- روى الطبراني مرفوعا : [ [ سيظهر قوم يقرءون القرآن يقولون من أقرأ منا ؟ من أعلم منا ؟ من أفقه منا ؟ أولئك هم وقود النار ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ من قال إني عالم فهو جاهل ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا ندعي العلم إلا لغرض شرعي ولا نقول أبدا نحن من أعلم الناس لا بلساننا ولا بقلبنا ومن أين لنا ذلك ونحن نعلم أن في بلدنا من هو أعلم منا فضلا عن الإقليم الذي نحن فيه
ثم إذا جرى القدر علينا بدعوى العلم ولو في وقت غيظ فالواجب علينا أن نبادر إلى التوبة والاستغفار على الفور خوفا من نزول المقت علينا من الله عز و جل وهذه مصيبة لا يبتلى [ بها ؟ ؟ ] أحد وهو عاقل أبدا فإنه ما من علم طالع العبد فيه وأحاط ببعضه علما إلا وسبقه إليه وإلى وضعه علماء ربما لا يصلح أن يكون هو من طلبتهم
وقد ادعى شخص مرة العلم وقال : والله لا أعلم أن أحدا من أبي بكر الصديق إلى عصرنا هذا أعلم مني في علم من العلوم فقام إليه شاب صغير لا لحية له فقال هل أنت أعلم من الإمام الشافعي ؟ هل أنت أعلم من سيبويه ؟ هل أنت أعلم من أئمة الأصول ؟ هل أنت أعلم من علماء المعاني والبيان ؟ هل أنت أعلم من أئمة التفسير ؟ هل أنت هل أنت وهكذا فما درى المدعى ما يقول فافتضح في المجلس
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول : بلغنا أن محمد بن جرير الطبري ألف تفسيرا ألف مجلدة ضخمة وكان محفوظه من متون العلوم نحو حمل مائة بعير
وكان ابن شاهين يقول : كتبت من المؤلفات ما لا أحصي عده وحسبت الحبر فبلغ ألفين من القناطير
وكان بعضهم يقول : لو كتبت ما في صدري ما حمله مركب ولم يزل في كل عصر علماء حاملون العلم لا يجيء العلماء المشهورون من طلبتهم
وسمعت شخصا ضعيف الحال مثلي يقول : والله العظيم لا أعلم الآن في مصر كلها أعلم مني ولو أنني علمت لمشيت واستفدت منه وهذا هو مجنون وأقل جزاؤه أنه حرم بركة علماء زمانه ومات بجهله
وقد رأيت شخصا يدعى القطبية يقول : أطلعني الله تعالى على دائرة الأولياء كلهم فلم أر فلانا منهم وأشار إلى شخص من صالحي عصره فقال له شخص في المجلس إن كنت صادقا فقل لي كم في لحيتك من شعرة ؟ فما درى ما يقول وخجل بين الناس وإذا كان الله تعالى نهى العلماء عن دعوى العلم مع علمهم فكيف بمن يجهل ويدعي العلم مع الجهل
وحكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله قال : اجتمع يوما في مجلس الحسن البصري رضي الله عنه خمسمائة محبرة تكتب عنه العلم فحصل له بعض عجب في نفسه فقال لا تسألوني في هذا المجلس عن علم من العلوم إلا أخبرتكم به فقام إليه صبي أمرد ضعيف يتوكأ على عصا فقال يا سيدي قد سمعنا قولك فهل للناموسة كرش أو مصران فتغير لون الحسن واصفر ثم حمل من ذلك المجلس مغشيا عليه فمات بعد ثلاثة أيام وذكر الشيخ الكامل محي الدين بن العربي رضي الله عنه عن نفسه أنه كان راكبا مرة في سفينة في البحر المحيط فهاجت الريح فقال اسكن يا بحر فإن عليك بحرا من العلم فطلعت له هائشة من البحر وقالت له : قد سمعنا قولك فما تقول فيما إذا مسخ زوج المرأة هل تعتد عدة الأحياء أم الأموات ؟ فما درى الشيخ ما يقول : فقالت له الهائشة تجعلني شيخة لك وأنا أعلمك الجواب ؟ فقال : نعم فقالت : إن مسخ حيوانا اعتدت عدة الأحياء وإن مسخ جمادا اعتدت عدة الأموات . ذكر هذه الحكاية في ترجمة مشايخه من الجن والإنس والملائكة والحيوانات وبلغنا أنه من ذلك الوقت ما سمع أحد منه رائحة دعوى العلم
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يأخذ بيده ويدخله حضرات العلوم والخزائن الإلهية حتى يرى أن جميع ما علمه هؤلاء لا يجيء نقطة من البحر المحيط
وقد استخرج أخي الشيخ أفضل الدين من سورة الفاتحة مائتي ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم وذكرنا منها في كتابنا المسمى بتنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء ثلاثة آلاف علم لا يتعقلها الإنسان إلا إن رأى أسماءها إذ لم تخطر له قط على بال
فانظر يا أخي فيما علمته من الفقه والنحو والأصول وغيرها تجده لا يجيء قطرة من البحر المحيط بالنسبة لعلوم أهل الله عز و جل
وقد نقل ابن السبكي في الطبقات الوسطى عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه كان يقول : ما أنزل الله من السماء علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وجعل لي فيه حظا ونصيبا
ثم من فوائد السلوك على يد شيخ أن السالك يصل إلى حضرة يرى جميع صفاته الظاهرة والباطنة عارية عنده وأمانة أودعها الحق عنده فلا يسوغ له أن يدعيها أو شيئا منها لنفسه أبدا حياء من الله تعالى فالناس يرونه عالما في عيونهم وهو يرى نفسه جاهلا وهناك يأمن من أن يدعى لنفسه حالا أو مقالا سرا أو جهرا ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الحجاب غالبا والدعاوي المضلة عن سواء السبيل حتى أن بعضهم قال أنا الله فكفر نسأل الله اللطف
فاسلك يا أخي طريق الأدب مع الله على يد شيخ ولو كنت من أعلم الناس عند نفسك فإنه لا بد أن يظهر لك جهلك إذا سلكت الطريق والله يتولى هداك . وفي قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام كفاية لكل عاقل وذلك أن الخضر قال لموسى عليه السلام أنا أعلم أهل الأرض يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر هذا العصفور من هذا البحر والمراد بعلم الله معلومه لقوله تعالى : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
فلو كان المراد به العلم القائم بالذات لم يصح وصفه بالقلة فافهم ومعلوم الله هو العلم الذي يبثه في قلوب عباده وهو غير علمه الأزلي الخاص به لأن علم الخلق وإن كان من جملة علم الله ففيه رائحة الحدوث من حيث إضافته إلى الخلق فافهم وإياك والغلط وإنما أولنا لك يا أخي الحديث لأن الخضر عليه السلام عالم بالله ومعلوم عنده أن علم الله تعالى لا يوصف بنقص ما ولا بد لمنقار العصفور من بلل يكون عليه فافهم فلو جعلنا المراد بعلم الله القائم بالذات لما صح وصفه بالنقص على قدر ما أخذ العصفور ولا قائل بذلك ويصح أن يريد الخضر الإشارة للقلة على وجه ضرب المثل ولو أنه عبر بما تأخذه الناموسة على فمها من البحر لساغ له ذلك أيضا لأنه أقل مما يأخذه منقار العصفور فاعلم ذلك (1/275)
- روى الطبراني مرفوعا : [ [ إن الشريعة جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ] ] . انتهى فلا ينبغي لأحد أن يرد على من يجادله إلا إن نظر في هذه الطرق كلها ولم يجد كلام خصمه يوافق طريقة واحدة منها وما ذكر الشارع ذلك إلا سدا لباب الجدال بغير علم تقوية للدين فإن النزاع يوهنه ويضعفه . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا يقوم الدين إلا بالاتفاق عليه لا بالاختلاف فيه ثم لا يصح للعلماء اتفاق إلا إن خرجوا عن رق الشهوات النفسانية وما لم يخرجوا فلا يصح لهم ارتباط قلوبهم مع بعضهم بعضا أبدا . فاعلم أن أنصار الدين حقيقة هم الذين سلكوا الطريق وخرجوا من حضرة النفوس إلى حضرة الأرواح فإن الأرواح لا شهوة لها إلى شيء من الأغراض النفسانية أبدا وهناك يكون نصرتها للدين خالصة من الشوائب فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك . وقد روى البيهقي والترمذي وغيرهما مرفوعا وحسنه الترمذي : [ [ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل . ثم قرأ صلى الله عليه و سلم : { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ] ] . والألد : هو شديد المخاصمة . والخصم : هو الذي يحج من يخاصمه ويدحض حجته : اللهم إلا أن يقوم لنا صاحب بدعة لا يشهد لها كتاب ولا سنة فلنا إدحاض حجته نصرة لله ولرسوله وللمسلمين : والله غفور رحيم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجادل في علم من العلوم الشرعية إلا بقصد نصرة الدين بشرط الإخلاص والحضور مع الله تعالى في ذلك على الكشف والشهود لا على الظن والرياء والغفلة والتخمين ومغالبة الخصوم من أهل مذهبنا أو غيرهم
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ متضلع من علوم الشريعة قد اطلع على جميع أدلة المذاهب المستعملة والمندرسة وسلك طريق القوم في درجات الإخلاص
وأما من أراد العمل بهذا العهد بنفسه من غير شيخ فهو يروم المحال غالبا وقد اطلعت بحمد الله تعالى على العين التي يتفرع منها جميع المذاهب في حال سلوكي وتأملت جميع مذاهب المجتهدين ومقلديهم وهي متفرعة عنها كشفا ويقينا فلم يخف علي بحمد الله تعالى من منازع أقوالهم إلا النادر ولو أنني كنت سلكت وحدي بغير شيخ لكنت محبوسا خلف حجاب التقليد للأقوال لا أعرف من أين جاءت . ف { الحمد لله رب العالمين }
واعلم يا أخي أنه لا ينبغي لمقلد الإمام أن يسمي جماعة الإمام الآخر خصوما كقوله إن قال الخصم كذا قلت كذا فإن حسن الأدب في اللفظ من أخلاق العلماء العاملين
وقد أطلعني إنسان مرة على كتاب في الرد على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فرأيت تلك الليلة في واقعة الإمام أبا حنيفة وقد تطور نحو سبعين ذراعا في السماء وله نور كنور الشمس وأجد ذلك العالم الذي رد عليه تجاهه يشبه الناموسة السوداء انتهى . وإذا كان إمامنا الشافعي رضي الله عنه يقول : الناس كلهم في الفقه عيال على أبي حنيفة فكيف يسوغ لأمثالنا أن يتصدر للرد عليه ؟ هذا فوق الجنون بطبقات وقد قال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } . فأمر الله تعالى بإقامة الدين لا بإضجاعه بالتكبر على أئمته وهذا الأمر قد فشي في مقلدي المذاهب فترى كل إنسان يدحض حجة مذهب غيره حتى لا يكاد يبقى له تمسكا بكتاب ولا سنة وذلك من أقبح الخصال وإنما كان اللائق بهم الجواب عن اللائمة إما بعدم إطلاعهم على ذلك الدليل الذي ظفر به الراد عليهم وإلا بان ذلك المجتهد منزعا في الاستنباط من وجوه قواعد العربية يخفى على أمثالنا
وقد بلغنا أن الإمام الشافعي لما دخل بغداد وزار قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه حضرته صلاة الصبح فترك القنوت مع أنه يقول به فقيل له في ذلك فقال استحييت من الإمام أن أقنت بحضرته وهو لا يقول به . فرضي الله تعالى عن أهل الأدب . هذا من باب الآداب والسنن أما الواجب والحرام فإذا قام عند المجتهد دليل فيه فليس له أن يتركه أدبا مع من يخالفه فافهم
وقد حكى الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية أن من وراء النهر جماعة من الشافعية والحنفية لم يزل الجدال بينهم قائما طول السنة حتى أن بعضهم يفطر في رمضان ليتقوى على الجدال مع خصمه (1/276)
- روى مسلم وغيره مرفوعا : [ [ اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم ] ] . قال الحافظ المنذري رحمه الله : وإنما نهى عن التخلي في طريق الناس وظلهم لأنه يؤذي المار والجالس قالوا وليس كل ظل ينهى عن قضاء الحاجة فيه لأنه صلى الله عليه و سلم قضى حاجته تحت خائش [ حائط ؟ ؟ ] نخل وهو لا يخلو عن ظل . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : أعلم أن اللعن الوارد في السنة يختلف باختلاف الأثر المترتب عليه خفة وثقلا وقبحا فلكل فعل قبيح لعن يناسبه وإلا فأين لعن من فعل فعل قوم لوط ممن بال في طريق الناس وكذلك القول في مقت الله عز و جل يتفاوت بتفاوت ذلك الفعل فللكفار لعن ولمرتكب الكبيرة لعن ولمرتكب الصغيرة لعن ولمرتكب المكروه لعن فليتأمل ويحرر . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه لعنتهم ] ] . وروى مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يبال في الماء الجاري . وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ لا يبولن أحدكم في مغتسله ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وغيره : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبول الرجل في مستحمه وقال : إن عامة الوسواس منه . وروى الإمام أحمد وغيره : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبال في الحجر . قالوا لقتادة وما يكره في ذلك ؟ فقال : كان يقال إنها مسكن الجن . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نفعل شيئا قط يؤذي المسلمين إلا بطريقة الشرع كإقامة الحدود والتعزيرات والتأديبات وذلك كأن يتغوط أحدنا على ملاقي الأخلية التي يدخلها الناس أو يبول في مكان جلوس الناس في الظل أو الشمس أو مكان جلوسهم في الحمام وغير ذلك من سائر الرذائل خوفا أن يتبع على ذلك فينبغي لقاضي الحاجة أن يحرر نزول الغائط في طاقة الخلاء ويبول في خلاء الحمام أو في بالوعته وكما ينبغي له أن يخفي عن الناس رؤيته حال قضاء الحاجة فكذلك ينبغي له أن يخفي ما خرج من بوله وغائطه ولا يطلع أحدا عليه . قال سيدي علي الخواص : وينبغي قياس الأذى المعنوي على هذا الأذى المحسوس وذلك كأن يدخل على أحد من العوام وغيرهم الشبه بأن يذكر لهم العقائد الزائغة والأقوال التي يردها ظاهر الشريعة كمسألة زل فيها عالم تتعلق بالنكاح أو بأكل شبهة ونحو ذلك فربما تسارعت نفس العامي إلى التدين بها فيهلك مع الهالكين وصار إثم ذلك في عنق ذلك العالم . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يلقيه في درجات الشفقة على المسلمين وأديانهم وأبدانهم وثيابهم حتى يكون أشفق على المسلمين من أنفسهم وراثة محمدية ومن طلب الوصول إلى العمل بهذا العهد بغير شيخ فقد أتى البيوت من غير أبوابها وقد من الله تعالى علي بهذه الشفقة فأنا بحمد الله أشفق على دين الإنسان وبدنه من نفسه . وإيضاح ذلك أنني أحزن على فوات الخير للمسلمين أكثر من حزنهم إذا فاتهم وأشفق على أبدانهم من دخول النار إذا أكلوا الحرام أكثر مما يشفقون هم عليها وأطلب لهم احتمال الأذى من جميع الأنام وعدم مقابلة الناس بالأذى وهم لا يرضون بذلك بل ينتصرون لأنفسهم ويحرمون نفوسهم ثواب الله تعالى وهكذا فقس عليه والله يتولى هداك (1/277)
- روى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ لا يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك ] ] . وفي رواية له : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يبعد عن الناس إذا قضى حاجته حتى لا يرى أحد شخصه . وروى الترمذي وغيره مرفوعا : لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحشا ولا متفحشا . وروى الترمذي وحسنه مرفوعا : [ [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك شيء من آداب السنة المحمدية كما عليه بعض المتهورين فيترك أحدهم السنة ويقول الأمر سهل وربما أشعر ذلك اللفظ بالاستهانة بتركها رغبة عنها وذلك كفر فليحذر الفقيه المتدين من مثل ذلك
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا نجد شيئا يخل بالمروءة إلا وهو مخالف للشريعة وما من مأمور شرعي إلا وله درجة في الجنة لا تنال تلك الدرجة إلا به وكذلك القول في أهوال يوم القيامة لا يلحق العبد هول منها إلا بفعله منهيا عنه في دار الدنيا فلكل منهي كرب يلحق صاحبه هناك ومن أحكم فعل المأمورات وترك المنهيات لا يلحقه هناك غم ولا هم ولا حزن ومن أخل بشيء من ذلك لحقه الكرب والهم بقدر ما أخل
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول : ما أخل أحد بآداب الشريعة إلا وترقى لفعل المكروهات ولا فعل المكروهات إلا وترقى لفعل الحرام وكان يقول من رأيته يتعاطى الأسباب التي تخل بالمروءة فلا ترجو له خيرا قال وذلك كان يدخل مع والد زوجته أو ولدها أو أخيها الحمام أو يكلم أحدا وهو يقضي الحاجة في الخلاء أو يخرج صوتا بحضرة الناس أو في المسجد أو يقضي الحاجة قريبا من الناس بحيث يسمعون صوت الخارج من ريح أو بول أو لا يستر شخصه عند البراز ويتكلم بكلام الفساق والأراذل مما يستحي أرباب المروءة أن ينطقوا به ونحو ذلك
وما رأت عيني إلى وقتي هذا اكثر مروءة من ولد عمي الشيخ أحمد وشخص من جبلية الوالي كان ينام عندنا في المسجد أما ولد عمي فكان لا يقدر قط يقضي الحاجة وأحد ينظر إليه وقد سافرت معه من مصر إلى المحلة الكبرى في المركب فما قدر على إخراج بول ولا غائط وكان يطلع البر مع الناس فيجلس فيتخيل أن أحدا ينظر إليه فلا يخرج له شيء ويرجع بلا قضاء حاجة مع أنه كان يتباعد أكثر من جميع الناس وأما الشخص الجبلي فسمع مرة صوت ريح من نائم عندنا فامتنع من النوم في المسجد وأكرى له حاصلا وصار ينام فيه خارج المسجد وقال : خفت أن يخرج مني ريح وأنا نائم في المسجد
وأما أم ولدي عبدالرحمن رضي الله عنها فلها الآن معي تسع عشرة سنة فما رأيتها قط وهي تقضي حاجتها في خلاء البيت إلى وقتي هذا رضي الله عنها
فاعلم أن علو الهمة والمروءة من الإيمان
وقد أجمع أهل الطريق على أن كل مريد تعاطى قضاء حاجته بالقرب منه وهو يزحف من غير أن يقوم لها فلا يجيء منه شيء في الطريق وكذلك إذا أرسله شيخه في حاجة إلى السوق فقال انظروا هل بقي حاجة أخرى حتى آتي بهما جميعا فلا يجيء منه شيء في الطريق إلا أن يكره خروج الطريق لغرض شرعي
وقد بلغنا أن شخصا من الفقراء خطب ابنة سلطان فقال له السلطان إن مهر ابنتي غال عليك فقال كم هو ؟ قال مائة جوهرة كل جوهرة بألف دينار فقال وأين معدن تلك الجواهر ؟ فقال له السلطان في بحر الظلمات فأخذ الفقير قصعته وذهب إلى البحر فما قدر على الغوص فيه فصار يغترف من البحر ويرش على الساحل فمر عليه شخص فقال له فماذا تصنع من هذا البحر بقصعتك هذه فقال لا أرجع حتى أصل إلى الجوهر أو أموت وأنا طالبه فبلغ ذلك السلطان فأعجبته مروءته فقال مثلك يصلح أن يكون وزيرا فأعطاه الوزارة وزوجه ابنته . فهكذا ينبغي للمؤمن الخاطب للمعالي . { والله غفور رحيم } (1/278)
- روى البخاري وابن حبان في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال [ [ إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما لا يستبرئ من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة ] ] . وبوب عليه البخاري : باب من الكبائر أن لا يستبرئ من بوله . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إن أهل النار يتأذون من رائحة من لم يتنزه من بوله زيادة على ما بهم من الأذى فيقولون له : ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول : إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول منه ولا يغسله ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك المبادرة إلى غسل الجنابة التي تصيبنا في بدننا أو ثيابنا بحيث يدخل وقت الصلاة ونحن لم نتطهر منها وكذلك القول في الحدث الأصغر والأكبر لا سيما إن كان عصى به كأن قبل أجنبية أو باشر حائضا فينبغي المبادرة إلى الطهارة من ذلك كما نبادر بالتوبة بل بعضهم أوجب المبادرة فورا إلى الغسل من الجنابة التي عصى بها كما هو مقرر في كتب الفقه وربما أخر الإنسان الغسل إلى غسل النجاسة عن بدنه حتى دخل وقت الصلاة فلا يفرغ من ذلك حتى تفوته صلاة الجماعة وهذا العهد مفقود بإزالة النجاسة الحسية ويقاس على ذلك النجاسة المعنوية المتعلقة بالباطن كسوء الظن بأحد من المسلمين أو حدوث رياء أو حسد أو غل أو حقد أو عجب أو كبر أو نحو ذلك من المعاصي الباطنة ولذلك ورد : إن عامة عذاب القبر من البول . مع أنه معدود من النجاسة الظاهرة فالباطنة أولى لأن القلب محل نظر الرب كما يليق بجلاله قال صلى الله عليه و سلم : أن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم . رواه مسلم . وأيضا فكما لا تصح صلاة أحدنا وفي ظاهر جسده لمعة لم يصبها الماء أو نجاسة لا يعفى عنها فكذلك القول في نجاسة الأخلاق الردية
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : أجمع الأئمة على وجوب الخلوص من النجاسات الباطنة وعدوها من الكبائر كما يدل لذلك ما ورد من الأحاديث كعقوق الوالدين والكبر والشك في الله والحقد والغل وغير ذلك وقد ورد : لا يرفع للعاق عمل إلى السماء ولا للمشاحن . فعدم رفع العمل يدل على عدم صحته كما لو تعاطى مبطلا ظاهرا بترك شرط من شروط الصلاة قال وما جعل الشرع الطهارة على الأعضاء الظاهرة إلا ليتنبه المكلف على الأخذ في طهارة محل نظر الله من باب أولى كلما تطهر فإن الحضرة محرم دخولها على من كان عليه نجاسة ظاهرة أو باطنة ولو أراد أن يدخل لما قدر وقد أغفل هذا غالب الناس اليوم فترى أحدهم يأكل حراما ويستغيب الناس ويقع في أعراضهم ويقع في النميمة وغير ذلك ثم يصير يدلك يده بالماء ويتوسوس في الوضوء حتى ربما غسل العضو أكثر من ثلاث مرات لغلبة نظره إلى ظاهره دون باطنه . ومعلوم أن من كمال الإيمان المطابقة بين الظاهر والباطن في الطهارة
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يدخل به حضرات الإيمان حتى يشرف به على أحوال يوم القيامة ويخرق ببصره إلى الدار الآخرة ويصير ينظر في باطنه أكثر من ظاهره ومن لم يسلك على يد شيخ فمن لازمه الوقوف مع طهارة ظاهره حتى يموت
فاسلك يا أخي على يد شيخ ليوصلك إلى ما ذكرناه والله يتولى هداك (1/279)
- روى الترمذي مرفوعا وحسنه : [ [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ] ] . وفي رواية لابن ماجه وغيرها مرفوعا : [ [ امنعوا نسائكم الحمام إلا مريضة أو نفساء ] ] . وروى الحاكم مرفوعا وقال إنه صحيح الإسناد : [ [ الحمام حرام على نساء أمتي ] ] . قلت : ويقاس على الحمام غيره من المواضع التي يخشى منها الفساد . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بخروج نسائنا للحمامات والأعراس إلا لمرض أو نفاس أو حيض والمرأة المتدينة تعرف حالها في الغسل في البيت فإن كانت تعلم أن بدنها يتفتح من المرض أو النفاس مثلا وتخاف من العرى في بيتها أن يلحقها هواء مضر فالحمام لها مطلوب وإن كان بدنها يتحمل العري في البيت فاغتسالها فيه أولى . وأما غير المتدينة من النساء المتبهرجات فإن كان زوجها يحكم عليها فله منعها وإن كانت تحكم عليه فهو تحت حكمها كما هو شأن من استرقتهم شهوات النساء من التجار والمباشرين وغيرهم فلا يقدر أحدهم على مخالفة زوجته أبدا ويلحق بمنع النساء من الخروج للحمام خروجهن للأسواق والزيارات للأصحاب والأعراس التي لا انضباط فيها على القوانين الشرعية والعزومات والمتفرجات التي يقع فيها اختلاط الرجال بالنساء قد كثرت خيانة هذا العهد من غالب الناس فكل موضع طلبته امرأة أحدهم أذن لها مع عدم التفتيش على الحاجة التي خرجت لها هل هي من الأمور التي ندب الشارع لها أو كرهها ولا يخفى ما في ذلك من المفاسد وهو مناف لغيرة أهل الإيمان وربما كان أحدنا شيخا مقلع الأسنان قد طعن في السن أو قبيح المنظر وهي شابة حسناء فترجع من ذلك السوق أو تلك الزيارة وهي لا تشتهي أن تنظر إلى زوجها ولا أن يقبلها أو يجامعها وهذا أقل ما يحصل من مفاسد الخروج
وقد أخبرتني امرأة دينة مصلية وقالت لي إني أكره الخروج للسوق فقلت لها لماذا ؟ فقالت لأني أنظر إلى الأشكال الحسنة فتميل إليها نفسي فأرجع لا أقدر أنظر في وجه زوجي قالت : وقد دخلت مرة سوق الوراقين فرأيت شابا فأخذ بمجامع قلبي فرجعت فوالله ما رأيت زوجي في عيني إلا كالقطرب أو كالغول أو كالعفريت أو كالبقرة وكما أن الرجل إذا رأى المرأة الحسناء مالت إليها نفسه فكذلك المرأة إذا رأت الشاب الأمرد الجميل تروح نفسها إليه ضرورة . قالت ورأيت مرة إنسانا من الطاق وزوجي عندي وصرت أنظر إلى حسن شكل ذلك الإنسان وحسن لحيته ووجهه وعيونه وأنظر إلى زوجي وإلى تشعيث شعر لحيته وكبر أسنانه وأنفه وعمش عينيه وخشونة جلده وملبسه وفظاظته وتغير رائحة فمه وإبطه وقبح كلامه فما كنت [ كدت ؟ ؟ ] إلا فتنت بذلك الإنسان . قالت : ثم إني تبت إلى الله تعالى عن الخروج مطلقا لا للحمام ولا لزيارة ولا لغيرها فصار زوجي في عيني كالعروس فعلمت بذلك صدق توبتي
فاعلم أن من أذن لزوجته في الخروج من غير ضرورة وحصل له ضرر فاللوم عليه وسيأتي في عهود النكاح ما ورد في المرأة إذا خرجت متعطرة لابسة ثياب زينتها فراجعه وامنع يا أخي زوجتك من الخروج ما استطعت لتكون راضية بك لا التفات لها إلى غيرك والله يتولى هداك (1/280)
- روى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ ثلاثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر والمتلطخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ ] ] . قال الحافظ المنذري رحمه الله : والمراد بهؤلاء الملائكة هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة لأن الحفظة لا يفارقون الإنسان على أي حال من الأحوال ثم قيل إن هذا في حق كل من أخر الغسل من غير عذر ولا عذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ وقيل هو في حق من يؤخره تهاونا وكسلا ويتخذ ذلك عادة . قلت : قد رأيت في مسند الإمام سنيد رحمه الله مرفوعا : [ [ استحيوا من ملائكة ربكم فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الجماع والبراز ] ] . فصرح بأن الملائكة تفارقه في حال الجماع والبراز اللهم إلا أن يريد ملائكة الرحمة والبركة فيصح قول المنذري . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نؤخر غسل الجنابة في ليل أو نهار إلا بعذر شرعي وكذلك نأمر حليلتنا بالمبادرة إلى الغسل وهذا العهد يخل به كثير من الناس اليوم حتى بعض العلماء فيجامع أحدهم قبل النوم وبعد العشاء وينام جنبا حتى يطلع النهار ويخرج إلى الحمام وربما لم يخرج من الحمام إلى ضحوة النهار كما شاهدت ذلك من بعض الناس
وقد وقع لي أنني نمت مرة على جنابة فسمعت قائلا يقول لي : من نام على جنابة تعسرت عليه أسباب رزقه فلا يحصل له الرغيف حتى تكاد تزهق روحه فمن ذلك اليوم وأنا أخاف من النوم على جنابة وربما كان الوقت بارد ولم أجد ما أسخن به الماء فأغتسل بالماء البارد بعد أن أقول بتوجه تام يا رب احمل عني ضرر هذا الماء فإنك تعلم أنني ما تحملت مشقة هذا الماء إلا إجلالا لك يا ربي وتعظيما أن أجالسك على جنابة فلا يضرني استعمال ذلك الماء البارد فإن رأيت عندي ضعفا في التوجه وخفت على رأسي استعملت الماء البارد فيما عدا الرأس وتيممت عنه إلى أن أجد الماء المسخن فينبغي تعليم المرأة ذلك فإن كان توجهها ضعيفا أو قليلة الدين فقلل يا أخي الجماع أو أعطها ثمن ماء الحمام : وعبارة المنهاج وعليه ثمن ماء غسل جماع أو نفاس لا حيض واحتلام
وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : استعملوا ماء البئر في الشتاء فإنه أنفع من ماء الحمام لأن ماء البئر يعقبه حرارة وماء الحمام يعقبه برودة وإذا ألف البدن استعمال الماء البارد ذهبت ضرورته إن شاء الله تعالى فاعلم أنه لا يقدر على العمل بهذا العهد إلا من صدق في محبة الله عز و جل ومحبة أهل حضرتهم من الأنبياء والأولياء فإن الجنابة حضرة بعد وجفاء وحجاب عن الله عز و جل وأهل حضرته والمحب لا يصبر على عدم شهود محبوبه طرفة عين
وقد كان الشبلي رحمه الله يقول : اللهم مهما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب
وكان أخي الشيخ أبو العباس الحريثي رحمه الله يضع إناء الماء قريبا من محل الجماع فإذا قضى وطره اغتسل على الفور وهو في غاية الخجل من الله تعالى من خوفه أن تكون النية في ذلك الجماع دخلها شيء من الحظوظ النفسانية مع أن ذلك الحظ يدق مع العارف ولا ينقطع وبعض العارفين يقلب لذة الجماع إلى وجه مرضى عند الله تعالى وذلك لأن العارف يعلم أن فيه مجموع الأضداد ففيه من يطلب اللذة النفسانية المباحة ولو وصل أعلى المقامات وهو مسؤول عن توفية حقوق رعيته كلها وبعضهم يحضر مع الله تعالى في حال جماعه كما يحضر في صلاته سواء بجامع أن كلا منهما مأمور به وهذا أمر لا يقع إلا ممن قهر شهوته وصارت تحت رجليه وإلا فمن لازمه الغيبة عن الله بلذته الطبيعية حتى يحس بأن اللذة عمت جميع بدنه ولذلك أمر كل مجامع بتعميم بدنه بالماء ليحيى جميع سطح البدن الذي سرت فيه اللذة فتأمل
وقد كان سيدي الشيخ أحمد بن عاشر المغربي شيخ تربة السلطان قايتباي بمصر المحروسة إذا حملت زوجته لا يقرب منها حتى تلد وتفطم الولد ويجيء أوان الحمل ويقول لا أحب أن أتعاطى ما يمنعني من دخول حضرة ربي ولو لحظة واحدة رضي الله عنه وغالب جماع الناس في هذا الزمان شهوة نفس منهم اللهم إلا أن تكون زوجة أحدهم شابة ويخاف عليها الالتفات إلى غيره فعليه أن يعفها حتى لا تلتفت إلى غيره
فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق حتى يقطع بك حجب الشهوات النفسانية ثم لا يبقى لك مانع من دخول حضرة ربك أي وقت شئت إلا ما استثني شرعا وهنالك تحب ربك وأهل حضرته وترى حجابك عن حضرته أشد من العذاب وما دام لك حجاب أو عائق فمن لازمك التهاون بارتكاب كل ما يحجبك عنه وليس لك في كمال محبته قدم كما هو شأن أهل الحجاب والطرد والعوام من الظلمة فيقيم أحدهم في مواطن الغفلات والبعد عن الحضرة الإلهية اليوم والجمعة والشهر لا يشتاق لربه ولا لأهل حضرته
فعليك يا أخي بالسلوك على يد شيخ صادق يقطع بك الحجب ويخلصك من كل عائق وتصير عند الله مقدما على ذلك الشخص الغليظ السمين الذي يرى نفسه فوق الخلق أجمعين وتأمل يا أخي عبد الرق الأمين الخالص في العبودية كيف يصير داخلا خارجا على السيد لا يحتاج إلى إذن لأنه لا عائق له عن خدمته بخلاف الأمير الكبير يصير واقفا على الباب لا يقدر على الدخول حتى يأخذ له ذلك العبد الإذن فاعلم ذلك
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول : من كان من أهل الحضرة عرف مقدار الهجر والوصل . قال وقد نمت مرة على جنابة فما استيقظت إلا وجميع أهل الحضرة قد اصطفوا بين يدي الله عز و جل في سائر أقطار الأرض فلا تسألوا ما حصل عندي من الخجل من الله تعالى حتى كدت أذوب . والله غفور رحيم (1/281)
- روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم مرفوعا : [ [ لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ] ] . لكن ضعفه بعض الحفاظ . وقد ذهب الحسن والنخعي وإسحاق ابن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء وهو رواية عن الإمام أحمد . قال الحافظ المنذري : ولا شك أن الأحاديث التي وردت في التسمية وإن كانت لا تسلم من مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب بذلك قوة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك التسمية على طهرنا وذلك لأن كل شيء لا يذكر اسم الله تعالى عليه فهو كالميتة وما شرعت الطهارة بالماء إلا لتحي سطح البدن وبعد أن مات أو ضعف بالمعاصي وأكل الشهوات وتراكم الغفلات فإذا سمى الله تعالى مع الماء حصل له تمام الحياة فبذكر اسم الله تعالى يطهر الباطن والماء يطهر الظاهر فيقوم يناجي ربه بكل شعرة فيه وكل ذرة بخلاف من ترك التسمية فإنه ميت القلب أو مريضة وهذا العهد يتعين العمل به على كل متدين وغالب الناس يقولون هذه سنة يصح الوضوء بدونها ولا يقدح في صحته تركها ولا يعرفون ما ذكرناه من سرها . فواظب يا أخي على التسمية وأعد وضوءك استحبابا إن تركتها والله يتولى هداك . قال الحافظ عبدالعظيم : ومما جاء من الترهيب في ترك التسمية عامدا قول الإمام أبي بكر بن أبي شيبة ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا وضوء لمن لم يسم الله . كذا قال (1/282)
- روى أبو داود وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد الاستمتاع بالحائض ألقى عليها خرقة ثم باشرها . يعني من غير جماع . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقرب من الحائض حتى تطهر ومنع بعض العلماء من الاستمتاع بما بين السرة والركبة لأنه حريم الفرج : ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه . ويسمى هذا تحريم الوسائل خوف الوقوع في المقاصد كتحريم قليل النبيذ وإن لم يسكر وكتحريم قبلة الشاب الصائم خوفا أن تدعوه إلى الوطء ونحو ذلك وأهل هذا القول لا يدورون مع علة التحريم لأنهم لو داروا معها لقالوا بالإباحة عند فقدها فافهم . واعلم يا أخي أن القول قول المرأة في انقطاع حيضها ونفاسها إن وثق بصدقها . وقد وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان تحته امرأة تكره الرجال فكانت تتعلل بالحيض فقالت له مرة إني حائض فكذبها ثم أتاها فوجدها صادقة فقال أف ثم تركها ثم لا يخفى أن تحريم وطء الحائض تحريم شفقة خوفا على المجامع أن يحصل لذكره ضرر . وقد أخبرني شخص أنه جامع في شدة الحيض فكاد ذكره أن يقطع وكذلك وقع لي وأنا شاب أتيتها بعد إدبار الدم وانقطاعه وقبل غسلها فحصل في قبلي أكلة كالجرب نحو شهر وقاسيت منه ضررا شديدا وكانت المرأة لم تغسل فرجها فإياك يا أخي ثم إياك (1/283)
- روى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي ] ] . وروى الإمام أحمد أن أبا هريرة رأى رجلا خرج من المسجد بعد ما أذن المؤذن فقال : أما هذا فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه و سلم . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لا يسمع أحد النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه ثم لا يرجع إليه إلا منافق إلا لحاجة ] ] . وفي رواية لابن ماجه : [ [ من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نخرج من المسجد بعد الأذان إلا إن كنا نخرج لنرجع قبل أن تقام الصلاة أو ندرك الصلاة في مسجد آخر تساوي جماعته جماعة مسجد الأذان وكذلك لا نمكن أحدا من إخواننا المنقادين لنا أن يخرج من المسجد كذلك إلا بعذر شرعي ويقاس بصلاة الجماعة المذكورة الخروج بعد نصب مجلس الذكر أو العلم أو مجلس مناقشة الشيخ للفقراء وتخليص حقوقهم من بعضهم ونحو ذلك من الخيرات العظيمة بل ربما يكون بعض هذه المذكورات في حق بعض الناس أكثر أجرا من صلاة الجماعة التي نهينا عن الخروج من المسجد لأجلها . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح يعرف مقادير العبادات وتفاوتها وما هو الأولى بالتقديم منها على غيرها كشفا ويقينا لا تقليدا وتخمينا ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الإخلال بتقديم ما هو أحق بالتقديم بل من الناس من يقدم بشهوات بطنه وفرجه على عبادة ربه ويخرج من المسجد ويفارق صلاة الجماعة وغيرها ولا يبالي بما فاته من ذلك . فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح واخدم نعاله واصبر على تنكراته عليك وعدم قيامه بواجبك العادي والله يتولى هداك (1/284)
- روى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فيؤتى به فيعرفه الله تعالى نعمه عليه فيعرفها فيقول الله تعالى له ما عملت فيها ؟ فيقول : تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك فيقول له الحق تعالى كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فيحسب على وجهه حتى ألقى في النار ] ]
وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الله تعالى يقول للقارئ يوم القيامة ألم أعلمك القرآن الذي أنزلته على رسولي ؟ فيقول بلى يا رب فيقول الله تعالى له : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم لك به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله عز و جل له : كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول له الله عز و جل بل أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك فهو من أول من تسعر بهم النار ] ]
وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ من عمل من هذه الأمة عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب ] ]
وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السماوات والأرض ] ]
وروى الترمذي وغيره مرفوعا : [ [ يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز و جل : أبى يغترون ؟ وعلى عظمتي يجترئون فبي حلفت لأبعثن عليهم فتنة تدع الحليم حيرانا ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من طلب الدنيا بعمل الآخرة طمس الله وجهه ومحق ذكره وأثبت اسمه في ديوان أهل النار ] ]
وروى ابن ماجه مرفوعا عن ابن عباس قال الحافظ المنذري ولعله موقوف : [ [ إن في جهنم واديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم أربعمائة مرة أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد كحامل كتاب الله والمتصدق في غير ذات الله والحاج إلى بيت الله والخارج في سبيل الله ] ]
وروى الإمام أحمد بإسناد جيد وابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعا : [ [ إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا ؟ وما الشرك الأصغر قال : الرياء يقول الله عز و جل إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ] ]
وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعا : [ [ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك ] ]
وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ يؤمر بأناس إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إلى قصورها وما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها فيقولون : ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا قال : ذلك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي اليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم من الثواب ] ]
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك وشهوة خفية قيل وتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : إنهم لا يعبدون شمسا ولا وثنا ولا حجرا ولكن يراءون الناس بأعمالهم قيل يا رسول الله الرياء شرك هو ؟ قال : نعم . قيل : فما الشهوة الخفية . قال : يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر ] ]
وروى ابن خزيمة مرسلا : [ [ لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من خردل من رياء ] ]
وروى ابن خزيمة مرفوعا : [ [ إياكم وشرك السرائر قيل : يا رسول الله ؟ وما شرك السرائر ؟ قال : يقوم الرجل فيصلى فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر ] ]
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقيل فكيف نتقيه يا رسول الله وهو أخفى من دبيب النمل ؟ فقال قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك مما لا نعلمه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرائي في عباداتنا أحدا من الخلق خوفا من مقت الله عز و جل سواء كان الرياء مصاحبا للعمل أو متأخرا عنه كأن يحب أحدنا والعياذ بالله تعالى ظهور أثر الطاعة عليه من نور الوجه وحسن السمت في المستقبل أو ظهور أثر السجود في جبهته مثل ركبة العنز أو كثرة المصلين في جنازته لغير غرض صحيح أو يميل إلى قول الناس له إذا مر عليهم وعلى وجهه نور شيء لله المدد يا سيدي الشيخ ونحو ذلك فإن ذلك كله يرجع إلى الرياء ولو لم يصاحب العبادة
وقد كنت مرة جالسا عند سيدي علي الخواص رحمه الله وهو يضفر الخوص فمر بنا شخص من المتعبدين قوامين الليل الصائمين النهار والنور يخفق على وجهه فقلت له يا سيدي انظر إلى هذا النور العظيم الذي على وجه هذا الرجل فرفع الشيخ رأسه فقال : اللهم اكفنا السوء بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير فقلت له : لما ذا ؟ فقال : يا ولدي إذا أراد الله بعبد خيرا جعل نوره في قلبه ليعرف ما يأتي وما يذر من الحسن والقبيح وجعل وجهه كآحاد الناس وإذا أراد الله بعبد سوءا نقل النور الذي في قلبه على وجهه وأخلى باطنه من النور وجعله مظلما ليقع في كل فاحشة وفي كل رذيلة ويقول له الناس مع ذلك شيء لله المدد يا سيدي الشيخ لما يرونه من النور الذي على وجهه مع أن قلبه خراب مظلم فقلت له : يا سيدي أما يجمع الله تعالى لأحد بين النورين ؟ فقال : يمكن ولكن قد أمرنا الله تعالى بالستر لأعمالنا في هذه الدار فلا يظهر لنا كمال إلا في محل يقتدى بنا فيه فقلت له حصول النور على وجه العبد لا يجيء بالتفعل فقال صحيح : ولكن لا يظهر عليه شيء قط إلا مع ميل سبق منه ولولا ميله ما ظهر فقلت له فيحتاج الإنسان إلى ميزان دقيق فقال : نعم وهو كذلك فربما ظهر كمال العبد بميل خفي لا يشعر به فليفتش العبد نفسه انتهى
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول : الكامل المكمل من كان على عبادة الملائكة ومع ذلك لم يظهر على ظاهر منه شيء فهذا هو الذي يخرج من الدنيا وأجره موفر لا ينقص منه ذرة ومن هنا ترك بعض الأكابر العذبة والسبحة وتربية الشعر ولبس الصوف والجلوس على السجادة ودخلوا في غمار العامة فلا يكادون يتميزون عن العامة بهيئة فإن هذه الأمور قد صارت علما على أن صاحبها من أهل الطريق وأما من لبس الطيلسان وأرخى العذبة ولبس الصوف وجلس على سجادة بلا نية صالحة فكأن كل شعرة منه تقول للناس أنا من الصالحين ومحك ذلك أنه إذا ترك تلك اللبسة ولبس ثياب العوام على الدوام يجد في نفسه استيحاشا لأن هيئة المشيخة فارقته وما هو شيخ إلا بها فصار كالحداد بلا فحم . قال : وقد طلبت مرة أن أعمل لي شملة حمراء كالأحمدية فشاورت سيدي عليا الخواص فقال إن قدرت تقوم بواجبها فالبسها فقلت له وما واجبها ؟ قال أن تمشي على قدم سيدي أحمد البدوي قال : فقلت له لا أطيق فقال : فاترك ذلك ثم قال وعزة ربي إني جعلت في زيق جبتي شرموطا أحمر محبة في سيدي أحمد وأنا مستحي من الله تعالى في لبسه وكذلك القول في لباس كل خرقة من الخرق إن لم يمشي الإنسان على قدم أصحابها وإلا فليتركها وأين قدم الشيخ عبدالقادر الجيلي وسيدي أحمد الرفاعي وسيدي إبراهيم الدسوقي مثلا من أقدام من يلبس خرقتهم اليوم
وقد رأيت خليفة سيدي أحمد البدوي وهو لابس عمامة سيدي أحمد وبشت سيدي عبدالعال وجهه مصفر كالذي له شهر ضعيف فقلت له ما سبب هذا الاصفرار ؟ فقال من هيبة صاحب العمامة والبشت ثم قال والله إني لما ألبسهما أحس بأن عظمي ولحمي ذائب انتهى
وقد رأى سيدي أحمد الرفاعي يوما مريدا لبس جبة بيضاء فقال يا ولدي لقد لبست لبسة الأنبياء وتحليت بحلية الأصفياء فإن لم تسلك طريقهم وإلا فانزع لبستهم فاعلم ذلك
وكان على هذا القدم من الأشياخ الذين أدركناهم سيدي الشيخ أبو العباس الغمري وسيدي إبراهيم الشاذلي وسيدي علي المرصفي وسيدي محمد الشناوي فكانوا لا يتميزون عن العامة في لبس رضي الله عنهم أجمعين
وسمعت الشيخ أمين الدين رحمه الله يقول : سمعت سيدي أبا العباس الغمري يقول لسيدي محمد بن عنان : الظهور يقطع الظهور وربما استوفى من أظهر صلاحه في هذه الدار جزاء أعماله كلها من كثرة الاعتقاد فيه وقضاء حوائجه وإرسال الهدايا له ونحو ذلك فيذهب إلى الآخرة صفر اليدين من الأعمال الصالحة
فاعلم أن الله تعالى ما طلب منا إلا أن نعبده خالصا لوجهه لا نشرك بعبادته أحدا من خلقه حتى أنفسنا إلا بقدر نسبة العمل إلينا لأجل التكليف فيا خسارة من يرائي بعمله من هذه الدار ويا ندامته يوم القيامة فإنه ليس مع الخلق الذين راءاهم شيء يعطونه له يوم القيامة في نظير مراءاتهم ولا هو عبد الله تعالى حتى يثيبه على عبادته قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : من شرط العمل الصالح أن لا يرى به نفسه على أحد من خلق الله تعالى فمتى رأى له به فضل على أحد خرج عن كونه صالحا إلا إن قصد بذلك الشكر انتهى
ثم لا يخفى على كل عاقل أن العبد لا يستحق قط على خدمة سيده شيئا لأن خدمة السيد واجبة على عبده شرعا لكونها وظيفة الرق وكل عبد لا يرى المنة لسيده عليه في إذن له في الوقوف بين يديه فضلا عن إعطائه الثواب الجزيل فهو أعمى القلب في العبيد فإنه لو طرده مثل غيره ومنعه الوقوف بين يديه لهلك مع الهالكين
واعلم يا أخي أن أكثر ما يدخل الرياء في الفضائل الزائدة على الفرائض أما الفرائض فلا يدخلها رياء إلا من حيث تحسينها بإظهار الخشوع فيها ونحو ذلك . والفرق بينهما في فعل الفرائض عبد اضطرار وفي النوافل عبد اختيار فكأنه يقول في نفسه قد فعلت ما كلفني الله تعالى به وزدت عليه ولو شئت لم أفعله فلذلك يغلب عليه شهود فضله على أخيه بفعل ذلك بخلافه في الفرائض ولذلك أمر العبد أن يقول في سجود التلاوة سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته بخلاف الفرائض لا يقول فيها بحوله وقوته لأنه لا يرى نفسه بها على غيره غالبا
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ صادق يفني اختياره ويصبر على نهره ومناقشته له حتى يسير به في طريق الغيب ويوصله إلى حضرة ربه عز و جل ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه شهود العمل لنفسه وحب المحمدة به عند الناس وحب الشهرة بالصلاح شاء أم أبى . وإيضاح ذلك أن من لم يسلك الطريق لا يصح له غالبا دخول حضرة الإحسان التي يعبد الله فيها كأنه يراه أبدا فهو واقف في عبادته مع نفسه ومع الخلق في الأعمال ولو أنه دخل حضرة الإحسان لشهد الله تعالى هو الفاعل لجميع أعماله خلقا وإيجادا على الكشف والشهود وما بقي للعبد إلا وجه إسناد الفعل إليه مجازا لأجل قيامه بالحدود والتكاليف لا غير ومن كان كذلك لم يجد لنفسه عملا أصلا فاستراح من ورطة الرياء بالأعمال والإعجاب به وطلب الثواب من الله تعالى لأجله ونحو ذلك فصار يشهد جوارحه كالآلة التي يحركها المحرك على الفارغ فيرى الله هو الفاعل في جوارحه بالإمداد والقوى ؟ ؟ لا هو فإن العبد إذا أمره الحق تعالى بقوله افعل يتيه إعجابا في نسبة الفعل إليه ثم يسبقه إمداد الحق تعالى لقوته الفاعلة عند الفعل من حيث لا يشعر فيظن أنه الفاعل وينسى الفاعل الحقيقي ولو أنه نظر إلى قواه الباطنة وما أمده الحق تعالى لها من القوى لذهب عنه الرياء جملة واحدة فكان حكمه حينئذ حكمة من نام إلى الصباح وبجانبه شخص قائم ؟ ؟ يصلي طول الليل والناس ينظرون فهو لا يصح له أن يرائي بما فعل ذلك الشخص أبدا ولو أنه ادعى ذلك لكذبه الناس ومثل ذلك أيضا ما لو استعار ثوبا ليحضر به عرسا وجميع من حضر العرس يعرفون أن ذلك الثوب لفلان أعارها له فلا يصح له أن يدعيها لنفسه ولو ادعى كذبه الناس ولم يحصل له به تجمل بل كان العري له أولى من لبسه وكذلك القول في المرائي بعمله يكذبه الله وملائكته وجميع العارفين وتمقته القلوب قال تعالى : { كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } . أي لو انكشف حجابكم لرأيتم الله تعالى فاعلا ومقتم نفوسكم عنده يعني في حضرة شهوده لادعائها ما ليس لها لا أن الله تعالى يمقت العبد على وجه نسبة الفعل إلى نفسه فإنه تعالى قد أضاف الأفعال إلى عباده وما أضافه إليهم لا يصح مقتهم لأجله فافهم . وبالجملة فمن راءى الناس بأعماله فهو مجنون والسلام (1/285)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الله تعالى قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق إذا صلى بين يديه ] ]
وروى ابن خزيمة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى نخامة في المسجد يغضب ويقول : [ [ إن أحدكم إذا صلى يقابل ربه أيحب أحدكم أن يستقبل أحد وجهه فيبصق في وجهه ] ] . وفي رواية أخرى له مرفوعا : [ [ إن الله عز و جل بين أيديكم في صلاتكم فلا توجهوا شيئا من الأذى بين أيديكم ] ] . وبوب عليه ابن خزيمة باب الزجر عن توجيه جميع ما يقع عليه اسم أذى تلقاء القبلة في الصلاة ثم روى مرفوعا : [ [ من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ] ] ومعنى تفل بصق . قلت ومعنى قوله : إن الله في قبلة أحدكم أو تجاه وجهه . أن حضرة خطاب الحق تعالى تكون بين يدي المصلي فلا يبصق قبلها أدبا معها وإلا فالحق سبحانه لا تأخذه الجهات . والله أعلم
وروى الشيخان مرفوعا : [ [ البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ] ]
وروى أبو داود وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن إنشاد الضالة في المسجد وعن البيع والشراء وعن تشبيك الأصابع فيه
وروى ابن ماجه وغيره مرفوعا : [ [ خصال لا تنبغي في المسجد : لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ فيه سوق ] ] . والنيئ : هو الذي لم يطبخ وقيل هو الذي لم ينضج
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ سيكون في آخر الزمان ناس يكون حديثهم في مساجدهم الدنيا ليس لله فيهم حاجة ] ] . قال نافع : وكان ابن عمر رضي الله عنه يخرج من رآه يلغو في المسجد إلى الرحبة ويقول من أراد أن يلغو فليخرج إلى الرحبة
وروى الشيخان مرفوعا : [ [ من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ] ] . وفي رواية لأبي داود : [ [ فلا يقربن المساجد ] ] . وفي رواية للطبراني : [ [ من أكل ثوما أو بصلا فلا يقربن مسجدنا فإن كان ولا بد فاعلا فلينهكهما بالنار ] ] يعني فليطبخهما
وروى مسلم مرفوعا : [ [ من أكل كراثا فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به الناس ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من أكل فجلا فلا يقربن مسجدنا ] ]
وروى مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم شم رائحة بصل من رجل في المسجد فأمر به فأخرج إلى البقيع . قلت : ويقاس بالروائح الكريهة المحسوسة الروائح الكريهة المعنوية فمن عصى الله تعالى ولم يتب توبة نصوحة فليس له أن يدخل المسجد حتى تزول رائحة تلك المعصية الخبيثة هذا في شأن من يعصي خارج المسجد فكيف حال من يعصي الله تعالى فيه متكررا دائما والله إن أكثر الناس اليوم كالبهائم السارحة . وقد رأيت بعيني شخصا مسك امرأة ليزني بها في جامع عمرو بمصر العتيق ونحن محرمون في الصلاة الجمعة فغارت القدرة عليه فضربوه حتى كاد أن يموت فالله تعالى يلطف بنا أجمعين اللهم آمين
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى فعل شيء من القاذورات في المسجد سواء القاذورات الحسية كالنجاسة العينية والمعنوية كالغيبة والنميمة والنظر إلى ما لا يحل ونحو ذلك كل ذلك إجلالا وتعظيما لما نحن فيه في حضرته الخاصة به لأن المسجد بيت الله فهو كنهي الصائم عن الغيبة في رمضان وغيره
وقد ورد النهي عن تقذير المساجد بالأمور المحسوسة كالبول والبصاق فقسنا عليها تقذيره بالأمور المعنوية وفي الحديث : [ [ إن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ] ] يعني في المسجد . فاعلم أنه لا ينبغي للجالس في المسجد أن يتهاون بتطاير شيء من بصاقه فيه ولا أن يخرج فيه ريحا ولا أن يلغو فيه ولا أن يتهاون ويتساهل في الخواطر السيئات ولا أن يأكل على حصره أو أرضه عسلا يعف عليه الذباب ولا أن يأكل فيه ثوما أو بصلا أو شيئا مما له رائحة كريهة مطلقا كالسمك المقدد ونحو ذلك ومن وقع في شيء مما ذكرناه فليبادر إلى التوبة وإزالة القذر منه على الفور إن كان حسيا وهذا العهد لا يقدر على العمل به من سكان المساجد وخدامها إلا القليل : فيحتاج من يريد العمل به إلى شيخ يسلك به في درجات تعظيم الله عز و جل التعظيم الممكن للخلق حتى يوقفه في حضرة الله الخاصة ويشاهد أهلها بعين قلبه وهم صفوف واقفون وساجدون على اختلاف طبقاتهم في التقريب ويرى هناك من الملائكة كل ملك لو أراد أن يبلع السماوات والأرض في جوفه لهان عليه ذلك ومع ذلك فهو يرعد من هيبة الله فإذا كانت هذه عظمة عبد من عبيد الله فكيف بسيده الذي لا يحيط بوصفه الواصفون . وإيضاح ذلك أن رؤية الملك سبحانه في حضرته الخاصة وجنوده واقفون بين يديه أكمل من شهوده بغير جنود ولذلك أسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحضرات العلى ليطلع على ما لم يكن عنده في الأرض من حيث العظمة الإلهية فإن في الإنسان جزءا يزداد علما بالشهود فكان في الإسراء زيادات الآيات والعلامات وإعطاء العين حظها من النظر
وتأمل يا أخي لو أن أحدا من ملوك الأرض لبس لبسة العوام وخرج مستخفيا في الناس إذا رأيته لا يقوم بقلبك تعظيمه كما تعظمه إذا رأيته في دست مملكته وعسكره فكذلك القول في الحضرات الإلهية : { ولله المثل الأعلى } الذي لا يحاط به فإنها على صورة المواكب الأرضية في الهيبة نظير الوقوف في صلاة الجماعة
فاعلم أن من طلب تعظيم بيوت الله تعالى من غير سلوك على يد شيخ ناصح فقد أخطأ الطريق لأن تعظيم البيت فرع عن تعظيم رب البيت
وما رأت عيني في عمري كله أكثر تعظيما للمساجد من سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى كان لا يقدر على رؤية أحد يلغو في المسجد أو يعمل فيه حرفة أو يدخله لحم نيء أو قديد سمك أو غافلا عن الله عز و جل
وقد رأى مرة الأخ الصالح أبا العباس الحريثي يمشي بتاسومة في المسجد فنهاه عن ذلك وقال هذا عيب عظيم من مثلكم وقلة تعظيم لربكم فنزعها من رجله واستغفر فما لبسها في المسجد حتى مات وهذا الأمر قد كثر في المتورعين تنطعا لا خوفا من الله عز و جل فيأكلون الحرام ويفعلون الحرام ثم يمشي أحدهم بتاسومة على حصر المسجد
وقد قالوا في المثل السائر رأوا مرة شخصا سكرانا يقرأ القرآن فقال الناس له غن ليشاكل بعضك بعضا وهكذا من يفعل ما ذكرناه وما هكذا كان يفعل أهل العلم والدين الذين أدركناهم رضي الله تعالى عنهم فالله تعالى يرد العاقبة إلى خير آمين (1/286)
- روى ابن ماجه والحاكم مرفوعا بإسناد صحيح : [ [ من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ] ] . وفي رواية لأبي داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من سمع النداء فلم يمنعه من إتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها قالوا وما العذر ؟ قال خوف أو مرض ] ] . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ] ] . وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا : [ [ لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم ] ] . فقيل ليزيد بن الأصم الجمعة عني أو غيرها ؟ قال : صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يقول يأثره عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يذكر جمعة ولا غيرها . قلت : وهذا الحديث يرد جواب من أجاب بأن همه صلى الله عليه و سلم بالتحريق إنما كان في حق جماعة منافقين لا يصلون في بيوتهم أما المصلون في بيوتهم فلم يهم صلى الله عليه و سلم بتحريقهم وهذا الجواب مذكور في شرح المهذب وغيره . والله أعلم . وروى الترمذي عن ابن عباس موقوفا : [ [ لو صام رجل النهار وقام الليل ولكن لم يشهد الجمعة ولا الجماعة فهو في النار ] ] . وتقدم حديث مسلم عن أبي هريرة في رجل خرج من المسجد بعد الآذان : أما هذا فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه و سلم . قال ابن المنذر : وممن قال إن حضور الجماعة فرض عين عطاء وأحمد بن حنبل وأبو ثور . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بصلاة الجماعة ونصلي فرادى إلا لعذر شرعي امتثالا لأمر الله عز و جل بالأصالة لا طلبا للثواب الوارد في ذلك فإن الثواب من لازم من يخدم الله عز و جل لأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وما كان يحصل ضمنا من سائر حظوظ النفس فلا ينبغي لعبد أن يخدم سيده لأجله وهذا الأصل يسري معك في سائر العبادات فيقصد بفعلها امتثال أمر الله عز و جل بذلك لا غير
فاعلم أن من قصر نظره في عبادته على الثواب فهو دنيء الهمة خارج عن أدب العبودية
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي لجار المسجد أن يترك صلاة الجماعة في المسجد ويصلي في بيته ولو جماعة إلا لعذر من مرض أو حال غالب عليه منعه من الخروج للناس . قال : ويحتاج صاحب هذا الحال إلى ميزان دقيق ينظر به ما هو الأرجح هل هو خروجه أم عدم خروجه فليفعله فقد يكون الإنسان في جمعية بقلبه مع الحق لا يستطيع مفارقة تلك الحضرة خوفا من تفرقة قلبه وإسدال الحجاب بينه وبين تلك الحضرة إذا خرج
وكان سيدي أبو السعود الجارحي رضي الله عنه إذا كان في غلبة حال يصلي مع زوجته في البيت ولا يخرج للمسجد
وكان سيدي محمد بن عنان إذا مرض يخرج للجماعة زحفا ولا يترك صلاة الجماعة وحضرت أنا وفاته فأحرم بالصلاة خلف الإمام وهو جالس في النزع وقد مات نصفه الأسفل فصلى بالإيماء مع الإمام فلما سلم أضجعناه فصار يهمهم بشفتيه والسبحة في يده فكان آخر حركة يده في السبحة طلوع روحه رضي الله عنه
وكان أخي أفضل الدين رحمه الله يقول : لا أستطيع أن أقف بين يدي الله في الصلاة وحدي أبدا وقد وقفت بين يديه وحدي مرة فكدت أن أموت من الهيبة كما تحصل الهيبة لمن أدخلوه على السلطان وحده في مجلس حكمه والجنود مصطفة بين يديه وقد عمتهم كلهم الهيبة وخوف السطوة بخلاف من وقف بين يديه من جملة الناس الواقفين فإنه يستأنس بالناس فلو أن الحق تعالى شرع لنا الوقوف بين يديه على الانفراد لذاب عظم المصلين مع الحضور ولحمهم فكأن مشروعية الجماعة إنما هو رحمة بنا . قال : وتأمل يا أخي رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أسرى به وزجه جبريل في النور وحده بين يدي الله عز و جل كما يليق بجلاله كيف استوحش حتى أسمعه الله تعالى صوتا يشبه صوت أبي بكر يقول له : [ [ يا محمد قف فإن ربك يصلى ] ] الحديث . فزالت تلك الوحشة الطبيعية من حيث البشرية وبقي روحا مجردا فزالت تلك الوحشة [ مكرر ؟ ؟ ] إذ الأرواح لا توصف بالوحشة ولا بالاستيحاش فافهم
