لا للتعصب العرقي
عيد الدويهيس
http://www.saaid.net/
الطبعة الأولى
ذو الحجة 1419 هجرية
أبريل 1999 ميلادية
مقدمة
…إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله .
…أما بعد، فقد يظن الكثيرون أن التعصب العرقي موضوع ثانوي لا علاقة له بمرارة واقع البشر، أو بالطموحات الرئيسة للشعوب والأمم، وأنه موضوع تاريخي قد انقرض في القرن العشرين بعد سقوط الأنظمة العنصرية في روديسيا وجنوب أفريقيا وأن لا علاقة له بحياتنا الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. ونقول: إن التعصب العرقي كان ولازال ذا أثر كبير في حياة الإنسان، وقد يكون تأثيره في أحيان كثيرة أخطر من التعصب الفكري، أو الحزبي، أو النقابي، أو الرياضي لأن كثيراً من الناس لا يهتمون بالمبادئ الفكرية، ولا ينتمون إلى أحزاب أو نقابات أو أندية رياضية، في حين أن لكل البشر دوائر عرقية من أسر وعائلات وقبائل وشعوب وقوميات وأجناس، وكثير من مفاهيم هذه الدوائر فيها تعصب عرقي. ويوجد التعصب العرقي في دول متقدمة تكنولوجياً، وفي دول نامية، وفي مجتمعات إسلامية، وفي مجتمعات علمانية، ويتم تجسيده في مفاهيم وشعارات وأقوال وأعمال وقوانين وأعراف وأهداف معلنة أو سرية. وهو أحد منابع الغرور، والظلم، والحسد، والكراهية... الخ .(1/1)
…وهو فوق كل هذا أحد معوقات التنمية على المستوى المحلي والقومي والعالمي، فأغلب خطط التنمية تعيش في دوائر عرقية وطنية مما يمنع تحقيق القفزات القومية والكبيرة سوء كانت اقتصادية, أو سياسية أو تكنولوجية , أو إدارية, أو ثقافية . ويتنكر التعصب العراقي أحيانا في ثوب المصلحة الوطنية, ويتكلم أحيانا أخرى باسم مصلحة القبيلة, أو العائلة أو الأسرة ولعل, أخطر ما في التعصب العراقي أنه عدو مجهول, أي لم يدرك الكثيرون إلى الآن خطورته وآثاره المدمرة , فالكثيرون يعتبرونه جزءاً من الانتماء الوطني أو القبلي أو القومي ولهذا يتمسكون به, بل يدافعون عنه, وهم لا يشعرون أنهم يدافعون عن الباطل, والتخلف, والجهل !!(1/2)
ومن الأمثلة الواضحة على خطورة التعصب العرقي ما حدث لنا في بداية القرن العشرين, فقد قالوا لنا نحن عرب, وهؤلاء أتراك, فلماذا نتحد في الدولة العثمانية ؟ ولما تحاربنا وتفرقنا ؟ قالوا: إننا كشعوب عربية نختلف عرقيا, فهناك مصريون, وجزائريون, وسودانيون, وخليجيون, وفلسطينيون, وبالتالي فعلينا أن نكون دولا منفصلة, ولكل دولة نظمها وقوانينها وجيشها وتاريخها, فلما وصلوا إلى ذلك حاولوا إقناع بعض شعوبنا بأن هناك اختلاف عراقية داخل الشعب الواحد, وهكذا لا يقف التعصب العرقي عند حد, وهو يتبني مبدأ أنا وأخي ضد ابن عمي, وقد يصبح ابن العم هو الصديق إذا كان الاختلاف أو الصراع مع عائلة أخرى, وهكذا مع الدوائر الأكبر ...... فلم يعد هناك صراع بين أهل الحق, وأهل الباطل, وبين أهل العدل, وأهل الظلم , بل أصبح صراعاً بين دوائر عرقية, وهو صراع لا ينتهي لأن من السهل إشعاله لسهولة تأثره بالمصالح, وموازين القوى, والثارات, والحسد, والمناصب . . . الخ. ولقد رأينا كيف مزق التعصب العرقي الشعب الواحد في الصومال، وفي أفغانستان، وكيف كان له أثر كبير في حرب الخليج الأولى والثانية، كما أنه كان من أهم عوامل اشتعال الحرب العالمية الأولى والثانية نتيجة العقائد العرقية للشعب الألماني، وهو موجود في الولايات المتحدة، وفي أفريقيا، وفي أسيا، وفي أوروبا، وعموماً فجراثيم التعصب العرقي لن تنجح إذا وجدت عندنا مناعة فكرية وإيمانية ووعي سياسي، واقتصادي وانتماء حقيقي للجنس البشري .(1/3)
وجاء هذا الكتاب ليبين خطورة التعصب العرقي، وأنه أحد المشاكل الرئيسة التي تواجه البشرية، وتواجهنا كشعوب وأمة، وتم مناقشة التعصب العرقي للأجناس والتعصب القومي والوطني والقبلي وتم بيان موقف الإسلام منه، وذكر نماذج عقائدية وسياسية واجتماعية لبيان خطورته، وانتشاره في مختلف المجالات، وكلي أمل بإذن الله أن يكون هذا الكتاب دعوة لتحطيم الأصنام العرقية وأن تتحول هذه الدعوة إلى مشاريع تتبناها القوى الشعبية والحكومات المخلصة.
وفي الختام من واجبي أن اشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا الكتاب، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأسأل كل من انتفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين .
