لِمَن القَوامَةُ
في البَيْتِ؟
تأليف
أبي أحمد
عفا الله عنه
تقديم
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم ارحم ذلنا بين يديك.
واجعل رغبتنا فيما لديك.
ولا تحرمنا بذنوبنا، ولا تطردنا بعيوبنا.
لمن القوامة في البيت؟ سؤال يطرح نفسه وسط أجواء غابت عن الله، وأسَرٍ لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه.
سؤال يطرح نفسه لإرجاع الحقوق إلى أصحابها في أسَرٍ كثيرة، وحتى يعي الرجل مكانته الحقيقية داخل البيت، وكيف يسوسه ويقوده دائمًا إلى بر الأمان.
في بيوت كثيرة اليوم أصبحت القوامة بيد «امرأة»!!، فاختلطت المفاهيم، واهتزت الموازين، وغابت القيم، وما أدراك بالمرأة عندما تكون قيِّمة على الرجل وأولاده، حدِّث عن ذلك ولا حرج (فغدت الأسرة مفككة منحلة، بين زوج لا سلطان له، وزوجة حرة التصرف يقودها الفضول والهوى، وأبناء ضائعين بين أبوين يتناوآن ويتنازعان)( ( ) الأسرة في الإسلام للدكتور مصطفى عبد الواحد ص71.).
(إن توحيد القيادة ضروري لأمن السفينة، وفي سفينة البيت لابد من قيادة تحتمل التبعة، وتحفظ النظام أن ينفلت، وما في هذا شذوذ على القاعدة الإسلامية العامة في عالم الرجال أيضًا.
فأي الزوجين كان المنطق كفيلاً بأن يسلمه القيادة؟
المرأة المشبوبة بالعواطف والانفعال بحكم وظيفتها الأولى في رعاية الأطفال وتعطير جو البيت بالجمال، أم الرجل الذي كلفه الإسلام بالإنفاق لتخلو المرأة إلى عبئها الضخم، وتنفق فيه طاقتها ووسعها؟(1/1)
لقد جعل الإسلام القوامة تحقيقًا لنظامه المطرد أن تكون في كل عمل قيادة وقوامة، واختاره لأنه بخلقته وتجاربه أصلح الاثنين بهذه الوظيفة)( ( ) دستور الأسرة في ظلال القرآن للأستاذ أحمد فائز ص136.).
ولكن للأسف تنازل كثير من الرجال عن حق القوامة داخل البيت بمحض اختيارهم، وبسب جهلهم بدين الله تعالى، مما سبب كثيرًا من المشكلات التي تعصف باستقرار البيت (وقد يظن قوم أن في تنازل الرجل عن قوامته لزوجته إسعادٌ لها، وهذا ظنٌّ خاطئ؛ ذلك لأن المرأة بفطرتها تحبّ أن تأوي إلى ركن تلجأ إليه، حتى وإن تحدثت بعض النساء أمام صويحباتها بفخر أن زوجها يطيعها، ولا يعصي لها أمرًا، مما يوحي بضعف قوامته عليها، فإنها في داخل نفسها تشعر بضعف وخلل في بنية الأسرة.
وعلى العكس منها، تلك المرأة التي تظهر الشكوى من زوجها ذي الشخصية القوية، والقوامة التامة، فإنها وإن باحت بذلك، تشعر براحة توائم فطرتها، وسعادة تناسب ما جُبِلَت عليه.
ولعلي أوضح هذه القضية بمثال يسفر عن وجه الحق فيها فبالمثال يتضح المقال:
إذا انفلت زمام الأمن في بلد ما، فإن للشعب أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يشعر بالاستقرار النفسي، وسيلاحقه خوف مقلق، وجزع مؤرق من جراء ذلك، وقل ضد ذلك إذا ضبطت أركان الدولة، وتولى زمام الأمور رجال أقوياء، مع أنه سيضايق فريقًا من الناس، إلا أنهم سيشعرون باستقرار داخلي، وراحة وأمن، وهدوء بال.
ولذلك فإنَّ تنازل الرجل عن قوامته أمر يشقي المرأة ولا يسعدها ويسبب وهنًا في بناء الأسرة، وتقويضًا في أركانها، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث يقول: ((لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة))( ( ) رواه البخاري، فتح (8/126).) وهذا عام حتى في أمر البيت.
وأرى من أجل استقرار الحياة الزوجية أن تطالب المرأة زوجها بالقيام بقوامته على الأسرة كما تطالبه بالنفقة)( ( ) مقومات السعادة الزوجية للدكتور ناصر العمر ص23.).(1/2)
من أجل ذلك كانت هذه الرسالة نضع بها أيدينا على مكمن الخطر، وموضع الداء، وبيان مثالب ذلك، ثم نوضح المعنى الحقيقي لمعنى القوامة، وكيف تكون داخل البيت؟
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم اجعلني مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، ولا تجعلني مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير، وتقبل مني هذا العمل برحمتك يا أرحم الراحمين، وسُرَّني به يوم ألقاك.
وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
أبو أحمد/ عصام بن محمد الشريف
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
وجوب قوامة الرجل على المرأة
(إن القوامة تكليف من الله تعالى إلى الرجل ليحسن رعاية الأسرة، وهي ليست تسلطًا، ولكنها مسئولية تتكامل بها أنشودة الأسرة التي تحب أن تعيش في سعادة، يرضى عنها الله، وتشارك في قيام مجتمع معافى من ميكروبات التخلخل والضياع)( ( ) استوصوا بالنساء خيرًا للدكتور عبد الودود شلبي ص29.).
وقد كلف الله تعالى الرجل تكليفًا مباشرًا وواضحًا بقوامة البيت وسياسته ورعاية شئونه، فهي المسئول الأول المناط به هذه المسئولية الكبيرة، والأدلة على ذلك واضحة لا خلاف فيها.
أولاً: من القرآن الكريم:
قال تعالى: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ? [النساء:34].
1ـ تفسير ابن كثير رحمه الله( ( ) (1/49).):
يقول الله تعالى: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ?، أي الرجل قيِّم على المرأة أو هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.(1/3)
?بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ?؛ أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))( ( ) رواه البخاري.).
?وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ?، أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها كما قال تعالى: ?وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ?.
2ـ تفسير القرطبي رحمه الله( ( ) (3/148).):
يقول القرطبي رحمه الله: ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها. ثم قال رحمه الله: فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها، ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة، في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3ـ يقول صاحب ظلال القرآن رحمه الله( ( ) (2/648 ـ 652).):
ولابد ـ قبل الدخول في تفسير هذه النصوص القرآنية وبيان أهدافها النفسية والاجتماعية ـ من بيان مجمل لنظرة الإسلام إلى مؤسسة الأسرة، ومنهجه في بنائها والمحافظة عليها، وأهدافه منها... بيان مجمل بقدر الإمكان؛ إذ إن التفصيل فيه يحتاج إلى بحث مطول خاص:
إن الذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرته "الزوجية"، شأنه شأن كل شيء خلقه في هذا الوجود: ?وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ? [الذاريات: 49].
ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا? [النساء: 1].(1/4)
وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة ـ بعد ذلك ـ فيما أراد، أن يكون هذا اللقاء سكنًا للنفس، وهدوءًا للعصب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد... ثم سترًا وإحصانًا وصيانة.. ثم مزرعة للنسل وامتداد الحياة، مع ترقيها المستمر، في رعاية المحضن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون:
?وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً? [الروم: 21].
?هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ? [البقرة: 187].
?نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ? [البقرة: 223].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ? [التحريم: 6].
?وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ? [الطور: 21].
ومن تساوي شطري النفس الواحدة في موقفهما من الله، ومن تكريمه للإنسان، كان ذلك التكريم للمرأة وتلك المساواة في حقوق الأجر والثواب عند الله، وفي حقوق التملك والإرث، وفي استقلال الشخصية المدنية... التي تحدثنا عنها في الصفحات السابقة من هذا الدرس.
ومن أهمية التقاء شطري النفس الواحدة، لإنشاء مؤسسة الأسرة. ومن ضخامة تبعة هذه المؤسسة أولاً: في توفير السكن والطمأنينة والستر والإحصان للنفس بشطريها، وثانيًا: في إمداد المجتمع الإنساني بعوامل الامتداد والترقي... كانت تلك التنظيمات الدقيقة المحكمة التي تتناول كل جزئية من شئون هذه المؤسسة..(1/5)
وقد احتوت هذه السورة جانبًا من هذه التنظيمات هو الذي استعرضناه في الصفحات السابقة من أول هذا الجزء؛ تكملة لما استعرضناه منها في الجزء الرابع... واحتوت سورة البقرة جانبًا آخر، هو الذي استعرضناه في الجزء الثاني. واحتوت سور أخرى من القرآن، وعلى الأخص سورة النور في الجزء الثامن عشر، وسورة الأحزاب في الجزأين الحادي والعشرين، والثاني والعشرين وسورة الطلاق وسورة التحريم في الجزء الثامن والعشرين.. ومواضع أخرى متفرقة في السور، جوانب أخرى تؤلف دستورًا كاملاً شاملاً دقيقًا لنظام هذه المؤسسة الإنسانية؛ وتدل بكثرتها وتنوعها ودقتها وشمولها، على مدى الأهمية التي يعقدها المنهج الإسلامي للحياة الإنسانية على مؤسسة الأسرة الخطيرة!
