق الله ) [116] ، من هذا الجنس هذا يجب الإعراض عنه ،
السؤال : ( جملة غير واضحة ) يعني الجوهر مثلاً والجسم يقول أنه لو أراد كذا فالمعنى صحيح ولو أراد كذا فالمعنى خطأ والحد كذلك لكن السلف اختلفوا في إثباته فمنهم من أثبت الحد ولم يثبتوا الجسم إطلاقاً ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : الظاهر أن هذه المسألة قضية عين وقتية أحياناً ،
حتى بعض السلف أنكر أن تقول : أن الله استوى على العرش بذاته أو أن الله ينزل بذاته ،
لكن الذين قالوها اضطروا في ذلك الوقت إلى أن يقولوا هذا ،
فمثلاً الذين قالوا : إنه بحد ،
لعلهم يخاطبون قوماً يقولون : إن الله داخل العالم ،
وكذلك الذين قالوا : إنه بغير حد ،
لعلهم يخاطبون قوماً يمثلون ،
السؤال : ورد أثر عن ابن خزيمة في كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب أن العرش يئط من الرحمن أطيط الرحل [117] ، فماذا يعني هذا ؟(1/281)
الجواب : هذا إذا صح ، الحديث فيه مقال ، لكن إذا صح فهو تمثيل لعظمة الله عز وجل ولا يمكن أن نقول إنه يقل الله على وجهٍ يحتاج إليه هذا شيء مستحيل ،
السؤال : قوله تعالى : { وكان الله عليماً حكيما } ( النساء 104 ) ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : نعم ،
يقولون : الحكيم ليس معناه : ( المتصف بالحكمة ) ،
لكن الحكيم : ( الذي أحكم الشيء ) ،
يعني جعله متقناً سواءٌ وافق الحكمة أو لم يوافقها ،
مع العلم بأن الله قال : { حكمةٌ بالغة } ( القمر 5 ) .
السؤال : قوله تعالى : { ويبقى وجه ربك } ( الرحمن 27 ) ، هنا خصص الوجه مع أنه يبقى الوجه واليد والساق ،،،،، ؟
الجواب : سيبقى كل الله ،
كل الله عز وجل ،
لكن القرآن بالأسلوب العربي ،
والغالب في صفات الثناء أن تضاف إلى الوجه ،
لهذا صفة البقاء لا شك أنها صفة ثناء ،
فأضيفت إلى وجه الله ،
السؤال : بعض العامة يقول : ( يا وجه الله ) هل هذا صحيح ؟
الجواب : ليس فيه بأس ،
السؤال : المناداة بالصفة أو بالوجه ؟
الجواب : لا ،
هم يريدون ( يا وجه الله ) يتوسلون إلى الله تعالى بصفة من صفاته ،
ليس يريدون الوجه على أنه منفصل عن الله ،
لا يريدون هذا إطلاقاً ،
لو تسأل العامي لقال : ما أردت هذا ،
لكن يقول : ( يا وجه الله ) ، يعني أنني أتوسل إلى الله تعالى بوجهه ،
مثل : قوله : ( برحمتك أستغيث ) الاستغاثة بالله ،
لكن هذا من باب التوسل بالرحمة ،
السؤال : القول الأول بالنسبة لحديث : ( خلق آدم على صورته ) أنه ما خلقه على صورته التي خلقه عليها وإنما أضيف إليه إضافة تشريف هل هذا من أقوال أهل السنة ؟
الجواب : لا ، لا ، لا ، ليس على صورة آدم ،
لا نقول : خلق آدم على صورة آدم ،
هذا شيء معلوم ،
نقول : خلق آدم على صورة الرحمن ،
فالضمير يعود على الرحمن على كل حال ،
أما الذين قالوا : إن الضمير يعود على آدم ،
فهذا يبقي الكلام لغواً ،
كل شيء مخلوق على صورته ،(1/282)
حتى الكلب خلقه الله على صورته ،
لكن معنى : ( على صورة الرحمن ) ،
لكن لماذا أضيفت الصورة إلى الرحمن ؟
لأنه خلقها واعتنى بها عز وجل وجعلها صورةً أحسن صور المخلوقات ،
السؤال : أقل الجمع واحد ،،،،،، ؟
الجواب : أقل الجمع واحد ما قال به أحد ،
السؤال : ( غير واضح ) ؟
الجواب : أولاً هذا غير مسلَّم ،
يعني من قال : أن الطائفة التي تشهد جلد الزاني واحد تكفي ،
لا نسلم له ،
ونقول : إن هذا خلاف ظاهر القرآن ،
فلا نسلم ،
السؤال : ذكرنا يا شيخ أن المجاز يُنفى من اللغة بسبب أن واضعه أراد نفي الصفات أو آيات وأحاديث الصفات ، فالذي وضع المجاز معروف أنه من أهل اللغة ما لهم صنعة في آيات وأحاديث الصفات يعني ما يتبين مقصدهم ؟
الجواب : أولاًَ : أن أئمة اللغة الذين تكلموا في المجاز ،
فسر شيخ الإسلام رحمه الله معنى المجاز ،
يعني أنه جائز في اللغة وسائغ ،
مأخوذة من جاز الطريق إذا نفذ فيه ،
فإذا قالوا : من مجاز اللغة ،
ليس المجاز الذي اصطلح عليه المتأخرون ،
ولهذا ما ظهر تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز إلا في القرن الثالث ،
يعني بعد أن مضى من الأمة الإسلامية مائتا سنة ،
فالذين تكلموا في المائتين من الأئمة أئمة اللغة يريدون بالمجاز أن هذا مما تجيزه اللغة فقط ،
يعني مثل قولنا هذا واسع هذا سائغ وما أشبه ذلك ،
السؤال : والذين هل يقصدون هذا القصد … ؟
الجواب : والله ربما يعني على كل حال يعني كلام ابن القيم وغيره ،
لما قالوا : أن هذا من أجل حمل آيات الصفات على غير الحقيقة ،
يعني أنهم توصلوا إلى هذه الحجة بتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز ،
وإن كان قد يكون أول من أسس هذا القول بالحقيقة والمجاز ،
قد لا يكون خطر على باله مسألة الصفات ،
لا ندري ينظر ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : هذا بسيط ، نحن نقول : لا نثبت يداً تماثل ، نثبت يد لا تماثل ، ولا نقول هي سوداء أو بيضاء ، هذا حرام ،(1/283)
السؤال : وإذا أخذنا من اللفظ هذا معنى الالتزام ؟
الجواب : أصله : لا يلزم لظهور الفرق بين الخالق والمخلوق ،
الالتزام لو كان هناك مناسبة بين الخالق والمخلوق ،
إذا قلت مثلاً : فلان له يد ،
وفلان من البشر أعرف أن يد الرجل هذا مثل يد الرجل الآخر ،
لأن الجنس واحد ،
لكن إذا اختلف الجنس ،
أما إذا قال : فلان له يد ،
لا يمكن أن أتصور أن يده كيد الفيل أو يد الذرة ما أتصور ،
فإذا قلنا : لله يدٌ حقيقية لا يمكن أن نتصور أنها مثل أيدينا ،
السؤال : لكن هذا عند علمائنا معلوم لا تقولون بالحقيقة ؟
الجواب : أعوذ بالله ،
السؤال : حتى لا يثبتون الجسم ؟
الجواب : الجهلاء اتركهم فقط دعهم على عقيدتهم ،
لو تأتي بامرأة عجوز عامية لا تعرف إلا الشمس والقمر ،
لكانت تقرأ القرآن وتأخذه على ظاهره ولا تعرف هذا التأويل ،
نحن نقول : لا تفتح هذا الباب للعامة إطلاقاً ،
ولهذا ينبغي لطالب العلم ،
وانتبهوا لهذا أن مسائل الصفات لا يبحث فيها عند العامة ،
كما قال علي بن أبي طالب : حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله [118] ،
وقال ابن مسعود : إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة [119] ،
تأتي العامي مثلاً تريد تتحدث عن شيء من الصفات ولا سيما الصفات الخبرية ،
سوف يأخذ بالتمثيل على طول ،
يعني حتى بما وردت به السنة ،
لما قال الرسول : ( يقبض السماوات بيمينه ويهزها ) [120] وهز يده عند العامي أرى ألا تفعل ،
لأن العامي ماذا يتصور ؟
على طول يريد أن يتصور أن يد الله عز وجل مثل يد الإنسان ،
فالمسائل التي يخشى منها مفسدة أكبر من المصلحة ،
مع أن المصلحة سوف تتحقق بدون هذا ،
السؤال : الدليل يا شيخ في حديث : ( استوت على الجودي ) [121] ، هذا دليل على ،،،،، ؟
الجواب : نعم هذا ليس فيه شك لكن الملبس يتشبث بكل شيء ،
السؤال : ( السؤال غير واضح ) ؟
الجواب : هذا خطأ ،
هذا تحريف لا شك ،(1/284)
لكن ( بمرأىً منا ) أحسن منه ،
السؤال : الحديث ( لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ) [122] ، هذا الحديث قد يستدل به على أن نظر الله يحد بمكان والله سبحانه وتعالى ؟
الجواب : لا ،
إذا قال : ( ما انتهى إليه بصره من خلقه ) وبصره محيط بكل شيء ،
لأن جميع المخلوقات محدودة ، المخلوقات يعني المبصرة محدودة ،
السؤال : البعض من الإخوان يقولون إن تقسيمات شيخ الإسلام ابن تيمية في توحيد صفات الرب سبحانه وتعالى ( كلمة غير واضحة ) إشكال ( جملة غير واضحة ) ؟
الجواب : والله الذي في دوامة يصب عليه رصاص ويثبت ،
سبحان الله ،
هؤلاء أنا أشك في صدقهم في صدق نيتهم ، نعم ،
أنا أشك في صدق نيتهم ،
هل جاء في الشرع شروط الصلاة كذا وأركان الصلاة كذا وواجبات الصلاة كذا وشروط الحج كذا وواجباته كذا ؟
هذا ما جاء في السنة ،
لكن علم هذا بالتتبع ،
كذلك صفات الله عز وجل بالتتبع ، وجدناها لا تخرج عن هذا ،
التوحيد بالتتبع وجدناه لا يخرج عن ثلاثة أقسام ،
يعني الشارع كما تعرفون ليس بمصنف ،
الشارع يطلق الشرع أحياناً يكون فيه تقسيم ،
وأحياناً لا يكون فيه تقسيم ،
حتى في الأمور الكونية :
أحياناً تأتي مطلقة ،
وأحياناً تأتي مقسمة : { فمنهم شقيٌّ وسعيد } ( هود 105 ) ، { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ( لقمان 27 ) .
وأحياناً لا تأتي مقسمة ،
فإذا كان هذا التقسيم يؤدي إلى إبطال شيءٍ من النصوص رددناه على قائله ،
وإذا كان يحصر لنا النصوص ويضبطها لنا فهذا خير ، هذا خير ولا مانع منه ،
أما لو يريد أن يرد النصوص ،
مثل : تقسيم بعض الأشاعرة الآن الصفات إلى أربعين صفة وهذه صفة معنى وهذه صفة كذا ،
ويتضمن هذا التقسيم إبطال هذه الصفات فهذا نرده ،
لكن هذا التقسيم الذي قسمه شيخ الإسلام وغيره ليس شيء يبطل ما جاءت به النصوص ،
إنما هو حصر للمعاني حتى لا تتشتت على طالب العلم ،
السؤال : يا شيخ هل سبق إلى هذا التقسيم ؟(1/285)
الجواب : لا أدري هل سبق أو لم يسبق ،
لأني ما تتبعت هذا ،
وأنا طريقتي الشيء الذي أقتنع به لا أبحث طلباً لخلافه أو أحد قال به أو ما قال به ،
ما دام الإنسان مقتنع بدلالة الكتاب والسنة في الشيء ،
لا حاجة أن يطلب البحث ،
قال أحد الطلبة : كما أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يسأل عن صفات الله إلا ما سأل عنه السلف ،
لأنه أحياناً تعرف الطالب يقول بها بعض الناس ولا يعلم هل قال بها السلف أو لم يقولوا بها ،
قال الشيخ رحمه الله تعالى : أصله إذا عرضت لك صفة وأنت لا تدري هل ثبتت بالكتاب والسنة أو لا فلا تثبتها إطلاقاً ،
السائل : لكن أقصد السؤال عنها ؟
الجواب : لا بأس أن تسأل عنها عالم هل ثبتت في السنة فلا بأس ، هذا غير ،
يعني واحد مثلاً انقدح في ذهنه صفةٌ من صفات الله ،
ولا يدري هل جاءت بالكتاب والسنة أو لا ،
فهو أولاً من جهة العقيدة لا يعتقدها ،
لأن الأصل أن الصفات توقيفية ،
وهو لم يكلف ما لا علم له به فيجب أن يكف عنها ،
ولا مانع من أن يسأل عالماً يظن أن عنده علماً منها ،
لا مانع هذا سؤال عن علم ،
جاهل يريد أن يسأل ،
لكن كوننا نتعمق ونتنطع في صفةٍ جاءت مطلقة عن الشرع ،
نذهب ننقب وننقش هذا هو الذي كرهه السلف ،
السؤال : الإيمان بالأسماء والصفات هو التصديق ؟
الجواب : هو التصديق ، التصديق والإيمان سواء ،
السؤال : التصديق بالأسماء والصفات التي أثبتها الله لنفسه أو جاءت بها السنة ألا يكلف الله بها أكثر من ذلك أي التصديق ؟
الجواب : أبداً لا يكلف أكثر من ذلك ،
لا يكلف أكثر من هذا خصوصاً في مسألة الصفات ،
لأن مسألة الصفات أمور غيبية ليس للعقل فيها مدخل ،
فلا يمكن للإنسان أن يقيس ،
فإذا كان ليس هناك مدخل للعقل فقف عليها ،
فصل
في إيمان المقلد [123]
54 – وكل ما يُطْلَبُ فيه الجزم ،(1/286)
فَمَنْعُ تقليد بذاك حتم ،
كل شيء يطلب فيه الجزم يجب أن يجتهد الإنسان فيه كل شيء يطلب فيه الجزم فإنك لا تقلد فيه يجب أن تعرف الحكم من الكتاب والسنة ،
وعلى هذا فالعوام الآن الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ، لو قالوا : نحن لا نعرف ، لكن نسمع علماؤنا يقولون هكذا فآمنا ،
نقول على كلام المؤلف : أن إيمانهم ليس بصحيح ،
لأن الذي يطلب فيه الجزم لا بد أن يكون عن اجتهاد ولا يصح أن يكون عن تقليد ،
لكن هذا القول ضعيف جداً ،
ولهذا قال :
وقيل : يكفي الجزم إجماعاً بما ،
يطلب فيه عند بعض العلما ،
يعني : قال بعض العلماء : بل يصح التقليد فيما يطلب فيه الجزم وهذا القول هو الراجح ،
المسائل العملية يجوز فيها التقليد بالاتفاق [124] ، كالوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك ، فهذه يجوز فيها التقليد بالاتفاق ، ولا يمكن أن يلزم الإنسان الناس بالاجتهاد ، لأن الاجتهاد في هذا صعب ، والعامة لا يمكن أن يقرؤوا كتب الفقه ،
أما مسائل العقيدة التي يجب على الإنسان فيها الجزم :
فقد اختلف العلماء : هل يجوز فيها التقليد أو لا بد من الوقوف على الدليل ؟
ولا شك أن الوقوف على الدليل أولى حتى في المسائل العملية ،
لأن الإنسان إذا بني عقيدته أو عمله على الدليل استراح وصار يعلم الآن أنه يمشي في طريق صحيح ،
لكن إذا لم يمكن فهل يكفي التقليد أو لا يكفي ؟
في هذا خلاف بين أهل العلم :
1. فمنهم من قال : إنه يكفي [125] ،
2. ومنهم من قال : إنه لا يكفي [126] ،
ولكن الحقيقة أنه لا يمكن أن نقول : إن جميع مسائل العقيدة يجب فيها اليقين ،
لأن من مسائل العقيدة ما اختلف فيه العلماء ،
وما كان مختلفاً فيه بين أهل العلم فليس يقينياً ، لأن اليقين لا يمكن نفيه أبداً ،
فمثلاً اختلف العلماء في عذاب القبر هل هو على البدن أو على الروح ؟(1/287)
واختلف العلماء في الذي يوزن هل هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل ؟
واختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الدنيا ؟
واختلف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه هل رآه بعينه – يعني في الحياة – أو رآه بقلبه ؟ [127]
واختلف العلماء في النار هل هي مؤبدة أو مؤمدة ؟
وكل هذه من العقائد ، والقول : بأن ( العقيدة ليس فيها خلاف على الإطلاق ) غير صحيح ،
فيه من مسائل العقيدة ما يعمل فيه الإنسان بالظن ،
مثلاً : في قوله تعالى : ( من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ) [128] ، لا يجزم الإنسان بأن المراد القرب الحسي ، فإن الإنسان لا شك ينقدح في ذهنه أن المراد بذلك القرب المعنوي ،
( من أتاني يمشي أتيته هرولة ) ، هذا أيضاً لا يجزم الإنسان بأن الله يمشي مشياً حقيقياً هرولة ، ينقدح في ذهنه أن المراد الإسراع في إثابته وأن الله تعالى إلى الإثابة أسرع من الإنسان إلى العمل ،
ولهذا اختلف علماء أهل السنة في هذه المسألة هل هو هذا أو هذا ؟
فأنت إذا قلت هذا أو هذا لست تتيقنه كما تتيقن نزول الله عز وجل الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) [129] هذا لا يشك فيه الإنسان أنه نزول حقيقي ،
وكما في قوله : { استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) ، لا يشك الإنسان أنه استواء حقيقي ،
فالحاصل : أن مسائل العقيدة ليست كلها مما لا بد فيه من اليقين ،
لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه ،
قد يكون هذان الدليلان متجاذبين عند شخص ، ولكن عند شخص آخر ليس بينهما تجاذب إطلاقاً وقد اتضح عنده أن هذا له وجه وهذا له وجه ،
فمثل هذا الأخير ليس عنده إشكال في المسألة بل عنده يقين ، والأول يكون عنده إشكال ،
وإذا رجّح أحد الطرفين فإنما يرجحه بغلبة الظن ،(1/288)
لهذا لا يمكن أن نقول : إن جميع مسائل العقيدة مما يتعين فيه الجزم ، ومما لا خلاف فيه ،
لأن الواقع خلاف ذلك ، ففي مسائل العقيدة ما فيه خلاف ،
وفي مسائل العقيدة ما لا يستطيع الإنسان أن يجزم به ، لكن يترجح عنده ،
إذًا هذه الكلمة التي نسمعها بأن ( مسائل العقيدة لا خلاف فيها ) هذه ليست على إطلاقها ،
لأن الواقع يخالف ذلك ، كذلك مسألة العقيدة بحسب اعتقاد الإنسان ليس كل مسائل العقيدة مما يجزم فيه الإنسان جزماً لا احتمال فيه في بعض المسائل حديث أو آيات قد يشك الإنسان فيها ،
فمثلاً : { يوم يُكشف عن ساقٍ } ( القلم 42 ) .
هذه من مسائل العقيدة وقد اختلف فيها السلف :
هل المراد ساقه عز وجل أو المراد الشدة [130] ؟
وعلى هذا فقس ،،،
نرجع الآن إلى كلام المؤلف :
فقوله : ( كل ما يطلب فيه الجزم ) : يريد بذلك مسائل العقيدة وغيرها ،
كل شيء يطلب فيه الجزم ،
قوله : ( فمنع تقليد بذاك حتم ) : مما يجب فيه الجزم أن نجزم بأن الصلوات الخمس مفروضة ،
ولهذا لو أنكر الإنسان فرضية الصلوات الخمس كفر ، يجب أن نجزم بأنها مفروضة وأن الزكاة مفروضة وأن الصيام مفروض وأن الحج مفروض وجوباً ،
******************
55 – لأنه لا يُكتفى بالظن ،
لذي الحجا في قول أهل الفن ،
ثم علل المؤلف فقال : ( لأنه لا يكتفي بالظن ) : لأن التقليد ظن ،
ولهذا تقول للمقلِّد : هل تجزم بهذا ؟ قال لك : يقوله فلان ،
إذن ليس عنده جزم ،
التقليد يفيد الظن ولو حسن ظن المقلد بالمقلد ما قلده ،
إذن نقول :كل شيء يطلب فيه الجزم فلا تقلد فيه ، لأن هذا ينافي المطلوب ،
فالمطلوب الجزم ، والتقليد يفيد الظن فلا يجوز أن نقلد ،
******************
56 – وقيل : يكفي الجزم إجماعا بما ،
يُطْلَبُ فيه عند بعض العلما ،(1/289)
يعني : قول ثاني : أنه يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم ولو عن طريق التقليد ،
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، هذا مما يجب فيه الجزم ،
ولكن هل العامي يدرك ذلك بدليله ؟
الجواب : لا يدرك ذلك بدليله ،
ومع ذلك نصحح إيمانه ، ونقول : هو مؤمن وإن كان لا يدرك ذلك بدليله ،
قوله : ( يكفي الجزم إجماعاً بما يطلب فيه ) : يعني يكفي الجزم بما يطلب فيه الجزم بالإجماع ،
وقال هذا بعض العلماء ولهذا قال : ( عند بعض العلماء ) ، وهذا القول هو الصحيح ،
والدليل على ذلك :
1 - أن الله أحال على سؤال أهل العلم في مسألة من مسائل الدين التي يجب فيها الجزم ، فقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ( النحل 43 ) ونسألهم لنأخذ بقولهم ،
ومعلوم أن الإيمان بأن الرسل رجال من العقيدة ومع ذلك أحالنا الله فيه إلى أهل العلم ،
2 - وقال تعالى : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك } ( يونس 94 ) ، ويسألهم ليرجع إليهم ،
وإذا كان الخطاب هذا للرسول ولم يشك فنحن إذا شككنا في شيء من أمور الدين نرجع إلى الذين يقرؤون الكتاب إلى أهل العلم لنأخذ بما يقولون ،
إذن هذا عام يشمل مسائل العقيدة ،
3 - ثالثاً : أننا لو ألزمنا العامي بمنع التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد لألزمناه بما لا يطيق ،
وقد قال تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ( البقرة 286 ) .
وقال : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ، ولا نكلف نفساً إلا وسعها } ( المؤمنون 61 – 62 ) .
فالصواب المجزوم به القول الثاني : أن ما يطلب فيه الجزم يكتفي فيه بالجزم سواء عن طريق الدليل أو عن طريق التقليد ،
******************
57 – فالجازمون من عوام البشر ،
فمسلمون عند أهل الأثر ،(1/290)
قوله : ( فالجازمون من عوام البشر ) : يعني الذين يجزمون من العوام ليس عندهم علم ، عوام !!! ،
قوله : ( فمسلمون ) : وإنْ كانوا لم يأخذوا ما يطلب فيه الجزم عن طريق الاجتهاد ،
قوله : ( عند أهل الأثر ) : وكفى بهم قدوة أهل الأثر ،
إذا كان أهل الأثر يرون أنه يجوز التقليد فيما يطلب فيه الجزم - والمقصود أن يحصل الجزم سواءاً عن طريق التقليد أو عن طريق الاجتهاد إذا كان هذا ما يراه أهل الأثر - فهو الذي نراه نحن فهو الصحيح ،
بقي في كلام المؤلف رحمه الله إشكال :
قوله : ( فمسلمون ) : إعراب ( مسلمون ) : خبر لقوله : ( فالجازمون ) ،
ودخلت الفاء في الخبر ،
لأن ( الجازمون ) فيه ( أل ) الموصولة ،
والموصول يشبه الشرط في العموم ،
فيجوز أنْ تدخل الفاء في الخبر إذا كان المبتدأ اسماً موصولاً ،
ومنه : قوله ( الذي يأتيني فله درهم ) ،
ودليل ذلك في القرآن : { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم } ( البقرة 274 ) .
فهنا جاءت الفاء في خبر المبتدأ الموصول لأنه يشبه الشرط في العموم ،
الباب الثاني
في الأفعال المخلوقة
الأَوْلى أنْ يقول المؤلف رحمه الله : ( القول الثاني في الأشياء المخلوقة ) ،
لأن قوله : ( في الأفعال المخلوقة ) توهم أن المراد بذلك : أفعال الله ،
وأفعال الله ليست مخلوقة ،
المخلوق هو المفعول ،
وأما الفعل فهو صفة الله وصفات الله ليست بمخلوقة ،
كل الأشياء يعني كل ما عدا الخالق فهو مخلوق من الأعيان والصفات والزمان والمكان وكل شيء ،
كل ما عدا الخالق فهو مخلوق { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة 2 ) .
فالرب غير مخلوق والعالم مخلوق ،
******************
58 – وسائر الأشياء غير الذات ،
وغير ما الأسماء والصفات ،(1/291)
قوله ( سائر ) : هنا بمعنى جميع ، و ( سائر ) اسم فاعل مأخوذة من السور وهو الجدار المحيط بالبيت وهي على هذا الوجه بمعنى ( جميع ) ،
و قوله ( سائر ) : من السؤر وهي بقية الطعام والشراب ، وهي على هذا بمعنى ( باقي ) ،
فهنا ( سائر الأشياء ) يعنى جميع الأشياء كما قال المؤلف ،
ومن ذلك : قول عائشة رضي الله عنها لما ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل يفيض على رأسه ثلاث مرات قالت : ( ثم غسل سائر جسده ) [131] ، ( سائر ) بمعنى : ( باقي ) والله أعلم [132] ،
قوله : ( الأفعال المخلوقة ) : لو قلنا ( الأفعال المخلوقة ) اختص بالأفعال ، وإذا قلنا : ( الأشياء المخلوقة ) شمل الأعيان والأفعال والأوصاف ،
فمثلاً : الآدمي هو عين وفعله فعل بطشه أكله شربه هذا فعل وأوصافه أوصاف ،
قوله : ( الأشياء المخلوقة ) : الأشياء الموجودة إما خالق وإما مخلوق ،
فالخالق رب العالمين عز وجل والمخلوق ما سواه ،
ولهذا قال المؤلف : ( وسائر الأشياء غير الذات ) : أي غير ذات الله ،
قوله : ( وغير ما ) : زائدة من أجل الوزن ،
قوله : ( وغير ما الأسماء ) : أي أسماء الله ،
قوله : ( والصفات ) : يعني صفات الله ،
******************
59 – مخلوقة لربنا من العدم ،
وضل من أثنى بالقدم ،
قوله : ( مخلوقة ) : هذا خبر المبتدأ ، أعني قوله : ( سائر ) ،
قوله : ( لربنا ) : يعني لله يعني بعد أن كانت عدماً ،
قوله ( ضل ) : يعني تاه وضاع عن الطريق المستقيم ،
قوله ( من أثنى عليها ) : يعني من وصفها بالقدم ،
قوله : ( وسائر الأشياء ) : يعني جميع الأشياء ولا يصح أن تقولون : بمعنى باقي ،
قوله : ( الأشياء ) : يعني من الموجودات غير ذات الله وأسمائه وصفاته ولم يذكر أفعاله لأن أفعاله من صفاته ،(1/292)
إذن ذات الله وأسماؤه وصفاته غير مخلوقة وما عداها فهو مخلوق ، فالآدمي مخلوق بعد أنْ لم يكن والروح مخلوقة بعد أنْ لم تكن بلا شك [133] ، والسماء مخلوقة بعد أنْ لم تكن والأرض مخلوقة بعد أنْ لم تكن وكل شيء مخلوق من العدم بعد أنْ لم يكن ،
وهذه المسألة ضل فيها من ضل من الناس ،
وزعموا أن المخلوقات قديمة النوع وأن المادة أزلية كما أنها لا تفنى ،
ولهذا يقولون : إن المادة لا تفنى فليست معدومة من قبل ولا تفنى من بعد [134] ،
وكل هذا ضلال لأنك إذا قلت : بقدم الأشياء وأنها لم تكن حادثة أشركت بالله وجعلت لله شريكاً في القدم وهذا شرك ،
ولكن هل الله عز وجل أتى عليه وقتُ لم يكن يفعل شيئاً ؟
قال بعض العلماء : نعم ، أتى عليه وقتٌ لم يكن يفعل شيئاً ثم حدث الفعل ،
لأنك إنْ لم تقل بذلك لزم أنْ تجعل المفعول قديماً ،
فإنك إذا أثبتّ لله فعلاً فلا فعل إلا بمفعول ،
وحينئذٍ يلزمك أنْ تقول بقدم المفعولات فتقع في الضلال ،
ولهذا اختلف الناس كما قلت لكم في هذه المسألة [135] :
فمنع قومٌ التسلسل في الماضي كما منعوه في المستقبل :
فجعلوا التسلسل ممنوعاً في الماضي والمستقبل ،
وقالوا : إن الله تعالى في الأزل لم يكن يفعل وفي النهاية أيضاً لا يفعل ،
وبنوا على ذلك أن الجنة تفنى والنار تفنى تعدم مرة ، لا يبقى إلا الله عز وجل ،
وهذا مذهب الجهمية قالوا : بأن الأشياء لا تدوم كما أن لها ابتداءً فلها انتهاءً [136] ،
وقال بعضُ منهم : بل تفنى الحركات دون الذوات حركات الحي تفنى دون ذاته فيبقى الناس كأنهم أصنام ،
وهذا مذهب العلاف [137] من المعتزلة [138] ،
وقد سخر به ابن القيم رحمه الله في النونية [139] ،(1/293)
فقال له على زعمه : إن الإنسان من أهل الجنة إذا رفع إلى فمه فاكهة وجاء وقت الفناء على ما هو عليه وبقيت الفاكهة بيده لم تصل إلى فمه إلى أبد الآبدين وإذا كان على أهله من الحور العين أو من نساء الدنيا وأتى وقت الفناء وقت فناء الحركات وهو على أهله بقي لاصقاً بهم إلى أبد الآبدين ،
هل هذا كلام معقول ؟؟؟؟!!!!!
لكن الضلال والعياذ بالله الذي لا يُبنى على علمٍ من الشرع دائماً يكون أضحوكة ،
هذا المذهب يقول : لا تسلسل في الابتداء ولا تسلسل في الانتهاء ،
وبنوا على ذلك أن الجنة والنار تفنيان [140] ،
ولا يبقى شئٌ أبداً السماء والأرض والنجوم والشمس والقمر والجنة والنار ومن فيهما كله يفنى هذا قول ،
القول الثاني عكسه : قالوا بالتسلسل في الابتداء والانتهاء وأن الخلق قديم كما أنه لا نهاية له ،
فطرَّدوا المسألة من الوجهين ،
يعني قالوا : إذا كنا نقول بإمكان تسلسل الحوادث في المستقبل وأن الجنة والنار باقية إلى أبد الآبدين فكذلك في الماضي ،
وقال آخرون زعموا أنهم أهل السنة : التسلسل في المستقبل واجب وفي الماضي مستحيل ،
فالجنة والنار لا تفنى ومن فيها لا يفنى وأما في الماضي فالتسلسل ممنوع مستحيل ،
لأنه يلزم منه أن تكون الحوادث قديمة كقدم الله وهذا شرك ،
وهذا ادعى بعض الناس أنه مذهب أهل السنة ،
والقول الرابع : أن التسلسل في المستقبل ممكن في الذوات نفسها وفي ذواتٍ أخرى تستجد فيما بعد ،
وأما التسلسل في الماضي ففي الذوات مستحيل ،
يعني بمعنى أنْ نقول : هذه الذات لم ولا تزال موجودة فهذا مستحيل ،
لأنه ليس هناك شيء من المخلوقات يوصف بالقدم كقدم الله ،
لكننا نعلم أن لم يزل ولا يزال خلاّقاً وأن هناك مخلوقات غير السماء والأرض ،
لأن المصلي يقول : ( ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ) [141] ، هناك مخلوقات قبل السماوات وقبل العرش ما نعرف ما هي ،(1/294)
لأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً ولا يلزم من هذا قدم المفعول كقدم الفاعل ،
لأنه باتفاق العقلاء أن المفعول مسبوقٌ بالفاعل ،
لأن المفعول نتيجة فعل الفاعل وفعل الفاعل وصفٌ له ،
ولا بد أنْ يكون الموصوف سابقاً على الصفة ثم المفعول بعد الصفة ،
لأن عندنا مفعول وفعل وفاعل ،
المفعول لا شك أنه متأخر عن فعل الفاعل ،
وفعل الفاعل متأخرٌ عن الفاعل ،
فإذن لا يلزم من قولنا : بقدم الحوادث أنْ تكون قديمةً كقدم الله وأنْ تكون شريكةً لله في الوجود ،
وهذا هو الحق الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية [142] ،
وقد شنع عليه خصومه تشنيعاً عظيماً شنعوا عليه وقالوا : هذا قول الفلاسفة ،
وهذا قولٌ باطل [143] ،
ولكنه رحمه الله تخلص منهم بما ذكرتُ لكم بأنه لا يلزم من قدم المفعول أنْ يكون مساوياً للفاعل ،
لأنه بضرورة العقل أن المفعول لا بد أنْ يكون مسبوقاً بفعل والفعل لا بد أنْ يكون مسبوقاً بفاعل وهذا هو الحق ،
إذن قول المؤلف : ( ضل من أثنى عليها بالقدم ) :
إنْ أراد من أثنى عليها بالنوع فليس بصحيح ،
إنْ أراد من أثنى بالشخص بالعين فهذا صحيح ،
ما من شيء من المخلوقات يكون قديماً ليس له أول أبداً ،
وهل هذه المخلوقات أبدية ؟
نقول : فيه تفصيل :
منها شيء أبدي خلقه الله للبقاء ،
ومنها شيء أمدي يعني له مدة وينتهي ،
فمن الأشياء الأبدية : الروح ، فإن الله تعالى خلق الروح للأبد ،
ولا يقال : إن الحيوان يموت فتفقد روحه ،
لأن موت الحيوان ليس فقداً لروحه ،
بل مفارقة روح للبدن اللهم إلا روح من لم يُخلق للأبد فهذا قد تفنى ،
وليس عندي أثارةٌ من علم ،
لكن هذا هو الظاهر مثل أرواح الحيوان ،
أرواح الحيوان سوف تعاد في أجسادها يوم القيامة ،
كما قال تعالى : { وإذا الوحوش حُشِرَتْ } ( التكوير 5 ) .
ولكن يأمرها الله عز وجل بعد أنْ يقضي بينها بعدله يأمرها أنْ تكون تراباً فتكون تراباً ،(1/295)
وظاهر هذا أنها تفنى الأرواح والأجساد ،
لأن بقاء الأرواح بعد هذا الفصل والحكم لا فائدة منه فيما يظهر لنا [144] ،
إذن فالذي خُلِقَ للبقاء من الأرواح هو أرواح المكلفين يعني بني آدم والجن ،
كذلك الحور والولدان الذين في الجنة هؤلاء خُلِقوا للبقاء فلا يموتون ،
إذن نقول : من جهة الأزلية ليس هناك مخلوق يكون أزلياً أبداً ،
من جهة الأبدية فيه تفصيل :
منه ما خُلِقَ على أنه أبدي ومنه ما خُلِقَ على أنه أمدي يفنى ويزول ،
******************
60 – وربنا يخلق باختيار ،
من غير حاجة ولا اضطرار ،
هذا بالنسبة لأفعال الله عز وجل ،
أفعال الله سبحانه وتعالى اختيارية ،
كما قال الله تعالى : { ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) ، وقال : { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } ( الشورى 29 ) ، يعني إذا شاء جمعه فهو قدير عليه لا يعجز عنه ،
وليست المشيئة هنا تابعة للقدرة ،
يعني أنه قدير إذا شاء ، لا بل هو يجمع إذا شاء الجمع فإنه لايستعصي عليه بل هو قادر عليه فالله تعالى يفعل باختيار ،
وليس يفعل لذاته بدون اختيار كما زعمه بعض أهل البدع ،
بل فعله تابعٌ لمشيئته إنْ شاء فعل وإنْ لم يشأ لم يفعل ،
ولو قلنا : إن فعله ذاتيٌ ،
لزم أن يفعل الشيء كرهاً عليه وهذا شيء مستحيل ،
بل هو يفعل ما يشاء من إيجاد أو إعدام ،
من إيجاد على سبيل البقاء ،
أو إعدام على سبيل الزوال ،
فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء باختياره ،
قوله ( من غير حاجة ولا اضطرار ) : يعني أنه لا يحتاج ولا يضطر إليه ،
والفرق بين الحاجة والضرورة :
أن الضرورة : ( ما يحصل الضرر بفقده ) ،
والحاجة : ( ما يفوت الكمال بفقده ) ،
فالأمور الضرورية : ( ما يحصل الضرر بفقدها ) ،
والحاجية : ( ما يفوت الكمال بفقدها ) ،(1/296)
فمثلاً : الكتب التي نقرأ بها في المقررات ضرورية ،
لأنه لو لم يكن عندنا كتب صار علينا ضرر والكتب التي للمراجعة وزيادة العلم حاجية لأنه يفوت بفقدها الكمال ولا يحصل بفقدها الضرر ،
فهل الله عز وجل محتاج إلى الخلق [145] بمعنى أنه لو لم يوجد هذا الخلق لفات كماله ؟
لا ،
هل هو في ضرورة إلى وجودهم ؟
لا ، من باب أَوْلى ،
أفعاله التي يفعلها هل يفعلها لحاجته إليها ؟ لضرورته إليها ؟
لا ، أنا أفعل الأفعال لحاجتي ، أكتسب ليزداد مالي هذا حاجة ، أكتسب لأنقذ نفسي من الهلاك هذا ضرورة ،
لكن الله عز وجل يفعل بلا حاجة ولا اضطرار ،
لأن الله عز وجل يقول : { والله هو الغني الحميد } ( فاطر 15 ) .
فهو غني عن كل أحد حميد على كل فعل وعلى كل صفة فلا يفعل لحاجة ولا يفعل لضرورة ،
فإنْ قال قائل : هل تنفون حكمة الله في أفعاله ؟
الجواب : لا ، لكن الحكمة لا تعود لنفسه بل تعود لغيره ،
ولهذا قال المؤلف نافياً لهذه الشبهة :
******************
61 – لكنه لم يخلق الخلق سدى ،
كما أتى في النص فاتبع الهدى ،
يعني لما قال بالأول إنه يفعل بلا حاجة ولا اضطرار ،
كأنْ قائلاً يقول : إذن خلق الخلق عبث ،
لأنه ما دام ليس فيه حاجة ولا اضطرار فإنه يكون عبثاً فنفى المؤلف رحمه الله هذا الوهم ،
قوله ( لم يخلق الخلق سدى ) : ودليل هذا أنه لم يخلق الخلق سدى دليله أثريٌ ونظري :
أما الأثري : فقوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن يُترك سدى } ( القيامة 36 ) .
وقوله : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا تُرجعون } ( المؤمنون 115 ) .
وقوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } ( الأنبياء 116 ) .
وقوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } ( ص 28 ) .
وقوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } ( الحجر 85 ) .(1/297)
والآيات في هذا كثيرة ،
أما الدليل النظري : فهو أنه لم يخلق الخلق إلا لحكمة ،
لكن هذه الحكمة هل هو محتاج لها هو أو مضطر إليها أو يحتاج إليها الخلق ؟
الثاني : يحتاج إليها الخلق ، فالله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لحاجة الخلق إليه لا لحاجته هو إلى الفعل هو كامل على كل حال لكن الخلق هم الذين يحتاجون إلى ما يكون به كمالهم ودفع ضرورتهم ، ولذلك لا ينتفع بأفعال الله إلا الخلق ، يستدلون بها على آياته وعلى فضله وعلى عدله وعلى عقابه وانتقامه وما أشبه ذلك فالحاجة إذن لمن ؟ للخلق وليس للخالق ، وأما الخالق عز وجل فإنه يفعل بلا حاجة ولا اضطرار ،
قوله : ( كما أتى في النص فاتبع الهدى ) : النص : الكتاب والسنة يعني ولا تتبع الهوى ،
كما قال تعالى : { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } ( ص 26 ) .
******************
62 – أفعالنا مخلوقة لله ،
لكنها كسبٌ لنا يا لاهي ،
قوله ( أفعالنا ) : يعني ما نفعله من طاعة أو معصية سواءٌ كان باليد أو بالرجل أو العين أو الأنف أو الأذن كلها مخلوقة لله وذلك لأن الأفعال من صفاتنا ونحن مخلوقون لله وخالق الأصل خالقٌ للصفة فإذا كان الإنسان مخلوقاً لله فإن صفاته أيضاً مخلوقة لله فأفعالنا صفاتٌ لنا وخالقُ الذات خالقٌ للصفة ،
ولهذا صح أنْ نقول : إن أفعالنا مخلوقة لله هذا وجه ،
الوجه الثاني : أن فعل الإنسان ناتجٌ عن أمرين : عن إرادة وقدرة ،
أما القدرة : فالله تعالى الذي خلقها ولا إشكال فيها ، لو شاء الله عز وجل سلب الإنسان القدرة وصار عاجزاً عن الفعل ،(1/298)
الإرادة كذلك : نقول : إن الله هو الذي خلقها لأنه هو الذي يودع في القلب هذه الإرادة ، وما أكثر ما يريد الإنسان شيئاً وفي آخر لحظة يتجه إلى غيره وهذا شيء كثير أحياناً تمشي على أنك ذاهبٌ إلى صديقٍ لك لتزوره في أثناء الطريق ترجع وتترك الزيارة ، تقول : أذهب له غداً أو بعد غد ،
وقد سئل أعرابيٌ : بما عرفتَ ربك ؟ قال : بنقض العزائم وصرف الهمم ، انظر الأعرابي ، غريب ، فطرة ، بنقض العزائم يعني أحياناً يعزم على الشيء عزماً أكيداً ما فيه إشكال ولا واحد في المائة ثم يتراجع بدون أي سبب ، أيضاً صرف الهمم يهمُّ الإنسان بالشيء ويفعل ويباشر ثم ينصرف ، قال بذلك أعرف الله لأن نقض العزائم وصرف الهمم ليس له سببٌ معلوم يُضافٌ إليه إذن فلا بد أنْ يكون السبب إلهياً ،
نعود مرة ثانية نقول : أفعالنا مخلوقة لله ودليل ذلك أمران :
الأمر الأول : أن أفعالنا صفات لنا وخالقُ الذات خالقٌ للصفات ،
الأمر الثاني : أن أفعالنا ناتجةٌ عن إرادةٍ جازمة وعن قدرة ، والذي خلق الإرادة وخلق القدرة فينا هو الله ، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب وهو الفعل الناتج عن الإرادة والقدرة ،
قوله ( كَسْبٌ لنا ) : يعني معناه أن ثوابها وعقابها لنا كما قال تعالى : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } ( فصلت 46 ) ، فالأفعال مخلوقة لله لكنها بالنسبة للثواب والعقاب كسبٌ لنا { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما اكتسبت وعليها ما اكتسبت } ( البقرة 286 ) .
وإذا كانت كسباً لنا فإنها تُضافُ إلينا حقيقةً مباشرة وتُضافُ إلى الله خَلْقاً وتقديراً فهي لنا مضافة مباشرةً وكسباً وهي لله مضافة مضافة خَلْقاً وتقديراً فلما انفكت الجهة أمكن الاجتماع ،
وإلا فقد يقول القائل : كيف تضيف أفعالك إلى الله وإلى نفسك ؟ هذا تناقض ، لأنك إذا أضفتها إلى الله لزم ألاَّ تضيفها إلى نفسك وإنْ أضفتها إلى نفسك لزم ألاَّ تضيفها إلى الله ؟(1/299)
وقد ذهب إلى هذين الاحتمالين طائفتان :
فالجبرية قالوا : أضفها إلى الله وإذا أضفتها إلى الله لا يمكن أنْ تضيفها إلى نفسك ،
والمعتزلة القدرية قالوا : أضفها إلى نفسك وإذا أضفتها إلى نفسك لا يمكن أنْ تضيفها إلى الله ،
ولهذا جعلوا أعني المعتزلة جعلوا فعل العبد منفصلاً عن الله عز وجل ،
والجبرية بالعكس جعلوا فعل العبد منفصلاً عن العبد فهو مجبورٌ عليه ،
وجه الشبهة عندهم قالوا : كيف نضيف فعلاً واحداً إلى فاعِلَيْنْ ، هذا لا يمكن ،
لا يمكن أنْ تضيف هذا إلى الله وإلى الإنسان لأنه فعل واحد لا يصدر من فاعِلَيْنِ ،
ولكن نقول نحن في الجواب عن ذلك :
إن الإضافة مختلفة ففعلنا مُضافٌ إلى الله تقديراً وخَلقاً مُضافٌ إلينا فِعْلاً وكسباً نحن الذين باشرنا الكسب [146] ،
فأنت إذا صليتَ ليس الله هو المصلي ، إذا صمتَ فليس الله هو الصائم ، إذا تصدقتَ فليس الله هو المتصدق ، بل الصائم والمصلي والمتصدق أنتَ المباشر وأنتَ الذي لك ثمرة هذا العمل من ثوابٍ أو عقاب ،
أما الله فإنه عز وجل مُقَدِّرْ وخالق فقط فلما انفكت الجهة صحت النسبة إلى الله وإلى الإنسان ،
إذا قال قائل : ما الدليل على أن أفعالنا مخلوقة لله ؟
قلنا : الأدلة في هذا كثيرة :
قال الله تعالى : { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } ( البقرة 253 ) .
إذن اقتتالهم بمشيئة الله ولكن الله يفعل ما يريد ، ففعلهم منسوب إلى الله خَلْقاً كما أنه منسوب إلى الله تعالى إرادةً وتقديراً ،
وقال تعالى : { ولو شاء ربك ما فعلوه } ( الأنعام 112 ) ، فأضاف فعلهم إلى الله وأنه واقعٌ بمشيئته ،
وأما إضافته إلى العبد فكثير جداً :
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم } ( البقرة 277 ) أضاف الفعل إليهم .(1/300)
{ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ( البقرة 286 ) ، { وتُوَفَّى كل نفس ما عملت } ( النحل 111 ) فأضاف الله تعالى الأفعال والكسب إلى الفاعل المكتسب ،
وجعل ذلك بمشيئته وتقديره في قوله : { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم } ( البقرة 286 ) .
وفي قوله : { ولو شاء الله ما فعلوه } ( الأنعام 137 ) وغير ذلك من الآيات ،
فَصَحَّ الآن أن أفعالنا منسوبةٌ إلى الله خلقاً وتقديراً وإلينا فعلاً وكسباً [147] ،
ولهذا قال : ( لكنها كسبٌ لنا يا لاهي ) يا لاهي !!! ما معنى يا لاهي ؟ يا غافل ،
كأنه يشير رحمه الله إلى أنه يجب التفطن هنا والتنبه لئلا نقع في فخ المعتزلة أو فخ الجبرية لأن المسألة خطيرة ،
الجبرية قيل لهم : إذا كان الله تعالى يجبر العبد والفعل فعل الله كيف يُثابُ العبد ويُعاقَبْ ؟
قالوا : لأن الله يفعل ما يشاء ، قد يثيب من لا يستحق الثواب وقد يعاقب من لا يستحق العقاب ،
قيل لهم : هذا ظلم ،
قالوا : كيف يكون ظلماً ، الظلم : ( تصرف الغير في غير ملكه ) [148] ،
وإذا تصرف الله في ملكه فليس بظلم لو عاقب إنسان مصلي ليلاً ونهاراً يقوم الليل ويصوم النهار ويتصدق بالمال فعاقبه في نار جهنم ،
قالوا : هذا ليس بظلم ،
لأن الظلم : أنْ المُتَصَرِّفُ في غير ملكه ،
والكل ملك الله { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } ( الأنبياء 23 ) .
فيقال : هذا ظلمٌ بنص القرآن ،
قال الله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما } ( طه 112 ) .
وقال الله عز وجل : { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، ما يُبَدَّلُ القول وما أنا بظلامٍ للعبيد } ( ق 28 ) .
كيف تقولون : يأمر هذا الشخص أنْ يفعل فيفعل ثم يعاقبه ؟! ،
هذا لو جرى من مخلوق مع مخلوق لَعُدَّ ذلك ظلماً ، فكيف مع الخالق عز وجل الذي هو أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين هذا ظلم ،(1/301)
المعتزلة أقرب من الجبرية من وجه ، من جهة المعقول ،
قالوا : الإنسان يفعل ما شاء يروح ويأتي ويجلس ويقوم ويقعد ولا يشعر أن أحداً يجبره ، والجزاء على عمله مطابق تماماً ،
وهم من هذه الناحية أقرب من الجبرية لكن الجبرية من ناحية تقدير الله أقرب من هؤلاء ،
أهل السنة والحمد لله أخذوا بهذا وهذا ،
وقالوا : هي تُضافُ إلى الله تعالى خلقاً وتقديراً وإلينا مباشرةً وكسباً ، ليس فعل الإنسان هو فعل الله فالصائم هو العبد والمصلي هو العبد والمتطهر هو العبد ، لكن هذا الفعل مخلوقٌ لله ،
الأمر الثالث الذي يدل على أن أفعالنا مخلوقة لله : أن الله خالق كل شيء [149] ،
كما قال تعالى : { الله خالق كل شيء } ( الزمر 62 ) .
وهذا العموم يشمل أفعال العباد لأن أفعال العباد من الشيء ،
******************
63 – وكل ما يفعله العباد ،
من طاعة أو ضدها مرادٌ ،
قوله : ( وكل ما ) : والنسخة التي عندكم ( كلما ) ،
يعني أنها مشبوكة مع ( كل ) ،
وهذا غلط ،
لأن ( كلما ) أداة شرط تفيد التكرار ،
وأما ( كل ما ) التي اسم موصول فيجب الفك ،
يعني تكتب ( كل ) وحدها و ( ما ) وحدها ،
والتقدير : وكل الذي يفعله العباد ،
قوله ( لربنا ) : كل ما يفعله العباد من الطاعة وضدها فهو مراد لله أي واقعٌ بإرادته الكونية ،
ثم إنْ كان طاعةً فهو واقعٌ بإرادته الكونية والشرعية ،
وإنْ كان غير طاعةً فهو واقعٌ بالإرادة الكونية دون الشرعية ،
كل ما يفعله العباد فهو مراد لله ،
ودليل ذلك السمع والعقل :
أما السمع :
فمنه : قوله تعالى : { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } ( البقرة 253 ) .(1/302)
فدل هذا على أن قتالهم كان بمشيئة الله ولكن الله يفعل ما يريد بإرادته أيضاً ،،،،،،
وأما العقل :
فإننا نقول : إن فعل العبد فعل لمخلوق وهو مخلوق هذا الفعل كما سبق ،
فإذا كان مخلوقاً فهل خُلِقَ بإرادة الله أمْ خُلِقَ بغير إرادة منه ؟
الجواب : بإرادة من الله ، ما دام مخلوقاً فإن الله لا يجبره أحد على شيء فلا يكون هذا الفعل إلا بإرادة الله عز وجل هذا دليل عقلي ،
والناس قد اختلفوا في هذه المسألة :
فالجبرية قالوا : بإرادة الله المجبرة تجبر الإنسان على أنْ يفعل ،
والقدرية قالوا : ليس بإرادة الله إطلاقاً والإنسان مستقلٌ بعمله ،
وأهل السنة قالوا : إنه بإرادة الله غير المجبرة لأن الإنسان يفعل الفعل باختياره ليس مُجْبَراً عليه ولا فرق في هذا بين الطاعة والمعصية ، فالطاعة التي تقع من العبد تقع بإرادة الله والمعصية التي تقع من العبد تقع بإرادة الله ، لأن اقتتال الكفار والمؤمنين لأنه سبق أنْ بَيَّنا أنه بمقتضى الآية الكريمة واقعٌ بإرادة الله فيه شيءٌ حلال بل واجب وفيه شيءٌ حرام ، الواجب قتال المؤمنين للكفار هذا واجب ، والحرام قتال الكفار للمؤمنين ، ومع ذلك أخبر الله أنه وقع بمشيئه { ولو شاء الله ما اقتتلوا } ( البقرة 253 ) .
إذن فالله مريدٌ للمعصية كما أنه مريدٌ للطاعة ،
فإن قال قائل : إن الله مريدٌ للمعصية ؟ أليست شراَّ ؟
فالجواب : بلى ، هي شر لكن الله تعالى قد يريد هذا الشر لمصلحة عظيمة وبكونه مصلحة ينتفي عنه أنْ يكون شراَّ محضاً ،
فالشر المحض ليس إلى الله ولا يريده الله ،
لكن هذه المعصية هي بنفسها شر ،
لكن بما تؤدي إليه تكون خيراً فليست شراًّ محضاً لأن المعصية فساد { والله يحب الفساد } ( البقرة 205 ) ولا يريد الفساد المَحْضْ لكن فيه خير ليست شراًّ محضاً ،
فمن الخير في المعاصي :(1/303)
أولاً : أن الله تعالى يقدرها ليتبين بذلك فضل الطاعة لأنه لولا تقدير المعصية ما عُرِفَ فضل الطاعة ، فإذا حصلت المعصية وحصل من نتائجها ما يحصل من العقوبات العامة والخاصة والظاهرة والباطنة عُرِفَ بذلك قَدْرُ الطاعة وأن الطاعة خير ،
ثانياً : يُعْرَفُ بها تمام قدرة الله وحكمته حيث أراد الطاعة التي فيها الخير وأراد المعصية فإن هذا من الحكم التي يتبين بها قدرة الله عز وجل على الجمع بين النقيضين بين الطاعة والمعصية ،
ثالثاً : قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذْ لولا المعصية ما كان هناك منكر يحتاج إلى النهي عنه ولم يُعْرَفْ المعروف حتى يُؤْمَرْ به ،
رابعاً : إقامة الجهاد ، إذا كانت المعصية كفراً فإن المسلمين يجب عليهم مجاهدة الكفار حتى تكون كلمة الله هي العليا إما بإسلامهم وإما بإخضاعهم لأحكام الإسلام وبذل الجزية ،
خامساً : أن المعصية يكون فيها أحياناً خير للعاصي ، وذلك أنه ينتبه إذا رأى آثارها ، فيقلع عن المعصية ويزداد عملاً صالحاً ، ويكون بعد المعصية خيراً منه قبل المعصية ،
إذن فصارت المعاصي مرادةً لله من أجل ما يترتب عليها من المصالح لا لذاتها لأن ذاتها شر ، لكن الله يريدها لأنه يترتب عليها خيرٌ كثير ، كما لو أراد الأب الحنون أنْ يكوي ابنه من مرضٍ أَلَمَّ به فَالكَيُّ شر لكن لما يترتب عليه من المصالح يكون مراداً للأب ولهذا لو أراد أحدٌ أنْ يَكْوِيَ ابنه بدون سبب لمنعه بقدر ما يستطيع ،
وكان بعض المعتزلة يقول : إن الله يريد الطاعة لأنها خير ، ولا يريد المعصية لأنها شر والله تعالى لا يحب الشر ولا يحب الفساد ،
فقال ذات يومٍ عند رجلٍ من أهل السنة : سبحان من تَنَزَّهَ عن الفحشاء ، الكلام هذا طيب ،(1/304)
هل الله يفعل الفحشاء ؟ حاشا وكلا ، هذه الكلمة إذا سمعها العامي قال : إن هذا الرجل قد قدس ربه ونَزَّهَهْ عما لا يليق ، ولكن هذه الكلمة ظاهرها رحمة وباطنها عذاب ، فالله عز وجل تَنَزَّهَ عن الأمر بالفحشاء { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } ( الأعراف 128 ) ، ولم يقل قل : إن الله لا يقدر الفحشاء ،
وفرق بين الأمر بالفحشاء وبين تقدير الفحشاء ،
المهم أنه لما قال : سبحان من تَنَزَّهَ عن الفحشاء ،
قال له السني : سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء ،
الأصح الثانية لأن العاصي مملوكٌ لله ومعصيته داخلة في ملك الله ،
فهل يمكن أنْ تكون معصية لم يَشَأْها الله ؟
إنْ قلنا : نعم ، فقد حكمنا بأنه يكون في ملك الله ما لا يشاء ،
فقال له المعتزلي : أرأيت إنْ منعني الهدى وقضى علي بالردى أَحْسَنَ إلي أمْ أساء ؟ مشكل ، إنْ منعني الهدى يعني جعلني كافراً فهل أحسن إليًّ أمْ أساء يعني لأجل يلزم السني ، يقول إذا كنتَ ترى أنه بإرادة الله أن كفره بإرادة الله فقد أساء إلي ، وهل الله يسيءُ إلى أحد ؟
فقال له السني : إنْ منعه ما هو عليه فقد أساء وإنْ منعه فضله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، أجاب بجواب سديد ، قال : هل الله واجب عليه أن يهدي الناس ؟ الهداية فضلٌ من الله ، إنْ تفضل به عليك فقد أَحْسَنَ وإنْ منعك فإنه لم يمنع حقاً واجباً عليه لك ،
فَقُطِعَ المعتزلي وبُهِتْ وعجز عن الجواب وهذا هو الحق ،
كل ما في الكون من طاعة أو ضدها فهو مرادٌ لله ويأتي إنْ شاء الله بقية الكلام عليها ، إذا أمرتَ شخصاً وقلت : افعل كذا فقد أطاعك ، وإذا قلت : لا تفعل كذا فانتهى فقد أطاعك ،
إذن فالطاعة تشمل فعل الأوامر وترك النواهي ،
قوله ( أو ضدها ) : أي المعصية ، فالمعصية مرادةٌ لله لكنها مرادةٌ لله قدراً لا شرعاً ،
وأما الطاعة فمرادةٌ شرعاً وقدراً إذا وقعت من العبد فهي مرادةٌ لله شرعاً وقدراً ،(1/305)
مثال ذلك : قام رجلٌ فتوضأ وصلى ، فنقول : هذا الوضوء وهذه الصلاة مرادة لله شرعاً وقدراً ، أما كونها مرادةً شرعاً فلأنها محبوبة إلى الله ، وأما كونها مرادةً قدراً فلأنها وقعت ،
مثالٌ آخر : رجل سرق هذه معصية مراد لله لكنه مرادٌ قدراً لا شرعاً ،
ومن ثم نقول : إن إرادة الله تعالى تنقسم إلى قسمين :
1. إرادةٌ شرعية ،
2. وإرادةٌ كونية [150] ،
فما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية وما كانت بمعنى المشيئة فهي إرادة كونية [151] ،
تنقسم الإرادة إلى قسمين : شرعية وكونية ،
الشرعية ما كانت بمعنى المحبة ، والكونية ما كانت بمعنى المشيئة ،
فكل شيءٍ محبوب إلى الله فهو مرادٌ له شرعاً ،
وكل شيءٍ واقع فهو مرادٌ كوناً لأنه لم يقع إلا بمشيئته ،
إذن الفرق بينهما : أن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة هذا واحد يعني تختص بما يحبه الله ،
الإرادة الشرعية قد يقع فيها المراد وقد لا يقع فالله تعالى يريد الصلاة شرعاً لكن قد يصلي الإنسان وقد لا يصلي مع أن الله قد أراد الصلاة شرعاً ،
1. إذن تختص الإرادة الشرعية بما يحبه الله ،
2. ثانياً : لا يلزم فيها وقوع المراد ،
الإرادة الكونية على العكس يلزم فيها وقوع المراد ولا تختص بما يحبه الله ، بل تكون فيما يحبه وما يكرهه ،
1. قلنا : إنها أي الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد فإذا أراد الله تعالى شيئاً كوناً وجب ، { إنما إمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) .
2. ثانيا : أن الإرادة الكونية لا تختص فيما يحبه الله ، بل تكون فيما يحبه الله وفي غير ما يحب ،
ولهذا لو سئلت : هل أراد الله من الزاني أنْ يزني ؟ نعم كوناً أراد ذلك ،
فكل شيءٍ واقع فإننا نعلم أنه قد تعلقت به الإرادة الكونية ،
ولنضرب لهذا أمثلة :
أولاً : إيمان أبي بكرٍ رضي الله عنه من أي الإرادتين ؟
إرادة شرعية وكونية ،(1/306)
كفر أبي لهب : هل هو مرادٌ بالإرادة الشرعية أو بالإرادة الكونية ؟
الكونية لأنه واقع ووقوعه يدل على أنه مرادٌ كوناً ،
لماذا لم يكن مراداً شرعاً ؟
لأنه غير محبوب لله ، كل شيءٍ يقع في الكون وهو غير محبوب إلى الله فهو مرادٌ كوناً لا شرعاً ،
إيمان أبي لهب : الله تعالى يريد من أبي لهب أنْ يؤمن يريد شرعاً ، لكن كوناً لا ، لأنه لو أراد كوناً أنْ يؤمن لآمن ،
كفر أبي سفيان : فيه تفصيل :
كفر أبي سفيان حال كفره مراد كوناً لا شرعاً ،
وكفره بعد إسلامه غير مرادٍ لا شرعاً ولا كوناً هذا هو الواقع ،
قوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } ( الأنعام 125 ) ، من أي الإرادتين هذه ؟
إذا قلت : أنها شرعية صار معناها أنْ الكافر يلزم أنْ يشرح الله صدره للإسلام ، الإرادتان كونيتان ،
لأن { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } .
وليس المعنى : ( فمن يحب الله أنْ يهديه يشرح صدره للإسلام ) ،
لأن الله يحب أنْ يهدي كل أحد ويلزم من هذا أنْ يشرح صدر كل أحد ،
إذن الإرادة في الآية كونية في الجملة الأولى والثانية ،
{ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } ( النساء 26 ) الإرادة كونية وشرعية ،
إذن البيان كوني شرعي ،
قوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ( النساء 27 ) الإرادة هنا شرعية لأن يريد أنْ يتوب على الجميع ،
لكن هل يتوب عليهم أو لا ؟
هذا يرجع إلى مشيئته ، لأنه لو كانت قدرية لتاب الله على كل الناس ،
قول هود : { إن كان الله يريد أن يغويكم } ( هود 34 ) الإرادة هنا كونية ،
1. الإرادة الكونية شاملة لما يحبه الله وما لا يحبه ، هذا واحد ،
2. الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد ،
الإرادة الشرعية بخلاف ذلك :
فإن الإرادة الشرعية تختص بما يحبه الله ، ولا يلزم منها وقوع المراد ،(1/307)
فيه إشكال : إذا قال قائل : إذا قلتم إن الله يريد المعاصي بالإرادة الكونية ولكنه يكرهها بالإرادة الشرعية ، فكيف يكون في ملكه ما يكرهه ؟ هل الله مجبر ؟
الجواب : ليس بمجبر لا شك ،
لكن كيف يكون في ملكه ما يكرهه ؟
فالجواب : لا يكون في ملكه ما يكرهه كراهة مطلقة ، لكنه يكون في ملكه ما يكرهه إضافية فيكرهه من وجه ويحبه من وجه آخر ،
فالمعاصي مكروهة لا شك كما قال تعالى : { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } ( الإسراء 38 ) لكنه قد يريدها كوناً مع كراهته لها شرعاً لحكمة بالغة فإن وجود المعاصي في بني آدم له حكمة عظيمة منها ما ذكرناه في الليلة الماضية فإن المعاصي يتبين فيها فضل الطاعات ، المعاصي يكون بها الفتنة ، لأنه لولا وجود من يعصي الله ما عصى أحدٌ الله لأنه لو كان المجتمع كله ما يعصي الله لعد الإنسان نفسه شاذاً وحينئذٍ لا يعصي الله ،
ومن ثم تجدون المعاصي تنتشر شيئاً فشيئاً من شخص إلى شخصين إلى ثلاثة إلى أربعة وهكذا فإذا مَنَّ الله على العبد وتجنب هذه المعاصي استفاد ، استفاد وكسب كسباً عظيماً ،
وفيه فوائد ذكرناها أيضاً مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والصبر وغير ذلك
فصار الجواب على هذا أنْ نقول : إن الله يريد المعاصي مع كراهته لها لحكمة بالغة كما أن الإنسان يأخذ بابنه الذي هو من أحب الناس إليه ويكويه بالنار وهو يكره أنْ يكويه لأنها تؤلمه لكن يفعل ذلك لما يترتب عليه من المصالح ،
******************
64 – لربنا من غير ما اضطرارِ ،
منه لنا فافهم ولا تمارِ ،
قوله : ( لربنا ) : أتى بقوله ( لربنا ) لأن هذا من مقتضى ربوبيته أنْ يكون كل شيءٍ مراداً له ،
قوله : ( من غير ما اضطرار منه لنا ) : ( ما ) هذه زائدة لتوكيد النفي ، يعني من غير أن يضطرنا نحن إلى ما نفعله ،(1/308)
يريد بذلك الرد على الجبرية الذين يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ،
فالمؤلف رحمه الله يقول : إنه يريد من ذلك ولكن لم يضطرنا إلى هذا ، نحن نفعل الطاعات باختيارنا ، ولا نشعر بأنْ أحداً يجبرنا عليها ، ونفعل المعاصي كذلك باختيارنا ، ولا نشعر أن أحداً يجبرنا عليها والآيات في هذا المعنى كثيرة ،
أي بأن فعل الإنسان صادرٌ عن إرادةٍ منه :
كقوله تعالى : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } ( آل عمران 152 ) .
{ وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } ( البقرة 272 ) .
( إنما الأعمال بالنيات ) [152] ،
والأدلة أكثر من تُحْصَر بأن فعل العبد صادرٌ باختياره لكن هذا الاختيار تابعٌ لمشيئة الله :
لقوله تعالى : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } ( الإنسان 30 ) .
إذن الدليل على أن فعل الإنسان اختياري لا اضطراري الدليل سمعي وواقعي :
السمعي : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } ( آل عمران 152 )،
{ وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } ( البقرة 272 ) .
( إنما الأعمال بالنيات ) ،
وما أشبه ذلك هذا دليل سمعي ،
أما الدليل الواقعي : فإن كل إنسان يفعل الأفعال وهو لا يشعر أن أحداً يجبره عليهاضذ ، يحضر إلى الدرس باختياره يغيب عن الدرس باختياره ،
ولهذا إذا وقع الفعل من غير اختيار لم يُنسب إلى العبد بل يُرفع عنه .
كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( رُفِعَ القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ) [153] ،
ولم ينسب الله عز وجل تقلب أصحاب الكهف إلى أنفسهم بل نسبه إليه فقال : { وَنُقَلِّبُهُمْ } ( الكهف 18 ) ، ولم يقل : ( يتقلبون ) ، لأنه ليس منهم إرادة ، النائم لا إرادة له ، ولهذا لا يقع طلاقه لو طَلَّقْ ،(1/309)
لو فرضنا واحد في النوم يكلم زوجته : يا فلانه أنتِ طالقٌ ثلاثاً بتاتاً ، يقوله وهو نائم ثم أصبح فجاءت زوجته إليه ، فقال : أبعدي عني قد طلقتك ثلاثاً بتاتاً ، لم تطلق ،
على كل حال هذا النائم لا يُنسب فعله إليه ، لأنه وقع بغير إرادة ، هذه قاعدة مضطردة ،
لو طَلَّقَ السكران وهو سكران وهو لا يعي ما يقول فإن طلاقه لا يقع ، لو طَلَّقَ الغضبان غضباً شديداً لا يملك نفسه فإن طلاقه لا يقع لأنه بغير إرادة ،
فإذا كان الشيء بغير إرادة فإنه لا حكم له شرعاً فتبين بهذا أن وقوع الشيء بإرادة منا ثابتٌ بالقرآن والواقع ،
قوله : ( فافهم ولا تمارِ ) : أي لا تجادل لأن المراء بغير حق ولكن من أجل أن ينتصر الإنسان هذا مراءٌ محرم لأنه يجادل بالباطل ليدحض به الحق أما الذي يماري لإثبات الحق فإن ذلك من الجدال المأمور والله الموفق ،
******************
65 – وجَازَ للمولى يعذب الورى ،
من غير ما ذنبٍ ولا جرمٍ جرى ،
قوله : ( وجَازَ للمولى يعذب ) : هذه فيها إشكال من جهة اللغة العربية :
وهي أنَّ ( يعذب ) قائمةٌ مقام الفاعل ، أي ( جاز للمولى تعذيب ) ، مع أن الحرف المصدري محذوف منها ، فهل يعتبر هذا شاذاً ؟
الشذوذ أنْ يُحذفَ الحرف المصدري ويُنصبَ الفعل بعده ،
فيقال : ( وجاز لمولى يعذبَ ) هذا الشاذ ،
ومنه : قولهم : ( تسمع بالمعيدي خير من أنْ تراه ) [154] ،
( تسمع ) ، التقدير : ( أنْ تسمع ) ،
فالشذوذ هنا كون ( أنْ ) تنصب وهي محذوفة ،
أما أنْ يُرفعَ الفعل ولكنه يَحِلَّ محل المصدر فهذا لا بأسَ به ،
فهذا جائز وسائغ باللغة العربية وكثير ،
ومنه : قوله تعالى : { هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً } ( الرعد 12 ) .
{ يريكم } أي إراءتكم ( ومن آياته إراءتكم البرقَ خوفاً وطمعا ً) ،(1/310)
فهنا يُؤول الفعل بالمصدر وإنْ لم يوجد فيه حرفٌ مصدري ولا بأس بذلك ،
ما دام حرف المصدر لم يعمل مع الحذف فإنه لا بأس به ،
وسبك المصدر دون حرف مصدر كثير ،
ومنه : قوله تعالى أيضاً : { سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } ( البقرة 6 ) ، أي سواءٌ عليهم إنذارهم أمْ عدمه ،
قوله : ( وجَازَ للمولى يعذبُ الورى ) : هكذا شاذ أمْ غير شاذ ؟
غير شاذ ، ( وجَازَ للمولى يعذبَ الورى ) شاذ ،
لأننا إذا قلنا : يعذبَ ، أعملنا حرف المصدر مع حذفه ،
وإذا قلنا : ( يعذب ) لم يُعْمِلْهْ ، بل ولا نقدره أيضاً ،
قوله ( وجاز للمولى ) : وهو الله عز وجل ،
والله سبحانه وتعالى مولى كل أحد بالمعنى العام ، ومولى المؤمنين بالمعنى الخاص
قال تعالى : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } ( محمد 11 ) .
هذه هي الولاية الخاصة ،
وقال الله عز وجل : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ، ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحق } ( الأنعام 61 – 61 ) ، وهم كفار ،
ولكن هذه الولاية العامة هنا ،
قوله ( وجاز للمولى ) : من أي الولايتين ؟
الولاية العامة الذي يكون الله فيه مولى لكل أحد ،
قوله ( الورى ) : الخلق ،
قوله ( من غير ما ذنبٍ ) : أي من غير ذنب فـ ( ما ) هنا زائدة ،
قوله ( ولا جرمٍ جرى ) : يعني ولا إجرام أي أن الله يجوز أن يعذب الناس دون ذنبٍ بترك واجب أو إجرام بفعل محرم ،
فإذا قَدَّرْنا أن رجلاً مؤمناً تقياًّ يقوم الليل والنهار بطاعة الله توفي ، فإن الله يجوز أنْ يعذبه ويخلده في النار ، كيف ذلك ؟
قال المؤلف :
******************
66 – فكل ما منه تعالى يجمل ،
لأنه عن فِعْلِهِ لا يُسْأَلُ ،
فَعَلَّلْ بتعليلين :
التعليل الأول : أن كل شيءٍ من الله فهو جميل ،(1/311)
التعليل الثاني : أن الله لا يُسْأَلُ عن فعله ، كما قال تعالى : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ( الأنبياء 23 ) .
ولكن هذا القول والتعليل لهذا القول كلاهما باطل ، لا نقول : ضعيف ، بل نقول : إنه باطل ،
لأنه مخالف للنص الصريح في كتاب الله :
قال تعالى : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون } ( هود 117 ) .
وقال تعالى : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً } ( طه 112 ) .
وقال تعالى : { إن الله لا يظلم الناس شيئاً } ( يونس 44 ) .
وقال : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلامٍ للعبيد } ( فصلت 46 ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة ،
فإذا قلنا : إن من آمن واتقى ومات على ذلك جاز أنْ يعذبه الله صار مخالفاً لنص القرآن ، ثم هل هذا الفعل جميل أو غير جميل ؟
غير جميل والله سبحانه تعالى لا يفعل إلا الجميل وفي الحديث القدسي الصحيح : ( أن الله تعالى قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) [155] ، ولا أحد يشك في أن من عذب المطيع القائم بأمر الله ليلاً ونهاراً حتى مات لا أحد يشك في أن هذا ظلم وأنه غير جميل ،
إذن سقط التعليل الأول في قوله : ( فكل ما منه تعالى يجمل ) ،
نقول هذا : ليس على إطلاقه ، فإن عقوبة المطيع ليست جميلة ، فلا يصدق عليها هذا التعليل ،
التعليل الثاني : في أنه عن فعله لا يُسْأَلُ ، صحيح هو لا يُسْأَلُ عما يفعل ،
فلا يُسْأَلُ لماذا هديتَ هذا الرجل حتى استقام على أمر الله وأضللتَ هذا الرجل حتى انحرف ، لا يُسْأَلُ عن هذا لأن الله له حكمة فيما قَدَّرْ لكن بعد أنْ يوجد السبب المقتضي للثواب لو أن الله عاقبه لكان هناك سؤال : لماذا يعاقبه الله ؟ لا بد أنْ نعرف ،
لهذا أيضاً يسقط هذا التعليل ، ويُحْمَلْ إذا أردنا أنْ نجعله صحيحاً أنه لا يُسْأَلُ عن فعله في أيجاد الأسباب المقتضية للعذاب أو للثواب ،(1/312)
فإذا قال قائل : أليس الخلق كله ملكاً لله ؟
فالجواب : بلى ،
وإذا كان ملكاً له أفلا يمكن أنْ يقال : إن له أنْ يفعل في ملكه ما يشاء ؟
بلى ،
ولكن نقول : هو نفسه عز وجل أخبر بأنه لا يمكن أنْ يظلم أحداً ،
ولا يمكن أنْ يعذب طائع فيكون هذا الشيء أعني تعذيب المطيع يكون هذا ممتنعاً بمقتضى خبر الله عز وجل وبمقتضى أسمائه وصفاته وأنه عز وجل أحكم الحاكمين وأعدل العادلين ،
فحينئذٍ يكون ممتنعاً لأخبار الله أنه لا يظلم أحداً وأن { من عمل صالحاً فلنفسه } ( فصلت 46 ) وأن { فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره } ( الزلزلة 7 ) إلى غير ذلك من الآيات ،
فهو ممتنع لهذا الوعيد وإلا فمن المعلوم أن يفعل في خلقه ما يشاء ،
لكن هو نفسه سبحانه وتعالى حرم على نفسه الظلم وأوجب على نفسه أنْ يثيب المطيع ،
قال الله عز وجل : { كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل سوءً بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيم } ( الأنعام 54 ) .
صار قول المؤلف : ( وجَازَ للمولى يعذب الورى من غير ما ذنبٍ ولا جرمٍ جرى ) : قولاً باطلاً مخالفاً للكتاب والسنة مخالفاً لما تقتضيه أسماء الله وصفاته ،
وأما التعليلان المذكوران فهما أيضاً غير صحيحين بالنسبة لهذه المسألة ،
لأنه إذا قال : كل فعل من أفعال الله فهو جميل ،
قلنا : لا جميل في تعذيب المطيع ،
وإذا قال : هو عن فعله لا يُسْأَلُ ،
نقول : هذا في منع السبب المقتضي للثواب أو العقاب ،
فإذا هدى شخصاً وأضل شخصاً فإنه لا يُسْأَلُ لا يقال : يا رب لِمَ هديتَ فلاناً وأضللتَ فلاناً ؟
لكن إذا وُجِدَ الضلال أو الهدى فإنه لا بد أنْ يترتب عليهما مقتضاهما من ثوابٍ في الهدى وعقابٍ في الضلال ،
******************
67 – فإنْ يُثِبْ فإنه من فضله ،
وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ،(1/313)
قوله ( فإنْ يُثِبْ ) : يعني يثيب المطيع فإنه من فضله ، هذا صحيح ، إذا أثاب المطيع فذلك فَضْلُهُ ،
ولكن هذا الفضل : هل أوجبه الله على نفسه أو لا ؟ إثابة المطيع هل أوجبها الله على نفسه ؟ إذا كان الله أوجبها على نفسه هل يمكن أنْ يتخلف هذا الموجب ؟
لا يمكن ، ولهذا قوله ( فإنْ يُثِبْ فإنه من فضله ) نقول : نعم صَدَقْتَ إنْ يُثِبْ فإنه من فضله بل هو عز وجل يثيب على العمل أكثر من العمل ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فعشر الأمثال ثابتة وما زاد فهو فضل الله عز وجل ،
إذن نقول : إنْ يُثِبْ فإنه من فضله ، نُسَلِّمْ لهذا أو لا ؟ نُسَلِّمْ ،
ولكننا نقول : هذا الفضل كان واجباً على الله ، بإيجابه إياه هو على نفسه سبحانه وتعالى ، هو الذي أوجب على نفسه أنْ يثيب المطيع ، وإذا كان لكرمه عز وجل أوجب على نفسه على نفسه أنْ يثيب المطيع فإن هذا الإيجاب لن يتخلف ،
لأنه لو تخلف وحاشاه من ذلك لكان مُخْلِفاً للميعاد ،
والله عز وجل { لايخلف الميعاد } ( آل عمران 9 ) ، { من عمل صالحاً فلنفسه } ( فصلت 46 ) ، { فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره } ( الزلزلة 7 ) ،فلا بد أنْ يوجد هذا الذي وعد الله به ،
قوله : ( وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ) : صحيح ، إذا عذب فبعدله ،
لكن متى يكون العذاب عدلاً ؟
إذا وُجِدَ سببه صار عدلاً ، أما إذا لم يوجد فإنه يكون ظلماً ، وأراد المؤلف بقوله هذا احتجاجاً لقوله ، وفي الحقيقة أنه حجةٌ عليه ،
لأننا نقول : التعذيب يكون عدلاً إذا وُجِدَ سببه وإذا لم يوجد فإنه فليس بعدل ،
ونضرب مثلاً لذلك : إذا كان الله عز وجل قال : من فعل كذا وفعل كذا وفعل كذا فله الجنة ثم قام الإنسان بفعله ثم عاقبه الله بالنار هل هذا عدل ؟
لا ، ليس بعدل ، كلنا يقول : ليس هذا بعدل ، وإذا لم يكن عدلاً ،(1/314)
فقول المؤلف : ( وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ) : لا يصح في مثل هذه الصورة ، وإنما يصح فيما إذا خالف المكلف فإنه إذا خالف وعُذِّبَ على المخالفة إما بترك واجب أو فعل محرم حينئذٍ يكون هذا عدلاً ، ويكون تعذيب الله له عدلاً ، وانظروا إلى تمام العدل وتمام الفضل السيئة بمثلها لا تزيد والحسنة بعشر أمثالها ،
والعدل أنْ تكون الحسنة بمثلها أو السيئة بعشر أمثالها ؟
إذا كنت إذا فعلتَ حسنة أعطيتك عشر فمقابل ذلك إذا فعلتَ سيئة بعشر ، لكن مع هذا ليتبين فضل الله صارت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة ومع ذلك هذه السيئة قابلة للمغفرة ، إن الله لا يقبل أن يغفر أنْ يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،
أما ثواب الحسنة فهل هو قابل للإسقاط ؟
لا غير قابل للإسقاط ، إنْ لم يزد لم ينقص ،
وهذا أيضاً يظهر به تمام فضل الله عز وجل ،
أن السيئة بسيئةٍ قابلة للعفو ، والحسنة بعشر أمثالها غير قابلةٍ للنقص بل هي باقية ، لكن ما زاد على العشر ممكن إلى سبع مائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة ،
فالحاصل : أن ما قاله المؤلف رحمه الله من الحكم والتعليل كله غير صحيح ،
أما التعليل فهو مجمل يحتاج إلى تفصيل ،
قوله : ( فكل ما منه تعالى يجمل ) : يحتاج إلى تفصيل :
يجمل إذا لم يتضمن نقصاً ، لا يجمل إذا تضمن نقصاً بل لا يمكن أنْ يكون يعني فعل من أفعال الله غير جميل ،
قوله : ( لأنه عن فِعْلِهِ لا يُسْأَلُ ) : فيه التفصيل :
عن فعله الذي هو سبب العقوبة أو الثواب لا يُسْأَلُ عنه ، سبب الثواب الهداية وسبب العقوبة الضلال هذا لا يُسْأَلُ عنه ،
لكن لو أنه عذب من اهتدى فهنا قد يَرِدُ السؤال كيف يكون ذلك والله عز وجل قد ضمن أن â ô`¨B ?@IHx? $[sI=»|¹ ¾Im????uZI=sù ( ? ( فصلت 46 ) وأنه لا يظلم أحداً ،
قوله : ( إنْ يُثِبْ فبمحض فضله ) : هذا صحيح إذا أثاب فهذا بمحض فضله ،
قوله : ( إنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ) : هذا فيه التفصيل :(1/315)
إنً عذب من يستحق العذاب فهذا بِمَحْضِ عدله أما أنْ يعذب من لا يستحق فهذا غير وارد إطلاقاً ، وكل أحد يعرف أن هذا ظلمٌ يُنَزَّهُ الله عنه ،
قوله : ( فإنْ يُثِبْ فإنه من فضله ) : نعم ، فإنْ يُثِبْ فإنه من فضله ، سواءٌ أثاب المطيع على عمله بالطاعة أو عفا عن المجرم ، فإن عفوه عن المجرم يعتبر إثابة ،
لأن ترك العقوبة إحسان ، وإذا عفا عن المجرم فهو بفضله العفو عن المجرم محتمل إلا إذا كان الإجرام شركاً ،
ودليله : قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) فهو إذا أثاب فإنه من فضله ،
وقلتُ لكم : الثواب قد يكون بالجزاء على العمل الصالح بالفعل الصالح وقد يكون بالعفو عن العمل السيء لأن ترك العقوبة إحسان ،
قوله : ( وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ) : ظاهر كلام المؤلف : إنْ يعذب مطلقاً لقوله : ( وجاز لذي المولى أنْ يعذب الورى ) ،
ولكننا نقول : إن هذا الظاهر إنْ كان مراداً للمؤلف فهو غير صحيح ،
بل ( إنْ يعذب على الإساءة ) ، هذا هو الصحيح ، إنْ يعذب على الإساءة فبمحض العدل ،
نعم لأنه لا يعذب على الإساءة إلا بمثل السيئة { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يُظلمون } ( الأنعام 160 ) : يعني لو جوزي بالأكثر لكان ظلماً لكنهم لا يُظلمون ،
إذن قول المؤلف : ( وإنْ يعذب فَبِمَحْضِ عدله ) : صحيحٌ إنْ أراد به من أساء ، أما إنْ أراد به أنْ يعذب حتى من أحسن فليس بصحيح ،
لأنه لو عذب المحسن لكان هذا ظلماً والله عز وجل منزه عن الظلم ،
******************
68 – فلم يجب عليه فعل الأصلح ،
ولا الصلاح ويح من يفلح ،
يعني لا يجب على الله أن يفعل الأصلح ولا يجب عليه أنْ يفعل الصلاح [156] ،
والمراتب أربع :
1. صلاح ،
2. وأصلح ،
3. وسيء ،
4. وأسوأ ،(1/316)
أما والسيء والأسوأ فهذا لا يمكن أنْ يفعله الله عز وجل ، لا يمكن أنْ يفعل السيء ولا يمكن أنْ يفعل الأسوأ لأن هذا نقصٌ في الإرادة أنْ يفعل السيء والأسوأ ولأنه منافٍ للحكمة ، إذْ أن الحكمة تمنع أنْ يفعل الفاعل ما هو سيء أو أسوأ ،
فإنْ قال قائل : إن الكلام هذا منقوض بما يحصل من الجَدْب والفسوق ، من الجَدْب وهو المتعلق بالكون ومن الفسوق المتعلق بالشرع وهذا حاصلٌ بإرادة الله ؟
فالجواب عن ذلك أنْ نقول : إن هذا سيء من وجه صالحٌ من وجه ،
فالجَدْب مثلاً : هو نفسه السيء لكن الله يقدره لأمرٍ أعظم وأنْفع للعباد من الخصب { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } ( الروم 41 ) بقاء الناس على فسوقهم وعتوهم وضلالهم مفسدة عظيمة أعظم من مفسدة الجَدْب فإذا جاءت مفسدة الجَدْب من أجل استقامة الناس على دين الله صار وجود الجَدْب صلاحاً صار صلاحاً عظيماً ،
أرأيتَ إذا كان عندك صبي مريضٌ بمرض يُشْفى بالكي منه ، ثم كَوَيْتَهُ فالكي إساءة ولكنه رجاء مصلحةٍ أعظم ، لأن الكي لا يقتله والمرض الذي أصابه ربما يقتله فإذا كَوَيْتَهُ لم يقل الناس : أسأتَ التصرف ، بل يقولون : أحسنتَ ،
وجدتَ صَبِيَّكَ يلعب في السوق ، فأخذته وكَوَيْتَهُ قلتَ : لماذا تلعب في السوق ؟ وكَوَيْتُكَ من أجل أنك تلعب ، هذا لا يجوز لأنه لا يعذب بالنار ، والنار ليست هنا هي السبب بصلاحه قد يُكْوى ويطلع ، لكن الكي سببٌ في الشفاء من المرض ،
ولهذا جاز الكي للاستشفاء من المرض ولمْ يجزْ الكي من أجل أنْ يصلي أوْ أنْ لا يخرج إلى السوق وما أشبه ذلك ،
على كل حال : من هنا ننتقل إلى قول المؤلف : ( فلم يجب عليه فعل الأصلح ولا الصلاح ) ،
فإذا كان فعل فيه صلاح وفعل فيه أصلح وفعل ليس فيه صلاحٌ ولا أصلح وفعل فيه سوء وفعل فيه أسوأ ، خمسة أقسام [157] ،(1/317)
فَفعل الله عز وجل وحاشاه من ذلك سبحانه وتعالى فعل الأسوأ فإنه في نَظَرِ المؤلف جائز على الله ، جائز على الله أنْ يفعل الأسوأ ،
ولكن كلام المؤلف هذا أيضاً فيه نَظَرْ ، نَظَرٌ ظاهر ، لأن فعل الأسوأ مع إمكان الصلاح منافٍ للحكمة لكن قد يخطئ الإنسان في الفهم ، فيظن أن الأصلح خلاف كذا ولكن الأمر خلاف ما ظن ، فيظن الله تعالى في هذه الحال فعل الأسوأ وليس كذلك ، لكن لو كان الأسوأ حقيقةً وتقديراً وتصوراً ،
فإننا نقول : إن الله لا يمكن أنْ يفعله لأنه منافٍ للحكمة والله سبحانه وتعالى حكيم ، لا يمكن أنْ يفعل إلا ما فيه الخير إما بذاته وإما بغيره ، قوله : ( فلم يجب عليه ) أي على الله فعل الأصلح ولا الصلاح ،
قوله : ( ويح من لم يفلح ) : الأصلح والصلاح والأسوأ والسيء وما لا صلاح فيه ولا سوء ،
الأقسام خمسة ،
الأصلح والصلاح أيهما أعلى ؟ الأصلح ، السيء والأسوأ أيهما أدنى ؟
الأسوأ ، ما لا صلاح فيه ولا سوء هذا مستوي الطرفين ، لله عز وجل أنْ يفعل ما شاء كما قال تعالى : { ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) ، لكن ما كان من مقتضى حكمته وكماله ، فلا بد أنْ يكون وما خالف مقتضى الحكمة والكمال ، فإنه مستحيل ،
فمثلاً : تعذيب المطيع هذا مستحيل لماذا ؟
لأن مقتضى الحكمة أنْ يُثاب المحسن على إحسانه ولأنه لو عذب المحسن لكان فيه إخلافٌ لوعده والله عز وجل { لا يخلف الميعاد } ( آل عمران 9 ) ، لأنه ليس عاجزاً وليس كاذباً سبحانه ، بل الصادق القادر فلا يخلف الميعاد ،
إذن نقول : هذا الذي عمل صالحاً ، يجازيه الله تعالى بالأصلح وجوباً بمقتضى الحكمة والكمال لأنه وعد عز جل بأنه يثيب الطائع ،
فيجب عليه بإيجابنا أو بإيجابه هو على نفسه ؟
بإيجابه هو على نفسه ،
لو قال قائل : الجَدْب الذي يصيب الناس صلاح ؟(1/318)
لا شك هو في الحقيقة غير صلاح { ظهر الفساد في البر والبحر } ( الروم 41 ) ومنه الجَدْب ، هو غير صلاح في حد ذاته لكنه صلاحٌ لغيره بدليل : { لعلهم يرجعون } ( الروم 41 ) .
ولهذا اختلف العلماء : هل يجب على الله فعل الأصلح أو لا يجب ؟ وهل يجب على الله فعل الصلاح أو لا ؟
نحن نقول : إنه يمتنع عليه عز وجل فعل الأسوأ وفعل السيء لأنه منزهٌ عن النقص وهذا نقص ،
فعل ما ليس فيه صلاح ولا سوء أيضاَ منزه عنه ، لماذا ؟
لأن مثل هذا الفعل سَفَهْ ولعب ، والله تعالى منزه عن ذلك ، بقي عندنا الصلاح والأصلح ،
ولكن ما ميزان الصلاح والأصلح ؟
إنْ كان عقولنا فربما نتوهم أن الله تعالى فعل الأسوأ أو السيء وإنْ كان المقصود الواقع فإنه عز وجل لا يفعل إلا الصلاح أو الأصلح ، بل مقتضى الكمال أنه إذا كان صلاح وأصلح فإنه يفعل الأصلح ،
مثلاً إذا قال قائل : إنْ قلتم إنه يجب عليه فعل الأصلح أو الصلاح ، وَرَدَ عليكم خَلْقُ إبليس ، لو سَلِمَ الناس من إبليس لكانوا في خير ، وكان أصلح لهم والله تعالى قد خلقه ، فإنْ قلتم إنه يجب عليه فعل الأصلح انتقض عليكم بخَلْقِ إبليس ، فماذا نقول ؟
نقول : نعم ، خَلْقُ إبليس لا شك أنه شر لكن وجود شرٍّ يُصارع بِخَيْرْ هذا أصلح لأن الناس كانوا على طريقةٍ واحدة ، لا أحد يضلهم لم يتبين الصادق من غير الصادق ، لأنه ليس هناك سبيل إلى أنْ يكون فاجراً لأنه لم لو يوجد إبليس ولا نفس أمَّارة بالسوء ما كان فيه طريق للإنسان فيكون فاجراً حتى يُعْرَفْ حسن نِيِّتِهِ من سوء نِيِّتِهِ ،
فالحكمة إذن أنْ يُخْلَقَ إبليس الحكمة والأصلح أنْ يُخْلَقَ إبليس ، لماذا ؟
لأنه لا يمكن امتحان العبد ومعرفة كونه عبداً خالصاً لله أو عابداً لهواه إلا بوجود إبليس والشر والنفس الأمَّارة بالسوء ،
إذن هذا ليس صلاحاً في نفسه ولا أصلح في نفسه ولكن لغيره ،(1/319)
الجَدْبْ لا شك أنه فساد ، فساد للناس تعطل مصالح هلاك مواشي وربما هلاك أنفس أيضاً ،
والله عز وجل يُقَدِّرُ الجَدْبْ ،
إذا قال قائل : كيف يستقيم مع هذا قولك إن الله لا يفعل إلا الأصلح أو الصلاح ؟
نقول : هذا صلاحٌ لغيره ،
لأن الله بَيَّنَ الحكمة منه فقال : { لعلهم يرجعون } ( الروم 41 ) .
ولو بقي الناس قد بُسِطَ لهم الرزق ، لكان الأمر كما قال الله تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكنَّ اللهَ يُنزِّل بِقَدَرٍ ما يشاء } ( الشورى 27 ) .
ونضرب مثلاً : بإنسان أراد أنْ يعطي شخصاً ألف درهم ، لكن يعلم لو أنه أعطاه ألف درهم لذهب يشتري بها أشياء لا تنفعه ويتمرد بها ، لكن يعطيه كل يومٍ درهماً وربما في بعض الأيام يمنعه ويكون في ذلك صلاح أو أصلح له ، فالرجل الثاني الذي كان لا يعطيه إلا درهماً وربما منعه بعض الأحيان ،
نقول : إن إصلاحه للمُعْطَى أحسن من إصلاح الرجل الأول الذي أعطاه ألف درهم وذهب ينفقها في أشياء ليس فيها نفع أو في أشياءٍ فيها ضرر ،
والحاصل أن هذه المسألة فيها نزاع طويل بين أهل السنة وأهل الاعتزال ،
المعتزلة يرون : أن الله يجب عليه أنْ يفعل الأصلح والصلاح ،
وأهل السنة يقولون : لا يجب ،
والصحيح : التفصيل : وهو أنْ نقول : إن الله تعالى يفعل ما كان من مقتضى كماله ،
ولكن الميزان في الأصلح أو عدمه ليست عقولنا كما تقوله المعتزلة ،
ولكن الميزان للأصلح والصلاح هو الواقع الذي يتبين به أن هذا الفعل الذي أجراه الله عز وجل هو الأصلح ،
{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } ( الأنعام 65 ) ، كل هذه في ظاهرها مفاسد ومساوئ ، العذاب من فوقنا أو من تحت أرجلنا ، من فوقنا صاحب من السماء ، من تحتنا زلازل براكين ، { أو يلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } ( الأنعام 65 ) يعني قتال فيما بينهم ،(1/320)
كل هذه في ظاهرها سيئة ولكن فيها مصلحة عظيمة من أجل أنْ نتوب إلى الله ونرجع إليه حتى نتقي هذه العقوبات على أنْ النبي صلى الله عليه وسلم :
قال في الأول : { أو من تحت أرجلكم } : ( أعوذ بوجهك ) .
وفي الثانية قال : ( هذه أهون أو أيسر ) [158] ، ولهذا وَقَعَتْ في الأمة ،
الثالثة وَقَعَتْ في الأمة ،
أما الأول والثاني فلم تقع في الأمة على سبيل العموم ، وربما يوجد في أجزاء من الأرض زلازل أو ما أشبه ذلك لكنها ليست عامة والله أعلم ،
فلم يجب عليه فعل الأصلح ،
ولا الصلاح ويح من يفلح ،
سبق لنا أن المؤلف رحمه الله مشى على ما مشى عليه أهل السنة من جهة وخالف المعتزلة من جهة أخرى ،
المعتزلة يقولون : إنه يجب على الله فعل الأصلح بجانب الصلاح ، وفعل الصلاح بجانب الفساد ،
ولكننا قلنا : إنه إنْ كان المراد بالصلاح والفساد والأصلح ما يُناطُ بالعقل ،
فقول المعتزلة خطأ ، وذلك لأن عقولنا تقصر عن إدراك الصلاح والفساد ، قد نظن هذا الشيء فساداً ويكون صلاحاً ، وقد نظنه صلاحاً ويكون فساداً ،
وإن أرادوا بالأصلح ما تقتضيه حكمة الله عز وجل ، وإنْ كان بالنسبة لنا سيئاً فإنْ هذا هو ما تقتضيه حكمة الله عز وجل ، لأن الله لا يفعل شيئاً يكون فساداً ، كيف يفعل ذلك وهو يقول : { والله لا يحب الفساد } ( البقرة 205 ) ، ولكننا نحن قد نظن هذا الشيء فساداً وهو صلاح ، كخلق إبليس مثلاً ،
خلق إبليس ، يقول أهل السنة للمعتزلة : خلق إبليس فساد فهذا ينقض عليكم قولكم إنه يجب على الله فعل الأصلح ،
المعتزلة يقولون : يجب على الله فعل الأصلح ،
أهل السنة كما قال المؤلف يقولون : لا يجب ،
لكن نحن نريد أنْ نُفَصِّلْ كما فَصَّلْنا بالأمس ،
خلق إبليس يقول أهل السنة للمعتزلة : إنه فساد وشر ،(1/321)
وأنتم تقولون : إنه يجب على الله فعل الأصلح أو الصلاح ، فكيف يتفق قولكم مع خلق إبليس ؟
نقول : يمكن الجواب عن هذا ، بأنْ يقال : إن خلق إبليس شرٌ من وجه ، خير من وجهٍ آخر ، لولا خلق إبليس ما وُجِدَ الكفر ولا الفسوق والعصيان ، ووجود الكفر والفسوق والعصيان هو مقتضى حكمة الله عز وجل الذي به تتم كلمته ويصدق وعده قال الله تعالى : { لو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأنَّ جهنم من الجِنَّةِ والناس أجمعين } ( هود 118 – 119 ) ( هود 118 – 119 ) ،
لو كان الناس كلهم على الصلاح ، هل تتم كلمة الله بِمَلأِ النار ؟
لا ، إذن فوجود إبليس وإنْ كان فيه الشر والفساد ، لكن خلقه وإيجاده مصلحة ، لأن ذلك مُقَتَضى الحكمة الذي يتم به غاياتٌ أرادها الله عز وجل ،
*****************
69 – فكل من شاء هداه يهتدي ،
وإنْ يُرِدْ إضلال عبدٍ يعتدي ،
هذا البيت يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يَهْدِ الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ) [159] ،
بل يشهد له قوله تعالى : { من يهدِ الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا } ( الكهف 17 ) .
ولكن سبب الهداية وسبب الإضلال ، سببه من العبد ،
لأن الله تعالى يقول : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } ( محمد 17 ) .
فإذا علم الله من العبد أن نيته الهدى وطلبه الهدى هداه ،
وإذا زاغ القلب أزاغه الله كما قال تعالى : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } ( الصف 5 ) .
وقال تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرِّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به } ( المائدة 13 ) .(1/322)
فسبب الإضلال سببه من العبد لو علم الله من العبد أنه أهلٌ للهداية هَداهْ كما أنه إذا علم أن هذا العبد أهلٌ للرسالة أرسله قبل خَتْمِ النبوة ،
قال الله تعالى : { الله أعلم حيث رسالته } ( الأنعام 124 ) .
الأسئلة والمناقشة
- وليس كل خلافٍ جاء معتبراً إلا خلاف له حظٌ من النظر
الخلاف إذا كان له حظ من النظر فهو معتبر فما خالف إجماع السلف مثلاً فهو غير معتبر ، الخلاف غير المعتبر معناه ألا ننظر فيه إطلاقاً لأنه غير معتبر ،
- الخلاف في فناء النار [160] ليس في صلب العقيدة ، كلهم يؤمنون بأن النار موجودة ولا بد من عذاب فيها لكن الخلاف هل تبقى أو لا تبقى ؟
كلهم يؤمنون أن الرسول رأى ربه لكن هل رآه حقيقة أو رآه بفؤاده وهكذا [161] ؟ ،
- إذا شك الإنسان في وجود الله فهو كافر ، لكن المسائل التي فيها الخلاف لا بد أن يكون فيها شك ، لكن قد يكون فيها شك عند بعض الناس ويقين عند آخرين ،
- مسألة نفي الصفات لا تلحق بالمسائل السابقة ،
فمثلاً : نفي المعتزلة للصفات أو إثبات الصفات عن طريق العقل تختلف عن المسائل السابقة ،
وهي طريقة منكرة لأمرين :
أولاً : لمخالفتها لطريقة السلف ،
ثانياً : أن هذه تنقض العقيدة رأساً على عقب ،
ليس هناك صفات إطلاقاً فرق عندما نقول : ليس هناك صفات أو نقول : هل رآه بفؤاده أو بعينه هذه مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم مسألة جزئية ثم خلاف في صفة هذه المسألة فقط ،
- لو كان شيء مع الله لزم أنْ يكون مثل الله لفظ الحديث : ( ولم يكن شيء معه ) [162] ، في بعض الألفاظ : ( ولم يكن شيء قبله ) [163] ، كما جاء في الحديث : ( أنت الأول فليس قبلك شيء ) [164] ،
وعلى اللفظين لا تنافي يعني لا شيء قبل الله ولا شيء مقارن لله لأن الشيء هو المفعول والمفعول لا بد أن يكون بعد الفاعل كما قررنا ،(1/323)
- أفعال الله لا نهاية لها ولكننا لا نعلم كل أفعال الله ،
- ليس في الوجود إلا خالق ومخلوق ، ليس هناك من المخلوقات يكون أزلياً أبداً ،
ما من مخلوق إلا وهو حادث بعد أنْ لم يكن ، ولم يقل أحدٌ بقدمه إلا الفلاسفة ،
الفلاسفة الذين قالوا بقدم العالم وأن العالم لم يَزَلْ ولا يزول [165] ،
ولهذا يقولون : إن المادة لا تفنى كما أنها ليست حادثة ،
وهذا لا شك أنه شرك مخرج عن الملة ، من ادعى أن مع الله شريكاً في الوجود فهو مشرك [166] ،
السؤال : أحسن الله إليك إذا قال قائل : إن الله سبحانه وتعالى قد يحتاج إلى بعض صفاته فلولا كلام الله سبحانه وتعالى لما فهم الناس مراده ؟
الجواب : إذن من الذي يصلح ؟ من الذي انتفع ؟ الناس ،
ما يحتاجه الله يعني لو كفر الناس كلهم ، يحتاج الله إلى إيمانهم ؟
ما يحتاج ما فيه حاجة لله لا تتصور هذا ، إنما يفعله الله عز وجل لمصلحة العباد ، لكن هو حاجة بل ضرورة إلى العباد ،
- إذا نُفِخَ في الصور عادت الأرواح إلى أجسادها ، والحي يُصْعَقْ يموت ،
السؤال : قول بعض الناس ( لا سمح الله ) ؟
الجواب : والله ما أرى هذا ، لأن كلمة ( لا سمح الله ) تشعر بأنه يُكْرَهْ على الشيء ولكن قل : ( لا قَدّرَ الله ذلك ) لا بأس ، ( لا قَدّرَ الله ) يعني تسأل الله ألا يُقَدّرَ هذا الشيء ،
- قولهم : ( يُنْقَلْ إلى مثواه الأخير ) هذا حرام أنك تقوله لأنك إذا قلت : ( إلى مثواه الأخير ) لزم من ذلك ألا يكون بعث ، لأن القبور ليست هي المثوى الأخير { ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر } ( التكاثر 1 – 2 ) سمع أعرابيٌ رجلاً يقرأ هذه الآية قال : ( والله ما الزائر بمقيم ) ،
- أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الشهداء في قناديل معلقة تحت العرش وأرواح الكفار في النار لأن النار والجنة موجودتان الآن ،
- البرزخ : معناه ( الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة ) هذا البرزخ ،(1/324)
البرزخ ما هو اسم مكان البرزخ معناه ( الشيء الفاصل ) ،
- الآن الأرواح موجودة في الجنة الآن ، الآن الأرواح موجودة في الجنة الآن ،
السؤال : الذين في القبر ما تكون الأرواح معهم ؟
الجواب : ما تكون معهم ، لكن تعاد إليهم عند الفتنة فتنة القبر ،
- قوله تعالى : { إلا من شاء الله } ( النمل 87 ) ، قال السلف : يدخل فيها الولدان والحور التي في الجنة ممن استثني والملائكة أيضاً ،
- صفات الله ليست بمخلوقة :
أولاً : الصفات تابعة للموصوف ، فالموصوف هو الخالق وليس بمخلوق ،
إذن صفاته ليست بمخلوقة ،
ثانياً : أن المخلوق شيء بائنٌ عن الخالق منفصلاً عنه والصفات ليست بائنةً من الموصوف وليست منفصلة عنه ،
- قوله ( ضل من أثنى عليها بالقدم ) :
يشير إلى من قالوا بقدم المخلوقات وأنها قديمة النوع ، وأن هذه المخلوقات التي نشاهد هي أزلية أبدية ،
ولهذا عندهم من جملة ما يتفرع على هذا : أن المادة ليست حادثة وأنها لا تفنى ،
وهذا قولٌ باطل كما شرحنا ،
- لو قال قائل كيف تصفون الله بالاختيار ؟ هل جاء في النص ما يدل على أن الله يُوصَفُ بالاختيار ؟ قال تعالى : { وربك يخلق ما يشاء ويختار } ( القصص 68 ) .