وسمعته أيضا يقول : إنما أكره الصلاة فرادى لأني لا أعلم آداب حضرة الله عز و جل فإذا وقفت مع الناس ربما رأيت أحدا من أهل الأدب مع الله فتشبهت به ولو أني صليت وحدي ما وجدت أحدا يعلمني شيئا قال ولكل صلاة أدب جديد فليس هنا أدب يتكرر إلا في الصورة لا في الذوق ثم قال : والله ما أرى نفسي بين يدي الله في الصلاة إلا كالمجرم الذي استحق العقوبة ولم يقبل الملك فيه شفاعة
واعلم يا أخي أن بعض الناس قد يواظب على الجماعة رياء وسمعة لا امتثالا لأمر الله عز و جل فينبغي التفطن لذلك . وقد حكي أن شخصا من السلف الصالح واظب على صلاة الجماعة في الصف الأول سبعا وعشرين سنة فتخلف يوما عن الصف الأول فوجد في نفسه استيحاشا من ذلك فأعاد الصلاة مدة السبع وعشرين سنة
وقد كثرت خيانة هذا العهد من جماعة من طلبة العلم ويحتجون بالمطالعة حتى أني رأيت شخصا في جامع الأزهر يطالع في علم المنطق وصلاة الجماعة في العصر قائمة فقلت له في ذلك فقال الوقت متسع فقلت له : أما تعلم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سئل أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الصلاة لأول وقتها . ثم قلت له : وبتقدير أن الوقت متسع فهل تقدر تجمع لك جماعة يصلون معك قدر هذه الجماعة ؟ فانقطعت حجته وبقي على مطالعته فمثل هؤلاء لا يفلحون فإن أوامر الله الخاصة بأوقات ينبغي تقديمها على الأوامر العامة بل ربما يجب ولذلك كان الإنسان يقطع صلاة النافلة ويدخل في صلاة الجماعة إذا أقيمت مع أنه في النافلة بين يدي الله تعالى كل ذلك اهتماما بشأن الجماعة وفي الحديث : يد الله مع الجماعة . أي تأييده ورحمته وشفقته ونعمته ففي ترك الجماعة حصول ضد ذلك للعبد
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا يتهاون أحد قط بعبادة ندب الشرع إليها إلا وعنده بقايا من النفاق فمن أراد زوال تلك البقايا فعليه بالسلوك على يد شيخ ناصح يسلك به في حضرات الإيمان واليقين والنور ويخرجه من حضرات الشك والنفاق والظلمة وهناك يصير لا يشبع من خير ولا يمل من عبادة ولا يستثقل الخروج لصلاة الجماعة ولو في طرف البلد . فإن كان عندك يا أخي ملل من العبادات فاسلك على يد شيخ يخرجك عن ذلك الملل والله يتولى هداك (1/287)
- روى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ] ] . وفي رواية لابن ماجه مرفوعا : [ [ باكروا بالصلاة في يوم الغيم فإن من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله ] ] . قلت : ومعنى باكروا بادروا وإلا فالعصر لا يبكر لها أول النهار ونظير ذلك من بكر إلى المسجد يوم الجمعة الحديث . فإن المراد به عند بعضهم المبادرة إلى محل إقامتهم بعد سماع قول المؤذن حي على الصلاة قال وذلك أكثر أدبا ممن يحضر من غير أن يدعى للحضور على لسان المؤذن اكتفاء بالأذان العام له بالحضور قبل الوقت . والله أعلم . وروى الإمام أحمد : [ [ من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله ] ] وروى مالك والشيخان وغيرهم مرفوعا : [ [ الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ] ] . قال مالك : ومعنى ذلك ذهاب الوقت فكأنما ذهب أهله وماله من حيث الأسف والحزن عليهم . قلت : وقد نمت مرة بعد العصر قبل أن أصليها فرأيت في المنام أخوي وقد أشرفا على الموت فاستيقظت مرعوبا وتذكرت هذا الحديث فأدركتها قبل المغرب بنحو عشر درج . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك الاستعداد للعصر خوف الفوات ولو كان من عادتنا المواظبة على الاستعداد لجميع الصلوات فنجعل للعصر مزيد اختصاص لأجل ما ورد من تحذير الشارع صلى الله عليه و سلم من تركه زيادة على غيرها وهي الصلاة الوسطى بإجماع أهل الكشف حتى كان سيدي الشيخ مدين رضي الله عنه وسيدي محمد ابن أخته وتلامذته الأجلاء الصالحون وكسيدي علي المرصفي وسيدي محمد السروري وغيرهما لا يخرجون من بيوتهم إلا لصلاة العصر فكانوا يصلون جماعة في البيت فيما عدا العصر أما هو فيخرجون له إلا أن يكون أحدهم في جمعية غالبة عليه وهي مشتقة من العصر الذي هو الضم فتجتمع أرواح الخواص في حضرة الله عز و جل حتى تكاد من شدة قربها تخرج عن الحدود البشرية فمن لم يعطه الله تعالى كشفا يعرف به مزيد اختصاصها على غيرها فليقلد الشارع صلى الله عليه و سلم في المبالغة في التحذير من فواتها فلم يأت لنا في فوات غيرها مثل ما أتانا في فواتها . وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : ما أهاب شيئا من الصلوات الخمس مثل ما أهاب صلاة العصر فقيل له لماذا ؟ فقال السر لا يفشى . وكان أخي العارف بالله تعالى أبو العباس الحريثي رحمه الله يستعد لصلاة العصر والباقي من وقت الظهر عشر درج فكان يستعد في الأخذ في المراقبة وغض البصر والاستغفار من الخطرات ليدخل عليه وقت العصر ولا عائق له عن دخول الحضرة : والله عليم حكيم (1/288)
- روى أبو داود وابن ماجه مرفوعا : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة فذكر منهم ورجل أم قوما وهم له كارهون . وروى الطبراني أن طلحة بن عبيدالله صلى بقوم مرة ثم قال أرضيتم بصلاتي ؟ قالوا ومن يكره ذلك يا حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ [ أيما رجل أم قوم وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه ] ] . وروى ابن خزيمة في صحيحه في صحيحه مرفوعا : ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا فذكر منهم ورجل صلى على جنازة ولم يؤمر . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نؤم قوما وهم لنا كارهون ولا سيما إن كرهونا بحق . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي أن يتقدم للإمامة بالناس إلا من لم يكن عليه ذنب فإن كان عليه ذنب بحيث لو اطلع عليه المؤتمون لم يصلوا خلفه أو يكرهون الصلاة خلفه فلا يؤم فليعرض من يريد الإمامة بالناس جميع زلاته على المأمومين لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ويعرضها عليهم فإن كان يغلب على ظنه أنهم كلهم يصلون خلفه مع ارتكابه هذه المعاصي فليتقدم وإلا فليتأخر . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ يعلمه طريق السياسة للناس تارة بماله وتارة بقوله وتارة بإطعامهم الطعام وتارة بقضاء حوائجهم وتارة بشكرهم في المجالس وتارة بالأجوبة الحسنة من ورائهم وإيثارهم على نفسه وغير ذلك فاعلم أنه ينبغي لنا أن لا نتعاطى أسباب كراهة الناس لنا كضد الصفات المذكورة فإن من لازم ذلك كراهة الناس لنا ومن تعاطى ذلك وتقدم عليهم في صلاة جماعة أو جمعة وطلب منهم أن لا يكرهوه فهو مخطئ لإتيانه البيوت من غير أبوابها . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (1/289)
- روى الطبراني مرفوعا : [ [ من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي أحدا أضعف الله له أجر الصف الأول ] ] . وروى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما مرفوعا : [ [ ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم في صغر السن وخفة العقل ] ] . فجعل الأمر بالوقوف في الصف الأول لكاملي السن والعقل وهو يحتمل المعنيين السابقين عن الصوفية وعن الفقهاء وعن المحدثين . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ إن الله وملائكته يصلون على أهل الصف الأول ] ] . وهو يشمل أهله حقا وأهله مجازا كما قاله بعضهم ويكون المراد بأهل الصف الأول الذين جمعوا صفات الكمال ثم وقفوا في الصف الأول لا من عصى ربه وتعاطى أسباب الفسق ثم وقف فيه وكذلك يشمل المعنيين أيضا حديث مسلم مرفوعا : [ [ خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ] ] . فإن بعض الصوفية قال المراد بالرجال الكمل الأولياء الذين لا يشغلهم عن الله شاغل كما في قوله تعالى : { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } . فليتأمل ذلك ويتحرر الله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقف في الصف المؤخر ونترك المقدم إلا لعذر صحيح شرعي وقد عد الصوفية من الأعذار المسوغة للوقوف في الصف المؤخر أن يكون أحدنا كثير الوقوع في المخالفات كثير الأكل للشهوات بخيلا على الفقراء والمساكين بما زاد عن حاجته بحب الشهوة بالصلاح والعلم ونحو ذلك كما سيأتي في عهد الزهد في الدنيا مرفوعا : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في الدنيا : [ [ ولها يجمع من لا عقل له ] ] رواه الترمذي . فجعل من يجمع الدنيا مجنونا وهو يؤيد ما ذكره الصوفية فإن من كان كثير الوقوع في المعاصي والشبهات فهو قليل العقل بيقين لأن العقل ما سمي بذلك إلا لعقله صاحبه عن المخالفات
فاعلم أنه لا ينبغي على هذا التقدير المعاصي أن يتقدم وائل الصفوف وإنما ينبغي ذلك لمن كان سالما منها . قلت : ولعل هذا كان مشهد من نقل عنه الوقوف في أواخر الصفوف من الأولياء كسيدي أحمد الزاهد وسيدي مدين وسيدي محمد الغمري رضي الله عنهم فقد أخبرني جماعة من أصحابهم أنهم لم يروهم قط يصلون في غير الصف الأخير ويقولون : قد بلغنا أن الرحمة تستقر في الصف الأخير [ الأول ؟ ؟ ] وإذا غفر لأهل صف غفر لمن ورائهم وربما كانوا يظنون بأنفسهم السوء وأن فيها سائر العيوب
وقد قيل مرة لسيدي الشيخ أبي العباس الغمري رحمه الله : لم لا تصلي في الصف الأول ؟ فقال لست من أهل الصف الأول حتى أتقدم إليه فقيل له ومن أهله فقال من لم تتطلخ جارحة من جوارحه بذنب أو لم يصر على خطيئة لحظة فقيل له اعتقادنا فيكم أنكم كذلك بحمد الله فقال أنا أعلم بنفسي ولم يزل يصلي في الصف الأخير إلى أن مات . وهذا ما عليه أئمة الصوفية الذين تحفهم هيبة الله عز و جل وكشف الحجاب عنهم فلو أقمنا لأحدهم الأدلة على أن يقف في الصف الأول لا يستطيع من هيبة الله عز و جل والحياء منه وأما ما عليه جمهور الفقهاء والمحدثين فهو مطلوبية الوقوف في الصف الأول لكل بالغ عاقل البلوغ المشهور
فالعقل المشهور الذي بنيت عليه أحكام التكليف ويميز به بين الحسن والقبيح ولو لم يعمل بعلمه حتى صار معدودا من الفسقة بخلاف البلوغ والعقل في مصطلح أهل الله عز و جل من الصوفية فإن البلوغ عندهم هو بلوغ الشخص أوج مراتب الكمال في الولاية والعقل عندهم الاشتغال بما هو الأولى في كل وقت حتى لا يكتب عليه كاتب الشمال أبدا شيئا على أن العلة التي فهمها الصوفية من حديث [ [ ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ] ] يقبلها العقل ولا يردها إذا حملنا أولي النهى على العقل الكامل الذي يحجز صاحبه عن المعاصي فكما أن الصوفية دائما مع العلة التي هي عدم جمع الدنيا فإن وجدت عندهم تقدموا إلى الصف الأول وإن فقدت تأخروا فكذلك جمهور العلماء دائرون مع ظاهر أحاديث الشريعة ولو فقدت العلة كما داروا مع ظاهر الشريعة في مواضع التي وردت على سبب مثل الرمل في الأشواط الثلاثة في طواف القدوم فإن العلة قد زالت وهي أن الصحابة كانوا يرون الكفار قوتهم وجلدهم حتى بلغ الكفار أنهم سيقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فلذلك أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالاضطباع والرمل في الأشواط الثلاثة تكذيبا لما توهمه قريش فيهم
فاعلم أن من جمع العقل والبلوغ على مذهب الصوفية والفقهاء والمحدثين فهو مأمور بالوقوف في الصف الأول اتفاقا
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي للشخص أن يبادر ويزاحم على الصف الأول إلا إن كان سالما من العيوب الباطنة التي لو اطلع الناس عليها لحقروه وأخروه فليتنبه المصلي لمثل ذلك فإن في الحديث [ [ صفوا كما تصف الملائكة عند ربها ] ] أي لا يتقدم صغير على كبير ولا مطرود على مقرب بالنظر لاختلاف المراتب واعتبار المشاهد وإلا فالحق تعالى قريب من كل أحد على أحد على حد سواء كما يعرف ذلك من انكشف حجابه لتنزيهه تعالى عن التحيز فكما لا يتقدم الملك الأصغر في الموقف على الأكبر فكذلك لا يتقدم مرتكب المعاصي ولو سرا على السالم منها ولو جهرا
وتأمل يا أخي في المملكة الدنيوية لا يتقدم صغير في حضرة السلطان في موقف الكبير أبدا ولو أن شخصا من الصغار زاحم ودخل في غفلة مع نقباء الحضرة أخرجوه بعد ذلك وزجروه أشد الزجر
وقد قال بعض أهل الكشف : إن ترتيب المملكة السماوية على ترتيب المملكة الأرضية حتى أن الملائكة التي تكتب الحسنات تكون على يمين الداخل للحضرة الإلهية وكاتب السيئات يكون على يسار الداخل لها كما في كاتب بيت الوالي وكاتب الجيوش فإن كاتب السيئات دائما يجلس على يسار الداخل ولو لم يقصد معلم الجيوش الآن ذلك لجهله بالحضرات السماوية
وبالجملة فكل من العلماء والصوفية على هدى من ربهم فيما فهموا من الكتاب والسنة ولكن منهم المشدد ومنهم المخفف على الناس بحسب الأمر الغالب : { وكلا وعد الله الحسنى } ف { الحمد لله رب العالمين } (1/290)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس كلب ] ] . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان ] ] . قال الحافظ المنذري : وممن قال بعدم صحة صلاة من خفض ورفع قبل الإمام عبدالله بن عمر ولكن عامة أهل العلم على أنه أساء فقط وصلاته مجزية غير أن أكثرهم يأمرونه أن يعود إلى السجود ويمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك قاله الخطابي . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بالوقوع في مسابقة الإمام في الركوع والسجود والرفع منهما كما عليه غالب الناس اليوم فصاروا يرفعون رؤوسهم ويخفضونها بحكم العادة لا العبادة ففاتهم أجر الاتباع وعصوا أمر الله ورسوله ولعمري من أحرم خلف إمام ناويا أنه لا يفارقه حتى يسلم أي فائدة في مسابقته في أثناء الصلاة وهو مربوط معه إلى السلام . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ صادق يسلك به في مقامات الأدب مع الله تعالى ومع الأئمة الذين نصبهم الشارع يصلون بالناس حتى يصير لا يركع ولا يرفع من ركوع ولا سجود إلا بحكم الاتباع لهم والحضور مع الله تعالى في ذلك فإن ذلك هو فائدة صلاة الجماعة وأما بغير سلوك فلا يصح له ذلك ولو أنه راعاه يراعيه في الغالب بتكلف بخلاف السالك للمقامات لا يصير عنده تكلف في امتثال أمر الشارع أبدا كما أنه لا يتكلف لدخول النفس وخروجه فتأمل ذلك فإنه نفيس . { والله غفور رحيم } (1/291)
- روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ] ] . وروى الإمام أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن نقرة الغراب . وروى الطبراني وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو مات هذا على حالته هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه و سلم . وروى النسائي مرفوعا : [ [ منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى قال : ومنكم من يصلي العشر ] ] . وفي رواية للنسائي بأطول من هذا وفي حديث المسيء صلاته : فاركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تطمئن رافعا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم افعل في صلاتك كلها . فالكامل من دار مع الأحاديث . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتساهل بترك إتمام الركوع والسجود والاعتدال فيهما سواء كنا أئمة أو مأمومين أو منفردين وأما الزيادة في التطويل على الذكر الواجب والمندوب فلا يليق بالإمام بل ربما أبطلوا صلاته إذا طول الاعتدال زيادة على الذكر الوارد فيه المطلوب منه وإنما يليق ذلك بالمنفرد وأما المأموم فهو تابع لإمامه ثم إن طول تطويل خارجا عن المأمور به فله مفارقته ولو بلا عذر . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي للفقير إذا كان يغلب عليه الذهول في حضرة الله عن شهود المأمومين أن يجعل نفسه إماما بالناس لأن مثل هذا تحت أسر القدرة الإلهية لا اختيار له إلا أن يأمره الشارع بتطويل قراءة الثانية على الأولى كقراءة سورة الغاشية في الركعة الثانية من الجمعة وفي الأولى بسبح اسم ربك الأعلى مع أنها أقصر من الغاشية وقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم نص على أن تكون القراءة في الركعة الثانية دون الأولى والقراءة في الرابعة دون الثالثة . وفي حديث عائشة : وكانت صلاته بعد إلى التخفيف . ومن الحكمة في ذلك كون النفس تزهق من طول الوقوف بين يدي الله عز و جل عجزا أو مع الغفلة إذ لا يقدر كل أحد على مراعاة كونه بين يدي الله عز و جل على الدوام من غير أن يتخلل ذلك شهود الكون فإن ذلك ليس من مقدور البشر إلا أن يمن الله تعالى بذلك على بعض أصفيائه . وتأمل يا أخي نفسك إذا طول الإمام الثانية على الأولى أو طول الدعاء في التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة تكاد روحك تخرج من حضرة الله عز و جل ولا يصير واقفا يصلي منك إلا الجسم فقط وتلك الصلاة لا تصلح للقبول بل هي إلى الرد أقرب كما مر في عهد الخشوع في قسم المأمورات . واعلم يا أخي أن الاعتدال قد وردت فيه أحاديث في تطويله وتقصيره فروى البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطول الاعتدال حتى نقول إنه نسي . وفي رواية : كان إذا جلس بين السجدتين كأنما جلس على الرضف يعني الحجارة المحماة . فأما الإمام أبو حنيفة فقال : يجب الاعتدال في الرفع عن الركوع والسجود بقدر ما يفصل الركن من الركن لأن الاعتدال في هذين الموضعين إنما شرع تنفيسا للمصلي مع الحضور من المشقة العظيمة التي تجلت له في ركوعه وسجوده . وأما الإمام الشافعي فقال : يجب الاعتدال عن الركوع والسجود حتى يرد كل عضو إلى موضعه التي هي حالة القيام . وقد بسطنا الكلام على ذلك في أسرار الصلاة فراجعه . والله أعلم (1/292)
- روى الترمذي والديلمي مرفوعا : [ [ لا يقبل الله تعالى من عبد عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه ] ]
وروى الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا : [ [ الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن وتبأس وتقنع من لم يفعل ذلك فهي خداج ] ] . وقوله تبأس معناه إظهار البؤس والفاقة وقوله تمسكن من المسكنة والوقار وقوله تقنع أي يرفع يديه في الدعاء وقوله خداج أي ناقصة الأجر والفضل . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إذا صلى العبد فلم يتم صلاته بخشوعها وركوعها لم تقبل منه ] ] . وفي رواية له : [ [ أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا ] ] . وروى الطبراني وأبو داود وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى يسمع لصوته أزيز كأزيز المرجل من البكاء يعني أن لصوته وقلبه أنينا كصوت غليان القدر على النار القوية والأزيز بزاءين معجمتين . وروى الطبراني أن عبدالله بن مسعود كان إذا صلى كأنه ثوب ملقى من شدة الخشوع . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ثلاثة يحبهم الله عز و جل : تعجيل الفطر وتأخير السحور وضرب اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ] ] . أي لأنها صفة الخاشعين . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك الحضور مع الله تعالى في صلاتنا وجميع طاعاتنا ولا بالخشوع فيها لأن روح كل عبادة هو الحضور والخشوع فيها وما امرنا الله تعالى بفعل طاعة إلا لنشهده تعالى فيها وكل عبادة لا تجمع العبد بقلبه على الله تعالى فهي عيادة لا عبادة فلا أجر فيها ومن قال من الفقراء إن الخشوع في الصلاة لا يضر تركه فقد أخطأ طريق الكمال وإذا كان حامل القرآن والعلم يترخص هذا الترخص فبمن يقتضي الناس
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ صادق حتى يزيل حجبه وعوائقه التي تبعده عن دخول حضرة الله تعالى ويدخله حضرات القرب ويصير الخشوع لله تعالى من شأنه لا يتكلف له وأما من أكل ونام ولغا في الكلام وارتكب الآثام وشبع حتى صار بطنه كبطن الدب من الحرام والشبهات فمن أين يأتيه الخشوع فإنهم أجمعوا على أن من شبع من الحلال قسا قلبه فكيف بمن شبع من الحرام وهذا حال أكثر الناس اليوم فيتعاطى أحدهم أسباب قسوة القلب ثم يقوم للصلاة ويطلب يحضر مع الله ويخشع وجوارحه كل جارحة في بلد أو حارة وذلك لا يصح وقد قالوا في المثل السائر : من مشى في غير طريق يتيه ولو كان في النهار
فاسلك يا أخي على يد شيخ ليدلك على طريق الوصول إلى الحضور والخشوع ولا تكبر نفسك عليه وتقول أنا عالم فتخسر فإن من شرط العلم أن يعرف دواء كل علة وينزل الدواء على الداء ومن قال دواء الحمى مثلا كذا وكذا وهو لم يعرف الحمى كأنه لم يعلم شيئا وقد ذكرنا في عهود المشايخ أنه يجب على كل فقيه أن يتخذ له شيخا يدله على الطريق التي تسهل عليه الوصول إلى درجة العمل بما علم ليكمل نفعه لنفسه وللناس ولا يكون كالشمعة التي تضيء على الناس وتحرق نفسها وقد قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } . أي أكبر ما فيها كتلاوة القرآن غافلا والركوع والسجود وغير ذلك والمراد بذكر الله هنا شهود العبد ربه بقلبه أو علمه بأنه في حضرته تعالى والحق ناظر إليه فمن صلى كذلك نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر خارجها لاستصحاب شهوده إن الله تعالى يراه التي هي حضرة الإحسان وأما من لم يحضر في صلاته فليس معه من الحضور ذرة حتى يستصحبها خارج الصلاة وذلك تجد خلقا كثيرا مواظبين على الصلاة ويقعون في كل فاحشة ورذيلة وهذا أولى من تفسير من قال المراد بكون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أنه ما دام فيها يحرم بها إلى أن يسلم منها لا يتصور منهم معصية فتأمل ذلك وحرره
واعلم يا أخي أن من لم يتصور له الحضور في الصلاة ففي حضرة خسر هو والله لا يحب الخاسرين
وقد قال بعضهم : إن العبد لا يتنعم في الآخرة إلا بمقام حصله هنا وإن كل من لم يحصل مقاما في هذه الدار لا يعطاه في الآخرة : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } . لحجابهم عن دخول حضرته في دار الدنيا وإن تفاوت حجاب المؤمن والكافر
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لولا دخول الأولياء حضرة الإحسان ما حفظوا من المعاصي . قال : وقد دخلها الإمام الليث بن سعد والإمام الشافعي رضي الله عنهما فكان كل واحد منهما يقول أنا أعرف شخصا في عصرنا هذا من منذ وعى على نفسه ما أتى معصية قط فكان أصحابه يعرفون أنه يعني بذلك نفسه لأن أحدا لا يعرف ذلك من غيره إلا من طريق الكشف على أنه قد يحصي الله تعالى على عبده ما لم يخطر له على بال . ثم من المعلوم أن حضرة الإحسان لا يتصور دخول إبليس فيها أبدا ولو بحيلة من الحيل إذا لو صح دخوله لها لم يبق أحد تضاف إليه المعاصي بالوسوسة حتما فتعين أنه لا يدخلها وإن من وقع له وسوسة في صلاته وادعى أنه في حضرة الإحسان فهو غير صادق في دعواه ومن هنا عصمت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعكوفهم في حضرة الإحسان على الدوام حتى في حال أكلهم وجماعهم ومزاحهم
وسمعت أخي أفضل الدين يقول لفقيه رآه يقفز في الصلاة ليصطاد النية من الهواء كيف تطلب النية والحضور والخشوع مع الله وكل عضو منك في واد مربوط بعلاقة شهوة من الشهوات فاقطع علائقك أولا ثم صل وإلا فلا يمكنك أن تقطع علائقك كلها حال إحرامك ومن لازمك الالتفات لغير الله تعالى في صلاتك فلا يصح لك حضور ولا خشوع
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يسامحون مريدهم في حضور شيء من الدنيا على باله وهو الصلاة بل كان الجنيد رضي الله عنه يقول للشبلي : يا أبا بكر إن خطر في بالك من الجمعة إلى الجمعة غير الله فلا تعد تأتينا فإنه لا يجيء منك شيء . فلا تظن يا أخي أن هذا المشهد من أعلى المقامات وإنما هو من أوائل مقامات المريدين وذلك لأن أول قدم يضعه المريد في الطريق يشهد الخالق للذوات ويحجب عن الوقوع مع اللذات كمن وصل إلى مجالسة السلطان لا يلتهي عنه بمشاهدة غلام يخدم خيل بعض جنده يحجبه بذلك الجمال البديع عن رؤية غيره
ومن كلام الجنيد رحمه الله من شهد الحق تعالى لم يرى الخلق ولا يجمع بين رؤية الحق تعالى والخلق معا في آن واحد إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وكمل ورثته وهذا الأمر لا يدرك إلا ذوقا
وقد كان الشيخ معروف الكرخي رضي الله عنه يقول لي ثلاثون سنة أكلم الله والناس يظنون أني أكلمهم
وأخبرني الشيخ يوسف الكردي من أصحاب سيدي إبراهيم المتبولي وكان يجتمع بالخضر عليه السلام كثيرا قال : كنت مع سيدي إبراهيم في مصر ثم رجعنا إلى بركة الحاج فمر على بستان النخيل الذي غرسه في البركة فقال سيدي إبراهيم ما هذه النخيل ؟ فقلنا هذا بستانكم فقال من غرسه فقلنا له أنتم فقال : وعزة ربي أنا لي منذ سبعة عشر سنة ما خرجت من حضرة الله تعالى ولكن أستحي إن خطر على بالي وأنا في حضرة الله أن أغرس بستانا أو أبني زاوية يأوي إليها الغرباء والحجاج فلعل الله تعالى أرسل ملكا على صورتي فغرسه هذا لفظه لي رضي الله عنه
فاعلم أن من لم يسلك طريق القوم فهو واقف مع شهود الخلق دون الحق فلا يحصل له خشوع غالبا لعدم إدراكه لتجليات الحق جل وعلا التي دكت الجبال دكا وخر منها السيد موسى عليه الصلاة و السلام صعقا
وكان سيدي علي المرصفي رحمه الله يقول : ما قطع بعض أهل الجدال عن الوصول إلى مقامات الأولياء وكراماتهم إلا دعواهم أنهم أعلم بالله منهم وخوفهم على علمهم الذي به رياستهم أن ينسى حين يتبعون طريق الفقراء وهو خديعة من النفس والشيطان فإن طريق الفقراء لا تزيدهم ألا علما إلى علمهم وجلاء لقلوبهم وحضورا في عبادتهم . قلت : وليس مرادنا بالفقراء هؤلاء الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العاشر في الزوايا وعقدوا مجالس الذكر فإن الفقهاء بيقين أحسن من هؤلاء وأعلى مقاما لزيادتهم عليهم في العلم والفهم في الكتاب والسنة وكلام الأئمة وإنما مرادنا العارفون بالله تعالى وبسائر مذاهب المجتهدين ومقلديهم الذين أتتهم تلك العلوم من طريق الوهب وهؤلاء قليلون في مصر ولكن من صدق أوقعه الله تعالى عليهم
وقد كان الشيخ عز الدين بن عبدالسلام رحمه الله يقول : وهل ثم طريق غير ما فهمناه من الكتاب والسنة وينفي طريق القوم فلما اجتمع بسيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي وأخذ عنه صار يقول : ما قعد على قواعد الشريعة التي لا تهدم إلا الصوفية قال : ومما يدلك على ذلك ما يقع على يد أحدهم من الكرامات والخوارق ولا يقع شيء منها على يد غيرهم ولو بلغ في العلم ما بلغ هذا لفظه في كتاب ألفه في طريق الصوفية سماه التقريب وكذلك بلغنا عن الغزالي قبل اجتماعه بشيخه البازغاني رحمه الله
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : غاية حضور العالم في الصلاة أن يتدبر فيما يقرؤه ويلقى باله لمخارج الحروف واستنباط الأحكام وهذه كلها أمور مفرقة عن الحضور مع الله تعالى فإن من الآيات ما يذهب به إلى الجنة فيشاهد ما فيها ومنها ما يذهب به إلى النار فيشاهد ما فيها ومنها ما يذهب به إلى قصة آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه و سلم فكيف الحضور مع الله تعالى ؟ وليس في قدرة النفس أن تشتغل بشيئين معا في آن واحد ومن هنا قال مالك رحمه الله بأن إرخاء اليدين في الصلاة أولى للضعيف من وضعهما تحت صدره آخذا بيمينه يساره لأن مراعاتها تشوش على العبد وتمنعه من كمال الإقبال على مخاطبة الله عز و جل ومناجاته ولا شك أن مراعاة أدب الخطاب مع الحق أولى من مراعاة وضع اليدين تحت الصدر . فاعلم أن وضع اليدين تحت الصدر لا يؤمر به إلا من لم تشغله مراعاته عن كمال خطاب الله عز و جل من الأكابر الذين ثبتهم الله تعالى . أما الأصاغر فربما ذهلوا عن عدد ما صلوا من الركعات وما قالوه من التسبيحات لأنها حضرة تذهل العقول كما يعرف ذلك أهل الله تعالى ولولا أن الله تعالى يلطف بهم لما عرف أحد منهم عدد ما صلى . والله تعالى أعلم (1/293)
- روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما : [ [ أن رجلا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه و سلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اجلس فقد آذيتنا وأذيت ؟ ؟ ] ] وفي أخرى [ [ فقد آذيت وآنيت ] ] بمد الهمزة : أي أخرت المجيء . وروى ابن ماجه والترمذي مرفوعا : [ [ من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم ] ] . وروى الطبراني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس ويؤذيهم فقال : [ [ من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتخطى قط رقاب الناس وقد اصطفوا جلوسا ينتظرون الصلاة أو يستمعون الخطيب أو الواعظ أو تدريس العلم ونحو ذلك أدبا مع الله تعالى ومع إخواننا المسلمين ولو زبالين فإن هذه الحضرات تزل فيها الملوك الجبابرة فضلا عن غيرهم فمن تخطى رقاب الناس فيها فهو معدود من قسم البهائم فمن الأدب لطالب الخير أن يحضر قبل الناس أو يتخلف حتى يقوموا للصلاة فيخرق الصفوف لسد تلك الفرجة إن كان من أهل الوقوف في الصفوف المتقدمة أو يصلي أواخر الصفوف وليحذر من إظهار نعله إذا دخل وهو في يده بل يستره بردائه ونحوه . وكان سيدي علي الخواص رحمه الله لا يتجرأ قط أن يدخل المسجد إلا تبعا لغيره فإن جاء ولم يجد أحدا داخلا من الباب صبر حتى يجيء أحد ثم يدخل كأنه مجرم أتوا به إلى الوالي . وكان أخي أفضل الدين رحمه الله يقول : والله إني لأرى الجميلة للناس إذ مكنوني من الدخول للصلاة ولم يطردوني ثم يصلي في أخريات المسجد قريبا من النعال ويقول : إن مدد الله النازل في بيته لا ينزل على متكبر ولا على غافل عن الأدب . { والله غفور رحيم } (1/294)
- روى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ] ] . وروى الترمذي وغيره مرفوعا في حديث طويل : [ [ فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ دلا يزال الله تعالى مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ لا يزال الله تعالى مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ دمن قام في الصلاة فالتفت ردت عليه صلاته ] ] . وفي رواية له أيضا : [ [ لا صلاة للملتفت فإن غلبتم في التطوع فلا تغلبوا في الفريضة ] ] . وروى ابن ماجه وغيره بإسناد حسن عن أم سلمة قالت : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلوا لم يعد بصر أحدهم موضع سجوده فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا لا يعدوا بصر أحدهم موضع سجوده فلما توفي أبو بكر كان لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ثم لما كانت الفتنة زمن عثمان رضي الله عنه أكثر الناس الالتفات يمينا وشمالا . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرفع بصرنا إلى حضرة خطابنا لربنا سواء كانت حضرة الخطاب في العلويات أو السفليات وهما معا على حسب اتساع حال العبد وضيقه في وجوه المعارف وكذلك لا ينبغي لنا الالتفات عن حضرة الخطاب بقلوبنا فضلا عن جوارحنا وهذا الأدب مطلوب من كل الناس وإن كان الحق تعالى لا يتحيز ولا تأخذه الجهات ونظير ذلك أنه تعالى طلب منا ستر العورة في الخلوة والظلام وغيرهما وإن كان لا يحجبه تعالى شيء عنا فافهم . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ وإلا فلا يقدر على كف جوارحه عن الانتشار والتفرقة أبدا وأقل ما يفعله من لم يسلك الطريق أنه يشبع ويطلب من جوارحه الكف عن الفضول وذلك لا يكون لأن من شأن الجوارح إذا أكل الإنسان زائدا على السنة أن تنتشر ويكثر فضولها بخلاف من وقف على حد السنة فإن جوارحه تكون ذليلة خامدة عن سائر الملاهي فضلا عن الحرام . وقد قررنا مرارا أنه لا ينشأ فعل الحرام إلا من أكل الحرام ولا فعل الطاعات إلا من أكل الحلال فلو أراد آكل الحلال أن يعصي لما قدر ولو أراد آكل الحرام أن يطيع لما قدر . { والله غفور رحيم } (1/295)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت ] ] . ومعنى لغوت : خبت من الأجر وقيل معناه أخطأت وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا وقيل غير ذلك . وروى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما مرفوعا : [ [ من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة ] ] . فالحيلة في نهيه أن يشير له أنصت من غير لفظ . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ من لغى وتخطى رقاب الناس يوم الجمعة كانت ظهرا ] ] . والله سبحانه وتعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتكلم والإمام يخطب إلا لضرورة أدبا مع نائب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن للنواب من الأدب ما لمستنيبهم وإن تفاوت المقام ثم إن ارتفع مشهدنا إلى سماع ذلك من الحضرات الإلهية كان لنا أدب آخر فوق ذلك ومن نظر بغير الكشف وجد جميع الوعاظ رسل لرسول الله صلى الله عليه و سلم إليه فلا ينبغي له أن يجعل كلام الخطيب في حق غيره فيفوته ثمرة الحضور لسماع الواعظ كما عليه غالب الناس فيأخذ كل كلام وعظه به الخطيب في حق غيره وينسى نفسه وربما قال أفلح الواعظ اليوم في الحط على الفسقة والظلمة الكلاب المنافقين ولا يأخذ من الخطيب كلمة في حق نفسه هذا إن صغى إليه فإن اشتغل بحديث الدنيا أو الغيبة أو النميمة فقد فسق وأساء الأدب مع الله ورسوله بتعديه حدود الله والواعظ يعظه في حضرة الله . فيحتاج من يريد أن يكون من أهل الإنصات إلى شيخ يسلكه ويبين له عيوبه حتى يصير يأخذ كل كلام سمعه من الواعظ في حق نفسه فلا سبيل له إلا الإنصات . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من المسلمين على تأخره عن حضور الجمعة حتى يصعد الإمام بل نأمره أن يحضر قبل صعوده وذلك لما روى الطبراني والأصبهاني مرفوعا : [ [ احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخر عن الجمعة فيؤخر عن الجنة وإنه لمن أهلها ] ] . والله أعلم (1/296)
- روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم مرفوعا : [ [ من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر فهو منافق ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من المسلمين على تركه الجمعة بل ننهاه ونزجره أشد الزجر رحمة به وخوفا أن الله تعالى يطبع على قلبه فلا يدخله بعد ذلك خير حتى يموت ومتى علمنا أن أحدا ترك حضور الجمعة بغير عذر وسكتنا على ذلك بغير عذر فقد خنا الله ورسوله وارتكبنا إثما عظيما وهذا العهد قد كثر الإخلال بالعمل به فلا تكاد ترى أحدا ينكر على أحد ترك الجمعة أبدا . والقاعدة أن كل من استهان بارتكاب غيره المعاصي فهو دليل على استهانيه هو بارتكاب المعاصي في نفسه ومن استعظم وقوع نفسه فيها استعظم وقوعها من غيره فإن لم تكن هذه القاعدة كلية فهي أكثرية نسأل الله اللطف (1/297)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ ما من مسلم جمع ذهبا ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ] ] الحديث . قال شيخنا رضي الله عنه : وإنما خص الله الكي بهذه الثلاثة الأعضاء لأن صاحب المال إذا رأى الفقير جاء له يعرقض ؟ ؟ جبهته له فإذا جاء وجلس عنده يسأله شيئا أعطاه جنبه فإذا ألح عليه أعطاه صاحب المال ظهره وفارقه والأحاديث في منع الزكاة كثيرة مشهورة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجمع من الذهب والفضة قط نصابا إلا إن كنا نثق من أنفسنا بأنا نخرج زكاتها وهي مخلصة منشرحة لها فإن لم نثق من أنفسنا أننا نخرجها كذلك اقتصرنا في الجمع على ما دون النصاب . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد على وجهه إلى السلوك الكامل على يد شيخ مرشد صادق وإلا فلا يشم من العمل به رائحة بل يجمع ويمنع وإن أخرج شيئا فهو لعلة فادحة في قبولها . فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يفطمك عن محبة الدنيا يعني عن الميل إليها إذ الدنيا لا تبغض لذاتها وإنما المطلوب الزهد في الميل إليها لا في ذاتها إذ لو كان الزهد مطلوبا في ذاتها لما جاز لأحد إمساكها ولا قائل بذلك فإن المحذور إنما هو في إمساكها محبة لذاتها إذ هو الذي يتفرع منه الحجاب والشح والبخل فيمنع العبد من إخراج زكاته وقد غلط في هذا الأمر قوم فتركوا جمع الدنيا أصلا ورأسا فاحتاجوا إلى سؤال الناس تعريضا وتصريحا ولو أنهم كانوا سلكوا على يد الأشياخ حتى فطموهم عن الميل إليها لجمعوا القناطير من الذهب وأنفقوها على المساكين وحصل لهم خير الدنيا والآخرة . وقد حكى أن فقيرا دخل زاوية سيدي إبراهيم المتبولي فجلس للعبادة ليلا ونهارا وترك الكسب وكان الشيخ لا يحب للفقير عدم التكسب فقال له يا ولدي لم لا تحترف وتقوم بنفسك وتستغني عن حمل الناس لك الطعام فقال يا سيدي لما دخلت زاويتكم رأيت في تلك الطاقة بومة عمياء لا تطيق أن تسعى مثل ما يسعى الطيور ورأيت صقرا يأتيها كل يوم بقطعة لحم يرميها لها في طاقتها فقلت أنا أولى بالتوكل على الله من هذه البومة فقال له سيدي إبراهيم ولم تجعل نفسك بومة عمياء ؟ هلا جعلتها صقرا تأكل وتطعم البومة ؟ فقال الفقير التوبة وخرج للكسب . فيحتاج الفقير إلى حال صادق يرمى به الدنيا وحال صادق يأخذها بعد ذلك به . { والله غفور رحيم } (1/298)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس بوجهه مزعة لحم ] ] . وروى البخاري وابن ماجه : [ [ لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ] ] . وروى البخاري : [ [ ما أكل أحد طعاما خيرا له من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ] ] . وفي رواية : [ [ إنه كان يعمل القفاف من الخوص ] ] . وروى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ إنما السائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا ] ] . الكدوح : الخموش . وروى البيهقي : [ [ من سأل الناس من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم يأتي يوم القيامة بوجهه ليس عليه لحم ] ] . وفي رواية أخرى له مرفوعا : [ [ من فتح على نفسه باب المسألة من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب ] ] . وروى البيهقي : أن رجلا أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلي عليه فقال : كم ترك ؟ فقالوا دينارين أو ثلاثة قال : ترك كيتين أو ثلاث كيات . قال عبدالله بن القاسم وكان ذلك الرجل لم يزل يسأل الناس تكثرا . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من سأل مسألة على ظهر غنى استكثر من رضف جهنم قالوا وما ظهر غنى ؟ قال : عشاء ليلة ] ] . [ والرضف : الحجارة المحماة ] وفي رواية لأبي داود : [ [ قالوا وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة ؟ قال : قدر ما يغديه ويعشيه ] ] . وفي رواية لابن حبان وابن خزيمة في صحيحه : [ [ هو أن يكون له شبع يوم وليلة ] ] . قلت : وهذه الأحاديث وما شاكلها إنما خرجت مخرج الزجر والتنفير عن ترك الكسب ولها تحقيق آخر عند العلماء . والله أعلم . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ اليد العليا خير من اليد السفلى ] ] . قال مالك وغيره : [ [ والعليا هي المنفقة ] ] . وقال الخطابي وغيره : والأشبه أن المراد بالعليا هي المتعففة عن سؤال الناس لأن ذلك مأخوذ من علاء المجد والكرم لا من علو المكان وسياق الحديث يقتضيه فإنه صلى الله عليه و سلم قال : [ [ ذلك يحض على الصداقة والتعفف عن المسألة ] ] . والله أعلم . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ شرف المؤمن قيام الليل وعزه غناؤه عن الناس ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ] ] . وروى مسلم وغيره : [ [ ومن يستعفف يعفه الله ] ] . والله أعلم
- ( اخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتوكل توكل العام فنترك التكسب بالتجارة والزراعة والصناعة ونحو ذلك ونصير نسأل الولاة والأغنياء تصريحا أو تعريضا فإن ذلك جهل بمقام التوكل كما هو شأن من يطلب الوظائف والأنظار بالوسائط وكتابة القصص ثم يدعى التوكل بعد ذلك وهو قد سأل مع الغنى وربما يحتج بأن التكسب يعطله عن الاشتغال بالعلم وذلك حجة لا تنهض إلا إذا لم يكن في بلده أو إقليمه من يقوم بحفظ الشريعة . أما إذا كان في بلده من يقوم مقامه في الإفتاء والتدريس فالأدب اشتغاله بالتكسب إلا أن يمن عليه بما يأكل وما يشرب من حيث لا يحتسب ونحو ذلك . فإياك يا أخي وسؤال الناس بلا ضرورة وقد كثر وقوعه من غالب حملة القرآن مع قدرتهم على الكسب بالحرف والصنائع وغيرها وإذا أمره أحد بالتكسب يحتج بأنه مشتغل بالعلم والحال بخلاف ذلك فإن من شرط من يجوز له أكل الصدقة أن تكون له علامات ظاهرة على حفظه والإكباب على الاشتغال بالعلم ليلا ونهارا بحيث لو اشتغل بالتكسب لتعطل مع حاجة الناس إلى علمه مع الإخلاص فيه بحيث يحس بنفسه أن لو سأل الله تعالى به حاجة لقضاها كما في خبر الثلاثة الذين وقعت عليهم الصخرة فسدت عليهم فم الغار وقالوا لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم . وقد كان شيخنا شيخ الإسلام زكريا إذا أصابه وجع في رأسه وأنا أطالع له العلم لما كف بصره يقول نويت الاستشفاء بالعلم فيذهب الوجع لوقته : وقال لي مرارا عند ثوران الصداع برأسي قل نويت الاستشفاء بالعلم فأقول ذلك فيذهب الوجع لوقته فلا أدري هل ذلك من جهة إخلاصي أو ذلك ببركة الشيخ رضي الله عنه . وأعلم أن المروءة من الإيمان ولا مروءة لمن يسأل الناس وهو قادر على الكسب فمن أراد العمل بهذا العهد فليسلك طريق القوم على يد شيخ صادق يسير به حتى يدخل به حضرات اليقين ويرى أهلها ويخالطهم ويصير معتمدا على الله تعالى لا على الكسب ولا على أحد من الخلق وهناك لا يضره سؤال إن شاء الله تعالى لأنه حينئذ إنما يسأل من الله تعالى والخلق أبواب للحق فهو مع صاحب رب الدار لا مع الدار ولا مع بابها ومن لم يسلك على يد شيخ فغالب أحواله علل فإن سأل كان لعلة وإن ترك كان لعلة . والله أعلم (1/299)
- روى مسلم مرفوعا : [ [ قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ] ] . وفي رواية للترمذي بإسنادين صحيحين مرفوعا : [ [ طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقناعة ] ] والكفاف ما كف عن السؤال . وقال بعضهم : الكفاف ما كان على قدر الحاجة من غير زيادة . وروى مسلم والترمذي : [ [ يقول الله عز و جل : يا ابن آدم إن تبذل الفضل خير لك ولا تستكثر شرا لك ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسأل الناس الحق تعالى تكثرا وما دام عندنا غداء وعشاء أو قيمة ما نشتري به لا نسأله تعالى زائدا وكذلك حكمنا في ملبوسنا وأدمنا وغير ذلك لا نسأله تعالى شيئا إلا وقت الحاجة في ذلك الشيء وذلك لنكون متوجهين إلى الله تعالى كل يوم وليلة إظهارا للفاقة والفقر لكون الحق تعالى يحب منا ذلك . ولا تصل يا أخي إلى هذا المقام إلا بعد سلوك على يد شيخ صادق يسير بك في الدرجات واليقين حتى يجعلك لا تهتم بأمر الرزق ولا تخاف من جهة ذنوبك أنه يضيعك أبدا ويتساوى عندك كون الدنيا في خزانتك وكونها في خزانة غيرك على حد سواء وهناك تصح لك القناعة وإن لم تسلك كما ذكرنا فمن لازمك الشح والهلع وعدم القناعة غالبا . والله أعلم (1/300)
- روى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن هذا المال خضرة حلوة فمن أعطيناه شيئا عن طيب نفس من غير تشره نفس بورك له فيه ومن أعطيناه شيئا بغير طيب نفس منا كان غير مبارك له فيه ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد وغيرهما مرفوعا : [ [ إن أحدكم ليخرج من عندي بحاجته متأبطها وما هي إلا النار فقيل يا رسول الله فلم تعطيهم ؟ قال : يأبون إلا أن يسألوا ويأبى الله لي البخل ] ] . وقوله متأبطها : أي جاعلها تحت إبطه . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نأخذ من أحد مالا ولا نأكل له طعاما إلا إن علمنا طيب نفسه بلا علة ولا نية فاسدة تتبعه على ذلك من حب محمدة أو شهرة تكره ونحو ذلك ونعرف طيب نفسه وعدم طيبها بنور الكشف أو باحتفاف القرائن فإن القرائن إحدى الأدلة الشرعية . فيحتاج من يريد العمل بذلك إلى سلوك على يد شيخ ناصح حتى يخرج به من أودية الطمع وشره النفس ويصير يقدم أمر آخرته على دنياه ويؤخر رضى نفسه إذا عارضه رضا الله . وما رأيت أحد قام بهذا العهد مثلما قام به سيدي علي الخواص رحمه الله كانوا يأتونه بالأموال والأطعمة وفيها العلل فيردها فإذا قالوا له والله خاطرنا بها طيب يقول لهم أنا خاطري بها ما هو طيب رضي الله عنه . فاعلم أننا نراعي حفظ أعمال إخواننا من الآفات كما نراعي أعمالنا ولا نساعدهم فيما ليس فيه أجر لهم فنأخذ أموالهم ونأكل طعامهم المعلول لأجل نفع نفوسنا ولا نلتفت لنقص رأس مالهم فمن فعل ذلك فقد أساء على نفسه وعلى إخوانه . { والله غني حميد } (1/301)
- روى الطبراني مرفوعا ورجاله رجال الصحيح : [ [ ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سأل بوجه الله ثم منع سائله إلا أن يسأل هجرا ] ] . الهجر بضم الهاء وسكون الجيم : الأمر القبيح الذي لا يليق وقيل السؤال القبيح بالكلام القبيح . وروى أبو داود وغيره : [ [ لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ] ] . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه وغيرهما مرفوعا : [ [ من سأل بالله فأعطوه ] ] . وروى النسائي وابن ماجه وغيرهما : [ [ ألا أخبركم بشر الناس رجل يسأل بوجه الله فلا يعطى ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ألا أخبركم عن الخضر ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال : تصدق علي بارك الله فيك فقال الخضر : آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شيء أعطيكه فقال المسكين : أسأل الله لما تصدقت علي فإني نظرت إلى السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك . فقال الخضر آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني فقال المسكين : فهل يستقيم هذا ؟ قال نعم . أقول لقد سألتني بأمر عظيم أملا في لأجيبك بوجه ربي بعني فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ] ] . الحديث . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسأل أحدا ونقسم عليه بوجه الله إجلالا لله عز و جل . إلا أن يكون ذلك لضرورة شرعية وكذلك لا نبخل بشيء قط سألنا فيه أحد بوجه الله ولو ثيابنا وجميع ما لنا أو بيعنا في السوق وأخذ ثمننا بحيلة يفعلها كما وقع للخضر عليه السلام وهذا العهد يظهر زغل خلق كثير ممن يدعون أنهم يجلون الله عز و جل فتراهم يدعون تعظيم الله تعالى وإجلالهم ويسألهم الفقير بوجه الله أن يعطوه فلسا فلا يعطونه بل رأيت الفقراء وهم بفناء الكعبة يقولون للطائفين لأجل هذا البيت درهم أو خرقة نستر بها عورتنا أو كسرة نسد بها جوعتنا فلا يعطيهم أحد شيئا . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : من مر على سائل يسأل شيئا ولم يجل الله تعالى بإعطائه كل ما طلب فقال له إنسان إنك لا تحب الله تعالى فقد صدق لأن من شرط المحب إجلال محبوبه . وكان يقول : إياكم أن تخرجوا إلى السوق بلا حاجة إلا أن يكون معكم شيء تعطونه لمن يسأل بالله على الطرقات لا سيما إن كان شريفا من أولاد رسول الله صلى الله عليه و سلم . والله أعلم . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ صادق يسير به في طريق أهل الله حتى يخرجه عن حب الدنيا ويجعلها لا تساوي عنده جناح بعوضة كما هي عند الله فهناك لا يبخل بشيء يسأل فيه ولو بلا قسم بأحد من أولياء الله فضلا عن الله عز و جل ومن لم يسلك على يد شيخ كما ذكرنا فلا يشم من العمل بهذا العهد رائحة ومن لازمه الإخلال بجانب التعظيم . { والله غفور رحيم } (1/302)
- روى الطبراني مرفوعا : [ [ ما المعطى من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا ] ] . وفي رواية لابن حبان : [ [ ما الذي يعطى من سعة بأعظم أجرا من الذي يقبل إذا كان محتاجا ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرد شيئا جاءنا من غير سؤال ولا استشراف نفس وهذا العهد يقع في خيانته كثير ممن يحب أن يشتهر بالزهد ويرد ما أعطيه خوفا أن يجرح مقامه عند الناس وعار عليه أنه جرح مقامه بذلك عند الله تعالى فخذ من الله تعالى وأعط الله والله يتولى هداك (1/303)
- روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ من تصدق على زوج أو أيتام في حجره فله أجران : أجر الصدقة وأجر القرابة ] ] . وروى الترمذي والنسائي مرفوعا : [ [ الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة ] ] . وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح الذي يضمر عدواته في كشحه ] ] . كشحه : وهو خصره يعني أن أفضل الصدقة على ذو الرحم القاطع لرحمه المضمر العداوة في باطنه . وفي رواية لابن خزيمة [ [ وعلى القريب ] ] بدل [ [ ذي الرحم ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ الصدقة على القرابة يضاعف أجرها مرتين ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيمنعه فضله إذا سأله ويبخل عليه إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع فتتلمظ فتطوى به ] ] . وفي رواية أيضا مرفوعا : [ [ أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله من فضله فمنعه إلا منعه الله فضله يوم القيامة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرد قريبا سألنا شيئا ونحن في غنى عنه ولا نتعدى قط بصدقتنا إلى الأجانب ونترك قريبنا الفقير أو نتعدى بالحسنة جارنا الفقير إلى الأبعد ولو فقيرا فضلا عن أن يكون غنيا وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس فيسألهم قريبهم ثوبا أو طعاما أو دراهم فلا يعطونهم شيئا ويسألهم شخص لا قرابة بينهم وبينه فيعطونه ولعل العلة في ذلك أن القريب يأخذ ولا يشكر أصلا أو يشكر ولا يبالغ في الشكر ويقول لا جميلة في ذلك لقريبي بخلاف الأجنبي فإنه إذا أخذ من أحد شيئا يشكر صاحبه في المجالس ويبالغ في الثناء عليه والنفس من شأنها أنها تحب ذلك . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به في الطريق حتى يوقفه على حضرات الإخلاص ويصير يستلذ بالعطية لمن يكتم أشد من لذته لمن يعترف بها ويشكر . وقد كان أخي أفضل الدين رحمه الله صاحب مروءة ومال في الباطن وكان مشهورا بالفقر فكان يجمع الزكوات من الناس جهرا ويخلط معها أكثر منها سرا ثم يفرقها على الفقراء والمساكين وبقية الأصناف وإذا نسبوه إلى أنه اختلس من زكوات الناس شيئا لنفسه ولم يعط الناس منها إلا القليل ينشرح ويفرح ويقول الحمد لله الذي وفر علينا ما تفضل به علينا في الآخرة من الآجر ولم يضيعه في الدنيا بمدح الناس وشكرهم لنا فاعلم أن من تعدى قريبه بالعطاء والهدايا والصدقات إلى الأجانب من غير عذر شرعي فهو مراء خالص وكذلك من تعدى جاره إلى الأباعد : والله عليم حكيم (1/304)
- روى الترمذي مرفوعا وقال حديث حسن : [ [ لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه وقيل يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال : ذلك أفضل أموالنا ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لايحل لامرأة أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه ] ] زاد العبدري في جامعه : فإن أذن لها فالأجر لهما وإن فعلت بغير إذنه فالأجر له والإثم عليها . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقبل صدقة ولا هدية من امرأة إلا بعد أن نسأل عن ذلك فربما كان من مال زوجها بغير إذنه فنقع في الإثم ونعينها على الحرام وهذا الأمر يقع فيه الفقهاء والمغفلون الذين يقرئون النساء البخاري والقرآن والموالد وقد نهى جميع أشياخ الطريق عن قبول الرفق من النساء ولو كان من كسبهن لأن الله تعالى قال : { الرجال قوامون على النساء } . قالوا : ومن ترخص في ذلك فهو دنيء الهمة والمروءة لا يجيء منه شيء في الطريق . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلكه ويرقى به إلى مقامات الرجولية ويفطمه عن محبة الدنيا وإلا فمن لازمه أنه يلعق كل ما وجده . والله عليم حكيم (1/305)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء باخلا يمنعه ابن السبيل فيقول الله عز و جل له يوم القيامة : أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ] ] . وروى أبو داود : أن رجلا قال : يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الماء والملح والنار قال أبو سعيد : يعني الماء الجاري . وفي رواية لابن ماجه : [ [ من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيبت تلك الملح ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمنع أحدا يستقي من بئرنا ولو عدوا لا سيما إن كان عطشانا في طريق الحج ولا نمنع دوابه من الماء والكلأ رحمة بعدونا وبالبهائم فنجيء نحن وبهائمنا مع عدونا لئلا يموت معهم عملا بأوامر الشارع صلى الله عليه و سلم لنا بأن نحب للمسلمين ما نحب لأنفسنا وخوفا من غضب الحق تعالى علينا يوم القيامة كما سيأتي في الأحاديث . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلكه ويخرج به من حضرات رعونات النفس حتى يصير يحب الخير لكل مسلم من أعدائه فضلا عن غيرهم ويصير يتأسف على كل خير فاته وهذا العهد يقع في خيانته كثير من أهل الرعونات فأول ما يقع بينه وبين أحد من جيرانه عداوة يحجز بينه وبين أن يستقي من بئره ورأيت بعضهم ردمها حتى لا يستقي ذلك العدو منها وهذا كله من بقايا النفاق في القلب : والله غفور رحيم (1/306)
- روى الترمذي وأبو داود وغيرهما : [ [ من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله إن صامه ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى سبب إفطارنا شيئا من رمضان فنتحفظ من أسباب المرض كأن نستحم في الشتاء بالماء البارد بغير عذر شرعي وفي المرض قبل المتنصل منه فيؤدي ذلك إلى المرض فنفطر وهذا وإن لم يقصد به المسلم الإفطار فالتحفظ منه من حزم عقل المؤمن وإن احتاج إلى شرب دواء أو حقنة وليجعل ذلك ليلا إلا إن قال عدل من الأطباء أن تأخير ذلك يزيده مرضا فاعلم ذلك (1/307)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ] ] . زاد في رواية الإمام أحمد [ [ إلا رمضان ] ] . وفي رواية للترمذي مرفوعا : [ [ لا تصم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه ] ] . وفي رواية للإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ فإن صامت بغير إذنه تطوعا جاعت وعطشت ولا يقبل منها ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمنع حليلتنا من صوم التطوع طلبا لشهوة نفوسنا القوية للجماع في النهار ونوطن نفوسنا على الصبر إلى الليل إلا إذا خفنا العنت وهذا من حسن العشرة فلا نتسبب قط في نقص أجر حليلتنا . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي منع الحلائل من الصوم إلا في أوقات توقع الحمل طلبا للحمل فله منعها من الصوم لتحمل فإذا حملت المرأة فلا ينبغي منعها من الصوم : والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . وينبغي حمل منع الزوج لها من الصوم في الأحاديث على ما إذا خاف العنت ونحو ذلك : والله غفور رحيم (1/308)
- روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى عائشة صائمة يوم الجمعة فقال : أصمت أمس ؟ فقالت لا قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت لا قال : فأفطري . وروى الترمذي وابن ماجه في صحيحه مرفوعا : [ [ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عودة شجرة فليمضغه ] ] . واللحاء : هو القشر . قال الحافظ المنذري : وهذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم كالجمعة فأما إن صام يوما قبله أو يوما بعده فلا بأس . والله سبحانه وتعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لانخص الجمعة أو السبت أو الأحد بالصوم لحديث مسلم والنسائي مرفوعا : [ [ لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة من بين الأيام إلا أن يكون صام يوما فبله أو بعده ] ] (1/309)