ونرجو أن يكون قارئ هذه الصفحة على ذكر مما سبق في صفحات هذا الجزء نفسه، عن طفولة الطفل الإنساني، وطولها، وحاجته في خلالها إلى بيئة تحميه أولاً حتى يستطيع أن يكسب رزقه للمعاش؛ وأهم من هذا أن تؤهله بالتربية إلى وظيفته الاجتماعية؛ والنهوض بنصيبه في ترقية المجتمع الإنساني، وتركه خيرًا مما تسلمه، حين جاء إليه! فهذا الكلام ذو أهمية خاصة في بيان قيمة مؤسسة الأسرة، ونظرة المنهج الإسلامي إلى وظائفها، والغاية منها، واهتمامه بصيانتها، وحياطتها من كل عوامل التدمير من قريب ومن بعيد..
وفي ظل هذه الإشارات المجملة إلى طبيعة نظرة الإسلام للأسرة وأهميتها؛ ومدى حرصه على توفير ضمانات البقاء والاستقرار والهدوء في جوها.. إلى جانب ما أوردناه من تكريم هذا المنهج للمرأة، ومنحها استقلال الشخصية واحترامها، والحقوق التي أنشأها لها إنشاءً ـ لا محاباة لذاتها ولكن لتحقيق أهدافه الكبرى من تكريم الإنسان كله ورفع الحياة الإنسانية ـ نستطيع أن نتحدث عن النص الأخير في هذا الدرس، الذي قدمنا للحديث عنه بهذا الإيضاح:(1/6)
إن هذا النص ـ في سبيل تنظيم المؤسسة الزوجية وتوضيح الاختصاصات التنظيمية فيها لمنع الاحتكاك فيها بين أفردها، بردهم جميعًا إلى حكم الله لا حكم الهوى والانفعالات الشخصية ـ يحدد أن القوامة في هذه المؤسسة للرجل، ويذكر من أسباب هذه القوامة: تفضيل الله للرجل بمقومات القوامة، وما تتطلبه من خصائص ودربة، و... تكليف الرجل الإنفاق على المؤسسة.
وبناءً على إعطاء القوامة للرجل، يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة المؤسسة من التفسخ، وحمايتها من النزوات العارضة، وطريقة علاج هذه النزوات ـ حين تعرض ـ في حدود مرسومة، وأخيرًا يبين الإجراءات ـ الخارجية ـ التي تتخذ عندما تفشل الإجراءات الداخلية، ويلوح شبح الخطر على المؤسسة، التي لا تضم شطري النفس الواحدة فحسب، ولكن تضم الفراخ الخضر، الناشة في المحضن، المعرضة للبوار والدمار. فلننظر فيما وراء كل إجراء من هذه الإجراءات من ضرورة، ومن حكمة، بقدر ما نستطيع:
?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ? [النساء: 34].
إن الأسرة ـ كما قلنا ـ هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية. الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق. والأولى من ناحية الأهمية لأنها تزاول إنشاء العنصر الإنساني وهو أكرم عناصر هذا الكون، في التصور الإسلامي.
وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأنًا، والأرخص سعرًا: كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية... وما إليها.... لا يوكل أمرها ـ عادة ـ إلا لأكفأ المرشحين لها؛ ممن تخصصوا في هذا الفرع علميًا، ودربوا عليه عمليًا، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة والقوامة...
إذا كان هذا هو الشأن في المؤسسات الأقل شأنًا والأرخص سعرًا... فأولى أن تتبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي تنشئ أثمن عناصر الكون.. العنصر الإنساني..(1/7)
والمنهج الرباني يراعي هذا، ويراعي به الفطرة، والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري النفس الواحدة.
والعدالة في اختصاص كل منها بنوع الأعباء المهيأ لها، المُعان عليها من فطرته واستعداداته المتميزة المتفردة..
والمسلَّم به ابتداء أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله. وأن الله سبحانه لا يريد أن يظلم أحدًا من خلقه، وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة!
وقد خلق الله الناس ذكرًا وأنثى... زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون... وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل... وهي وظائف ضخمة أولاً وخطيرة ثانيًا. وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدي بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى! فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني ـ الرجل ـ توفير الحاجات الضرورية. وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة؛ ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل... ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد! وكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه. وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك.
وكان هذا فعلاً... ولا يظلم ربك أحد...(1/8)
ومن ثم زودت المرأة ـ فيما زودت به من الخصائص ـ بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة ـ بغير وعي ولا سابق تفكير ـ لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها ـ حتى في الفرد الواحد ـ لم تُتْرك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية! لتسهل تلبيتها فورًا وفيما يشبه أن يكون قسرًا. ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج؛ ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك، لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى ـ مهما يكن فيها من المشقة والتضحية! صنع الله الذي أتقن كل شيء.
وهذه الخصائص ليست سطحية؛ بل هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة..
بل يقول كبار العلماء المختصين: إنها غائرة في تكوين كل خلية؛ لأنها عميقة في تكوين الخلية الأولى، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين، بكل خصائصه الأساسية!
وكذلك زود الرجل ـ فيما زود به من الخصائص ـ الخشونة والصلابة، وبطء الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة؛ لأن وظائفه كلها ـ من أول الصيد الذي كان يمارسه في أول عهده بالحياة إلى القتال الذي يمارسه دائمًا ـ لحماية الزوج والأطفال. إلى تدبير المعاش... إلى سائر تكاليفه في الحياة... لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام، وإعمال الفكر، والبطء في الاستجابة بوجه عام!... وكلها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها...
وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة، وأفضل في مجالها، كما أن تكليفه بالإنفاق ـ وهو فرع من توزيع الاختصاصات ـ يجعله بدوره أولى بالقوامة؛ لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها...
وهذان هما العنصران اللذان أبرزهما النص القرآني وهو يقرر قوامة الرجل على النساء في المجتمع الإسلامي.(1/9)
قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد. ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات. ولها أسبابها من العدالة في التوزيع من ناحية؛ وتكليف كل شطر ـ في هذا التوزيع ـ بالجانب الميسر له، والذي هو مُعانٌ عليه من الفطرة.
وأفضليته في مكانها.. في الاستعداد للقوامة والدربة عليها.. والنهوض بها بأسبابها.. لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة ـ كسائر المؤسسات الأقل شأنًا والأرخص سعرًا ـ ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها. مُعَانٌ عليها، مكلف تكاليفها. وأحد الشطرين غير مهيأ لها، ولا معان عليها.. ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى... وإذا هو هيئ لها بالاستعدادات الكامنة، ودرب عليها بالتدريب العلمي والعملي، فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى.. وظيفة الأمومة.. لأن لها هي الأخرى مقتضياتها واستعداداتها. وفي مقدمتها سرعة الانفعال، وقرب الاستجابة فوق الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي؛ وآثارها في السلوك والاستجابة!
إنها مسائل خطيرة.. أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر... وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء.. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة، هددت البشرية تهديدًا خطيرًا في وجودها ذاته؛ وفي بقاء الخصائص الإنسانية، التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز. ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها؛ ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، وحتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها..
لعل من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد، ومن تدهور وانهيار؛ ومن تهديد بالدمار والبوار، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة. فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة، أو اختلطت معالمها، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة!(1/10)
ولعل من هذه الدلائل تَوَقَان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة، وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة؛ عندما تعيش مع رجل، لا يزاول مهام القوامة؛ وتنقصه صفاتها اللازمة؛ فيكل إليها هي القوامة! وهي حقيقة ملحوظة تسلم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام!
ولعل من هذه الدلائل أن الأطفال ـ الذين ينشأون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب؛ إما لأنه ضعيف الشخصية، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر، وإما لأنه مفقود: لوفاته ـ أو لعدم وجود أب شرعي! قلما ينشئون أسوياء. وقلَّ ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما، في تكوينهم العصبي و النفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي.
فهذه كلها بعض الدلائل، التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها!
ولا نستطيع أن نستطرد أكثر من هذا ـ في سياق الظلال ـ عن قوامة الرجال ومقوماتها ومبرراتها، وضرورتها وفطريتها كذلك.. ولكن ينبغي أن نقول: إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني؛ ولا إلغاء وضعها «المدني» ـ كما بينا ذلك من قبل ـ وإنما هي وظيفة ـ داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها.
ووجود القيم في مؤسسة ما، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيهان والعاملين في وظائفها؛ فقد حدد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله.
4ـ أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير( ( ) وبهامشه نهر الخير، للشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله (1/472).):(1/11)
يُرْوَى في سبب نزول هذه الآية أن سعد بن الربيع( ( ) يقول الشيخ الجزائري حفظه الله: وذكر في سبب نزولها عدة أسباب، وما ذكرناه أولى بالصحة والقبول.) رضي الله عنه أغضبته امرأته فلطمها، فشكاه وليها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كأنه يريد القصاص، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ? [النساء: 34] فقال ولي المرأة: أردنا أمرًا وأراد الله غيره، وما أراده الله خير. ورضي بحكم الله تعالى وهو أن الرجل ما دام قوامًا على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالبًا، وبُعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهرًا لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فلمَّا وجبت له الرئاسة عليها وهي رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو يكسر عضوًا، فيكون ضربه لها كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه.
5ـ روائع البيان في تفسير آيات الأحكام( ( ) (1/466).):
يقول الشيخ الصابوني حفظه الله تحت عنوان «لطائف التفسير»:
(اللطيفة الأولى): علَّل تعالى قوامة الرجل على النساء بتعليلين: أحدهما: وهبي، والآخر: كسبي، وأورد العبارة بصيغة المبالغة ?قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ? للإشارة إلى كامل الرئاسة والولاية عليهن كما يقوم الولاة على الرعايا، فلهم حق الأمر والنهي والتدبير والتأديب. وعليهم كامل المسئولية في الحفظ والرعاية والصيانة، وهذا هو السر في مجيء الجملة اسمية.