الفرق بين الحاجة والاضطرار : أن الحاجة يمكن الاستغناء عنها والضرورة لا يمكن الاستغناء عنها ،
- خطر على بالي ما جاء في الحديث : ( إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لَعَذَّبَهَمْ وهو غير ظالمٍ لهم ) [167] ، فكيف نجيب عن هذا الحديث ؟
الجواب عنه : نقول من أوجه :
أولاً : نطالب بصحته ،
ثانياً : فإذا صح كان المعنى : إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان تعذيبه إياهم في غير ظلم ، أي لكان تعذيبه إياهم بسبب منهم وهو المعصية ،
ثالثاً : لو عذبهم لَعَذَّبَهَمْ وهو غير ظالمٍ لهم وذلك بأنْ يقابل إحسانه بإحسانهم فإنه إذا قابل إحسانه بإحسانهم لصار إحسانهم ليس بشيء ،(1/325)
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله ) [168] ، أي من باب المقابلة ،
لأننا لو أن الله حاسبنا على وجه المناقشة لكان فِعْلُنا للخيرات دَيْناً علينا ،
لأنه هو الذي منَّ علينا بذلك ،
وحينئذٍ لو عذبنا في هذه الحال أو من هذا الوجه ، لكان عذبنا وهو غير ظالمٍ لنا ،
هذا إذا صح الحديث ، فلا يكون في هذا إشكال ،
فصل
في الكلام على الرزق
70 – والرزق ما ينفع من حلال ،
أو ضده فَحُلْ عن المُحَالِ ،
قوله : ( الرزق ) : بمعنى العطاء ، والله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، وهو الذي يرزق العباد ،
فهل الرزق شامل للحلال والحرام ، أو هو خاصٌ بالحلال ؟
نقول : الرزق نوعان :
1. رزق ما يقوم به البدن ،
2. ورزق ما يقوم به الدين ،
أما رزق ما يقوم به البدن فشاملٌ عام ، يشمل الحلال والحرام ويشمل رزق البهائم والإنسان ، هذا عام وهو الذي ما يقوم به البدن هذا عام ، حتى لو فُرِض أن الرجل لا يأكل الخنزير والميتة فهو رزق ، لو فرض أنه لا يأكل إلا الربا وما يكون بالغش والخيانة فهو رزق ،
النوع الثاني : رزق ما يقوم به الدين ، فهذا خاصٌ بالرزق الحلال ، لأن رزق الحرام وإنْ قام به البدن لكن ينقص به الدين ،
فقول المؤلف : ( والرزق ما ينفع من حلال أو ضده ) : يريد به الرزق الذي يقوم به البدن ، فهذا عام للحلال والحرام والناطق والبهيم وكل شيء ،
******************
71 – لأنه رازق كل الخلقِ ،
وليس مخلوقٌ بغير رزقِ ،
ثم علل المؤلف : ( لأنه رازق كل الخلق ) : ولو قلنا : إن الرزق خاصٌ بالحلال لخرج قسم كبيرٌ من الخلق عن كَوْنِ الله يرزقهم ،(1/326)
لو قلنا : إن الرزق هو الحلال فقط وأما الحرام فليس برزق ،
لكان هذا القول : يخرج كثيراً من الخلق عن كَوْنِ الله تعالى رازقهم ، مع أن الله رازق كل الخلق ، فـ { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبين } ( هود 6 ) .
أما إذا كان الرزق مطلوباً من العبد كقول العبد : اللهم ارزقني ، فلا ريب أن إنما يطلب الرزق الحلال الذي به قوام الدين ، ولا يخطر ببال أي إنسان دعا الله أن الله يرزقه لا يخطر بباله أنه يريد الحلال والحرام ، أبداً إنما يريد الرزق الحلال ،
لكن قد يقول قائل : أليس الإنسان يقول : ( اللهم ارزقني رزقاً حلالاً طيباً ) ؟
فالجواب : بلى ، ولكنه يقول ذلك من باب التأكيد ،
كما يقول القائل : ( اللهم اغفر ذنبي كله دِقَّهُ وجِلَّهْ علانيته وسره وأوله وآخره ) [169] ، مع أنه يغني عن ذلك أنْ يقول : ( اللهم اغفر ذنبي ) ، لكن يقول هذا من باب التأكيد ، ومن باب الإلحاح على الله في الدعاء ، والله تعالى يحب الملحين في الدعاء ، ومن باب كثرة مناجاة الله عز وجل لأن الإنسان المحب لله يحب أنْ يكثر مناجاته ، لأن الحبيب يحب طول المناجاة مع حبيبه ،
إذن الرزق ينقسم إلى قسمين :
1. ما يقوم به البدن ،
2. وما يقوم به الدين ،
فالذي يقوم به البدن عام يشمل الحلال والحرام ورزق الناطق والبهيم ،
والذي يقوم به الدين خاصٌ بالرزق الحلال ومنه رزق العلم والإيمان ، هذا مما يقوم به الدين ،
أما الرزق المطلوب الذي يطلبه العبد من الله فهو يختص بالرزق الحلال بقرينة السؤال ، لأنني لا أظن أن أحداً من المؤمنين يسأل الله رزقاً على أي وجهٍ كان أبداً ، وإنما الرزق الحلال ،
قوله : ( وليس مخلوقٌ بغير رزقِ ) : ( رَزْقِ ) أو ( رِزْقِ ) يجوز هذا وهذا ،
فـ ( الرَّزْقُ ) : بالفتح هو الفعل ، و ( الرِّزْقِ ) : بالكسر هو المرزوق ،(1/327)
لا يوجد مخلوق بغير رِزْق أبداً ، كل المخلوقات رزقها الله عز وجل { الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى } ( طه 50 ) .
******************
72 – ومن يَمُتْ بِقَتْلِهِ من البشر ،
أو غيره فبالقضاء والقدر ،
قوله : ( ومن يَمُتْ بِقَتْلِهِ من البشر ) : ( من البشر ) بيانٌ لـ ( من ) ، يعني من يموت من البشر بالقتل فبالقضاء والقدر ،
قوله : ( أو غيره ) : ( غير ) يحتمل أنْ تكون عائدةً إلى البشر ، فيكون المعنى : ( من يَمُتْ من البشر بقتله من البشر وغير البشر ) ، ويحتمل أنْ تكون عائدة على القتل ،
أيْ : ومن يَمُتْ بقتله من البشر أو بغير قتله بل يموت موتاً طبيعياً فبالقضاء والقدر ، واللفظ الذي يحتمل هذين المعنيين صحيح والمعنيان لا يتنافيان فيكون شاملاً .
يعني : من يمت بقتلٍ أو بغير قتل ومن يمت من البشر أو غيرهم بالقتل فبالقضاء والقدر ،
قضاء من ؟
قضاء الله عز وجل وقدره ،
القضاء والقدر بمعنىً واحد إنْ انفرد أحدهما عن الآخر ،
ويختلف عند الاجتماع ويكون القدر ما قَدَّرَهُ الله في الأزل والقضاء ما حَكَمَ به فعلاً ، هذا يكون عند الاجتماع ،
أما إذا قيل : ( قضاء الله ) وحده ، أو قيل ( قدر الله ) وحده ، فهو شاملٌ للمعنيين جميعاً [170] ،
******************
73 – ولم يَفُتْ من رزقه ولا الأجل ،
شيءٌ فدع أهل الضلال والخطل ،
لم يَفُتْ من رزقه الذي قَدَّرَهُ الله شيء ، ولا من أجله الذي كتبه الله له شيء ،(1/328)
ودليل هذا : قوله تعالى : { ولكلِّ أمةٌ أجل فإذا أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون } ( الأعراف 34 ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها ) ، لا يبقى من الأجل ولا لحظة ولا من الرزق ولا حبة ، كلها يستكملها ينتهي فإذا كان كذلك علمنا بأن الذي يُقْتَلْ يكون قد مات بأجله ، والذي يُقْتَلْ يكون قد استكمل رزقه ،
مثال ذلك : رجل قُتِلَ عند زوال الشمس مثلاً ، لا يقول قائل : إن هذا الرجل فاته الغداء من الرزق ولو بقي لتَغَدَّى ، لفاته من رزقه الغداء ،
نقول : هذا لا يمكن ، لأن الله قَدَّرَ لأنْ يموت هذا الرجل قبل أنْ يأتي موعد الغداء ،
إذن فالغداء ليس له لم يُكْتَبْ له ، كذلك الأجل ،
لو قائل : هذا الرجل يبقى إلى الليل لو لم يُقْتَلْ ؟
لقلنا : هذا محال ، لأن الله قَدَّرَ أنْ يموت بهذا السبب في هذه الساعة ، فلا يفوت الأجل أبداً بالقضاء ،
لو قال : لو لم يُقْتَلْ لبقي إلى الليل ؟
نعم لو لم يُقْتَلْ لم يمت بالقتل هذا صحيح ، لكن كونه يمتد الأجل إلى الليل أو لا يمتد هذا شيء ثاني ، مجهول لنا إنما المعلوم لنا أنه لو لم يُقْتَلْ لم يمت بالقتل هذا ،
ولكن هل هذا فرض أمرٍ يمكن أنْ يقع أم لا ؟
نقول : هذا فرض أمرٍ لا يمكن أنْ يقع ما دام قد قُتِلْ لأننا نعلم أن الله قَدَّرَ أجله إلى هذه الساعة بل إلى هذه اللحظة وبهذا السبب ،
لو قال قائل : يمكن لأنْ يموت قبل أنْ يُقْتَلْ بِلَدْغَةِ حية أو أكل سُمّ أو بَغْتَةْ أو بمرض ، ماذا نقول ؟
لا يمكن ، لأن الله كتب أن يموت بالقتل وفي هذه الساعة ،
إذن فهذا الإيراد وهو قوله : ( لو لم يُقْتَلْ لبقي ) ،
نقول : هو إيراد شيءٍ محال ، كقوله تعالى : { قل إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول العابدين } ( الزخرف 81 ) هذا شيء محال ،
فمحالٌ أنْ يبقى بعد هذا الزمن الذي قُتِلَ فيه ولا لحظة ،(1/329)
ومحالٌ أنْ يموت بغير هذا السبب لأنه لما وقع ، علمنا أن الله قد كتبه في الأزل ،
فإنْ قال قائل : ماذا تجيبون عن قول النبي عليه الصلاة والسلام ( من أحب أنْ يُبْسَطَ له في رزقه ويُنْسَأَ له في أثره فَلْيَصِلْ رَحِمَهْ ) [171] ؟ فجعل صلة الرحم سبباً في بسط الرزق وللتأخير في الأثر ماذا تجيبون ؟
نُجِيبْ : نقول : قول النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وصلة الرحم من أسبابه ، من أسباب طول العمر ، ومن أسباب سعة الرزق ، وإذا قُدِّرَ أن الإنسان وَصَلَ رَحِمَهُ ، علمنا أنه فعل السبب الذي يكون به طول العمر وسعة الرزق ، ولا يختلف هذا عن قوله تعالى فيمن عَمِلَ صالحاً بأنه يدخل الجنة ، لا يختلف لأننا نعلم أنه متى فعل السبب وُجِدَ المسبب ، وإذا لم يفعله لم يوجد المسبب ، هذا الرجل إذا يصل رَحِمَهْ لم يَطُلْ عمره ، ولم يُبْسَطْ له في رزقه لأنه لم يفعل السبب ، لكن إذا وَصَلَ رَحِمَهُ طال عمره واتسع رزقه ، ونعلم أن هذا الرجل قد كُتِبَ أصلاً عند الله بأنه وصولٌ لرَحِمَه وعمره ينتهي في الوقت الفلاني ورزقه يكون إلى الساعة الفلانية ، ونعلم أن الرجل الآخر لم يُكْتَبْ أنْ يصل رَحِمَه فكُتِبَ رزقه مضيقاً ، وكُتِبَ عمره قاصراً من الأصل ليس فيه شيء يزيد وينقص عن الذي كُتِبَ في الأزل ،
إذن ما الفائدة من قوله عليه الصلاة والسلام من هذا الكلام ؟
نقول : الفائدة من ذلك : الحث على صلة الرحم ،
وإذا كان الله قد كتب هذا الرجل وصولاً لرَحِمَه سيصل رَحِمَه ،
لكن كتابة الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل أنْ يكون وصولاً للرحم أمرٌ مجهول لنا ، لا نعلمه ،
الأمر الذي بين أيدينا هو أنْ نعمل ،
وما وراء ذلك فهو عند الله عز وجل ،
وبهذا التقرير نسلم من قول من قال من العلماء : إن المراد بطول العمر البركة فيه ، والمراد بسعة الرزق ( أنْ يُبْسَطَ له في رزقه ) أي في البركة ،(1/330)
لأنهم لو قالوا هذا القول ما أجدى عنهم شيئاً لأن البركة أيضاً وجودها كطول العمر ونَزْعُها كقصر العمر ، نفس الشيء ، إنْ كان الله قد كتب أنْ يكون عمرك مُبارَكاً كان مُبارَكاً وإنْ كان الله قد كتب أنه غير مُبارَك صار غير مُبارَك ، وكذلك الرزق إن كان الله قد كتبه مُبارَكاً كان مُبارَكاً وإنْ يكن كتبه مُبارَكاً لم يكن مُبارَكاً ،
فالمسألة هي هي ، هم فروا من شيء ووقعوا فيه ، لأن كل شيءٍ مُقَدَّرْ ، بركة المال وبركة العمر وبسط الرزق وطول العمر كله مكتوب ،
والمهم أن الذين يقولون هذا القول قولهم غير صحيح ،
كذلك أيضاً الذين قالوا : إن للإنسان عمرين ، عمراً إنْ وصل وعمراً إنْ قطع ، ورزقين رزقاً إنْ وصل ورزقاً إنْ قطع ، هذا أيضاً غير صحيح ، لأن هذا يؤدي إلى أنْ يكون الله تعالى غير عالمٍ بالمآل ، وهذا خطأ ،
نقول : إن الله عالمٌ بالمآل ، عالمٌ بأن هذا يصل ويطول عمره ويُبْسَطَ له في رزقه ، وهذا لا يصل فيقصر عمره ويُقَصَّر في رزقه ، ينقص رزقه ، هذا عند الله معلوم وهو شيءٌ واحد ما يتغير لكنه عندنا غير معلوم ، ولهذا حثَّنا الرسول عليه الصلاة والسلام أنْ نصل الرحم ،
ونظير ذلك أيضاً في مسألة الزواج ، قال < أي الرسول صلى الله عليه وسلم > : ( من أحب أنْ يولد له فليتزوج ) ، نفس الشيء ،
المراد بهذا الحث على الزواج ، وإلا فنحن نعلم الله قد كتب لهذا الرجل أنْ يتزوج وأنْ يولد له أو أن لا يتزوج ولا يولد له ، فنحن فرضنا هذا لأنه سببٌ للولادة كما أن صلة الرحم سببٌ لطول العمر ،
والحاصل : أن الإنسان إذا علم أن الشيء مكتوب بأسبابه طول العمر مكتوب بسببه سعة الرزق مكتوب بسببها الذي هو الصلة ، لكننا نحن لا نعلم صار المقصود من مثل هذا القول من رسول صلى الله عليه وسلم صار المقصود منه الحث على صلة الرحم وأنه سبب ، الدعاء أيضاً سبب لحصول المقصود ، من أحب أنْ يُرزق فليسأل الله الرزق ، السؤال سبب ،(1/331)
لو قال قائل : إذا كان الله كتب لك الرزق فلا حاجة للسؤال ؟
نقول : غلط ففعل الأسباب التي جاءت بها الشريعة أو شهد بها الواقع أمرٌ مطلوب للشرع ، والله تعالى بحكمته قد ربط المسببات بأسبابها ،
فلا إشكال والحمد لله في الحديث ، إنما هو ذكرٌ لسببٍ يكون عند الله معلوماً مكتوباً ، وعندك غير معلوم ، إنما الشيء الذي تُخاطَبُ به أن تفعل السبب ،
قوله: ( إن الرزق هو من الحلال أو ضده ) : ضده الحرام ،
والحرام رزقٌ بالمعنى العام ، ولو لم نقل بذلك لكان الذي لا يأكل إلا الحرام غير مرزوق إذا قلنا : إن الرزق ، لزم من هذا أن الذي يتغذى بالحرام غير مرزوق وهذا مخالفٌ للآية ،
ولهذا قال :
******************
71 – لأنه رازق كل الخلقِ ،
وليس مخلوقٌ بغير رزقِ ،
إذا كان المرزوق مؤمناً تقياً فليس عليه تبعة في رزقه لأن هذا المؤمن التقي لن يأكل إلا الحلال ، فلا يكون عليه شيء ،
أما الكافر فإنه يعاقب على رزقه لأنها لا تكون خالصةً لهم لقوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا } ( المائدة 93 ) ، فمفهومه أن غير المؤمنين عليهم جناح ،
الأسئلة والمناقشة
ما فيه شك أنك إذا ألقيت نفسك في النار مُتَّ ، لكن هل ستلقي نفسك في النار ؟ هذا مكتوب عن الله ونحن منهيون أن نلقي أنفسنا إلى التهلكة ، الجدار المايل ما يجوز أن تجلس تحته ولهذا يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدارٍ فأسرع خوفاً من أن يسقط عليه فنحن مأمورون بفعل الأسباب أما الشيء المكتوب عن الله فإنه لا يتغير ، فهذا الرجل الذي مر من عند جدارٍ مائل وسقط عليه ،
لو قال قائل : لو ذهب مع الطريق الثاني نجا ؟
نقول : ما يمكن ، لا بد أنْ يمر من هذا الطريق ويسقط عليه الجدار ، هذا هو المكتوب عند الله ،(1/332)
- حديث ( لا يرد القدر إلا الدعاء ) [172] صحيح ، وإذا كان مُقَدَّر عليه شيء معين فإنه بالدعاء يرفعه الله ، إنما المكتوب في الأصل أنك تدعوا فيعود ، هذا المكتوب ، كما قال الرسول لما أخبر : ( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يُخَوِّفُ الله بهما عباده ) [173] ، كأن هذا معناه إنذار من الله أنه سيصيبنا عذاب فإذا لجأنا إلى الله وصلينا وتصدقنا ودعونا رُفِعَ هذا الشيء المهم أنت اجعل بالك للمكتوب في الأزل ، وأن ما دونه فهو أسباب فقط فالمكتوب في الأزل ما يتغير ،
يقول المؤلف : ( إن الله تعالى يجوز له أنْ يعذب بدون ذنب ولا جرم ) [174] :
دليله : قوله تعالى : { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } ( الأنبياء 23 ) :
ومن السنة : حديث : ( إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لَعَذَّبَهَمْ وهو غير ظالمٍ لهم ) [175] ،
والقول الثاني في هذه المسألة ، مسألة : ( أن الله يعذب الناس بدون ذنب ) : أن الله لا يعذب الناس بدون ذنب ،
دليلهم : { فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقا } ( الجن 13 ) ، { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما } ( طه 112 ) .
نجيب عما استدل به المؤلف : بأنه قد يتوجه هذا السؤال وهو : ( هل يمكن الله يعذب الناس بدون ذنب ؟ ) ، ولكن لا حاجة له لأن الله قد وعد بأنه يثيب المطيع ويعاقب العاصي ،
أما الحديث أنه إذا عذبهم وهم مستحقون للعذاب فلا يكون ظالماً لهم ،
الثاني : أنه لو عذبهم لكانت أعمالهم لا تفي بحق الله ،
الثالث : أننا نطالب بصحته ، المطالبة بصحة الحديث ،
الباب الثالث
في الأحكام والإيمان ومتعلقات ذلك [176]
الأحكام جمع حكم ،
والمراد به الأحكام الشرعية والأحكام الكونية والأحكام الدينية في الأسماء كما سيأتي والأحكام الدنيوية والأحكام الأخروية ،
المهم الأحكام عامة ، كما سيتبين من الشرح ،
******************(1/333)
74 – وواجبٌ على العباد طراًّ ،
أنْ يعبدوه طاعةً وبراًّ ،
قوله : ( واجب ) : خبر مقدم ،
قوله : ( أنْ يعبدوه ) : مبتدأ مؤخر ، وإنما قلنا بذلك لأن ( واجب ) حكم ، و ( العباد ) محكوم عليه ،
ويجوز على لغة قليلة أو على قولٍ لبعض النحويين أنْ نجعل ( واجب ) مبتدأ و ( أنْ يعبدوه ) فاعلٌ أغنى عن الخبر لأنه يجوز إذا كان الخبر وصفاً وتأخر المبتدأ يجوز أنْ يكون الوصف مبتدأ ويكون ما بعده فاعلٌ به أو نائب فاعل أغنى عن الخبر ،
لكن المشهور أن هذا لا يجوز إذا اعتمد على نفي ٍ أو استثناء ،
قوله : ( وواجب ) : الواجب عند أهل العلم ، ( ما أُمِرَ به على سبيل الإلزام ) أو ( ما أُلْزِمَ به المكلف ) [177] ،
قوله : ( على العباد ) : المراد بهم كل الناس ،
فالعبادة هنا بالمعنى العام ليست العبودية الخاصة ،
وقد مر علينا كثيراً أن العبودية :
1 – تكون عامة وهي التعبد الكوني ،
2 – وتكون خاصة وهي التعبد الشرعي ،
والمراد هنا التعبد الكوني يعني يجب على كل العباد أنْ يعبدوا الله عز وجل ،
قوله : ( طراًّ ) : أي جميعاً ،
قوله : ( أن يعبدوه ) : الهاء في قوله ( يعبدوه ) ليس لها مرجع سابق ولا لاحق ولكن مرجعها معلوم من السياق لأن الذي يجب أنْ يُعْبَد هو الله عز وجل ، فالهاء إذن عائدة على الله عز وجل ،
قوله : ( طاعةً وبراًّ ) : يعني أنْ يعبدوه امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه ،
قوله : ( وبراًّ ) : أي رجاءً لبِرِّهِ وثوابه ، فيشعر الإنسان عند فعل العبادة بأنه فعلها طاعةً لله ورجاءً لثوابه فالصلاة مثلاً يقيمها طاعةً لله ورجاءً لثوابه ،
وقد سبق أنه ينبغي للإنسان أن ينوي في عبادته الوصول إلى الله عز وجل وإلى دار كرامته ،(1/334)
فيجمع بين الأمرين بين إرادة الخالق عز وجل كما قال تعالى : { يريدون وجهه } ( الأنعام 52 ) ، وبين إرادة ثوابه كما قال تعالى : { يبتغون فضلاً من الله ورضوانا } ( الفتح 29 ) .
هذا واجب على كل مخلوق أنْ يعبد الله عز وجل ،
والمراد بالعبادة هنا : ( التذلل لله عز وجل محبةً وتعظيماً بفعل أوامره وترك نواهيه ) ،
ولهذا قال :
******************
75 – ويفعل الذي به أمر ،
حتماً ويترك الذي عنه زجر ،
يعني وواجبٌ عليهم أنْ يفعلوا الفعل الذي أمر به حتماً ،
قوله : ( حتماً ) : وصف يعود على الأمر يعني الذي أمر به أمر حتمٍ ،
لأن مأمورات الله عز وجل قسمان :
1. قسم مأمورات حتم ،
2. وقسم مأمورات تطوع ،
والذي يجب أنْ يُفعل ما أمر به حتماً ،
ولكن ما أمر به تطوعاً قد يكون القيام به فرض كفاية إذا كان التبليغ ، تبليغ الرسالة يتوقف عليه بمعنى أننا لو تركناه لماتت السُّنَّة ،
فهنا ربما يقول قائل : إنه يجب أنْ يقوم الإنسان بما لم يؤمر به حتماً ، ويكون وجوبه هنا لغيره ، يعني لئلا تموت السُّنَّة ، لا لايجاد الفعل ،
أما إذا كانت السُّنَّة مشهورة فمعلومٌ أن القيام بها ليس على سبيل الوجوب ،
قوله : ( ويترك الذي عنه زجر ) : يعني يترك ما زجر عنه من النواهي ،
هذا هو الواجب على كل مؤمن أنْ يفعل ما أمر الله به وجوباً فيما حَتَّمَهُ واستحباباً فيما ندب إليه ،
ويترك الذي عنه زجر وجوباً فيما حَرَّمَهُ ، وندباً فيما هو مكروه ،
ما خُلِقَ الإنسان إلا للعبادة فقط ،
وما عدا ذلك فإنه مُكَمِّل للعبادة ،
حتى تناول المباحات إنما أباحها الشارع لئلا تَمَلَّ النفوس ،
لأن النفوس إذا بقيت مُلْزَمَة بفعل شيء وترك شيء لَكَلَّتْ ومَلَّتْ ،
لكن فُسِحَ لها فيما أحل الله عز وجل ،(1/335)
ولهذا نَجِدُ أن الشارع فَسَحَ للنفوس في أيام الفرح أنْ تتناول ما يفرح ويُطْرِبْ ،
مثل : الدُّفْ في الأعياد وكذلك في الأعراس ،
وأباح للنفس أنْ تنال مطلوبها عند الأحزان ،
فأباح للإنسان أنْ يُحِدَّ على الميت ثلاثة أيام ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَحِلُّ لأمرأةٍ أنْ تُحِدَّ على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوجها أربعة أشهرٍ وعشراً ) [178] ، فثلاثة الأيام يجوز في الإحداد على الميت لأن النفس تكون حزينة كئيبة ما تنبسط للأمور الترفيهية ،
فلا يُقال للإنسان : لماذا مثلاً ما تجملت ، لماذا ما خرجت مثلاً للنزهة ؟ لماذا ما فعلت كذا ما فعلت كذا من الأمور الترفيهية العادية ؟ ، والله أنا محزون ، فينطوي على نفسه ،
هذا لا بأس به ، بشرط أنْ لا يكون الحامل له على ذلك التسخط ، التسخط من قضاء الله وقدره ، فإنْ كان الحامل له على ذلك التسخط فهو حرام ،
إذن نقول : الواجب العبادة هذا الواجب لكن الشرع أباح للإنسان ما يترفه به في حدودٍ معينة ، لماذا ؟
لئلا يلحقه الملل والسآمة ، والإنسان لنفسه عليه حق ، هذا الحكم الشرعي ، فهمنا الآن الأحكام الشرعية واجبة أم غير واجبة ، القيام بالواجب منها واجب وبالمستحب منها مستحب ،
إلا أننا قلنا : إنْ خُشِيَ أنْ تنقرض السنة وتخفى معالمها فقد يكون فعلها واجباً لغيره ،
******************
76 – وكل ما قدَّر أو قضاه ،
فواقعٌ حتماً كما قضاه ،
قوله : ( كل ) : مبتدأ ،
قوله : ( فواقع ) : خبره ، لو سألنا لماذا وقعت الفاء في خبر المبتدأ ؟
لأن المبتدأ متضمن لمعنى الشرط ، ومعنى الشرط العموم ( كل ) ، فإذا كان عاماً فإنه يجوز أنْ تقترن الفاء في خبره ،
فلو قلت : كل أحدٍ فقائم ، صح ،
لكن لو قلت : زيد فقائم ، ما صح ،(1/336)
لأن الأول بمعنى الشرط والثاني ليس كذلك ،
قوله : ( كل ما قدَّر ) : كل الذي قدَّره أو قضاه ،
قوله : ( فواقع ) : يعني فلابد أنْ يقع ،
قوله : ( حتماً ) : أي جزماً ،
قوله : ( كما قضاه ) : أي على الوجه الذي قضاه سواءٌ كان هذا الشيء من فعله عز وجل أو كان متعلقاً بأفعال العباد فلابد أنْ يقع ،
فإذا قدَّر الله على شخصٍ لأنْ يهتدي اهتدى ،
وإذا قضى على شخصٍ بالضلال ضل ،
وإذا قضى له بالرزق رزق وإذا قضى بالفقر افتقر ،
وإذا قضى الله تعالى بالخصب والرخاء حصل الخصب والرخاء ،
وإذا قدَّر الله الجدب والضيق حصل الجدب والضيق ،
وإذا قُدًّرَتْ الفتن والقتال وقع ذلك ،
وإذا قُدِّرَ رَفْعُهُ وقع ،
المهم على كل حال كل شئٍ يقضيه الله فلابد أنْ يقع ،
ولكن لاحظوا أنه قد يكون لهذا المقضي موانع قضاها الله عز وجل ، قد يكون موانع قضاها الله ، كما جاء في الحديث : ( لا يرد القدر إلا الدعاء ) [179] ، فنقول : هذا مُقَدَّر ثم قُدِّرَ له مانع بأمر الله عز وجل فمنع ،
إذن كل ما قضاه أو قَدَّرَه حتى ما كان مقضياً ثم وُجِدَ له المانع فإنه داخل في عموم كلام المؤلف ،
ولهذا نرى من الجهل : أنْ يقول بعض الناس في دعائه : ( اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه ) ، كأنه يقول : ابتلني بما شئت ما يهم ولكن ألطف بي ، سبحان الله !!! ، من قال هذا الدعاء ؟ من أين جاء هذا الدعاء ؟ ،
هذا الدعاء لا يصح نقلاً عن السلف ، وإنْ صح عن بعضهم ، فلا يمكن أنْ يصح عن الصحابة الذين أقوالهم مأثورة مشهورة ، قل : اللهم إني أسألك اللطف في قضائك ، صح ،
أما ( لا أسألك رد القضاء ) الله عز وجل ما يقضي شئ سواءً لَطَفَ بك أو شدد عليك إلا وهو قد قضاه ، لذلك ينبغي أنْ ننبه من يقول هذا الدعاء ،
نقول : تعال يا أخي ، الدعاء ما الفائدة منه ؟
إذا قلت : ( اللهم قني عذابك ) معناه أنك تريد ألا يعذبك الله ،(1/337)
تريد أن تقول : يا ربي إنْ كنت مقدِّراً عذابي ، فالطف بي في العذاب ،
هذا معنى الجملة الدعائية هذه : ( إني لا أسألك رد القضاء ) يعني معناه إذا كنت قَدَّرْتَ شقائي فاجعلني شقياً لكن هَوِّنْ قليلاً ،
على كل حال بعض الناس إذا رأوا الكلام كما يقولون : حلو ، تركيبه طيب أخذوا به ولا يعلمون معناه ، وهذا من الغفلة ، فالواجب أنْ نتأنى في كل ما نسمع حتى نزنه بميزان الكتاب والسنة ،
قوله : ( وكل ما قدَّر أو قضاه فواقعٌ حتماً كما قضاه ) : المعاصي ، إذا قَدَّرّ أنْ تكون تقع ؟ تقع كما قضاه ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإيمان ، قال : ( وتؤمن بالقدر خيره وشره ) [180] ،
وأجمع المسلمون على قولهم : ( ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن ) [181] ،
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( احرص على ما ينفعك … - إلى أنْ قال : - ،،، ولكن قل قَدَرُ الله وما شاء فعل ) [182] ، والحديث مشهور ،
إذن ما قَدَّرَهُ الله فلابد أنْ يقع ، وأنت إذا آمنت بذلك حصل لك طمأنينة كاملة فيما يصيبك ، لأنك تعلم أنه لن يتغير الواقع أبداً ، لن يتغير الواقع ،
فلو قُدِّرَ أن شخصاً صار يعمل في التجارة ثم خسر حتى فَنِيَ ماله ، يجب أنْ يعلم أن هذا الذي حصل بقضاء الله وقدره وحينئذٍ يطمئن ويسلم لأنه يرضى بالله رباًّ ،
رجل خرج ابنه إلى السوق ، فأصابه حادثٌ ومات ، لا يجوز أنْ يورد على قلبه أنه لو لم يخرج لم يمت ، هذا غير واقع ، هذا يجب أنْ تطرده عن قلبك ، لماذا ؟
لابد أنْ يكون كما حصل ، لا يمكن أبداً أنْ تسير الأمور إلا على هذا الذي حصل ،(1/338)
ولهذا قال الله تعالى عن المنافقين : { ما ماتوا وما قتلوا } ( آل عمران 156 ) ، ماذا قال الله ؟ قال : { ليجعل الله ذلك حسرةً في قلوبهم والله يحيي ويميت } ( النمل 87 ) ، هذه الأمور لا تُوَلِّد إلا الحسرة ، والإحياء والإماتة بيد من ؟ بيد الله { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } ( آل عمران 154 ) ، فأنت إذا آمنت بهذا الكلام الذي جاء في الكتاب والسنة وقرره المؤلف رحمه الله ، فإنك سوف تستريح ولا تسأم ولا تَمَلَّ ولا تتضجر والله أعلم ،
من جملة الأحكام وجوب عبادة الله عز وجل على جميع العباد ،
ودليلها : قوله تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً } ( النساء 36 ) ، وقوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات 56 ) ، وكذلك فعل ما أمر به وتَرْكُ ما نهى فإنه هو عبادته سبحانه وتعالى ،
ما قَدَّرَهُ الله أو قضاه فإنه واقع ، واقعٌ حتماً كما قضاه لا يختلف عما قضاه في الأزل وهذا يعود إلى وجوب الرضا بالقدر ،
والإيمان بالقدر من أركان الإيمان الستة والرضا بالقدر من الرضا بالله رباًّ ، والإنسان يجب أنْ يرضى بالله رباًّ مدبراًّ يفعل ما يشاء عز وجل ،
الأسئلة
السؤال : ما الرد على من يفعل المعاصي ونقول له لماذا فعلت ؟ ويقول : هذا مقدر عليَّ ومكتوب عليَّ أن أفعل هذه المعاصي ، ؟
الشيخ رحمه الله : هل تزوجت ؟
السائل رحمه الله : لا ،
الشيخ رحمه الله : أنا أرى ألا تسعى في الزواج ،
السائل رحمه الله : لماذا ؟
الشيخ رحمه الله : إذا كان مكتوب عليك سيقع ، القضاء والقدر أمر مكتوب عند الله ، لا يُعْلَمْ ، فالذي أقدم على المعصية هل أقدم على المعصية حين إقدامه وهو يعلم أن الله كتبها عليه ؟ يقيناً لا يعلم { وما تدري نفسٌ ما تكسب غدا } ( لقمان 34 ) ، لكن لمإذن أقدمت وأنت منهيٌ عنها ؟!
فصل
في الكلام على القضاء والقدر غير ما تقدم(1/339)
وهنا مسألة مهمة جداًّ : هل الواجب بالنسبة للقضاء والقدر ، الرضا بالقضاء والمقضي أو الرضا بالقضاء ويُسْتَفْصَل في المقضي ؟
بَيَّنَ المؤلف ذلك في قوله :
******************
77 – وليس واجباً على العبد الرضا ،
بكل مقضي ولكن بالقضا ،
78 – لأنه من فعله تعالى ،
وذاك من فعل الذي تقالا ،
قوله : ( وليس واجباً ) : أنتم عندكم : ( وليس واجبٌ ) ،
والظاهر أن الأَوْلى النصب ،
ويجوز الرفع ،
لاحظ أنه يجوز الوجهان ،
فإنْ أردت أن تخبر عن الواجب فـ ( الواجب ) مرفوع و ( الرضا ) منصوب خبر ( ليس ) ،
يعني : ( وليس الواجب الرضا بكل مقضي ) ،
وإنْ كنت تريد أنْ تخبر عن الرضا ،
فإنك تقول : وليس واجباً ، وتقدير الكلام على هذا ( وليس الرضا واجباً ) ،
فالوجهان جائزان ،
يعني لا يجب على الإنسان أنْ يرضى بكل مقضي ،
وإنما يجب أنْ يرضى بالقضاء الذي هو فعل الله عز وجل ،
فالمقضي يحتاج إلى تفصيل :
أولاً : أنْ يكون المقضي حكماً شرعياً ، فهذا يجب الرضا به ،
إذا كان المقضي حكماً شرعياً وجب الرضا به والسخط به أو منه منافٍ للإسلام ،
فيجب علينا مثلاً أنْ نرضى بِفَرْضِ الله للصلاة والزكاة والصوم والحج والبر والصلة وغير ذلك ،
يجب علينا ،
لأن ذلك محبوبٌ إلى الله عز وجل والمحبوب يجب أنْ نحبه ،
ثانياً : وإنْ كان المقضي أمراً كونياً ،
فإن الأمر الكوني منه ما يلائم النفوس ،
وهذا الرضا به أمرٌ فطري ،
ومنه ما لا يلائم النفوس ،
والناس فيه على أربع مراتب ،
المقضي إذا كان أمراً كونياً فهو قسمان :
الأول : ما يلائم النفوس ، فالرضا به أمرٌ فطري ،
والثاني : ما لا يلائم النفوس ،
والناس فيه على أربع مراتب ،(1/340)
مثال ذلك : إذا قضى الله للإنسان بولد ورزقٍ واسع ودارٍ مهيئة ومركوبٍ فخم وعلم وإيمان ،
يرضي به الإنسان أم لا ؟
يرضى به ،
لأنه يلائم نفسه ،
رضاه بذلك أمرٌ فطري ،
لا يحتاج أنْ نقول : يجب أنْ ترضى به لأنه سيرضى به ،
أما إذا كان المقضي لا يلائم النفوس فإن الناس فيه على أربع مراتب :
مرض إنسانٌ قضى الله عليه بمرض ، المرض ملائم أم غير ملائم ؟
غير ملائم ،
ينقسم الناس فيه إلى أربع مراتب [183] :
المرتبة الأولى : مرتبة السخط ،
والثانية : مرتبة الصبر ،
والثالثة : الرضا ،
والرابعة : مرتبة الشكر ،
أربع مراتب :
مرتبة السخط : أنْ يسخط هذا الذي قضاه الله ، يسخطه ،
وعلامة السخط : أنْ يقول قولاً منكراً أو يفعل فعلاً منكراً ،
مثال القول : أنْ يقول : يا ويلاه ، واثبوراه ، وما أشبه ذلك من الكلمات التي تنبئ عن التسخط ، وأما الفعل المنكر : فمثل : لطم الخدود ، شق الجيوب ، نتف الشعور ، القفز حتى يسقط على الأرض ، وما أشبه ذلك ، هذا تسخط فعلي أم قولي ؟
تسخط فعلي ،
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ) [184] ، الأولان فعلان ، والثالث قول ،
المرتبة الثانية : مرتبة صبر [185] ، يتألم الإنسان نفسياً ولكنه يصبر ، لا يشق ثوباً ولا يلطم خداًّ ولا يقول منكراً ،
وهذه المرتبة واجبة [186] ، يعني يجب على الإنسان أنْ يصبر إذا أُصِيبَ بالمصائب ،
المرتبة الثالثة : الرضا ، أنْ يرضى بقضاء الله معناه أنْ يكون مطمئناً منشرح الصدر بما قضى الله عز وجل ، لا يتألم نفسياً ، هو يكره هذا الشيء لاشك ،
لأنه لا يلائم النفوس لكنه لا يتألم ، لا يتألم نفسياً ، يقول : هذا قضاء الله وأنا ملكٌ من جُمْلَةِ من ملك الله عز وجل له أنْ يفعل فيَّ ما شاء ، مطمئن ،
هذه المرتبة اختلف فيها العلماء على قولين :
1. منهم من قال : إنها واجبة ،(1/341)
2. ومنهم من قال : أنها مستحبة [187] ،
والصحيح : أنها مستحبة وليست بواجبة ، لأنها صعبة على كثير من النفوس ،
علامة الرضا أنك لو سألته فقلت : هل أنت تأثرت بهذا الذي قضاه الله عليك لقال : لا ، لأني أعلم أن الله لم يُقَدِّرْ لي شيئاً إلا كان خيراً لي أنا مؤمن والله لا يقضي لعبده المؤمن قضاءاً إلا كان خيراً له ،
المرتبة الرابعة : مرتبة الشكر ، هذه المرتبة أعلى من الأولى [188] ،
أعلى التي قبلها ، لأنها رِضاً وزيادة ،
فإذا قال قائل : كيف يشكر الله على المصيبة ؟
قلنا : يشكر الله على المصيبة لأنه يعلم أن ثوابها وأجرها إذا صبر عليها واحتسب الأجر أكثر من مصيبتها ، فيشكر الله على هذا ، لأن ما يترتب عليه من الخير أكثر مما يترتب عليه من الأذى ، فمن هذه الناحية يشكر الله ،
وقد قال أهل العلم أو بعضٌ منهم : إن هذه المرتبة أعلى من التي قبلها أعلى من الرضا ،
فهذا حكم الرضا بالمقضي ،
وقال المؤلف ( ولكن بالقضا ) : يعني : ولكن يجب أنْ يرضى بالقضاء ، قضاء من ؟
قضاء الله عز وجل الذي هو فِعْلُه ،
إذا قال قائل : ماذا تقولون في المعاصي ، أواقعةٌ هي بقضاء الله أو لا ؟
نقول : بلى ، هي واقعة بقضاء الله ،
كيف ترضون بقضاء الله ؟
نقول : نعم ، نرضى بقضاء الله وإنْ كرهنا المقضي ،
هذه المعصية لا نرضاها ونكرهها ونؤدب عليها ، ولكن نرضى لكون الله قضاها ، ولا نعترض على الله عز وجل في قضائها ، لا نعترض على الله ،
فإذا رأينا العصاة مثلاً والفساق وأهل المجون يجب علينا أنْ نرضى بما وقع منهم باعتباره من قضاء الله ،
لكن لا يجوز أنْ نرضى بما صدر منهم باعتباره من فعلهم ،
فنسخط فعلهم ونرضى فعل الله الذي هو قضاؤه ، وبهذا التفصيل تزول عنك إشكالاتٌ كثيرة ،
إذا قال قائل : في الخلق شر مثل إبليس ، إبليس أصل الشر ، فهل يجب علينا أنْ نرضى بإيجاد إبليس ، خلق إبليس ؟(1/342)
يجب أنْ نرضى بإيجاد إبليس بدون تفصيل ، لكننا لا نرضى بما يأمر به إبليس ، لا نرضى بذلك ، لأن إبليس يأمر بالشر والفحشاء والمنكر { ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } ( النور 21 ) .
إذن نرضى بأن الله خلقه ، ونقول : لا شك أن الله خلقه لحكمة ، ولكن نرضى بما يكون من فعل إبليس من الشر والفساد … الخ ،
قوله : ( لأنه من فعله ) : ( لأنه ) أي القضاء ، ( من فعله ) أي من فعل الله ولهذا قال : ( من فعله تعالى ) ،
قوله : ( وذاك ) : أي المقضي ،
قوله : ( من فعل الذي تقالى ) : أي تباعد وفعل ما يُبْغَضُ عليه ، وهذا التعليل الذي ذكره المؤلف ينطبق على المعاصي ، ينطبق تماماً على المعاصي ،
فالمعاصي واقعةٌ بقضاء الله وقدره نرضى بها من هذه الناحية ، وواقعةٌ من فعل الشخص ، العاصي من هذه الناحية لا نرضاه ، ولهذا قال ( وذاك ) أي المقضي ( من فعل الذي تقالى ) ،
إذا قال قائل : ما الجمع بين قوله تعالى : { من شر ما خلق } ( الفلق 2 ) ، وبين قوله الله صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) [189] ؟
نقول : الفرق بينهما ظاهر ،
لأن { من شر ما خلق } أضاف الشر إلى من ؟ إلى المخلوق أما إلى الله فلا يضاف الشر ، كيف يُتَصَوَّرُ هذا ؟ يُتَصَوَّرُ لا شك أن الله هو الذي قَدَّرَ الشر لكن قَدَّرَ الشر في مفعولاته أما تقديره لهذا الشر خير حكمة حكمة عظيمة يترتب عليها من المصالح ما يجعلها غير مكروهة [190] ،
لكن فرق بين المفعول وبين الفعل والفاعل ،
الفاعل هو الله عز وجل والمقدر هذا لا شك نحبه على كل حال ،
وفعله أيضاً خيرٌ على كل حال ومفعوله فيه خير وفيه شر ، نعم ، والله أعلم ،
الأسئلة والمناقشة
- اشترط المؤلف للعبادة شرطين أو ذَكَرَ لها وصفين : الطاعة يمكن أنْ ندخل فيها الوصفين الإخلاص والمتابعة لأنه لا يمكن أنْ يَصْدُق عليه أنه أطاع الله إلا بإخلاص ومتابعة ،(1/343)
- يقول المؤلف : إن كل شيء قَدَّرَهُ الله وقضاه فلابد أنْ يقع حَتْماً ،
والدليل : قوله تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } ( يس 82 ) ، فأخبر أنه لابد أنْ يكون ،
ما الفرق بين القضاء والمقضي ؟
القضاء فعل الله ، والمقضي مفعول الله ،
- هل الواجب على الإنسان الإيمان بالقضاء أو المقضي ؟
يجب الإيمان بالقضاء ،
أما المقضي ففيه التفصيل .
المقضي شرعاً يجب الرضا به ،
فإنْ كان حكماً شرعياً وجب الرضا به فيجب علينا أنْ نرضى بوجوب الصلاة ونرضى تحريم الزنا وجوباً ،
إذا كان كونياًّ فإما أنْ يكون ملائماً للنفس أو مؤلماً للنفس ،
إنْ كان ملائماً فالرضا به طبيعي فطري ،
وإنْ كان مؤلماً ،
فالناس فيه على أربعة مراتب :
1. ساخط ،
2. وصابر ،
3. وراضٍ ،
4. وشاكر ،
، وإذا كان المقضي شرعياًّ فهو باعتبار فعل العبد ،
مرضيٌ به إذا كان طاعة ،
ومسخوط إنْ كان معصية ،
فهذا أيضاً يُضافُ إلى المقضي كوناً ، يعني ما قضاه الله كوناً من الأمور الشرعية ليس باعتبار فِعْلِهِ وتشريعه ، باعتبار وقوعه من العبد ،
نقول : إذا كان طاعة فهو مرضي ، إذا كان معصية فهو مسخوط يجب السخط به ، ولهذا يجب علينا أنْ ننكر على العاصي ،
فإذا قال : هذا قضاء الله وقدره ،
قلنا : نعم نحن نرضى بقضاء الله وقدره ، نرضى بأن الله قَدَّرَه عليك ، هذا من باب إثبات فعل الله لكن باعتبار فِعْلِك لا نرضى به ،
فصار الآن المقضي إنْ كان شرعياً باعتبار فعل الله فالرضى به واجب ،
مثاله : الرضا بوجوب الصلاة وبتحريم الزنا مثلاً ،
وإذا كان كونياً يعني قضاه الله كوناً فإما أنْ يكون ملائماً للنفس أو مؤلماً لها ،
إنْ كان ملائماً للنفس مثل : الصحة والرزق والولد والزوجة وما أشبه ذلك فهذا الرضى به فطري لا يحتاج أنْ نقول : واجب أو غير واجب ،(1/344)
إذا كان مؤلماً فالناس فيه على أربعة مراتب والواجب فيه الصبر ، الواجب فيه من هذه المراتب هو الصبر ، وإذا كان أمراً شرعياً باعتبار وقوعه من العبد ففيه التفصيل الذي قلتُ ،
ولنا أنْ نقول : نجعل الأمر الشرعي يُنْظُرُ فيه من وجهين :
الوجه الأول : باعتباره واقعاً من الله ،
الثاني : باعتباره واقعاً من العبد ، لنجعل الكوني لوحده والشرعي لوحده ،
فنقول : الرضا بالأمر الشرعي من حيث وقوعه من الله واجب بلا تفصيل ، من حيث وقوعه من العبد إنْ كان طاعةً وَجَبَ الرضا به ، وإنْ كان معصية وَجَبَ سَخَطُهُ ،
وبهذا إذن نقسم هذا إلى قسمين ، ينقسم إلى قسمين ،
إلى قسمين : باعتباره واقعاً من العبد فهذا يجب الرضا ،
واقعاً من العبد إنْ كان طاعة وَجَبَ الرضا به ،
وإنْ كان معصية وَجَبَ سَخَطُهُ ،
فصل
في الكلام على الذنوب ومتعلقاتها
ما المراد بالأحكام ؟
الأحكام الشرعية والكونية والحكمية هل يصبح الإنسان أو كافر وما أشبه ذلك [191] والجزائية ، كل هذا الباب ، هذا عام هذا فيه أحكام متعددة ،
******************
79 – ويَفْسُقُ المذنب بالكبيرة ،
كذا إذا أَصَرَّ بالصغيرة ،
قوله : ( ويفسق المذنب بالكبيرة كذا إذا أَصَرَّ بالصغيرة ) : هذا من الأحكام أيضاً وهو أمرٌ مهم لأن الناس تنازعوا فيه فابتدعت فيه طائفتان وسلمت الثالثة ،
المذنب إذا أذنب بكبيرة فهو عندنا معشر أهل السنة أنه يكون فاسقاً مؤمناً ، كيف ؟
يكون فاسقاً بمعصيته مؤمناً بإيمانه ، هذا مذهب أهل السنة والجماعة ،
وهو المذهب الذي تؤيده النصوص ويؤيده النظر والعدل [192] ، العدل أنْ نعامل كل إنسانٍ بما يستحق ، فهذا الرجل مؤمن لكن فعل كبيرة ولم يَتُبْ منها نقول : أنتَ باقٍ على إيمانك لكنك فاسقٌ بِكَبيرَتِك ،(1/345)
أو نقول : إنه مؤمن ناقص الإيمان ، مؤمن بما معه من أصل الإيمان ، ناقص الإيمان بما ثَلَمَهُ من معصيته ، هذا مذهب أهل السنة والجماعة ، وهو المذهب الحق كما سنذكره إن شاء الله ،
وقالت الخوارج : إنه ليس بمؤمن بل هو كافر فإذا زنا فقد كفر ، وإذا سرق فقد كفر ، وإذا قتل نفساً بغير حق فقد كفر ، وإذا عقَّ والديه فقد كفر ، وإذا قطع أرحامه فقد كفر ، وهكذا ، إذا فعل أي كبيرة صار كافراً خارجاً عن الإيمان ،
وإذا كافراً خارجاً عن الإيمان ، فما حكمه في الآخرة ؟
أنه يُخَلَّدُ في النار ، أنه يُخَلَّدُ في النار ،
ووافقتهم المعتزلة على التخليد في النار لكن خالفتهم في الحُكْم في الدنيا ، يعني وافقتهم في حكم الآخرة ، وخالفتهم في حكم الدنيا ،
فقالوا أي المعتزلة : إن فاعل الكبيرة مُخَلَّدٌ في النار لكنه في الدنيا في منزلةٍ بين المنزلتين ، لا نصفهُ بالإيمان ولا بالكفر ، فلا نقول : مؤمن ولو بِقَيْدِ النقص ، ولا نقول : كافر ولو بِقَيْدِ أصل الإيمان ، بل نقول : في منزلة بين المنزلتين ،
إذن توافق الخوارج والمعتزلة في شيء وتخالفوا في شيء ، توافقوا في أحكام الآخرة فجعلوا فاعل الكبيرة خالداً في النار واختلفوا في أحكام النار :
فحكمت الخوارج بأنه كافر وحكمت المعتزلة بأنه ليس بمؤمن ولا كافر في منزلة بين المنزلتين على رأي الخوارج إذا رأينا فاعل كبيرة فلنا قتله لأنه مرتد مباح الدم وعلى رأي المعتزلة لا ما نقتله لأنه ليس بكافر ولا نكرمه إكرام المؤمن لأنه ليس بمؤمن عرفتم ؟ ،
فيه مبتدعة ثالثة المرجئة :
المرجئة يقولون : أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يستحق العقاب ما عليه شيء ، مؤمن كامل الإيمان ، لو زنا وسرق وشرب الخمر وقتل وعق وقطع وغش وكذب ، كل شيء ، هل أنت مؤمن بالله ؟ قال : نعم ، أنت مؤمن كامل الإيمان إيمانك كإيمان جبريل ومحمد ، أعوذ بالله ، هذا معقول ؟ لكنه عندهم هذا مذهبهم ،(1/346)
ما الذي يصلح لكثير من أبناء هذا الزمان مذهب المرجئة أم مذهب الخوارج ؟
الذي يناسبهم مذهب المرجئة ،
لكن الذي يتناسب معهم للتأديب ؟
مشكلة الخوارج في هذا ، مذهبهم مشكل ، كل من فعل كبيرة ما نصلي عليه ونقتله ، هذا صعب ، هذا فيه شدة ،
على كل حال الذي يناسب الزمان ما جاءت به السنة :
أنه نعامله بما يستحق نقول : هو مؤمن ناقص الإيمان أم مؤمن بإيمانه فاسقٌ بكبيرته هذا الحق ،
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
ويَفْسُقُ المذنب بالكبيرة ،
كذا إذا أَصَرَّ بالصغيرة ،
لا يخرج المرء من الإيمان ،
بموبقات الذنب والعصيان ،
قال : ( ويَفْسُقُ ) : الفسق في اللغة : الخروج ، ومنه فسقت الثمرة عن قشرها أي برزت وخرجت منه ،
وفي الاصطلاح : ( فعل الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة ) [193] ، هذا الفسق ،
فعل الكبيرة كما قال المؤلف : ( ويَفْسُقُ المذنب بالكبيرة كذا إذا أَصَرَّ بالصغيرة ) يعني على الصغيرة ، فالفسق شرعاً ( فعل الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة ) [194] ،
إذا زنا المرء صار فاسقاً ، إذا أصر على شرب الدخان صار فاسقاً ، إذا شرب الخمر مرة واحدة فقط صار فاسقاً لأنه كبيرة ،
ما هي الكبيرة ؟
الكبيرة في الحقيقة في المعنى ضد الصغيرة ،
لكن ما هو الميزان ؟
قال بعض العلماء : ( ما نص الشارع على أنه كبيرة ) فهو كبيرة وما لم ينص عليه فهو صغيرة ،
فمثلاً : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) [195] ، هذا يكون كبيرة ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ) [196] ، يكون كبيرة ، المهم ما نص الشارع على أنه كبيرة يكون كبيرة وما لا فلا ،
وقال بعض العلماء : ( ما تُوُعِّدَ عليه بلعن أو غضب ) فهو كبيرة ،(1/347)
وقال آخرون : ( ما فيه حدٌ في الدنيا أو وعيدٌ في الآخرة ) فهو كبيرة ،
واختلفوا اختلافاً كبيراً [197] ،
وشيخ الإسلام رحمه الله ذكر أن ( الكبيرة ما رُ تّبَتْ عليه عقوبةٌ خاصة ) [198] ،
يعني ما جُعِل عليه عقوبة خاصة فهو كبيرة وما نهيَ عنه فقط ولم يُعَيَّنْ له عقوبة خاصة فهو صغيرة ،
ومع ذلك يقول : إن الكبائر تتفاوت بعضها أشد من بعض ،
وقوله أقرب إلى الصواب ،
من فعل الكبيرة ولم يتب منها صار فاسقاً ،
من أصر على الصغيرة والإصرار ليس فيه إقلاع صار فاسقاً ،
قوله : ( ويفسق المذنب ) : خلافاً للمرجئة ،
لأن المرجئة يقولون : إن المذنب لا يفسق بالكبيرة ولا بالإصرار على الصغيرة بل هو مؤمن كامل الإيمان ،
قال ابن القيم مبيناً مذهبهم :
والناس في الإيمان شيءٌ واحدٌ ،
كالمشط عند تماثل الأسنان [199] ،
ثم قال :
******************
80 – لا يخرج المرء من الإيمان ،
بموبقات الذنب والعصيان ،
قوله : ( الموبقات ) : المهلكات ،
قوله : ( لا يخرج المرء من الإيمان ) : بفعل الموبقات ، وهذا رد على من ؟
الخوارج والمعتزلة لأن الخوارج والمعتزلة يقولون : إنه يخرج من الإيمان ،
لكن الفرق بينهما :
أن الخوارج قالوا : إذا خرج من الإيمان دخل في الكفر ما فيه وسط ،
والمعتزلة قالوا : إذا خرج من الإيمان فهو في منزلة بين المنزلتين ، كرجل سار إلى المدينة يريد مكة فَنَزَلَ في بدر ، صار في منزلة بين المنزلتين ، ليس من أهل المدينة ولا من أهل مكة ،(1/348)
لكن الخوارج أقرب إلى الصواب منهم في أنه ليس هناك واسطة ، قال الله تعالى : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } ( يونس 32 ) ، وقال : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ( التوبة 66 ) ولم يذكر منزلة ، فالمنزلة هذه بدعة ، بدعةٌ مردودة على صاحبها ،
المهم أن قوله : ( لا يخرج المرء من الإيمان ) رد لقول من ؟ الخوارج والمعتزلة ،
******************
81 – وواجب عليه أنْ يتوبا ،
من كل ما جََّر عليه حوبا ،
قوله : ( واجب عليه ) : أي على المرء المذنب ،
قوله : ( أنْ يتوبا ) : بالألف ، والألف هنا يقولون : إنها للإطلاق ، أي لإطلاق الروي ، والروي : آخر البيت ، وكان لولا ذلك أنْ يقول : أنْ يتوبْ ، لأن المتحرك يُوقَف عليه بالسكون ،
قوله : ( من كل ما جر عليه ) : أي على الفاعل ( حوبا ) أي إثماً ، يجب على الإنسان أنْ يتوب من كل شيء حصل له به إثم ، إنْ كان ترك واجب فبفعله ، إنْ كان فعل محرم فبتركه ، لأن ترك الواجب يجر عليه الإثم ، وفعل المحرم يجر عليه الإثم أيضاَ ،
قوله : ( واجب عليه ) : فوراً لأن الأصل في الواجبات الفورية ،
ولأن الإنسان لا يأمن أنْ يموت ، فقد يأتيه الموت بغتة قبل أن يتوب
ولو تاب عند الموت لم تنفعه التوبة .
لقوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } ( النساء 18 ) .
ولم يبعد عنا ذكر شروط التوبة وقد ذكرناها قريباً ، فلا بد من التوبة من كل ذنب ،
******************
82 – ويقبل المولى بمحض الفضل ،
من غير عبد كافر منفصل ،(1/349)
قوله : ( ويقبل المولى بمحض الفضل ) : يقبل التوبة من إنسان بمحض الفضل أي بالفضل الخالص المحض ، لماذا ؟ لأن الله عز وجل هو الذي منَّ عليه أولاً بالتوبة ،
فإن توفيق الله العبد للتوبة توبة قال الله تبارك وتعالى : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } ( التوبة 118 ) ، يعني ثم وفقهم للتوبة ليتوبوا فالله عز وجل يمن عليك بمحض الفضل أن تتوب ثم يَمُنُّ عليك مرةً أخرى لقبول التوبة ولو شاء ألا يقبل لم يقبل ولكن من فضله ورحمته عز وجل أن من تاب إلى الله تاب الله عليه بل أشد من ذلك وأبلغ أنه يفرح بتوبة عبده ويحب توبته ، { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } ( البقرة 222 ) ، ويفرح بتوبة عبده فرحاً أشد من فرح الإنسان الذي أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها فإن فرحه لا يُوصَف ومع ذلك فإن الله يفرح بتوبة العبد المؤمن أشد من فرح هذا الرجل براحلته ،
******************
83 – ما لم يتب من كفره بضده ،
فَيَرْتَجِعْ عن شركه وصده ،
قال : ( من غير عبد كافر منفصل ما لم يتب من كفره بضده ) : الحقيقة أن هذا الاستثناء فيه شيءٌ من النظر ،
لأن قوله : ( من غير عبد كافر منفصل ما لم يتب ) : ينطبق على الفاسق أيضاَ ، فإن الفاسق لا يقبل الله منه حتى يتوب وإلا سيبقى على وصف الفسق ،
إلا إذا كان المؤلف يريد ( ويقبل المولى ) أي يقبل العبادات من غير الكافر فهذا له وجه لكنه لا يريد هذا الشيء ،
قال : ( ما لم يتب من كفره بضده ) : ما ضده الإسلام ؟
الكفر إذا تاب من كفره بضد الكفر فإنه تُقبل منه التوبة ،
وإنْ تاب من كفره بضد كفرٍ آخر فإنه لا يُقبل منه ،
مثل : إنْ تاب من نوعٍ من الكفر ورد على النوع الآخر ، فإنه لا يُقبل بل لا بد أن يكفر بجميعه ،
فلو كان الرجل منكراً لشيءٍ مما جاء به الرسول وتاب منه لكنه مشرك يعبد الصنم هل يُقبل منه ؟(1/350)
لا ، لا يُقبل منه حتى يؤمن بكل ما كفر به ،
ولو تاب المسلم من ذنب وهو مصر على آخر تُقبل توبته مما تاب منه ،
وقيل : لا تُقبل يعني ذهب بعض العلماء : إلى أن أضاف إلى الشروط الخمسة شرطاً سادساً وهو أن يقلع عن جميع الذنوب – ما هو عن الذنب الخاص – عن كل الذنوب [200] ،
وبناءاً على هذا القول : لو تاب من ذنبٍ وهو مصرٌ على آخر فإنها لا تُقبل توبته ،
مثاله : رجلٌ تاب من الزنا لكنه يشرب الخمر فعلى هذا الرأي لا تُقبل توبته من الزنا ،
لأنه لو كان صادقاً ما عصى الله لو كان صادقاً في التوبة والرجوع ما عصى الله في الذنب الآخر ،
ولو تاب من الربا لكنه يغش الناس لا تُقبل على هذا الرأي ،
ولكن الصحيح : أنها تُقبل [201] ،
ولكن يُقال : أما التائب التوبة المطلقة فهذا لا بد لتوبته من أن يكون مقلعاً من جميع الذنوب ،
وأما التوبة الخاصة المقيدة فإنها تصح من ذنبٍ مع الإصرار على غيره ،
إذن فالمدح بالتوبة لا يكون إلا لمن أقلع عن جميع الذنوب ،
وأما التقليد فيصح من ذنبٍ ولو مع الإصرار على آخر ،
فالذي تاب من الزنا لكنه يشرب الخمر يصح أن نصفه بالتائب على سبيل الإطلاق ؟
لا ، لكن نقول : تائب من الزنا فلا يصح أن نقول الوصف المطلق الذي يُمدح به التائب إنما يُمدح بقدر ما حصل له من توبة فقط نعم ،
الأسئلة
السؤال : عن الاستدلال بحديث : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) [202] ؟
الجواب : نقول : هذا مؤمن كامل الإيمان هذا المراد وإنما قيدناه بذلك للأدلة الأخرى الدالة على أنه لا يخرج من الإيمان ،
السؤال : لماذا خالف المعتزلة الخوارج حكم فاعل الكبيرة في الدنيا مع أن مصيره في الآخرة واحد ؟(1/351)
الجواب : لأن الكل أخذوا نصوص الوعيد الخوارج أخذوا بنصوص الوعيد وكذلك المعتزلة لكن في الدنيا قالوا أننا ما يمكن أن نبيح دم الفاسق ما يمكن أننا نبيح دمه ولا يمكن أن ندع الصلاة عليه فلهذا امتنعوا وامتناع المعتزلة عن تكفيره في الدنيا يشبه مصانعة ومجاراة الناس لأنهم لو قالوا استبيحوا دماء الناس وأموالهم إذا فعلوا كبيرة من الكبائر صاح عليهم الناس كلهم ،
عند الخوارج أن فاعل الكبيرة لا يغسل إذا مات ولا يُكَفَّن ولا يُصَلَّى عليه ولا يُدْفَنُ في مقابر المسلمين وإنما يدفن في الصحراء ،
وعند المعتزلة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ،
السؤال : ما هو حد الكبيرة عند المعتزلة ؟
الجواب : لا أدري ما حدهم في الكبيرة هل هم يوافقون أهل السنة على أن كل وعيد وإن قل فإنه يوجب أن يكون الذنب كبيرة أو يخصون الكبائر بالفواحش مثل السبع الموبقات والزنا وشرب الخمر وهذه الأشياء ،
فصل
في ذكر من قيل بعدم قبول إسلامه
84 – ومن يمت ولم يتب من الخطا ،
فأمره مفوض لذي العطا ،
قوله : ( ولم يتب من الخطا ) مراده هنا أي من غير الشرك يعني إلا الشرك فإن الشرك لا يغفره الله ،
قوله : ( فأمره مفوض لذي العطا ) : وهو الله عز وجل ،
******************
85 – فإن يشأ يعفو وإن شاء انتقم ،
وإن يشأ أعطى وأجزل النعم ،
قوله : ( وإن يشأ أعطى وأجزل النعم ) : فوق الذنب ،
ودليل هذا : قول الله عز وجل : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) ، وهذه قاضية على كل ذنب ما عدا الشرك ،
فإن قال قائل لو مات على الكفر دون الشرك مثل أن يكون قد جحد شيئاً من القرآن مثلاً هذا كافر فمات على ذلك هل يكون داخلاً تحت المشيئة ؟(1/352)
لا ، لأن المراد بالشرك ما كان مخرجاً عن الإسلام كل شيء يخرج عن الإسلام فإن الإنسان إذا مات عليه لا يغفر وما دون ذلك فإن الله يغفره إن شاء ،
******************
86 – وقيل في الدروز والزنادقة ،
وسائر الطوائف المنافقة ،
اتفق العلماء على أن كل من تاب من كفر فإنه يقبل منه ويرتفع عنه القتل ،
لعموم قول الله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } ( الزمر 53 ) ، وهذه الآية نزلت في التائبين فكل ذنب يتوب الإنسان منه فإن الله تعالى يتوب عليه ،
واختلف العلماء في هذه المسائل التي ذكر المؤلف الدروز والزنادقة …… الخ :
الدروز : فرقة أصلها التشيع لآل البيت ثم غلت غلواً فاحشاً حتى جعلوا المخلوق إلهاً والعياذ بالله وصاروا يعبدون المخلوق من دون الله ومذاهبهم معروفة [203] ،
يقول بعض العلماء : إن الدروز يجب قتلهم بكل حال ولو تابوا ، لماذا ؟
قالوا : لعظم ذنبهم فهم من أجل عظمة الذنب لا تقبل منهم التوبة ،
كذلك الزنديق ، والزنديق : ( هو المارق عن الدين كله ) ،
وقيل الزنديق : هو المنافق .
ولعل الزنديق أشد من المنافق ،
لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين ويظهر أنه مسلم كما هو الشأن في المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم [204] ،
قوله : ( وسائر الطوائف المنافقة ) : الدروز الزنادقة المنافقون ،
******************
87 – وكل داعٍ لابتداع يُقتلُ ،
كمن تكرر نكثه لا يُقبل ،
قوله : ( وكل داعٍ لابتداع ) : كل إنسان يدعو للبدعة والمراد البدعة المكفرة ،
قوله : ( يقتل ) : هذا مقول القول قال : ( يقتل ) : يعني ولو تاب فإنها لا تقبل توبته ،(1/353)
قوله : ( تكرر نكثه لا يُقبل ) : يعني تكررت ردته يرتد ثم يتوب ويرتد ثم يتوب ويرتد ثم يتوب وهكذا ،
قال : هذا لا تقبل توبته ،
لقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } ( النساء 137 ) ، فقال : { لم يكن الله ليغفر لهم } ، وهذا يقتضي أنها لا تقبل توبتهم ،
******************
88 – لأنه لم يُبْدِ من إيمانه ،
إلا الذي أذاع من لسانه ،
قوله : ( لأنه ) : الضمير يعود على هؤلاء باعتبار الجنس ،
قوله : ( لم يبد من إيمانه أذاع من لسانه ) : أذاع يعني أظهر من لسانه المنافق ،
مثلاً : إذا قلنا إنه يجب قتله ، فقال : أنا مسلم أقول لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأصلي معكم وأزكي ، نقول : ولو كنتَ كذلك ، قال : أنا تائب ، نقول : ولو تبت نقتلك ، لأن قولك أنك تائب وتصلي وتزكي هو قولك بالأول ، لأنك تنافقنا فلم يبد من إيمانك إلا ما أذاعه لسانك وما أذعته اليوم كالذي أذعته بالأمس أنت تنافقنا فلا نقبل منك ،
ولكن الصحيح : أن المنافق تقبل توبته ،
لقول الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيما } ( النساء 145 – 146 ) .
والآية هذه صريحة في أنها تقبل توبة المنافق ولكن الله شروطاً لا بد منها : { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله } ، حتى نعرف إصلاحهم ،
الثاني في عدم قبول توبة الآخرين يقولون : من تكرر نكثه فإننا لا نقبل توبته أيضاً للآية التي ذكرناها ،
ولأننا لو قبلنا إسلامه اليوم سوف يرتد غداً ،
لأن هذه عادته يؤمن ويكفر ويؤمن ويكفر ما نثق منه فنقتله ،(1/354)
ولكن أيضاً نقول : إن الآية الكريمة قال الله فيها : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً } ( النساء 137 ) ، فكانت نهايتهم ازدياد الكفر لم تكن نهايتهم التوبة وعلى هذا فإذا تابوا وعرفنا أن توبتهم صحيحة باستقامة أحوالهم ،
فالصحيح : أنها تقبل ،
الدروز والزنادقة قالوا : إنها لا تقبل لفداحة كفرهم كالمستهزئين بالله فلا تقبل ،
والصحيح : أن كل كافر بأي نوعٍ من أنواع الكفر تقبل توبته [205] ،
فإننا لا نعلم كفراً أعظم من كفر فرعون ومع هذا لما قال حين أدركه الغرق : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين } ( يونس 90 ) ، ماذا قيل له ؟ { الآن وقد عصيت } ( يونس 90 ) ، ولم يقل له : إن كفرك عظيم لا تنفع فيه التوبة ، بل قيل : { الآن وقد عصيت } ،
لأنه فات وقت التوبة الآن فإذا تاب الإنسان من أي ذنبٍ كان وعلمنا صدق توبته فإننا لا نقتله بل نحكم بإسلامه نعم ،
الداعي للبدعة لو رأى ولي الأمر أن يقتله لأنه ساع ٍ بالفساد في الأرض فله أن يقتله من باب التعزير حتى لو تاب ،
وقولنا : ( له أن يقتله من باب التعزير ) : يعني وليس واجباً عليه قد يرى ولي الأمر أن هذا الداعية للبدعة إذا تاب من بدعته ربما يكون داعية للسنة لأن التائب من البدعة حقيقة لابد أن ينقض ما كان من قبل وحينئذٍ إذا نقض ما كان عليه من قبل من البدع لا شك أننا نكسبه ويكون في ذلك مصلحة للسنة وأهل السنة ،
والخلاصة الآن : أن كل من كفر بأي سبب من أسباب الكفر إذا تاب وصلحت حاله فإننا نقبل توبته مهما كان ذنبه على كل حال ،
******************
89 – كملحد وساحر وساحرة ،
وهم على نياتهم في الآخرة ،(1/355)
ودليل تأثيره : أن السحرة لما سحروا أعين الناس بحبالهم وعِصِيِّهِمْ التي ألقوها كانت مؤثرة حتى في موسى قال الله تعالى : { يخيل لهم من سحرهم أنها تسعى } ( طه 66 ) ، مع أنها حبال وعصي ساكنة في الأرض ما تتحرك لكن يراها الرائي وكأنها تتحرك ،
فإذا قال قائل : هل هذا يدل على أن للسحر تأثيراً أو ليس له تأثير ؟
نقول : أما في قلب الحقائق فليس له تأثير ،
وأما في تصوير الشيء على غير هيئته فهذا له تأثير ،
فالعصي مثلاً : لا يمكن للساحر أن يقلبها إلى حية والحبال لا يمكن أن يقلبها إلى حية لكن يمكن أن يجعل الرائين يرونها وكأنها حيات ،
ويذكر قصة الله أعلم بها أن جماعة كانوا يجنون نخلة يخرفونها وقد وضعوها في إناء فجاء الساحر وقال : أتريدون أن أخوض في هذا الرُّطَب ولا يتأثر ؟ ومعروف أن الرطب إذا خاض فيه الإنسان يتأثر يفسد قالوا : ما تستطيع ؟ قال : أستطيع ، فَسَحَرَهُمْ وجعل يدور حول الإناء من خارج وهم يرونه وكأنه في وسط الإناء فجعلوا يتعجبون وكان الرجل الذي في النخلة لم يبلغه السحر فناداهم قال : إن الرجل يدور حول الإناء وليس في وسط الإناء فأرسل إليه سحرة فقال له : لا ، لا ، أبداً صحيح يخوض في وسط الإناء فالله أعلم هل هذا صحيح أم لا لكن سمعناه ونحن صغار ،
على كل حال : السحر يؤثر لكن لا في قلب الحقائق .
لأنه لا يقدر على قلب الحقائق إلا الخالق عز وجل .
فهو القادر على قلب الحقائق قَلَبَ عصا موسى حية تسعى وتأكل ،
السحر نوعان :
1. سحر يكفر به الساحر ،
2. وسحر لا يكفر به ،
فإن كان السحر بواسطة الاستعانة بالشياطين فهذا كفر ،
لقول الله تعالى : { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } ( البقرة 102 ) ،
وإذا كان بالأدوية فإنه لا يكفر ،
لكن يجب أن يُقتل درءاً لمفسدته ،(1/356)
والأول كذلك يجب أن يُقتل لكفره ومفسدته فإن تاب قُتل لمفسدته ،
فقول المؤلف : ( وساحر وساحرة ) : فيه هذا التفصيل :
نقول : إذا كفر بسحره فإنها لا تُقبل توبته باعتبار أننا أقمنا عليه الحد نقتله ،
وإن لم يكفر بسحره أقمنا عليه الحد تطهيراً لا كفراً [206] ،
قوله : ( وهم على نياتهم في الآخرة ) : يعني نحن نحكم بالظاهر .
وأما السرائر ، فإلى من ؟
إلى الله عز وجل السرائر إلى الله عز وجل وهم على نياتهم في الآخرة ،
******************
90 – قلت إن دلت دلائل الهدى ،
كما جرى للعيلبوني اهتدى ،
قوله : ( قلت ) : هذه شرط ،
قوله : ( اهتدى ) : هذه جواب الشرط ،
قوله : ( قلت إن دلت دلائل الهدى ) : يعني يوجد قرائن تدل على صدق توبته فإنه يهتدي وإذا اهتدى قبلنا توبته ،
وأما قوله : ( كما جرى للعيلبوني اهتدى ) : فهذا رجل كان من الزنادقة [207] .
ولكن الله سبحانه وتعالى هداه ،
وأظنه في الأصل درزي فاهتدى يقول المؤلف فمثل هذا نقبل توبته ،
فما هي القرائن التي دلت على صدق توبة العيلبوني ؟
يقول :
******************
91 – فإنه أذاع من أسرارهم ،
ما كان فيه الهتك من أستارهم ،
92 – وكان للدين القويم ناصرا ،
فصار منا باطنا وظاهرا ،
فإذا دلت القرائن على أن هذا الزنديق أو هذا الملحد صار مؤمناً حقيقة فإننا نقبل توبته ونرفع عنه القتل ،
لأننا إذا كنا نعمل بالظاهر وقامت القرائن الظاهرة على صدق توبته وقبلنا توبته فقد عملنا بالظاهر ،
أما مع عدم القرينة ، فإننا لا نقبل توبته من الأشياء التي ذكر العلماء أنها لا تُقبل توبة من اتصف بها ،(1/357)
الاستهزاء بالله والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم قال : فمن استهزأ بالله لم تُقبل توبته ،
لماذا ؟
لعظم ذنبه ، كيف يستهزأ برب العالمين ،
من استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا تُقبل توبته لعظم ذنبه ،
ولكن الصحيح : أنها تُقبل توبة كل تائب :
لقوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ( الزمر 53 ) ،
والدليل في المستهزئين خاصة أن الله : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعفُ عن طائفة منكم نعذب طائفة } ( التوبة 66 ) ، فبيَّن أنه قد يعفوا عن طائفة منهم ويعذب الطائفة الأخرى ،
ولكن من سب الله أو استهزأ بالله قبلنا توبته ورفعنا عنه القتل ،
ومن سب الرسول صلى الله عليه وسلم فتاب قبلنا توبته وقتلناه [208] ،
كيف الذي يسب الله تقبل توبته ولا يُقتل والذي يسب الرسول تقبل توبته ويُقتل ؟
لأن الفرق :
أن الله عز وجل قد أخبرنا بأنه يعفو عن حقه يعفو عن حقه بالتوبة ولم يستثنِ شيئاً ،
وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فسبه حقٌ له ولا نعلم هل يسقطه أو لا ،
وإذا كنا لا نعلم هل يسقطه أو لا ،
فإن الأصل عدم الإسقاط ،
وعلى هذا فنقتله حداًّ لا كفراً ،
الخلاصة : من سب الله أو رسوله ثم تاب فالصحيح : قبول توبته ،
ثم إن كان في حق الله ارتفع عنه القتل ،
لأنه إنما يقتل لحق الله وقد عفا الله عنه ،
وإن كان في حق الرسول فهو مؤمن ولكن نقتله ثم نغسله ونكفنه ونصلي عليه ،
******************
93 – فكل زنديق وكل مارد ،
وجاحد وملحد ومنافق ،
94 – إذا استبان نصحه للدين ،
فإنه يُقبلُ عن يقين ،(1/358)
هذه قاعدة عامة قال : ( إذا استبان نصحه ) ولا يكفي مجرد التوبة ،
لأن الله قال في المنافقين : { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم بالله } ( النساء 146 ) ،
فجعل إضافات على التوبة ليس مجرد ما يقول المنافق : أنا مسلم ، نقبل ،
لأنه كان يقول : أنه مسلم ، من قبل ، لكن لا بد أن يكون هناك إصلاح وإخلاصٌ لله واعتصامٌ به يعني بمعنى أنه تكون هناك قرائن تبين أنه صادق والله أعلم ،
الأسئلة
السؤال : إذا كان الساحر يستعمل دواء لكي يضعف الرجل حتى لا يجامع زوجته هل يجوز نعطيه المال لكي يفك هذا السحر ؟
الجواب : على كل حال إذا علمنا فلا بأس ، لا بأس أن ينقض السحر لأن هذا نقض لا بأس نعطيه المال لأنه لن يطيع إلا بالمال ويخشى عليه أنكم إذا علمتم به سَحَرَكُمْ أيضاً فَكَّ السحر عن ذاك ووضعه عليكم ،
السؤال : نسمع كثيراً من الناس يسبون الله ويسبون رسول الله ويسبون الدين ولكن لا نستطيع أن نعمل شيئاً فماذا نعمل ؟
الجواب : بَلِّغوا من يستطيع فإذا بَلَّغْتُمْ من يستطيع فقد أبرأتم ذممكم فلا يمكن أن تقتله ولكن الذي يظهر لي أن القول بأنه يُلحق أولى لأن العلة واحدة ،
---
[1] - أخرجه مسلم ( 770 ) .
[2] - الرسالة التدمرية ص 102 ،
[3] - الرسالة التدمرية ص 103 – 106 ،
[4] - إيجاز البيان عن معاني القرآن للنيسابوري ( 1 / 159 ــ 161 ) والحدود الأنيقة للأنصاري ( ص 80 ) ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 143 – 144 ، 273 – 281 ) ( 17 / 387 ، 397 ، 416 – 429 ) ،(1/359)
[5] - قال مقيده غفر الله له : ( هذا الكلام ذكره الشيخ رحمه الله في شرحه الأول على العقيدة الواسطية ( 2 / 198 ) الذي شرحه في سنة 1408 هـ ، وقد شَرَحَ ( العقيدة السفارينية ) في سنة 1408 هـ ، ورجع عنه رحمه الله في شرحه الثاني على الأربعين النووية في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط عند شرحه للحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجةٌ لك أو عليك ) فقال : ( وكونه في الكتاب المكنون هل معناه أن القرآن كله كتب في اللوح المحفوظ أو أن المكتوب ذكر القرآن وأنه سينزل وسيكون كذا وكذا ؟ الأول ، لكن يبقى النظر : كيف يُكتب قبل أن تخلق السماوات بخمسين ألف سنة وفيه العبارات الدالة على المضي مثل : قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال } ، ومثل قوله : { قد سمع الله التي تجادلك } وهو حين كتابته قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة لم يسمع لأن المجادلة ما خلقت أصلاً حتى تسمع مجادلتها ؟ فالجواب أن الله قد علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ كما أنه قد علم المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ وعند تقديرها يتكلم الله عز وجل بقوله : { كن فيكون } ، هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مما تطمئن إليه النفس ، وكنت قبلاً أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن ، لا القرآن ، بناءً على أنه يعرج بلفظ المضي قبل الوقوع ، وأن هذا كقوله تعالى – عن القرآن – : { وإنه لفي زبر الأولين } والذي في زبر الأولين ليس القرآن ، الذي في زبر الأولين ذكر القرآن والتنويه عنه ، ولكن بعد أن اطلعت على قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى انشرح صدري إلى أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ولا مانع من ذلك ، ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل ، هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن ) ، وقد شرح الشيخ كتاب ( الأربعين النووية ) مرةً ثانية(1/360)
في دورته الصيفية الأخيرة في سنة 1421 هـ التي قبل وفاته ببضعة أشهر وشرحه موجودٌ منتشر وعدد أشرطته ( 19 شريطاً ) ، والصحيح : ما رجع إليه الشيخ رحمه الله وهو أن القرآن الكريم مكتوبٌ كله في اللوح المحفوظ ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 12 / 126 و 127 ، 15 / 223 ) فاقتضى ذلك التنبيه والتنويه على ذلك ، والله أعلم ) .
[6] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 661 ) ،
[7] - أخرجه مالك ( 468 ) والدارمي ( 2266 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 122 ،
[8] - هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي ، المشهور بـ ( ابن قيم الجوزية ) ، نشأ في بيت علم ، فبرع في العلوم والفنون ، عني بالحديث متونه ورجاله ، والتفسير والأصول من المنطوق والمفهوم والفقه واللغة والنحو، وكان أديباً واعظاً خطيباً ، فصنف وناظر واجتهد وصار من الأئمة الكبار ، ففاق أقرانه واشتهر في الآفاق ، فكان واسع العلم عارف بالخلاف ومذاهب السلف ، وكان من أبرز تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث أنه لازمه إلى أن مات ، فأخذ عنه علماً جماً مع ما حواه من علوم فصار فريدً في بابه ، توفي رحمه الله سنة 751 هـ ،
البداية والنهاية لابن كثير ( 9 / 491 ) ، جلاء العينين للآلوسي ( ص 44 ) ، البدر الطالع للشوكاني ( 2 / 143 ) ، النجوم الزاهرة لابن تغري ( 10 / 249 ) ، بغية الوعاة للسيوطي ( 1 / 62 ) ، الرد الوافر لابن ناصر ( ص 124 ) ، المعجم المختص للذهبي ( ص 269 ) ، الدرر الكامنة لابن حجر ( 4 / 21 ) ، الفتح المبين للمراغي ( 2 / 161 ) ،
[9] - القصيدة النونية ( 1/ 262 ) شرح ابن عيسى ، وقد شرحها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، يسر الله لنا إخراجه ،
[10] - جامع الرسائل والمسائل ( 1 / 162 ) ،(1/361)
[11] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 303 – 308 ) ومنهاج السنة النبوية ( 1 / 303 – 304 ) ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 38 – 41 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 50 ، 100 ) وشرح القصيدة النونية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ( 2 / 28 وما بعدها ) ،
[12] - التعريفات للجرجاني ( ص 79 ، 83 ، 153 ) ، الحدود الأنيقة للأنصاري ( ص 71 ) ،
[13] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 383 ) ،
[14] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 132 ) ( 2 / 383 ) ،
[15] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 50 – 54 ، 100 ، 550 ، 618 ) ،
[16] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ( 2 / 93 ، 493 – 499 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[17] - مسألة الاستواء عند شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 13 / 294 – 313 ) ( 17 / 423 – 425 ) والفتوى الحموية الكبرى ص 54 والرسالة التدمرية ص 81 ،
[18] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 351 ) ،
[19] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 369 ) ،
[20] - أخرجه البخاري ( 3190 ) ،(1/362)
[21] - أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية وأبو الشيخ في طبقات المحدثين ( 2 / 214 ) والسجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 123 والللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 664 ) والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2 / 305 – 306 ) والرسالة التدمرية ص 43 ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 167 ) ( 5 / 40 – 41 – 149 – 365 – 390 ) ( 13 / 308 – 309 ) ( 16 / 472 – 473 ) وشرح حديث النزول ص 107 – 132 ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 278 ) ( 6 / 265 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 37 ، 436 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 3 / 923 ) ( 4 / 304 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 124 وقال الذهبي في مختصر العلو للعلي العظيم ص 139 : ( هذا ثابت عن مالك ) ،
[22] - لمزيد من الفائدة في مسألة العلو وما ورد فيها من آثار السلف انظر كتاب العلو للعلي العظيم للحافظ الذهبي ومختصره للشيخ العلامة الألباني رحمهما الله تعالى ،
[23] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 362 ، 555 – 556 ) والرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص 122- 129 – 130 ،
[24] - حديث أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) ،
[25] - شرح حديث النزول ص 232 ،
[26] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 53 ) ،
[27] - انظر كلام شيخ الإسلام في شبهة التجسيم في : بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 9 ، 29 ، 50 ، 100 ، 505 وما بعدها ، 550 ، 618 ) ( 2 / 93 ) والرسالة التدمرية ص 35 ، 120 ، 133 ومجموع الفتاوى ( 4 / 144 ) ( 5 / 176 ، 418 – 419 ، 428 – 434 ) ( 13 / 146 ) ) والرد على المنطقيين ص 224 وما بعدها والفتوى الحموية الكبرى ص 54 ،
[28] - القصيدة النونية ( 1 / 233 ) شرح الهراس ،
[29] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،(1/363)
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ، وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ، وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ، وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[30] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،(1/364)
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ،
وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ،
وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ،
وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[31] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5/ 146 ) ، والصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 359 ــ المختصر ) ،
[32] - الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 359 ــ المختصر ) ،(1/365)
[33] - وأبطل تأويل هذا البيت بمعنى استولى أبو منصور عبد القاهر البغدادي في كتابه أصول الدين ( ص 112 ) ،
ونقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق ، عن ابن الأعرابي إمام اللغة أنه قال : ( أرادني أحمد بن أبي دؤاد أن أجد له في لغة العرب { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) بمعنى استولى ، فقلت : والله ما أصبت هذا ) ،
فتح الباري لابن حجر ( 13 / 417 ) ، وشرح أصول السنة لللالكائي ( 3 / 443 ) ، وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ( 5 / 284 ) حادثة أخرى له ، أنظرها هناك ،
[34] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 519 ) ،
[35] - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم ( ص 248 ) ،
[36] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 52 ، 397 ، 428 – 446 ) ( 2 / 163 ، 171 وما بعدها ) ومسألة القرآن لابن عقيل ص 93 ،
[37] - الرد على المنطقيين ص 226 ،
[38] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[39] - التسعينية ( 1 / 127 ) والرسالة التدمرية ص 79 ،
[40] - أخرجه البخاري ( 968 ) ومسلم ( 897 ) ،
[41] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 597 ) ،
[42] - أصل السنة لابن أبي حاتم ( ص 24) ، البرهان للسكسكي ( ص 95) بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 106 ، 109 ، 241 – 245 ، 625 ) ،
[43] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 214 ، 215 ) ،
[44] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 198 ) ،
[45] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 461 ) ،(1/366)
[46] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 428 ) ( 3 / 193 ) ( 6 / 15 – 16 ) وجامع البيان للطبري ( 1 / 501 وما بعدها ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 1 / 370 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 88 ، 121 ) ( 2 / 365 ) والمبسوط للسرخسي ( 10 / 191 ) والمغرب للمطرزي ص 478 والمغني لابن قدامة ( 1 / 260 ) وتبيين الحقائق للزيلعي ( 1 / 101 ) والمصباح المنير للفيومي ص 649 ودرر الحكام لمنلا خسرو ( 1 / 61 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 302 ) وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ( 1 / 168 ، 174) وكشاف القناع للبهوتي ( 1 / 302 ) والموسوعة الفقهية ( 19 / 144 ) ،
[47] - أخرجه البخاري ( 5873 ) دون قوله ( إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ) وأخرجه مسلم ( 2612 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في مجموع الفتاوى ( 4 / 183 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 615 ) ،
[48] - كتاب الصفات للدارقطني تحقيق فضيلة الشيخ علي ناصر فقيهي ص 57 – 63 – 64 وكتاب السنة لعبدالله بن الإمام أحمد ( 1 / 268 ) ( 2 / 479 – 480 – 490 ) وكتاب السنة لابن أبي عاصم ( 1 / 229 – 230 ) وكتاب التوحيد لابن خزيمة ( 1 / 81 – 94 ) وكتاب الشريعة للآجري ص 314- 315 وكتاب التوحيد لابن مندة ( 1 / 222 ) وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ( 2 / 60 ) وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله الغنيمان ( 2 / 29 – 38 ، 61 – 65 ، 67 - 98 ) وشرح صحيح مسلم للنووي ( 16 / 402 – 404 ) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 199 وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 14 / 374 ) وكتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة ص 357 – 358 ،
[49] - أخرجه البخاري ( 3074 ) ومسلم ( 2834 ) ،
[50] - المحكم لابن سيده ( 1 / 256 ) وانظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[51] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 48 ) ،
[52] - أخرجه البخاري ( 6976 ) ومسلم ( 993 ) ،(1/367)
[53] - أخرجه مسلم ( 2759 ) ،
[54] - انظر تعريف الحقيقة والمجاز عند ابن عقيل في مسألة القرآن ص 95 ،
[55] - هو محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، والجكني نسبة إلى قبيلته التي تنحدر من جدها الأعلى ( جاكن ) الذي يرجع أصله إلى حمير ، وهو من شنقيط من موريتانيا ، من علماء هذا العصر وجهابذته ، كان عالماً في كل فنون العلم ، شهد لعلمه المؤالف والمخالف، استقر أمره في المدينة النبوية ، وتوفي في مكة سنة 1393 هـ رحمه الله ،
انظر علماء ومفكرون عرفتهم للمجذوب ( 1 / 171 ) والأعلام للزركلي ( 6 / 45 ) ،
[56] - هو كتاب ( منع جواز المجاز ) ،
[57] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 87 - 119 ) ( 20 / 400 – 497 ) ومختصر الصواعق المرسلة ( 2 / 271 ) لابن القيم ،
ومبحث طويل نفيس في المجاز ووجوده في اللغة والقرآن والرد على مثبتيه في كتابه الإيمان ص 84 – 114 ،
[58] - القصيدة النونية لابن القيم ( 2 / 320 ) شرح ابن عيسى
[59] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 273 – 304 – 318 ) ،
[60] - أخرجه البخاري ( 4407 ) ومسلم ( 993 ) ،
[61] - الرسالة التدمرية ص 73 ،
[62] - لسان العرب لابن منظور ( 1 / 286 ) ، مجمل اللغة لابن فارس ( 1 / 108 ) ،
[63] - وهو الحق الذي لا مرية فيه ، وانظر تخريج حديث الساق بعد قليل ،
[64] - روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأسانيد ضعيفة لا يقوم بها الاعتضاد ، وعن بعض السلف بأسانيد لا تثبت ،
انظر ( المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير : { يوم يُكشف عن ساق } ) لسليم الهلالي ، ففيه " التفصيل الذي يروي الغليل ، ويكبت الشانىء العليل " ،
[65] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 394 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 1 / 252 ) ،(1/368)
[66] - أخرجه البخاري ( 8 / 663 ـ الفتح ـ كتاب التفسير ـ باب : { يوم يُكشف عن ساق } ) ، ( 13 / 420 ـ الفتح ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى : { وجوه يومئذِ ناضرة } ) ، ومسلم ( 3 / 27 ــ في الإيمان ) ،
ويشهد له حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، الطويل أيضاً ، وفيه : ( فعند ذلك يكشف الله عن ساقه ، فيخر كل من بظهره طبق ، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر ) ، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ( 2 / 520 ) ، والطبراني في المعجم الكبير ( 9 / 416 ) ، والبيهقي في البعث والنشور ( ص 252 ) ،
صححه الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين ( ص 131 ) ، وابن حجر في المطالب العالية ( 4 / 367 ) ، والمنذري في الترغيب والترهيب ( 4 / 395 ) ، والبوصيري في إتحاف الخيرة ( 10/ 343 ) ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 10 / 343 ) ، والألباني في تخريج الطحاوية ( ص 415 ) ،
ويشهد له أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : â tP?qt? ?#t±?3?? `t? 5-$y? ?قال : يكشف الله عز وجل عن ساقه ) ، أخرجه ابن أبي داود في كتاب البعث ( ص 79 ) ، وابن مندة في الرد على الجهمية ( ص 40 ) ، والإيمان ( 2/ 794 ) ، والطبري في تفسيره ( 29 / 26 ) بإسناد صحيح ،،(1/369)
[67] - هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي ، أبو الطيب المتنبي ، صاحب الأمثال في الشعر ، شيعي متخبط ، جعل نسبه علوي ثم ادعى النبوة ، وبه سمي المتنبي على الأصح ، وزعم أن قرآناً أنزل عليه ، وذكروا له بعض السور منه ، فحبس دهراً طويلاً ، وأشرف على القتل ، ثم استتيب ، وكتبوا عليه وثيقة أشهد عليه فيها بكذب ما ادعاه ، ثم أطلق ، وكان معجبا ً بنفسه مغروراً ، كثير السرقة والانتحال لأبيات غيره بأخذ ألفاظها ومعانيها ، وكان طامعاً في الثروة والسلطان من خلال مديحه للأمراء والسلاطين ، مات مقتولاً على يد قطاع طرق على الراجح سنة 354 هـ ، قتله بيت شعر له ، ذُكِّر به بعد أن فر :
الخيل والليل والبيداء تعرفني .
والحرب والضرب والقرطاس والقلم .
نشوار المحاضرة للتنوخي ( 4 / 245 ـ 251 ) و ( 8 / 198 ) ، وفيات الأعيان لابن خلكان (1/120) ، روضات الجنات للخونساري ( 1 / 230 ) ، أعيان الشيعة للعاملي ( 8 / 61 ) ، دائرة المعارف الإسلامية (1/ 363 ) ، المنصف للسارق والمسروق منه لابن وكيع ( 1 / 74 ) ،
[68] - ديوانه ( 1 / 302 ) ،
[69] - أخرجه البخاري ( 2583 ) .
[70] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[71] - الرسالة التدمرية ص 20 ،
[72] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 46 – 49 ) ( 2 / 90 ) ،
[73] - وعلى هذا أجمع سلف الأمة وأئمتها انظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 248
[74] - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 / 398 ) ،
[75] - أخرجه العقيلي ( 1 / 70 – 71 ) والبزار ( كشف الأستار ) وهذا الحديث قال فيه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 3 / 93 ) برقم 1024 : ( ضعيف جداً ) .
[76] - أخرجه البخاري ( 4141 ) .
[77]- أخرجه مسلم ( 179 ) ،(1/370)
[78] - جامع البيان للطبري ( 13 / 94 ) ومعالم التنزيل للبغوي ( 7 / 429 ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 17 / 87 ) ،
[79] - أخرجه البخاري ( 3256 ) ومسلم ( 169) وبغية المرتاد ص 514 – 518 ،
[80] - انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول .
[81] - نص على تواتر أحاديث النزول جماعة من أهل العلم منهم : شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول ص 69 والعلامة ابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 387 – 388 ) والحافظ الذهبي في العلو للعلي العظيم ص 79 والحافظ ابن عبدالبر في التمهيد ( 7 / 128 ) والشيخ العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الأدب المفرد ص 282 ،
[82] - أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) وأحمد ( 16303 ) ،
[83] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 393 – 394 ) ،
[84] - شرح حديث النزول ( ص 160 ) ،
[85] - شرح حديث النزول ص 232 ،
[86] - شرح حديث النزول ص 320 ،
[87] - أخرجه البخاري ( 7 ) ومسلم ( 1773 ) ،
[88] - شرح حديث النزول ص 395 ،
[89] - جامع الرسائل والمسائل ( 2 / 3 وما بعدها ) ،
[90] - أخرجه الترمذي ( 3524 ) وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 448 ) ،
[91] - غذاء الألباب للسفاريني ( 2 / 446 ) ،
[92] - شظف العيش : أي يبس العيش ، انظر المحيط في اللغة للصاحب ( 7 / 309 ) ،
[93] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 2 / 338 ،339 ) ،
[94] - أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية وأبو الشيخ في طبقات المحدثين ( 2 / 214 ) والسجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص 123 والللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ( 3 / 664 ) والحجة في بيان المحجة للأصبهاني ( 1 / 175 ) والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2 / 305 – 306 ) والرسالة التدمرية ص 43 ، وقال الذهبي في مختصر العلو للعلي العظيم ص 139 : ( هذا ثابت عن مالك ) ،(1/371)
وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 167 ) ( 5 / 40 – 41 – 149 – 365 – 390 ) ( 13 / 308 – 309 ) ( 16 / 472 – 473 ) وشرح حديث النزول ص 107 – 132 ودرء تعارض العقل والنقل ( 1 / 278 ) ( 6 / 265 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 37 ، 436 ) ومجموعة الرسائل والمسائل ( 1 / 212 – 213 ) والصواعق المرسلة لابن القيم ( 3 / 923 ) ( 4 / 304 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 124 ،
[95] - مجاز القرآن لأبي عبيدة ( 1 / 379 ) ،
[96] - أخرج مسلم ( 2670 ) ،
[97] - لمزيد من الفائدة : انظر منهج دراسات لآيات الأسماء والصفات للشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي ،
[98] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 587 ) ،
[99] - تهذيب اللغة للأزهري ( 8 / 132 ) ،
[100] - الصحاح ، للجوهري ( 4 / 1320 ) ،
[101] - أخرجه النسائي ( 1369 ) وأبو داود ( 1052 ) وأحمد ( 15072 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 1 / 451 ) برقم 727 ،
[102] - القاموس المحيط ، للفيروز آبادي ( ص 930 ) ،
[103] - التسعينية ( 1 / 171 ) ،
[104] - وهو ما ذهب إليه ابن حزم أنه لا يثبت لله صفات انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 2 / 283 – 286 ) ،
[105] - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي ( 3 / 558 ) ،
[106] - انظر تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية في القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص 31 – 32 والصفات الإلهية للشيخ محمد أمان ص 199 – 203 ،
[107] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،
[108] - هم الذين يتتبعون الأثر ، تهذيب اللغة للأزهري ( 9 / 330 ) ، وانظر مفتاح السعادة لكبري زادة ( ص 749 ) ،
[109] - البعير يذكر ويؤنث ، البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث للأنباري ( ص 76 ) ، والمذكر والمؤنث لابن التستري ( ص 79 ) ،
[110] - هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من أشهر شعراء العرب في الجاهلية .(1/372)
وامرؤ القيس لقبه ، واسمه خندج ، وقيل : غيره ، مات نحو 80 ق هـ ، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من فحول الجاهلية ،
طبقات فحول الشعراء لابن سلام ( 1 / 51 ) ، الشعر والشعراء لابن قتيبة ( 1 / 105 ) ، الأغاني لأبي الفرج ( 9 / 93 ) ، خزانة الأدب للبغدادي ( 1 / 160 ) و ( 3 / 609 ) ،
[111] - ديوانه ( ص 18 ) ،
[112] - أخرجه البخاري ( 3525 ) ومسلم ( 1459 ) ،
[113] - أخرجه البخاري ( 6137 ) ،
[114] - المغني لابن قدامة ( 6 / 330 ) والإنصاف للمرداوي ( 3 / 231 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 2 / 143 ) والفروع لابن مفلح ( 2 / 614 ) وحاشية الروض المربع لابن قاسم ( 3 / 316 ) ،
[115] - أخرجه الترمذي ( 3272 ) وأحمد ( 12989 ) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 531 ، 534 ) .
[116] - أخرجه البخاري ( 6866 ) ومسلم ( 134 ) .
[117] - ورد في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وصححه ( 4726 ) والدارمي ( 2800 ) وضعفه الأباني في ظلال الجنة ( 575 ) ، وانظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 570 ) .
[118] - أخرجه البخاري ( 127 ) .
[119] - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه .
[120] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 273 ) ،
[121] - أخرجه أحمد ( 8500 ) وضعفه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 3 / 691 ) .