عيد بطاح الدويهيس
الكويت 16 ذو الحجة 1419
2 نيسان 1999
الفصل الأول: التعصب العرقي
ما هو التعصب العرقي ؟(1/4)
…ما هو التعصب العرقي؟ نقصد بالتعصب العرقي التمييز العنصري أو العنصرية سواء كانت على مستوى عائلة، أو قبيلة، أو شعب، أو أمة، أو لون، أو جنس والتمييز العنصري كما جاء في موسوعة السياسة- الجزء الأول- للمؤسسة العربية للدراسات والنشر في ص788 هو: "أحد مكونات العنصرية يستند إلى مفهوم التفوق العنصري، وهو مبدأ يصنف البشر على أساس الهوية العنصرية، ويقسمهم إلى أجناس متفوقة، وأخرى سفلى ويمنح الأجناس المتفوقة امتيازات خاصة (مادية ومعنوية) يحجبها عن الأجناس الدنيا وتأخذ هذه الامتيازات أشكالاً متعددة" وعلى سبيل المثال جاء في نفس المصدر في ص771 تعريف العنصرية الآرية، (النازية) "بأنها استندت إلى أسس مستغلة دون حق بعض الاكتشافات البيولوجية، ونظريات نيتشه (السوبرمان) علمية زائفة لتثبت أن نقاء العنصر الآري هو سبب لتفوق الألمان، ومبرر سيادتهم على العالم، ولم تكن هذه النظرية مقتصرة على الألمان، بل شملت العديد من الطبقات الحاكمة في أوروبا" وهذا النوع المعلن من التعصب العرقي أصبح قليلاً بعد أن وقف العالم ضده على الأقل بصورة ظاهرية، وهذا لا يعني غياب، أو ضعف التعصب العرقي في حياة البشر فهو موجود بصور مختلفة في واقع شعوبنا وأمتنا، وجميع أمم الأرض، وله فلسفات ومبررات قد لا يتم تداولها بصورة علنية، ولكن يتم تداولها في دوائر مغلقة سواء على مستوى عائلي أو طبقي أو قبلي أو شعبي أو أممي أو جنسي. قال الدكتور فؤاد محمد الصقار: "وتختلف الصورة التي تتخذها التفرقة العنصرية من مكان لآخر، ومن زمن لزمن، فهناك التحيز العنصري، ومؤداه أن يعتقد عنصر من العناصر البشرية أنه أرفع شأنا من بقية العناصر وقد سبب هذا التحيز كثيراً من المشاكل السياسية والاجتماعية التي تمثلت في الفاشية، والنازية، والصهيونية، وكراهية الأجانب والتعصب للذات، وقد يكون التحيز العنصري ضد مجموعة واحدة، كما هو حال التحيز ضد الزنوج في الولايات المتحدة،(1/5)
وفي بعض الدول الأوروبية، أو ضد المجموعات السلالية الأخرى كما هو حال التحيز ضد العناصر غير الأوروبية في جنوبي أفريقيا وروديسيا وقد يكون التحيز ضد البشر جميعاً كما يفعل اليهود، وقد لا يعبر التحيز العنصري عن نفسه إذا لم يكن هناك احتكاك واختلاط بين المجموعات العنصرية المختلفة أو إذا كانت الجماعات التي تعتنق هذه الأفكار أقلية لا نفوذ لها، وفي هذه الحالات يبقى التحيز العنصري حالة نفسية أو نوعاً من مركب النقص". وقال "تركزت الفلسفة العنصرية منذ القرن الثامن عشر وحتى أوائل هذا القرن في سيادة وامتياز ما يسمى (بالعناصر الآرية) ويقصد بها السلالة التي تعيش في شمال غربي أوروبا" (1).
…وشغل التعصب العربي مفكرين وسياسيين، وأثر في واقع البشر قديماً وحديثاً، وهو موضوع له جذور في تاريخ الشعوب والأمم، وفي ثقافتها وسلوكها قال الأستاذ عبدالعزيز قباني: "العصبية، بداية، نعرة فئوية، دموية، رحمية ملازمة لنمو النوازع الأولية، يتربى عليها الطفل، وتبدأ مع الأم في الأسرة" (2).