ثم قال حفظه الله في لطيفة أخرى:(1/12)
ورد النظم الكريم: ?بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ?، ولو قال: "بما فضلهم عليهن" أو قال: "بتفضيلهم عليهن" لكان أوجز وأخصر، ولكنَّ التعبير ورد بهذه الصيغة لحكمة جليلة، وهي إفادة أن المرأة من الرجل، والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من جسم الإنسان.
فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن، ولا ينبغي أن يتكبر عضو على عضو؛ لأن كل واحد يؤدي وظيفته في الحياة، فالأذن لا تغني عن العين، واليد لا تغني عن القدم، ولا عارٌ على الشخص أن يكون قلبه أفضل من معدته، ورأسه أشرف من يده، فالكل يؤدي دوره بانتظام، ولا غنى لواحد عن الآخر.
ثم للتعبير حكمة أخرى، وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس، لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة تَفْضُل زوجها في العلم والدين والعمل، وكما يقول الشاعر:
ولو كان النساء كمن ذكرنا لفُضِّلت النساء على الرجال
ثانيًا: من السنة:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها)) فلنتأمل كيف حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وظيفتها في بيت زوجها، حيث إن من مقتضى الفطرة اختصاص المرأة بالحمل والرضاع وحضانة الأطفال وتربيتهم وتدبير المنزل بجميع شئونه.
ثالثًا: من العقل:
فإن من يجب أن توكل إليه مسئولية القوامة لابد أن يتصف بصفات معينة تؤهله لتحمل تبعاتها والقيام بمهامها على خير وجه، وهذه الصفات هي:
1ـ كمال الجسم.
2ـ كمال العقل.
3ـ كمال الدين.
4ـ القيام بالإنفاق.
وهذه الأمور الأربعة متوفرة للرجال عن النساء.
فالمرأة تحت ظروف الحمل والرضاع والحيض وما يتبع ذلك، تكون ضعيفة البنية مما لا تتحمل معه المشاق التي يواجهها الجسم.(1/13)
وهي أيضًا ناقصة عقل ودين كما في حديث مسلم المشهور الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((... أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين)).
أما الإنفاق، فأوجبت الشريعة على الرجل صداقًا للمرأة إذا ما رغب الزواج منها، وكلفه بالإنفاق عليها وعلى أولادها ولم يكلفها هي؛ ولذلك فإن من لطف الله تعالى بالمرأة (إعفاؤها من مسئولية الإنفاق، وإعفاؤها كذلك من مسئولية القوامة، وأناطَهُمَا بالرجل، يتحمل وحده شقاءهما وينعمان معًا بثمرهما)( ( ) الخلافات الزوجية للدكتور عبد الحي الفرماوي ص18.).
وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين الرجل والمرأة لنوضح الفروق بينهما نجد:
تخصيص النبوة والرسالة بالرجل.
تخصيص فرضية الجهاد الشرعي بالرجل.
تخصيص القوامة الأدبية والتعليمية والتربوية بالرجل في المقام الأول.
جعل الإسلام شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل أمام القضاء.
ميراث المرأة أقل من ميراث الرجل في غالب الأحوال.
جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل.
فمن هذه الفروق وغيرها نجد أنه لابد أن يكون هناك مسئولية للرجال تختلف عن النساء، وأن الرجل بفطرته، وبما خصه الله تعالى من فروق عن المرأة، أقدر أن يسوس أمور البيت ويقودها، فيصبح هو القيِّم، الذي تتعاون معه المرأة في بناء بيت أصوله راسخة، وفروعه شامخة، لا يهتز ولا ينهار، فكل فرد فيه يعرف ما له وما عليه.
(فصل) هل للمرأة شيء من القوامة داخل البيت إن هي ساعدت في الإنفاق على البيت؟
الحياة الزوجية شركة بين الرجل والمرأة، يتعاونان فيها على تقوى من الله تعالى، ولكل مكانته ودوره داخل البيت، لا يتعدى أحدٌ على الآخر حتى يقوم كل واحد بمهمته خير قيام.(1/14)
لذا فليس معنى أن تشارك المرأة وتساعده في نفقة البيت، أن تسحب من تحت قدميه بساط القوامة، فيكون لها من الأمر والنهي داخل البيت ما لها. لا بل تظل القوامة للرجل، ولا تسقط إلا في حالة عدم قيامه بالنفقة والتي من أجلها كانت له القوامة والفضل عليها.
- - -
فقه القوامة داخل البيت
ما هو معنى القوامة، وكيف تكون؟ ما هي حدودها وما هي ضوابطها حتى لا يختل ميزان التعامل داخل البيت؟
يقول الشيخ محمد بن إسماعيل حفظه الله تحت عنوان "قوامة الرجل تنظيمية لا استبدادية":
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها))( ( ) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (390) ص 117، باب: إباحة المخاطبة بالسؤدد على الإضافة، وصححه الألباني. انظر: صحيح الجامع الصغير (4/183)، فتح الباري (5/80)، معجم المناهي اللفظية، ص (190، 191).).
إن قوامة الرجل على المرأة قاعدة تنظيمية تستلزمها هندسة المجتمع واستقرار الأوضاع في الحياة الدنيا، ولا تسلم الحياة في مجموعها إلا بالتزامها، فهي تشبه قوامة الرؤساء وأولي الأمر، فإنها ضرورة يستلزمها المجتمع الإسلامي والبشري، ويأثم المسلم بالخروج عليها مهما يكن من فضله على الخليفة المسلم في العلم أو في الدين، إلا أن طبيعة الرجل تؤهله لأن يكون هو القيم، فالرجل أقوى من المرأة وأجلد منها في خوض معركة الحياة وتحمل مسئولياتها، فالمشاريع الكبيرة يديرها الرجال، والمعارك الحربية يقودها الرجال، ورئاسة الدولة العليا يضطلع بها الرجال، وهكذا ترى الأمور الكبرى والمصالح العامة يوفق فيها الرجال غالبًا، ويندر أن تفلح فيها امرأة إلا أن يكون من ورائها رجل.(1/15)
هذا وإن النطاق الذي تشمله قوامة الرجل، لا يمس حرمة كيان المرأة ولا كرامتها، وهذا هو السر العظيم في أن القرآن الكريم لم يقل: (الرجال سادة على النساء)( ( ) وقد يطلق لفظ "السيد" على الزوج مضافًا، كما في قصة يوسف عليه السلام: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}، وكما في الحديث المتقدم آنفًا، وقد قالت أم الدرداء رضي الله عنها وهي تحدث عن زوجها أبي الدرداء رضي الله عنه: "حدثني سيدي". انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (17/50).)، وإنما اختار هذا اللفظ الدقيق "قوامون" ليفيد معنى ساميًا بناءً، يفيد أنهم يقومون بالنفقة عليهن، والذبِّ عنهن، و"قوَّام" فعَّال للمبالغة، من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه، وحفظه بالاجتهاد، فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها، وتأديبها وإمساكها في بيتها، ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته، وقبول أمره، ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك بالفضيلة، والنفقة، والعقل، والقوة، في أمر الجهاد، والميراث، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( ( ) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/169).)، وشأن القوامين أنهم يصلحون ويعدلون، لا أنهم يستبدون ويتسلطون، فنطاق القوامة محصور إذن في مصلحة البيت، والاستقامة على أمر الله، وحقوق الزوج، أما ما وراء ذلك فليس للرجل حق التدخل فيه كمصلحة الزوجة المالية، فلا يتدخل الزوج فيها بغير رضاها، وليس عليها طاعته إلا في حدود ما أحله الله، فإن أمرها بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما لم تُخِلَّ المرأة بحق الله تعالى، أو بحق الزوج فليس له عليها سبيل التكريم والاحترام.(1/16)
بل إن حسن معاشرة الرجل زوجته وحسن خُلُقِهِ معها من أعظم مقاييس كمال الإيمان وسلامة الدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا))( ( ) أخرجه الترمذي رقم (1162) في الرضاع، باب: ما جاء في حق المرأة على زوجها، وأبو داود رقم (4682) في السنة، باب: الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وابن حبان بنحوه (1926 ـ موارد)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/248)، والحاكم في "المستدرك" (1/3)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والإمام أحمد (2/250، 472)، وحسنه الألباني في "الصحيحة" حديث رقم (284).).
شاهد من الغرب:
قال الدكتور "أوجست فوريل" تحت عنوان: "سيادة المرأة"( ( ) ماذا عن المرأة؟ للدكتور نور الدين عتر ص136، نقلاً عن "الزواج عاطفة وغريزة" (2/32، 33).):
"يؤثر شعور المرأة بأنها في حاجة إلى حماية زوجها على العواطف المشعة من الحب فيها تأثيرًا كبيرًا، ولا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام، ويجب أيضًا أن ترى فيه مثلها الأعلى في ناحية من النواحي، إما في القوة البدنية، أو في الشجاعة، أو في التضحية وإنكار الذات، أو في التفوق الذهني، أوفي أي صفة طيبة أخرى، وإلا فإنه سرعان ما يسقط تحت حكمها وسيطرتها، أو يفصل بينهما شعور من النفور والبرود وعدم الاكتراث، ما لم يصب الزوج بسوء أو مرض يثير عطفها، ويجعل منها ممرضة تقوم على تمريضه والعناية به، ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة إلى السعادة المنزلية؛ لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته، لتسوده هي بقلبها وعاطفتها" اهـ.