[122] - أخرجه مسلم ( 179 ) ،(1/373)
[123] - درء تعارض العقل والنقل ( 7 / 353 ، 406 – 461 ) ( 8 / 6 – 7 ، 21 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 328 – 358 ) ( 20 / 202 ، 225 – 226 ) والنبوات ( 1 / 249 ) والاستقامة ( 1 / 142 ) والتسعينية ( 1 / 195 وما بعدها ) وكتاب الإيمان ص 68 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 274 وفتح الباري للحافظ ابن حجر ( 1 / 70 ، 77 ) ( 6 / 341 ) ( 13 / 349 – 354 ، 361 ) والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 325 ) ،
[124] - قال الشيخ موفق الدين ابن قدامة : ( وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعاً ) ، وخالف بعض المعتزلة – بعض معتزلة بغداد – ذلك فقالوا : أنه يلزم العامي النظر في الدليل في الفروع ، قال ابن قدامة : ( وهو باطل بإجماع الصحابة ،،،، ) ، انظر روضة الناظر ( 3 / 1018 ) والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ( 4 / 399 ) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 4 / 197 ) والتلخيص في أصول الفقه لأبي المعالي الجويني ( 3 / 433 ) وتيسير التحرير لأمير بادشاه ( 4 / 246 ) والمسودة في أصول الفقه لأبي البركات ابن تيمية ص 458 والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 332 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 3 / 342 – 344 ) والموسوعة الفقهية ( 13 / 160 – 162 ) ،
[125] - وهو قول بعض الشافعية وبعض المتكلمين ، انظر التحبير شرح التحرير للمرداوي ( 8 / 4018 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 566 ) ،
[126] - وهو قول الإمام أحمد والقاضي أبا يعلى وابن عقيل وأبو المعالي الجويني وهو قول جمهور العلماء ،(1/374)
لمزيد من الفائدة في مسألة التقليد في العقيدة : انظر : العدة في أصول الفقه لأبي يعلى ( 4 / 1217 ) والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( 8 / 4017 ) والبلبل في أصول الفقه للطوفي ص 183 والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ( 4 / 396 ) وروضة الناظر لابن قدامة ( 3 / 1017 ) والمسودة في أصول الفقه لأبي البركات ابن تيمية ص 457 وشرح تنقيح الفصول للقرافي ص 430 والتلخيص في أصول الفقه لأبي المعالي الجويني ( 3 / 427 ) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ( 4 / 223 ) ونهاية السول للإسنوي ( 3 / 264 ) والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري ( 2 / 941 ) وتيسير التحرير لأمير بادشاه ( 4 / 243 ) والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ( 2 / 261 ) والمحصول في أصول الفقه للفخر الرازي ( 6 / 73 ) والبحر المحيط للزركشي ( 8 / 325 – 328 ) والأحكام السلطانية للماوردي ص 85 والفتاوى الكبرى ( 6 / 347 ) وحاشية العطار ( 2 / 433 ) ،
[127] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 335 ) ( 6 / 506 - 512 ) ومنهاج السنة النبوية ( 6 / 384 – 387 ) وبغية المرتاد ص 470 – 471 ،
[128] - حديث قدسي أخرجه البخاري ( 7098 ) ومسلم ( 2675 ) ،
[129] - أخرجه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) ،
[130] - الرد على البكري ص 287 ،
[131] - أخرجه البخاري ( 269 ) ومسلم ( 317 ) ،
[132] - جمهرة اللغة لابن دريد ( 2 / 338 ، 339 ) ،
[133] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 216 وما بعدها كتاب الروح لابن القيم ص 226 وشرح العقيدة الطحاوية ص 391 ،(1/375)
[134] - درء تعارض العقل والنقل ( 1 / 122 – 124 ، 308 ) ( 3 / 83 – 86 ، 163 – 164 ، 444 – 446 ) ( 5 / 203 – 203 ) ومنهاج السنة النبوية ( 1 / 360 ) ( 2 / 139 ، 142 ، 202 ) ( 5 / 443 – 444 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 178 – 179 ) والنبوات ( 1 / 298 – 328 ) ( 2 / 1099 – 1101 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 421 – 425 ) ( 17 / 242 – 260 ، 313 ، 443 ) وبغية المرتاد ص 307 ،
[135] - منهاج السنة النبوية ( 1 / 146 – 147 ، 298 ، 389 ، 436 ، 176 ) ودرء تعارض العقل والنقل ( 2 / 147 – 148 ، 342 – 399 ) ( 9 / 236 – 250 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 / 210 – 243 ) والصفدية ( 1 / 10 وما بعدها ) ومجموعة الرسائل والمسائل ( 3 / 441 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 129 وما بعدها وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ ابن عثيمين ص 134 ،
[136] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 524 ) ( 8 / 381 ) ( 9 / 278 ) ( 12 / 45 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 159 ) ،
[137] - هو محمد بن الهذيل بن عبيد الله البصري ، المعروف بالعلاف ، أبو الهذيل ، شيخ الكلام ، ورأس الاعتزال ، ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه ، يعرفون بالهذيلية يقولون بمقالاته ، ومن مقالاته أن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولا مات بأجله ، يقال : قارب مائة سنة ، وخرف وعمي ، مات سنة 226 هـ ، وقيل : 235هـ ، السير للذهبي ( 11 / 173 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 5 / 161 ) وفيه حادثة له منكرة ! طبقات المعتزلة للمرتضي ( ص 44 ) ،
[138] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 543 ، 561 ) ( 8 / 154 ) ( 9 / 278 ) ( 12 / 45 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 2 / 183 ) ،
[139] - القصيدة النونية لابن القيم ( 1 / 82 ) شرح ابن عيسى ،
[140] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 183 ) ،
[141] - أخرجه مسلم ( 471 ) ،(1/376)
[142] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 444 – 445 ) ،
[143] - وانظر في تفنيد هذا الاتهام عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، كتاب دفع الشبه الغوية لمراد شكري ( ص 11 ـ 68 ) وكتاب ابن تيمية المفترى عليه للهلالي ( ص 68 ـ 98 ) ،
[144] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 279 ) والروح لابن القيم ص 154 وما بعدها ، وشرح العقيدة الطحاوية ص 395 ،
[145] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 518 ) ،
[146] - النبوات ( 1 / 461 ) ،
[147] - انظر مسألة خلق أفعال العباد في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 117 – 118 ، 459 – 460 ) وشفاء العليل لابن القيم ص 114 وشرح العقيدة الطحاوية ص 436 وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ص 225 وشرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ،
[148] - جامع الرسائل والمسائل ( 1 / 122 وما بعدها ) ،
[149] - شرح حديث النزول ص 413 ،
[150] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 187 – 188 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 83 وشرح العقيدة الطحاوية ص 114 ،
[151] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 276 – 277 ،
[152] - أخرجه البخاري ( 1 ) ،
[153] - أخرجه الترمذي ( 1423 ) وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وأبو داود ( 4398 ) وابن ماجة ( 2041 ) وأحمد ( 943 ) والدارمي ( 2296 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 297 ،
[154] - جمهرة الأمثال للعسكري ( 1 / 215 ) ، المستقصى في أمثال العرب للزمخشري ( 1 / 370 ) ، نكتة الأمثال للكلاعي ( ص 47 ) ،
[155] - أخرجه مسلم ( 2577 ) ،(1/377)
[156] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 91 – 93 ) والرد على المنطقيين ص 522 ومفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 14 62 ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 332 – 333 ) وكتاب الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى للشيخ الدكتور محمد بن ربيع بن هادي المدخلي حفظهما الله تعالى ص 112 ،
[157] - ذكر الشيخ رحمه الله تعالى قبل قليل أن المراتب أربعة ، وهنا ذكرها خمس .
[158] - أخرجه البخاري ( 4352 ) ،
[159] - أخرجه مسلم ( 867 ) ،
[160] - انظر رسالة الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك ص 41 ،
[161] - الرد على البكري ص 329 – 330 ،
[162] - شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق العلامة الألباني ص 133 .
[163] - أخرجه البخاري ( 6982 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في مجموع الفتاوى ( 2 / 273 ) ( 5 / 520 – 521 ) ( 6 / 551 ) ( 8 / 184 ، 516 ) ( 16 / 136 – 137 ) ( 18 / 21 0 – 211 – 219 ) وبيان تلبييس الجهمية ( 1 / 589 ) ،
[164] - أخرجه مسلم ( 2713 ) ،
[165] - انظر رد شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال بقدم العالم في كتابه الرد على البكري ص 63 ،
[166] - انظر في الفلسفة والفلاسفة ، طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ( ص 16 ) ، بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 54 ) ، جامع العلوم لأحمد نكري ( ص 678ـ 679 ) ، دائرة معارف القرن العشرين لوجدي ( 7 / 404 ) ،
[167] - أخرجه أبو داود ( 4699 ) وابن ماجة ( 77 ) وأحمد ( 21101 ) وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 145 ) ،
[168] - أخرجه مسلم ( 2816 ) .
[169] - أخرجه مسلم ( 483 ) ،
[170] - الرسالة التدمرية ص 207 وما بعدها ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ( 5 / 62 – 63 ) ولسان العرب لابن منظور ( 11 / 55 – 56 ) والروضة الندية للشيخ زيد بن عبدالعزيز آل فياض ص 19 والقضاء والقدر لعمر الأشقر ص 25 ،(1/378)
[171] - أخرجه البخاري ( 1961 ) ومسلم ( 2557 ) ،
[172] - أخرجه ابن ماجة ( 90 ) وأحمد ( 21881 ) ، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 286 ) برقم 154 .
[173] - أخرجه مسلم ( 901 ) ،
[174] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 207 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 126 وما بعدها ) ،
[175] - أخرجه أبو داود ( 4699 ) وابن ماجة ( 77 ) وأحمد ( 21101 ) وصححه العلامة الألباني في ظلال الجنة ( 145 ) ،
[176] - رحمه الله تعالى كتاب نفيس في هذا الباب ألا وهو ( كتاب الإيمان ) فارجع إليه إن شئت ،
[177] - المستصفى للغزالي 23 وأحكام القرآن لابن العربي ( 4 / 218 ) والبحر المحيط للزركشي ( 1 / 236 ) وشرح الكوكب المنير للفتوحي ص 107 – 110 ومجمع الأنهر لدامادا أفندي ( 1 / 9 – 10 ) وبريقة محمودية للخادمي ( 1 / 250 – 251 ) وحاشية العدوي ( 1 / 29 – 30 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 1 / 100 ) وحاشية العطار ( 1 / 123 – 124 ) وحاشية ابن عابدين ( 6 / 313 ) والموسوعة الفقهية ( 7 / 202 – 203 ) ( 23 / 110 – 111 ) ( 32 / 95 – 96 ) ،
[178] - أخرجه البخاري ( 1222 ) ومسلم ( 1486 ) ،
[179] - أخرجه ابن ماجة ( 90 ) وأحمد ( 21881 ) ، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 286 ) برقم 154 .
[180] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[181] - الفتاوى الكبرى ( 4 / 196 ) ،
[182] - أخرجه مسلم ( 2664 ) ،
[183] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 190 – 192 ) ( 10 / 574 – 579 ، 682 ) والتحفة العراقية ص 350 – 363 ،
[184] - أخرجه البخاري ( 1232 ) ومسلم ( 103 ) ،
[185] - لمزيد من الفائدة في الصبر وتعريفه وأقسامه وأحكامه والكلام عليه بتفصيل انظر كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله تعالى ،(1/379)
[186] - مرتبة الصبر واجبة باتفاق العلماء انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 260 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 / 106 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 265 والتحفة العراقية ص 353 ،
[187] - على قولين لأصحاب أحمد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية انظر مجموع الفتاوى ( 8 / 191 ) ( 10 / 40 / 41 ، 682 ) ( 11 / 260 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 2 106 ) والتحفة العراقية ص 356 ،
[188] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 265 ،
[189] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 400 ، 511 ) ( 14 / 266 – 269 ) ( 17 / 94 ) ،
[190] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 8 / 96 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 121 ،
[191] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 468 ) وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى ص 190 ،
[192] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 182 – 183 ) وكتاب الاستقامة ( 2 / 185 – 186 ) ،
[193] - بريقة محمودية للخادمي ( 1 / 27 )
[194] - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فالفسق تارة يكون بترك الفرائض وتارة بفعل المحرمات ) انظر كتاب الإيمان ص 237 ،
[195] - أخرجه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) ،
[196] - أ خرجه البخاري ( 2511 ) ومسلم ( 87 ) ،
[197] - المحلى لابن حزم ( 8 / 472 ) وبدائع الصنائع للكاساني ( 6 / 268 ) والفروق للقرافي ( 1 / 120 – 136 ) ( 4 / 65 – 66 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 2 / 244 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ص 385 – 386 والبحر الرائق لابن نجيم ( 7 / 89 – 90 ) ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 6 / 344 – 346 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 8 / 294 – 302 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 552 – 553 ) والموسوعة الفقهية ( 8 / 25 ) ( 27 / 17 – 19 ) ( 34 / 148 – 151 ) ،(1/380)
[198] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 651 ) ،
[199] - النونية ( 1/ 65 ) شرح ابن عيسى ،
[200] - وهو قول بعض الأصوليين كما قال ابن مفلح انظر الآداب الشرعية ( 1 / 57 – 58 ) الموسوعة الفقهية ( 14 / 123 – 124 ) ( 34 / 161 – 162 ) ،
[201] - أسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 359 ) ،
[202] - أخرجه البخاري ( 6400 ) ومسلم ( 57 ) ،
[203] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 429 ) ( 28 / 636 ) ( 35 / 161 – 163 ) ،
[204] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 471 – 472 ) ( 28 / 555 ) وبغية المرتاد ص 338 – 242 والرد على البكري ص 356 وكتاب الإيمان ص 203 وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 190 ) والمغني لابن قدامة ( 6 / 248 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 326 – 335 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 519 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 6 / 98 – 99 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 5 / 137 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 241 – 244 ) والمنتقى شرح الموطأ للباجي ( 5 / 281 – 282 ) وتبصرة الحكام لابن فرحون ( 2 / 279 ) وشرح حدود عرفة ص 491 والتاج والإكليل للمواق ( 8 / 375 ) الغرر البهية لزكريا الأنصاري ( 3 / 444 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 181 – 182 ) ،(1/381)
[205] - الفتاوى الكبرى ( 1 / 114 ) ( 3 / 481 ، 519 ) ( 5 / 445 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 483 – 484 ) ( 7 / 215 – 216 ، 471 – 472 ) ( 15 / 408 ) ( 18 / 189 – 190 ) ( 28 / 434 – 435 ) ( 35 / 110 – 111 ) وبغية المرتاد ص 338 وكتاب الإيمان ص 203 وما بعدها وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 190 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 104 – 107 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 167 – 171 ، 263 ) والآداب الشرعية لابن مفلح ( 1 / 58 – 59 ، 109 – 110 ) وغذاء الألباب للسفاريني ( 2 / 581 – 583 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 181 – 182 ) وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 35 – 36 ) ( 2 / 348 – 349 ، 403 – 405 ) ( 3 / 208 ) وأحكام القرآن لابن العربي ( 1 / 20 – 21 ) ( 2 / 545 – 546 ) والمغني لابن قدامة ( 6 / 248 – 251 ) ( 9 / 18 – 19 ) والإنصاف للمرداوي ( 9 / 441 – 444 ) ( 10 / 326 – 327 ، 333 – 335 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 177 – 178 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 4 / 650 ) ( 6 / 291 – 292 ) وفتح القدير لابن الهمام ( 69 – 71 ، 98 – 99 ) والتاج والإكليل لابن المواق ( 8 / 375 – 378 ) والغرر البهية لزكريا الأنصاري ( 3 / 444 ) ( 5 / 78 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 7 / 209 – 210 ) والموسوعة الفقهية ( 3 / 175 – 176 ) ( 13 / 186 ) ( 14 / 126 – 127 ) ( 16 / 301 ) ( 24 / 49 – 51 ) ،
[206] - لمزيد من الفائدة في حكم الساحر انظر المغني لابن قدامة ( 9 / 34 – 38 ) والفروع لابن مفلح ( 6 / 177 – 180 ) والإنصاف للمرداوي ( 9 / 440 – 441 ، 10 / 353 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 293 ) والسياسة الشرعية ص 154 – 157 وأحكام القرآن للجصاص ( 1 / 71 – 79 ) والتاج والإكليل للحطاب ( 8 / 376 ) والموسوعة الفقهية ( 24 / 266 – 269 ) ،(1/382)
[207] - هو حسن الصفدي العيلبوني الشاعر اللبيب الفائق ، وكان حسن المطارحة طيب العشرة ، يقال أنه درزي ثم تاب وله نونية طويلة في الرد عليهم وبيان ضلالاتهم ، انظر خلاصة الأثر للمحبي ( 2 / 79 ) .
[208] - المغني لابن قدامة ( 9 / 33 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 474 ، 489 ) ( 5 / 545 ) والصارم المسلول ص 308 – 315 وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 104 – 105 ) والإنصاف للمرداوي ( 10 / 332 – 335 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 167 – 169 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 293 ) وحاشية ابن عابدين ( 4 / 231 – 236 ) والتاج والإكليل للمواق ( 8 / 386 ) وحاشية الجمل ( 5 / 121 – 124 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 1 / 357 ) ( 7 / 223 – 226 ) وسبل السلام ( 2 / 384 – 385 ) والموسوعة الفقهية ( 13 / 231 ) ( 14 / 56 – 57 ) ( 22 / 184 – 185 ، 192 – 193 ، 210 – 211 ) ( 33 / 22 ) ،(1/383)
فصل
في الكلام على الإيمان واختلاف الناس فيه [1]
وتحقيق مذهب السلف في ذلك
95 – إيماننا قول وقصد وعمل ،
تزيد بالتقوى وتنقص بالزلل ،
الكلام على الإيمان في أمور :
أولاً : هل الإيمان هو الإسلام ؟ أو هما شيئان متباينان ؟ هذه مسألة ،
مسألة مهمة نقول : إذا ذُكِرَ الإسلام والإيمان في سياقٍ واحد فالإيمان غير الإسلام [2] ،
وإنْ أُفْرِدَ أحدهما عن الآخر صارا بمعنىً واحد فهما من باب إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ،
إذن لا تقل : الإيمان غير الإسلام ، ولا تقل : الإيمان هو الإسلام ،
إذا أطلقت أخطأت فلابد من التفصيل ،
التفصيل : هو إنْ ذكرا في سياقٍ واحد افترقا فالإسلام غير الإيمان ،
وإنْ أفرد أحدهما عن الآخر فالإسلام هو الإيمان ،
والدليل : حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة جبريل حين أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أخبرني عن الإيمان فأخبره بما يخالف ما أخبره عن الإسلام لأنهما ذكرا في سياقٍ واحد فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإسلام هو الأعمال الظاهرة وجعل الإيمان الأعمال الباطنة فقال : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ) ، وقال في الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) [3] ،
وإنْ ذكر أحدهما منفرداً عن الآخر دخل هذا في هذا ،
مثاله : قوله تعالى : { ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 5 ) ، الإسلام هنا يشمل الإسلام والإيمان ،
فإذا قال قائل : من قال : إن الإيمان دين [4] ؟
نقول : النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال : ( أتدرون من السائل ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) ،
ومما علمهم الإيمان ،(1/384)
إذن ، { ورضيت لكم الإسلام دينا } ، يشمل الإيمان والإسلام ،
لأنه أُفْرِدَ أحدهما عن الآخر نقول الإسلام هنا يشمل الإيمان لماذا ؟
لأنه أُفْرِدَ وحده وقال : { إن الدين عند الله الإسلام } ( المائدة 5 ) ، يدخل الإيمان ،
لأن الإيمان من الدين لا شك .
فأما إذا ذكرا في سياقٍ واحد فهما كما قلت : يُفَسَّرُ الإيمان بتفسير والإسلام بتفسير ،
فإن قال قائل : قال الله تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ( الحجرات 14 ) ، ما الجواب عن هذه الآية ؟
نقول : نعم ذكرا في سياقٍ واحد فَفَرَّقَ الله بينهما ،
وقد اختلف المفسرون : في هؤلاء الأعراب ، هل هم مؤمنون ضعيفوا الإيمان أم هم منافقون [5] ؟
فمن المفسرين من قال : إنهم منافقون ،
وقال : إن قوله : { ولكن قولوا أسلمنا } ، يعني الإسلام الظاهر فإن المنافقين مسلمون ظاهراً ،
ومنهم من قال : بل هم مسلمون حقيقةً لكن إيمانهم ليس تاماً لم يتعمق في قلوبهم ،
بدليل قوله : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ،
و ( لماَّ ) ، هذه تدل على قرب الشيء هكذا ، ( لماَّ ) تدل على قرب الشيء ،
كما قال تعالى : { بل لما يذوقوا عذاب } ( ص 8 ) ،
وكون الإيمان قريباً من دخول قلوبهم يدل على انتفاء النفاق عنهم ،
لأن المنافقين نفى الله عنهم الإيمان نهائياً فقال : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ( البقرة 8 ) ، وهؤلاء لم ينفِ الله الإيمان عنهم بل قال : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ،
وهذا هو الأقرب هذا القول الثاني أقرب من القول الأول وإنْ كان الأول مُحْتَمَلاً ،
إذن هناك فرق بين الإسلام والإيمان ،
وقال الله تعالى : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ( الذاريات 35 – 36 ) ،
هذه الآية استدل بها بعض العلماء من قال : إن الإيمان هو الإسلام مطلقاً ،(1/385)
لأن الله قال : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ،
والحقيقة أن هذه الآية دليل عليهم وليست دليلاً لهم ،
هذه الآية استدل بها من يقول : إن الإسلام هو الإيمان مطلقاً ،
قال : لأن الله قال فيها : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } ،
وأقول : إن هذه الآية دليل عليهم وليست دليلاً لهم كيف ؟
قال : { غير بيت من المسلمين } ( الذاريات 35 – 36 ) ، والبيت هو بيت لوط ومن بينهم امرأته وامرأته ليست مؤمنة ولكن مسلمة ،
ولهذا قال الله تعالى : { ضرب الله مثلا للذين كفروا أمرأة نوح وأمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما } ( التحريم 10 ) ، أي أظهرتا الإسلام وهما كافرتان فامرأة لوط كانت كافرة هلكت مع قومها فالآية فيها أن البيت مسلم لكن ليس فيها أن من في البيت مسلمون أليس كذلك ؟
إذن ليس في الآية دليل على ما ذهبوا إليه ،
بل نقول : إن الآية تدل على أن الإيمان غير الإسلام لأن الله أخرج من كان فيها من المؤمنين وبيَّن أنه لم يوجد في هذه القرية كاملة ورسولهم يدعوهم لم يسلم منهم أحد ،
إليكم أيها الدعاة : الآن الواحد منا إذا دعا ولم يستجب الناس له مائة في المائة قال هؤلاء الناس ما فيهم خير ما عاد أدعوهم مرةً ثانية وهذا رسول بقي ولم يسلم من القرية بل لم يوجد من القرية بيتٌ مسلم إلا بيته ،
نوح عليه الصلاة والسلام كم بقي في قومه ؟
ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل وهو رسول يأتي بالآيات ،
أما نحن فالإنسان إذا دعا ثم دعا ولم يجد استجابةً مائة بالمائة استحسر وزعل ووقف وهذا خطأ ،
{ ادع إلى سبيل ربك } ( النحل 125 ) ، وأنت مأجور على كل حال ،
إذن الخلاصة أننا إذا سئلنا هل الإسلام هو الإيمان أو غيره ؟
إنْ قلنا : هو الإسلام أخطأنا ، وإنْ قلنا غيره أخطأنا ، وإن فَصَّلْنا أصبنا ،(1/386)
التفصيل : إنْ ذكرا جميعاً في سياقٍ واحد فهما مفترقان وإنْ أفرد أحدهما عن الآخر فهما مجتمعان أي بمعنى واحد ،
ثانياً : هل الإيمان تصديق القلب وإقرار والقلب واعترافه فقط ،
أو هو شامل للتصديق وملزوماته أو مستلزماته ؟ الثاني أم الأول ؟
الثاني ، الإيمان أصله هو التصديق [6] لا شك في القلب ،
أنت عندما تقول : آمنت بالله لا تحس إلا أنك أقررت به في قلبك ،
فالإيمان في القلب هذا هو الأصل ،
لكن الإيمان شرعاً أوسع من الإيمان لغةً وهذا من الغرائب ،
لأن القاعدة المطردة أن المصطلح الشرعي أضيق من المصطلح اللغوي ،
الزكاة في اللغة : النماء [7] ، وفي الاصطلاح : مالٌ خاص [8] ،
الطهارة في اللغة : النظافة [9] ، وفي الشرع : نظافة خاصة ،
الصلاة في اللغة : الدعاء [10] ، وفي الشرع : دعاءٌ خاص ،
الحج في اللغة : القصد [11]، وفي الشرع : قصدٌ خاص [12] ،
لكن الإيمان في اللغة : التصديق ولا يشمل الأعمال الظاهرة ،
وفي الشرع : يشمل التصديق والأعمال الظاهرة ،
إذن فالمصطلح الشرعي في باب الإيمان أوسع منه لغةً على خلاف المعهود ،
على كل حال الإيمان في الشرع يشمل التصديق والإقرار الحاصل بالقلب ويشمل ما يلزم منه من الأعمال الصالحة ،
والدليل على هذا : قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أو وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبةٌ من الإيمان ) [13] ،
قول : ( لا إله إلا الله ) اعتقاد وقول باللسان ،
قوله : ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، عمل بالجوارح ،
( والحياء شعبة من الإيمان ) هذا عمل قلبي ،
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) [14] هذا اعتقادٌ قلبي ،
وفي القرآن : قال الله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ( البقرة 143 ) ،(1/387)
قال المفسرون : أي صلاتكم إلى بيت المقدس والصلاة عمل [15] ،
فصار الإيمان في الشرع يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح ،
ولهذا قال المؤلف : ( إيماننا قولٌ وقصدٌ وعمل ) ثلاثة أشياء :
قول : مثل : ( لا إله إلا الله ) ،
قصد : مثل : الاعتقاد : مثل أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر …… الخ ،
عمل : ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) [16] ،
فالإيمان إذن يشمل الأشياء الثلاثة كلها تسمى إيماناً ،
أما كون الاعتقاد إيماناً فواضح ،
لكن كون العمل إيماناً لأنه لم يحملني عليه إلا الإيمان الاعتقاد الذي في قلبي ،
لولا أني اعتقد أني أثاب أني اعتقد الثواب في إماطة الأذى عن الطريق ما أمطته لكان عملي عبثاً ،
لولا أني أُثاب على قولي ( لا إله إلا الله ) ما قلتها لأنه يكون عبثاً ،
فلما كان هذا العمل نتيجةً للاعتقاد التام في القلب صار إيماناً وهذا واضح ،
هل أحدٌ خالف أهل السنة والجماعة في هذا ؟
نعم ، خالفهم طائفتان متطرفتان ونحن لا نذكر إلا أصول الطوائف لأن التفرعات كثيرة : الطائفة الأولى : إن الإيمان هو اعتقاد القلب فقط فمن كان عنده اعتقادٌ تام فهو مؤمن كامل الإيمان وإنْ زنا وسرق وشرب الخمر ولم يزك ولم يحج ولم يصم فهو مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان محمد وجبريل وميكائيل ولا يدخل النار مهما عمل من المعاصي وهؤلاء هم المرجئة ،
وقد عناهم ابن القيم في قوله في النونية :
والناس في الإيمان شيءٌ واحدٌ ،
كالمشط عند تماثل الأسنان [17] ،
المشط أسنانه سواء يكون الناس في الإيمان شيء واحد أفسق الناس وأطوع الناس كلهم واحد في الإيمان نسأل العافية غريب ،
هذا إذن العاصي الذي يشرب الخمر ويسرق ويزني ويكذب ويخون لكنه مؤمن بالله وينتسب للإسلام عندهم أنه مؤمن كامل الإيمان ،(1/388)
والله يقول : { أمن هو قائم آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } ( الزمر 9 ) ، كمن ليس كذلك ؟ هل يستويان ؟
لا يستويان ،
لكن هم يقولون : أنهم يستوون ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار ولا يستحق العقاب ،
هؤلاء يصلحون لأهل العصر يصلحون للفسقة من أهل العصر تنهاه عن الفسق يقول أنا مؤمن كامل الإيمان على رأي المرجئة ،
وأنا أقول : ثلاث جيمات افهموها ثلاث جيمات :
جهمية جبرية مرجئة ،
كلها وصف لموصوفٍ واحد ،
الجهمية هم باعتبار الصفات صفات الله عز وجل معطلةٌ منكرة ينكرون الصفات هم أيضاً ،
جبرية باعتبار أفعال العبد يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ما يقدر يتخلص فلو وجدنا شخصين ينزلان من السقف أحدهما ينزل بتؤدة درجةً درجة والثاني دفعناه من أعلى الدرجة وعجز أن يمسك نفسه يقولون الكل سواء كلهم مُجبرون [18] ،
الجيم الثالثة مرجئة الارجاء يقولون : الإيمان هو اعتراف الإنسان بقلبه [19] ،
ونحن نلزمهم أن نقول لهم : إن إبليس عندكم مؤمن كامل الإيمان ،
لأن إبليس مؤمن بالله أم غير مؤمن ؟
مؤمن بالله ويسأل الله يدعو الله يقول : ربي أَنْظِرْني ، نعم فهو عندهم مؤمن كامل الإيمان ،
موحد أم غير موحد ؟
موحد لأنه مؤمن بالربوبية ،
هؤلاء لا شك أن قولهم مُجانِبٌ للصواب ،
إذا قيل له : فيه آيات فيه أحاديث فيها وعيد : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } ( النساء 93 ) ، قال هذه للكافر : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } ، وهو كافر ،
ماذا نقول ؟
نقول : هذا تحريف ،
لأن الله عَلَّق هذه العقوبة على وصف وهو القتل وأنتم تركتم هذا الوصف جانباً وأتيتم بوصفٍ جديد وهو الكفر أين الكفر ؟
ما فيه كفر فألغوا الوصف الذي رُ تِّبَتْ عليه العقوبة وأتوا بوصفٍ جديد ،
ونظير هذا قول بعضهم : في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) [20] :(1/389)
قالوا : من جحدها فألغوا الوصف الموجود واعتبروا الوصف المفقود أين ذِكْرُ الجحد ؟
نعم غير موجود ثم نقول لهم : إذا جحد وجوب الصلاة ولو كان يصلي الصلوات الخمس كل يوم فهو كافر فأنتم الآن ألغيتم الوصف الموجود الذي رَ تَّبَ عليه الشارع الحكم وأتيتم بوصفٍ مفقود جديد من عندكم ،
ومثل هذه الأشياء يعني إذا تأملتها سبحان الله عرفت أن التعصب للقول سببٌ للضلال ،
وأن الإنسان ينبغي أن يستدل ثم يعتقد لا أنْ يعتقد ثم يستدل ،
لأنك إذا اعتقدت ثم استدللت تلوي أعناق النصوص لتوافق ما اعتقدت ،
لكن إذا استدللت أولاً ثم اعتقدت بنيت عقيدتك على الدليل ومشيت مع الدليل ،
وأنا أسأل الله أنْ يعفوا لإخواننا العلماء السابقين واللاحقين الذين يعتقدون أشياء ثم يحاولون لَيَّ أعناق النصوص إلى ما يعتقدون ،
وهذا لا شك أنه خطأ أنت الآن تؤمن أن الأحكام مردها إلى الله فإذا حكم الله أو رسوله بحكم لا تستحيي أنْ تطبقه ولا تخجل ولا تتهيب الحكم ليس إليك أنت منفذ حكم الله على هذا بالكفر قل كافر ولا تبالي حكم الله على هذا بالإيمان قل : مؤمن ، ولا تبالي أما أنْ تقول : والله سأتحكم أنا اعتقد أن هذا ليس بكافر أو هذا ليس بمؤمن ، هذا ليس إليك ،
وهذه مسألة أحب أنْ ينتبه لها طالب العلم أن يجعل الدليل متبوعاً لا تابعاً ، وأنْ يحذر من أنْ يلوي أعناق النصوص إلى رأيه ، فإن هذا على خطرٍ عظيم ،
ولهذا جاء في الحديث : ( من قال في القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار ) [21] ، اترك القرآن لما دلَّ عليه وخذ بما دلَّ عليه ، وكذلك السنة ،
الآن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل واعتقاد [22] ،
مذهب أهل السنة والجماعة :
أن الإيمان قولٌ وقصد وعمل ،
القول يكون باللسان والعمل بالجوارح والقصد بالقلب ،
وخالف السلف في هذا طائفتان :(1/390)
1- المرجئة الذي جعلوا الإيمان مقتصراً على القصد فقط ، وقالوا : متى اعترف الإنسان بقلبه بالله عز وجل فهو مؤمن سواءاً عمل أم لم يعمل [23] ،
2- والطائفة الثانية قالوا : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد وأن هذه الأشياء جزء لا يتجزأ من الإيمان فمن اعتقد ولم يقل أو لم يعمل فإنه كافرٌ ،
بمعنى أنهم جعلوا القول والعمل جزءاً من الإيمان وشرطاً في وجوده حتى قالوا : إن فاعل الكبيرة خارجٌ من الإيمان ولو صلى وصام وزكى وحج فإنه إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ،
ثم اختلف هؤلاء :
1. فقال بعضهم : يكفر ،
2. وقال بعضهم : يكون في منزلة بين المنزلتين ،
فيه أيضاً طوائف أخرى متفرعة ولكن هذه هي الأصل ،
منهم من يقول : الإيمان هو القول فقط ، فإذا قال الإنسان بلسانه : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهو مؤمن لكنه مخلد في النار لأن من قال بلسانه ولم يعتقد بقلبه فهو منافق هؤلاء يسمونه مؤمناً ، ولكنهم يقولون : إنه مخلد في النار ،
وهذا لا شك أنه منافٍ لقول أهل السنة والجماعة وللقرآن أيضاً :
لقول الله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ( البقرة 8 ) ، وأيضاً فإن الله سمى هؤلاء الذين يقولون بألسنتهم ما ليس بقلوبهم سماهم منافقين فكيف نسميهم مؤمنين ؟
فإذن أهل السنة والجماعة يقولون : الإيمان قول وعمل واعتقاد ،
ويستدلون لذلك بأدلة ذكرنا لكم منها ما تطمئن إليه النفس ،
وخالفهم فرقتان المخالفة الأصلية :
الفرقة الأولى : قالوا : الإيمان : هو اعتقاد القلب فقط والأعمال لا تدخل في الإيمان ،
وهؤلاء هم المرجئة وعلى رأسهم الجهمية الذين يقولون : إن الناس في الإيمان سواء وأن الإيمان هو اعتقاد القلب وأما الأعمال فإنها لا تدخل في الإيمان لا حقيقة ولا مجازاً ،(1/391)
والطائفة الثانية : قالوا : إن الأقوال والأعمال من الإيمان ولكنها شرط في وجوده بمعنى أنه إذا فُقِدَ منها شيء فُقِدَ الإيمان كله ،
فقالوا : من لم يزك فهو كافر ومن لم يصلي فهو كافر ومن لم يصم فهو كافر ومن لم يحج فهو كافر ومن عق والديه فهو كافر ،
وبعضهم قال : لا نسميه كافراً ولا نسميه مؤمناً ، ولكن نقول : هو في منزلة بين منزلتين ،
وهذا الأخير مذهب من يرون أنفسهم أذكياء العالم وهم المعتزلة ،
والذي قبله مذهب الخوارج فكان الخوارج أشجع منهم ،
الخوارج قالوا : نقول : كافر ولا نبالي ،
وهؤلاء قالوا لا نقول كافر ولا مسلم في منزلة بين المنزلتين فأحدثوا مرتبة لم ينزل الله بها سلطاناً وهي المنزلة بين منزلتين ،
فإن قال قائل : هل الأعمال شرطٌ في وجود الإيمان ؟
قلنا : منها ما هو شرط ومنها ما ليس بشرط ،
فقول ( لا إله إلا الله ) أو ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) شرطٌ في وجود الإيمان من لم يقل : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) فهو كافر ،
وإن آمن بالله ومن لم يصل والصلاة عمل فهو كافر [24] ،
وإن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وإنْ آمن بالله ، لكن من لم يزك والزكاة من الأعمال من الإيمان فليس بكافر [25] ،
فصار الآن إنْ فقد الاعتقاد في القلب كفر الإنسان وإن وجد لكن تخلفت الأقوال أو الأعمال ،
ففيه تفصيل : إن دلت النصوص على أنه يكفر كفر وإلا فلا ،
فمن قال : أنا أؤمن بالله ولا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فَقَدَ قولاً ولكنه يكفر بذلك ،
ومن قال : آمنت بالله واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكن لم يصلًّ فقد كفر على القول الراجح ،
ومن قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأؤمن بالله وأصلي ولكن لم يزك فليس بكافر ،
وعند الخوارج وعند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين إلا إن كانوا يرون كفر مانع الزكاة ،(1/392)
ثم قال : ( تزيده التقوى وينقص بالزلل ) : يجب تسكين ( ينقص ) من أجل الوزن وزن البيت وإن كان يوجد ما يوجب جزمها لكنها تُسَكَّن ،
وعلى هذا فنقول : ( ينقص ) : مرفوع بضمة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها إقامة الوزن إقامة وزن البيت ، الباء هنا ( تزيده التقوى ) أي تقوى الله تزيد في الإيمان ،
وهنا نبحث : هل الإيمان يزيد أو ينقص ؟
نقول : مذهب السلف يزيد وينقص [26] ،
وقال بعض العلماء من السلف : قل : يزيد ، ولا تقل : ينقص [27] ،
وقالت المرجئة : لا يزيد ولا ينقص ،
وقالت الخوارج والمعتزلة : لا يزيد ولا ينقص [28] ،
فالأقوال إذن أربعة :
1. أن تقول : يزيد وينقص ،
2. أن تقول : يزيد ولا ينقص ، يعني ولا تقل : ينقص وهذان لأهل السنة والجماعة ،
3. الثالث : لا يزيد ولا ينقص وهذا قول المرجئة
4. وقول الخوارج والمعتزلة أيضاً ، لأنهم يقولون : الإيمان إما أن يوجد كله وإما أن يعدم كله ،
فلنبدأ أولاً بالعقيدة هل العقيدة تزيد وتنقص ؟
الجواب : نعم تزيد وتنقص بلا شك [29] ،
وذلك لأن الاعتقاد مبنيٌ على العلم والعلم مبني على طرق العلم وطرق العلم تختلف ،
هذا دليل عقلي الاعتقاد يزيد وينقص لماذا ؟
لأن الاعتقاد مبنيٌ على العلم والعلم يزيد وينقص باعتبار طرقه فلزم من ذلك أن يزيد الاعتقاد أو ينقص ،
هذا عقلاً ،
أما شرعاً : فقد دل الشرع على أن الاعتقاد يزيد وينقص ،
{ وإذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } ( البقرة 260 ) ،
فصار الاعتقاد يزيد وينقص لدليلين أحدهما أثري والثاني نظري وإن شئت قل أحدهما سمعي والثاني عقلي
ونضرب مثلاً محسوساً لهذا : إذا أخبرك رجلٌ ثقة لهذا اعتقدت مُخْبَرَه ، إذا جاءك آخر أخبرك بهذا الخبر زاد اعتقادك ، ثالث يزيد ، رابع يزيد ، شاهدت أنت بنفسك أنه يزيد أليس كذلك ؟(1/393)
ولهذا قال المحدثون : إن المتواتر يفيد العلم اليقيني أو الضروري على خلافٍ في هذا ،
صار الاعتقاد يزيد وينقص أو لا ؟
نعم يزيد وينقص حتى أنت بنفسك الآن أحياناً يكون عندك صفاء ذهن وحضور نفس فتتعبد لله وكأنك تشاهد الجنة والنار أحياناً تستولي عليك الغفلة ولا يحصل عندك هذا الاعتقاد ،
ولهذا سئل النبي عليه الصلاة والسلام قالوا : يا رسول الله إذا كنا عندك وذكرت الجنة والنار فكأنما نشاهدها رأي عين فإذا ذهبنا إلى أهلينا وعافسنا الأولاد والنساء يعني غفلنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يا حنظلة ساعةً وساعة ، ساعةً وساعة ) [30] ، وهذا أمر مشاهد ،
إذن الاعتقاد يزيد وينقص لأنه مبنيٌ على العلم والعلم يزيد وينقص بحسب الطرق الموصلة إليه ،
القول من الإيمان هل القول يزيد وينقص ؟
نعم الذي يذكر الله عشر مرات مثل الذي يذكر الله خمس مرات ؟ أيهما أَزْيَدْ ؟ العشر ،
إذن القول يزيد وينقص إذا زاد القول زاد الإيمان ،
وزيادة القول هل هي بالكمية أم بالكيفية ؟
تارةً يالكمية وتارةً بالكيفية وتارةً بهما ،
إنسان يقول : ( لا إله إلا الله ) موقناً بها قلبه تماماً مُسْتَلْزِماً لمقتضياتها هذا أَزْيَد ممن قالها مع الغَفْلَة والإنسان الذي قال - عشر مرات - : ( لا إله إلا الله ) أَزْيَد من الذي قال خمس مرات ،
فزيادة القول تكون بالكمية والكيفية [31] ،
إذن إذا زاد القول وقلنا : أنه من الإيمان لَزِم زيادة الإيمان وإذا نقص القول نقص الإيمان ،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن ) قالوا : يا رسول ما نقصان دينها ؟ قال : ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ ) [32] ، والصيام والصلاة عمل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقصه من الحائض نقصاً في الدين ،(1/394)
إذن هنا نَقَصَ الإيمان بنقص العمل [33] الذي يصلي أربع ركعات أكثر من الذي يصلي ركعتين فيكون إيمانه أَزْيَد ،
فصار الآن زيادة الإيمان ثابتة شرعاً وحساًّ وإن شئت سمعاً وعقلاً ،
قوله تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } ( التوبة 124 ) ،
من أي أنواع الزيادة ؟ زيادة القول أو العمل أو الاعتقاد ؟
كلها يزدادون إيماناً ويزدادون عملاً إذا الآية فيها أمرٌ بأعمال أو قولاً إذا كان فيها أمرٌ بأقوال ،
ما هو سبب زيادة الإيمان ؟
الآن تقرر عندنا أن الإيمان يزيد في الاعتقاد والقول والعمل ،
ما سبب زيادة الإيمان ؟
يقول المؤلف : ( يزيده التقوى ) : وهذا أحد أسباب زيادة الإيمان التقوى تقوى الله عز وجل أي تقوى ما يغضبه ،
والتقوى : هي ( اتخاذ وقاية من عذابه سبحانه وتعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي ) [34] ،
فكلما زاد الإنسان من فعل الطاعة زاد إيمانه وكلما تجنب النواهي مخلصاً لله زاد إيمانه ،
إذن فعل الطاعة تقرباً إلى الله يزيد في الإيمان وترك المعصية تقرباً إلى الله يزيد الإيمان هذا سبب ،
السبب الثاني : النظر في آيات الله فإن النظر في آيات الله الكونية أو الشرعية يزيد في الإيمان ،
قال الله تعالى : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } ( يونس 101 ) ، هذه آيات كونية أم شرعية ؟ { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } هذه آيات كونية ،
القرآن قال الله تعالى فيه : { هدى للمتقين } ( البقرة 2 ) ، هذه آيات شرعية ،(1/395)
فالنظر في آيات الله الكونية : يجلس الإنسان ساعة يتفكر في خلق السماوات يتفكر في خلق الأرض هذه المخلوقات العظيمة الواسعة كيف هي منتظمة منذ الأزل ليس فيها ما يتناقض أو يتدافع ليس فيها من خراب ، { فارجع البصر هل ترى من فطور } ( الملك 3 ) ، فيتأمل يعرف أنها من خلق الله عز وجل ،
ثم يتأمل إنْ شاء في نفسه لو تأملًّت في نفسك لرأيت من آيات الله العجب العُجاب هذا الجسم الذي نحن فيه ، معامل كيماوية وأشياء يذكرونها في الاصطلاح لا أعرفها لكن معامل عظيمة في هذا الجسم مع أنك لا تحس بشيء لو أن بيضةً مرت على ذراعك لأحسست بتدحرجها أليس كذلك ؟
لكن هي الآن تمر بالأمعاء ولكن لا تحس ما ظنك لو كنت تحس بمرورها بأمعائك كما تحس بمرورها على الجلد لكان كل الليل تتحكك ما تستطيع أنْ تنام أليس كذلك لكن الله عز وجل بحكمته جعل الداخل ليس فيه إحساس ، ليس فيه إحساس من أجل أن لا يتألم الإنسان بمرور الطعام والشراب وغيرها ثم انظر الإحساس أيضاً في الجلود هل هو على حدٍ واحد ؟ لا فيه مناطق حساسة جداًّ أي شيء يمر عليها تتأثر وتحس ، فيه مناطق ما تحس هذا الإحساس باطن القدم هل يحس كباطن اليد ؟ لو تمشي الذَّرَّة على باطن القدم ما أحسست لأنه لو كان حساَّساً ما استطعت أنْ تمشي لكن الله جل وعلا جعله هكذا حساَّساً الشعور الآن الراحة الآن ما فيها شعر باطن القدم ما فيه شعر لو كان فيه شعر في باطن اليد لتلوث بالطعام ولتلوثت الأشياء ولما أتقنت الشيء بدقة ولهذا لو تلبس قفازين وتعمل عمل بيدك ما أتقنته تماماً وكذلك في القدم على كل حال نحن معرفتنا بهذه الأشياء سطحية لكن لو أنك أتيت إلى واحدٍ من الأطباء وقلت اشرح لي ما في الإنسان من الآيات لبهرك ولهذا قال الله تعالى : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ( الذاريات 21 ) ،(1/396)
أقول : إن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية يزيد في الإيمان التفكر في الآيات الكونية يزيد في الإيمان وهو ظاهر لأنه محسوس ،
التفكر في الآيات الشرعية يزيد في الإيمان بلا شك لكن يحتاج إلى كونِ الإنسان بصيراً في أحكام الشرع حتى يعرف الحكمة في الأشياء التي شرعها الله وهذا يخفى على بعض الناس ولا سيما من أعرض عن ذكر الله فإنه لا يُفْتَحُ له باب المعرفة ،
يقول المعري [35] :
يدٌ بخمس مئينٍ عسجداً وُدِيَتْ ،
ما بالها قُطِعَتْ في ربع دينار ،
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ،
ونستعيذ بمولانا من النار [36] ،
كأن الناس هم المشرِّعون حتى ينتقدهم هذا الانتقاد ( خمس مئين عسجد ) العسجد هو الذهب يعني خمس مائة دينار دية اليد فإذا سرق ربع دينار قُطِعَتْ فكم كانت القيمة ؟ ربع دينار لماذا ؟ إذا قطعها إنسان يُلْزَم بخمس مائة دينار وإذا سرقت ربع دينار قُطِعَتْ ، هذا لا يعرف الحكمة فيه إلا من فتح الله عليه وأقبل بصدق على تَأَمُّلْ شريعة الله لا بانتقاد ،
أنا أقول لكم : إن الإنسان الذي يريد أن ينظر إلى الشريعة بانتقاد والله لن يفتح الله له باب المعرفة ،
أما الذي ينظر إليها باسترشاد يطلب الرشد فهذا يفتح الله عليه ويبين له من الأسرار ما يخفى على كثيرٍ من الناس ما هي الحكمة ؟
يقول الشاعر [37] مجيباً للمعري :
قل للمعريِّ عارٌ أيما عارِ ،
جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري ،
يدٌ بخمس مئينٍ عسجداً وُدِيَتْ ،
ما بالها قُطِعَتْ في ربع دينار [38] ،(1/397)
صيانة النفس أغلاها وأرخصها ،
حماية المال فافهم حكمة الباري [39] ،
يعني أنها تُودى بخمس دينار صيانةً للنفوس وتُقْطَع بربع دينار حماية للأموال وهذه حكمة عظيمة لأن من علم أنه سيُضَمَّن خمس مائة دينار إذا قطع اليد أو تُقْطَع يده أيضاً فإنه سوف يُحْجِم ومن علم أنها ستُقْطَع بربع دينار سوف يُحْجِم عن السرقة فهذه الحكمة ،
فأقول : إنه يجب علينا أن نتأمل الآيات الشرعية تَأَمُّلَ استرشاد لا تَأَمُّلَ انتقاد حتى يفتح الله لنا من الخير ومعرفة حكمة الله عز وجل ما يخفى على كثير من الناس ،
وإذا أردتَ ان تعرف هذا انظر أحياناً تقرأ الكتاب تقرأه قراءة منتقدٍ على مؤلفه فتجدك لا تستفيد منه كثيراً وأحياناً تراجع الكتاب تسترشد من مؤلفه فتجدك تنتفع كثيراً حتى لو رأيتَ ما يُنتقد تجد أن له تأويلاً يمكن تصحيحه فيه ،
إيماننا قول وقصد وعمل ،
تزيد بالتقوى وتنقص بالزلل ،
الإيمان عند أهل السنة والجماعة ثلاثة أشياء مركبٌ من ثلاثة أشياء :
القول والقصد والعمل ،
والقصد هنا بمعنى الاعتقاد وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة بين أهل السنة وبين غيرهم ،
قال : ( تزيد بالتقوى وينقص بالزلل ) : استفدنا من هذا الشطر أن الإيمان يزيد وينقص ،
فهل هناك دليل على زيادته ونقصه ؟
نعم ،
قال الله تبارك وتعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } ( الفتح 4 ) .
وقال تعالى : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا } ( التوبة 124 ) .
وقال تعالى : { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } ( المدثر 31 ) .
وهذا نص في كتاب الله عز وجل ،
والزيادة زيادة الإيمان تكون في القول وفي العمل وفي الاعتقاد وشرحناها ،(1/398)
وقلنا : إن الاعتقاد يختلف قوةً وضعفاً بحسب الوسائل الموصلة إليه وبَيَّنا وجه ذلك أن الاعتقاد مبنيٌ على العلم وأن العلم وأن العلم يختلف قوةً وضعفاً بحسب وسائله وطرقه ،
كذلك بَيَّنا أنه الزيادة تكون في العمل كميةً وكيفيةً ونوعاً ،
النوع الواجب أفضل من التطوع ،
لقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ) [40] ، الصلاة أيضاً أفضل من الصدقة هذا بالجنس الأضحية في وقتها أفضل من الصدقة هذا في النوع ،
في الكمية من صلى عشر ركعات فإيمانه أزيد ممن صلى ركعتين في الكيفية من صلى صلاةً يطمئن فيها بخشوع وتأنِّ وتدبر لما يقول ليس كمن صلى صلاةً على غير هذا الوجه ،
أسباب زيادة الإيمان ذكرنا أن لها أسباباً منها
النظر في آيات الله الكونية والنظر في آيات الله الشرعية والطاعة ، الطاعة من أسباب زيادة الإيمان ،
قال المؤلف : ( وينقص بالزلل ) : يعني الإيمان ينقص بالزلل ،
فإن قيل : ما هو الدليل على نقصه ؟
فالجواب على ذلك : أن الدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النساء : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين ) [41] ، قال : ( عقل ودين ) هذا دليل ،
الدليل الثاني : دليل عقلي : وهو أنه إذا ثبتت الزيادة ثبت النقص لأنه لا تعقل زيادة إلا بوجود مزيد ومزيد عليه فإذا ثبتت الزيادة بالنص فقد ثبت النقص أيضاً أنه لا يُتصور زيادة إلا بنقص ،
فمثلاً : قلنا : أن هذا الرجل زاد إيمانه معنى ذلك أنه قال ناقصاً ،
فدليل النقص إذن مركبٌ من شيئين :
أولاً : النص على ذلك كما في قوله : ( من ناقصات عقلٍ ودين ) ،
الثاني : اللزوم أو التلازم ، فإنه لا يمكن وجود زيادة إلا بوجود نقص ،
ثم أعلم أن النقص أعني نقص الإيمان على قسمين :
1- نقصٌ لا حيلة للإنسان ،(1/399)
كنقص دين المرأة بترك الصلاة في أيام الحيض فإن هذا لا اختيار لها فيه بل لو قالت : دعوني أصلي حتى لا ينقص إيماني قلنا هذا حرامٌ عليك لو صليت لزاد نقص الإيمان أكثر ،
إذن هذا نقص لا حيلة للإنسان فيه فهل يُلام عليه ؟ الذي نقص دين أو لا ؟ لا يُلام عليه لأن هذا لا اختيار له فيه إطلاقاً فلا لوم عليه ،
2- الثاني : نقصٌ باختيار الإنسان ،
فهذا ينقسم إلى قسمين من حيث اللوم :
1. إن كان سببه المعصية أو ترك الواجب فإنه يُلام عليه ويأثم به ،
2. وإن كان نقصه بترك تطوع غير واجب فإنه لا يُلام عليه ، لا يُلام عليه لوماً يُؤَثم به ،
وإن كان قد يُقال : يا فلان اجتهد في العمل الصالح ،
ولهذا قيل لابن عمر في المنام : نعم الرجل لو كان يقوم من الليل وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عمرو بن العاص : يا عبدالله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ،
وهذا لا شك أنه نوع لوم لكنه لومٌ لا إثم به بخلاف من ترك الواجب أو فعل المحرم فإنه يُلام لوماً يأثم به ،
إذن نقص الإيمان نقول : على قسمين :
القسم الأول : أن لا يكون للإنسان فيه اختيار فهذا لا لوم عليه فيه ،
ومثاله : ترك المرأة الصلاة أيام الحيض ،
ومثاله أيضاً : أن يموت الإنسان صغيراً فإن إيمانه ينقص عمن عُمِّر لأن من عُمِّر زاد إيمانه وزادت أعماله فهذا النقص لا حيلة له ولا يُلام عليه إطلاقاً ،
والقسم الثاني : ما كان للإنسان فيه اختيار فهذا إن كان واجباً فهو مُلامٌ آثم وإن كان غير واجب فقد يُلام ولكنه لومٌ لا إثم فيه ،
وقول المؤلف : ( ينقص بالزلل ) : الباء هنا للسببية والزلل مصدر زلَّ يزل زللاً وهو مثل الزَّلَق يعني الخروج عن الاعتدال هذا هو الزلل فإن خرج عن الإنسان عن واجبه نقص إيمانه ،
******************
96 – ونحن في إيماننا نستثني ،(1/400)
من غير شكٍّ فاستمع واستبن ،
قوله : ( نحن ) : الضمير يعود على أهل الأثر ،
لأن هذه العقيدة أو هذه المنظومة مبنيةٌ على مذهب أهل الأثر ،
يعني نحن أهل الأثر نستثني في إيماننا ،
والاستثناء في الإيمان : أن يعلق بالمشيئة فيقول : أنا مؤمن إن شاء الله [42] ،
فنحن نستثني في الإيمان ونرى أنه جائز بل نفصل في ذلك سنذكر إن شاء الله ،
وذهب بعض العلماء : إلى أن الاستثناء في الإيمان حرام ،
قالوا : لأنه ينبئ عن شك فإذا قلت أنا مؤمن كأنك شاك في الموضوع فيكون الاستثناء حراماً لأنك شككت هل أنت مؤمن أو غير مؤمن ،
وقال بعض العلماء : بل الاستثناء واجب يجب ،
لأن إذا قلت : أنا مؤمن ولم تقل إن شاء الله فإنك تكون قد زكَّيتَ نفسك وشهدت لها بأنك قمت بكل الواجبات وتزكية النفس حرام ،
وعلى هذا فيجب أن تقول : أنا مؤمن إن شاء الله لأن لا تزكي ولأنك لا تدري فلعلك الآن مؤمن ثم تكفر لا تدري والإيمان النافع هو الذي يوافي به الإنسان ربه ويكون في آخر الحياة ،
هذان قولان :
الأول : تحريم الاستثناء ،
والثاني : وجوب الاستثناء ،
والصحيح : أن الاستثناء ينقسم إلى :
1. واجب ،
2. ومحرم ،
3. وجائز ،
فإذا كان الإنسان مستثنياً في إيمانه خوفاً من التزكية فالاستثناء واجب ،
لأنه إذا جزم بأنه مؤمن فقد شهد لنفسه بأنه مؤمن والمؤمن له الجنة فيكون قد شهد لنفسه بأن له الجنة ولا بجوز للإنسان أن يشهد لأحدٍ أن له الجنة إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كان يخشى من التزكية فالاستثناء واجب ،
وإذا كان الحامل للاستثناء التردد وعدم الجزم كان الاستثناء حراماً بل منافياً للإيمان فهذا محرم بل هو ردة يعني أنا مؤمن يعني إن شاء الله أني مؤمن ، متردد هل هو جازم أو غير جازم ،
ولهذا لو قال لك الرجل : سأزورك غداً إن شاء الله تقول له : لا تقل : ( إن شاء الله ) اجزم مع أنه مشروع أن يقول : ( إن شاء الله ) ،(1/401)
لكن الإنسان يعرف أنه إذا قال : ( إن شاء الله ) معناه : التردد ،
فإذا كان الحامل للاستثناء في الإيمان الشك والتردد فإنه يكون كفراً لوجوب الجزم بالإيمان ،
فقول المؤلف رحمه الله : ( ونحن في إيماننا نستثني من غير شكٍّ ) : فإن كان لِشك فهو حرام بل كفر ،
والثالث : إذا كان الاستثناء للتعليل أي أنا مؤمن بمشيئة الله فهذا جائز لأن هذا هو الحقيقة ،
والدليل لذلك : قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } ( الفتح 27 ) ، فالتعليق هنا ليس للتردد لأن الله غير متردد وإنما هو لبيان العلة وهو أن دخولكم بمشيئة الله ،
ومن ذلك قول زائر القبور : وإنا إن شاء الله بكم لاحقون فإن الإنسان لا يشك بأنه سيلحق بالأموات لكنه أتى بالمشيئة بياناً للتعليل ، أي أن لحوقنا بكم يكون بمشيئة الله تعالى ،
فالاستثناء في الإيمان ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 – واجب ،
2 – جائز ،
3 – ومحرم ،
قوله : ( فاستمع ) : يعني استمع لما أقول ،
قوله : ( واستبن ) : يعني اطلب بيانها الخفي عليك وقد عرفنا أن الاستثناء ينقسم إلى ثلاثة أقسام ،
قوله ( استمع ) : لم يقل فاسمع لأن الاستماع والإنصات والسماع عن قصد والسماع يكون عن قصد وعن غير قصد ،
ونضرب لهذا مثلاً : لو مررتَ برجل يغني غناءً محرماً فلا إثم عليك لكن لو استمعتَ وأنصتَّ إليه لكنتَ آثماً ،
ويدل على هذا الفرق : قوله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ( الأعراف 204 ) ، قال : { فاستمعوا له } ، ولم يقل : اسمعوه لأننا سمعناه من قبل لولا أننا سمعنا للقرآن لم يقل : { فاستمعوا له وأنصتوا } .
هل خالف أحدٌ في الاستثناء في الإيمان ؟
قلنا : إنهم خالفوا في ذلك على قولين :
القول الأول : وجوب الإستثناء ،
والثاني : تحريم الاستثناء ،
والصحيح : التفصيل ،
******************(1/402)
97 – نتابع الأخيار من أهل الأثر ،
ونقتفي الآثار لا أهل الأشر ،
قوله : ( الأخيار ) : الأخيار جمع خيِّر وهم السلف الصالح ،
لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذي يلونهم ثم الذبن يلونهم ) [43] ، فنحن نتابع الأخيار ،
قوله : ( من أهل الأثر ) : المراد بالأثر : ( ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) ،
وإن شئت فقل : المراد به ما هو أعم من ذلك وهو ( ما ثبت عن طريق الشرع ) ،
وضده أو مقابله العقل ،
الدليل العقلي : ( ما كان ثابتاً بالعقل ) ،
والأثري : ( ما كان ثابتاً بالأثر ) ،
وعلى رأسها : القرآن والسنة ثم ما روي عن الصحابة والتابعين ،
قوله : ( ونقتفي الآثار ) : الآثار جمع أثر وهي النصوص الواردة في الشرع ،
قوله : ( لا أهل الأشر ) : يعني لا نتبع أهل الأشر والبطر والفرح بما هم عليه من البدع وهو إشارةٌ إلى أن هذه المسألة قد اختلف فيها أهل الأثر وأهل الأشر ونحن نتبع في ذلك أهل الأثر ،
******************
98 – ولا تقل إيماننا مخلوق ،
ولا قديم هكذا مطلوق ،
هذا بحث أحدثه المتكلمون ولم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في عهد الصحابة وهو هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق ؟
وقد سبق لنا بحثٌ أهم منه وأكثر وقوعاً وهو :
الاستثناء في الإيمان ،
وبَيَّنا أن القول الراجح في الإيمان :
أن فيه تفصيلاً :
فإن كان الحامل على الاستثناء شكٌ أو تردد فهذا محرم بل كفر ،
وإن كان الحامل للاستثناء خوف تزكية النفس فهو واجب ،
وإن كان الحامل على الاستثناء بيان أن إيماني واقعٌ بمشيئة الله فهذا جائز ،
أما هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق ؟(1/403)
فهذا محدث حدث بعد أن حدث القول بخلق القرآن [44] ،
فصاروا يتحدثون يتساءلون : هل إيمانك مخلوق أو لا ؟ ماذا تقول ؟
إن قلت : مخلوق أخطأت ، وإن قلت : غير مخلوق أخطأت ،
ولهذا قال : ( ولا تقل إيماننا مخلوق ولا قديم ) قديم بمعنى غير مخلوق ،
لأن القديم عندهم : هو ( الشيء الأزلي الذي لم يُخلق من عدم ) ،
يعني لا تقل هذا ولا هذا ،
بل قل : آمنت بالله أو أنا مؤمن سواءٌ جعلته مخلوقاً أم غير مخلوق لماذا ؟
قال :
******************
99 – فإنه يشمل للصلاة ،
ونحوها من سائر الطاعات ،
100 – ففعلنا نحو الركوع محدث ،
وكل قرآنٍ قديم فابحثوا ،
الإيمان يقول المؤلف يشمل :
لشيءٍ محدث والمحدث مخلوق ،
ولشيءٍ غير محدث وغير المحدث غير مخلوق ،
مثال ذلك : الصلاة ، الصلاة فيها قول وفعل الأفعال التي فيها كلها مخلوقة كل الأفعال التي في الصلاة مخلوقة لأنها صفة حادث ،
وصفة الحادث حادث الأقوال فيها وفيها أمري بالمعروف ونهيي عن المنكر هذا مخلوق قراءتي القرآن ،
يقول : إن القرآن غير مخلوق وهو من الإيمان هكذا قال المؤلف ،
قال : لا تقل : إيمانك مخلوق ولا غير مخلوق لأنك ستقرأ القرآن فهل القرآن مخلوق ؟
لا ،
ولكن القول الراجح في هذه المسألة : أن إيماننا مخلوق إيماننا كله مخلوق ،
أما قراءة القرآن فإن القراءة التي هي فِعْلي مخلوقة والقرآن غير مخلوق ،
لكن القرآن ليس هو إيماني القرآن مما أنا مؤمن به القرآن ليس هو إيماني لكنه مما أنا مؤمن به وفرق بين إيماني وما أنا مؤمن به ،
وإلا نقول : عقيدتي أيضاً أنا أن الله عز وجل حي قيوم موجود ،
هذه العقيدة أليست مخلوقة ؟
نعم ، مخلوقة ،
لكن المعتقد غير مخلوق كلامي أنا بالقرآن مخلوق ،(1/404)
لكن ما أتكلم به غير مخلوق ،
ولهذا نقول : كلام المؤلف رحمه الله فيه نظر ،
بل إيماننا كله مخلوق والقرآن ليس من إيماننا ولكن قراءتي للقرآن من إيماني ،
لأن الإيمان عندنا معاشر أهل السنة قولٌ باللسان وعملٌ بالأركان واعتقادٌ في الجنان ،
وعلى هذا فمن قال : إيماني مخلوق قلنا : صدقت ،
هكذا نقول : ما آمنتُ به فيه التفصيل : منه مخلوق ومنه غير مخلوق :
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخلوق وأنا مؤمن به والقرآن غير مخلوق الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر نرى المخلوق من هذه الأشياء ، الملائكة مخلوقون الكتب غير مخلوقة الإيمان بالرسل إيمان بالمخلوق اليوم الآخر مخلوق فصار المُؤْمَنُ بِهِ منه مخلوق ومنه غير مخلوق أما إيماني أنا فإنه مخلوق لأنه حادث أنا لم أكن شيئاً مذكوراً فكنتُ شيئاً مذكوراً وأحدثتُ الإيمان ،
وعلى هذا فالقول الصحيح : أنه يجوز أن يقول الإنسان : إيماني مخلوق لأنني مخلوق ،
فإذا أورد عليه مُورِد : أنت الآن تقرأ القرآن هل القرآن مخلوق ؟
أقول : لا لكن القرآن ليس إيماني القرآن مما أنا مؤمن به وليس إيماني ،
ففي كلام المؤلف رحمه الله نظر لكنه فَصَّلَ هذا التفصيل وعرفتم سبب التفصيل ،
قوله : ( وكل قرآنٍ قديمٌ فابحثوا ) : هذا أيضاً مما يؤخذ على المؤلف :
هل القرآن قديم أو حادث ؟
القرآن حادث يتكلم الله به حين إنزاله فيتلقاه جبريل فيأتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والدليل على هذا : أن الله يتحدث عن مسائل مضت بلفظ الماضي يقول عز وجل : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران 121 ) ، { غدوت } : يعني فيما مضى وهو إشارة إلى غزوة أُحُد ويقول جل وعلا : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } ( المجادلة 1 ) ،
إذن هذه الآية نزلت بعد أن حصلت الشكوى لأن عبَّر عنها بلفظ الماضي ،(1/405)
فإن قال قائل : عبَّر عنها بلفظ الماضي لأنه متحقق الوقوع فهو كقوله : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } ( النحل 1 ) ؟
قلنا : هذا يأباه قوله : { والله يسمع تحاوركما } ، لأن { يسمع } : فعل مضارع لحكاية الحال يعني يسمع حين تحاورتما فأخبر الله عن شيءٍ مضى بصيغة المضارع الذي تُحْكى بها الحال ،
وحينئذٍ يتبين أن الله جل وعلا يتكلم في القرآن حين إنزاله ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه تقع مسائل فيجيب الله عنها : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } ( المائدة 4 ) ، هل الله تكلم بهذا الجواب قبل أنْ يسألوا أبداً ؟
إذن فهو محدث وفي القرآن صريح ، â $tB NIg?I?ù't? `IiB 9??2I? `IiB NIgIn/? B^y??t?C ?wI) çnq?èyJtG??$# ? ( الأنبياء 2 ) [45] ، وقد أَوَّلَ من يقول : إن القرآن قديم أَوَّلَ قوله : â B^y??t?C ? : أي محدثٌ إنزاله وهذا تحريف لأن محدث اسم مفعول ونائب فاعله فيه يعود على الذِّكر لا على الإنزال فـ â $tB NIg?I?ù't? `IiB 9??2I? `IiB NIgIn/? B^y??t?C ? : أي هو أي الذِّكر فصرف الضمير إلى غير الذِّكر تحريف ،
فإن قال قائل : ألم يقل الله عز وجل : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ( الواقعة 77 – 78 ) ، وقال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ( البروج 21 – 22 ) ، وهذا يدل على أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ لأنه قال : { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ، وقال أيضاً : { في كتاب مكنون ، لا يمسه إلا المطهرون } ( الواقعة 78 – 79 ) ، وهذا يقتضي أن الله كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم به وقبل أن ينزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قلنا : هذه الآية : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } ، { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } لا تدل على أنه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ ،(1/406)
إذْ قد يكون المراد : ذكره والتحدث عنه وشأنه وعاقبته بدليل قوله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } ( الشعراء 196 ) : أي القرآن ، اقرأ آية الشعراء : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، وإنه لفي زبر الأولين } ( البروج 192 – 196 ) ، وهل القرآن مكتوب في زُ بُرِ الأولين ؟ أو مُتَحَدَّثٌ عنه في زُبُرِ الأولين ؟
مُتَحَدَّثٌ عنه ، فيكون قوله : { إنه لقرآن كريم ، في كتاب مكنون } و { بل هو قرآن مجيد ، في لوح محفوظ } ، يعني التحدث عنه وذكر شأنه وحاله ولا يتعين أن تكون الآية دالةً على أنه يكون مكتوب ،
والدليل على أنه لا يتعين : ما ذكرته لكم في قوله : { وإنه لفي زبر الأولين } : أي ذكره والتحدث عنه لا أن القرآن نفسه مكتوب هناك ،
لأنه لو كان مكتوباً هناك لكان نازلاً قبل محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بأعوام [46] ،
والخلاصة : أن القول بأن القرآن قديم قولٌ منكر [47] ،
بل نقول : القرآن مجيد كريم ونصفه بما وصفه الله به أما بأنه قديم فلا ، ليس بقديم ،
وهذا القول أعني أن يُوصف القرآن بالقدم هو نزعةٌ من نزعات الأشاعرة ،
الذين يقولون : إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس وهو قديمٌ كقدم العلم ،
الأشاعرة يقولون : كلام الله هو المعنى القائم بالنفس والمعنى القائم بالنفس قديم ،
يعني لم يزل الله عز وجل مريداً للشيء عالماً به ،
فيقولون : إن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه ، وما يسمعه جبريل أو ما يسمعه موسى أو سمعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج فهذا عبارةٌ عن أصواتٍ مخلوقة تعبِّر عن كلام الله يعني خلق الله أصواتاً في الجو تعبِّر عن ما في نفس الله من الكلام هذا كلام الله عندهم ،
وقد قال بعض العلماء علمائهم المنصفين قال : الحقيقة أن لا فرق بيننا وبين الجهمية لأننا متفقون على أن ما يُسمع ويُقرأ فهو مخلوق ،(1/407)
قلنا : تمام هذا حقيقة لكن الجهمية خيرٌ منكم في التعبير ،
لأن الجهمية يقولون : هذا كلام الله ،
وأنتم تقولون : هذا عبارةٌ عن كلام الله وليس كلام الله ،
فصاروا أحسن منكم في التعبير وإن كان كل منكم قال الخطأ وأَبْعَدَ عن الصواب ،
إذن كلام المؤلف في هذين البيتين فيه نظر ما هو النظر ؟
النظر الأول : قوله : ( إن إيماننا ليس بمخلوق ) : وجه النظر فيه :
إن إيماننا مخلوق كله لأنه صفاتنا إيماننا من صفاتنا ونحن مخلوقون فصفاتنا مخلوقة ،
لكن ما نؤمن به هو الذي ينقسم إلى :
1. مخلوق ،
2. وغير مخلوق ،
الوجه الثاني من الخطأ : أن القرآن قديم والقرآن كريم وليس بقديم فإن الله يتكلم به حين إنزاله ،
لأن الله قال : { وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك } ( الشعراء 192 – 194 ) ،
فظاهر السياق أنه من حين أن يتكلم الله به ينزل به جبريل إلى محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ،
وهذا هو الحق وهذا هو المعقول وينبغي لنا نحن في العقيدة أن لا نستوحش من شيءٍ دل عليه الكتاب والسنة لا تستوحش ولا تتهيب الوحشة كل الوحشة أن تحرف نصوص الكتاب والسنة من أجل عقيدةٍ تعتقدها وهي خطأ هذه هي الوحشة ،
أما شيءٌ دل عليه ظاهر الكتاب والسنة فلا بد لك من قوله ،
قوله : ( وكل قرآن قديم فابحثوا ) : ما معنى البحث ؟
البحث يعني التفتيش ، وأصله من بحث الأرض أي حرثها باليد فكأن المفتش للوصول إلى العلم كأنه يحرث الأرض ليستخرج ما كان خابئاً فيها ،
والبحث من أهم وسائل العلم ،
لكن بشرط أن يكون الغرض منه الوصول إلى الحق دون الانتصار للقول سواءٌ كان قولك أم قول متبوعك ،
إذا بحثت فلتكن نيتك سليمة يعني تنوي أنك تريد الوصول إلى الحق سواءٌ كان معك أو مع خصمك ،
أما الإنسان الذي يناقش من أجل أن ينتصر لقوله وإن كان يعتقد أنه حق فإنه لا يجوز بل اجعل مناقشتك من أجل الوصول إلى الحق سواءٌ كان معك أو مع غيرك ،(1/408)
ثم إنك إذا انقدت إلى الحق إذا كان مع خصمك تجد لذة وتجد تواضعاً ويهون عليك مخالفة نفسك ،
أما إذا تعصبت لقولك وسرت تحاول أن تنتصر لها ولو بالخطأ فإنه سيضيق صدرك لا شك سيضيق صدرك وسوف لا تتمكن في المستقبل من الرضوخ للحق ،
وهذه آفةٌ عظيمة وهي الاستكبار عن الحق ،
الواجب أن الإنسان ينظر إلى الصواب سواءٌ معه أو مع خصمه ،
ثم إن البحث إذا بحثنا مثلاً وأتى كل واحدٍ منا بحجته ولم يتبين لأحدنا صواب صاحبه فلدينا من نُحَكِّم ، نُحَكِّم من ؟
كتاب الله وسنة رسوله عن طريق الذي هو أعلم منا حتى يكون الاتفاق ويزول الخلاف والله أعلم ،
******************
101 – وَوَكَّلَ الله من الكرام ،
اثنين حافظين للأنام ،
التوكيل : ( إقامة الغير مُقامَ النفس ) هذا التوكيل ،
مثال ذلك : قلت : يا فلان هذه عشرة ريالات اشتري لي بها حاجة من السوق ،
فأنا مُوَكِّل وأنت وكيل أليس كذلك ؟
وهنا يبقى عندنا إشكال : في قوله : ( ووكل الله من الكرام ) ، فهل الله عز جل يُوَكِّل ؟ هل الله في حاجة إلى أن يُوَكِّل ؟
الجواب أن نقول : التوكيل المضاف إلى الله ليس كالتوكيل المضاف إلى الآدمي ،
التوكيل المضاف إلى الآدمي : قد يكون سببه : العجز كرجلٍ مريض لا يستطيع أن يصل إلى السوق فَوَكَّلَ شخصاً يشتري له حاجةً من السوق ،
أما التوكيل من الله : فهو لكمال سلطانه وأنه يدبر الخلائق فهم جنود فهم جنودٌ لله عز وجل وليسوا وكلاء يقومون مقامه من أجل عجزه عن تصريف خلقه بل هم يقومون بما وُكِلَ إليهم لكمال سلطان خالقهم عز وجل ،
وقد أضاف الله التوكيل إلى نفسه في قوله تعالى : { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسا بها بكافرين } ( الأنعام 89 ) .
وحينئذِ نقول : إن الله وكيل ،(1/409)
لقوله تعالى : { وكفى بالله وكيلا } ( النساء 81 ) ، أي قائمٌ بشئون خلقه ومُوَكِّلْ أي مدبِّر لخلقه لكمال سلطانه ،
فالتوكيل هنا ليس لنقص المُوَكِّل ولكن لكمال سلطانه ،
يدبِّر ما شاء وهذا جندٌ له مُوَكَّل لكتابة الأعمال وهذا جندٌ من جنوده مُوَكَّل بالنار وهذا جندٌ من جنود مُوَكَّل بالجنة وهكذا ،
قوله : ( ووكل الله من الكرام ) : أي من الملائكة الكرام ،
ودليل ذلك : قوله تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين ، وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 9 – 11 ) .
وصفهم الله بالكرم لكمال أخلاقهم والكمال يُسمى كرماً ،
بدليل : قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذٍ حين بعثه إلى اليمن : ( إياك وكرائم أموالهم ) [48] ، أي كاملها في الصفات والحُسْنْ فهم كرماء لكمال صفاتهم وإلا فإنهم لا يُعطون الناس شيئاً لكن الكرم يكون من أجل البذل ويكون من أجل الكمال مع أن البذل من آثار الكمال ،
قوله : ( اثنين حافظين للأنام ) : يعني من الملائكة الكرام :
أحدهما : يكون عن اليمين ،
والثاني : عن الشمال ،
كما قال تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 17 – 18 ) : أيٌ قولٍ تلفظ به فلديك رقيبٌ عتيد حاضر لا يغيب عنك أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال ،
ولما دخل على الإمام أحمد رضي الله عنه أحد أصحابه وكان مريضاً وسمعه يئن ، يئن أنين المريض قال له يا أبا عبدالله إن طاووساً – وهو من كبار التابعين رحمه الله – يقول إن المَلَكَ يكتب حتى أنين المريض لما قال هذا لأبي عبدالله رحمه الله أمسك حتى عن الأنين خوفاً من أن يُكتب عليه ،
ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخُّط فإنه يُكتب عليه أما إذا بمقتضى الحُمى فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،
إذن هؤلاء الملائكة يحفظون الأنام أي يحفظون أعمالهم يكتبونها في سجلات تُقرأ يوم القيامة ،(1/410)
قال الله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } ( الإسراء 13 ) ، يعني عمله ، { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } ، مفتوحاً غير مغلق لا يكلفه في النظر إليه ، { اقرأ كتابك } ( الإسراء 14 ) ، يعني يقال اقرأ كتابك كل شيءٍ مكتوب ، { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } .
قال بعض السلف : والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك ،
صحيح هذا الإنصاف ، إنسان يقدم لك دفتر الحساب يقول : أنت حاسب نفسك هذا هو الإنصاف ، هؤلاء الملائكة يكتبون ما عمله الإنسان من حسنات ويكتبون ما عمله من سيئات ، لا شك في هذا ،
وهل يكتبون ما صدر منه من لغو أي ما ليس بحسنة ولا سيئة [49] ؟
على قولين للعلماء :
1. فمنهم من قال : إنهم يكتبونه ، لكن لا يُحاسب الإنسان عليه ،
2. ومنهم قال : إنهم لا يكتبونه ، لأنه لغو ، وكتابة اللغو من اللغو ، وهؤلاء الملائكة كرام ، والكريم كامل الصفات وكامل الصفات لا يفعل ما هو لغو ،
ولكن لو قال قائل : هل في الكلام من لغو ؟
إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( من كان يؤمن بالله يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) وهو إذا صمت لا يُكتب عليه شيء وإن قال قال خيراً أو شراًّ ؟
ولكن الذي يظهر أنه هناك لغواً :
لقوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } ( الفرقان 72 ) ، وهذا يعم اللغو القولي واللغو الفعلي ،
فالظاهر أنه يوجد اللغو ولكن في كتابته أو عدم كتابته فيها شيءٌ من التوقف هل يكتبونه أو لا ،
إنْ نظرنا إلى عموم قوله تعالى : { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد } ( ق 17 ) ، و { من قول } : نكرة في سياق النفي وهي نكرة مؤكدةٌ بـ { من } ( ق 17 – 18 ) .
قلنا : يُكتب كل شيء ولكن لا يلزم من الكتابة المحاسبة يُكتب ولا يُحاسب عليه لأنه لغو ،
وإنْ نظرنا إلى أن اللغو الذي لا يُحاسب عليه الإنسان كتابته لغو ،
قلنا : لا تُكتب ،(1/411)
ويمكن أن يُراد بالعموم في قوله : { من قول } ، يُراد به الخاص أي { من قول } يُثاب عليه أو يُعاقب { إلا لديه رقيب عتيد } ،
وعلى كل حال فالإنسان يجب أنْ يحتاط وأن يحترس وأن لا يقول كلمةً إلا وهو يعرف أنها له أو عليه ،
فإن كانت له فليحمد الله على ذلك وإن كانت عليه فلا يلومن إلا نفسه ليحرص الإنسان على هذا ،
قوله : ( اثنين حافظين للأنام ) : هذان الإثنان هل هما دائماً مع الإنسان ؟
نعم ،
لقوله : { إلا لديه رقيب عتيد } .
وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء وإذا كان عند الجماع ،
فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ،
وإن لم يصح فالأصل العموم { إلا لديه رقيب عتيد } ،
فإن قال قائل : هما يكتبان القول ويكتبان الفعل لأنهما أي القول والفعل ظاهران لكن هل يكتبان الهم ؟ وهو في القلب أو لا يكتبان الهم ؟
قلنا : ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من همَّ فلم يعملها كُتِبَتْ حسنة ومن همَّ بالسيئة ولم يعملها كُتِبَتْ حسنة والمعروف أن الذي يكتب الملائكة { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 10 – 11 ) ،
وعلى هذا فيكون عندهم اطلاعٌ على ما في القلب ولا غرابة في ذلك فإن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ( ق 16 ) ، فهو عالمٌ بذلك فيجوز أن يُطْلِعَ الله هؤلاء الملائكة على ما علمه من حال الشخص ويكون علمهم بذلك بواسطة من علم الله عز وجل ويجوز أنْ يعلموا ذلك بما يحصل للقلب من حركة ،
لأن الهمَّ حركة القلب الهم حركة القلب يهمُّ بالشيء يتحرك فيعلمان ما يحصل بحركة القلب وإذا كان الشيطان يجري من آدم مجرى الدم ويصل إلى شِغافِ قلبه فلا غرو أن يعلم الملائكة بما يحدث للإنسان في قلبه ،
وعلى كل حال فسواءٌ كان الله عز وجل يطلعهما على ما في القلب فيكتباه أو هما يعلمان ذلك بحركة القلب فإنهما يكتبان همَّ القلب ،(1/412)
فصار الهمَّ والقول العمل كله يُكتب ،
ولكن هل يُحاسب الإنسان على مجرد ما يحصل في قلبه من الوهن أو لابد من حركة ؟
الجواب : ليست حركة ظاهرة ، حركة في القلب أي ميل وهمّ ،
أما مجرد ما يخطر على الإنسان أو يحدِّث به نفسه فإنه لا يكتب عليه ، لا يُكتب عليه ولا له أيضاً اللهم إلا أن يُكتب له لحُسْنِ نيته حيث فكَّر أن يعمل عملاً صالحاً ،
وهناك فرق بين حديث النفس والهمّ :
الهم : هو أن يتحرك ويتقدم يعمل ،
لكن حديث النفس فهو حديثٌ مجرد تفكير في الشيء خواطر في الشيء لا أثر له ،
ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( إن تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) ،
قوله : ( الأنام ) : الأنام هم الخلق ،
******************
102 – فيكتبان كل أفعال الورى ،
كما أتى في النص في من غير امْتِرا ،
قوله : ( فيكتبان ) : أي الملكان ،
قوله : ( كل أفعال الورى ) : وهذا عام ،
قوله : ( أفعال الورى ) : ظاهره أنهما لا يكتبان القول ولا يكتبان الهمّ ،
وفي هذا نظرٌ ظاهر ،
فإن القرآن الكريم يقول في القول : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 18 ) ،
وأما الهمّ فكما سمعتم : ( من همّ بالحسنة فله عشر حسنات ومن لم يعملها فله حسنة ومن همّ بالسيئة فتركها لله فله حسنة ) [50] ، وعرفتم هل يعلمان ذلك أو يعلمهما الله عز وجل ،
ولعل المؤلف أخذ هذا أي قَصْرَهُ ما يُكتب على الفعل أخذه من قوله تعالى : { وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } ( الانفطار 10 – 12 ) ،
ولكن من المعلوم أنه إذا جاء { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ، أننا نضم هذه إلى هذه ويكون الذي يُكتب القول والفعل ثم نضم هذين الاثنين إلى الحديث ( من همّ بالحسنة …… ومن همّ بالسيئة ……… ) ، فيكون الذي يُكتب القول والفعل والهم ،(1/413)
قوله : ( كما أتى في النص من غير امْتِرا ) : أي النص ؟
{ وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون } .
وقال تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى } ( الزخرف 80 ) : يعني نسمع ، { ورسلنا لديهم يكتبون } .
وهذا أيضاً نص في أن القول يُكتب { أم يحسبون أنا لا نسمع } ، وهذا قول : { ورسلنا لديهم يكتبون } .
فصار الذي يُكتب الآن ثلاثة ولا يوجد غيرها الهمّ والقول والفعل وشيءٌ يُحصى على المرء في كل لحظة من قولٍ وفعلٍ وهمّ سيكون كثيراً ،
ولذلك الآن لو أن أحداً سجّل ما نتكلم به في جلسةٍ واحدة من جلوسنا كم يأتي من صفحة ؟ يأتي صفحات كثيرة كيف وكلامنا لا يُحصى في اليوم والليلة ؟ نسأل الله أن يعفو عنا ،
الأسئلة
السؤال : بالنسبة للمحو ، محو ما تكتبه الملائكة يعني التوبة إذا تاب الإنسان ؟
الجواب : قال الله تعالى : { إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ( الفرقان 70 ) ، يُمحى ،
يقول شيخ الإسلام : الحسد : ( كراهة ما أنعم الله به على الغير سواءً تمنى زواله أم لم يتمنى ) [51] ،
وهذا هو الصحيح ،
فإذا كرهت أن يُنعم الله على شخصٍ بنعمة هذا هو الحسد ،
السؤال : ألا نستطيع أن القول إذا أُطْلِق في القرآن فإنه يشمل الفعل أو العمل وكذلك لقوله تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( ق 18 ) ؟
الجواب : لو حاولت أن تقول : إن القول يُطلق على الفعل ،
كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر : ( إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ) ،
هنا قول بمعنى الفعل ،
لكن يمنعنا من ذلك قوله : { ما يلفظ } واللفظ هو القول ،
إذا قيل : لفظت بالقول ،
واضح أنه ما يلفظ من لفظٍ لا يطلق اللفظ على الفعل أبداً ،
السؤال : ما معنى قولهم : لفظ أنفاسه ، لفظ يعني فعل ليس بقول ؟
الجواب : معنى لفظ أنفاسه أنه انتهت حياته ،(1/414)
أصلاً لما قيَّدْناها لفظ أنفاسه قيدناها بالنَّفَس علمنا أن هذا ليس قول اللسان ، لكن هنا { ما يلفظ من قول } قال لفظ مضافاً إلى القول تعين أنْ يكون هو قول اللسان ،
السؤال : ما تفسيرها ؟
الجواب : معناها أن الأقوال تُكتب ، لكن { يعلمون ما تفعلون } ( الانفطار 12 ) ، تُكتب الأفعال ويقال أيضاً بالقياس إذا كان القول يُكتب فالفعل من باب أولى ،
السؤال : لكن القاعدة : ( الاستثناء معيار العموم ) ؟
الجواب : أين الاستثناء ؟
السؤال : { إلا لديه رقيب عتيد } .
الجواب : { إلا لديه رقيب عتيد } هنا استثنى من الوقت يعني عنده إلا عنده رقيبٌ عتيد ثم الاستثناء لو قلنا : ما توهمت لكان استثناءً من القول ،
والاستثناء من القول لا يدل على عموم القول للفعل يدل على عموم الأقوال ،
فإذا قلنا : { والعصر ، إن الإنسان في خسر ، إلا الذين آمنوا ،،،،،،،،،، } ( العصر 1 – 3 ) ،
هل نقول : هذا استثناء من الحيوان أيضاً ؟
لا ، استثنى من الإنسان ،
فإذا قلنا : { ما بلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ( الزخرف 80 ) كان هذا استثناء من القول يعني في أي وقتٍ يكون القول فلديه هذا الرقيب العتيد واضح لكن الفعل دل عليه قوله : { يعلمون ما تفعلون } ،
الملائكة : عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور وسخَّرهم لما أراد منهم منهم العابدون ومنهم الموكلون ببني آدم وليسوا هم القوى المادية أو العقلية أو ما أشبه ذلك هم أجسام { جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة } ( فاطر 1 ) ، وهم مخلوقون من النور ، ونؤمن بكل من علمنا اسمه منهم وبصفة كل من علمنا بصفته وما وراء ذلك من علم الغيب فلا ندري عنه ، من جملة الملائكة من ذكرهم المؤلف ، الملكان الرقيب والعتيد ،
هل الرقيب هو العتيد أو غيره ؟ هل قال الله تعالى ( إلا لديه رقيبٌ وعتيد ) ؟(1/415)
لا ، إذن فالرقيب هو العتيد ، ملكان عن اليمين وعن الشمال ، يكتبان كل الأعمال السيئات والحسنات واللغو ويكتبان إرادات القلوب ،
إذا قلنا : أنها تُكتب اللغو ،
فهل يُكتب مع الحسنات أو مع السيئات ؟
يُكتب على أنه فعل هذا والحساب على الله أو نقول : إنه إلى السيئات أقرب لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) [52] ، فهذا يدل ظاهره على وجوب السكوت إذا لم يكن القول خيراً ،
السؤال : هل نقول : إن الله عز وجل جعل السيئات والحسنات كل واحدٍ منهما يكتب لوحده أو جعل الحسنات والسيئات يكتبان معاً ؟
الجواب : لا ، لا ، كل منهما يكتب لوحده ،
وإذا قلنا : أن اللغو سيئة فيكتبها مع السيئات ، وإذا لم نقل فيكتبها من شاء الله يأمر الله من شاء منهما هذه أمور غيبية لا نقدر أن نحدد من يكتب اللغو ،
سؤال : لو قال قائل : إن اللغو ليس مع الحسنات ولا مع السيئات ما كان للصالحين ميزة في قوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } ( الفرقان 72 ) ؟
الجواب : يمكن أن يقال : لهم ميزة بأنهم يُثابون على ذلك على تركهم اللغو فيكتب تركهم للغو في ميزان حسناتهم ،
السؤال : القائلين بأن الملائكة قوة عقلية ؟
الجواب : يقولون : بأن النفوس ثلاثة [53] :
1. أمَّارة بالسوء ،
2. ومطمئنة ،
3. ولوَّامة ،
فالنفوس المطمئنة هي الملائكة ،
والنفوس الأمَّارة بالسوء هي الشياطين فليس هناك شياطين ولا ملائكة فهي نفس الإنسان ليس هناك أحدٌ غيره ،
السؤال : بالنسبة لشيخ الإسلام جاء في أبياته :
وأقول في القرآن .
ما جاءت به آياته القديمة ؟ .(1/416)
الجواب : هذه أولاً هذه تحتاج إلى إثبات أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية وعلى تقدير ثبوتها فإن هذا لعله في أول طلبه لأن القول بأنه قديم هو المشهور عند أكثر الناس فربما قال هذه في أول طلبه ،
لكن الظاهر أنها لا تصح أصلاً عن الشيخ ،
السؤال : ما حكم الفِرَق ؟
الجواب : حكم الفِرَق : الفِرَق هذه فيها كافر وفيها فاسق وفيها معذور يختلفون ما يمكن نحكم بحكمٍ واحد على الجميع ،
الكافر هو الذي علم الحق وأصر على خلافه وكذب به ،
والفاسق هو الذي دون ذلك يعني قريب لكن عنده شبهة ،
والمعذور هو الذي اجتهد ولكنه لم يصل اجتهاده إلا إلى هذا ،
وهناك أشياء ما يمكن فيها الاجتهاد : أشياء واضحة بينة لا يمكن أنْ نقول فيها بالاجتهاد هذا يكون المخالف لها معاند ،
يعني مثلاً : { ثم استوى على العرش } ( الأعراف 54 ) :
إذا قال : والله أنا ما أعرف إلا استوى بمعنى استولى ،
ماذا نقول لهذا الشخص ؟ هل نقول : إنه معاند ، أو نقول : إنه معذور ؟
معاند لا شك لأننا لو طالبناه أنْ يأتي لنا بدليل واحد من اللغة أو من القرآن أو من السنة على أنْ استوى إذا عُدِّ يَت بـ ( على ) بمعنى استولى ،
ما استطاع أن يأتي بدليل أبداً ليس عندهم إلا هذا الدليل الذي يقول فيه القائل :
قد استوى بشرٌ على العراق ،
من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق [54] ،
من القائل ؟
هذا القائل مجهول كيف نقبل قول شخصٍ مجهول ؟
ونجعله دليلاً على الكتاب والسنة لكي نبطل دلالة الكتاب والسنة من أجل قول شخصٍ مجهول أنا لو أعارض قول رجلٍ من الناس بقول رجلٍ مجهول ما استقامت لي معارضة ولا قبلت مني المعارضة كيف أعارض القرآن بقول شخصٍ مجهول هذه واحدة ،
ثانياً : ( استوى بشرٌ على العراق ) ، لنا هنا أنْ نقول : استوى هنا بمعنى علا ،
لأن الاستيلاء الكامل علو ، أليس كذلك ؟(1/417)
الاستيلاء الكامل يعتبر علو وسيطرة فمعنى استوى عليه يعني علا عليه ،
ثالثاً : استوى على العرش ممكن الرجل استوى على البعير ممكن لكن العراق هل أن يستوي عليه بمعنى يعلو عليه علواً حسياً يعني يركب العراق ما يمكن حتى الطائرة لا يمكن ما هي الطائرة بالنسبة للعراق ؟
على كل حال الآن هذا الذي يعارض في الاستواء نقول هذا معاند ثم إنْ استلزم عناده هذا مقالة كفرٍ فهو كافر ،
السؤال : لماذا سميت المرجئة بهذا الاسم ؟
الجواب : سموا مرجئة إما لتغليبهم جانب الرجاء وإما لتأخيرهم العمل عن الإيمان أخَّروه عن الإيمان وقالوا : العمل ليس من الإيمان ،
السؤال : من شروط الحد أنه يكون جامعاً مانعاً ، بعض العلماء مثل : سهل بن عبدالله التستري أورد زيادة على تعريف أهل السنة من أن الإيمان ( قول وعمل وقصد ) أورد ( أن يكون على السنة ) [55] لأنه يقول : البدعة تشتمل على المعنى ما ذكروه ؟
الجواب : والكفر أيضاً الكفر يشمل حتى الكفر يشمل هذا الكفر قول وعمل واعتقاد ، المراد قول وعمل واعتقاد ( أي في تعريف الإيمان ) أي الذي هو إيمان بالله ،
السؤال : إذا قال رجل : أنا أقول : أن الإيمان فقط يدخل فيه الاعتقاد والقول وأعمل ولكن لا أعتقد أن العمل يدخل في مسمى الإيمان ، ماذا نقول فيه ؟
الجواب : يكون مخالفاً لأهل السنة ، يكون مبتدع ،
السؤال : ما نقول كافر ؟
الجواب : لا ما نقول أنه كافر ، لا ،
السؤال : لكن يقول : أنا أعمل ولكن مثلاً لا أعتقد وجوب الصلاة ،
الجواب : نعم لكن يعمل متقرباً بذلك إلى الله أما إذا كان لا ، غير متقرب معناه لا ينفعه عمله ،
السؤال : ما وجه من قال أن الإيمان يزيد ولا ينقص وما وجه الإجابة عليه ؟
الجواب : قال بعض العلماء : إنه يزيد ولا نقول : ينقص لأنه لم يَرِد ،(1/418)
ولكن نقول له : بل قد ورد : ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين ) وهذا يدخل فيه الإيمان لأن الإيمان من الدين وأيضاً لا تعقل زيادة إلا في مقابلة نقص فالأول دليل سمعي والثاني دليل عقلي ،
السؤال : هل يتردد الآن في إيمانه بين نقصٍ وزيادة أن هناك حالةٌ وسط ؟
الجواب : والله ، نعم يختلف أحياناً يصفو للإنسان الذهن ويزداد إيمانه حتى كإنما يشاهد الأمور الغيبية بعينه هذه الزيادة ما فيها شك ،
السؤال : هل يكون للإنسان مرحلة يكون فيها إيمانه فيها ثابت أم أنه دائماً إيمانه في تردد يزيد وينقص ،
الجواب : ينقص ويزيد ، ربما يعمل معصية تكفرها الصلاة فيكون نَقَصَ حين عمل المعصية ثم رُقِّيَ بالصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) [56] ، ومع ذلك إذا تاب من الزنا رجع إليه إيمانه ،
السؤال : روي عن ابن عباس أنه قال أن القرآن أُنْزِلَ أول ما أُنْزِلَ جملةً واحدة ثم نزل بعد ذلك منجماً ، فعل يكون هذا فيه دليل على أن القرآن قديم ؟
الجواب : لا هذا غير صحيح ، لم يصح هذا يُروى عن ابن عباس لكن فيه نظر لا يصح ،
السؤال : على فرض صحته هل يكون القرآن قديم ؟
الجواب : أبداً لا يكون قديم لأن كتابته في اللوح المحفوظ حديثة حادثة هم عندهم القديم هو الذي لا يتصور حدوثه ، ونحن نقول : حتى لو كُتِبَ في اللوح المحفوظ فهو حادث ،
السؤال : الأشاعرة يقولون : القرآن عبارةٌ عن كلام الله ، هل عندهم استناد أم أنهم يقولونه من عند أنفسهم ؟
الجواب : لا أبداً عندهم استناد يدعونه عقلاً وهو وهمٌ وخيال يقولون ،
لأننا لو قلنا : إن الكلام حادث للزم من هذا قيام الحوادث بالله والحوادث لا تقوم إلا بحادث ،
وهذا ليس بصحيح ،
من يقول : إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث قد يحدث الشيء من شخصٍ سابق على الحدوث ،
فمثلاً : أنا الآن أفعل أتحرك بيدي وجودي سابقٌ على هذه الحركة فأقوالهم كلها ضعيفة ،(1/419)
السؤال : قال الإمام أحمد : من قال القرآن مخلوق فقد كفر ومن قال غير مخلوق ابتدع ؟
الجواب : الإمام أحمد رحمه الله كان في زمنٍ قد طغت فيه أقوال الجهمية وكانوا يقولون القرآن مخلوق فإذا أبى عليهم العامة ،
قالوا : قولوا : إيماننا مخلوق ، والإيمان يشمل قراءة القرآن ،
والجهمية عند الإمام أحمد كفار الجهمية كفار [57] ،
وكما قلتُ لكم قبل هذا : أصل الكلام في هذا أصله محدث ما كان معروف عند السلف ،
لكن لما جاء القول بخلق القرآن صاروا يتحدثون بهذا الشي ء ،
أما إذا قال : القرآن مخلوق فهو كافر ومن جملته القرآن مخلوق ،
فالسلف يقولون : من قال : القرآن مخلوق فهو كافر وإما مبتدع ( أي قوله القرآن غير مخلوق ) فلأن السلف لم يتكلموا به ، لا تقل : مخلوق ، ولا تقل : غير مخلوق ،
السؤال : الأعمال فيها ما هو شرط في الإيمان وفيها ما ليس شرطاً في الإيمان وقلنا أن الزكاة ليست شرطاً في الإيمان ، فكيف استحل أبو بكر رضي الله عنه دماء من منع الزكاة ؟
الجواب : هناك فرق بين القتال وبين القتل ، الممتنع من الزكاة ولو كان مسلماً يُقاتل لأنها شعيرة من شعائر الإسلام كما أنه لو اجتمع أهل قريةٍ على ترك الأذان مثلاً ترك الأذان ليس بكفر لكن نقاتلهم ،
السؤال : هذا استحلال لدمائهم يا شيخ ،
الجواب : نستحل دماءهم لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم أليس الله يقول : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهمافإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي } ( الحجرات 9 ) .
وهل تكفر إذا بغت على الأخرى ؟
ما تكفر لكن نقاتلهم من أجل أن يلتزموا أحكام الإسلام ،
فالمقاتلة أعم من القتل إذ قد تجوز المقاتلة ولا يجوز القتل ،
السؤال : قول المؤلف أن القرآن قديم أليس هذا مذهب الاقترانية ؟
الجواب : لا ، لا ، هذا مذهب الأشاعرة ، الاقترانية يقولون : حادث لكن فيه اقتران يعني الباء والسين والميم هذه كلها خرجت الله دفعةً واحدة ،(1/420)
السؤال : ما الفرق بين المحدث والمخلوق ؟
الجواب : لا فرق لأن كل مخلوق فهو محدث ،
السؤال : إذا قلنا بهذا فقد فتحنا الباب على الفلاسفة ،
الجواب : لا ، لا ، ما نفتحه لأن المحدث من الخالق ليس بمخلوق لأنه صفته ،
السؤال : يقولون في مقولتهم : العالم محدث وكل محدث متغير وكل العالم متغير ولا شك أن المتغير هو المخلوق ؟
الجواب : المتغير مخلوق إذا كان لهم أن يغيروه أما إذا يتغير بنفسه كفعل الله عز وجل الله يفعل ما يشاء { ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) .
الباب الرابع
في ذكر بعض السمعيات من ذكر البرزخ والقبور وأشراط الساعة والحشر والنشور
ذكر البرزخ والقبور والبعث والنشور ( كذا عندي في الكتاب )
103 – وكل ما صح من الأخبار ،
وجاء في التنزيل والآثار ،
الأشراط جمع شرط وهو في اللغة : العلامة ،
وفي الاصطلاح : ( ما يتوقف صحة الشيء على وجوده ) ، والمراد به هنا : العلامة ،
فقوله : ( أشراط الساعة ) : يعني علاماتها والساعة هي القيامة ،
وسميت ساعة : لأنها ساعة مشقة وإنذار وساعةٌ عظيمة وكل شيءٍ يكون عظيماً فإنه يسمى ساعة لأنها مفزعة ، قال الله تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها } ( محمد 18 ) .
وأشراط الساعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. قسمٌ مضى ،
2. وقسمٌ ما زال يأتي ،
3. وقسمٌ أكبر وهو الأشراط القريبة منها وهي الأشراط الكبار ،
فمن الأشياء التي مضت : بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن بعثته وجَعْلَهُ آخر الرسل تدل على أن الساعة قريبة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بُعثتُ أنا والساعة كهاتين ) [58] ، وذكر السبابة والوسطى يعنى أنهما مُقترنان وليس بيننا إلا كما بين السبابة والوسطى ،(1/421)
وهناك أشراط ما زالت تقع مثل : كثرة المال كثرة الهرج يعني القتل وتقارب الزمان وغير ذلك ،
وقسمٌ ثالث لم يأتِ بعد مثل الأشراط الكبيرة : كنزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام والدجال ويأجوج ومأجوج وما أشبهها ،
فما موقفنا نحو هذه الأشراط ؟
يقول المؤلف : ( وكل ما صح من الأخبار ) : يعني الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ( جاء في التنزيل والآثار ) ،
هذه ثلاثة أشياء أو ثلاثة طرق تثبت بها أشراط الساعة :
الأول : ما صح من أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقيَّد المؤلف ذلك بقوله : ( ما صح ) : احترازاً مما لم يصح ،
واعلم أن العلماء أفرط بعضهم في سياق الأشراط وذكر ما لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أحاديث لا زمام لها ولا صحة لها ،
ولهذا يجب التحرز من الكتب المؤلفة في هذا مثل : ( الإشاعة في أشراط الساعة ) ، فإن فيه أشياء كثيرة غير صحيحة ،
فيجب التحرز من هذا لئلا نقع في نسبة شيءٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس كذلك ،
الثاني : قال : ( أو جاء في التنزيل ) : المراد به القرآن كما قال الله تعالى : { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } ( السجدة 2 ) .