…وقال أيضاً: "العصبية في الجماعة شعور فئوي بوحداتها المتميزة، بشوكتها، بكونها سلطة واحدة، وجسماً واحداً ومصلحة واحدة، قوية التضامن والتماسك، يشد أفرادها بعضهم إلى بعض، شعور بالانتماء إليها لا إلى غيرها من الجماعات، وشعور الانتماء هذا يولد في أفرادها التزاماً قيمياً فئوياً نحوها، بكل ما لها وما عليها التزاماً واجباً ومسؤولاً، يجعل الأخ ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً ويجعل جماعة العصبية ترى "شرارها أفضل من أخيار غيرها"(3) .(1/6)
…وهنا يتحدث الأستاذ قباني عن العصبيات بشكل عام العرقية والسياسية وغيرها، واهتم المفكر ابن خلدون بالعصبية العرقية فهو يعتقد بأن دوام الملك (نظام الحكم) بدوام العصبية كشوكة ونعرة دم، فقال: "ولا يصدق دفاعهم وذيادهم إلا إذا كانوا عصبية وأهل نسب واحد، لأنهم بذلك تشتد شوكتهم ويخشى جانبهم" والملك يحصل برأيه (ابن خلدون) بالتغلب، والتغلب يكون بالعصبية"(4) وتطرق الأستاذ صلاح الدين الأيوبي إلى موضوع العصبية فقال "العصبية في تعريف أهل اللغة هي أن يدعو الرجل إلى نصر عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين، وهي مشتقة من التعصب أي: التجمع ولما كان أقارب الرجل يعصبون به أي يلازمونه ويحيطون به، سموا "عصبة"، وقد أطلق على أقارب الرجل من جهة أبيه"(5) وقال: "كانت الذهنية البدوية الجاهلية لا تتصور الكائن الإنسان إلا داخل مجموعة شريعتها العصبية القبلية، حيث يعد أفرادها نسخاً يطابق بعضها البعض، ويذوب كل شخص في القبيلة، ولم تكن العصبية القبلية لتعترف بالتضامن والعلاقات الودية إلا بين من تجمعهم رابطة القرابة، وتبني واقعية العصبية على تقديس الجد المشترك"(6) وقال: "وتكون العصبية للقبيلة بأسرها إلا أنها أشد بالنسبة للأقربين منهم، وكل رجل من القبيلة يشعر أنه مسؤول عن جماعته كلها، كما أن القبيلة كلها تشعر أنها مسؤولة عن كل من ينتمي إليها"(7) .(1/7)
…وما ذكره الأستاذ صلاح الدين هنا يثبت أن العصبية قائمة في أساسها على مصالح متبادلة، وهذا من أهم عناصر استمرارها، وليس لنا اعتراض على مصالح مفيدة، وتزيد المجتمعات والأمم والعالم عدلاً ورحمة وخيراً، بل اعتراضنا على المصالح غير المشروعة من تعاون على الظلم والشر والأذى. وإذا كانت أغلب الأقوال والتعاريف السابقة تتعلق بالتعصب العرقي القبلي فذلك لأن القبائل كانت هي الكيانات السياسية والاجتماعية السائدة في الماضي في حين أن هذه الاقتناعات لازالت موجودة على مستوى الشعوب والأمم والأجناس ولهذا قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي "والعصبية القبلية شبيهة بالاتجاهات القومية المغالية في النظام السياسي الحديث، فكما أن القومية المتطرفة تتعصب لجنسها، وتؤمن بتفوقها على سائر القوميات، فكذلك العصبية القبلية تقوم على هذه العقيدة الشوفينية، فكل قبيلة تتعصب لنسبها، وتؤمن بتفوقها على سائر القبائل"(8) .
…وما ينطبق على القومية ينطبق على الوطنية أيضاً، أي على العرق الشعبي إن صح التعبير، وجاء في لسان العرب وتاج العروس هذا التعريف: "القوم الجماعة من الرجال والنساء، وقوم كل رجل شيعته وعشيرته، وقيل الجماعة من أب واحد"(9) وقال الدكتور محمد أحمد خلف الله "موطن القوم هو الأرض التي يقيمون فيها، ويمارسون حياتهم عليها، ويقولون عنها أنها موطنهم أو وطنهم" وقال: "القومية إذن مجموعة من الروابط الثقافية الناجمة عن تعايش مجموعة بشرية في مكان واحد، ولها تاريخ واحد، ومصالح مشتركة"(10) .(1/8)
…أما الدكتور محمد عمارة فقد ألغى أهمية العرق والنسب حيث قال: "فالعروبة إذن ليست عرقاً ولا نسباً وإنما هي لغة وآداب وتكوين نفسي وحضارة وولاء"(11) وهو يختلف جذرياً مع ما قاله هتلر حيث قال: "إن القومية، أو على الأصح العرق، هو مسألة دم، وليس مسألة لغة"(12) وقال: "ولم يكن لهم (اليهود) من الألمانية سوى اللسان الذي أتقنوه مع الزمن. ومتى كانت اللغة قوام العرقية؟"(13) أما أحد علماء السلالات البشرية فيقول: "العرق، جماعة كبيرة من الناس، عاش جدودهم على نسق معين من الحياة، سلك الأحفاد في اتجاه موحد، فنسلوا نماذج خلقية متشابهة"(14) .(1/9)
…ما تم ذكره من أقوال كان الهدف منها بيان الملامح الرئيسية للتعصب العرقي ومبرراته، فلا شك أن البشر يختلفون في أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وتاريخهم وأرضهم ومصالحهم ولكن من الخطأ أن يؤدي ذلك للتعصب العرقي سواء على مستوى عائلة، أو قبيلة أو شعب أو أمة فالبشر كلهم بنو آدم وحواء، والانتماء الصحيح هو للمبادئ الصحيحة أي للعقيدة والعدل والخير والعلم والعمل والأخلاق. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13) سورة الحجرات وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24} ) .