ويقول الدكتور عبد المنعم سيد حسن تحت عنوان "قوامة الرجل على المرأة ضرورة":(1/17)
وقوامة الرجل ضرورة لا معدى عنها للحياة الزوجية وهي أصلح أوضاع خمسة تفترض في الحياة ما بين صحيح مستساغ وسقيم مرفوض، والثاني من هذه الأوضاع: أن تناط القوامة بالمرأة على الرغم من طبيعتها التي لا تؤهلها لها. وناهيك بقيم يغلب حُنُوُّه حَزْمَهُ وتسيطر عاطفته على إرادته في حين تتقاضاه القيادة والمسئولية حق من حوله في عزيمته وحظهم من صلابته. وفيهم الرجل ذو الطبيعة المزودة بشيء من التسلط وحب التصدر وحظ غير قليل من القدرة على الإدارة والتنظيم. والولد حينئذ مضيع بين المرأة التي اغتصبت مكان الصدارة على كره من طبيعتها، وبين الرجل المحكوم رغم طبيعته الحاكمة، وما الظن بجماعة يبدو فيها القائد أضعف من المقود ويكون فيها الوالد هزأة المولود؟!
وثالث هذه الأوضاع: أن تُفْرَضَ القوامةُ على بيت الزوجية من خارجه، والأمر عندئذ دائر بين أن يكون القيم من أهل الرجل وعشيرته وبين أن يكون من قبل أولياء المرأة وذوي قاربتها، ولن يستقيم دوران الحياة على كلتا الحالتين؛ فالرجل في ميزان امرأته ووجهة نظرها ناقص الرجولة مغلوب على أمره إن كان القيم من قبله. وذلك أكبر الأخطار التي تحيق بالحياة الزوجية وتعصف باستقرارها.
والمرأة في ميزان الرجل ورأيه غير خالصة ولا مخلصة له تسير وفق هوى وليها وتنقاد لتوجيهه إذا كان القيم من قبلها. والولد بينهما مشتت العاطفة لا تقر عينه بأب أو أم، ولا يستقيم تفكيره على متجه واحد، وما الظن ببيت تُمْلَى على ساكنيه حياتهم وتُفْرَض على من فيه اتجاهاتهم؟!(1/18)
يضاف إلى هذا أن الرابطة بين الزوجين عادت تشكل من مزاجيهما بعد طول المعاشرة وإحسانها مزاجًا واحدًا ينسى كل منهما معه مزاجه الخاص، فإذا كانت القوامة عليهما من غيرهما ظلت رغباتهما على ما كانت عليه قبل اقترانهما تعارضًا واختلافًا، بالإضافة إلى مخالفة من يقوم عليهما لأمزجتهما وأهوائهما وهو البته مسير لهما وفق نوازعه شأن موقف كل متبوع من تابعه فلا فكاك لبيت الزوجية والحالة هذه من أن تسوسه أشتات شهوات وأخلاط رغبات.
ورابع هذه الأوضاع أن تكون القوامة قسمة بين الرجل والمرأة يتعاقبان عليها بعد أن يتفقا على مدة بقاء كل منهما فيها مسئولاً.
وأقرب تصور لبيت تجري الحياة فيه على هذه الشاكلة أن ترى فيه الأنظمة المتضادة، حيث يحاول كل من القيمين المتعاقبين أن يفرض على البيت رغبته وميوله، زاعمًا أنها أصلح للحياة وأقوم من رغبات زميله وميوله، والذرية بين نوبتيهما في بلاء مبين تحكم الحيرة سلوكها ويميل التضارب بحبها تارة إلى الأب وأطوارًا إلى الأم.(1/19)
وخامس هذه الأوضاع: ألا تسند القوامة لأحد من الزوجين فتجري الحياة بهما وبأولادهما على وتيرة المجتمعات البدائية غير آلفين ولا مألوفين، لا يعترف بهما مخالطوهما ولا تستساغ أوجه معيشتهما بين الورى، وإذا كان الأمر على ما بسطت القول في وصفه، وكان لما قلته حظ من صواب أو قبول تبين وجه الحق في اعتبار قوامة الرجل ضرورة تقع في القمة من ضرورات الحياة. ومن ثم جاء قانون القرآن فـ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ? في صورة قرار مؤتلف مع طبيعة البشر وحاجاتهم ولم يأت في صيغة أمر ملزم مع تضمنه معنى الوجوب واللزوم، فإنه أمر في صورة الخبر حتى لكأن الناس مجمعون على تلقي هذا القرار الإلهي بالقبول والتنفيذ، بل كأنهم مجمعون على العمل بمضمونه من قبل أن يصافح آذانهم وعقولهم، وتختلف القوامة لينًا وخشونة باختلاف سلوك النساء إزاء أزواجهن، فتكون قوامة قيادة وإشراف مصحوبة بالرفق والحسنى، وتلك قسمة الصالحات القانتات الحافظات للغيب.
فإذا آمن النساء بحق الرجال عليهن في القوامة ورضين قسمة الله فيهن عوضهن الله بذلك عن كثير مما يقوم به الرجال من أعمال لم تشرع لهن لعدم يسرها عليهن. وكان ذلك منهن لونًا من ألوان القنوت ويسمى هذا اللون في عرف الإسلام بحسن التبعل.(1/20)
روي أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك. إن الله بعثك إلى النساء والرجال كافة فآمنا بك، إنَّا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم حاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج. وأفضل من ذلك كله الجهاد في سبيل الله. وإن أحدكم إذا خرج حاجًا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في هذا الخير؟ فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه ثم قال: ((هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟))، فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. ثم التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها وقال: ((افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله))( ( ) أورد ابن عباس نحوه، أخرجه البزار مختصرًا، والطبراني مطولاً في الترغيب والترهيب (3/52).).
ثم قال في موضع آخر:
ومما يلفت نظر الباحث أيضًا تعبير القرآن الكريم بكلمة "قوامون" على صيغة المبالغة التي تفيد شمول قوامة الرجل على المرأة لكل شأن من شئونها، شريطة ألا تسلبها قوامته أي حق من حقوقها التي خولها الله إياها، ومما يدل على أن قوامة الرجل على المرأة ليست ضرب لازب، وأنها رهن بالمؤهلات الطبيعية والخِلْقية والحيوية التي فضل الله بها الرجال على النساء، أن الرجل يسلب حق القوامة إذا فقد شرطًا من شروطها كما أسلفت، ومن ذلك ما قرره الفقهاء من جواز فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة( ( ) طبيعة المرأة في الكتاب والسنة، ص (166، 168).).(1/21)
ويقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية سابقًا: المؤسف حقًا أن الرجل المسلم اليوم يفهم الدين فهمًا جزئيًا؛ لذلك تراه يتمسك بالقوامة دون نظر إلى مجموعة الآداب والأخلاقيات التي شرعها الله تعالى، بينما ينبغي أن نفهم القوامة ضمن العلاقات العديدة التي ينشئها الإسلام بين الزوجين فهي ليست العلاقة الوحيدة.
إن الصورة المتكاملة للعلاقات الزوجية صورة حميمة يمثل فيها الزوج السكن والمودة والرحمة والملجأ للزوجة، كذلك الزوجة تمثل للزوج السكن والعون والمودة والرحمة، وإلى جانب ذلك يعطي الإسلام اهتمامًا عظيمًا للأبناء، فالأسرة المسلمة مؤسسة قائمة على هذه الأركان الثلاثة، وقوامة الرجل تعني أولاً أنه هو المسئول عن نجاح هذه الأسرة وعن سعادتها وعن رعاية الطرفين الآخرين، أي الزوجة والأبناء.
وهذه القيادة ليست قيادة عسكرية أو إدارية تأمر وتنهى دون مشاركة من أفراد الأسرة المأمورين، وإنما هي قيادة قائمة على الشورى والتفاهم والرضا، وفضلاً عن ذلك فإن الحياة الأسرية في الإسلام ليست حياة سائبة، وإنما تنضبط بقواعد وقيم وأخلاقيات جاء بها القرآن الكريم، وجسدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاملته وعلاقاته، وفي إطار هذا كله نستطيع أن نفهم معنى القوامة ونميز بينها وبين الاستبداد الفردي الموجود لدى بعض أولياء الأمور.
وتضيف الأستاذة صافيناز كاظم:
لو توافرت التقوى فسيكتشف الرجل أن زوجته قرينته وليست أمة عنده، فينظر إليها باحترام باعتبار أنها أم أولاده، ولابد أن يستتبع ذلك أن يحسن معاملتها، والحياة الزوجية ليست منفصلة عن العلاقات في الأسرة قبل الزواج، فإذا كان الزوج قد اعتاد أن يكون فظًا مع أمه أو إخوته، فسيكون فظًا أيضًا مع زوجته، لكن من المفروض أن التربية الإسلامية تعلمنا اللين والرفق والأدب، وليس الخشونة والغلظة في التعامل.(1/22)
ويقول الدكتور عبد الحي الفرماوي أستاذ التفسير بجامعة الأزهر:
قد يظن بعض الناس أن القوامة معناها تشريف أو تفضيل يقتضي علو الدرجة وزيادة المنزلة، والأمر في حقيقته على غير ذلك، إذ إن القوامة عبارة عن تحديد للمسئولية، فالبيت المسلم ليس فيه شريف ولا حقير، إنما هو مجتمع صغير يمثل المجتمع الكبير، يقوم على التماسك وعلى السكن والمودة والرحمة فيما بين جميع أفراده. فإذا كانت الزوجة تقوم بمسئوليات كبيرة من أهمها الإنجاب وهي مسئولية يعجز عنها الرجال، فإن هذه المهام تقتضي وضع عبء الإنفاق، وتسيير دفة سفينة الحياة الزوجية، بيد الرجل، وهي ما يسمى بالقوامة( ( ) مجلة الأسرة، العدد الأول 1414هـ.).