قوله : ( أو جاء في الآثار ) : جمع أثر وهو : ( ما رُوي عن الصحابي ) ،
بشرط ألا يكون معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل ،
فإن كان معروفاً بالأخذ عن بني إسرائيل فإن أخباره تكون كأخبار بني إسرائيل لا تُصدَّق ولا تُكذَّب ،
هذه ثلاثة طرق لإثبات أشراط الساعة ،
******************
104 – من فتنة البرزخ والقبور ،
وما أتى في ذا من الأمور ،
ثم ذكر المؤلف أمثلة قال : ( من فتنة البرزخ والقبور ) الواقع أن هذا ليس من أشراط الساعة ،
لكنه من الأمور السمعيات التي تُتلقى من السمع ،(1/422)
قوله : ( فتنة البرزخ والقبور ) : البرزخ : ( الحاجز بين الشيئين ) [59] ،
والمراد به ما بين موت الإنسان إلى قيام الساعة [60] ،
وعطف القبور عليه من باب عطف الخاص على العام ،
لأن البرزخ أعم من القبور قد يموت الإنسان ويُلقى على وجه الأرض فتأكله السباع فهل كان في قبر ؟ لا ولكنه في برزخ فكل ميت فهو في برزخ وكل مقبور فهو في برزخ ،
فعطف القبور على البرزخ من باب عطف الخاص على العام ،
وفتنة البرزخ هي : الاختبار الذي يحصل للميت إذا دُفن ،
وذلك بأنه يأتيه ملكان فيقعدانه فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ،
فيقول المؤمن : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ، فينادي منادٍ من السماء : أن صدق عبدي فيُصدَّق ، ويسمعه هو ، فيزداد بذلك فرحاً أن شهد له شاهدٌ من السماء بأنه صادق ، ويعتبر هذا من نعيم القبر ، لأن الإنسان إذا صدِّق في قوله ازداد بذلك فرحاً وسروراً ،
وأما المنافق أو المرتاب فإنه يقول : هاه هاه ، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ، فينادي منادٍ من السماء أن : كذب عبدي فإنه يدري أنه لا إله إلا الله ويدري أن محمداً رسول الله ويدري أن الدين عند الله هو الإسلام ولكنه عاند وأصر ، فيُقال : كذب عبدي ، ثم إن الأول يُفسح له في قبره ويُفتح له باب إلى الجنة ويأتيه عمله الصالح فيجلس عنده يؤنسه ،
وأما الثاني والعياذ بالله فَيُضَيَّقُ عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويدخل بعضها في بعض من شدة الضيق ويُفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرِّها وسمومها ويأتيه عمله السيئ في أخبث صورة والعياذ بالله فيوبخه على ما فرَّط وأهمل من دين الله عز وجل ،
هذه الفتنة يجب علينا أن نؤمن بها ،
وقد ثبتت هذه الفتنة في الكتاب والسنة ،(1/423)
أما في الكتاب فعلى طريق الإشارة في قوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } ( إبراهيم 27 ) .
وأما في السنة فالأحاديث في ذلك مشهورة معلومة ،
فيجب علينا أن نؤمن بها ،
وههنا مباحث في هذه المسألة :
أولاً : متى تكون هذه الفتنة هل هي بخروج الروح ؟ أم بتسليم الإنسان إلى عالم الآخرة ؟
الجواب : الثاني ،
أما مجرد خروج الروح فلا يحصل فتنة ولا يحصل شيء ،
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا دُفِنَ الميت أو قال العبد ) إذا دَفِن وقال : ( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه ) [61] ،
وهذا يدل على أنها لا تصل إلى ذلك الخير ما دامت بأيديهم وعلى هذا فإذا مات ميت ووُضِعَ في الثلاجة للتحقق من موته وأسبابه فإنه لا يُفتن ولا يأتيه ملكان حتى يُدفن ،
البحث الثاني : هل هذا خاصٌ بالمقبور ؟ لقوله : ( إذا دُفن الميت ) ؟ أو ذُكر ذلك بناءاً على الأغلب وما قُيِّدَ بمفهوم أغلبي فلا مفهوم له ؟
الجواب : الثاني ،
وعلى هذا فإذا أُلقي الإنسان في البر أو أُلقي في البحر ومات هناك فإنه يأتيه الملكان ويُفتن ،
البحث الثالث : هل هذه الفتنة عامةٌ لكل أحد ؟ أو يخرج منها من يخرج بإذن الله ؟
الجواب : الثاني هذه الفتنة يخرج منها من يخرج :
أولاً : غير المكلف [62] ،
فإن كثيراً من أهل العلم قالوا : إن غير المكلف لا يُسأل لأنه غير مكلف سواءً أجاب بخطأ أو صواب فما دام التكليف رُفِعَ عنه في الدنيا فإنه يُرفع عنه في الآخرة ،
وقال بعض العلماء : بل يأتيه الملكان ويسألانه وهو إذا محكوماً بإيمانه سوف يجيب بالصواب [63] ،
ولا يبعد أن الله عز وجل يكلف هذا الصغير وأن الصغير يجيب بالصواب ،(1/424)
فها هو عيسى بن مريم كان في المهد ولما انتقدوا على أمه أشارت إليه فقال : { قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } ( مريم 30 – 33 ) ، كل هذا قاله وهو في المهد فهؤلاء الأطفال الذين يموتون أو المجانين وإن كانوا غير مكلفين فإن الله قادر على أن ينطقهم في القبر بما يشاء ،
ثانياً : الشهيد ،
يعني يستثنى من هذا الشهيد فالذي قُتل في سبيل الله لا يُسأل ،
كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) [64] ،
فإن هذا الرجل الذي وقف أمام السيوف وسلَّم رقبته للعدو يدل فعله هذا أكبر دلالة على صحة إيمانه ،
وحينئذٍ لا يحتاج إلى سؤال ،
ثالثاً : مما يستثنى النبي ،
لأن النبي مسئول عنه أليس كذلك ، يقال ما دينك ؟ من نبيك ؟ ولأنه إذا كان الشهيد لا يُسأل فالنبي أعلى درجةً منه وإن كانت أمور الآخرة ليس فيها قياس لكننا نقول النبي عنده من اليقين أكثر من الشهيد لا شك ،
فلهذا نقول : إن النبي لا يُسأل ،
البحث الرابع : بأي لغةٍ يُسأل ؟
قال بعض العلماء : يُسأل بالسريانية ،
سبحان الله السريانية لغة النصارى ،
والظاهر والله أعلم أن هذا القول مأخوذٌ من النصارى لأجل أن يفتخروا ويقولوا لغتنا لغة السؤال في القبر لكل ميت ،
والذي يظهر أنه يُسأل بما يفهم ولو أننا أردنا أن نفضِّل لغةً على لغة لفضَّلنا العربية لأنها لغة أمة محمد الواجب على الأمة بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام الأمة كلها أن تكون لغتهم اللغة العربية ،
لكن على كل حال الذي يظهر لنا والعلم عند الله أن الإنسان يفهم إن كان من العرب فباللغة العربية إن كان من غير العرب فبلغته ،
البحث الخامس : من السائل ؟
السائل : ملكان لا شك ، لكن من هما ؟(1/425)
قيل : إن الملكين هما اللذان يكتبان على الإنسان عمله من خيرٍ وشر فهما صاحباه في الدنيا وهما سائلاه في القبر
وقيل : بل هما ملكان آخران ،
ونحن نتوقف في هذا والله أعلم ،
فالأحاديث في بعضها : ( يأتيه ملكان ) [65] ، وفي بعضها : ( يأتيه الملكان ) بـ ( أل ) ،
و ( أل ) هذه يحتمل أنها للمعهود الذهني أي الملكان المعروفان اللذان يكتبان أعمال العباد ،
ويحتمل أنها للجنس فتكون بمعنى مَلَكَيْن ،
ولكن جوابي أنا ، أنا أتوقف في هذا ،
أقول : : ( إنه يأتيه ملكان ) كما جاء في الحديث أو ( الملكان ) ولا أدري منهما ،
البحث السادس : ما اسم هذين الملكين ؟
ورد في بعض الآثار : أن اسمهما منكر ونكير [66] ،
وليس المنكر هنا المنكر الشرعي بل المنكر غير المعروف ،
كما قال ابراهيم للملائكة : { قوم منكرون } ( الذاريات 25 ) ، فهذا منكر لا يعرفه الميت ونكير بمعنى مُنكر فالاختلاف في اللفظ ،
وقيل : لا يسميان ،
وأن تسميتهما بمنكر ونكير ضعيف لم يصح به الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وعقيدتنا في هذا أن نقول : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم سماهما بذلك فنحن نعتقده ،
وإن لم يكن سماهما فنحن نطلق ونقول ملكان فقط ولا يسعنا أكثر من ذلك ،
البحث السابع : ورد في الحديث بل ثبت في الحديث : أنهما يقعدان الميت ،
وهنا إشكال : القبر لا يتسع لجلوس الميت كما هو معروف فكيف يقال : إنهما يقعدانه ؟ [67]
والجواب على ذلك أن نقول : أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا ،
أمور الآخرة وظيفتنا أن نقول سمعنا وصدقنا وآمنا ولا تكون كأحوال الدنيا وإذا كنا نرى في الدنيا أشياء في المنام لا تطابق في اليقظة فما بالك في الممات ؟(1/426)
في المنام يرى الإنسان الرؤيا فيها ذهاب ومجيء فيها أحياناً ركوب سيارة وأحياناً ركوب طائرة يرى أنه راكب طائرة يطير في الجو وأين هو ؟ على فراشه لم يتحرك حتى اللحاف ما انكشط منه شيء ومع ذلك الرجل سافر ورجع ويمكن رأى انه فتح محلاًّ وباع واشترى وتزوج وجاءه أولاد وهو على فراشه لم يتحرك والمدة أيضاً قصيرة لكن سبحان الله في المنام يرى الإنسان أشياء يقضيها في لحظة وهي تحتمل أياماًّ ،
فنقول : الأمور الأخروية لا تقاس بالأمور الدنيوية وأمور الموت لا تقاس بأمور اليقظة بل وأمور النوم لا تقاس اليقظة ،
قوله : ( وما أتى في ذا من الأمور ) : أي ما يتعلق فيه من القبر والبرزخ من الأمور العظيمة منها :
أنه بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب ،
وعلى هذا فيجب علينا أن نؤمن بأن الإنسان يُعذب أو يُنعم في قبره ،
نؤمن بأنه يُنعم أو يُعذب في قبره ،
وإثبات ذلك من الكتاب ومن السنة :
أما الكتاب : فقال عز وجل : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } ( النحل 32 ) ، يقول : { سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } ،
وهذا يدل على أنه يأتيهم من نعيم الجنة في أول يوم يفارقون الدنيا ،
وأما العذاب فمن ذلك :
قوله تبارك وتعالى : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } ( الأنفال 50 ) ، { إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } ، في تلك الساعة ، { يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } ،(1/427)
ومن ذلك أيضاً : قوله : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } ( الأنعام 93 ) ، { أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون } ، ( قال الشيخ في المناقشة هذه أصرح ما تكون من الآيات في إثبات عذاب القبر ) ، { اليوم } ، يعني يوم إخراج أنفسكم وهو يوم موتهم ، { تجزون عذاب الهون } ،
ومن ذلك : قوله تعالى في آل فرعون : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ( غافر 46 ) ، فقال : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ، متى ؟ قبل قيام الساعة ، { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ،
أما السنة فهي مستفيضةٌ مشهورة في إثبات عذاب القبر ونعيمه [68] ،
فهاتان مسألتان :
المسألة الأولى : أن الإنسان يُعذب في قبره أو يُنعم ؟ [69]
ثانياً : دليل ذلك في الكتاب وفي السنة ،
ثالثاً : هل العذاب على البدن أو على الروح أو عليهما معاً أو يختلف تارةً يكون عليهما معاً وتارةً يكون على الروح فقط ؟
والجواب عن ذلك أن نقول :
الأصل أن العذاب على الروح ولكنها تتصل أحياناً ويُرى في الجسم لو حُفر أثر العذاب فالأصل أنه على الروح ولكن الروح قد تتصل بالبدن فيتنعم ،
هذا ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية [70] وتلميذه ابن القيم [71] وغيرهما [72] ،
رابعاً : هل العذاب عذاب القبر دائم أم منقطع ؟
والجواب : أما الكافر فعذابه دائمٌ مستمر وأما المؤمن فيحتمل أن ينقطع ويحتمل أن يستمر لأنه سيُعذب على حسب عمله وعمله قد يستوعب جميع الزمن وقد ينقص عنه ،
الخامس : هل يمكن أن نطَّلع على عذاب القبر ؟
نقول : الأصل لا ، الأصل أنه لا يمكن وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لولا أن تَدافَنوا لدعوتُ الله أن يريكم عذاب القبر ) [73] ،(1/428)
إذن فالأصل أنه غير معلوم لكن قد يُطْلِعُ الله عليه بعض الناس إما برؤيا صالحة وإما باليقظة كما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على القبرين الذين يُعذبان كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين فقال : ( إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير فأما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) [74] ،
إذن فالأصل أن عذاب القبر غير معلوم ولكن قد يُعلم الله به من شاء من عباده ،
هذه خمسة مباحث في ما يتعلق بنعيم القبر وعذاب القبر ،
وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فإن الواجب علينا أن نؤمن به ،
الأسئلة
السؤال : إذا قلنا أن المكلف لا يُسأل في قبره فلو كُلِّفَ ثم زال تكليفه يعني كان بالغاً ثم أصيب بجنون ؟
الجواب : الظاهر أنه يُسأل لأنه أتى عليه زمن التكليف ،
السؤال : قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9 ) ، ولسان الحال الموجود الآن أن السنة حُفِظَت لنا كما حُفِظَ القرآن فهل هذا يدل على أن السنة مُنَزَّلَة مثل ما نزل القرآن ؟
الجواب : لا السنة لم تحفظ كما حُفِظَ القرآن ولهذا جاء فيها الوضع والضعف ،
السؤال : الصحيح لا زال موجود ،
الجواب : لا ليس على كل حال ، حتى الصحيح فيه أشياء حُذِفَت منه وفيه أشياء زِيدَتْ ،
السؤال : الأمة جميعها لا يخفى عليها دليل ؟
الجواب : صحيح ، لا يمكن أن يكون هناك دليل يخفى على جميع الأمة أبداً لأنه لو كان كذلك لكانت الشريعة نحن نقول : الشريعة محفوظة القرآن نفسه محفوظ والشريعة محفوظة لكن السنة حصل فيها ،
السؤال : النبي صلى الله عليه وسلم كانت توحى إليه السنة ؟(1/429)
الجواب : لا ، ليس بصحيح ، النبي قد توحى إليه السنة وقد لا توحى قد تكون بوحي [75] وقد لا تكون ألم نمثل لكم في هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة هل تكفِّر ؟ قال : ( نعم تكفِّر كل شيء ) ، ولما ولىَّ لرجل دعاه وقال : ( إلا الدَّين ، أخبرني جبريل بذلك آنفاً ) [76] .
السؤال : قوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى } ( النجم 3 – 4 ) ؟
الجواب : لا ، لا ، يعني بذلك القرآن ولهذا قال : { إن هو إلا وحي يوحى ، علمه شديد القوى } ( النجم 4 – 5 ) ، يعني جبريل ،
السؤال : قلنا إذا كان الميت رُمِيَ في البحر فإنه يُسأل فما الذي أخرجه من القاعدة أن الدفن قيد أغلبي ؟
الجواب : الذي رُمِيَ في البحر معناه كالدفن تماماً ، هم الآن غير مسئولين عنه ،
السؤال : والذي في الثلاجة ؟
الجواب : لا ، الذي في الثلاجة سيغسلوه ويكفنوه ويصلوا عليه ولو بقي عشر سنين فما دام أنه في أيدي الناس فهو لم يُسلَّم للآخرة ،
- إذا استحال الجسم بإحراق أو بغير ذلك يكون السؤال على الروح ،
السؤال : بالنسبة للبحث الأخير في روايةٍ للبخاري : ( إذا قعد المؤمن في قبره …… ) [77] ، ما معنى : ( قعد ) ؟
الجواب : قعد مثل قعودي الآن ،
فصل
في ذكر الروح والكلام عليها
105 – وأن أرواح الورى لم تُعْدَمِ ،
مع كونها مخلوقةً فاستفهم ،
قوله : ( فاستفهم ) : يعني اطلب الفهم ،
قوله : ( وأن أرواح الورى لم تُعْدَمِ ) : يعني نؤمن بأن الورى أي الخلق لم تُعدم ،
قوله : ( لم ) : هنا بمعنى ( لن ) ،
يعني لن تُعدم في المستقبل ،
لأنها خلقها للبقاء في المستقبل لا للفناء كما خلق الجنة للبقاء لا للفناء وخلق النار للبقاء لا للفناء وخلق ما في الجنة من الحور والولدان للبقاء لا للفناء ،(1/430)
كذلك الأرواح خُلقت للبقاء لا للفناء فهي لا تُعدم ،
ولكن هل هي مخلوقة أو أزلية ؟
الجواب : مخلوقة وليست أزلية [78] ،
لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه : { الله خالق كل شيء } ( الزمر 62 ) ، وهي داخلةٌ في لفظ : { كل شيء } ، فكل من سوى الله وما سوى الله فهو مخلوق لا شك مخلوق من العدم فليست أزلية ،
ولكن يبقى البحث ما هي الروح ؟
الروح إن شئنا بلازمها الذي لا بد منه ، بأن نقول : الروح : ( ما به حياة الأبدان ) ونسكت فنفسرها باللازم المتحتم لأنها إذا فارقت البدن ذهبت عنه الحياة وما دامت في البدن فهو حي ،
فنقول : الروح : ( ما به حياة الأبدان ) ،
وإن أصرَّ أحد وقال : أنا أسألكم عن ماهية الروح ؟
فالجواب : أن العلماء اختلفوا فيها [79] :
فقيل : إنها البدن أو جزء منه أو صفةٌ من صفاته [80] ،
وبناءاً على هذا القول الباطل يكون خروجها من البدن هو عدمها ،
لأنه إذا كان جزء من البدن لأنه إذا مات البدن لزم أن تموت هي أيضاً ،
ولكن هذا القول باطل يبطله الكتاب والسنة والواقع ،
وقيل عن الروح : شيءٌ معلوم في الذهن لا يمكن تخيله ولا يمكن أن داخل العالم ولا خارج العالم ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم ولا فوق العالم ولا تحت العالم ولا مباين للعالم ولا محايث للعالم [81] ،
ما بقي شيء يعني وصفوها بما وصفوا الله به من السلوب التي لا يمكن أن يوجد معها شيء ،
وهذا أيضاً باطل ،
والصحيح : أن الروح كما قال الله عز وجل : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } ( الإسراء 85 ) ، الروح أمرها عجيب ولا يمكن الإحاطة بها ولا يمكن تحديد ماهيتها أبداً ، { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } ، صدق الله ،
لكن مع ذلك نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من أوصافها فقد ثبت في السنة أنها تُرى ، أن الروح تُرى وهذا يقتضي أن تكون جسماً لأنه لا يُرى إلا الجسم ما هو الدليل على ذلك ؟(1/431)
الدليل : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أبي سلمة رضي الله عنه وإذا بصره قد شَخَص ارتفع وانفتح فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الروح إذا قُبض اتبعه البصر ) [82] ، ينظر الإنسان إلى هذا الذي خرج منه عند الموت ويشخص بصره بقوة ،
فهذا يدل على أنها جسم وأنها تُرى [83] ،
كذلك أيضاً ، ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها إذا قُبضت قبضها ملك الموت وعنده الملائكة المساعدون له الذين نزلوا من السماء إذا كانت الروح صالحة وأسأل الله لي ولكم أن يجعل أرواحنا صالحة فإن معهم كَفَناً من الجنة وحَنوطاً من الجنة فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يضعوها في هذا الكفن وهذا الحنوط ثم يصعدون بها إلى السماء ويشيِّعها من كل سماءٍ مُقَرَّبوها إلى السماء التي فوقها ويقال ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقول الملائكة : هذه روح فلان بن فلان بأطيب ما يُسمى به في الدنيا حتى تصل إلى خالقها عز وجل ثم يقول سبحانه وتعالى : ردوه إلى الأرض فإني منها خلقته وفيها أعيده ومنها أخرجه تارةً أخرى فتُعاد روحه في جسده حتى يأتيه الملكان ويسألاه ثم بعد تذهب ذلك إلى الجنة [84] ، نسأل الله من فضله ،
هذا يدل أنها جسم أو لا ؟
وجه الدلالة : أنها تُكفن ويُصعد بها وتُطيب فهذا يدل على أنها جسم ،
ولكن هل هذا الجسم من جنس الأجسام المعهودة أو من أجسامٍ لا نعرفها ؟
نعم هي من أجسامٍ لا نعرفها لأنها ليست من مادة الجسم ، الجسم من طين من تراب والنسل من سُلالةٍ من ماءٍ مهين ،
لكن هي من جسمٍ غريب ليس من هذه المواد التي تُعرف في الدنيا أبداً ،
ولذلك قال الله فيها : { قل الروح من أمر ربي } ،
وأما ما وصفها بعض العلماء : بأنها ( جسمٌ نوراني لطيف يسري في الجسد سريان النار في الفحم والماء في اللبن ) فهذا لا نجزم به الله أعلم ،(1/432)
لكن نجزم بأنها جسمٌ يُرى وأن مادتها من غير مواد الأجسام ليست من تراب ولا من مني خُلقت قبل البدن والله أعلم أو خُلقت عند تكوِّن البدن كما فيه الخلاف [85] ،
المهم أننا لا نستطيع أن نحدِّد من أي ماهيةٍ هي ولا هل هي نورٌ مشع أو غير مشع ،
فإذا كانت من أمر الغيب فإننا نقتصر بها على أي شيء ؟
على ما ورد فقط ،
نقول : إذا مات الإنسان اتبع بصره روحه ينظر إليها ،
ونقول : أنها إذا قُبضت فإنها تُجعل في كَفَنَ ويُصعد بها إلى السماء ونقتصر على ذلك ولا نتعداه لأن هذا أمرٌ لا نحيط به ،
قوله : ( الورى ) : يعني بذلك الخلق مع كونها ،
قوله : ( مخلوقة ) : هذا رد لقول الفلاسفة الذين يقولون : أنها قديمة وأنها ليست حادثة ،
لأن عقيدتنا أنها مخلوقة ،
لقوله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } ( الزمر 62 ) .
******************
106 – فكل ما عن سيد الخلق ورد ،
من أمر هذا الباب حقٌّ لا يُرد ،
قوله : ( سيد الخلق ) : وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسيد ذو الشرف والجاه والخلق جميع الخلق ،
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشرف الخلق على الإطلاق [86] ،
قال الناظم [87] :
وأشرف الخلق على الإطلاق ،
نبينا فمِل عن الشقاق ،
فهو عليه الصلاة والسلام سيد الخلق هكذا قال المؤلف وكثيرٌ من أهل العلم [88] :
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق .
أما النبي صلى اله عليه وسلم فحدَّث عن نفسه وقال : ( أنا سيد ولد آدم ) [89] ،
والبشر هل هم أفضل من الملائكة أو لا ؟
في ذلك خلاف بين العلماء ،
وجمع شيخ الإسلام رحمه الله بين النصوص في هذا الأمر [90] ،
وقال : إن الملائكة أفضل باعتبار البداية لأنهم خُلقوا من نور والبشر من طين ،(1/433)
والبشر أفضل باعتبار النهاية لأنهم يُخلدون في الجنة ويرون من النعيم ما لا يحصل للملائكة بل الملائكة يدخلون عليهم من كل بابٍ ويهنئونهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم } ( الرعد 24 ) ،
فالمهم أنه إذا كان البشر أفضل من الملائكة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق ،
قوله : ( فكل ما عن سيد الخلق ) : في هذا دليلٌ على أن المؤلف يرى جواز إطلاق السيادة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وهذا لا شك فيه باعتبار الخبر أن يُخبِر بأنه سيد الخلق أو سيد الأنبياء أو سيد الرسل وأما عند خطابه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قالوا له : أنت سيدنا وابن سيدنا ، قال : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان ) [91] ،
فحذرهم من الغلو إذا خاطبوه بمثل هذا الخطاب ،
وهناك فرق بين المخاطبة وبين الإخبار ، أن نخبر بأنه سيد الخلق وأنه عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق
لكن عندما نخاطبه فإنه يجب علينا التحرز من المغالاة .
لقوله : ( قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان ) ،
قوله : ( فكل ) : ( كل ) مبتدأ ،
قوله : ( حقٌ ) : خبر
قوله : ( سيد الخلق ) : هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والسيد ذو الشرف والجاه ،
ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد ولد آدم كما أخبر عن نفسه وهو الصادق المصدوق قال : ( أنا سيد ولد آدم ) [92] ،
ولكن هل هو سيد الخلق ؟ أو سيد ولد آدم ؟ هذا ينبني على هل ولد آدم أشرف المخلوقات أو لا ؟
نستمع { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ( الإسراء 70 ) ، ما قال : ( فضَّلناهم على من خلقنا ) ، { على كثير ممن خلقنا تفضيلا } ، وهناك مِنْ خَلْقِ الله من لم يُفضَّل عليهم بنو آدم ،
من ثَمَّ اختلف العلماء هل الملائكة أفضل أم بنو آدم ؟(1/434)
فقيل : الملائكة أفضل لأنهم خُلقوا من نور ولأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولأنهم { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } ( التحريم 6 ) ، ولم يفتتنوا بالدنيا ، فهم أفضل ،
وقال آخرون : بل بنو آدم أفضل لأن الله سخَّر الملائكة لهم في الدنيا والآخرة ولأنهم ابْتُلُوا بالفتن فصبروا ومن بُلِيَ بالفتن فصبر نال درجة الصبر بخلاف من لم يُفتن فدرجة الصبر عنده ضعيفة فبنو آدم أفضل ولأن في بني آدم الرسل والنبيون والصديقون والشهداء ،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [93] : الملائكة أفضل باعتبار البداية ، لأنهم خُلقوا من نور واصطفاهم الله لنفسه وبنو آدم أفضل باعتبار النهاية لأنهم هم الذين يكونون في جوار الله في الجنة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فهم أفضل باعتبار النهاية بناءاً على هذا إذا قلنا بنو آدم أفضل من الملائكة فمحمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق ،
وإذا قلنا : الملائكة أفضل يبقى النظر هل محمد أفضل أو لا ؟
يحتاج إلى إثبات وذلك لأن تفضيل الجنس على الجنس لا يمنع أن يكون فردٌ من أفراد الجنس هذا افضل من الجنس الثاني انتبهوا لهذه النقطة تفضيل الجنس على الجنس تفضيل مطلق على مطلق وتفضل الفرد على الفرد أو على الجنس تفضيل مُعَيَّنْ ولا يلزم إذا كان في هذا الجنس من فاق الجنس الأول لا يلزم أن يكون هذا الجنس أفضل من الآخر فالفضل المطلق غير الفضل المقيد ،
ولهذا لو قال قائل : يوجد لعثمان رضي الله عنه مناقب ليس لعلي ولعلي مناقب ليست لعثمان ولعمر مناقب ليست لأبي بكر ولأبي بكر مناقب ليست لعمر وهكذا فهل الفضل الخاص يلغي الفضل المطلق العام ؟
الجواب : لا ، لا يمكن ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان أيام الصبر للعامل فيهن أجر خمسين من الصحابة ،
هل نقول أن هذا العامل الذي في آخر الزمان أفضل من الصحابة أو أفضل من الخمسين ؟(1/435)
لا ، فضله خاص حيث عمل في هذا الزمان المظلم الذي لا يجد من لا ينصره بل يجد من يستهزأ به ويسخر به والصحابة كلهم يعملون بالحق فله أجر خمسين من الصحابة لما يعانيه من القيام بشرائع دينه وليس أفضل من الصحابة لا شك فهذه المسألة ،
قوله : ( فكل ما عن سيد الخلق ورد ) : لو قال المؤلف : ( فكل ما عن سيد بني آدم ورد ) لكان أسد وأسلم من الإيراد ،
قوله : ( هذا الباب ) : أي بابٍ هو ؟
يعني باب البرزخ فتنته وعذابه و ( الباب ) يعبِّر به العلماء عن المسألة يقال : ( في هذا الباب ) أي في هذه المسألة دائماً تجدون في كلام ابن القيم وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره
وكلام الإمام أحمد مثل قوله : ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) ،
قال الإمام أحمد : لا يثبت في هذا الباب شيء ،
ما معنى في هذا الباب ؟
أي باب التسمية على الوضوء فالعلماء يعبرون عن ( الباب ) بـ ( المسألة ) ،
فقول المؤلف : ( من أمر هذا الباب ) يعني : فتنة القبر وعذاب القبر ،
كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو حق ثابت يجب علينا أن نؤمن به سواءٌ أدركته عقولنا أم لم تدركه وسواءٌ أدركته حواسنا أم لم تدركه ،
يجب علينا أن نؤمن به ومن ذلك عذاب القبر يجب علينا أن نؤمن به وإنْ لم تدركه الحواس ،
فلو قال قائل : أنا نبشتُ القبر ولم أجد أثراً للتعذيب في جسد الميت وهو كافر ؟
قلنا : له هذا أمرٌ غيبي لو أراد الله تعالى أن يكون محسوساً لأبرزه مع أنه قد يُكشف عن العذاب في القبر كما كُشف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجلين اللذين يُعذبان بالنميمة وعدم التنزه من البول ووضع عليهما جريدة رطبة وقال : ( لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا ) [94] ،
وسُقت هذا الحديث مع وضوحه للتنبيه على مسألةٍ من أغرب مسائل الدنيا ليس مسائل العلم أغرب مسائل الدنيا ما هي ؟(1/436)
أن بعض الناس إذا دُفن الميت أتى بجريدةٍ خضراء وغرزها في القبر أو بشجرة خضراء وغرزها في القبر لماذا ؟
لعله يُخفف عنه ما لم ييبس إذن أسأتَ الظن بأخيك الآن فعلك هذا إساءة ظن بالميت
هل تعلم الغيب أنه يُعذب ؟ احتياطاً في التهمة ؟
هذه تهمة عظيمة ثم مع كونها إساءةً للميت هي بدعةٌ في دين الله لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يضع الجريدة على كل قبر إنما وضعها على من كُشفَ له أنهما يُعذبان ،
فهل كان الرسول كلما دفن ميتاً وضع عليه جريدة ؟
أبداً ، فهذه جمعت بين إساءة الظن بالميت بين البدعة في دين الله وهذا من الضلال من الضلال أن يُزين للإنسان سوء العمل ، { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ( فاطر 8 ) .
فالحاصل : أني رأيتُ أو قيل لي : أن بعض الناس يفعل هذا ،
وأنا أعرف أن فيه قولاً لبعض أصحابنا من فقهاء الحنابلة : أنه يستحب لكن هذا هل هو مُسلًّم ؟ ولكن بعض الناس سبحان الله العظيم يلتبس عليه الأمر ، وأما وضع الزهور على قبر الميت فليس مثل وضع الجريدة وقد يكون فيه تشبه بالنصارى وهذا أخبث ،
يقول : أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو حق سواءٌ أدركته العقول أو لم تدركه لأن هناك شيئاً وراء هذه المادة نحن لا ندرك في حياتنا إلا هذه المادة فقط أما ما وراء المادة فلا ندركه إطلاقاً ولهذا لا ندرك أرواحنا التي فينا لأنها لم تُخلق من تراب ولا من مني ولا من المواد التي نعرف ،
فمن ثَمَّ اختلف العقلاء أو على الأصح النُّظار في هذه الروح ما هي ؟ هل هي جسم أو صفة أو معنى أو ما هي ؟ وسبق الكلام على هذا ،
الأسئلة
السؤال : إذا عرفنا من حال الشخص في الحياة الدنيا يعني حاله غير مستقيم ونظن بأنه يُعذب في قبره هل يجوز لنا بما علًّلْنا أنه … ؟(1/437)
الجواب : أبداً ، لا يجوز بل قد يعفو الله عنه وأنت لا تدري ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) .
السؤال : لما أعُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة قال له جبريل تقدم فقال له : ( أهنا يترك الخليل خليله ) فقال له : لو تقدمتُ لاحترقتُ ، فهل هذا يدل على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق ، الملائكة ؟
الجواب : لا ، هذا كما قلنا قبل قليل : الفضيلة الخاصة لا تستلزم الفضل المطلق ،
ومع ذلك اللفظ الذي ذكرتَهُ في حديث المعراج لم أعلم به ،
السؤال : بالنسبة لرؤية الرجل تعذيب مثلاً أخاه في القبر أو أحد أقاربه يُعذب في القبر ؟
الجواب : نحن قلنا : إذا كانت الرؤيا حق وذلك بأن يكون لها شاهد مثل أن يكون هذا الرجل معروفاً بمنع الزكاة مثلاً أو بالتقصير في واجب فهذه لها قرينة أما مجرد أن يرى صديقه أو قرينه يُعذب فهذا يحتمل أنه من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ،
وأما إذا خرجت الروح من البدن فإنها تتجمد فهذا خلاف الأصل ،
الأصل أنها تخرج كما هي وأنها تُقبض ويتوفاها مَلَكُ الموت وهي كما قلت ليست من جنس مادة الأجسام ، حتى نقول : أنها جسم ثقيل أو خفيف أو ما أشبه ذلك الله أعلم بها ،
الروح لا شك أنها هي الأصل الذي يحيا به البدن ،
والبدن لا يفعل شيئاً من الطاعات والمعاصي إلا والروح فيه فهي في الحقيقة هي البدن من حيث التصرف والتدبير والاتجاه والإرادة فصار العذاب عليها والنعيم عليها كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن أرواح المؤمنين في أجواف طير أو معلقة هي نفس الروح تسرح في الجنة حيث شاءت ، المهم ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك ،
السؤال : ما الفرق بين الروح والنفس ؟
الجواب : الروح ما به حياة البدن ،
والنفس قد يُراد بها الإرادة [95] ،
كما يقال : أمرته نفسه بكذا ، { إن النفس لأمارة بالسوء } ( يوسف 53 ) .(1/438)
والروح هي التي بها حياة البدن ،
والنفس قد تُطلق على ما يكون من الإرادات وغيرها [96] ،
ابن القيم له كتاب اسمه كتاب ( الروح ) أفاض في هذه المسائل وأكثر لكن فيه أشياء منامات يعني الإنسان قد يشك في صحتها ،
السؤال : تحضير الأرواح ؟
الجواب : لا أدري ، الذي أعرفه أنه الذي تُحضَّر الشياطين ، يقال واحد قرأ كتاب معروف لا نريد أن نسميه نخشى أن تذهبوا وتشتروه ، قرأ هذا الكتاب هذا الكتاب يحضِّر الجن ويفرِّقهم فقرأ الجملة التي تحضِّر الجن ولم يعرف الجملة التي تفرِّقهم فملئوا عليه الدار وتكلَّف كيف يفرِّق هؤلاء الجماعة حتى جاء الله له برجل يعرف وقال له إذا قرأت هذه وحضروا عندك فاقرأ هذه حتى يتفرقوا فإياك أن تقرب هذه الكتب لأنه أخشى أن تضع نفسك في مأزق ،
فصل
في أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ومجيئها
107 – وما أتى في النص من أشراط ،
فكله حقٌ بلا شَطاط ،
قوله : ( وما ) : مبتدأ ،
قوله : ( وما أتى ) : يعني هو الذي أتى ،
قوله : ( من ) : بيانٌ لـ ( ما ) ، بيانية ،
وجملة ( فكله حق ) خبر المبتدأ يعني كل ما أتى في النص من أشراط الساعة فكله حق ،
قوله : ( بلا شطاط ) : أي بلا شططٍ في اعتقاده ولا في المنازعة فيه بل يجب أن يكون مُسلَّماً ،
وأشراط الساعة : علاماتها الدالة على قربها .
وهي أنواع :
1 – منها ما مضى ،
2 – ومنها ما هو حاضر ،
3 – ومنها ما هو مستقبل ، والمراد به المستقبل يعني الأشراط الكبيرة العظمى ،
فلها أشراط وإنما قدم الله أشراطاً لعظمها وأهميتها فكان لها أشراطٌ هي مقدِّماتٌ أو مقدَّماتٌ بين يديها من أجل أن ينتبه الناس ويستعدوا لها ،
******************
108 – منها الإمام الخاتم الفصيح ،(1/439)
محمد المهدي والمسيح ،
قوله : ( منها ) : أي من أشراطها ،
قوله : (الإمام الخاتم الفصيح ) : أي من أشراط الساعة الإمام ، الإمام يعني الذي يؤم الناس لا في الصلاة ولكن في القيادة ، يكون إماماً لهم أعظم ، كالخليفة هذا الإمام يقول أنه ( الخاتم ) ،
الخاتم لمن ؟
الخاتم للأئمة لأنه لا إمام بعده فهو خاتم الأئمة واسمه يقول : ( محمد ) ، ولقبه ( المهدي ) يعني الذي هداه الله عز وجل ،
هذا المهدي يُبعث في آخر الزمان إذا مُلئت الأرض ظلماً وجوراً ونُسِّيَ فيها الحق وصار المظلوم لقمةً للظالم وانتشرت الفوضى فحينئذٍ يبعث الله هذا الرجل رجلاً إماماً مصلحاً للخلق مبيِّناً للحق ،
والأحاديث الواردة فيه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
صحيح وحسن وضعيف بل منها ما هو موضوع :
وقد اختلف العلماء في إثباته :
1 – فمنهم من قال : إنه لا مهدي ،
وأن جميع الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ولا تقوم بها حجة ،
وهذه مسألةٌ غيبيةٌ مهمة لا يُمكن أن تُترك لم تُبيَّن إلا بأحاديث ضعيفة أو تبلغ درجة الحُسْنِ بتعدد طرقها فلا عبرة بها ،
2 – ومنهم من قال : يجب أن نتبع الحق فإذا جاءت السنة الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الرجل ومنها ما يبلغ درجة الصحة [97] ،
فإن الواجب القول به أنه يخرج رجل في آخر الزمان عند فساد الأمة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور والله على كل شيءٍ قدير
ولكن هذا المهدي ليس مهديَّ الرافضة الذي ينتظرونه ،
فإنهم ينتظرون مهدياًّ يخرج من سرداب سامرَّاء يدَّعون أنه اختفى عن الحروب والفتن في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما بعده التي حصلت في زمن علي وما بعده اختفى هو بهذا السرداب وأنه ما دام مغلوباً لا يستطيع أن ينفذ ما أراد فإنه مختفي ،
ولهذا تجد في أدعيتهم : ( فرج الله كربته وأزال غربته ) ،
( كربته ) لأنه مكروب بهذا السرداب ،
( غربته ) لأنه غريب بهذا السرداب .(1/440)
ويقال : إنهم كلما طلعت الشمس أرسلوا فارساً على فرس معه خبزٌ وماء وعسلٌ ولبن يقف عند باب السرداب يدعو مولاه المهدي لعله يخرج فيفطر على هذا الخبز والعسل والماء فإذا أفطر فالفرس مهيأ معه السيف ومعه الرمح يعتم ويركب وتُفتح له الدنيا باباً ، باباً حتى يملك مشارق الأرض ومغاربها هم ينتظرون ذلك ،
لكن هذا ليس بصحيح ،
وكيف يمكن لشخص أن يبقى بهذا السرداب لا يُعلم عنه لا يأتيه أكل ولا شرب ولا شيء كيف يبقى هذه المدة ؟
قالوا : نعم الله على كل شيءٍ قدير هذا الرجل ولي مُجاب الدعوة ما في الكون حبةٌ ولا ذرة تتحرك أو تسكن إلا بعد علمه وهو يعلم ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون كل شيء تُعرض عليه جميع المقدرات اليومية ثم إنْ وَقَّعَ عليها مشت وإن قال عليها ملاحظة ما مشت هكذا يقولون ،
فإذا فكرت في الأمر وجدتَ أن عقولاً كهذه تُعتبر لا شيء نعم وأن هذا داخلٌ في قوله تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف 103 – 105 ) .
فالمهم الذي تكلم عليه أهل السنة ليس هو مهدي الرافضة الذي ينتظرون بل المهدي خليفة يبعثه الله عز وجل ويُخلق في وقته ليس مختفياً فيخرج ويملأ الأرض عدلاً بعد أن كانت مُلئت ظلماً وجورا ،
قوله : ( محمد ) : يعني أن اسمه محمد ،
قوله : ( المهدي ) : لقبه فله اسمٌ ولقب الاسم محمد واللقب المهدي ،
وأصل مهدي في التصريف مهدوي على وزن مفعول ولكنه حصل فيها إعلال فعادت إلى هذا ،
قوله : ( والمسيح ) : يعني ومن أشراط الساعة الكبرى المسيح ابن مريم ، المسيح عيسى بن مريم من آيات الله عز وجل ومن أعظم كونه آية أنه الآن في السماء رفعه الله إليه حياًّ وإذا كان في آخر الزمان نزل ، ولكن ليت المؤلف ذكره محله ،(1/441)
الصحيح في المهدي : أنه ثابت لأن الأحاديث فيه مشهورة مستفيضة ،
لكنه ليس مهدي الرافضة نعم ، والله يبعثه في مكانه في مكة أو غيرها لا يهمنا ،
المهم أن الأرض بدل أن تكون مملوءةً ظلماً وجوراً تكون مملوءةً قِسطاً وعدلاً على يده ثم ذكر المؤلف المسيح عيسى بن مريم ،
******************
109 – وأنه يَقْتُلُ للدجالِ ،
بباب لُدِّ خَلِّ عن جِدالي ،
قوله : ( وأنه يقتل الدجال بباب لد ) : المسيح عيسى بن مريم من آيات الله عز وجل ابتداءً وانتهاءً ،
أما ابتداءً فلأن الله خلقه من أمٍّ بلا أب ،
وأما انتهاءً فإنه الآن في السماء حي وينزل من السماء عند قيام الساعة فيقتل المسيح الدجال يقتله عند باب اللد واللد قرية من قرى فلسطين ،
قوله : ( خل عن جدالي ) : إذن مسيحٌ قتل مسيحاً ، مسيح الهدى قتل مسيح الضلالة ،
******************
110 – وأمر يأجوج ومأجوج أثبت ،
فإنه حق كهدم الكعبة ،
قوله : ( وأمر يأجوج ومأجوج أثبت فإنه حق ) : هذا هو الشرط الرابع ،
لأن الأول : المهدى ،
والثاني : المسيح عيسى بن مريم ،
والثالث : الدجال ،
والرابع : يأجوج ومأجوج ،
لكن نزول عيسى بعد الدجال وكان عليه أن يُقَدِّمَ الدجال أولاً ثم عيسى بن مريم ،
لأن عيسى بن مريم يقتل الدجال صح بذلك الحديث ،
أما أمر يأجوج ومأجوج فيقول أثبته فإنه حق نعم نثبته لأنه حقٌ جاء في القرآن .
قال الله تبارك وتعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، واقترب الوعد الحق ،،،،،، } ( الأنبياء 96 – 97 ) .
ويأجوج ومأجوج بشر من بني آدم لا يخرجون عن صفاتهم ،(1/442)
ودليل ذلك : أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآل وسلم أنه قال : ( يقول الله تعالى يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال : رب وما بعث النار ؟ ، قال : من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ) قالوا : يا رسول الله أينا ذلك الواحد ، فقال : ( أبشروا فإنكم بين قبيلتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثَّرتاه ) [98] ،
وهذا يدل على أنها من بني آدم فلهم ما لبني آدم وعليهم ما عليهم ،
وأما ما اشتهر عند العامة وبعض كتب الوعظ أنهم مختلفون في الخلقة فبعضهم طويل جداً جداً يأخذ السمكة من قاع البحر ويشويها بقرص الشمس نعم هكذا يقولون وبعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لأن آذانهم كبيرة طويلة وبعضهم قصار جداً يترادفون على ربع الصاع ، ربع الصاع : المُد ، فيظنونه بئراً فيقول أعلاهم إذا نظر في هذا المُد وليس فيه ماء يقول إن بئركم هذا لا ماء فيه لأنهم قصار كل هذا لا أصل له ،
لكن سُمُّوا يأجوج ومأجوج : لأنهم من الأجيج ، أجيج النار والنار إذا اضطرمت اضطربت وتداخل لهبها بعضه في بعض ولا ينضبط هم لكثرتهم هكذا كثيرون جداً جداً [99] ،(1/443)
ولهذا يقول الله عز وجل لعيسى بن مريم : ( إني قد أخرجت عباداً لا يداني لأحدٍ بقتالهم ) [100] ، كثيرين جداً نعم فتجدهم مثل الذر كأنها نملٍ أو ذر هذا يأتي هكذا وذر هذا يأتي هكذا وذر هذا يأتي هكذا مثل لهب النار يتداخل بعضه مع بعض وعندهم طيش وعجلة وعدوان على الخلق بل وعلى الخالق لأنهم يجتمعون في قاعة كبيرة ويأخذون بنشابهم الذين يرمون به فيصوبونها نحو السماء ثم يطلقون السهام فترجع السهام مُخَضَّبَةً بدماء امتحاناً من الله فيقول بعضهم لبعض : غلبنا أهل السماء فهلم لنغلب أهل الأرض فيغزون الناس ويحصل فيهم فتنة عظيمة ثم يرسل الله عز وجل عليه بعد أن يدعو عيسى وقومه عليهم يرسل إليهم النَّغَث في رقابهم وهي دودة تأكل النخاع الشوكي فيصبحون موتى ميتة رجلٍ واحد فيملئون الأرض نَتَناً وَزَهْماً ورائحة كريهة فيرغب عيسى بن مريم إلى الله عز وجل أن يخلصه من شر هذه الأجساد المنتنة فيبعث الله طيوراً كأعناق الإبل تأخذ الواحد منهم ثم ترميه في البحر ،
فهؤلاء هم يأجوج ومأجوج وهم من أشراط الساعة الكبيرة القريبة من قيامها ،
فإن قال قائل : ما تقولون في قصة ذي القرنين ؟ حيث بلغ مشرق الشمس فوجدها تطلع على قومٍ قال الله : { لم نجعل لهم من دونها سترا ، كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ، ثم اتبع سببا ، حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ( الكهف 90 – 93 ) ، لأن لغتهم غريبة فـ { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } ( الكهف 94 ) ، وهذا يدل على أنهم كانوا موجودين فكيف يكونون موجودين من عهد ذي القرنين وخروجهم من أشراط الساعة ؟
نقول : إن الذي من أشراط الساعة ليس إيجادهم بل خروجهم على الناس وعبثهم في الأرض وفسادهم فيها ،(1/444)
أما وجودهم فهم موجودين إلى الآن من زمن ذي القرنين إلى الآن موجودون منفردين في محل فإذا أراد خروجهم سَلَّطَهُمْ وجعل لهم قدرة وقوة ينفذون من وراء هذه السدود نعم ،
أولاً : الدجال مشتق من الدجل وهو التكذيب والتمويه [101] ،
البحث الثاني : هل الدجال بشر من بني آدم أو من الشياطين أو من مواد أخرى ؟
الجواب : أنه بشر من بني آدم وأنه كله عيب حتى عينه التي يبصر بها هو أعور كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
إذن بشر أعور قبيح المنظر سيئ ،
ثالثا : ما فتنته ؟
ذُكر أنه يدَّعي أنه أول ما يظهر أنه نبي فإذا تابعه الناس على ما معه من التمويه ادَّعى أنه رب ويُؤيد على ذلك بما آتاه الله من الفتنة حيث يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت يأتي إلى القوم يدعوهم إلى أنه الرب فإن أجابوه قال للسماء : أمطري ، وقال للأرض : أنبتي ، فتمطر السماء وتنبت الأرض وتهتز رابية فترجع مواشيهم إليه أسبغ ما تكون ضروعاً تمتلأ ضروعها لبناً وتمتلأ جلودها لحماً وشحماً ويُخْصِبون ، ويأتي إلى القوم يدعوهم فينكرونه ويكذِّبونه ، فيأمر السماء فتقلع والأرض فتجدب فيصبحون مُمْحِلين ليس عندهم شيءٌ من المراعي وترجع إليهم مواشيهم كأهزل ما يكون هذه فتنة عظيمة ولا سيما لمن ؟ للبادية لأهل البادية فتنة عظيمة كبيرة ، ويأتي يبعث الله إليه شاباً فيواجهه ويدعوه إلى ما يدعوه إليه بأنه الرب ، فيقول له الشاب : كذبت ولكنك الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيضربه بالسيف ويقطع جزلتين ويمشي بين القطعتين تحقيقاً للانفصال فيأمره ثم يقول : قم فتلتجم الجزلتين ويقوم سوياًّ ، ولكن ما يقول ؟ يقول : أشهد أنك المسيح الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إلا بصيرة ، فيقتله ثانية ويمشي ثم يحييه ، وإذا قال له : أنت المسيح الدجال وأراد أن يقتله عجز عنه فيظهر بذلك عجزه أمام الناس [102] ،(1/445)
البحث الرابع : كم يمكث في الأرض ؟
يمكث في الأرض أربعين يوماً اليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة واليوم الرابع كسائر الأيام ،
ولما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك هل أوَّلوا الحديث ؟ وقالوا : اليوم الأول كسنة لشدته على الناس والشدة تكون أيامها طويلة وهذا هو معنى الحديث المعقول وليس معنى الحديث أن الشمس تتريث وتبقى لا تغيب إلا بعد سنة ، هل قالوا هكذا ؟
لو أن هذا كان عند المتأخرين لَسَهُلَ عليهم أن يقولوا ذلك ،
وقالوا : كنايةٌ عن شدة اليوم الأول وأنه لشدته كأنه سنة ،
لكن الذين عندهم صفاء القلوب وقبول ما جاءت به الشريعة قالوا : يا رسول الله كيف نصنع بصلاتنا ذلك اليوم ؟ أخذوا الأمر مُسَلَّماً بدون تأويل قالوا : كيف نصنع ؟ قال : اقدروا له قدره ،
انظر كيف التسليم التام للنص بينما نحن المتأخرون زمناً المتأخرون إيماناً لو جاءنا مثل هذا الحديث لكنتُ أحلف ولا أحنث أن نقول : إنه كناية عن الشدة كما يقال عندنا الآن والله يومك سنة لأنه ثقيلٌ علي إذا قعد عندي ساعة كأنه قعد عندي سنة إذا قعد عندي دقيقة كأنما قعد عندي ساعة أو اكثر ،
لكن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم التسليم التام والتصديق التام لكلام الله وكلام رسوله المهم أنه قال اقدروا له قدره
ونحن استفدنا من سؤال الصحابة رضي الله عنهم وجزاهم عنا خيراً استفدنا حلَّ مشكلةٍ حضرت الآن :
وهي أصحاب الدوائر القطبية الذين يبقى اليوم عندهم أسبوعاً أو شهراً أو ستة أشهر كيف يصنعون ؟
نقول : اقدروا له قدره أنتم الآن ليس عندكم ليل ولا نهار ستة أشهر ليل وستة أشهر نهار اقدروا الست أشهر ليل صلاة ستة أشهر وست اشهر النهار صلاة ستة أشهر ،
ولكن هل يقدرون الصلاة باعتبار توقيت مكة لأنها أم القرى ومركز الأرض كما ثبت ذلك جيولوجياً أنها هي مركز الأرض ؟(1/446)
أو نقول : اقتدوا بالزمن المعتدل خط الاستواء الذي فيه النهار 12 ساعة والليل 12 ساعة ؟
أو نقول : اقتدوا بأقرب البلاد إليكم مما فيه ليل ونهار معتاد ؟
هذه أقوالٌ ثلاثة وبكلٍ منها قال بعض العلماء ،
وأقرب ما يكون عندي الأخير أن يعتبروا بأقرب البلاد إليهم لأن الأعراض الأفقية أقرب إليهم من المكان البعيد عنهم ،
هذا إذن يمكث في الأرض كم ؟
أربعين يوماً اليوم الأول كسنة واليوم الثاني كشهر والثالث كأسبوع وسائر أيامه كأيامنا ،
ومن أشراط الساعة : بعث يأجوج ومأجوج ،
كما جاء في الحديث الصحيح في حديث النواس بن سمعان الطويل ، قال يقول الله تعالى لعيسى بن مريم : ( إني قد بعثت عباداً لا يداني بقتالهم فَحَرِّزْ عبادي إلى الطور ) [103] ، فيحرزهم إلى الطور ويبقون في الجبل حتى يلحقهم من المشقة ما شاء الله ثم يرغب عيسى ومن معه إلى الله عز وجل أن يهلك هؤلاء القوم فيرسل الله عليهم النَّغَثَ في أعناقهم أو في رقابهم ، النغث دودة كبيرة تقضي على المخ وعلى الشرايين العصبية فيصبحوا هلكى كنفسٍ واحدة ماتوا جميعاً حتى تُزْهِمَ الأرض من نتنهم فيبعث الله طيوراً كأعناق الإبل تحملهم إلى البحر أو يرسل الله عليهم أمطاراً تحملهم إلى البحر هؤلاء هم يأجوج ومأجوج وهم من علامات الساعة وهم بشر يأكلون ويشربون ويرتدون ويأتزرون ،
وما ذُكر من أوصافه في بعض الإسرائيليات فإننا لا نصدقه لأن الشرع ورد بخلافه حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( يقول الله : يا آدم – يعني يوم القيامة – فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون ) [104] ، كل هؤلاء من بني آدم في النار ، نسأل الله السلامة ،(1/447)
فعظم ذلك على الصحابة وشقَّ عليهم فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : ( أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثرتاه ياجوج ومأجوج ) [105] ، فهم من بني آدم وأعراضهم من أعراض بني آدم لكنهم يخرجون إلى الخلق يفسدون في الأرض ،
قوله : ( فإنه حقٌ ) : يعني ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل فيها ، ولهذا يجب أن نُسَلِّم تسليماً كاملاً ،
وأنا أقول لكم دائماً عن الأمور الغيبية : نحن فيها ظاهرية نأخذ بظاهر النص ولا نتعرض لشيء ولا نسأل عن شيء بل نقول : سمعنا وآمنا وصدَّقنا ونعرض عن كل شيء ،
قوله : ( كهدم الكعبة ) : يعني كما أن هدم الكعبة حق ،
ومن أشراط الساعة التي هي بيت الله والتي بناها إبراهيم عليه السلام وحماها الله عز وجل من الأعداء حتى من أصحاب الفيل الذين جاءوا بفيلهم وجنودهم من أجل هدم الكعبة فأرسل الله عليهم { طيرا أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول } ( الفيل 3 – 5 ) .
لكن في آخر الزمان يُسَلِّطُ الله على هذه الكعبة رجلاً من الحبشة قصير أّفْحَج يعني رجليه فينقضها حجراً حجراً ومعه جنود يتناولون هذه الأحجار من رجلٍ لآخر إلى البحر يعني أنهم من مكة إلى جدة وهم صف يتناولون أحجارها ويلقونها في البحر ولا يُسلَّطُ عليهم أحد لأن الله عز وجل قد قضى بنهاية هذه الكعبة أما أصحاب الفيل فحماها الله منهم لأنه لم يقضِ أجلها بعد ولأن هناك رسولاً يُبعث من أم القرى يدعو الناس إلى حج هذا البيت فكان من حكمة الله عز وجل أن دافع الله عنه حتى بقي ولله الحمد
فإذا قال قائل : بأي شيء تتوقعون أن يُسَلِّطُ هذا الرجل الحبشي على بيت الله فينقضه حجراً حجراً ؟(1/448)
فالجواب : والله أعلم إذا عتا أهل مكة فيها وأهانوا حرمة البيت وذلك بالمعاصي من شركٍ وزناً ولواط وشرب خمر وغير ذلك حينئذٍ لا يبقى مكانٌ لهذا البيت المعظم بين هؤلاء الذين أهانوه أما ما دام معظماً فإن الله سيحميه لكن إذا أُسْقِطَتْ حرمته من أهل مكة حينئذِ لا يبقى له مكانٌ بين هؤلاء القوم ،
******************
111 – وإن منها آية الدخان ،
وأنه يُذهبُ بالقرآن ،
أما آية الدخان : فإن آية الدخان اختلف العلماء فيها هل هي آيةٌ مضت ؟ أو هي آيةٌ مقبلة ؟
1 – فمنهم من قال : إنها آيةٌ مضت ،
وهي قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ( الدخان 10 ) ، وأن المراد بذلك ما أصاب قريشاً من الجدب والقحط حتى أُصيبوا بالجَهْدِ العظيم وكان الإنسان منهم ينظر إلى السماء فيظن أنها دخان من شدة تأثير الجوع عليهم ،
2 – ومنهم من قال : بل هو أمرٌ مستقبل ،
وهو أن الله سبحانه وتعالى يبعث عند قيام الساعة دخاناً عظيماً يملأ الأجواء ويغشى الناس كلهم ،
وهذا هو الأقرب : أنه دخانٌ يرسله الله عز وجل عند قيام الساعة فيغشى الناس كلهم والله أعلم بكيفية هذا الدخان إنما نعرف أنه دخان لكن كيف يأتي الناس وكيف يأتي هذا أمره إلى الله عز وجل والمقصود من هذه الأشراط المقصود منها الإنذار ، إنذار الناس بقرب قيام الساعة حتى يستعدوا لها ويعملوا لها ،
قوله : ( وأنه يُذهبُ بالقرآن ) : هذا أيضاً من أشراط الساعة أنه يُذهب بالقرآن يُنزع من صدور الرجال ويُمحى من المصاحف في ليلةٍ واحدة يقوم الناس والحفاظ قد نسوا والمصاحف بيضاء ،
وهذا أحد المعنيين في قول السلف : منه بدأ وإليه يعود أي يرجع في آخر الزمان لا يبقى مصاحف ولا قرآنٌ في الصدور نسأل الله السلامة [106] ،(1/449)
فإذا قال قائل : كيف يكون ذلك يعني لِمَ يكون ذلك ما هي الحكمة ؟
فالجواب عن هذا : ما ذكرناه في الكعبة حين يعرض الناس عن كتاب الله لا يتلونه حق تلاوته ولا يصدقون أخباره ولا يعملون بأحكامه فيبقى هذا القرآن الكريم في قومٍ قد جَفَوْهُ تماماً فلا يليق أن يبقى بينهم ،
وعلى هذا يُحمل حديث حذيفة في قومٍ لا يعرفون من الإسلام إلا ( لا إله إلا الله ) قد اندرس الإسلام هذا يكون بعد نزع القرآن من الصدور والمصاحف لا يبقى شيءٌ يُعلم يُنزع ، نسأل الله العافية ، وهو من أشراط الساعة لأن نَزْعَهُ من الأمة دليلٌ على قرب انتهائها ،
******************
112 – طلوع شمس الأُفْقِ من دَبورِ ،
كذات جيادٍ على المشهور ،
قوله : ( طُلوع شمس الأُفْقِ ) : يعني الشمس ،
قوله : ( من دَبور ) : بفتح الدال أي من المغرب ،
والدَّبور هو المغرب والقَبول والصبا هي المشرق كما جاء في الحديث : ( نُصرت بالصبا وأُهلكت عادٌ بالدَّبور ) [107] ، يعني الريح الغربية ،
فالشمس الآن نشاهدها تطلع من المشرق وتغرب في المغرب منذ خلقها الله إلى اليوم لكنها في آخر الزمان تسجد تحت عرش الله عز وجل وتستأذن أن تخرج ولا يُؤذن لها فترجه من حيث جاءت وما هو تصوركم لو أصبحتم والشمس قد خرجت من المغرب ينزعج الناس ويعلمون أن هذا هو الحق المبين فيتوبون إلى الله يتوب العصاة ويؤمن الكفار ولكن الله قال : { لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } ( الأنعام 158 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ) [108] ،(1/450)
إذن خروجها من مغربها يعني نهاية الدنيا اختل سيرها خربت الأفلاك بإذن الله عز وجل لأن اتجاه الأفلاك كله للغرب فإذا انعكست القضية معناها أن نظام الكون قد تغير وآن انقضاؤه فيكون طلوع الشمس من المغرب من أشراط الساعة الكبار
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن الشمس هي التي تدور الأرض وأن بدورانها على الأرض يحصل اختلاف الليل والنهار ،
لقوله تعالى : { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } ( الكهف 17 ) ، أربعة أفعال كلها مسندة للشمس : { طلعت } ، الثاني : { تزاور } ، الثالث : { غربت } ، الرابع : { تقرضهم } .
وإذا أُضيفَ الفعل إلى فاعله فالأصل أنه واقعٌ منه حقيقةً ،
هذا الأصل ،
ولهذا نقول : إنه يجب علينا نؤمن بأن الشمس هي التي تدور على الأرض لأن هذا هو ظاهر القرآن وليس لنا إلا الظاهر ،
نعم لو ثبت بطريقٍ علميٍ لا إشكال فيه أن اختلاف الليل والنهار بدوران الأرض ،
فحينئذِ نقول به ونقول : إنه لا يعارض ظاهر القرآن لما سبق من أن لا تعارض بين قطعيين ولا بين قطعيٍ وظني ،
كيف لا يعارض ظاهر القرآن ؟
لاحتمال أن يكون المراد بقوله : { طلعت } ، في رؤية العين لا في حقيقة الواقع وهو حقيقة في رؤية العين هي التي تطلع هذا إذا ثبت قطعاً ثبوتاً يقينياً بأن الشمس لا تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار إنما هو بدوران الأرض فقط لكنه عندي قاصر العلم بمسألة الفَلَك أنه لم يثبت بعد ،
من يقول هذا ؟
قالوا : لأن الأرض جرمٌ صغير والكبير لا يدور على الصغير لأن الصغير يكون تابعاً لا متبوعاً قلنا ليست هي تابعة للأرض تدور من أُفُقٍ بعيد جداً والله تعالى سخَّرها لأجل مصلحة العباد ليست المسألة كبير وصغير حتى نقول : لا سلطان للأرض على الشمس ،
أبداً الكل مُسخَّر بأمر الله فسخَّر الله هذه الشمس العظيمة أن تدور على الأرض من أجل مصلحة الخلق ،(1/451)
فإذا قال قائل : ما تفسيركم لاختلاف الفصول من بردٍ إلى حر إلى وسط ؟
نقول : سهل تفسيره نفس الشمس لها حركة تقرب من الشمال وتقرب من الجنوب إذا قربت من الشمال توسطت على الرؤوس واشتدت حرارتها لأن الحرارة إذا كانت عمودية تكون أشد مما إذا كانت جانبية والمسألة واضحة ولله الحمد ،
لكن لو قال لنا : هؤلاء العلماء علماء الفلك إننا متيقنون هذا ،
قلنا : تيقنكم لكم ولا نقول إنكم كفرتم بذلك لأن المسألة مجرد ظاهر القرآن فإذا كنتم متيقنين لهذا فأنتم على يقينكم ، ولا نقول : أزيلوا هذا اليقين ،
لا نقول : هذا إذا كان المصلي في الصلاة الإمام وسبح كل الذين وراءه ،
هل يجوز أن يرجع إلى قولهم وهو يتيقن خلافه ؟
لا ، فأنتم كذلك ،
قوله : ( كذات أجياد على المشهور ) : هي التاسعة هي العلامة التاسعة من علامات الساعة ،
وإن شئت فقل : الشرط التاسع من أشراط الساعة ،
وأجياد مكان معروف في مكة بهذا الاسم إلى اليوم وهي الدابة من ذاك المحل على المشهور ثم تخرج على الناس ويكون لها رعبٌ شديد وتلاحق الناس ومن كان كافراً وسمته بسمة الكفر ومن كان مؤمناً وسمته بسمة الإيمان ،
وهذه هي الدابة المذكورة في قوله تعالى : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } ( النمل 82 ) .
هذا ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم وهو المشهور كما قال المؤلف ،
وقال بعض العلماء : إن الدابة أمرٌ مبهم صحت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يبيِّن ،
وما ورد من صفتها وأنها تخرج من أجياد أو من الصفا أو من غيرها أحاديث ضعيفة ليست بالأحاديث التي تُبنى عليها العقيدة ،
وحَسْبُنا أن نؤمن بما قال به النبي عليه الصلاة والسلام الدابة فقط ،
وأما الصفات الواردة فيها : وليست بصحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يلزمنا اعتقادها لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،(1/452)
******************
113 – وآخر الآيات حشر النار ،
كما أتى في محكم الأخبار ،
أما آخر شيء فيقول : ( وآخر الآيات حشر النار ) ،
قوله : ( حشر ) : مضاف ،
وقوله : ( النار ) : مضاف إليه ،
من باب إضافة المصدر إلى فاعله ،
يعني حشر النار الناس ،
وهذه نارٌ تخرج من عدن تسوق الناس إلى الشام إلى المحشر ،
وقد ورد أنها تمشي مع الناس وتسير بسيرهم تقيل بمقيلهم وتبيت بمبيتهم حتى ينجفل الناس كلهم إلى المحشر [109] ، وحينئذٍ يُنفخ بالصور فيُصعق { من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( يوسف 53 ) .
فهذه آخر الآيات كما قال المؤلف رحمه الله تعالى ،
******************
114 – فكلها صحت بها الأخبار ،
وسَطَّرَتْ آثارها الأخيار ،
قوله : ( كلها ) : يعني كل هذه الأشراط العشرة ،
قوله : ( صحت بها ) : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( سَطَّرَتْ ) : يعني كتبت ،
وسُمِّي الكتاب تسطيراً لأنها تُكتب بأسطر ،
قوله : ( الأخيار ) : جمع خيِّر ،
وظهر من كلام المؤلف : أنه حتى الدابة التي تخرج من أجياد قد صحت بها الأخبار ،
ولكن الأمر خلاف ذلك اللهم إلا أن تكون صحت عنده فهذا قد يصح الحديث عن شخص ولا يصح عند آخرين ،
الأسئلة
السؤال : أين مكان السد ؟
الجواب : { حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ( الكهف 93 ) ، هذا في الشرق في شرق الدنيا لكن أين هو على التحديد ما وصلوا إليه ،
السؤال : يقال : إن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين ؟
الجواب : يقال ، لكن ليس بثابت ،(1/453)
السؤال : إذا قلنا : عيسى حي ، فكيف نجمع بين هذا القول وبين قوله تعالى : { يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } ( آل عمران 55 ) ؟
الجواب : نقول : اقرأ { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم في النهار } ( الأنعام 60 ) ، واقرأ : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } ( الزمر 42 ) ، فيكون عيسى بن مريم توفاه الله قبضه ، قبضه وهو حي كما صعد بمحمد عليه الصلاة والسلام وهو حي ،
السؤال : صحة حديث : ( لا تقوم الساعة حتى يسوق رجل من قحطان الناس بعصاه ) [110] ، وعلاقته بالمتن ؟
الجواب : القحطاني والسفياني في ثبوتهما نظر ،
السؤال : لماذا دَرَجَ المؤلف على تقسيم الأشراط إلى صغرى وكبرى ؟
الجواب : لأن هذا هو المعروف وهو الواقع ،
- العام يكون متقدم ويكون متأخر ،
- حديث الجساسة يخالف ما ورد في صفة الدجال في الصحيحين أنه رجلٌ قصير قَطْر جعد الرأس أشبه ما يكون بالقطن بن عبدالعزى رجل من قحطان والجساسة ليس على هذا السياق ،
- في حديث تميم الداري لم يروه على الوصف الذي ثبت في صحيح البخاري ،
السؤال : ما مدى صحة الأثر الذي فيه أن الناس يبايعون المهدي بين الركن والمقام ؟
الجواب : لا أظنه صحيحاً ، هذا الأثر لا أعرف عن صحته ، ولكن إذا بايعوه فلا مانع ، أنه يأتي إلى مكة لأنها أم القرى ويبايعونه هناك ،
السؤال : هل للمهدي أوصافٌ يُعرف بها ؟
الجواب : ذكروا أنه يشبه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من بني هاشم من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم لكن الذي شبه متواتر أنه سيخرج وأما صفته فإن ثبت فيها وجب الأخذ بها وإلا فلا ،
فصل
في أمر المعاد
115 – واجزم بأمر البعث والنشور ،
والحشر جزماً بعد نفخ الصور ،
قوله : ( البعث ) : أي الإخراج ،
قوله : ( والنشور ) : أي النشر والتفريق والتوزيع ،(1/454)
قوله : ( والحشر ) : أي الجمع [111] ،
وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر إسرافيل وهو أحد الملائكة الموكلين بحمل العرش يأمره أن ينفخ في الصور ،
قوله : ( والصور ) : وُصف بأنه قرنٌ عظيم واسع [112] سعته كسعة السماء والأرض تُودع فيه الأرواح عند نفخه فينفخ فيه أولاً فإذا فزع الناس ثم صعقوا وهلكوا ،
قال الله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين } ( النمل 87 ) .
وقال تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر 68 ) .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل النفخ ثلاث مرات ، نفخ الفزع نفخ الصعق ونفخ البعث أو هو مرتان فقط ؟ [113]
وأن نفخ الفزع والصعق واحدة يُنفخ أولاً فيفزع الناس ثم يَصعقون ويُنفخ ثانياً فيقومون من قبورهم لرب العالمين [114] ،
وهذا هو الأقرب ، هذا الأقرب والأمر في هذا قريب ،
حتى لو قال قائل : بأنه يُنفخ أولاً فيفزع الناس ثم يُنفخ فيموتون لم يكن متناقضاً ،
لكن الأقرب : أنهما نفختان فقط ،
******************
116 – كذا وقوف الخلق للحساب ،
والصحف والميزان للثواب ،
قوله : ( كذا وقوف الخلق ) : يعني المخلوقين ، فالخلق مصدرٌ أريد به اسم مفعول ، وقوفهم للحساب أي ليحاسبهم الله عز وجل ،
والحساب ينقسم إلى قسمين :
1. حسابٌ للمؤمن ،
2. وحسابٌ للكافر ،
أما الحساب للمؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه حتى يقر ويعترف ثم يقول الله له قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فينجو ،(1/455)
وأما الحساب الآخر فهو حساب الكافرين وكيفية حسابهم ليس ككيفية حساب المؤمن كيفية حسابهم أنها تُحصى أعمالهم وتُبيَّن ثم يُخزون بها والعياذ بالله ويقال هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ،
المؤمن حسابه ستر وبينه وبين ربه ،
أما هؤلاء فحسابهم كشف يُفضحون به بين الناس نسأل الله أن يستر علينا وعليكم ،
ثم إن من الناس من ينجو من الحساب ولا يُحاسب ،
ومنهم سبعون ألفاً الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ جيد أن مع كل واحدٍ منهم سبعين ألفاً ، ثلاث حثيات من حثيات الله هذه لا تُحصى وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ،
نقول مرة ثانية : الحساب يتنوع نوعين :
1 – حساب المؤمن ،
2 – وحساب الكافر ،
ثانيا : هل هو عام حساب لكل أحد ؟
نقول : لا ، من الناس من يدخل الجنة بلا حسابٍ ولا عذاب كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( والصحف ) : الصحف يعني الصحف التي كُتبت فيها أعمال العبد وهي التي كتبتها الملائكة في الدنيا ،
قال تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين ، وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين } ( الانفطار 9 – 11 ) .
وقال تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } ( الإسراء 13 – 14 ) .
فهذه الصحف قد كُتبت من قبل سُجِّلت فتُنشر يوم القيامة ،
ويقال للرجل : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } .
قال بعض السلف : والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك ،
هذه الصحف تُنشر وتتطاير ،
وينقسم فيها الناس إلى قسمين :
1. قسمٌ يأخذها باليمين ،
2. وقسمٌ يأخذها بالشمال ،
وفي آيةٍ ثالثة من وراء الظهر ،
فهل نجعل هذه صفةً ثالثة أو نجعلها صفةً في صفة الشمال ؟(1/456)
الثاني : هو الأقرب محتمل ، الآخذ كتابه بيمينه يفتخر ويقول للناس : { هاؤم اقرأوا كتابيه } ( الحاقة 19 ) ، اقرأوا انظروا للنتيجة ، { إني ظننت إني ملاق حسابيه ، ......... الخ } ( الحاقة 20 ) ، { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ، فسوف يدعو ثبورا } ( الانشقاق 10 – 11 ) ، { فيقول يا ليتني لم ألاق كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضية ، ما أغنى عني ماله ، هلك عني سلطانيه } ( الحاقة 29 – 29 ) ، وهذا شيءٌ كأنما تشاهده في الدنيا إذا أُعطي الإنسان نتيجته في الاختبار إن كان ناجحاً يرفعها انظروا ، انظروا وإن كان بالعكس مزَّقها لكنه في الآخرة لا يستطيع أن يمزق الكتاب مزَّقها ثم يخرج مُنْسَلاًّ وإذا كان قد علم من نفسه أنه راسب ما يحضر أصلاً يكفيه غيره فهذا الذي في الآخرة له نموذج في الدنيا الآن الإنسان المؤمن يفرح ويقول للناس : { فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه } ، ويبيِّن السبب : { إني ظننت أني ملاق حسابيه } ( الحاقة 20 ) ، أي أيقنتُ ذلك ،
إذن ما هي الصحف ؟
هي الكتب التي كُتبت فيها أعمال العباد ،
كيف يأخذها الناس باليمين وبالشمال أو من وراء الظهر ؟
والذي من وراء الظهر هو الشمال ،
ولكنه والعياذ بالله تُخلع يده إلى الخلف كما جعل كتاب الله وراء ظهره جعل كتاب أعماله يوم القيامة وراء ظهره ،
حديث : ( سبعون الفاً يدخلون الجنة بلا حسابٍ ولا عذاب ) [115] من هم ؟ هل هم الصحابة ؟ هل عُيِّنوا بأشخاصهم أو بأوصافهم ؟
( هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ) أربع صفات ،
ولو قلت : ( لا يرقون ) لخرج منهم الرسول ولما دخل معهم ،
وهي رواية باطلة ليست بصحيحة ،
وإن كانت في صحيح مسلم لكن ليست بصحيحة ،
لأن الذي يرقي محسن ،
فكيف يُعاقب وهو محسن إلى غيره ؟
وأيضاً لو قلنا : هذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام رقى غيره ،
هل نقول عن الرسول : لا يدخل في هؤلاء ؟(1/457)
( لا يتطيرون ) ، ما معناها ؟
( التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع ) ، هذا أعم ما قيل في التعريف ،
( التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع ) ، وإن شئت فقل : ( أو معلوم ) ،
( بمرئيٍّ ) : كالطيور ،
( أو بمسموع ) : كأن يسمع الإنسان صوتاً فيتشاءم ،
( أو معلوم ) : كأن يتشاءم الإنسان في زمن ،
مثلاً : يقول من تزوج في شوال فإنه لا يُوفَّق الذي يتزوج في شوال لا يُوفَّق يقوله أهل الجاهلية قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وبنى بي في شوال ، فأيكم أحظى عنده ؟
عائشة ،
لو قيل : الذي يتزوج في شوال يُوفَّق كان أحسن ،
يتشاءم العرب في صفر أيضاً ، يقولون : شهر صفر هذا لا يُوفَّق فيه الإنسان ونحن نجد أن الإنسان يُوفَّق في شهر صفر ،
هذا نقول : بمرئي أو بمسموع ؟ ،
بمعلوم لأن هذا ليس بمرئي ولا مسموع ،
في المكان بعض الناس يتشاءم في المكان نقول : لا شؤم ،
بعض الناس يتشاءم إذا أصبح وفتح دكانه وجاءه رجلٌ أعور قال : خلاص اليوم ليس فيه بيعٌ ولا شراء هذا ،
وموجود إلى عصرنا هذا يتشاءمون والعياذ بالله إذا جاءه رجل قبيح الوجه قال : اليوم هذا قبيح جَفِّلْ وهكذا هذا تشاؤم بمرئي ،
ولهذا من نعمة الإسلام أنه جعل الإنسان يستريح لو سمع شيئاً مكروها أو رأى شيئاً مكروهاً لا يتشاءم كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل وهي الكلمة الطيبة التي تشجع الإنسان على الفعل ،
ولهذا اترك من نفسك هذا التشاؤم واجعل نفسك دائماً متفائلاً حتى تنشط على العمل وتُقْدِمْ ،
إذن ينجو من الحساب هؤلاء الذين ذكرهم النبي عليه الصلاة السلام وقد ورد أن مع كل واحدٍ منهم سبعين ألفاً ، الصحف أيضاً مما يجب الإيمان به مما يكون يوم القيامة ،
قوله : ( والميزان ) : أيضاً نؤمن بالميزان ،
والميزان ( ما يُعرف به وَزْنُ الشيء ) :
واختلفت الأمة هل هذا الميزان حسيٌّ أم معنوي ؟
فذهب المعتزلة إلى أنه معنوي ،(1/458)
وأن الميزان المذكور في القرآن والوزن المذكور في القرآن معناه إقامة العدل وليس ثمة شيءٌ محسوس يُوزن به ،
وعللوا ذلك : بأن الأعمال أوصافٌ ومعانٍ والأوصاف والمعاني لا تُوزن ،
الوزن إنما هو للأجسام ولا يمكن أن تُوصف الأوصاف والمعاني ،
فحكَّموا العقل وقدَّموه على الشرع ،
والنصوص تدل على أن هذا الميزان ميزانٌ حسي وحديث صاحب البطاقة [116] واضحٌ فيه [117] ،
وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما خرج ذات يومٍ في ريحٍ شديدة فَجَرَتْ الريح تكفِّؤه يميل منها لأنه ليس كبير الجسم ونحيف فضحك منه بعض الصحابة فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن ساقيه في الميزان أثقل من أُحُد ) [118] ،
وهذا يدل على أن الوزن في الميزان وزن حسي حقيقي ،
وأما قولهم : إن الأعمال أوصاف ومعاني فكيف تُوزن ؟
فنقول : إن الله على كل شيءٍ قدير قد يجعل الله المعاني أجساماً ،
فهاهو الموت معنىً من المعاني ، ويُؤتى به يوم القيامة على صورة كبش ، ويُوقف بين الجنة والنار ويُقال لأهل النار وأهل الجنة ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، فيُذبح بين الجنة والنار ، ويُقال لأهل الجنة : خلودٌ ولا موت ، ولأهل النار : خلودٌ ولا موت [119] ،
فالله عز وجل قادرٌ على أن يجعل الأوصاف والمعاني أجساماً ولا يجوز أن نرد الأدلة بمجرد ما تتحير فيه العقول إذا تحيرت العقول فاعلم أن النقول فوق عقلك ولا يمكن أن تأتي النصوص بما يحيله العقل أبداً ،
إذن فالصحيح أن الميزان حسيٌّ لا معنوي ،
ثم ما الذي يُوزن أهو العمل أو صاحب العمل أو كتاب العمل ؟
في هذا للعلماء ثلاثة أقوال :
1 – قيل : إن الذي يُوزن العمل [120] ،(1/459)
واستدل هؤلاء : بقوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة 7 – 8 ) ، وبقوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ( الأنبياء 47 ) .
وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان خفيفتان على اللسان : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) [121] ، فقال : ( ثقيلتان في الميزان ) ،
وهذه نصوص واضحة في أن الذي يُوزن العمل ،
فيبقى عليه الإشكال الذي أورده المعتزلة وردُّوا به النصوص ،
وهو أن الأعمال أوصاف ومعان فكيف تُوزن ؟
نقول : إن الله قادرٌ على أن يجعلها أجساماً فتُوزن ،
2 – القول الثاني : أن الذي يُوزن صحائف العمل ،
وأن هذه الصحائف تثقل وتخف بحسب ما فيها من الأعمال ،
واستدلوا لهذا بحديث صاحب البطاقة ، الذي يُمدُّ له سجل من المعاصي ثم يُؤتى بطاقة صغيرة فيها كلمة الإخلاص ، فيقول هذا الرجل : وما تصنع هذه البطاقة بهذه السجلات فيُقال : إنك لا تُظلم ثم تثوضع البطاقة في كِفَّة والسجلات في كِفَّة فترجح البطاقة ،
وهذا يدل على أن الذي يُوزن الصحيفة صحيفة العمل ،
3 – القول الثالث : أن الذي يُوزن صاحب العمل ،
واستدلوا بقوله تعالى : { أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف 105 ) ، قال : { فلا نقيم لهم } ولم يقل : ( لأعمالهم ) ولا ( لصحائف أعمالهم ) ،
واستدلوا بحديث ابن مسعود الذي ذكرناه آنفاً ،
فإذا قال قائل : لا شك أن الاستدلال بحديث ابن مسعود وحديث صاحب البطاقة لا يقاوم الأدلة الدالة من القرآن والسنة على أن الذي يُوزن هو العمل ،
ولهذا صرَّح شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال : ( فتُنْصَبُ الموازين فتُوزن بها أعمال العباد ) وهو الحق ،
لكن حديث البطاقة :(1/460)
قد يُقال : إن هذا خاصٌ به وبأمثاله من أجل أن يتبيَّن له فضل الله عليه ،
وقد يُقال : إنه لما وُزنت الصحيفة وثقلت بحسب العمل ،
فإن الوزن حقيقةً يكون للعمل ،
وأما حديث ابن مسعود والآية ،
فلا تدل على ذلك لأن معنى : { فلا نقيم لهم } : يعني لا نقيم لهم قيمة كما تقول فلان ليس له عندي وزن أي لا قيمة له ولا اعتبار ،
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن خفة الوزن لا تدل على قلة العمل أو على خفته وليس بذاك الصريح ،
فالمعتمد أن التي تُوزن هي الأعمال هو العمل نفسه [122] ،
ثم يبقى بحث : هل الميزان واحد تُوزن به الأعمال كلها أو أن لكل أمة ميزاناً لأن الأمم تتفاضل في الثواب أو أن لكل شخصٍ ميزاناً ؟
في هذا أيضاً أقوال للعلماء :
1. فمنهم من قال : لكل شخصٍ ميزان ،
2. ومنهم من قال : لكل أمةٍ ميزان ،
3. ومنهم من قال : الميزان واحد ،
ولنرجع إلى الأدلة ، الأدلة فيها :
أولاً : { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } ( الأعراف 8 ) .
وهذا الدليل : لا يدل على تعدد ولا على إفراد لأنه قال : { والوزن } .
ولكن هناك أدلة تذكر الميزان ،
قال : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } ( الأنبياء 47 ) .
وفي حديث : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان ) الميزان مفرد ،
{ ونضع الموازين } جمع ،
فهل نقول : بما يقتضيه الجمع ونقول : المراد بالميزان في قوله : ( ثقيلتان في الميزان ) الجنس ؟ أو نقول : إن الميزان واحد وجُمع باعتبار الموزون ؟
فالظاهر لي أن الموازين بحسب الأمم لأن الأمم تتفاضل في الأعمال ،
وإذا كانت تتفاضل في الأعمال لزم أن تكون موازين أعمالها مختلفة ، ولهذا حتى عند الناس في المحسوس ،
ونحن نقول : هذا سبيل التقريب لا على سبيل التحديد موازين الذهب غير موازين العلف موازين الذهب حساسة جداًّ وتضبط تماماً موازين الخشب ليست كذلك ،(1/461)
على كل حال الذي يظهر والعلم عند الله أن الموازين متعددة لكن باعتبار الأمم ،
ولهذا كان لهذه الأمة ولله الحمد ونحمد الله أن جعلنا منها ونسأل الله أن نموت عليها هذه الأمة تُوفِي سبعين أمة هي أكرمها عند الله عز وجل وهي أقلها زمناً وأكثرها أجراً هي زمنها من العصر إلى الغروب ويُؤتون أجرهم مرتين ،
إذن لا يمكن أن يكون وزنها كميزان الآخرين الذين مدتهم أطول وأجرهم أقل ،
فالذي يظهر لي أن الموازين متعددة بحسب الأمم ، ثم رجحان الحسنات ،
هل معناه أن ترتفع الكِفَّة أو أن تنزل ؟
ثقلت تنزل وحديث البطاقة : ( طاشت السجلات ) ارتفعت ،
فعلى هذا يكون الوزن كيفيته ككيفية الوزن في الدنيا وأما بعضه يقول معناه إذا ارتفعت فهذا هو الثقل ،
هذا غير صحيح هذا خلاف المحسوس نسأل الله أن يُثَقِّلَ موازيننا وموازينكم يوم القيامة ،
نحن الآن في باب السمعيات في أثناء الإيمان باليوم الآخر ،
******************
117 – كذا الصراط ثم حوض المصطفى ،
فيا هنا لمن نال به الشِّفا ،
قوله : ( كذا الصراط ) : أي كذا اجزم بالصراط ،
والصراط في الأصل : هو الطريق الواسع المستقيم ، الطريق الواسع المستقيم يُسمى صراطاً ،
وسُمي صراطاً لأن الناس يسلكونه بسرعة لكونه واسعاً ومستقيماً ،
ومنه ما يُسمى عندنا بالخط السريع واسع ومستقيم .
قال : وأصل ذلك من قولهم : ( زرط اللقمة ) ، إذا ابتلعها بسرعة .
فلا يُسمى الطريق صراطاً إلا إذا كان واسعاً مستقيماً .
ولهذا كان الصراط الذي يسأل المرء ربه هدايته كان مستقيماً { اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة 6 ) .
الصراط : جسمٌ يُوضع على جهنم ،
يصعد منه المؤمنون من أرض المحشر إلى الجنة ولا يصعده إلا المؤمنون ،
أما الكفار فقد سيقوا إلى جهنم وأُلْقوا فيها لكن المؤمنون هم الذين يصعدون هذا الصراط ،(1/462)
واختلف العلماء في هذا الصراط :
هل هو صراطٌ واسع يَسَعُ أُمَماً عظيمة أو صراطٌ ضيِّق ؟
على قولين في هذه المسألة :
1 - منهم من قال : أدق من الشعر وأَحَدُّ من السيف وأحرُّ من الجمر ،
فلما قيل : إن هذا لا يمكن العبور عليه ،
أجابوا : أن أمور الآخرة لا تُقاس بأمور الدنيا وأن الله على كل شيءٍ قدير وان الله جعله بهذه الصفة لمشقة العبور منه كمشقة الصراط في الدنيا على النفوس لأن الجنة حُفَّت[123] بالمكاره ،
2 - ومنهم من قال : بل إنه صراطٌ واسع فيه مزلة ومدحضة فهو واسع وعليه الشوك كالسعدان لكنها لا يعلم عظمها إلا الله سبحانه وتعالى [124] ،
وأياًّ كان فهو مخيفٌ غاية الخوف ،
ولهذا كان من دعاء الرسل وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام يومئذٍ : ( اللهم سلِّم سلِّم ) ، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم يعبره الناس على قَدْرِ أعمالهم في الدنيا [125] ،
منهم من يعبر كلمح البصر ومنهم من يعبر كالبرق ومنهم يعبر كالريح ومنهم يعبر كالخيل الجواد أو الجياد ومنهم من يعبر كركاب الإبل ومنهم يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يُكَرْدَسْ في النار ،
على حسب أعمالهم فالمتقدم للدين في الدنيا المنشرح به صدراً المسابق إليه يكون عبوره على الصراط بسرعة والمتباطيءُ في دينه يكون عبوره على الصراط ببطء والمسرف على نفسه بفعل المعاصي ربما يُلقى في جهنم ويُطَهَّر بما يصيبه من العذاب ثم يُخرج إما بشفاعة وإما بانتهاء عقوبته وإما بفضل الله ورحمته ،
إذن يجب أن نؤمن بأنه يُوضع على جهنم صراطٌ يمر الناس عليه على قدر أعمالهم ، صراطٌ خطرٌ مخيف يدعو الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يُسَلِّمُهم الله تعالى منه ،
ثانياً : يمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم وهذا المرور حسب تَقَبِّلِهِم لدين الله في الدنيا ،(1/463)
ثالثاً : من الناس من يعبر الصراط ومنهم من يُكردس في النار ثم يخرج منها إلى أن يصلوا إلى الجنة فإذا وصلوا إلى الجنة لم يجدوها مفتوحة الأبواب أهل النار إذا وصلوا إلى النار فُتحت الأبواب ليسوءهم العذاب والعياذ بالله ،
لكن الجنة لا تكون مفتوحة الأبواب وإنما يُوقفون هناك على قنطرة وهي الجسر الصغير فَيُقتص لبعضهم من بعض اقتصاصاً غير الاقتصاص الأول الذي في عَرَصاتِ القيامة يُقتص من بعضهم لبعض اقتصاصاً يزيل ما في صدورهم من الغِلّ والحقد ،
لأن الاقتصاص في عَرَصاتِ القيامة اقتصاصٌ تُؤخذ به الحقوق وربما يبقى في النفوس ما يبقى لكن هذا الأخير اقتصاص للتطهير والتهذيب والتنقية حتى يدخلوها وما في صدورهم من غِلّ يعني وليس في صدورهم غِلّ ،
وبهذا نجمع بين النصوص الواردة بأن هناك قصاصين أو اقتصاصين ،
لأن هناك اقتصاصين الاقتصاص ،
الأول في العرصات ما المقصود به أخذ الحقوق هذا الاقتصاص المقصود به التنقية والتطهير من الغِلّ ،
فإن قال قائل : أفلا يحصل ذلك بأخذ الحقوق ؟
قلنا : لا ،
لو أن رجلاً اعتدى عليك في الدنيا ثم أخذت حقك منه هل يزول ما في قلبك عليه ؟
قد يزول وقد لا يزول لكن احتمال أنه لا يزول وارد لكن إذا هُذِّبوا ونُقُّوا بعد عبور الصراط دخلوا الجنة على أكمل حال ، { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين } ( الحجر 47 ) .
قوله : ( ثم حوض المصطفى ) : يعني نجزم بحوض المصطفى ،
والحوض : ( مُجْتَمَعُ الماء ) هذا الحوض [126] ،
والمصطفى مأخوذٌ من الصَفْوَة وأصله المصتفى لكن قُلبت التاء طاءاً لعلةٍ تصريفية ،
والمصطفى المراد هنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ،
وإن كان الرسل كلهم مصطفين كل الرسل قد اصطفاهم الله قال تعالى : { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } ( ص 47 ) ، لكن المراد المصطفى هنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ،
نؤمن بهذا الحوض على الوجوه التالية :(1/464)
أولاً : نؤمن بوجود هذا الحوض وأنه سيكون حوضٌ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة يشرب الناس منه لأن الناس في ذلك المكان في غاية ما يكونون من حاجةٍ للماء فيشربون منه ،
ثانياً : نؤمن بمادة هذا الحوض من أين يأتي هذا الحوض ؟
هذا الحوض يأتي من الكوثر والكوثر نهرٌ أعطاه الله تعالى نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في الجنة ، كما قال تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } ( الكوثر 1 ) ، يصب منه ميزابان ولهذا تَرِدُهُ الأمَّة كلها وهو باقٍ لأنه يصب عليه هذان الميزابان ،
ثالثاً : كيف ماء هذا الحوض ؟
جاء في السنة : أنه أشدُّ بياضاً من اللبن وأنه أحلى من العسل وأنه أطيب من رائحة المسك [127] فهو طيبٌ في لونه طيبٌ في مذاقه طيبٌ في رائحته ،
فالعين تعشقه والفم والأنف وهذه منافذ الوجه عين وأنف وفم ، العين تلتذ به برؤيته هذا الحوض الصافي الأبيض أبيض من اللبن والأنف برائحته أطيب من ريح المسك والفم بمذاقه أحلى من العسل فما أحسن الطعم وما ألذ الشم أو الرائحة وما أحسن المنظر ،
رابعاً : هل يشرب الناس منه بِأَكُفِّهِم ؟
لا يشربون منهم بآنية كيزان ،
وهذه الآنية جاء في الحديث الصحيح : ( أنها عدد نجوم السماء ) [128] ، وجاء في لفظٍ آخر : ( أنها كنجوم السماء ) [129] ، أيهما أعم ؟ كنجوم السماء أعم لأنها كنجوم السماء عدداً وكنجوم جمالاً ولَمَعاناً فآنيته إذن كثيرة لا يحصيها إلا الله من يحصي نجوم السماء ؟
إلا الذي خلقها الله عز وجل كذلك لَمَعان نور يتلألأ هذه الآنية فعليه هذه الآنية الكثيرة العدد الجميلة المنظر آنيته كنجوم السماء ،
الخامس : من يَرِدُ هذا الحوض ؟
يَرِدُهُ المؤمنون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ،(1/465)
غير المؤمن لا يَرِدُهُ لا يرده المنافق ولا يرده الكافر الخالص بل أولئك يذهبون إلى النار تُمَثَّلُ لهم كأنها سراب فيردونها عِطَاشاً يركضون إليها إذا رأوا هذا السراب ، يقولون : إن شاء الله نَرْوى الآن نَرْوى إذا وصلوا إليها والعياذ بالله أُلْقُوا فيها لكن المؤمنون يردون هذا الحوض ويشربون منه أسأل الله أن يرويني وإياكم منه هذا الحوض يرده المؤمنون من أمة محمد يشربون منه ،
سادساً : أن من شرب منه فلن يظمأ بعده أبداً سبحان الله لا يظمأ أبداً ؟
أبداً لا يظمأ ،
لكن قد ورد في الحديث : أنهم يشربون بعد الصراط ، بعد أن يعبروا على الصراط ، فهل هناك تعارض ؟
لا ، لأنه قد ثبت : أن من شرب منه شربةً واحدة فلن يظمأ بعده أبداً .
فيكون شربهم بعد الصراط إما لظمأٍ يسير ليس فيه مشقة لأنهم عبروا النار وهي حارة أو لأنهم يشربون منه تَلَذُّذاً لا عطشاً ،
أين يكون الحوض ؟
في عرصات القيامة وكذلك بعد العبور على الصراط [130] ،
لكن الأهم هو الذي يكون في عرصات القيامة لأن الناس ينالهم عطش شدة عظيمة الشمس تدنو منهم مقدار ميل فيعطشون ويحتاجون إلى هذا ،
فإياك إياك أن تُحرم الورود على هذا الحوض ،
وقد وعد النبي عليه الصلاة والسلام الأنصار وعدهم الحوض إذا صبروا على جور السلطان ،
فقال : ( إنكم سترون بعدي أثرة – أي استئثاراً عليكم – فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) [131] ، الله أكبر وعد : ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ، ،
فيُرجى لمن صبر على السلطان وعلى جوره ، أن ينال مثل هذا الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم ،
لأننا قد ذكرنا قاعدة :
( أن الأحكام الشرعية والجزائية لا تتعلق بالشخص بعينه ولكن بوصفه ) [132]
الأحكام الشرعية والجزائية لا تتعلق بالشخص بعينه ولكن بوصفه ،
يعني ليس هناك حكم شرعي أو جزائي معلق بالشخص بعينه لأنه فلان بن فلان لا ولكنه بوصف بعمله والعمل وصف ،(1/466)
فهذه القاعدة هي مقتضى عدل الله عز وجل لأن الله ليس بينه وبين أحدهم محاباة حتى يمكن أن نقول : أن يحابي أحداً لشخصه ،
أنا مثلاً ربما أعطي شخصاً معيناً حكماً يختص به لشخصه لقرابته مني لصداقته إياي وما أشبه ذلك لكن الرب { لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد } ( الإخلاص 3 – 4 ) ، لا يعطي أحداً حكماً خاصاً لشخصه أبداً واسمحوا لنا أن نستطرد في هذه المسألة ،
فإذا قال قائل : بل قد ورد التخصيص بالحكم الشرعي لعين الشخص وهو أبو بردة بن نيار رضي الله عنه لما كان يوم عيد الأضحى أحب أن يذبح أضحيته مبكراً من أجل أن يأكل هو وأهل بيته فذبح أضحيته قبل الصلاة ، قبل صلاة العيد ، فلما جاء وصلى العيد وخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة وقال : ( من ذبح قبل الصلاة فإنما لحمٌ قدمه لأهله وليس من النُسُكِ في شيء ) [133] ، أبو بردة رضي الله عنه مثل غيره من الصحابة صرحاء ما سكت وقال أذبح بدلها أو قال لا يلزمني أن أضحي هذا العام ، قال : يا رسول الله إني نسكت قبل أن أصلي ، يعني وأحببت أن آكل أنا وأهلي ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( شاتك شاة لحمٍ ) : أي مجزئة أو غير مجزئة ؟ غير مجزئة قال يا رسول الله إن عندنا عناقاً – أنثى من المعز صغيرة – هي أحب إلينا من شاتين أفتجزيء عني ؟ يعني أن أذبحها الآن قال : ( نعم ولن تجزيء عن أحدٍ بعدك ) [134] ،
هذا الحديث يدل على أن الحكم خُصِّص لأبي بردة بعينه لأنها لن تجزيء عن أحدٍ بعينه ،
فأخذ بذلك بعض العلماء وقال : إن هذا تخصيصٌ في الحكم الشرعي بعين الرجل ،
لكن أبى ذلك الحبر ابن تيمية [135] وقال : المراد بقوله : ( بعدك ) أي بعد حالك يعني لن تجزيء عن أحدٍ حاله ليست كحالك مثل ما تقول للرجل ما بعدك رجلٌ يوفي به بالعهد المعنى ما بعد وفائك وفاءٌ بالعهد لأنه وفاءٌ كامل وإلا سيوفي أحدٌ بعده في الزمن ،
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الحق ،(1/467)
أنه لو جاءنا رجلٌ مثل أبي بردة وذبح شاته قبل الصلاة جاهلاً ثم قال لنا مثل ما قال أبو بردة للنبي عليه الصلاة والسلام : عندي عناق صغيرة أذبحها بعدها قلنا : نعم ، لأنه جاهل ،
فإذا قال قائل : أليس الله قد خص نبيه بخصائص : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } ( الأحزاب 50 ) ؟
قلنا : بلى ،
ولكن النبي عليه الصلاة والسلام خُص لأن اسمه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، أم لأنه رسول الله ؟ إذن خُص بوصف أم بعين ؟
خُص بوصف لولا أنه رسول لكان رجلاً من بني هاشم ،
فالقاعدة عندنا الآن القاعدة أن الأحكام الشرعية والجزائية لا تُخصص بالأشخاص بأعيانهم ولكن بأوصافهم ،
وهذا الاستطراد أوجبه قول الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ،
فنقول : إنه يُرجى من صبر على جور الأئمة وأثرتهم أن يرد الحوض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقول يُرجى ولا نقول يُجزم لأننا نخشى أن يأتي إنسان ويقول من يتصف بأوصاف الأنصار ؟ يعني حتى ولو صبر فليس كالأنصار ولكن نقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام علَّق الحكم بالصبر فيُرجى لمن صبر أن يكون كالأنصار ،
هذا الحوض هل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ يعني هل يوجد يوم القيامة أحواض أخرى لغير الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
اختلف في ذلك أهل العلم :
1. فمنهم من قال : إنه لا حوض إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
لأنه هو الحوض الذي تواترت فيه الأدلة ،
ولأن رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام عامة لكل الخلق فيكون التابعون له أكثر فيحتاجون إلى ماء يُروي ظمأهم ،
2. وقال بعض العلماء : بل لكل نبيٍّ حوض ،
ولكن الأكبر والأعظم والأفضل والأكمل هو حوض الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وقد جاء في هذا حديثٌ رواه الترمذي بإسنادٍ لا بأس به [136] ،(1/468)
وهذا القول هو الراجح أن لكل نبيٍّ حوضاً ،
ولكن الحوض الكبير الأعظم الأمثل الأكمل هو حوض النبي صلى الله عليه آله وسلم ،
أولاً : لهذا الحديث الذي أشرتُ إليه ،
وثانياً : أن هذا من كمال عدل الله عز وجل فإن من نهل من شرعه في الدنيا جزاؤه أن ينهل من أحواض الأنبياء يوم القيامة ،
لكن من أين تُستمد هذه الأحواض لغير الرسول ؟
الله أعلم أما حوض الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يكون من الكوثر كما ذكرنا ،
هذا الحوض هل هو واسع أو ضيق ؟
جاء في الحديث الصحيح أن طوله شهر وعرضه شهرٌ فيكون واسعاً إذا كان طوله شهراً وعرضه شهراً فهو واسع ،
لكن أخذ بعض العلماء من ذلك أن الحوض مُدَوَّر من قوله : ( طوله شهر وعرضه شهر ) ، كيف أخذوا أنه مُدَوَّر ؟
قالوا : لأنه لو كان مربعاً لكان ما بين الزاويتين من الشهر أكثر إذا كان طوله شهر وعرضه شهر ،
فإذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( طوله شهر وعرضه شهر ) ، فإنه لا يتحقق هذا في جميع جهاته إلا إذا كان مُدَوَّراً ،
وعلى كل حال إذا كان هذا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا على العين والرأس وإنْ لم يكن مراده فإنه جرى لسان العرب أنهم يقولون : الحجرة طولها أربعة أذرع وعرضها أربعة أذرع مع أنها مربعة فالله أعلم ،
هذا ما يتعلق بالحوض ،
قوله : ( الشفا ) : المراد بالشفا يعني الرِّيْ لأن من شرب منه مرةً واحدة ،
******************
118 – عنه يُذادُ المفتري كما ورد ،
ومن نحى سبل السلامة لم يُرَد ،
قوله : ( يُذاد ) : أي يُطرد ،
قوله : ( المفتري ) : أي الكافر ،
قوله : ( كما ورد ) : أي كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(1/469)
أنه يُذادُ عنه الكافرون حتى يُذاد عنه أناسٌ من أصحابه فيُطرَدون فيقول : ( يا رب ، أصحابي ) فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [137] ، وهذا في الذين ارتدوا على أدبارهم بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( ومن نحى ) : أي سلك ،
قوله : ( سبل السلامة ) : أي طرقها ،
وجمع المؤلف السُبُل مع أن سبيل الشرع واحدة كما قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ( الأنعام 153 ) .