- روى مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام وصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام ؟ فقال أولئك العصاة أولئك العصاة . وفي رواية لمسم : فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما تفعل فدعى بقدح من ماء بعد العصر فشرب . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في سفر فرأى رجلا قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فقال ما له ؟ فقالوا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ ليس من البر أن تصوموا في السفر ] ] . زاد في رواية : [ [ وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها ] ] . وروى ابن ماجه والنسائي مرفوعا : [ [ صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ] ] . ورواه بعضهم موقوفا على ابن عمر . وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ من لم يقبل رخصة الله عز و جل كان عليه من الإثم مثل جبل عرفة ] ] . لكن قال البخاري كأنه حديث منكر . وروى مسلم عن أنس قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء فمنا من يتقي الشمس بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركبان فقال النبي صلى الله عليه و سلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر . وكان عمر ابن عبدالعزيز وقتادة ومجاهد إذا سئلوا عن الصوم والإفطار في السفر أيهما الأفضل ؟ يقولون افضلهما أيسرهما . واختار هذا القول أبو بكر بن المنذر وقال الحافظ عبدالعظيم وغيره وهو حسن . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نصوم في السفر إلا إن سهل علينا من غير مشقة عملا برخصة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم وميلا إلى الضعف وهذا العهد يقع في خيانته كثير من المتصوفة والجهال فيصوم أحدهم في السفر ويقاسي المشقات الشديدة ولا يفطر ويرى أن ذلك أفضل له ويقدم رأي نفسه على الشارع صلى الله عليه و سلم وقد جرب أنه ما شدد أحد على نفسه وخالف الشارع إلا أخل بمأمورات أخر فإن الله تعالى أعلم بما يتحمل عبده المداومة عليه ولو علم منهم القدرة على أكثر ما شرع لزاد عليهم في التشريع بل جرب أن كل طفل قرأ يوم الجمعة وكتب لوحه فلا بد أن يكسل عن لوحه في يوم آخر من الجمعة فلا أكمل ممن يقف على أحد ما أمره به الشارع أبدا . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يهديه إلى سلوك طريق العبادات التي يطيق العبد المداومة عليها ولا يؤدي عليه : { فما رعوها حق رعايتها } وأيضا فإن العبد في حال فعله برخصة الشارع يسمى متبعا وفي التشديد على نفسه يسمى مبتدعا ومعلوم أن الاتباع أولى من الابتداع ولو استحسن . والله أعلم (1/310)
- روى البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم مرفوعا : من لم يدع قول الزور والعمل به . زاد في رواية : والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه : أي إن الله لم يأمر باصوم على هذا الوجه فافهم : وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه ] ] . وروى النسائي بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي مرفوعا : [ [ الصيام جنة ما لم تخرقها ] ] . زاد في رواية الطبراني : قيل وبما يخرقها يا رسول الله ؟ قال : بكذب أو غيبة . وروى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما مرفوعا : [ [ ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث ] ] . وروى البخاري وغيره مرفوعا لكن في إسناده من لم يسم : أن إمرأتين صامتا ثم جلستا تأكلان من لحوم الناس فأمرهما النبي صلى الله عليه و سلم أن يستقيئا ما في بطونهما في قدح فقاءتا كل واحدة قيئا ودما وصديدا ولحما حتى ملأتا القدح ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وافطرتا على ما حرم الله عليهما . زاد في رواية : ولو أن ذلك بقي في بطونهما لأكلتهما النار يوم القيامة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون قط في الوقوع فيما نهانا الشارع عنه ولو رأينا أكابر العلماء يقعون فيه وذلك كالغيبة والنميمة والحسد والكبر والغل والحقد وسوء الظن بالمسلمين ونحو ذلك في رمضان وغيره بل نراعي يرك وقعوع ذلك منا في رمضان أشد من مراعاتنا له في غيره عملا بتأكيد الشارع صلى الله عليه و سلم علينا في ترك ذل في رمضان ولا يجوز لنا الإغترار بمن رأيناه يقع في ذلك من أكابر الناس لأن الإغترار لا يكون إلا فيما لم يرد لنا فيه عن الشارع أما ما ورد فيه ذلك فاغترارنا بمن وقع فيه ضلال مبين بل الذي يجب علينا التباعد عن الوقوع في ذلك أشد من العلماء والصالحين لنقص مقامنا عنهم فربما سامحهم الحق تعالى دوننا لمحبته لهم وأكثر من يقع في خيانة هذا العهد من في قلبه شيء من النفاق تراه يقع في الغيبة والنميمة ويشتم الناس في رمضان ويقول : هذا أمر لا يقدر العلماء يتحرزون عنه فضلا عن مثلي ولعمري هذا كلام لا يقع ممن يخاف الله عز و جل وهو حجة له في قلة الدين
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح حتى يسد عليه مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى قلب العبد فيوسوس له بالسيئات ومن لم يسلك على يد شيخ فمن لازمه غالبا عدم حفظ جوارحه الظاهرة والباطنة عن الوقوع في كل عضو والصوم جنة ما لم يخرقه بغيبة أو نميمة ومعلوم أن الشيطان بالمرصاد لما تخرق من صوم العبد ليدخل إلى قلبه من ذلك الخرق فيحتاج إلى تحفظ زائد ليسد جميع الثغر الذي يدخل منه
وقد أجمع العارفون على أن من حفظ صومه من التخرق حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي ثم من أعون شيء لإبليس على وسوسة العبد كثرة الأكل في العشاء والسحور فإن العبد إذا شبع شبعت جوارحه وأجابت إبليس إلى كل ما دعاها إليه من المعاصي وهذا الأمر قد عم غالب الناس فتراهم يأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في غيره فأخطأوا طريق الصواب وصار صومهم كأنه عادة لا عبادة
وقد كان السلف الصالح يخرجون من صيام رمضان يكاشفون الناس بما في سرائرهم من كثرة نور العبادات وتوالي الطاعات وترك أكل الشهوات وهجر المباحات وكان أحدهم إذا فاته ليلة القدر في سنة يعاقب نفسه تلك السنة بصومها كلها فإن جميع ما يتقدم ليلة القدر من الصيام إنما هو كالاستعداد لرؤيتها فإنها خير من عبادة ألف شهر وهو نحو ثلاث وثمانين سنة . وإذا كان من ترك صلاة العصر من المؤمنين يحصل له من الحزن على فواتها مثل حزن من فقد أهله وماله فكيف لا يتأسف أحدنا على فوات عبادة ثلاث وثمانين سنة
فاسلك يا أخي على يد شيخ لتكمل لك عبادتك ويزيل عنك النقص الواقع فيها فإن مقصود أهل الطريق كلهم بالمريدين إنما هو ليلحقوهم بالسلف الصالح في إتمام عباداتهم على الوجه المشروع لا غير : والله عليم حكيم (1/311)
- روى مسلم وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ] ] . وروى الطبراني وغيره : أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على رجل واضعا رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال أفلا قبل هذا ؟ أتريد أن تميتها موتتين . وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ إذا ذبح أحدكم فليجهز ] ] . أي يسرع ذبحها ويتممه . وروى النسائي والحاكم وصححه مرفوعا : [ [ ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز و جل عنها قيل يا رسول الله وما حقها ؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي بها ] ] . وقوله فما فوقها يعني في الصغر قاله بعض المفسرين . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ من مثل بذي روح ثم لم يتب مثل الله به يوم القيامة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتخلق بالفظاظة وعدم الشفقة والرحمة على أحد من المسلمين وسائر الحيوانات بل نكون رحماء بخلق الله كلهم بطريقه الشرعي إدخالا لعدم الأذى عليهم كما نحب أن يفعل بنا ذلك فإن من لا يرحم لا يرحم فنحد الشفرة لذبح ما شرع لنا ذبحه أو قتله من الحيوانات المؤذية ولا نمثل بشيء منها قط ولا نملة ولا بعوضة فضلا عن الكلب أو الهر . وقد أصاب الجرب والجذام كلبا في بلد سيدي أحمد بن الرفاعي حتى قذره الناس وأخرجوه إلى الصحراء فبلغ ذلك سيدي أحمد فخرج إليه وضرب عليه مظلة وصار يدهنه ويطعمه ويسقيه ويغسل يديه سبعا إحداها بالتراب صباحا ومساء مدة أربعين يوما حتى عافى الله تعالى ذلك الكلب فسخن له ماء وغسله ودخل به البلد فأبكى الناس من شدة ما فعل من رحمته بذلك الكلب . ودخل عليه مرة يعقوب الخادم فوجده يبكي ويعتذر ويقول : لا تؤاخذ حميدا بما وقع منه فإنه ما قصدي فقال يا سيدي من تعاتب وما أرى عندك أحدا ؟ فقال يا ولدي نزلت ناموسة على يدي فوضعت إصبعي عليها أنحيها فانكسر جناحها فخفت أن يؤاخذ الله بها حميدا يوم القيامة أو يكسر ذراعه في الدنيا كما فعل معها لعدم تحرزي حين وقعت عليها يدي . وكان يأمر رضي الله عنه أصحابه بالصبر على أذى القمل ويقول : كيف يدعى أحدكم الصبر على البلاء وهو ينفذ غضبه في قمله أو برغوث ولا يحمل أذاها فضلا عن أذى أعدائه من الناس . فإن أردت يا أخي العمل بهذا العهد فاسلك على يد شيخ ناصح يلطف كثائفك ويزيل عنك الغلطة والتجبر ويلحقك بالملائكة الكرام وتصير تشفق على غيرك من سائر خلق الله كما تشفق على نفسك ولا تتجبر إلا على من أمرك بالتجبر عليه والله يتولى هداك (1/312)
- روى الترمذي والبيهقي وغيرهما : [ [ من ملك زادا أو راحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله تعالى يقول : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ] ] . وفي رواية البيهقي مرفوعا : [ [ من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل إن عبدا أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمرحوم ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك حج الفرض مع الاستطاعة ولو خفنا أن أحدا يسعى في إخراج أنظارنا عنا أو تدريسنا وخطابتنا أو غير ذلك بل نخرج إلى حجة الإسلام ولو فاتتنا الدنيا بحذافيرها فإذا قضينا حجة الإسلام فلنا ترك حج التطوع إذ خفنا ما ذكر لأن تحصيل ما به قوام معايشنا من الوظائف المذكورة أولى من حج التطوع مع الحاجة إذا رجعنا إلى أوطاننا وهذا العهد يخل به كثير من الناس مع القدرة فيكون عنده من الأمتعة والكتب ما يفضل على مؤونة حجه ذاهبا وراجعا بل يكفيه نفقة سنة أو سنتين بعد الحج
ويترك حجة الإسلام ويحتج بخوف السعي على وظائفه والإنسان على نفسه بصيرة وقد قال تعالى : { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا } . يعني أنهم يأتونك مشاة ولا ينتظرون حصول شيء يركبونه تعظيما وخوفا من تأخير أمر الله عز و جل . وقد بلغنا أن الخليل عليه السلام لما أمره الله تعالى بالختان لم ينتظر الموسى بل بادر بأذن القدوم يعني الفأس فاختتن بها فقيل له يا خليل الله هلا طلبت الموسى فقال إن تأخير أمر الله شديد . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ صادق يرقيه في درجات التعظيم لله تعالى حتى يصير فوات الدنيا في جنب طاعة الله كفوات ذرة من التراب وفوات ذرة من طاعة الله تعالى أصعب عليه من فوات الدنيا بحذافيرها لو كانت في يده ومن لم يسلك الطريق كما ذكرنا فمن لازمه غالبا تقديم أهوية نفسه على مرضاة ربه . { والله غفور رحيم } (1/313)
- روى الإمام أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لنسائه عام حجة الوداع هذه ثم ظهورالحصر . قال أبو هريرة : فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة كانتا يقولان والله لا تحركنا دابة بعد ما سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم يعنيان به قوله صلى الله عليه و سلم : هذه ثم ظهور الحصر . كما في رواية الطبراني بإسناد صحيح ولفظه عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع : [ [ هذه الحجة ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت ] ] . وفي رواية أخرى له فقال صلى الله عليه و سلم لنسائه : [ [ إنما هي هذه ثم عليكم بظهور الحصر ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن عيالنا المخدرات من الخروج لحج التطوع بخلاف حجة الفرض وذلك لضعفهن عن تحمل مشقة الطريق ولكونهن عورة أو لغير ذلك من الأمور الواقعة للحجاج لا سيما إن تفرسنا فيهن عدم الإخلاص فإن غالب النساء يسافرون بلا صلاة ولا طهارة ذهابا وإيابا ويتخذن ذلك تنزها وفرجا لا سيما سفرهن عقب موت أولادهن في الفصل فيها جرن من أوطانهن بعدا عن المواطن التي مات فيها أولادهن فاعلم أننا لا نمنع غير المخدرات أو من صلحت نيتهن أو احتجنا لهن في السفر كأن كان عندنا شدة غلمة وخفنا على أنفسنا أن يخطر في بالنا شهوة محرمة فنؤاخذ بها فإن من خصائص الحرم أن الله يؤاخذ من أراد فيه سوءا وإن لم يعمل به . والله عليم حكيم (1/314)
- روى مسلم وابن ماجه مرفوعا : [ [ من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصى ] ] . وفي رواية : [ [ من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني ] ] . وفي رواية للطبراني : [ [ من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها ] ] . وفي رواية : [ [ من ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنما هي نعمة كفرها ] ] . ويقاس على الرمي ما ذكرناه من آلات الجهاد وما لم يذكر . والله تعالى أعلم
- ( اخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك تعلم آلات الجهاد كالرمي بالنشاب والمسارعة والمدافعة ونحو ذلك ثم لا نتركها بعد التعليم حتى ينفك إدماننا وهذا العهد قليل من الناس من يعتني به إكتفاء بعسكر السلطان ويقول إذا وقع دخول عدو بلادنا فعسكر السلطان يكفي فكل ذلك جبن وكسل ويبس طباع وكذلك من الأدب أن لا نتهاون بترك تعلم السباحة في البحر لاحتمال أن يضطرنا عدو عند شاطئ البحر فيهلكنا ولو أننا كنا نعرف السباحة لربما خلصنا منه . وقد كان شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري مع كبر سنه يعوم بحر النيل كل سنة مرة ويقول أنا أخاف أن ينفك مني الإدمان في العوم فإن ترك العوم نقص في الإنسان . والله أعلم (1/315)
- روى الشيخان وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عد السبع الموبقات فذكر منها الفرار من الزحف . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ثلاثة لا ينفع معهن عمل الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من الزحف ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نفر من جماعة اجتمعنا معهم على أمر فيه إقامة للدين كالجهاد في سبيل الله أو أمر بمعروف نعين عليه أو إزالة منكر أو مجلس ذكر لله إلا لضرورة شرعية لا سيما إن كان الناس ينفرون عن ذلك الخير تبعا لنا وهذا العهد يتأكد العمل به على علماء هذا الزمان وصوفيته لكونهم رؤوس الناس فإن قاموا في أمر قامت العامة معهم وإن غفلوا في أمر غفلت العامة معهم عنه والله تعالى يحب كل من نصر شريعة نبيه صلى الله عليه و سلم وأعان من يريد إقامة شعائرها كما مرت الإشارة إليه في ضمن العهود أوائل الكتب . وبالجملة فلا يتخلف عن نصرة الشريعة مع القدرة إلا من في قلبه نفاق والسلام . وقد ورد الترهيب في الفرار من الزحف فقسنا عليه الفرار من كل خير فيه حياة الدين . { والله غفور رحيم } (1/316)
- روى البخاري وغيره : أن رجلا كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هو في النار فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءة قد غلها . قال العلماء : والغلول هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصا به ولا يحضره إلى أمير الجيش ليقسمه على الغزاة سواء قل أو كثر وسواء كان الآخذ أمير الجيش أو أحدهم . وروى مالك وأحمد وأبو داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم امتنع من الصلاة على رجل غل حرزا ليهودي لا يساوي درهمين وقال صلوا على صاحبكم . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من كتم غالا فهو مثله ] ] . أي ستر عليه ولم يعلم الناس بما غله . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغل من شيء دخل يدنا على اسم الفقراء والمساكين كمال الزكوات والصدقات ولا نخص النساء وأولادنا بشيء زائد على الفقراء إلا بطيبة نفوسهم بعد إعلامهم بما نأخذه زائدا عليهم عملا بحديث : [ [ إن الله يكره العبد المتميز عن أخيه ] ] . وهذا العهد لا يقدر على العمل به إلا من سلك على يد شيخ حتى فطمه عن محبة الدنيا فمن لم يفطم عن محبتها فمن لازمه غالبا تخصيص نفسه عن إخوانه سرا وجهرا . فاسلك على يد شيخ إن أردت الوفاء بهذا العهد والله يتولى هداك (1/317)
- روى مسلم وأبو داود مرفوعا : [ [ من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ] ] . روى الطبراني مرفوعا : [ [ ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب ] ] . روى أبو داود وابن ماجه مرفوعا : [ [ من لم يغز أصابه الله بقارعة الطريق قبل يوم القيامة ] ] يعني العذاب . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ إذا ترك أمتي الجهاد سلط الله تعالى عليهم ذلا لا ينزعه حتى يرجعون إلى دينهم ] ] . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغفل عن تحديث أنفسنا بالغزو في سبيل الله لنكتب إن شاء الله من جملة أنصار دين الله فإن من لا يحدث نفسه بالجهاد ليس له اسم في ديوان أنصار الله وأنصار رسوله وإن كان له اسم من حيثية أخرى كالاشتغال بالعلم ونحوه مما يؤول لنصرة الدين أيضا وكفى بذلك طردا عن صفات كمال المؤمنين : أي لأن الكامل هو من كان قائما بنصب الدين من سائر الجهات التي تنصب بها القوة وإن كان هو في حالة الفعل أكمل منه في حالة القوة إلا أن يبعد عليه ذلك فيعذر وهذا العهد قد اندرس العمل به في إقليم مصر وغيرها ولا نعلم أحدا يعمل به الآن إلا جند السلطان ابن عثمان نصره الله تعالى فإنه هو الحامي لبيضة الإسلام الآن شرقا وغربا برا وبحرا فالله ينفعنا ببركاته ويحشرنا من جملة جنده وأنصاره آمين آمين (1/318)
- روى الترمذي والحاكم : [ [ إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخراب ] ] . وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة مرفوعا : [ [ عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد . وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ ما من امرء يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله أجذم ] ] . قال الخطابي والأجذم هو المقطوع اليد ومعناه أنه يلقى الله خالي اليدين من الخير كني باليد عما تحويه اليد وقال بعضهم معناه لا حجة له . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بعدم تلاوة القرآن في كل يوم ولو خمسة أحزاب خوفا من نسيانه وهذا العهد يقع في خيانته كثير من طلبة العلم ومتصوفة الزمان فيشتغلون بالعلم وقراءة الأوراد ويهجرون تلاوة القرآن حتى يمتنع حفظهم له وربما نسوه ويزعمون أن ما هم فيه أفضل . فاعلم أنه يجب تعاهد القرآن وقراءته بالتدبر لأنه قوت القلوب . وقياس القرآن أنه يجب تعاهد كتب الفقه الشرعية وآلاتها كل قليل إذا كان تقدم للعبد حفظها عن ظهر قلب خوفا أن تنسى إذ هي كأنها تفسير للكتاب والسنة وتبيين لما أبهم وأجمل فيهما وإن لم يلحق في التعظيم بالقرآن . وقد وقع لسيدي الشيخ أبي المواهب الشاذلي أنه اشتغل بالأوراد وهجر القرآن فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاتبه في ذلك وقال تترك تلاوة كتاب الله لأجل وريداتك فكان الشيخ أبو المواهب بعد ذلك يقرأ كل يوم خمسة أحزاب بتدبر إلى أن مات . والله تعالى أعلم (1/319)
- روى الطبراني والبيهقي وغيرهما مرفوعا : [ [ ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها ] ] . وروى الطبراني : من لم يكثر ذكر الله فيها . وفي رواية أخرى للطبراني مرفوعا : [ [ إن الله تعالى يقول يا ابن آدم إنك إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغفل عن الإكثار من ذكر الله عز و جل ليلا ونهارا سرا وجهرا إجلالا لله تعالى وعبودية له . والمراد بذكر الله تعالى شهودنا ليلا ونهارا أننا بين يديه وهو يرانا ويرى أفعالنا وأقوالنا وخواطرنا . وأما الذكر اللفظي فإنما هو وسيلة إلى حصول هذا الذكر . ولا تصل يا أخي إلى هذا المقام إلا بالسلوك على يد شيخ مرشد ناصح ومن لم يسلك كذلك فمن لازمه الغفلة عن الله تعالى ولا يذكره إلا عند الحاجة لا غير فإذا أعطاه حاجته نسي ذكره ومن شك فليجرب (1/320)
- روى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه و سلم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ] ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وغيرهما مرفوعا : [ [ من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه إلا كان عليه من الله ترة ] ] . والترة هي النقص والتبعة . وروى أبو داود والحاكم وغيرهما مرفوعا : [ [ ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس مجلسا ولا نقوم منه ولا ننام ولا نقوم إلا ونذكر الله تعالى ونصلي على النبي صلى الله عليه و سلم وإن وقع منا مخالفة لذلك استغفرنا الله تعالى سبعين مرة وهذا العهد وإن كان داخلا في العهد الذي قبله لكنه خاص بتغاير الأحوال وذلك آكد من الذكر المطلق كما قالوا في التلبية للحج . والله أعلم (1/321)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي ] ] . وفي رواية لمسلم والترمذي : [ [ لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء ] ] . ومعنى يستحسر أي يمل ويعيا فيترك الدعاء . فاعلم أن المراد بعدم الإجابة عدم السرعة فيها وإلا فالإجابة حاصلة في الدنيا والآخرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نستبطئ الإجابة من الله تعالى ولا نقول دعونا فلم يستجب لنا لأن في ذلك سوء ظن بربنا . وقد بلغنا أن داود عليه السلام استبطأ إجابة دعائه على من ظلمه فأوحى الله تعالى إليه : يا داود إنما أبطئ إجابة دعائك لأعاملك بنظير ذلك إذا ظلمت أحدا ودعا عليك . مع أن قول العبد دعوت الحق فلم يستجب لي قوله قلة حياء وقلة أدب وكذب من حيث لا يشعر فإن الإجابة في الحقيقة من الله هي قوله تعالى للعبد لبيك إذا قال يا الله وهذا لا بد منه لكل داع فليس المراد بالإجابة قضاء الحاجة فوق ما يتوهم ثم إن العبد يقول يا رب إفعل لي كذا فيقول الله تعالى له نعم لكن في الوقت الذي هو أولى لك إما في وقت آخر في الدنيا أو في الآخرة فالدعاء مجاب بقوله لبيك على الدوام وكذلك قضاء الحاجة مجاب على الدوام وما ورد أحد الحضرة الإلهية ورجع بلا قضاء حاجة قط لأنها حضرة أكرم الأكرمين . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ يعلمه آداب الدعاء والتفويض لله تعالى فيه كأن يقول اللهم أعطني كذا وادفع عني كذا إن كان لي في ذلك خيرة ومصلحة وسبق ذلك في علمك وكلامنا في غير المضطر أما المضطر فيجاب لوقته ثم إن العبد الذي لم يضطر إذا فوض إلى الله تعالى كذلك فعل معه خير الأمرين فإن أعطاه كان خيرا وإن منعه كان خيرا : والله عليم حكيم (1/322)
- روى مسلم والنسائي وغيرهما مرفوعا : [ [ لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء به في الصلاة إلى السماء أو ليخطفن الله أبصارهم ] ] . وروى الإمام أحمد بإسناد حسن : [ [ إذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء عن ظهر قلب غافل ] ] . وفي رواية : [ [ لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرفع بصرنا إلى السماء حال دعائنا بل نغمض بصرنا وننظر إلى الأرض وكذلك لا ندعو وقلبنا غافل فإن في ذلك من سوء الأدب ما لا يخفى لاتباع الشريعة واتباع العرف في ذلك وإلا فالجهات كلها في حق الله واحدة وإنما كان النبي صلى الله عليه و سلم يقلب وجهه في السماء لأنها طريق لنزول الوحي المعهود كما أنه قد تلفت في صلاته ينظر إلى العين الذي أرسل قاصده ينظر منه خير القوم فهو التفات إلى مخلوق ونظر إلى مخلوق من جبريل وغيره فافهم فإن الله تعالى مدحه قبل ذلك بقوله عند ليلة الإسراء : { مازاغ البصر وما طغى } يعني ما جاوز حضرة الخطاب . وقد سمعت سيدي عليا الخواص يقول في حديث كانت خطيئة أخي داود النظر يعني النظر إلى غير الله بغير إذن من الله . وأما رفع اليدين إلى السماء فإنهما آلة يقبل لهما صدقات الحق تعالى التي تصدق الحق بها إليه ويضمهما إلى بعضهما كالمغترف بهما ماء كما قاله الشيخ أحمد الزاهد . والله أعلم (1/323)
- روى مسلم وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ] ] . وروى الترمذي وحسنه موقوفا : [ [ ثلاث دعوات لا شك في إجابتهن : دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده ] ] . وفي رواية لابن ماجه مرفوعا : [ [ دعوة الوالد تفضي إلى الحجاب ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا ندعو على أنفسنا ولا على ولدنا ولا على خادمنا ولا على ما لنا فإن ذلك من سوء الخلق وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك وأمرنا أن ننظر إلى مجاري الأقدار الإلهية التي قدرت على من دعونا عليه وقد فعل ما دعونا من أجله مما لا يلائم طبائعنا وكثيرا ما يدعو الإنسان على من يحبه فيستجيب الله تعالى له فيه فلا يهون عليه ذلك فيريد أن يرد ذلك عنه فلا يجيبه الحق تعالى . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : إذا وجد أحدكم في نفسه إقبالا على الله تعالى ورجا الإجابة فليقل اللهم لا تستجب لي قط دعاء على أحد من المسلمين لا في حق نفسي ولا غيري ولا في حال غضب ولا في حال رضا فإن الله تعالى يفعل له ذلك ولما دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على قريش بالهلاك أنزل الله تعالى عليه : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } . عتابا فاستغفر الله تعالى وصار يدعو لقومه بالهداية ويقول إذا خالفوه إلى ما يضرهم : [ [ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ] ] . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلكه ويقطع به الحجب حتى لا يضيف إلى الخلق إلا ما أضافه الله إليهم من إسناد الأعمال لا إيجادها ولهذا يصير لا يدعو على أحد إلا سبق لسان . { والله غفور رحيم } (1/324)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ قلب الشيخ شاب في حب اثنين : حب العيش وحب المال ] ] . وفي رواية للترمذي : [ [ طول الحياة وكثرة المال ] ] . وفي حديث مسلم والنسائي والترمذي مرفوعا : [ [ وأعوذ بك من نفس لا تشبع ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ يؤتى بابن آدم يوم القيامة فيقول الله له : أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فما صنعت ؟ فيقول : يا رب جمعته ونميته فتركته أكثر ما كان فأرجعني آتك به فإذا عيد لم يقدم خيرا فيمضي به إلى النار ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نجعل الدنيا في يدنا ولا ندخل حبها قلوبنا كما كان عليه السلف الصالح ولكن يحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يرقيه وإلا فلا يشم له رائحة ولو كان من أعلم الناس فاعلم ذلك (1/325)
- روى الطبراني مرفوعا : [ [ والذي نفسي بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام لم يقبل الله عز و جل له صلاة ما دام عليه ] ] . وروى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه : [ [ من جمع مالا حراما فتصدق به لم يكن له فيه أجر وكان وزره عليه ] ] . وفي رواية لأبي داود : [ [ من اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف به في جهنم ] ] . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ والذي نفسي بيده لا يكتسب أحد مالا حراما فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إذ لا يمحي السيء بالسيء ولكن يمحي السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث ] ] . وروى البخاري والنسائي مرفوعا : [ [ يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ من الحرام ] ] . زاد في رواية رزين : [ [ فهناك لا يستجيب لهم دعوة ] ] . وروى الترمذي وغيره مرفوعا : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال : الفم والفرج . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الله لا يدخل الجنة لحما نبت من سحت ] ] . والسحت : هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب . وروى أبو يعلى والبزار والطبراني مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بأكل الحرام والشبهات سواء كان كسبنا بالتجارة أو الصنائع أو الوظائف التي لا نسد فيها لا بأنفسنا ولا بنائبنا ومن الشبهات أن يطعمنا لأجل ما يعتقده فينا من الصلاح والدين ولا يخلو حالنا من أمرين إما نكون صالحين كما ظنوا أو غير صالحين وكلا الأمرين لا ينبغي لنا الأكل بسببه اللهم إلا أن يخلص من أطعمنا فيطعمنا لله لا لنية صلاح ولا غيره فهذا لا بأس بالأكل منه وقد كثر الأكل بالدين والصلاح في طائفة الفقراء واصطادوا بذلك أموال السلاطين وغيرهم حتى صار لأحدهم كل يوم عشرون نصف فضة وأكثر وإذا مات أحدهم يجدون بعده الألف دينار وأكثر وهو مع ذلك لابس جبة صوف . { والله غفور رحيم } (1/326)
- روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة صاحب مكس ] ] . يعني العشار الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر قاله البغوي أما الآن فإنهم يأخذون مكوسا أخر غير العشر ليس لها اسم يعني بل يأخذونه حراما سحتا يأكلونه في بطونهم نارا وحجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد . قاله الحافظ المنذري . وروى الإمام أحمد وغيره : [ [ ويل للعرفاء ويل للأمناء ] ] . وروى أبو يعلى مرفوعا بإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت به جنازة فقال : [ [ طوبى له إن لم يكن عريفا ] ] . وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب على منكبي المقداد ابن معد يكرب ؟ ؟ وقال : [ [ أفلحت إن لم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا ] ] . وفي رواية لأبي داود : قال رجل يا رسول الله إن أبي شيخ كبير وهو يسألك أن تجعل لي العرافة بعده فقال : [ [ إن العرافة حق ولا بد للناس من عريف ولكن العرفاء في النار ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من المسلمين على جباية الظلم ولو علمنا أن ذلك الظلم قد استحكم في بلدنا ثم إذا عجزنا فيجب علينا أن نوصيه كل الوصية على المسلمين ونأمره بأن لا يأخذ شيئا من المكس لنفسه فإن هذه الأموال قد تقررت وعجزت الأولياء عن رفعها ويحتاج من يقف في هذه الجهات إلى موازين دقيقة وسياسة تامة مع صاحب الجهة الأصلى فربما غمز عليه أحدا إذا تغافل عن أحد ولم يأخذ منهم شيئا فيحصل له الأذى (1/327)
- روى مسلم مرفوعا : [ [ من غشنا فليس منا ] ] . وروى الطبراني مرفوعا وقال رواته ثقات : [ [ من غش المسلمين فليس منهم ] ] . والأحاديث في مثل ذلك كثيرة . وكان سفيان الثوري يقول : الأدب تبقية أحاديث التنفير على ظاهرها من غير تأويل تبعا لغرض الشارع . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغش أحدا من خلق الله تعالى سواء استرشدنا في ذلك الأمر أم لا ؟ وهذا العهد لا يتم للعبد العمل به إلا إن سلك على يد شيخ صادق حتى صار لا يغش نفسه في شيء من عباداته ولا معاملاته فإن من غش نفسه غش غيره من باب أولى ومن نصح نفسه نصح غيره . فيجب على العبد أن يكشف ؟ ؟ على يد شيخ حتى يكشف الله تعالى له عن جميع دسائس النفوس وعللها في سائر الأعمال وإلا فمن لازمه غالبا الغش لنفسه ولغيره : والله عليم حكيم (1/328)
- روى مسلم وأبو داود والترمذي وصححه : [ [ لا يحتكر إلا خاطىء ] ] . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وغيرهم مرفوعا : [ [ من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه وأيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ] ] . وروى ابن ماجه والحاكم مرفوعا : [ [ الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ] ] . وروى الأصبهاني مرفوعا : [ [ من احتكر على المسلمين طعامهم ضربة الله بالجذام والافلاس ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحتكر طعاما للمسلمين خوفا من وقوعنا في محبة غلاء السعر ولو في سرائرنا وهذا الأمر قل من يتخلص منه بل وقع لي أنني كنت أخرج إلى مصلى الجنائز في الفصل فأصلي عليها فأبطأت الجنازة وقتا فصارت النفس تنتظر مجيء الأموات وتتألم إذا قلت الجنائز فنظرت فإذا في ذلك محبة موت المسلمين حتى أصلي عليهم ويحصل لي الأجر فانصرفت من ذلك الوقت وتركت ذلك الانتظار في المصلى وصرت أصلي من غير انتظار . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به طريق القوم حتى يصير العبد يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه وما لم يصل إلى هذا المقام فمن لازمه محبة الخير لنفسه ولو أدى ذلك إلى ضرر غيره . فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت العمل بهذا العهد والله يتولى هداك (1/329)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ اجتنبوا السبع الموبقات فذكرمنهم : وأكل الربا وأكل مال اليتيم ] ] الحديث . الموبقات : المهلكات . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ رأيت الليلة رجلين أتياني وأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمي الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فذكر الحديث إلى أن قال : فقلت ؟ ما هذا الرجل الذي رأيته في النهر ؟ فقال : آكل الربا ] ] . وروى مسلم والنسائي وأبو داود وغيرهم مرفوعا : [ [ لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم آكل الربا وموكله ] ] وزاد ابن حبان وغيره : [ [ وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء ] ] . وفي رواية الإمام أحمد وأبي يعلي وابن خزيمة وابن حبان عن ابن مسعود قال : [ [ آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتباه إذا علموا به ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم ] ] . وروى الحاكم والبيهقي مرفوعا : [ [ الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ] ] . وروى الطبراني مرفوعا عن عبدالله بن سلام : [ [ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام ] ] . وقيل إنه مرفوع . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ] وفي رواية : [ [ عقاب الله ] ] . وروى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت ليلة أسرى بي وأنا في السماء السابعة رعدا وبرقا وصواعق فذكر الحديث إلى أن قال : فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا . وروى الطبراني والأصبهاني مرفوعا : [ [ من أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط ثم قرأ { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } ] ] . وروى أبو داود وابن ماجه مرفوعا : [ [ ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ والذي نفسي بيده ليبيتن أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم وأكلهم الربا ] ] الحديث . والله تعالى أعلم
- ( اخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نأكل من طعام من يعامل الناس بالربا والحيلة إلا لضرورة شرعية كأن لم نجد شيئا نسد به الرمق أو ترتب على ذلك مصلحة دينية ترجح على تركه وهذا العهد قد كثر خيانة الناس له حتى لا يكاد يسلم منه تاجر ولا عالم ؟ ؟ فصاروا يعملون الحيلة في الربا ويكتبون ذلك في محاكم القضاة ويعترف أحدهم ويدعى الآخر بما ليس له بحق ثم يصير المرابي يطالب المرابي اسم مفعول فإن لم يعطه ما اتفق معه عليه يعترف له بزيادة على ذلك ثم يكتبونها كذلك فلا يزالون كذلك حتى تصير المائة دينار أكثر من ألف دينار ثم يمحق الله مال الجميع . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ صادق يسلك به الطريق حتى يدخله حضرات القناعة وحضرة الزهد في الدنيا وتصير نفسه تقنع بالخبز الحاف اليابس من غير إدام ويلبس الحصر بدل الثياب ومن لم يسلك فمن لازمه محبة الدنيا غالبا وعدم صبره عن شهواتها فكلما طلبت نفسه شهوة تحمل الدين لأجلها ورضي بالربا له وعليه . وكان سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول : والله لو أجبت نفسي إلى كل ما تطلب مني لخفت أن أكون شرطيا أو مكاسا . فاسلك يا أخي كما ذكرنا لتخلص من ورطة الربا والوقوع فيه والله يتولى هداك (1/330)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ من ظلم قدر شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ] ] . وفي رواية للإمام أحمد مرفوعا : [ [ من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه طوقه الله من سبع أرضين ] ] . ولفظ مسلم : لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة . قيل أراد طوق التكليف لا طوق التقليد وهو أن يطوق حملها يوم القيامة وقيل إنه أراد أن يخسف الله به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق قاله البغوي وهذا أصح ويؤديه رواية البخاري وغيره : [ [ من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ] ] . وفي رواية لأحمد والطبراني مرفوعا : [ [ من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر ] ] . وفي رواية للإمام أحمد والطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ أظلم الظلم ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه وليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الذي خلقها ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه ] ] . قال ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغصب من أحد شيئا ولو دواة أو قلما أو سواكا أو خلالا أو شيئا من سائر الحقوق خوف من وقوعنا في العقوبة . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ يسلك به إلى حضرات الإيمان بكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يصير ما توعده به كأنه رأى عين على حد سواء ويحتاج ذلك إلى جوع شديد ورياضة تامة حتى لا يبقى عنده تجبر ولا استهانة بحق أحد من المخلوقين . وكان جدي الأدنى الشيخ علي رحمه الله يوصي الشركاء إذا حرثوا القمح أن يجعلوا بينهم وبين قمح الجار خطا من الفول وإذا زرعوا الفول أن يجعلوا بينهم وبين الجار خطا من القمح يحول بينهم وبين الجار ثم يتركونه للجار وكان إذا بنى دارا ترك للجار قدر موضع الجدار داخل ملكه ويحصل الحظ الأوفر للجار . وأخذ ولده مرة عود خلال من شخص بغير طيبة نفسه فهجره شهرا وهذا أمر يعز وقوعه من غالب أهل هذا الزمان بل رأيت وقوع الغصب من الفقراء الذين يترددون إلى جهة الأمراء فأخذوا حجارة الناس فبنوا بها زواياهم وبيوتهم فقلت لأصحاب الحجارة ألا تشكون من أخذ حجارتكم ؟ فقالوا نخاف أن يرمى فينا سهما عند الظلمة فيحبسونا ويضربونا حتى نموت فوالله إن الأمر أعظم مما نظن . وقد حكى لي شخص من الفقراء أنه مر على مارس قمح في سنبله فرأى سنبلة أعجبته فأخذها وفركها فلما أراد أن يأكلها تذكر الحساب عنها يوم القيامة فرماها في المارس فنام تلك الليلة فرأى القيامة قد قامت وجاء صاحب السنبلة فادعى عليه بسنبلته فقال يا رب خفت من الحساب في هذا اليوم فرميتها في مارسه فقال صدق يا رب ولكن لم يصل إلى تبن البرج لأنه طار في الريح قال فأعجزني في تحصيله ثم استيقظت فزعا مرعوبا . قلت : ولا أعلم لأحد من خلق الله بحمد الله على حق الآن إلا شخص من تجار الخانقاه أجلسني في دكانه وأنا دون البلوغ فأخذت من غلته نحو ثمانية نقرة أكلت بها حلاوة ولم أذكره إلى أن مات وقد أخذت لأولاده بما قدرت عليه وقرأت القرآن كثيرا ودعوت له وما على قلبي أثقل منه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/331)
- في حديث الشيخين في بيان الإسلام والإيمان والإحسان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له جبريل أخبرني عن أماراتها يعني الساعه قال : أن تلد الأمة ربها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ] ] وفي رواية للشيخين : [ [ وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذلك من أشراطها ] ] يعني الساعة . وروى أبو داود وابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بقبة على باب رجل من الأنصار فقال : ما هذه ؟ قالوا قبة بناها فلان : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كل ما كان هكذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها فمر النبي صلى الله عليه و سلم بعد فلم يرها فسأل عنها ؟ فأخبر أنه وضعها لما بلغه عنه فقال يC يC ومعنى وضعها : هدمها . وفي رواية لأبي داود مرفوعا : [ [ أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا بد للإنسان منه مما يستره من الحر والبرد والسباع ونحو ذلك ] ] . وفي رواية للطبراني بإسناد جيد مرفوعا : [ [ إذا أراد الله بعبد شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبنى ] ] وفي رواية له أيضا : [ [ إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان ] ] . وفي رواية له أيضا : [ [ من بنى فوق ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة ] ] . وروى الدراقطني والحاكم مرفوعا : [ [ وما أنفق العبد المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله والله ضامن إلا ما كان في بنيان أو معصية ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب أو قال في البنيان ] ] . وروى أبو داود في المراسيل : أن حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت جريد نخل فخرج النبي صلى الله عليه و سلم في غزاة له وكانت أم سلمة موسرة فجعلت مكان الجريد لبنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما هذا ؟ قالت أردت أن أكف عني أبصار الناس فقال يا أم سلمة : [ [ إن شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان ] ] . وروى أبو داود وغيره : أن العباس بنى قبة فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يهدمها فقال : يا رسول الله إذا أتصدق بثمنها ؟ فقال : لا إهدمها . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه ] ] . وروى ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : لما بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد قال : ابنوه عريشا كعريش موسى . قيل للحسن وما عريش موسى ؟ قال إذا رفع يده بلغ العريش يعني السقف . وفي رواية لابن أبي الدنيا عن عامر بن عمار موقوفا : [ [ إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا أفسق الفاسقين إلى أين ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نبني في هذه الدار بناء فوق الحاجة ولا نزخرف لنا دارا خوفا من حب الإقامة في هذه الدار ونسيان الدار الآخرة كما جرب ذلك فلا يكاد فاعل ذلك يقدر على تحرير نية في ذلك أبدا وما وضع صلى الله عليه و سلم لبنة على لبنة حتى إن درجة من درج الغرفة التي ينام فيها تزلزلت فلم يأذن لأحد في إصلاحها مع أنها زهقت من تحت رجله فانفكت رجله ومكث سبعا وعشرين يوما لا يقدر على الخروج للناس . فاتبع يا أخي نبيك في ذلك ثم إنك لو تبعت الحل في كسبك لما وجدت ثمن الطوب الذي تبني به فضلا عن الحجر والرخام فوالله ثم والله لقد خسر من اتخذ هذه الدار وطنا . وقد رأيت في المنام شيخ الإسلام زكريا وهو يقول لي قل لولد ولدي زكريا : كن في الدنيا بجسمك وفي الآخرة بقلبك فإني والله هكذا كنت فاعلم ذلك والله يتولى هداك . وفي حديث الشيخين في بيان الإسلام والإيمان والإحسان : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له جبريل أخبرني عن أماراتها - يعني الساعة - قال : أن تلد الأمة ربها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . وفي رواية للشيخين : وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذلك من أشراطها يعني الساعة (1/332)
- روى البخاري وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه قصمته : رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حر وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نفر من مواضع غضب الله عز و جل التي جعل نفسه خصما لنا فيها كعدم إعطاء الأجير أجرته أو عدم إعطاء الذي ظلم ظلامته ونحو ذلك مما ورد فمن استهان بذلك استحق إدخاله النار ولو كان من المشهورين بالصلاح فالمؤمن من فر من مواطن الغضب والسلام . وقد كان سيدي أحمد الزاهد يعطي الفعلاء والبنائين أجرتهم من صلاة العصر خوفا من تأخير إعطائهم عن الفراغ والثعمل (1/333)
- روى مسلم مرفوعا : [ [ أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة ] ] . وفي رواية لمسلم : [ [ لم يقبل لهم صلاة ] ] فذكر منهم : والعبد الآبق حتى يرجع فيضع يده في يد مواليه . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ أيما عبد مات في إباقته دخل النار وإن قتل في سبيل الله ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نخوف العبد إذا أبق من سيده ونعلمه بما ورد في الإباق ثم لا نرجو منه خيرا قط بالإحسان إليه فإنه لو كان فيه خير كان لسيده الذي أعطى ثمنه وأطعمه وكساه زمانا طويلا فينبغي للمتدين أن لا يقرب الآبق ولا يحسن إليه لأن في ذلك إعانة له على استحلاء الإباق حتى لا يكاد يذوق له مرارة ولا يتذكر سيده ومن هذا الباب أيضا العاق لوالديه فلا ينبغي لأحد الإحسان إليه إيثارا لجانب الحق تعالى فإنه غضبان عليه كما هو غضبان على العبد الآبق . والله عليم حكيم (1/334)
- روى أبو داود وابن ماجه مرفوعا : [ [ ثلاثة لا تقبل منهم صلاة فذكر منهم ورجل اعتبد محرره ] ] . واعتباد المحرر يكون من وجهين : أحدهما يعتقه ثم يكتم عتقه أو ينكره وهذا أشد الأمرين . والثاني أن يعتقله بعد العتق فيستخدمه كرها . وروى ابن ماجه : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه قصمته فذكر منهم : ورجل باع حرا وأكل ثمنه . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) إذا اعتقنا عبدا أو أمة أن لا نستخدمه إلا برضاه ونعطيه ورقة عتقه ونشيع ذلك بين الناس وهذا العهد يخل به كثير من الأكابر فيعتقون عبيدهم في الشدائد والفصول ثم يخفون ورقة عتقهم ويستخدمونهم كرها وذلك عصيان للشارع صلى الله عليه و سلم (1/335)
- روى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إنما الحلف حنث أو ندم ] ] . وروى الإمام أحمد وغيره : [ [ إن التجار هم الفجار قالوا : يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع ؟ قال بلى : ولكنهم يحلفون فيؤتمنون ويحدثون فيكذبون ] ] . وروى مسلم وأبو داود والترمذي مرفوعا : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وذكر منهم : والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . وروى النسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : أربعة يبغضهم الله فذكر منهم البياع الحلاف . وفي رواية : التاجر الحلاف . وروى الطبراني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج إلى التجار من أصحابه ويقول يا معشر التجار إياكم والكذب . وروى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ] ] . وفي رواية لأبي داود : [ [ ممحقة للبركة ] ] . وفي رواية لمسلم والنسائي وابن ماجه مرفوعا : [ [ إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نكثر الحلف بالله عز و جل على بيع أو شراء أو حكاية شيء من الوقائع المتعجب منها ونحو ذلك إجلالا لله تعالى وإن سبق لساننا إلى الحلف بالله تعالى في شيء من الأمور المذكورة بادرنا إلى التوبة والاستغفار وهذا الأمر قد أغفله غالب الناس فأذلهم الله فإن من أجل الله أجله . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به الطريق حتى يوقفه على حضرات العظمة الإلهية ويقيم به فيها السنة والسنتين حتى يخالط أهلها ويكتسب منهم الإجلال والتعظيم لله عز و جل فإنه ورد : إطلبوا الرفيق قبل الطريق . وأوجبوا على التائب التباعد عن إخوان السوء والقرب من إخوان الخير وقالوا إن ذلك أعون له . فالعاقل من أتى البيوت من أبوابها وكم من أخلاق نبوية وصحابية وتابعية صارت بين ظهر الناس ينظرونها ولا يصح لأحد العمل بها لفقد إمام يمشي بهم في الطريق ولفقد من يطلب الطريق وبذلك اندرست بعض معالم الشريعة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/336)
- روى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ أربعة من الشقاء : جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا ] ] . وروى الطبراني : [ [ لا ترضين أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على فضل الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزقه لا يسعه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره ] ] . وروى الترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف ] ] . وسيأتي في عهد الزهد إن شاء الله تعالى زيادة على ذلك . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نعمل على طريق اليقين بحيث لا يبقى عندنا اهتمام ولا حرص على شيء من الدنيا . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به وإلا فلا يشم من رائحة اليقين رائحة بل يحرص على الدنيا حتى يموت (1/337)
- روى أبو داود والحاكم وغيرهما مرفوعا : [ [ يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما ] ] . زاد في رواية رزين : [ [ وجاء الشيطان ] ] . وفي رواية للدارقطني : [ [ يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نخون شريكنا ولا من استأمننا على شيء لا بالفعل ولا بالنية فإن ذلك خسارة في الدنيا والآخرة . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : من خيانة الشريك أن يعزم على أن يميز نفسه على شريكه بشيء ولو لم يفعل فإن البركة ترفع بمجرد هذه النية ولو لم يتخصص بشيء ثم يصير الشريك يحلف بالله وبالطلاق أنه ما أخذ من ذلك شيئا ولا واكس عليه فيتحير الناس في ذلك والحال أن البركة إرتفعت بمجرد النية المذكورة لكونها خيانة وهذا العهد لا يقدر على العمل به إلا أكابر الأولياء الذين تخلقوا بالرحمة على العالم حتى صاروا أشفق على المسلين من أنفسهم بحكم الإرث في المقام لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فاعلم أن كل من لا يعلم من نفسه القدرة على عدم وقوعها في الخواطر المذكورة فليتاجر لنفسه ولا يشارك أحدا فإن في ذلك ضررا عليه وعلى شريكه بارتفاع البركة شاء أم أبى : والله عليم حكيم (1/338)
- روى الترمذي والحاكم والدارقطني مرفوعا : [ [ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ] ] . وروى ابن ماجه والدارقطني عن أبي موسى قال : [ [ لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم من فرق بين والدة وولدها وبين الأخ وأخيه ] ] . وروى الطبراني مرفوعا نحو ذلك . وسيأتي في عهد الرحمة بالبهائم : أن حمامة عرشت على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من فجع هذه في ولدها ؟ فقال شخص أنا فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فحضره فطار مع أمه الحديث بمعناه . وقد اختلف في وقت تحريم التفريق فقال بعضهم يحرم التفريق بين الأم وولدها حتى يميز وقال بعضهم حتى يبلغ ويقاس على ذلك بلوغ الحيوان من البهائم والطيور وغيرها وتمييزه وأهل الكشف يعرفون ذلك وربما عرف ذلك الصيادون للطير والكلابون ؟ ؟ مثلا . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نفرق بين والدة وولدها حتى من البهائم والطيور وسواء كان التفريق بالبيع أو غيره رحمة بخلق الله فإن الوالدة والولد يتألم كل منهما بالفراق . ومن لم يرحم لا يرحم . وما رأت عيني أكثر عملا بهذا العهد من أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى . كان إذا وقع عصفور صغير من عش أمه من سقف مسجد أو غيره يأتي بسلم من خشب ويصعد به إلى عش أمه ورأيته يبذل في ذلك نصف فضة لمن يطلع بالعصفور لأمه . وقد بلغني عن سيدي ياقوت العرشي رضي الله عنه أن حمامة جائته في إسكندرية فجلست على كتفه وساررته فقال : بسم الله فقالت : هذا الوقت فطلب دابة وخرج مسافرا معها إلى مصر حتى بلغ جامع عمر وهي معه فعرشت نحو المنارة الغربية فأرسل الشيخ وراء المؤذن وقال له إن هذه الحمامة جاءت بي إليك من إسكندرية سياقا على أنك لا تعود تذبح أولادها فقال له المؤذن صدقت يا سيدي فيما قالت : فإني ذبحت أولادها ثلاث مرات وخافت أني أذبحهم رابع مرة فسافرت إليك وأشهدك يا سيدي أني تائب إلى الله عز و جل عن مثل ذلك . فانظر يا أخي أولياء الله كيف تعرف الطيور ما عندهم من الرحمة وكيف علم الله سيدي ياقوت منطق الطير وراثة سليمانية فعليك يا أخي بالرحمة لكل حيوان والله يتولى هداك (1/339)
- روى النسائي والحاكم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين فقال رجل : يا رسول الله أتعدل الكفر بالدين ؟ قال نعم وروى الحاكم مرفوعا : [ [ الدين راية الله في الأرض فإذا أراد أن يذل عبدا وضعه في عنقه ] ] . وروى البيهقي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى رجلا فقال له : [ [ أقلل من الدين تعش حرا ] ] . وروى الإمام أحمد والحاكم مرفوعا : [ [ لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟ قال الدين ] ] . وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من مات وهو بريء من ثلاث دخل دخل الجنة الغلول والدين والكبر ] ] . وفي رواية : " والكنز " بالنون والزاي وهي أصح . وروى البخاري وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله ] ] . وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ من أدان دينا وهو يريد أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة ومن استدان دينا وهو لا يريد أن يؤديه حتى يموت قال الله عز و جل له يوم القيامة : ظننت أني لا آخذ لعبدي حقه فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الآخر فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فيجعل عليه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نستدين شيئا من أعز أصحابنا إلا لضرورة شرعية فلا نستدين شيئا لشهوة مأكل أو ملبس أو حج نفل مثلا أو توسع في نفقة على العيال أو ضيوف أو بناء دار أو زراعة بستان ونحو ذلك مما لا ضرورة إليه وهذا العهد يتعين العمل به على من اشتهر بكرم في هذا الزمان ويجب عليه سد ما به وإلا صار عن قريب في الحبس ثم يجيء الذين كانوا يجتمعون على سماطه يأكلون فيشهدون بتفليسه ويتفرقون عنه كأنهم لم يعرفوه قط . ثم إن العامل بهذا العهد لا بد له من شيخ يسلكه حتى يخرجه عن حكم الطبع عليه بحيث يراعي أوامر ربه في الإنفاق دون الخلق حتى لو جاء له أمير أخرج له كسرة وبصلة ولا يستحي من ذلك ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه الدين وإطعام الناس رياء وسمعة ولولا شدة الدين في الدنيا والآخرة ما شدد الشارع فيه (1/340)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع ] ] . قوله : أتبع بضم الهمزة وسكون المثناة : أي أحيل . قال الخطابي : وأهل الحديث يقرءونه اتبع بتشديد المثناة وهو خطأ . وروى ابن ماجه والحاكم وغيرهما مرفوعا : [ [ لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ] ] . أي مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه يحل عرضه أي يبيح للناس أن يذكروه بسوء المعاملة ليحذره الناس وأما عقوبته فهي حبسه . وروى الطبراني وغيره مرفوعا : [ [ إن الله لا يحب الغني الظلوم ] ] . وفي رواية للطبراني وغيره : [ [ من انصرف غريمه وهو ساخط كتب عليه في كل يوم وليلة وشهر وجمعة ظلم ] ] . وروى ابن ماجه وغيره : أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه حتى قال لا أخرج عنك إلا إن قضيتني . فانتهره أصحابه فقالوا ويحك تدري من تكلم ؟ فقال : إني أطلب حقي فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هلا مع صاحب الحق كنتم ؟ الحديث . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمطل أحدا له علينا دين بل نبيع له جميع ثيابنا وأمتعتنا ما عدا ستر العورة وما لا بد منه من آلات الطهارة لأن السلامة مقدمة على الغنيمة وهذا العهد يخل به خلق كثير لاستهانتهم بالدين وكثرة حبهم للدنيا . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلكه حتى يقطع به الحجب ويوفقه على حضرات الحساب يوم القيامة حتى تشاهدها بصيرته وإلا فمن لازمه المطل وعدم سماح نفسه ببيع شيء من أمتعته التي لا ضرورة إليها : والله عليم حكيم (1/341)