ويقول الأستاذ محمد قطب في كلامه عن قوامة الرجل:
وليس مؤدى هذا أن يستبد الرجل بالمرأة وبإدارة البيت، فالرئاسة التي تقابل التبعة، لا تنفي المشاورة ولا المعاونة، بل قد يكون العكس هو الصحيح. فالرئاسة الناجحة هي التي تقوم على التفاهم والتكامل والتعاطف المستمر، وكل توجيهات الإسلام تهدف إلى إيجاد هذه الروح داخل الأسرة؛ حتى لينفر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال من استعمال حقوقهم في تأديب زوجاتهم الناشزات ـ تلك الحقوق التي صرح لهم بها القرآن ـ إلا في حالات الضرورة القصوى التي تبيح كل شيء.
فهو يقول لهم: ((أما يستحي أحدكم أن يضرب زوجته أول النهار ثم يضاجعها آخره؟!))، فيدعو إلى تغليب الحب والتفاهم على النزاع والشقاق. ويجعل مقياس الخير عند الرجل هو طريقة معاملته لزوجته؛ حيث يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((خيركم خيركم لأهله))( ( ) دستور الأسرة في ظلال القرآن، للأستاذ أحمد فائز نقلاً عن (الإنسان بين المادية والإسلام) لمحمد قطب.).
ويقول الأستاذ أحمد فائز:
وليس مؤدى هذا أن يستبد الرجل بالمرأة وبإدارة البيت، فالرئاسة التي تقابل التبعة، لا تنفي المشاورة ولا المعاونة، بل قد يكون العكس هو الصحيح.(1/23)
فالرئاسة الناجحة هي التي تقوم على التفاهم والتكامل والتعاطف المستمر، وكل توجيهات الإسلام تهدف إلى إيجاد هذه الروح داخل الأسرة( ( ) دستور الأسرة ص138.).
إذن نخلص في النهاية من تحديد شامل لفقه القوامة داخل البيت، وذلك من خلال دعائم ثلاث تقوم عليها وهي:
1ـ تقوى الله تعالى:
والتي تدفع الرجل إلى الخوف من الله تعالى، وأداء حقوق الزوجة يشيع في البيت جوًا من المودة والحب والتفاهم والتراحم بين الزوجين، فلا مكان حينئذ للسيطرة الديكتاتورية، ولا للغلظة الحديدية، ولا للأنانية وحب الذات، بل قوامة تسير بهدوء وثقة واقتدار من الرجل، وحسن استقبال وتعاون وثقة بالزوج من المرأة.
2ـ العلم بمعناها الحقيقي:
فبدون هذا العلم يخطئ الرجل الطريق، ويبقى للقوامة عنده معنى خاص يفهمه هو وحده ـ أصاب أم أخطأ ـ يسلكه داخل البيت.
فإذا علم معناها، تعلم فقهها من أعلى قدوة لنا وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يسوس بيت النبوة ويقوده، لاسيما وقد تزوج - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من واحدة، ومعلوم لنا كيف تكون المشاكل والأحداث والحياة مع أكثر من امرأة، ومع ذلك ضرب لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في كيفية القوامة داخل البيت.
3ـ حسن الخلق:
والذي يظهر في اللين والرفق في المعاملة، بل والصبر على طباع المرأة واحتمال الأذى منها.
والمرأة تحترم جدًا وتقدر الرجل صاحب الخلق الحسن، واللسان العفيف، والسلوك المنضبط بميزان الشرع.
والمرأة تحب أيضًا الرجل الذي يؤثر زوجته على نفسه، وينكر ذاته، ويتخلى عن الأنانية، وضيق الصدر.
حينئذ ينعم الزوجان بحياة سعيدة يأملان من خلالها القرب من مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأسرة حيث يقول: ((أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم خلقًا))( ( ) حديث حسن، رواه ابن النجار عن علي رضي الله عنه، صحيح الجامع الصغير، برقم (1176).).
((1/24)
فصل) لا لإلغاء شخصية المرأة ودورها في البيت:
عندما نقول إن الرجل هو الأصلح من المرأة لكي تكون القوامة بيده، فليس معنى ذلك أننا ندعو إلى إهمال المرأة في البيت، وإغفال دورها الهام فيه، وجعلها كأثاث المنزل، كما كان يفعل أهل الجاهلية في الإسلام.
بل ينبغي للرجل أن يشاور زوجته، ويأخذ برأيها إن كان صوابًا، فربما توفق في أمر ما، لم يوفق هو فيه.
ينبغي للرجل أن يحترم فكرها ورأيها ما لم يخالف الشرع، فربما تصيب الحق في موقف ما، وهو يخفق في الوصول إليه.
ولنضرب مثالين نوضح من خلالهما ذلك:
المثال الأول:
وهو يدل على جواز أخذ الرجل برأي المرأة إن كان صوابًا، ويدل أيضًا على رجاحة عقلها.
ففي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، أقبل على أصحابه فقال لهم: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا)) وكرر ذلك ثلاثًا، فوجم جميعهم وما قام منهم أحد، فدخل على زوجته أم سلمة وذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له: يا رسول الله! أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل الآخر لفرط الغم.
المثال الثاني:
وهو يدل على مدى رجاحة عقل المرأة وفطنتها وعلو همتها وقوة إيمانها.
أتت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني رسول مَنْ ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي وعلى مثل رأيي. إن الله بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك. ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا لهم أولادهم. أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه إلى أصحابه فقال:
(((1/25)
هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟)) فقالوا: لا يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((انصرفي يا أسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت للرجال))( ( ) روه البزار وغيره.).
- - -
أصناف النساء أمام قوامة الرجال
"إن القرآن حينما نزل يعلن قوامة الرجل على المرأة، لم يأت بجديد مخالف للمألوف، بل كان ذلك اعترافًا بوضع قائم في ذلك المجتمع وفي غيره، وإعلانًا لأسبابه كما يراها الإسلام، لذلك لم يحدث هذا الاعتراف ضجة، ولم يثر سخطًا، لأنه وضع متفق مع الفطرة نابع منها.
أما نزعة الثورة على قوامة الرجل فلم تُعْرَف إلا في هذا العصر كنتيجة للثورة الصناعية التي فتحت للمرأة مجال العمل والكسب والاختلاط الحر، وكان الظن أن قوامة الرجل على المرأة راجعة إلى أنه المنتج الكاسب، وأنه متى أنتجت المرأة واكتسبت فلا حاجة لها إليه، ولا إلى قوامته.
إلا أن ذلك الظن تبدد حين عملت المرأة واستغنت وتحققت لها الحرية الاقتصادية، فلم يغنها ذلك عن قوامة الرجل وحماه، وعادت تتلهف وتبحث وتحشد قواها لتكون كما كانت تحت قوامة الرجل وقيادته.
ولم يكن للتشويش والتهريج حول قوامة الرجل من أثر، إلا إفساد الصلة بين الرجال والنساء في البيئات المتحضرة، حين استطالت الزوجة وتمردت، وتطلعت للحرية المطلقة التي تحدث الفوضى والاختلال.
فغدت الأسرة مفككة منحلة، بين زوج لا سلطان له، وزوجة حرة التصرف يقودها الفضول والهوى، وأبناء ضائعين بين أبوين يتناوآن ويتنازعان"( ( ) الأسرة في الإسلام، للدكتور مصطفى عبد الواحد، ص (71 ـ 73).).
والنساء أمام قوامة الرجل صنفان:
صنف قانع وراضٍ ومطمئن بها، وصنف متمرد مترفع مكابر جاهل.(1/26)
أما الصنف الأول: وهن الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، القائمات بحقوق الزوجية داخل البيت، الخاضعات للرجال فيما جعلت فيه الرياسة، فهن النعمة الكبرى التي ينعم الله عز وجل بها على من ارتضى من عباده، ولعل من أهم مظاهر قنوتهن لأزواجهن في البيت:
الطاعة المطلقة في غير معصية.
حسن تدبير المنزل.
طلب رضا الزوج في كل شيء.
حسن تربية الأولاد.
عدم التطلع إلى الدنيا وتكليف الزوج فوق طاقته.
الرضا والقناعة برزق الله تعالى.
يقول صاحب الظلال:
?فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ?
[النساء:34]
فمن طبيعة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها، أن تكون.. قانتة.. مطيعة. والقنوت: الطاعة عن إرادة وتوجه ورغبة ومحبة، لا عن قسر وإرغام وتفلت ومعاظلة! ومن ثم قال: قانتات. ولم يقل: طائعات؛ لأن مدلول اللفظ الأول نفسي، وظلاله رخية ندية.. وهذا هو الذي يليق بالسكن والمودة والستر والصيانة بين شطري النفس الواحدة. في المحضن الذي يرعى الناشة، ويطبعهم بجوه وأنفاسه وظلاله وإيقاعاته!
ومن طبيعة المؤمنة الصالحة، ومن صفتها الملازمة لها، بحكم إيمانها وصلاحها كذلك، أن تكون حافظة لحرمة الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته ـ وبالأولى في حضوره ـ فلا تبيح من نفسها في نظرة أو نبرة ـ بله العرض والحرمة: ما لا يباح إلا له هو ـ بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة.