جمعها لوجهين :
الوجه الأول : ضرورة الشعر لأن الشعر يُضطَّرُ صاحبه إلى ما لا يجوز ،
كما قال صاحب مُلْحَةِ الأعراب [138] وهي في النحو قال :
وجائزٌ في صنعة الشعر الصَّلِف ،
أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف [139] ،
فوصف الشعر بأنه صَلِف لا يعطيك الحرية في انتقاء الكلمات بل لا بد أن تأتي بكلمة لا ينكسر بها البيت ،
الوجه الثاني : أنه لم يرد بالسبل الشريعة أو الملة إنما أراد بذلك سبل الخيرات وهي أنواع صلوات وزكوات وصيام وحج وبر وصِلَة حُسْن خلق وغير ذلك ،
فهي بهذا الاعتبار تكون سُبَلاً ،
قوله : ( سبل السلامة ) : أي السبل التي يحصل بها السلامة من العقوبات في الآخرة ،
قوله : ( لم يُرد ) : أي لا يرده أحدٌ عن الشرب ،
******************
119 – فكن مطيعاً واقْفُ أهل الطاعة ،
في الحوض والكوثر والشفاعة ،
قوله : ( فكن مطيعاً واقْفُ ) : أي اتبع ، والمراد بقفوهم اتباع آثارهم ، كن مطيعاً لأوامر الله ومن أوامر الله التصديق بما أخبر الله به ورسوله يعني فَصَدِّق بهذه الأشياء بثبوتها
قوله : ( الكوثر ) : الكوثر على وزن فوعل ،
وهو مأخوذٌ من الكثرة ،
لكن زِيدت الواو فيه للمبالغة ،(1/470)
والكوثر أُعْطِيَهُ النبي صلى الله عليه وسلم وليس لغيره من الأنبياء وقد ذكره الله عز وجل في قوله : { إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر } ( الكوثر 1 – 2 ) .
وسُمِّيَ كوثراً لكثرته وكثرة خيره وبركته وغير ذلك مما تدل عليه المبالغة في كلمة الكوثر ،
فيجب علينا أن نؤمن به ، يجب أن نؤمن أن للنبي عليه الصلاة والسلام نهراً في الجنة يُسَمَّى الكوثر ،
قوله : ( الشفاعة [140] ) : الشفاعة من الشِّفْع وهو ضد الفرد ، وإن شئتَ فقل : ضد الوتر ،
قال الله تعالى : { والشفع والوتر ، والليل إذا يسر } ( الفجر 3 – 4 ) .
والشفاعة في اللغة : ( ضم شيء إلى آخر ) ليشفعه بعد أن كان مفرداً ،
وأما في الاصطلاح فإنها : ( التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ) ،
هذه الشفاعة التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ،
مثال الأول : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة هذا توسطٌ في جلب خير ،
ومثال الثاني : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار أن يُخرج منها هذا دفع ضرر فالشفاعة إذن التوسط للغير بجلب منفعةٍ أو دفع مضرة ،
فلو أنك توسطت لنفسك أي ذهبت لمن قضى عليك بحبسٍ أو ضربٍ أو غرامة ودفعت عن نفسك فهل يُسمى شفاعة ؟
لا ، لأنه ليس للغير والشفاعة لا تكون إلا للغير ،
ثم إن الشفاعة تنقسم إلى أقسام :
1. شرعية
2. وشركية [141] ،
الشرعية هي : ما اجتمع فيها ثلاثة شروط :
الأول : رضا الله عن الشافع ،
والثاني : رضا الله عن المشفوع له ،
والثالث : إذن الله بالشفاعة ،
هذه ثلاثة شروط ،
دليل ذلك :
قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } ( البقرة 255 ) ، فمن شفع بغير إذن الله فإنه لا تنفعه الشفاعة وليست شفاعةً شرعية ،
لا بد من إذن الله بالشفاعة رضاه عن المشفوع له ،
دليله : قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } ( الأنبياء 28 ) .
أي لمن رضيه الله عز وجل ،(1/471)
ودليل رضا الله عن الشافع : قوله تبارك وتعالى : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء الله ويرضى } ( النجم 26 ) ، { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } ( طه 109 ) .
فلا بد من الثلاثة شروط لتكون الشفاعة شرعية ،
النوع الثاني : شركية : وهي ما يعتقده المشركون في آلهتهم حيث يتقربون لهذه الآلهة بالقربى ويدَّعون أنهم يريدون بذلك أن تشفع لهم وليست بنافعةٍ لهم ،
لأن الله لا يمكن أن يأذن لها إن كانت هذه الأصنام ممن يكره الله ولا يمكن أن يأذن لها أي لهذه الآلهة إذا كان هؤلاء ممن لا يرتضيهم الله فالذين يعبدون عيسى ليشفع لهم لا يمكن أن يشفع عيسى لهم لماذا ؟
لأن الله لا يمكنه أن يشفع حسب خبره عز وجل لا يمكنه أن يأذن بالشفاعة حيث إن هؤلاء الذين يعبدون عيسى لا يرضاهم الله ، عيسى يرضاه الله لكن هؤلاء المشفوع لهم لا يرضاهم الله عز وجل ،
فلا يمكن أن تتحقق الشفاعة وهذه الشفاعة تكون شركية ،
ونحن نقول إنها شفاعة تَنَزُّلاً مع هؤلاء الذين يقولون : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ( يونس 18 ) ، وإلا فهي في الحقيقة شرك لأنهم يعبدون هذه الأصنام ويدَّعون أنها تشفع لهم ،
الشفاعة الشرعية تنقسم إلى أقسام وإن شئت فقل إلى قسمين :
1. عامة ،
2. وخاصة ،
فالخاصة للرسول صلى الله عليه وسلم :
1. وهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف أن يُقضى بينهم ،
2. والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3. وشفاعةٌ ثالثة أخص وهي شفاعته لعمه أبي طالب حتى خُفف عنه العذاب ،
فهذه ثلاثة أنواع من الشفاعات خاصة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
الأولى : الشفاعة العظمى ،
والثانية : الشفاعة في أهل الجنة ،
والثالثة : شفاعةٌ أخص وهي شفاعته في عمه أبي طالب ،(1/472)
أما الشفاعة العظمى : فهي أن الناس يوم القيامة يقفون في موقفٍ عظيم وأوصاف عظيمة في الكتاب والسنة معلومة لكثيرٍ منكم فيلحقهم من الغم والكرْب ما لا يطيقون فيقولون : ألا أحدٌ يشفع لنا عند الله يريحنا من هذا الموقف فيذهبون إلى آدم لأنه أبو البشر ويعتذر ثم إلى نوح ويعتذر ثم إلى إبراهيم ويعتذر ثم إلى موسى ويعتذر ثم إلى عيسى ولا يعتذر لكن يعلم أن للشفاعة من هو أولى بها منهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيذهب إلى الله عز وجل ويستأذن أن يشفع فيُؤذن له فيسجد تحت العرش ويفتح الله عليه من المحامد ما لم يكن يعرفه فيشفع إلى الله في أن يقضي بين الناس من أجل أن يريحهم من هذا الموقف فيقبل الله شفاعته ويأتي جل وعلا للقضاء بين أهل الموقف ،
هذه الشفاعة العظمى العامة لكل الخلق ،
وهي داخلةٌ في قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } ( الإسراء 79 ) ، لأن هذا المقام يحمده فيه كل الناس حيث أن الأنبياء قبله اعتذروا فصار الحمد له صلى الله عليه وسلم في هذا المقام العظيم ،
الشفاعة الثانية : أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وجدوا أبواب الجنة مغلقة لحكمةٍ يريدها الله عز وجل من الحكمة أنهم يقفون هناك فيُقتصُّ لبعضهم من بعض قِصاصٌ يُرادُ به زوال أثر ما كان في قلوبهم فيما بينهم فإذا هُذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة بعد أن يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يُفتح باب الجنة فيدخلوه الثالثة مما يختص بالرسول ،
شفاعةٌ أخص من ذلك : وهي شفاعته في عمه أبي طالب فإنه شفع إلى الله أن يخفف عنه فأذن الله له في ذلك وخُفف عن أبي طالب فكان في ضحضاح من نار وعليه نَعلان يغلي منهما دماغه وهو أهون أهل النار عذاباً ،
إذن الشفاعات بالتدرج شفاعة عامة وشفاعة أخص وشفاعة أخص :
1. العامة يشفع في أهل الموقف عامةً أن يُقضى بينهم ،(1/473)
2. والتي أخص منها يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3. والثالثة أخص من ذلك يشفع لعمه أبي طالب أن يُخفف الله عنه العذاب والله أعلم [142] ،
لماذا كانت شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب خاصةً بالرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا لا نقول أنه لو وُجد الآن رجل يذود عن الإسلام وهو كافر فإنه يُشفع ؟
الجواب : أن الشفاعة للمشرك لا تمكن لأن من شروط الشفاعة أن يرضى الله عن المشفوع له إلا في هذه المسألة فقط وهذه المسألة ليست شفاعةً كاملة ليست شفاعة أن يخرج أبو طالب من النار لا ، شفاعة أن يُخفف عنه ،
وهل لخروج هذا عن سائر الشفاعات هل له حكمة ، لأننا قررنا أن الأحكام الشرعية والأحكام الجزائية لا يمكن أن تُخصص لشخص بعينه إنما تُخصص للشخص بوصفه ، فهل لهذا من حكمة ؟
شكراً له على ما قدم من حماية الرسول عليه الصلاة والسلام والذب عنه فهو مصدِّق للرسول لكن فاته شيءٌ واحد وهو القبول والإذعان وإلا فهو مصدق يعلن هذا على الملأ أن الرسول عليه الصلاة والسلام صادق لكنه نسأل الله العافية لم يقبل ولم يذعن ،
الثالثة : في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
وهذا ثبتت به السنة أيضاً خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام ،
******************
120 – فإنها ثابتةٌ للمصطفى ،
كغيره من كل أرباب الوفا ،
قوله : ( المصطفى ) : المراد بالمصطفى هنا مصطفىً معين وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فهناك أُناسٌ مُصْطَفَوْن غير الرسول ،
لكن المراد بالمصطفى هنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عامٌ أريد به الخاص ،
قوله : ( كغيره ) : أي كغير الرسول صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( أرباب ) : أرباب جمع رب بمعنى صاحب ،
******************(1/474)
121 – من عالمٍ كالرُّسْلِ والأبرار ،
سوى التي خُصت بذي الأنوار ،
قوله : ( كالرُّسْلِ ) : الرسل أعلم العلماء من البشر ،
قوله : ( والأبرار ) : الأبرار جمع بَر وهو القائم بحق الله وحق العباد على الوجه الأكمل بقدر المستطاع ،
قوله : ( بذي الأنوار ) : أي بصاحب الأنوار يعني سوى الشفاعة التي خُصت بصاحب الأنوار وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي خُصت بصاحب الأنوار هي الثلاث التي ذكرتُ لكم الآن ،
الشفاعة العظمى والشفاعة لأن يدخل أهل الجنة الجنة والشفاعة لأبي طالب ماذا بقي ؟
بقي الشفاعة فيمن دخل النار أن يُخرج منها ، وفي من استحق النار ألا يدخلها ،
يعني شفاعتين الشفاعة فيمن دخل النار أن يُخرج منها وهذه الشفاعة عامة يعني لا تختص بالرسول صلى الله عليه وسلم كلٌّ يشفع كل من رضيه الله شفع لكن بإذن الله فيمن دخل النار أن يُخرج منها وهم أهل الكبائر من هذه الأمة ومن غير هذه الأمة يدخلون النار بكبائرهم لكن يأذن الله عز وجل لمن شاء من خلقه إكراماً له ورحمةً بالمشفوع له أن يشفع فيه ،
ولهذا كانت الشفاعة في الحقيقة :
تتضمن إكراماً للشافع بقبول شفاعته ،
وتتضمن رحمة المشفوع بإخراج من محنته ، فيأذن الله عز وجل لمن شاء من خلقه من الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء والعلماء الصالحين أن يشفعوا فيمن شاء الله أن يشفعوا فيه أن يخرج من النار فيخرجون من النار بعد أن كانوا حُمماً أي صاروا فحماً يخرجون من النار ،
وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج ينكرون هذه الشفاعة [143] ،
لأنهم يقولون : من دخل النار فإنه لا يخرج منها من دخلها فإنه لا يخرج منها لأنه لا يدخلها إلا صاحب كبيرة والكبيرة توجب الخلود في النار هذا رأي الخوارج والمعتزلة ،
والخوارج أشد من المعتزلة ،(1/475)
لأن الخوارج يرون أنه لا يخرج من النار وأنه كافر ،
والمعتزلة فيهم شبهٌ من المنافقين ،
يقولون : لا نقول : مؤمن ولا نقول كافر لكنه مخلدٌ في النار ،
فاتفق المعتزلة والخوارج على الجزاء الأخروي :
وهو الخلود في النار كلهم يتفقون على أنه خالدٌ في النار ،
واختلفوا في الحكم الدنيوي :
فالخوارج قالوا : هو كافر حلال الدم حلال المال
ولذلك قاتلوا المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم ،
والعجيب أنهم قاتلوا المؤمنين ولم يقاتلوا الكافرين لأن المؤمنين عندهم مرتدون والمرتد في زعمهم أعظم من الكافر الأصلي ،
لأن الكافر الأصلي يمكن إقراره بالجزية ،
والمرتد لا يمكن إقراره بالجزية ،
فلهذا قالوا : نقاتل هؤلاء المرتدين فمن زنا عندهم فإنه كافر يحل قتله ولو كان بِكْراً ومن عقَّ والديه حَلَّ قتله ومن اغتاب الناس وكان ذلك عندهم كبيرة حَلَّ قتله ،
وأظننا لو طبَّقنا هذا الرأي ما بقي إلا خمسة في المائة من الناس أو واحد في المائة ،
على كل حال هذا النوع من الشفاعة وهو الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها هذا معدوم عند المعتزلة والخوارج لأنه خالدٌ في النار ولا يمكن أن يخرج منها ،
لكن اختلفوا في الحكم الدنيوي :
فالمعتزلة قالوا : نحن أهل العدل نخرجه من الإسلام ولا ندخله في الكفر
والخوارج قالوا : نحن أهل الصراحة نخرجه من الإسلام وندخله في الكفر ،
لأنه ليس هناك إسلام وسط وكفر ، المنزلة بين المنزلتين هذه بدعة في دين الله منكرة ، { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ( التغابن 2 ) ، ولم يقل ( ومنكم في منزلة بين المنزلتين ) .
فالخوارج أصرح ، صرحاء قالوا : إما مؤمن وإما كافر ،
وكلا الطريقين ضلال والعياذ بالله ،
فالصواب ما عليه أهل السنة أن هذا الصنف من الناس يمكن أن يُشفع فيه ويُخرج من النار ،(1/476)
بقي من استحق النار أن لا يدخلها هذه أثبتها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية ولكنني إلى الآن لم أجد لها دليلاً فيمن استحق النار ألا يدخلها يعني عصاة من المؤمنين عندهم كبائر استحقوا النار ولكن شفع لهم فلم يدخلوها [144] لم أجد لها دليلاً صريحاً ربما يُستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجلٍ مسلمٍ يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفَّعهم الله فيه ) [145] ، لكن هذا في الدنيا وأنا أريد في يوم القيامة يشفع أحدٌ في قومٍ استحقوا النار قبل أن يدخلوها ليس هناك جواب على هذه المسألة ،
الشفاعة تنقسم إلى قسمين :
1 - شرعية ،
2 - وشركية ،
والشرعية تنقسم إلى قسمين :
1 - عامة ،
2 - وخاصة ،
فالعامة لجميع الخلق الصالحين والخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
والخاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أنواع :
1 - الشفاعة العظمى ،
2 - والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ،
3 - والشفاعة في عمه أبي طالب ،
وأن الشفاعة العامة نوعان :
الأولى : فيمن دخل النار أن يُخرج منها ،
والثانية : فيمن استحقها أن لا يدخلها ،
الشفاعة الشركية هي ما ادَّعاه المشركون في آلهتهم حيث قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله } ( الزمر 3 ) ، وهذه الشفاعة ليست مقبولة لأن من شرط الشفاعة أن يرضى الله عن الشافع وعن المشفوع له ،
إذ لا يمكنه إذنه تعالى بالشفاعة إلا بشرطين ،
فالشروط إذن ثلاثة :
1. رضاه عن الشافع ،
2. ورضاه عن المشفوع له ،
3. وإذنه بالشفاعة ،
الأسئلة
السؤال : بالنسبة للعاصي المؤمن هل يأخذ كتابه بيمينه أو بالشمال ؟
الجواب : يأخذه بيمينه ،
السؤال : يعني يُعذَّب في النار ثم يخرج منها ؟
الجواب : نعم ،
السؤال : ألا يقال إن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من العلامات العشر ؟(1/477)
الجواب : لا ، ليس من العلامات القريبة ، لأن العلامات القريبة الكبار هي التي ذكرها المؤلف ،
السؤال : لأنها متوالية ؟
الجواب : لأنها متوالية ولأنها قريبة من النار ،
السؤال : علامة النار التي تخرج في اليمن وتضيء لها أعناق الإبل ببصرى ؟
الجواب : لا ، خرجت هذه في الحرة في المدينة وكما قال الرسول أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، قصتها مشهورة ذكرها صاحب البداية والنهاية وغيره ،
السؤال : أقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال والعلماء قالوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقره فدل على أنه الدجال ؟
الجواب : هذا الدجال قد يُراد به كل من دجَّل وموَّه وكذَّب ولهذا ذكر الرسول من علاماته أنه لا يدخل المدينة ولا مكة ، ابن صياد دخل المدينة ومكة ،
السؤال : لكن النبي عليه الصلاة والسلام شكَّ فيه ؟
الجواب : لكن شكَّ فيه ثم لما ذكر أنه لا يدخل علمنا نحن الآن أنه ليس هو فلهذا قال : ( إن يكنه فلن تُسَلَّطَ عليه وإن لم يكن فلا خير لك في قتله ) [146] ،
السؤال : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( من نوقش الحساب عُذب ) [147] ؟
الجواب : معناه أن الإنسان إذا أراد الله عز وجل أن يناقشه في الحساب فلا بد أن يُعذب ويَهلك كيف ذلك ؟ لو حاسبك الله على نعمةٍ من نعمه لاستوعبت جميع أعمالك كل أعمالك تستوعبها لو حاسبك الله على النَّفَسْ الذي هو سهل سهلٌ صعب لوجدت أن جميع الأعمال تضمحل وراء هذه النعمة ولكن الله عز وجل يعفو ويصفح ،
السؤال : لو قلنا أن الدابة التي تخرج من أجياد تسم المؤمنين بسمة الإيمان وتسم الكفار بسمة الكفر فهذا دليل على أن الكفار سيدخلون مكة ؟
الجواب : لا هي لا تبدأ في مكة فقط ، تخرج إلى الأرض كلها ،(1/478)
بعض العلماء قال : إن الاستثناء هنا – في قوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } ( القصص 88 ) [148] - الملائكة والوِلدان في الجنة والحور فإن هؤلاء لا يموتون ،
وبعضهم قال : يُستثنى فقط الوِلدان والحور ، والملائكة يموتون [149] ،
والأصل أن كل أحدٍ يموت إلا ما علمنا بالنص الصحيح أنه يبقى هذا الأصل ، الوِلدان قطعاً لا يموتون في الجنة وكذلك الحور ،
السؤال : هناك أثر يقول : أولاد نوح عليه السلام نسل من أحدهم العرب ومن الآخر الفرس والروم ومن الثالث أهل الصين وأن يأجوج ومأجوج من أهل الصين فهل هذا الأثر صحيح ؟
الجواب : هذا ذكره المؤرخون لكن ليس هناك حديثٌ عن الرسول صحيح لكن ذكروه ومشتهر عندهم ،
السؤال : بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله يستحقون النار ، أما يدخل هذا الحديث ……… ؟
الجواب : على كل حال نقول : حرروه ،
سئل الشيخ رحمه الله : عن حديث عائشة الذي في صحيح البخاري الذي فيه إرضاع سالم مولى حذيفة وهو كبير [150] ؟
الجواب : هذا أشكل عليه في القاعدة التي ذكرنا أنه لا يوجد حكمٌ شرعي يختص بالشخص لعينه وإنما يختص به لوصفه ،
أورد علينا قصة سالم مولى أبي حذيفة لما تبناه ولما أبطل الله التبني بقي هذا المولى في البيت يدخل ويخرج فشق عليه دخوله وخروجه فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( أرضعيه تحرمي عليه ) [151] ،
وجه الإشكال أن هذا خاصٌ لسالم مولى أبي حذيفة ،
الجواب عن هذا الحديث :
أولاً : التسليم بأن رضاع الكبير مؤثر كرضاع الصغير وهذا مذهب الظاهرية [152] ،
الظاهرية يقولون : إن إرضاع الكبير مؤثر كإرضاع الصغير ،
لعموم قوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } ( النساء 23 ) .
ولحديث سالم مولى أبي حذيفة ،(1/479)
ويرون أيضاً أن الرضعة الواحدة محرمة وعلى هذا أرادت امرأةٌ من شخص أن يتردد عليها أو لا يتردد أن يكون ولداً لها تعطيه فنجالاً من حليبها ويكون ولداً لها ،
وهذا يفرِّج عنا كثيراً في ضيق المحرم في السفر فإذا أرادت امرأةٌ أن تحج أو أن تسافر وليس لها محرم تختار واحد من الشارع تقول : تعال تفضل ، وإذا عندها دَ لَّةٌ من حليبٍ من ثديها تصب له فنجالاً واحداً وإذا شربه صار ولداً لها وقال : هيا نذهب نأخذ تذكرة لي ولكِ ،
على كل حال هذا رأيهم ،
واستدلوا بالعموم : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } .
واستدلوا أيضا بحديث سالم وهو من أصح الأحاديث ،
أما الجمهور فأجابوا عنه بأحد أجوبةٍ ثلاثة :
وأقول بالجمهور يعني باعتبار العموم لا باعتبار كل فردٍ منهم ،
منهم من قال : إن هذا منسوخ والمنسوخ يبطل حكمه [153] ،
ومنهم من قال : إنه خاصٌ لسالم مولى أبي حذيفة [154] ،
ومنهم من قال : إنه ليس بمنسوخ ولا خاص ،
وأنه إذا وُجدت حالٌ كحال سالم فإن إرضاع الكبير يُحِّرم [155] ،
لكن ما هي الحال ؟ هل هي مطلق الحاجة أو الحاجة التي تنبني على التبني ؟
إذا قلنا بالثاني صار العمل بهذا القول مستحيلاً لماذا ؟
لأنه لا يمكن التبني الآن ،
فإذا قيل : إن ضرورة دخول الإنسان على هذا البيت وخروجه لا يمكن أن تكون مؤثرة إلا إذا كانت مبنيةً على تَبَنٍّ سابق ،
فهذا يعني أنه لا يمكن أن يُعمل بهذا الحديث ،
وشيخ الإسلام رحمه الله مرةً قال بهذا ، ومرةً قال بمطلق الحاجة [156] ،
ونحن نقول القول الأول :
أي قوله بهذا أن خاص بمن تُبُنِّيَ ثم احْتيجَ إلى دخوله هذا مقبول لأن هذا هو الذي ينطبق تماماً على القصة ،
وأما مطلق الحاجة ففيه نظر ،(1/480)
ووجه النظر : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ) وهذا تحذير قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو – يعني قريب الزوج كأخيه وعمه وما أشبه ذلك – وهذا يتكرر دخوله خصوصاً الأخ يتكرر دخوله ، فقال : ( الحمو الموت ) [157] : يعني احذروا منه أكثر من غيره فِرُّوا منه كما تفرون من الموت لو كانت الحاجة مبيحةً للإرضاع المحرم لكانت هذه حاجة ولقال النبي عليه الصلاة والسلام : الحمو ترضعه فتحرم عليه كما قال لامرأة أبي حذيفة : ( أرضعيه تحرمي عليه ) ، فلما لم يعدل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذا الحل عُلم أنه لا يؤثر يعني مطلق الحاجة لا يؤثر ،
فنحن مع الشيخ في التعليل الأول : أنه إذا وُجدت حاجة سببها التبني فحينئذٍ يجوز الإرضاع وإذا لم يوجد فإنه لا يجوز الإرضاع ،
وعلى هذا فيكون العمل بهذا الحديث الآن ليس ممكناً ،
ويكون الآن نقول : لا بد من أن يكون الإرضاع في وقته ،
وعلى هذا التقدير هل يكون هناك خصوصية شخصية ؟
لا ، لأنه لو وُجد أحد مثل سالم لقلنا : لا بأس ترضعه المرأة ويحرم عليها ،
فصل
في الكلام على الجنة والنار
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى النهاية نهاية البشر ،
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى كلمةٍ يقولها كثيرٌ من الناس ولكنهم لا يفهمون معناها يقولون في الميت إذا مات ( ثم دُفن إلى مثواه الأخير ) أو ( ثم نُقل إلى مثواه الأخير ) ،
وهذه الكلمة لو أخذنا بمدلولها لكانت كفراً لأن مضمونها إنكار البعث فإن المثوى الأخير هو الجنة أو النار ،
فإذا قيل لهذا الرجل إذا مات أو دُفن : ( انتقل إلى مثواه الأخير ) فمضمون هذا أنه لا بعث وأن الأمر انتهى ،
لكن كثيراً من الناس لا يفهمون المعنى في الواقع يأخذون العبارات تقليداً ولا يفكرون في المعاني ،
كما مر علينا في قول بعضهم ( اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه ) أن هذا منكر ، اعزم السؤال فإن الله لا مكره له ،(1/481)
أقول : بعد ما يحصل بعرصات القيامة يؤول الناس إلى المثوى الأخير حقيقةً ،
وهو ما ذكره المؤلف في قوله :
******************
122 – وكل إنسانٍ وكل جِنة ،
في دار نارٍ أو نعيم جنة ،
قوله : ( كل إنسان ) : يعني من بني آدم ،
قوله : ( وكل جِنَّة ) : يعني من الجن ،
والجن : ( عالمٌ غيبي مستترون عن الأعين ) ،
وقد يبدون أحياناً وقد يتصورون بشكل حيوانات ،
كما تشكل الجني في فراش الأنصاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في شكل حية فإن شاباًّ من الأنصار كان حديث عهدٍ بعُرس فلما جاء إلى بيته وجد زوجته عند الباب ، فقال لها : ما شأنك لماذا أنتِ عند الباب ؟ قالت : ادخل ، فدخل فإذا حيةٌ مطوية على فراشه فأخذا الرُّمح فوخزها فماتت ثم مات هو في الحال فما يُدرى أيهما أسرع موتاً الرجل أم الحية ؟ لأن هذه الحية كانت جنية فقتلها فقتله أهلها [158] ، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات التي تكون في البيوت حتى يحرِّج عليها ثلاثاً يعني يخاطبها ويقول : أنتِ مني في حرج أخرجي فإذا حرَّج عليها ثلاثاً وعادت قتلها لأنها إن كانت جنية فلن تأتيه وإن أتته فقد أهدرت دمها وإن كانت غير جنية فهي لا تفهم سوف تأتي وتُقتل ولا ضرر في قتلها ،
إذن الجن هم عالم غيبي مستترٌ عن الأعين ، وقد يبدون أحياناً في صور حيوان أو نحو ذلك ثم إن هذا العالم أصلهم من النار لأن أباهم الشيطان إبليس وقد خلقه الله من نار ،
ثم إن هذا العالم فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك وفيهم المسلمون وفيهم الكافرون ،
وإن كان أصلهم إبليس كافراً ،
لكن فيهم المسلم فيهم الصالح فيهم طالب العلم فيهم العابد ،
قوله : ( في دار نار أو نعيم جنة ) : يعني هذا مآلهم إما النار وإما الجنة ولا ثالث لهما ،(1/482)
ودليل الأول : ( في دار نارٍ ) : قوله تعالى : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } ( الأعراف 38 ) .
وهذا نصٌ صريح في أن النار يدخلها أممٌ من الجن وأممٌ من الإنس ،
وهو محل إجماعٍ من العلماء أن كافر الجني في النار ككافر الإنسي [159] ،
ويدل لهذا : قوله تعالى في سورة الجن : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ( الجن 14 – 15 ) ، دليل آخر ،
عجيب أن الكافر من الجن في النار بالنص والإجماع ولا خلاف في ذلك [160] ،
لكن المؤمن من الجن هل هو في الجنة ؟
في هذا خلاف بين العلماء :
1 - فمنهم من قال : إن المؤمن من الجن لا يدخل الجنة ، ولكن ينجو من النار ، وكفى بذلك راحة [161] ،
لأنهم قالوا : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } ، قالوا : { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } ، ولم يدخلوا جزاءاً لهم ، { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ، قالوا : هؤلاء { تحروا رشدا } : أي تحرواُّ سلوكاً طيباً ومعاملةً حسنة وهذا في الدنيا أما في الآخرة فسكتوا ،
2 - وقال بعض العلماء : بل إن مؤمنهم في الجنة كمؤمن الإنس [162] ،(1/483)
واستدلوا لذلك : بسورة الرحمن فإن الله تعالى يخاطب فيها الجن والإنس : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 13 ) ، ويقول : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 33 – 42 ) ، كل هذا للجن والإنس ، { ، ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 46 – 47 ) ، هذا لمن ؟ للجن والإنس السياق واحد والخطاب واحد ، { فبأي آلاء ربكما تكذبان ، ذواتا أفنان } ( الرحمن 47 – 48 ) ، إلى أن قال : { فيهن قاصرات الطرف لم يطمسهن إنس قبلهم ولا جان } ( الرحمن 56 ) ، فـ { لم يطمثهن } ، فيفسدوهن على الإنس ، { ولا جان } ، فيفسدوهن على الجن وهذا في الجنتيين الأخريين ، قال : { فيهن خيرات حسان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، حور مقصورات في الخيام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 70 – 75 ) .
وهذا هو الصحيح المقطوع به أن المسلم من الجن يدخل الجنة ،
وهذا هو مقتضى حكمة الله وعدل الله عز وجل ،
ولكن يبقى النظر هل أُرسل من الجن رسول [163] ؟ نرى ،
1 - قيل : لا [164] ،
لقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } ( يوسف 109 ) .
2 - وقيل : بل منهم رسول ،(1/484)
لقول الله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } ( الأنعام 130 ) ، فهو يخاطب الجن والإنس ويقول : { ألم يأتكم رسل منكم } ، إنساً من الإنس وجناًّ من الجن ،
وأما قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } ، فإن الذكور من الجن يُسمون رجالاً قال الله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } ( الجن 6 ) ، الجن فيهم رجال كما في هذه الآية الكريمة ،
وعلى هذا فلا يتم الاستدلال بقوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } ، ويكون ظاهر قوله : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } ، أن من الجن رسل ،
وهذا موضع الخلاف بين العلماء ،
والذين قالوا : إنه ليس من الجن رسل ،
أجابوا عن قوله : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } :
قال : إن الخطاب باعتبار المجموع لا باعتبار الجميع ،
فهو كقوله تعالى في البحرين : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ( الرحمن 22 ) ، واللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من المالح على ما هو المشهور ،
قالوا : أن حكمة الله تأبى ذلك ،
لأن الرسالة تشريف وتكريم وتعظيم والجن أصلهم من النار وأبوهم إبليس سيد المتكبرين وقائد الكافرين فليس من الحكمة أن يُكرم هؤلاء بالرسالة وإنما يتلقون التعاليم مما جاء من البشر كما قال تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يسمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } ( الأحقاف 29 – 31 ) .
فقالوا عن الجن : ليس منهم رسل لكن منهم نُذُر ،
كما قال تعالى : { ولوا قومهم منذرين } ( الرحمن 22 ) ، فيتلقى هؤلاء النًّذُر مما جاءت به الرسل وينذرون به قومهم ،(1/485)
وينبني على ذلك هل ما يُؤمر به الجن هو ما يُؤمر به الإنس يعني هل صلاتهم كصلاتنا وزكاتهم كزكاتنا وصيامهم كصيامنا وحجهم كحجنا ؟
في هذا أيضاً خلاف بين العلماء :
1 - فمنهم من قال : إذا كان تلقيهم لما يقومون به من الشرائع مما جاءت به الإنس وجب أن يكون مثل ما جاء إلى الإنس لأننا لا نرى فيما جاء به الإنس فصلاً خاصاً بالجن بل نجد أن الأحكام واحدة وعلى هذا فيكون ما أُمر به الإنس هو ما أُمر به الجن ولا فرق ،
2 - وقال بعض العلماء : بل إنهما يفترقان فليس ما أُمر به الجن مساوياً لما أُمر به الإنس في الحد والحقيقة ،
لأن جنس الجن ليس كجنس الإنس وإذا كان الإنس تختلف أحكامهم باختلاف أحوالهم ،
فالمريض يصلي قاعداً مثلاً والفقير لا زكاة عليه ومن لا يستطيع الحج لا حج عليه فكذلك الجني لا يُكلف إلا بما يناسب حاله ،
وتكون العمومات الدالة على ذلك مثل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ( البقرة 286 ) ، وما أشبهها تقيد عموم تكليفهم في شرائع الإنس ،
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال :
إن اختلافهم عن الإنس في الحد والحقيقة يقتضي ألا يتساووا في التكليف لأن حكمة الله تعطي كل مكلفٍ ما يناسبه حتى في البشر [165] ،
وعلى كل حال نحن نقر بأن الجن مكلفون في الجملة ،
وأن كافرهم يدخل النار وأن مؤمنهم يدخل الجنة أيضاً ،
أما مسألة الرسالة وعدم الرسالة فقد تكون الأدلة متكافئة ،
وإن كان الراجح : أن الرسل من البشر ،
وأما هل هم مساوون للإنس في الأحكام الشرعية فهذا محل تَوَقُّف ،
إن نظرنا إلى عموم الأدلة ،
قلنا : هم مساوون للإنس ،
وإن نظرنا إلى الحكمة في التشريع وأن الشرع يختلف باختلاف المكلف ،
قلنا : لا بد أن يكون له شرعٌ خاصٌ بهم وهذا الشرع الخاص بهم ،
وإن كنا لا نجده في الكتاب ولا في السنة ،
لكن يُؤخذ من العمومات ،(1/486)
مثل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، { فاتقوا الله ما استطعتم } ( التغابن 16 ) .
فهم قد لا يستطيعون كل ما يستطيعه الإنس وقد لا يكون عندهم كل ما عند الإنس فتكون الأحكام خاصةً بهم ،
وهذا نقول : الله أعلم الأدلة في هذا متكافئة ،
وليس هناك دليل واضح على أن ما كُلفوا به متساوٍ لما كُلف به الإنس أو مخالف ،
والمهم أن المؤلف يقول ( في دار نار ) : هذا بالإجماع مستنده النص ،
قوله : ( أو نعيم جنة ) : فيه خلاف ،
والصحيح : أنهم يدخلون الجنة ،
قوله تعالى : { تحروا رشدا } ( الجن 14 ) ، السكوت عن دخول الجن الجنة لا ينافي دخولهم وليس بصريح ،
لو قال : لا يدخلون الجنة ،
لقلنا : هذا صريح لكن ذكر أنهم يتحرون الرَّشد ويريدون الرُّشْد وسكت عن ثوابهم في الآخرة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاستعانة بالجن جائزة بشرطين :
1 - ألا يكون الطريق الموصل إليها مُحَرَّماً ،
2 - وألا يستعين بهم على شيءٍ مُحَرَّم [166] ،
فإن كانت الطريقة مُحرمة بأن قالوا : لا نعينك حتى تسجد لنا مثلاً ،
وهذا لا يمكن أن يقع من مؤمن الجن ،
لأن مؤمن الجن لا يمكن أن يأمر بالشرك ،
لكن قد يكون مؤمناً أو يكون مسلماً وعنده فسق ،
فيقول مثلاً للمرأة : لا أعينك حتى تمكنيني من نفسك
أو يكون عنده فاحشة اللواط ويقول للشاب : لا أعينك حتى تمكنني من نفسك فهذا حرام لا يجوز ،
أو يستعين بهم على شيءٍ مُحرم بأن يقول : أحضروا لي مال فلان فيذهبون ويأتون بمال فلان إليه هذا حرام لأنه يستعين بهم على معصية على سرقة أموال الناس ،
لكن إذا استعان بهم على شيءٍ مباح وبطريقٍ مباح ،
فيقول شيخ الإسلام : إنه لا بأس بذلك إذا عرفت أنه يذكر الله ، ولا يأمر بالفحشاء ولا يأمر بالكفر ،(1/487)
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وقائع في الفتاوى وكذلك في كتاب النبوات وكذلك في إيضاح الدلالة في عموم الرسالة [167] أنه في عهد عمر بن الخطاب كانت امرأة في المدينة لها رأين من الجن وأن عمر بن الخطاب تأخر وبحثوا عنه فجاءوا إلى هذه المرأة فأرسلت رأيها فأخبره وهو مستعمل حتى عندنا هنا في هذه البلاد وغير هذه البلاد مستعمل الجن مثلاً في إحضار الغائب المستور أو ما أشبه ذلك [168] ،
إذن كلام المؤلف صريح في أن الجن يدخلون الجنة وكذلك يدخلون الإنس ،
******************
123 – ومن عصى بذنبه لم يخلد ،
وإن دخلها يا بوار المعتدي ،
الجنة والنار داران هما مآل الخلق وليس بعدهما دار ،
لأن دور الإنسان أربع :
الأولى : في بطن أمه ،
والثانية : في الدنيا ،
والثالثة : في البرزخ ،
والرابعة : يوم القيامة وهذه الأخيرة لا دار بعدها [169] ،
والبحث في مسألة الجنة والنار من وجوهٍ متعددة :
البحث الأول : هل الجنة والنار موجودتان الآن ؟
والجواب : نعم موجودتان الآن ،
ودليل ذلك في القرآن والسنة :
أما القرآن : فقد قال الله تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ( آل عمران 131 ) ، والإعداد بمعنى التهيئة فإنها مهيأة للكافرين ، وأما الجنة : فقال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } ( آل عمران 133 ) ، والإعداد معناه التهيئة ،(1/488)
وفي السنة : رأى النبي صلى الله عليه وسلم النار عُرضت عليه وهو يصلي صلاة الخسوف [170] ، ورأى فيها عمرو بن لحيٍّ يجر قُصْبَهُ في النار يعني يجر أمعاءه [171] ، ورأى فيها امرأة تُعذب في هِرَّةٍ لها حبستها حتى ماتت ، ورأى فيها صاحب المحجم الذي يسرق الحجاج بمحجمه وكان معه المحجن وهو العصا المحمية الرأس يمر بالحاج ويخطف متاعه إن لم يفطن له الحاج ذهب وإن فطن له قال : تعلق متاعك بمحجمي فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يُعذب بمحجمه في النار [172] ، أما الجنة فرآها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي صلاة الخسوف حتى همَّ أن يتناول منها قِطْفَ عنب ولكنه لم يفعل وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام [173] ، ورأى فيها قصراً لعمر بن الخطاب ولم يدخله لأنه تذكر غيرة عمر ولما حدَّث عمر بذلك بكى رضي الله عنه وقال : أعليك أغار يا رسول الله ؟ [174] ، يعني يقول : لو دخلته ما غرت لو غرت على غيرك ما غرت عليك ،
فالمهم إذن ثبت بالكتاب والسنة أن النار والجنة موجودتان الآن ،
وهو أيضاً محل إجماعٍ بين العلماء ،
ولكن متى خُلقتا هذا هو الذي نتوقف فيه ،
وهو محل إجماع ،
وأما النار فمحل إجماعٍ أنها مُؤبدة [175] ،
إلا خلافاً يسيراً ذهب إليه بعض العلماء وهو مرجوح بل لا وزن له ،
والصحيح : الذي لا شك فيه أن النار مؤبدة دائماً وأبداً ،
لقول الله تبارك وتعالى في آياتٍ ثلاثٍ في كتابه : { خالدين فيها أبدا } ، فقال جل وعلا في سورة النساء : { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ، إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } ( النساء 168 – 169 ) .
وتأبيد الخالد يدل على تأبيد على مكان الخلود ضرورة وإلا فكيف يكون خالداً في غير محل ؟
هذا مستحيل ،
وقال تعالى في سورة الأحزاب : { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ، خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا } ( الأحزاب 64 – 65 ) .(1/489)
وقال في سورة الجن : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا } ( الجن 23 ) .
وثبت في السنة : أنه يُؤتى يوم القيامة بالموت ، فيوقف في مكانٍ بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون ، فيقال لهم : هل تعرفون هذا ؟ فيقول : نعم هذا الموت ، فيُذبح ، ويقال : يا أهل الجنة خلودٌ ولا موت يا أهل النار خلودٌ ولا موت [176] ،
ولم يُحدد وهذا من السنة ،
والإجماع يكاد يكون منعقداً ،
إلا خلافاً يسيراً عن طائفةٍ من السلف والخلف لكنه مرجوح بل قلت : لا وزن له ،
فإن قالوا إن رحمة الله سبقت غضبه ؟
قلنا : لا قياس في مقابلة النص ما دام عندنا نص من القرآن صريح بالتأبيد فلا قياس ،
إذن البحث الثاني : هل الجنة والنار مؤبدتان لا تفنيان [177] ؟
الجواب : نعم ،
البحث الثالث : هل يدخل الإنس والجن الجنة والنار أو هذا خاصٌ بالأنس ؟
الجواب : أما النار فيدخلها الجن والإنس بالنص والإجماع [178] ،
قال الله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } ( الأعراف 179 ) : أي خلقنا كثيراً من الجن والإنس نسأل الله ألا يجعلنا منهم ،
وقال تعالى : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } ( الأعراف 38 ) .
وقال تعالى في سورة الجن : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسكون فمن اسلم فأولئم تحروا رشدا ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ( الجن 14 – 15 ) .
وأما دخول المؤمنين الجنة فهو بالنسبة للبشر بالنص والإجماع ،
وبالنسبة للجن محل خلاف ،
والصحيح : أنهم يدخلون الجنة ،
والدليل على ذلك : ما جاء في سورة الرحمن حيث يخاطب الله الجن والإنس ويقول جل وعلا : { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ، هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ، يطوفون بينها وبين حميم آن ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 41 – 45 ) .(1/490)
وهذا قلنا : أنه مجمع عليه دخول النار مجمع عليه ليس فيه إشكال ،
{ ولمن خاف مقام ربه جنتان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 46 – 47 ) ، والخطاب لمن ؟
للجن والإنس إلى أن قال في الجنتين الأوليين والأخريين : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ( الرحمن 74 – 75 ) .
وعليه فالقول الراجح : أن مؤمني الجن يدخلون الجنة كمؤمني الإنس [179] ،
ولأن هذا من كمال عدل الله عز وجل من كمال عدله أن من عمل ابتغاء ما وُعد به من الثواب فلا بد أن يحقق له الثواب ،
ولأن هذا مقتضى قوله تعالى في الحديث القدسي : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) [180] ،
والذين يقولون : إن كافر الجن يدخل النار ومؤمنهم لا يدخل الجنة يجعلون غضبه سبق رحمته ،
كيف نقول : إن هؤلاء إذا عملوا ما يقتضي الرحمة ؟
فإنهم لا يُعطون الرحمة وإذا عملوا ما يقتضي العذاب فإنهم يُعذبون أين سَبْقُ الرحمة للغضب ،
فإن قيل : ما تقولون : في قوله تعالى : { فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } ( الجن 14 ) ، وفي قوله تعالى : { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } ( الأحقاف 31 ) ، ولم يقولوا ويدخلكم الجنة ؟
فالجواب : أن السكوت عن الشيء لا يلزم منه انتفاء الشيء لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم فإذا لم يُذكر ثوابهم في هذه الآية فقد ذُكر في آيةٍ أخرى لا معارض لها لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم ،
وعلى هذا فنقول في هذا البحث : إن مؤمني الجن يدخلوا الجنة كمؤمني الإنس ولا فرق ،
قوله : ( ومن عصى بذنبه لم يخلد ) : ما المراد بالمعصية في كلام المؤلف هنا ؟
الكبائر ، المراد : الكبائر ،
قوله : ( وإن دخلها ) : في نسخة ( وإن يَرِدْها ) يعني وإن وردها دخولاً ،(1/491)
لكن النسخة الصحيحة ( وإن دخلها ) : يعني وإن دخل النار فإنه لا يُخلَّد لأنه لا يُخلَّد فيها إلا الكافرون ومن عصى بذنبه لم يخلد وإن دخلها ،
قوله : ( يا بوار المعتدي ) : هذا نداء يعني يا بوار المعتدي احضر لأن المعتدي أهلٌ للبوار والبوار هو الهلاك كما قال تعالى : { وأحلوا قومهم دار البوار } ( إبراهيم 28 ) : دار الهلاك ،
فمن المعتدي هنا ؟ هل المعتدي العاصي الذي يدخل ؟ أو المعتدي الذي يقول إن من دخل النار لا يخرج منها أو هما جميعا ؟
الظاهر أنهما جميعاً أو أن مراد المؤلف رحمه الله بالمعتدي المعتزلة والخوارج ،
لأن المعتزلة والخوارج قالوا : إن من دخل النار ولو من أجل الكبيرة فإنه لا يخرج منها ،
ولكن يختلفون في أحكام الدنيا ،
فالمعتزلة يقولون : في منزلة بين المنزلتين ،
والخوارج يقولون : كافر ،
وهم جميعاً اتفقوا أنهم في الآخرة أي العصاة مخلدون في النار ولهذا لا تنفع فيهم الشفاعة ،
والصحيح : ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة
كما مر علينا في أحاديث كثيرة في الشفاعة أن من دخلها من العصاة فإنه يخرج منها إما بالشفاعة وإما بفضل الله ورحمته لكن لا بد أن يخرج منها ،
البحث الرابع : لمن تكون الجنة والنار ؟
يقول المؤلف :
وكل إنسانٍ وكل جِنَّة ،
في دار نارٍ أو نعيم جنة ،
قوله : ( كل إنسان وكل جِنَّة ) : أي كل واحد من الجن في دار نار أو نعيم جنة ،
إذن كلام المؤلف صريح في أن الجن يدخلون الجنة وكذلك يدخلون النار وكذلك الإنس ،
******************
124 – هما مصير الخلق من كل الورى ،
فالنار دار من تعدى وافترى ،
قوله : ( هما ) : أي النار والجنة ،(1/492)
قوله : ( مصير الخلق من كل الورى ) : هما مصير الخلق ، ليس هناك داراً ثالثة ،
حتى أصحاب الأعراف الذين يوقفون في مكان بين الجنة والنار مآلهم إلى الجنة ولا بد لا يمكن لأحد من الورى إلا أن يكون إما في جنة أو في نار ،
هذا البيت كالاستثناء من قوله : ( هما مصير الخلق من كل الورى ) ، يعني يُستثنى من ذلك من عصى بذنبه فإنه لا يُخلد في النار ،
والمعصية : الخروج عن الطاعة ،
وتنقسم عند العلماء إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
المعاصي تنقسم إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
وما هو الضابط أو ما هو الحد أو ما هو العد ؟ يعني هل الكبائر معدودة أو الكبائر محدودة بضوابط أم ماذا ؟
قال بعض العلماء : إن الكبائر معدودة [181] ،
( اجتنبوا السبع الموبقات : الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقتل المحصنات المؤمنات الغافلات والتولي يوم الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم ) [182] ،
وقال بعض العلماء : بل إنها غير معدودة [183] ،
بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدَّ الإشراك بالله وهو كفر مخرج عن الملة فأراد بيان عظم هذه السبع ولكن هناك شيءٌ آخر [184] ،
إذن نرجع إلى القول : بأنها محدودة بضوابط ،
فما هذه الضوابط ؟
قال بعضهم : كل ذنبٍ ترتب عليه لعنة أو غضب أو وعيد في الآخرة أو حدٌّ في الدنيا [185] ،
يعني ما فيه حدٌّ في الدنيا أو وعيدٌ في الآخرة أو غضب أو لعنة يعني أربعة أوصاف ،
فالزنا مثلاً كبيرة لأن فيه حداًّ في الدنيا الإسبال كبيرة لأن فيه وعيداً في الآخرة قتل النفس كبيرة لأن فيه لعنةً وغضباً وهلم جراّ خذ هذا الضابط ،
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : الكبيرة ما ترتب عليه عقوبة خاصة [186] ،
يعني ما جعل الله أو رسوله عليه عقوبة خاصة أيُّ عقوبة دنيوية أو دينية أو أخروية ،(1/493)
وذلك لأن المعاصي : إما أن تقع منهياًّ عنها أو محرمة وما أشبه ذلك فهذه تكون صغيرة ، { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } ( النور 31 ) ، هذه صغيرة ،
لكن إذا ترتب على ذلك عقوبة خاصة كحدٍّ في الدنيا وعيد في الآخرة لعنة غضب نفي إيمان تبرؤٌ منه أي شيء يُذكر له عقوبة خاصة دينية أو دنيوية أو أخروية فإنها من كبائر الذنوب ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [187] ،
هذا من الكبائر إذا لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك ؟
الجواب : نعم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ،
وهذا الضابط ضابطٌ حسن وبه يمكن أن تميز بين الصغائر والكبائر ،
فما جاء مُرَتَّباً عليه عقوبة خاصة فهو كبيرة ،
وما جاء منهياً عنه أو ذُكر فيه التحريم أو لا ينبغي أو ما أشبه ذلك فهذه من صغائر الذنوب ،
نعود مرةً أخرى المعاصي تنقسم إلى قسمين :
1 - صغائر ،
2 - وكبائر ،
والفرق بينهما : من حيث الحقيقة والماهية هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ،
لأن النفس تطمئن إليه ،
أما من حيث الحكم ،
فالفرق بينهما :
أن الصغائر تكفرها الصلاة والصوم والوضوء والصدقة والتسبيح وما أشبه ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
أما الكبائر فلا بد فيها من توبة ولا تنمحي عن الإنسان إلا بتوبة هذا هو الأصل [188] ،
الفرق الثاني من حيث الحكم : الكبائر بمجرد فعلها يخرج الإنسان من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق أي أنه يكون فاسقاً بمجرد فعل الكبيرة ما لم يتب والصغائر لا يخرج من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق إلا بالإصرار عليها فإذا أصر عليها صار فاسقاً لا عدلاً ،
فصار الفرق بينهما من وجهين :
الوجه الأول : أن الصغائر تقع مكفرة بالأعمال الصالحة والكبائر لا بد فيها من توبة ،(1/494)
الفرق الثاني : الكبائر يخرج بها الإنسان من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق بمجرد الفعل والصغائر لا يخرج منها من دائرة العدالة إلى دائرة الفسق إلا بالإصرار عليها ،
حلق اللحية صغيرة لكن إذا أصر عليها صار كبيرة ، شرب الدخان صغيرة ، فإذا أصر عليه صار كبيرة ،
هذا بقطع النظر عما يحدث في قلب الفاعل يقترن بها شيءٌ من الاستخفاف بأوامر الشرع والاستهانة بها وحينئذٍ تنقلب الصغيرة كبيرة ،
تنقلب الصغيرة كبيرة من الاستخفاف بأوامر الشرع ،
وربما تكون الكبيرة صغيرة من أجل أن يفعلها الإنسان مع الخجل من الله عز وجل ورؤيتها أمام عينه دائماً فهذا تنقلب إلى صغيرة وربما يكون فعله هذا أو شعوره هذا توبة ،
ذكرنا قبل قليل أن الكبائر لا بد لها من توبة ،
فهل معنى ذلك أن الإنسان لا بد أن يُعاقب عليها ؟
لا ، لكن إذا فعلها يستحق العقوبة ما لم يتب والصغائر ؟
لا ، قد تقع مكفرة بالأعمال الصالحة ،
أما الكبائر فنقول : يستحق العقوبة عليها إلا بتوبة ،
أما نفس العقوبة فإن الله تعالى يقول : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء 48 ) .
وعلى هذا ففاعل الكبيرة إذا لم يتب فهو على خطر لأنه يُقال له : ما الذي أعلمك أنك داخلٌ في المشيئة ؟
وإلا فإن بعض الناس إذا نهيته عن الكبيرة قال : يا أخي سبحان الله ما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى أقرأ القرآن ، قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
انظر كيف تمنيه نفسه ، هل قال : ويغفر ما دون ذلك مطلقاً أم قيدها بالمشيئة ؟
وما الذي أعلمك أنك ممن دخل في المشيئة ربما تكون ممن لا يشاء الله أن يغفر له فأنت على خطر ثم قد يُقال : إن قوله : { لمن يشاء } ، أن هذا المستثنى هو الذي فعل الكبيرة على وجه الحياء من الله تعالى والخجل وصارت الكبيرة دائماً في عينه حينئذٍ تنقلب صغيرة ويدخل في المشيئة ،
قد يُقال هذا وإن كان هذا خلاف ظاهر اللفظ ،(1/495)
والحاصل : نقول لهذا المفرِّط الذي منَّته نفسه ما لم يكن على علمٍ من حصوله نقول له : من قال لك : إنك داخلٌ في قوله : { لمن يشاء } ؟
قوله : ( هما مصير الخلق ) : ليس هناك دارٌ ثالثة حتى أصحاب الأعراف الذين يُوقفون في مكانٍ بين الجنة والنار مآلهم إلى الجنة ولا بد لا يمكن لأحد من الورى إلا أن يكون في جنة وإلا في نار ،
قوله : ( من كل الورى ) : يريد به الخصوص أي يريد به الإنس والجن ،
أما الملائكة فلا يدخلون النار ، الملائكة لا يدخلون النار ،
لكنهم في الجنة مُسخرُّون لأهل النار ، { يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } ( الرعد 23 – 24 ) .
وهناك ملائكة لا نعلم الله أعلم مصيرهم لكننا نعلم أنهم لن يدخلوا النار ،
قوله : ( فالنار دار من تعدى وافترى ) : النار دار من تعدى الحدود وافترى الكذب ،
فمن أشرك فهو متعدي ومفتري أيضاً ،
لأن إشراكه بالله يقتضي بأنه يقول بلسان حاله أو لسان مقاله إن مع الله إلهاً آخر ومن زعم أن لله ولداً فهو متعدٍ مفترٍ ،
وعلى هذا فيكون التعدي والافتراء متلازمين ،
لكن الافتراء يلزمه التعدي بكل حال ،
والتعدي لا يلزمه الافتراء بلسان المقال ولكن يلزمه الافتراء بلسان الحال ويتضح هذا بالنسبة للمفتري أن يقال : إن المفتري متعدي ولا شك ،
لأن الإنسان لو تقوَّل على بشر لقيل إنه متعدٍ عليه فكيف إذا تقوَّل على رب العالمين ؟!!
أما المعتدي فقد يعتدي بغير افتراء لكن لسان حاله يقول : إنه مفتري ،
******************
125 – وجنة النعيم للأبرار ،
مصونة عن سائر الكفار ،
جنة النعيم هي جنة الآخرة ونعيمها نعيمٌ في البدن ونعيمٌ في القلب ،(1/496)
الدنيا في الغالب لا يجتمع النعيمان قد يُنعَّم الإنسان في البدن ولا يُنعم في القلب وقد يُنعم في القلب ولا يُنعم في البدن قد يكون هذا الرجل غنياً عنده من الترف ما لا يعلمه إلا الله قد نعَّم بدنه تماماً ،
ولكن قلبه يغلي والعياذ بالله يغلي من الهم والغم والخوف على نعيمه والخوف على نفسه لو لم يكن من نعيم الدنيا إلا الإنسان إذا تذكر الموت أو تذكر الهرم تنغص ،
كما قال الشاعر :
لا طيب للعيش ما دامت منغصةً ،
لذَّاته بِادِّكارِ الموت والهرم [189] ،
هذا صحيح على أنه لا يمكن أن يتم النعيم من كل وجه في الدنيا ،
كما قال الحكيم الشاعر [190] :
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ،
ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسر [191] ،
وقس هذا على نفسك إذا سُررت اليوم تنتظر الحزن غداً وإن حزنت اليوم تنتظر السرور غداً لكن نعيم الجنة جعلنا الله وإياكم ممن يتمتعون به ليس فيه حزن ،
ولهذا قال المؤلف : ( وجنة النعيم ) : نعيم القلب أو نعيم البدن ؟
كليهما ،
ولهذا قال الله تعالى في سورة الإنسان : { ولقاهم نضرة وسرورا } ( الإنسان 11 ) ، نضرة في الوجه وفي البدن وسرور في القلب ،
فاجتمع لهم النعيمان نعيم البدن بالنضرة الحسنة ونعيم القلب بالسرور نسأل الله لنا ولكم ذلك ،
سبق لنا الكلام على المباحث في الجنة وسبق لنا الكلام أيضاً على دخول العصاة في النار ،
وقلنا : إن أهل الكبائر من هذه الأمة يدخلون النار ولكن يخرجون منها بالشفاعة أو بغير الشفاعة ،
خلافاً لطائفتين مبتدعتين وهما الخوارج والمعتزلة لأنهما يقولان بخلود أصحاب الكبائر في النار ،
وخلافاً لطائفةٍ ثالثة :
المرجئة يقولون : إن أهل الكبائر لا يدخلون النار ،(1/497)
لأنهم يقولون : لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة ،
المرجئة يقولون : الأعمال لا تدخل في الإيمان إذا آمن الإنسان في قلبه فهو مؤمن ولا يستحق العقاب ،
فقيل لهم : ما تقولون في آيات الوعيد وأحاديث الوعيد ؟
قالوا : هذه في الكفار أما المؤمن فلا يمكن أن يدخل النار ،
هذا المذهب باطل ،
لأن فيه نصوصاً كثيرة تعلق الوعيد على فعل ما ليس بكفر ،
قطع الرحم ، كفر أو غير كفر ؟
ليس بكفر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة قاطع ) [192] ،
على كل حال إذن ممكن أن نقول : إن الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها من الكبائر يخالف فيها ثلاث طوائف مبتدعة :
المرجئة لأنهم يقولون : إن أهل الكبائر لا يدخلون النار أصلاً ،
والخوارج والمعتزلة لأنهم يقولون : من دخل النار فهو خالدٌ فيها ،
******************
126 – واجزم أن النار كالجنة في ،
وجودها وأنها لم تتلف ،
وهذا أيضاً تكلمنا عليه في وجود الجنة والنار الآن ،
وبينا أن الجن والنار موجودتان الآن بدلالة الكتاب والسنة وهل هما يفنيان ؟
ذكرنا أن القول الراجح : أنهما لا يفنيان ،
وأن الجنة محل إجماعٍ من أهل السنة ،
وأن النار فيها خلافٌ ضعيفٌ ضعيفٌ ضعيف ،
والقائل به قليل فلا يعتد به ولا يُلتفت إليه ،
والصحيح الذي لا شك فيه والذي ندين الله به ونعتقده : بأن النار مؤبدة لن تتلف ،
ولهذا قال : ( واجزم بان النار كالجنة في وجودها وأنها لن تتلف ) ،
قوله : ( وأنها لم تتلف ) : ( لن ) هنا بمعنى ( لم ) يعني لن تتلف في المستقبل ،
هنا قاس النار على الجنة لأن النار مختلفٌ في بقائها بخلاف الجنة ،
******************
127 – فنسأل الله النعيم والنظر ،(1/498)
لربنا من غير ما شينٍ غبر ،
قوله : ( فنسأل الله النعيم ) : في الجنة ،
قوله : ( والنظر ) : لربنا عز وجل وهو أعلى نعيم الجنة [193] ،
فإن أهل الجنة لا يُعطون نعيماً أعظم ولا أسر من النظر لوجه الله ،
قوله : ( من غير ما شينٍ غبر ) : أي من غير سوءٍ ،
قوله : ( غبر ) : أي مضى ، أي نسأل الله النعيم والنظر من غير أن يتقدم ذلك عذاب بل ندخل الجنة بلا عذاب نسأل الله ذلك ،
******************
128 – فإنه يُنظر بالأبصار ،
كما أتى في النص والأخبار ،
قوله : ( فإنه ) : أي الله عز وجل ،
قوله : ( يُنظر بالأبصار ) : الأبصار جمع بصر يعني بالعين ،
رداًّ على من قال : إنه يُنظر بالقلب ،
وأن النصوص الواردة في النظر إلى الله يُراد بها النظر بالقلب أو النظر إلى ثوابه ،
وكلاهما معنيان باطلان ،
أما النظر بالقلب فإن هذا حاصلٌ لأهل الجنة قبل أن يدخلوا الجنة ،
فإن المؤمن يكاد يرى ربه بقلبه من شدة إيمانه به وبأسمائه وصفاته ،
وأنت لو وُصف لك شيءٌ في الدنيا وصف لك إنسانٌ ثقة بيتاً لتشتريه وصفاً دقيقاً فأنت الآن تراه بقلبك ،
المؤمنون المتقون يرون الله سبحانه وتعالى بقلوبهم قبل يوم القيامة ،
ولولا هذا اليقين ما حصل لهم دخول الجنة فهم يرون الله تعالى بقلوبهم من قبل أن يدخلوا الجنة ،
وحينئذِ لا نعيم لهم في هذا النظر لأنه قد تم لهم من قبل ،
وأما الذين قالوا : إنهم ينظرون إلى ثواب الله ،
فيقال : هذا تحريف للنصوص الصريحة الصحيحة ،
مثل : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس ليس دونها سحاب ) [194] ، وهذا واضح أن الذي يُرى الله نراه كالشمس ليس دونها سحاب ( ترونه كالقمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) [195] ،(1/499)
قوله : ( كما أتى في النص ) : يعني القرآن يعني النص القرآني ،
قوله : ( والأخبار ) : جمع خبر وهي الأحاديث ،
فرؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة ثابتةٌ بالقرآن وإجماع السلف [196] ،
حتى إن بعض العلماء صرح بأن من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر ،
لأنه مكذبٌ للنصوص الصريحة الصحيحة ومخالفٌ لإجماع السلف ،
وقال بعض العلماء : من قال : إن الله لا يُرى في الآخرة ، فنسأل الله أن يحرمه رؤيته في الآخرة ،
وهل يستحق هذا أو لا ؟
نعم ، يستحق الذين ينكر أن الله يُرى في الآخرة نقول : الله يحرمك منها ،
واعتقد أننا لو قلنا : حرمك الله منها لاستشاط غضباً فإذا دُعي عليه بأن لا يرى ربه غضب ،
وهو يقول في عقيدته : يمتنع أن نرى ربنا ،
فنقول : إذا كنت تقول : إنه يمتنع ، فنسأل الله أن يحرمك إياها وهو جديرٌ بأن يُدعى له بذلك لأنه أنكرها فلو أنه استشاط غضباً وهمّ أن يقاتلنا ،
نقول له : قف ألست ترى أنه مستحيل ؟
نحن ما دعونا لك إلا بما تعتقد أنه مستحيل فنحن أعنّاك على رأيك وألزمناك بما ترى ،
إذن ما هو النص القرآني على ثبوت الرؤية ؟
نقول دلالة القرآن على الرؤية من وجوه :
أولاً : التصريح بالنظر ،
والثاني : نفي الإدراك ،
والثالث : حجب أعداء الله عن رؤية الله [197] ،
هذه ثلاثة أنواع من الأدلة :
الأول : التصريح بالنظر ،
والثاني : نفي الإدراك ،
والثالث : حجب الأعداء ،
أما التصريح بالنظر :
فمثل : قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ( القيامة 22 – 23 ) ، ولم يقل : قلوبٌ يومئذٍ ناظرة ،
وإذا كانت الوجوه هي التي ترى ،
فما هي وسيلة الرؤية في الوجه ؟
العين إذن نراه بأعيننا ، { وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة } ، ولم يقل : قلوب ،(1/500)
وقال الله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ( يونس 26 ) ، وفسر بالزيادة أعلم الخلق بالله وكتابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المراد بالزيادة : النظر إلى وجه الله ،
وهل تعلمون تفسيراً أصح وأوثق من تفسير الرسول ؟
فإذا قال : هي النظر إلى وجه الله ،
قلنا : صدقت وصدق الله صدق الله ورسوله ،
أما نفي الإدراك وهو النوع الثاني من الأدلة :
ففي قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ( الأنعام 103 ) .
فإن نفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية ،
لأن نفي الإدراك مع عدم ثبوت الرؤية لغو من القول وفساد ،
لماذا تقول : { لا تدركه الأبصار } ، وهو لا يرى أصلاً ؟
هذا لا يمكن ،
فكونه يقول : { لا تدركه الأبصار } ، يعني أنها تراه ولكن لا تدركه ،
ولهذا استدل بهذه الآية أهل السنة على أن الله يُرى ،
وجه الدلالة : أن نفي الإدراك دليلٌ على أصل ثبوت الرؤية ،
لأن نفي الإدراك عما لم يثبت أصله لغو من القول لا حاجة له ،
وحينئذٍ فيكون في الآية دليل على ثبوت الرؤية ،
والعجب أن الذين ينفون الرؤية يستدلون بالآية على أنه لا يُرى [198] ،
يقولون : لأن الله يقول : { لا تدركه } .
قلنا لهم : الله يقول : { لا تدركه } .
ولكن لم يقل : لا تراه ،
وفرق بين الإدراك والرؤية ،
نحن الآن نعلم الله عز وجل لكن هل ندركه ؟ ندرك حقيقته ؟
لا ، ونحن نعلمه قولوا : لا يُعلم ،
إذن الله لا يُعلم ،
وعلى هذا فالآية صريحة في أن الله يُرى ،
وأنا أذكر لكم قاعدة في الاستدلال ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
وناهيك به فهماً وفقهاً قال أنا ملتزم بكل دليل صحيح استدل به مبطل على باطله أن أجعله دليلاً عليه لا له سواءً أثري أو نظري هذا قاله في كتابه ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) ( درء تعارض العقل والنقل ) ،
يقول : أنا ملتزم لكل إنسان بدليل صحيح على قولٍ باطل أن أجعل دليله دليلاً عليه لا له أرأيت ؟(2/1)
لأن استدلاله بهذا الدليل لا شك أنه يُشم منه رائحة ما قال إلا أن الذي شمه في أنفه زُكام فيكون دليل على أن خلاف ما شمّ هو الصحيح أم لا ؟
الإنسان الذي في أنفه زُكام تأتيه بالطِّيب الطَّيِّب لكنه بارد يقول لك : هذه رائحته ليست بطيبة لأنه بارد والأنف مسدود وتأتيه بالبترول بالبنزين الذي رائحته تضرب إلى الدماغ ، تقول : ما هذا الطِّيب ؟ يقول : هذا طَّيِّب ، كم التولة ؟ فالإنسان الذي في أنفه زُكام لا يعرف الرائحة ،
لذلك إذا استدل بدليل على باطله وهو دليل صحيح بهذا الشرط أنه دليل صحيح أما دليل موضوع يأتي به ويجعله دليلاً له فهذا ليس فيه فائدة فهو دليلٌ عليه ،
هؤلاء استدلوا على نفي الرؤية في الآخرة بقوله : { لا تدركه الأبصار } .
قالوا : هذا دليلٌ عليه لأن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ولولا وجود أصل الرؤية لكان نفي الإدراك لغواً يُنزَّه عنه كلام الله ،
النوع الثالث من الأدلة على الرؤية : حجب الله عن أعدائه في قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ( المطففين 15 ) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : والله ما حجب أعداءه عنه في حال الغضب إلا ليراه أولياؤه في حال الرضا [199] ، وهذا صحيح أم غير صحيح ؟ صحيح لماذا ؟
لأنه لو كان الجميع محجوبين لم يكن لنفي الحجب عن الأعداء فائدة بل فيه مضرة حيث أوهم التخصيص ببعض مدلولاته ،
والحاصل : أن رؤية الله ثابتة بالنص على كم وجه ؟
ثلاثة أوجه :
1 - ثبوت الرؤية ،
2 - نفي الإدراك ،
3 - الحجب عن الأعداء ،
أما السنة : فقد تواترت بهذا [200] أي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة أن المؤمنين يرونه ،
وعلى هذا قول الناظم [201] ينظم بعض ما تواتر :
مما تواتر حديث من كذب ،
ومن بنى بيتاً لله واحتسب ،(2/2)
ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوضُ ،
ومسح خفين وهذي بعضُ [202] ،
الشاهد قوله : ( ورؤية ) ،
******************
129 – لأنه سبحانه لم يُحجب ،
إلا عن الكافر والمكذب ،
هذا تعليلٌ بتدليل يشير إلى قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ( المطففين 15 ) ، فإذا حُجب هؤلاء فضدهم يرون الله ،
الأسئلة
السؤال : دعوة الجني إلى الإسلام إذا تمكن منها الإنسان ؟
الجواب : لكن هل يمكن هذا ؟ إذا كان هذا واقع فالواقع لا يمكن إنكاره ،
السؤال : هل يجب دعوته للإسلام ؟
الجواب : الظاهر أنه يجب عليه أن يدعوه للإسلام لأن الدعوة واجبة الرسول بُعث إلى الجن والإنس والعلماء ورثة الأنبياء ،
يقال أن للجن أعمار طويلة ،
يقولون أن أحد الجن وجدوه في شعاب مكة وسألوه عن عمره فقال أنه لما قتل قابيل هابيل وأنا قد بلغت الحلم فالله أعلم ،
الباب الخامس
في ذكر النبوة ومتعلقاتها
الدين الإسلامي مبنيٌّ على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،
فبشهادة أن لا إله إلا الله يكون الإخلاص وبشهادة أن محمداً رسول الله يكون الإتباع ،
انتهينا مما يتعلق بالرب عز وجل فيما قال المؤلف في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ماذا بقي ؟
شهادة أن محمداً رسول الله ،
وحينئذ لا بد أن نعرف النبوة والرسالة والحكمة من ذلك الحكمة من الرسالة والنبوة وما يتعلق بهذا ولهذا قال المؤلف : ( الباب الخامس في ذكر النبوة ومتعلقاتها ) ،
******************
130 – ومن عظيم منة السلام ،(2/3)
ولطفه بسائر الأنام ،
131 – أن أرشد الخلق إلى الوصول ،
مبيناً للحق بالرسول ،
من عظيم المنة بل أعظم منة أن أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين والمنة العطاء بلا طلب مكافئة ، العطاء بلا طلب مكافئة يُسمى منة ومن أَمَنُّ المعطين عليك الله ثم رسوله ،
ولهذا لما بين الرسول عليه الصلاة والسلام ما أنعم الله به على الأنصار في غزوة حنين ،
في غزوة حنين تتعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه غنموا أموالاً كثيرة جداًّ فصار يعطي المؤلفة قلوبهم تأليفاً لهم على الإسلام لأن الإنسان مهما كان يحب المال ، { وإنه لحب الخير لشديد } ( العاديات 8 ) ، حتى إنه مرةً من المرات جاءه أعرابي مسلماً لكن إسلامه ليس إلى ذاك يعني إسلامه ليس ثابتاً والأعرابي يحبون المواشي يحبون الغنم والإبل فأعطاه غنماً بين جبلين اللهم صلِّ وسلم على رسول الله لما أعطاه غنماً بين جبلين ، ما قيمتها عند الأعرابي كبيرة ذهب إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ، ما قال : أسلموا تدخلوا الجنة ، لماذا ؟ هو صاحب مال فانظر كيف مَلَكَ هذا المالُ قلبه، أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ،
وبهذا نعرف حكمة الله عز وجل أن جعل للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة الواجبة يُعطون من الزكاة من أجل تأليف القلوب خلافاً لبعض الدعاة الآن يُعطون من صلف القول ما ينفر قلوبهم يعني لو رجعنا إلى الدين الإسلامي وكيف يدعو الناس إلى الإسلام وجدنا رحمةً وعطفاً ووجدنا الإسلام يقابل هؤلاء المخالفين مقابلة الطبيب الحاذق المشفق ، نعم ، لا مطالبة المنتصر الذي يريد أن ينتقم وهذه مسألة نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا بدعوة الخلق إلى الحق ،(2/4)
من تمام نعمة الله عز وجل ورحمته وحكمته أيضاً أنه أرسل إلى الخلق رسلاً لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل ،
ولأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة ما يحبه الله ويرضاه حتى يقوم الإنسان بفعله ،
فلا بد من إرسال الرسل وضرورة الناس إلى الرسل أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء ،
لأن بالرسل سعادة الدنيا والآخرة وإذا لم يُبعث الرسل بقي الناس جُهَّالاً ،
ولهذا كان من علامات الساعة أن يُقبض العلم قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال ولكن يقبضه بموت العلماء ) [203] ، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جُهَّالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ،
إذن لا بد من الرسالة حتى تقوم الحجة وتبين المحجة ويسلك الناس إلى ربهم طريق الهدى وهي من منة الله أَمَنُّ شيءٍ منَّ الله به علينا هو الرسالة والعلم ،
قوله : ( ولطفه بسائر الأنام ) : أي من لطفه جل وعلا ورأفته ورحمته ،
قوله : ( بسائر الأنام ) : أي بعموم الأنام والخلق ،
قوله : ( أن ) : ( أن ) هذه مصدرية وهي في محل المبتدأ ( ومن عظيم ) خبر مقدم ، أي من عظيم منة الرحمن أن أرشد الخلق إلى الوصول ،
قوله : ( مبيناً للحق بالرسول ) : المراد بـ ( الرسول ) هنا الجنس ،
وعلى هذا فـ ( أل ) لبيان الجنس وليست للعهد الذكري ولا الحضوري ولا الذهني ،
بل هي للجنس الدال على العموم وقد بَيَّنَ الله تعالى في كتابه أنه { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } ( فاطر 24 ) ، كل الأمم خلا فيها نذير كل رسول يُرسل إلى قومه إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُرسِل إلى الناس كافة وبلغت رسالته جميع الخلق إلى يوم القيامة وآيته العظمى هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا ولله الحمد إلى اليوم ،
******************
132 – وشرط من أُكْرِمَ بالنبوة ،(2/5)
حريةٌ ذكورةٌ كقوة ،
النبي لا بد أن يكون أهلاً للرسالة لقول الله تبارك وتعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ( الأنعام 124 ) ، فلا بد أن يكون المُعْطى للرسالة لا بد أن يكون مؤهلاً لها لأنه ليس كل إنسانٍ يصلح للرسالة والله عز وجل يؤتي فضله من يشاء وهذا كما أن العلم الموروث عن الرسالة لا يعطيه الله إلا من هو أهلٌ له نسأل الله أن يجعلنا منهم ،
الرسالة لا بد أن يكون صاحبها مؤهلاً لها ،
الدليل : قوله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ، لما قالوا : { لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل موسى } ( الأنعام 124 ) ، قال : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ، فأنتم لستم أهلاً للرسالة فلم تُعطوها لكن أُعْطِيَها من أهلٌ له ،
فلا بد من شروط بَيَّنَ منها شيئاً ،
قوله : ( شرط ) : مبتدأ ،
قوله : ( حرية ) : خبره ،
قوله : ( من أُكْرِم ) : أي من أكرمه الله وفضَّله بالنبوة أي بالرسالة ،
فالرسالة إذن إكرامٌ من الله تعالى للعبد ،
قال الله تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } ( الإسراء 55 ) .
وقال تعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } ( البقرة 253 ) .
وقال تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر } ( الإسراء 70 ) .
ومن المعلوم أعلى أصناف بني آدم هم الرسل عليهم الصلاة والسلام ،
فالرسالة كرامة من الله عز وجل سواءٌ تمكن الرسول من بثِّ رسالته وانتفع به الخلق أم لم يتمكن فإن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى الأنبياء ورأى النبي ومعه الرَّهْط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ولكنهم مُكرَمون لكن لا شك أن مَنْ مَنَّ الله عليهم بكثرة الأتباع أكرم أو أعظم إكراماً ممن دون ذلك ،
قوله : ( بالنبوة ) : قلتُ أنها المراد بالرسالة [204] ،
قوله : ( حريةٌ ) : يعني شرطه أن يكون حراَّ لا رقيقاً ،(2/6)
والرقيق هو المملوك العبد الذي يُباع ويُشترى ،
فهذا لا يكون نبياًّ ولا رسولاً ،
وذلك لأن الرق وصفٌ نازل عن الحرية ،
الرقيق مملوك يملكه سيده يُباع ويُشترى ويُستخدم ،
فلا يمكن أن يكون هذا قائداً ،
لأنه هو نفسه مَقود مملوك ،
فكيف يكون قائداً ؟
إذن ، لا بد أن يكون حراَّ ،
واعلم أن هذه الشروط ، شروطٌ لما وقع لا لما سيقع ،
لماذا ؟
لأنه لا يمكن أن يقع الآن ، الآن ما فيه كلام ،
لكن الذين كانوا أنبياء لا بد فيهم من هذه الشروط :
1 - لا بد أن يكونوا أحراراً ،
2 - الثاني : الذكورة فالنساء ليس فيهن رسول ،
لأنهن لسن أهلاً لتحمل هذه القيادة العظيمة [205] وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) [206] ، ولو بالانتخاب إذا انتخبوا امرأة فإنهم لن يفلحوا فكيف يمكن أن تكون امرأةٌ رسولاً ،
هذا تعليل عقلي ،
أما الدليل السمعي :
فلقوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر } ( النحل 43 ) ، لا ملائكة ولا إناثاً هذان شرطان ،
3 - الشرط الثالث : ( فقوة ) : يعني أن يكون عنده قدرة وقوة على إبلاغ الرسالة ،
فلا يمكن أن يكون أصمّ ولا يمكن أن يكون ابكم لا يتكلم أخرس ولا يمكن أن يكون منهك القوى البدنية بل لا بد أن يكون عنده قوة بدنية لأن إرسال من ليس ذا قوة عبثٌ يُنزه الله عنه ،
كيف يرسل من لا يستطيع أن يتكلم أو من هو أصمّ ؟
الأعمى قد نقول : إنه لا يمكن أن يرسل رسول أعمى ،
وقد نقول : إنه يمكن ،
لأن العمى وإن كان يضعف القوة على أداء الرسالة ،
لكنه لا يمنع أداء الرسالة ،
والكلام على ما يمنع أداء الرسالة ،
فلا بد أن يكون قوياًّ ، هل يُشترط أن يكون ذا سيادةٍ في قومه ؟
لا ، ليس بشرط ،
لكن في الغالب أن يكون ذا سيادةٍ في قومه لقول الله تعالى : { ولولا رهطك لرجمناك } ( هود 91 ) .(2/7)
وهذا هو الغالب وقد لا يكون ذا شرفٍ في قومه وسيادة لقول لوط عليه الصلاة والسلام : { قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلي ركن شديد } ( هود 80 ) : أي إلى قومٍ يمنعوني منكم ،
فالمهم أنه ليس بشرط ، ليس بشرط أن يكون ذا سيادةٍ وشرفٍ في قومه ،
لكن ذلك هو الأكثر ولا سيما في خاتم الأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،
فإنه كان أشرف قومه نسباً لأن الله اصطفى إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كِنانة واصطفى من كِنانة قريشاً واصطفى من قريشٍ بني هاشم واصطفاه النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم فهو كريم من كرام ، كرام الآباء والأجداد عليه الصلاة والسلام ،
لكن ليس هذا بشرط ،
فالشروط التي ذكرها المؤلف ثلاثة :
1 - الحرية ،
2 – والذكورة ،
3 - والقوة على إبلاغ الرسالة ،
يُشترط للرسالة ثلاثة شروط :
1 - الحرية ،
2 - والذكورة ،
3 - والقوة ،
هذه الشروط لا مجال للبحث فيها الآن ،
لأن الرسالة انتهت ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين [207] ،
ولكننا نبحث فيها لبيان أن الذي أُرسِلوا فيما سبق كانوا على هذا الوصف ،
******************
133 – ولا تًُنال رتبة النبوة ،
بالكسب والتهذيب والفتوة ،
يعني أن رتبة النبوة لا تُنال بعمل العبد ،
وهذا أيضاً كما قلنا فيما سبق : إنه لا مجال له الآن ،
لأن الرسالة خُتمت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
وإنما ذكر المؤلف هذا لأن بعض المتكلمين قال : إن الإنسان إذا هيَّأَ نفسه للنبوة صار نُبُواًّ إذا هيَّأَ نفسه بالكسب [208] ،
يعني بالتخلق بالأخلاق الفاضلة والقيام بما يجب عليه من الحقوق التي لربه والتي للخلق والتهذيب تهذيب نفسه وتهذيب غيره ،
يعني بحيث يكون رجلاً مريداً للإصلاح ساعياً فيه ،(2/8)
قوله : ( الفتوة ) : الفتوة : الكرم والشجاعة قالوا : فإذا هيَّأَ نفسه بهذه الأمور صيَّره نبياًّ ،
وهذا ليس بصحيح ،
النبوة لا تُنال بالكسب يعني لا يمكن أن يصل الإنسان إليها بالكسب ،
خلافاً لبعض المتكلمين الذين قالوا : إنه يمكن أن يكون الإنسان مهذِّباً نفسه حتى يتهيأ للنبوة فيكون نبياًّ ،
ولكن لو قال قائل : ألستم تقولون : { الله أعلم حيث يضع رسالته } ( الأنعام 124 ) ؟
فنقول : بلى نقول ذلك ،
لأن الله يقول هكذا ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } .
ولكن هل هذا الذي كان أهلاً للرسالة هل كان كانت هذه الأهلية بعملٍ منه أو بفضلٍ من الله ؟
لأننا نجد أُناساً وصلوا إلى القمة في الكرم والشجاعة وحسن الأخلاق في الجاهلية مثل عبدالله بن جدعان وغيره ومع ذلك لم ينالوا النبوة وإنما نالها محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولهذا قال المؤلف :
******************
134 – لكنها فضلٌ من المولى الأَجَلَّ ،
لمن يشأ من خلقه إلى الأجل ،
أفاد المؤلف رحمه الله بهذا البيت أن النبوة فضلٌ من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده ،
ولهذا لما قال أعداء الرسل : { إن أنتم إلا بشر مثلنا } ( إبراهيم 10 ) ، { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم } ( إبراهيم 11 ) : يعني ما نحن إلا بشرٌ مثلكم ، { ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله } ( إبراهيم 11 ) .
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يمن بالنبوة على من يشاء من عباده ،
كما يمن بالعلم على من يشاء من عباده ،
مع أن العلم ربما يحصل بالكسب ،
لكن هو منة من الله كم من إنسان حاول أن يطلب العلم وحاول ولكن عجز ،
وأفادنا في قوله : ( لمن يشاء من خلقه إلى الأجل ) : أن من كان نُبُواًّ فلا يمكن أن تُسلب منه النبوة ،(2/9)
فالنبوة لها ابتداء وليس لها انتهاء إلا بالموت يعني لا يمكن أن يكون الإنسان رسولاً ثم تُسلب منه الرسالة ،
لكن يمكن أن يكون غير رسول ثم يُرسل كما هو الأصل ،
الأصل : أنه لا يُرسل إلا من كان قد بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ليكون تام العقل ،
وأما قوله تعالى عن عيسى حين أشارت أمه إليه فـ { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ، قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبينا ، وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا } ( مريم 30 – 32 ) .
فقال بعض العلماء : إن هذا خاصٌ بعيسى ،
وأما غيره فلا بد أن يبلغ اشده ويستوي ويكمل ،
أما عيسى فإنه آيةٌ من آيات الله في خلقه وتكوينه ورسالته ،
وقيل : المعنى آتاني الكتاب في علمه ،
فيكون التعبير بالماضي باعتبار علم الله ويكون الماضي هنا اسْتُعْمِلَ في المستقبل لتحقق وقوعه ،
وهذا هو الأقرب أن يكون { آتاني الكتاب } في علمه ،
******************
135 – ولم تزل فيما مضى الأنباء ،
من فضله تأتي لمن يشاء ،
قوله : ( الأنباء ) : فاعل ،
نقول : ( الأنباء ) بالرفع على اسم ( تزل ) لـ ( أن زال ) ،
و ( يزال ) تعمل عمل ( كان ) إذا سُبقت بنفيٍ أو شبهه ،
وهنا سُبقت بنفي وهو قوله : ( لم تزل ) ،
وعليه فـ ( الأنباء ) اسم ( تزل ) وخبرها قوله : ( تأتي لمن يشاء ) أي لم تزل الأنباء آتيةً لمن يشاء
قوله: ( فيما مضى ) : أي ما سبق هذه الأمة تأتي من فضله لمن يشاء ،
قوله : ( من فضله ) : على من ؟ على المُرسَل أو المُرسَل إليه ؟
بل عليهما جميعاً تأتي من فضل الله على المرسل وعلى المرسل إليه :
قوله : ( لمن يشاء ) : أي لمن يشاء من عباده ،(2/10)
وقد أخبر الله عز وجل أنه قد بعث في كل أمةٍ رسولاً ، { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ( النحل 36 ) .
وقال تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } ( فاطر 24 ) .
وعليه فنقول : كل الأمم السابقة قد أرسل الله إليهم الرسول والنذير وأقام الحجة على جميع الخلق ولم يبق لأحدٍ حجةٌ على الله عز وجل ،
فإن قال قائل : وهل الأنبياء محصورون ؟
قلنا : ورد في ذلك حديثٌ يدل على حصرهم بأربعة وعشرين ألفاً والرسل دون ذلك [209] ،
لأن الأنبياء أكثر بكثير من الرسل والرسل أقل ،
وقد ذكر في القرآن منهم خمسةٌ وعشرون رسولاً ولكنهم أكثر من هذا يزيدون على ثلاث مائة إلا أن الله تعالى يقول : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } ( غافر 78 ) .
إذن ما عقيدتنا بالنسبة للرسل ؟
عقيدتنا : أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير وما من أمةٍ إلا بعث الله إليها من يوجهها ويبين لها الحق .
من هو أول الأنبياء ؟ ومن هو أول الرسل ؟
أول الأنبياء : آدم فإنه كان نبياًّ مُكَلَّماً ،
كما رواه ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان آدم نبياًّ ؟ قال : ( نعم ، نبيٌّ مُكلم ) [210] ،
وأما أول الرسل فهو نوح ،
لقول الله تعالى : â ô?s)s9ur $uZù=y???r& %[nqçR tL?Id¨u??/I)ur $sYù=yèy_ur ?Iû $yJIgIG??h?è? noqç7?Y9$# |=»tG?6?9$#ur ( ? ( الحديد 26 ) ،
فإذا كانت النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم دل هذا على أنه ليس قبل نوحٍ رسول ،
ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } ( النساء 163 ) .
ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح : ( أن الناس يأتون يوم القيامة إلى نوحٍ ، ويقولون : أنت أول رسولٍ أرسله الله إلى أهل الأرض ) [211] ،
وبهذا نعرف أن من أقحم إدريس بين نوح وآدم فإنه غلط [212] ،(2/11)
لأننا نجد أن شجرة الأنبياء التي كُتبت يكتبون إدريس قبل نوح ،
وهذا غلط لا شك فيه فإن عقيدتنا أن نوحاً هو أول الرسل ،
آخر الرسل محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
لقول الله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ( الأحزاب 40 ) .
فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر ومن صدَّق مُدَّعي النبوة بعده فهو كافرٌ أيضاً ،
لأنه مكذبٌ لله ورسوله قال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب حين خلَّفه في أهله في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخرج وأقعد مع النساء والولدان ؟
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) [213] ، فرضي رضي الله عنه ،
وقد استدلت الرافضة بهذا الحديث على أن علياًّ أفضل الصحابة ،
ولكن لا دليل فيه لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد بقوله : ( أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) ، حين خلفه في قومه أي في هذه المسألة فقط ،
أما الفضل الآخر فلا شك أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ،
******************
136 – حتى أتى بالخاتم الذي ختم ،
به وأعلانا على كل الأمم ،
قوله : ( وأعلانا ) : يعني جعلنا فوق كل الأمم ،
فنحن الآخرون السابقون يوم القيامة ونحن الشهداء على الخلق في أن الرسل بلغوا ما أُنْزِلَ إليهم من ربهم ، { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة 143 ) .
فهذه الأمة ولله الحمد هي أعلى الأمم ولها النصر التام على غيرها ،
ولكن بشرط : أن تكون عاملةً بشريعة الله التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(2/12)
أما أن تكون منتسبة فقط ويكون الإسلام إسلام بطاقة وهوية بدون عمل فهذا لا يجدي شيئاً أكثر الناس قد كُتب في هويته وبطاقته الديانة مسلم وهو لا يعرف الإسلام يمكن لا يعرف كيف ويتوضأ ولا كيف يصلي ولم يسترشد من أحدٍ من الناس عن هذا الأمر ولم يهتم مسلم كما يقول الآخر إنه بوذي مثلاً أو إنه يهودي أو نصراني ،
******************
137 – وخَصَّه ُبذاك كالمقام ،
وبعثه لسائر الأنام ،
قوله : ( وخصَّه ) : أي خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( بذاك ) : أي بختمه للرسالة ،
أنه خاتم الأنبياء هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم [214] ،
عيسى بن مريم كان خاتم أنبياء بني إسرائيل ،
فهذا الختم مقيد في أنبياء بني إسرائيل أما محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم فختمه ختمٌ مطلق لا نبي بعده ،
ولهذا انظر إلى الحكمة في أن عيسى ينزل في آخر الزمان ويتبع محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليتبيَّن أن الختم الذي خُتمت به رسالة بني إسرائيل ليس ختماً مطلقاً بل هو ختمٌ مقيد والرسول بعده هو محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولذلك في آخر الزمان إذا نزل عيسى فإنه يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
فإن قال قائل : أليس قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا الإسلام لا يقبل الجزية ، وهذا ليس هو الحكم الشرعي الموجود الآن ، فإن الحكم الشرعي الموجود الآن يقر النصارى على ما هم عليه ، يعني إذا كان بيننا وبينهم عهد فإننا لا نتعرض لديانتهم ؟
فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بذلك مقرِّراً له راضياً به فيكون ما يقضي به عيسى في آخر الزمان من شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
قوله : ( بذاك ) : المشار إليه ما هو ؟ ختم النبوة به ،(2/13)
قوله : ( كالمقام ) : المقام يشير إلى قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } ( الإسراء 79 ) .
وقد مر علينا أن من المقام المحمود أن الشفاعة العظمى تنتهي إلى رسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن الناس يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فيستشفعون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى حتى تنتهي إليه فهذا من المقام المحمود وليس كله ،
قوله : ( وبعثه لسائر الأنام ) : يعني وخًص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه بُعث إلى سائر الأنام وغيره من الأنبياء إلى من ؟ إلى قومه فقط ،
فإن قال قائل : أليس نوحٌ عليه الصلاة والسلام مرسَلاً إلى جميع الخلق في وقته ؟
قلنا : بلى هو مرسَل إلى جميع الخلق في وقته ،
لكن هناك قومياتٌ سوى هذه القومية فيكون نوحٌ مرسلاً إلى قومه ، { إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم } ( نوح 1 ) .
والخليقة في ذلك الوقت لم تكثر حتى يتولد منها قوميات يكون نوح مرسلاً إلى قومه فقط بل كانت الأمة قليلة وأُرسلَ إليهم نوح فكان مرسلاً إلى قومه خاصة ،
قوله : ( لسائر ) : يقولون : أنها تطلق معنى ( الباقي ) وتطلق بمعنى ( جميع ) ،
فإن أخذت من ( السؤر ) صارت بمعنى ( الباقي ) ،
وإن أخذت من ( السور ) – و ( السور ) محيطٌ بكل ما كان داخله – صارت بمعنى ( الجميع ) ،
إذا كانت بمعنى الجميع ، فهل فيها إعلال ؟
الجواب : نعم ،
لأنها إذا كانت بمعنى الجميع وهي مشتقة من السور ،
لكن قلبت الواو همزة لعلة تصريفية ،
أما إذا قلنا : أنه من السؤر فالهمزة فيه أصلية ،
ونظير ذلك لفظ زائر ،
هل الهمزة أصلية أو منقلبة ؟
فيه تفصيل :
إن كانت من زأر الأسد فهي أصلية ،
تقول : زأر الأسد فهو زائر ،
وإن كانت من الزيارة : فهي منقلبة ،
تقول : زار يزور فهو ( زائر ) ،
وأصلها ( زاير ) ،
لكن قلبت همزة والله أعلم ,
قوله : ( الأنام ) : أي الخلق ،(2/14)
قال الله تعالى : { والأرض وضعها للأنام } ( الرحمن 10 ) ، أي للخلق ،
فهو مبعوثٌٌ لجميع الخلق المكلفين صلى الله عليه وآله وسلم ،
ودليل اختصاصه بذلك من وجهين :
الوجه الأول : من كونه خاتم الأنبياء ،
وهذا ثابتٌ بالقرآن فإذا كان خاتم الأنبياء والناس كلهم محتاجون للرسالة لزم من ذلك أن يكون رسولاً لجميع الخلق ،
الثاني : أنه في حديث جابر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أُعطيتُ خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة ) [215] ،
فهذه من خصائصه أما غيره من الأنبياء فيبعث إلى قومه خاصة فمثلاً إذا كان في الأرض أقوام متعددة فإن الرسول يُبعث إلى قومه الذي هو في أرضهم أو هو في غير أرضهم لكنه يبعث إليهم خاصة ،
ولا يرد على هذا نوح عليه الصلاة والسلام ،
لأن القوم في عهد نوح هم قومه إذ كان الناس في ذلك الوقت قليلين لم يتفرقوا شعوباً وأقواماً فكان مبعوثاً إلى الخلق عموماً ،
لأن الخلق في ذلك الوقت ليس فيهم أقوام ،
ولهذا أُهلك المكذبون له وصار الذين بقوا ممن على السفينة هم آباء الخلق كلهم ،
كما قال تعالى : { وجعلنا ذريته } ( الصافات 77 ) : أي ذرية نوح { هم الباقين } .
وبهذا ينكف الإيراد الذي أورده بعض العلماء الذين قالوا : إن نوحاً أرسِل إلى جميع أهل الأرض ،
نقول : لأن جميع أهل الأرض هم قومه في ذلك الوقت ليس هناك أقوامٌ آخرون ،
لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هناك أقوامٌ آخرون هناك الفرس والروم والبربر وغيرهم وهو مبعوث إليهم جميعاً وهذه من نعمة الله عليه أي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى أرسله إلى جميع الخلق لأنه يلزم من ذلك أن كل من عمل بشريعته نال من أجره ،(2/15)
ولهذا رُفع له سوادٌ عظيم فظن أنهم أمته فقيل : هذا موسى وقومه ، ثم رُفع له سوادٌ عظيم أعظم من الأول ، فقيل له : هذه أمتك ، فأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر الأمم وأجره أكثر أجر الأنبياء ، لأن كل واحدٍ من أمته يعمل بشريعته فيعمل بمثل أجره ،
وبهذا نعرف ضلال من إذا فعلوا طاعةً أهدوها للرسول صلى الله عليه وسلم ،
فإن إهداء القُرَبِ للرسول بدعة ضلالةٌ في الدين وسَفَهٌ في العقل ،
لماذا ؟
لأنك إذا أهديتَ إليه عبادةً فعلتها فمضمون ذلك أنك حرمت نفسك من أجرها فقط ، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فله أجرها من الأصل سواءٌ أهديتها إليه أم لم تهدها له أجرها واصلٌ إليه وأنت لم تؤمر بأن تهدي إليه العبادات لا أضحية ولا قراءة القرآن ولا غيرها أُمرت بأن تصلي وأن تسلم عليه تدعو له هكذا أُمرنا ، { يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ( الأحزاب 56 ) .
لماذا كان هذا سفهاً في العقل وضلالاً في الدين ؟
لأن مضمونه أنك حرمت نفسك من أجر هذه العبادات ،
قال شيخ الإسلام : ولم يعهدُ أن أحداً من القرون المفضلة فعل ذلك كل القرون المفضلة ، الصحابة والتابعون وتابعوهم لم يهدوا للنبي عليه الصلاة والسلام ثواب قربة أبداً ، لأنهم أفقه وأعلم وأحكم من أن يهدوا النبي عليه الصلاة والسلام ثواباً ،
إذ أن أجرهم حاصلٌُ للرسول ( الدال على الخير كفاعله ) [216] ،
الأسئلة
السؤال : إذا قلنا معنى : ( لم نتلف ) ، أي لم تفنى ، ممكن يا شيخ ؟
الجواب : نعم ،
السؤال : قوله : ( والمكذب ) هل نستطيع أن نقول هو الذي ينكر الرؤية ؟
الجواب : ربما ، الله أعلم لا نستطيع أن نقول هذا ما جزم به المؤلف إلا على رأي من يرى تكفيرهم،
السؤال : الذين يخرجون من النار من أهل الجنة يقال لهم : الجهنميون هل هذا تعيير ونبز بالألقاب وهذا يتعب ضمائرهم فكيف ينبزهم أهل الجنة بالألقاب ؟(2/16)
الجواب : نقول أولاً أنهم يقال لهم ذلك تذكيراً لهم بنعمة الله وهم يفرحون بهذا ولو قُدِّر أنهم ساءهم ذلك يوماً من الدَّهر فسوف يُمحى لأنه ليس في الجنة ما يكدِّر أبداً ،
- أي إنسان يدعي شيئاً خلاف ظاهر القرآن والسنة فعليه الدليل ،
هناك من يقول : النار ناران :
1 - نارٌ تفنى ،
2 - ونارٌ تبقى ،
وهناك من يقول : النار ناران :
1 - نارٌ حارة ،
2 - ونارٌ باردة ،
أين هذا التقسيم ؟
لا نقبل إلا ما قام به الدليل ،
الفرق الضالة يقولون : النار والجنة تفنيان ،
الجهمية ومن لا يرى تسلسل الحوادث في المستقبل :
يقولون : الجنة والنار تفنيان ،
وفيه الرجل الذي تلطف وأشار إليه ابن القيم وهو العلاف تلطف في الموضوع ،
وقال : لا يمكن أن الله يذكر الخلود الأبدي ،
ونقول : أنها تفنى ولكن تفنى اللذات والحركات ،
قال له ابن القيم : ما ظنكم إذا جاء وقت فناء الحركات والإنسان على زوجته من الحور العين ، كيف يكون يجمد معها إلى أبد الآبدين ؟ وما ظنكم فيمن رفع اللقمة أو الفاكهة إلي فمه فجاء وقت فناء الحركة وهو قد أخذها ولم تصل للفم الآن لا يستطيع أن ينزلها ولا يستطيع أن يرفعها تبقى الفاكهة في يده دائماً وأبداً ؟ هكذا ،
شيء يضحك الناس وكل هذا سببه عدم العلم بالنقل ، اعتمدوا على عقول فاسدة فظنوا أنها صحيحة ،
السؤال : قول المؤلف : ( لقوة ) في النبوة هل يَرِدْ عليها نبي الله أيوب ؟
الجواب : لا ، لأن أيوب أُصيبَ بما أُصيبَ ثم برئ في النهاية فهذا من العوارض ،
السؤال : لكن المعروف أنه ظل مريضاً بقدر السنين التي كان فيها ؟ ،
الجواب : لا ، هذا لم يثبت لكن لا شك أنه الشيطان ( جملة غير واضحة ) ولكنه برئ في النهاية فهذا من العوارض ،
السؤال : بالنسبة لشرط الحرية في النبوة يوسف عليه السلام بِيعَ مملوكاً عند عزيز مصر فهل هذا يُشْكِلْ ؟
الجواب : لا يُشْكِلْ ، يوسف عليه السلام نُبِّئَ بعد السجن ،(2/17)
السؤال : حديث ( يأتي النبي وليس معه أحد ) [217] ، وحديث ( ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا جعل الله حواريون ……… ) [218] ، ما المراد بذلك ؟
الجواب : المراد بذلك إما أنهم ذوو العزم أو يُستثنى من ذلك ما دل عليه الحديث الأول ،
السؤال : قول المؤلف ( حريةٌ ذكورةٌ كقوة ) ما معنى الكاف هنا ؟
الجواب : لو قال ( حريةٌ ذكورةٌ وقوة ) لكان أحسن ،
لكن قال : ( كقوة ) : إشارة إلى أن الحرية ،
والذكورة سبب اشتراطها : أنها ضعفٌ يعني كأنه جعل القوة تعليلاً لاشتراط الذكورة واشتراط الحرية ، والكاف هنا للتشبيه يعني ( كما تُشترط القوة ) ،
السؤال : في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام : { وأوحينا إليه لتنبأنهم بأمرهم هذا } ( يوسف 15 ) ، يعني جاءه الوحي قبل السجن ؟
الجواب : الضمير يعود على أبيه يعقوب ،
السؤال : ذكرتم أن الخُّلة أبلغ من المحبة ( سؤال غير واضح ) ؟
الجواب : لا ، لا يمنع ، الإكرام إذا كان مطلقاً ، الإكرام المطلق يدخل فيه الاجتباء لا شك والرسل وصفهم الله بالاصطفاء ، { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار } ( ص 47 ) .