- روى الترمذي وأحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي رضي الله : [ [ يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليس لك الأخرى ] ] . وقوله [ [ ذو قرنيها ] ] أي ذو قرني هذه الأمة وذلك لأنه كان له شجتان في قرني رأسه إحداهما من ابن ملجم لعنه الله والأخرى من عمرو بن ود وقيل غير ذلك . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ] ] . زاد في رواية لمسلم وغيره : [ [ والفم يزني وزناه القبل ] ] . وروى مسلم وغيره عن جرير قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظر الفجأة فقال : [ [ أصرف بصرك ] ] . وروى البيهقي وغيره : [ [ الإثم حوار القلوب وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ] ] . ومعنى حوار بفتح الحاء وتشديد الواو : أي غالب على القلب حتى يركب صاحبه ما لا يليق . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لتغضن أبصاركم ولتحفظن فروجكم أو ليكسفن الله وجوهكم ] ] . وروى ابن ماجه الحاكم مرفوعا : [ [ ما من صباح إلا وملكان يناديان : ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال ] ] . وروى ابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى الرجل أن ينظر إلى ثياب المرأة الأجنبية . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نطلق بصرنا إلى شيء من زينة الدنيا سواء الصور الجميلة والثياب الفاخرة في الأسواق والبيوت فإن خلاصه من ذلك عسير وفي الحديث : كانت خطيئة أخي داود عليه السلام النظر . أي سبب النظر وذلك أنه رفع رأسه بغير صالح نية تقدمت إذ الأكابر مكلفون بأن لا يقع منهم حركة ولا سكون إلا بعد تحرير نية صالحة وإذ نظر أحدهم إلى شيء مثلا مع غفلة أو سهو عوقب على ذلك وسمى ذلك خطيئة لغيره إذ الأنبياء معصومون من كل ذنب وللحق تعالى أن يؤاخذهم على كل حركة وقعت على غير حضور مع الحق وشهود له . ومن هنا كان الفقراء يؤاخذون المريد على كل حركة فعلها مع غفلة أو سهو فأرادوا له أن يمشي على مدرجة الأنبياء وهجروه على ذلك طلبا لترقيه فافهم وإياك أن تظن أن داود عليه السلام نظر إلى امرأة أجنبية ولو فجأة فإن ذلك لم يقع منه لعصمته وهذا جواب فتح الله به لم أره لأحد قبلي وهو في غاية الوضوح . ومن الأولياء من ينظر إلى جميع ما خلق من التراب بعين التراب فيراه في جميع تطوراته ترابا من ملك وأمير وصالح وطالح وقاض وفلاح وغير ذلك لا يراه إلا ترابا يتكلم وينهى ويقبل ويولى ويعزل وهو تراب وهذا من عجائب مشاهد الأولياء وهو مشهدنا بحمدنا الله في سائر أطوار الخلق على اختلاف مراتبهم وما زاد على التراب فإنما هو خلع يخلعها الحق تعالى على عباده عارية مردودة وهنا أسرار يذوقها أهل الله تعالى لا تسطر في كتاب . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ عارف يسد مجاري الشيطان من البدن حتى يسد عن العبد جميع مجاريه من بدنه وهناك لا يبقى على القلب الذي هو أمير البدن داعية إلى النظر إلى شيء من الدنيا إلا إن أمره الشارع بالنظر إليه وهناك يصح للعبد العمل بهذا العهد وإلا فلا يشم من العمل به رائحة وقد اختصرت لك الطريق (1/342)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إياكم والدخول على النساء ] ] . وروى الديلمي مرفوعا : [ [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخرة فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم ] ] . وروى الطبراني والبيهقي بإسناد جيد مرفوعا : [ [ لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ] ] . والمخيط : ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما . وروى الطبراني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ إياكم والخلوة بالنساء فوالذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما ولأن يزاحم الرجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزاحم منكبه منكب امرأة لا تحل له ] ] . والحمأة : هو الطين الأسود المنتن . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نختلي قط بأجنبية يخاف منها الفتنة ولو كنا من أصلح الصالحين وهذا العهد يخل به كثير من الفقراء الساذجين لا سيما طائفة الفقراء الأحمدية والبرهانية والقادرية فيأخذون العهد على المرأة بآداب طريقهم ثم يصيرون يدخلون عليها في غيبة زوجها وهذا من المنكر الصريح ومن قال من الفقراء نحن بحمد الله محفوظون من مثل ذلك فنقول له لا يخلو حالك من أمرين : إما أن يكون قلبك ساذجا لا حذر عندك من الوقوع في محظور أو حاذفا تدرك الأمور فإن كنت ساذجا عمل عليك إبليس الحيلة كما عمل على أبيك آدم حين حلف له إنه لمن الناصحين وإن كنت حاذقا تدرك الشيطنة فأنت من حزب إبليس فوقوعك في الفواحش من أقرب ما يكون فتحريم الشريعة عام في حق جميع الناس ومن ادعى شيئا يخرجه عن ذلك العموم كذبناه فإن الله سبحانه وتعالى لا يحرم شيئا على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم ويسر إلى أحد من أتباعه شيئا يخالف شرع نبيه صلى الله عليه و سلم أبدا فاعلم ذلك واحذر مما حذرك الله تعالى منه . وقد رأى الشيخ أبو بكر الحديدي نفعنا الله ببركاته الشيخ محمد العدل وهو يضع يده على بطن امرأة يرقيها من مرض كان بها فصاح بأعلى صوته واديناه وامحمداه تضع يدك على بطن أجنبية ؟ هل أنت معصوم ؟ هذا مع كونهما كان من أولياء الله تعالى فإياك والخلوة بأجنبية ثم إياك وإن دخلت عليك على غفلة فازجرها حتى تأتي بامرأة معها أو محرم : والله عليم حكيم (1/343)
- روى الشيخان مرفوعا في حديث طويل : والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ أيما رجل تزوج امرأة ينوي أن لا يعطيها من صداقها شيئا فمات يوم يموت وهو زان ] ] . وفي رواية أخرى : [ [ أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤدي إليها حقها لقي الله تعالى يوم القيامة وهو زان ] ] والأحاديث في ذلك كثيرة . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ] ] . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا فذكر منهم : وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ وإن امرأة إذا خرجت وزوجها كاره لعنها كل ملك في السماء وكل شيء مرت عليه غير الإنس والجن حتى ترجع ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى أسباب ارتكاب حلائلنا الذنوب كأن نقلل عنها النكاح حتى يطمح بصرها إلى غيرنا أو نقتر عليها النفقة مع قدرتنا على توسعتها أو نتسرى عليها أو نتزوج عليها ونحو ذلك لغير غرض شرعي أو بغير سياسة ترضيها ونحو ذلك فإن غاية النكاح أن يكون واجبا أو مستحبا وإذا تعارض عندنا واجب ومحرم قدمنا ترك المحرم عملا بقاعدة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس فيتزوج أحدهم على زوجته من غير حاجة ضرورية أو يتسرى عليها ويخالفها في أهويتها المباحة حتى تتعاطى أسباب مخالفة أهويته كذلك فيسخط عليها ويقول لها حرام عليك أن تسخطي زوجك وينسى ما فعله هو معها . ويحتاج العامل بهذا العهد إلى نور قلب وكثرة سياسة فإن صورة أخلاق المرأة صورة نفس الرجل لأنها مخلوقة منه فعوجها من عوجه واستقامتها من استقامته . وقد كان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول : إني لأقع في مخالفة فأعرف أثر ذلك في خلق حماري وزوجتي وخادمي وكأن الحق تعالى يقول لعيال العبد وأصحابه أطيعوا عبدي ما أطاعني واعصوه ما عصاني وهذه قاعدة أكثرية لا كلية فربما كان الوالي مستقيما مع الله فيبتليه الله تعالى بمخالفة زوجته وغيرها اختبارا له لينظر تعالى صبره وغير ذلك . فاعلم أنه لا ينبغي للرجل المبادرة إلى إلحاق الإثم بالزوجة بسخطه عليها إلا إن سار معها سيرة حسنة وفتش أخلاقه معها كلها . وقد كان سيدي عبدالعزيز الديريني يقول : إياك أن تتزوج على امرأتك أو تتسرى عليها إلا إن وطنت نفسك على نكد الدهر ولما أوقعه الله تعالى فيما كان يحذر الناس منه وتزوج على امرأته أنشد يقول :
تزوجت اثنتين لفرط جهلي ... وقد حاز البلا زوج اثنتين
فقلت أعيش بينهما خروفا ... أنعم بين أكرم نعجتين
فجاء الحال عكس الحال دوما ... عذابا دائما ببليتين
رضا هذي يهيج سخط هذي ... فما أخلو من احدى السخطتين
لهذي ليلة ولتلك أخرى نقار ... دائما في الليلتين
إذا ما شئت أن تحيا سعيدا ... من الخيرات مملوء اليدين
فعش عزبا وإن لم تستطعه ... فواحدة تكفي عسكرين
والله تعالى أعلم . ولنذكر ما ورد في إسخاط المرأة زوجها ومخالفته بغير حق أو بحق (1/344)
- روى الترمذي والحاكم مرفوعا : [ [ من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط ] ] . ولفظ أبو داود مرفوعا : [ [ من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ] ] . ولفظ رواية النسائي : [ [ من كانت له امرأتان له ميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل ] ] . وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم فيعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرجح إحدى زوجاتنا على الأخرى في نوم أو نفقة أو بشاشة أو نحو ذلك فإن الشارع صلى الله عليه و سلم ما سامحنا إلا في ميل القلب فقط وأما ما زاد على ذلك فلم يسامحنا فيه إلا في غيبة المرجوحة . فلنا أن نزيد في البشاشة لكل من اختلينا معها على الأخرى مداواة لها وما نهينا إلا عن ترجيحها بحضرة ضرتها لا غير . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سياسة عظيمة حتى لا تلحق إحدى الضرتين بترجيحه لضرتها إساءة : والله عليم حكيم (1/345)
- روى أبو داود والنسائي مرفوعا : [ [ كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ] ] . وفي رواية للنسائي : [ [ من يعول ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه : [ [ إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه حفظه أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نشتغل بشيء من العبادات ونترك الكسب بحيث نضيع عيالنا وأنفسنا ونحتاج كلنا إلى سؤال الناس وهذا العهد يقع في خيانته كثير من المتعبدين وطلبة العلم . فيحتاج من يريد العمل به إلى سلوك الطريق على يد شيخ يعلمه مراتب العبادات وما هو الأولى منها ليقدمه على غير الأولى لأن عمر الإنسان أعز من الدنيا وما فيها وهو قصير فوجب أن يبدأ العبد بالأهم فالأهم ليكون الأعز فالأعز ولولا أن من شأن العبد الملل لما كان له أن يشتغل بغير الأعز فيه ابدا فلما ركبه الله تعالى على الملل جعل له رتبة أخرى مفضولة لينتقل إليها إذا مل فإذا مل منها كذلك ينتقل إلى المباح وهذا كله من رحمة الله بعباده . وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة مع أن الثلث الأخير من الليل كان يصرفه في التهجد دائما فلولا أن العبد يمل من الاشتغال بالعلم لكان جعل الثلث الأخير كذلك للعلم . وحاصل الأمر أن تقديم الكسب واجب مقدم على الاشتغال بالعلم وغيره بأي طريق كان الكسب حتى بالسؤال للناس بشرطه فإذا حصل الإنسان قوته اجتمع فكره . وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول : لا تشاور من ليس في بيته دقيق أي لأنه مشتت البال فاعلم أن حياة الأبدان مقدمة على حياة الأرواح والقوت بالعلم لأن حياة الروح فرع عن حياة الجسم من حيث أنه محل لظهور أفعال التكليف وإقامة شعار الدين وهذا اللون في حق من يضيع من يعول مع إشتغاله بخير آخر فكيف بمن يضيعهم لاشتغاله باللهو واللعب ونحو ذلك : والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1/346)
- روى أبو داود والنسائي : [ [ أقبح الأسماء عند الله حرب ومرة ] ] . وروى مسلم وغيره عن جندب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ لا تسم غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول أثم هو ؟ فيقال لا ] ] . وروى ابن ماجه عن جندب أيضا قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء أفلح ونافع ورباح ويسار . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إن أخنع اسم عند الله تعالى رجل يتسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله ] ] . قال سفيان مثل شاه شاه قال أحمد بن حنبل : سألت أبا عمر وعن أخنع ؟ فقال أوضع وأذل . وفي رواية لمسلم : [ [ أغيظ رجل عند الله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله ] ] . وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغير الاسم القبيح . فروى الترمذي وابن ماجه أن ابنة لعمر كان اسمها عاصية فسماها جميلة . وروى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير اسم برة وسماها زينب . قال أبو داود : وغير صلى الله عليه و سلم اسم العاصي عزيزا وعتلة وشيطان والحاكم وحراب وعباب وجباب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا سلما وسمى المضجع المنبعث وأرضا تسمى عفرة فسماها خضرة وشعب الضلالة فسماه شعب الهدى وبنو الريبة سماهم بني الرشد . قال أبو داود : وتركت أسانيدها اختصارا . والله أعلم . خاتمة : ينبغي التحفظ من التسمي بأسماء الله تعالى إلا ما أطلقه الشارع على العبيد مثل لفظ : مؤمن ومتكبر وعليم وعدل وعلي وكريم وولي وجامع ووارث ونحو ذلك : والله غفور رحيم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسمي أولادنا وخدامنا بالأسماء التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبر أن الله تعالى يكرهها وإن وقع أننا سمينا أحدا بها غيرناها اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا العهد يخل بالعمل به أكثر الناس وما نهى الشارع عنه إلا لإثم يترتب عليه فمن أدبنا معه صلى الله عليه و سلم أن نجتنب ما نهانا عنه سواء اطلعنا على علته أم لم نطلع إذ هو معصوم من أن يغش أمته : والله غفور رحيم (1/347)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ] ] . وفي رواية للشيخين مرفوعا : [ [ ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ] ] . وفي رواية أخرى لهما : [ [ ومن ادعى غلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أي لا فرضا ولا نفلا ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من ادعى نسبا لا يعرف كفر بالله ومن تبرأ من نسب وإن دق كفر بالله ] ] . ومعنى دق : صغر في أعين الناس . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا ننكر انتسابنا إلى أبينا أو أمنا إذا رفع الله قدرنا في الدنيا ولو كانا من أراذل الناس كفلاح وحجام وكناس أو ننفي كون أمنا أما لنا أو كون ابينا أبا لنا ونسكت عن انتسابنا إلى غيرهما ونحو ذلك وهذا العهد يخل بالعمل به كثير ممن يريد أن يترأس بين الناس الذين لا يعرفون أصله من القضاة والمباشرين والتجار بل رأيت قاضيا جاءته أمه من بلاد الريف فدخلت عليه فسلم عليها سلام الأجانب خوفا من زوجته المصرية أن تعايره بأمه وصار يقول غدوا الفلاحة عشوا الفلاحة وقال لها يا عجوز إن قلت أنا أم للقاضي أخرجتك وما أخليك تدخلي لي بعد ذلك أبدا . وكذلك رأيت شخصا آخر من طلبة العلم أنكر أباه لما جاءه من الريف وصار يقول بحضرة طلبته غدوا الفلاح وقال له يا شيخ النحس إن قلت أنا أبو فلان ما عدت أخليك تدخل لي أبدا فجاور عندي في الزاوية نحو سنة حتى رجع إلى بلاده ولو أن أحد هذين الرجلين كسا والده أو أمه كسوة حسنة مما هو قادر عليه ثم أدخلها أو أدخله داره بعد ذلك لصارت أم القاضي أو أبا العالم حقيقة ولم يحصل له المعايرة بهما وهذا كله من غلبة الجهل والمقت من الله تعالى وإن كان يفتي ويدرس فالله تعالى يلطف بنا وبه آمين (1/348)
- روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا ] ] . ومعنى خبب : أفسد وخدع . وفي رواية لابن حبان في صحيحه : [ [ من خبب عبدا على أهله فليس منا ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا ] ] . وروى مسلم وغيره مرفوعا : [ [ إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منزلة منه أعظمهم فتنة فيجيء أحدهم فيقول صنعت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت ويلتزمه ] ] . والله أعلم
خاتمة : إذا تعب شيطان الإنس أو الجن ولم يقدر إلى وصوله إلى إفساد امرأة الغير وسوس بذلك لعجوز الإنس فتدخل البيت وتظهر الزهد والصلاة إلى أن تجد فرصة فتفسد تلك المراة على زوجها بنحو قولها : فلان من أجمل الناس وهو يحبك كثيرا وكاد أن يموت عن القرب منك ويود أنه لو طلقك زوجك وأخذك وربما يرسل مع العجوز المآكل والملابس والذهب لها فتميل إليه ضرورة وتصير تكره زوجها بالطبع وتود مفارقته
بل حكى لي سيدي علي الخواص رحمه الله أنه كان بجواره شخص من القضاة يحب زوجته وتحبه ولا يقدر أحدهما على مفارقة الآخر فعجز إبليس أن يوقع بينهما فوسوس بعجوز من الإنس فدخلت بيت القاضي ومعها سبحة وسجادة وأظهرت الدين والصيام والطي فمكثت معهم مدة وهي صائمة النهار قائمة الليل فمال القاضي وزوجته إليها أشد الميل وكان القاضي له شخص يعتقده من الصالحين فكان كل قليل يبيت عنده
فجائت تلك العجوز إلى زوجة القاضي وقالت لها : قد صرت كابنتي وخيرك علي ويسوؤني ما يسوؤك وقد تزوج القاضي امرأة من ورائك فهو يبيت عندها هذه الأيام التي يغيب فيها وأنا مقصودي تأخذي السكين وتقطعي لي خصلة من لحيته مما يلي زوره حتى أعقد لك عليها عقدا يطلق لك المرأة ولا يعود يتزوج عليك أبدا
وجاءت للقاضي من وراء زوجته وقالت له يا سيدي قد صار لك فضل علي والذي يسوؤك يسوؤني وقد عزمت امرأتك على ذبحك في هذه الليلة لتتزوج غيرك وإن شككت في قولي فتناعس لها ونم وغمض عينيك وشخر وانظر ماذا تصنع فتناوم القاضي وهو ينظر نظرا خفيا لا تكاد زوجته تلحظ به فجاءت بالسكين وأدخلت يدها ترفع لحيته عن زوره وأدخلت السكين فزعق القاضي وأخذ المرزبة وضربها تحت أذنها فماتت فعلم بذلك أهلها فجاءوا وأخذوا القاضي للوالي فقتله فخرجت العجوز بسبحتها وهي تقول : سبحان الله سبحان الله . فالعاقل من منع العجائز دخول بيته والسلام
وقد دخلت بيتي مرة عجوز فكانت أم الأولاد تحسن إليها فدخلت مرة فسمعتها وهي تقول لها إيش حصلتي من وراء هذا الشيخ من الثياب والأساور والحلي فقالت لها ما حصلني شيئا فقالت قد دخلت على امرأة الشيخ التبني فرأيتها حصلت من ورائه دغادي ذهبا وثيابا حريرا وغير ذلك فقلت لها إيش يا عجوز فخرجتها ومنعتها الدخول حتى ماتت فلو أن أم الأولاد كانت صالحة لفسدتها علي ومرادها بالشيخ التبني شيخ الشيخ نور الدين الشوني فنسيت الشون وتذكرت التبن فاعلم ذلك . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نضيف امرأة غيرنا إذا زارتنا بالأطعمة الفاخرة ولا نبش في وجهها ولا نكلمها الكلام الحلو إلا إذا علمنا منها ثبات الود لزوجها التي هي في عصمة نكاحه وهذا العهد يخل بالعمل به الكثير من أكابر الناس فضلا عن غيرهم بل بلغنا أن شخصا ضيف زوجة صاحبه فقامت إمرأته لبيت الخلاء فصار يقبلها ويعانقها فمالت نفسها إليه وكان شابا أجمل من زوجها فنشزت على زوجها حتى طلقها وأخذها ذلك القيم فالعاقل من لا يمكن عياله تزور أحدا إلا إن عرف منها الأمان من مثل ذلك : والله عليم حكيم (1/349)
- روى أبو داود والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية ] ] . وفي رواية لابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما مرفوعا : [ [ أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم لبجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية ] ] . وروى ابن خزيمة في صحيحه بإسناد متصل : [ [ لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها يعصف حتى ترجع فتغتسل ] ] . وبوب عليه ابن خزيمة باب إيجاب الغسل على المطيبة للخروج للمسجد ونفي قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل . وروى أبو داود والنسائي مرفوعا : [ [ أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الأخيرة ] ] . وروى ابن خزيمة مرفوعا : [ [ يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن زوجتنا من خروجها للطريق متعطرة متزينة بما يميل النفوس الغوية إليها حفظا لدينها ودين من تمر عليه من إخواننا المسلمين وهذا العهد يقع في خيانته كثير من نساء العلماء والصالحين فضلا عن غيرهم فيغلب عليهم حكم الطبع النفسي ويستحيون من عيالهم أن يمنعوهن من ذلك ومعلوم أن الحياء الشرعي لا يكون إلا في ترك المذمومات وأما ترك المأمورات فإنما ذلك قلة دين . وقد كان أخي أفضل الدين رحمه الله له أخت من أجمل النساء وكانت إذا خرجت للطريق تلبس الثياب المخرقة الوسخة وتنزع ثيابها الفاخرة المعطرة حتى ترجع إلى بيتها وكانت تدخل بيوت الأكابر بتلك الثياب ولا تستحي منهن وتقدم مصلحة دينها على حكم الطبع رضي الله عنها . فاعلم يا أخي ذلك وأمر به عيالك والله يتولى هداك (1/350)
- روى مسلم وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى إمرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه ] ] . وروى الإمام أحمد عن أسماء أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم والرجال والنساء قعود عنده فقال : لعل رجل يخبر بما فعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فأرم القوم فقلت : والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن فقال : لا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون . ومعنى أرم القوم : أي سكتوا وقيل سكتوا من خوف ونحوه . وفي رواية للبزار مرفوعا : [ [ ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا ثم يرخي سترا ثم يقضي حاجته ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك ألا عسى إحداكما أن تغلق بابها وترخي سترها فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها . فقالت امرأة : والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون . قال : فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها ] ]
وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ السباع حرام ] ] . قال ابن لهيعة : يعني به الرجل الذي يفتخر بالجماع . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ المجالس بالأمانة إلا ثلاث مجالس : سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق ] ] . وروى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ إذا حدث رجل رجلا بحديث ثم التفت فهو أمانة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نفشي سرا لصاحب ولا لزوجة ولا لأحد من المسلمين إلا لعذر شرعي . واعلم يا أخي أنه لا يشترط في كونه سرا أن يوصينا صاحبنا على عدم إفشائه بل يكون سرا بالقرائن كما إذا كان يحدثنا ويلتفت يمينا وشمالا فنعلم بالقرائن أنه يريد منا الكتمان وهذا العهد قد كثرت خيانته من غالب الناس حتى صار لا يسلم من خيانته إلا القليل وذلك لكثرة إنحلال القلوب وعدم إرتباطها ببعضها بعضا فمن أفشى سره وطلب من الناس كتمانه فهو أحمق وقد أنشد الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه :
إذا المرء أفشى سره بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي أودعته السر أضيق
واعلم أن غالب الفقراء يغلب عليهم السذاجة فإياك أن تعطي الفقراء سرا حتى تمتحنهم غاية الامتحان فإنهم غافلون عما الناس فيه من العداوة والبغضاء والحسد ولا يخلو من توعده سرك من أحد رجلين : إما ساذج كما ذكرنا وإما شيطان وكلاهما لا يؤمن على سر . وفي كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه : من كتم سره كانت الخيرة في يده . وقال : من نم لك نم عليك ومن نقل إليك نقل عنك . فانظر يا أخي من تودعه سرك فإن رأيته ينقل عن الناس ما يسمعه منهم فاعلم أنه لا يكتم لك سرا وأنشد :
أحب من الإخوان كل مؤاتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يساهمني في كل أمر أرومه ... ويحفظني حيا وبعد مماتي
فمن لي بهذا كنت أصبته ... فقاسمته ما لي مع الحسناتي
وأنشد أيضا :
خبرت الدهر ملتمسا بجهدي ... أخا ثقة فأكده التماسي
تكدرت البلاد علي حتى ... كأن أناسها ليسوا أناسي
فاعلم أن من كتم الأسرار ما يتعلق بعزل الولاة وأضرابهم فإياك أن يطلعك الله تعالى على شيء من أحوالهم ومن أحوال السلطان الأعظم فتخبر به الناس بل اصبر واكتم ذلك حتى يقع في الوجود ويشهد الخاص والعام . والله عليم حكيم . وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تعالى عنه يقول : إياكم وإطلاعكم الناس على ما كشف لكم من أحوال الخلق فإن المفشي لذلك حكمه حكم الجالس في بيت الخلاء مكشوف العورة مفتوح الباب فكل من مر عليه من العقلاء يلعنه لكشف عورته وهتكه سريرته وتعريضه نفسه للقتل بذلك . وقد قال رجل من أهل الكشف مرة لرجل من الناس : رأيت فلانا مع امرأتك فجاء ذلك المتهوم وقتل الشيخ الذي أخبر بالزنا . وقد أنشدني شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري نفعنا الله ببركاته :
احفظ لسانك أيها الإنسان ... ليلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان
فاكتم يا أخي السر المتعلق بك وبالمسلمين والله يتولى هداك . وهو يتولى الصالحين (1/351)
- روى أبو داود والترمذي والنسائي وحسنه الترمذي وصححه الحاكم : كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم القميص . وروى البخاري والنسائي أنه صلى الله عليه و سلم كان يقول : ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم في الإزار فهو في القميص . وروى أبو مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ أزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ لا خير في أسفل من الكعبين يعني في الإزار ] ] . وفي رواية له عن ابن عمر قال : دخلت النبي صلى الله عليه و سلم وعلي إزار يتقعقع فقال من هذا ؟ فقلت : عبدالله بن عمر فقال إن كنت عبدالله بن عمر فارفع إزارك فرفعت إزاري إلى نصف الساقين
قال زيد بن أسلم : فلم تزل أزرته حتى مات . وروى مسلم وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ] ] . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم مرفوعا : [ [ الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ] ] . والخيلاء : بالمد وضم الخاء وكسرها وفتح الياء هو الكبر والعجب . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من جر إزره لا يريد به إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ] ] . والمخيلة : بفتح الميم وكسر المعجمة من الاختيال وهو الكبر واحتقار الناس . وفي رواية للشيخين : أن أبا بكر قال : يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك لست ممن يفعله خيلاء . وروى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما مرفوعا : [ [ من وطئ إزاره خيلاء يوطئه في النار ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة وإن كان على الله كريما ] ] . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نطول ذيل قميصنا ولا قنان سراويلنا ولا نرخي إزارنا ولا غير ذلك من ملبوسنا إلا على حد ما ورد في السنة من حيث أن ذلك من شعار الخيلاء المتكبرين والله لا يحب المتكبرين . ويتعين فعل السنة والوقوف عندها على كل من علم من نفسه أن الناس يقتدون به ببادي الرأي ولا يسألونه هل ذلك سنة أم لا وكذلك القول في كل فعل وقول . وأما من لا يقتدي به فالأمر في حقه أخف ثم لا يخفى أن محل الأمر بتطويل القميص وما عطف عليه إلى حد السنة ما إذا وجد ثمنه من مال حلال لا شبهه فيه فإن لم يوجد بدأنا بما يستر العورة ثم زدنا على قدر ما نجد من الثمن الحلال إلى حد السنة لما تقدم في حديث الإمام أحمد في عهد من صلى في ثوب ثمنه عشرة دراهم وفيه درهم واحد من حرام من أن صلاته لا تقبل فينبغي لكل متدين أن يراعى الحل في ملبوسه لا سيما الوقوف بين يدي الله عز و جل في الصلاة وغيرها . وكان أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول : من الأدب في هذا الزمان للعبد أن لا يأكل طعام إلا ويستغفر الله منه ولا يلبس شيئا إلا ويستغفر الله منه لغلبة الشبهات وقلة من يتورع من الناس فأي تاجر يقف عليه قاض يأخذ الرشا أو مكاس أو ظالم يشتري منه قماشا فيرده ويقول دراهمك شبهات وأي عابد في هذا الزمان يأتيه الآن شيء من هؤلاء فيرده ويقنع بالخبز اليابس الحاف فهذا أمر قد تودع منه ما بقيت الدنيا . وقد كان سيدي علي الخواص يضفر الخوص مزدوجا من غير تشقير ويحطه في الندا دون رشه بالماء طلبا للقوة والنفع فكانت القفة تمكث عند صاحبها السنتين والثلاث زيادة على قفف الناس ويقول في نفسي شيء من أكلي من هذا الكسب لأني بتقدير نصحي في صنعتي أبيع على من ؟ ؟ فإن غالب الناس اليوم متهورون في مكاسبهم وإذا بعت على من لا يرد فلوس مكاس فكأني بعت على المكاس وكان ملبسه رضي الله عنه جبة صوف ونحو سبعة أذرع عمامة فكان كل سنة يجدد الجبة ويتصدق بالخلق . وكان يغسل عمامته كل سنة مرة بملح من غير صابون وكذلك الجبة تخفيفا للمؤونة لقلة الحلال المشاكل لمقامه . ويحتاج العامل بهذا العهد إلى شيخ يربيه حتى يخرجه من رعونات النفس بحيث لا يبقى عنده التفات إلى شيء فاته من الشبهات بل يفرح بفواتها وهناك له التقلل من الملابس والمطاعم وربما لبس الفقير جبة خشنة وأكل طعاما خشنا وعنده من الرعونات والكبر ما ليس عند الظلمة ولو كان له شيخ يربيه لنبهه على ذلك وأخرجه من العلل في أعماله : والله غفوررحيم (1/352)
- روى ابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا : [ [ يكون في آخر أمتي رجال نسائهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن الملعونات لو كان وراءكم أمة من الأمم خدمتهم نساؤكم كما خدمتكم نساء الأمم قبلكم ] ] . وفي رواية لمسلم وغيره مرفوعا : [ [ صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات على رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها وإن ريحها ليوجد على مسيرة كذا كذا ] ] . وروى أبو داود وقال مرسل حسن : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : [ [ يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نكسو عيالنا من الثياب التي تصف البشرة ولا نقرها أن تشتري لنفسها ذلك مبالغة في سترها عن عيون الأجانب الذين يدخلون الدار من الرجال الأجانب والنساء فربما نظرت الأجانب إلى فرج المرأة من تحت الثياب الرقيقة كما تنظره من تحت الزجاج الصافي وما أمرنا الله تعالى إلا بما لا ترى البشرة من تحته فينبغي للزوج إذا رأى زوجته تحب لبس ذلك أن يمد لها بساطا في فضل ستر المرأة بدنها عن العيون لا سيما العورة ويبين لها أنه لا ينبغي لها النظر إلى عورة نفسها ولو في خلوة إلا لحاجة لكن غالب النساء يجهل ما ذكرنا ثم بعد ذلك يأمرها بعدم لبس الرقيق ولعلها لا تخالف زوجها . والله غني حميد (1/353)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ] ] . وفي رواية للشيخين : [ [ إنما يلبس الحرير من لا خلاق له ] ] . وروى أبو داود والنسائي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وذهبا فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من لبس الحرير في الدنيا حرمه أن يلبسه في الآخرة ] ] . وروى البزار والطبراني عن معاذ قال : رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم جبة مجيبة بحرير فقال طوق من نار يوم القيامة . وقوله مجيبة : أي لها جيب وهو الطوق . وروى الإمام أحمد والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لبسه في الجنة ] ] . وروى مسلم : أنه صلى الله عليه و سلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال : [ [ يعمد أحدكم إلى الجمرة من نار فيطرحها في يده ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من الظلمة والمباشرين وغيرهم من المتهورين في دينهم على لبس الحرير والجلوس عليه ولا على التحلي بالذهب . ويحتاج من يزيل منكرات مثل هؤلاء إلى سياسة تامة وزهد تام وعفة عما بأيديهم من سحت الدنيا وأما من لا سياسة عنده ولا زهد ولا عفة فلو نهاهم وأنكر عليهم لا يصغون إلى إنكاره بل يزدرونه ويضحكون عليه وهذا العهد قد كثرت خيانته من غالب الناس فيسكتون عن الإنكار على لبس الظلمة الحرير أو ينكرون عليهم مع طمعهم فيما بأيديهم وقبولهم هداياهم وترددهم إليهم لأجل ذلك أو ينكرون عليهم بلا سياسة من غير أن يتجسسوا عليهم هل يردون إنكارهم عليهم أو يعملون به فينبغي جس المخاضة أولا فإذا لم يرعلامات القبول عرض له بالإنكار ثم يتمهل حتى تخمد نفس ذلك الظالم ثم يأمره برفق وسياسة . والله غفور رحيم (1/354)
- روى الشيخان وأبو داود وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال . وروى الطبراني وابن ماجه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى امرأة متقلدة قوسا فقال : [ [ لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال . وفي رواية للبخاري : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . المخنث بفتح النون وكسرها : من فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء كالذي يفعل الفاحشة الكبرى . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهما : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل . وروى أبو داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى برجل قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ ما بال هذا ؟ قالوا تشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع فقيل : يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال : إني نهيت عن قتل المصلين ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من أهل السخرياء يتشبه بالنساء ولا نحضر له مجلسا إلا إن كان يسمع لنا في ترك ذلك وكذلك لا نقر أحدا من إخواننا يرسل وراء المخبكين في عرس أو ختان أو غيرهما . لأنهم لا ينضبطون على الأمور المباحة وإنما يتعدون الحدود لأجل إضحاك الناس ومن ذلك إلباس المغنين للعروسة لباس الرجال من جندي وقاض وغيرهما كل ذلك حرام لا يفعله في داره من له مروءة أهل الإيمان مع أن الزمان صار لا يناسبه السخرياء لتراكم الهموم على الأكابر والأصاغر ومن خالف وحضر مجالس المخبطين وخلبوص المغاني وضحك فلا بد له من حصول نكد عقب ذلك ومن شك فليجرب . وقد قال لي رئيس المخبطين إن لي كذا وكذا سنة أتكلف على إضحاك الناس فيضحكون تكلفا كذلك ثم بعد مدة رأيته بهيئة غير تلك الهيئة فقلت له ما شأنك ؟ فقال تركت تلك الحرفة لكثرة ما الناس فيه من الكرب في مصر وقراها ثم نظم لي أبياتا على البديهة منها :
لهفي على مصر كانت ... في عز ذلت وهانت
وعن بقاها تفانت ... وكان لها ذكر يذكر
أين الفرج والمكاسب ... وأين عزم الأربع مذاهب
وأين كل مطلب وطالب ... وأين من طال وقصر
أين المخاديم والأرزاق ... وأين التخاويض ببولاق
وأين الزمان الذي راق ... وبعد حلو تمرر
زادت على الخلق أهوال ... وخلف نيات وأقوال (1/355)
- روى الطبراني مرفوعا : [ [ ما من أحد يلبس ثوبا ليباهي به فينظر الناس إليه إلا لم ينظر الله تعالى إليه حتى ينزعه متى نزعه ] ] . وروى الإمام أحمد : عن ضمرة بن ثعلبة : أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم وعليه حلتان من حلل اليمن فقال : يا ضمرة أترى ثوبيك مدخليك الجنة ؟ فقال يا رسول الله لئن استغفرت لي لأقعد حتى أنزعهما عني فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اللهم اغفر لضمرة فانطلق سريعا حتى نزعهما عنه . وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكاون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام ] ] . زاد في رواية الطبراني : [ [ ويشربون ألوان الشراب ] ] . وروى رزين مرفوعا : [ [ من لبس ثوب شهرة ألبسه الله إياه يوم القيامة ثم ألهب فيه ] ] . وفي رواية أخرى : [ [ من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضمه متى وضعه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نلبس لباس شهرة ولا لباس فخر ولا مباهاة كأن نلبس المرقعات الملونة من رقع خضر وصفر وحمر وسود ونحو ذلك كما يفعله الفقراء الأحمدية والقادرية ونحوهما أو نلبس بشتا من ليف وخوص أو حلفاء أو جلودا منزوعة الشعر أو طرطور جلد أو خوص مكشوفا بغير عمامة أو شملة حمراء أو خضراء أو نحوهما أو نلبس طيلسانا رقيقا أو جبة نقية البياض جدا ونحو ذلك إلا بنية صحيحة شرعية
وقد كان الأشياخ في العصر المتقدم لا يلبسون الرقعة إلا من قلة الحلال فكانوا إذا تقطع لهم ثوب أو رداء يرقعونه بحسب ما يجدونه من الحلال ولا يلتزمون لونا خاصا فكانت ثيابهم على طول تصير ملونات من غير قصد بخلاف من يأخذ الرقع من حلال وحرام أو يأخذ الخرقة الكبيرة فيقطعها على قدر هوى نفسه من غير تخرق تحتها ونحو ذلك فإن ذلك معدود من رعونات النفوس
واعلم أن الأشياخ في الزمن المتقدم كانوا يعرفون نفاسة الطريق وكانوا لا يأذنون للمريد في لبس الجبة من التصوف إلا بعد فراغه من تهذيب نفسه ورياضتها ثم إن الشيخ يجمع الفقراء الموجودين في العصر ويقرءون الفاتحة ويدعون له ثم يلبسه الجبة بحضرتهم فكانوا ينكرون على كل من لبس الصوف قبل خمود نار بشريته ويأمرونه بالنزع لرد ذلك
وكان سيدي أحمد بن الرفاعي إذا رأى على فقير جبة صوف وهو محتاج إلى رياضة الأخلاق يقول له أخلع يا ولدي هذا اللباس وجاهد نفسك حتى تخمد نارها بحيث لو لطخ أحد وجهك بالعذرة بحضرة الناس ولطخ ثيابك لا تتأثر : ورأى مرة شخصا عليه سيما الصالحين لابسا صوفا فقال يا ولدي إنما تزينت بزي الصالحين وحليت بحلية المتقين فإن لم تسلك طريقهم وإلا فانزع لباسهم : وكان يمنع أصحابه من إرخاء العذبة ويقول لا ترخوا العذبة حتى تخمد نيران نفوسكم فإن من أرخاها بنية التمشيخ فهو حرام
فاعمل يا أخي على تحصيل الأخلاق الباطنة حتى يشهد لك شيخك بالكمال أولا ثم البس الصوف ليشاكل ظاهرك باطنك وإن لم يوافق باطنك ظاهرك فالبس لبس العوام من آحاد الناس . وقد رأيت جماعة يلبسون الصوف ويأخذون في أيديهم السبحة وألسنتهم كالعقارب وأفواههم كأفواه التماسيح وبطونهم كالسفن ثم بعد ذلك يدعون الطريق فإياك وإياهم . بل رأيت من عمل منهم مكاسا وهذا كله لا ينبغي لأحد من أهل الطريق أن يقرعليه إلا من كان من أهله وقد أدركنا طريق الفقراء ولها حرمة عند الناس وعلى أصحابها الخير والهيبة فرفع الله تعالى ذلك بموت شيخنا سيدي علي المرصفي بمصر رضي الله عنه وموت سيدي علي الخواص وموت سيدي محمد الشناوي رضي الله عنهم فما رأيت أشد تعظيما لأولاد الفقراء من هؤلاء الثلاثة
وقد حكى سيدي محمد الشناوي أن سيدي الشيخ عبدالرحيم القناوي قام لكلب مر عليه فلامه بعض الناس فقال إنما قمت لزي الفقراء الذي في عنقه فرأوا في عنق الكلب شرموطا من جبة فقير فاعلم ذلك ولا تلبس لباس شهرة والله يتولى هداك (1/356)
- روى مسلم وابن ماجه : أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمزق شعرها وإني زوجتها أفأصل في شعرها ؟ فقال : [ [ لعن الله الواصلة والموصولة ] ] . وفي رواية : [ [ لعن رسول صلى الله عليه و سلم الواصلة والمستوصلة ] ] . وروى الشيخان وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الواشمة والمستوشمة . زاد في رواية أخرى للشيخين وغيرهما : [ [ والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ] ] . والواصلة : التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها ذلك والنامصة : التي تنقش الحاجب حتى ترقه هكذا قاله أبو داود . وقال الخطابي : هو من النمص وهو نتف الشعر عن الوجه والواشمة : هي التي تغرز اليد والوجه بالإبر ثم تحشو ذلك المكان كحلا أو مدادا والمستوشمة المعمول بها ذلك والمتفلجة هي التي تفلج أسنانها بالمبرد ونحوه للتحسين . وروى الشيخان : أن معاوية قال ذات يوم : إنكم أحدثتم زي سوء وإن نبي الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الزور . وفي أخرى لهما : أن معاوية أخرج كبة من شعر فقال : ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم بلغه فسماه الزور . قال قتادة : والمراد به ما تكثر به المرأة شعرها من الخرق . قال وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة فقال معاوية : ألا هذا الزور . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من النساء على وصل شعرها أو وشم بدنها أو تحفيف وجهها يعني أخذ شعره أو تفليج أسنانها بالمبرد ونحوه ويتعين إشاعة النهي عن ذلك بين النساء فإن أكثرهن جاهل بتحريم ذلك كما يجهلن تحريم تثقيب الآذان والأنف وقد قال صلى الله عليه و سلم : كل راع مسؤول عن رعيته . فإن لم يعلم الرجل زوجته وإلا فمن يعلمها وقد كثرت خيانة هذا العهد من قراء القرآن وطلبة العلم فينظر أحدهم زوجته وهي تصبح وتمسي وهي جنب ولا يأمرها ولا ينهاها وينظرها تترك الصلاة فلا ينهاها وينظرها تأخذ شعر خدودها فلا ينهاها وربما كانت قابلة للتعليم والتفقه في دينها فلا يتعب خاطره فيها ويحوجها إلى أن تخرج إلى الوعاظ في المساجد وتتعرض لعدة من المفاسد بسبب خروجها وخلطتها بمن لا يصلح . فالعاقل من أغنى زوجته عن الخروج إلى غيره إلا إن كان عاميا والسلام فيجب عليه تعلم الحلال والحرام أولا ثم يعلم عياله . ولما رأى سيدي أحمد الزاهد هذا الأمر قد فشا في النساء مع ترك بعولتهن تعليمهن لأحكام الدين كان رضي الله عنه يجمع النساء في مسجد ويعلمهن أحكام دينهن ولا يمكن أحدا من الرجال يدخل عليهن رضي الله عنه (1/357)
- روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة مرفوعا : [ [ سيكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة ] ] . وروى الديلمي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : [ [ لا بأس للرجل أن يخضب لحيته للمرأة ولا بأس للمرأة أن تخضب لزوجها إنما هو زينة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نخضب لنا لحية بالسواد ولا نقر زوجتنا ولا غيرها على خضب رأسها بالسواد تقديما لغرض الشارع صلى الله عليه و سلم على غرضنا إلا لغرض شرعي كالجهاد في سبيل الله فللمجاهد فعل ذلك وله أن يقر عليه من يفعله من المجاهدين إرهابا للعدو وسيأتي بسط ذلك في عهود تزين المرأة لزوجها إن شاء الله تعالى (1/358)
- روى أبو داود والترمذي وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أما إنه لو سمى لكفاكم . وروى أبو داود وابن ماجه زيادة وهي : [ [ فإذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله تعالى عليه فإن نسي في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ] ] . زاد في رواية : [ [ فإنه إذا قال ذلك قاء الشيطان ما في بطنه ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك التسمية على الطعام والشراب ولا ندع أطفالنا يتركون ذلك بل نتعاهدهم كل يوم بقولنا للطفل إذا جلس للأكل قل : { بسم الله الرحمن الرحيم } حتى يصير ذلك عادة له لا ينساها . وفي القرآن العظيم : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } . والعبرة بعموم اللفظ عند المحققين لا بخصوص السبب فمن تهاون بتركها جره ذلك إلى كثرة انتهاك محارم الله تعالى . وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله لا يأكل من عجين أو طبيخ لم يذكر العاجن أو الطابخ اسم الله تعالى عليه ويقول : كل ما لم يذكر اسم الله عليه فكأنه عندي كالميتة . وكان أخي أفضل الدين لا يأكل لقمة واحدة حتى يقول دستور يا الله . ونسي مرة ذلك فاستغفر الله سبعين مرة كفارة لذلك وكان يقول لا أحب لأصحابي أن يأكلوا على غفلة كونهم بين يدي الله عز و جل ولكل مقام رجال . { والله واسع عليم } (1/359)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ] ] . وفي رواية لمسلم : [ [ إن الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم ] ] . وفي أخرى لمسلم : [ [ من شرب من إناء ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم ] ] . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ من شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر عيالنا وغيرهم على استعمال المكحلة الفضة أو المرود الفضة أو المعلقة أو الخلال الفضة فضلا عن الذهب لعموم الأحاديث الواردة في ذلك لأن الآنية هي كل ما نقل شيئا من محل إلى محل فافهم فإن المرود ينقل الكحل إلى العين فافهم وهذا العهد يخل بترك العمل به خلق كثير فيرون نساءهم وهم يكتحلون بما ذكر ولا ينهونهم عن ذلك كل ذلك لعدم غيرتهم على الشريعة المطهرة . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : من الإيمان أن يعتني العبد بما اعتنى به الشارع صلى الله عليه و سلم ولا يتهاون به . والله تعالى أعلم (1/360)
- روى مسلم والترمذي مرفوعا : [ [ لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بها فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها ] ] . زاد في رواية لابن ماجه : [ [ ولا يأخذ بها ولا يعطي بها فإن الشيطان يعطي بشماله ويأخذ بها ] ] . وروى الترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن النفخ في الإناء فقال رجل : القذاة أرها في الإناء فقال أهرقها . وروى أبو داود وغيره : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الشرب من ثلمة القدح . وروى ابن حبان في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يشرب الرجل من في السقاء . وروى الحاكم أن شخصا شرب من في السقاء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت له حية . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نهمل أولادنا الصغار بتقريرهم على الأكل والشرب باليد الشمال مثلا أو بتقريرهم على النفخ في الإناء أو الشرب من فم السقاء أو من ثلمة القدح ونحو ذلك مما ورد في آداب الأكل والشرب وهذا العهد يخل به غالب الناس فلا يلتفتون لأولادهم بتعليمهم الآداب الشرعية حتى يبلغوا الحلم وهم على ذلك كل ذلك لعدم غيرتهم على الشريعة المطهرة فلا يزال الناس ينقصون من العمل بآدابها حتى تصير مجهولة لعدم مشاهدة من يعمل بها : والله غفور رحيم (1/361)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ المسلم يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ] ] . وفي رواية للبخاري أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكر ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن المسلم يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء . وفي رواية لمسلم : أضاف رسول الله صلى الله عليه و سلم ضيفا كافرا فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يتمها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ إن المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء ] ] . وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه فحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ] ] . وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد : عن أبي جحيفة قال : أكلت مرة ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فجعلت أتجشى فقال : يا هذا كف من جشائك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة . زاد في رواية فما أكل أبو جحيفة ملء بطنة حتى فارق الدنيا كان إذا تغذى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى . وفي رواية لابن أبي الدنيا قال أبو جحيفة فما ملأت بطني منذ ثلاثين سنة . وروى البخاري في كتاب الضعفاء وابن أبي الدنيا عن عائشة قالت : أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم . وروى البيهقي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى عائشة أكلت في اليوم مرتين فقال يا عائشة : أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك الأكل في اليوم مرتين من الإسراف والله لا يحب المسرفين . وفي رواية : [ [ يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك أكثر من أكلة كل يوم سرف والله لا يحب المسرفين ] ] . وروى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما مرفوعا : [ [ أنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى ] ] . وروى الإمام أحمد والطبراني ورواته ثقات : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : [ [ إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نمنع أصحابنا وأولادنا وعيالنا من الشبع ومن التوسع في المآكل والمشارب تشرها وبطرا وهذا العهد قد أخل بالعمل به غالب الناس وهذا دليل على قلة الورع في الكسب لأن الإنسان لو تورع التورع المشروع لم يجد شيئا يشبع منه ولا وسع به على نفسه فضلا عن أن يوسع على غيره وفي الشبع من الحلال مفاسد كثيرة فكيف الشبع من الشبهات والحرام أقل ما فيها أن الإنسان إذا أكل وشبع جاعت جوارحه فلا تشبع إلا إن وقعت في المعاصي المشاكلة لذلك الأكل في الحل والحرمة خفة وثقلا . وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : إذا كان الأكل حراما نشأ منه أعمال حرام وإذا كان خلاف الأولى نشا منه ارتكاب خلاف الأولى ومن قال إن الأعمال تنشأ على غير مشاكلة الأكل فليس عنده تحقيق . وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول أطب مطعمك ولا عليك أن لا تصوم النهار ولا تقوم الليل . وكان سيدي إبراهيم المتبولي يقول : إياكم والأكل من الشبهات فإنها تؤثر في قلب العبد ولو كان من أكابر الأولياء . ومن مفاسد الأكل الكثير أيضا ثقل الأعضاء عن القيام بالطاعات في الليل والنهار فاعلم أن من نوع الأطعمة في بيته في هذه الأيام وبالغ في التوسعة على عياله فلا بد أن يندم عن قريب وتدور عليه الدوائر : والله عليم حكيم (1/362)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء وتترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا ] ] وفي سنده راو ضعيف . وروى مسلم مرفوعا : [ [ إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه ] ] . وفي رواية له : [ [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : حق المسلم على المسلم خمس فذكر منها إجابة الدعوة الحديث . وروى أبو الشيخ مرفوعا : ست خصال واجبة للمسلم على المسلم من ترك شيئا منهن فقد ترك حقا واجبا فذكر منها : يجيبه إذا دعاه . واعلم أن من العذر الشرعي لنا في عدم الإجابة وجود منكر هناك لا يزول بحضورنا ومن عذرنا في ترك الأكل وجود شبهة في الطعام أو عدم صلاح النية في عمله . وقد روى أبو داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل . والمتبارين : هما المتفاخران بالطعام . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتخلف عن الإجابة إلى الولائم إلا بعذر شرعي ومتى تخلفنا ترفها وضخامة واحتقارا للداعي فقد عصينا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا العهد يخل بخيانته كثير من الفقراء والمخنفسين الذين يضخمون نفوسهم بغير حق لا سيما إذا صار الناس يمدحون أحدهم بقولهم فلان على طريقة عظيمة لا يتردد إلى أحد ولا يحضر وليمة ولا عقد نكاح ولا جمعية أبدا . وقد قالوا المؤمن يتقلب في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة والمنافق يمكث على حالة واحدة أكثر من سبعين سنة وذلك أنه يخاف أن يغير سيطه بذلك الأمر الذي مدح لأجله بخلاف المؤمن فإنه دائما دائر مع الفضائل فمتى رأى أمرا أفضل مما هو فيه يترك ما هو فيه . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح ليخرجه من دركات الرياء والنفاق إلى درجات الصدق والإخلاص وعدم مراعاة الخلق في ذمهم ومدحهم إلا على وجه التفكر والاعتبار لحديث : [ [ انتم شهداء الله في الأرض فمن أثنيتم عليه خيرا فهو خير ومن أثنيتهم عليه شرا فهو شر ] ] . فالعاقل يأخذ عنوان ما يقع له يوم القيامة من أفواه الناس من غير اعتماد عليهم وعلى قولهم قال تعالى : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } . فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت أن تعرف مراتب الأعمال وما هو أحق بالتقديم منها على غيره والله يتولى هداك (1/363)
- روى أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ] ] . والغمر : هو ريح اللحم وزهومته . وروى الترمذي والحاكم مرفوعا : [ [ إن الشيطان جساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ] ] . وفي رواية للطبراني بإسناد حسن : [ [ من بات وفي يده ريح فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ] ] . والوضح : المراد به هنا البرص . وروى الديلمي مرفوعا : [ [ لا تبيتوا القمامات في بيوتكم فإنها مبيت الشيطان ] ] . وفي رواية : [ [ فلا تبيتوا منديل الغمر في بيوتكم فإنه مبيت الشيطان ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى شيئا يؤذى الملائكة الكرام الكاتبين ويقرب منا الشيطان وهذا العهد لا يقوم به إلا من نور الله تعالى قلبه ولطف حجابه حتى يصير مؤمنا بحضور الملائكة وإن لم يرهم
وقد بالغ أخي أفضل الدين رحمه الله في الأدب مع الملائكة الكرام الكاتبين فكانوا يكلمونه ويكلمهم لكن لا يراهم فإنه لا يجمع بين رؤية الملك وسماع كلامه إلا الأنبياء فقط أما غيرهم فإن وقع أنه رأى ملكا لا يكلمه الملك وإن كلمه لا يرى شخصه
وقد كان ثابت البناني رضي الله عنه يتحادث كثيرا مع الملكين الكاتبين ويسلم عليهم صباحا ومساء فيقول لملائكة النهار أو ملائكة الليل إذا نزلوا السلام على الملكين الكريمين الكاتبين الحافظين اكتبا : { بسم الله الرحمن الرحيم . قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أن الجنة حق . وأن النار حق وأن الصراط حق وأن الميزان حق : { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور } . اللهم إني وهذا اليوم أو هذه الليلة خلقان من خلقك فلا تبتلني فيه أو فيها إلا بالتي هي أحسن ولا تزين لي فيه أو فيها جراءة على محارمك ولا ارتكابا لمعصيتك ولا استخفافا بحق ما افترضته علي اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها : { إن ربي على صراط مستقيم } . اللهم إني أعوذ بك في هذا اليوم من الزيغ والزلل ومن البلاء والبلوى ومن شر شماتة الأعداء ومن الظلم ومن دعوة المظلوم ومن شر كتاب قد سبق . اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي ولا مصيبتي في ديني ولا تسلط علي بذنوبي من لا يرحمني ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وقد تقدم في الحديث أن الملائكة تتأذى بما يتأذى به بنو آدم ومما يتأذى منه بنو آدم رؤيتهم العورات وشمهم القاذورات فلا ينبغي لمؤمن أن يكشف عورته خاليا حياء من الله ومن الملائكة
وقد كان أبو يزيد البسطامي إذا أراد أن يدخل الخلاء يبسط رداءه ويقول للملكين اجلسا أكرمكم الله حتى أقضي حاجتي
وكان الإمام البخاري يقلل أكله حتى انتهى إلى الاكتفاء في اليوم بثمرة أو لوزة فقيل له في ذلك فقال : حياء من الملكين حتى لا يكثر ترددي إلى الخلاء ويشمون من أجلي الرائحة الكريهة وكذلك أدركت سيدي محمد بن عنان وسيدي تاج الدين الذاكر يفعلان ذلك
وأخبرني الشيخ عبدالباسط خادم الشيخ تاج الدين أنه قلل الأكل حتى صار يدخل الخلاء كل أسبوع مرة وجميع وضوئه في الأسبوع لكل صلاة كان تجديدا لا عن حدث فرحمة الله على أهل الأدب (1/364)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته الحديث
وروى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين ] ] . قال الحافظ عبدالعظيم ومعنى ذبح بغير سكين أن الذبح بالسكين يحصل به راحة للذبيحة بتعجيل إزهاق روحها فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها وقيل أن الذبح لما كان في ظاهر العرف والعادة غالبا بالسكين عدل صلى الله عليه و سلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك ليعلم أن مراده صلى الله عليه و سلم بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه ذكره الخطابي
وروى الترمذي وابن ماجه مرفوعا : [ [ القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ] ] . وفي رواية للترمذي وغيره مرفوعا : [ [ من كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحري أن يتفلت منه كفافا ] ]
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ يدعى القاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقضي بين اثنين في تمرة قط ] ]
وروى الطبراني والبزار وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة فقال عوف ابن مالك وما هي يا رسول الله ؟ قال أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل وكيف يعدل مع أقربيه ] ]
وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فكه بره أو ؟ ؟ أوبقه إثمه ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من ولي شيئا من أمور المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا جاوز وإن كان مسيئا انخرق به الجسر فهوى في جهنم أربعين خريفا ] ]
وروى ابن ماجه والبزار مرفوعا : [ [ ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا جاز وإن كان مسيئا انخرق به الجسر ] ]
وروى ابن ماجه والبزار مرفوعا : [ [ ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه ثم يرفع رأسه إلى السماء فإن قال ألقه ألقاه في مهواة أربعين خريفا ] ] . قلت قال سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى ولعله إنما قال أربعين دون غيرها من الأعداد لأن ذلك في حق من حكم بين الناس أربعين خريفا ولو أنه كان حكم خمسين لقال صلى الله عليه و سلم خمسين كما قال ذلك في حق بعض المنافقين لما مات وسمعوا هدة عظيمة فقالوا ما هذا فقال صلى الله عليه و سلم : حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة فهو يهوى حتى وصل قعرها وكان ذلك الميت هو أبي بن خلف فحسبوا عمره فوجدوه سبعين سنة . والله تعالى أعلم
روى الإمام أحمد : أن حمزة عم النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به فقال : يا عم نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها ؟ فقال نفس أحييها فقال عليك نفسك
وروى أبو داود : أن المقدام بن معد يكرب قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبي ثم قال : [ [ أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا ] ]