وما لا يباح، لا تقرره هي، ولا يقرره هو: إنما يقرره الله سبحانه: "بما حفظ الله"..
فليس الأمر أمر رضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها ـ في غيبته أو في حضوره ـ ما لا يغضب هو له، أو ما يمليه عليه وعليها المجتمع! إذا انحرف المجتمع عن منهج الله.(1/27)
إن هنالك حكمًا واحدًا في حدود هذا الحفظ؛ فعليها أن تحفظ نفسها "بما حفظ الله".. والتعبير القرآني لا يقول هذا بصيغة الأمر. بل بما هو أعمق وأشد توكيدًا من الأمر. إنه يقول: إن هذا الحفظ بما حفظ الله، هو من طبيعة الصالحات، ومن مقتضى صلاحهن!( ( ) في ظلال القرآن (2/652).).
وأما الصنف الثاني: فالناشزات المتكبرات المعاندات.
"والمنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل، وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة، وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين.
فالعلاج حين ينتهي الأمر إلى هذا الوضع قلَّمَا يُجْدي، ولابد من المبادرة في علاج النشوز قبل استفحاله، لأن مآله إلى فساد في هذه المنظمة الخطيرة، لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير.
ومآله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار للمؤسسة كلها، وتشرد للناشئين فيها، أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والبدنية وإلى الشذوذ، فالأمر إذًا خطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد"( ( ) دستور الأسرة في ظلال القرآن ص157، 158.).
وقد وضع الإسلام الطريق الصحيح لعلاج هذا النشوز والاعوجاج فقال تعالى: ?وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً? [النساء:34].
فبدأ بالوسيلة الأولى وهي الوعظ.:
وهذه الوسيلة ينتفع بها بعض النساء وليس كلهن، فهناك من الزوجات من يكفيها الوعظ الحكيم والتنبيه اللطيف والعتاب الرقيق، والذي سرعان ما تعود الزوجة بعده إلى واجباتها داخل البيت وتجاه زوجها.(1/28)
وعلى الرجل العاقل أن يلتزم في وعظه بكتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مرغبًا في مرضاة الله، ومخوفًا من غضب الله، يذكرها بوجوب حسن الصحبة والمعاشرة، ويذكرها أيضًا بعواقب النشوز وأضراره، دون مؤاخذة شديدة أو تعنت في العقاب والحساب، وليتجاوز عنها ويصفح ويعفو، فإن الله يحب ذلك.
وليتخير أيضًا الوقت والمكان المناسب في الوعظ حتى يؤتي ثماره، وإلا ازداد الموقف تعقيدًا، وكبرت المشاكل، وازدادت الخلافات.
ولتعلم الزوجة العاقلة أن وعظ الرجل لها، إنما هو بسبب حبه لها، وحرصه الشديد على سير سفينة الحياة الزوجية إلى بر الأمان، والوصول إلى حياة زوجية سعيدة ينعمان بأجوائها، وينعم بها أيضًا أولادهما.
ولكن بعض النساء للأسف لا يكفيها الوعظ ولا يؤثر فيها، ولا يجدي معها، لذا فإن الرجل في هذه الحالة ينتقل إلى:
الوسيلة الثانية وهي: الهجر في المضاجع:
وهو من أبلغ العقوبات لأنه يمس المرأة في غرورها وكيانها؛ لأنها بفتنتها للرجل تعلم أنها قادرة على تعويض ضعفها، فإذا ما أعرض الرجل عنها وهي في أشد حالاتها إغراءً ولم يؤخذ بسحرها، انهدم عندها هذا الصرح من الأوهام، وجاءت مسلِّمة له خاضعة لأوامره.
"فهذا تأديب نفس، وليس تأديب جسد، بل هذا هو الصراع الذي تتجرد فيه الأنثى من كل سلاح في يديها، فارتدت بعده إلى الهزيمة التي لا تكابر نفسها فيها، فإنما تكابر ضعفها حين تلوذ بفتنتها، فإذا لاذت بها فخذلتها، فلن يبق لها ما تلوذ به بعد ذلك"( ( ) المرأة في القرآن لعباس العقاد ص126.).
"فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء، فقد أسقط في يد المرأة الناشز أقوى أسلحتها التي تعتز بها وكانت في الغالب أميل إلى التراجع والهيمنة أمام هذا الصمود من رجلها، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه في أحرج مواضعها"( ( ) دستور الأسرة في ظلال القرآن ص159.).
(فصل) ضوابط استعمال هذه الوسيلة:(1/29)
1ـ الهجر يكون في المضجع فقط، وليس معناه هجر البيت.
2ـ لا يلجأ الزوج إليها إلا بعد فشل الوسيلة الأولى.
3ـ اللجوء لهذه الوسيلة يكون عند مخافة النشوز.
4ـ ترك هذا الهجر إن عدلت الزوجة عن سلوكها، وأذعنت لزوجها وتابت.
5ـ لا تزيد مدة هذا الهجر حال نشوز الزوجة عن شهر، كما حدد العلماء ذلك إلا إذا علم الزوج أن الزيادة عن الشهر تصلح زوجته بحيث لا يبلغ ذلك أربعة أشهر( ( ) لجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/172).).
الوسيلة الثالثة: الضرب:
لنا أن نتصور ـ قبل أن نعجب أو نعترض لاسيما من جانب النساء ـ امرأة لم تكف عن نشوزها وعصيانها لزوجها وتمردها عليه بالوعظ والنصيحة ثم بالهجر في المضاجع، ألا تستحق بعد ذلك أن تضرب ضربًا شرعيًا، بضوابط معينة، وشروط محددة لكي ترتدع.
امرأة متبلدة الأحاسيس، معاندة مكابرة، سيئة الخلق والسلوك، ماذا يصلحها بعد وسيلتين لم ينجم عنهما شيء؟!
"تعال معي لنسأل الزوجة العاقلة: ما هو الأفضل لكرامة الزوجة، والأنسب لصيانتها، والمحافظة على أسرار أسرتها؟
أن يجري الزوج عند كل مخالفة من زوجته إلى المحكمة، طالبًا منها إصلاح حالها؟
أم يؤدبها بنفسه ـ وفقًا للكيفية والشروط الإسلامية ـ حتى تعود إلى حالتها الطبيعية، وتسلم الأسرة من مخاطر هذا الخلاف، وهذا التشهير، وتبقى للأسرة وأبنائها صحائفها ناصعة البياض، طاهرة المضمون؟
أعتقد أن كل الزوجات المؤمنات العاقلات معي في أن التأديب على هذا، وعدم هدم الأسرة، وتشريد الأطفال، وكذلك الجري إلى المحاكم، ونبش أسرار البيوت أمامها، أفضل بكثير، وأدل على صيانة الإسلام للمرأة، وحرصه على كرامتها"( ( ) تفسير القرآن للشيخ شلتوت رحمه الله ص176 بتصرف.).
ويقول الشيخ محمد الصابوني حفظه الله:(1/30)
"لقد أرشد القرآن الكريم إلى الدواء، أرشد إلى اتخاذ الطرق الحكيمة في معالجة هذا النشوز والعصيان، فأمر بالصبر والأناة، ثم بالوعظ والإرشاد، ثم بالهجر في المضاجع، فإذا لم تنفع كل هذه الوسائل فلابد أن تستعمل آخر الأدوية، وكما يقولون في الأمثال: "آخر الدواء الكي".
فالضرب بسواك وما أشبهه أقل ضررًا من إيقاع الطلاق عليها، لأن الطلاق هدمٌ لكيان الأسرة، وتمزيق لشملها، وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم، كان ارتكاب الأخف حسنًا وجميلاً، وكما قيل:
وعند ذكر العمى يستحسن العور.
فالضرب ليس إهانة للمرأة ـ كما يظنون ـ وإنما هو طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات مع النفوس الشاذة المتمردة التي لا تفهم الحسنى، ولا ينفع معها الجهل.
العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة
وإن من النساء، بل من الرجال من لا يقيمه إلا التأديب، ومن أجل ذلك وضعت العقوبات وفتحت السجون"( ( ) روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن (1/474).).
(فصل) في كيفية استعمال هذه الوسيلة:
يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله: وأما الضرب فاشترطوا فيه أن يكون غير مبرح، والتبريح: الإيذاء الشديد، وقد روي عن ابن عباس تفسيره الضرب بالسواك ونحوه أي كالضرب باليد، أو بقصبة صغيرة ونحوها.
ثم قال: يستكبر بعض مقلدة الإفرنج في آدابهم منا، مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستكبرون أن تنشز وتترفع عليه، فتجعله وهو رئيس البيت مرءوسًا بل محتقرًا، وتصر على نشوزها حتى لا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، ولا أدري بم يعالجون هؤلاء النواشز؟ وبم يشيرون على أزواجهن أن يعاملوهن به؟
إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى تأويل، فهو أمرٌ يحتاج إليه في حال (فساد البيئة) وغلبة الأخلاق الفاسدة.(1/31)
وإنما يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، وإذا صلحت البيئة، وصار النساء يعقلن النصيحة، ويستجبن للوعظ، أو يزدجرن بالهجر، فيجب الاستغناء عن الضرب، فلكل حال حكم يناسبها في الشرع، ونحن مأمورون على كل حال بالرفق بالنساء( ( ) تفسير المنار (5/74) بتصرف واختصار.).