السؤال : اشتراط الذكورة ألا يُشكل عليه قوله تعالى : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } ( القصص 7 ) ؟
الجواب : يَرِدْ على هذا قوله تعالى : { أوحى ربك إلى النحل } ( النحل 68 ) ، يقول العلماء : الوحي أقسام : منه وحي الإلهام [219] ، فإذا ذكر الله وحياً إلى من ليس برسول فهو وحي إلهام فمعنى : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } ، يعني ألهمناها أن ترضعه وإذا خافت عليه أن تلقيه في اليم ليس هذا وحي الرسالة ،
السؤال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) [220] ، هل هذا أثر أم حديث ؟
الجواب : لا ، هذا حديث في البخاري لما أُخبِر أن الفرس ولَّوْا بنت ملكهم قال : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) وهو حديث ثابت في البخاري ،(2/18)
وكنت أتوقع أن تورد علي أن قوماً ولَّوْا أمرهم نساءً وأفلحوا ، الإنجليز دائماً يُوَلُّون أمرهم امرأة ؟
ومع الأسف في تركيا الآن رئيسة الوزراء امرأة ،
فيقال الجواب على هذا : من أحد وجوهٍ ثلاثة :
1 - إما أن يُراد بقوله : ( لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة ) يعني أولئك القوم فقط يعني الفرس يعني هؤلاء لما ولَّوْا أمرهم فإنهم لن يفلحوا وعلى هذا فيكون خاصاً ، وإذا جعلناه خاصاً لم يكن إشكال ،
2 - الوجه الثاني : أن نقول : إن هؤلاء النساء لم يتولوا الأمر على وجه الإطلاق بل الذي يدبر المملكة غيرهن لكن لهن الرئاسة اسماً لا حقيقة ،
3 - الوجه الثالث : أن يُقال : هؤلاء القوم لو أنهم ولَّوْا رجلاً لكان أفلح لهم ، ويكون المراد بالنفي : ( لن يفلح قومٌ ) نفي الفلاح التام فيُقال : هؤلاء القوم لو أنهم ولَّوْا رجلاً لكان أفلح لهم ،
4 - فيه وجه رابع أن يقال هذا أعني قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( لن يفلح قومٌ ) هذا بناءاً على الأغلب والأكثر وإلا فقد يفلحوا ،
فهذه أربعة أوجه في الجواب عن هذا الحديث هذه الأربعة محتملة والله أعلم ،
السؤال : هل يجوز تولية المرأة علي شيءٍ من أمور المسلمين ؟
الجواب : لا نرى هذا ، نرى أنه لا يجوز ، لا سيما إذا قلنا لو أنهم ولَّوْا أمرهم رجلاً لكان أفلح ،
السؤال : هناك وجه خامس يا شيخ ،
الجواب : ما هو ؟
السؤال : أن هناك فلاحاً في الظاهر ولكن في السياسة الداخلية يكون فيه فساد كبير ،
الجواب : لا ، لا يصلح ،
السؤال : كلام عيسى في المهد هل هو مطلق أو مقيد فقط لتبرئة أمه ؟
الجواب : الظاهر حسب العادة أنه لم يتكلم إلا بما تكلم به في ذلك الوقت هذا الأصل ،
السؤال : ما الفرق بين النبي والرسول ؟
الجواب : الفرق بين النبي والرسول :(2/19)
هو ما ذهب إليه الجمهور من أن النبي من أوحي إليه بشرعٍ ولم يؤمر بتبليغه ولهذا يُسمى نبياً ولا يسمى رسولاً لأنه لم يؤمر ولكن لم يُنهى عن إبلاغه وبينهما فرق ، أن نقول : لم يؤمر بتبليغه وبين أن نقول : نهي عن تبليغه ،
وهذا نظير ما قال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن لم ينكر على الولاة ولامه بعض الناس وقال لماذا لم تنكر المنكر ؟
قال شيخ الإسلام : هناك فرق بين السكوت على الإنكار وبين الأمر بالمنكر فالسكوت عن الإنكار مع عدم القدرة على الإنكار أو مع خوف منكرٍ أكبر[221] ،
يقول : لا يُلام عليه الإنسان بل قد يُحمد إذا ترك الإنكار خوفاً من مفسدةٍ أكبر ،
لكن لو أمر بالمنكر فإنه في هذه الحال يُذم على الأمر بالمنكر والرضا بالمنكر ،
السؤال : قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا } ( مريم 26 ) ، ما المقصود بهذا الصوم ؟
الجواب : الصوم يعني الإمساك عن الكلام ،
السؤال : هل يجوز للإنسان أن يمسك عن الكلام ؟
الجواب : هي قالت هكذا أما أنت فلا تمسك عن الكلام الواجب وأمسك عن الكلام الحرام والأوْلى أن تمسك عن الكلام اللغو ،
فالكلام بالنسبة لنا ثلاثة أقسام :
1 - واجب ،
2 - حرام ،
3 - ولغو ،
الواجب يجب أن نتكلم به ،
السؤال : هل يجوز أن يقول لي أنا صائم عن الكلام ؟
الجواب : نعم يجوز لكن لا يجوز أن يصوم صوماً مطلقاً ،
السؤال : ذكرتم حفظكم الله ورجحتم في قول عيسى وهو رضيع : { آتاني الكتاب } ( مريم 30 ) ، على تقدير بعلمه فلماذا لجأتم إلى هذا التقدير مع أن التقدير الأول لا مانع منه وهو أن يكون خاصاً به ؟
الجواب : إذا رجحنا التقدير الأول فمعنى هذا أننا نمنع من هذا ،
ونقول الأصل : عدم الخصوصية هذه من جهة ،
والأصل أن الله لن يرسل رسولاً إلا إذا كان أهلاً للرسالة يتحمل الدعوة ويتحمل الرد من الآخرين ،
هذا الذي يظهر لي ،
السؤال : بالنسبة لأبناء آدم عليه السلام ( جملة غير واضحة ) ؟(2/20)
الجواب : أبناء آدم ليس هناك شيءٌ يوجب الاختلاف فصاروا يقتدون بأبيهم بدون أي منازعة لكن لما اختلف الناس أرسل الله إليهم الرسل كما قال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } ( البقرة 213 ) ، لأنه ليس هناك مغريات ، الناس لا زالوا بدائيين ،
السؤال : هل المقام المحمود ما ذكره بعض العلماء من أن الله سبحانه وتعالى يُجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش [222] ؟
الجواب : هذا إنْ صح فهو من المقام المحمود لا شك ، إذا صح فهو من المقام المحمود ،
السؤال : ألا يكون إدريس نبياً فلذلك نجعله قبل نوح ؟
الجواب : لا ، قال الله تعالى : { وجعلنا في ذريته الكتاب والنبوة } ( العنكبوت 27 ) ، وإدريس رسول ، كل من ذُكر في القرآن فهو رسول لكن الظاهر لنا والله أعلم أنه من بني إسرائيل لأن الله ذكر إدريس من بعد إسماعيل في سورة مريم [223] ،
السؤال : هل كان أكثر الأنبياء والمرسلين من بني إسرائيل ؟
الجواب : نعم اكثر الذين نعلم من بني إسرائيل لكن منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فالعالم الذين في أمريكا والذي في أقصى شرق آسيا لا بد أن لهم رسلاً ولكننا لا نعرفهم ،
السؤال : قوله تعالى : { ولما بلغ أشده آتيناه ........... } ( يوسف 22 ) ، وقال في أنبياء آخرين : { ولما بلغ أشده واستوى } ( القصص 14 ) ، فقالوا أنه سبب ذكره تبارك وتعالى ليوسف : { واستوى } ، أنه لم يكن رسولاً وعمره أربعين سنة ما هو التوجيه ؟
السؤال : الظاهر أن هذا لا يعطي اختلافاً في الحكم لأن الغالب أن من بلغ أشده الغالب أنه يستوي ويكمل لا سيما أن يوسف عليه الصلاة السلام حصل منه تمرُّن في العمل في دين الملك وعرف الناس وسبر الناس فيكون مستوياً من قبل ،
- لو قدِّر أن المرأة أصبحت نبية فالنبي هو الذي يصلي في قومه فإذا جاءت الحيض فإنها لا تصلي إذن لا تصح إطلاقاً أن تكون نبياً ،
وهل تصح أن تكون عالماً ؟(2/21)
نعم من النساء من هم علماء ،
فصل
في بعض الخصائص النبوية
138 – ومعجز القرآن كالمعراج ،
حقاً بلا مينٍ ولا اعوجاج ،
قوله : ( ومعجز القرآن ) : يعني وخصه بمعجز القرآن ،
فالقرآن معجز ، { قل لئن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ( الإسراء 88 ) .
الإنس والجن متفرقين أو متعاونين لا يمكن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ،
والدليل على ذلك من الواقع :
أن القرآن نزل في قومٍ هم أفصح العرب وبلغة هؤلاء القوم ومع ذلك عجزوا عن معارضته وهم بلا شك يودون بكل طاقاتهم أن يجدوا معارضة للقرآن الكريم حتى يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم ما جئت به فإننا نستطيع مثله فأنت لست بنبي لكن عجزوا [224] ،
بل كان هذا القرآن يأخذ بألبابهم حتى يصغوا إليه قهراً ،
ذكروا في التاريخ أن رؤساءهم يأتون خفية إلى قرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليستمعوا القرآن يأتون خفية إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل يستمعوا القرآن لأنه يعجبهم ويبهرهم وقد قال الله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } ( الأنعام 19 ) .
فدل ذلك على أن بلاغه تقوم به الحجة تحداهم الله عز وجل أن يأتيهم بمثله ، { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة 23 ) ، تحداهم بعشر سور عجزوا تحداهم بسورة عجزوا تحداهم بآية عجزوا ، { فليأتوا بحديث مثله } ( الطور 34 ) : أي حديث مثله ، { إن كانوا صادقين } ، عجزوا ،
ولهذا قال : { أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } ( الطور 33 ) ، ليس عندهم علم إلا أنهم كفار لا يؤمنون ، { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } ، أتوا ؟ ما أتوا { أم لهم سلم يستمعون فيه } تحدي { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } ( الطور 38 ) إن كانوا صادقين ، { فليأت مستمعهم بسلطان مبين } هذا لم يكن ،(2/22)
إذن فالقرآن أعجز الورى لأنه إذا أعجز الذين نزل بلغتهم وبوقتهم فمن بعدهم من باب أولى ومن سواهم من باب أولى ،
لكن هنا ملاحظة على قول المؤلف : ( ومعجز القرآن ) : لأنه معروف من إضافة الصفة إلى موصوفها ،
لأن المعنى : ( والقرآن معجز ) : وهو انه لا ينبغي أن نعبر عن آيات الأنبياء بالإعجاز ،
لأن الإعجاز ليس من خصائص الأنبياء فإن الساحر يعجز والبهلواني يعجز ،
فلما كان هذا اللفظ مشتركاً بين الحق والباطل كان الأولى نأتي بلفظٍ يتعين فيه الحق وهو ما نطق الله به وهو الآيات [225] ،
قال الله تعالى في القرآن : { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ( العنكبوت 49 ) .
فنقول : آيات القرآن بدل معجزات القرآن ونسمي جميع ما يُسمى بمعجزات الأنبياء نسميه آيات الأنبياء ،
لأن الآيات بمعنى العلامات الدالة على صدقه ،
أما المعجزات فقد يعجز الساحر غيره ،
هل يستطيع أحد أن يجعل الحبال كأنها حيةٌ تسعى إلا السحرة ،
ويذكر من قصص السحرة أشياء عجيبة حدثنا قومٌ أن رجلاً كان يجني ثمر النخل من فوق وكان في القدر تمر رطب جني فقال رجلٌ من القوم الذي في الأسفل : أتُرَوْنَ أن أخوض على الرطب ولا يتأثر والإنسان إذا خضع للرطب يتأثر ، فقالوا له : لا تقدر ، فقال : اقدر ، فقالوا : لا تقدر ، قال : إن قدرت ؟ قالوا : إن قدرت نعطيك كذا وكذا ، فنزل على زعمه في وسط القدر وجعل يدور في القدر ثم خرج في مرأى العين فقال : أنتم رأيتموني أخوض في القدر ؟ قالوا : نعم ، قال : هل تأثر ؟ قالوا : لا ، لكن نريد أن نفعل ثانية ، قال : أفعل ، فنزل ثانيةً في القدر وجعل يدور هو ما نزل في القدر هو خرج لكن في مرأى العين جعل يدور فيه ، فقال الذي في النخلة : يا جماعة يا جماعة إنه كذاب إنه يدور على القدر وليس يدور في وسطه ، فنثر عليه ، فقال : لا ، صحيح يدور في وسط القدر ،
فالمهم أن السحرة يفعلون ما يعجز البشر عنه لكن بالسحر ،(2/23)
فلهذا نقول الأوْلى أن يعبر عن معجزات الأنبياء التي تُسمى معجزات بالآيات ،
في الكلام عن إعجاز القرآن مسائل :
المسألة الأولى : هل الأولى أن نعبر بمعجز القرآن أو بآيات القرآن ؟
بمعجز القرآن ،
وقلنا : إن المعجز يدخل فيه فعل الساحر والبهلواني وما أشبه ذلك ،
وأما آيات الأنبياء فهي آيات علامة على صدقه ،
قال بعض الناس : إن معجزات السحرة لا تشتبه بآيات الأنبياء لأن آيات الأنبياء مقرونة بالتحدي [226] ،
فنقول : هذا غير صحيح ،
لأن آيات الأنبياء تارةً تكون تحدياً وتارة تكون ابتداءاً بدون تحدي ،
فمجيء الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية وقولهم : يا رسول الله ليس عندنا ماء فدعا بإناءٍ فوضع أصابعه عليه فجعل الماء يفور من بين أصابعه ،
هل في هذا تحدي ؟
أبداً ليس في هذا تحدي ما قالوا : ائتنا بآية ، شكوا إليه قلة الماء فجاءت هذه المعجزة ،
وآيات الرسول كثيراً ما تأتي بغير تحدي ،
لما جاءه رجل ادعوا الله أن يغيثنا فدعا فأُغيثوا من قبل أن ينزل من منبره وجاء في الجمعة الثانية وقال ادعوا الله أن يمسكها عنا فدعا فانفرجت السماء ،
هل في هذا تحدي ؟
لا ،
قال بعض الناس : إنها أي معجزات الأنبياء تشبه كرامات الأولياء ، فلذلك يجب أن ننكر إما آيات الأنبياء أو كرامات الأولياء وآيات الأنبياء لا يمكن إنكارها فلننكر كرامات الأولياء ،
فقالوا : لا يمكن أن يوجد للأولياء كرامات لا يمكن ،
والصواب : أن كرامات الأولياء ثابتة ، ثابتة فيمن قبلنا وفي هذه الأمة ،
فقصة مريم فيها كرامة من عدة أوجه :(2/24)
أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجاءت إلى جذع النخلة لأن المخاض اضطرها أن تأتي إلى جذع النخلة وهي حامل تُطْلَقْ فوضعت الولد وقيل لها : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ( مريم 25 ) ، وهي امرأة نفساء والمرأة النفساء عادتها أن تكون ضعيفة ثم قيل لها : { وهزي إليك بجذع النخلة } : يعني ذدون أن تصعدي إلى أعلاها والهز بجذع النخلة لا يتأتى صعب أي إذا كان الرجل قوياً وصعد إلى أعلاها تهتز لكن من الأسفل ما تهتز لكن هذه قيل : { وهزي إليك بجذع النخلة } ، فهزت فاهتزت النخلة هذه كرامة أو غير كرامة ؟ كرامة ، { تساقط عليك رطبا جنيا } : يعني مخروفاً بيسر والعادة أن الرطب إذا تساقط من فوق يفسد يتفضخ لكن بقي رطباً جنيا هذه كرامة لما جاءت تحمل ولد فيقيل لها معرضين لها بالزنا ، { يا اخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } ( مريم 28 ) ، من أين جاءكِ البغي ؟ { فأشارت إليه } ( مريم 30 ) ، فكلمهم هذه كرامة أم لا ؟
إذن هي كرامة وهي في الحقيقة تشبه آيات الأنبياء ،
لكن الفرق بينهما : أن آيات الأنبياء تأتي من نبي ،
وكرامات الأولياء تأتي من ولي متبع للرسول ،
هذا الولي لا يقول إنه نبي أبداً ويمكن انه لا يزكي نفسه ولا يقول أنه ولي فتأتيه الكرامة ،
فبينهما فرق عظيم ،
فعلى كل حال الأولى أن يقال : وآيات القرآن بدل معجز القرآن ،
ولكن كيف كان القرآن آية ؟ أبلفظه أو معناه أو بصدق مخبره أم ماذا ؟
نقول بكل معنى الآية في اللفظ والأسلوب والمعنى وأنه مهما كررته لا يمكن أن تمل منه الفاتحة نكررها باليوم أدنى شيء سبعة عشر مرة وهل نملها ؟
أبداً تقراها سبعة عشرة مرة أو سبعين مرة ما كأنك قرأتها ولا مرة واحدة ،(2/25)
لكن هات لي قطعة أحسن قصيدة من قصائد العرب وكررها في اليوم مرتين فإنك تمل منها لكن القرآن ما تمل هذه من آيات الله أنك تكرر هذا القرآن مهما كررته لا تمل وربما إذا وفقك الله للتدبر أن يفتح الله عليك في المرة الثانية من المعاني واللطائف ما لم تجده في المرة الأولى ،
كذلك أيضاً في تأثيره على القلب وأذكر تماماً إذا قرأ الإنسان بتدبر والله يلين القلب ويوجه الإنسان إلى ربه ويجد طعماً عجيباً للإيمان ،
قال ابن عبد القوي رحمه الله في داليته المشهورة [227] :
وحافظ على درس القرآن فإنه ،
يلين قلباً قاسياً مثل جلمدِ [228] ،
هذه من آيات القرآن تليين القلب : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } ( الحديد 16 ) ، { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } ( الزمر 23 ) ، هذه من آيات القرآن ،
من آيات القرآن : الإصلاح التام إذا تمسكت به الأمة لا سبيل إلى إصلاح الأمة إلا إذا تمسكت بالقرآن ،
قال الله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } ( القلم 4 ) .
وقالت عائشة : ( كان خلقه القرآن ) [229] ،
صلاح الأمة بهذا القرآن تجد الأمة صالحة كلمة واحدة يدٌ واحدة جسدٌ واحد روح واحدٌ ،
{ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } ( آل عمران 103 ) .
هذا من آيات القرآن هذا من الأثر العظيم ومن ذلك أيضاً أن القرآن بمجرد ما يسمعه الإنسان يشعر بأنه قامت عليه الحجة ،
{ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } ( التوبة 6 ) .
فجعل الله لسماعه أثراً في قلب هذا المؤتمن كذلك الآثار العظيمة التي لم تكن لأي أمةٍ قامت بكتاب فتح المسلمون بالقرآن مشارق الأرض ومغاربها وهذا لم يوجد لأي كتابٍ آخر ،(2/26)
فإذن آيات القرآن كله آيات من كل وجه في لفظه ومعناه وأسلوبه وتأثيره وآثاره لا يوجد له نظير ، ولهذا قال المؤلف : ( ومعجز القرآن ) ،
قوله : ( كالمعراج ) : المعراج مفعال من العروج وهي آلة العروج ،
المعراج : ( آلة العروج ) ،
يعني الآلة التي يعرج بها الإنسان من أسفل إلى أعلى ، أسفل السلم معراج ومصعد ،
المعراج من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء قبله [230] ،
وأقول أيضا ً : ولن يحصل لأحدٍ من الأنبياء بعده هذا خطأ ،
ولن يحصل لأحدٍ بعده ، صحيح ؟
صحيح ، إلا روح المؤمن إذا قُبضت يُصعد بها إلى الله عز وجل سماءاً فسماء والملائكة شأنهم شأنٌ آخر ،
من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم المعراج ،
لأنه لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء سواه ،
المعراج هو أنه عُرج به صلى الله عليه وآله وسلم من الأرض إلى السماء إلى السماء السابعة إلى أن بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام ، أقلام القضاء والقدر ، القلم إذا كُتب به سُمع له صوت فهو وصل إلى هذا الحد إلى سدرة المنتهى التي ينتهي إليها كل شيءٍ صعد إلى الأرض مكان ما بلغه فيما نعلم أحدٌ من البشر ،
وكان العروج وهو في مكة قبل الهجرة بثلاث سنوات أُسري به من مكة إلى المسجد الأقصى واجتمع بالأنبياء هناك ،(2/27)
لأن أنبياء بني إسرائيل كلهم أو غالبهم كانوا في جهة الشام أو مصر فجُمِعوا له هناك وصلى بهم إماماً إشارةً إلى أنه صلى الله عليه وآله وسلم هو إمامهم ورضوا كلهم رضوا بذلك لأن الله قد أخذ عليهم الميثاق ، { لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } ( آل عمران 81 ) ، صلى بهم ثم صعد به جبريل سماءاً فسماء حتى وصل إلى السماء السابعة وهو يمر بمن يمر به من الملائكة وبمن يمر به من الأنبياء ومر على علية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكلهم إذا سلَّم عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرد عليه السلام ويرحب به ، آدم قال : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وقال مثل ذلك إبراهيم : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح ، وبقية الأنبياء يقولون : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح [231] ،
فشهد له الأنبياء بالبنوة وبالأخُوَّة والصلاح مرتين ،
وكل هذا من إعلاء ذكره صلى الله عليه وآله وسلم وهو داخلٌ في قوله : { ورفعنا لك ذكرك } ( الشرح 4 ) ، في هذا المعراج فرض الله عليه أفضل الأعمال البدنية وهي الصلاة ولم يفرض عليه الزكاة ولا الصيام ولا الحج ، الصلاة فقط ،
ولهذا لا نعلم عبادةً فُرضت من الله إلى الرسول بدون واسطة إلا الصلاة وفرضها عليه خمسين صلاةً في اليوم والليلة وهذا يدل على أهميتها وفضلها وعناية الله بها وأنها جديرةٌ بأن يصرف الإنسان جميع وقته أو جُلَّه فيها لأن خمسين صلاةً كم تستوعب ؟(2/28)
وقتاً طويلاً لا سيما أننا لا ندري كم عدد الركعات فيها لكن هي خمسون صلاة ونزل نبينا وإمامنا وقائدنا وقدوتنا نزل مقتنعاً بذلك راضياً به مسلِّماً خمسين صلاة يصليها في اليوم والليلة هو وأمته حتى قيَّض الله له موسى وسأله ألهم الله موسى أن يسأله : ماذا فرض عليك ربك فأخبره فقال : إن أمتك لا تطيق ذلك إني جربت بني إسرائيل وعالجتهم أشد المعالجة [232] ،
وموسى عليه الصلاة والسلام لا شك أنه قاس هذه الأمة على بني إسرائيل لأنه لا يعلم الغيب وإلا فلا يصح قياس هذه الأمة على بني إسرائيل لأن هذه الأمة أطوع لله من بني إسرائيل هذه الأمة لما ابتلاها الله تعالى بالصيد وهم محرمون تنالهم أيديهم ورماحهم ، الصيد تناله أيديهم فيما يمشي ورماحهم فيما يطير والعادة أن الذي يطير لا يُنال إلا بالسهام والذي يمشي لا يُنال إلا بالرماح لكن ابتلاهم الله حرم عليهم الصيد ثم قيَّض أن الصيد الذي يطير يُؤخذ بالرمح ما يطير يضربه بالرمح ويأخذه والذي يمشي كالأرنب وما أشبهها باليد ، { ليعلم الله من يخافه بالغيب } ( المائدة 94 ) ، فماذا فعل الصحابة هل كفوا عن الصيد مع تيسُّرِه أو أخذوا به كفوا ما أخذوه وبنوا إسرائيل قيل لهم لا تصيدوا في يوم السبت سمكاً قالوا : لا بأس ما نصيد فطال عليهم الأمد وابتلاهم الله ، في يوم السبت تأتي الحيتان شُرَّعاًَ على وجه الماء شُرَّع شارع وفي غير يوم السبت ما تأتي فقرقت البطون على السمك وقالوا : كيف نبقى هكذا ما نأكل سمك ما يمكن ، قالوا : نحن أصحاب حِيَل نحتال على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ماذا نصنع قالوا نضع شبكةً يوم الجمعة وخذوا ما فيها يوم الأحد فوضعوا شبكةً يوم الجمعة فجاءت الحيتان على العادة دخلت الشبك وعالخروج فلما كان يوم الأحد أخذوها فتحيلوا على محارم الله لكن هل نفعهم هذا التحيل ؟ لا ، قلبهم الله تعالى قردة فأصبحوا قردة يتعاوون الذي كان بالأمس رجل يمشي على رجليه أصبح(2/29)
الآن قرداً يمشي على يديه ورجليه يعني هذه الحيلة أقرب ما يكون لبني آدم من هم ؟ القرود ، وأقرب ما يكون للحل هذه الحيلة التي فعلوها فصار الجزاء وفاقاً من جنس العمل فإذن لا يمكن أن تُقاس هذه الأمة السامعة المطيعة التي قال قائلهم لما استشارهم رسول الله عليه الصلاة والسلام في الغزو قال : والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } ( مريم 25 ) ، ولكن قال الصحابة للرسول : والله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ولكن اذهب فقاتل فنحن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، الله أكبر رضي الله عنهم لكن موسى لا يعلم الغيب ومن نعمة الله عز وجل أنه كان كذلك لا يعلم هذه الأمة حقيقةً فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجع فوضع عنه خمساً خمساً أو عشراً عشراً حتى وصلت إلى خمس فنادى منادٍ إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي هن خمسٌ بالفعل وخمسون بالميزان وهذا يدل على فضل الصلاة وعظمها ففرض الله عليه الصلاة ونزل إلى الأرض حتى وصل مكة بغَلَس وصلى بها الفجر نزل جبريل وصلى به في ذلك اليوم صلى به الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، هذا المعراج من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحصل لأحدٍ من الأنبياء سواه أبداً فهو من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وعلى الآيات الكبرى التي شاهدها الرسول عليه الصلاة والسلام ولو أننا استعرضنا المعراج وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية ما يكون من الأدب ،
{ ما زاغ البصر وما طغى } ( النجم 17 ) ، نحن أنا دخلنا قصراً غريباً علينا كان واحد ينظر للسقف ينظر للجدار الأيمن ينظر للجدار الأيسر أمامه ربما ينظر للأرض كل شيء غريب ،(2/30)
لكن الرسول يقول : { ما زاغ البصر وما طغى } ، لم يتجاوز النظر الذي حًدد له في غاية ما يكون من الأدب و { ما زاغ } ، ما نظر شيئاً على خلاف الواقع ،
{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) :
إعراب { الكبرى } فيها وجهان :
الوجه الأول : مفعول به فيكون التقدير : لقد رأى الكبرى من آيات ربه ،
والوجه الثاني : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ، فتكون صفة أيهما ؟
الظاهر : أن كونها صفة أبلغ لأنها إذا كانت مفعولاً به صار المعنى أنه رأى الكبرى التي لا أكبر منها ،
وإذا قلنا : أنها صفة صار المعنى رأى من آياته الكبرى الموجودة في ذلك الوقت وهي كثيرة ويؤيد هذا الوجه قوله تعالى في سورة الإسراء : { لنريه من آياتنا } ( الإسراء 1 ) : أي بعض آياتنا ،
سبق لنا أن الله عز وجل خص نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بخصائص :
منها المقام المحمود ،
ومنها أنه أرسله إلى الناس كافة ،
ومنها أنه أرسل عليه كتاباً معجزاً ،
ومنها أنه عرج به إلى مكانٍ لم يبلغه أحد ،
أورد علينا بعض الطلبة أن الأنبياء وجدهم النبي عليه الصلاة والسلام في السماوات ،
فكيف يصح أن نقول : إنه اختصه بالمعراج مع أن الأنبياء في السماوات ؟
والجواب على ذلك : من وجهين :
الأول : أن الأنبياء لم يُعرج بهم وهم أحياء ، من الدنيا إلى السماوات ، وإنما وجد أرواحهم في السماوات ،
والثاني : أنه حتى الذين في السماوات لم يصلوا إلى سدرة المنتهى لأن أعلاهم إبراهيم في السماء السابعة ولم يصلوا إلى سدرة المنتهى ،
وهذان الفرقان واضحان ،
وقد سبق الكلام على المعراج وما حصل فيه من الآيات العظيمة الكبيرة ،
ولو شئنا أن نتلو آيات المعراج ، { والنجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم وما غوى } ( النجم 1 – 2 ) ، أقسم بالنجم حين هويه ،
فقيل : المعنى حين غروبه لأنه يهوي في الأفق ،
وقيل : المعنى حين انطلاقه ليضرب مسترق السمع ،(2/31)
ويكون في هذا إشارة إلى حماية الوحي الذي نزل على محمد وهذا المعنى أصح ،
{ والنجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم وما غوى } ، { ضل } : خالف الحق عن جهل ، { غوى } : خالف الحق عن عمد ،
و { صاحبكم } من ؟
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وإنما عدل عن قوله : ( ما ضل محمد ) أو ( ما ضل النبي ) إلى قوله : { ما ضل صاحبكم } ، لإقامة الحجة عليهم وعلى بلاهتهم كأنما يقول : ما ضل هذا الرجل الذي تعرفونه وهو صاحبكم نشأ بينكم وعرفتم صدقه وأمانته والصاحب أعلم الناس بصاحبه قد يعلم الصاحب من صاحبه ما لا يعلمه القريب من قريبه فهذا صاحبكم كيف تقولون أنه ضل ؟ ،
{ وما ينطق عن الهوى } ( النجم 3 ) ، انتبه ولم يقل ما ينطق بالهوى ،
قال : { وما ينطق عن الهوى } : يعني لا ينطق نطقاً صادراً عن هوى وإنما ينطق نطقاً صادراً عن وحي أو عن اجتهاد أراد به المصلحة ،
الفرق بين ( ما ينطق بالهوى ) و { وما ينطق عن الهوى } :
{ وما ينطق عن الهوى } يعني ما ينطق بالهوى الذي يريد ،
لكن ( ما ينطق عن الهوى ) أي ما صدر نطقه عن هوى وإنما كان عن وحيٍ أو عن اجتهادٍ أراد به المصلحة لا لمجرد الهوى ،
ولهذا قال : { إن هو } ( النجم 4 ) : أي نطقه ، { إلا وحي يوحى } .
والمراد بالضمير في قوله : { إن هو } ، القرآن خاصة ،
لقوله : { علمه شديد القوى } ( النجم 5 ) ، وهو جبريل والذي علمه هو القرآن ،
{ ذو مرة } ( النجم 6 ) ، مرة يعني هيئةٍ حسنة فوصفه بالقوة والحُسْن والجمال والبهاء وإذا اجتمعت القوة الحسن والبهاء والجمال فذلك هو الكمال ،
ثم وصفه بوصفٍ ثالث وهو علو المنزلة فقال : { ذو مرة فاستوى ، وهو بالأفق الأعلى } ( النجم 6 – 7 ) ، استوى كمل يعني كان على خلقته ،(2/32)
{ وهو بالأفق الأعلى } ، فقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام على خلقته التي خلقه الله عليها مرتين مرةً عند سدرة المنتهى فوق ومرةً في الأرض رآه بالأفق الأعلى وله ست مائة جناح قد سد الأفق من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه يعني غيمة واحدة سدت الأفق [233] ،
{ ثم دنا } ( النجم 8 ) ، من ؟
ذو المرة أي جبريل ،
{ فتدلى } : أي قَرُب والتدلي النزول من فوق ،
{ فكان قاب قوسين أو أدنى } ( النجم 9 ) : أي كان جبريل قاب قوسين أو أدنى من الرسول صلى الله عليه وسلم ،
{ فأوحى } ( النجم 10 ) جبريل ،
{ إلى عبده } أي إلى عبدالله ،
{ ما أوحى } ما الذي أوحاه ؟
القرآن وأبهمه تعظيماً له ،
{ فأوحى إلى عبده ما أوحى } ، لا يُقال : إن هذا تحصيل حاصل ( أوحى ما أوحى ) ،
فيُقال : هذا الإبهام للتعظيم ،
كقوله تعالى : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } ( طه 78 ) .
معلوم أن ما غشيهم هو ما غشيهم لكن جاء بصورة للتعظيم يعني أوحى إلى عبده شيئاً عظيماً من الوحي ،
{ ما كذب الفؤاد ما رأى } ( النجم 11 ) ، الفؤاد ما كذب الذي رأى بل رآه على ما هو عليه صدقاً حقاً ،
{ أفتمارونه على ما يرى } ( النجم 12 ) ، أفتجادلونه على شيءٍ رآه بعينه وقلبه ،
{ ولقد رآه نزلة أخرى } ( النجم 13 ) : أي رأى جبريل مرةً أخرى في الأفق نازلاً ،
{ عند سدرة المنتهى } ( النجم 14 ) ، وهذه المرة الثانية التي رآه على خلقته التي خلقه الله عليها ،
{ عندها جنة المأوى } ( النجم 15 ) ، عند سدرة المنتهى جنة المأوى وهذا يدل على أن الجنة فوق السماوات عليا جعلنا الله وإياكم من أهلها ،
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى } ( النجم 16 ) : يعني رآه حين يغشى السدرة ما يغشى وهنا أيضاً إبهام للتعظيم ما الذي غشيها ؟
غشيها من البهاء والحسن والجمال ما يبهر العقول هي في الأول شجرة كأنها سدرة لكن غشيها جمال عظيم يبهر العقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ،(2/33)
{ ما زاغ البصر وما طغى } ( النجم 17 ) : يعني مال البصر ،
{ وما طغى } أي تجاوز الحد فهو لم يدر يميناً ولا شمالاً ولم يتقدم أماماً ولا فوقاً وذلك لكمال أدبه صلى الله عليه وآله وسلم ،
{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) ، هذه آية المعراج وهذا خلاصة المعراج ،
والبحث فيه في مسائل :
أولاً : متى كان ؟
ومن أين كان ؟
وهل هو بالبدن أو بالروح ؟
وهل هو يقظة أو منام ؟
وهل تكرر أم لم يتكرر ؟
الأول : متى كان ؟
كان قبل الهجرة بثلاث سنوات هذا أرجح ما قيل ،
وقيل فيه أقوال أخرى ولكنه لم يُحرر ،
لأن الناس في الجاهلية ما كانوا يعتنون بهذه الأمور ،
ولهذا لم يكون لهم تاريخ كان الجيد منهم والمثقف الذي يؤرخ بعام الفيل وإلا فهم لا يعرفون التاريخ ،
ما أُرِّخَ التاريخ إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
إذن هو على الأرجح قبل الهجرة بثلاث سنوات ،
الثاني : من أين كان ؟
كان من المسجد الحرام من الحِجْر حِجْر الكعبة [234] ،
وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : أنه كان من بيت أم هانئ ،
والجمع بينهما أن يقال : كان نائماً عند أم هانئ فأتاه آتٍ فأيقظه فقام إلى المسجد الحرام واضطجع عند الحجر فعُرج به من هناك من المسجد الحرام ،
الثالث : هل كان يقظة أو مناماً ؟
والصواب المقطوع به : أنه يقظة [235]،
لأن الله قال : { سبحان الذي أسرى بعبده } ( الإسراء 1 ) ، ولم يقل : بروح عبده ،
والعبد هو الجسم الذي فيه الروح فقد أُسرِيَ به بجسمه صلوات الله عليه يقظةً ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه فلو كان مناماً لم تنكره قريش لأن المنام لا يُنكر الإنسان ،
مثلاً : لو قال : أنه رأى في المنام أنه ذهب إلى أقصى الشرق أو أقصى الغرب ورأى ما رأى هل يُكذَّب ؟
أبداً لا يُكَذَّب فلولا كان بجسمه ويقظةً لم تكذب به قريش لأن قريشاً لا تكذب المنامات ،
هل هو بجسمه أو بروحه [236] ؟
ذكرنا أنه بجسمه وأنه كان يقظان عليه الصلاة والسلام ،(2/34)
هل تكرر أو لا ؟
نقول : الصحيح إن لم نقل المقطوع به : أنه لم يتكرر وأنه ليس إلا مرةً واحدة ،
البحث السادس : هل الإسراء والمعراج في ليلةٍ واحدة أو الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة ؟
الصواب : أنهما في ليلةٍِ واحدة [237] ،
لقوله تعالى : { لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } ( الإسراء 1 ) ، والآيات التي ذكر الله أنه يريه إياها هي قوله : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( النجم 18 ) .
فالصواب : أن الإسراء والمعراج كانا في ليلةٍ واحدة ،
وهنا ننبه على كتيب في المعراج تُنسب روايته إلى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما مطول ،
ولكن أكثره ليس بصحيح ولا تجوز قراءته ،
وقد كان الناس فيما سبق يقرؤونه ويجتمعون إلى قارئه ،
وفيه أشياء منكرة قطعاً فيجب الحذر من هذا الكتاب لأنه موضوع على ابن عباس رضي الله عنهما ولا يصح عنه ،
البحث السابع : بهل كان هذا المعراج ليلة سبعٍ وعشرين من رجب ؟
اشتهر عند الناس أنه ليلة سبعٍ وعشرين من رجب ،
وصار بعض الناس يحتفل به وبعض الدول تجعله عطلةً رسمية وهم يحكمون بغير ما أنزل الله ،
هذا التناقض عجيب تعظيماً للمعراج يجعلونه عطلة رسمية وإنكاراً للشريعة يحكمون بغير ما أنزل الله ،
ولكن أن الصواب : أن المعراج ليس في رجب ،
وأقرب ما قيل : أنه في ربيعٍِ الأول ،
لأن النبي عليه الصلاة والسلام وُلد في ربيعٍ الأول وأنزل عليه الوحي أول ما نزل في ربيع الأول ،
نزل عليه الوحي في رمضان ،
لكن أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصادقة من ربيع ،
كما قالت عائشة : كان أول ما بدئ به الوحي أنه كان الرؤيا الصالحة حتى تأتي مثل فلق الصبح [238] ،
وبقي على هذا ستة أشهر ، ربيع الأول والثاني وجمادى وجمادى الثاني ورجب وشعبان وفي رمضان أُنزل عليه القرآن ،(2/35)
وإذا قارنت بين هذا وبين قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) [239] ، ونسبت ستة أشهر إلى ثلاث وعشرين سنة مدة الوحي صارت الستة بالنسبة إلى الثلاثة وعشرين جزءاًَ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة وُلد في ربيع ،
أول ما جاءه الوحي في ربيع ،
لكن ما أنزل عليه القرآن في رمضان ،
هاجر في ربيع ،
تُوفي في ربيع ،
فكل الحوادث الكبيرة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام كانت في ربيع ،
فأصح ما قيل : أن المعراج كان في ربيع وليس في رجب ،
لكن اشتهر أنه في رجب وصار عند الناس كأنه مجزومٌ به ،
كما اشتهر أن ولادته كانت في الثاني عشر وهذا لا أصل له ،
انتهى الكلام على المعراج ،
وأما ما فيه من الآيات فالإنسان إذا تدبر أحاديث المعراج وجد فيها العجب العجاب ،
قوله : ( بلا مينٍ والاعوجاج ) : ( المين ) : هو الكذب ،
( الاعوجاج ) : ( الانحراف عن الاستقامة ) ،
فهو حق لا كذب فيه وهو استقامة لا اعوجاج فيها ،
******************
139 – فكم حباه ربه وفَضَّلَه ،
وخَصَّهَ سبحانه وخَوَّلَه ،
قوله : ( فكم ) : ( كم ) هذه تكثيرية على ما يظهر يعني ما أكثر ما حباه الله وفضله ويجوز أن تكون استفهاماً يراد به التكثير والمعنى واحد ،
قوله : ( حباه ربه وفضله ) : الحباء بمعنى الإعطاء والتفضيل بمعنى الزيادة ،
قوله : ( وخصه سبحانه ) : يعني بأشياء لم تكن لغيره ،
قوله : ( وخوله ) : أي أعطاه ،
فعليه الحباء والتخويل بمعنى واحد ،
فالله خص نبيه عليه الصلاة والسلام بخصائص لم تكن لغيره وفضله بفضائله لم تكن لغيره وأعطاه من الهبات ما لم تكن لغيره فصلوات الله وسلامه عليه ،
فصل
في التنبيه على بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جداً(2/36)
140 – ومعجزات خاتم الأنباء ،
كثيرة تجل عن إحصاء ،
قوله : ( ومعجزات خاتَم الأنباء ) : أي خاتم أنباء الأنبياء ،
قوله : ( الأنباء ) : يعني أنباء الأنبياء فهو خاتم النبيين لا خاتم الأنباء ،
لأن الأنباء جمع نبأ لكن مراد المؤلف خاتم أنباء الأنبياء ،
قوله : ( خاتَم ) : بالفتح كما في القرآن ،
وهو أبلغ من ( خاتِم ) لأن ( خاتَم ) بمعنى الطابع الذي لا ينفذ من وراءه شيء و ( الخاتَم ) بمعنى الآخِر فكان ( خاتَم ) بالفتح أبلغ من ( الخاتِم ) ،
قوله : ( ومعجزات ) : جمع معجزة ،
وهي في التعريف :
( أمرٌ خارقٌ للعادة ، يظهره الله سبحانه وتعالى على يد الرسول ، شهادةً بصدقه ) ،
يعني يشهد بصدقه بالفعل وهو إظهار هذه المعجزة ،
فقولنا : ( أمرٌ خارقٌ للعادة ) : خرج ما كان جارياً على سنن العادة فلا يُعتبر هذا معجزاً ولا كرامة لولي ،
فلو قال رجل : أنا من أولياء الله وإذا شئتم أن أثبت لكم أني ولي من أولياء الله فإن الشمس تطلع اليوم على ست ونصف وكان ذلك اليوم موعدها على ست ونصف فارقبوها فذهبوا يرقبونها على السطوح وعلى رؤوس الجبال فخرجت الشمس الساعة السادسة والنصف تماماً فقال شهدت الشمس لي بالولاية ،
هل هذا صحيح ؟
لا ، لأنه ليس خارقاً للعادة فلا يكون كرامة ،(2/37)
ولما ناظر شيخ البطائحية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة قال له شيخ البطائحية أنا وأنت أمام الواقع ندخل النار فأينا لم تحرقه النار فهو الذي على الحق ومن أحرقته النار فهو على الباطل فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية : نعم ليس عندي مانع إذا كان الله عز وجل جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم تكون برداً وسلاماً على أمة محمد ليس عندي مانع ندخل النار ولكن بشرط أن نغتسل أنا وأنت قبل أن ندخل النار نغتسل ننظف أجسامنا قبل أن ندخل النار فنكس الرجل على عقبيه فقال شيخ الإسلام : أنا أعلم أن هذا الرجل قد طلى جسمه بمادة تمنع الاحتراق فأراد أن يعجزني بهذا فبُهت الذي ابتدع [240] ،
فهل يُعد هذا كرامة لو أن رجلاً من الناس دخل النار حقيقةً لتأييد الشرع هل يُعد هذا كرامة ؟
لا ،
إذن يظهره الله على يد الرسول تأييداً له أمر خارق للعادة يظهره الله على يد الرسول تأييداً له فإن أظهره الله على مدعي الرسالة تكذيباً له لا تصديقاً فليس بمعجزة ،
وقد ذكر ابن كثير في البداية النهاية وغيره من المؤرخين أن مسيلمة الكذاب نبي اليمامة كان يدعي أنه رسول وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال أريد أن أكون وأنت شركاء في الرسالة جاءه قومه يوماً من الأيام وقالوا : يا نبي الله – وهو كاذب – إن بئرنا غار ماءها ولم فيها إلا القليل من الماء الذي يروينا فقال أنا آتٍ إليكم فجاء إليهم وطلب ماءاً فتمضمض به ومَجَّهُ في البئر فصاروا ينتظرون أن تجيش بالماء كما صار ذلك في بئر غزوة الحديبية فلما مج الماء في هذا الماء الباقي غار بإذن الله [241] .
هذا خارق للعادة أو موافق للعادة ؟
خارق للعادة .
لكن تصديقاً أو تكذيباً ؟
تكذيباً ،
إذن هي خارق للعادة أجراها الله على يد على هذا الكاذب تكذيباً له ،(2/38)
وذكروا قصةً أخرى أيضا ً أتوه بصبيٍِ شعر رأسه متمزق فجاؤوا به إليه ليمسحه حتى يخرج بقية الشعر فلما مسحه زال بقية الشعر الموجود وصار أصلع مرة هذا أيضاً خارق للعادة لأن الإنسان لو مسح على رأس الصبي ما نبت الشعر ولا زال لكنه تكذيب أو تأييد ؟ تكذيب ،
ولهذا قلنا : أن المعجزة أمرٌ خارق للعادة يظهره الله على يد الرسول تِأييداً له وتصديقاً له ،
قال : ( ومعجزات خاتم الأنباء كثيرة ) : وأنا أرشدكم إلى فصلٍ نافع جداً في هذا الموضوع ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) [242] ذكر كلاماً حسناً جيداً جداً ،
وأظن ابن كثير نقله في البداية النهاية وابن كثير ذكر أيضاً آيات الرسول عليه الصلاة والسلام لما تكلم على آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في البداية والنهاية [243] ذكر آياتٍ كثيرة أرضية وسماوية وحيوانية أشياء كثيرة فمن أراد الزيادة من ذلك فليراجع ،
ولهذا قال المؤلف : ( تجل عن إحصاء ) : منها أي هذه المعجزات ،
*****************
141 – منها كلام الله معجز الورى ،
كذا انشقاق البدر من غير افترا ،
قوله : ( كلام الله معجز الورى ) : كلام الله عز وجل القرآن الذي أعجز الورى ،
وقد ذكرنا فيما سبق شيئاً من وجوه الإعجاز في القرآن :
منها : عجز الناس أن يأتوا بمثله ولا بسورة ولا بحديث مع أنهم أمراء الفصاحة والبلاغة ،
وهذا لا شك أنه من آيات الله عز وجل ،
لكن الغريب أن بعض العلماء قال : إنهم عجزوا بالصِّرفة لا بمقتضى الطبيعة ،
يعني أنهم قادرون من حيث طبيعتهم على أن معارضة القرآن لكن صُرفوا أي صرفهم الله عن معارضته ،
فيكون إعجاز القرآن على هذا القول لا لذات القرآن ولكن لأمرٍ خارج ، وهو صرفهم عن المعارضة ،
وهذا القول باطل لا شك ،(2/39)
ثم على تقدير التسليم يُعتبر هذا آية ،
لأن كون الله صرفهم عن معارضته يدل على أنه لا تُنكر معارضته شرعاً ،
لكن الذي نرى وهو الصواب أنهم عاجزون عن الإتيان بمثله طبعاً لا صرفاً ،
يعني لا يستطيعون أن يأتوا بمثله هذه واحدة ،
المهم أن القرآن من أعظم المعجزات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
وأنا قلت لكم : من أعظم المعجزات تبعاً للمؤلف ،
وإلا فالصواب : أن نقول : الآيات ،
قوله : ( كذا انشقاق البدر ) : أيضاً من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام انشقاق البدر أي القمر ،
انشق القمر فرقتين حقيقة لا برأي العين ،
فكان أحدهما : على جبل الصفا ،
والثاني : على جبل المروة يُشاهد من هنا ومن هنا شاهده الناس ،
قال الله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } ( القمر 1 – 2 ) ، لما أراهم النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية وشاهدوها بأعينهم قالوا : سحرنا محمد ليس بصحيح أن القمر ينشق ،
والعجيب أن آخر هذه الأمة وافق المشركين في إنكار انشقاق القمر ،
قالوا : انشقاق القمر ليس بصحيح ولا يمكن أن ينشق القمر ،
لكن قوله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } : أي ظهر نور الرسالة ،
سبحان الله تحريف أين قوله : { إن يروا آية يعرضوا } ؟
ثم ما المانع من أن ينشق القمر ؟
قالوا : لأن الأفلاك لا يمكن أن تتغير ،
قلنا : تباًّ لعقولكم أليس الله يقول : { إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت } ( الانفطار 1 – 2 ) ؟
هل هذا تغير للأفلاك أم لا ؟
نعم ، { إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت } ( التكوير 1 – 2 ) ، هذا تغير الأفلاك ،
كيف تقولون ما تتغير ؟
الذي جمع القمر حتى صار كتلةً واحدة قادرٌ على أنه يفرقه ويجعله كُتَلاً ،
ولهذا نأسف أن يقع مثل هذا من علماء أجلاء معاصرين ،
يقولون : لا يمكن انشقاق القمر لأن هذا تغير أفلاك وهذا لا يمكن ،(2/40)
الله المستعان الذي خلق الأفلاك لا يقدر على أن يمزقها ؟ ،
بلى يقدر على ذلك سبحانه وتعالى ،
فانشقاق القمر من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام ،
قال بعضهم منكراً انشقاق القمر بحجةٍ باردة تصلح لهذا الوقت لأن الناس محترين شوي قال : لو انشقاق القمر حقاً لعلم به الناس لعلم به أهل الهند أهل الغرب أهل الشمال أهل الجنوب ولكان نقله مما تتوافر الدواعي عليه ونُقِلَ في التواريخ ما نقل هذا في التواريخ ؟
نقول : تباً لكم أيًُّ تاريخٍ أصدق من كلام الله عز وجل القرآن ؟
وأي تاريخٍ أصدق مما جاء في الصحيحين ؟
في البخاري ومسلم وتلقته الأمة الإسلامية بالقبول ؟
قالوا : لماذا لم يذكره مؤرخو الهند ؟
فنقول : ألا يمكن أن يكون في تلك الليلة غيوم وأمطار حجبت رؤية القمر ؟ يمكن أو لا يمكن ؟
يمكن ،
الثاني : أن نقول : انشقاق القمر هل بقي مدةً طويلة حتى يتمكن الناس من رؤيته ؟
ربما تكون المدة يسيرة حتى شاهده الناس ثم تلاءم والناس في ذلك الوقت في الهند مثلاً نيام لأن الهند يسبق مكة في الزمن أليس كذلك ؟ فيقع هذا وهم نائمون ثم يلتئم قبل أن يستيقظوا ،
والمهم ليس علينا كون أهل الهند قالوه أو علماء الهند قالوه أو ما أشبه ذلك فلا يهم ،
ما دام موجوداً في كتاب الله عز وجل وفيما صح عن رسول الله فلا يهمنا أن يُنقل أو لا يُنقل ،
فالمهم أن انشقاق البدر من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ،
إذ لا نعلم أنه انشق لأحدٍ غيره عليه الصلاة والسلام وهو أعظم من بعض الآيات التي حصلت للأنبياء ،
حتى أن ابن كثير رحمه الله قال : ما من آيةٍ حصلت لنبي إلا وُجد مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام أو أتباعه والآية لأتباع الرسول تُعتبر آيةً للرسول لأنها شهادةٌ بصدق ما هو عليه هذا المتبع ،(2/41)
كان موسى يضرب الحجر إما حجراً معيناً أو أي حجر فيتفجر أنهاراً عيوناً والحجر يمكن أن يتفجر كما قال تعالى : { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء } ( البقرة 74 ) .
لكن الماء نبع من الإناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية جاءوا يشكون إلى الرسول قلة الماء فدعا بإناءٍ فيه ماءٌ يسير فوضع يده فيه فجعل الماء يفور من بين أصابعه كالعيون حتى ارتوى الناس كلهم وكانوا ألفاً وأربعمائة واحد هذا أعظم من أن يتفجر الحجر لأن الحجر جرت العادة بأنه يتفجر والإناء من أين يتفجر أين صلته بالأرض ؟
فلهذا نقول : آيات الرسول عظيمة كثيرة ،
وكما قال ابن كثير رحمه الله : ما من آيةٍ لنبي إلا حصل مثلها أو أعظم للرسول عليه الصلاة والسلام أو لأتباع الرسول ، إحياء الموتى حصل إما للرسول إن صحت الرواية وإما لأتباعه ،
صلة بن أشيم من التابعين العباد كان في سفر فماتت الفرس فرسه ماتت فبقي ليس له مركوب فدعا الله تعالى أن يحييها حتى توصله إلى بلده فأحياها الله وركب عليها ولما وصل إلى البلد وإلى البيت قال لابنه يا بني ألقِ السَّرج عن الفرس فإنه عارية فتعجب الولد كيف عارية ؟
فلما وضع السرج عنه سقط الفرس ميتاً لأنه دعا الله أن يحييه ليوصله إلى أهله سالماً فحصل هذا ، هذا إحياء للموتى وإحياءٌ موقت أيضاً كأنه عارية مؤقتة [244] ،
والأشياء هذه كثيرة في ( البداية والنهاية ) فتُراجع ،
******************
142 – وأفضل العالم من غير امترا ،
نبينا المبعوث في أم القرى ،
قوله : ( من غير امترا ) : أي من غير شك ،
فإن انشقاق القمر عندنا يقينٌ كرؤيتنا للقمر الآن ، لا نمتري في هذا نقول : إن الله على كل شئٍ قدير ، فالذي جمع القمر قادرٌ على تفريقه والله أعلم ،(2/42)
قوله : ( أفضل العالم ) : ظاهر كلام المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات لن كل ما سوى الله فهو عالم ،
ولهذا قال الله تعالى : { الحمد لله رب العالمين } ( الفاتحة 2 ) ، فليس هناك إلا ربٌّ ومربوب ، والعالمون كلهم مربوبون وإذا لم يكن إلا ربٌّ ومربوب ،
صار المراد بالعالمين من سوى الله فيشمل عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الإنس وعالم الجمادات كل شيء ،
فما هو الدليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من هؤلاء كلهم ؟
نقول : إن مراد المؤلف : ( أفضل العالم ) : من البشر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أنا سيد ولد آدم ) [245] ،
أما من سواهم فإننا نتوقف وإن كنا يغلب على ظننا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق على الإطلاق [246] ،
وفي ذلك يقول الناظم [247] :
وأفضل الخلق على الإطلاق ،
نبينا فَمِلْ عن الشقاق ،
قوله : ( فمل ) : فعل أمر من مال يميل ،
قوله : (نبينا المبعوث في أم القرى ) : هذه صفة كاشفة وليست صفةً مقيدة ،
لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يُبعث إلا في أم القرى ،
ومعنى : ( المبعوث ) : المرسل إلى الناس ،
والمراد بـ ( أم القرى ) مكة ،
وسميت أم القرى لأن القرى كلها تؤمها في الحج إليها والاعتمار إليها وتؤمها في الاتجاه إليها في الصلاة وغير الصلاة [248] ،
وقال بعض الناس : هي أم القرى لأنها مركز العالم ووسط العالم ،
وهذا أمرٌ جغرافي لا ندري عنه ،
لكن إن ثبت فلا مانع أن نقول به ،
وإن لم يثبت فهي أم القرى في الفضائل تؤمها أم القرى في الحج والعمرة والاتجاه ،
الأسئلة
السؤال : ذكرتم أن الولي لا بد أن يظهر له كرامة ؟(2/43)
الجواب : لا ليس بلازم الأولياء في الصحابة أكثر من الأولياء في التابعين والكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة ،
لما كانت حرب الأفغان في عنفوانها رأيت كتيباً عنوانه ( آيات الرحمن في جهاد الأفغان ) ذكر قصص كثيرة جداً منها ما يكون صحيحاً ومنها ما قد يكون غير صحيح لكن المبالغة في هذا فيها نظر ،
كرامات الأولياء : هي ( أمرٌ خارقٌ للعادة يظهره الله تعالى على يد الولي تكريماً له أو تأييداً لما معه من الحق ) ،
ومن هو الولي ؟
الولي ذكره الله بقوله : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس 62 ) .
فإذا جاء الإنسان وقال : أنا ولي وهذه كراماتي ، ننظر : هل هو صادق أو لا ؟ فإذا كان غير صادق قلنا : كذاب حتى لو وُجد منه ما يخرق العادة فهو من الشياطين ،
بمجرد ما يقول للناس : أنا ولي فإنه ليس بولي ، لماذا ؟
لأنه زكى نفسه فوقع في الحرام ،
وأنت تعرف الأولياء وأفريقيا وغيرها الذين يدعَّون أنهم أولياء إذا رأيته رأيت عِمَّةً خمسين متر وكماًّ يسع أضخم الرجال ومسواكاً يكون سوط حمارً بليد وربما يكون خاتم أيضاً ومسبحة تحمل ألف حبة وحركات في الشفتين همهمة ثم يقول للناس : أنا ولي ثم يقول : أنا من أولياء الله الذين سقط عنهم التكليف فيجوز لي أن أتزوج خمسين بنتاً بكراً ويحل لي من الأكل ما لا يحل لكم ثم يدعي دعاوىً كل يعرف أنها باطلة ثم يأتي بخوارق يقول لإنسان مثلاً ضاع منه شئ : آتيك بالذي ضاع منك ثم يأتي به ،
وهؤلاء كثيرون وإذا رأوا إنساناً سلفياً اجتمع إليه الشباب حاربوه أشد المحاربة حاربوه بكل وسيلة واتصلوا بالحكام حتى يمنعوه وهذا شئٌ أخبرني الثقات به ،
لماذا تحرص الحكومات على أن تمكن لهؤلاء الضلال دون متبعي السلف ؟
لأن متبعي السلف يعلمون أنهم إذا صدقوا الله سوف يملكون ما تحت أقدامهم ،(2/44)
وهؤلاء المشعوذون هم منهم في مأمن لأنهم لن يُنصروا هؤلاء المشعوذون فهم يقولون دعوهم ،
الأصل أن الخارق للعادة لا يأتي إلا لنصرة حق ٍأو لتأييد محق ،
لكن ربما أن الله سبحانه وتعالى يمن على شخصٍ ويكرمه لكن تجده بإحسان ،
نحن ذكر لنا بعض الناس فيما سبق لما كانوا يذهبون إلى البلاد الشاسعة عن طريق الإبل يقول : إننا في مرة من المرات ضعنا في مكانٍ يقال له : الدهناء كلها رمال في الصيف وأننا هلكنا إلا أن يشاء الله يقول : فنمت فأتاني آتٍ بإناءٍ فيه لبن فشربت حتى رويت وقلت : أنا نشيط ويقول : هذا الإناء كان مثل الإناء الذي كنت أسقي به جارةً لنا في البلد وكنت أعطيه هذه الجارة كل يوم إناء لبن والإناء الذي كنت أعطيه هذه الجارة هو الذي جاءني في المنام وشربت حتى رويت هذه كرامة لكن جزاء للإنسان وهو عادي رجل جماَّل ،
فصل
في ذكر فضيلة نبينا وأولي العزم وغيرهم من النبيين والمرسلين
143 – وبعده الأفضل أهل العزم ،
فالرسل ثم الأنبياء بالجزم ،
وليعلم أن الفضل أو التفاضل مراتب لا تُتلقى إلا من الوحي ،
لأن المراتب تختلف اختلافاً عظيماً وتتباين تبايناً كبيراً ،
ولا يمكن أن نرتب فضيلةً على أخرى إلا بدليل من الشرع ،
فإن لم يكن لنا دليلٌ من الشرع فليس لنا الحق في أن نتكلم هذه واحدة ،
ثانياً : الترتيب في الفضيلة بناءاً على ما يظهر لنا لا على ما هو الواقع عند الله عز وجل كيف ؟(2/45)
لأننا قد نرى شخصين يصليان أحدهما قد أجاد صلاته ظاهراً تماماً بحيث لا نراه يتحرك ولا يعبث ونراه قد خضع برأسه وصلى صلاةً كاملة باعتبار ما يظهر لنا وآخر نرى أنه يحصل منه بعض الحركة وما أشبه ذلك ،فنحن إذا فضلنا الأول نفضله بحسب ما يظهر لنا أما عند الله فقد يكون الثاني أفضل قد يكون هذا الثاني قام بقلبه من الإخلاص لله وتعظيم الله عز وجل ما لم يكن في قلب الأول ،
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في شارب الخمر الذي يكثر أن يُجاء به إلى رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال : ٍ( إنه يحب الله ) [249] ، وهو يكثر شرب الخمر ،
فلو أننا حكمنا بالظاهر لقلنا : هذا الذي يكثر شرب الخمر ليس في قلبه محبة لله ،
ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنه يحب الله ) ،
ولهذا نحن حينما نفضل إنما نفضل بحسب ما يظهر لنا ،
أما ما ورد به النص فلا شك أننا نتبعه ،
لأن النص ورد من عند الله والله تعالى عليمٌ بما القلوب وبما في الظواهر ،
أولاً : هل هذه المسألة وهي التفاضل بين الأنبياء هل هي ثابتة شرعاً ؟
الجواب : نعم ثابتة ،
قال الله تبارك وتعالى : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } ( البقرة 253 ) ، هذا في الرسل ،
وقال : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } ( الإسراء 55 ) ، فالله تعالى فضَّل الرسل بعضهم على بعض وفضّل النبيين بعضهم على بعض ،
وفضّل الناس بعضهم على بعض ، { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } ( النساء 32 ) ، فالله عز وجل فضل بعض الناس على بعض ، الرسل والأنبياء وغيرهم ،
والعقل يدل عليه أن البعض أفضل من البعض كيف ذلك ؟
لأن من قام بمهماتٍ عظيمة جليلة يقضي العقل أنه أفضل من دونها ،
فالتفاضل إذن ثابت [250] ،
فإن قال قائل : كيف نثبت ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء ؟(2/46)
فيقال : حاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينهى عما أثبته الله ولا يمكن أن ينهى عما أثبته الله أبداًٍ ،
كيف يخبر الله أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم يقول الرسول : لا تفضلوا بين الأنبياء ؟
لا يمكن هذا ولكنه نهى عن التفضيل بين الأنبياء حيث يكون الحقد والعدوان ،
لو أن أحداً فضل محمداً على موسى بحضرة اليهود وصار ذلك سبباً للعداوة أو المحن أو البغضاء وهي حاصلة لكن سبباً للشر فإنه لا يُفضل درءاً لماذا ؟
درءاً للمفسدة ،
فالذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام من التفضيل ما كان موجباً للمفسدة ،
أما ما كان حكايةً للواقع فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن ينهى عنه وقد أثبته الله ،
إذن نحن حينما نتكلم على تفضيل الرسول عليه الصلاة والسلام على جميع الناس نتكلم به خبراً عما قال الله ،
ولكننا لا نتكلم حينما يكون في ذلك شرٌّ وفساد ،
قوله : ( وبعده الأفضل أهل العزم ) : بعد محمد عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( الأفضل أهل العزم ) : وهم أربعة لأن محمد عليه الصلاة والسلام جُعل لوحده ،
فقوله : ( وبعده الأفضل أهل العزم ) : يعني الأربعة الباقين ،
وهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح وهم مرتبون على هذا إبراهيم ثم موسى [251] ،
أما نوح وعيسى فاختلف العلماء أيهما أفضل ؟
1 - فقيل : إن عيسى أفضل لما أعطاه الله عزة وجل من الآيات ولكثرة أتباعه ،
2 - وقيل : إن نوحاً أفضل [252] ، لأنه أول الرسل وعانى من المشقة والتعب من قومه ما لم يُذكر لنا أنه حصل لعيسى ، لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل ،
فمن العلماء من قال : نوحٌ أفضل ،
ومنهم من قال : عيسى أفضل ،
ولكننا نقول : الفضل الذي عند الله لا نعلمه ،
أما ما تبين لنا من شأنهم في الدنيا فلكل واحدٍ مزية لم تحصل للآخر ،
وحينئذِ نتوقف ،
فإذا توقفنا فمن نقدم ذِكراً ؟
نوح لأنه الأول وعيسى ،
ومع ذلك فإن هذا التقديم لا يقتضي الترتيب ،(2/47)
لأن الواو لا تقتضي أو لا تستلزم الترتيب فالرسل ثم الأنبياء ،
الرسل : جمع رسول ،
والرسول : هو من أُرسل ، قيل : يا فلان اذهب إلى فلان أليس كذلك ؟ نعم تقول أرسلت فلاناً إلى فلان أي أمرته أن يبلِّغ فلاناً عني شيئاً ،
أما النبي : فإنه من النبأ ( وهو الذي أتاه الخبر لكن لم يُكلف بالتبليغ ) ،
وهذا الذي قررنا هو مذهب جمهور العلماء :
أن الرسول هو ( من أوحي إليه بشرع وأُمر أن يبلِّغ ) ،
وأما النبي فهو : ( من أوحي إليه بشرع دون أن يُكلف بالتبليغ ولكنه لم يُمنع من التبليغ ) ،
يعني نُبِّئَ إليه بشرع ولم يُقل له لا تبلغه فإذا بلَّغه كان متطوعاً ،
فالفرق بين النبي والرسول :
أن الرسول مُلزم بالتبليغ ، والنبي غير مُلزم لكن غير ممنوع من التبليغ يعمل هو بنفسه ويجدد الشرع ،
ولكنه لا يُلزم بالتبليغ ،
وهذا هو وجه كون الرسول أفضل من النبي [253] ،
لأن الرسول أُلزم بالتبليغ لأن الرسول أُلزم بزيادة تكليف أليس كذلك ؟
والتبليغ هذا ليس بالأمر الهين ،
لأن فيه معاناة الناس والتعب معهم ولا يخفى علينا جميعاً ما حصل للرسل من الأذية بل من الضرر أحياناً لكن النبي يتعبد بما أوحي إليه ولا يُكلف أن يبلغ به فمن اقتدى به وأخذ بما هو عليه فله ذلك ومن لا فلا ،
ولهذا كان الأنبياء في إسرائيل كثيرين كثيرين جداً لأن بني إسرائيل قومٌ عتاة يحتاجون إلى تجديد الوحي دائماً ،
إذن الرسل : جمع الرسول وهو : ( من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ) ،
والنبي : ( من أوحي إليه بالشرع ولم يُمنع من بتبليغه ) فلا أمر ولا مُنع له أن يبلغ ،
إذن مرتبة الرسل فوق مرتبة الأنبياء وهذا صحيح ،
قوله : ( بالجزم ) : أي قل ذلك بالجزم أو قلتُ ذلك بالجزم ،
فعلى الثاني يكون الكلام خبراً عن عقيدة المؤلف ،
وعلى الأول يكون أمراً باعتقاد هذا أن نعتقد هذا جزماً ،
فإذا قال قائل : كم عدد الرسل وهل جميع الرسل بُلغِّوا لنا ؟(2/48)
فالجواب : أن عدد الرسل ورد فيه أحاديث ليست بتلك القوة مما يُجزم به ،
ورد أن عددهم أربعة وعشرون ألفاً ،
ولكننا لا ندري هل يصح هذا الخبر أو لا ،
إنما الذي ذُكر في القرآن خمسةٌ وعشرون رسولاً ،
وكل من ذُكر في القرآن فهو رسول وإنْ ذُكر بوصف النبوة ،
وذلك لأن كل رسولٍ نبي ولا عكس [254] ،
والدليل على أن كل من ذُكر في القرآن رسول :
قول الله تبارك وتعالى : { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } ( غافر 78 ) .
فعُلم بهذا أن كل من قصَّ الله علينا نبأه فهو رسول وهو كذلك أما الذين لم يُقصوا علينا فهم كثيرون ولكننا نؤمن بهم إجمالاً ،
ومعنى : ( إجمالاً ) : أنه لا يلزمنا التعيين لأننا لا نعلم عنه ،
لكن نقول : آمنا بكل رسولٍ أرسله الله تعالى
فصل
فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم وما يستحيل في حقهم
144 – وأن كل واحدٍ منهم سلم ،
من كل ما نقص ومن كفر عُصم ،
قوله : ( وأن ) : الظاهر أن الصواب كسرها ،
وإن كان المعنى ( ونؤمن بأن ) لكن الأصل عدم التقدير ،
قوله : ( وإن كل واحدٍ منهم سلم ) : الضمير يعود على الرسل عليهم الصلاة والسلام كل واحدٍ منهم سلم ،
قوله : ( ما ) : زائدة ، والتقدير : ( من كل نقص ) ،
قوله : ( من كل ما نقص ) : ليس المراد نقص الخِلقة أو نقص البشرية ، لا ،
المراد من كل ما نقصٍ في الدين ،
لأنهم عليهم الصلاة والسلام هم أسبق الناس إلى الخيرات وأعظم الناس امتثالاً لأمر الله فهم سالمون من كل نقصٍ في الدين ،
وكذلك من فوات الدين بالكلية لقوله : ( ومن كفر عُصم ) ،
فليس من الرسل كافر ولم يكفر أحدٌ من الرسل ولم يتعمد أحدٌ من الرسل أن يفعل ما فيه نقص في الدين أبداً ،(2/49)
وإن فعلوا شيئاً فإما عن اجتهاد أو تأويل أو ما أشبه ذلك ثم يُبرء من إثمه بتوبة الله عليه ،
******************
145 – كذاك من إفكٍ ومن خيانة ،
لوصفهم بالصدق والأمانة ،
قوله : ( الإفك ) : يعني مبرؤون من الإفك وهو الكذب ،
ولهذا ما كذب نبيٌ قط ،
وأما ما جاء عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه كذب ثلاث كذبات في الله [255] ، فهي كذبات تورية والتورية ليست كذباً في الواقع [256] ،
لأن المعنى الباطن منها حقيقي مطابق للواقع ،
فقوله للملك الظالم : هذه أختي وهي زوجته هذا وإن كانت المرأة ليست أخته لكن هو أراد أنه أخته على وجهٍ صحيح أنها أخته في دين الله ،
وكذلك قوله : { بل فعله كبيركم } ( الأنبياء 63 ) ، أيضاً فيه تورية وإن كان الكبير لم يفعل لكن الذي كسَّر الأصنام هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا أنه ورَّى أي فعله كبيرهم الذي تزعمون أنه إله ،
قوله : ( من خيانة ) : كذلك أيضاً لا يمكن أن يخون لا بالقول ولا بالفعل ،
حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام مُنع من الإشارة بالعين والغمز بالعين ، لأن هذا نوعٌ من الخيانة ،
إذن سلموا من كل كذب وسلموا من كل خيانة ،
لأن الكذب والخيانة ينافيان الرسالة منافاةً كاملة ،
إذ لا ثقة بقول الخائن ولا ثقة بقول الكاذب ،
لاحتمال أن يكون ما قاله من الكذب الذي كان يكذبه والاحتمال أن يكون خان فأخبر الأمر على غير وجهه ولذلك هم مبرؤون من الكذب والخيانة ،
قوله : ( لوصفهم بالصدق ) : هذا ضد قوله : ( إفك ) ،
قوله : ( والأمانة ) : ضد قوله : ( خيانة ) ،
فهم موصوفون بالصدق عليهم الصلاة والسلام ،
لأن الله شهد لهم كذلك موصوفون بالأمانة أنهم أمناء على وحي الله عز وجل ،
وإذا كان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفاً بالأمانة وهو رسولٌ إليهم فهم كذلك من باب أولى ،(2/50)
أفادنا المؤلف رحمه الله أن الأنبياء أو الرسل معصومون مما ذكر ،
فهل هم معصومون من صغائر الإثم ؟
نقول : نعم ليسوا معصومين من صغائر الإثم ،
لكنهم معصومون من إرادة المخالفة ومن الإصرار على المعصية ،
معصومون من إرادة المخالفة [257] ،
لأن الذي يقع منهم يكون عن قصدٍ أخطئوا فيه الصواب ،
مثلاً : { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ( التوبة 43 ) ، هو أذن لهم اجتهاداً منه يظن أن المصلحة في ذلك ولكن المصلحة في غير هذا المصلحة أن يتأنى حتى يعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين .
{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } ( التحريم 1 ) ، حرم ما أحل الله له طلباً لمرضاة زوجاته وتأليفاً لقلوبهم ولكنه لم يحرمه شرعاً يعني لم يحرمه حكماً شرعياً إنما حرمه امتناعاً يعني حرَّمه على نفسه ،
كما تقول : حرامٌ علي أن ألبس هذا الثوب حرامٌ علي أن أدخل هذا البيت حرامٌ علي أن أشتري هذه السيارة مثلاً ،
هذا ليس تحريماً شرعياً لكنه تحريم امتناع يعني أنني ألزم نفسي بأن امتنع من هذا الشيء كذلك وتخفي في نفسك ما الله مبديه ،
هل أخفى في نفسه عناداً ومخالفة ؟
لا ، لكنه أخفاه تحرياً للمصلحة ومع ذلك نُهي عن هذا ،
فالحاصل : أنهم عليهم الصلاة والسلام لا يُمنعون من وقوع صغائر الذنوب لكن لا يفعلونها كما يفعلها غيرهم تعمداً للمخالفة ولا يُقرون عليها أيضاً ، لا بد أن يُنبهوا عليها حتى يرجعوا إلى الصواب ،
******************
146 – وجائزٌ في حق كل الرسل ،
النوم والنكاح مثل الأكل ،
فهمنا الممتنع في حقهم انتقل المؤلف من الممتنع في حقهم إلى الجائز ،(2/51)
والجائز في حقهم هي الطبائع البشرية ، الطبائع البشرية يستوون فيها مع الناس ،
ولهذا قالوا للمكذبين : { إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } ( إبراهيم 11 ) ، وقال خاتمهم محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ) [258] ، هذه طبيعة بشرية يأكل كما نأكل يشرب كما نشرب يتقي البرد كما نتقيه يتقي الحر كما نتقيه يلبس الدروع في الحرب كما نلبسها ،
وهكذا فالطبائع البشرية جائزة في حق الرسل ،
ولهذا قال : ( وجائزٌ في حق كل الرسل النوم ) لكن قد يختصون بخصائص في النوم :
منها : اختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ،
فالإحساس الظاهري منه ينام كغيره والباطن لا ينام لا ينام فقلبه دائماً مشغول بذكر الله عز وجل وبغير ذلك مما أراد الله سبحانه وتعالى ولكنه لا ينام ،
قوله : ( والنكاح ) : جائز في حقه أن يتزوج ،
والزواج هنا شرعي أم زواج خِلقي ؟
الثاني ،
أما شرعاً : فإنهم مأمورون بذلك مشرِّعون للأمة ، { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } ( الرعد 38 ) .
قوله : ( مثل الأكل ) : الأكل أيضاً من الأمور الجائزة ،
فلا يُعاب على الرسول إذا أكل أو شرب أو التحف أو ما أشبه ذلك هذه من الأمور الجائزة ،
فكل الأمور البشرية جائزة عليهم ،
بقي الشيء الواجب ،
الشيء الواجب الدعوة إلى الله عز وجل إبلاغ الرسالة الذللأمة ،
يجب عليهم من ذلك ما لا يجب على غيرهم ،
فهم مُلزمون بالبلاغ بكل حال مُلزمون بالدعوة بكل حال مُلزمون بالجهاد من أُمر منهم بالجهاد ،
ووجوب هذه الأشياء عليهم أوكد من وجوبها على غيرهم ،
ولهذا نقول : الأمور المسنونة يجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغها ،
يجب أن يبلغها ويجب أن يفعلها ليقتدي به الناس وإن كانت أموراً مسنونة فإذا كان البلاغ لا يحصل إلا بفعلها وجب على الرسول أن يفعلها لوجوب البلاغ عليه ،(2/52)
ممتنع في حقهم دعوى الألوهية أو دعوى الربوبية ،
ولهذا لما قال الله تعالى لعيسى : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } ( 116 – 117 ) .
هل يجب عليهم الموت ؟ هل يجوز على النبي أن يموت ؟
يجوز شرعاً وواقعاً :
قال الله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون } ( الزمر 30 ) .
وقال تعالى : { ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } ( الأنبياء 34 ) .
وقال تعالى : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ( آل عمران 144 ) ، { أفإن مات } : يعني ميتة طبيعية ، { أو قتل } ، فمات بسبب القتل ،
إذن هو ميت ،
فإذا قال إنسان : كيف تكون الرسل أمواتاً والشهداء وهم دونهم أحياء ، كما قال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران 169 ) ؟
نقول : هذه الحياة التي للشهداء يكون للأنبياء والرسل أعظم منها ،
لكنها حياةٌ برزخية لا حياة دنيا ولا حياة جسم ،
إنما هي حياةٌ برزخية الله أعلم بكيفيتها ،
ولكن الخرافيين يأبون إلا أن يقولوا : إنها حياةٌ حقيقية ،
فنقول لهم : إن قلتم ذلك فأنتم أشد الناس تقصيراً في حق النبي ،
لأن الواجب عليكم إذا كنتم تعتقدون هذا أن تذهبوا إليه بأكلٍ وشرب لأنه محتاج أليس كذلك ؟
لو أن شخصاً في القبو في خندق ونتركه مئات السنين هل نحن مقصرون في حقه أو قائمون بحقه ؟
مقصرون ،
فنقول : إذن يلزمكم كل يوم أن تذهبوا بفطور في الصباح وغداء بعد الظهر وعشاء في الليل وتجعلون عنده دورة من زمزم من أجل أن يشرب ،
وهذا هو ما فعله الرافضة فيما يعتقدونه المهدي الذي سيخرج في آخر الوقت إذا تسنى له الخروج ،(2/53)
يقول السفاريني في شرح العقيدة رحمه الله إنهم كانوا في صباح كل يوم يذهب واحدٌ منهم على فرس مسرج وبيده رمح ومعه ماء وعسل وخبز كل صباح حتى ترتفع الشمس وييأس من خروجه إلى الفطور ثم بعد ذلك يرجع وفي الصباح مثله كل يوم ، لماذا يأتي بهذا ؟ قال : لأجل إذا خرج من السرداب وجد الفطور جاهزاً والرمح جاهزاً فأفطر ثم ركب الفرس ودعا إلى الجهاد ،
عقول سخيفة نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العافية ويعافينا مما ابتلاهم به ويعافيهم مما ابتلاهم به ،
فالحاصل : أن حياة الأنبياء في قبورهم وحياة الرسل في قبورهم أكمل من الشهداء بلا شك لأنهم أفضل عند الله ،
ولكن هل هذه الحياة حياةٌ دنيوية أو برزخية لا نعلمها ؟
الثاني هو المتعين ،
وإلا لوجب علينا أن نأتي بالطعام والشراب إلى النبي عليه الصلاة والسلام كل يوم ،
- التورية للظالم حرام بالإجماع وللمظلوم جائزة [259] أظنها بالإجماع أظنها ولا أدري ،
ولمن ليس بظالم ولا مظلوم فيها خلاف :
1 - بعض العلماء يقول : حرام ،
لأن الإنسان يُتهم ويجر على نفسه التهمة ،
2 - وبعضهم يقول : ليست بحرام [260] ،
والراجح أنها حرام إلا لحاجة [261] ،
لأن الإنسان لو أجزنا له التورية كل ما شاء صار كل كلامه تورية وصار الناس لا يثقون به أبداً ،
الرسل عليهم الصلاة والسلام يمتازون عن غيرهم في الأمور المستحيلة والجائزة والواجبة ،
الأسئلة
السؤال : قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } ( الحج 52 ) ، فما الدليل على أنه ( كلمة غير واضحة ) رسول ؟
الجواب : هذه الآية : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } ،
العلماء يقولون : إن هذا على تقدير : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبَّأنا من نبي ) ،
لأن الوصف يدل على العامل ،
فالرسول يدل على أن هناك إرسال ،
والنبي يدل على أن هناك إنباءٌ ،
فالوصف دالٌّ على العامل المحذوف الذي عَمِلَ فيه ،
وعلى هذا قول الشاعر [262] :(2/54)
علفَّتها تبناً وماءاً باردا [263]
ليس المعنى : وعلفَّتها ماءاً بارداً ،
الماء البارد لا يُعلف ،
لكن المعنى : وسقيتها ماءاً بارداً ،
السؤال : ثبت في السنة أن آدم عليه السلام كان نبياًّ وقد ذُكر في القرآن وأنتم قلتم حفظكم الله أن كل من ذُكر في القرآن رسول ؟
الجواب : هل ذُكر في القرآن بوصف نبي ؟
لا ، مريم مذكورة في القرآن وفرعون في القرآن قارون في القرآن ، ما من نبيِّ ذُكر في القرآن إلا وهو رسول ،
السؤال : يعني آدم نبي رسول ؟
الجواب : لا ، آدم يُرسل إلى من ؟
أولاده جاءوا من بعده ،
وأول الرسل في القرآن نوح ، { إنا أوحينا إليك كما أوحينا نوح والنبيين من بعده } ( 163 ) ، { ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما الكتاب والنبوة } ( الحديد 26 ) .
فالنبوة ما خرجت عن ذرية نوح عليه الصلاة والسلام ،
السؤال : هل إذا فضلنا بعض الرسل على بعض يكون بعضهم أكمل إيماناً من الآخر وهل منازلهم في السماء على حسب منازلهم في الفضيلة ؟
الجواب : نقول : التفضيل يقتضي أن بعضهم أفضل من بعض في الإيمان وفي الأعمال الصالحة أيضاً ،
ودليل ذلك : قوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله } ( الحجرات 13 ) .
فدل هذا على أن الكرم عند الله بالتقوى ولا شك أنه قد جرى لبعض الأنبياء من المحن ما لم نجد لغيره أي محنةٍ قيلت أو حصلت لإنسان ،
مثل ما حصل لإبراهيم عليه السلام في إلقائه في النار ،
بناءاً على التوحيد وما يدعو إليه من التوحيد وفي ذبح ولده ،
هذه محنة عظيمة يعني يُلقى في النار يراها أمامه تضطرم ويصبر على ذلك على إخلاصه هذا شيء عظيم يُقال اذبح ولدك وقد بلغ معه السعي وليس عنده غيره فيمتثل ويستسلم والولد قد بلغ معه السعي ليس صغيراً لا يُلتفت له وليس كبيراً قد بان من أبيه يعني صار يافع صار يافعاً أكبر ما تتعلق به النفس بمثل هذه السن ثم يقال اذبح ولدك هذه محنة عظيمة من يصبر عليها ؟(2/55)
ثم إنه قد يفضل النبي غيره بكثرة أتباعه ،
لأن أتباعه كلما عملوا عملاً صالحاً فإنه له مثل أجورهم ،
أما المقام في السماوات فإن نوحاً لم يُذكر ، لم يُذكر في المعراج إطلاقاً ،
هارون في السماء الخامسة وموسى في السادسة ،
ومعلوم أن موسى أفضل من هارون ، يحيى وعيسى ابنا الخالة في سماءٍ واحدة ،
- أفضل البشر من حيث الجنس : الرسل ثم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون ،
هذا من حيث الجنس ،
أما بالتعيين فأفضل البشر محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ،
الدليل قوله : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) [264] ، هذا دليل قولي ،
والدليل الفعلي : أنه صلى بالأنبياء إماماً لهم في ليلة الإسراء [265] ،
- هل الأفضل الرسول أم النبي ؟
الرسول يقولون : إنه خادم ، والنبي يقولون : إنه عالم ، والولي يقولون : إنه ولي موالي [266] ،
ويقول قائلهم [267] :
مقام النبوة في برزخٍ ،
فُوَيْقَ الرسول ودون الولي [268] ،
هذا القول كفر ،
ونقول لهم : إن الرسول جمع بين النبوة والولاية فهو أفضل الأولياء ،
والنبي جمع بين الولاية والنبوة ،
فهو في الدرجة الثانية بعد الرسالة ،
والولي فاتته النبوة والرسالة فليس له فضل إلا والولاية ،
لكن أولئك والعياذ بالله يرون أن من يزعمونهم الأولياء أشرف البشر [269] ،
ولهذا قد تصل بهم الحال إلى عبادتهم وهي اعتقاد أنهم يدبرون الكون تدبيراً كاملاً ،
مثل بعض مشائخ الصوفية الغالين وغيرهم أيضاً ،
السؤال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يسلم علي امرئ إلا رد علي روحي لأرد عليه السلام ) [270] ؟
الجواب : هذه ليست كردِّها في الدنيا هذه حياة برزخية هذا ظاهر الحديث أنه تُرد روحه جسمه ،
السؤال : قوله تعالى : { بل رفعه الله إليه } ( النساء 158 ) ، هل هذا الرفع مستمر ؟
الجواب : نعم مستمر إلى آخر الزمان ،(2/56)
- قوله تعالى : { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } ( آل عمران 55 ) .
فهل الوفاة هنا وفاة نوم أو وفاة موت ؟
هذا فيه خلاف ،
والأظهر : أنها وفاة نوم ، ءوأن الله تعالى حين رفعه أنامه حتى رفعه إلى السماء ثم صار حياً ،
هذا هو الظاهر ،
وفي آخر الزمان ينزل إلى الدنيا ،
السؤال : يونس عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى فيه : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر } ( الأنبياء 87 ) ، فهل يجوز مثل هذا الظن من الرسل ؟
نقول : ما معنى { نقدر } ؟ ما معناها ؟
{ ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } ( الطلاق 7 ) : أي تضييق ، فظن أنه بخروجه هذا أنه يجد سعة عما كان عليه في الأول فظن ذلك ولكن الله تعالى أراه أنه في قبضته عز وجل وضيَّق عليه أكثر من ذي قبل ، في بطن الحوت ، { فلولا أنه كان من المسبحين ، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } ( الصافات 143 – 144 ) .
السؤال : بعض الصوفية يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد لا يخطئ ؟
الجواب : أنا أقدر أرد عليهم ولكن يرد عليهم الله : { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ( التوبة 43 ) .
هل فعل هذا اجتهاداً أو إرادةً لم لا خير فيه ؟ هل الرسول لما أذن لهؤلاء هل فعل ذلك اجتهاداً منه ؟ أو إرادة لما المصلحة في خلافه ؟
{ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } ( يوسف 110 ) ، فيها إشكال : { أنهم قد كذبوا } : يعني أُرسلوا بالكذب كُذب عليهم في الرسالة كُذبوا في الوعد بالنصر ما المعنى ؟
نقول : فيها قراءتان :
1 - { وظنوا أنهم قد كُذِّبوا } ،
وعلى هذا يكون الظن هنا بمعنى اليقين ،
مثل : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } ( البقرة 46 ) .
2 - وعلى قراءة : { قد كذبوا } .
يكون المعنى : أن قومهم الذين اتبعوهم وصدَّقوهم قد كذبوهم فيما قالوا إننا مصدِّقون يعني أنهم نافقوا أمامهم ،(2/57)
هذا هو معنى الآية الكريمة وليس المعنى أن الله قد كذبهم في الوحي أو كذبهم في النصر ،
---
[1] - كتاب الإيمان لشيخ لإسلام ابن تيمية ص 396 ،
[2] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 94 ) ( 7 / 5 – 13 ، 154 – 157 ، 162 ، 238 ، 270 – 271 ، 329 – 330 ، 357 – 380 ، 409 – 415 ، 424 – 428 ، 472 ، 474 – 476 ، 551 – 553 ، 555 ، 575 – 576 ، 635 – 636 ) ( 8 / 315 – 316 ) ( 18 / 275 ) ،
[3] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[4] - كتاب الإيمان ص 1 - 3 ، 195 ،
[5] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 238 ، 474 – 475 ) ( 35 / 128 ) وكتاب الإيمان ص 225 وما بعدها ،
[6] - كتاب الإيمان ص 274 وما بعدها وتهذيب اللغة للأزهري ( 15 / 510 ) ،
[7] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 16 ،
[8] - الفروع لابن مفلح ( 2 / 316 ) والإنصاف للمرداوي ( 3 / 3 ) ،
[9] - بدائع الصنائع للكاساني ( 1 / 3 ) والمجموع شرح المهذب للنووي ( 1 / 123 ) وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد ( 1 / 155 ) والإنصاف للمرداوي ( 1 / 19 ) وشرح البهجة لزكريا الأنصاري ( 1 / 12 ) والبحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 8 ) ومواهب الجليل للحطاب ( 1 / 43 ) والموسوعة الفقهية ( 29 / 91 ) ،
[10] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 4 ،
[11] - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي ص 27 ،
[12] - البحر الرائق لابن نجيم ( 1 / 330 وما بعدها ) ،
[13] - أخرجه مسلم ( 35 ) ،
[14] - أخرجه مسلم ( 8 ) ،
[15] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 439 ) ( 11 / 404 ) ( 35 / 37 ) يراجع برنامج جامع الفقه الإسلامي ،
[16] - فتح الباري لابن حجر ( 1 / 48 – 53 ) ،
[17] - النونية ( 1/ 71 ) شرح ابن عيسى ،
[18] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 498 – 499 ) والرد على المنطقيين ص 145 ،(2/58)
[19] - كتاب الإيمان ص 122 – 163 ، 178 وشرح العقيدة الطحاوية ص 331 وما بعدها وكتاب الإيمان ص 122 – 163 ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 1 / 426 ) ،
[20] - أخرجه مسلم ( 82 ) ،
[21] - أخرجه الترمذي ( 2951 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ،
[22] - اقتضاء الصراط المستقيم ( 1 / 376 ) وفتح الباري لابن رجب ( 1 / 5 ) ،
[23] - كتاب الإيمان ص 114 وما بعدها ،
[24] - الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين ( 2 / 26 - 34 ) ،
[25] - الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين ( 6 / 7 – 9 ) ،
[26] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 177 ، 222 – 223 ) ( 7 / 505 ، 647 ، 672 ) ( 11 / 138 ) ( 12 / 474 – 475 ) ( 13 / 50 – 51 ، 55 ) وكتاب الإيمان ص 210 ،
[27] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 546 ) وكتاب الإيمان ص 210 ،
[28] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 223 ، 510 ) ،
[29] - كتاب الإيمان ص 163 ، 222 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 563 ) ،
[30] - أخرجه مسلم ( 2750 ) ،
[31] - كتاب الإيمان ص 257 ،
[32] - أخرجه البخاري ( 298 ) .
[33] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 479 ) ،
[34] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 658 – 659 ) ،(2/59)
[35] - هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر ، صاحب التصانيف المشهورة ، والزندقة المأثورة ، أصيب بالعمى في أول عمره بسبب الجدري ، فكان أعمى البصر والبصيرة ، وألف كتاباً يعارض فيه القرآن ، والمعري نسبة إلى معرة النعمان ، وهي مدينة قديمة مشهورة بين حماة وحلب ، مات سنة 449 هـ ، دمية القصر للباخرزي ( 1 / 157 ) ، العبر للذهبي ( 3 / 218 ) ، البداية والنهاية لابن كثير ( 8 / 197 ) ، المنتظم لابن الجوزي ( 9 / 4619 ) ، انباه الرواة للقفطي ( 1 / 108 ) ، المشترك وضعاً للحموي ( ص 401 ) تاريخ معرة النعمان للجندي ( 1 / 309 ) .
[36] - البيت موجود في : اللزوميات له ( 1 / 369 ) .
[37] - في الواقع أن الأبيات لشخصين قد جمع بينها ، فأما البيتين الأولين فهما لمحمد بن عبد الستار بن محمد العمادي الكَرْدَرِيّ ، شمس الدين الحنفي ، ويعرف بشمس الأئمة ، قد برع في المذهب وأصوله ، وأقرأ في فنون عدة ، وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه ، فذاع صيته ، وانتشرت تصانيفه ، مات سنة 642 هـ . الجواهر المضية لابن أبي الوفاء ( 3 / 228 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 3 / 254 ) ، تاج التراجم لابن قطلوبغا ( ص 276 ) ، شذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 376 ) وفيه ( العلماوي ) بدل ( العمادي ) وهو تصحيف .
وأما البيت الأخير فهو لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي المقرئ ـ وهو غير السخاوي المحدث ـ شيخ القراء والأدباء ، شرح الشاطبية فكان سبب شهرتها في الآفاق ، مات سنة 643 هـ ، طبقات القراء لابن الجزري ( 1 / 568 ) ، السير للذهبي ( 23 / 122 ) ، خزانة الأدب للبغدادي ( 2 / 529 ) ، معجم الأدباء للحموي ( 15 / 65 ) .(2/60)
[38] - البيتين للكردري ، في أعلام الموقعين لابن القيم ( 2 / 73 ) ، والتبيان للطيبي ( ص 429 ) ، وتتمته :
هناك مظلومة غالت بقيمتها .
وههنا ظَلَمَتْ هانت على الباري .
ولقد أصاب ابن القيم رحمه الله لما ذكر نسبة التتمة للشافعي بصيغة التمريض ( رُوِيَ ) ، كيف وقد سبقت وفاة الشافعي وفاة المعري بنحو قرنين ونصف !
[39] - البيت للسخاوي ، موجود في الوافي بالوفيات ( 7 / 110 ) ، والغيث المسجم ( 1 / 82 ) كلاهما للصفدي ، مع اختلاف يسير بين لفظ البيت في المرجعين .
وممن رد على هذا البيت أيضاً : محي الدين يوسف بن يوسف ابن الزبلاق أو الزيلاق الشاعر ، ( ت 660 هـ ) ، ببيت مقارب لبيت السخاوي ، كما في التبيان للطيبي ( ص 429 ) ، وأعلام الموقعين لابن القيم ( 2/ 73 ) ، ونسبه القزويني في كتابه آثار البلاد ( ص 273 ) لمحمد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ، الشاعر الشيعي ( ت 406 هـ ) ، وليس هو في ديوانه .
انظر في ترجمة ابن الزبلاق : العبر للذهبي ( 5 / 262 ) ، وفوات الوفيات للكتبي ( 4 / 384 ) ، وكتاب الحوادث المنسوب لابن الفوطي ( ص 379 ) ، وشذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 527 ) ، وفيه : " محمد بن يوسف" ! ، وانظر في ترجمة الموسوي : يتيمة الدهر للثعالبي ( 3 / 155 ) ، والمحمدون من الشعراء للقفطي ( ص 336 ) ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 17 / 285 ) ، وروضات الجنات للخونساري الشيعي ( 6 / 177 ) .
[40] - أخرجه البخاري ( 6137 ) ،
[41] - أخرجه البخاري ( 298 ) ومسلم ( 80 ) ،
[42] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 429 ، 666 ، 681 ) ( 18 / 287 – 279 ) وكتاب الإيمان ص 239 وما بعدها ، 397 وما بعدها والاستقامة ( 1 / 150 ) ،
[43] - أخرجه البخاري ( 2509 ) ومسلم ( 2533 ) ،(2/61)
[44] - هذه المسألة في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 78 ، 85 ) ( 7 / 510 ، 655 – 665 ) ( 8 / 422 ) ( 12 / 77 – 78 ) ،
[45] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 160 ) والتسعينية ( 2 / 427 ) ،
[46] - قال مقيده غفر الله له : ( هذا الكلام ذكره الشيخ رحمه الله في شرحه الأول على العقيدة الواسطية ( 2 / 198 ) الذي شرحه في سنة 1408 هـ ، وقد شَرَحَ ( العقيدة السفارينية ) في سنة 1408 هـ ، ورجع عنه رحمه الله في شرحه الثاني على الأربعين النووية في الشريط الحادي عشر في الوجه الثاني من الشريط عند شرحه للحديث الثالث والعشرون عند قوله صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجةٌ لك أو عليك ) فقال : ( وكونه في الكتاب المكنون هل معناه أن القرآن كله كتب في اللوح المحفوظ أو أن المكتوب ذكر القرآن وأنه سينزل وسيكون كذا وكذا ؟ الأول ، لكن يبقى النظر : كيف يُكتب قبل أن تخلق السماوات بخمسين ألف سنة وفيه العبارات الدالة على المضي مثل : قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال } ، ومثل قوله : { قد سمع الله التي تجادلك } وهو حين كتابته قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة لم يسمع لأن المجادلة ما خلقت أصلاً حتى تسمع مجادلتها ؟ فالجواب أن الله قد علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ كما أنه قد علم المقادير وكتبها في اللوح المحفوظ وعند تقديرها يتكلم الله عز وجل بقوله : { كن فيكون } ، هكذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مما تطمئن إليه النفس ، وكنت قبلاً أقول : إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن ، لا القرآن ، بناءً على أنه يعرج بلفظ المضي قبل الوقوع ، وأن هذا كقوله تعالى – عن القرآن – : { وإنه لفي زبر الأولين } والذي في زبر الأولين ليس القرآن ، الذي في زبر الأولين ذكر القرآن والتنويه عنه ، ولكن بعد أن اطلعت على قول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى انشرح صدري إلى أنه مكتوبٌ في اللوح(2/62)
المحفوظ ولا مانع من ذلك ، ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل ، هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن ) ، وقد شرح الشيخ كتاب ( الأربعين النووية ) مرةً ثانية في دورته الصيفية الأخيرة في سنة 1421 هـ التي قبل وفاته ببضعة أشهر وشرحه موجودٌ منتشر وعدد أشرطته ( 19 شريطاً ) ، والصحيح : ما رجع إليه الشيخ رحمه الله وهو أن القرآن الكريم مكتوبٌ كله في اللوح المحفوظ ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 12 / 126 و 127 ، 15 / 223 ) فاقتضى ذلك التنبيه والتنويه على ذلك ، والله أعلم ) .
[47] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 138 ، 211 ، 320 ) ( 17 / 55 – 56 ، 85 ) ،
[48] - أخرجه البخاري ( 1425 ) ومسلم ( 19 ) ،
[49] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 49 ) ،
[50] - أخرجه مسلم ( 130 ) ،
[51] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 10 / 111 – 112 – 120 - 121 ) ،
[52] - أخرجه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) ،
[53] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 9 / 249 ) ( 28 / 148 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 394 – 395 ،
[54] - ذكر هذا البيت الجويني في لمع الأدلة ص 95 والنسفي في تبصرة الأدلة ( 1 / 184 ) والرازي في أساس التقديس ص 202 والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز ص 110 ،
والقاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 226 وزاد فيه : ( فالحمد للمهيمن الخلاق ) ،
وفي المختصر في أصول الدين ( 1/ 216 ) له ضمن رسائل العدل والتوحيد ،
والإيجي في المواقف ص 297 ولكن فيه : ( قد استوى عمرو ) ،
ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له ( 3 / 150 ) ،
وابن القيم في الصواعق المرسلة ( 1 / 359 المختصر ) ولكن بلفظ : ( بشر قد استولى على العراق ) ،
وكلهم ذكروه مجهول النسبة ،(2/63)
ولكن ذكر الزبيدي في شرحه للإحياء ( 2 / 173 ) أنه منسوب إلى الأخطل ،
وأرجع هذا القول إلى الجوهري ،
وفي الصحاح للجوهري ( 6 / 2385 ) لم ينسبه لأحد ! ،
وانظر لسان العرب لابن منظور ( 6 / 447 ) وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( ص 557 ) ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 5 / 146 ) : (أنه لم يثبت أن لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى ; إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور :
ثم استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل ) ،
[55] - كتاب الإيمان ص 163 ،
[56] - أخرجه البخاري ( 2343 ) ومسلم ( 57 ) وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في كتاب الإيمان ص 30 ،
[57] - بغية المرتاد ص 350 – 353 ، 383 ،
[58] - أخرجه البخاري ( 6139 ) ومسلم ( 867 ) ،
[59] - القاموس المحيط للفيروز آبادي ص 318 ،
[60] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 ) ،
[61] - أخرجه البخاري ( 1252 ) ،
[62] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 257 ) ،
[63] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 277 – 278 ، 280 – 281 ) ،(2/64)
[64] - أخرجه النسائي ( 2053 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن النسائي ( 2 / 73 ) برقم 2052 ،
[65] - أخرجه مسلم ( 2870 ) .
[66] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 293 ) وشرح حديث النزول ص 269 وما بعدها ،
[67] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 524 – 525 ) ،
[68] - فتح الباري لابن حجر ( 3 / 233 ، 236 ، 240 ) ،
[69] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 ) ،
[70] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 262 – 270 ، 282 – 299 ) ،
[71] - الروح لابن القيم ص 96 .
[72] - ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى انظر فتح الباري ( 3 / 233 ، 235 ) ( 11 / 366 ) ،
[73] - أخرجه مسلم ( 2868 ) .
[74] - أخرجه البخاري ( 213 ) ومسلم ( 292 ) ،
[75] - كتاب الإيمان ص 37 ،
[76] - أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد ( 2 / 582 ) برقم 238 .
[77] - أخرجه البخاري ( 1303 ) ،
[78] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 221 – 226 ) ،
[79] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 468 ) ،
[80] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 227 ) ( 5 / 422 ) ( 17 / 340 – 342 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 55 ) والرسالة التدمرية ص 50 – 51 وكتاب الروح لابن القيم ص 272 وما بعدها وشرح العقيدة الطحاوية ص 391 وما بعدها ،
[81] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 348 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 55 ) والرسالة التدمرية ص 50 – 51 ،
[82] - أخرجه مسلم ( 920 ) ،
[83] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 32 – 33 ) ،(2/65)
[84] - أخرجه أبو داود ( 4753 ) وأحمد ( 18063 ) والحاكم في المستدرك ( 37 – 40 ) وصححه ابن القيم في تهذيب السنن ( 4 / 337 ) وقال الحاكم : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في أحكام الجنائز ص 159 : ( وهو كما قالا ) ،
[85] - انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على حقيقة الملائكة في بغية المرتاد ص 229 – 232 ،
[86] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 105 ، 225 ، 284 ، 294 ، 312 ، 326 ، 332 ، 359 ) ( 2 / 106 – 375 ) ومنهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) ،
[87] - هو برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المصري المالكي الصوفي الأشعري ، ونسبته إلى لقانه من قرى مصر ، من أبرز علماء الأشاعرة في عصره ، وصاحب نظم جوهرة التوحيد في عقيدة الأشاعرة المشهورة ، وقد ألف عليها ناظمها ثلاثة شروح ، صغير ووسط وكبير ، ثم توالت الشروحات عليها من قبل معتقديها ، مات سنة 1041هـ ، خلاصة الأثر للمحبي ( 1 / 6 ) ، هدية العارفين للبغدادي ( 1 / 30 ) ، شجرة النور الزكية لمخلوف ( 1 / 291 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 130 ) ، وفي المرجعين الأخيرين إسقاط إبراهيم الثاني ، انظر معجم المؤلفين لعمر كحالة ( 1 / 2 ) ،
[88] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 105 ، 225 ، 284 ، 294 ، 312 ، 326 ، 332 ، 359 ) ( 2 / 106 – 375 ) ( 10 / 503 ) ( 15 / 57 ) ( 22 / 466 ) ومنهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) وبغية المرتاد ص 223 ،
[89] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[90] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 342 ، 343 ، 344 – 350 ، 356 ) ،
[91] - أخرجه أحمد ( 13117 ) ،
[92] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[93] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 342 ، 343 ، 344 – 350 ، 356 ) ،
[94] - أخرجه البخاري ( 213 ) ومسلم ( 292 ) ،(2/66)
[95] - انظر رسالة في العقل والنفس ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ( 2 / 26 ) ،
[96] - انظر بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 30 ) ،
[97] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 300 – 301 ، 477 ) وفتح الباري لابن حجر ( 6 / 493 – 494 ) ولوامع الأنوار البهية للسفاريني ( 2 / 84 ) ولفضيلة الشيخ العلامة المحدث عبدالمحسن العباد حفظه الله تعالى رسالتان في موضوع المهدي إحداهما بعنوان ( الرد على من كذب الأحاديث الواردة في المهدي ) والثانية بعنوان ( عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر وهما مطبوعتان في كتاب واحد فننصح بالرجوع إليهما ،
[98] - فتح الباري لابن حجر ( 13 / 108 – 110 ) ،
[99] - فتح الباري لابن حجر ( 6 / 386 ) ( 13 / 106 – 107 ) ،
[100] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[101] - بغية المرتاد ص 485 ،
[102] - أخرجه البخاري ( 1783 ) ومسلم ( 2983 ) وانظر بغية المرتاد ص 514 ،
[103] - أخرجه مسلم ( 2937 ) .