من سلبيات التعصب العرقي(1/10)
…كثيراً ما يقوم أصحاب العقائد الباطلة، والمصالح المشبوهة من داخل الأمة والشعب، ومن القوى الأجنبية المعادية بتغذية التعصب العرقي، وذلك لتحقيق مصالحهم التي لن تتحقق إلا إذا تفرقنا بناءً على أصولنا العرقية، أو أفكارنا أو مواقفنا، وعندما ننشغل باختلافاتنا العرقية، وغيرها ننسى أعداءنا، وسنعادي فئات من شعبنا وبالتالي فرفض التعصب العرقي يفقد هؤلاء أحد أسلحتهم الرئيسة، وعندما يحاول أعداؤنا وجهلاؤنا وسفهاؤنا اقناعنا بأن التعصب العرقي يحقق مصالح لنا، نقول: بل هو شر كبير، وإذا حقق مصالح فهي مصالح هزيلة ومحدودة ومصائبه أكبر بكثير. فالربا ظاهرياً فيه مصالح، ولكن شره وآثاره الاقتصادية والشخصية سيئة، فالمال الحرام لا يأتي بخير، وكذلك بالنسبة للتعصب العرقي فليس مهماً كم نائباً ينجح من هذه القبيلة أو تلك، بل المهم جودة النواب، فالنائب الضعيف يضر المجتمع وأبناء قبيلته، حتى لو حقق مصالح محدودة للبعض، وقوة الأمة في تعاون شعوبها لا في تدمير بعضهم البعض، ومصالحنا تتحقق بتكاتفنا، وإيجاد شعوب متماسكة، فجسد الأمة عندما يتمزق سيكون جسداً ضعيفاً حتى لو توهم من يملك اليد أن عنده عضلات، أو من يملك الرأس أن عنده عقل، فقوة اليد الحقيقية هي عندما تكون جزءاً من جسد متماسك، ويستغل المنحرفون في عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم التعصب العرقي كشعار للوصول إلى المناسب والأموال، فيتباكون على مصالح القبيلة أو الشعب، في حين أنهم لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية. ومن سلبيات التعصب العرقي أنه يزرع الكراهية بين الأمم والشعوب، وأفراد المجتمع، فلكل فعل رد فعل، فالناس يكرهون من يسعون للتميز عنهم، ومن يكسب محبة الناس فقد كسب الكثير ومن يكسب عدواتهم فقد خسر الكثير، قال الأستاذ عبد العزيز قباني: "إنه من مباهج الحياة أن يشعر المرء بأنه محبوب"(15) أما هتلر العنصري فيدعو بعصبيته النازية إلى العداوة والظلم عندما قال: "ومتى احتوى الرايخ(1/11)
أبناءه جميعاً يمسي عاجزاً عن إعالتهم، ومن العوز ينشأ حق هذا الشعب في الاستيلاء على أراضٍ أجنبية"(16)
ويتهم الفاشل في عمله الآخرين بأنهم يتعصبون عرقياً ضده ليثير غضب جماعته، وحقيقة الأمر أن عدم ترقيته راجعة لفشله، لا لتعصب عرقي ضده فالمتعصبون الفاشلون هم الذي يتاجرون بانتماءاتنا القبلية، والشعبية، والقومية أما أهل الإيمان والوعي فهم أبعد الناس عن ذلك .
ومن جرائم التعصب العرقي أنه جعلنا نبالغ في مدح قبائلنا وشعوبنا وأمتنا حتى اعتقد بعضنا أننا ملائكة، وأتت كثير من الأحداث ففضحتنا، فكفر بعضنا بجنسنا العربي أو بشعوبنا، أو بقبائلنا، فالتعصب العرقي يزور حقائق تاريخية وحديثة عنا ويجعل إيجابياتنا كثيرة، وسلبياتنا صغيرة، فلا نرى واقعنا كما هو فتصيبنا الكوارث العسكرية والسياسية والاجتماعية، في حين أن التقييم العلمي والمحايد سيثبت أن حساباتهم خاطئة بدرجة كبيرة. قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (32) سورة النجم وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأن في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب، وقع على أنفه، فقال له هكذا فطار". فالصالحون من الأفراد والشعوب يحاسبون أنفسهم ويعتبرون إيجابياتهم قليلة، وسلبياتهم كبيرة، فيجتهدون أكثر، ولهذا يرتقون في سلم الرقي الإنسان، أما أصحاب التعصب العرقي فيفعلون العكس، فيخسرون الدنيا والآخرة .
وجعلنا التعصب العرقي نتساهل مع المجرمين من أبناء قبائلنا وشعوبنا، فتزداد الانحرافات، ويتجرأ المنحرفون أكثر، ويتشجع غيرهم لأننا نغفر لهم وهذا واقع مشاهد .(1/12)
والتعصب العرقي يجعلنا لا نرى من الآخرين إلا سلبياتهم، والآخرون ينظرون إلينا النظرة نفسها، فتصبح كل الملفات سوداء على مستوى الشعب، أو الأمة، وإذا كان هناك اعتراف بإيجابيات وحسنات الآخرين فهو قليل، فأصبحت شعوبنا إما ملائكة أو شياطين، وفقدنا العدل والموضوعية، وإذا حدث شراً وخلاف بين عرقين كالذي يحدث بين الأخ وأخيه، فمن الصعب عند أصحاب التعصب العرقي التسامح، والعفو لأنه قد يعتبر ضعفاً أو جبنا، فالواجب العنصري أن ترد الصاع صاعين، وتزيد الشر والجروح في الأمة ولا تتنازل عن أي شيء حتى لو كان شبراً واحداً على الحدود .(1/13)