إن الضرب المأمور به في الآية هو الذي لا يجرح، ولا يكسر عظمًا، أو يترك عيبًا، بل وأن يكون الضرب بعيدًا عن الوجه مفرقًا على البدن، غير مستمر في موضع واحد لئلا يعظم ضرره.
(فصل) في ضوابط استعمال هذه الوسيلة:
1ـ تحديد سبب الضرب والهدف منه:
فلا يكون سبب الضرب عناد من الزوج، أو هوى في نفسه، أو حب في الإيذاء أو رغبة في الانتقام، بل يكون في حالة عصيان الزوجة فيما تلام عليه من الشرع وتأثم به.
وعلى الزوج أن يخاف الله تعالى ويتقي الله في زوجته، في استعماله لهذا الحق، مبتعدًا عن سوء استغلاله.
2ـ تحديد موعد الضرب:
وهو بعد استنفاذ الوسائل السابقة، وهي: الموعظة، والهجر في المضجع، ولذلك فليس في بداية كل خلاف يباح للرجل أن يضرب زوجته.
3ـ تحديد أدواته:
قال القاسمي في تفسيره: قال الفقهاء: لا يجوز أن يضرب زوجته بسوط أو بعصا، وإنما بيده، أو بسواك، أو بمنديل ملفوف( ( ) محاسن التأويل (5/1222).).
وذلك يشير إلى أن الضرب إنما شرع للتأديب لا للإيذاء، للتعلم لا للتنكيل، ويتعدى الرجل حدوده عندما يضرب زوجته بأي شيء تصل إليه يده، أو يتحجج بأنه كان غضبان، أو لم يتحكم في أعصابه، ألا فليتق الله الرجال في أزواجهم.
4ـ الترغيب في ترك الضرب:(1/32)
من الزوجات من لا ينصلح حالها إلا بالضرب، ومنهن من قد يفسد الضرب حالها أكثر مما هي عليه، فلا تكون حينئذ فائدة؛ لذلك قد ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تركه، وعدم استعماله إلا إذا غلب الظن على الرجل أن الضرب هو الذي سيصلح من حال زوجته، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : ((أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها في آخر الليل؟!)) وفي رواية أخرى يقول: ((أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد، يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره)).
5ـ التخويف من سوء استعمال الضرب، وطلب الكف عنه بعد تحقيق المطلوب:
لذلك قال تعالى: ?فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً? [النساء:34].
فيخوف الله عز وجل الرجال، إن ثابت نساؤهن إلى الحق، وأطعنهم، ألا يحملهم الطغيان والظلم على مزيد من الضرب، إذ قد تحقق المطلوب.
ولن يصيب الحق أي رجل ظن بجهله أنه بشيء من القسوة على زوجته، وبعض الخشونة في معاملتها يثبت لها ولغيرها أنه رجل، وأنه بملاطفتها والإقبال على مودتها يكون ضعيفًا يخشى أن يعرف الناس عنه ذلك.
وهذا لا شك من الجهل في دين الله تعالى، وعدم اتزان شخصية الرجل.
فإن الزوجة حينما تحترم زوجها وتحبه وتعجب به وتطيعه، فإن ذلك يكون نتيجة لتقواه لله تعالى فيها، ولقوة شخصيته الممزوجة بالحب والحنان والعطف، وكذلك لرجاحة عقله وشرف أخلاقه.
أما الشجار بدون داع، وارتفاع الصوت داخل البيت، والسب والشتم، وعبوس الوجه؛ فإن ذلك يورث المرأة الاستهانة بزوجها، والإحساس بأنه سبب شقائها وهمومها وفضيحتها أمام جيرانها وأقربائها.
ويقول الأستاذ أحمد فائز: "ويشير النص إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغي وتحكم وتجاوز.(1/33)
ذلك حين لا يستعلن النشوز، وإنما تتقى بوادره، فأما إذا كان قد استعلن فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت؛ إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة، وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخر! وهذا ليس المقصود ولا المطلوب.
وكذلك إذا رئي أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي، بل سيزيد الشقة بعدًا، والنشوز استعلانًا، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة، في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار"( ( ) دستور الأسرة ص162.).
قال القرطبي رحمه الله: وإذا ثبت هذا فاعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحًا إلا هنا، وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولَّى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات، ائتمانًا من الله تعالى للأزواج على النساء.
أما قوله تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً? فقال القرطبي أيضًا:
إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، أي إن كنتم تقدرون عليهن، فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد. فلا يستعل أحد على امرأته فالله بالمرصاد، فلذلك حسن الاتصاف بعلو والكبر( ( ) تفسير القرطبي (3/152).):
(فصل) وماذا بعد هذه الوسائل؟:
الحل الأخير إن لم تأت هذه الوسائل الثلاث السابقة بثمارها في قوله تعالى: ?وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً? [النساء:35]( ( ) وهذه الوسيلة سنتناولها بالشرح والتفصيل في رسالة قادمة إن شاء الله بعنوان "الطرق الشرعية لحل الخلافات الزوجية".).(1/34)
إن المنهج الإسلامي يلجأ إلى هذه الوسيلة عند خوف الانشقاق، وانهيار الأسرة، ببعث حكم من أهله يرتضيه، وحكم من أهلها ترتضيه «يجتمعان في هدوء، بعيدين عن الانفعالات النفسية والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين، طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة، وتعقد الأمور، وتبدو ـ لقربها من نفسي الزوجين ـ كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما، حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين، مشفقين على الأطفال الصغار، بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر ـ كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف ـ راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار.
وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين، لأنهما من أهلهما، لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار؛ إذ لا مصلحة لهما في التشهير بهما، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها.
يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح، فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين، يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق»( ( ) دستور الأسرة ص163.).
- - -
التبرج وانهيار القوامة
ما من شك أن انهيار قوامة الرجل داخل البيت، وتحويل الدفة إلى المرأة مثالب كثيرة لعل من أهمها:
1ـ تسلط المرأة على الرجل، حتى يصبح القرار داخل البيت بيدها.
2ـ سوء تربية الأولاد.
3ـ انتشار المعاصي والمنكرات وأخطرها التبرج.
4ـ فقدان القدوة داخل البيت، فتتربى البنات الصغار على قوة الشخصية، ويتربى الأولاد الصغار على الجبن والخوف وضعف الشخصية.
ولعل من أهم مظاهر انهيار القوامة، والتي لفتت انتباهي بشدة هو تبرج النساء.
ولعل الطرقات وأماكن العمل التي تغص بسيل كبير جارف من النساء المتبرجات الكاسيات العاريات. لخير شاهد على ذلك.(1/35)
ما ذنب هذه الفتاة الصغيرة وهي لا تزال في المرحلة الإعدادية أو الثانوية أو الجامعية ولم تجد من يأخذ بيديها إلى طريق العفة والحياء؟
ما ذنب هذه الفتاة عندما تنشأ في وسط غافل عن الله والدار الآخرة، يحضها ويحثها ويدفعها إلى أي شيء إلا إلى مرضاة الله تعالى؟
ما ذنب هذه الفتاة التي لم ترب منذ نعومة أظفارها على حب دينها، وطاعة ربها، والاعتزاز بالإسلام؟
ما ذنب هذه الفتاة التي عشقت التبرج، وعبدته من دون الله تعالى، وأصبح الحجاب عندها من (رابع المستحيلات) كما يقولون؟
ما ذنب هذه الفتاة وهي لا تزال صغيرة وقد وضعت المساحيق على وجهها، وأرسلت شعرها وراءها، وارتدت ما يبرز عورتها، أو يكشفها، وهي لا تبالي؟
الذنب كل الذنب يتحمله ولي أمرها أولاً وأخيرًا.
فهو الذي خان الأمانة التي أناطها الله تعالى به في تربية أولاده.
وهو الذي ساق بناته إلى التبرج والاختلاط والعطور أمام الرجال بلا غضاضة.
وهو الذي تخلى عن قيادة البيت، قيادة صحيحة، تقوده إلى حيث مرضاة الله تعالى.
وهو الذي فقد الحياء والغيرة على زوجه وبناته، ولم يبال بما هن فيه من عري وفتنة.
وهو الذي غفل عن الله والدار الآخرة؛ فدفعت بناته وزوجه الثمن.
هو الذي لا يخاف من الله تعالى، بدليل إعراضه عن إلزام أهل بيته بالحجاب الشرعي الصحيح.
حتى النساء والبنات اللاتي تحجبن ـ يزعمن ـ وهن بعيدات عن الحجاب الصحيح ملبسًا وسلوكًا، هو المسئول عنهن.
فكم من فتاة أو امرأة غطت رأسها وكشفت عما هو أسوأ من ذلك من عورتها وظنت مع ذلك أنها محجبة!
وكم من واحدة تشبهت بالرجال ملبسًا وسلوكًا ومع ذلك تعتقد أنها محجبة!
وكم من واحدة ارتدت من الملابس الضيقة أو الشفافة أو "الممزقة" من هنا أو هناك، وظنت أنها أيضًا محجبة!
كل هؤلاء وأولئك من المسئول عنهن؟!!
وتحت عنوان "كلمة إلى الرجال" كتبت الدكتورة نعمت صدقي رحمها الله في رسالتها القيمة "التبرج" تقول:
كلمة إلى الرجال:(1/36)
إن واجب الحق والنصح يقتضي أن أوجه كلمة إلى الرجال، كما وجهت كلمتي السابقة إلى النساء؛ إذ ليس النساء وحدهن المسئولات عما وصلن إليه من انهيار في الأخلاق بهذا التبرج والتبذل. بل لقد كان الأحق والأولى أن يوجه الكلام كله إلى الرجال؛ لأن السبب في انتشار داء التبرج واستفحال شره إنما يرجع إلى إهمال الرجل في القيام بواجبه نحو المرأة، وهذا الإهمال ناشئ عن جهله أو تجاهله أنه مسئول عنها نفسًا وعقلاً وجسمًا.