[104] - أخرجه مسلم ( 2937 ) ،
[105] - أخرجه الترمذي ( 3169 ) وقال : حديث حسن صحيح ، وأحمد ( 19400 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ( 3 / 286 ) برقم 3169 ،
[106] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 3 / 174 – 175 ، 198 – 199 ) ( 6 / 528 – 529 ) ( 12 / 561 ) وجامع الرسائل والمسائل ( 1 / 162 ) ،
[107] - أخرجه البخاري ( 988 ) ومسلم ( 900 ) ،
[108] - أخرجه أبو داود ( 2479 ) وأحمد ( 16463 ) والدارمي ( 2513 ) والبيهقي في السنن الكبرى ( 9 / 17 ) وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل برقم 1208 ،
[109] - أخرجه ابن ماجة ( 4055 ) وأحمد ( 27574 ) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ( 3 / 329 ) برقم 4127 ،
[110] - أخرجه البخاري ( 3329 ) ،
[111] - فتح الباري لابن حجر ( 3 / 4 ) ( 11 / 114 ، 393 ) ،
[112] - فتح الباري لابن حجر ( 8 / 289 ) ( 11 / 367 – 368 ) ،(2/67)
[113] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 16 / 35 ) واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن النفخ ثلاث مرات ،
[114] - دلت النصوص على أن الصعق يقع مرتين انظر كتاب الروح لابن القيم ص 72 ،
[115] - أخرجه البخاري ( 5420 ) ومسلم ( 220 ) ،
[116] - حديث البطاقة أخرجه الترمذي ( 2639 ) وابن ماجة ( 4300 ) وأحمد ( 6955 ) والحاكم ( 1 / 6 – 529 ) وقال : ( صحيح الإسناد على شرط مسلم ) .
وقال الشيخ العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني : ( وهو كما قالا ) ثم قال : ( وفي الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان وأن الأعمال وإن كانت أعراضاً فإنها توزن والله على كل شيء قدير وذلك من عقائد أهل السنة والجماعة والأحاديث متضافرة إن لم تكن متواترة ) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 1 / 262 – 263 ) برقم 135 .
وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 301 – 302 ) ،
[117] - شرح العقيدة الطحاوية ص 417 ،
[118] - أخرجه أحمد ( 922 ) ،
[119] - أخرجه البخاري ( 4453 ) ومسلم ( 2849 ) وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 312 ) ،
[120] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن أبي العز الطحاوي انظر مجموع الفتاوى ( 4 / 301 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 418 ،
[121] - أخرجه البخاري ( 6043 ) ومسلم ( 2694 ) ،
[122] - وقال بعض العلماء أنه يوزن الجميع صاحب العمل والعمل وصحائف العمل لأن النصوص وردت فيهم جميعاً فلا مانع من القول بها كلها وهو ما رجحه الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في معارج القبول ( 2 / 848 – 849 ) ،
[123] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 375 ) ،
[124] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 495 ) ،
[125] - أخرجه البخاري ( 773 ) ومسلم ( 182 ) ،
[126] - فتح الباري لابن حجر ( 11 / 466 ) ،(2/68)
[127] - هذا الحديث أخرجه مسلم ( 2300 ) بلفظ ( عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ) وفي رواية أحمد ( 5877 ) : ( وأطيب من ريح المسك ) .
[128] - أخرجه البخاري ( 6209 ) ومسلم ( 2300 ) ،
[129] - أخرجه البخاري ( 6208 ) ومسلم ( 2292 ) ،
[130] - الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية للشيخ زيد بن عبدالعزيز آل فياض ص 339 والتنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد ص 234 – 235 ،
[131] - أخرجه البخاري ( 2992 ) ومسلم ( 1061 ) ،
[132] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 126 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 1 / 150 ) ،
[133] - أخرجه البخاري ( 5226 ) ومسلم ( 1960 ) ،
[134] - أخرجه البخاري ( 912 ) ،
[135] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 126 – 127 ) ( 21 / 419 ) وجواب أهل العلم والإيمان ص 156 ،
[136] - أخرجه الترمذي ( 2443 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 117 ) برقم 1589 ،
[137] - أخرجه البخاري ( 4463 ) ومسلم ( 2860 ) ،
[138] - هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري صاحب المقامات والملحة وشرحها ، كان إماماً في النحو واللغة ، مات سنة 516 هـ ، دول الإسلام للذهبي ( 2 / 23 ) المختصر في أخبار البشر للملك أبي الفداء ( 2 / 57 ) ، انباه الرواة للقفطي ( 3 / 25 ) ،
[139] - البيت موجود في : شرح الملحة ( ص 278 ) له ،
[140] - اقتضاء الصراط المستقيم ( 1 / 830 ) والرد على المنطقيين ص 526وما بعدها ،(2/69)
[141] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 / 332 ) ( 14 / 386 – 397 ) وكتاب الإيمان ص 74 وما بعدها ،
[142] - معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ( 2 / 886 – 894 ) وشرح العقيدة الواسطية ص 217 للشيخ محمد خليل هراس ،
[143] - الصفدية ( 2 / 290 ) ومختصر الاستغاثة ص 267 – 268 ،
[144] - العقيدة الواسطية ص 36 ، 37 ،
[145] - أخرجه مسلم ( 221 ) ،
[146] - أخرجه البخاري ( 1298 ) ومسلم ( 2931 ) ،
[147] - أخرجه البخاري ( 6171 ) ومسلم ( 2876 ) ،
[148] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 580 ) ،
[149] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 / 25 ، 428 ) ( 4 / 261 ) ( 11 / 350 – 351 ) ( 13 / 202 ) ،
[150] - أخرجه البخاري ( 4800 ) ومسلم ( 1453 ) ،
[151] - أخرجه مسلم ( 1453 ) .
[152] - المحلى لابن حزم ( 10 / 202 – 212 ) ،
[153] - وهو قول الزيلعي في تبيين الحقائق ( 2 / 182 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 312 – 313 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 6 / 371 – 376 ) ،
[154] - وهو قول البهوتي في كشاف القناع ( 5 / 445 ) والجصاص في أحكام القرآن ( 1 / 559 ) والباجي في المنتقى شرح الموطأ ( 4 / 154 ) والسبكي في الفتاوى ( 1 / 382 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 34 / 39 – 41 ، 44 ، 59 – 60 ، 63 ) والفتاوى الكبرى ( 3 / 162 ) وطرح التثريب للعراقي ( 7 / 135 – 136 ) ،
[155] - مختصر فتاوى ابن تيمية ص 450 وإعلام الموقعين لابن القيم (4 / 264 – 265 ) وزاد المعاد لابن القيم ( 5 / 552 ) وشرح النووي على صحيح مسلم ( 10 / 284 ) وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض ( 4 / 640 ) والتمهيد لابن عبدالبر ( 8 / 256 – 260 ) والموسوعة الفقهية ( 22 / 245 – 247 ) ،
[156] - جواب أهل العلم والإيمان ص 156 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 34 / 35 – 42 – 51 – 60 ) ،(2/70)
[157] - أخرجه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) ،
[158] - أخرجه مسلم ( 2236 ) ،
[159] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 306 – 307 ) والنبوات ( 2 / 1009 ) ،
[160] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 363 ،
[161] - وهو قول أبي حنيفة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 4 / 234 ) ،
[162] - وهو قول جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 11 / 306 – 307 ) ،
[163] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 233 – 234 ) ،
[164] - وهو قول جمهور العلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 11 / 307 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 363 ،
[165] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 233 – 437 ) ،
[166] - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ( 364 – 365 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 87 ) ،
[167] - وهي رسالة موجودة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ،
[168] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 63 ) ،
[169] - شرح العقيدة الطحاوية ص 395 – 396 ،
[170] - أخرجه البخاري ( 421 ) ومسلم ( 904 ) ،
[171] - أخرجه مسلم ( 2856 ) ،
[172] - أخرجه مسلم ( 904 – 1496 ) ،
[173] - أخرجه البخاري ( 712 ) ومسلم ( 901 ) ،
[174] - أخرجه البخاري ( 3070 ) ومسلم ( 2395 ) ،
[175] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 77 ) ( 7 / 332 ) ( 18 / 306 ) ،
[176] - أخرجه البخاري ( 4453 ) ومسلم ( 2849 ) .
[177] - عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص 81 ،
[178] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 306 – 307 ) ،
[179] - إيضاح الدلالة في عموم الرسالة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ( 2 / 124 ) ،
[180] - أخرجه البخاري ( 6986 ) ومسلم ( 2751 ) ،
[181] - الموسوعة الفقهية ( 34 / 152 ) ،(2/71)
[182] - أخرجه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) ،
[183] - الفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 78 ) ،
[184] - الموسوعة الفقهية ( 34 / 151 – 153 ) ،
[185] - المحلى لابن حزم ( 8 / 472 ) وبدائع الصنائع للكاساني ( 6 / 268 ) والبحر المحيط للزركشي ( 6 / 153 – 156 ) والفروق للقرافي ( 1 / 120 – 136 ) ( 4 / 65 – 66 ) والتقرير والتحبير في شرح التحرير لابن أمير الحاج ( 2 / 244 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ص 385 – 386 والبحر الرائق لابن نجيم ( 7 / 89 – 90 ) ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ( 6 / 344 – 346 ) ونهاية المحتاج للرملي ( 8 / 294 – 302 ) وسبل السلام للصنعاني ( 2 / 552 – 553 ) والموسوعة الفقهية ( 8 / 25 ) ( 27 / 17 – 19 ) ( 34 / 148 – 151 ) ،
[186] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 650 – 660 ) ،
[187] - أخرجه البخاري ( 13 ) ومسلم ( 45 ) ،
[188] - كشاف القناع للبهوتي ( 6 / 115 – 116 ) والفواكه الدواني للنفراوي ( 1 / 78 ) وطرح التثريب للعراقي ( 2 / 266 ) ( 8 / 39 ) وأسنى المطالب لزكريا الأنصاري ( 4 / 359 ) وبريقة محمودية للخادمي ( 3 / 139 ) ،
[189] - لم يعرف قائله ، والبيت ذكر في : أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 247) ، وشرح قطر الندى ( ص 131 ) ، وتلخيص الشواهد لابن هشام ( ص 241 ) ، كلهم لابن هشام ، وشرح ابن عقيل على الألفية ( 1 / 274 ) ، وشرح التحفة الوردية لابن الوردي ( ص 171 ) ، والمقاصد النحوية للعيني ( 2 / 20 ) ، وفتح الجليل للعدوي (ص 47 ) ، وتوضيح المقاصد للمرادي ( 1 / 298 ) ، وشرح الأشموني على الألفية ( 1 / 231 ) ، وهمع الهوامع ( 1 / 372 ) ، والمطالع السعيدة ( 1 / 203 ) كلاهما للسيوطي ، والدرر اللوامع للشنقيطي ( 2 / 69 ) ، وشرح الجرجاوي على شواهد ابن عقيل ( ص 47 ) .(2/72)
[190] - هو الصحابي النمر بن تولب العكلي ، أبو قيس رضي الله عنه ، ويقال الذهلي ، كان شاعراً جواداً في الجاهلية والإسلام ، ويسمى الكَيِّسَ ، لحسن شعره ، كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً ، ويعد من المعمرين ، فلما هرم كان دأبه أن يقول : أصبحوا الراكب ، اغبقوا له ، اقروا الضيف ، انحروا له ، أعطوا السائل ، مات رضي الله عنه نحو 14 هـ . معجم الصحابة لابن قانع ( 3 / 165 ) ، معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني ( 5 / 2706 ) ، الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ( 4 / 92 ) ، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ( 5 / 336 ) ، الثقات لابن حبان ( 3 / 423 ) ، طبقات ابن سعد ( 7 / 28 ) ، تهذيب الكمال للمزي ( 30 / 19 ) ، التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة للحسيني ( 3 / 1782 ) ، خلاصة التذهيب للخزرجي ( 3 / 105 ) ، كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني ( ص 87 ) ، التذكرة الحمدونية لابن حمدون ( 3 / 255 ) ، الأسماء المبهمة للخطيب ( 314 ) ، سؤالات أبي حاتم للأصمعي في فحولة الشعراء ( ص 68 ) ، طبقات فحول الشعراء لابن سلام ( 1 / 164 ) ، اختيار الممتع للنهشلي ( 1 / 329 ) ، سر صناعة الإعراب لابن جني ( 1 / 423 ) ، كنى الشعراء لابن حبيب ( 2 / 317 _ ضمن نوادر المخطوطات ) ، الدرر اللوامع للشنقيطي ( 2 / 22 ) ، ويرى ابن حجر أن هناك شاعر آخر بنفس اسم الصحابي ، استناداً إلى ما ذكره ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ( ص 199 ) ، انظر الإصابة ( 6 / 470 ) ، تهذيب التهذيب ( 10 / 474 ) ، والتقريب ( ص 1008 ) ، وفي التهذيب ( الديلي ) بدل ( الذهلي ) ، وهو تصحيف ، ولم يتعقبه السهارنفوري في كتابه : " تصويب التقليب الواقع في تهذيب التهذيب"، وفي تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين ( 2 / 2 / 198 ) : ( نكل ) بدل ( عكل ) وهو تصحيف .(2/73)
[191] - البيت موجود في : ديوان الحماسة للبحتري ( ص 149 ) ،كتاب سيبويه ( 1 / 86 ) ، شرح أبيات سيبويه للشنتمري ( 1 / 90 ) ، المقاصد النحوية للعيني ( 1 / 565 ) ، المؤتلف والمختلف للآمدي ( ص 25 ) ، التمثيل والمحاضرة ( ص 56 ) ، وثمار القلوب ( 2 / 912 )كلاهما للثعالبي مع نسبته له في الأول ، أمالي ابن الحاجب ( 2 / 749 ) ، ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز ( ص 166 ) ، شرح الإختيارات للتبريزي ( 3 / 1357 ) ، تلخيص الشواهد لابن هشام ( ص 193 ) ، همع الهوامع للسيوطي ( 1 / 327 ) ، العقد الفريد لابن عبدربه ( 3 / 59 ) ، ذخائر العقبى للطبري ( ص 307 ) ، المطالع السعيدة للسيوطي ( 1 / 184 ) ، شرح التحفة الوردية لابن الوردي ( ص 143 ) .
[192] - أخرجه البخاري ( 5638 ) ومسلم ( 2556 ) ،
[193] - التحفة العراقية ص 399 ،
[194] - أخرجه البخاري ( 773 ) ومسلم ( 182 ) ،
[195] - بغية المرتاد ص 530 ،
[196] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 488 ) وبيان تلبيس الجهمية ( 1 / 349 – 366 ) ( 2 / 78 وما بعدها ) وبغية المرتاد ص 344 ، 470 وحادي الأرواح ص 373 وما بعدها لابن القيم وشرح العقيدة الطحاوية ص 193 ،
[197] - بغية المرتاد ص 471 وما بعدها ،
[198] - بيان تلبيس الجهمية ( 1 / 553 ) ،
[199] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 6 / 486 – 502 ) وأحكام القرآن للشافعي ( 1 / 40 ) ،
[200] - بيان تلبيس الجهمية ( 2 / 409 ) وبغية المرتاد ص 451 – 466 وحادي الأرواح لابن القيم ص 373 ،(2/74)
[201] - هو أبو عبدالله محمد التاودي بن محمد الطالب بن سودة المري الفاسي ، إمام فقهاء المغرب ، قد حاز الرياسة فيها ، وكان خاتمة شيوخ فاس ، مات سنة 1209 هـ وقد جاوز التسعين ، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمخلوف ( 1 / 372 ) ، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للناصري ( 8 / 96 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 256 ) ، وفي شجرة النور الزكية ( المزي ) بالزاي وهو تصحيف ،
[202] - النظم موجود في : نظم المتناثر من الحديث المتواتر لابن جعفر ( ص 18 ) نقلاً من كتاب التاودي " زاد المجد الساري " وهو حاشية على صحيح البخاري ، طبع قديماً في فاس ، معجم المطبوعات لسركيس ( 2 / 1643 ) ،
[203] - أخرجه البخاري ( 100 ) ومسلم ( 2673 ) ،
[204] - قال الحافظ ابن حجر ( فوصف الرسالة يستلزم وصف النبوة ) انظر فتح الباري ( 1 / 118 ) ( 12 / 314 ) ،
[205] - جامع البيان للطبري ( 11 / 28 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 396 ) ( 18 / 266 - 267 ) ،
[206] - أخرجه البخاري ( 4163 ) ،
[207] - بغية المرتاد ص 392 ،
[208] - الصفدية ( 1 / 229 ) ،
[209] - سلسة الأحاديث الصحيحة ( 6 / 363 – 369 ) للشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ،
[210] - أخرجه أحمد ( 21036 ) ،
[211] - أخرجه البخاري ( 3162 ) ومسلم ( 194 ) ،
[212] - البداية والنهاية لابن كثير ( 1 / 92 وما بعدها ) وشرح مختصر خليل للخرشي ( 1 / 30 ) ويراجع تهذيب الأسماء واللغات للنووي وشرح القسطلاني على صحيح البخاري عند شرح حديث الشفاعة للأهمية ،
[213] - أخرجه البخاري ( 3503 ) ومسلم ( 2404 ) ،
[214] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 170 ) ،
[215] - أخرجه البخاري ( 328 ) ومسلم ( 521 ) ،(2/75)
[216] - أخرجه الترمذي ( 2670 ) وأحمد ( 21855 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 216 ) برقم 1160 ،
[217] - أخرجه البخاري ( 5378 ) ومسلم ( 220 ) ،
[218] - أخرجه مسلم ( 50 ) ،
[219] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 529 ) ،
[220] - أخرجه البخاري ( 4163 ) ،
[221] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 14 / 472 ) ،
[222] - وهو قول مجاهد وغيره ، انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 10 / 201 ) ،
[223] - قال تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا ، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ، واذكر في الكتاب ادريس إنه كان صديقا نبيا } ( مريم 54 – 56 ) .
[224] - فتح الباري لابن حجر ( 6 / 582 ) ( 9 / 7 ) ،
[225] - مجموعة الرسائل والمسائل ( 4 / 153 ) ،
[226] - وهو قول أبي بكر الباقلاني ، النبوات ( 1 / 225 ) ،
[227] - هو شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي الحنبلي ، الفقيه ، المحدث ، النحوي ، الشاعر ، كان حسن الديانة كثير الإفادة ، برع في العربية واللغة ، ودرس ، وأفتى ، وصنف ، ومن تصانيفه " منظومة الآداب " ، ومن أشهر من شرحها العلامة السفاريني ، وهي القصيدة الدالية الطويلة في الفقه ، وممن قرأ عليه في العربية شيخ الإسلام ابن تيمية ، مات سنة 699هـ . المقصد الأرشد لابن مفلح ( 2 / 459 ) ، المنهج الأحمد للعليمي ( 4 / 357 ) ، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ( 2/ 342 ) ، برنامج الوادي آشي لابن جابر ( ص 123 ) ، درة الحجال للمكناسي ( 2 / 260 ) ، الوافي بالوفيات للصفدي ( 3 / 278 ) ، بغية الوعاة للسيوطي ( 1 / 161 ) ، العبر للذهبي ( 5 / 403 ) .(2/76)
[228] - البيت موجود في : الآداب الشرعية لابن مفلح ( 3 / 560 ) ، وهو غير موجود في ( منظومة الآداب ) للناظم بشرح السفاريني ( طبعة دار الكتب العلمية ، وطبعة ... ) ، فلعلها سقطت من الطابع أو من نسخة الشارح ، والله اعلم .
[229] - أخرجه أحمد ( 24080 ) ،
[230] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 27 / 394 ) ،
[231] - أخرجه البخاري ( 342 ) ومسلم ( 164 ) ،
[232] - أخرجه مسلم ( 162 ) ،
[233] - أخرجه البخاري ( 3060 – 3062 ) ،
[234] - أخرجه البخاري ( 3673 ) ومسلم ( 170 ) ،
[235] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 12 / 492) ( 27 / 388 ) ،
[236] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 6 ، 25 ، 31 ) ( 24 / 173 ) ( 27 / 388 ) والرد على البكري ص 329 ، 330 ،
[237] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 25 / 285 ) ،
[238] - أخرجه البخاري ( 4 ) ومسلم ( 160 ) .
[239] - أخرجه البخاري ( 6588 ) ومسلم ( 2263 ) ،
[240] - مجموعة الرسائل والمسائل ( 1 / 144 ) ،
[241] - البداية والنهاية ( 6 / 331 ) .
[242] - الجواب الصحيح ( 6 / 324 وما بعدها ) ،
[243] - البداية والنهاية ( 6 / 76 وما بعدها ) ،
[244] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 280 ) والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 315 ٍ،
[245] - أخرجه مسلم ( 2278 ) ،
[246] - منهاج السنة النبوية ( 2 / 417 ) والرد على البكري ص 329 – 330 ،(2/77)
[247] - هو برهان الدين إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المصري المالكي الصوفي الأشعري ، ونسبته إلى لقانه من قرى مصر ، من أبرز علماء الأشاعرة في عصره ، وصاحب نظم جوهرة التوحيد في عقيدة الأشاعرة المشهورة ، وقد ألف عليها ناظمها ثلاثة شروح ، صغير ووسط وكبير ، ثم توالت الشروحات عليها من قبل معتقديها ، مات سنة 1041هـ ، خلاصة الأثر للمحبي ( 1 / 6 ) ، هدية العارفين للبغدادي ( 1 / 30 ) ، شجرة النور الزكية لمخلوف ( 1 / 291 ) ، فهرس الفهارس والأثبات للكتاني ( 1 / 130 ) ، وفي المرجعين الأخيرين إسقاط إبراهيم الثاني ، انظر معجم المؤلفين لعمر كحالة ( 1 / 2 ) ،
[248] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 17 / 17 ) ،
[249] - أخرجه البخاري ( 6398 ) ،
[250] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 11 / 188 – 189 ) ( 14 / 432 ) ،
[251] - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ومحمد وإبراهيم أفضل الرسل ) النبوات ( 1 / 209 ) ،
[252] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 27 / 101 ) ،
[253] - النبوات ( 2 / 714 – 717 ) وشرح العقيدة الطحاوية ص 158 ،
[254] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 7 / 10 ) ( 10 / 290 ) ( 11 / 226 ) ( 18 / 7 ) والنبوات ( 2 / 717 ) سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 6 / 363 – 369 ) للعلامة الألباني رحمه الله تعالى ،
[255] - أخرجه البخاري ( 3179 ) ومسلم ( 2371 ) ،
[256] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 19 / 158 – 159 ) ( 22 / 233 ) ( 30 / 394 ) ،
[257] - منهاج السنة النبوية ( 1 / 470 – 474 ) والجواب الصحيح ( 6 / 298 – 299 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 4 / 319 – 320 ) ( 10 / 392 – 393 ، 309 ) ( 15 / 148 – 150 ) والنبوات ( 2 / 873 ) وبغية المرتاد ص 496 – 501 والرد على البكري ص 151 ، 371 وأضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( 4 / 522 – 538 ) ،(2/78)
[258] - أخرجه البخاري ( 392 ) ومسلم ( 572 ) ،
[259] - الفروع لابن مفلح ( 6 / 476 ، 563 ) والآداب الشرعية لابن مفلح ( 1 / 20 – 22 ) والإنصاف للمرداوي ( 11 / 253 ) وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ( 3 / 524 ) وكشاف القناع للبهوتي ( 6 / 338 ) وغذاء الألباب للسفاريني ( 1 / 139 – 140 ) ومطالب أولي النهى للرحيباني ( 6 / 518 ) ونيل الأوطار ( 7 / 302 ) والموسوعة الفقهية ( 5 / 295 ) ،
[260] - أحكام القرآن للجصاص ( 3 / 285 ) وأدب الدنيا والدين للماوردي ص 265 – 266 ،
[261] - وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى ( 19 / 158 – 159 ) ( 22 / 233 ) ( 30 / 394 ) وإعلام الموقعين لابن القيم ( 3 / 183 ، 283 ) ،(2/79)
[262] - البيت لم يعرف قائله ، وكل من استشهد به من أهل العلم ذكروه بلا نسبة ، كالأنباري في الإنصاف ( 2 / 613 ) ، والسيوطي في كتابيه شرح الشواهد ( 2 / 929 ) ، وهمع الهوامع ( 3 / 159 ) ، والمرادي في توضيح المقاصد ( 2 / 101 ) و ( 3 / 237 ) ، والرضى في شرح الكافية ( 2 / 36 ) ، والمكودي في شرحه على الألفية ( ص 232 ) ، وابن هشام في كتابيه المغني ( 2 / 727 ) ، وشرح شذور الذهب ( ص 263 ) ، وابن منظور في اللسان ( 11 / 276 ) مادة ( قلد ) ، وابن الشجري في أماليه ( 3 / 83 ) ، وابن يعيش في شرح المفصل ( 2 / 9 ) ، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ( ص 213 ) ، وابن جني في الخصائص ( 2 / 431 ) ، والتبريزي في شرح الاختيارات ( 1 / 228 ) ، والجوهري في الصحاح ( 2 / 527 ) مادة ( قلد ) ، وأبي علي الفارسي في إيضاح الشعر ( ص 573 ) ، وأبي حيان في ارتشاف الضرب ( 3 / 1491 ) ، والجرجاوي في شرحه على شواهد ابن عقيل ( ص 119 ) ، والأشموني في شرحه على الألفية ( 1 / 499) ، والطيبي في التبيان ( ص 407 ) ، والمرزوقي في شرح الحماسة ( 3 / 1147 ) ، والعلائي في الفصول المفيدة ( ص 202 ) ، وابن أبي الأصبع في تحرير التحبير ( ص 465 ) ، وذكر العيني في المقاصد النحوية ( 3 / 101 ) و ( 4 / 181 ) أنه مشهور عند القوم ، ولم ير أحداً عزاه إلى قائله ، وقال العدوي في فتح الجليل ( ص 119 ) : أنه لا يعرف قائله ، وكذلك الشنقيطي كما في الدرر اللوامع ( 6 / 80 ) ، وذكر عبدالقادر البغدادي في خزانة الأدب ( 1 / 499 ) أنه نسب إلى ذي الرمة ، ولكنه فتش عنه في ديوانه فلم يجده ، وجعله محقق ديوانه د . عبد القدوس ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه ( 3 / 1862 ) ، وذكر الفراء في معاني القرآن ( 1 / 14 ) أنه لبعض بني أسد ، وتارة أنه لبعض بني دبير ، في ( 3 /124 ) .(2/80)
[263] - وعجزه : "حتى شتت همالةً عيناها " ، ويروى : ( غدت ) بدل : ( شتت ) ، كما في شرح المكودي ، وشرح شذور الذهب لابن هشام ، وشرح الجرجاوي ، ومعناهما واحد ، وأورد له البعض صدراً ، وجعلوا المذكور عجزاً هكذا :
لما حططت عنها الرحل واردا ،
علفتها تبنا وماءاً باردا ،
كما في الخزانة .
[264] - أخرجه ابن ماجة ( 4308 ) وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 4 / 99 ) برقم 1571 ) ،
[265] - أخرجه النسائي ( 450 ) ،
[266] - انظر نحو هذا الكلام والرد عليه في بغية المرتاد ص 496 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 190- 191 ،(2/81)
[267] - هو الحلولي الإتحادي المتهم بالإلحاد والزندقة محمد بن علي الحاتمي المعروف بابن عربي النكرة الذي فاقت مقالاته مقالات الأديان والفرق الخارجة عن الإسلام مجتمعة ، حيث يرى أن الله إنسان كبير ، وأن الله مفتقر إلى خلقه ، وأن كل شيء هو رب وإله ، فيرى أن الطبيعة هي الله ، وأن الكون هو الرب ، وأن الهوى رب أيضاً ، وتمجيده لليهودية عباد العجل ، والنصارى عباد عيسى ، والمجوسية عباد النار ، والوثنية عباد الأصنام، وزعم أنه اجتمع بالأنبياء ، ويرى أنه يتلقى الوحي من الله تعالى ، وقوله بوحدة الأديان ، وأنه يعلم الغيب ، وأن الكعبة طافة به ، ويرى بإيمان فرعون وربوبيته ، ويعتقد بعقيدة التثليث التي اخترعها ، وهي : ( حق - رجل - امرأة ) ، ويرى أن أكمل صورة لله هي المرأة ، ويرى أن الأنوثة صفة الإله ، وكان يعمل بالسحر ، وكان باطني المذهب ، وكان لا يحرم فرجاً ، ولقد أعانه إبليس على جمع كفره وزندقته في كتابين سماهما بهتاناً وزوراً ( الفتوحات المكية ) ، وهو بالفتوحات الشيطانية أصدق ، و ( فصوص الحكم ) وهو بفصوص الظُّلم أحق ، الذي قال عنه الذهبي : ( فإن كان لا كفر فيه ، فما في الدنيا كفر ! ) ، ولقد أطبق العلماء – جزاهم الله عن الإسلام خيراً - على تكفيره ، بل وقال بعضهم بتخليده في النار إن كان مات على زندقته ، وقد تبشر المسلمون بهلاكه سنة 638 هـ ،
انظر نفح الطيب للتلمساني ( 2 / 161 ) وشذرات الذهب لابن العماد ( 7 / 332 ) وجامع كرامات الأولياء للنبهاني ( 1 / 198 ) وسير أعلام النبلاء للذهبي ( 23 / 48 ) ، والعقد الثمين للفاسي ( 2 / 160 ) وطبقات الأولياء لابن الملقن ( ص 469 ) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 5 / 491 ) ، ( 10 / 162 ) ، وانظر كتاب تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للبقاعي .(2/82)
[268] - نسبه له ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل ( 4 / 66 ) ، وهو في الطبقات الكبرى للشعراني الصوفي ( 2 / 62 ) بلا نسبة ، وفي الصفدية ( 1 / 252 ) ، والفرقان ( ص 197 ) كلاهما لابن تيمية أيضاً ، ويوجد بيت قريب منه في لطائف الأسرار لابن عربي ( ص 49 ) ، وفيه :
سماء النبوة في برزخ .
دون الولي وفوق الرسول .
ومثل معناه في كتابه الفتوحات المكية ( 2 / 249 ) يقول :
بين الولاية والرسالة برزخ .
فيه النبوة حكمها لا يجهل .
[269] - بغية المرتاد ص 227 – 228 ، 386 وانظر الصفدية ( 1 / 247 ) ،
[270] - أخرجه أبو داود ( 2041 ) وحسنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود ( 1 / 570 ) برقم 2041 وراجع جلاء الأفهام ص 108 تحقيق فضيلة الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله تعالى .(2/83)
فصل
في ذكر الصحابة الكرام
الصحابة والصحب والصحابي والصاحب ، صاحب رسول الله كلهم لهم ميزة على غيرهم ،
فالصاحب في غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو : من كثرت ملازمته ،
صاحبك من كثرت ملازمته لك هذا في حق غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
أما الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام فالصحابي : هو ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه صلى الله وآله وسلم مؤمناً به ولو حكماً ومات على ذلك ) [1] ،
فخرج بقولنا : ( من اجتمع ) : من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وآمن ولكن لم يجتمع به .
مثل : أن يكون أقبل على المدينة ليبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمات الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يصل فهذا ليس بصحابي .
وإن كان قد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
لكنهم اصطلحوا على أن يسموه مخضرماً ومرتبته بين الصحابة الخُلَّص وبين التابعين الخُلَّص ،
لأنك إن نظرت إلى كونه أسلم في عهد الرسول ألحقته بالصحابة ،
وإن نظرت إلى أنه لم يجتمع به ألحقته بالتابعين ،
ولهذا كان في منزلة بين الصحابة وبين منزلة التابعين ويُسمى مخضرماً وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُعتبر منقطعا لأنه لم يجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقولنا : ( مؤمناً به ) : خرج بذلك من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً بغيره ولما مات الرسول آمن بالرسول فهذا ليس بصحابي .
لأنه حين اجتماعه به ليس مؤمناً به ،
ولهذا نقول : ( مؤمناً به ) ،
ودخل في قولنا : ( من اجتمع بالرسول ) : من كان أعمى واجتمع بالرسول فإنه يكون صحابياً ،
وبهذا نعرف أن قولنا : ( من اجتمع به ) : أحسن من قول بعض العلماء : ( من رآه مؤمناً به ) ،
لأننا إذا قلنا : ( من رآه ) : خرج بذلك العمى ،
وقولنا : ( ولو حكماً ) : دخل فيه الصبي في المهد إذا اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام ،(2/84)
كما لو جيء بصبيٍّ من أبناء المسلمين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يميز هذا الصبي فإن هذا مؤمنٌ بالرسول حقيقةً أو حكماً ؟
حكماً ، لماذا ؟
لأنه صبي لا عقل له لكنه مؤمنٌ لإيمان أبويه ،
وقولنا : ( ومات على ذلك ) : دخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام ومات على الإسلام فإنه يكون صحابياً ،
فالردة لا تبطل الصحبة ،
إلا أن يموت على الردة كما أنها لا تبطل الأعمال الصالحة إلا أن يموت على الردة ،
لقوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عند دينه فيمت وهو كافر فأولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة } ( البقرة 217 ) .
وخرج به من اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ثم ارتد ومات على الردة ،
فإنه لا يكون صحابياً ،
فاعرف القيود حتى يتبين لك من هو الصحابي ،
ثم الصحابة على مراتب كما سيأتي في هذا الباب على مراتب في الفضيلة والسبق إلى الإسلام سيذكرها المؤلف ،
معنى قولنا : ( ولو حكماً ) : أي أن من كان صبياً فهو صحابي حكماً لا حقيقةً ،
وعلى هذا فمحمد بن أبي بكر الذي وُلد في حجة الوداع يُعتبر صحابياً ،
ولو اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ثم لم يره بعد وآمن أيكون صحابياً ؟
لا يكون ،
لأنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ،
ونحن قلنا : ( من اجتمع بالنبي ) بوصفه نبياً لا بوصفه رجلاً سيُنبأ ،
فمن اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالرسول وقال هذا هو النبي بشرت به التوراة والإنجيل فآمن بالرسول لكن بعد بعثة الرسول لم يره فإنه لا يُعتبر صحابياً ،
لأنه آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون نبياً ،
وقولنا : ( مات على ذلك ) : يشمل ما لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام ،
فإنه يبقى على وصف الصحبة أما لو ارتد ومات على الكفر ، فمعلوم أنه ليس بصحابي ،
لأن الردة تبطل الأعمال كلها إذا مات الإنسان عليها والعياذ بالله ،
وهكذا نقول في الأعمال كلها ،(2/85)
لو أن الإنسان ارتد ثم عاد للإسلام ومات على الإسلام ، فإن أعماله السابقة للردة تبقى صحيحة مقبولة إذا تمت فيها شروط القبول ،
فإذا حج الإنسان ثم ارتد بترك الصلاة مثلاً صار لا يصلي ثم عاد للإسلام هل نأمره بإعادة الحج ؟
لا ،
لأن الردة لا تبطل الأعمال ، إلا إذا مات وهو على الكفر ،
أما الصحبة في حق غير الرسول فإنها لا تكون إلا بملازمةٍ طويلة يستحق أن يكون بها صاحباً فمجرد أن يتفق شخص مع آخر في سفر ،
فإذا وصلا إلى المدينة تفرقا لا يُعد ذلك صحبة إلا مقيدة ،
فيقال : صحبته في السفر الفلاني ، صحبته في الحج ، وما أشبه ذلك ،
أولاً : هذه الأمة أفضل الأمم ولله الحمد بالقرآن والسنة :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } ( آل عمران 110 ) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم توفون سبعين أمةً أنتم أكرمها على الله عز وجل ) [2] ، هذا الحديث أو معناه ،
فهذه الأمة ولله الحمد أفضل الأمم بالقرآن والسنة ،
ثم إن خير هذه الأمة الصحابة [3] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [4] ،
ثم الصحابة المهاجرون أفضل من الأنصار ،
لأن المهاجرين جمعوا بين النصرة والهجرة هاجروا أوطانهم وأموالهم وأهليهم إلى الله ورسوله ونصروا الله ورسوله ،
قال الله تعالى في وصف المهاجرين : { وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ( الحشر 8 ) .
فنص على الهجرة ونص على النصرة ، فهم رضي الله عنهم أفضل من الأنصار ،
وهذا من حيث الجنس كل التفضيل الذي قلنا الآن من حيث الجنس ،
ثم بعد ذلك أفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،
ثم أفضل هؤلاء الأربعة كما قال المؤلف :
******************
147 – وليس في الأمة بالتحقيق ،(2/86)
في الفضل والمعروف كالصديق ،
قوله : ( في الأمة ) : أمة محمد صلى عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( بالتحقيق ) : أي بالقول المحقق الذي دلت عليه النصوص في الكتاب والسنة ليس فيها في الفضل والمعروف ( كالصديق ) ،
قوله : ( بالفضل ) : الفضل : بذل الخير والإحسان من العلم والمال وغير ذلك ،
قوله : ( والمعروف ) : ضد المنكر ،
فهو جامعٌ رضي الله عنه بين العدل الذي هو المعروف وبين الفضل الذي هو الإحسان ،
ويدل لذلك : أن الله تعالى لم يصف أحداً من الصحابة بأنه صاحب رسول الله إلا أبا بكر ،
قال تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا } ( التوبة 40 ) .
وهذه منقبة عظيمة لم ينلها إلا من هو أهلٌ لها وهو أبو بكر ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ( الأنعام 124 ) .
وأعلم حيث يجعل فضله فهذا الفضل العظيم لأبي بكر لم ينله أحد .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) ، ما قال : اتخذت فلان ولا فلان ، قال : ( لاتخذت أبا بكرٍ ولكن أخوة الإسلام ومودته ) .
وقال : ( لا يبقين في المسجد بابٌ ولا خوخة إلا سُدَّت إلا باب أبا بكر ) [5] .
وقال معلناً على المنبر : ( إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ) [6] ،
أفبعد هذا يقال إن غيره أفضل منه ؟
لا والله ،
أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر مع أن المنة حقيقةً لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام يعني كون أبي بكر يكون صاحباً للرسول ولم يطرده الرسول أو يعرض عنه أو يريه وجه غضب هذا منة للرسول في الواقع لكن من كرم الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنة من أبي بكر عليه ،
كذلك أيضاً الصحبة المنة لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام والمنة الأولى للجميع لله عز وجل ،(2/87)
ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار يبين ما من الله به عليهم كلما ذكر لهم أن الله هداهم به وأغناهم به وألفهم به قالوا : الله ورسوله أمن .
إذن ليس في الأمة مثل أبي بكر رضي الله عنه في الفضل والمعروف الذي هو الإحسان والعدل وصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وكل شئ .
ليس فيها مثل أبي بكر .
حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم حث على الصدقة فانصرف الناس ليتصدقوا ، فقال عمر رضي الله عنه : الآن أسبق أبا بكر ،
انظر كيف يتسابقون فأتى بنصف ماله الله أكبر نصف ماله أتى به في الصدقة الواحد إذا أراد أن يخرج ربع العشر وهو واجب صار يحمر ويصفر ،
ويمكن يسأل العلماء لعل أحداً منهم يقول : هذا ليس فيه زكاة ،
أتى بنصف ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا تركت لأهلك ؟ قال : شطر المال ، فأتى أبو بكر بكل ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام : ماذا تركت لهم ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله ، الله أكبر كل المال ما بقي شئ ، فقال عمر : الآن لا أسابق أبا بكرٍ أبداً [7] ،
عرف أنه عاجز أن يسبقه وعمر هو الرجل الثاني في هذه الأمة ،
إذن لا يسبق أبا بكر أحدٌ من هذه الأمة ما دام الرجل الثاني عجز عن مسابقته أو عن سبقه فمن دونه من باب أولى ،
قوله : ( كالصديق ) : هذا لقب أبي بكر رضي الله عنه ،
وكنيته : ( أبو بكر ) ،
واسمه : ( عبدالله ) ،
وإنما سمي الصديق من الفِعِّيل من الصدق :
لكمال صدقه في المقال والفعال ،
ولتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس ،(2/88)
ويقال : أول ما لُقب بهذا اللقب لما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراء والمعراج ، اتخذت قريشٌ هذا فرصة ، وذهبت إلى أبي بكر وقالت : إن صاحبك يحدث بحديث المجانين يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع منه ونحن لا نصل إليه إلا في شهر ولا نرجع إلا في شهر ، فقال : إن كان ما قلتم حقاً فهو صادق ، انظر هذا الاحتراز ، لم يقل : هو صادق ، لأنه يحتمل أنهم كذبوا على الرسول ، إن كان ما حدثتموني به فهو صادق .
فسمي من ذلك اليوم الصديق ،
ولا شك أنه أصدق هذه الأمة في المقال والفعال والمقاصد وغيرها وأنه أقواها يقيناً وتصديقاً ،
فهو رضي الله عنه ليس في هذه الأمة مثله [8] ،
لو لم يكن من حسناته على هذه الأمة إلا استخلاف عمر بن الخطاب لكفى بذلك فخراً ،
لأنه لا أحد ينكر ما صار لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من السياسة الحكيمة والحكم العادل والفتوحات العظيمة وإذلال أهل الشرك ،
فلذلك يعتبر عمر حسنةً من حسنات أبي بكر على هذه الأمة جمعنا الله وإياكم وإياهم في دار النعيم المقيم ،
******************
148 – وبعده الفاروق من غير افتراء ،
وبعده عثمان فاترك المِرا ،
سبق لنا بيان فضل هذه الأمة ،
ثم بيان أن خير هذه الأمة القرون الثلاثة ،
ثم بيان أن خير هذه القرون الصحابة ،
ثم بيان أن خير الصحابة المهاجرون ،
ثم بيان أن خير المهاجرين الخلفاء الأربعة ،
ثم بيان أن خير الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه ،
وذكرنا شيئاً من مناقبه وفضائله رضي الله عنه ،
ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ كتب التاريخ كـ ( البداية والنهاية ) لابن كثير وغيرها مما ألف على وجه الخصوص في أبي بكر رضي الله عنه ،(2/89)
قوله : ( وبعده الفاروق ) : بعد أبي بكر الفاروق ، والفاروق على وزن فاعول وهو من صيغ المبالغة مأخوذٌ من الفرق ،
وسُمي بذلك لأن الله تعالى فرَّق به بين الحق والباطل ،
فإن الله سبحانه وتعالى أعز الإسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
وفرَّق الله تعالى به بين الحق والباطل في خلافته وقبل خلافته وجعل الله الحق على لسانه وقال فيه النبي عليه الصلاة والسلام ( إن يكن فيكم مُحدَّثون – أي ملهمون بالوحي – فعمر ) ،
وكان رضي الله عنه موفقاً للصواب حتى إنه يأتي الوحي أحياناً موافقاً لقوله واقتراحه فهو رضي الله عنه فاروق فرق الله به بين الحق والباطل ،
وكان رضي الله عنه بعد أبي بكر رضي الله عنه في الفضيلة وبعد أبي بكرٍ في الخلافة ،
وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة على أن هذين الرجلين أبو بكر وعمر هما أفضل الأمة [9] ،
وأن أبا بكر أفضل من عمر ، عمر رضي الله عنه يلي أبا بكرٍ في الخلافة بتعيينٍ من أبي بكر فإنه عينه وتحمل أبو بكرٍ رضي الله عنه المسؤولية في هذه الأمة حياً وميتاً ،
لكنه رضي الله عنه أدى الأمانة وَوُفِّق فصار من فضائله على الأمة أن استخلف عمر ابن الخطاب ،
ولا يخفى على أحدٍ منصف فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قرأ سيرته عمر رضي الله عنه تولى الخلافة بعد أبي بكر وقام بأعباء الخلافة خير قيام وكثرت الفتوحات على يده وصار له من الهيبة والعظمة ما خذل الله به أعداءه ومع ذلك كان متواضعاً يقبل الحق من أي شئ شخصِ كان وكان متواضعاً لا يأخذ من بيت المال إلا مثل ما يأخذه واحد من الناس ولا يعطي أحداً من أولاده إلا مثل ما يعطي واحداًَ من الناس بل ربما نَقَصَهُم وكان رضي الله عنه لم يتخذ لنفسه بوَّاباً ولا قصراً بل كان ينام في المسجد فيجمع الحصى ثم ينام عليها وِسادةً له وكان عليه رداءٌ مُرَقَّع وسيرته عجيبة لا تكاد تصدق بما يُنقل عنه ،(2/90)
ولهذا أعز الله به الإسلام بعد كونه خليفة وقبل كونه خليفة وكان له هيبةٌ عظيمة ،
يُذكر أن رجلاً من اليهود في الشام كان منزله إلى جنب بيت المال ، فعرض عليه معاوية أن يشتريه منه ، قال : بِعْ علي البيت ، من أجل أن يدخله بيت المال ، فأبى اليهودي ، فأعطاه ثمناً أكثر من ثمنه ، معاوية رضي الله عنه رأى أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، فأدخله في بيت المال ، وقال : خذ إذا شئت القيمة أعطيناك ، ولكن اليهودي أبى ، فقدم المدينة ، فجاء إلى عمر يبحث عن عمر ، فقيل له : تجده الآن في المسجد فذهب إلى المسجد فوجد رجلاً كأنه فقير رداءٌ مرقع نائم على بطحاء فصدَّق أو كذَّب هل هذا الخليفة الذي يكون معاوية أميراً له ، أميراً من أمرائه ، وكان معاوية رضي الله عنه باعتبار أنه في الشام وأنهم يقدسون ملوكهم وأنهم يعظمونهم ويجعلون لهم القصور قد اتخذ لنفسه مثل هذا لا حباً في الدنيا ، ولكن إقامةً للسلطة مقام السلطة الأولى حتى يهابها الناس ، لأن معاوية لو فعل مثل ما فعل عمر في المدينة وهو في الشام لم يبال الناس به فجاء إلى عمر فقص عليه القصة ، فيقال : إنه أخذ عظماً من الأرض وكتب فيه ليس كسرى بأعدل مني ووضع خطاً وفوقه خط آخر كالصليب ، وقال لليهودي : اذهب أعطه لمعاوية ، فلما جاء به إلى معاوية ، معاوية قطعاً بينه وبين عمر إشارة وهي ما يُسمى في العرف الحاضر شفرة لما رأى هذا العظم يُقال إنه وضعه على رأسه ثم قال لليهودي : ماذا تريد ؟ أتريد أن أبني لك بيتك وأعيده من جديد أم تريد أن أعطيك عشرة أمثاله أم ماذا تريد ؟ قال : وهكذا يكون خلفاؤكم وهكذا يكون أمراؤكم مع خلفاؤكم ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن بيتي صدقة للمسلمين ،
سبحان الله انظر كيف العدل يعني يجعلوا الناس يستجيبون ولو كانوا كفاراً والظلم والاستئثار يجعل الناس لا يستجيبون ولو كانوا مسلمين ،(2/91)
فالحاصل : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع كونه ذا سلطةٍ عظيمة وهيبةٍ عظيمة إذا جاءه الإنسان وجده كأنه وجده كأنه عادي والقصة المشهورة ،
وإن كان الحديث فيه شئٌ من النظر لما خطب الناس حين تغالوا في المهور وقال : لا يزيد أحدٌ على مهر النبي عليه الصلاة والسلام لأزواجه أو بناته إلا جعلت الزائد في بيت المال ، فقامت امرأةٌ ، فقالت : مهلاً يا أمير المؤمنين ليس ذلك إليك ، إن الله تعالى يقول : { وإن أدتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ( النساء 10 ) ، فأقر الله تعالى إيتاء القنطار للزوج ،
والقنطار : ألف مثقال للذهب ،
وقيل : إنه ملء جلد ثورٍِ صغير من الذهب .
كم يأتي ملء جلد الثور ؟
آلاف ،
فقال : امرأةٌ أفقه من عمر .
ثم ترك الناس ،
فالحديث هذا فيه صحته نظر لكنه مشهور عند الناس ،
وعمر رضي الله عنه يكون أكثر من ذلك تواضعاً ،
وعظ الناس يوماً من الأيام فقام إليه سلمان الفارسي وقال : يا أمير المؤمنين كيف تعطي عبدالله بن عمر ثوبين والناس لم تعطهم إلا على ثوبٍ واحد من بيت المال ؟ فقال له : قم يا عبدالله يعني رد عليه فقام فرد عليه ، فقال : إن الثوب الثاني ثوب عمر أعطاه إياه وليس زائداً على ما يعطي المسلمين ، وكان رضي الله عنه إذا أمر الناس بشيء أو نهاهم عن شئ جمع أهله وقال لهم : إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم والطيور تنظر إلى اللحم نظر شرَه تريد أن تبتلعهم وإني قد أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فلا أجد أحدكم يعني مخالفاً إلا أضعفت عليه العقوبة .
كل هذا من باب العدل والتخويف وإلا كان العدل أيضاًَ ألا يضعف العقوبة عليهم .
لكنه رضي الله عنه له غورٌ في الفقه قال : إن أقرباء السلطان يخالفون بسلطة قربهم منه فيتوصلون إلى المخالفة بقربهم من ولي الأمر فرأى رضي الله عنه أن هذه نوع مخالفة مع المخالفة الأصلية فيجمع عليهم بين عقوبتين ومآثره رضي الله عنه كثيرة .(2/92)
وكان آخر أمره أنه سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الشهادة في سبيله والموت في بلد رسوله فكان الناس يتعجبون المدينة بلد إسلام ليس فيها قتال كيف يكون يجتمع أنه شهيدٌ في سبيل الله ميتٌ في مدينة رسول الله فاستجاب الله دعوته ،
وقُتل شهيداً في بلد الرسول عليه الصلاة والسلام وهو لم يُقتل لعداءٍ شخصي لكنه لعداءٍ ديني ،
لأن القاتل له : أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة .
وكان رضي الله عنه عمر ينهى أن تكثر العلوج يعني هؤلاء الأرقاء من الفرس وغيرهم في المدينة ولكن كان أمر الله مفعولا .
هذا الخبيث لما قتل عمر رضي الله عنه في خنجرٍ له وجهان والإمساك بالوسط ، وكان قد سقى كل جانبٍ منه السم فلما طعن عمر وهو يصلي بالناس الفجر ، قال : أكلني الكلب ، فزع الناس فلحقوا هذا الرجل الخبيث الهارب فقتل أظن ثلاثة عشر نفراً فلما رأى أنه قد أُدرك وألقى عليه أحد الصحابة بساطاً غمّه فيه لما رأى أنه قد أدرك قتل نفسه .
فالحمد لله رب العالمين أنه قتل نفسه على هذا الوجه وهو لم يسجد لله سجدة .
فكان والعياذ بالله آخر أمره أن قتل نفسه .
والذي يظهر لنا أنه قتل نفسه على الكفر .
هذا آخر ما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
ومن أراد المزيد من ذلك فليقرأ ما كُتب عنه في ( البداية والنهاية ) وغيرها ،
قوله : ( وبعده عثمان فاترك المِرا ) : بعد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأفضل عثمان ،
قوله : ( فاترك المِرا ) : أي الجدال فإن هذا أمرٌ مفروغٌ منه ،
أن عثمان : هو الثالث في الخلافة والفضيلة ،
وإنما قال : ( فاترك المِرا ) : لكثرة الجدال فيه وفي علي بن أبي طالب أيهما أفضل ؟
حتى إن بعض علماء السنة قالوا : علي بن أبي طالب أفضل من عثمان ،
فجعلوه في المرتبة الثالثة في الفضيلة وعثمان في المرتبة الرابعة ،
ومنهم من قال : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم سكت ،
ومنهم من أخذ بما مشى عليه المؤلف :
وهو أن الأفضل عثمان ثم علي ،(2/93)
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وهذا هو الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة ) [10] ،
عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة لا بنصٍ من عمر وتعيين ولا باجتهادٍ من الرعية ،
فتوليه للخلافة أمرٌ غريب لم يكن معروفاً ،
لأن عمر لما طُعن وقيل له : استخلف على الأمة ، قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خيرٌ مني يعني أبا بكر وإن لم استخلف فقد ترك من هو خيرٌ مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته أبو عبيدة عامر بن الجراح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه أمين هذه الأمة ) [11] ،
سبحان الله لا ينظرون إلى شرف قبيلة ولا إلى سيادة ذي قوم ينظرون إلى المعاني الشرعية .
فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ) .
قال عمر : لو كان حياً لاستخلفته [12] .
ولكنه مات قبل عمر ثم جعل الأمر شورى بين الستة الذين تُوفي عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ،
فلما تُوفي جلس هؤلاء للتشاور واستقر الأمر على عثمان وكان أكثر أهل المدينة يختارون عثمان ،
فبويع عثمان بالخلافة مبايعة شرعية بايعه عليها علي بن أبي طالب وبقية أصحاب الشورى وغيرهم ،
وأجمعت الأمة على ذلك وصار الخليفة الثالث بإجماع المسلمين [13] ،
ولهذا قال الإمام أحمد : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [14] ،
أما الرافضة فقد طعنت في خلافة الجميع إلا علي بن أبي طالب ،
فَضَلَّتْ بهذا عن الأمة وعن الحق بل وبما مشى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
فإنه بايع أبا بكر وعمر وعثمان اختياراً لا اضطراراً ،
والعجب أن غلاة الرافضة قالوا : إن علياً فاسق لماذا يرضى بالظلم ؟ فكونه رضي بالظلم وبايع هذه مداهنة والمداهنة في الحق ضلالٌ وفسق ،
فأتعجب كيف وصل بهم الحال إلى هذا السفه ؟(2/94)
والمنصف من يعرف منهم أنه على ضلال ،
هم يقولون : نحن شيعة .
وهؤلاء أهل السنة .
وأيهما أولى بالحق أهل السنة أو الشيعة المتعصبين لأشخاصٍ معينين ؟
كلٌّ يعرف أن أهل السنة هم الذين على الحق لأنهم على سنة ،
وكونهم يقولون : هؤلاء أهل السنة ونحن شيعة اعترافٌ منهم بأنهم ليسوا على سنة
وإذا كان كذلك فيقال : اتقوا الله ارجعوا إلى السنة ، ما دام تعترفون بأن هؤلاء أهل سنة وأنتم شيعة ،
ثم نقول : من أحق الناس تشيعاً لآل البيت من ؟
أهل السنة نحن نحب آل البيت المؤمنين منهم :
لكونهم مؤمنين ،
ولكونهم من قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ونفضلهم على غيرهم بهذا المعنى ، لكن لا نعطيهم الفضل المطلق ، بل ننزلهم منزلتهم ،
وهم أعني آل البيت يرضون بهذا غاية الرضا ،
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو إمام أهل البيت كان رضي الله عنه يقول على منبر الكوفة يعلن : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) [15] ، وأحياناً ( ثم عثمان ) وأحياناً يسكت ،
فعلى هذا نقول : إن عثمان رضي الله عنه يلي عمر بن الخطاب في الفضيلة فهو الثالث في الفضل في هذه الأمة وهو الثالث في الخلافة من هذه الأمة ،
ومن أنكر ذلك بالنسبة للخلافة فيقول الإمام احمد : إنه أضل من حمار أهله ،
وقال : إنه أضل من الحمار لأن الحمار من أبلد الحيوانات ،
ولهذا مثَّل الله اليهود بالحمار : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } ( الجمعة 5 ) ، قال : {كمقل الحمار يحمل أسفارا } .
إذا حمَّلت على الحمار المغني والمجموع شرح المهذب والإنصاف وتفسير ابن كثير وفتح الباري ثم رجعت للحمار وقال ماذا قال في فتح الباري ماذا يقول ؟
يوفيك نهيقاً ،
فعلى كل حال الحمار أبلد الحيوانات وأدل الحيوانات بالنسبة لمكان مبيته ،(2/95)
وسألت مرةً الشيخ عبدالرزاق العفيفي رضي الله عنه وعافاه قال : إنما كان الحمار أدل ما يكون إلى مأواه ومبيته لأنه بليد لا يشغل مخه شئٌ من التفكير فيكون معتمداً على المظاهر الخارجية لأنه ذهنه لا يفكر في مخه ،
وهذه مناسبة غريبة لذلك تجد الإنسان الذي معه سائق لا يذهب بالسيارة إلا بسائق ولا يجيء إلا بسائق لا يعرف الأسواق ولا يعرف البيوت لو يتردد عليها عشر مرات والسائق يعرفها من أول من مرة لأنه قد وضع ذهنه لهذا الشيء الحمار ليس عنده إلا المأوى والمبيت والأكل والشرب وأما غيره فليس عنده تفكير ،
فالحاصل أن نقول الإمام أحمد يقول : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [16] ،
قال ذلك لماذا ؟
لأن أبلد ما يكون من الحبوانات الحمار ،
******************
149 – وبعد فالفضل حقيقاً فاسمعِ ،
مني نظامي للبطين الأنزع ،
قوله : ( وبعد ) : أي بعد الثلاثة الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان بعد ذلك ،
قوله : ( فالفضل حقيقاً ) : أي حقيقةً
أو ( حقيقاً ) بمعنى جديراً ، كما في قوله تعالى : { حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق } ( الأعراف 105 ) ، فهي صالحة لهذا وهذا ،
قوله : ( فاسمع نظامي هذا ) : وأمر بسماع النظام للتأكيد والتنبيه ،
قوله : ( للبطِين ) : خبر قوله : ( فالفضل ) أي فالفضل كائنٌ للبطين الأنزع ،
البطين يعني واسع البطن ،
قوله : ( الأنزع ) : الذي انحسر شعره مقدم رأسه هذا الأنزع ،
والبطين ضده الضامر الذي بطنه ليس واسعاً ،
والأنزع ضده الأفرع الذي نزل شعر رأسه إلى جبهته ،
إذن وصف هذا المذكور بوصفين :
الأول : بأنه بطين .
والثاني : أنه أنزع .(2/96)
وهل أراد المؤلف رحمه الله الذم أو أراد التعريف ؟
الثاني قطعاً ،
أراد التعريف لأنه لا يريد أن يذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الوصف أراد أن يعرِّفه وكان رضي الله عنه بطيناً أي واسع البطن وقد عُلم بهذا الوصف ،
الأنزع أي كان منحسر شعر الرأس من الأمام ،
وهذا لا يدل على شئ إنما هو خِلقة ويكون عند الكبر كثيراً كما هو معروف مشاهد ،
******************
150 – مجدِّل الأبطال ماضي العزم ،
مفرِّج الأوجال وافي الحزم ،
قوله : ( مجدِّل الأبطال ) : التجديل معناه أنه يوقعهم صرعى والأبطال جمع بطل وهم الشجعان ،
قوله : ( ماضي العزم ) : يعني أنه ذو عزيمةٍ ماضية لا ينثني ، كم هذا من وصف ؟ أربعة ،
قوله : ( مفرج الأوجال ) : ( الأوجال ) : جمع : ( وجل ) : وهو الخوف .
يعني أنه يفرج الخوف من شجاعته رضي الله عنه ولا شك أنه من أشجع الناس .
قوله : ( وافي الحزم ) : يعني أنه ذو حزمٍ وافي أي كامل وهذه ستة أوصاف ،
******************
151 – مسدي الندي مبدي الهدى مردي العدى ،
مُجْلي الصدى يا ويل من فيه اعتدى ،
قوله : ( وافي الندى ) : وافيه أي كامله ،
قوله : ( مبدي الهدى ) : مظهر الهدى وهو العلم ،
وقد اشتهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعة علمه وذكائه ،
قوله : ( مردي العدى ) : مردي أي مهلك ،
كما قال تعالى : { وما يغني عنه ماله وما تردى } ( الليل 11 ) ، أي إذا هلك ،
و ( العدى ) جمع عدو ، هذه ثلاثة أوصاف بالإضافة إلى ما سبق تكون تسعة أوصاف ،
قوله : ( مجلي الصدى ) : مجلي أي مذهب والصدى في الأصل هو الوسخ الذي يكون على الحديد لطول مكثه أو لكونه حول الماء فهذا يجلوه ويزيله ،(2/97)
قوله : ( يا ويل ) : ( يا ) هذه للندبة ( ويل ) الهلاك ،
قوله : ( من فيه اعتدى ) : أي من اعتدى في عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه ،
ويريد بذلك الوعيد على من اعتدى في حق علي بن أبي طالب بإفراط أو تفريط ، كلاهما يا ويلهما ،
فالذين في حقه الإفراط هم الرافضة ،
والذين اعتدوا بحقه في التفريط هم الناصبة النواصب ،
لأنه هلك في علي بن أبي طالب طائفتان :
1 - طائفةٌ غلت ،
2 - وطائفةٌ فرّطت ،
الطائفة التي غلت غلوا فيه حتى جعلوه إلهاً حتى إنهم صرحوا بذلك ،
قال عبدالله بن سبأ وشيعته لعلي بن أبى طالب صراحةً ومقابلة ، قال له : أنت الله حقاً ،
وهو خبيث يهودي دخل في دين الإسلام ظاهراً ليفسده ،
كما قال شيخ الإسلام رحمه الله كما ظهر بولس في دين النصارى وتنصر ظاهراً من أجل أن يفسد دين النصارى هذا الخبيث عبدالله بن سبأ يهودي ماكر دخل في دين الإسلام على أنه مسلم [17] ،
لكن أتى إلى علي بن أبي طالب ، وقال له : أنت الله أين الإسلام فأمره رضي الله عنه لشدة ما جرى أمر بالأخدود فحُفرت ثم أمر بالحطب فجُمع في هذا الأخدود ، ثم أمر بعبدالله بن سبأ وشيعته أن يُلقوا في هذه النار بعد أن أضرم فيها النار فأُحرقوا ،
ويقال : أن عبدالله بن سبأ هرب وذهب إلى مصر وبث دعوته فيها ، ثم إلى العراق ، ثم إلى فارس انتشرت الدعوة ،
هؤلاء اعتدوا في علي بن أبي طالب بماذا ؟
بالإفراط وزيادة الحد ،
قسمٌ آخر قابلوهم لأن العادة أنه إذا وُجد غلوٌ في جانب وجد فيه تطرفٌ آخر من أجل ضد هذا الغلو فيه أناس بالعكس صاروا نواصب نصبوا العداوة لآل البيت وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعلوا يسبونهم ويلعنونهم والعياذ بالله هؤلاء أيضاً اعتدوا في حق آل البيت فيا ويل الطرفين هؤلاء وهؤلاء ،
وأيهم أشد ضرراً على الإسلام المفرِّط أو المفرِط ؟
المفرِط أشد ضرراً على الإسلام ،(2/98)
لأن المفرط تعدى طوره كثيراً حتى جعل علي بن أبي طالب إلهاً وجعل من أئمة أهل البيت من يعلم الغيب ويدبِّر الكون ،
حتى سمعنا من أشرطتهم من يقول : إن جميع الكون تحت ظُفر فلان يدبره حيث يشاء تحت الظفر جعله وسخاً من أوساخ الأظفار ،
نسأل الله العافية ،
كل الكون هذا أشد وهذا في الحقيقة يصوغونه بصيغة عاطفية حتى في أداء شعائرهم التي يترنمون بها من الدعاء لآل البيت والدعوة لهم تجدهم يترنمون بصوتٍ حزين يشد العاطفة ،
أما الذين ينصبون العداوة لآل البيت فمن يطيعهم ؟!!
من يطيع من يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟!!
كل الناس ينفرون مما ذهبوا إليه ،
لكن هؤلاء من حيث أنهم يخاطبون العاطفة صار ضررهم على الناس أكثر بكثير ،
ولهذا لو قارنت بين النواصب والروافض من حيث العدد لوجدت أن النواصب لا ينصبون إلى الروافض ،
فإن قال قائل : لماذا أطنب المؤلف رحمه الله في وصف علي بن أبي طالب دون الثلاثة الأولين وهم أفضل منه ؟
فالجواب : أنه أطنب في ذلك لسببين :
السبب الأول : الرد على النواصب ،
ما هو موقف النواصب ؟
السب لعلي بن أبي طالب فأراد أن يمدحه أو أن يصفه وهو يثني عليه بما هو أهله رداًّ على هؤلاء النواصب ،
ثانياً : الرد على الروافض ، كأنه قال علي بن أبي طالب مع هذه الأوصاف الكريمة والآداب العالية والشجاعة التامة لا يستحق أن يترقى إلى المكان الذي رقاَّه إليه هؤلاء الرافضة ،
فصار في إطنابه في مدحه صار فيه فائدتان :
الأولى : الرد على النواصب ،
والثانية : الرد على الروافض ،
يعني أننا أيها الروافض نقر بفضله وأنه فيه من الفضل كذا وكذا وكذا لكننا لا ننزِّله فوق منزلته كما فعلتم أنتم ،
فهذا هو السبب في أنه رحمه الله أطنب في ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
******************
152 – فحبه كحبهم حتماً وجب ،(2/99)
ومن تعدى أو قلى فقد كذب ،
قوله : ( فحبه ) : أي حب علي بن أبي طالب ،
قوله : ( كحبهم ) : أي كحب الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ،
قوله : ( حتماً وجب ) : أي وجب حتماً ،
أي وجوباً حتماًَ مؤكَّداً ،
ونشهد الله عز وجل على محبتهم ونشهد الله على محبة إمامنا وإمامهم محمد ٌصلى الله عليه وسلم ،
فالمحبة أولاً وآخراً كلها ، لمن ؟
للرسول ،
ونحن لم نحب هؤلاء إلا بمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وإلا لكانوا من رجالات قريش وليس لهم فضل ،
لكن لمحبة الرسول لهم كنا نحبهم ،
ثم إن محبتنا للرسول أيضاً تابعة لمحبة الله ،
لأن المحبة الأولى والأخيرة والنهاية والبداية كلها لله عز وجل ،
خلافاً لمن كانوا الآن يحبون الرسول أكثر من محبة الله ،
إذا ذُكر الرسول عندهم بكوا وتهامنت الدموع ،
وإذا ذُكر الله فالوجه هو الوجه لا يتغير ولا بكاء ،
نسأل الله العافية والسلامة سبحان الله ،
الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان له هذا الشرف إلا لأنه رسول الله ولأن الله يحبه ،
وإلا لكان بشراً عادياً لا يُحب ولا يُكره إلا بما فيه من الخير أو الشر ،
لكننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم لمحبتنا لله الذي أرسله ،
ونحب الخلفاء الراشدين لمحبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام ولمحبتنا للرسول وهم خلفاؤه ،
حب علي بن أبي طالب كحب الثلاثة السابقين واجبٌ حتماً يجب علينا أن نحبه ،
فإذا قال قائل : المحبة وصفٌ فطري نفسي لا يملكه الإنسان ولهذا يُذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( هذا قَسْمي فيما أملك فلا تملني فيما لا أملك ) يعني المحبة ، هل يمكن لإنسان أن يجعل في قلبه محبة إنسانٍ يبغضه ؟
لا ، لكن يمكن أن تنال المحبة بالكسب بأن تذكر صفات الكمال في هذا الرجل .
فإذا ذكرت أوصاف الكمال واعتقدتها ثبوتها فيه فإن النفوس تميل بلا شك إلى الكمال وتحبه ،(2/100)
ولهذا جاء في الحديث : ( أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم ) ،
يعني على الأقل اذكر نعم الله عليك فأحبه لذلك ،
لأنك لو أن أحداً مَنَّ عليك بمنة هل تحبه ؟
( تهادوا تحابوا ) [18] ،
وهذا شيءٌ مجرب ،
فمعلومٌ أن الإنسان لا يمكن أن يقع في قلبه محبة إلا لسببٍ ظاهر يحمله على المحبة ،
فإذا الأمر كان كذلك ،
فاذكر ما كان للنبي عليه الصلاة والسلام وما للخلفاء الراشدين وما لغيرهم من عباد الله ،
اذكر ما لهم من الصفات الحميدة والخصال الطيبة ،
وحينئذٍ لا بد أن تحبهم ،
ولهذا أحياناً يجمع الإنسان في قلبه بين محبة شخصٍ وكراهته سبحان الله بين محبته وكراهته ،
المحبة والكراهة ضدان لا يجتمعان ؟!!!
فيقال : بل يجتمعان ،
يكون في الإنسان خير ويكون فيه شر ،
الإنسان يحبه لخيره ويكرهه لشره ،
ثم إذا كان منصفاً عمل بأقوى الجانبين إن غلب خيره على شره غلبت محبته على كراهته واغتفر شره بجانب الخير ،
ولهذا قال ابن رجب قولاً حكيماً صحيحاً يقول في أول قواعد الفقه : ( يأبى الله العصمة لكتابٍ غير كتابه والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [19] ،
فنحن إذا نظرنا إلى ما للصحابة رضي الله عنه من الفضائل والسَّبْق أحببناهم فنحن نحب الخلفاء الأربعة كلهم كما يجب علينا أن نحب بقية الصحابة لكن لكلٍ درجاتٌ مما عملوا ،
قوله : ( ومن تعدى ) : مثل الرافضة ،
قوله : ( أو قلى ) : كالنواصب ،
قوله : ( فقد كذب ) : نعم صدق فقد كذب واعتدى لا شك أن من تعدى في حق هؤلاء وتجاوز الحد فقد كذب ومن قلى وأبغض فقد كذب ،
إذن الرافضة مخطئون من الجانبين تعدوا في علي وقلوا في بقية الخلفاء ،
فجمعوا بين الشرَّين وبين الفسادين :
1 - غلو زائد في علي بن أبي طالب ،
2 - تفريطٌ زائد في حق الخلفاء الراشدين الثلاثة ،(2/101)
حتى إن بعضهم والعياذ بالله يلعن أبا بكر وعمر صراحةً ويقول إنهما ظالمان وإنهما ممن يذاد عن حوض الرسول يوم القيامة قاتلهم الله كيف يُذاد رجلان دُفِنا إلى جنب الرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحصل هذه الفضيلة لأحدٍ سواهما أبداً ولهذا كانا رفيقيه في الدنيا ورفيقيه في القبر في البرزخ وسيكونان رفيقيه يوم القيامة رضي الله عنهما وأرضاهما ،
******************
153 – وبعد فالأفضل باقي العشرة ،
فأهل بدر ثم أهل الشجرة ،
قوله : ( وبعد ) : أي بعد الخلفاء الأربعة ،
قوله : ( فالأفضل باقي العشرة ) : وهم ستة ،
قوله : ( باقي العشرة ) : إذا أخذنا الخلفاء الأربعة ،
فالباقي كم ؟
ستة ،
هؤلاء العشرة هم المبشرون بالجنة أطلق عليهم هذا اللقب .
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم في نسق واحد في حديث واحد .
فقال : ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة ) [20] ،
وقد جُمِعوا في بيت [21] :
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة .
وعامر فهرٍ والزبير الممدح [22] .
خذ الخلفاء الأربعة .
وهؤلاء ستة في البيت سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهرٍ والزبير الممدح .
هؤلاء ستة مع الأربعة .
الجميع عشرة .
عدهم النبي عليه الصلاة والسلام في نسق واحد في حديث واحد قال : هؤلاء في الجنة .
سعيد بن زيد بن نفيل وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وعامر بن الجراح أبو عبيدة والزبير بن العوام هؤلاء ستة مع الأربعة كلهم بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أخبر أنهم في الجنة وهذا بشرى لهم ،(2/102)
ويجب علينا أن نقول : أن هؤلاء أفضل الصحابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في نسقٍ واحد في حديثٍ واحد ،
وهل اقتصرت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالجنة على هؤلاء ؟
لا ،
شهد لأناس كثيرين غير هؤلاء ،
عكاشة بن محصن شهد له بأنه يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب لأنه لما حدًّث النبي عليه الصلاة والسلام أن من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قام عكاشة وقال أدعو الله أن يجعلني منهم قال : ( أنت منهم ) [23] ،
وثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام : يحيا سعيداً ويقتل شهيداً ويدخل الجنة [24] .
وكذلك المرأة التي تصرع ، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن شئت دعوت الله لكِ وإن شئت صبرتِ ولك الجنة ) ، فقالت : أصبر [25] ،
وتتبع هذا إذا تتبعه الإنسان يتبين له أُناسٌ كثيرون ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،
والشهادة بالجنة نوعان :
1 - شهادةٌ بوصف ،
2 - وشهادةٌ بشخص ،
فأما الشهادة بالوصف : فأن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة على سبيل العموم ،
وأما الشهادة بالشخص : فأن نشهد لشخص بعينه بأنه من أهل الجنة ،
وكلاهما أو وكلتاهما أي الشهادتان قد دل عليها الكتاب والسنة ،
فمثلاً : بيَّن الله تعالى في القرآن أن الجنة أعدت للمتقين فنشهد لكل متقي أنه في الجنة ،
لكن هل نشهد لفلان أنه في الجنة إذا رأيناه تقياً ؟
لا ، لاحتمال أنْ يرد عليه في آخر عمره أشياء تصرفه عن التقوى فلا نشهد بالجنة بالتعيين إلا لمن عينه الرسول صلى الله عليه وسلم ،
ولا نشهد بالوصف إلا لمن شهد له الله ورسوله والشهادة بالوصف لا تجوِّز الشهادة بالعين ،
فمثلاً نقول : كل مؤمن فإنه في الجنة كل تقي في الجنة ،
لكن هل نشهد بأن فلان المعين في الجنة ؟
لا ، كذلك أيضاً في الشهادة كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ،
لكن لو رأينا رجلا مسلما قتل في المعركة هل نقول إنه شهيد ؟(2/103)
لا ، لأننا لو قلنا بأنه شهيد للزم من ذلك أن نشهد له بالجنة وهذا لا يجوز
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : من أجمعت الأمة أو كادت أن تجمع على الثناء عليه فإننا نشهد له بالجنة [26] ،
واستدل لذلك : بقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة 143 ) .
فإنه قد مرت جنازة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فأثنوا عليها خيرا ، فقال : ( وجبت ) ثم مرت أخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : ( وجبت ) فقالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : مرت الجنازة الأولى فأثنيتم عليها خيراً ، فقلت : ( وجبت أي وجبت له الجنة والثانية أثنيتم عليها شراَّ ، فقلت : وجبت أي وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه ) [27] ،
وعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يجوز أن نشهد للإمام أحمد بأنه من أهل الجنة لاتفاق الناس أو جملتهم عليه وكذلك بقية الأئمة وأئمة الأتباع لأنهم ممن اتفق الناس أو جلهم على الثناء عليهم ،
قوله : ( فأهل بدر ) : بعد العشرة أهل بدر والعشرة من أهل بدر ،
يعني لا يمتنع أن يكون في الإنسان وصفان أهل بدر هم الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ،
وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ،
وكان سببها : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعيرٍ لقريش جاءت من الشام تريد مكة وهي لا بد أن تمر بالمدينة أو حولها فندب أصحابه إلى الخروج لهذه العير لأخذها فانتدب منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فقط على سبعين بعير وفرسين ، ثلاثمائة وبضعة عشر رجل على سبعين بعيراً إذا لا بد من تعاقب وفرسين فقط وكانوا لا يريدون الغزو ولا فكروا أن يكون هناك غزو إنما أرادوا عير قريش مع أبي سفيان وهي عيرٌ كبيرة يعني إبل محملة بالطعام والثياب وغيرها ولهذا كان معها أبو سفيان من كبراء قريش فلولا أنها عيرٌ كبيرة لم يكن معها هذا زعيم ،(2/104)
فإذا قال قائل : كيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج ليأخذ أموالهم ؟
نقول : إذا أخذ أموالهم فليست بشيء بالنسبة لإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم هؤلاء أخرجوا الرسول من ديارهم وأموالهم والرسول أراد أن يأخذ أموالهم فقط وهي من الأنفال التي نفلها الله عز وجل : { قل الأنفال وللرسول } ( الأنفال 1 ) ، لما سمع أبو سفيان بالخبر وأن الرسول خرج هو وأصحابه إليهم وكان رجلاً ذكياً عدل عن الطريق إلى سيف البحر وأرسل إلى أهل مكة يستصرخهم لا للقتال ولكن لإنقاذ العير فقط وظن أنهم سيرسلون فلان وفلان من عامة الناس لإنقاذ العير ويرجعون ولكن قريش أخذتهم الحمية وقالوا كيف محمد يتعرض لعيرنا بقيادة زعيمٍ من زعمائنا ؟ لابد أن نخرج نقضي عليه المهم تشاوروا في ما بينهم وفي النهاية أجمعوا على أن يخرجوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بكبرائهم ( خرج بطراً ورئاء الناس ) بحدِّهم وحديدهم وخيلهم ورجلهم وزعمائهم ومن دونهم فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فلما كانوا في أثناء الطريق تشاوروا في ما بينهم هل نمضي أو نرجع ؟ فكان أبو جهل يلمزهم في هذا يعني كيف تفكرون بالرجوع وقد خرجتم والله لا نرجع حتى نقدم بدراً ونقيم فيها ثلاثاً ننحر الجزور ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا انظر فخر بطر ولكن الحمد لله لم تنحر الجزور ولكن نُحِرَ هو لله الحمد قدموا بدراً وتلاقى الصفان وترائى الجمعان وحصل ما حصل وبُنيَ للرسول صلى الله عليه وسلم عريش يدخل فيه يدعو الله سبحانه وتعالى بالنصر ،
لأنه إذا استنفذنا قوتنا المادية والحسية لم يبقى لنا إلا الدعاء ، الدعاء مع القوة المادية والحسية وعدم استعمالها هذا خطأ ،(2/105)
لكن الدعاء عند العجز هذا واجب وإن جمعت بينهما فخير لكن قام يدعوا الله عز وجل ثم ماذا كان الأمر ؟ قال الله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } ( الأنفال 11 ) ، فنفرت الملائكة ونزلت تقاتل تثبت المؤمنين وتلقي في قلوب الكفار الرعب فهربوا وقُتل منهم سبعون رجلا وأُسر سبعون رجلا وكان ممن قتل هذا الزعيم الذي يقول إننا لن نرجع حتى نقدم بدراً وآخر ما قال : وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً ، لكن العرب سمعت بهم فنزلت مرتبتهم عند العرب ،
وقد سبق لنا أن الخلفاء الأربعة هم أفضل الصحابة وأن أفضلهم أبو بكر رضي الله عنه وأن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة ،
أي أن علماء أهل السنة اختلفوا في أمر عثمان وعلي :
1 - فبعضهم رتب فضلهما على الخلافة ،
2 - وبعضهم قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
3 - وبعضهم ذكر عثمان ثم سكت ،
4 - وبعضهم توقف ،
وأن الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة : تقديم عثمان على علي رضي الله عنه ، وهذا هو ندين الله به ،
ومع ذلك فإننا نحب علي بن أبي طالب من وجه آخر ونقدمه من وجه آخر ،
وهو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولكن الفضل لكن في خصيصةٍ واحد لا يعني الفضل المطلق بعد الأربعة الأفضل العشرة المبشرون بالجنة والمبشرون بالجنة أكثر من عشرة ،
لكن هؤلاء عشرةٌ ذكرهم النبي صلى عليه وآله وسلم في نسقٍ واحد بعد هؤلاء أهل بدر ،
وسبق ذكر قصة بدر وسببها ونتيجتها نتيجتها النتيجة العظيمة حتى سمى الله تعالى يومها يوم الفرقان ،
قوله : ( ثم من أهل الشجرة ) : بعد أهل بدر أهل الشجرة ،
( أل ) هنا للعهد الذهني أي الشجرة التي بايع تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ،(2/106)
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة ومعه نحو ألفٍ وأربعمائة رجل خرج قاصداً البيت للعمرة ومعه البُدْن قد ساقها عليه الصلاة والسلام تعظيماً لله عز وجل وللبيت الحرام فلما وصل إلى الحديبية وهي مكانٌ بعضها من الحل وبعضها من الحرم صده المشركون وقالوا : لا يمكن أن تدخل علينا مكة ، نؤخذ ضغطة لا يمكن ،
وهذا من حمية الجاهلية لأن قريشاً لا تمنع أي واحد من الحج أو من العمرة بل ترحب به لأنه يفيدها اقتصادياً لكن محمداً صلى الله عليه وآله يسلم وهو أولى الناس بالبيت هو ومن معه هو الذي يُصد ،
إذن حمية علم أم حمية جهل ؟
حمية جهل فمنعوه وجرت وبينهم وبينه مراسلات فبايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه تحت هذه الشجرة على ألا يفروا أبداً وأراد صلى الله عليه وسلم أن يناجز قريشاً ويدخل مكة عنوة ولكن الله عز وجل له حكمة بالغة ،
قتل الرسول ممنوع في كل قانون ،
الرسول الذين يكون بين متحاربين لا يمكن أن يُقتل حتى في الجاهلية ممنوع فقال إن كانوا قتلوه لأناجزنهم فبايع أصحابه وكان عليه الصلاة والسلام يبايعهم على ألا يفروا وقد قال الله في هذه البيعة المباركة ، { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } ( الفتح 10 ) .
فصرَّح أن مبايعتهم للرسول مبايعةٌ لله وأن الرسول نائبٌ عن الله في ذلك يد الله وهي الرسول فوق أيديهم لكن لما كانت يد رسوله كانت كيده على أحد القولين في الآية ،
فالرسول صلى الله عليه وسلم بايع وقد قال الله في هذه البيعة : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةفعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا عظيما } ( الفتح 18 ) .
والفتح القريب هو الصلح الذي جرى بين الرسول صلي الله عليه وسلم وبين قريش ،
وقد يقول إنسان كيف كان فتحاً مع أن ظاهره أنه هضمٌ للمسلمين ؟(2/107)
قلنا : كانت فتحاً لأن الناس بدءوا يأتي بعضهم إلى بعض من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة لأجل العهد الذي بينهم فكان فتحاً مبيناً والشيء الذي خُشي عليه أن يكون ضغطاً على المسلمين زال ولله الحمد في قصة من ؟
أبي بصير رضي الله عنه ومن خرج إلى مكة ، لما جاء أبو بصير إلى المدينة فاراً من أهل مكة ألحقوا به رجلين ، تعصب ، وإلا لكانوا قالوا : رجلٌ ذهب دعوه يمشي فألحقوا به رجلين يطلبانه لما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا الرجلان قد وصلا إلى خلفه فقالا : يا محمد العهد أن من جاء منا إليك فإنك ترده إلينا فلما رده إليهم خرجوا من المدينة وجلسوا يتغدون الثلاثة أبو بصير ورجلا قريش وكان أبو بصير قوياً فقال لأحدهم أعطني سيفك إنه سيفٌ جيد وقام يمدحه قام يمدح هذا السيف قال نعم إنه جيد وكم قرعت به من رأس أكملوا فأعطاه السيف فسلَّه أبو بصير وجبَّ به رقبته والثاني هرب إلى المدينة فاراًّ ولحقه أبو بصير فجاء إلى الرسول مذعوراً وقال إن صاحبي قُتل يعني وأنا أخاف على نفسي فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ويل أمه يعنى أبا بصير مسعر حرب لو يجد من ينصره فعرف أن الرسول سوف لن ينصره وسيسلمه مرة ثانية فخرج من المدينة وجلس الصراط لعير قريش قعد الصراط لهم كلما جاءت عير هجم عليها وأخذ منها ما شاء الله فعلم بعض الصحابة الذين في مكة بخبره فخرجوا إليه فكانوا عصابة فأخافوا السبيل وأرسلت قريش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت كلاما معناه خلصنا منه نحن ألغينا عهد الذي بيننا وبينك فيها فرجع أبو بصير ومن معه إلى المدينة واستتب الأمن [28] ولله الحمد وأما العهد الذي كانت مدته عشر سنين فإن قريشاً نقضته حيث أعانت حلفاءها على حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحينئذ أنتقض العهد فلم يكن بينهم وبين الرسول عهد فغزاهم وبهذا صار هذا الصلح صار فتحاً مبيناً [29] ،(2/108)
{ لا يستوي منكم أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) ، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ،
هؤلاء أهل الشجرة ، هذه الشجرة بقيت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى عهد أبي بكر وهي باقية فلما كان عمر سمع أن قوماً يترددون إليها إلى هذه الشجرة فحماية لحمى التوحيد أمر رضي الله عنه بقطعها أرأيتم لو بقيت ؟
لكانت ذات أنواط أو أشد لكان يعبدها الناس ،
والناس الآن أكثرهم همج لكن من بركات عمر بن الخطاب على هذه الأمة أن قطع دابر الشرك قطعها وأخفى موضعها حتى أخفيت الله الحمد ولم يعرف مكانها حتى الآن ،
******************
154 – وقيل : أهل أحد المقدِّمِة ،
والأول أولى للنصوص المحكمة ،
يعني بعد أهل بدر أهل أحد ،
قال بعض العلماء : أن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ،
ومن المعلوم أن من الصحابة من كان من أهل بدر ومن العشرة ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد يعني بعض الصحابة اجتمعت لهم الأوصاف الأربعة وبعضهم لا ،
إذا قلنا : إن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ، أيهم أكثر ؟
أهل بيعة الرضوان لأن أهل بيعة الرضوان ألف وأربع مائة وأهل أحد نحو سبع مائة نفر لكن أصابهم من البلاء والتمحيص والقتل ما لم يكن في بيعة الرضوان ،
لهذا رجَّح بعض العلماء أهل أحد على أهل بيعة الرضوان ،
ولكن الذي يظهر القول الأول : أن أهل بيعة الرضوان أفضل ،(2/109)
لأن أهل بيعة الرضوان استحقوا الرضا ، { لقد رضي الله عن المؤمنين } ( الفتح 18 ) .
أما أهل أحد فاستحقوا العفو ،
وفرق بين هذا وهذا قال الله تعالى : { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين } ( الحج 52 ) .
ففرق بين من استحق وصف العفو وبين من استحق وصف الرضوان أيهما أكمل ؟
الثاني أكمل ،
فالصحيح : أن أهل بيعة الرضوان الضربة أفضل من أهل أحد ،
مع أنه ربما يكون أهل أحد قد شملتهم بيعة الرضوان ،
أما أهل أحد فالقصة فيها معروفة ،
الغزوة سببها : أن قريشاً لما هزموا تلك الهزيمة النكراء في بدر ورجعوا إلى بلدهم تشاوروا في ما بينهم وقالوا : محمد استأصل شأفتنا وقتل خيارنا وسادتنا فلنخرج إليه حتى نأتيه في المدينة ونقضي عليه فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يريدون القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هل يخرج أو لا يخرج ، فالذين لم يشهدوا بدراً قالوا له : اخرج ماذا يريدون ؟
يريدون الشهادة الغزو ، والذين حضروا بدرًا قالوا يا رسول الله نبقى في المدينة فإذا جاءونا قضينا عليهم ،
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رجَّح رأي الذين قالوا بالخروج دخل بيته من أجل أن يتأهب للحرب ويلبس لامة الحرب والدرع وغير ذلك ،
فكأنهم تشاوروا في ما بينهم قالوا لعلنا أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج لأنه كان يميل بالأول إلى أنهم لا يخرجون فلما خرج عليهم وقد لبس لامة الحرب على رأسه واستعد للحرب قالوا : يا رسول الله لو تركنا هذا وبقينا على الرأي الأول أن نبقى في المدينة فإذا يعني قاتلناهم ،
فقال : ما كان ينبغي لنبي لبس لامة الحرب حتى يقضي الله بينه وبين عدوه فخرج ومعه ألف نفر سبعمائة مؤمنون خلص وثلاثمائة منافقون ،(2/110)
وكان المنافقون لا يريدون الغزو يقولون ابقوا هاهنا ولما كان في أثناء الطريق قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين محمد يطيع صغار السن ويعصينا لا يمكن أن نقاتل فرجع بثلث الجيش ، ثلث الجيش ليس بالأمر الهين في كسر قلوب الجيش لولا أن الله تعالى أعان المسلمين بالإيمان لانخذلوا إذا رجع من الجيش ثلثه هل يبقى على عزيمته الأولى ؟
أبداً ولهذا حرم الفرار من الزحف ولو واحداً من الناس يفر لأنه يكون سبباً لضعف النفوس ووهن القلوب والهزيمة ،
لكن هؤلاء صمموا حتى كانت الغزوة في أحد تفيد وكان في أول النهار النصر للمؤمنين إلا أن الله أراد بحكمته خلاف ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خمسين رامياً وأمَّر عليهم عبدالله بن جبير جعلهم على ثغرٍ في الجبل وقال لا تبرحوا مكانكم أبداً سواءٌ لنا أو علينا فلما انكشف المشركون وانهزموا صار المسلمون يجمعون الغنائم قال الرماة بعضهم لبعض انكشف المشركون وولوا الأدبار فانزلوا أنزلوا خذوا من الغنائم اجمعوهاكما يجمعها الناس فذكَّرهم أميرهم عبدالله بن جبير بقول النبي عليه الصلاة والسلام ولكن { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } ( آل عمران 152 ) ، نزلوا إلا نفراً قليلاً لا يغنون شيئاً وإذا فرسان قريش النبيهين الشجعان رأوا المكان خالياً فكرُّوا على المسلمين من خلف الجبل ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وهما فارسان من فرسان المسلمين والحمد لله فاختلط المشركون بالمسلمين من وراءهم وحصل ما حصل من الأذى والضرر والقتل وأصاب المسلمين محنٌ عظيمة لا على الرسول عليه الصلاة والسلام ولا على أبي بكر ولا عمر ولا غيرها ،(2/111)
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله يُمَثَّلُ بعد أن قتل حتى قيل إن هند بنت عتبة أخذت من كبده فرت بطنه وأخذت كبده جعلت تأكله لكن عجزت أن تبلعه بإذن الله عز وجل والرسول عليه الصلاة والسلام شُجَّ وجهه وجعل الدم يسيل على وجهه وكسرت رباعيته وحصل له من التعب والمشقة ما لا يصبر عليه إلا أمثاله عليه الصلاة والسلام وقتل منهم سبعون نفراً وأصابهم غمٌّ بغم ولكن الله عز وجل سلاّهم بآيات كثيرة في سورة آل عمران نصفها أو أكثر كلها عن هذا الغزوة ،
وكانت النتيجة أن قتل منهم سبعون نفراً وقال الله تبارك وتعالى : { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا } ( آل عمران 165 ) ، كيف هذه المصيبة ؟ قال تعالى : { قل هو من عند أنفسكم } ، أنتم السبب ، { إن الله على كل شيء قدير } ، هو قادر عز وجل على أن يكشف المشركين ولا ينالكم سوء لكن أنتم البلاء ، { قل هو من عند أنفسكم } ، يقول هذا : لمن ؟ لجندٍ معهم رسول الله عليه الصلاة والسلام { قل هو من عند أنفسكم } .
وما هي المعصية التي فعلوا ؟ معصية يسيرة ، فما ظنكم بنا الآن ؟
نعم هل عندنا شئٌ يمنعنا من النصر ؟
أقول : ليس عندنا شيء يوجب لنا النصر ، كثيرٌ من حكام المسلمين لا يرضون أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله وكثيرٌ من حكام المسلمين يلاحقون المؤمنين بالله ورسوله ، { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } ( البروج 8 ) .
وكثيرٌ من أسواق المؤمنين تُشرب فيها الخمور وتُعاقر فيها النساء وكثيرٌ من حكام المسلمين لهم موالاةٌ ظاهرة مع أعداء الله فهل يمكن أن يكون النصر لهؤلاء ؟
أبداٌ قد يكون هؤلاء أحق بالخذلان من الكفار الخُلَّص لأن الكفار كفار لكن هؤلاء ينتمون إلى الإسلام وهم لا يؤمنون بالإسلام حقيقة ولذلك نبذوا الكتاب وراء ظهورهم إلا من شاء الله ،(2/112)
فأقول : إننا ما أصبنا بهذه المصائب التي نحن عليها اليوم إلا بسبب ذنوبنا وذكرت لكم سابقاً أن لذلك سببين :
الأول : الذنوب ،
الثاني : الامتحان لنصبر أو لا نصبر ،
لأنني قلت لكم الآن : إنه ولله الحمد فيه نهضة ،
لأنني قلت لكم : أنه الآن ولله الحمد فيه نهضة شبابية إسلامية فيمتحن هؤلاء هل يصبرون أو لا يصبرون ،
قال الله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول } ( البقرة 214 ) : يعني معهم رسولهم ، { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } ، قال الله تعالى : { ألا إن نصر الله قريب } .
فالحاصل : هذه أحد غزوة أحد حصل فيها من البلاء والتمحيص ما لم يحصل في غيرها ،
ولهذا قال بعض العلماء : إنها أفضل من غزوة الحديبية ،
ولكن الصحيح : أن أهل الحديبية أفضل من أهل بدر ،
وذلك لأنه الله تعالى أحل عليهم رضوانه وأما هؤلاء فقال الله تعالى : { ولقد عفا عنكم } ( آل عمران 152 ) .
قوله : ( والأول أوْلى ) : هنا تسقط الهمزة همزة القطع مراعاة للوزن ،
قوله : ( للنصوص المحكمة ) : يعني للأدلة أدلة النصوص المحكمة يعني الواضحة البينة ،
لأن المحكم يقال بازاء المتشابه ،
قوله تعالى : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ( آل عمران 7 ) .
ويقال بإزاء المنسوخ فيقال هذا محكم وهذا منسوخ وأصل الإحكام هو الإتقان ،
******************
155 – وعائِشُ في العلم مع خديجة ،
في السَّبْقِ فافهم نُكْتَةَ النتيجة ،
156 – وليس في الأمة كالصحابة ،
في الفضل والمعروف والإصابة ،(2/113)
157 – فإنهم قد شاهدوا المختارا ،
وعاينوا الأسرار والأنوارا ،
158 – وجاهدوا في الله حتى بانا ،
دين الهدى وقد سَمَى الأديانا ،
159 – وقد أتى في محكم التنزيل ،
من فضلهم ما يشفي الغليل ،
عائشة وخديجة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ،
وقد اختلف العلماء أيهما أفضل [30] :
1 - فقيل : إن عائشة أفضل ،
2 - وقيل : إن خديجة أفضل ،
والصواب : أن يقال :
أما مرتبتهما عند الله فهذا ليس إلينا ، إلى من ؟ إلى الله عز وجل لا نتكلم في هذا ،
وأما المفاضلة بينهما بحسب ما ظهر لنا من أفعالهما وأحوالهما فهذا إلينا ،
لأنه أمرٌ ظاهر معروف ،
وأما باعتبار كونهما زوجين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مفاضلة ،
كل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في هذه الفضيلة ،
في أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ،
وأنهن أمهات المؤمنين ،
وأنه يجب علينا من احترامهن وتعظيمهن ما يليق بهن وبحالهن ،
فالجهات الآن ثلاث :
أولاً : من حيث كونهما زوجين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،
ففي هذه الحال لا مفاضلة ،
لأن جميع أزواج الرسول يشتركن في هذا الفضل ،
ثانياً : من حيث المرتبة عند الله ،
فهذا لا مفاضلة أيضاً ،
لأن هذا مجهول لنا وكم من شخصين علمهما واحد لكن مرتبتهما عند الله بينهما كما بين السماء والأرض لأن الله لا ينظر إلى صورنا وأعمالنا وإنما ينظر إلى قلوبنا ،
بقي علينا الأعمال الظاهرة أيهما أفضل عائشة أم خديجة ؟
أصح ما قيل في ذلك : ما أشار إليه المؤلف رحمه الله :(2/114)
أن خديجة لها فضل السبق إلى الإسلام ولها فضل مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره وأن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً وأنه لم يتزوج عليها وأنها أم أكثر أولاده ولها مزايا ،
عائشة رضي الله عنها في كونها أحب النساء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعنايتها بالرسول صلى الله عليه وسلم وشدة محبتها له وما نشرت من العلم الكثير في الأمة تكون بذلك أميز من خديجة ،
فصارت هذه أفضل من وجه وهذه أفضل من وجه ،
وعلى هذا أشار بقوله : ( وعائشة في العلم مع خديجة في السبق ) ، هذه علم نشرته كثيراً في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وتلك خديجة سبقت وناصرت الرسول وعاضدته رضي الله عنه وجزاها الله عنا خيراً ،
وعائشة في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك في درجتها عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته لها بل وكونه صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي حَجْرِِها وفي يومها وآخر ما طَعِمَ من الدنيا ريقها رضي الله عنها .
كل هذه فضائل وميزات لم تحصل لخديجة ولا لغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولهذا قال : ( فافهم ) : بالنسبة للمحبة محبتنا لهن نحبهن كلهن على حدٍّ سواء من حيث كونهن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ولهن عندنا من الاحترام والتعظيم ما يليق بحالهن ويزداد حبنا للواحدة منهن بحسب ما أسدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وإلى الأمة ،
وهذا هو العدل والميزان الحق ،
وأما الميل مع العاطفة فهذا لا شك أنه خلاف الحق ، { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } ( النساء 135 ) ، يعني إن أردتم العدل لا تتبعوا الهوى اتبعوا ما يقتضيه العقل نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الحق والعدل إنه على كل شئٍ قدير ،(2/115)
والقرآن لا شك أنه محكم متقن في ألفاظه ومعانيه وفي جميع ما يتعلق به أخباره صدق وأحكامه عدل لا تجد فيه تناقضاً ، { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ( النساء 82 ) .
ولكن قد يشكل على أن الله تعالى سماه في موضعٍ متشابهاً فقال : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } ( الزمر 23 ) ، والتشابه ضد المحكم ، لأن المتشابه يوجب لمن نظر فيه الحيرة والتردد ، فلا يكون محكماً ؟
والجواب عن ذلك أن يقال :
التشابه الذي وُصف به القرآن ، ليس هو التشابه الذي هو خفاء المعنى بل التماثل والتساوي يعني أنه متماثِل يشبه بعضه بعضاً في كماله وجودته وإصلاحه للقلوب والأعمال ،
ولهذا لما أُريد بالمتشابه ( المشتبه فيه معناه ) قسَّم الله تعالى المتشابه إلى قسمين :
1 - محكم ،
2 - ومتشابه ،
فقال جل وعلا : { هو الذي أنزل عليك الكتاب هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ( آل عمران 7 ) .
فحينئذٍ نقول : القرآن محكم بمعنى واضح بيِّن لا يشتبه على أحد ،
ومتشابه خفيُّ المعنى لا يعلمه إلا أولوا العلم الراسخون فيه ،
ولهذا قال : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } ، على قراءة الوصل ،
فصار القرآن نَصِفُهُ بأنه كله محكم وبأنه كله متشابه وبأن بعضه محكم وبعضه متشابه ،
ولكن المعنى يختلف في هذا التفسير ،
هل يمكن في القرآن آياتٌ متشابهة على جميع الناس لا يُعرفون معناها ؟
لا ، لا يوجد مثل هذا في القرآن ،
والدليل : قوله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ( النحل 89 ) ، { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } ( النساء 174 ) .
لا يمكن إطلاقاً أن يوجد فيه آية أو كلمة لا يُفهم معناها لكن حقيقة الذي يخفى هو حقيقة مدلولات الآيات مثل ما اخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر ، لا نعرف حقيقته ،(2/116)
إذا قال قائل : هذا القول الذي قلتم أنه لا يوجد شئٌ يخفى معناه على جميع الناس منقوضٌ بالحروف الهجائية التي ابتدئت بها السور فإن أحداً لا يعرف معناها ، إذا قال لك قائل : ما معنى { نون والقلم ما يسطرون } ( القلم 1 ) ، ما معنى : { نون } [31] ؟
نقول : ليس لها معنى أصلاً لأنها حروف هجائية غير مركبة والقرآن نزل بلسانٍ عربي واللسان العربي يقتضي أن هذه الحروف ليس لها معنى ولكن لها مغزى وهي ظهور إعجاز القرآن لهؤلاء القوم الذين ادعوا أنه مُفترىً على الله عز وجل وأنه قول البشر .
ويدل لهذا : أنه ما من سورة ابتدئت بهذه الحروف إلا وبعدها ذكر القرآن ،
******************
160 – وفي الأحاديث وفي الآثار ،
وفي كلام القوم والأشعار ،
قوله : ( وفي الأحاديث وفي الآثار ) : يعني ورد أيضاً في الأحاديث والآثار ، الأحاديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والآثار ما أضيف لغيره ،
هذا عند الإطلاق .
وإلا فقد يراد بالأثر : ( ما أضيف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
لكن الغالب أنه يُقيد يقال : في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( وفي كلام القوم والأشعار ) : الظاهر أنه يريد بالقوم الصحابة وكذلك من بعدهم فإن في أشعارهم من الثناء على الصحابة وبيان فضلهم ومواقفهم ،
******************
161 – ما قد ربا من أن يحيط نظمي ،
عن بعضه فاقنع وخذ من علم ،
قوله : ( ما قد ربا من أن يحيط نظمي عن بعضه ) : ( ربا ) مكتوبة عندي بالياء ،
والصواب : أن تُكتب بالألف ،
لأن الألف المتطرفة في الثلاثي يُنظر إلى أصلها ،
إن كان أصلها الواو فإنها تُكتب بالألف وإن كان أصلها الياء فإنها تُكتب بالياء ،(2/117)
فمثلاًَ : ( دعا ) تُكتب بالألف لأنها أصلها الواو دعا يدعو ،
( ربا ) مكتوبة بالألف لأنها من ربا يربو ،
( رمى ) لأنها من رمى يرمي ،
( قضى ) بالياء لأنها من قضى يقضي ،
أما ما زاد على الأربعة الألف التي تكون رابعةً فأكثر يعني ما زاد على الثلاثة فتُكتب بالياء إلا ما استثني ،
قلنا مثلاً : ( ربا ) تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : ( يستربي ) ، فإنها تًُكتب بالياء .
لأنها زائدة على الثلاثة دعا تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : يُستدعى كتبتها بالياء .