وحطم التعصب العرقي الكفاءات والمؤهلات في العمل والإبداع والعلم، فلا أهمية إلا للانتماء العرقي في التوظيف والترقية والمناصب. قال الأستاذ عبدالعزيز قباني: "فإن مجتمع العصبية مبدد للطاقة الإنسانية الخلاقة، هادر لها بنزاعاته وخلافاته الداخلية، ومشاحناته وعداواته الفئوية التي دافعها الانتقام والثأر والنكاية والحسد والغيرة وسوى ذلك" فمن هو من العرق الأزرق لن يجتهد لأنه ضامن الوصول، ومن هو خارجه لن يجتهد لأنه لا فائدة في اعتقاده من الاجتهاد، ولهذا تضعف أوطاننا وأمتنا، ونغرق جميعاً، ولو نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا تشجيع المتميزين علمياً وعملياً من الأجانب فيصبح كسينجر وزيراً للخارجية مع أنه مولود في أوروبا فتستفيد أمريكا وتزداد قوة في حين أن التعصب العرقي يمنع في أحيان كثيرة شراء أرض، أو عمل مشروع استثماري في كثير من دولنا فنحن لا نثق إلا في من ينتمي لعرقنا وهذا سبب رئيسي من أسباب هجرة أموالنا لدول أجنبية، فالمواطن العربي يشعر بالغربة من كثرة القوانين والأعراف العرقية التي تمنعه من الإقامة، أو التجارة، أو التملك، أو الترقية. قال الأستاذ عبدالعزيز قباني "العصبية سواء كانت طائفية أو قبلية أو عشائرية أو عرقية، رمز إلى ما هو خاص وفئوي، أما التنمية فرمز إلى ما هو عام وإيثاري"(17) .(1/14)
ومن سلبيات التعصب العرقي أنه يقف حاجزاً كبيراً أمام النقد البناء، فإذا انتقدت مسؤولاً أو حكومة أو شعباً لخطأ أو انحراف فيتهموك بأنك تعادي "العرق" الذي ينتمي إليه المسؤول أو الشعب وهب أصحاب العرق ينتصرون لصاحبهم. قال الأستاذ عبدالعزيز قباني "وبينا أن التعصب يعطل العقل وهذا ما يفسر أن ثقافتنا الحديثة غير فاعلة لأن عمادها الفاعل الذي هو النقد معطل بفعل قيمنا"(18) وقال: "فإن النقد ليس من قيم من تحكمه العصبية، لشعوره بأنه والجماعة شيء واحد فلا مسافة بينه وبينها لأن لا ذاتية له، بل إن ذاتيته هي ذاتية الجماعة"(19) قال أيضاً: "إن من طبيعة العصبية المغالاة والمبالغة في السلب والإيجاب وهذا ناجم من أنها لا تحفز إلى الموضوعية لأن ليس من طبيعتها العدل والنقد لفئويتها الجامحة وتعصبها الشديد"(20) وهذا الحاجز يعوق تنفيذ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك يمنعنا التعصب العرقي من نقد عوائلنا وقبائلنا وشعوبنا لأننا نعتبر هذا تشويهاً لسمعتنا عند الآخرين، ومن الضروري أن نقتنع بأن تسليط الأضواء على سلبياتنا هو أحد أساسيات التقدم، ولكن لنحاول أن نبدأ بأنفسنا لا بالآخرين.(1/15)
ومن سلبيات التعصب العرقي أن بعض أصحابه يظنون أنهم في القمة، وذلك من خلال تسليط الأضواء الشديد على عيوب الآخرين، وسلبياتهم وأخطائهم القديمة والحديثة، فيسقط الآخرون من عيون هؤلاء فيظنون بأنفسهم أنهم أفضل البشر عرقاً، وشجاعة، وأخلاقاً لا لسبب إلا أنهم تذكروا سلبيات الآخرين ونسوا سلبياتهم قال هتلر "إن نظرة الدولة العنصرية (الألمانية) إلى الفرد تجرها حتماً إلى محاربة المبدأ الماركسي القائل بالمساواة المطلقة بين البشر"(21) وقال الأستاذ عبد العزيز قباني "وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تنتهك انتهاكاً عفوياً معيباً في مجتمع العصبية، لأن التمييز فيه بين الناس على أساس العنصر والجنس والدين والطبقة والطائفة والأصل الاجتماعي والثروة والعائلة هو المعيار والمقياس للقيمة والاعتبار"(22) وقال "العصبية تنبذ اليوم مفهوم الديموقراطية وما يلازمها من تعددية ومساواة بمعناها الحديث لتبقى على قيم استبدادها"(23) وجعل التعصب العرقي شعوباً تضطهد شعوباً أخرى، ولغاتهم مما فتح المجال لثورة المضطهدين، وتعاونهم مع أعداء الأمة، وأصبحنا نواجه اليوم عقبات قوية من الحواجز السياسية والنفسية بين بعض شعوبنا .