وأنه قيم عليها مكلف برعايتها أيًا كان أبًا أو زوجا أو أخًا، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).
وأنه مأمور بالقيام على تهذيبها والعناية بخلقها ودينها ودنياها وآخرتها، كما قال تعالى: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ? [النساء:34]. وأنه رقيب على أفعالها وأحوالها وتقواها وأدبها، كما أمره ربه بقوله: ?وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ? [النساء:34].
فما أفسد المرأة إلا فساد الرجل واستهتاره بدينه وواجب الرجولة والأبوة والزوجية. فكل امرأة فاسدة إنما دفعها إلى الفساد وفتح لها بابه أب أو زوج فاسد لم يعرف الله ربه فعمي عن الصراط السوي، وجاهر بالخروج عن الدين والأخلاق، أو أب أو زوج ضعيف الإرادة، فقد نخوة الرجال وغيرتهم، ضعيف الإيمان متغافل عن أوامر الله مستهين بمعصيته.
فكم من ابنة منكودة شقية أضلها أبوها بضلاله وغذاها بفساده؛ فشبت لا تعرف الحياء ولا الدين، نشأت في أحضان الرذيلة ولم تعاشر ولم تخالط إلا الشيطان. ثم قذف بها ذلك الأب الضال إلى زوج فاجر مثله من الفاسدين فراحت فريسة فساد الأب والزوج وهامت مثلهما في غياهب الضلال، وساقها معهما إلى الجحيم!(1/37)
وكم من ابنة بائسة نُكبت بأب ضعيف الإرادة، استعبده هواه يزعم الإيمان بالله وكتابه، ويصلي ويصوم ويقرأ القرآن ولكنه لا يعرف معروفًا ولا يستنكر منكرًا؛ إذ يعشق التبرج، ويمقت الاحتشام، ويسخر من الخمار، ويعتبره أصفادًا ثقيلة وقيودًا مضجرة بغيضة، تحرم ابنته العزيزة حريتها ومتعتها بجمالها الفتان وشبابها الغض، فيغريها بالتبرج ويدفعها إلى العصيان بلا رحمة ولا يبالي بغضب الله وهو يكرر قراءة أمره تعالى في القرآن: ?وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ? [النور: 31]؛ وذلك لأنه أسير الهوى، ومفتون بحب ابنته. أعمى حبها قلبه، وفتن وخلب لبه، فأضلها وعصى ربه فما أعجب وأحقر حبه: ?إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ? [التغابن: 15].
فأعجب لهذا الأب الحنون الذي يشفق على ابنته من الاختمار، ولا يشفق عليها من غضب المنتقم الجبار. وأعجب لهذا الأب المغرور المفتون بجمال ابنته، الذي ينظر إليها متغزلاً مبهورًا، ويقدمها لكل العيون مباهيًا فخورًا، ولا يطيق أن يحبس حريتها في سجن الاحتشام، وأن يدفن جمالها في قبر الخمار، كما يدعي، فكأنه بذلك يعترض على الله ويزعم أنه ظلمها وينتقد أوامر الحكيم الخبير، كأنه أخطأ سبحانه وأساء التصرف فحكم على المرأة بالعذاب والحرمان.
فلو كان هذا المخلوق حقًا من المؤمنين لما عارض مولاه وخالقه إذا هو أمر: ?إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [النور: 51].
ولو كان حقًا من المؤمنين لما تجاهل وتغافل عن أمر ربه. ولانتَفَع بالذكرى، كما قال تعالى: ?وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ? [الذاريات: 55].(1/38)
فقل لي بربك أيها الأب الذي يزعم الإيمان بالقرآن، هل من التقوى والإيمان أن تفهم أمر الله بالاختمار والاحتشام، ثم لا تغضب لتبرج ابنتك ولا تنهاها عن العصيان؟ وهل من الحب والحنان ألا تبالي بتعرضها لغضب الله وعقابه وألا تحاول إنقاذها من مخالب الشيطان؟ ألم تسمع قول الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ? [التحريم:6].
وإنك أيها الأب القاسي أهملت تربية ابنتك التربية الدينية، ولم تعبأ بسعادتها الأبدية، في حين أنك أشد العناية بمتعتها الدنيوية، وسعيت إلى تعليمها اللغات الأجنبية والعادات والتقاليد الغربية، وتركتها ترتع في المدارس على غير هدى تتعلم ما لا ينفعها، وتعتنق بعصبية ـ مذاهب دعاة السفور والفجور، وتشبع بآراء محرري المرأة بل مضليها ومقيديها بأغلال الجهل والعصيان. لقد أضللتها في سبيل مظلمة ملتوية من فلسفات غريبة، وبعدت بها عن طاعة الله وتنفيذ أوامر القرآن.
فما أشقاها بك وأشقاك بها يوم تقفان بين يدي الملك الديان.(1/39)
وكم من زوج وأب يزعم أنه مسلم وأنه رجل، يرافق زوجه وبناته إلى النوادي والملاهي وغيرها. وهن كاسيات عاريات مائلات مميلات، يمشين مشية خليعة تهز الصدور والأرداف، وترسل الشعور تداعب الأعناق والأكتاف، ولا يحمر خجلاً من أن يتهادى بين الغيد الحسان من حرمه؛ بل يفرح بأن تزوج أو أنجب جمالاً جذابًا بهر الأبصار، ولا يبالي بعين ترمقها، وقدم تتبعها، ونظرة تفحصها، وأذن قبيحة تسمعها، فيا للداهية الدهياء! ماذا فقد الرجال من رجولتهم حتى أصبحوا أشباه الرجال ولا رجال؟ فإن الرجولة شخصية وروح وغيرة ونخوة، قبل أن تكون خشونة صوت أو شاربًا ولحية. أهذه هي الرجولة ـ أيها المدعي الرجولة ـ أن تسمح للعيون الدنيئة الطفيلية أن تجسر فتنظر إلى جسم نسائك وتنعم بمحاسنه ومفاتنه، وكأن هذا الحسن وليمة قد قمت بالدعوة إليها، أو كأن هذا الجمال مشاع بينك وبين غيرك من الرجال، حلال مشترك لهم قبل أن يكون حلالاً لك.
إنك تغضب يا هذا أشد الغضب ممن يحاول أن يطلع على دخائلك وخصائصك، وتخجل ممن يكشف سرًا من أسرارك، فهل هناك أمر أخص بك، وسر أقدس وأجدر بالصون من جسم زوجتك وابنتك!!
فويل ثم ويل لأولئك الذين لا يعرفون كرامتهم ولا يحفظون رعيتهم، ولا يحسنون القيام على ما استرعاهم الله من الزوجات والبنات كما أمرهم.
أيها المسلمون، ماذا جرى لعقولكم حتى رضيتم أن تفجر أمامكم نساؤكم وأنتم تنظرون: ?فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ? [الحج: 46].
فإن أعراضكم كأرواحكم، وقد فرطتم فيها كثيرًا، أفلا تعقلون؟
أيها المسلمون، ما بلغ النساء هذا الحد من الفساد إلا بإغرائكم، وما الله بغافل عما تعملون. وقد ولاكم أمر نساءكم لتصلحوا الولاية، فأسأتم باستهتاركم. أفلا تتقون؟(1/40)
أيها المسلمون، لقد أهملتم الرعاية وأغفلتم الحذر، وشجعتم الغواية وركبتم الخطر، وما تهلكون إلا أنفسكم وما تشعرون إنكم تتمردون على ربكم ولا تبالون بغضبه وعقابه وتلقون بأيديكم إلى التهلكة. فهل أنتم منتهون؟
?إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ? [الأعراف:201].
فاتقوا الله أيها المسلمون، ولا تفرطوا في القيام على ما استرعاكم من النساء وولاكم أمرهن بقوله: ?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ? فقوموا بأقدس واجب كلفتم به.
وصونوا أنفس أمانة أمرتم بالمحافظة عليها ورعايتها، وقد حذركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبهكم إلى مسئوليتكم عنها بقوله: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))، فكل أب مسئول عن ابنته، وكل زوج مسئول عن زوجته، كما أن كل رجل مسئول عن نسائه وأولاده، وكل مسلم مسئول عما كلفه الله إياه ووضعه تحت يده وتحت نفوذه، وملكه قيادة زمامه..
فمن أرخى الزمام كان مسئولاً عن نتيجة إهماله، ولا ينجو مستهتر عن عواقب استهتاره بأمر الله مستخف بغضبه من انتقامه وقصاصه في الدنيا والآخرة.(1/41)
فتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واذكروا دائمًا هذه الآية الكريمة ولا تتغافلوا عنها وتتجاهلوا: ?وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [النور:31].
واذكروا دائمًا هذا الوعيد في قوله تعالى:
?وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ? [السجدة:22].
- - -
الفهرس
الموضوع
الصفحة
تقديم
وجوب قوامة الرجل على المرأة
أولاً: من القرآن الكريم
ثانيًا: من السنة
ثالثًا: من العقل
فقه القوامة داخل البيت
فصل: لا لإلغاء شخصية المرأة ودورها في البيت
أصناف النساء أمام قوامة الرجال
التبرج وانهيار القوامة
كلمة إلى الرجال
الفهرس
5
11
11
33
34
38
58
63
87
91
102
- - -(1/42)