فهذه هي القاعدة ،
قوله : ( عن بعضه ) : يعني معناها أن نظمه ربا من أن يحيط عن بعض ما قيل فيهم ،
فكيف بالكل ؟
يكون من باب أولى أن يعجز عنه ،
قوله : ( فاقنع وخذ من علمِ ) : رحمه الله وجزاه الله خيراً ،
ولْيُعْلَم أن المطالعة في سيرة الصحابة رضي الله عنهم تحتاج إلى حذر ،
وذلك لأنه ظهر أعداءٌ للصحابة من بعدهم من الخوارج والروافض ،
فيحتاج الإنسان إلى حذرٍ فيما يُنقل عن الصحابة رضي الله عنهم وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية [32] تلك العقيدة المباركة أشار إلى ما ورد عن الصحابة مما حصل من الفتن وأن ما وقع منهم يكون مغفوراًَ ومغموراً بجانب الفضائل ،
******************
162 – واحذر من الخوض الذي قد يُزري ،
بفضلهم مما جرى لو تدري ،
قوله : ( احذر ) : فعل أمر من الحذر وهو التخوف وعدم الإقدام والوقوف أمام الشر والفتنة بحيث لا يتجاوزها المرء ،
قوله : ( من الخوض ) : ( الخوض ) الكلام اللغو الذي لا فائدة منه ،(2/118)
ويُطلق على الكلام الذي يتأثم فيه الإنسان كما قال تعالى : { الذين هم في خوض يلعبون } ( الطور 12 ) ، فالكلام الذي لا فائدة منه في الصحابة أو الكلام الذي قد يتأثم فيه العبد يجب أن نحذره وألا نتكلم فيه ،
قوله : ( قد يزري بفضلهم ) : أي يحط من قدرهم ،
قوله : ( مما جرى ) : بينهم أي مما وقع بينهم
قوله : ( لو تدري ) : ( لو ) هذه للتمني يعني ليتك تدري ،
وذلك أنه جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الأمور التي هي في الواقع من المتشابه لكن من المتشابه الواقع لا من المتشابه المُنزَّل ،
وجه كونها من المتشابه أنه قد يكون فيها مدخلٌ لكل ذي غرضٍ سيئ وأن الصحابة رضي الله عنهم تقاتلوا فيما بينهم وأراقوا الدماء من أجل الوصول إلى السلطة لا من أجل الوصول إلى الحق فهو من المتشابه الواقع ،
وطريقة أهل العلم والإيمان في المتشابه من المنزل أو من الواقع أن يرجعوا إلى المحكم الذي لا تشابه فيه ،
فما جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الفتن كالذي بين علي وعائشة رضي الله عنهما والزبير [33]وبين علي ومعاوية [34] وأحداث كثيرة تُعلم من التاريخ استغلها المغرضون الحاقدون على الإسلام من أجل الطعن في الصحابة ، وحملوها على أنها صدرت عن نيةٍ سيئة كالرافضة الذين في قلوب كثيرٍ منهم غِلْ وحقد على الإسلام ولا سيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أطاح بعروشهم وفلَّ جموعهم فكانوا يتخذون من هذه الوقائع سُلَّماً للقدح في الصحابة رضي الله عنهم حتى أنهم كانوا يلعنون من قام ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتقربون إلى الله تعالى بلعنه والعياذ بالله مع ما له من الفضيلة ،
لكن الراسخين في العلم وأهل الإيمان يقولون : إن هذا الأمر الذي وقع بينهم يجب أن يُحمل على نيةٍ حسنة ، لماذا ؟(2/119)
لما للصحابة من الفضل والمعروف والإحسان والجهاد في سبيل الله فما يقع منهم من المعاصي فهو مغمورٌ في جانب الحسنات والحَكَمُ العَدْلُ هو الذي يقارن بين الحسن والسيء ويجعل الحكم للأكثر ونحن إذا قارناَّ لما حصل بين الصحابة مما يُظنُّ إثماً وبين ما حصل منهم من الفضائل والكمالات وجدنا أن الثاني أكثر بكثير والواجب أن تنغمر السيئات في جانب الحسنات هذا هو العدل ،
وما أحسن كلمة قالها ابن رجب رحمه الله في مقدمة كتاب القواعد : ( المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [35] ،
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله : ( فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ) ،
******************
163 – فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ،
فاسلم أذل الله من لهم هجر ،
قوله : ( فإنه ) : أي ما جرى بين الصحابة من الفتن والقتال ،
قوله : ( عن اجتهادٍِ قد صدر ) : والاجتهاد افتعال من جَهَدَ أي بذل الجهد وهو الطاقة في الحصول على المقصود ،
ولهذا يُسمى العالم الذي يتطلب الأحكام من أدلتها الشرعية يُسمى مجتهداً لأنه يبذل جهده وطاقته ووُسْعَه للوصول إلى الحق عن طريق الدليل ،
فالصحابة رضي الله عنهم حصل ما حصل بينهم عن اجتهاد ،
فمثلاً : معاوية وعائشة رضي الله عنها والزبير قاتلوا يظنون أن هذا هو الذي سبباً للعثور على قتلة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ليُقتص منه ، وعلي بن أبي طالب أخَّر البحث عن القاتل أو عن المتآمرين لأن الحال تقتضي ذلك الناس في فتنة ويصعب جداً أن نعثر على هؤلاء المدبرين ثم إذا عثرنا فإن قتلهم قد يؤدي إلى فتنةٍ أكبر لأن منهم رؤوس قبائل ،
فعليٌّ له رأي ،
ومعاوية وعائشة والزبير لهم رأيٌ آخر ،
كلها عن اجتهاد ،(2/120)
ثم إنه قد قيل : إن الفتنة كادت أن تنطفئ لولا رجالٌ من رجال معاوية صار في نفوسهم بعض الشيء وبادروا بالقتال فحصل الشر ،
وأياًّ كان التقدير فإنه يجب أن نحمل الإساءة على الإحسان وننظر بينهما ونقول : إذا قدَّرنا أن هؤلاء أخطئوا في هذه الفتنة الكبيرة فإن لهم من الحسنات ما يوجب محو هذا ،
والإنسان المجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر والخطأ مغفور ،
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجرٌ ) [36] ،
وهؤلاء بين مجتهدٍ مصيب ومجتهد مخطئ فالمصيب له أجران والمخطئ له أجرٌ واحد ،
فإن قال قائل : أيهم أقرب إلى الصواب وأيهم أحق بالخلافة ؟
فالجواب : أن الأقرب للصواب والأحق للخلافة علي بن أبي طالب لا شك في هذا ،
ودليل ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمار بن ياسر : ( إنه تقتله الفئة الباغية ) [37] ، ( الباغية ) يعني الخارجة على الإمام والذي قتل عمَّاراً هم أصحاب معاوية ،
وعلى هذا يكون علي بن أبي طالب أقرب إلى الصواب ويكون جيش معاوية هو الفئة الباغية ،
لكن مع هذا يجب علينا ألا نضمر حقداً ولا بغضاء لواحد من الصحابة وأن نحمل ما جرى منهم من الخطأ على أنه اجتهاد والله يغفر له ،
ثم إنه من العقل والإيمان ألا نجعل ما جرى بين الصحابة من هذه المسائل سبباً للأخذ والرد والخلاف لأن هذه أمةٌ قد خلت { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ( البقرة 286 ) .
علينا أن نجتمع من الآن على طريق الحق الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وألا نداهن كما يدعو إليه بعض الناس اليوم من محاولة التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة
لأن محاولة التقريب بين المذهب الحق والمذهب الباطل ليس إلا مداهنة ، مداهنة في دين الله ،
وإن من الواجب على الجميع الرجوع إلى الكتاب والسنة وهَدْي السلف الصالح ،(2/121)
وأول ما يجب الكف عن مساوئ الصحابة رضي الله عنهم [38] واعتقاد أن من أخطأ منهم فإن خطأه منغمر في جانب صوابه وما حصل من فساد فإنه منغمر في جانب الإصلاح هذا الواجب علينا فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ،
قوله : ( فاسلم ) : من أي شيء ؟ اسلم من الخوض والوقوع فيهم والعداوة والبغضاء لهم ،
قوله : ( أذل الله من لهم هجر ) : أي أوقعه الله في الذل والهوان وهذه الجملة الخبرية جملةٌ دعائية ، ويشير رحمه الله إلى الرافضة الذين هجروه ،
لا نقول : هجروهم لا يكلمونهم لأنهم أموات ،
لكن هجروا فضلهم ونشر فضلهم بل اعتدوا عليهم يعني ليت الصحابة سلموا منهم ليتهم سكتوا عن نشر فضائلهم ولكن لم يتهموهم ويرموهم بالباطل والكذب ويلعنونهم على رؤوس المنابر والعياذ بالله ويلعنوهم في كتبهم الصباحية في أذكار الصباح والمساء يكتبون ( اللهم ألعن صنمي قريش وجتبيهما وطاغوتيهما ) يعنون بذلك أبا بكر وعمر والعياذ بالله نسأل الله العافية نحن رأينا كتبهم هكذا في أذكار الصباح والمساء يعني يتقربون إلى الله بلعن أبي بكر وعمر نسأل الله العافية ،
ولكن أبعدهم الله لا يزدادون بذلك إلا بعداً من الله عز وجل ،
فنشكر المؤلف ونسأل الله أن يعفو عنه حيث دعا بالذل على من هجر الصحابة بعدم نشر فضائلهم بل زاد على ذلك أنه نشر ما اتهمهم به بل وكذب عليهم به من المساوئ ،
******************
164 – وبعدهم فالتابعون أحرى ،
بالفضل ثم تابِعوهُم طراّ ،
قوله : ( أحرى ) : أجدر بعد الصحابة التابعون ، التابعون لهم بإحسان وهم القرن الثاني من هذه الأمة ،
واعلم أن القرن يُعتبر بأكثره كما قال شيخ الإسلام رحمه الله [39] ،(2/122)
وليس معنى التابعين أنه لا يوجد أحدٌ من الصحابة لا ، فإذا كان القرن أكثره من التابعين أي ممن لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُسمى قرن التابعين وإن كان يوجد العشرة والمائة وما أشبه ذلك من الصحابة وكذلك يقال في تابع التابعين فالقرن يُعتبر بأكثر أهله ،
التابعون هم أحرى الناس بالفضل بعد الصحابة رضي الله عنهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [40] ،
والتفضيل هنا تفضيلٌ للجملة على الجملة وليس لكل فردٍ على كل فرد ،
بمعنى أنه قد يوجد في تابع التابعين من هو أفضل من التابعين في العلم والعبادة والجهاد ،
كذلك أيضاً يوجد في التابعين من هو أفضل من الصحابة في العلم والجهاد ليس الصحابة عموماً ،
بل من بعض الصحابة الواحد من هؤلاء قد يفضل الواحد من هؤلاء ، إلا أن الصحابة يتميزون بخصيصةٍ ليست لغيرهم وهي الصحبة هذه لا يمكن أن ينالها أحد من التابعين لكن الفضل والعلم والجهاد ربما يوجد في التابعين من خيرٌ من بعض الصحابة كما يوجد في تابع التابعين من هو خيرٌ من التابعين ،
فالتفضيل إذن للجملة لا لكل فرد إلا ما ذكرت لكم من تميز الصحابة رضي الله عنهم بهذه الخصيصة وهي الصحبة ،
قوله : ( ثم تابعوهم طُراّ ) : تابع من ؟ تابع التابعين ،
قوله : ( طُراًّ ) : يحتمل بمعنى قطعاً وأن تكون بمعنى جميعاً وهو كذلك نحن نقطع بأن تابع التابعين بعد التابعين وأن التابعين بعد الصحابة ، نقطع بذلك ،
وسكت المؤلف عن بقية الطبقات يعني لم يذكر إلا ثلاث طبقات الصحابة والتابعون لهم وتابع التابعين وإنما اقتصر على ذلك بناءاً على ما في حديث عمران بن حصين وغيره من أن خير الناس الصحابة ثم التابعين ثم تابعوا التابعين ،
وعلى هذا فنقول : ما بعد هذه القرون الثلاثة حصلت الفتن وانتشرت البدع وتفرقت الأهواء وحصل الشر الكثير ورفعت المبتدعة رؤوسها ،(2/123)
واضطرب الناس أمناً وإيماناً وتكلم الناس في كل شيء حتى تكلموا في الله عز وجل ،
وصاروا في الله ما بين معطّلٍ لصفاته ومثبتٍ ممثل وقائمٍ بالقسط معتدل ،
واختلاف الناس في الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته كان بعد الاختلاف في مسألة القدر ومسألة الإيمان والكفر ،
لأن مسألة القدر أدركت أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم ،
ومسألة الأسماء والإيمان والكفر بعدها وكذلك الإرجاء وما يتعلق به ،
ثم جاءت بدع الأسماء والصفات وانتشرت هذه انتشاراً عظيماً وصار الناس يتكلمون عليها أكثر من غيرها لأنها أشد خطراً من غيرها ،
وإلى هنا انتهى كلام المؤلف على الصحابة على ما يتعلق بفضلهم وبعدُ فإني أدعوكم إلى قراءة أخبار الصحابة رضي الله عنهم بعد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشد الإنسان نفسه مع السابقين السالفين ليزداد بذلك إيماناً ومحبةً لهم ومنهجاً طيباً ،
الأسئلة
السؤال : صغار الصحابة الذين كانوا في المدينة ولكن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا داخل البيوت ، هل تعتبر لهم صُحبة أم لا ؟
الجواب : لا ، الذين لم يجتمعوا به لا تعتبر لهم صُحبة ،
السؤال : يعتبرون متبعين حكماً لأن آباؤهم متبعين لفعله ؟
الجواب : لا ، لا تعتبر ، لا بد أن يجتمعوا به ،
السؤال : صغار الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكونوا متحملين ؟
الجواب : تكون روايتهم مرسلة ،
السؤال : هل تُقبل ؟
الجواب : ومرسل الصحابي له حكم الاتصال ، هذا يُعلم من مصطلح الحديث ،
السؤال : من أعلى مرتبة الأخوة أو الصحبة يعني إذا قلت هذا صاحبي أو أخي ليست بأخوة نسب ؟
الجواب : المصاحب لك مؤمن ، إذن اجتمعت في حقه أخوة وصُحبة ،(2/124)
ومن لم يكن صاحباً فليس في حقه إلا الأخوة ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ليت أناَّ نرى إخواننا ) قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( أنتم أصحابي ، إخواني قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ) فقوله : ( أنتم أصحابي ) [41] : يعني أعلى من الأخوة ، وإذا كان أخوك فهو من الإيمان فإن صاحَبَك فهو أخوك وصاحبك ،
السؤال : بالنسبة لمصطلح الحديث : الذين قالوا أن مرسل التابعي الأصل فيه الضعف فمرسل الصحابي لا يقبل لأن الأصل فيه الضعف ؟
الجواب : ليس بصحيح ،
الصحيح : أن مرسل الصحابي مقبول وأن له حكم الاتصال ،
أما مرسل من بعد الصحابة فهو منقطع ،
إلا إذا عُلم أن هذا التابعي لا يروي إلا عن صحابي كسعيد بن المسيب فإنهم قالوا : إنه لا يروي إلا عن أبي هريرة وعلى هذا فيكون مرسله متصلاً ،
السؤال : المخضرم حديثه منقطع أو مرسل ؟
الجواب : منقطع ، المرسل منقطع ،
لأن كل مرسل أو معلق أو معضل أو منقطع بالمعنى الخاص فهو منقطع ما لم يتصل سنده ،
فيشمل الأربعة يشمل المنقطع والمعضل والمرسل والمعلق ،
السؤال : الصديق والزميل هل هما بمعنى الصاحب ؟
الجواب : لا الصديق غير الزميل قد يكون صديقك وليس زميلك وقد يكون زميلك وليس صديقك ، الزميل المشارك لك في مهنة من المهن ،
فمثلاً : قد تكون أنت وهو في فصلٍ واحد فيكون زميلك ، لكن هل هو صاحبك ؟
قد وقد ، الصديق صديق سواءً زميل أو غير زميل حتى لو مثلاً عمله يباين عملك فهو صديقك ،
لا يشترط في التحمل الإسلام ، الإسلام يشترط في الأداء ،
أما التحمل فلا يُشترط لأنه إذا أسلم لا يمكن أن يقول كذباً ,
السؤال : كيف نوفِّق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) [42] ، وقول أبي هريرة : أوصاني خليلي …… ، [43] ؟
الجواب : الخلة من جانبين ، الخلة تكون من جانبين زيد خليلٌ لعمرو وعمرو خليلٌ لزيد ،(2/125)
الممنوع هو أن الرسول يتخذ خليلاً ،
أما أن يُتخذ هو خليلاً فلا بأس ،
بل هو الواجب علينا ، الواجب علينا أن نجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هو خليلنا وأحب الناس إلينا ،
السؤال : أخذنا أحسن الله إليك أنه إذا كان الإنسان مسلماً ثم ارتد ثم أسلم ، فإن أعماله السابقة تُقبل ، والله سبحانه وتعالى يقول : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ( الزمر 65 ) ، فيشمل جميع الأعمال ؟
الجواب : هذا عام ظاهره سواءً رجعت أو لم ترجع ولكن الذي قال : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، والذي قال : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } ( الأنعام 88 ) .
فالأول في حق الرسول وهذا في حق الناس هو الذي قال : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } ( البقرة 217 ) .
وعلى هذا فيكون المطلق مقيداً بما إذا مات عليه ، وربما يكون عوده إلى الإسلام بعد الردة خيراً كثير من الناس السفهاء عندنا الآن مسلمون هم مسلمون حقيقةً وحكماً ثم يرتدون بترك الصلاة والفجور وكل الأعمال السيئة ثم يهديهم الله فيكونون أحسن حالاً من قبل بكثير ،
السؤال : هل من مذهب أهل السنة الترضي عن الصحابة ؟
الجواب : نعم ، هذا من حقهم علينا ، وإلا فإن الله عز وجل وصف الذين من بعدهم بأنهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ( الحشر 10 ) ، ولم يذكر الترضي لكن من حقوقهم علينا ومن الأدب ، ومن الاعتراف بالفضل أن نترضى عليهم وإلا فهو ليس بواجب ،
السؤال : قولهم علي كرم الله وجهه وقولهم الإمام علي هل هذه …… ؟
الجواب : هذه من شعار الرافضة ، نحن نقول عليٌ إمام لا شك وقوله متبوعٌ بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) [44] ، وعليٌ منهم ،
ونقول : أبو بكر إمام وعمر إمام وعثمان إمام بل نقول : من دون هؤلاء إمام ،
الإمام أحمد بن حنبل الإمام الشافعي الإمام أبو حنيفة ،(2/126)
ليست الإمامة خاصة بعلي بن أبي طالب إلا إذا كانوا يريدون بها إمامةً هم يدَّعونها وهي إمامة العصمة ،
فنحن لا نقرهم على ذلك لا في علي بن أبي طالب ولا غيره إلا الرسول صلى الله عليه وسلم [45] ،
أما قولهم : ( كرم الله وجهه ) فالتكريم أيها أبلغ التكريم أو الرضا ؟
الرضا ،
الدليل على هذا : ( أهل الجنة يقول الله لهم تمنوا علي فيقولون ألم تعطنا ألم تفعل ألم تفعل ويذكرون ما هو عليهم ثم يقول إنكم عليَّ أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) [46] ،
فصار الرضوان أعظم من التكريم هؤلاء الذين أرادوا أن يكرموا علي بن أبي طالب عدلوا عن الأفضل إلى المفضول ،
نقول : إذا قلتم علي ( رضي الله عنه ) أفضل من إذا قلت ( كرم الله وجهه ) ،
لأن التكريم دون الرضا ،
والدليل : حديث أهل الجنة مع الله عز وجل أنهم يذكرون نعمه عليهم وإعطاءه ثم يقول : ( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) ،
لكن الإنسان الذي يريد الباطل بإذن الله يُحرم الحق لما أرادوا الباطل بهذا ،
وتخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك حُرموا الحق و عدلوا إلى المفضول مع وجود أفضل ،
فنحن نقول : إن أكرم شيء يناله العبد رضا الله ، { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان } ( التوبة 100 ) ، كرَّم الله وجوههم ، هذه الآية ؟ أم { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( البينة 8 ) ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } ( البينة 7 – 8 ) ، ماذا بعدها ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، ختمها بهذا { ذلك لمن خشي ربه } .
يقولون : إنهم يصفونه بـ ( كرَّم الله وجهه ) لأنه لم يسجد لصنم ،(2/127)
فنقول : إذا كان الأمر كذلك فما أكثر الصحابة الذين لم يسجدوا لصنم ، كل الذين وُلدوا في الإسلام لم يسجدوا لصنم والذين في الجاهلية لا نعلم عنهم سجدوا للأصنام أم لم يسجدوا ،
السؤال : قوله ( مفرج الأوجال ) و ( مُجْلي الصدا ) أليس في هذا العموم غلو ؟
الجواب : الحقيقة أن فيه شيئاً من الغلو خصوصاً ( مفرج الأوجال ) ،
لكنه يقال في الاعتذار عن المؤلف رحمه الله : أن هذا وصفٌ إضافي بمعنى أنه عندما يخاف الناس يكون هو الذي يزيل الخوف عنهم لكن بأمر الله عز وجل ،
وإلا فإن التفريج المطلق لا يكون إلا لله عز وجل ،
أما ( مجلي الصدا ) فكذلك أيضاً يمكن أن نقول فيه شيء من المبالغة ،
لكنه رحمه الله كما قلت لكم إنما أطنب في وصفه بالمدح للسببين اللذين ذكرناهما أولاً الرد على الرافضة والثاني الرد على الناصبة ،
السؤال : هل صحيح أن شيخ الإسلام قال : ( أن علماء الرافضة كفار وعامتهم فساق ) ، هل ثبت عنه هذا القول ؟
الجواب : لا أدري ، لم أرَ هذا لكن القاعدة عن شيخ الإسلام كما عرفتموها أن الإنسان الذي لا يعلم الحق ولم يُبين له لا يكون كافراً ،
السؤال : سمعنا ورأينا من عوام الرافضة سبهم للصحابة على المنابر والطرقات وأنهم إذا أرادوا أن يسبوا امرأة قالوا : ( أنتِ عائشة ) سباًّ لها ؟
الجواب : إذا كان هؤلاء يسبون الصحابة على المنابر فالواجب منعهم وإذا لم نستطع يجب أن نبين الحق وألا نّسُبَّ من يغلون فيهم ،
لأن هؤلاء النواصب لما صار هؤلاء يسبون الصحابة قالوا : إذن نسب جماعتكم الذين تغلون فيهم ،
فنحن نتبع الحق نقول : أهل البيت لا شك أن المؤمنين منهم الذين يساويهم غيرهم في الإيمان هم أعني آل البيت هم أحق بالمحبة لقرابتهم بالنبي عليه الصلاة والسلام ونكتفي بالتبيين لأن العوام مشكل العامي الآن يرى أن عالمهم هو العالم وأن من سواه جاهل ،(2/128)
ولهذا تجد مثلا الرجل يثق بفتوى عالم من علماء المملكة إذا كان هو من أهل المملكة لكن لا يثق من نفس الفتوى إذا كانت من عالمٍ آخر ،
فهذه مشكلة في الحقيقة مسألة العوام من أشكل ما يكون عندي ،
لأن بعضهم قد يكون بلغه الحق ولو لم يكن من بيان الحق ،
إلا أنهم يقولون هؤلاء هم أهل سنة وهؤلاء شيعة أيهم أقرب للصواب الذين على سنة أو الذي يتشيع لآل البيت ؟
يعني حتى الفطرة تقتضي أنه لا يجوز اعتناق الشيعة مع وجود السنة لأن السنة هي الأصل ،
السؤال : المراد بعلي أبو ذو السبطين ؟
الجواب : السبطين الحسن والحسين فإن سبطا الرجل أولاد بناته أي يعني بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ذو النورين عثمان يقال أنه أخذ بنتي رسول صلى الله عليه وسلم ،
السؤال : قول الله تعالى لأهل بدر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) [47] ؟
الجواب : هذا مشكل لأن ظاهر العموم ( اعملوا ما شئتم ) يشمل الكفر ،
والجواب عن هذا بأحد وجهين :
الأول : أن يقال إنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر لما حل في قلوبهم من الإيمان الراسخ الذي لا يمكن أن يدخل من خلاله الكفر فيكون هذا بشارةٌ لهم أنهم لن يكفروا ويبقى ما دون الكفر مكفر بهذه الغزوة ،
إذن معناه أن قوله ( ما شئتم ) لا يدخل فيه الكفر لأنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر بسبب ما قدموه من هذه الحسنات العظيمة ويكون في هذا بشارةٌ لهم بأنهم لن يكفروا ،
ثانياً : أنه على فرض كفرهم سوف يُيسرون للتوبة حتى يُغفر لهم : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( الأنفال 38 ) .
فيكون في هذا بشارتين :
إما أنه لن يكفروا أو بأنه لو قُدر بأنه لو كفروا فإنه سوف يعودون للإسلام ويُغفر لهم ما قد سلف ومن تتبع أحوالهم لم يجد منهم ارتد كل الذي في غزوة بدر ما ارتد منهم أحد ،
فيكون المعنى الأول أقرب وأصح أنهم لن يشاءوا الكفر ، ولو قلت لك أثبت لي معصية واحدةً وقعت من أهل بدر فلن تستطيع ،(2/129)
والفرض الذهني لا يعني الأمر الواقع قد يفرض الذهن أن الرسول قد يرتد حاشاه من ذلك ، أنت الآن هل عندك أن واحداً من أهل بدر زنا أو سرق أو شرب الخمر ،
لذلك أنا استثنيت قلت : متأول لم يفعل أحدٌ منهم معصية جهاراً يعلم أنها معصية إلا بتأويل ،
المهم الآن هل تستطيع أن تقدح في أحد من أهل بدر تقول أنه زنا ؟
لا تستطيع وأنا قلت لكم : لو فرضنا أنهم زنوا وسرقوا وشربوا الخمر ،
فهذه معاصي دون الكفر فتكون مُكفَّرة بهذه الحسنة العظيمة هي ما أشكل عليهم بمسألة الكفر ومسألة الكفر أخبرتكم بأن هذه بشرى بأنهم لن يشاءوا الكفر ،
لأن الله قال : ( اعملوا ما شئتم ) وهم لن يعملوا الكفر ،
وكيف يتصور الإنسان أنهم غزوا هذه الغزوة العظيمة التي فتح الله بها على المسلمين ثم يكفر ؟
هذا بعيد ،
لكن نقول : هو دليل على أنهم لن يكفروا أي لن يشاءوا الكفر ثم لو فُرض أنهم كفروا فرضاً ذهنياً ليس واقعياً ،
يقول ابن حجر وغيره من العلماء : لو أننا نزَّلنا الفروض الذهنية منزلة الواقع لما استدللنا بأي حديث ،
وكذلك نقول في الآيات : يعني لو فرضنا أن كل فرض يفرضه الذهن يَرِدْ على مسألة من المسائل على نص من النصوص ما استطعنا ، كل نص يمكن أن يحتمل نحن ليس لنا إلا الظاهر ،
السؤال : لماذا فضلنا بقية العشرة على أهل بدر ، ما هو الشيء الذي فضلنا به البقية على أهل بدر مع أن دخول الجنة لا يستلزم مغفرة الذنوب وأهل بدر غُفرت ذنوبهم ؟
الجواب : أولاً نقول : أنا أوكلك الآن تتبع هؤلاء العشرة هل تخلف أحدٌ منهم عن بدر فإذا وجدت أحداً تخلف وهو حي باقي فحينئذٍ يَرِد هذا الإشكال ولكنه في الواقع يمكن الإجابة عنه ،
السؤال : أهل الحديبية هل يُشهد لهم بالجنة ؟
الجواب : أما على سبيل الفردية فكل واحد نقول : هذا في الجنة فهذا لا يكون يقال الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم رضي الله عنهم لا يُشهد للواحد منهم ،
السؤال : نقول للشهيد : اِستشهد أو قُتل ؟(2/130)
الجواب : نقول : استشهد أو قُتل شهيداً ،
السؤال : هل ورد أن النبي إذا هُزم كر على الكفار مرة أخرى ؟
الجواب : نعم بعد أن رجعوا قيل أنه نزلوا في مكانٍ واستشار أصحابه أن يعودوا إليهم فخرجوا ولم يجدوهم ،
ولهذا قال الله تعالى : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ( آل عمران 172 – 174 ) ، معناه أنهم خرجوا يريدون قريشاً ولكن لم يجدوا قريشاً صاروا معه شيعاً هذا ليس بصحيح ،
السؤال : القول بأن أهل بدر معصومون من الكفر وبعض الذنوب ويغفر لهم صغائر الذنوب ؟
الجواب : هذا قولٌ ليس بصحيح لأن حتى غير أهل بدر فالصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ، الصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ،
السؤال : لو استدل مستدل بكتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لأهل مكة على أن فعل أهل بدر لو فعلوا الكفر فإنه يقع مغفوراً لهم هل يصح ؟
الجواب : نعم يصح لو فعله من أهل أحد لكان غُفر له ،
لأن حاطب بن أبي بلتعة ما ارتد عن الإسلام ،
السؤال : ألم يقصد موالاتهم ؟
الجواب : أبداً لم يقصد موالاتهم وإنما يقصد الخوف على أهله منهم ، هو صرَّح بهذا ،
السؤال : نسمع كثيراً جملة : ( لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) ، فما معنى هذه الجملة ؟
الجواب : ( صرفاً ) يعني معناها أن يصرف عنه العذاب بدون مقابل ( ولا عدلاً ) بمقابل ،
السؤال : هل إذا اختلف الصحابة على قولين ، فهل نقول : ( إن القولين تعارضا فتساقطا ) أو هل لا بد أن نطلب ما يساعده الدليل ؟
الجواب : الغالب أن الحق لا يخرج عن أقوال الصحابة ،
وبناءاً على ذلك نقول : نبحث فيما يعضده الدليل لأنهم هم أقرب الناس إلى الصواب ،(2/131)
وصحيحٌ أنه إذا تعارض قولان للصحابة بدون مرجح صحيحٌ أنه يضعف القول لا شك لأنه عورض بمثله ،
وهذا قد يبدو للإنسان أن يقول : لا احتج به ما دام ضعيفاً عورض بمثله فلا احتج به ،
لكن الخير أن نقول : ما دام أنه عورض بمثله فإن الواجب أن نبحث لأنهما وإن تعارضا فإنهما أقرب إلى الصواب من غيرهما ،
ولكن نلاحظ أنه لا يمكن أن نعارض قول ابن عمر بقول رجلٍ من الصحابة بعيدٍ عن الفقه إلا إذا عضده الدليل ، إذا عضد المفضولَ الدليلُ فمعلومٌ أن الواجب اتباع الدليل ،
السؤال : ذكر الحافظ رحمة الله عليه في ( فتح الباري ) أن بعض أهل العلم قالوا : الذين ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة ، فما الدليل على ذلك ؟
الجواب : يعني على هذا القول : أن الذين لم يرتدوا ليسوا صحابة ؟
الظاهر أن الأمر بالعكس ،
لأن بعض العلماء يقول : إن الصحابي إذا ارتد بطلت صحبته .
وقد أشار إلى هذا في نخبة الفكر فقال : ( ولو تخللت ردة في الأصح ) .
يعني أن الصحابي : ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك ولو تخللت ردة بين إيمانه بالرسول صلى الله عليه وموته على الإسلام ) ،
السؤال : هل نقول أن هناك إجماعاً أن من ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فليس بصحابي ؟
الجواب : لا ، فيه خلاف ولهذا قال : ( ولو تخللت ردةٌ في الأصح ) ،
السؤال : هل يصح أن نقول إن القرآن متفاضل يفضل بعضه بعضاً ؟
الجواب : القرآن باعتبار المتكلم به لا يتفاضل ،
لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل ،
وأما باعتبار مدلوله فلا شك أنه يتفاضل فـ { تبت يدا أبي لهب } ( المسد 1 ) ، ليست مثل : { قل هو الله أحد } ( الإخلاص 1 ) ، وأعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي ،
إذن يتفاضل من حيث ما يدل عليه ،
فصلٌ
في ذكر كرامات الأولياء وإثباتها
165 – وكل خارقٍ أتى عن صالح ،(2/132)
من تابع لشرعنا وناصح ،
انتقل المؤلف بعد هذا إلى ذكر كرامات الأولياء وإثباتها ،
الكرامات : جمع كرامة وهو ( ما يُقدم للضيف تكريماً له ) هذا هو الأصل ،
هذا هو الأصل أن الكرامة ما يُقدم للضيف ونحوه تكريماً له ،
ثم صارت الكرامة اسماً لكل خارقٍ للعادة يظهره الله سبحانه وتعالى على يدي وليٍّ من أوليائه تكريماً له أو إحقاقاًَ لحقٍّ قام به [48] ،
فهي إذن ( أمرٌ خارقٌ للعادة ، يجريه الله تعالى على يد وليٍّ من أوليائه ، إما تكريماً له ، وإما إظهاراً للحقٍّ الذي قام به ) ،
فقولنا : ( كل أمرٍ خارقٍ للعادة ) : يخرج ما كان جارياً على العادة فما كان جارياً على العادة لا يُعدُّ كرامة ،
مثل : أن يأكل الوليُّ طعاماً فيشبع ، هل إذا شبع من الخبز يُقال هذه كرامة ؟ لا ، لأن هذا على العادة أو يقول الولي مثلاً : بعد عشر دقائق ستظهر الشمس وهو باقٍ على طلوعها عشر دقائق فخرجت فقال : ألا أيها الناس اشهدوا على كرامتي أني قلت الشمس تطلع بعد عشر دقائق فطلعت ، هل هذه كرامة ؟ لا ، لأن هذه جارية على العادة هذه جرت على العادة ،
ولهذا قال العلماء : إن الكرامة أمرٌ خارق للعادة ،
القيد الثاني : ( يظهره الله على يد وليٍّ من أوليائه ) : وحينئذٍ نسأل من هو الولي ؟
الولي بيَّنه الله عز وجل في قوله : { ألا إن أولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس 62 – 63 ) .
من تحقق فيه هذان الوصفان الإيمان والتقوى فهو الولي ،
قال شيخ الإسلام رحمه الله: من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً [49] ، من الآية الكريمة أخذ هذا { الذين آمنوا وكانوا يتقون } .
الشرط الثالث : ( تكريماً له أو إظهاراً للحق الذي قام به ) : يعني قد يكون تكريماً للشخص كما وقع كثيراً من بعض الأولياء يعطش في البر فيسأل الله تعالى الماء فينشأ الله السحاب ويمطر ويشرب ،(2/133)
وكذلك أيضاً صلة بن أشيم أظنه دعا مات فرسه في أثناء السفر فدعا الله أن يحييه إلى أن يصل إلى بلده فأحيا الله له الفرس فركبه فلما وصل إلى بيته قال : يا بني ألق السرج عن الفرس فإنه عارية ، فألقى السرج فمات الفرس في الحال [50] ، هذه كرامة ،
وما يُذكر عن العلاء الحضرمي أنه خاض البحر بجنوده ،
وكذلك سعد بن أبي وقاص وغير ذلك المهم الكرامات كثيرة ،
ومن أراد أن يطلع على شيء منها فعليه بكتاب ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
قال العلماء رحمهم الله : وكل كرامةٍ لولي فإنها آيةٌ للنبي الذي اتبعه ، لأن هذه الكرامة شهادةٌ من الله أن هذا الولي على حق فإذا كان يتبع نبياًّ من الأنبياء فهي أيضاً تستلزم الشهادة بأن هذا النبي حق وإلا لما أُيد وليه بهذه الكرامة [51] ،
ويأتي إن شاء الله تعالى الفرق بين الكرامة وبين الآية النبوية وبين الإهانة والشعوذة ،
ومن معجزات الأنبياء أيضاً معجزات الأنبياء خوارق للعادة [52] ،
لكنها ليست على يدي الأولياء يعني على يد من هم أعظم وأكبر من هؤلاء وهم الأنبياء عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقف ويقول : اخرج ، فيخرج ، وعلى الميت فيقول : احيا ، فيحيى فهو يحيي الموتى ويخرج الموتى ،
هذه لا شك أنها معجزة خارق للعادة لكن على يد من ؟
على يد نبي فلا تسمى كرامةً اصطلاحاً وإلا فهي لا شك أنها كرامة لكنها اصطلاحاً لا تسمى كرامة لأن الكرامات تكون على يد الأولياء ، ماذا تسمى ؟
تسمى عند كثيرٍ من العلماء معجزة ،
والصحيح : أنها آية وليست معجزة ، هي معجزة لا شك [53] ،
ولكن تسميتها بآية أصح :
أولاًَ : لأن هذا هو الموافق للفظ القرآن لأن الله سمى هذه المعجزات التي تأتي بها الأنبياء آيات ولم يسمها معجزات ،
ثانياً : أن المعجزة قد لا تكون على آيةً على نبوة كما في الحال المشعوذين وغيرهم والسحرة ،(2/134)
لكن إذا قلنا : آية يعني علامة على صدق هذا النبي ،
ثالثاً : أن كلمة ( معجزة ) من الإعجاز لفظها بشع ،
لكن ( آية ) علامة هذه مُحببة للنفوس : كأنه علمٌ في رأسه نارُ ،
فلهذا كان التعبير بـ ( الآية ) أولى ،
وخرج بذلك أيضاً قولنا ( على يد ولي ) : ما يخرق العادة مما جرى على يد أولياء الشيطان من السحرة والمشعوذين وغيرهم لأن منهم من يأتي بالخارق الذي يخرج عن العادة لكن بواسطة الشياطين ،
يُذكر عنهم أشياء عجيبة أن الواحد منهم قبل أن تأتي الطائرات إذا كان يوم عرفة أحرم من بيته وذهب إلى مكة وهو من أقصى الشرق أو الغرب وحج مع الناس ، هذا خارق للعادة أم غير خارق ؟ خارق للعادة لكن الذي حمله هم الشياطين والشياطين قد تحمل الأشياء الثقيلة من البلاد البعيدة وتحضرها في ساعةٍ سريعة ،
ورأيتُ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الاستغاثة قال :
( لو لم يكن من خطأ هؤلاء إلا أنهم يتجاوزون الميقات بلا إحرام ) [54] ،
نعم كيف ذلك ؟ هو يمر به الشيطان مع الجو ولا يحرم إذا حاذى الميقات يحرم في مكة فقلت سبحان الله الآن الناس في الطائرات الذي يريد في الحج والعمرة يلزمه أن يحرم من الجو إذا حاذى الميقات لو أنك حدَّثتَ الناس بهذا الحديث لقالوا : سبحان الله شيخ الإسلام وش جابه للطائرات ، نقول : هذه نفس الشيء ،
فالحاصل : أن ما يحصل من الأمور الخارقة للعادة على يد هؤلاء الذين نسميهم أولياء الشيطان هذا ليس بكرامة بل إهانة ،
فصار الخارق للعادة إما آية وإما كرامة وإما إهانة وإما فتنة ،
الفتنة ما يأتي من السحرة وشبههم لأنهم هم يرون ذلك إكراماً لهم ،(2/135)
الإهانة ما يُذكر عن مسيلمة الكذاب ، مسيلمة الكذاب في اليمامة ادَّعى أنه نبي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بذلك قومه وجعلوه نبياً وصار يعينه الشيطان في بعض الأمور يُقال إنهم جاءوا إليه يوماً من الأيام وقالوا يا أيها النبي إن عندنا بئراً قد غار ماؤها ولم يبق فيها إلا ماءٌ قليل فنريد أن نتبرك بك فذهب معهم وأخذ ماءاً يتمضمض به ويَمُجُّهُ في البئر ينتظر أن يرتفع ماؤها يقال إنه لما مجَّ الماء في البئر غار الماء الموجود فصار هذا ماذا ؟ خارق للعادة لا شك ، يعني العادة ليس أن الواحد يتمضمض في بئر ويذهب ماؤه هذا خارق للعادة لكنه إهانة ودليلٌ على كذبه ،
وقصةٌ أخرى يقال إنه جيءَ إليه بصبي غلام رأسه فيه قزع يعني بعضه نابت وبعضه ما نبت فقيل له يا أيها النبي امسح على رأس هذا الغلام لعل أن يخرج بقية الشعر فمسحه فزال الشعر الموجود هذا أيضاً إهانة لأنه لم تجرِ العادة أن الإنسان يمسح على الشعر فيتحاتّ ،
فعلى كل حال الخارق للعادة أربعة أنواع :
1 - أعلاها الآية ،
2 - ثم الكرامة ،
3 - ثم الإهانة ،
4 - ثم الفتنة [55] ،
ثم إن أهل العلم قالوا : كل كرامةٍ لولي فهي آية للنبي لأنه مثلاً إذا كان الولي متبعاً لنبيٍّ من الأنبياء [56] ،
ومعلومٌ أنه لا نبي بعد محمدٍ صلى الله وعلى آله وسلم ثم أوتيَ كرامة لتأييد ما هو عليه من الحق كان هذا آيةً للرسول الذي اتبعه ،
قوله : ( خارق ) : أي خارقٍ للعادة ،
قوله : ( من تابعٍ لشرعنا ) : خرج به التابع لغير شرعنا لأنه لا يمكن أن يُؤتى كرامة لأن من لم يتبع شرعنا فهو كافر فإن وُجِدَ على يده خارق فهو فتنة أو إهانة ، فتنة إن كان فيما يحب أو إهانة إن كان فيما يكره ،
قوله : ( وناصح ) : ناصح لمن ؟ بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام لمن تكون النصيحة ؟
فقال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [57] ، خمسة ،
******************(2/136)
166 – فإنها من الكرامات التي ،
بها نقول فاقفُ الأدلة ،
قوله : ( بها نقول ) : الفاعل مستتر وجوباً تقديره ( نحن ) ،
والمراد بذلك أهل السنة يعني أن أهل السنة يقولون بذلك بإثبات الكرامات للأولياء ،
قوله : ( للأدلة ) : اللام هنا للتعليل ،
والأدلة جمع دليل وهو في اللغة : المرشد ،
ومنه الدليل في الطريق ،
لكنه في الشرع : ( ما يثبت به الحكم ) فهو الدليل ،
إذن هناك أدلة تدل على كرامات الأولياء وهي كثيرة منها :
مثلاً : قصة أصحاب البقرة ، قومٌ تدارءوا حيث قُتل بينهم قتيل وكادت الفتنة أن تكون بين القبيلتين فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة وأن يضربوا القتيل بجزءٍ منها ففعلوا ذلك فلما ضربوا بهذا الجزء من البقرة حيا بإذن الله وقال بأن قاتله فلان ، كرامةٌ لهؤلاء القوم حيث ذهب عنهم النزاع وطفئت الفتنة ،
وربما نقول : هي كرامةٌ من وجه ومعجزةٌ أو وآية من وجهٍ آخر لأن موسى هو الذي أمر بذلك ،(2/137)
ومثالٌ آخر : مرَّ رجلٌ { على قرية وهي خاوية على عروشها } ( البقرة 259 ) ، هامدة فـ { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها } ، فأكرمه الله عز وجل أماته الله مائة عام مائة سنة ثم بعثه وكان هذا الرجل معه حمار ومعه طعام ، الحمار مات والطعام لم يتغير بقي مائة سنة لم يتغير لا غيرته الشمس ولا الهواء ولا المطر ولا شيء وهو طعام وتعرفون الطعام يسرع إليه الفساد يمكن في يوم وليلة يفسد لكن هذا الطعام بقي مائة سنة ، الحمار لما بعث الله صاحبه وجد أن الحمار ميت عظام ، وجدها عظاماً تلوح ، فقال الله له : { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } ( البقرة 259 ) ، فجعل ينظر إلى عظام الحمار يتراكب بعضها على بعض وينشزها الله تعالى بالعصا ويكسوها اللحم حتى كَمُلَ الحمار { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } .
هذه نعمة من الله عز وجل أن يُرِيَ الله العبد آية كونية أو شرعية تقوي إيمانه ، أليست هذه بنعمة ؟
يعني قد يضعف الإنسان أحياناً ، أحياناً يعتري الإنسان كسل وفتور وأشياء تَرِد على القلب لأن القلب يتقلب ،
فإذا مَنَّ الله على العبد آية يطمئنُّ بها قلبه لا شك أن هذه نعمة من الله عز وجل نعمة كبيرة ليس لها ثمن هذا الرجل كان يقول ويشك في إحياء الله الموتى لأنه أتى هذه القرية وقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } ، يعني هذه قرية كيف إذن البشر ؟
فأراه الله الآية : { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } ، ولا شك أن هذا كرامةٌ لهذا الرجل ، الحمار شاهده والله تعالى يحييه شيئاً فشيئاً ، الطعام شاهده وهو لم يتغير وقد بقي كم ؟(2/138)
مائة سنة ، ليست هيِّنة لم يتغير آمن أن الله قادرٌ على أن لا يغير الشيء مع طول المدة وقادرٌ على أن ينشئ الشيء مرةً أخرى ففيها طردٌ وعكس ، هذه الآية طرد وعكس ، إبقاء الشيء على ما هو عليه وإنشاء الشيء من جديد ، كل ذلك كرامة لهذا الرجل ،
من الأدلة قصة مريم ، مريم عليها الصلاة والسلام وهي ليست نبية أرسل الله تعالى إليها رسوله جبريل فنفخ فيها من روح الله عز وجل أي نفخ في فرجها روحاً فصار فالتقمها الرحم وصار إنساناً بشراً عيسى أجاءها المخاض إلى جذع النخلة يعني أدركها إلى جذع النخلة ، فـ { قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } ( مريم 23 ) ، هنا لم تتمنى الموت ولكنها تمنت أنها ماتت قبل أن تحصل هذه الفتنة لأنها تعرف أن بني إسرائيل سيتهمونها كما وقع والمسألة مسألة عرض ليست هيِّنة ، فـ { قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل لك ربك تحتك سريا } ( مريم 23 – 24 ) ، نهر من أين جاء النهر ؟ كرامة لها ، { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ( مريم 25 ) الله أكبر امرأة أدركها المخاض والمرأة إذا أدركها المخاض تكون ماذا ؟ قوية أم ضعيفة ؟ ضعيفة جداً ، تهز بجذع النخلة لا برأس النخلة والهز بجذع النخلة لا يجعل النخلة تتحرك أصلاً ، أليس كذلك ؟ { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا } ، الرطب قريب أو بعيد ؟ قطعاً بعيد لا تدركه هي ، لو أدركته لأخذته { تساقط عليك رطبا جنيا } ، بدأت تهز بالجذع ويتساقط الرطب { جنيا } : أي مخروفاً يسقط هذا الرطب اللين جداً من مكانٍ عالٍ على الأرض ويبقى كما هو كأنه مخروف باليد هذه آيةٌ أم لا ؟ آية خارق للعادة العادة أن الرطب إذا سقط من مثل هذا السقط تتفت وتمزق لكن هذا بقي كأنه مخروفٌ باليد ، { فكلي واشربي وقري عينا } ( مريم 26 ) ، كل هذا أيضاً من آيات الله عز وجل أن تقر عيناً في هذا المكان الخالي ،(2/139)
فالمهم أن الأدلة كثيرة في هذا أصحاب الكهف أيضاً أعطاهم الله كرامة ما هي كرامتهم ؟ أنهم خرجوا من قومهم المشركين مهاجرين إلى الله عز وجل فهيأ الله لهم كهفاً غاراً في الجبل موَجَّه توجيهاً تاماًّ إلى ما بين الشمال والشرق ، إذا طلعت الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين إذا غربت تقرضهم ذات الشمال إذن اتجاهه إلى أين ؟ إلى الشمال الشرقي حتى لا تدخل الشمس عليهم فتؤذيهم أو تتلف أجسامهم ، بقوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين وهم لم يحتاجوا لأكل ولا شرب ولا بول ولا غائط ولا شيء وهذا غير معتاد أليس كذلك ؟ ثم إن الله تعالى بحكمته ورحمته يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لأنهم لو بقوا على جنبٍ واحد لتأثر هذا الجنب ولكن الله يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ،
وفي هذا : دليل على أن النائم لا يكون مستلقياً ولا منبطحاً على بطنه ، إنما هو على يمين أو على شمال ،
وفيه أيضاً : دليل على النائم لا يُنسب إليه فعل لأن الله قال : { ونقلبهم } ( الكهف 18 ) ، ولم يقل : ( يتقلبون ) ، إذن بقوا هذه المدة وهم لم يتغيروا ، شعورهم وأظفارهم بقيت على ما هي عليه أم طالت ؟ بقيت على ما هي عليه لأنهم لما استيقظوا ، { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } ( الكهف 19 ) .
ولو أن الشعور والأظفار نمت كالعادة لعرفوا أنهم بقوا مدةً طويلة أليس كذلك ؟ لكن بقيت لم تنمُ فهل يعني ذلك أن النائم لا تنمو أظفاره وشعوره أم أن هذا من آيات الله لهؤلاء القوم ؟
الظاهر الثاني وكذلك أجسامهم لم تتغير بعرق ولا غيره ولم تأكل الأرضة ثيابهم ،
وكذلك ما حصل لأمير المؤمنين عمر حينما حصر سارية وهو أميرٌ على سرية فاطلع عليه عمر من بُعْد وأرسل إليه كلاماً قال : يا سارية الجبل ، فسمع سارية كلامه فانحاز إلى الجبل ،
هذه قصة مشهورة ،
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله جملةً صالحة من ذلك في كتابه : ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) [58] ،(2/140)
فالمهم أن المؤلف رحمه الله يقول ( للأدلة ) أي للأدلة التي دلت على ذلك ،
******************
167 – ومن نفاها من ذوي الضلال ،
فقد أتى في ذاك بالمحال ،
قوله : ( ومن نفاها فقد أتى في ذاك بالمحال ) : ( من ) شرطية و ( نفى ) فعل الشرط ، وجملة : ( فقد أتى في ذاك بالمحال ) جواب الشرط ،
يعني الذي ينفي الكرامات أتى بمحال أي بشيءٍ محال ،
وذلك أنه حاول إبطال ما تواترت الأدلة على ثبوته والمتواتر كما نعلم جميعاً يفيد العلم اليقيني الذي يستحيل ارتفاعه فمن نفى هذه الكرامات فقد أتى بشيءٍ محال لأنه حاول أن ينفي ما تواتر وفي المتواتر أمرٌ محال ،
قوله : ( من ذوي الضلال ) : أي من أصحاب الضلال ،
يشير إلى من رد الكرامات مثل المعتزلة وغيرهم ،
قالوا : لا يمكن كرامات ، لماذا لا يمكن ؟
قالوا : لأنك لو أثبتَّ الكرامات لاشتبه النبي بالولي والولي بالساحر [59] ،
فالمعتزلة ومن نحى نحوهم قالوا : إنه لا يمكن أن نثبت الكرامات لئلا يشتبه الولي بالنبي والساحر ،
فيقال لهم : أين الاشتباه ؟
الولي لا يقول إنه نبي لو قال : إنه نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن ولياً ،
لأنه لا يوجد إيمان ولا تقوى فلا يمكن الاشتباه ،
قد يكون هذا فيما مضى من الأمم يمكن لكن في هذه الأمة لا يمكن أبداً ،
لأن الولي لا يقول : إنه نبي كذلك أيضاًَ بالنسبة للساحر لا يمكن أن يشتبه ،
لأن الولي مؤمنٌ تقي والساحر كافرٌ شقي فكيف يشتبه هذا بهذا ؟
ثم الأدلة الكثيرة الموجودة إلى اليوم تثبت وجود الكرامات فهي موجودة إلى يومنا هذا ،
لكن الكرامات بعضها ظاهر وكبير وبعضها خفي ،(2/141)
مثلاً : لو أن رجلاً أراد أن يسافر إلى الرياض وكان أراد أن يسلك الطريق اليمنى في آخر لحظة اتجه إلى الطريق اليسرى وبعد ذلك اتضح أن في الطريق اليمنى قُطَّاع طريق ،
هل يعتبر هذا أمرٌ خارقٌ للعادة ؟
لا شك انه في الواقع أن العادة أن الإنسان إذا عزم على شيء ولم يكن هناك مانعٌ حسيٌّ ظاهر العادة أنه يتجه إليه ويسير معه لكن هذا صُرف بدون أي سببٍ ظاهر إلى الطريق الآخر وإذ به يُبلَّغ أن الطريق الذي كان ناوياً الاتجاه إليه فيه قُطاع طريق أنا اعتبر أن هذه من الكرامة ولكن ليست من الكرامة الكبيرة وإنما هي كرامة ولا شك أنها نعمة حتى الإنسان يعلم أن الله دفع عنه من النقم ما لم يكن في حسابه وعلى كل حال هي موجودة ،
ويقول شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية إنها موجودة في هذه الأمة إلى يوم القيامة ومنها الشاب الذي يعارض الدجال ويتحدى الدجال حينما يأتي الدجال ويقول إنه الرب ولكن هذا الشاب يعارض ويقول : أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله فيقتله ويجعل جزءاً مه هنا وجزءاً منه هناك ويمر بين الجزئين ويقول : قم ، ثم يقوم ولكنه لا يزداد إلا تحدياً وفي النهاية يعجز عنه الدجال أن يقتله ، هذا يعتبر كرامة ، هذا كرامة بلا شك ،
فالحاصل أنها موجودة ،
ولهذا قال : ( لأنها شهيرةٌ ) ،
******************
168 – لأنها شهيرةٌ ولم تزل ،
في كل عصرٍ يا شقى أهل الزلل ،
قوله : ( لأنها ) : أي الكرامات ،
قوله : ( شهيرةٌ ) : أي مشهورة ، فعيلة بمعنى مفعولة كجريحة بمعنى مجروحة ،
قوله : ( ولم تزل في كل عصر ) : يعني أنها ما زالت ولا تزال موجودة في كل عصر ،
قوله : ( يا شقى أهل الزلل ) : ( يا ) هنا تحتمل أن تكون منادى والمعنى يا شقى أهل الزلل ،(2/142)
ويحتمل أن تكون للتعجب فمعنى يا شقى يعني ما أشقى أهل الزلل ،
ولا شك أن أهل الزلل أشقياء لا سيما من زلَّ عن عمد فإنه من أشقى عباد الله والعياذ بالله ،
وبهذا انتهى الكلام على كرامات الأولياء ،
الأسئلة
السؤال : قول ابن حزم : أن كل الصحابة في الجنة واستدل بقوله تعالى : { لا يستوي منكم من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) ، فقال : أن كل الصحابة في الجنة قطعاً ؟
الجواب : هذا صحيح نشهد للصحابة لكن لا نشهد لكل واحدٍ بعينه ومر علينا هذا قلنا الشهادة على سبيل الإجمال وعلى سبيل التعيين فنحن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة لكن لا نشهد لكل واحد فهناك بين التعيين بالشخص والتعيين بالوصف ،
السؤال : من سب الصحابة هل نطلق عليه الكفر ؟
الجواب : نعم قال شيخ الإسلام رحمه الله : إذا سبَّ الصحابة جميعاً أو اعتقد أنهم ارتدوا بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام فلا شكَّ في كفره بل لا شكَّ في كفر من شكَّ في كفره ،
السؤال : الضابط في المتشابه والمحكم نجد بعض أهل العلم يأتي في المسألة ويحكم هذه المسألة بين الحديثين أن هذا المتشابه يُحمل على المحكم ويأتي عالم آخر ويقول لا يوجد تشابه ( كلمة غير واضحة ) ولكن ما هو الضابط لذلك ؟
الجواب : لو رجعت إلى كتاب تقريب التدمرية لعرفت الضابط ،
التشابه نوعان :
1 – حقيقي ،
2 – ونسبي [60] ،
حقيقي بمعنى أنه حقيقةً ، متشابه يخفى على كل إنسان ،
مثل : حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر وعن كل أمرٍ غيبي حتى روح الإنسان حقيقتها لا تُعرف لا ندري من أي مادةٍ هي هذا ،
نقول : تشابه مطلق ولا يمكن لأحد أن يدَّعي فيه العلم ،
والتشابه النسبي هذا واسع بابٌ واسع تجد هذه الآية تشتبه على فلان ولا تشتبه على فلان أو هذا الحديث يشتبه على فلان ولا يشتبه على فلان وهو بابٌ واسع ،(2/143)
الآن طلبة العلم إذا أورد عليهم الإنسان آيةً يسألهم فيها ،
فمنهم من يجيب بالصواب ،
ومنهم بالخطأ ،
ومنهم من يتوقف ،
فالتشابه المطلق هو الذي يخفى على جميع الناس وهذا إنما يكون في حقائق ما أخبر الله به نفسه وعن اليوم الآخر لأن هذا مشتبه لا يمكن لأحد أن يدَّعِيَ علمه ومن ادعى علمه فهو كاذب ،
والتشابه النسبي هذا كثير نجد بعض العلماء يعجز عن الجمع بين آيتين وبين حديث ويأتي آخر بكل سهولة ،
السؤال : بعض الناس يطلق على الرافضة كلمة الشيعة وهم يحبون هذا الكلمة ، فهل الأولى يسمون رافضة أم شيعة ؟
الجواب : أما العلماء ، علماء أهل السنة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما فإنهم لا يطلقون عليهم إلا اسم الرافضة ،
وذلك لأن اسم الشيعة أعم ، الشيعة يدخل فيها الزيدية مثلاً ،
والزيدية لا يُسمون رافضة يُسمون شيعة ولا يُسمون رافضة ،
والرافضة : اسمٌ لكل من رفض زيد بن علي بن الحسين رحمه الله ،
حين جاءوا فسألوه وقالوا : ما تقول في أبي بكرٍ وعمر ؟ فأثنى عليهما خيراً ،
وقال : هما وزيرا جدي ،
يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
فلما رأوا أن منهجه يخالف ما يريدون رفضوه وانفضوا عنه ،
وسُمُّوا من ذلك الحين رافضة ثم بدءوا والعياذ بالله يتشددون في أمرهم حتى بلغ بهم الحد إلى أن ألّهوا أئمتهم يعني يعتقدون الآن أن الذي يدبر الكون هم أئمتهم وأن الله سبحانه وتعالى متخلٍّ عن الكون نسأل الله العافية ،
ويقولون : ( إن من أصول عقيدتنا أن من أئمتنا من هو في منزلةٍ لا ينالها مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل ) وهذا يعني تفضيل أئمتهم على الأنبياء والرسل فهم كفروا بالربوبية أولاً ،
وقالوا : الذي يدبر الكون هم الأئمة ثم كفروا بالرسل أيضاً ،
قالوا إن أئمتهم خيرٌ من الرسل لكن هم يُسمُّون أنفسهم شيعة ،
والحقيقة أننا نحن أحق بهذا الوصف منهم ،(2/144)
لأننا نؤمن بأن لآل بيت صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنون منهم بأن لهم علينا حقين :
الحق الأول : حق الإيمان والحق ،
الثاني : حق القرابة من النبي عليه الصلاة والسلام ،
نحبهم لقربهم من الرسول وأن الكافرين من أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام نحن بريئون منهم براءة الذئب من دم يوسف ونبغضهم ونتقرب إلى الله تعالى ببغضهم فمن الشيعة الآن ؟
ثم إن هؤلاء الذين يدَّعون أنهم نجد أن خالفوا إمام أهل البيت وهو علي بن أبي طالب في مسائل كثيرة كمسائل المتعة مثلاً والمسح على الخفين وتفضيل أبي بكر وعمر ،
والعجب أن علي بن أبي طالب سأله ابنه محمد بن الحنفية قال يا أبي أيُّ الناس خير بعد رسول الله عليه وسلم ؟ قال أبو بكر قاله في خلافته لا يخشى من أحد قال ثم من ؟ قال عمر قال ثم أنت ؟ قال ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين وهذا كلام علي بن أبي طالب لكنهم يقولون لا ، أبداً أبو بكر وعمر ماتا على النفاق نسأل الله العافية حتى أنه من جرمهم والعياذ بالله قالوا إن أبا بكر رضي الله عنه قعد مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش في بدر لأن الرسول خاف أن يقلب عليه الصحابة فيُعتبر هذا منه اعتقالاً لأبي بكر وحبساً له نعوذ بالله جرأة عظيمة على الصحابة لا أحد يتجرؤها ،
السؤال : كرامات الولي هل تمتد إلى بعد مماته ؟
الجواب : يمكن أن تمتد آثارها لكن أن تظهر كرامة جديدة ويقال هذه من الولي هذه لا تجوز أبداً وهذا يُخشى أن تكون شركاً مثل لو أظهر الله كرامة أن نَبَعَ ماءٌ من هذا المكان وبقي ،
السؤال : الكرامات التي حصلت للمجاهدين الأفغان ؟
الجواب : والله على كل حال كرامات الأفغان كثيرة والسند فيها الله أعلم به ،(2/145)
لكن أنا أحدثكم عن شخصٍ في البوسنة ويسمى ( محمد دهيمان ) وأظنه كان في المنطقة الشرقية في الأول يقول إنهم دفنوا شاباً استشهد هناك يعني قُتل وبقي شهرين إلا عشرة أيام ثم تبيَّن أنهم دفنوه إلى غير القبلة فنبشوه فإذا الرجل لم يتغير إطلاقاً باقي كأنما قُتل اليوم هذه ،
لا شك أنها من الكرامات والشهداء قد لا تأكلهم الأرض لكن ليس كل شهيدٍ لا تأكله الأرض الذي نجزم بأن الأرض لا تأكله هم الأنبياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) [61] ،
ولهذا حاول بعض الزنادقة أن يحفر قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليأخذ جسده فأرى الله سبحانه وتعالى أحد الخلفاء في المنام صورة هذين الرجلين اللذين أرادا أن يستخرجا جسد النبي صلى الله عليه وسلم وفزع لهذا فسافر إلى المدينة لأن الأمر هام وأمر بأن يُدعى جميع أهل المدينة للوليمة التي صنعها ووقف عند الباب وجعل ينظر إلى كل من دخل ولم يرَ الرجليْن اللذين عُرِضا عليه في المنام فقال لأصحابه ادعوا أهل المدينة كلهم لا يبقى أحد قالوا ما بقي أحد قال لا ما يصير بقي أحد قالوا ما بقي إلا رجلان غريبان في المسجد ليس لهم شأن مع الناس ولا تدخل مع الناس قال : هاتوهم فلما جيء بهما فإذا هما الرجلان اللذان عرضا عليه في المنام سبحان الله فأمر بقتلهما ثم أمر أن يُحفر ما حول القبر إلى أن وصل إلى الجبل ثم صبَّهُم رصاصاً وحمى الله نبيه من كيد هؤلاء الأعداء ،
وإلا فهؤلاء يريدون أن يأخذوا جسد النبي عليه الصلاة والسلام إما أنهم مؤمنون بأن الأرض لم تأكله أو لغير ذلك من الأسباب أو إغاظةً للمسلمين لا ندري الله أعلم ،
السؤال : بالنسبة للكرامة نقل أحد علماء الإسلام عن أحد الصحابة بلا إسناد ؟
الجواب : هذه من جنس ما ذكره الإمام أحمد في التاريخ والسير أحياناً تُنقل بلا إسناد تشتهر وتُنقل مع الناس بلا إسناد ،
فصلٌ(2/146)
في المفاضلة بين الملائكة والبشر [62]
انتقل المؤلف رحمه الله إلى فصلٍ جديد ،
قال : ( فصلٌ في المفاضلة بين البشر والملائكة ) ،
وهذا الفصل ليت المؤلف لم يعقده يعني ليته لم يتكلم بهذه المسألة ،
وموضوعها : أيهم أفضل الملائكة أو البشر ؟ أيهم أفضل ؟
فيقال : أصل البحث في هذا لا داعي له ،
لأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الناس على العلم والإيمان ما بحثوا هذا البحث ما قالوا : نحن أفضل أو الملائكة ؟ ما قالوا هذا ما قالوا البشر أفضل أم الملائكة ،
وشيءٌ سكت عنه الصحابة مما يتصل بالدين فالأجدر بنا أن نسكت عنه ،
وهذه قاعدة يجب عليك أن تفهمها : ( أن كل شيءٍ سكت عنه الصحابة من أمور الدين فاعلم أن الخوض فيه من فضول الكلام ولا حاجة إليه ) ،
لأنه لو كان من مهمات ديننا ومن أصول ديننا ومما يجب علينا أن ندين الله به لتبيَّن إما عن طريق القرآن أو عن طريق السنة أو الصحابة فإذا لم يوجد واحدٌ من هذه الثلاثة عُلم أنه ليس من الدين في شيء ،
وإذا بنيتَ نهجك على هذا استرحت من إشكالاتٍ كثيرة يوردها بعض المتعلمين اليوم فيما يتعلق بصفات الله عز وجل وفيما يتعلق باليوم الآخر من أمور الغيب التي لا مجال للعقل فيها ،
فيوردون أشياء هي في الحقيقة تدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثاً ، وصدق والله رسول الله كل إنسان يتنطع فهو هالك ولا بد لو لم يكن من هلاكه إلا مخالفته لطريق الصحابة ،
فنحن مثلاً نقول : ليت المؤلف لم يتكلم بهذا إذ لا فائدة لنا منه هذا من الناحية العقلية ،
من الناحية الأثرية أن ذلك لم يكن في أسلافنا من الصحابة أن يخوضوا في هذا الأمر لكن مع ذلك خاض الناس ،
واضطر بعض من يكره الخوض في هذا اضطر إلى أن يخوض فيه ويتكلم ، لماذا ؟
لئلا يترك المجال لمن لا يصلح أن يتكلم فيه وهذا كثير يا إخواني في العقائد وغير العقائد ،(2/147)
فمثلاً : وُجد من يتكلم في العقائد فيقول مثلاً هل الله جسم أو غير جسم ؟ ثم يقول ليس بجسم ثم يبني على ذلك جميع الصفات التي ينكرها بهذه الحجة ، هل الله في جهة أو ليس في جهة ؟ هل الله يُحد أو لا يُحد ؟ ما هذا الكلام ؟ هل الصحابة سألوا الرسول عن ذلك أو بحثوا فيه ؟ اسكت كما سكتوا فلا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم اسكت ،
لكن لما اضطر علماء السنة إلى الكلام في هذا بناءاً على أن غيرهم تكلم قالوا : لم نكن ندع المجال والميدان لهؤلاء الضُلاَّل يتلاعبون به بل لا بد أن نخوض ثم نبيِّن الحق ،
فمثلاً في مسألة الجسم قالوا : ماذا تريدون بالجسم ؟
هل تريدون بالجسم أنه مُكوَّنٌ من أشياء يمكن فقدها مع بقاء الجسم ؟
أو لا يمكن بقاء الجسم مع فقدها أو ما أشبه ذلك ؟
إن أردتم هذا المعنى فنحن ننفي هذا المعنى عن الله ،
وإن أردتم بالجسم القائم بنفسه المتصف بالصفات اللائقة به الفعَّال لما يريد فإننا نثبت هذا المعنى لله عز وجل ،
أما لفظ الجسم فنبعده بعيداً لا ننفيه ولا نثبته ،
لكننا نستفصل في معناه أما نقول أن جسم أو غير جسم فليس لنا أن نتكلم لأن الله لم يقل عن نفسه أنه جسم أو غير جسم [63] ،
كذلك مسألة تفضيل الملائكة على البشر أو بالعكس هذه المسألة التي ينبغي للإنسان أن يدع الكلام فيها ما لم يُضطر والعلماء اضطُّروا إلى ذلك ،
******************
169 – وعندنا تفضيل أعيان البشر ،
على ملاك ربنا كما اشتهر ،
قوله : ( عندنا ) : الضمير هنا يعود على من ؟
على أهل السنة والجماعة ، تفضيل أعيان البشر على ملاك الله ،
قوله : ( أعيان ) : يعني لا الجنس يعني أننا نفضِّل الأعيان على الجنس على جنس الملائكة ،
فالرسل مثلاً هم أعيان البشر هم خلاصة البشر هم المُصْطَفَوْنَ من البشر هؤلاء أفضل من الملائكة ،(2/148)
لكن جنس البشر على جنس الملائكة لا نفضِّلهم نفضِّل الأعيان من البشر على جنس الملائكة ،
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ولكل قومٍ دليل ،
استدل من يقول : إن البشر أفضل من الملائكة :
بأن الله أمر الملائكة أن بالسجود لآدم وهو أبو البشر ،
ومعلومٌ أن السجود ذُلٌّ للمسجود له فيكون المسجود له أعز وأكرم من الساجد ،
واستدل من قال : إن الملائكة أفضل :
بقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم ) [64] ،
وكلا الاستدلالين في القلب منه شيء ،
أما الأول فإنه لا يلزم إذا أكرم الله آدم بهذه المنقبة أن يكون البشر أفضل من الملائكة ،
وذلك للقاعدة العامة : وهي أن ( التميز في خصيصةٍ واحدة لا يقتضي التميز المطلق ) ، التميز بخصيصةٍ واحدة لا يلزم التميز المطلق ،
ولهذا نجد بعض الصحابة يميِّزه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزة لا تكون لغيره ولا يقتضي أن يكون أفضل من غيره ،
وأما الثاني : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم ) ، فالمراد خيرٍ من المراد الذين ذُكر الله عندهم ليس خيراً من كل البشر ،
ومعلومٌ أنه لا يلزم من كون الملائكة الذين عند الله الذين يذكر الله الذاكر فيهم أن كونهم خيراً من الملأ الذين ذُكر الله عندهم لا يستلزم الخيرية المطلقة ،
ولهذا نرى التوقف في هذا :
أولاً : التوقف عن البحث فيه إطلاقاً ،
والثاني : التوقف عن الحكم بتفضيل هؤلاء على هؤلاء ،(2/149)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : الملائكة أفضل باعتبار البداية والبشر أفضل باعتبار النهاية فباعتبار البداية الملائكة أفضل لأنهم خُلقوا من نور ولا يستكبرون عن الله ولا يستحسرون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون ولم تُركَّب فيهم الشهوة التي تعصف بهم بل هم عباد مكرمون قائمون بأمر الله فهم باعتبار البداية أفضل باعتبار النهاية وكون البشر محل رضا الله وأهل كرامته وما أشبه ذلك حتى الملائكة يدخلون عليهم في الجنة يُدخلون السرور عليهم يدخلون عليهم من كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فهذا يدل على أن البشر أفضل باعتبار النهاية ،
وهذا له وجهٌ حسن ،
لكن الذي أرى الإعراض عن كل هذا ،
وأن نقول : مسألة التفضيل :
أولاً : الجنس مختلف ولا تفاضل بين الجنسين المختلفين ،
والشيء الثاني : باعتبار المرتبة عند الله عز وجل وهذا ليس لنا به علم إطلاقاً ، علمه عند الله سبحانه وتعالى ،
قوله : ( ملاك ) : يعني ملائكة ، ملائكة الله ،
قوله : ( كما اشتهر ) : يعني كما مشهور عند العلماء ،
******************
170 – وقال : من قال سوى هذا افترا ،
وقد تعدى في المقال واجترى ،
قوله : ( وقال ) : الفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره ( هو ) فمن القائل ؟
القائل الإمام أحمد رحمه الله القائل هو الإمام أحمد ،
ومثل هذا التعبير عند العلماء غير صحيح ،
وذلك لأن لجهالة مرجع الضمير فيه فيكون الكلام غير معلوم ،
إذ أنه لا بد أن يُعلم مرجع الضمير :
1 - إما من سياق الكلام ،
2 - وإما من مذكورٍ سابق أو مذكور لاحق ،
ولكن يجب أن نعلم أن مقلدي الإمام إذا ذكروا الفعل دون مرجعٍ معلومٍ له فهو يرجع إلى الإمام ،
انظر في كتب الفقه مثلاً في ( الإنصاف ) وغيره إذا قال ( نص عليه ) لا يوجد مرجع سابق ،
لكن من هو ؟(2/150)
الإمام أحمد إذا قال ( إذا فعل كذا فعليه كذا وعنه لا يلزمه كذا ) عن من ؟ الإمام أحمد لأنه ليس له مرجع ،
لكن كون الكتب أُلِّفت في مذهبه يدل على أن الضمير الذي ليس له مرجعٌ معلوم يعود إلى الإمام ،
السفاريني رحمه الله من الحنابلة فإذا قال : ( وقال ) فالظاهر أن مرجعه إلى الإمام أحمد ،
على القاعدة المعروفة أن الضمير إذا لم يكن له مرجعٌ معلوم في كتب المقلدة فإنه يرجع إلى من ؟ يرجع إلى إمامهم ،
قوله : ( هذا ) : الضمير يعود على تفضيل أعيان البشر على ملاك الله ،
قوله : ( افترى ) : أي كذب ،
قوله : ( وقد تعدى في المقال واجترى ) : أي تعدى في قوله واجترى وكأن الإمام أحمد رحمه الله ينكر إنكاراً تاماًّ على من قال بهذا القول أي أن الملائكة أفضل من البشر ،
والخلاصة الآن العلماء اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر أو البشر على الملائكة على أقوال يمكن أن نجعلها أربعة :
1 - تفضيل البشر ،
2 - تفضيل الملائكة ،
3 - الوقف ،
4 - التفصيل ،
والتفصيل مذهب من ؟
شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : الملائكة أفضل باعتبار البداية والبشر أفضل باعتبار النهاية ،
أما الوقف فهو قول صاحبكم ،
أن نقول الله : أعلم وليس لنا أن نتكلم في هذا لأنه لم يكن من بحث الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله ،
ولا شك أن داعي السؤال عما يتعلق بالدين في الصحابة أقوى منه فينا ،
ولا شك أيضاً أن الإجابة عن الاستشكال في عهد الصحابة أقرب إلى الصواب بل هو الصواب من إجابتنا نحن لأنهم سيسألون من ؟ الرسول عليه الصلاة والسلام وسيجيبهم بالعلم اليقيني فإذا لم يكن سؤالٌ من الصحابة عما يتعلق بالدين ،
فاعلم أن السؤال عنه من باب التنطع في دين الله وإن شئت فاجعله بدعة كما قال الإمام مالك رحمه الله فيمن قال : { الرحمن على العرش استوى } ( طه 5 ) ، كيف استوى ؟ قال ما أُراك إلا مبتدعاً ،
الباب السادس
في ذكر الإمامة ومتعلقاتها(2/151)
وهذا الباب كنا نستهونه في أيام طلبنا كما كنا نستهون كتاب الجهاد .
كنا نقول أين الجهاد ؟
لا حاجة نبحث في الجهاد ومتى يكون واجباً على العين وعلى الكفاية وما حكم ما يلزم الجيش وما يلزم الإمام وما أشبه ذلك ثم لما حصل الجهاد في الوقت الأخير عرفنا أننا مفرِّطون وأنه ينبغي أن نكون أدركنا الجهاد تماماً ،
في مسألة الإمامة كنا نقول : لا حاجة في أن نبحث في الإمامة ، الحمد لله إمامنا ابن سعود وهؤلاء أئمتهم عندهم والحمد لله كل شيء ساكن ،
لكن تبيَّن أنه لا بد أن نعرف الحكم لا بد أن نعرف من هو الإمام ؟ من يستحق الإمامة ؟ لا بد أن نعرف ما حق الإمام على رعيته ؟ وما حق الرعية على الإمام ؟ لأنه كَثُرَ القيل والقال وخاض في ذلك من هو من الجاهلين فصاروا يتخبطون خبط عشواء فيما يلزم الإمام وفيما يلزم الرعية ،
وغالبهم يميل إلى تحميل الإمام ما لا يلزمه حمله وتبرئة الشعب مما يلزمهم القيام به هذا غالبهم ،
لأن بعض الناس مشغوف والعياذ بالله بنشر المساوئ من ولاة الأمور وكتم المحاسن فيكون معه جورٌ في الحكم وسوءٌ في التصرف ،
إذن لا بد أن الآن أن نعرف من هو الإمام وبما تثبت الإمامة وما حق الإمام على الرعية وما حق الرعية على الإمام وما طريق السلف في معاملة الأئمة الظلمة والمنحرفين حتى نمشي على طريقهم ونكون أمةً سلفية ،
وحتى نعلم في الواقع أننا لا نبرئ أنفسنا نحن من النقص ، أليس كذلك ؟
بل نحن ناقصون إذا قارنت بين أعمالنا وعقائدنا وبين ما كان عليه الصحابة وجدت أن الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين زماننا وزمانهم وأن الفرق كبير ،
وإذا كان الأمر كذلك فكيف نريد أن يكون لنا ولاةٌ كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هذا ظلم هذا تأباه حكمة الله عز وجل ،
ولهذا جاء في الأثر : كما تكونون يُولىّ عليكم ،
كيف نريد أن يكون خلفاء الأمة الإسلامية كخلفاء الأمة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ونحن على هذه الحال ؟(2/152)
كذب غش ظلم سوء عقيدة عدِّد ولا تخف ،
ويُذكر أن عبدالملك بن مروان شاور أن الناس قد ملُّوه وأن عندهم شيء من التمرد عليه فجمع وجهاء القوم وأعيانهم وتكلم فيهم وهو جيد في الكلام وقال لهم : أتريدون أن نكون لكم كأبي بكرٍ وعمر ؟ سيقولون : نعم ، قال : إن كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا كالذين كانوا لأبي بكرٍ وعمر ، فأقام عليهم الحجة ،
وكذلك أيضاً رجل خارجي يُنقل عن علي رضي الله عنه أن رجلاً خارجياً قال له : يا علي ، لا يقول : يا أمير المؤمنين ، يقول : يا علي ، يا علي كيف دان الناس لأبي بكر وعمر ولم يدينوا لك ؟ قال : لأن أبا بكرٍ وعمر كان رجالهم أنا وأمثالي وكان رجالي أنت وأمثالك ، فأقام عليه الحجة ،
فالمهم أنه لا يمكن يا إخواني أن نطمع في أن يكون ولاة أمورنا كأبي بكرٍ وعمر وعثمان ، ونحن على الحال التي تشاهدون يعني لا أقول إن البيت الذي فيه ثلاثة أنفار يكون فيه أربعة آراء فالآراء أكثر من عدد الأنفار أو أكثر فكيف يكون هذا ؟ أين الوفاق فينا ؟
فالمهم أن هذا الباب الذي نحن مقبلون عليه بابٌ مهم يجب أن أعتني أنا أولاً ثم أنتم إن شاء الله ثانياً ،
******************
171 – ولا غنى لأمة الإسلام ،
في كل عصرٍ كان عن إمام ،
إمامةٌ في الدين وإمامةٌ في التدبير والتنظيم ،
فمن إمامة الدين الإمامة في الصلاة فإن الإمامة في الصلاة إمامته إمامة دين ومع ذلك فله نوعٌ من التدبير ،
حيث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بمتابعته ونهى عن سبقه والتخلف عنه فهذا نوع تدبير لأنه مثلاً ،
إذا كبَّر كبرنا وإذا ركع ركعنا وإذا سجد سجدنا وهلمَّ جراَّ ،(2/153)
وأما إمامة التدبير فتشمل الإمام الأعظم ومن دونه ، الإمام الأعظم هو الذي له الكلمة العليا في البلاد كالملوك ورؤساء الجمهوريات وما أشبه ذلك والإمام وما دونه كالوزراء والأمراء وما أشبه هذا والأمة الإسلامية كغيرها من الأمم بشر والبشر كائنٌ من الأحياء ،
وكل حيٍّ فلا بد له من رئيس حتى البهائم حتى الطيور في الجو لها رئيس تتبعه ولهذا كان الصيادون إذا مرت بهم جحافل من الطيور أو الضباع وما أشبه ذلك يصيرون أول ما يصيدون قائدهم فإذا صادوا القائد ارتبكت المجموعة فسهُل صيدهم لأن كل كائنٍ من البشر لا بد له من قائدٍ يقوده ،
ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام المسافرين إذا كانوا ثلاثة يعني فأكثر أن يُأمِّروا واحداً منهم لأنه لا بد من أمير ،
وإلا لاضطربت الأحوال وصار كل إنسان يقول أنا أمير نفسي وحينئذِ يتزعزع الأمن ويحل الخوف ،
ولهذا قال المؤلف رحمه الله :
ولا غنى لأمة الإسلام ،
في كل عصرٍ كان عن إمام ،
يعني لا يمكن أن تستغني أمة المسلمين في كل عصر من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا عن إمام أي عن قائدٍ يقودها ،
وحتى الأمم الكافرة لا بد لها من إمام ولذلك تجد الأمم الكافرة ربما ينقادون لأئمتهم أكثر مما ينقاد بعض المسلمين لأئمتهم لأنهم يعلمون أن الأمن الاستقرار إنما يكون في اتباع الأئمة والانقياد لهم والانصياع لأوامرهم ،
وهذه مسألة يغفل عنها كثيرٌ من المسلمين حدثنا بعض من يذهبون إلى بلاد الكفر أن رعاياهم يتبعون الأنظمة تماماً ويطبقونها تماماً أنظمة المرور وأنظمة الأمن وغير ذلك مع أنهم كفار لا يرجون بهذا ثواباً من الله عز وجل ، لكن يعلمون أن انتظام الأمة وحفظ أمنها لا يكون إلا بهذا باتباع أوامر الرؤساء ،(2/154)
فلذلك كانوا أشد تطبيقاً من المسلمين أو من بعض المسلمين لطاعة ولاة الأمور ، مع أننا نحن بامتثالنا لطاعة ولي الأمر نرجو الثواب من الله عز وجل وبالمخالفة نخاف العقاب ،
لأن مخالفة أي نظام من أنظمة الدولة بدون سببٍ شرعي والسبب الشرعي سببٌ واحدٌ وحيد وهو أن يأمروا بمعصية الله ما سوى ذلك تجب علينا طاعته من أجل حفظ الأمن ،
بعض الناس يتوهم أنه لا تجب طاعتهم إلا حيث أمروا بما أمر الله به وهذا وهمٌ باطل ،
لأنهم إذا أمروا بما أمر الله به فأمرهم هذا تأكيدٌ لأمر الله فقط ولو أمرني أي واحد بما أمرني الله به لكانت الطاعة مفروضةً علي لأنه أمر الله لكن طاعة ولاة الأمور في غير المعصية شيءٌ وراء ذلك ،
فيجب علينا أن نطيع ولاة الأمور في كل ما أمروا به ما لم يأمروا بمعصية ،
فإذن لا بد للأمة بل وغير الإسلامية لا بد لها من إمام يقودها يوجهها يأمرها ينهاها وإلا لضاعت وأصبحت الأمور فوضى ،
قال الشاعر [65] :
لا يصلح الناس فوضى لا سَراةَ لهم ،
ولا سَراةَ إذا جُهَّالُهُم سادوا [66] ،
فلا بد من قيادة ولا بد من أن تكون هذه القيادة حكيمة ،
قوله : ( عصر ) : عصر بمعنى وقت والوقت كما نعلم هو ظرف الحوادث والأحداث ،
ولهذا أقسم الله به في قوله تعالى : { والعصر إن الإنسان لفي خسر } ( العصر 1 – 2 ) .
لأن العصر هو ظرف الأحداث والحوادث كل عصر ،
لا بد للأمة الإسلامية من إمام [67] ، يذب عنها كل ذي جحود ويعتني بالغزو والحدود ،
******************
172 – يذب عنها كل ذي جحود ،
ويعتني بالغزو والحدود ،
قوله : ( يذب ) : يعني يطرد ،(2/155)
قوله : ( كل ذي جحود ) : أي كل ذي كفر ، هذه فائدة من فوائد الإمامة أن الإمام يذب أهل الكفر عن بلاد المسلمين يعني يرد ويطرد ويمنع كل ذي جحود من أن يعتدي على بلاد المسلمين ومن المعلوم أنه ليس يمنع بنفسه يمنع بجنوده ،
الفائدة الثانية : قوله : ( ويعتني بالغزو ) : يعني غزو الكفار ،
والشطر الأول : للمدافعة ،
والشطر الثاني : للمهاجمة يعتني بالغزو غزو الكفار ومقاتلتهم ،
لأن الواجب على المسلمين أن يقاتلوا الكفار فرض كفاية أن يقاتلوا الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله إذا نظرنا في واقعنا اليوم وإذا هذه ممحوة من القاموس مسألة غزو الكفار ممحو من القاموس أليس كذلك ؟ اللهم إلا ما يقع مدافعة ومع ذلك ما يقع مدافعة لا تكاد تجد من يساعد هؤلاء المدافعين إلا من أفراد الشعوب ،
أما الحكومات الإسلامية مع الأسف ونقولها بكل مرارة : فإنها لا تساعد على الأقل مساعدةً ظاهرة بالنسبة للدفاع عن المسلمين والأحداث لا يحتاج أن أفصلها لكم لأنها أمامكم منشورة مشهورة ،
فلا بد من مقاتلة الكفار : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } ( البقرة 193 ) ، لا بد من هذا فرض كفاية ،
ومعلومٌ أن فرض الكفاية يحتاج إلى شرط وهو القدرة بالنسبة للشعوب لا قدرة لهم بالنسبة للحكومات الله حسيبهم منهم من يقتدر ومنهم لا يقتدر وفي ظني أن كل واحدٍ منهم يقتدر بالنسبة للمضايقات الدبلوماسية لكن لا شيء ، هذا واحد ،
الثالث : قوله : ( والحدود ) : يعني يعتني بالحدود ،
والحدود جمع حد ،
والحد في اللغة : المنع ،
والمراد به هنا ( العقوبات المقدرة في فعل معصية ) [68] ، هذه الحدود ،
العقوبات التي قدَّرها الله ورسوله في فعل معصية ،
مثل : قطع يد السارق هذا حد متى ثبت في السرقة وتمت شروط القطع فإنه يجب هذا القطع حد متى تمت شروط القطع وجب تنفيذه وجوباً ،
فالحدود يجب تنفيذها وهي رحمةٌ من الله عز وجل لعباده إذ أنها كفارةٌ للفاعل وردعٌ لغيره ،(2/156)
الحدود فيها فائدتان :
1 - كفارةٌ للفاعل الذي أقيم عليه الحد ،
2 - وردعٌ لغيره ،
قد يقول قائل : لكن فيها إتلاف عضوٍ من الأعضاء وربما يكون هذا العضو عاملاً من أكبر العمل مثلاً ربما يكون الإنسان عنده صناعة قنبلة وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا بد منها فماذا نقول ؟
نقطعها نبترها حتى لا يجيء آخر فيسرق ،
ولهذا قال الله تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ( البقرة 179 ) ، مع أن القصاص إضافة إزهاق نفسٍ إلى نفسٍ أخرى فالمقتول واحد وبالقصاص يكون اثنين لكن هذا فيه حياة كم من إنسانٍ يرتدع عن القتل إذا علم أنه إذا قتل قُتل ولهذا قال : { ولكم في القصاص حياة } .
ومن الحدود : حد الزنا .
وهو على حسب الجرم فالبكر حده مائة جلدة وتغريب سنة ،
يعني يُجلد مائة جلدة ويُطرد عن البلد لمدة سنة .
والثيب الزاني قد منَّ الله عليه بالنكاح حده الرجم يُرجم بالحجارة ، حجارة لا صغيرة ولا كبيرة حتى يموت .
وإذا مات هل يُصلى عليه ؟
نعم ، يُصلى عليه .
لأنه مسلم ويُدعى له بالمغفرة والرحمة .
ومن الحدود : حد القذف ، القذف : هو أن يرمي المُحصن بالزنا ،
المحصن يعني العفيف بأن يقول لشخصٍ عفيف ذكر أنثى إنه زان فهذا :
إما أن يقيم البيِّنة أربعة رجال يشهدون ،
وإلا فحدٌّ في ظهره ، { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } ( النور 4 ) .
وقد رتَّب الله على القتل ثلاثة أمور : { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } ، ثلاثة .
{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } ( النور 5 ) .
وهذا الاستثناء يعود على قوله : { وأولئك هم الفاسقون } : يعني إذا تابوا وأصلحوا زال عنهم الفسق .
وهل يعود إلى ما قبلها وهو عدم قبول الشهادة ؟
فيه خلاف :
فمنهم من يقول : إنه إذا تاب قُبلت شهادته [69] ،
ومنهم من يقول : لا [70] ،(2/157)
لأن الله تعالى قال : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } ، الأول : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } .
إذا تاب لا يعود عليه بالاتفاق ،
فصارت هذه العقوبات الثلاث :
الاستتثناء لا يعود على آخرها بالاتفاق ، ولا يعود على أولها بالاتفاق ،
وهل يعود على الأوسط ؟
فيه خلاف ،
ومن الحدود : حد قطاع الطريق : { الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } ( المائدة 33 ) ، يقفون على الطرق معهم السلاح ومن مر أخذوا ماله أو قتلوه وما أشبه ذلك ،
هؤلاء حدُّهم : { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ( المائدة 33 ) .
كم ذكرنا من الأنواع ؟
أربعة أنواع هذه كلها حدود لا إشكال فيها ،
واختلف العلماء في الخمر هل عقوبته حدٌّ أو تعزير [71] ؟
والصحيح : أنها تعزير [72] ،
ويدل لذلك ما يكاد يكون إجماعاً من الصحابة ،
حيث إنه لما كَثُرَ الناس في شرب الخمر جمع عمر رضي الله عنه الصحابة واستشارهم ماذا نصنع ؟ فقال عبدالرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون يعني فاجلد شارب الخمر هذا الجلد فأمر به عمر فارتفع إلى ثمانين جلدة [73] ،
وهذا يكاد يكون كالإجماع لأنه يقول : أخف الحدود ، يعني أن عقوبة الخمر ليست حداًّ ،
ويدل لذلك أيضاً : أنه لو كانت عقوبة الخمر حداًّ ما كان لعمر أن يغيرها ، { تلك حدود الله فلا تعتدوها } ( البقرة 229 ) ، ولهذا لو كثر في الناس الزنا نسأل الله العافية ،
هل نزيد المائة جلدة إلى مائتين مثلاً ؟
لا ، لا يمكن الحدود لا تُزاد ،
وهذا يدل على أن عقوبة شارب الخمر ليست من الحد ،
لكن المشهور عند أكثر العلماء : أنها حد ،
هذه خمسة ،
قتل المرتد هل هو حد أو لا ؟
قتل المرتد ليس حداًّ ،
لأن الحد لا يسقط بعد القدرة وقتل المرتد يسقط بعد القدرة إذا تاب ،
في الحدود إذا قدرنا على الفاعل لا يسقط الحد ولو تاب [74] ،(2/158)
أما الردة فإذا تاب منها ولو بعد القدرة عليه فإنه لا يُقتل يحرم قتله ،
إلا ما قيل في الساحر : إنه يُقتل حداًّ [75] ،
لحديث : ( حد الساحر ضربةٌ بالسيف ) [76] ،
القصاص هل هو حد أو لا ؟ ،
ليس بحد ، القصاص ليس بحد ،
ولذلك لو أن أولياء المقتول عَفَوْا يُقتص من القاتل ، إذن ليس بحد ،
وقد رأيت بعض المتأخرين المعاصرين يجعل الحدود سبعة أنواع ، ويُدخِل حد الردة والقصاص ،
وهذا خطأ وغلط ،
لأن الحد عقوبةٌ مقدرة من الشرع لا تسقط بإسقاط أحد [77] ،
حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما شفعوا إليه في المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتشحذه فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقطع يدها غضب وخطب الناس وقال لأسامة وقد شفع إليه : ( أتشفع في حدٍّ من حدود الله ؟ ) [78] ،
ولو أن القاتل لما طلب أولياء المقتول أن يُقتل وشفع أحدٌ فيه فهل يُنكر عليه ؟
لا يُنكر لأن الحق لهم ،
لو أن أولياء المقتول قالوا : لا بد أن نقتل القاتل وحكم القاضي بقتله فجاء رجلٌ طيب وعرف أن هذا القاتل رجل من الخيار لكن سوَّلت نفسه قتل أخيه فقتله ذهب إلى أولياء المقتول وشفع إليه فلا بأس ،
ولو كان حداًّ لحرمت الشفاعة إليه ،
إذن من مهمات الإمام إقامة الحدود ،
وهذا يعني أنه يجب على الإمام أن يقيم الحدود على أي إنسانٍ كائناً من كان ،
لو سرق أبو الحاكم أبو الإمام يأمر بقطع يده سبحان الله أبوه يا جماعة أين البر ؟
يقطع يده وهذا من البر هذا صحيح ،
لأن الحد كفارةٌ له يسقط عنه عقوبة الآخرة من عقوبة الدنيا هذا جواب ،
جواب آخر أن نقول : هذا الحق ليس حقاًّ للإمام هذا حقٌّ لله عز وجل رب الإمام ورب أب الإمام فإذا أمر بقطع يد أبيه لأنه سرق قلنا : جزاك الله خيراً ،
هذا محمدٌ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أقسم إقساماً أمام الناس قال : ( وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) [79] ،
******************(2/159)
173 – وفعل معروفٍ وترك نكر ،
ونصر مظلومٍ وقمع كفر ،
قوله : ( وفعل معروف ) : هذا الرابع من مسؤوليات الإمام ،
يعني ويعتني بفعل المعروف يعني أن يفعل هو المعروف أو يأمر بالمعروف أو الأمران ؟
كلاهما لكن الأول له ولغيره فعل المعروف كل إنسان مطالب به ،
لكن الأمر بالمعروف أول من يُطالب به الإمام ،
يجب عليه أن يأمر بالمعروف إما بنفسه وإما بنوابه وجوباً ،
الأمر بالمعروف من مهمات الإمام ومن مسؤولياته وإذا أُضيع لا قدَّر الله فإن الله سوف يسأله عنه يوم القيامة سؤالاً مباشراً ،
ولذلك كان من توفيق الله لهذه البلاد أن يسَّر الله فيها إقامة آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر من قِبَلِ الإمام ونسأل الله تعالى أن يوفِّق الإمام حتى يعطيهم جميع الصلاحيات التي يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
الأمر بالمعروف من مسؤوليات الإمام فلنسأل ما هو المعروف ؟ هل المعروف ما تعارف الناس عليه ؟ أو المعروف ما عرفه الشرع وأقره ؟
{ وعاشروهن بالمعروف } ( النساء 4 ) ، ماذا تقولون ؟ ما المراد بالمعروف ؟
ما تعارف الناس عليه ،
هنا لماذا لا نقول : ما تعارف الناس عليه ؟
لو قلنا بذلك لفسدت الدنيا وفسد الدين وصار لكل بلدٍ شرع ،
لأن أعراف الناس تختلف من الناس من يستبيحون أن يقيموا أسواق الدعارة ،
فهل يكون ذلك معروفاً لأنهم يتعارفون ذلك بينهم ؟،
لا ،
من الناس من تُباع عندهم جرار الخمر كما تُباع جرار البيبسي فهل هذا معروف ؟
لا ،
إذن المعروف ما عرفه الشرع وأقره ،
وإن شئت فقل وهو أدق ما شرعه الشرع ، ما شرعه لأن شرعه إياه اعترافٌ به ،
فكل المشروعات كل ما شرعه الله ورسوله فهو معروف ،
ثم الأمر به على حسب مرتبته فالأمر بالواجب واجب والأمر بالمستحب مستحب ،
الأمر بالمعروف يحتاج إلى شروط لا بد من تحققها ،(2/160)
وسيأتينا عن شاء الله في الفصل الذي بعده شروطها فنؤجل هذا إلى ما بعد ،
قوله : ( وترك نُكْرِ ) : ترك المنكر أيضاً المسؤولية على الإمام ،
وليعلم أن ترك المعروف وفعل المنكر إذا كان مستتراً عن الإمام فليس من مسئوليته ليس من مسئوليته ،
مسئوليته الظاهر لكن المنكرات في البيوت إذا لم يطلع عليها فإنها ليست من مسئوليته لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،
من المنكرات التي يجب على الإمام أن يمنعها أن يظهر النصارى أو اليهود أو البوذيون أو غيرهم من أهل الكفر ما يكون شعاراً لهم في بلاد الإسلام ،
مثل : أن يعلق النصراني صليباً في صدره ممنوع في بلاد الإسلام يجب منعه ولكن بالتي هي أحسن ،
سمعت أن بعض الأخوة الناهين عن المنكر رأى فليبينياً قد تقلَّد قلادة ذهب وفي أسفلها الصليب فأمسك بالقلادة وبترها كادت تحز رقبته أو تقطعها هل هذا من الخير ؟
لا ، هذا إساءة للإسلام وغلط ،
والواجب أن مثل هذا يُنصح لو أنه قال لهذا الرجل : يا رجل أخفي هذا ، بلطف لحصل المقصود بدون عنف .
والله تعالى يحب الرفق في الأمر كله .
كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( رفيقٌ يحب الرفق في الأمر كله ) [80] .
إذن يجب على الإمام أن يمنع المنكرات فما كان مُعْلَنَاً فالأمر واضح أنه من مسئوليته وما كان مستوراً فإن علم به فعليه مسئوليته وإن لم يعلم فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ،
ما هو المنكر ؟ ما أنكره الناس ؟
لا ما أنكره الشرع ومنعه فهذا هو المنكر ،
أما ما أنكره الناس فهذا يُنظر فيه ،
إن كان مشروعاً فالواجب إظهاره ،
مثل : لو أنكر الناس الصلاة في النعال وكانوا ينكرون ذلك فهنا أنكروا معروفاً فهنا لا يُجابون على ذلك بل يُبيَّن الحق حتى يطمئن الناس إليهم ،
وأقول لهم ذلك حين كانت المساجد مفروشةً بالحصباء أو بالرمل ،
أما الآن فلا يمكن الصلاة بالنعال لما في ذلك من تلويثها وأكثر الناس لا يهتمون عند الدخول في المسجد ،(2/161)
ويمكن للإنسان أن يحصِّل السنة بأن يصلي في بيته بنعاله ،
وأما ما أنكره الناس مما ليس مشروعاً فإنه يُنكر لئلا يقع الإنسان في الشُّهرة ،
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الشهرة حتى لا يُذكر المرء في المجالس ،
لأن الإنسان الذي يخالف عادات الناس سوف تلوكه ألسنتهم :
إما بالذم ،
وإما بالمدح ،
والغالب أنه يكون بالذم الغالب أن يكون بالذم ،
فلو قام طالب علم من طلبة العلم المحترمين وخرج إلى الناس ببنطلون وبُرنيطِه وكرافِتِّه ماذا يقولون الناس ؟ شهرة أو لا ؟
شهرة مع أنه في الأصل مباح إذا لم يكن تشبهاً للكفار ،
لكنه مخالف للعادة فيشتهر الإنسان به ويكون ملاكاً تلوكه الألسن ،
ولماذا نُهِيَ عن لباس الشهرة مع أنه قد يكون طيباً ؟
لئلا يُشتهر به الإنسان ويُذكر في المجالس ،
والناس في الواقع لا يجعلون بالاً لهذا الأمر وهو مسألة الشهرة تجد إنسان لا يبالي بأحد اشتهر أو لم يشتهر ،
هذا غلط لأنك عرَّضت لنفسك لماذا ؟ لأي شيء ؟ للكلام في المجالس فلان ماذا به ؟ انهبل ماذا جاءه ؟ وهَلُمَّ جراَّ ،
والإنسان في غنىً عن أن يتكلم الناس به ،
إذن ما هو المنكر ؟
ما أنكره الشرع ولم يقره ،
أما ما أنكره العرف فيُنظر فيه :
إن كان من الأمور المشروعة فلا بد أن يُرَوَّضَ الناس عليه وأن يُفعل أمامهم حتى يطمئنوا إليه ،
وما لم يكن كذلك فإنه من الشهرة التي نُهي عنها وعرفتم الحكمة في النهي عن الشهرة ،
هذه خمسة أشياء ،
السادس من مسؤولياته : نصر المظلوم يجب على الإمام وعلى غيره أيضاً ،
ولكن على الإمام بالدرجة الأولى ،
لأنه هو الذي يستطيع أن ينصر المظلوم وذلك برفع الظلم عنه إن كان قد وقع ودفعه عنه إن كان مُتوقعاً بأن يسمع إنسان يهدد شخصاًَ بأخذ ماله أو غيره فيمنع أو يكون إنسان فعلاً قد استولى على حقِّ غيره فيرفعه ،
فعلى الإمام مسؤولية نصر المظلوم ،
وغيره عليه أيضاً أن ينصر المظلوم ،(2/162)
لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) [81] ،
لكن غير الإمام قد لا يتسنى له ذلك قد يكون الظالم أكبر من الذي يريد أن يرفع الظلم ،
وحينئذِ لا يقدر لكن الإمام لا أحد فوقه من البشر فيجب عليه أن ينصر المظلوم ،
كيف ذلك ؟
يدفع المتوقع ويرفع الواقع ،
وبماذا يرفع الظلم ؟
إذا كان هذا الرجل قد اِسْتُوْلِيَ على أرضه مثلاً له أرض استولى عليها ظالم ، فيجب عليه أن يزيل هذا الاستيلاء ،
إنسان سُرق منه حاجة يجب على الإمام أن يرد هذه الحاجة إلى صاحبها ،
ولكن لا بد من شروط لا بد من ثبوتها ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى قوم دماء رجالٍ وأموالهم ) [82] ,
هذا الباب في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، و نصب الإمام لا بد منه [83] ،
وقد صرَّح العلماء بأنه فرض كفاية وهذا واضح ،
قوله : ( وقمع كفر ) : قمع الكفر يعني إذا ظهر ،
وهذا غير الذب ذب الجحود ،
لأن ذب الجحود يعني دفعه ومنعه ،
أما هذا فقمعه بعد وقوعه ،
والكفر كما نعلم كفرٌ صريح بالسلاح وهذا له جهاد وكفرٌ باطن ، وهذا أيضاً يجب أن يُقمع ،
مثل : أن يكون هذا الرجل متظاهراً بالإسلام لكن له أفكاراً رديئةً ينشرها في الأمة ،
فهذا أيضاً يجب على ولي الأمر أن يقمعه ولا يجوز له أن يُمَكِّنَهُ من كفره الذي ينشره في الأمة وإن كان يتظاهر بالإسلام ،
وذلك لأنه إذا لم يقم بهذا انتشر الكفر واستشرى في الأمة من حيث لا يعلم ،
قد يقول قائل : إذا كان هذا الرجل له فكرٌ رديء ، يدعو إليه ، أفلا كنتم تقولون : إن الإسلام يعطي الحرية يعطي كل إنسان حريته فأفسحوا المجال لكل من عنده رأي أو فكر يتكلم بما شاء وإلا فقد كذبتم في دعواكم ؟
نقول : نعم نحن نقول إن الإسلام قد أعطى كل إنسانٍ حريته ،
لكن ما هي الحرية الصحيحة ؟
الحرية الصحيحة التحرر من قيود الشيطان ومن قيود النفس الأمارة بالسوء ،(2/163)