ومن سلبيات التعصب أنك مهما حاولت أن تكون عادلاً وترضي عرقاً ما بمناصب وأموال فإنه سيتهمك بأنك لست بعادل مهما فعلت. وهذا وضع تواجه حكومات وقوى مخلصة قال الأستاذ صبحي العمري "خرجنا من الحكم التركي ونحن متفرقون مفككون إلى مسلم، مسيحي، شيعي، سني، إسماعيلي، نصيري، ودرزي، ومن القوميات الأخرى: تركي، تركماني، شركسي، كردي، ألباني، وأرمني وجميع هذه الديانات والمذاهب والقوميات مختلفة مع بعضها، كل منها تعتبر نفسها غريبة عن الآخرين وتعتقد أنها مغبونة مهضومة الحقوق"(24) فالتعصب العرقي يريد أكثر من حقه، في حين أن القلوب المؤمنة تعطي أكثر مما تأخذ .(1/16)
ومن سلبيات التعصب العرقي أنه يجعل أصحابه يهتمون فقط بدوائرهم العرقية على مستوى الأسرة أو القبيلة أو الوطن، فيتجاهلون آلام الآخرين ومصائبهم، وأعداؤنا يريدون منا ذلك حتى ينفردوا بنا. قال الأستاذ عبدالعزيز قباني "إن العصبية لا تتنكر للكرامة ولا للحرية ولا للحق بشرط أن تكون الكرامة كرامتي، والحرية حريتي، والحق حقي أنا، لا كرامة ولا حرية ولا حق الآخر، لأن التفكير بالغير غير وارد في العصبية"(25) وقد نجح الأسد في حكاية الثيران الثلاثة في الاستفادة من هذا المبدأ العرقي وافترسهم جميعاً. في حين أن واجبنا الشرعي أن ننصر المظلوم خاصة إذا كان غريباً أو فقيراً، وأن نردع الظلم خاصة إذا جاء من قبائلنا وشعوبنا ولكن المتعصبين يعتبرون هذا نوعاً من المثالية، والغباء السياسي، أو حتى نوعاً من الخيانة للقبيلة والوطن في حين أنه انتصار حقيقي لأنه ردع عن الظلم قال الأستاذ عبدالعزيز قباني: "وفئوية العصبية يترتب عليها تعطل العدل لأنها في طبيعتها التمييزية نصر للأخ ظالماً كان أو مظلوماً بينما العدل نصر للحق بإحقاقه، فلا يميز بين أخ أو غير أخ بل بين حق وباطل"(26) وقال أيضاً: "فلا غرو إذن أن تكون ديباجة شرعة حقوق الإنسان قد جعلت الكرامة والمساواة بين البشر أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، فهذه القيم هي شروط ضرورية التوافر من أجل قيام العدل"(27) .(1/17)
وما ذكرناه أعلاه هو نماذج من سلبيات التعصب العرقي الذي لا نحصد منه غير الكراهية، والتفرق، والاختلاف، والتكبر، والغرور، والكسل، وتزوير الحقائق، والحسد، وتحطيم الكفاءات والمعنويات.. الخ. فكيف تكون فيه مصالحنا كأفراد وقبائل أو شعوب أو أمة؟!! إن التمسك به يعني أننا ضد إسلامنا وضد أوطاننا، وضد قبائلنا، وما نراه من مصالح فهي مصالح وهمية وسراب وأوهام قال الأستاذ عبدالعزيز قباني "فإن أنانية العصبية وفئويتها لا تدمران معنى الحب فقط، وإنما تدمران معنى الوطن ومصالحه العامة أيضاً لأن العصبية لا تنزع إلى الوعي المسؤول للوطن ولمصالحه العامة"(28) .
علمانية التعصب العرقي(1/18)
المتأمل في مبررات التعصب العرقي يرى أنها مبررات عقلية خاطئة مثل من مصلحتنا كعائلة أو قبيلة أو شعب أو أمة أن نتفق على موقف واحد أو نتعاون في سبيل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية وأحياناً يستند التعصب العرقي إلى مبررات عقلية خاطئة كاختلاف اللون أو الأجداد أو الأرض أو اللغة أو اللهجات أو التاريخ أو غير ذلك، فهناك دائماً مبررات عقلية مجردة تقدم أدلة خاطئة تقتنع بها بعض العقول الضائعة. ونستطيع أن نقول بناء على ذلك إن التأييد للتعصب العرقي يأتي غالباً من العلمانية ومن أهل التفكير العلماني حتى لو لم يكونوا علمانيين بمعنى أن تكون لهم مبادئ إسلامية أو مسيحية أو أي مبادئ تعارض التعصب العرقي أي أن التأثر الجزئي بمبررات عقلية هي التي تجعل أصحاب التعصب العرقي يعتقدون أن مصلحتهم في كذا أو أنهم يختلفون عن بقية بني آدم لأن هؤلاء لو رجعوا إلى مبادئ الأديان السماوية لعلموا أن الحق والصواب والأدلة العقلية الصحيحة والتفكير الواعي الناضج يؤيدوا المساواة البشرية ويثبتوا أن المصلحة في المساواة فكل البشر هم بنو آدم والعصبية العرقية والسياسية والعقائدية مرفوضة ومنتنة وجاهلية وظالمة.. الخ ولكن عندما يبتعد البشر عن الأديان السماوية وما بها من حق وصواب وحقائق ويتبعوا عقول علمانية ضائعة بصورة كلية أو جزئية لن نستغرب أن نجد هتلر يدافع عن النازية في كتابه "كفاحي" في القرن العشرين في أوروبا العلمانية ليقدم الأدلة العقلية العلمانية الخاطئة على اختلاف العرق الآري عن بقية بني البشر فهذه الأدلة تستند على أن هذا العرق أذكى من غيره، وأن دمه يختلف عن دماء الآخرين وأن اختلاط هذا العرق مع أي أعراق أخرى سيؤدي إلى تخلف الألمان وانتشار الصفات السيئة فيهم، ويأتي بحقائق أو معلومات قديمة وحديثة ليصنع منها أدلى عقلية واهية لو تم مناقشتها نصف ساعة لما استطاعت أن تصمد أمام أدلة من آيات القرآن الكريم أو أقوال الأنبياء عليهم(1/19)
السلام ومن أدلة وحقائق عقلية علمية صحيحة تثبت تشابه الدم البشري وتثبت أن هناك أمم كثيرة حققت نجاحات حضارية، وأن هتلر يجهل كثيراً من حقائق التاريخ، وحقائق الجسم البشري، وغير ذلك .