وروى مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي ذر وكان قد سأله أن يستعمله : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ [ يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تتأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم ] ]
وروى ابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا : أن عبدالرحمن بن سمرة كان يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ] ] الحديث
وروى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه انزل الله عليه ملكا يسدده ] ] . وفي رواية للترمذي : [ [ من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه نزل عليه ملكا يسدده ] ]
وتقدم عدة أحاديث في باب الزكاة تتعلق بالعمال إذا جاروا فراجعها إن شئت وكذلك بسطنا الكلام في عهود الولاة في كتاب البحر المورود فراجعه إن شئت . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نشير على أحد من الناس أن يتولى ولاية في هذا الزمان لقصور نظرنا عمن يستحق تلك الولاية سواء كان المستشير ظالما أو قاضيا أو ناظرا على وقف ونحو ذلك فإن البلاء قد كثر على أهل تلك الوظائف فإذا أصابهم بلاء لا يطيقونه يصيرون يدعون على من أشار عليهم بذلك . فاعلم أنه ينبغي لكل من عمل شيخا في هذا الزمان أن يقول لمن يستشيره في ولاية استخر ربك واعمل بما ينشرح به صدرك . وأعلم يا أخي أن من الأدب أن لا تشفع قط عند ظالم أن يولي فلانا من تحت يده في الظلم وشفاعتك له عدم الشفاعة وإذا كان لا ينبغي لعاقل أن يشفع في أحد أن يتولى القضاء فكيف بالمكاسين وسنورد لك يا أخي الأحاديث الواردة : وقد حكى لي من أثق به من العلماء المدرسين قال وردت نواحي الغربية فرأيت هناك في طريق سوق البلد قاضيا وعنده أوراق مكتوبة يخوف بها الفلاحين فيقول للإنسان ما اسمك فيقول فلان ابن فلان فيقول عندي عليك مسطور لفلان وهؤلاء شهوده فإن وجد معه فلوسا أخذها وقطع الورقة وإلا أخذ الحمارة أو الجدي أو غيرهما حتى يصير عنده مراح بهائم وأرادوا الانصراف يوما فرأوا يهوديا على حمارته فقال اصبروا حتى نعمل على اليهودي فادعى القاضي على اليهودي بالحمارة أنها لأحد شهوده وصدقه الحاضرون فأخذوها منه ثم جاء له شخص وقال له أعط القاضي دينارا يخلص لك حمارتك فأعطاه الدينار فجعله القاضي في فمه وصاح بأعلى صوته سكوا هذا الكلب يبرطلني على الشرع ويظهر أنه متورع وقد أخذ الدينار منه فجعل اليهودي متاعه على كتفه وولى وهو يقول بين يدي الله تلتقي الخصوم و والله إن قاطع الطريق أرحم بالناس من هذا القاضي فلا ينبغي أن يتولى أمور الناس إلا من تعين غلبة عليه . والله أعلم (1/365)
- روى الترمذي وغيره مرفوعا : [ [ أبغض الناس إلى الله تعالى وأبعدهم عنه مجلسا إمام جائر ] ] . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر ] ]
وروى البزار مرفوعا : [ [ يجاء بالإمام الجائر يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلجوا عليه فيقال له سد ركنا من أركان جهنم ] ] . وقوله فيفلجوا عليه بالجيم : أي يظهروا عليه بالحجة والبرهان ويقهروه حال المخاصمة
وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ ألا أيها الناس لا يقبل الله صلاة إمام جائر ] ] . وفي رواية للطبراني مرفوعا : ثلاثة لا يقبل الله لهم شهادة أن لا إله إلا الله فذكر منهم الإمام الجائر
وروى البزار والبيهقي وغيرهما مرفوعا : [ [ السلطان ظل الله تعالى في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده فإن عدل كان له الأجر وكان يعني على الرعية الشكر وإن جار أو خاف أو ظلم كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر وإذا جارت الولاة قحطت السماء وإذا منعت الزكاة هلكت المواشي ] ]
وروى الحاكم مرفوعا وقال صحيح على شرط مسلم : [ [ ما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان ولا يحكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم ] ]
وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله على جوره فله الجنة وإن غلب جوره عدله فله النار ] ]
وروى الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم مرفوعا : [ [ إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان ] ]
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ما من والي ثلاثة إلا لقي الله مغلولة يمينه فله عدله أو غلة جوره ] ]
وروى الطبراني وابن خزيمة في صحيحه وغيرهما مرفوعا : [ [ إني أخاف على أمتي من أعمال ثلاثة قالوا وما هي يا رسول الله ؟ زلة عالم وحكم جائر وهوى متبع ] ]
وروى مسلم والنسائي وأبو عوانة في صحيحه مرفوعا : [ [ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ] ]
وروى الطبراني وغيره مرفوعا ورجاله رجال الصحيح : [ [ من ولي شيئا من أمر المسلمين لم ينظر الله تعالى في حاجته حتى ينظر في حاجتهم ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من ولي من أمر المسلمين شيئا فغشهم فهو في النار ] ] . وفي رواية أبي داود مرفوعا : [ [ من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم إلا احتجب الله تعالى دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ] ] . وكان معاوية يجعل رجلا على حوائج المسلمين إذا احتجب لضرورة
وروى الإمام أحمد بإسناد حسن وأبو يعلى مرفوعا : [ [ من ولي من أمر المسلمين شيئا ثم أغلق بابه دون المسكين والمظلوم وذوي الحاجة أغلق الله عنه أبواب رحمته دون حاجته وفقره ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن أحدا ممن صحبناه من الولاة في هذا الزمان وانقاد لنا أن يشق على رعيته أو يجوز عليهم أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حاجتهم فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وإذا عدل الوالي فقد قام بحق دين الله وإذا جار فقد أخل بحقه وهذا العهد خاص فعله بأكابر العلماء والصالحين المتعففين عما بأيدي الظلمة والولاة الذين [ ليس ؟ ؟ ] لهم عند الولاة لا بر ولا حسنة ولا جوالى ولا مسموح ولا مرتب على بساط السلطان ونحو ذلك لأن هؤلاء ربما سمع لهم الولاة وأما من يأكل من اموالهم ويقبل صدقاتهم وبرهم ولو بلا بسؤال فلسانه أخرس وعيناه عمياء وأذناه صماء قهر عليه لا يقدر على نفسه أن يكلمهم كلمة وقد قل العالم والصالح العفيف عن مثل ما ذكرناه وصار هذا النوع في العلماء والصالحين أقل من القليل وربما نهوا أحد من الولاة أو أمروه بمعروف فقام لهم من له عنده الولاة علاقة فصار خصما لهم حتى كأن الذي أمر بالمعروف هو الذي فعل المنكر ومن شك في قولي هذا فليجرب فإن أهل الشر قد غلبوا على أهل الخير : { ليقضي الله أمر كان مفعولا } . وإذا غلب أهل الله عن إقامة الدين فلا لوم عليهم بل أقول إنه لو أراد الأئمة الآن أن يعدلوا في رعاياهم لا يقدرون لعدم استحقاق رعيتهم الرحمة بهم فعلة الظلم والجور مركبة من الرعية والظلمة وما بقي يرجى لهم تنفيس حتى يخرج عيسى بن مريم عليه السلام
وكان آخر كلام سمعناه من سيدي علي الخواص قبل موته بثلاثة أيام : قد صار الخلق الآن كالسمك الذي كان في بركة ماء ثم نشف عنه الماء وصار في أرض يابسة فالكلاب والحدادي تخطفه وتفسخه في النهار والذئاب والثعالب تفسخه بالليل ولا بقي يرجى عود الماء حتى ينغمر فيه السمك الذي هو كناية عن الرحمة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وسمعته قبل ذلك يقول : قد صارت بيوت الحكام الآن جمرة من نار ولا بقي فيها واسطة خير إنما همتهم البراطيل ولا يقضون حاجة إلا به وعن قريب يصيرون يأخذون البراطيل من الجانبين ولا يقضون لأحد منهما حاجة ثم إن صاحب الحاجة يطلب منهم أن يردوا له ما أعطاه لهم فلا يعطونه وربما دفعه وضربه غلمانهم وأخرجوه
وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأصحابه ما تصنعون بي إذا انعوجت ؟ فقالوا نعلو هامتك بالسيف فقال بارك الله فيكم هكذا كونوا
فاعلم أن من الأدب أن نقول إن العمال ما جاروا إلا بحسب جور الرعية على أنفسهم وعلى إخوانهم بالعداوة والبغضاء وعدم قيامهم بواجب الدين فاللوم على الرعية لا على الولاة فلو قدرنا أنه أتانا في مصر نائب من الصالحين وكانت أعمال أهل مصر معوجة فلا تزال أعمالهم تعوجه حتى يصير كالمخطاف ولو قدرنا أنه أتانا في مصر نائب أعوج وكانت أعمال أهل مصر مستقيمة فلا تزال أعمالهم تقيمه حتى يصير كالرمح وقد بسطنا الكلام على ذلك في عهود البحر المورود
واعلم أيضا أنه ما كل عالم ولا صالح يقدر على أمر الولاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر لاحتياج فاعل ذلك إلى سياسة تامة فيمهد للمنصوح بساط يشهد فيه ما له من المصالح إن استقام وما له من الفساد إن اعوج ويكون أهل كشف : إذا أخبر ذلك الوالي بحصول أمر له في المستقبل يقع كما قال في ذلك الوقت . وأما إذا لم يكن عنده كشف ولا اطلاع فلا يسمعون له وآخر أمره بعد العناء والتعب أن يمنعوه عن الدخول لهم . والله عليم حكيم (1/366)
- روى الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد : [ [ من استعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ] ] . وفي رواية أخرى للحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد : [ [ من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله تعالى لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم ] ] . رواه أحمد بإختصار . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقر أحدا من الولاة الذين صحبناهم أن يولي على المسلمين من تحت يده إلا من يراه خيرهم بعد أن يجتهد ويبذل وسعه في ذلك وهذا العهد قل من يسمع له من المكاسين ونحوهم من جباة الظلم لأنه يعرف أنه إذا ولي شخصا يخاف على دينه ضيع ذلك المال الذي يجبونه من تلك الجهة . وقد سألني مرة شخص من أعوان المكاسين أني أطيب عليه خاطر كبير المكس فقال أطيب عليه ولكن بشرط التوبة قلت وما هي ؟ قال أن لا يفرج على أحد عليه مكس فقلت أخرجا من عندي فتوبا في الكنيسة . فيحتاج العالم أو الصالح الذي يأمر المكسين ونحوهم بالمعروف إلى سياسة تامة في لين الكلام وإلا لم يسمعوا له . وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يوصي أصحاب هذه الجهات ويأمرهم بالتخفيف عن الناس جهدهم وكان يقول لأصحابه من التجار إذا جاءكم جباة الظلم يطلبون عادتهم بإذن السلطان فأعطوها طاعة للسلطان وإلا حصل لكم من الضرر أشد مما بخلتم به عليهم وكان يقول للتجار الذين يجيئون من الشام شغلى مصر : أعطوا الظلمة عادتهم في غزة وفي قطية فإن ذلك غفارة ليس من المكس في شيء فإن السلطان لو تزلزل أمره ما قدر أحد منكم يخرج بتجارة في البراري من الشام إلى مصر أبدا وعلى كلام الشيخ فليس من المكس إلا الذي يؤخذ من قوم جاءوا إلى مصر في ظل سيوفهم من غير حاجة إلى مساعدة السلطان أو الذي يأخذه المحتسب من السوقة وهم آمنون في بيوتهم وحوانيتهم هكذا قال رضي الله عنه فليتأمل . وكان إذا تولى مكاس يأمره بلبس الجبة والفروة الكباشى في الشتاء والرضا بالرغيف ولو كان حافا وركوب الحمار والرضا بجارية تخدمه من غير زوجة ويأمره بإجتناب اللبس المحررات والتبسط في الشهوات ونكاح النساء الجميلات والسكنى في القاعات المرخمات ويقول له إن أردت تعمل مثل من كان قبلك من المتهورين في دينهم وتتبسط في المأكل والملبس وغير ذلك لم يكفك مال الجهات كلها وهذا كله من باب ظلم دون ظلم فافهم وإياك والاعتراض على الشيخ والله يتولى هداك (1/367)
- روى أبو داود والترمذي مرفوعا وقال حسن صحيح : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي والمرتشي . وفي رواية لابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لعنة الله على الراشي والمرتشي ] ] . وروى الطبراني والبزار مرفوعا : [ [ الراشي والمرتشي في النار ] ] . وروى الإمام أحمد بإسناد فيه نظر مرفوعا : [ [ ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالسنين وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب ] ] . وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني : لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما . يعني الماشي بينهما : أي بين الراشي والمرتشي . وروى الطبراني مرفوعا عن ابن مسعود بإسناد صحيح : [ [ الرشوة في الحكم كفر وهي بين الناس سحت ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نلعن الراشي والمرتشي والساعي بينهما إلا إن كان مختارا وقبل الرشوة بنفسه فإن أكره على اخذها لغيره فلا ينبغي لنا لعنه كما إننا إذا لعناه لا نلعنه إلا بحكم العموم دون الخصوص لجهلنا بعاقبة أمره فقد يتوب الله عليه قبل موته وحقيقة الرشوة ما يأخذه القاضي ليحكم بحق أو يمتنع من ظلم وقوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . المراد به كفر دون الكفر الذي يخرج به الشخص من دين الإسلام ويحتاج من يريد ينكر على قاض للفحص العظيم عن كونه مختارا في أخذ الرشوة لغيره أو لنفسه وذلك بكثرة مخالطته فلا تكفي الإشاعة بأخذ الرشوة لكثرة تساهل الناس في هذا الزمان في ذمهم القضاة من غير أن يشاهدوا منهم أخذ الرشوة أو حكمهم بغير الحق وربما أشاع الناس عن قاض أنه يأخذ الرشوة قياسا على من رأوه أخذها ويقولون بعيد عن مثل هذا أن يتورع عن مثل ذلك وياليت شعري من يفسق هؤلاء القضاة كيف يسوغ له أن يطالب بالحقوق التي ثبتت عليهم فإنها غير ثابتة في اعتقاد هذا المفسق لهم : ففتش يا أخي على من يأخذ الرشوة مختارا ثم العنه بلعنة الله ولعنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وصن لسانك عن التجريح في قضاة الشريعة إلا بطريق شرعي تقدر على إثباته وإلا يخاف عليك الحبس والضرب وإخراج وظائفك عنك تعزيزا لك على تجريح الحكام بغير طريق شرعي . وقد وقع من بعض طلبة العلم أنه طلب منه تزكية بعض قضاة العساكر فأبى وقال هذا رجل فاسق فوشى بذلك بعض الأعداء وشهدوا عليه بأنه مصرح بفسق القاضي في المجالس فأخرج عنه جميع وظائفه وصار يسوق عليه السياقات فلا يقبل منها أحدا فإن اضطررت يا أخي إلى تزكية قاض فزكه وور في ألفاظ التزكية حسب طاقتك كما يفعله علماؤنا الآن والله يتولى هداك (1/368)
- روى مسلم والترمذي وابن ماجه مرفوعا : [ [ يقول الله عزوجل : يا عبادي أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا الحديث ] ] . وروى مسلم وغيره مرفوعا : [ [ أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لا تظالموا فتدعوا فلا يستجاب لكم وتستقوا فلا تسقوا وتستنصروا فلا تنصروا ] ] . وروى الإمام أحمد بإسناد حسن مرفوعا : [ [ المسلم أخوا المسلم لا يظلمه ولا يخذله ويقول والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فتخاصما وتفرقا إلا بذنب أحدثه أحدهما ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ] ] . وروى الشيخان وغيرهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ : [ [ اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينهما وبين الله حجاب ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل لدعوة المظلوم وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ] ] . وروى الحاكم مرفوعا : [ [ اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ] ] . وروى الإمام أحمد بإسناد حسن مرفوعا : [ [ دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ] ] . وقال الإمام مالك : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ دعوة المظلوم ولو كان كافرا ليس دونها حجاب ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل : اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ ما من مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في موضع يحب فيه نصرته ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ انصر أخاك أو مظلوما فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كام مظلوما أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ فقال تحجزه أو قال تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك الإنكار على من رأيناه ظلم أخاه من الفقراء وغيرهم ولو بسوء الظن به بل ننكر عليه وننصر المظلوم ويحتاج العامل بهذا العهد إلى سياسة تامة وإلا نسبه الناس إلى غرض مع ذلك المظلوم فيصير خصما للظالم ويخرج عن كونه ميزان عدالة بين الخصمين فيحتاج الأمر إلى شخص آخر ثالث يصلح بين الظالم والمظلوم ثم إذا رأى نفس الظالم ثائرة فليصبر عليه حتى تخمد نارها وذلك ليصغي إلى وعظه له فإن العبد إذا غضب ركبته نفسه هي وزوجها أبو مرة فيصيران راكبين عليه فلا يتكلم فيه إلا شيطان . وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : من علامة ركوب الشيطان لخصمك أن تراه يتكلم بالكلام القبيح الذي ليس من عادته النطق به فإذا رأيت ذلك منه فاصبر على جوابه حتى ينزل الشيطان من على ظهره فإن أجبته قبل ذلك ضحك عليك الشيطان حين تظن أن الذي يكلمك هو أخوك وسمعته أيضا يقول : يجب على من يصلح بين الناس إذا رأى نفس المظلوم ثارت ونفس الظالم خمدت أن يتربص ساعة حتى تخمد نار نفسه فربما لا يرضيه من الظالم إلا أكثر من حقه ومن سلك هذا المسلك مع الخصمين وطاوعاه استغنيا عن رواح بيت الوالي . واعلم أن من أقبح الصفات في الفقراء خصامهم بين الناس وتمزيقهم أعراض بعضهم بعضا وإن ادعوا أنهم تحت تربية شيخ كذبوا وشيخهم برئ منهم إلا أن يتوبوا وكذلك أقبح من كل قبيح خصام الظالم أو المظلوم لشيخه إذا لم يطاوعه على غرضه الفاسد ومن فعل ذلك مع شيخه مقته الله وطرده عن حضرات الصالحين وربما عوقب بتركه التوبة حتى يموت على أسوإ حال وهذا المقت قد عم غالب الفقراء في هذا الزمان وصاروا أبدانا بلا أرواح فالله تعالى يلهمهم التوبة من ذلك بفضله وكرمه إن شاء الله تعالى ويصبر شيخهم عليهم وعلى سوء أدبهم معه آمين (1/369)
- روى الإمام أحمد البزار وغيرهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكعب ابن عجرة : [ [ أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء ؟ قال أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ] ] الحديث . زاد في رواية أخرى للإمام أحمد : [ [ ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ] ] . وروى الأصبهاني وغيره عن بلال بن الحرث أنه قال : إذا حضرتم عند ذي سلطان فأحسنوا المحضر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ [ أن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أنها تبلغ ما بلغت فيكتب الله تعالى بها سخطه إلى يوم القيامة ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أراد ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا ندخل على ظالم إلا لضرورة شرعية بشرط أن نعلم من نفوسنا عدم تصديقه وعدم معاونته على باطل وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس الذين يقبلون من الظلمه الهدايا ويأكلون على سماطهم فتدخل رأس أحدهم الجراب ويعوم مع ذلك الظالم ويصدقه على مقالته على ذلك المظلوم فمن أراد السلامة من تصديقهم أو من سكوته على ذلك ومن معاونتهم فليستعفف عن قبول هداياهم والأكل من طعامهم وإلا فمن لازمه معاونتهم وتصديقهم . وقد وقع أن شيخا من مشايخ العصر دخل على محمد بن بغداد ليشفع عنده في مظلوم فأغلظ القول على محمد فصبر عليه حتى فرغ ثم قال محمد لآصحابه سرا : ايش قلتم فيمن يلقى عليه الإكسير فينقلب معنا على من جاء يشفع فيه فقالوا كيف ؟ فقال : هاتوا لي ورقة ودواة فكتب له خمس قناطير عسل وخمس وعشرين إردب قمح محمولة إلى زاويته وأعطى ذلك الوصول للنقيب فأعلم به الشيخ فتحول الشيخ في الحال على ذلك المظلوم فصار يقول الحق مع شيخ العرب وأنت مالح الرقبة تنهى إلى الفقراء خلاف الواقع ثم رده من غير قبول شفاعة . فادخل ياأخي إلى حضرة قبول شفاعتك عند الحكام من باب التعفف إن أردت قبولها أو دوامها وإلا فتب عن الدخول على الظلمة والله يتولى هداك . وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في النهي عن الدخول على ظلمة لغير ضرورة . فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح مرفوعا : [ [ من بدا جفا ومن تبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن وما ازداد عبد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا ] ] . وروى نحوه أبو داود والترمذي والنسائي (1/370)
- روى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى يبرح ومن قال في مؤمن ما ليس فيه سقاه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ] ] . والخبال : عصارة أهل النار أو عرقهم كما في رواية مسلم . وفي رواية للحاكم : [ [ من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع ] ] . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه : [ [ مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير تردى في بئر فهو ينزع منها ولا يقدر على الخلاص ] ] . ومعنى الحديث كما قاله الحافظ عبدالعظيم أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر الخلاص . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من حالت شفاعته دون حد من حدود الله لم يزل في غضب الله حتى ينزع وأيما رجل شد غضبا على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرض على سخطه وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من مشى مع ظالم يعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نبادر لمساعدة خصم على خصمه وإعانته إلا بعد تصبر وتمهل في ذلك فربما يكون ظالما وهو يصيح أنه مظلوم . وقد رأيت بعيني امرأة قبضت على بيض زوجها وسحبته إلى الأرض فصار فوقها وهي تحته وهي تصيح يا مسلمين ارفعوه عني قتلني فصارت الناس يضربونه بالعصى على ظهره ومقعدته حتى اثخنوه وهو يقول لهم قولوا لها تطلقني وهم لا يدرون بالحكاية فما عرفوا الحكاية حتى كادوا أن يهلكوه وهم يظنون أنهم في قربة إلى الله تعالى بنصرهم المظلوم على الظالم وكذلك لا تبادر قط للشفاعة في إنسان ادعى أنه مظلوم حتى تفحص عن حكايته فربما يكون وقع في حد من حدود الله عز و جل فتقع في نهى الشارع عن الشفاعة في الحدود . وقد جاءني شخص يبكي ويطلب مني الشفاعة فيه عند عامر بن بغداد فأرسل يقول لي إن هذا زور علي كتابا للكاشف وعلمه بعلامتي انه يقتل فلانا وفلانا اللذين كانوا عنده في الحبس ويكبس على البلد الفلانية ويأخذ منها فلانا وفلانا فمثل هذا يستحق التأديب الشديد ومن ذلك اليوم وأنا أتربص في كل حكاية ولا أشفع إلا بعد تأمل زائد لكثرة إنهاء الخلق للفقراء خلاف الواقع . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى فراسة تامة وإلا وقع في النهي وهو لا يشعر كما يقع في ذلك من كان ساذجا من الفقراء . وقد وقع لشيخ الإسلام نور الدين الطرابلسي الحنفي رحمه الله أنه ركب للأمير غانم الحمزاوي يشفع عنده في شخص كان قد عمل على قتل غانم مرارا فقال غانم لجماعة الفقهاء الحاضرين تدرون ما يقول سيدنا شيخ الإسلام ؟ قالوا لا : قال : يقول لي أطلق هذا الثعبان الذي كنت خائفا منه سنين حتى يلسعك فتموت لأجلي فقال الجماعة كلهم هذا لا ينبغي فرجع شيخ الإسلام بلا قبول شفاعة ولو أنه كان حاذقا يعرف أحوال الناس ما شفع في مثل ذلك إلا بطريق يمهدها أولا للمشفوع عنده ثم على بصيرة من أمر المشفوع فيه والمشفوع عنده . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (1/371)
- روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ [ من التمس رضا الله عنها بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ] ] . وفي رواية ابن حبان مرفوعا : [ [ من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ] ] . وروى الحاكم مرفوعا : [ [ من أرضى سلطانا بما يسخط به ربه خرج من دين الله عز و جل ] ] . وروى البزار وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده له ذاما ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من تحبب إلى الناس بما يحبونه وبارز الله تعالى لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نرضي الحكام وغيرهم بما نعرف أنه يخالف شرع الله عز و جل ونحذر إخواننا المترددين إلى الحكام من ذلك أشد التحذير وهذا العهد لا يعمل به إلا من زهد فيما في أيدي الولاة وأما الراغب فيما بيدهم فبعيد أن يقع منه ما يغيظهم عليه وكيف يقدر شخص أن يخالف من ينعم عليه بالمأكل والملبس والذهب والفضة هذا يكاد أن يكون خروجا عن الطبع فإن الحاكم مشهود له والله تعالى غير مشهود له والغالب على من لا يشهد بالعين أو بالقلب عدم المراعاة لمرضاته ومن حرم الله تعالى أكل مال اليتيم تحريما مغلظا لكون اليتيم لا والي له إلا الله تعالى وما له والد يراعى لأجله والله تعالى غير مشهود فلذلك أكل غالب الناس مال اليتيم بغير حق فافهم وابعد عن الدخول للحكام ما دمت ترجح الذهب على الزبل فإن دخلت وأنت كذلك فمن لازمك غالبا أن ترضيهم بما يسخط الله تعالى . { والله عليم حكيم } (1/372)
- روى أبو داود وغيره مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ لا تنزع الرحمة إلا من شقى ] ] . وروى الحاكم وغيره : [ [ أن رجلا قال يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها فقال له : إن رحمتها رحمك الله ] ] . يعني إذا ذبحتها فاذبحها وأنت راحم لها وليس المراد أن يترك ذبحها أصلا . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ داتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة واذبحوها صالحة ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ أن رجلا دنا من بئر فنزل وشرب منها وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة ] ] . وروى مسلم وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ من لطم مملوكا له أو ضربه فكفارته أن يعتقه ] ] . وروى الطبراني وغيره مرفوعا ورواته ثقات : [ [ من ضرب مملوكا ظلما اقتص منه يوم القيامة ] ] . وروى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ إخوانكم خولكم فضلكم الله تعالى عليهم فمن لا يلائكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ] ] . وروى أبو يعلي والطبراني : [ [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا وصيفة له وهي تلعب فلم تجبه وقالت لم أسمعك يا رسول الله لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك ] ] . وفي رواية : [ [ لضربتك بهذا السواك ] ] . وروى مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر على حمار قد وسم في وجهه فقال : [ [ لعن الله الذي وسمه ] ] . وروى الطبراني وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الضرب في الوجه . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نؤذي أحدا من خلق الله تعالى بضرب أو هجر أو كلام أو نحو ذلك إلا بأمر شرعي وقد عدوا الإضرار بالناس من الأمور التي تقارب الكفر وأنشدوا في ذلك :
كن كيف شئت فإن الله ذو كرم ... وما عليك إذا ما أذنبت من باس
إلا إثنتين فلا تقربهما أبدا ... الشرك بالله والإضرار بالناس
وإيضاح ذلك أن حقوق الآدميين مبنية على المشاححة من أصحابها إذا نوقشوا الحساب يوم القيامة ولا يخرج عن حكم هذه المناقشة إلا أفراد من الناس والجمع الغفير كلهم يناقشون ويحصي الله تعالى عليهم مثاقيل الذر لعدم مناقشتهم نفوسهم في دار الدنيا وتركها هملا كالبهائم السارحة بخلاف الأفراد الذين ناقشوا نفوسهم في حقوق الله تعالى وحقوق عباده لا يناقشون في الآخرة لأنهم قضوا ما عليهم في الدنيا وإن وقعت مناقشة فإنما هي في أمور يسيرة خفيت عليهم ففرطوا فيها . والله أعلم . واعلم أن من أشد الناس مناقشة ومشاححة لخصمه يوم القيامة العلماء الذين لا يعملون بعلمهم فإياك أن تؤذي أحدا منهم فإنك لا تقدر على أن ترضيه في الدار الآخرة أبدا لكثرة إفلاسه وفقره من الأعمال الصالحة فإن المسامحة معدودة من صدقات العبد والصدقة لا تكون إلا على ظهرغنى ومن كان فقيرا شح ضرورة ولو أنه أعطى أحدا شيئا تبعته نفسه قهرا عليه فإياك وغيبة كل فاسق في دار الدنيا إلا بشرطه بل قال بعضهم في معنى حديث لا غيبة في فاسق أي احفظوا لسانكم في حقه ولا تغتابوه فجعل لفظة لا ناهية . فإياك يا أخي أن تستغيب فاسقا أو تؤذيه أو تشق عليه أو تستعمل عبدك أو أمتك في أمر يعجزان عنه أو تحمل دابتك فوق طاقتها أو تسم شيئا من الحيوانات بالنار إلا بأمر شرعي كوسم إبل الصدقة أو غنمها أو كي الحيوان لمرض ونحو ذلك وقد نصحتك والله إني أعرف من بعض الحساد الذين تمكن فيهم البغضاء والحسد أنه لو عرض عليه بعض أعدائه يوم القيامة جميع أعماله الصالحة ليأخذوا ثوابها في نظير غيبة واحدة فيه ما رضي بها فكيف حال من لا تحصي غيبته في الناس فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/373)
- روى الشيخان وغيرهما عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على السمع والطاعة في العسرو اليسر والمنشط والمكره وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر ] ] . وروى الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد : [ [ سيد الشهداء حمزة بن عند المطلب . ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ] ] . قلت : يعني ولم يكن في بال الرجل أنه يقتله وإلا فالأمر بالمعروف يسقط عند خوف القتل أو الضرب الشديد أو الحبس الطويل . والله أعلم . وروى مسلم وغيره : [ سيكون من أمتي ناس يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ] ] . وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم : إذا كثر الخبث . وروى ابن ماجه بإسناد رجاله ثقات مرفوعا : [ [ إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول يا رب خشيت الناس فيقول أنا أحق أن يخشى ] ] . وروى الأصبهاني مرفوعا : [ [ إن الأمر بالمعروف لا يدفع رزقا ولا يقرب أجلا وإن الأحبار من اليهود والنصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء ] ] . وروى الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد : [ [ إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم ياظالم فقد توعد ؟ ؟ منهم ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مداهنة للناس وطلبا لمرضاتهم الفاسدة فإن أمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق بالمراعاة والتقديم وهذا العهد لا يقوم بحقه إلا من يسلك طريق للقوم على يد شيخ حتى وصل إلى حضرة الله تعالى وشاهد أفعاله وتصاريفه وتيقن انه ليس بيد مخلوق ضر ولا نفع إلا إن شاء الله . ومعلوم أن من راعى أمر الله تعالى وقدمه على أمر عباده لا بد أن ينصره الله تعالى على ذلك الظالم الذي يخالف المعروف ويفعل المنكر قال الله تعالى { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز }
فإن أردت العمل بهذا العهد فادخل من بابه واسلك على يد شيخ كما ذكرنا وإلا فمن لازمك مراعاة المخلوقين وتقديم مرضاتهم خوفا من شرهم ورجاء لبرهم . { والله عليم حكيم }
وقد مضى الأئمة والعلماء القوامون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأظلمت الدنيا لفقدهم وكانت أنفاسهم تحميهم من الظلمة حتى يقوموا بالمرتبة حين كان الدين في زيادة فلما أخذ الدين في النقض في سنة ثلاث وخمسين وستمائة وضعفت قلوب العلماء وعجزت عن إزالة المنكرات لكثرتها وقلة من يساعد عليها وقلة الولاة الذين يسمعون للعلماء بل نقول : لو أن العلماء الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في الزمان الماضي عاشوا إلى اليوم لكانوا مثلنا في عدم الإنكار ولكن سبقونا بالزمان
وقد حكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري شارح الروض والبهجة رضي الله عنه أن سفيان الثوري كان يخرج إلى السوق فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فما مات حتى صار يرى المنكر فلا ينكره فقيل له في ذلك فقال قد انفتح في الإسلام ثلمة فأردنا أن نسدها فانفتح في الإسلام ذروة وانهدمت من أركانه أركان ثم صار يبول الدم إلى أن مات قهرا
وبلغنا عن سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبدالسلام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يعظ السلطان أيوب وولده السلطان الصالح وينهاهما عن المنكر فيقبلان يده ويقولان له جزاك الله عنا خيرا . وبلغه مرة أن غالب الأمراء الأكابر إلى الآن في الرق لم تعتقهم ساداتهم فقال كيف يحكم هؤلاء بين الناس ؟ فطلع إلى السلطان وقال كل من لم يأتنا بعتاقته بعناه ووضعنا ثمنه في بيت المال فباع منهم جماعة ونادى عليهم في الديوان ثم أعتقهم السلطان فاجتمعوا على قتله وجاءوا بالسلاح ووقفوا على بابه فخرج إليهم فوقع السلاح من أيديهم هيبة منه فقال له ابنه الحمد لله الذي لم يقتلوك فقال والدك أحقر من أن يقتل في إقامة دين الله تعالى . فانظر حالك يا أخي الآن إذا أمرت قاضيا أو أميرا
وكذلك حكى لي شيخنا شيخ الإسلام زكريا المذكور آنفا أنه كان يحط على الولاة في خطبته ويتعرض للسلطان قايتباي بأنه ظالم غاش لرعيته فتكدر السلطان منه لكون ذلك على المنبر بحضرة الناس والعسكر والعوام ثم قال له لما انقضت الصلاة والله يامولانا إنما وعظتك في الملأ مبادرة لنصحك ثم مسكت يده أو قلت له والله إني خائف على جسمك هذا أن يكون فحما في جهنم فهل تقدر يا أخي الآن تفعل مثل ذلك مع بعض قضاة السلطان
وقد كان الشيخ شمس الدين الدمياطي الواعظ بالأزهر يحط على السلطان الغوري على كرسي الوعظ في الجامع الأزهر فبلغه ذلك فأرسل وراءه بنية أنه يبطش به فطلع له القلعة وقال له السلام عليك أيها السلطان فلم يرد الغوري عليه فقال رد السلام واجب عليك ومن ترك الواجب فسق فرد السلطان السلام ثم قال له قد بلغنا أنك تحط علينا في المجالس من جهة ترك الجهاد وغيره وليس عندنا مراكب فقال عمر لك مراكب أو استأجرها وجاهد فقام على السلطان الحجة ثم قال له يامولانا السلطان ما جزاء من نقلك من الكفر إلى الإسلام ثم من الرق إلى الحرية ومن الجندي إلى الأمير ومن الأمير إلى السلطان إلا الشكر فقال : الحمد لله ثم قال له : وعن قريب تموت وينزلونك في حفرة ويغرزون أنفك في التراب ثم تصير ترابا ثم تبعث ثم تحاسب وتدعى عليك جميع رعيتك في مصر والشام وقراها بما أخذته أنت وعمالك منهم ظلما وتصير تحت أسرهم فاصفر وجه السلطان وارتعد فسلم الشيخ وخرج فلما صحا السلطان قال هاتوا هذا الشيخ فأتوا به فقال ما حاجتكم ؟ فقالوا رسم السلطان لك بعشرة آلاف دينار فقال الشيخ للسلطان ردها إلى من ظلمتهم فيها ولكن إن كان مولانا السلطان يحتاج إلى مال أقرضته فإني رجل تاجر كثير المال فقام له السلطان وشيعه وعظمه
وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : تغير المنكرات بالقول خاص بالعلماء وباليد خاص بالولاة وبالقلب خاص بأولياء الله تعالى وعمدة التغيير في كل عصر إنما هو على العلماء العاملين والأئمة المجتهدين رضي الله عنه أجمعين وأما الفقراء فإنما يقع منهم تغيير بقلوبهم في نادر من الزمان وذلك أن يتوجه أحدهم بقلبه إلى الله تعالى في إزالة ذلك المنكر من ذلك المكان فيزول بقدرة الله عز و جل هذه صورة تغييرهم المنكر بقلوبهم وأما قوله في الحديث : وذلكم أضعف الإيمان . فلا ينافي ما ذكرناه فإن الإيمان يضعف من جهتين إحداهما مذمومة والأخرى محمودة فأما المذمومة فالمراد بها ضعف اليقين والشك وأما المحمودة فالمراد بها رقة الحجاب إذ الإيمان لا يكون إلا من خلف حجاب فكلما ترقى العبد إلى مقام الإحسان الذي هو مقام حضرة الشهود وضعف حجاب الإيمان ورق قوى مقام الشهود ومن قوى مقام شهوده على مقام إيمانه فليس بمذموم فتأمل فنسأل الله تعالى أن يلطف بنا وبعلمائنا في هذا الزمان ويخرجنا منه على التوحيد إنه سميع قريب مجيب آمين (1/374)
- روى الترمذي وابن حبان في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه و سلم صعد على المنبر فنادى بصوت رفيع فقال : [ [ يامعشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تزدروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم ] ] . زاد في رواية لأبي داود : [ [ ولا تغتابوهم ] ] . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم ] ] . وفي رواية لأبي داود مرفوعا : [ [ إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نطلق أبصارنا في عيون الناس ولا نسأل قط عن تحقيق ما سمعناه في حقهم من التهم ونحفظ أسماعنا وأبصارنا عن مثل ذلك فمن شق جيب الناس شقوا جيوبه ومن كان عليه دين قديم قضاه لا محالة . وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول : والله لقد أدركنا أقواما كانت عيوبهم مستورة فبحثوا عن عيوب الناس فأظهر الله عيوبهم ورأينا أقواما ليس لهم عيوب فبحثوا عن عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوبا قال : ولقد عايرت مرة رجلا بذنب فلحقني ذلك الذنب بعد خمسة عشرة سنة . ووقع أن فقيرا عندنا في الزاوية تجسس ليلة على أخيه لسوء ظنه به فأصبح في بيت الوالي وحصل له ضرب شديد حتى كاد يموت . فإياك يأخي والتجسس على عيب أحد فإن هذا العهد قد قل العمل به في غالب الناس فلم يزل الواحد منهم يتجسس على معرفة عيوب الناس ونقائصهم ثم غاية أمره احتقار الناس وازدراؤهم ومخالفة أمر الشارع صلى الله عليه و سلم في قوله : فيحتاج العامل بهذا العهد إلى سلوك الطريق على يد شيخ مرشد حتى يصير يحترم الوجود كاملا ويعظه لكونه من شعائر الله كل شيء بما يناسبه على الوجه الشرعي وأيضا فإنه صنعة الله تعالى وصنعته كلها حسنة والقبيح إنما هو عارض عرض من حيث الصفات لا الذوات وجميع ما أمرنا الله بمعاداته إنما هو من حيث الصفات فلو أسلم اليهودي وحسن إسلامه أمرنا بمحبته فما زالت منه إلا صفة الكفر وذاته لم تتغير . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول من إكرام الله وإكرام رسول الله صلى الله عليه و سلم إكرام جميع المسلمين . { والله غفور رحيم } (1/375)
- روى الشيخان مرفوعا : إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه . وروى ابن ماجه قال ورواته ثقات مرفوعا : [ [ لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله تعالى هباءا منثورا قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم ؟ قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ] ] . وروى البزار والبيهقي مرفوعا : [ [ الطابع معلقة بقائمة عرش الله فإذا انتهكت الحرمة وعمل بالمعاصي واجترى على الله تعالى الطابع فيطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئا ] ] . وروى ابن ماجه والبيهقي مرفوعا : [ [ اتق محارم تكن أعبد الناس ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغتر بإهمال الحق تعالى وحلمه علينا إذا وقعنا في شيء من معاصيه سرا أو جهرا تعظيما لأمر الله عز و جل ومحك الصدق في تعظيم الله عز و جل أن نتأثر ونندم إذا وقعنا في المعصية سرا مثل ما نتاثر ونندم إذا وقعنا فيها جهرا على وقوعنا فيها سرا فنحن لم نبلغ في تعظيم حرمات الله حدها المشروع لنا من انه تعالى أحق أن يستحي منه . واعلم يا أخي أن كل من احتجب حال عصيانه عن غيره فليس بمحسن في سيره بل هو إلى المقت أقرب لكن من رحمة الله تعالى بنا حصول الندم منا إذا وقعنا في المعصية مع علمنا بأن جميع ما قدره الله تعالى علينا كأن لا محالة مع أن المقدر لا يقع إلا مع حجاب عن شهود أن الحق تعالى يرى ذلك العاصي ولا يمكن أن العبد يعصي على الكشف والشهود بأن الحق تعالى يراه أبدا ولو قدر أنه شهد ذلك فلا بد أن يشهد الحق تعالى غير راض عنه في تلك المعصية . ولا تصل يا أخي إلى حضرة الاستحياء من الله تعالى إلا إن سلكت على يد شيخ صادق وأدخلك لحضرة الإحسان التي فيها يعبد العبد ربه كأنه يراه ثم إنك يا أخي تستصحب هذا الشهود على الدوام حتى في حال جماعك وما دمت لم تدخل حضرة الإحسان فأنت في حضرة إبليس فلا تستبعد ياأخي وقوعك في أكبر المعاصي فضلا عن صغارها ومن هنا عصمت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعكوف قلوبهم على الدوام في حضرة الإحسان فلم يتصور منهم ذنب ولو صغيرا وجميع ما وقع من بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هو صورة ذنب وليس هو ذنب حقيقة وإنما هومباح ليعلم قومه كيف يفعلون إذا وقعوا في الذنوب وكيف يتوبون بل قال بعضهم : إن النبي يثاب على فعل المباح والمكروه ثواب الواجب من حيث تبيينه الجواز لذلك الأمر في الجملة ومن قال في الأنبياء خلاف ذلك فعليه الخروج من ذلك بين يدي الله عز و جل . فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت عدم الوقوع في انتهاك الحرمات إما لتحفظ من الوقوع وإما لتعرف كيف التنصل من ذلك الذنب والله يتولى هداك . وقد روى البزار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أنا آخذ بحجزكم أقول إياكم وجهنم إياكم والحدود إياكم وجهنم إياكم والحدود ثلاث مرات فإذا أنا تركتكم وانا فرطكم على الحوض فمن ورد أفلح . الحديث . وروى الشيخان مرفوعا : إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه (1/376)
- روى الشيخان وغيرهما : [ [ إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . والله ] ] أعلم . قلت : ويلحق الحدود في ذلك الضرب للتأديب من وصى أو ولي أو قيم أو فقيه يؤدب الأطفال فلا ينبغي مراعاة الولد في ترك التأديب بالسوط ونحوه ولا يخفى أن تأديب الطفل بالضرب لا يكون إلا بعد عدم سماعه الكلام كما أن الكلام لا يكون إلا بعد عدم سماعه بالإشارة فالضرب ثالث مرتبة . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نداهن في ترك إقامة الحدود بل نقيمها على كل من قدرنا عليه من شريف ودنئ تقديما لمرضاة الله عز و جل على مرضاتنا وهذا العهد لا يعمل به خالصا إلا من سلك الطريق على يد شيخ ناصح ومن لم يسلك فمن لازمه الإخلال به وإقامته لعلة نفسانية وأما حديث : تجافوا عن ذنب السخي فإن الله آخذ بيده كلما عثر . فالمراد به الذنب الذي لا حد فيه أو قبل أن يبلغ الحاكم . { والله غفور رحيم } (1/377)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ] ] . زاد في رواية أبي داود ولكن التوبة معروضة بعد إذ من عقل العاقل أن لا يصحب من لعنة الشارع أو الائمة خوفا أن يلحقه من اللعن جزء وسيأتي بيان المراد برفع الإيمان من أصحاب هذه الصفات في العهد بعده . وروى أبو داود وابن ماجه والترمذي مرفوعا : [ [ لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ] ] . وزاد في رواية للترمذي : وآكل ثمنها . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ لعن الله اليهود قالها ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ إذا فعلت أمتي خمسة عشر خصلة نزل بها البلاء قيل وما هن يا رسول الله ؟ قال : إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق الولد أمه وبر صديقه وجفا أقاربه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمر ولبس الحرير واتخذت المغنيات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند الله ريحا حمراء أو خسفا ومسخا ] ] . وروى الحاكم مرفوعا : [ [ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ مدمن الخمر كعابد وثن ] ] . وروى البيهقي : [ [ إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار إذا ظهر التلاعن وشربت الخمر ولبس الحرير واتخذت القينات واكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نصحب من يشرب مسكرا كالخمر والنبيذ والبوظة ؟ ؟ والحشيش أو يبيع ذلك أو يشتريه أو يعصره أو يحمله أو يأكل ثمنه وذلك هروبا من صحبة من لعنة الله تعالى أو لعنته الأئمة رضي الله عنهم إيثارا لجناب الله عز و جل اللهم إلا أن تكون صحبتهم نقصد بها تمهيد بساط التوبة لهم فهذا متعين كما عليه الدعاة إلى الله تعالى فإنهم لا يبعدون عن مستقيم ولا أعوج فإن المستقيم لا يجوز هجره والأعوج يحتاج إلى من يقوم عوجه وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام حين أنفت نفسه من مخالطة أوساط بني إسرائيل إيثارا لجناب الله عز و جل : يا داود المستقيم لا يحتاج إليك والأعوج قد أنفت نفسك عن مخالطته وتقويم عوجه فلماذا أرسلت . فتنبه داود عليه الصلاة و السلام لسر حكمة إرساله وصار يجالس العصاة ليلا نهارا ويسارقهم بالمواعظ وقد أغفل هذا الأمر خلق كثير من طلبة العلم فبعدوا عن خلطة المعوجين من ظلمة فحرموا بركة هدايتهم ولو أنهم قربوا منهم مع العفة عما بأيديهم من الدنيا وسارقوهم بالمواعظ لربما أثرت فيهم مواعظهم : وقد كاتبت يهوديا مرة من عمال المكس بكلام لين فأسلم . { والله غفور رحيم } (1/378)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يزني الزاني وهو مؤمن ] ] . قلت : معناه أنه لا يزني وهو مؤمن بأن الله يراه إذ لو كان يؤمن بذلك حال الزنا ما زنى فلا بد من حجاب للزاني عن شهود إيمانه بأن الله يراه حتى يقع وليس المراد نفي إيمانه بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ونحو ذلك فافهم . والله تعالى أعلم . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ] ] . وروى الطبراني بإسناد صحيح مرفوعا : [ [ يابغايا العرب أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية ] ] . يعني الرياء في العبادات كما صرح به الحديث : وروى الطبراني مرفوعا بإسناد فيه نظر : [ [ الزناة تشتعل فروجهم نارا ] ] . وروى البيهقي مرفوعا : [ [ الزنا يورث الفقر ] ] . يعني به الفقر الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه و سلم . وروى مسلم والنسائي والطبراني وغيرهم مرفوعا : [ [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني والعجوز الزانية ] ] . وفي رواية له أيضا : [ [ لا ينظر الله إلى الأشمط الزاني ] ] . الأشمط : من اختلط شعر رأسه الأسود بأبيض . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا فشا فيهم الزنا فأوشك إن يعمهم الله بعذاب ] ] . وروى البزار مرفوعا : [ [ إذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من أعظم من الذنب عند الله أن تزاني حليلة جارك ] ] . وروى الإمام أحمد والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه : [ [ لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من قعد على فراش مغيبة قيض الله له ثعبانا يوم القيامة ] ] . والمغيبة : هي التي غاب زوجها عنها . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى من شهوات الأكل والشرب إلا بقدر الحاجة خوفا من انتشار جوارحنا لفعل المعاصي لا سيما الفرج لا سيما بحليلة الجار ومن غاب زوجها من حيث أن الله تعالى هو خليفة الغائب في أهله وهو الحارس لهم فمن تعرض لهم بسوء كان خصمه الله ومن كان خصمه الله أكبه في النار على وجهه ومقته وأزال عنه النعم كما هو مشاهد في الزناة ومن شك فليجرب وهذا العهد قد كثرت خيانته من كثير من الناس حتى وقع أن جماعة من أكابر الناس اجتمعوا في مجلس فقال شخص منهم من سلم منكم من الزنا فليحلف لنا بالله تعالى أنه ما زنى فما تجرأ أحد منهم على الحلف واعترفوا جميعا بأنهم وقعوا في ذلك في شبابهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأصل ذلك كله تعاطي ما يثير الشهوة مع تقدير الله عز و جل . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يروض نفسه على يديه شيئا فشيئا حتى يترك الشهوات المكروهة كلها ويصير أكثر أوقاته مراقبا لله عز و جل ومشاهدا لأهل حضرته من الأنبياء والأولياء والملائكة وهناك يسرق من طباعهم الحسنة وأما من أكل الشهوات وخالط أهل الغفلة المطرودين عن حضرة الله تعالى وطلب السلامة من الزنا فقد رام المحال وقد فسد جماعة من كثرة أكل الشهوات وخلطة من لا يصلح من أولاد مصر وكسبوا بالوالي وخسروا الدنيا والآخرة . فإياك يا أخي من الشبع ولو كنت شيخا فإنه لولا أن الشيخ يقع في الزنا ما قال النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله يبغض الشيخ الزاني . فلولا وجوده لما وجد لغضب الحق نفاذ . واعلم يا أخي أننا لا نعلم ذنبا ينشأمن أكل الشهوات بعد الكفر والقتل أقبح من الزنا فإن الله تعالى قال فيه : إنه كان فاحشة ومقتا وشاء سبيلا . فنسأل الله تعالى من فضله أن يحفظنا منه وإخواننا وجميع العارفين آمين : (1/379)
- روى ابن ماجه والبزار والحاكم والبيهقي مرفوعا : [ [ ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ] ] . وفي رواية لابن ماجه مرفوعا : [ [ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إذا كثرت اللوطية رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا ] ] . وروى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ملعون من عمل عمل قوم لوط ورددها ثلاث مرات ثم لعن من أتى شيئا من البهائم مرة واحدة . وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله فذكر منهم الذي يأتي البهيمة والذي يأتي الرجال . وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي مرفوعا : [ [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ] ] . وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد جيد : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع لذلك أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي : إن هذا ذنب لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم أرى أن تحرقوه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحرق بالنار فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ثلاثة لا تقبل منهم شهادة أن لا إله إلا الله : الراكب والمركوب والراكبة والمركوبة والإمام الجائر ] ] . وروى الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لا ينظر الله عز و جل إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها ] ] . وروى أحمد والبزار ورجالهما الصحيح . هي اللوطية الصغرى يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها . وروى ابن ماجه وغيره : [ [ أن الله لا يستحي من الحق ثلاث مرات لا تأتوا النساء من أدبارهن ] ] وروى الطبراني مرفوعا ورواته ثقات : [ [ لعن الله الذين يأتون النساء في محاشهن ] ] . وفي رواية : [ [ في أستاههن ] ] . قال الحافظ عبدالعظيم : وحرق اللوطية أربعة من الصحابة : أبو بكر وعلي وعبدالله ابن الزبير وهشام بن عبدالملك وتحقيق هذه المسألة من حيث كيفية الحد فيها مقرر في كتب الفقه . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نحذر مما حذرنا الله تعالى منه ولو كنا على قدم صالحي زماننا فلا نستبعد وقوعنا في أعظم الكبائر كاللواط في آدمي أو بهيمة أو شرب بوظة أو أكل حشيشة أو نحو ذلك فإن طينة الآدمية واحدة والجائز وقوعه من أفسق الفاسقين جائز وقوعه من أصلح الصالحين وما خرج عن هذه الطينه سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعصمتهم وبعض الكمل لحفظهم وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الفقراء فيظنون بأنفسهم الحفظ وأن مثلهم لا يقع في مثل ما ذكرناه فما يمضي عليهم زمان إلا وقد وقعوا فيما حذرهم الله منه فالعاقل من خاف مما خوفه الله منه والسلام . وقد روى ابن ماجه والترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : إن أخوف ما أخاف على أمتي من عمل قوم لوط (1/380)
- روى الترمذي وقال حسن غريب مرفوعا : [ [ لا تظهر الشماتة لأخيك فيC ويبتليك ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ] ] . قال الإمام أحمد قالوا : من ذنب قد تاب منه . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا أيضا : اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والموبقات : هي المهلكات . وروى البخاري والحاكم مرفوعا : [ [ لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ] ] . وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول : من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله . وروى ابن ماجه بإسناد حسن والترمذي والبيهقي وغيرهم مرفوعا : [ [ لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق ] ] . زاد البيهقي : [ [ ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله بقتله النار ] ] . وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف بالكعبة فقال : ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك : ماله ودمه ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة مائة عام ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نشمت قط بقتل عدو المسلمين لا سيما إن قتل بغير حق وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس فيفرحون إذا قتل عدوهم من المسلمين ومن وقع له ذلك فلا بد أن يقع في مثل ذلك ويشمت فيه الناس كذلك وقد جرب أنه ما سعى أحد في قتل عدو إلا وألقى الله تعالى عليه الغم والهم حتى أنه لا يتهنى بعده بأكل ولا نوم حتى يموت بعده بقليل ولولا أن الغم ملازم للقاتل ما قال تعالى ممتنا على موسى عليه الصلاة و السلام : { وقتلت نفسا فنجيناك من الغم } . مع أن تلك النفس التي قتلها موسى كانت كافرة : أي نجيناك من الغم الذي جعلناه على كل قاتل وقد رأينا جماعة من ملوك الجراكسة سعوا في قتل عدوهم فقتلوا كلهم بعده بقليل فإياك يا أخي أن تسعى في قتل نفس أو تشمت في قتلها . { والله غفور رحيم } (1/381)
- روى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ لا يشهد أحدكم قتيلا لعله أن يكون مظلوما فيصيبه السخط ] ] . وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ] ] . قلت وخرج بقوله ظلما من قتل بسيف الشرع أو جلد في زنا لقوله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } . والله تعالى أعلم . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد حسن : [ [ من جرد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ ظهر المؤمن حمى إلا بحقه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحضر قتل إنسان أو ضربه أو معاقبته ظلما ولو كنا غير راضين هروبا من السؤال عنه يوم القيامة وهذا العهد يتعين العمل به على حمله القرآن ونحوهم من المؤمنين فلا ينبغي لأحد منهم أن يحضر مع الأطفال مواطن الظلم أو يخرج من بيته حتى ينظر من شنقه ال أو شنكلوه أو خوزقوه أو وسطوه أو خزموه في أنفه أو سمروا أذنيه في حائط أو جرسوه على ثور أو شحططوه في اذناب الخيل أو ضربوه في قطع الخليج أو عدم نقده الفلوس الجدد التي تدخل عليه ونحو ذلك فربما يكون من أرباب هذه الأمور مظلومين فيؤاخذ بعدم نصرتهم ولو أننا لم نحضرهم ربما لا نؤاخذ على ذلك . وقد أخبرني سيدي علي الخواص قال : رأيت الشيخ عز الدين المظلوم المدفون في كوم الريش بين مصر ومنية الأمير وهو مخشب هو وجماعته على جمال وهو يضحك فقلت له ايش هذه الحال ؟ فقال ما أراد أن نقدم عليه إلا هكذا قال وكان أصل هذه الواقعة أن الشيخ عز الدين قال لجماعته في أيام الغلاء يافقراء رأيت أنه ينزل علينا بلاء فمن أحب أن يشاركنا فيه فليقعد ومن أحب أن يهرب فليهرب فقال بعض الفقراء كأن الشيخ استثقل بأكلنا في هذا الغلاء فبعد أيام قلائل ضربت المناسر مصر وكان الشيخ عز الدين وجماعته يسهرون الليل في العبادة وينامون بالنهار في الزاوية في كوم الريش فجاء إنسان إلى السلطان وقال له قد عثرنا على المنسر الذي يدق المدينة فأرسل الوالي فقبض على الشيخ وجماعته وكانوا أربعين رجلا فأمر السلطان الوالي بتوسيطهم فوسطهم في الكوم فبينما الفقراء بالليل وإذا بكلب يأكل من الموسطين فزحف الشيخ واخذ جريدة وطرد الكلاب عن جماعته فأخبر الوالي بذلك فجاء يعنف الشيخ فقال له الشيخ انت وسطتنا بسيف السلطان ونحن نوسطك بسيف القدرة فأشار بالجريدة فوسط الوالي فهم الآن كلهم مدفونون في الكوم الشيخ والوالي والفقراء رضي الله عنهم (1/382)