فالعلمانية هي التي أعطت التعصب العرقي الشرعية لأنها قالت للناس ابتعدوا عن الأديان السماوية فاستطاع أصحاب التعصب العرقي إعطاء مبررات عقلية مزروة اقتنعوا بها وخدعوا بعض الناس بها، وباختصار لو لم توجد علمانية لما وجد تعصب عرقي، وحتى التعصب العرقي القديم قبل ظهور العلمانية الحديثة كان يستند إلى فلسفات علمانية قديمة بصورة كلية أو جزئية، وإذا أخذنا مجال التعصب العرقي سنجد مبررات عقلية يتم تقديمها مثل كل دولة عربية حرة في سياستها، وفي قوانينها، ومصلحتنا هي استثمار أموالنا في أرضنا، ومصالح وطني تتعارض مع إعطاء حق التملك أو التجارة للعرب. والمهم أن نحقق كعرق أكبر كمية من المكاسب وهكذا هذه الأقوال تبدو مقنعة، وفيها حق، ولكن أيضاً فيها علمانية باطلة فحرية كل دولة قضية لا نختلف حولها، ولكنها حرية محدودة بضوابط شرعية وعقلية صحيحة فالحرية ليس معناها أن نفعل ما نشاء، ومصلحتنا قد تكون في تحقيق توازن في استثمار أموالنا بين وطننا وبقية الوطن العربي حيث في أغلب دولنا مزايا يمكن باستثمارها تحقيق نجاحات أكبر، أما حرية التملك والتجارة فقد تؤدي إلى تشجيع الاستثمار، والتواصل الثقافي والتعاون السياسي، أما بالنسبة لتحقيق المكاسب فهو شيء مطلوب ولكن من الضروري، ومن العدل ألا نأخذ مكاسب الغير حتى لو استطعنا .
وسأذكر بعض المبررات العلمانية للتعصب العرقي، وسأرد عليها بأقوال وحقائق علمية تاركاً الرد الإسلامي للتفصيل في مقال آخر مذكراً بأن تمسك البشر بمبادئ الإسلام هو الطريق لإخراجهم من التعصب العرقي وبقية أنواع الضلال العقائدي والانحرافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
( أ ) التفوق العرقي(1/20)
1- قال هتلر "أن كل اختلاط بين (الأجناس) يفضي (1) تدني مستوى الجنس المتفوق (2) تأخر مادي وروحي يفضي في النهاية إلى التفسخ والانحلال. واختلاط كهذا يشكل تحدياً لإرادة الخالق وتحدياً لمنطق الطبيعة" وقال "وما لنا وللماضي السحيق إذن، لنقصر البحث على الحاضر فماذا نجد؟ نجد أن كل ما تطالعنا به الحضارة البشرية من نتاج الفن والعلم والتكنيك يكاد يكون كله ثمرة النشاط الآري (الألماني) الخلاق" وقال: "فشرارة النبوغ تجئ مع النابغ يوم يطل على العالم، وليست العبقرية ثمرة التربية والدرس وما يقال في عبقرية الأفراد ينطبق على عبقرية الأعراق فالشعوب التي تقوم بنشاط خلاق تتمتع منذ نشأتها بموهبة تؤهلها للخلق والإبداع"(29) .(1/21)
2- قال الدكتور ممدوح حقي "وتمكنت عقيدتهم (النازية) هذه في أنفسهم بدءاً من رئيس الدولة فالحكام، حتى أصغر عامل في مصنع وعششت في رؤوس الساسة ورجال الجيش وأساتذة الجامعات والثانويات والمعاهد العليا، والمدارس الابتدائية، والعمال والزراع والصناع.. كلهم يسبحون بمجد العرق الجرماني، ويستفتحون صلواتهم له بقولهم: "ألمانيا فوق الجميع" وقال "لقد ارتكزت دعوى العنصريين على أربع دعائم هي: اللغة والدم، والتركيب الفيزيائي للجسم، واللون" وقال "اللغة تشبه الأحياء فيما يجرى عليهم من نواميس الحياة، فهي تولد، فتشب، فتهرم، فتموت. أين اللغة الفينيقية، والكلدانية، والآشورية، والسريانية والكلتية... الخ" وقال: "وهناك من يتكلم اللغة الألمانية ولا يريد أن ينتمي إلى الجامعة الجرمانية كألمان سويسرا وأوكرانيا" وقال "وهناك دول يتكلم شعبها عدداً من اللغات وهي لا ترضى عن كيانها السياسي أي بديل كسويسرا التي يتكلم شعبها أربع لغات، والهند التي يتكلم شعبها عشرات اللغات، وكذلك ورسيا والصين". وقال أيضاً "ودعوا العنصريين من جرمان وبريطان وروس بأنهم من عرق ذي دم أزرق أرستقراطي دعوي باطلة من أساسها، ولو عرضت عينة من دم على أعظم خبير كيماوي في العالم ليحللها لعجز عن تحليل جنسه عجزاً تاماً. ولما استطاع تعيين صاحب الدم أهو ذكر أم أنثى، ودم زنجي هو أم أبيض أم أصفر، وأوروبي هو أم أمريكي أم أفريقي"(30) .
3- قال ريد فيلد: "إن الفوارق الحقيقية بين الجماعات التي تتباين من الناحية البيولوجية قد لا تنطوي على مضاعفات تذكر بالنسبة لشؤون الناس، أما الفوارق المتصلة بمعتقدات الناس وأوهامهم، والفوارق المنظورة التي تستلفت انتباههم فهي التي تؤثر في شؤونهم وتصرفاتهم، ويمكن القول إذن: أن العرق من اختراع الإنسان". "ومنذ ألفي سنة كتب شيشرون إلى صديق له ينصحه أن لا يشتري عبيداً من بريطانيا، لأنهم أغبياء إلى حد أنه لا يمكن تعليمهم"(31) .(1/22)
4- قال فيلسوف عربي أندلسي في القرن العاشر الميلادي عن الأوروبيين الذين لم يكن منهم إلا القليل النادر من يحسن القراءة والكتابة "أنهم بطاء الفهم، فظاظ الطبع، غلاظ، طوال الشعور، صفر الوجوه ليس فيهم حدة ذهن، ولا ذكاء، يسودهم الجهل والبلادة والقسوة وضعف التفكير" وجاء في تقرير للأمم المتحدة: "إنه مهما بلغ التفاوت الظاهري ما بين أعراق البشر المتعددة، فإنهم جميعاً يحملون نفس الكروزومات بعددها وأشكالها، وهذا دليل آخر يضاف إلى ما تقدم، بأن الأعراق المعاصرة قد صدرت كلها عن نبع واحد"(32) .