- روى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى تهلكه كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود والرجل يأتي بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا وأنضجوا ما قذف فيها ] ] . وروى النسائي بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ] ] . روى الطبراني عن ابن مسعود : [ [ إني لأحسب الرجل ينسى العلم كما تعلمه بالخطيئة يعملها ] ] . وروى البخاري وغيره عن انس رضي الله عنه قال : [ [ إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينهم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم من الموبقات يعني المهلكات ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لو أن الله يؤاخذني وعيسى بن مريم بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا وأشار بالسبابة والتي تليها ] ] . وفي رواية : [ [ لو يؤاخذني الله وعيسى بن مريم بما جنت هاتان يعني الإبهام والتي تليها لعذبنا ثم لم يظلمنا شيئا ] ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا : [ [ لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا ] ] . وفي رواية انه من كلام ابي الدرداء . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد أن عبدالله بن مسعود قرأ : { ولو يؤآخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } . ثم قال : [ [ كاد الجعل يعذب في جحره بذنب ابن آدم ] ] . والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث بأنفها . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بارتكاب شيء من صغائر الذنوب فضلا عن كبائرها ولا بارتكاب شيء من مكروهاتها حتى خلاف الأولى منها ولا نصر على ذنب بل نتوب منه على الفور وذلك لأن ارتكاب المعاصي وما قاربها مع الإصرار يظلم به القلب حتى يصير لا يحن إلى فعل شيء فيه خير وتتفاوت الناس في مقدار ظلمة القلب بحسب مقاماتهم فربما أن بعض الناس لا يحس بظلمة القلب عند ارتكاب الكبائر دون الصغائر وربما إن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب الصغائر دون المكروهات وربما إن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب الكبائر دون الصغائر وربما أن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب الضغائر دون المكروهات وربما أن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب المكروهات دون خلاف الأولى ولكل مقام رجال فكلما صفا القلب كلما ظهر فيه الظلمة وأدركها بصر صاحبها كالحبر على الورق وكلما تكدر القلب خفي فيه الظلمة ولم يدركها بصر صاحبها كالحبر على الفحم . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح يسد عليه جميع المخارس التي يدخل منها الشيطان ويشغله بالطاعات المتوالية حتى تتراكم عليه الأنوار ويخلص من سائر الذنوب ويدخل حضرة الإحسان فهناك لا يتهاون بذنب ولو خلاف الأولى فضلا عن المكروهات فضلا عن الصغائر فضلا عن الكبائر فإن أهل كل حضرة يساعدون بعضهم بعضا بمشاهدة بعضهم أحوال بعض ومن هنا شرطوا في إتمام التوبة هجر إخوان السوء لئلا يزلزلوا توبته بمشاهدتهم لمعاصيهم وأمروا التائب أن يخالط أهل الطاعات ليشاهد طاعاتهم وينقل نفسه من المعاصي والطباع تسرق من الجليس الأفعال التي يشاهدها منه من خير وشر ولو على طول فينتقل جميع ما في ذلك الجليس لك يا أخي فالعاقل من أتى البيوت من ابوابها . { والله عليم حكيم } . وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن العبد المؤمن إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكره الله تعالى بقوله : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } ] ] . والنكتة : هي نقطة تشبه الوسخ في المرآة (1/383)
- روى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ إن الله أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا ؟ فقالوا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ] ] . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ] ] . قلت : فاعلم أنه لا ينبغي التهاون بشيء من حقوق الوالدين أبدا لاحتمال أن يؤاخذ الله تعالى به الولد كما روى الأصبهاني وغيره وقال الأصبهاني : حدث به أبو العباس الأصم إملاء بنيسابور بمشهد من الحفاظ فلم ينكروه عن العوام بن حوشب قال : نزلت مرة حيا وإلى جانب ذلك الحي مقبرة فلما كان بعد العصر انشق منها قبر فخرج منه رجل رأسه رأس حمار وجسده جسد إنسان فنهق ثلاث نهقات ثم انطبق عليه القبر فإذا عجوز تغزل شعرا أو صوفا فقالت امرأة ترى تلك العجوز فقلت ما لها فقالت هي أم صاحب هذا القبر فقلت وما كان قضيته ؟ قالت كان يشرب الخمر فإذا راح إلى أمه تقول له أمه يا بني اتق الله إلى متى تشرب هذا الخمر ؟ فيقول لها أنما أنت تنهقي كما ينهق الحمار ؟ قال فمات بعد العصر فهو ينشق عنه القبر كل يوم بعد العصر فينهق ثلاث نهقات ثم ينطبق عليه القبر . وروى النسائي والبزار مرفوعا : [ [ ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ومدمن الخمر ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون في مخالفة أغراض والدينا ولو مباحة فنفعلها لهما لأنها واجبة أو مندوبة وتجتنب كل ما يكرهونه كأنه حرام أو مكروه وذلك أن الشارع صلى الله عليه و سلم لم يذكر للعقوق ضابطا يرجع إليه وإنما ذكر لأننا لا نخالفهم فيما يطلبونه منا . ويحتاج العامل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ صادق حتى يعرفه مقام الوالدين عند الله تعالى . وقد كان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه لا يأكل مع والدته قط في إناء واحد خوفا أن يسبق بصرها إلى لحمة أو رطبة أو زبيبة أو عنبة أو تينة فيأكلها وهو لا يشعر . واعلم يا أخي أنه لا فرق في النهي عن مخالفة الوالدين والد الجسم أو والد القلب بل مخالفة والد القلب أشد لأنه ينقذه من النار أو مما يقرب من النار وأما والد الجسم فإنما كان سببا في إيجاده في أسفل المراتب فكأنه أوجده كالطينة أو كالحديدة المصدأة فلم يزل والد القلب يلطفه حتى صار كالبلور الأبيض أو كالذهب المصفى وأيضا قالوا أبو الجسم كان سببا لمجاورته للحيوانات والبهائم وأبو الروح كان سببا في مجاورته لأهل حضرة الله من الملائكة والأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : لا يقدر مريد يجازي شيخه على تعليمه أدبا واحدا في الطريق ولو خدمه ليلا نهارا إلى أن يموت . فاسلك يا أخي على يد شيخ لتعرف مقدار حق الوالدين وتجتنب عقوقهم والله يتولى هداك . وروى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ؟ ؟ (1/384)
- روى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل : أنا الله وأنا الرحمن وخلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ] ] أو قال : بتته وروى الشيخان مرفوعا : [ [ الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ] ]
وروى البخاري واللفظ له وأبو داود والترمذي وغيرهم مرفوعا : [ [ ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ] ]
وروى الترمذي وقال حسن صحيح مرفوعا : [ [ لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا ] ] . وقوله إمعة بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتحها وبالعين المهملة قال أبو عبيدة : الإمعة هو الذي لا رأي معه فهو يتابع مع كل واحد على رأيه
وروى مسلم وغيره : أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال : [ [ إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ] ] يعني الرماد الحار . قلت : وقوله صلى الله عليه و سلم : إن كنت كما تقول . فيه رائحة أن السائل لم يكن من أهل ذلك المقام فاستبعد الشارع صلى الله عليه و سلم وقوع ما قاله منه من أنه يفعله . والله أعلم
وروى الطبراني وغيره مرفوعا وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مرفوعا : [ [ أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح ] ] . ومعنى الكاشح : أي الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره يعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداة في باطنه وهو في معنى قوله صلى الله عليه و سلم : وتصل من قطعك
وروى الإمام أحمد والحاكم : أن عقبة بن عامر قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذت بيده فقلت : يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال : [ [ ياعقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك ] ] . وفي رواية البزار والطبراني : [ [ وتعفو عمن ظلمك ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ألا أدلكم على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة ؟ أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ] ] . زاد في رواية : [ [ وتصفح عمن شتمك ] ] . وفي رواية للبزار [ [ وتحلم على من جهل عليك ] ]
وروى ابن ماجه والترمذي والحاكم وغيرهم : [ [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم والخيانة والكذب ] ]
وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن مسعود : أنه كان جالسا بعد الصبح في حلقته فقال : أنشد بالله قاطع الرحم لما قام فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة دون قاطع الرحم : ومعنى مرتجة : مغلقة
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لا تنزل الملائكة على قوم فيهم قاطع رحم ] ]
وروى الأصبهاني عن عبدالله بن أبي أوفى قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ [ لا يجالسنا اليوم قاطع رحم ] ] فقام فتى من الحلقة فأتى خالته وقد كان بينهما نعض الشيء فاستغفر لها واستغفرت له ثم عاد إلى المجلس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بعدم صلة الرحم بل نصلها ولو قطعت طلبا لمرضاة الله تعالى ومصلحة لنفوسنا من حيث الأجر العظيم لمن يصل رحمه التي قطعته وكذلك لا نرافق قاطع رحم ولا نجالسه وهذا العهد لا يقوم به إلا من سلك على يد شيخ وخرج عن رعونات النفوس وصار يعامل الله في خلقه امتثالا لأمره لا لعلة أخرى وأما من لم يسلك فمن لازمه غالبا قطع رحمه إذا قطعته ولا يصلها إلا إن وصلته وتلك إنما هي متاجر ليست من أخلاق كمل المؤمنين . فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح ليوصلك إلى مقام الصدق في معاملة الله والله يتولى هداك (1/385)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ] ] . وروى الإمام أحمد والطبراني ورجاله رجال ثقات : [ [ لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بحليلة جاره ] ]
وروى البخاري ومسلم وأحمد : [ [ لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ] ] . زاد أحمد في رواية بوائقه ؟ قال : [ [ شره ] ]
وروى أبو يعلي والأصبهاني مرفوعا : [ [ إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يأمن جاره بوائقه يبيت حين يبيت وهو آمن من شره وإن المؤمن الذي نفسه في عناء والناس منه في راحة ] ]
وروى مسلم مرفوعا : [ [ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه ] ]
وروى الطبراني أن رجلا قال : يا رسول الله إني نزلت في محلة بني فلان وإن أشدهم لي أذى أقربهم لي جوارا فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر وعمر وعليا يأتون المسجد فيقومون على بابه فيصيحون : ألا إن أربعين دارا جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه . يعني شره وغائلته كما في رواية : وفي رواية أن البوائق : هي العطش والظلم
وروى أبو الشيخ مرفوعا : [ [ من أذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن حارب جاره فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله ] ] . وفي رواية للطبراني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في غزاة فقال : [ [ لا يصحبنا اليوم من آذى جاره ] ] فقال رجل من القوم : أنا بنيت في أصل حائط جاري فقال : [ [ لا تصحبنا اليوم ] ] . قال الحافظ عبدالعظيم وفيه نكارة
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ أول خصمين يوم القيامة جاران ] ]
وروى الطبراني والبزار بإسناد حسن : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكوه جاره فقال : [ [ اطرح متاعك على الطريق ] ] فطرحه فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه أي ذلك الجار فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ما لقيت من الناس قال : [ [ وما لقيت منهم ؟ ] ] قال : يلعنوني قال : [ [ قد لعنك الله قبل الناس ] ] قال : إني لا أعود فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ [ له ارفع متاعك فقد كفيت ] ]
وروى البزار والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم : أن رجلا قال : يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال : [ [ هي في النار ] ] قال يا رسول الله إن فلانةيذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال : [ [ هي في الجنة ] ] . والأثوار : جمع ثور وهي القطعة من الأقط والأقط : شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي
وروى الخرائطي مرفوعا : [ [ من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه أتدري ما حق الجار على الجار ؟ إذا استعانك فأعنه وإذا استقرضك أقرضه وإذا افتقر عد عليه وإذا مرض عدته وإذا أصابه خير هنيته وإذا أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإذا اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ] ] . قال الحافظ : ويشبه أن يكون قوله أتدري ما حق الجار إلى آخره من كلام الراوي غير مرفوع . وفي رواية للطبراني عن معاوية بن عبيدة قال : قلت يا رسول الله ما حق الجار علي ؟ قال : [ [ إن مرض عدته وإن مات شيعته وإن استقرضك أقرضته وإن أعوز سترته . ] ] وزاد في رواية في آخره : [ [ هل تفقهون ما أقول لكم ؟ لن يؤدي حق الجار إلا قليلا ممن رحم الله ] ] أو كلمة نحوها . قال الحافظ عبدالعظيم بعد أن ذكر طرق الحديث : ولا يخفي أن كثرة طرق الحديث تكسبه قوة : وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ثلاثة من الفواقد فذكر منها وجار سوء إن رأى خيرا دفنه وإن رأى شر أذاعه ] ]
وروى الطبراني وأبو يعلي ورجاله ثقات مرفوعا : [ [ من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه ] ] . وفي رواية للطبراني : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله اكسني فأعرض عنه فقال يا رسول الله اكسني فقال : [ [ أما لك جار له فضل ثوبين ] ] فقال بلى غير واحد فقال : [ [ لا يجمع الله بينك وبينه في الجنة ] ]
وروى الأصبهاني مرفوعا : [ [ كم من جار متعلق بجاره يقول يا رب سل هذا لم أغلق عني بابه ومنعني فضله ] ]
وروى ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا : [ [ خير الجيران عند الله خيرهم لجاره ] ]
وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ ثلاثة يحبهم الله فذكر منهم رجل له جار يؤذيه فصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت ] ]
وروى الشيخان مرفوعا : [ [ ما زال جبريل عليه الصلاة و السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ] ]
وروى الإمام أحمد ورواته رواة الصحيح مرفوعا : [ [ من سعادة المرء : الجار الصالح والمركب الهنئ والمسكن الواسع ] ] . زاد في رواية لابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ أربع من السعادة : المرأة الصالحة والجار الصالح ] ] . الحديث
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ إن الله عزوجل ليدفع بالرجل المسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بحق الجار ولو كان من أعدى عدو لنا بل نخالف نفوسنا ونقهرها على الإحسان إلى ذلك الجار العدو . واعلم أن مما يخفى على كثير من الناس تأدية حق الجار من الملائكة الكرام الكاتبين وكذلك حق الله عز و جل فإنه تعالى أقرب من الجار إلينا كما أشار إليه قوله تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون } . وجماع تأدية حق الله تعالى فعل ما أمر وإجتناب ما نهى وجماع حق الملائكة الكرام الكاتبين عدم عصيان الله تعالى وعدم الروائح الكريهة والكلام القبيح وغير ذلك من سائر أخلاق الشياطين فكما أن الشياطين تنفر من أخلاق الملائكة كذلك الملائكة تنفر من أخلاق الشياطين ومن تأكيد حق الجار عدم غيبته وافتقاده بالمرقة كل ليلة إذا طبخ طبيخا وفي جميع المواسم كالعيدين وأيام العشرونحو ذلك ومن حقه أيضا كسوة أولاده كلما تعروا وشراء الفواكه والحلاوات لهم ونحو ذلك ومن حقه أيضا القيام له إذا مر علينا والاهتمام بكل ما يهمه من خوف على نفس أو مال أو ولد أو صاحب ونحو ذلك : وبالجملة فمن عمل ببعض الآداب جره ذلك إلى فعل البعض الآخر . والله عليم حكيم (1/386)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه ] ] . قال الترمذي : ومعنى لا يثوى عنده لا يقيم حتى يشق على صاحب المنزل . والحرج : هو الضيق . وقال الخطابي : معناه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره . وقال الحافظ عبدالعظيم : وللعلماء في الحديث تأويلان : أحدهما أنه يعطيه ما يجوز به ويكفيه في يومه وليلته إذا اجتاز به وثلاثة أيام إذا قصده والثاني أن يعطيه ما يكفيه يوما وليلة ويستقبلهما بعد ضيافته . وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار مرفوعا : [ [ للضيف على من نزل به من الحق ثلاث فما زاد فهو صدقة وعلى الضيف أن يرتحل يرتحل لا يؤثم أهل المنزل ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقيم عند أخينا بحيث نضيق عليه إذا زرناه بل نرجع من عنده بسرعة فإن عزم علينا بالإقامة وأكد بتنا عنده عملا بقوله ثم استأذناه من بكرة النهار على الرجوع من عنده فإن عزم وأكد بتنا عنده كذلك لكن بشرط أن يغلب على ظننا الإخلاص وعدم التجمل فإن طرقنا منه رياء وحب تجمل فارقناه ولو قهرا عليه لا سيما إن كان مشهورا بالكرم في بلده والخلق يبيتون عنده كثيرا فإن هذا الزمان لا يحتمل أن أحدا يظهر فيه بالكرم في بلده ويكثر عليه الوارد ويصير يطعم الناس بطيبة نفس أبدا إنما هي تجوينات وآخر الأمر يتوارى عن الناس أو يرحل من تلك البلد وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الفقراء والفقهاء الساذجين فيزورون مريديهم وأصحابهم بعيالهم أيام النيل بمصر أو أيام الشتاء ويمكثون عند مريديهم وأصحابهم بعيالهم حتى يتمنى أنه لم يكن عزم عليهم لكثرة كلفة الطعام وضيق المكان الذي يبيتون فيه فرحم الله من زار وخفف وعمل بكلام الشارع في ذلك . فاعلم أنه ينبغي للمتورع إذا سافر بلاد الريف مثلا أن لا يبيت في دار من اشتهر بالكرم في هذا الزمان رحمة به لا سيما إن كان من أصحاب من يكرهنا فإن طعام المتكرمين داء في جسد الآكل كطعام البخيل على حد سواء وإن كان ولا بد له أن يبيت عنده فليحمل عنه عليق بهائمه ويكافئه على طعامه ولو بأن يخلع له ثوبه وقد مضى أهل المروءات الذين كانوا يعاملون الله تعالى وبقي من يطلب العوض من الناس في كل معروف أسداه إليهم فاعرف زمانك يا أخي والله يتولى هداك (1/387)
- روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن جابر أنه دخل عليه نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فقدم إليهم خبزا وخلا وقال : كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ [ نعم الإدام الخل ] ] فإنه هلاك بالرجل أن يدخل عليه النفر إخوانه أن يحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم . قال الحافظ وقوله [ نعم الإدام الخل ] في الصحيح وقوله [ إنه هلاك بالرجل . . . الخ ] لعله من كلام جابر أدرجه في الحديث وليس بمرفوع . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحتقر ما نقدمه للضيف ولا نحتقر ما قدم لنا إذا كنا ضيوفا ولو كسرة يابسة أو تمرة واحدة لا سيما في هذا الزمان الذي قل فيه الحلال حتى أنه لا يكاد يوجد شيء منه في يد شيخ من مشايخ الفقراء فضلا عن آحاد الناس ولم يكلفنا الله تعالى أن نضيف الناس بالحرام والشبهات وإنما أمرنا أن نضيفهم بالحلال . واعلم أن من علامة المتهور في أكل الشبهات أن يوجد عنده غالب الأيام الطعام واسعا يأكل منه الضيوف ويفضل عنهم ولو أنه كان تورع على طريقة القوم ما وجد شيئا يكفيه ويكفي عياله أبدا وقد أراد الفقراء المقيمون عندنا في الزاوية أن يعلموا القطع الخشب الكبار التي اشتريتها لسماط الفقراء فقالوا أي شيء نكتبه عليهم ؟ فقلت لهم اكتبوا : كبر القصع من قلة الورع . وقد بلغنا أن الحسن البصري زار عمر بن عبدالعزيز أيام خلافته فأخرج له عمر نصف رغيف ونصف خيارة وقال له كل يا حسن فإن هذا زمان لا يحتمل الحلال فيه الإسراف . وقال ميمون بن مهران : زرت الحسن البصري فدققت الباب فخرجت لي جارية خماسية فقالت من تكون ؟ فقلت لها ميمون قالت كاتب عمر بن عبدالعزيز ؟ فقلت لها نعم فقالت : وما حياتك يا شقي إلى هذا الزمان الخبيث ؟ ثم استأذنت الحسن فأذن لي فدخلت عليه فأخرج لي كسرة وشقة بطيخ وذكر لي زيارته لعمر بن عبدالعزيز وتقديمه له الكسرة والخيارة . فإذا كان هذا حال الخلفاء أمراء المؤمنين في المائة الأولى فما ظنك يا أخي بالنصف الثاني من القرن العاشر صاحب العجائب والغرائب في عدم تورع أحد من أهله ذلك التورع . فأطعم يا أخي لله تعالى بشرط الحل فإنك مسؤول عن كل لقمة تطعمها لضيوفك من أين اكتسبتها والله يتولى هداك (1/388)
- روى مسلم وغيره إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : [ [ اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ] ] . قال الحافظ عبدالعظيم : والشح مثلث الشين وهو البخل والحرص وقيل الشح الحرص على ما ليس عندك والبخل الشح بما عندك . وفي رواية لابن حبان وغيره : [ [ إياكم والشح فإنه دعا من كان قبلكم فقطعوا أرحامهم واستحلوا حرماتهم ] ] . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا ] ] . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع ] ] . ومعنى هالع : محزن والهلع أشد الفزع وقوله جبن خالع . الجبن هو شدة الخوف وعدم الإقدام ومعناه أنه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه . وروى النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا : [ [ لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ الشحيح لا يدخل الجنة ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل ] ] . والخب : بفتح الخاء هو الخداع الخبيث . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد جيد : [ [ إن الله تعالى قال لجنة عدن تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون فقال : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ خصلتان لا يجتمعان في قلب مؤمن : البخل وسوء الخلق ] ] . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل ] ] ويروي هذا الحديث مرسلا . وروى الأصبهاني مرفوعا : [ [ الجواد من أعطى حقوق الله تعالى في ماله والبخيل من منع حقوق الله وبخل على ربه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نبخل ولا نشح على أحد من المسلمين إذا سألنا شيئا ونحن في غنية عنه بل نعطيه له تخلقا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم والأئمة بعده وهذا العهد لا يعمل به إلا من سلك على يد شيخ ناصح وخلص من محبة الدنيا وشهواتها وإلا فمن لازمه البخل والشح كما عليه طائفة المتعبدين والمتفقهين الذين لم يدخلوا طريق القوم
وإيضاح ذلك أن أصل الإنسان فقير بالذات وما فتح عينه في هذا الدار إلا وهو فقير ليس له ثياب ولا له متاع فكان من شأنه أن يأخذ ولا يعطي إلى أن يموت فلما ذم الله تعالى البخل والشح أنف أهل الله عز و جل أن يقفوا في مقام يذمه الله تعالى فيه فلذلك طلبوا أن يزيل أمراضهم ويبطل موانعهم حتى يدخلوا حضرات الجود والكرم فمنهم من ظفر بشيخ ناصح أوصله إلى ذلك المقام ومنهم من لم يظفر
وكان سيدي الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول : لا بد للفقير من رمي الدنيا من يده ثم من قلبه قبل سلوك الطريق ومحال أن يقدر أحد على إدخال فقير حضرة الله عز و جل ومعه علاقة دنيوية إذ جميع أهل حضرة الله عز و جل مطهرون من محبة الدنيا وشهواتها لأنهم أنبياء وأولياء وملائكة ولا أحد من هؤلاء يحب الدنيا لغرض فاسد وإنما يحبها لله عز و جل بالإجماع وكان يقول في تفسير قوله تعالى : { وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي } . بلسان الإشارة المعروفة بين القوم يقال للولي وما تلك بيمينك أيها الولي فيقول هي دنياي أنفق منها على نفسي وأهلي وإخواني فيقال له ألقها فيلقيها فيجدها حية تسعى في هلاك قابضها فيأخذ حذره منها فإذا حذر منها يقال له { خذها ولا تخف } فكما ألقاها أولا بإذن حال بدايته فكذلك أخذها بإذن حال نهايته وهذا الأخذ الثاني متعين على كل شيخ داع إلى الله تعالى ليحمل كلفته عن المريدين ويرتفع عندهم مقامه فإن كل من احتاج إلى إنسان هان في عينه لأنه حينئذ يصير معدودا من عائلته فيقل نفع ذلك الشيخ
وسمعت سيدي محمد الشناوي رحمه الله يقول : مال المريدين حرام على الأشياخ إلا أن يتحوا [ يتحدوا ؟ ؟ ] بالشيخ فيصير مالهم معدودا عندهم من فضل شيخهم وصدقته عليهم وقد بلغنا أن نبينا من أنبياء بني إسرائيل كان فقيرا أول رسالته فكان إذا جاع وقف على أبواب بني إسرائيل يطلب منهم غداء أو عشاء فشق عليه ذلك فقال : يا رب إن خزائن رزقك ملأى لا تعجز عن غدائي وعشائي فلو أغنيتني عن بني إسرائيل ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا نبيي إذا كانت هذه الشكاية في خلقك على بني إسرائيل وأنت محتاج إليهم فكيف لو أغنيتك عنهم ؟ فتأدب وصبر حتى أغناه الله من فضله وصار بنو إسرائيل يأكلون على سماطه
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : يجب على الشيخ أن يكون كريما حمالا للأذى وإلا لم يفلح له مريد فاعلم أن الدنيا إذا خرجت من قلب مريد لا يتصور وقوعه في البخل المذموم أبدا بعد ذلك وإنما يمنع بالحكمة كما يعطى بالحكمة تخلفا بأخلاق الله تعالى فإنه تعالى سمى نفسه المانع ولم يسم نفسه بخيلا فافهم فلا ينبغي للفقير أن يعطي أحدا شيئا طلبه منه حتى ينظر حاله وماذا هو عازم عليه وعلى إنفاقه فيه ثم يعطيه بعد ذلك فإياك يا أخي أن تسيء الظن بأحد من الأشياخ إذا سألته شيئا ولم يعطه لك فإنه لم يمنعك عن بخل حاشى الأشياخ عن ذلك
فاسلك يا أخي على يد شيخ ليعلمك أدب العطاء وأدب المنع والله يتولى هداك (1/389)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ الذي يرجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه ليأكله ] ] . وفي رواية الشيخين [ [ مثل الذي يعود في هبته كمثل الكلب يقيئ ثم يعود في قيئه فيأكله ] ] . قال قتادة ولا نعلم أكل القيء إلا حراما . وروى أبو داود الترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يحل لرجل أن يعطي لأحد عطية أو يهب هبة ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده ] ] . وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا : [ [ مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب يقيئ ثم يأكل قيئه فإذا استرد الواهب فليرفق ليعرف بما استرد ثم ليدفع إليه ما وهبه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نهب أحدا شيئا ونرجع فيه أو نندم على عطية بقلوبنا وهذا العهد يقع في خيانته كثير من المتهورين الذين يعاملون غير الله تعالى من وجوه العظم فيعطي أحدهم عمامته أو جوخته مثلا لإنسان ثم لما يرى منه خللا في حقه يندم على إعطائه ذلك له وربما يسترجعه منه لا سيما إن كان في أمله أن الناس يشكرونه على ذلك فلم يشكره أحد ولا مدحه أحد على ذلك فمن الأدب إذا أعطانا أحد شيئا نعلم بالقرائن أنه يستحلي في نفسه إطلاع الناس عليه أن لا نقبله منه لأنه كالعبث بالنسبة لنفسه هو فلا نحن كافيناه بشيء ولا مدحناه على عطائه ولا أحد من الناس أعطاه شيئا عنا ولا الحق تعالى أثابه على ذلك والفقير لا ينبغي له قبول شيء إلا إن رأى المنفعة فيه للمعطي في الدنيا والآخرة فإن قبل شيئا من أحد يعلم منه عدم الإخلاص في عطيته كتب في ديوان الغاشين للأمة المحمدية وفي الحديث : من غشنا فليس منا . وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله إذا علم من إنسان أنه ما أعطاه إلا لعلة فاسدة لا يقبل منه شيئا فإذا قال له يا سيدي أنا خاطري بذلك طيب يقول له أنا خاطري بذلك ما هو طيب وكان يقول : من علامة عدم الإخلاص في العطية أن يتعدى جاره أو قريبه الأحوج منا ويعطينا فإذا قبلنا منه ذلك فقد أعناه على مخالفة السنة فإنها أمرته أن يبدأ بالقريب أو الجار الفقير ولا يصح العمل بهذا العهد إلا لمن سلك طريق القوم وخلص من محبة الدنيا وصار يتصرف بحسب المصالح الشرعية لنفسه وللمعطي وأما محب الدنيا فبعيد أن يشم من هذا المقام رائحة إنما هو يلف كل شيء أعطيه ولو علم أن المعطي تعدى جاره الفقير أو قريبه الفقير . وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول : لا ينبغي لفقير أن يقبل من أحد صدقة أو هدية إلا إن علم أنه ليس في بلده أحد أحق بها منه فإن علم أن هناك من هو أحق منه وقبل فقد خان عهد أهل الله تعالى نسأل الله اللطف . فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليعلمك معاملة الله تعالى حتى لا تعطي أحدا شيئا قط تتبعه نفسك والله يتولى هداك (1/390)
- روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ من شفع شفاعة لأحد فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا من عظيما من أبواب الكبائر ] ] . قلت : وقوله فأهدى له هدية عليها يفهم أنه كان من عادة المشفوع له الهدية قبل ذلك لصداقة أو محبة فلا حرج في قبولها لأنه حينئذ لم يهد لأجل شفاعته فيه . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقبل هدية ممن شفعنا فيه عند ظالم بل نردها عليه جزما فإن علمنا كسر خاطره بذلك قبلناها وفرقناها على محاويج المسلمين ولا نذوق منها شيئا إن كانت طعاما ولا نلبسها إن كانت تلبس ولا نشمها إن كانت تشم ولا غير ذلك وهذا العهد قد كثرت خيانته من طائفة الفقراء الذين يشفعون في الناس عند الأمراء أو الكشاف ومشايخ العرب وهو جهل وقلة دين ولا سيما هدية الفلاحين فإن تحتها ألف بلية وتأمل لولا شفاعتك ما أتاك ذلك الفلاح بشيء وكم له سنة وهو يسمع بك فلا يعطيك شيئا ثم من أقبح ما يقع فيه الشافع المحب للدنيا أنه إذا استحلى قبول الهدايا يصير يشفع لأجل ذلك فيعدم الإخلاص فيعدم الأجر في الآخرة من ثبوت الأقدام على الصراط ونحو ذلك مما ورد فلا يصير يقدر على نفسه يتجرد عن محبة العوض بل رأيت بعض الفقراء تزوج ثلاث نسوة اعتمادا على الهدايا الواصلة إليه من الناس الذين يشفع فيهم لكونه ليس له كسب شرعي ينفق على عياله منه وما كانت إلا مدة قريبة ومسكوه بمعضلة فنفرت الولاة الذين كان يشفع عندهم منه وبطلت الهدايا لبطلان الشفاعة وطلق الثلاث زوجات وصار لا يقدر على عشاء ليلة . فاسلك يا أخي على يد شيخ ليعلمك آداب الشفاعة والله يتولى هداك
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نخاصم أحدا ولا نخاطبه بلفظ فيه فحش ولا بأذى تخلقا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يكون فاحشا ولا متفحشا صلى الله عليه و سلم . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك الطريق على يد شيخ ناصح يخرجه عن رعونات النفوس ويخرج به من أدوية الجفاء إلى حضرات الرحمة والصفاء والرفق بسائر خلق الله عز و جل على الوجه الشرعي . وقد روى أهل السير : أن النبي صلى الله عليه و سلم أشرف عليه بعض اليهود من بعض الحصون وهو في غزاة فقال يا إخوان القردة فقالوا : يا محمد ما عهدناك فاحشا ولا متفحشا فطأطأ رأسه واستحيى . فاسلك يا أخي على يد شيخ وإلا فمن لازمك غالبا الفحش والبذاء وقلة الحياء شئت أم أبيت والله يتولى هداك . وقد روى ابن ماجه مرفوعا : [ [ أن الله عز و جل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام ] ] . والربقة بكسر الراء وفتحها واحدة الربق : وهي عري في حبل تشد به البهائم ويستعار لغير ذلك . والله أعلم (1/391)
- روى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد والخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ] ] . وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن أبغضكم إلى وأبعدكم مني مجلسا في الآخرة أسوأكم أخلاقا ] ] . وروى الإمام أخمد وأبو داود مرفوعا : [ [ حسن الخلق نماء وسوء الخلق شؤم ] ] . وروى الطبراني : أنه قيل : يا رسول الله ما الشؤم ؟ قال : هو سوء الخلق . وروى الطبراني والأصبهاني مرفوعا : [ [ ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه ] ] . وروى أبو داود والنسائي مرفوعا : [ [ اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسيء خلقنا على أحد من خلق الله عز و جل بغير سبب شرعي هروبا من أن نكتب في ديوان الأشرار فنحرم بركة النصح لنا ولإخواننا لأنهم ربما رأونا على فعل مذموم فأرادوا أن ينصحونا فيتذكروا سوء خلقنا فيسكتون علينا ولو أن كنا مطهرين من سوء الخلق لقدموا على نصحنا وهذا العهد يتعين العمل به على كل من طلب الدرجات العلى في الدنيا والآخرة قال تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } . فما فرحوا بالإمامة إلا بعد صبرهم على مخالفة هوى نفوسهم المذمومة فافهم . وقد قدمنا أن الإمام عمر بن الخطاب قال لأصحابه يوما ماذا تصنعون بي إذا اعوججت ؟ قالوا نعلو هامتك بالسيف ففرح وقال هكذا كونوا . فيحتاج كل من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح يهذب أخلاقه حتى لا يبقى عنده شيء من الجفاء والفحش ويصير يحب كل من نصحه ويشكره سرا وجهرا ولا يرى أنه قام بجزاء ومن لم يسلك كما ذكرنا على يد شيخ فمن لازمه الرعونات وسوء الخلق وخبث الطوية . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . وقد روى الطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ من أراد الله به سوءا منحه خلقا سيئا ] ] (1/392)
- روى أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال : [ [ لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا ] ] . قلت : وفي حديث أنس أنه قال لم يكن أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنا لا نقوم له إذا مر علينا لما نعلم منه من كراهيته لذلك . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نستعبد أحدا من إخواننا المسلمين ولا نتميز عنهم إلا بما أذن لنا فيه الشارع صلى الله عليه و سلم فلا نمكن أحدا من إخواننا من القيام لنا إذا مررنا عليه وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الفقراء إما لسذاجة قلوبهم وإما لجهلهم بما أومأنا إليه وإن قال هؤلاء لا حرج علينا في استخدام المريد واستعبادنا له لأن المريد مأمور بتعظيم شيخه قلنا لهم إنما التعظيم للأشياخ بعدم مخالفتهم لما يأمرونه به وأما القيام لهم مع مخالفة إشاراتهم فلا فائدة فيه وأول من أحدث هذا القيام بين يدي الأشياخ فقراء العجم فربما يقف المريد بين يدي أحدهم نحو الثلاثين درجة لا يقولون له أجلس وكل ذلك ليس من نظام الفقراء إنما هو من نظام الملوك وأرباب الدولة وفي الحديث : لا تقوموا على رؤوس أئمتكم كما تقوم الأعاجم على رؤوس ملوكها رواه الديلمي . وقد أدركنا نحو مائة شيخ من أولياء مصر وقراها فما رأينا بحمد الله أحدا منهم يمكن مريده من القيام له بل يظهرون له الكراهة هروبا من مزاحمة أوصاف الربوبية رضي الله عنهم أجمعين . { فبهداهم اقتده } والله يتولى هداك . وقد روى أبو داود مرفوعا والترمذي بإسناد صحيح وحسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار . قال الجلال السيوطي وهو حديث متواتر (1/393)
- روى أبو يعلي بإسناد صحيح : [ [ تسليم الرجل بإصبع واحد يشير بها فعل اليهود ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون برد السلام من غير لفظ بل نتلفظ به حتى نسمع من سلم علينا إلا أن يكون بعيدا منا فترد بالإشارة باليد أو بالرأس مع اللفظ وهذا العهد قد غلب على أرباب الدولة الإخلال بالعمل به فلا تكاد تسمع من أحدهم لفظ السلام وإنما يسلمون ويردون بالإشارة بالرأس بل بعضهم يركع جملة واحدة . وأعلم أن السلام أمان فكان المسلم يؤمن أخاه بقوله السلام عليكم ويؤمنه الآخر بقوله وعليكم السلام وأصل مشروعية السلام إنما هو على الذين يخافون من بعضهم بعضا ويتسلطون على بعضهم بالقتل وأخذ المال وإفساد الحريم ونحو ذلك وأما نحو الملوك فهم في أمان من آحاد الرعية وقولنا لهم السلام عليكم معناه أنتم في أمان منا أن نخالف أمركم ونخرج عن طاعتكم وكذلك السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم معناه أنت في أمان منا يا رسول الله أن نخالف شريعتك فيحصل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم طمأنينة القلب على ذلك الذي سلم عليه أن يقع في معصية الله عز و جل وذلك لكمال وفور شفقته صلى الله عليه و سلم على أمته وكذلك يحصل للملوك ومن والاهم طمأنينة القلب بانقياد رعيتهم لهم وعدم الخروج عليهم هذا أصل مشروعيته وقد فهم هذا الذي ذكرناه ومشروعيته بعض حاشية الملوك فجعلوا التحية بانخفاض الرؤوس وانحناء الظهور وقالوا الملوك في أمان من مثلنا أن نؤذيهم حتى نؤمنهم وما فهموا كمال الأمر ولا السر الذي ذكرناه . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : إذا مررت على عدوك فسلم عليه واجهر به جهرا قويا حتى إنك تكاد تشق قلبه بالصوت ولكن بشرط أن تعلم منه أن يرد عليك السلام فإن لم تعلم أن يرد عليك لغلبة النفس عليه فارحمه بعدم السلام لئلا تعرضه للمعصية بعدم رده السلام . قلت : وهذا هو الذي شرطه الشيخ هو مذهب بعضهم والراجح من مذهب الشافعي استحباب السلام مطلقا لحديث أبي داود وغيره مرفوعا : لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد السلام فقد باء بالإثم وخرج المسلم عن الهجر . والله أعلم . فاعمل يا أخي بالسنة فإن الخير كله فيها والله يتولى هداك . وقد روى الترمذي والطبراني مرفوعا : [ [ ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود بالإشارة بالأصابع وإن تسليم النصارى بالأكف ] ] (1/394)
- روى مسلم وأبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ] ] . وروى الشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا : [ [ إذا سلم عليكم أهل الكتاب قولوا وعليكم ] ] . وسيأتي بسط ذلك في قسم الترغيب في السلام وقوله صلى الله عليه و سلم لعائشة رضي الله عنها : السام هو الموت . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسلم على كافر ولا نكلمه بكلام فيه تفخيم إلا لضرورة شرعية مع ؟ ؟ عدم ميل قلبنا إليه بالمحبة وهذا العهد يقع في خيانته خلق كثير ممن يقبل من الكفار برهم وحسنتهم أو يتطبب بهم ويحصل له الشفاء من الله تعالى أيام تطببه أو يصبر عليه بالخراج إن كان مباشرا تحت أيدي الظلمة فيحكم على ذلك الفقير أو المريض أو الفلاح الميل إلى ذلك الكافر قهرا عليه فيعسر عليه معاداته بالقلب كما أمره الله تعالى ويودهم ؟ ؟ فيصير عاصيا بذلك لأوامر الله عز و جل في نحو قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }
وانظر كيف بين الله تعالى لنا عداوة الكفار حتى لا يبقى لنا عذر في مودتهم لعلمه تعالى بأن فينا من لا يغار لله تعالى ولا يعادي من عاداه الله تعالى إجلالا منا لله تعالى فأخبرنا تعالى أنهم أعداء لنا كذلك تحريضا لنا على عدم مواددتهم من كل وجه ولو علم تعالى منا كمال الإيمان والمحبة له وأننا نترك موادة الكفار إذا خالفوا أمر الله وحده دوننا لما أخبرنا بمعاداتهم لنا فافهم وإياكم والاعتراض على من رأيته يفخم الكفار ببادي الرأي بل تربص في ذلك فربما يكون له عذر شرعي في ذلك من خوف أذاه ونحوه كتمييل قلبه لأهل الإسلام أو الإسلام وأقم العذر لإخواننا المسلمين فإنهم لم يعظموا اليهود والنصارى إلا بعد تقريب الولاة لهم وجعلهم صيارف ومكاسين وحاكمين على تجاربنا وعلمائنا ومشايخنا في جميع ما يأتيهم من الأنواع التي عليها عادة فتصير أحمال الواحد منا مطروحة على شاطئ البحر مثلا لا يقدر على تخليصها حتى يأتي المعلم ويفرج عنا فطاعتنا لهم وتحسيننا لهم الألفاظ إنما هي حقيقة أدب مع الولاة اللذين ولوهم فاعرف زمانك يا أخي
وقد كاتبت مرة يهوديا وقلت في مكاتبتي : وأسأل الله تعالى أن يدخل المعلم الجنة من غير عذاب يسبق فأنكر على بعض الفقهاء وأجاب عني فقيه آخر بأن ذلك في غاية الصواب لأنه لا يدخل الجنة حتى يسلم فطوينا له وقوع الإسلام قبل دخول الجنة لئلا تنفر نفسه من قولنا له حال محبته الكفر اللهم اجعل المعلم يسلم فإن قلنا له ذلك يؤذيه كما يؤذينا قوله هو لنا اللهم اجعل فلانا يموت يهوديا قال تعالى : { وكذلك زينا لكل أمة عملهم }
وقد حكى القشيري عن معروف الكرخي نحو ما قلناه لما مر عليه جماعة في زورق في دجلة بغداد ومعهم لهو وطرب وخمر يشربونه فقال الناس له ادع الله عليهم كما تجاهروا بمعاصي الله تعالى فقال معروف ابسطوا أيديكم وقولوا معي اللهم كما فرحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة فقال الناس إنما سألناك يا سيدي أن تدعوا عليهم فقال كان من أخلاقه صلى الله عليه و سلم إذا سئل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه ودعا له ولا يفرح الله تعالى هؤلاء في الآخرة إلا إن تاب عليهم في الدنيا فانظر كيف طوى لهم رضي الله عنه في هذا الدعاء التوبة . قال شيخنا شيخ الإسلام زكريا في شرح رسالة القشيري وهذا من حسن سياسة معروف رضي الله عنه فاعلم ذلك والله يتولى هداك (1/395)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا ؟ ؟ عينيه ] ] . وفي رواية للنسائي مرفوعا : [ [ من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا ؟ ؟ عينيه فلا دية ولا قصاص ] ] . وروى الإمام أحمد والترمذي مرفوعا : [ [ أيما رجل كشف سترا فأدخل بصره قبل أن يؤذن له فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه ولو أن رجلا فقأ عينه فقد أهدرت ولو أن رجلا مر على باب لا ستر له فرأى عورة أهله فلا خطيئة عليه إن الخطيئة على أهل المنزل . وروى الطبراني ورواته ثقات : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الاستئذان في البيوت فقال من دخلت عينه قبل أن يستأذن ويسلم فلا إذن له وقد عصى ربه . وروى الشيخان وغيرهما : أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه و سلم فقام إليه النبي صلى الله عليه و سلم بمشقص أو بمشاقص كأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه والمشقص : سهم له نصل عريض . وفي رواية للشيخين وغيرهما : إن رجلا اطلع على النبي صلى الله عليه و سلم من حجر في حجرة النبي صلى الله عليه و سلم ومع النبي صلى الله عليه و سلم مدراة يحك بها رأسه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لو علمت أنك تنظر لطعنتك بها في عينيك إنما جعل الاستئذان من أجل النظر . وروى أبو داود وغيره مرفوعا : ثلاثة لا يحل لأحد أن يفعلهن فذكر منهن : ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لا تأتوا البيوت من أبوابها ولكن ائتوها من جوانبها واستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا ] ] . [ أي لا تأتوا البيوت مستقبلين أبوابها بحيث ترون من بداخلها ولكن ائتوها من جوانبها بحيث لا يكشف بصركم داخلها . دار الحديث ] والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بإطلاق بصرنا في دار أحد من إخواننا من خلل بابه أو من طاقة تشرف عليه وفاء بحقه ولو لم يتأثر هو بذلك
وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : لا نقصر في حق أخيك اعتمادا على مروءته وهذا الأمر قد كثرت الخيانة فيه من فقراء الأحمدية والبراهنية ؟ ؟ ونحوهم كفقراء الزوايا المقابل شباكها لطيقان بيوت الربوع فيجلس الفقير في الشباك بنية القراءة والنظر للناس فلا يزال به أبو مرة حتى يصير يسارق المرأة المتبرجة بالنظر وهي في الطاقة ثم يصير يقصدها بالنظر المحقق ثم لا يزال إبليس يؤلف بينهما في الحرام حتى تميل المرأة إليه فربما طلع لها في غيبة زوجها فراقبهم الجيران وأعلموا جماعة الوالي فقبضوا عليهم وأدخلوهم بيت الوالي وغرموا جملة فلوس
فإياك يا أخي من الجلوس في شبابيك الجامع أو الجلوس على بابه ثم إياك وكذلك لا ينبغي لفقير أن يتهاون برؤية امرأة أخيه إذا دخل بيته في عزومة فتخرج امرأة أخيه مسفرة وجهها عليه ويرى زوجها أن ذلك من طريق الفقراء ولا يخفى أن طريق الفقراء محررة على الكتاب والسنة قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } . وذلك لعدم العصمة فإن النهي لا يقع في محل إلا مع صحة وقوع ذلك المحل فيه ولو أنه كان معصوما من الوقوع لم احتاج إلى النهي فافهم لكن جوز بعض العلماء الخلوة للولي بالولية الأجنبية كرابعة العدوية وسفيان الثوري نظرا إلى المعنى الذي حرم النظر لأجله والخلوة لأجله وهو مذهب فيه ترخيص كترخيص من جوز شرب قليل النبيذ الذي لا يسكر نظرا لانتفاء العلة التي حرم الشرب لأجلها وهو الإسكار
والحق أن مذهب الفقراء وغالب الأئمة إنما هو مبني على الاحتياط والتشديد في الدين لكونهم عمدة أهل الإسلام فإذا فعلوا شيئا تبعهم عوام الناس على ذلك مع عدم شهودهم منازعهم فيها فيهلكون الناس
وقد كان الشيخ العارف بالله تعالى أبو بكر الحديدي إذا رأى أحدا من الأولياء الذين يتبرك الناس بدعائهم ورقيتهم يضع يده على محل الوجع من الأجنبية يصيح به ارفع يدك وارقها باللسان هل أنت معصوم ؟ رضي الله عنه
وقد أخبرني الشيخ شرف الدين الحطابي المدرس في زاوية سيدي عثمان الحطابي أن زوجة الشيخ الحافظ عثمان الديمي كانت تخرج سافرة الوجه على سيدي عثمان الحطابي وكذلك زوجة الآخر مع الآخر ويأتي كل واحد منهما إلى دار الآخر فيختلي بزوجة الآخر وتخرج له ما يأكل وما يشرب في غيبة الآخر مثل ما نقل عن رابعة العدوية وسفيان الثوري ولكل رجال مشهد والمشي على ظاهر الشريعة أحوط . { والله غفور رحيم } (1/396)
- روى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة ] ] . والآنك بالمد وضم النون : هو الرصاص المذاب . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نستمع لحديث قوم وهم لنا كارهون ولا نفتقر معرفتنا لكراهتهم إلى لفظ يقع منهم بل تكفى القرينة التي طرقت قلوبنا منهم وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس تهاونا به وهو دليل على قلة الدين فإنه لولا عظمة ذلك الذنب ما نهى الله ورسوله عنه ولا قال تعالى : { ولا تجسسوا } فافهم . فإن علامة تعظيم العبد لله تعالى تعظيم ما عظمه الله واعتنى به تعالى بالنهي عنه . فإياك يا أخي أن تتجسس على أخبار أحد من أعدائك وما جرى له بل أعرض من أحواله جمله أو اسأل عنها لتتوجع له أو لتحمل همه والله يتولى هداك (1/397)
- روى الإمام أحمد عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : فكرت في قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الغضب ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله . وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه : أن ابن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يباعدني من غضب الله عز و جل قال لا تغضب . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ إن بني آدم خلقوا على طبقات ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ألا وإن منهم سريع الغضب بطئ الفيء ألا وخيرهم بطئ الغضب سريع الرجوع وشرهم سريع الغضب بطئ الرجوع ] ] . وروى البخاري تعليقا : من صبر عند غضبه وعفا عند الإساءة عصمه الله وخضع له عدوه . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من دفع غضبه دفع الله عنه عذابه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك رياضة نفوسنا أبدا هروبا من وقوعها في سرعة الغضب بغير حق حمية جاهلية . فيتعين على كل من ولاه الله تعالى ولاية أن يروض نفسه على يد شيخ ناصح وليصير سداه ولحمته الحلم على رعيته إلا في مواضع أمره الشارع فيها بعدم الحلم وكإقامته الحدود الشرعية على أربابها ونحو ذلك فمن راض نفسه كما ذكرنا قل غضبه على زوجته وصاحبه وصار لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله عز و جل لا غير وقد درجت الأئمة وجميع مشايخ الصوفية على العمل على عدم الغضب جهدهم فإن الغضب بئس الصفة لا سيما في حق من كثر دعائه إلى الله تعالى فإن حكم غضبه على تلامذته حكم غضب راعي الغنم إذا غضب على غنمه من شدة شتاتهم وتركهم في البرية للذئب والسبع بعد أن كان تعب فيهم من حين كانوا يرضعون اللبن وذلك معدود بيقين من سخافة العقل . فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح يخرجك عن رعونات النفوس ويلطف كثائفك حتى تكاد تلحق بالملائكة لتصير تتحمل من رعيتك جميع الصفات المخالفة لأغراضك ولا تتأثر والله يتولى هداك . وقد روى البخاري : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : أوصني . قال : لا تغضب . فردد مرارا قال : لا تغضب (1/398)
- وقد روى البخاري ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي مرفوعا : [ [ لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ] ] ورواه الطبراني وزاد فيه [ [ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة ] ] . وفي رواية للشيخين وغيرهما مرفوعا : [ [ وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ] ] . قال الإمام مالك رحمه الله : ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم عنه ؟ ؟ بوجهه
روى أبو داود والنسائي مرفوعا : [ [ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ] ] . وفي رواية لأبي داود مرفوعا : [ [ لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة ] ] . وفي رواية لأبي داود مرفوعا : [ [ لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة أيام فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بالإثم ] ] . زاد في رواية للإمام أحمد [ [ فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا أبدا ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه : [ [ فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة ] ] . وفي رواية لابن أبي شيبة : [ [ وأيهما بدأ صاحبه بالسلام كفرت ذنوبه فإن هو سلم فلم يرد عليه السلام ولم يقبل سلامه رد عليه الملك ورد على ذلك الشيطان ] ] . وروى أبو داود والبيهقي مرفوعا : [ [ من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ إن الشيطان قد يئس أن يعبد المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم . قال الشيخ عبدالعظيم : والتحريش هو الإغراء وتغيير القلوب والتقاطع . وروى مالك ومسلم مرفوعا : [ [ تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا ] ] . قال أبو داود وإذا كانت الهجرة لله تعالى فليس شيء من هذا فإن النبي صلى الله عليه و سلم هجر بعض نسائه أربعين صباحا وهجر ابن عمر ابنا له حتى مات . قلت : وكان سيدي الشيخ عبدالعزيز الديريني يقول : لا يليق الهجر بأمثالنا الغارقين في حظوظ نفوسهم وإنما يليق الهجر بالعلماء بالله الغواصين على دسائس النفوس . وروى البيهقي وغيره مرفوعا ومرسلا : [ [ يطلع الله على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن ] ] . قلت : وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : ينبغي للشيخ إذا أصلح بين فقيرين ولم يسمعا له أن يهجرهما جميعا كما هجرهما الله تعالى ومنع صعود عملهما إلى ديوان السماء . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نشاجر أحدا من المسلمين ولا نهجره ولا ندابره إلا بوجه شرعي
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى طول مجاهدة وسلوك على يد شيخ ناصح ليخرج به من حضرات رعونات النفوس ويدخل به إلى حضرات الصفاء ومحبة كل من علم أن يحب الله ورسوله وقليل من الناس من يصير على طول المجاهدة المذكورة وما نهانا الشارع عن هذه الأمور إلا شفقة علينا ومحبة لنا خوف أن ينزل علينا البلاء الذي لا مرد له وتندرس معالم الشريعة بذلك ولو لم يكن إلا أن من ارتكب شيئا من هذه الأمور لا يرفع له إلى السماء عمل لكان فيه كفاية فإن الشارع ألحق أعمالنا بأعمال الكفار في عدم رفعها ما دمنا متشاحنين وقد عم هذا البلاء غالب الخلق حتى بعض العلماء ومشايخ الزوايا وصار أحدهم لا يحب لأخيه خيرا ويشمت به إذا نزل به مصيبة وصرت إذا سألت أحدهم عن الأخر يقول بئس من ذكرت خلونا بلا غيبة تعريضا لما فيه من النقائص وصار أحدهم إذا قام أخوه يأمره بالمعروف يخذل عليه ويحمله على الرياء وحب السمعة حتى اضمحل غالب أركان الشريعة وقواعدها وما هكذا أدركنا المشايخ ولا العلماء فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله إنا قد استحققنا الخسف بنا لولا عفو الله تعالى وحلمه وإذا كان المريدون والعوام الذين غلبت عليهم رعونات النفوس يقبح عليهم مشاحنة مسلم فكيف بالعلماء ومشايخ الطريق ؟ ولكن سبب ذلك كله عدم فطامة هؤلاء المشايخ على يد أشياخهم ولو أنهم سلكوا الطريق لأكرموا عباد الله بمحبتهم لله ولرسوله وتحملوا أذاهم لله ولرسوله كما قالوا في المثل : لعين تجازي ألف عين وتكرم فوالله إن عظمة الله ورسوله خرجت من كل مشاحن
فاعلم أن من الواجب على كل من يدعي أنه يحب الله ورسوله أن يعفو ويصفح عن جميع هذه الأمة المحمدية ولو فعلوا معه من الأذى ما فعلوا إكراما لمن هم عبيده سبحانه وتعالى ولمن هم أمته صلى الله عليه و سلم
وقد ذكرنا في عهود البحر المورود أن من الواجب على المريد إكرام كل من كان شيخه وموالاته وأن من كره أحدا من جماعة شيخه بغير طريق شرعي فهو كاذب في دعواه صحة الأخذ عنه وذلك دليل على تمكن المقت منه ولو أنهم صح لهم الأخذ عن شيخهم لأحبوا كل من كان شيخهم يحبه وما رأيت أحدا على هذا القدم في عصرنا هذا سوى سيدي محمد الشناوي والشيخ سليمان الخضيري رأيتهما إذا رأيا أحدا ممن يحب شيخهما يرفرفان عليه بقلوبهما ويكرمانه أشد الإكرام فBهما
فاعلم ذلك يا أخي والله يتولى هداك (1/399)
- روى مالك والشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ ما كفر رجل رجلا إلا باء بها أحدهما إن كان كافرا وإلا كفر بتكفيره ] ] . وروى البزار مرفوعا ورواته ثقات : [ [ إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كمثله ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بحصائد ألسنتنا كقولنا في حال غضب على مسلم يا كافر يا قليل الدين يا عديم الدين ونحو ذلك مع جهلنا بعاقبته فإن أطلعنا الله تعالى من طريق الكشف الصحيح الذي لا يدخله محو على أن ذلك المسلم يموت كافرا أو قليل الدين أو عديمه فلنا ذلك وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس حال غضبهم اللهم إلا أن يكون القائل لذلك يقصد به كفر النعمة أو الكفر الذي لا يخرج به المسلم عن دين الإسلام المشار إليه بقوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . قال قتادة ومجاهد وغيرهما هو كفر لا يخرج به المسلم عن الإسلام ونظير ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : [ [ المراء في القرآن كفر ] ] . يعني التشكيك فيه فيأتي المرائي لمن يفهم من القرآن أمرا يجزم به فيدخل عليه الشبهة حتى يشككه فيه ويخرجه عن الجزم به . واعلم أنه لا ينبغي لولد الصلب أو ولد القلب أن يستسعي [ أي أن يسعى لرفع الحد عليه لكونه اتهمه بالكفر . دار الحديث ] على والده المذكور إذا سبق لسانه بقوله يا كافر يا نصراني يا يهودي يا مشرك بالله يا مراق الدم ونحو ذلك فإن مراد والده بذلك تعظيم الأمر الذي خالفه فيه وتغليظه عليه وتقبيحه في عينه لا غير بدليل أنه إذا وقع في معصية وأرادوا أن يقتلوه أو يضربوه لا يهون عليه مع أن كل هذه الأمور تحتمل التأويل فإن الكفر هو الستر ولا بد أن يستر ذلك الشخص عن الناس أمرا ما والنصراني الذي ينصر غيره في أمر واليهودي المائل إلى دينه الراجع إليه والمشرك بالله المشرك به في وجود أو فعل أو ملك والمراق الدم الذي يفصد أو يحجم ونحو ذلك فاعلم ذلك (1/400)
- روى الشيخان وغيرهما : [ [ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ المستبان شيطانان يتغامزان ويتكاذبان ] ] . وروى أبو داود وغيره مرفوعا متصلا : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لجابر ابن سليم : لا تسبن أحدا قال جابر : فما سببت بعد ذلك حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة . وروى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ] ] . وروى البخاري وغيره مرفوعا : [ [ لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ] ] . وفي رواية للحاكم مرفوعا : [ [ لا يجتمع أن يكونوا لعانين صديقين ] ] . قال ذلك لأبي بكر حين لعن بعض رقيقه . وروى الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع قال : كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أنه قد أتى بابا من الكبائر . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ إن العبد إذا لعن شيئا فإن كان أهلا بتلك اللعنة وإلا رجعت إلى قائلها ] ] . وروي مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع امرأة من الأنصار في بعض أسفاره تلعن ناقتها حين ضجرت فقال صلى الله عليه و سلم : خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة . قال عمران بن حصين فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما تعرض لها أحد . وروى أبو يعلي وابن أبي الدنيا : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يلعن بعيره فقال صلى الله عليه و سلم يا عبدالله لا تسر معنا على بعير ملعون . وروى النسائي مرفوعا : [ [ لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة ] ] . وفي رواية للطبراني : أن ديكا صرخ عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فسبه رجل فقال لا تلعنه ولا تسبه فإنه يدعو للصلاة . وروى أبو يعلي وغيره : إن رجلا لدغته برغوث فلعنها فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الأنبياء إلى الصلاة . وفي رواية للبزار ورجاله رجال الصحيح : [ [ لا تسبه - يعني البرغوث - فإنه أيقظ نبيا من الأنبياء لصلاة الصبح ] ] . وروى الطبراني : أن البراغيث ذكرت عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إنها توقظ للصلاة . وفي رواية له عن علي رضي الله قال : نزلنا منزلا فآذتنا البراغيث فسببناها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تسبوها فنعمت الدابة فإنها أيقظتكم لذكر الله عز و جل . وروى أبو داود والترمذي وابن حبان : أن رجلا لعن الريح عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ لا تلعن الريح فإنها مأمورة من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسب آدميا ولا بهيمة ولا غيرهما من المخلوقات ولا نلعنهما إلا بلعنة الله تعالى كلعنتنا إبليس إذا تراءى لنا مثلا وذكر اسمه كلعن من عمل عمل قوم لوط وغير حدود الأرض أو ذبح لغير الله أو كان اللعن لغير معين كقولنا لعن الله اليهود ونحو ذلك ويجب على كل مسلم أن يعود لسانه الكلام الصدق والحسن دون الكذب والقبيح . وقد بلغنا أن عيسى عليه الصلاة و السلام مر على خنزير فقال ما معناه أنعم صباحا فقيل له في ذلك فقال إنما فعلت ذلك لأعود لساني الكلام الحسن . ويحتاج العامل بهذا العهد إلى رياضة تامة على يد شيخ حتى يمحق من نفسه الرعونات ويخلقه بالأخلاق الحسنة وإلا فلا يشم من العمل بهذا العهد رائحة . { والله غفور رحيم } (1/401)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منهن وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة رمي المحصنة ] ] . وروى الطبراني بإسناد جيد مرفوعا : [ [ من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله تعالى في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ] ] . قلت : في هذا الحديث تصريح بأن أحكام الدار الآخرة فد تخالف الحكم الشرعي في دار الدنيا وإلا فقد صرحت الأحاديث بتحريم الغيبة والنميمة وإن كان صاحبها محقا . والله أعلم . وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد عن عمرو بن العاص أنه زار عمة له فدعت بطعام فأبطأت الجارية فقالت ألا تستعجلين يا زانية ؟ فقال عمرو سبحان الله لقد قلت عظيما هل اطلعت منها على زنا ؟ قالت : لا والله فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ [ أيما عبد أو امرأة قال أو قالت لوليدتها يا زانية ولم تطلع منها على زنا جلدتها وليدتها يوم القيامة لأنه لأحد لهن في الدنيا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نطلق ألسنتنا بألفاظ تفهم القذف لأحد من المسلمين فضلا عن القذف الصريح وإن وقع أننا وقعنا في ذلك سلمنا نفوسنا للمقذوف يتصرف فيها كيف يشاء ولا نتشفع عنده بأحد من الأكابر أو من أصحابه ليسامحنا بترك الحد ولو كان من أرقائنا وهذا العهد يخل به كثير من الناس فيقع أحدهم في عرض أخيه المسلم بحسب إشاعة الناس الذين لا يتورعون في منطق ويقولون فلان كلب فلان فاسق فلان لوطي فلان يشرب الخمر فلان زان فلان يبلع الحشيش فلان علق فلانة تحبه ونحو ذلك ولا رآه قط على فاحشة من هذه الفواحش ولا أقيمت عند الحاكم بذلك بينة عادلة وهذا كله من عدم خوف من وقع في ذلك على دينه . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح حتى يخرق بصره إلى الدار الآخرة ويطابق بينها وبين هذه الدار وينظر ما يمشي عند الله هناك فيفعله هنا وما لا يمشي هناك فيتركه هنا ومن لم يسلك كما ذكرنا فمن لازمه أن لا يشم شيئا من رائحة التورع عن الوقوع في أعراض المسلمين . والله عليم حكيم (1/402)
- روى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لا عبا ولا جادا ] ] . وروى الطبراني والبزار وغيرهما : أن رجلا أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ [ لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم ] ] . وروى الطبراني أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه و سلم فقام ونسي نعليه فأخذهما رجل فوضعهما تحته فرجع الرجل فقال نعلي فقال القوم ما رأيناهما فقال الرجل هودة ؟ ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ [ فكيف بروعة المؤمن مرتين أو ثلاثا ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من أخاف مؤمنا كان حقا على الله أن لا يؤمنه من فزع يوم القيامة ] ] . وفي رواية له أيضا : [ [ من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله تعالى يوم القيامة ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار ] ] . ومعنى ينزع : يرمي وأصل النزع الطعن والفساد . وروى مسلم مرفوعا : [ [ من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ] ] . وفي رواية لهما أيضا : [ [ إن المسلمين إذا حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على حرف جهنم فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال إنه أراد قتل صاحبه ] ] . وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ] ] . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نروع مسلما ولا نشير إليه بسلاح ونحوه لا جادين ولا مازحين لا سيما الأطفال إذا طلبنا أننا نخوفهم ليناموا في الليل مثلا أو يسكتوا عن الصياح خوفناهم بتغليظ الصوت أو البعوة ؟ ؟ كقولنا اسكت البعوة جاءت ونعني بها قيام الساعة لأن كل عاقل يخاف من مجيئها وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس ويقولون إنما نلعب فيقال لهم تلعبون بشيء نهى عنه الشارع صلى الله عليه و سلم واعتنى بالنهي عنه واعلم أن من أقبح الأمور أن يخاصم الرجل أخاه ثم يصير يخيفه بشكواه من بيوت الحكام وربما حلف أنه لا بد أن يشتكيه للمفتش مثلا أو للقاضي أو للوالي وربما كان المخاف ضعيف القلب لا عادة له بدخول بيوت الحكام فيرى سلب ما له أهون عليه من الحكام والوقوف بين أيديهم . فالزم يا أخي حرمة المسلمين كما أمرك الشارع ولا تتهاون وتقول إنما أنا ألعب وليس مقصودي شكوى حقيقة فإنه سوء أدب عظيم فإياك ثم إياك من ذلك والله يتولى هداك . وقد روى أبو داود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا سائرين مع النبي صلى الله عليه و سلم فقام رجل منهم فانطلق إلى رجل معه جمل فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ] ] . وفي رواية للطبراني أن رجلا كان مسافرا مع النبي صلى الله عليه و سلم فخفق على راحلته فانتزع رجل سهما من كنانته فانتبه فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ [ لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ] ] ومعنى خفق : نعس (1/403)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ قال الله تعالى : يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار . وفي رواية : [ [ أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما ] ] . وفي رواية لمسلم : [ [ لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ] ] . وفي رواية للبخاري : [ [ لا تسم العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر ] ] . وفي رواية لأبي داود والحاكم وغيرهما مرفوعا : [ [ قال الله عز و جل : يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره ] ] . وروى الحاكم والبيهقي مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل استقرضت من عبدي فلم يقرضني وشتمني عبدي وهو لا يدري يقول : وادهراه وادهراه وأنا الدهر ] ] . وفي رواية للبيهقي : [ [ لا تسبوا الدهر قال الله عز و جل أنا الدهر الأيام والليالي أجددهما وأبليهما وآتى بملوك بعد ملوك ] ] . وقوله أنا الدهر ضبطه الجمهور بضم الراء . وكان أبو داود ينكر ضم الراء ويقول لو كان كذلك لكان اسما من أسماء الله تعالى وكان يقول إنما هو بفتح الراء على الظرف ومعناه أنا أطول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار ورجح هذا بعضهم . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسب الدهر الذي نحن فيه يعني الزمان وأما سبه بالمعنى الآخر فهو كفر صريح وهذا العهد يقع في خيانته كثير من العلماء والصالحين فضلا عن العوام والفاسقين فيقولون هذا زمان السوء هذا زمان الشؤم وكأنهم يسبون أنفسهم إذ الشر والخير إنما هما فعل المكلف لا فعل الزمان وأنشدوا :
نسب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا
إلى آخر ما قالوا وفي الحديث : إذا قال ابن آدم لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه . فافهم وأضف الشر والشؤم إلى المكلفين فإنه صدق بخلاف الزمان ومن تأمل في نفسه وجد تحت حكم قضاء الله وقدره في كل ما يقع على يديه من المعاصي والشرور فليس في يده دفعها عنه ولا دفع جزائها عنه إذا وقعت وكذلك جميع أفعال الظلمة والولاة فأمسك يا أخي الأصل وتنزل في الفروع من غير غفلة عن مشاهدة الأصل لئلا تشرك بالله تعالى شيئا من خلقه على وجه أن لذلك الشيء أثرا في إيجاد الأفعال وأضف الأفعال إلى الخلق من حيث الوجه الذي أضافه الحق تعالى إليهم بقوله تعالى : " تفعلون " " تعملون " " تكسبون " ونحو ذلك . وسمعت سيدي الخواص رحمه الله يقول : اجتمع أصحاب سيدي الشيخ سالم أبي النجا الفوي بمدينة فوة بالبحيرة وهو محتضر وكانوا سبعمائة رجل فقالوا له أوصنا في هذا الوقت وصية موجزة نحفظها عنك فسكت ثم قال أعلموا يا إخواننا أن كل ما في الوجود يقابلكم بشاكلة ما برز منكم من الأعمال الظاهرة والباطنة فانظروا كيف تكونون . قلت وهذا كلام في غاية النفاسة فمن تأمله لم يضف قط إلى الزمان وأهله شيئا إلا على وجه الاستناد لأجل إقامة الحدود والتكاليف كما أشار إليه حديث : والدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم . فلولا أنه يصح نسبة الأمور للدنيا ما أخبر الشارع صلى الله عليه و سلم أنها ملعونة فتأمله والله يتولى هداك (1/404)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة نمام ] ] . وفي رواية قتات وهو بمعنى نمام . وقيل النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم والقتات الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم وتقدم حديث الشيخين مرفوعا : [ [ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ] ] . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ النميمة والشتيمة والحمية في النار ] ] . وفي رواية : [ [ إن النميمة والحقد في النار لا يجتمعان في قلب مسلم ] ] . وروى أبو يعلي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الكذب يسود الوجه والنميمة من عذاب القبر ] ] . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : [ [ شر عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب ] ] . وفي رواية لأبي الشيخ : [ [ الهمازون واللمازون والمشاؤون بالنميمة الباغون للبراء العيب يحشرهم الله في وجوه الكلاب ] ] . وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه مرفوعا في حديث طويل : [ [ فإن فساد ذات البين هي الحالقة ] ] . ثم قال ابن حبان ويروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ [ لا أقول تحلق الشعر ولكن أقول تحلق الدين ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نسارر أحدا قط من إخواننا بنميمة إلا بطريق شرعي كما إذا رأينا ظالما قد عزم على أخذ مال أحد بغير حق أو حبسه أو ضربه أو عزم على السعي على وظيفته أو الزيادة في كراء بيته أو عزم على أن يوليه وظيفة لا يطيق القيام بحقها كأن يجعله قاضيا أو عاملا أو محتسبا أو نحو ذلك فإن النميمة ما حرمت إلا على وجه الإفساد : والله يعلم المفسد من المصلح . وهذا العهد يقع في خيانته كثير من أهل هذا الزمان ويقولون لمن نموا له لا تقل إني قلت لك وصارت الإقامة بين أظهركم من أخوف ما يكون . وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز و جل فخذ حذرك يا أخي من كل من نم لك فإنه ينم عليك بيقين وكن عالية العوالي في الحذر وإلا وقعت فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/405)
- روى الشيخان وغيرهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في حجة الوداع : [ [ إن دماءكم وأمولكم وأعرضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ] ]
وروى مسلم والترمذي مرفوعا : [ [ كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ] ]
وروى البزار بإسناد قوي مرفوعا : [ [ إن من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض الرجل المسلم بغير حق ومن الكبائر : السبتان بالسبة ] ]
وروى أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح : أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة : يعني قصيرة فقال : [ [ لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ] ] . أي لو قدرت جسما وطرحت في البحر لكدرته وصيرت ريحه منتنا
وروى أبو داود : أن زينب قالت لعائشة مرة يا يهودية في حال غضب فهجر رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب ذا الحجة والمحرم وبعض صفر
وروى ابن أبي الدنيا عن عائشة قالت : قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي صلى الله عليه و سلم إن هذه لطويلة الذيل فقال : [ [ الفظي ] ] فلفظت بضعة من لحم . ومعنى الفظي : ارمي ما في فمك والبضعة : القطعة
وروى أبو يعلي والطبراني : أن رجلا قام من عند النبي صلى الله عليه و سلم فرأوا في قيامه عجزا فقالوا ما أعجز فلانا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ [ أكلتم لحم أخيكم واغتبتموه ] ]
وروى الأصبهاني بإسناد حسن : أنهم ذكروا عند النبي صلى الله عليه و سلم رجلا وقالوا إنه لا يأكل حتى يطعم ولا يرجل حتى يرجل له فقال النبي صلى الله عليه و سلم [ [ قد اغتبتموه ] ] فقالوا يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه قال [ [ حسبكم إذا ذكرتم أخاكم بما فيه ] ]
وروى الطبراني ورواته رواة الصحيح : أن رجلا قام من عند النبي صلى الله عليه و سلم فوقع فيه رجل من بعده فقال النبي صلى الله عليه و سلم [ [ تخلل ] ] قال ومم أتخلل ؟ ما أكلت لحما قال : [ [ إنك أكلت لحم أخيك ] ]
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا قال : [ [ أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى فذكر منهم ورجل كان يأكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة ] ]
وروى الإمام أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر في النار فإذا قوم يأكلون الجيف ؟ فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
وروى أبو داود مرفوعا قال : لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
وروى ابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي مرفوعا : [ [ الغيبة أشد من الزنا قيل وكيف ؟ الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن صاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفر له صاحبه ] ]
وروى الأصبهاني مرفوعا : [ [ إن الرجل ليؤتي كتابه منشورا فيقول يا رب فأين حسنات كذا وكذا عملتها ليست في صحيفتي ؟ فيقال له محيت باغتيابك الناس ] ]
وروى مسلم وأبو داود وغيرهما مرفوعا : [ [ أتدرون ما الغيبة ؟ ] ] فقالوا الله ورسوله أعلم . قال [ [ ذكرك أخاك بما يكره ] ] قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : [ [ إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ] ]
والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون في وقوعنا في غيبة فضلا عن وقوعنا في البهتان ولا نرى لنا أعمالا مكفرة لذلك كما عليه طائفة المتهورين في أعراض الناس بل لا نزال خائفين من وقوعنا في ذلك وهذا دأبنا حتى نلقى الله عز و جل ونصدر عن الحساب وهناك تظهر لنا الأعمال التي لنا هل تكفر تلك الغيبة أم لا ؟ فإن أعمالنا الصالحة عندنا تحتاج إلى مكفرات أخر لما فيها من العلل والآفات كما قيل :
ذنوبك في الطاعات وهي كثيرة ... إذا عددت تكفيك عن كل زلة
وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : لا يقعن أحدكم في غيبة مسلم ثم يقول ولو في نفسه إن لي أعمالا صالحة تكفر عني تلك الغيبة فربما كان من اغتبناه أو بهتناه لا يرضيه جميع أعمالنا يوم القيامة وهذا الداء قد عم غالب الخلق وما سلم منه إلا القليل وصار غالب الناس من وراء الواحد بوجه ومن قدامه بوجه فالعاقل لا يتكدر من الغيبة فيه بل ينبغي له الفرح لأن الله تعالى يحكمه يوم القيامة في أعمال الذي اغتابه فيأخذ منها ما شاء . وقد سمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول عن شخص اغتابه : اللهم اغفر له ما جناه من جهتي واقسم له الإخلاص في أعماله ليعطي الناس منها يوم القيامة فإن الأعمال التي دخلها رياء أو سمعة لا يصل إلى الآخرة منها مع صاحبها شيء حتى يرضى به الناس الذين اغتابهم فرضي الله تعالى عنه ما كان أرحمه بعباد الله عز و جل . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به الطريق حتى يصير يشاهد بقلبه عرصات القيامة وما يمشي هناك من الأعمال وما يرد وما يؤاخذه الله به وما لا يؤاخذه ليحذر من الوقوع في كل شيء لا يمشي هناك فإن غالب إيمان الناس صار فيه ضعف فلا ينهض بصاحبه إلى مقام اجتناب هذه الموبقات ولو أن الإيمان كان قويا لما وقع أحد قط في حرم الله . وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : كل من لا يكون عنده ما توعده الله تعالى به كالحاضر على حد سواء فمن لازمه وقوعه في المخالفات وتأمل صاحب الشهوة للجماع وصاحب المال إذا بخل بإخراج الزكاة لو أجج السلطان له نارا عظيمة وقال له إن منعت الزكاة أو زنيت بهذا المرأة عذبتك وأحرقتك بهذه النار قولا حازما كيف لا يفعل الزنا ولا يمنع الزكاة لمشاهدته العذاب ببصره فكذلك من يشهد ببصيرته كفارة الغيبة ومن هنا قلت معاصي كمل المؤمنين وكثر معاصي غيرهم . وقد بلغنا أن سيدي الشيخ أبا المواهب الشاذلي رضي الله عنه كان يقول : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت يا رسول الله ما كفارة الغيبة إذا لم تبلغ صاحبها ؟ فقال كفارتها أن تقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين وتهدي ثواب ذلك في صحائف من اغتبته . { والله غفور رحيم } (1/406)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا عن أبي موسى قال : قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال : [ [ من سلم المسلمون من لسانه ويده ] ] . قلت : قال سيدي علي الخواص رحمه الله وهذا من شرط كل داع إلى الله عز و جل فمن ادعى مقام المشيخة ولم يسلم الناس من لسانه ولا من يده فهو كاذب لأنه إذا لم يسلم له كمال مقام الإسلام فكيف بمقام الإيمان ؟ فكيف بمقام الإحسان الذي يدعيه ؟ فإن شرط الداعي أن يقف في محل القرب يدعو المطرودين عن حضرة الله إلى حضرة الله . والله أعلم . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ينزل بها في النار أبعد ما بين الشرق والغرب ] ] . وفي رواية لابن ماجه والترمذي : [ [ إن الرجل ليتكلم بكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا . وقوله ما يتبين : أي ما يتفكر هل هي خير أو شر . وروى البيهقي مرفوعا : [ [ إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يتكلم بها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض وإن الرجل ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه ] ] . وروى الترمذي والبيهقي مرفوعا : [ [ لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ] ] . وروى مالك بلاغا أن عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام كان يقول : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم وإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون . وروى الترمذي وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله ] ] . وروى أبو الشيخ مرفوعا : [ [ أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيهم ] ] . وروى الترمذي مرفوعا ورواته ثقات : [ [ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ] ] . أي ما لا تدعو إليه ضرورة دينية أو دنيوية والأحاديث في ذلك كثيرة . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك وقوعنا في الكلام اللغو خوفا أن يجر إلى مكروه أو حرام ونعود لساننا أن لا نجيب عن الكلام إلا بعد تأمل وتثبت وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الحجاج إذا رجعوا من الحج فيصير يحكي ما وقع له من غير أن يسأله الناس عنه فيصير الناس الذين يسلمون عليه متقلقلين [ متقلقين ؟ ؟ ] لأجل حوائجهم التي وراءهم من سلام على حجاج آخرين أو غير ذلك وهو يهدر لهم كالشاعر وكذلك يقع في خيانته كثير من الفقراء الذين تزورهم الأمراء فيفتحون على ذلك الأمير باب الكلام الذي ليس لذلك الأمير به حاجة كقوله له : كان فلان الأمير عندنا البارحة أو الباشا زارنا أمس أو قاضي العسكر أو أعطاني الباشا حصانا مليحا ونحو ذلك وهذا دليل على أن ذلك الشيخ دنياوي دق المطرقة لاستعزازه بالخلق وربما طول الشيخ الكلام على ذلك الأمير فيقول للشيخ وهو في وسط الكلام اقرءوا الفاتحة يا سيدي الشيخ فيكلح الشيخ فيصير دعاؤه خداجا من قلة اعتقاد الأمير في الشيخ ولكثرة ما وقع فيه من اللغو والهذيانات فاعلم أن من الأدب الكف عن مثل ذلك والله غفور رحيم (1/407)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا في حديث طويل : ولا تحاسدوا ولا تباغضوا . وروى ابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا : [ [ لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد مؤمن الإيمان والحسد ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ] ] أو قال العشب . وروى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا : [ [ لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا ] ] . وفي رواية له أيضا مرفوعا : [ [ ليس مني ذو حسد ولا نميمة ] ] . وفي رواية له أيضا : [ [ لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خصال أن تكثر لهم الدنيا فيتحاسدون ] ] . وروى البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما مرفوعا : [ [ دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة أما إني لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ] ] . وروى الترمذي وقال حديث حسن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأنس : [ [ يا بني إن قدرت على أن تصبح وتمسي ليس في قلبك حسد لأحد فافعل ] ] . وروى الإمام أحمد على شرط الشيخين : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل فأخبر ذلك الرجل بما قاله صلى الله عليه و سلم في حقه وقالوا له ما عملك ؟ فقال لا أجد في نفسي حسدا لأحد من المسلمين ولا غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحسد أحدا من خلق الله ولا نتمنى زوال ما أعطاه الله تعالى له من علم أو جاه أو كثرة اعتقاد فيه أو نحو ذلك من الأمور الدينية أو الدنيوية هروبا من رائحة الاعتراض على الله عز و جل أو خوفا من مقتنا وطردنا ولعننا كما وقع لإبليس فإن جميع ما وقع له كان أصله الحسد لآدم عليه السلام كما صرحت به الآيات والأحاديث والأخبار فمن حسد أحدا من العلماء والصالحين فلا يستبعد أن يقع له كما وقع لإبليس . ومن كلام سيدي علي بن وفا رحمه الله تعالى : كن لأولياء الله خادما إما لترحم أو لتغنم أو لتسلم وإياك أن تكون لهم حاسدا فإنه لا بد لك أن ترجم وتلعن وتطرد ولو على ممر الأيام وإن كان لك مؤلفات أو تلامذة عدمت النفع بهم . وبالجملة فجميع ما يطلبه العبد لإخوانه من خير أو شر يجازيه الله تعالى بنظيره وهذا ضابطه . واعلم أنه يا أخي لا يصح لك العمل بهذا العهد إلا إن سلكت على يد شيخ ناصح وخرجت عن جميع رعونات النفوس وإلا فمن لازمك الحسد ولو كنت عاقلا لطلبت من ربك أن يعطيك كما أعطى من حسدته واسترحت من تعرضك للمقت . قلت : وأنا أعطيك ميزانا تعرف به الحسود من غيره وهو أن كل من عجز عن تصوير دعوى شرعية عليك في الدنيا والآخرة وهو مع ذلك يكرهك فاعلم أنه حسود لا يرضيه إلا زوال النعمة عنك . فاسلك يا أخي على يد شيخ أن أردت العمل بهذا العهد والله يتولى هداك (1/408)
- وقد روى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : ومن تكبر على الله درجة وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين . وفي رواية للطبراني مرفوعا : ومن تكبر قصمه الله أو قال أخسأه ؟ ؟ فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير
وروى الطبراني مرفوعا ورواته ثقات : [ [ إياكم والكبر فإنه يكون في الرجل وإن عليه العباءة ؟ ؟ ] ]
وروى الإمام أحمد والترمذي والطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ أن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله وما المتفيقهون ؟ قال : المتكبرون ] ]
وروى أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ] ]
وروى مسلم وغيره مرفوعا : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر منهم وعائل مستكبر . والعائل بالمد : هو الفقير . وفي رواية للنسائي : وفقير مختال . وفي رواية لابن خزيمة وابن حبان : وفقير فخور . وفي رواية للبزار : وعائل مزهو . يعني بالمزهو المعجب بنفسه المتكبر . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة مسكين متكبر ] ]
وروى الإمام أحمد والترمذي وغيره مرفوعا : [ [ من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله لوجهه في النار ] ]
وروى مسلم والترمذي مرفوعا : [ [ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله فقال إن الله جميل يحب الجمال والكبر بطر الحق وغمط الناس ] ] . وبطر الحق دفعه ورده وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم وكذلك غمصهم بالصاد المهملة . وروى البخاري والنسائي وغيرهما مرفوعا : [ [ بينما رجل ممن كان قبلكم يجر إزاره خيلاء إذا خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ] ] . والخيلاء : هو الكبر والعجب . وقوله يتجلجل في الأرض : أي يغوص وينزل فيها
وروى الإمام أحمد والبزار مرفوعا : [ [ بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ] ]
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ] ]
وروى أبو يعلي عن كريب قال كنت أقود ابن عباس رضي الله عنهما في زقاق أبي لهب فقال يا كريب بلغنا مكان كذا وكذا ؟ قلت أنت عنده الآن قال حدثني العباس ابن عبد المطلب قال بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الموضع إذ أقبل رجل يتبختر بين بردين وينظر إلى عطفيه قد أعجبته نفسه إذ خسف الله به الأرض في هذا الموضع فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
وروى ابن حبان في صحيحه والترمذي : [ [ إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط الله بعضهم على بعض ] ] . والمطيطاء : هو التبختر ومد اليدين في المشي
وروى الترمذي مرفوعا : [ [ لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ] ] . وقولهم يذهب بنفسه : أي يرتفع ويتكبر
وروى البزار بإسناد جيد مرفوعا : [ [ لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتكبر على أحد من المسلمين ولا نفتخر عليه ولا نعجب بشيء من أحوالنا الظاهرة والباطنة
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح يسلك به حتى يسد عنه جميع المخارس التي يدخل عليه منها الآفات
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : مخرس الكبر الذي يدخل على الإنسان منه الكبر والفخر والعجب هو شهوده أن الفضائل التي تكبر بها أو افتخر بها له فإذا سلك الطريق وجدها كلها لله عز و جل كشفا ويقينا ليس للعبد منها شيء وإنما هي عارية لله تعالى عند العبد ولها مصارف شرعية يصرفها فيها كإظهار التكبر على فعل ما أمره به إبليس وإظهار الفخر على الكفار والظلمة وإظهار العجب من أفعال الحق تعالى في حلمه عليه وكثرة إحسانه له مع كثرة مخالفته
واعلم أن تكبر العوام إنما هو بشهودهم النقص في أنفسهم فيريدون أن يزيلوا ما في نفوس الناس من احتقارهم لهم ولذلك يقولون في المثل لا تجد النفورة إلا عند الحمير العرج وقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه : كل من يكون في جسمه نقص إلا وعنده تكبر أي لأجل العلة التي ذكرناها
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : لا يصح لأحد التكبر على الله تعالى أبدا وإنما تكبر من تكبر على أمر الرسل عليهم الصلاة والسلام فتكبروا عن أمر الرسل مع غفلتهم عن كون أوامر الرسل هي أوامر الله تعالى حقيقة إذ الجناب الإلهي معظم عند سائر الملل فافهم
وكان الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى يقول : التكبر خاص بالإنس والجن دون غيرهما من سائر المخلوقات قال : الحكمة في ذلك كون المتوجه على إيجادهما من الأسماء الإلهية أسماء الحنان واللطف والرحمة دون أسماء القهر والذلة فخرج الإنس والجن من حضرات تلك الأسماء فلم يروا في نفوسهم ذلا ولا انكسارا فتكبروا بخلاف غيرهما من الملائكة والبهائم وغيرهما فإن المتوجه على إيجادهما أسماء القهر كالذل والمنتقم والجبار فلذلك خرجوا أذلاء في نفوسهم ولا تكبر عندهم
ثم لا يخفى أن صفات البشر وإن كانت من الأصل لغيره لكنها لما حملت فيه تشكلت بشاكلته وصارت كأنها من أصل طينته لا يمكن زوالها منه أبدا وإنما الحق تعالى يعطل استعمالها في عباده الصالحين قال تعالى : { ومن يوق شح نفسه } . فأخبر أن الشح من لازم البشر لكنه توقى العمل به فضلا منه تعالى عليه وقال تعالى { ومن شر حاسد إذا حسد } وما قال ومن شر أن يقوم بأحد حسد لي لعلمه تعالى بأن الحسد في كل جسد من البشر من الأمم
وقد كنت رأيت مرة لوحا أحمر نزل من السماء في سلسلة فضية فيه بالأخضر اعلموا أن حكم البشر حكم الطينة المعجونة من سائر الأجرام والطعوم والروائح والنفاسة والخبثة والخفة والثقل والجبن والبخل والشجاعة والكرم والروائح الطيبة والكريهة وغير ذلك فإذا فرقت هذه الطينة بعد عجنها حتى صارت روحا واحدا أجزاء صغارا على أدق ما يقضي به العقل بحكم العقل بأن في كل جزء مجموع ما تفرق في غيره ففي طينة البشر من صفات الشر ما لا يحصى ومن صفات للخير ما لا يحصى وفي الأكابر من الصفات الناقصة كما في الأصاغر وعكسه لكن الصفات الناقصة خفية في الأكابر والصفات الكاملة خفية في الأصاغر وعكسه هذا حكم جميع ولد آدم ما عدا الأنبياء فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد طهر الله تعالى طينهم بسابق العناية لا بعمل عملوه ولا يخير قدموه فطينهم كلها خير لا شر فيها وأما غيرهم فهو باق على أصل طينته وما كان جبليا في النشأة فمحال أن يزول إلا بانعدام الذات وما دامت العناية تحف العبد فالصفات الحسنة مستعملة في العبد والسيئة معطلة وحينئذ يقول الناس لذلك الشخص شيء لله المدد يا سيدي الشيخ فإذا تخلفت عنه العناية قامت الصفات السيئة للاستعمال وتعطلت الحسنة فيكون العبد كالشيطان يقول الناس عند رؤيته نعوذ بالله من شر ما رأيناه وتتبرأ منه الخلق أجمعون ما رأيته في اللوح في واقعة من وقائعنا بمصر المحروسة وقد جهل العارفون من قال في كتابه باب علاج زوال العجب باب علاج زوال الكبر ونحو ذلك لأنه يوهم أن هذه الصفات تزول من العبد والأمر بخلاف ذلك كما بيناه آنفا والله غفور رحيم (1/409)
- روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح مرفوعا : [ [ لا تقولوا للمنافق يا سيدي فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز و جل ] ] . ولفظ رواية الحاكم : [ [ إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي فقد أغضب ربه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نعظم أحدا إلا تبعا لتعظيم الشارع صلى الله عليه و سلم كما لا نقر أحدا على تعظيمه لنا ولو كنا على القدم الذي نعلم من الناس أنهم يعظموننا لأجله خوفا من مزاحمة أوصاف الربوبية ثم مرادنا بتعظيم الشارع لأحدنا حتى نعظمه أن توجد فيه الصفات الحميدة التي مدحها صلى الله عليه و سلم فكل من وجدت فيه صفة منها عظمناه وقمنا بواجب حقه وكل من لم توجد فيه أعرضنا عن تعظيمه ولو كان من أركان الدولة إلا أن يترتب على ذلك مصلحة لنا أو للمسلمين فاعلم أنه لا ينبغي لنا تعظيم فاسق ولا مبتدع بنحو قولنا له يا سيدي أو نحوها من كلمات التعظيم والتفخيم إلا أن سبق لساننا بحكم عادتنا مع الناس السالمين من الفسق بل ربما سبق لسان بعض العلماء بقوله لليهود حشاك يا سيدي أو مليح يا سيدي ومثل ذلك لا يؤاخذ به العبد إن شاء الله تعالى قاله بعضهم وكلامنا في الفسق الاصطلاحي كشارب الخمر والمبتدع ونحوهما مما توعد الشارع صلى الله عليه و سلم وليس المراد به فعل مطلق الأمور التي ترد بها الشهادة كالأكل في السوق وإضحاك الناس والمشي بلا رداء أو مكشوف الرأس ونحو ذلك ويجمع الفسق كله ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو مداومة ارتكاب المكروه والإخلال بالسنن المشروعة ثم لا فرق عند محققي الصوفية بين المعاصي الظاهرة كما قدمنا وبين ارتكاب المعاصي الباطنة كالحسد والكبر والحقد ونحوها فمن كان مرتكبا لشيء من هذه المعاصي فلا ينبغي لأحد أن يقول له يا سيدي ولا ينبغي له أيضا أن يقر الناس على ذلك وهو يعلم من نفسه الفسق بارتكاب ما لو أبداه للناس لفسقوه والله غفور رحيم (1/410)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ] ] . وفي رواية لابن حبان : [ [ إياكم والكذب فإنه مع الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ] ] . وروى الإمام أحمد : أن رجلا قال : يا رسول الله ما عمل أهل النار ؟ قال : الكذب . فإن العبد إذا كذب فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر يعني دخل النار . وروى الشيخان مرفوعا : آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب الحديث . وروى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقا ] ] . وفي رواية لأبي يعلى مرفوعا : [ [ لا يبلغ العبد صريح الإيمان حتى يترك المزاح والكذب ] ] الحديث . وروى البزار وأبو يعلى ورواته رواة الصحيح مرفوعا : [ [ يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ] ] . وروى مالك مرفوعا : قيل يا رسول الله أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا . وروى الإمام أحمد : [ [ كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له به كاذب ] ] . وروى الأصبهاني مرفوعا : الكذب ينقص الرزق . وروى ابن أبي الدنيا والترمذي وقال حديث حسن مرفوعا : [ [ إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به ] ] . وروى البزار وأحمد وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكذب ما اطلع على أحد من ذلك بشيء حتى يعلم أنه قد أحدث توبة . وفي رواية : كان يهجر على الكذبة الواحدة الشهر والشهرين وأكثر . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذبة كذبة ] ] . وروى الإمام أحمد وابن أبي الدنيا مرفوعا : [ [ من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة ] ] . وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي مرفوعا : [ [ ويل للذي يحدث الحديث يضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بالوقوع في الكذب من غير تثبت سواء كان قولا أو فعلا ظاهرا أم باطنا كأن يدعى أحدنا مقام التقريب عند الله تعالى وأنه محل أسراره وأنه يشفع في أهل عصره أو إخوانه يوم القيامة من غير أن يطلعه الله تعالى على ذلك من طريق الكشف الصحيح الذي لا يدخله محو وهذا العهد قد كثرت خيانته من غالب أهل هذا العصر حتى من بعض المشايخ الموجودين فيه فيقول أحدهم لصاحبه إذا جاءك الشيطان فتوجه إلي وقل يا فلان ادفعه عنك مع أن نفس الشيخ ربما كان إبليس راكبه هو ليلا ونهارا لا يكاد ينزل عنه بل بعضهم يقول إذا جاءك منكر ونكير أو زبانية جهنم فقل أنا من جماعة فلان فإنهم يتركونك ونحو ذلك من الهذيانات وقد استتر الأولياء أصحاب القدم وتركوا تأديب مثل هؤلاء لعلمهم بخروج أشياء عن موضوعاتها الآن كالمثقأة ؟ ؟ إذا خربت وأطلقوا فيها البهائم و والله لا ينبغي للعبد الآن أن يدعي مقام الإسلام التام المشار إليه بقوله صلى الله عليه و سلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " فإن غالب الناس إذا أنصفوا يعلمون من أنفسهم أن المسلمين لم يسلموا من لسانهم ولا من يدهم فضلا عن سوء الظن بهم فيلزم العبد الألفاظ التي لا تشعر بكمال فإنها إلى الصدق أقرب . وقد سأل الشيخ ذو النون المصري رضي الله عنه عن الصدق في الطريق ما هو فأنشد يقول :
قد بقينا مذنبين حيارى ... نطلب الصدق ما إليه سبيل
فأين هذا من قول بعض أهل الزمان أنا القطب الغوث ويمدح نفسه بذلك في الملأ وأين هذا أيضا من قول الحسن البصري سيد التابعين لمن قال له رأيتك البارحة في الجنة أما وجد إبليس أحدا يسخر به غيري وغيرك ؟ وأين هذا أيضا من قول مالك بن دينار لما قيل له اخرج معنا للاستسقاء وأبى إني أخاف أن تمطر عليكم حجارة بسبب وقوفي معكم وكان إذا أملى الحديث فمرت به سحابة يقطع التحديث ويقول : حتى تمر هذه السحابة فإني أخاف أن يكون فيها حجارة ترجمنا بها . وكان يقول والله لو حلف شخص أنني ما أخاف الله ولا يوم الحساب فقلت له لا تكفر عن يمينك صدقت فإن أفعالي تصدق ذلك وأين هذا أيضا من قول معروف الكرخي رضي الله عنه والله إني لأنظر إلى أنفي في كل يوم كذا وكذا مرة مخافة أن يكون قد اسود من سوء ما أتعاطاه وكان كثيرا ما ينظر في المرآة إذا قام من النوم وربما حسس ؟ ؟ على وجهه بيده ويقول أخاف أن يكون الله عز و جل قد حول وجهي وجه خنزير وأين هذا أيضا من قول سيدي الشيخ عبدالعزيز الديريني لما طلبوا منه كرامة والله يا أولادي ما عندي الآن كرامة أكرمني الله بها أعظم من إمساك الأرض ولم يخسفها بي حين أمشي عليها و والله يا أولادي لقد استحقينا الخسف بنا لولا عفو الله تعالى . وأحوال السلف في خوفهم من الله تعالى كثيرة مشهورة خلاف ما عليه بعض أهل هذا الزمان من حسن الظن بنفوسهم من غير طريق شرعي . ومعلوم أن من شأن كل عارف بالله تعالى أن ينظر للذي عليه ولا ينظر للذي له وغالب المدعين في هذا الزمان وغيره لا بد أن يفتضحوا لأن كل مدع ممتحن وقد قال شخص من صوفية عصرنا هذا أطلعني الله تعالى على جميع ما كتبه في اللوح المحفوظ المشار إليه بقوله تعالى : { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } . وكان ذلك بحضرة بعض الحذاق فقال له يا سيدي فكم في حاجبك من شعرة ؟ فما درى ما يقول فافتضح . فاعلم ذلك وإياك والدعاوي الكاذبة حتى تجاوز الصراط والله يتولى هداك { وهو يتولى الصالحين } (1/411)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خيار الناس في هذا الشأن يعني الإمارة أشدهم له كراهة وتجدون أشر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ] ] وروى البخاري أنه قيل لعبدالله بن عمر : إننا كنا ندخل على سلطاننا فنقول بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عنده فقال : كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم . وروى الطبراني مرفوعا : [ [ ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار ] ] ورواه أبو داود والطبراني وابن ماجه بنحوه وروى ابن أبي الدنيا والطبراني والأصبهاني مرفوعا : [ [ من كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون باستهزائنا بأحد من خلق الله عز و جل وذلك بأن نأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه على وجه الاستهزاء لا على وجه المداراة لأن الله تعالى لم يؤاخذ المنافقين بقولهم للذين آمنوا إنا معكم فقط وإنما آخذهم بقولهم إنما نحن مستهزئون ولذلك لما رد الله عليهم لم يرد إلا استهزاءهم فقط فقال الله يستهزئ بهم فافهم فإن هذا من لباب التفسير . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ حتى يدخل به حضرات الأولياء ويعرف قدر عظمة المؤمن ومن هو المخاطب بالاستهزاء به و والله لولا الجهل لكان الإنسان يستحق باستهزائه نحو دخول النار . فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت العمل بهذا العهد وإلا فمن لازمك أن تكون ذا وجهين وذا لسانين والله عليم حكيم (1/412)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إن الله تعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ] ] . وروى الترمذي وحسنه في صحيحه والحاكم وغيرهم مرفوعا : [ [ [ من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر ] ] . وروى الطبراني عن ابن مسعود أنه قال : لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله وأنا صادق : وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من حلف بالأمانة فليس منا ] ] . وروى أبو داود وابن ماجه والحاكم مرفوعا : [ [ من حلف قال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما ] ] . وروى أبو يعلي والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ من حلف على يمين فهو كما حلف إن قال هو يهودي فهو يهودي وإن قال هو نصراني فهو نصراني وإن قال هو برئ من الإسلام فهو برئ من الإسلام قالوا يا رسول الله وإن صام وصلى ؟ قال وإن صام وصلى ] ] . وروى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يقول أنا إذن يهودي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وجبت . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بالحلف بغير الله عز و جل لا سيما بالأمانة ولا بقول وألا يكون أحدنا بريئا من الإسلام أو نصرانيا أو يهوديا ونحو ذلك من ألفاظ العوام والفسقة وهذا العهد أكثر من يقع في خيانته من كان سيء الخلق فيجب على العبد رياضة النفس حتى يصير إذ خاصم أحدا لا يتعدى إلى الحلف بمثل ذلك وإن كان قصده بذلك الحلف إنما هو التباعد عن الكفر لكن فيه رائحة وعد بالكفران كان الأمر بخلاف ما قصد التباعد عنه فالواجب اجتناب ذلك بل بعض المذاهب يرى تكفيره بذلك لأنه كمن يعزم على الكفر غدا فيكفر في الحال . فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك من رعونات النفوس والله يتولى هداك (1/413)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان ] ] . وفي رواية لهما أيضا : [ [ من حلف على يمين صبر يقتطع بها امرئ مسلم هو فيها كاذب لقي الله وهو عليه غضبان ] ] . وفي رواية لهما [ [ وهو عنه معرض ] ] . وفي رواية لأبي داود وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يقتطع أحد مالا بيمين إلا لقي الله أجذم ] ] . وروى البخاري والترمذي والنسائي مرفوعا : الكبائر الإشراك بالله واليمين الغموس - الحديث - فقيل يا رسول الله وما اليمين الغموس ؟ قال الذي يقتطع مال امرئ مسلم - يعني بيمين - هو فيها كاذب . قال الحافظ عبدالعظيم : وإنما سميت اليمين الكاذبة غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم في الدنيا وفي النار في الآخرة . وفي رواية للترمذي وقال حديث حسن والطبراني وابن حبان في صحيحه : [ [ والذي نفسي بيده لا يحلف رجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كية في قلبه يوم القيامة ] ] . وفي رواية [ [ نكتة في قلبه إلى يوم القيامة ] ] . وروى البزار مرفوعا : [ [ اليمين الفاجرة تذهب المال أو تذهب بالمال ] ] . وروى البيهقي مرفوعا : [ [ اليمين الكاذبة تدع الديار بلا قع ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : خمس ليس لهم كفارة الشرك بالله واليمين الكاذبة الفاجرة يقتطع بها مالا بغير حق الحديث . قال الحافظ الخطابي : واليمين الفاجرة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصير من أجلها إلى أن يحبس وهو يمين الصبر وأصل الصبر الحبس ومنه قولهم قتل فلان صبرا أي حبسا على القتل وقهرا عليه . وروى الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : [ [ من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ولو سواكا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحلف قط يمينا كاذبة بالله عز و جل ولو لم نقتطع بها مالا لأحد إجلالا لله تعالى وهذا العهد يخل به كثير من الناس فيحتاج من يريد العمل به إلى سلوك على يد شيخ صادق يسير به حتى يدخل حضرات التعظيم بالله عز و جل فيصير في غالب أوقاته يرعد من هيبة الله عز و جل وهناك لا يتجرأ قط على الحلف بالله تعالى لا جادا ولا مازحا . ونقل عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول : ما حلفت بالله لا جادا ولا هازلا ولا لغوا ولكن هنا دقيقة وهي أن بعض المتورعين يتوجه عليه اليمين وخصمه كاذب فلا يرضى أن يحلف ويغرم المال بغير طيبة نفس وهذا معدود من الورع البارد بل الذي ينبغي له أن يحلف كما كان الصحابة يحلفون ليحرموا أخاهم من أكل الحرام والمال الحرام وكذلك القول في الأيدي المترتبة على ذلك ولو أنه كان حلف لأخذ حقه الحلال وحرم أخاه من الإثم إلا إن كان يبرئ ذمته مما أخذه منه بغير حق بطيبة نفس . { والله غفور رحيم } (1/414)
- روى مسلم وغيره مرفوعا : [ [ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا ثلاث مرات ويشير إلى صدره بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ] ] . وتقدم حديث مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا : [ [ الكبر بطر الحق وغمط الناس ] ] ومعنى غمط الناس : احتقارهم وازدراؤهم . وروى الإمام مالك ومسلم وغيرهما : [ [ إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم ] ] قال أبو إسحاق : سمعته بالنصب والرفع . قال أبو داود : لا أدري مراد أبي إسحاق معنى بنصب الكاف من " أهلكهم " ورفعها . وفسره مالك بما إذا قال ذلك معجبا بنفسه مزدريا لغيره فهو أشد هلاكا منهم لأنه لا يدري سر أمر الله في خلقه . وروى مسلم مرفوعا : [ [ قال رجل والله لا يغفر لفلان . فقال الله عز و جل : من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان ؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك ] ] . وروى البيهقي مرسلا : [ [ إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب إلى الجنة فيقال لهم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاءه أغلق دونه فلا يزال كذلك حتى إن أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فلا يأتيه من الإياس ] ] . وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا : [ [ ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح ] ] . وفي رواية لهما : [ [ ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين أو التقوى ] ] . وروى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في خطبته في حجة الوداع : [ [ يا أيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] ] . وتقدم الحديث الصحيح أوائل هذه العهود : [ [ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نحتقر مسلما ولو بلغ في الفسق ما بلغ لجهلنا بخاتمته وإنما نأمره وننهاه من غير احتقار وربما يكون أحسن حالا منا فكيف نحتقر من نحن أسوأ حالا منه ؟ وإيضاح ذلك أن السبب الموجب لوقوعنا في احتقاره إنما هو حسن الظن بأنفسنا وسوء الظن بغيرنا والواجب العكس كما قالوا من حكمة العارف بالله أن يوسع على الناس ويضيق على نفسه ويرى أن الله تعالى سامح الخلق ويؤاخذه هو . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ يلحقه بمقام العارفين وإلا فمن لازمه أن يرى نفسه ناجيا وغيره هالكا . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (1/415)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ] ] . وفي رواية للشيخين مرفوعا : [ [ وإذا عاهد غدر ] ] . وروى أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول : [ [ اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ] ] . وروى البخاري مرفوعا : [ [ يقول الله تبارك وتعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ] ] . وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني مرفوعا : [ [ لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ] ] . وروى الحاكم مرفوعا وقال إنه صحيح الإسناد : [ [ ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ من ظلم معاهدا أو انتقضه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ] ] وفي مسنده مجهول . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ أيما رجل أمن رجلا على دمه ثم قتله فأنا من القاتل برئ وإن كان المقتول كافرا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نخلف وعدا وعدنا به أحد من ذهاب إلى مكان كذا أو عطية نعطيها أو عمل نساعده عليه ونحو ذلك وكذلك لا نخون ولا نغدر ولا نقتل معاهدا ولا نظلمه بشتم أو ضرب أو غيبة ونحو ذلك . وقد ورد أن خلف الوعد أو العهد في حق الخلق مذموم فكيف بمن يوعد الله تعالى أو يعاهده ويخلف ؟ نسأل الله تعالى اللطف . وقد وقع لي في أيام الصبا أنني عاهدت الله تعالى في أيام على أني لا آكل من طعام قاض ولا مباشر ولا من يبيع على الظلمة أو أصحاب المكوس ما دمت أعيش فرأيت سيدي محمدا الغمري المدفون في المحلة الكبرى رضي الله عنه يقول لي : من عاهد الله تعالى على فعل أمر ليس هو في يده لقي الله تعالى يوم القيامة وهو أجذم فمن تلك الليلة ما عاهدت الله تعالى على شيء أبدا . ومن هنا كان المنذر مذموما لأن الناذر ما ليس في يده فعله أو تركه لأن خلق الأمور ليس هو بيده وإنما هو خاص بالقدرة الإلهية . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ ناصح يسلك به حتى يخرجه من الظلمات إلى النور فيعرف قدر عظمة المسلم فيحذر من إخلاف وعده له ويعرف قبح الخيانة فلا يخون قط أحدا في مال ولا كلام ولا يغدر قط فيما أعطاه أو فيما عاهد عليه ومن لم يسلك على يد شيخ فهو معرض للوقوع في الخيانة والخلف وفي كل منهي لعدم الحماية له من الله تعالى على يد شيخ فإن من لا شيخ له فشيخه الشيطان فافهم . { والله غفور رحيم } وروى أبو داود وابن أبي الدنيا عن عبدالله بن أبي الحسين قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ببيع قبل أن يبعث فبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت فذكرت ذلك بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه . فقال : يا فتى قد شققت علي أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك (1/416)
- روى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا : [ [ لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يبغض لله ويحب لله فإذا أحب لله وأبغض لله استحق الولاية لله ] ] . وروى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل قال له إني أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت قال أنس وما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه و سلم إنه مع من أحب فإنا نحب النبي صلى الله عليه و سلم ونحب أبا بكر وعمر ونرجو أن نكون معهم بحبنا إياهم : وفي رواية للشيخين مرفوعا : [ [ المرء مع من أحب ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ] ] . وروى الطبراني بإسناد جيد مرفوعا : [ [ لا يحب رجل قوما إلا حشر معهم ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقبل من أحد من الأشرار هدية كالظلمة وأهل البدع فضلا عن الكفار لأن المرء مع من أحب ولا نحب أن نحشر مع ظالم أو مبتدع ولا كافر فإن من قبل هدية هؤلاء مال بقلبه إليهم ضرورة إلا أن تحفه العناية بالسلوك على يد شيخ ناصح يسلك به حضرات التوحيد حتى يصير يشهد الملك لله عز و جل وحده ويتحقق بذلك ذوقا ثم أنه إذا تنزل لنسب الشرائع بكسر النون أضاف الأمور إلى خلق من غير وقوف معهم وما لم يسلك العبد على يد شيخ لا يشهد الملك ببادي الرأي إلا للخلق ولا المنة في ذلك إلا لهم دون الله تعالى ولا يكاد يشهد المنة لله تعالى إلا بعد تأمل وتفكر على أن التحقيق في ذلك أنه لا ينبغي لمسلم أن يقبل هدية من أحد من الأشرار إلا لعذر شرعي مطلقا ولو كان ذلك القابل من أكابر الأولياء لأن الجزء الذي يشهد الملك للخلق ويرى المنة لهم ببادئ الرأي يدق مع السالك في المراتب ولا يزول بالكلية وهذا أمر لا يذوقه كل سالك إنما هو لأفراد منهم هذا حكم جميع الأمة وما خرج عن ذلك سوى الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام لعصمتهم . { والله غفور رحيم } (1/417)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منهم السحر
وروى النسائي مرفوعا : [ [ من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق بشيء فقد وكل إليه يعني علق على نفسه العقود والخرز ] ]
وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ كان لداود نبي الله ساعة يوقظ فيها أهله يقول : يا آل داود قوموا فصلوا فإن هذه ساعة يستجيب الله فيها الدعاء إلا لساحر أو غاش ] ]
وروى البزار بإسناد جيد مرفوعا : [ [ ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ] ] . وقد عد صلى الله عليه و سلم السحر من الكبائر في حديث الطبراني وابن حبان في صحيحه قال الحافظ عبدالعظيم والكاهن هو الذي يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فإن صدقه بما قال كفر ] ]
وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا : [ [ لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم أو رجع عن سفر تطيرا ] ]
وروى مسلم مرفوعا : [ [ من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما ] ] . قال الحافظ المنذري : والعراف هو الكاهن وقيل هو الساحر . وقال البغوي : هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك ومنهم من يسمي المنجم كاهنا
وروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما مرفوعا : [ [ من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ] ] . قال الحافظ عبدالعظيم رحمه الله : والمنهي عنه من علم النجوم هو ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغيير الأسعار ونحو ذلك ويزعمون أنهم يذكرون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فإنه غير داخل في النهي . قلت : وروى الجلال السيوطي في الجامع الكبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أصل علم النجوم أنه كان لنبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون عليه السلام قال له قومه إنا لن نؤمن بك حتى تعلمنا بدئ الخلق وآجاله فأوحى الله تعالى إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع على الجبال ماء صاف ثم أوحى الله تعالى إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى الله تعالى إلى يوشع عليه السلام أن يرتقي هو وقومه على الجبال فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والنجوم والقمر وساعات الليل والنهار وكان أحدهم يعرف متى يموت ومتى يمرض ومتى يولد له ومن ذا الذي لا يولد له ؟ فبقوا كذلك برهة من دهرهم إلى أن بعث الله تعالى داود عليه السلام فقاتلهم على الكفر فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله وخلفوا في بيوتهم من حضر أجله فكانوا يقتلون من أصحاب داود في القتال ولا يقدر أحد من أصحاب داود يقتل منهم أحدا فقال داود يا رب أقاتل على طاعتك فيقتل من أصحابي ويقاتل هؤلاء على معصيتك فلا يقتل منهم أحد فأوحى الله تعالى إليه إني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله فلذلك كان يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد قال داود يا رب وماذا علمتهم ؟ قال مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فدعا داود عليه السلام ربه عز و جل عليهم فحبست عنهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط عليهم حسابهم فمن ثم كره النظر في النجوم . قال جلال السيوطي رحمه الله فلذلك كان عمر رضي الله عنه ينهى عن النظر في كتاب دانيال ويضرب من يراه ينظر فيها ويأمره بحرقها
وروى الإمام سنيد عن جابر قال : جاء عمر بن الخطاب بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغضب عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : [ [ أمتهوكون ؟ ؟ فيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه السلام كان حيا اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني . قال الإمام وروينا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فربما يخبرونكم بحق فتكذبونهم أو بباطل فتصدقونهم ] ] . قال وروينا أيضا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ من عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان في غضب الله تعالى ولعنته في الدنيا والآخرة وكان حقا على الله أن يضربه بصخرة من نار جهنم إلا أن يتوب ] ] . والله تعالى أعلم
وروى أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ العيافة والطيرة والطرق من الجبت ] ] . قال أبو داود الطرق هو الزجر والعيافة هي الخط وقال ابن فارس الضرب بالحصى هو الطرق وهو جنس من التكهن والجبت بكسر الجيم هو كل ما عبد من دون الله تعالى . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعلم علم سحر ولا كهانة ولا تنجيما بالرمل والحصى ونحو ذلك ولا نصدق من يفعل ذلك لكن رخص بعض العلماء في تعلم علم حل المعقود عن زوجته وإن عد ذلك من السحر لأن أصل تحريم السحر إنما هو لكونه يضر بالناس وهذا ينفعهم . واعلم أنه قد غلب على الجهال في هذا الزمان إتيان المنجمين الذين يخبرون بالضائع والعمل بقولهم حتى الحكام فصاروا يعاقبون المتهوم اعتمادا على قول المنجم وهذا كله جهل بالشرائع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقد أنشد الإمام الشافعي رضي الله عنه فقال :
فوالله ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
فسلهن هل يبدين غيبا متى الفتى ... يلاقي المنايا أو متى السيل واقع
واعلم يا أخي أن في السحر أمورا مكفرة كما أخبرني بذلك بعض من كان ساحرا وتاب من ذلك أنه لا يصح السحر قط من مسلم فلا بد أن يكفر حتى يصبح [ يصح ؟ ؟ ] السحر على يديه فقلت له وماذا كان وقع منك حتى صح منك السحر ؟ فقال كنت أتوضأ كل يوم بالبول وأسجد للشمس عند طلوعها وعند غروبها وقلت لآخر : ما كان عملك حتى صح لك هذا السحر ؟ قال كنت إذا أردت أن أسحر أحدا أكتب سورة يس في إناء وأمحوها بالبول وقد كثرت السحرة من اليهود والنصارى في مصر وقراها وجعل الحكام عليهم فلوسا لأجل تقريرهم على ذلك وبعض النصابين من السحرة يعمل على عقل الرجال ويفعل الفاحشة في نسائهم ويقول لذلك الرجل المحب للدنيا عندك في بيتك مطلب ما يفتح إلا أن تخلي أجنبيا بامرأتك سبعة أيام وأكثر وينام ويصبح معها فيقول له افعل فيخلي الرجل زوجته مع ذلك النصاب ويصير يخدمهما بنفسه ويطعمهما أطيب الطعام حتى إن النصاب قال له لا بد من شرب الخمر معها فأتاهم بالخمر وبعضهم يقول لا يفتح إلا إن مكنتني زوجتك أطؤها على باب المطلب فيمكنه وبعضهم يقول له لا يفتح المطلب إلا أن كتبت لها على فرجها كيت وكيت وبعضهم يقول لا يفتح المطلب إلا إن كتبت ورقة بمني ومنيها وعلقتها في عنقك ونحو ذلك من الأمور الخارجة عن الدين . فانظر يا أخي ما يؤدي إليه حب الدنيا فإن أردت العمل بهذا العهد فاسلك على يد شيخ حتى يخرجك عن حب الدنيا وإلا فمن لازمك ظلمة القلب وتصديق الساحر والكاهن والمنجم ونحوهم والله يتولى هداك (1/418)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ] ] . وفي رواية لهما مرفوعا أيضا : [ [ أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله وإن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة ] ] . وفي رواية للشيخين مرفوعا : [ [ كل مصور في النار يجعل الله عز و جل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم ] ] . وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : فإن كان أحدكم ولا بد فاعلا فليصنع الشجر وما لا نفس له . وفي رواية لهما مرفوعا : [ [ قال الله عز و جل ومن أظلم ممن ذهب بخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بفعل شيء فيه سوء أدب مع الله تعالى كتصوير الحيوانات من الطيور والسباع في البيوت والأوراق وغيرهما حتى قص الصور من الأوراق والجلود المسمى بخيال الظل سد الباب سوء الأدب مع الله عز و جل وطلبا لدخول الملائكة بيتنا بالرحمة فإنها لا تدخل بيتا فيه صورة كما صح في الحديث وقال بعضهم المراد بالنهي إنما هو في الصور التي تعبد من دون الله عز و جل والجمهور على خلافه . فاعلم أنه لا ينبغي لنا أن نقر عيالنا على عمل سبع من كعك العيد للأطفال ولا نمكن أولادنا من شراء الصور التي في الأوراق مدهونة بسواد أو صفرة أو حمرة ونحو ذلك وينبغي لكل من وسع الله عليه في دنياه أن يشتري العلائق التي تصنعها أهل مصر من الحلاوات ويكسرها ويطعمها للناس غيرة لحرمات الله تعالى فإن من عظم حرمات الله عظمه الله تعالى وإن شاء الله تعالى يبطل عملها من كثرة إفلاس الناس وضيق مكاسبهم عن قريب كما وعد به الشارع . { والله عليم حكيم } (1/419)
- روى مسلم مرفوعا : [ [ من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده بدم خنزير ] ] . وفي رواية لمالك مرفوعا : [ [ من لعب بنرد أو نردشير فقد عصى الله ورسوله ] ] . ورواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي ولم يقولوا أو نردشير . قال الحافظ عبدالعظيم رحمه الله : وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن اللعب بالنرد حرام ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه . واختلفوا في اللعب بالشطرنج فذهب جماعة من العلماء إلى تحريمه كالنرد وكرهه الشافعي كراهة تنزيه وأباحه سعيد بن جبير والشعبي بشروط : منها أن لا تؤخر بسببه صلاة عن وقتها . ومنها أن لا يكون فيه قمار . ومنها أن يحفظ لسانه حال اللعب عن الفحش والخنا ورديء الكلام فمتى لعب به وفعل شيئا من ذلك كان ساقط المروءة مردود الشهادة . وقد استند من قال بإباحته إلى أنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده . قال الحافظ : وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها سندا صحيحا ولا حسنا . والله تعالى أعلم . قلت : ويلحق بالنرد الطاب ؟ ؟ والمنقلة وغيرهما من سائر الأمور التي لا تجلب خيرا لفاعلها . { والله غفور رحيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك نهي من يلعب من إخواننا بالنرد وما ألحق به من الشطرنج ونحوه وهذا العهد يخل به كثير من الناس وفي ذلك غش للاعب وللساكت على ترك النهي ولولا قبحه ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم . { ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (1/420)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ مثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة خبيثة ] ] . وفي رواية لأبي داود والنسائي : مثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجالس الفسقة من الظلمة وغيرهم كالواقعين في أعراض الناس إلا لضرورة أو مصلحة شرعية وهذا العهد قد كثرت خيانته من الخاص والعام فصار الشيخ أو العالم يسمع الغيبة ولا ينكرها وربما شارك أهل المجلس فيها وربما كان هو البادئ بالغيبة والناس في ذلك له تبع كما يقع فيه الأقران الذين يتزاحمون على الوظائف وعلى القرب من الولاة والقضاة وربما طلب من الحاضرين بالباطن أنهم يقعون معه في عرض ذلك الرجل ويفرح بهم ويقربهم لأجل ذلك . فالعاقل من اعتزل الناس إلا لفائدة تحصل له أو لهم كاستفادة علم وتهذيب أخلاق وتعليم طرق سياسة الناس من احتمال الأذى ونحو ذلك . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : لا يخفى أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد في نفسه الظلم كما يعتقده في الظلمة ويجب عليه أن يزجر الناس عن مجالسته خوفا أن يسرق طباعهم من أوصافه الناقصة نصيحة للناس . { والله على كل شيء شهيد } (1/421)
- روى الترمذي وقال حسن صحيح على شرط الشيخين أن حذيفة رضي الله عنه رأى شخصا جلس وسط الحلقة فقال ملعون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس وسط الحلقة في ذكر أو علم أو غير ذلك مما شرع له الاجتماع وذلك هروبا من التمييز على إخواننا في المجلس . وقد روى أبو داود مرفوعا : لعن الله من جلس وسط الحلقة . وقد روى أبو داود مرفوعا : لعن الله من جلس وسط الحلقة (1/422)
- روى أبو داود وابن حبان في صحيحه عن الشريد بن سويد قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا جالس وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على إلية يدي فقال : لا تقعد قعدة المغضوب عليهم . والله أعلم
- ( وكذلك أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نقعد قعدة المغضوب عليهم لا بحضرة الناس ولا وحدنا هروبا من التشبه بمن غضب الله عليه ويقع في خيانة هذا العهد كثير من أبناء الدنيا لا سيما بحضرة الفقراء الذين لا جاه لهم وذلك من جملة الإخلال بالأدب مع الجليس ولو أنه جلس عند فاسق يشرب الخمر ويترك الصلاة من الولاة ما جلس إلا متأدبا مطرقا كالجالس في الصلاة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/423)
- روى الشيخان مرفوعا : لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا أو تفسحوا يفسح الله لكم . وكان أبو بكرة وابن عمر إذا قام لهما أحد من مجلسه لن يجلسا فيه ويقولان إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك . والله أعلم
- ( وكذلك أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس في موضع من قام لنا من مجلسه سواء كان بأمرنا أو لأجل حرمتنا عنده أو لغير ذلك وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الراغبين في الدنيا المعظمين لأهلها من الفقراء فترى أحدهم يقوم من مجلسه في علم أو صلاة ولو في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم ويجلس ذلك الغنى بماله مكانه ويتخلف هو إلى وراء ولا يفعل ذلك مع فقير مثله . فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ صادق حتى يخرجه عن محبة الدنيا وتعظيم أهلها ويحبه في الفقراء والمساكين وفي تعظيمهم وإكرامهم فإن تعظيم أهل الدنيا من لازم من يحبها وتعظيم أهل الله من لازم من يحب الآخرة وتعظيم الفريقين من لازم من يحب الله لأن الغنى والفقير كلاهما من أهل حضرة الله عز و جل الجامعة لاسمه المعطي والمانع والمعز والمذل . { والله عليم حكيم } . وقد روى أبو داود : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك (1/424)
- روى مسلم وأبو داود وابن ماجه مرفوعا : [ [ إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به ] ] . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ الرجل أحق بمجلسه فإذا ذهب لحاجة ثم رجع فهو أحق بمجلسه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بترك معاونة من قام من مجلسه ورجع عن قرب وأراد أن يجلس فيه لا سيما إن كان بسط مكانه سجادة أو وضع رداءه مكانه ونحو ذلك وهذه المسألة خلاف من يرسل له سجادة يبسطها في مكانه قبل حضوره فافهم فإنه لا حق له في الجلوس في ذلك المكان وليس له أن يقيم من رفع السجادة وجلس مكانها لأن الشارع ما جعل الحق إلا لمن كان جالسا ثم قام لا لمن أرسل سجادته قبله مع أن في ذلك تحجيرا على الناس فافهم (1/425)
- روى أبو داود والترمذي مرفوعا : [ [ لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ] ] . وفي رواية لأبي داود : [ [ لا تجلس بين رجلين إلا بإذنهما ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس بين اثنين إلا إن علمنا ولو بالقرائن رضاهما بذلك لاسيما إن رأيناهما يتحدثان ويتسارران ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى حذق وفراسة والله تعالى أعلم (1/426)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس على الطرقات سواء كنا على باب مسجد أو طاقات بيت أو شباك مسجد أو غير ذلك إلا لضرورة شرعية وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس اليوم ممن ليس لهم همة بحرفة ولا اشتغال بعلم ولا عبادة فيجلسون في الحوانيت وأبواب المساجد ولا يغضون أبصارهم ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر وربما استغابوا من مر عليهم من العلماء والعمال والمباشرين والمحترفين والظلمة والمكاسين والصالحين فلا يقومون من باب الجامع إلا وقد اجتمع عليهم عدة آثام ولو أنهم لم يجلسوا في هذه الأماكن لما كان عليهم من ذلك إثم واحد { والله غفور رحيم } . وكان الشيخ محمد الغمري وولده الشيخ أبو العباس وشيخي الشيخ أمين الدين بن النجار رضي الله عنهم يخرجون من المجاورين من رأوه يجلس على باب المسجد من غير حاجة ويقولون له أنت جئت عندنا تقرأ القرآن وتتعلم العلم والأدب وإلا جئت تتفرج على الناس في السوق اذهب من مكاننا إلى مكان آخر . وكان الشيخ أمين الدين رحمه الله يزجر كل الزجر كل من رآه جالسا على باب مسجد أو باب حانوت ويقول : إنما بنيت المساجد للصلاة ولذكر الله تعالى والجلوس بين يدي الله عز و جل فمن لم يقدر على الجلوس بين يدي الله عز و جل في بيته فليذهب إلى السوق . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (1/427)
- قد روى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ من بات على ظهر بيت ليس له حجارة فقد برئت منه الذمة ] ] . وفي رواية : حجاب بالباء بدل الراء . وفي رواية للترمذي : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينام الرجل على سطح ليس بمحجور عليه . وفي رواية للطبراني مرفوعا : [ [ من رقد على سطح لا جدار له فمات فدمه هدر ] ] . ورواه أحمد مرفوعا بلفظ : [ [ من بات فوق أجار - أي فوق بيت ليس من حوله شيء يرد داخله - فقد برئت منه الذمة ] ] . والأجار هو السطح وارتجاج البحر : هيجانه وغلبة الغرق فيه بالنسبة إلى السفن السالمة من الغرق فيكون عدد السفن التي تغرق أكثر من السالمة . { والله عليم حكيم }
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن نشفق على نفوسنا من تعاطي كل شيء يؤذيها في الدنيا والآخرة فليس لنا أن ننام فوق سطح لا حظير له أو نركب بحرا حال ارتجاجه يعني غلبة الغرق على راكبه والشر في ذلك أن الروح أمة الله تعالى وعبده والواجب علينا إكرامها من هذه الحيثية لا من حيث حكم الطبع والجبن فإن كان عارف يشهد نفسه كأنها غيره وهي أمانة عنده يقول الإنسان قالت لي نفسي كذا أو قلت لها كذا مع أنه واحد وهنا باب لو فتحناه لأظهرنا عجبا . { والله عليم حكيم } (1/428)
- روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه و سلم مر برجل مضطجع على بطنه فغمزه برجله وقال : [ [ إن هذه ضجعة لا يحبها الله عز و جل ] ] . وفي رواية أخرى لأبي داود قال : [ [ هذه ضجعة يبغضها الله تعالى ] ] . وفي رواية لابن ماجه : قال أبو ذر مر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا مضطجع على بطني فوكزني برجله وقال : [ [ يا جنيدب إنما هذه هي ضجعة أهل النار ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نعود نفوسنا بترك السنة في وقت من الأوقات كالنوم على الوجه من غير ضرورة كما يقع كثير ممن يكثر النوم عبثا فيضجر من النوم على جانب فينتقل إلى الجانب الآخر وينتقل إلى الظهر ثم البطن ولو أنه نام على جنبه اليمين بقدر نوم الحاجة لكان إذا استيقظ قام للوضوء والصلاة ولم ينتقل لجانب آخر فلا أكمل من السنة المحمدية أبدا . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : من فوائد النوم على الجانب الأيمن عدم الإسراف في النوم الزائد على الحاجة لكون القلب متعلقا في الجانب الأيسر فيصير كأنه مستيقظ . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } (1/429)
- روى الإمام أحمد بإسناد جيد مرفوعا : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يجلس المرء بين الضح والظل وقال إنه مجلس الشيطان . والضح : هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض . وقال ابن الأعرابي : هو نور الشمس . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ إذا كان أحدكم في الضح وفي رواية : في الشمس فقلص عنه الظل فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم ] ] . ولفظ رواية الحاكم وقال صحيح الإسناد : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجلس الرجل بين الظل والشمس . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس بين الظل والشمس عملا بالعدل في جسمنا فإما ننام في الظل وحده أو في الشمس وحدها أو الغيم وكذلك لا ننام تحت السماء من غير حجاب من سقف أو ستر أيام الصيف لأن ذلك بجعل بدن الإنسان كالقرن أو الرصاص من الثقل فيكسل عن قيام الليل ولا يصير له نهضة فينبغي لمن له ورد في الليل أن ينام تحت سقف ويغلق الشباك أو الطاق التي يأتي منها الهواء عند النوم حتى لا يحصل لبدنه ثقل فيترك قيام الليل والله تعالى عليم حكيم (1/430)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقالت عائشة رضي الله عنها : كلنا نكره الموت قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه ] ] . وفي رواية للإمام أحمد وغيره : [ [ فإن الكافر أو الفاجر إذا احتضر جاءه ما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه ] ] . روى ابن أبي الدنيا والطبراني وابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وقلل له في الدنيا ومن لم يؤمن بك ولم يشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ] ] . وفي رواية لابن ماجه مرفوعا : [ [ اللهم من آمن بي وصدقني وعلم أن ما جئت به الحق من عندك فأقلل ماله وولده وحبب إليه لقاءك وعجل له القضاء ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به الحق من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره ] ] . وروى الطبراني مرفوعا بإسناد جيد : [ [ تحفة المؤمن الموت ] ] . وروى الإمام أحمد مرفوعا : [ [ يقول الله عز و جل للمؤمنين : لم أحببتم لقائي فيقولون : رجونا عفوك ومغفرتك قد وجبت لكم مغفرتي ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى أسباب كراهيتنا الموت من كثرة المعاصي أو كثرة بناء الدور وغرس البساتين ونحو ذلك وهذا العهد قد وقع في خيانته غالب الناس حتى لا تكاد تجد أحدا منهم مستعدا للموت فيستحب للعبد تعاطي الأسباب التي يصير العبد بها يحب لقاء الله عز و جل ولا يتخذ هذه الدنيا وطنا وإنما يتخذها جسرا يمر عليه إلى الدار الأصلية الباقية . ومعلوم أن القدوم على من يرجى خيره وهو الله عز و جل خير من المقام مع من لا يؤمن شره من النفس والشيطان وفسقة الناس . وقد أنشدني الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ شعبان المجذوب :
لا تظنوا الموت موتا إنه ... لحياة هي غايات المنى
ولا ترعكم فجأة الموت فما ... هي إلا نقلة من ههنا
وهذا في حق من جاهد نفسه حتى ماتت عن أهويتها وجميع تصرفاتها فغاية موته أنه انتقل من دار إلى دار وأما من لم يجاهد نفسه فلا بد له من علاج سكرات الموت ومقاساة أهواله . وفي الحديث : من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى أبي بكر رضي الله عنه . لكونه كان قد قتل نفسه بسيوف المجاهدات ومحق إرادتها واختياراتها بالتسليم للحق تعالى فاعلم أنه ما قاسى أحد شدة في طلوع روحه إلا لعدم مجاهدته نفسه المجاهدة المطلوبة منه بالنظر لمقامه هو وقد أنشد سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه في مجاهدة النفس :
فأوردتها ما الموت ليس بعضة ... وأتعبتها كي ما تكون مريحتي
ولم يبق هول دونها ما ركبته ... وأسهد نفسي فيه غير زكيتي
إلى آخر ما قال
وبالجملة فلا بد لمن يريد العمل بهذا العهد من السلوك على يد شيخ صادق يسلك به حتى يدخله حضرة الأحباب ولا يبقى عنده عذاب أعظم من الحجاب فلو عرض على هذا النار والحجاب لاختار النار بلا حجاب وقد أنشد الشبلي في ذلك :
والهجر لو سكن الجنان تحولت ... نعم الجنان على العبيد جحيما
والوصل لو سكن الجحيم تحولت ... نار الجحيم على العبيد نعيما
ومن لم يسلك على يد شيخ فمن لازمه محبة الإقامة في محل العبد وكراهة النقلة منه . وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول : إن الموت يصعب على البعد ويخف بحسب علائقه في الدنيا وما خرج عن ذلك سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكمل أتباعهم فهم وإن حصل لهم صعوبة طلوع روح فإنما ذلك لطلبهم الإقامة في الدنيا ليكملوا مقامات أتباعهم لما جعله الله فيهم من الشفقة والرحمة ومحبة الخيرات لسائر أممهم فليس صعوبة طلوع روحهم لعلاقة دنيوية لعصمتهم أو حفظهم وعلى ذلك حملوا قوله صلى الله عليه و سلم وهو محتضر واكرباه فإنه صلى الله عليه و سلم لم يكن له علاقة دنيوية بإجماع . { والله غفور رحيم } (1/431)
- روى أبو داود وغيره مرفوعا : [ [ اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ] ] . وفي الصحيح مرفوعا : [ [ إذا حضرتم الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون ] ] . وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا ] ] . وروى أبو داود مرفوعا : [ [ إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا فيه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى أسباب الأذى للناس في حياتنا فنوقعهم في الإثم بسبنا بعد موتنا ووقوعهم في غيبتنا ولو أنا كنا تعاطينا أسباب الخير للناس لأثنوا علينا ولم يقعوا في إثم غيبتنا . وكان سيدي عليا الخواص يقول : ربما يؤاخذ العبد إذا تعاطى أسباب الغيبة ويكون حكمة حكم من قدر على إزالة منكر ولم يزله . وسمعته مرة أخرى يقول : يجب على العبد أن يحافظ على الناس أديانهم ولا يفتح لهم بابا ينقص به دينهم . ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يفني اختياره في اختيار حتى يشد عنه جميع الأبواب التي يأتيه منها النقص كنقل غيبة الناس له فإنهم لا يستغيبونه إلا بذكر النقائص التي ظهرت منه ولو أنه حفظ نفسه من الوقوع في النقائص لما وجد عدوه شيئا ينقصه به ثم لو قدر أنه نقصه بشيء كذبه الناس وردوا عنه . فاسلك يا أخي على يد شيخ كما ذكرنا وإلا فمن لازمك تعاطي أسباب غيبة الناس لك وعلى قاعدة قولهم : من سلك مسالك التهم فلا يلومون من أساء به الظن وأنه ينبغي لمن تعاطى أسباب غيبة الناس له أن لا يرى له حقا على من استغابه في الآخرة لكونه كان هو السبب في وقوع الناس في الإثم فإن كان ولا بد أن يؤاخذ من اغتابه فليسامحه بالغيبة ليكون ذلك بذلك . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : إياك أن تفهم من قاعدة من سلك مسالك التهم فلا يلومن من أساء به الظن إباحة الغيبة له فإن ذلك فهم مخطئ بل التحريم باق إلا أن يجاهر بما استغابه به ونحو ذلك من الأمور التي أباح العلماء الغيبة بها . فإياك يا أخي أن تذكر أحدا من الموتى بسوء ولو تعاطى الميت أسباب النقص في حياته فكما عليه اللوم فكذلك علينا اللوم . { والله غفور رحيم } فتأمل في ذلك وإياك والغلط (1/432)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ] ] . وفي رواية : [ [ من ينح عليه ] ] . وفي رواية مرفوعا : [ [ من ينح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ اثنتان هما في الناس : كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت ] ] . وفي رواية لابن حبان في صحيحه وصححها الحاكم مرفوعا : [ [ ثلاثة من الكفر بالله : شق الجيب والنياحة والطعن في النسب ] ] . والجيب هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه . وروى الترمذي مرفوعا : [ [ إياكم والنعي فإنه من عمل الجاهلية ] ] . وكان عبدالله بن مسعود يقول : النعي هو الأذان بالميت لا لصلاة عليه فإن أعلمهم ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه فلا بأس . وروى أبو داود عن امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم من المعروف أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا ولا ننشر شعرا . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لعن الله الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن أحدا من عيالنا وأولادنا وجيراننا وغيرهم ينوح على ميت ولا ينعيه بنعي الجاهلية ولا يلطم وجه نفسه لأجله ولا يخمش وجهه ولا يشق ثوبه ولا يحلق شعر رأسه إن كان يربي شعره ولا نمكن عيالنا من حلق رؤوسهن ولا غير ذلك مما يشعر بالسخط على مقدور الله عز و جل وعدم الرضا به وهذا العهد يتساهل بخيانته غالب الناس مع علمهم بتحريم هذه الأفعال . وقد مات ولد لأبي بكر الشبلي مرة فحلقت أمه رأسها فدخل الشبلي فرآها فحلق الآخر لحيته وقال أنت حلقت على مفقود وأنا حلقت على موجود ودخل مرة أخرى على زوجته وهو في حال فوجدها لا لحية لها فدخل الحمام ورمى شعر لحيته بالنورة وقال أحب موافقة زوجتي . فإياك يا أخي والاعتراض على أحد من أرباب الأحوال إذا فعل مثل ذلك وسلم لهم حالهم فإنهم في حال غلبة الحال غير مكلفين كما هو مقرر بين القوم ثم إذا من الله تعالى على الواحد منهم بالكمال حفظ أفعاله كلها من مخالفة للسنة . وقد دخل الشبلي مرة على الجنيد وهو جالس على سرير هو وزوجته فأرادت زوجة الجنيد أن تستتر فقال لها ليس هو هنا فتكلم الشبلي ساعة ثم رجع إلى إحساسه فقال الجنيد قد رجع إلى إحساسه استتري الآن فلو كان الجنيد يرى أنه مكلف لأمر زوجته بالستر وأنكر على الشبلي الدخول على زوجته بغير إذن وما ذكرت لك هذه الحكاية إلا خوفا عليك من المقت فإن صاحب الحال ربما أثر فيمن أنكر عليه . واعلم أنه لا فرق في تحريم النوح والندب بين أن يكون من أهل الميت أو الأجانب سواء كان ذلك من النساء بأجرة أو بغير أجرة والله غفور رحيم (1/433)
- قد روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ] ] . ولما مات أبو سفيان دعت ابنته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فمست منه بعارضيها ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول على المنبر : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر . وكذلك فعلت زينب بنت جحش لما مات أخوها . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن امرأة من نساء أهلنا أو غيرهم أن تحد على غير زوجها فوق ثلاثة أيام ويلحق بذلك رفع عصابتها المعتادة ولبسها قلنسوة الرجال إظهارا للحزن على ولدها أو ولد صاحبتها أو أختها ونحو ذلك وهذا العهد يقع في خيانته كثير من نساء العلماء والصالحين فضلا عن غيرهم فيجب على كل مسلم أن يزجر النساء عن مثل ذلك ولو أن يهجرها في المضجع والله عليم حكيم (1/434)
- روى مسلم وغيره : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي ذر إني أراك رجلا ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم . وفي حديث الشيخين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عد أكل مال اليتيم من الكبائر . وروى أبو يعلي وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ يبعث الله يوم القيامة قوما من قبورهم تتأجج أفواههم نارا فقيل من هم يا رسول الله . قال ألم تر أن الله تعالى يقول : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نلي مال اليتيم خوفا على أنفسنا أن نميل إلى الأكل منه بغير حق فكيف بنا لو أكلناه وهذا العهد يجب على كل من استبرأ لدينه وعرضه أن يعمل به وقد ظن جماعة من الأكابر الثقة بأنفسهم والخوف من الله تعالى فولوا مال الأيتام وأكلوها وجادلوا الحكام وقرابات اليتيم وادعوا فيه حيلا وتلفا وأمورا لا حقيقة لها فإذا كان الأكابر قد وقعوا مع علمهم ودينهم فكيف بأمثالنا فمن الحزم بعدنا عن أموال اليتامى جهدنا . وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : إياك أن تسند وصيتك إلى من رأيته كثير الجدال وتقول إنه يخلص مال اليتيم ممن هو عنده بكثرة جداله فإنه ولو خلصه ربما أكل بعد ذلك مال اليتيم وجادل كل من أنكر عليه ويدحض حجته لأن حكم الناس معه حكم الجاهل بالدقاق إذا تقدم يداقق عالية ؟ ؟ العوال وكان يقول إياكم والقرب ممن يتخذ علمه سلاحا يقاتل به الجاهلين بغير حق فإن طلبت يا أخي أن تلي مال اليتيم فاعرض على نفسك فإن رأيتها تخاف الله وتخشاه بالغيب ولا تتجرأ على معصية حياء من الله أو خوفا منه فاقبل ولاية مال اليتيم وإن علمت أنها تعصي ربها إذا خلت فاعلم أنها لا تصلح أن تلي مال يتيم إذ اليتيم وليه الله تعالى والله تعالى غيب غير مشهود لنا في أغلب أوقاتنا فما هناك أحد يشهده حتى يرى عليه فربما مقت والله عليم حكيم (1/435)
- روى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لعن الله زوارات القبور ] ] . وروى ابن ماجه وأبو يعلي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج فإذا نسوة جلوس قال : ما يجلسكن ؟ قلن ينتظرن الجنازة . قال : هل تغسلن ؟ قلن لا : قال : هل تحملن ؟ قلن لا : قال هل تدلين فيمن يدلي ؟ قلن لا : قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمكن عيالنا من الخروج مع جنازة ولا لزيارة قبور أولادهن فضلا عن أولاد غيرهن لكن إن رأينا عند إحداهن شدة جزع ورجونا زوال ذلك بزيارتها استأذنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقلب ثم مكناها من الخروج مع ثقة وهذا العهد يقع في خيانته كثير من الناس حتى العلماء والصالحين وربما تقول لأحدهم امرأته إن فلانة لها على دين في زيارتها لولدي لما مات ومرادي أن أكافئها وهي كاذبة ومراعاة غرض الشارع وهو عدم تمكينهم من الزيارة أولى من مراعاة امرأة حكمها حكم المرتدة عن دينها بتركها الصلاة وكثرة سخطها على ربها والله عليم حكيم . وقد روى الترمذي وقال حديث حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ [ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد صلى الله عليه و سلم في زيارة قبر أمه فزورها فإنها تذكركم الآخرة ] ] . وفي رواية للطبراني : ولا تكثروا زيارتها . يعني خوف عدم الاعتبار بها فإن كل شيء كثر هان وقيل لئلا يكتسب الإنسان موت القلب بمشاهدة الأموات وقيل غير ذلك . وقال الحافظ عبدالعظيم رحمه الله قد كان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن زيارة القبور نهيا عاما للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهي في حق النساء وقيل كانت رخصة عامة . والله أعلم (1/436)
- روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه يعني لما وصلوا الحجر ديار ثمود : [ [ لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم ] ] . وفي رواية لهما أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مر بالحجر قال : [ [ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ] ] ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمر على قبور الظالمين ولا على ديارهم غافلين عما أصابهم ونحن نجد طريقا بعيدة عن قبورهم وديارهم وذلك لأن قبورهم لا تخلو من نزول اللعنة عليها أو الغضب والمقت فربما أصابنا نصيب وافر من ذلك إذا مررنا على قبورهم . واعلم أن هذا في حق المطيعين لله الذين لا ذنب عليهم ولا يلبسون لباس الخيلاء ولا تخطر الفحشاء على خواطرهم ولا المكر بأحد من المسلمين أما أهل هذه الصفات فهم يستحقون الخسف بهم ولكن الله تعالى يحلم عليهم فالظلم لا يفارقهم في أنفسهم في أي موضع حلوا ولو في المساجد . وقد مر في عهد الكبر أن شخصا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما هو يمشي في زقاق أبي لهب إذ نظر إلى عطفه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة فليحذر من كان مضمرا لأحد من المسلمين سواء من وقوع العذاب به ونزول الغضب والمقت عليه قال تعالى : { أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف } . فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليظهر لك صفاتك الخبيثة ويطهرك منها وتصير ترى أنك قد استحقيت الخسف بك لولا عفو الله وتكون خائفا على الدوام والله يتولى هداك (1/437)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ عذاب القبر حق ] ] . وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا : [ [ إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم تسمع أصواتهم ] ] . وروى مسلم مرفوعا : [ [ لولا أن لا تدفنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر ] ] . وروى الترمذي وقال حديث حسن مرفوعا : [ [ القبر أول منزلة من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ] ] . وروى البزار ورواته ثقات عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . وروى الترمذي وغيره مرفوعا : [ [ ما من مسلم يموت يوم الجمعة وليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ] ] . والأحاديث في عذاب القبر وأحوال أهله فيه كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتعاطى أسباب عذاب القبر كعدم الاستبراء من البول والمشي بالنميمة وسوء الظن بالمسلمين كأكل الحرام وسائر ما يغضب الله عز و جل وذلك لأن هذه المعاصي تحجب القلوب عن مشاهدة الأمور التي يجب الإيمان بها وإذا حجبت القلوب عن ذلك وقعت في الشك بالله تعالى فضلا عن الشك في نبيها وإذا وقعت في الشك جاءها العذاب من كل جانب فالعاقل من ترك جميع ما يغضب الله تعالى قبل موته والأخرق من وقع في المعاصي ولم يتب وسأل الله تعالى أن يعيذه من عذاب القبر . وقد أخبرني سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى : أن شخصا من القضاة كان يؤذي سيدي إبراهيم المتبولي وينكر عليه وكان القاضي سيء الخلق فلما مات تطور خلقه السيء كلبا أسود فجلس على نعشه والناس ينظرون إلى أن نزل معه القبر وكان سيدي إبراهيم يقول له إن هذه البوصة التي في يدك أصعب عليك من عتلة الحرامي فكم تكتب بها على الناس أمورا لا تتيقنها . وأخبرني الشيخ أحمد الحفار من جماعة شيخنا نور الدين الشوني رحمه الله قال : نزلت ألحد شخصا فرأيت شخصا واقفا في اللحد فلما عارضني ضربت رجليه بالفأس فكسرته ونزلت فجعلته في جانب وألحدت ذلك الشخص ثم نمت وأنا خائف من ذلك الأمر فرأيت ذلك الرجل في المنام وهو يقول لي جزاك الله عني خيرا الذي كسرت رجلي حتى نزلت إلى الأرض فإن لي أربعين سنة لم يؤذن لي في الجلوس فقلت له وما ذنبك ؟ فقال جلست يوما على طعام قاض فعوقبت بذلك فإذا كان هذا حال الجالس على طعام القاضي فما حال القاضي ؟ نسأل الله اللطف . وكان سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : كم من ضريح يزار وصاحبه في النار . وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : إنما كانت البهائم تسمع عذاب القبر لأنها من عالم الكتمان فكل من اتصف بمقام الكتمان من الأولياء سمع عذاب القبر . وقد أخبرني الشيخ على الأتميدي صاحب الشيخ محمد بن عنان أن شخصا كان يصيح في قبره كل ليلة في مقبرة برهمتوش بالشرقية فأخبروا بذلك الشيخ محمد بن عنان فمضى إليه وقرأ عنده سورة الفاتحة وتبارك وسأل الله تعالى أن يشفعه فيه فمن تلك الليلة ما سمع له من صياح إلى الآن . فاترك يا أخي كل ما يغضب الله تعالى إن أردت أن لا تعذب في قبرك والله يتولى هداك (1/438)
- روى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا : [ [ لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ] ] . وروى ابن ماجه مرفوعا : [ [ لأن امشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر ] ] . وروى الطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقول : لأن أطأ على جمرة أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم . وروى الطبراني عن عمارة بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا على قبر فقال يا صاحب القبر انزل من على القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك . وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ كسر عظم الميت ككسره حيا ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نجلس على قبر مسلم وأن ننهي الحفارين عن كسر عظام الميت ونعلمهم بما ورد في ذلك من الوعيد ونغضب لذلك أشد الغضب . وقد كان سيدي علي الخواص رحمه الله يصلي على الجنائز ويرجع ويقول إنما لم نحضر الدفن لأنه قد كثر من الحفارين كسر عظام الموتى ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح . والله أعلم (1/439)
- روى الطبراني ورواته ثقات مرفوعا : [ [ يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان ] ] زاد أحمد [ [ حتى أن السفن لو أجريت في عرقهم لجرت ] ] . وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة فيقول : يا رب أرحني ولو إلى النار ] ] . زاد في رواية للحاكم : [ [ وهو يغلي فيها من شدة العذاب ] ] . وفي رواية للطبراني وغيره : [ [ يكون الناس على قدر أعمالهم في العرق . فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ] ] وأشار صلى الله عليه و سلم إلى فيه . والله أعلم . زاد في رواية للإمام أحمد والطبراني وابن حبان : [ [ ومنهم من يغطيه عرقه ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نترك شيئا من الأعمال الشاقة التي يخرج منا العرق بسببها كحفر الآبار والقبور والذكر بالهمة ونحو ذلك إلا عملناه فإن لم يتيسر لنا ذلك استغفرنا الله تعالى من عدم فعل ذلك وهذا العهد قد قل العاملون به وركنت نفوسهم إلى الأعمال الخفيفة التي لا يخرج ممن فعلها عرق فيجتمع عليهم ذلك العرق الذي لم يخرجوه في دار الدنيا في طاعة الله عز و جل فيخرج عليهم يوم القيامة فيلجمهم أو يصير إلى حقويهم أو يغطي رءوسهم كما ورد ولو أنهم تعاطوا فعل الطاعات الشاقة التي تخرج عرقهم لكان عرقهم يخف عنهم يوم القيامة حتى يصير إلى خلخال رجلهم أو أقل من ذلك ويقاس بالعرق العري والعطش والجوع والخوف وسائر المفزعات فمن كسى فقيرا لله بعث مكسوا ومن سقاه بعث مرويا ومن أطعمه بعث شبعانا ومن خاف من الله هنا أمن منه هناك فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك (1/440)
- روى الترمذي وقال حديث صحيح مرفوعا : [ [ لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه وعن عمله ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ] ] . فهذه أمهات الأمور التي يسأل العبد عنها وما عداها فروع . والله تعالى أعلم . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ] ] . وروى أبو داود والطبراني والبزار مرفوعا : [ [ من نوقش الحساب عذب ] ] وروى الإمام أحمد ورواته رواة الصحيح مرفوعا : [ [ لو أن رجلا خر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت في طاعة الله عز و جل لحقره ذلك اليوم ] ] . وروى البزار مرفوعا : [ [ يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين : ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله عز و جل فيقول الله تعالى لأصغر نعمة في ديوان النعم خذي ثمنك من عمله الصالح فتستوعب عمله الصالح ثم تجيء وتقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح فإذا أراد الله عز و جل أن يرحم عبدا قال : يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك ووهبت لك نعمتي ] ] . وروى الشيخان مرفوعا : [ [ لن يدخل أحدا الجنة عمله . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ] ] . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نغفل عن محاسبة نفوسنا في جميع أحوالنا لا سيما العلم والمال والعمر والجسم فمن حاسب نفسه هنا خف حسابه هناك وكان يسيرا ومن أهمل نفسه هنا طال حسابه هناك وكان عسيرا . وكان سيدي أحمد بن الرفاعي رحمه الله يقول : من لم يحاسب نفسه على الخطرات واللحظات في كل نفس لم يكتب عندنا في ديوان الرجال وإيضاح ذلك أن مراد الحق تعالى بحسابه عبده الاعتراف بما جناه ورؤية الفضل لله تعالى في حلمه على العبد أو ترك مؤاخذته فمن كان معترفا له بذلك لا يحاسب إلا فيما أغفله هنا فإن قدر أنه لم يغفل عنه شيئا لم يحاسب أصلا . واعلم أن أكثر الناس اليوم قد عدموا مناقشة نفوسهم في العمل بعلمهم ومناقشتها في المال الذي دخل في يدهم ومناقشتها في إنفاقه أو إمساكه هل يرضاه الله تعالى أم لا ؟ وكذلك عدموا مناقشة نفوسهم في ذهاب عمرهم في اللهو والغفلة والمعاصي فإن كل وقت مضى يختم عليه بما فيه وكذلك عدموا المناقشة في جسمهم هل بلى في طاعة الله عز و جل أو معصيته أو نوم أو لغو أو لعب فيا طول وقوفنا والله في تلك المواطن إلا أن يتغمدنا الله تعالى برحمته . واعلم يا أخي أنه كلما كثر علم العبد كثر حسابه وكذلك القول في المال والعمر فيسأل العالم عن كل مسألة تعلمها هل عمل بها أم لا وعن كل درهم اكتسبه هل فتش عليه من حيث الحل أم لا وهكذا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1/441)
- روى الشيخان مرفوعا : [ [ يضرب الجسر على جهنم قيل يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالطير وكالريح وكأجاويد الخيل وكالركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم ] ] . والدحض : هو الزلق والمزلة : هو المكان الذي لا تثبت عليه الأقدام إذا زلت والمكدوش : هو المدفوع في نار جهنم دفعا عنيفا . والله أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نتهاون بتمادينا على شيء من العوج في أعمالنا وأحوالنا ما دمنا في هذه الدار فإن مشينا على الصراط على صورة مشينا هنا على الشريعة المحمدية فمتى زغنا هنا زغنا هناك . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول سرعة مرور الناس على الصراط وبطؤهم يكون بحسب مبادرتهم لفعل الطاعات وتخلفهم عنها . وسمعت سيدي محمد بن عنان رحمه الله يقول : ثبوت الأقدام على الصراط يكون بحسب طول الوقوف بين يدي الله عز و جل في قيام الليل ومزلة الأقدام تكون بحسب تركه القيام في بعض الليالي . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : المشي على الصراط حقيقة إنما هو ههنا في هذه الدار فمن تحفظ في مشيه هنا على الشرع حفظ في مشيه على الصراط المحسوس في الآخرة فالعاقل من استقام هنا في أفعاله وأقواله وعقائده ولم يسامح نفسه بشيء يقع فيه من الذنوب بل يتوب ويندم على الفور والله يحفظ من يشاء كيف يشاء (1/442)
- روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ أبدا ] ] . زاد في رواية للطبراني والبزار بعد قوله : [ [ أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج ] ] . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نمل من كثرة تعلمنا العلم والعمل به لكون شربنا من حوض نبينا صلى الله عليه و سلم يكون بقدر تضلعنا من الشريعة كما أن مشينا على الصراط يكون بحسب استقامتنا بالعمل بها كما مر في العهد قبله فالحوض علوم الشريعة والصراط أعمالها . ويحتاج العامل بهذا العهد إلى تحفظ زائد في العلم والعمل ولا يكون ذلك إلا إن سلك العبد طريق السلف الصالح على يد شيخ مرشد لكثرة احتفاف العلم والعمل بالآفات الخفية التي لا يكاد يشعر بها إلا كمل العارفين فإن الرياء يدق مع السالك في المراتب حتى يخفى جدا فالرياء كالكدر في الماء كلما روق بشب ونحوه كلما صفا وتميز من الطين . فاجتهد يا أخي في حفظ الشريعة ولا تغفل وعليك بكتب الحديث فطالعها لتعرف منازع الأئمة ولماذا استندوا إليه من الآيات والأحاديث والآثار ولا نقنع بكتب الفقه دون معرفة أدلتها والله يتولى هداك (1/443)
- روى البخاري كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة ] ]
وروى الشيخان : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا حذر من النار أعرض وأشاح حتى يظن الناس أنه ينظر إليها . قال الفراء : والشح على معنيين : المقبل إليك والمانع لما وراء ظهرك وقوله أعرض وأشاح : أي أقبل
وروى الشيخان والترمذي والنسائي واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال لما نزلت هذه الآية { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال : [ [ يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة ابن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا ] ]
وروى الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في خطبته [ [ أنذرتكم من النار رافعا بها صوته حتى لو أن رجلا كان بالسوق لأسمعه حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه ] ]
وروى الشيخان : [ [ إنما مثلي ومثل أمتي كرجل استوقد نارا فجعلت الفراش والدواب يقعن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ] ] . وفي رواية لمسلم : [ [ إنما مثلي كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمون فيها قال فذلكم مثلي ومثلكم ] ] . والحجز : جمع حجزة وهي معقد الإزار
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ اهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها والنار لا ينام هاربها ] ]
وروى البيهقي مرفوعا : [ [ يا معشر المسلمين ارغبوا فيما رغبكم الله فيه واحذروا مما حذركم الله منه وخافوا مما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم فإنها لو كانت قطرة من النار معكم في دنياكم التي أنتم فيها خبئتها ؟ ؟ عليكم ] ]
وروى البزار مرفوعا : [ [ مررت ليلة أسرى بي على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ فقال هؤلاء الذين تثاقل رؤوسهم عن الصلاة ثم مررت على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد ثم مررت على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها فقلت يا جبريل من هذا ؟ فقال : هذا رجل من أمتك عليه أمانة للناس لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها ثم مررت على قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء خطباء الفتنة الذين يقولون ما لا يفعلون ويعظون الناس ولا يتعظون ] ] . وسيأتي أن جب الحزن واد في جهنم أعده الله للفقراء المرائين . قلت : وظاهر السياق يقتضي أن هذا العذاب بأنواعه في حق عصاة الموحدين لا في حق المشركين فإياك أن تقول هذا في حق الكفار فإنه يؤدي إلى نفي تعذيب أحد من أهل القبلة وهو خلاف مذهب أهل السنة والجماعة فلا بد من طائفة تدخل النار من الموحدين ثم تخرج من النار بالشفاعة . وانظر يا أخي إلى ما كان عليه السلف الصالح من الخوف حتى كأن النار ما خلقت إلا لهم واسلك طريقهم . وفي حديث البزار : [ [ ثم مررت على واد فسمعت صوتا منكرا فقلت : يا جبريل ما هذا الصوت ؟ فقال : هذا صوت جهنم تقول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني وقد بعد قعري واشتد حري ائتني بما وعدتني قال لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب قالت قد رضيت ] ] . فهذا يقتضي أن أهلها الحقيقيين هم هؤلاء . والله تعالى أعلم
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : [ [ والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال رأيت الجنة والنار ] ]
وروى البزار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بقوم وهم يضحكون فقال تضحكون وذكر الجنة والنار بين أظهركم ؟ قال ابن الزبير : فما رؤي أحد منهم ضاحكا حتى مات ونزلت فيهم { نبئ عبادي أني الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم }
وروى أبو يعلي : أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب يوما فقال : [ [ لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار ثم بكى حتى جرى وبل دموعه على جانب لحيته ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة لمشيتم إلى الصعدات ولحثيتم على رؤوسكم التراب ] ]
وروى الطبراني : أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم في غير حينه الذي كان يأتيه فيه فقام إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ [ يا جبريل ما لي أراك متغير اللون ؟ فقال : ما جئتك حتى أمر الله بمنافخ النار ] ] . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ [ يا جبريل : صف لي النار وانعت لي جهنم . فقال جبريل : إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت . ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها والذي بعثك يا محمد بالحق لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعا من حره والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز لأهل الأرض لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعمت الله في كتابه وضعت عل جبال الدنيا لارفضت ولغارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حسبي يا جبريل لا ينصدع قلبي فأموت فبكى جبريل فقال النبي صلى الله عليه و سلم تبكي يا جبريل وأنت بالمكان الذي أنت فيه ؟ فقال : وما لي لا أبكي ؟ أنا أحق بالبكاء لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا أؤملها وما أدري لعلي أبتلي بما ابتلى به هاروت وماروت فما زال رسول الله صلى الله عليه و سلم وجبريل يبكيان حتى نودي : أن يا جبريل ويا محمد إن الله تعالى أمنكما أن تعصياه فارتفع جبريل عليه السلام وخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فمر بقوم من الأنصار يضحكون ويلعبون فقال تضحكون ووراءكم جهنم فلو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما أسغتم الطعام والشراب ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز و جل ] ] . والصعدات : هي الطرقات
وروى الطبراني : أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم حزينا لا يرفع رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لي أراك يا جبريل حزينا ؟ فقال : إني رأيت لفحة من جهنم فلم ترجع إلي روحي بعد
وروى الإمام أحمد : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لجبريل : ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكا قط ؟ فقال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار
وروى ابن ماجه والحاكم مرفوعا : [ [ إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها طفئت بالماء مرتين ما استمتعتم بها وإنها لتدعوا الله تعالى أن لا يعيدها فيها ] ]
وروى مسلم والترمذي مرفوعا : [ [ يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ] ]
وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا : [ [ إن نار جهنم فضلت على ناركم هذه بتسعة وتسعين جزءا أكلهن مثل حرها ] ]
وروى البيهقي مرفوعا : [ [ أتحسبون أن نار جهنم مثل ناركم هذه ؟ هي أشد سوادا من القار ] ]
وفي رواية للإمام أحمد [ [ إن هذه النار جزء من مائة جزء من نار جهنم ] ]
وروى البزار مرفوعا : [ [ لو أن في المسجد مائة ألف أو يزيدون فتنفس رجل من أهل النار لأحرقهم ] ]
وروى الطبراني مرفوعا : [ [ لو أن غربا من جهنم جعل في وسط الأرض لأذى نتن ريحه وشدة حره ما بين المشرق والمغرب ولو أن شررة من شرر جهنم بالمشرق لوجد حرها من المغرب ] ] والغرب : هو الدلو العظيم
وروى أبو داود والترمذي والنسائي مرفوعا : [ [ لما خلق الله تعالى النار أرسل إليها جبريل فقال له انظر إليها وإلى ما أعددت فيها لأهلها فنظر جبريل إليها فإذا هي تركب بعضها بعضا فرجع إلى ربه عز و جل فقال : وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر به فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع إليها فقال : وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها ] ]
وروى الترمذي وابن ماجه والبيهقي مرفوعا : [ [ إن النار سوداء مظلمة كالليل المظلم ] ]
وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا : [ [ لو أن أهل النار أصابوا ناركم هذه لناموا فيها ولقالوا فيها ] ] . أي ناموا في القيلولة
وروى البيهقي وغيره مرفوعا : [ [ في قوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } إن النار مظلمة لا يطفأ لهيبها ولا يضيء ] ]
وروى الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله تعالى : { فسوف يلقون غيا } قال : هو واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات
وروى البيهقي بإسناد جيد مرفوعا : [ [ تعوذوا بالله من جب الحزن ؟ قال هو واد في جهنم أعد للفقراء المرائين من أمة محمد صلى الله عليه و سلم ] ]
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة في كتب الترغيب والترهيب وفي هذا القدر كفاية . والله تعالى أعلم
- ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم ) أن لا نبني لنا في دركات النار مسكنا ولو قدر مفحص قطاة وذلك لا يكون إلا بترك فعل جميع ما نهانا الله عنه ورسوله صلى الله عليه و سلم في الكتاب والسنة من كبائر وصغائر
ويحتاج من يريد العمل بهذا إلى شيخ يسلك به حتى يطلعه على مراتب القيامة ويعرف ما يمشي هناك من الأعمال وما لا يمشي فيتركه هنا حتى لا يبقى له بناء إلا في الجنة وأما والعياذ بالله المذنب من العصاة فإنه لا يزال يبني في النار الدركات بأعماله حتى ينتهي عمره فيقال له ادخل دارك التي بنيتها . وقد أنشد الشيخ محيى الدين بن العربي في ذلك :
النار منك وبالأعمال توقدها ... كما بصالحها في الحال تطفيها
فأنت بالطبع منها هارب أبدا ... وأنت في كل حال منك تنشيها
أما لنفسك عقل في تصرفها ... وقد أتيت إليها اليوم تبنيها
إلى آخر ما قال فلا تلم يا أخي إلا نفسك فإن جميع ما أعد لك في جهنم من حميم وزمهرير وحيات وعقارب ومقامع وغير ذلك إنما هو من فعلك بجوارحك كما تعرفه إذا دخلت النار والعياذ بالله على التعيين وتعرف جميع الأعمال التي استحالت نارا أو عقربا أو حية أو كلبا ونحو ذلك على اليقين وتعلم هناك يقينا أنها كلها عملك لم يشاركك فيها أحد وغالب أمر إبليس أنه نفذ لما رأى نفسك مالت إليه لا غير لأن النفس كلسان الميزان وإبليس جالس بالمرصاد لك ينظر ما تميل إليه نفسك فبمجرد ما يخرج لسان الميزان وتميل إلى فعل معصية من المعاصي الظاهرة والباطنة يجئ إبليس ينفذ ذلك وما دام لسان الميزان لم يخرج من الفك فليس لإبليس على العبد سبيل لأنه إما معصوم أو محفوظ في حضرة الله عز و جل وأهل الحضرة ليس له عليهم سبيل ويؤيد ما قلناه خطبته لعنه الله في النار حين يقول : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } . أي وما كان لي عليكم من سلطان قبل أن تميلوا وتخرجوا عن فك الميزان إلى جانب المعصية والشقاء فلما ملتم دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني فإني ما أملتكم ولوموا أنفسكم حيث ملتم قبلي وهذا التفسير بلسان أهل الإشارة وهو كلام مقبول مفهوم إن شاء الله تعالى
واعلم يا أخي أن المطيعين الصرف لا بناء لهم في النار قط لعصمتهم أو حفظهم والمخلصين يبنون تارة في الجنة وتارة في النار والمرجع في أمرهم إلى الخاتمة وإلى عفو الله عز و جل فإن بدل الله تعالى سيئاتهم حسنات بالتوبة النصوح فلا يبعد أن يبدل مساكنهم في النار درجات في الجنة كذلك وإن لم يبدل الله سيئاتهم لعدم التوبة الخالصة فهم تحت المشيئة كعصاة الموحدين الذين ماتوا على غير توبة ولا يخفى ما في ذلك من الخلاف بين أهل السنة والمعتزلة نسأل الله اللطف . وأما أهل النار الذين هم أهلها فلا يبدون دائما إلا في النار ولا بناء لهم في الجنة مطلقا قال الله تعالى : { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } . وهم أربع طوائف : الأولى : المشركون وهم الذين يجعلون مع الله إلها آخر . والثانية : المتكبرون كفرعون والنمرود وأضرابهما . والثالثة : المعطلون وهم الذين نفوا الإله جملة . والرابعة : المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ولا يخلو ما أبطنوه من ثلاثة أحوال لأنه إما أن يكون شركا أو تكبرا أو تعطيلا
وقد بسطنا الكلام على أهل النار في خاتمة كتابنا المسمى باليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر . { والله غفور رحيم } واعلم أنه يجب على كل عاقل أن يحمى نفسه من دخول النار امتثالا لقوله تعالى الذي هو أشفق على العبد من والديه : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } . أي قوا أنفسكم بترك كل مذموم شرعته على ألسنة رسلي وهذا العهد جامع للعهود السابقة كلها فإن كل منهي عنه داخل فيه . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }
وليكن ذلك آخر كتاب لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية . والله تعالى أعلم تأليف سيدنا ومولانا مربي المريدين قدوة السالكين سيدي الشيخ عبدالوهاب بن أحمد الشعراني رحمه الله تعالى وأعاد علينا بركاته . وكان الفراغ منه في سابع عشر رمضان سنة ثمان وخمسين وتسعمائة بمصر المحروسة وحسبنا والله نعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين آمين (1/444)