5- وجاء في تقرير للأمم المتحدة اتفق العلماء على الاعتراف بأن أصل الإنسان واحد "ولا دليل على أن تمازج العناصر (الأعراق) ينتج آثاراً بيولوجية سيئة وأما النتائج الاجتماعية الناجمة عن هذا الاختلاط فسواء كانت حسنة أم سيئة، يجب أن ينظر إلى أسبابها وعواملها الاجتماعية فقط"(33) .
6- وجاء في تقرير للأمم المتحدة "ونحن لا نستطيع أن نبرهن حتى الآن إذا كانت النسبة المئوية للأفراد الموهوبين في عرق ما أكثر منها في عرق آخر ولا أن نؤكد ببرهان قطعي على أن توريث الضعف العقلي هو في عرق ما أكثر من سواه على أن هذه الظاهرة المحزنة شائعة بين جميع شعوب العالم مقسمة فيما بينها بالعدل والقسطاطس المستقيم"(34) .
7- قال الدكتور فؤاد محمد الصقار "والواقع أن الفلسفة الآرية لا سند لها من العلم فالاختلاط الواسع بين الشعوب قد جعل من فكرة النقاء العنصري فكرة بعيدة عن الروح العلمية" وقال "وليس هناك ما يميز سلالة من أخرى جسميا فكلها فروق مظهرية وليست جوهرية، كما أنه ليست هناك فروق واضحة في النواحي العقلية لو أعطيت كل سلالة فرصاً متساوية" وقال أيضاً "ثم إن الحضارة البشرية ليست من صنع سلالة أو شعب واحد، وهي في بداية تكوينها أبعد من أن تكون من صنع "الآريين" أو البيض"(35) .(1/23)
8- وقال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي "والحقيقة أننا كلما أمعنا النظر عن قرب في الجماعات البشرية كلما تصبح محاولات التصنيف البشري أكثر تشوشاً" وقال "كل كائن بشري ينتمي إلى أحد فصائل الدم "O- AB- B-A" ولكنه لا يستطيع أن ينتمي إلى أكثر من فصيلة واحدة وأغلب الشعوب تتضمن أناساً من كل هذه الفصائل الأربع ولكن في نسب مختلفة" وقال "وإنكليزي دمه من فئة (O) يستطيع أن يحصل على نقل دم من صيني، دمه من فئة (O) ولا يستطيع ذاك من إنكليزي من فئة (A)"(36) .
9- قال الدكتور ممدوح حقي "ثم أين الشعب الذي لم يختلط بغيره خلال التاريخ؟ أي شعب في العالم بقي منعزلاً عن سائر الشعوب لم يختلط بسواه ولم يتمازج بالحرب أو الهجرة أو المتاجرة أو سواها من العلاقات" وقال "ومن قال أن اللون الأسود قبيح والأبيض جميل مقبول غير العنصر الأبيض؟ إن زنجياً من أواسط أفريقيا ليفضل ألف مرة زوجة سوداء ممشوقة مليئة المشافر، فطساء الأنف على أجمل بنات باريس" وقال "ليس للعنصرية إذن أي دليل علمي تستند إليه، وما هي في الحقيقة إلا نظرية أساسية اتخذت آلة لمآرب سياسية أو شعبية أو شخصية أو ديما كوجية"(37) .(1/24)
10- قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي "يمكننا القول أن الدلالة الرئيسية للفوارق العرقية في عالمنا الحديث تكمن في القيم الاجتماعية التي تنسب إليها" وقال "فإننا نرى أنه بإثبات مبدأ المساواة البيولوجية (كلكم لآدم) يمكننا أن نقضي إلى الأبد على الاعتبارات الواهية المزعومة التي اتخذت أساساً لتطوير مواقف اجتماعية مستهجنة تقوم على التعصب والتحزب" وقال "وفكرة "العرق الصافي" ليست علمية أبداً: إذ ماذا يعني هذا التعبير: هل هو أنقى العروق: الذي انعزل لأطول مدة بدون صلة بالآخرين؟ السكان الاستراليون الأصليون يرشحون للمكافأة ولكنهم حتى وصول الأوروبيين كانوا يعتبرون بين أكثر الشعوب بدائية من الناحية الاجتماعية على وجه الأرض ولعد قرون مضت، كانت أسبانيا أكثر دولة في العالم قوة وكان شعبها مزيجاً من الايبريين والقوطيين الغربيين والرومان والمراكشيين والعرب"(38) .
11- وقال د. صابر طعيمة: "شعب الهند خليط من الأجناس والأديان واللغات فهم لا يمثلون وحدة منسجمة بل يفصل بينهم كثير من فوارق اللغات والأديان وتقول الإحصائية اللغوية للهند بأن هناك 179 لغة داخل ولايات الهند و544 لهجة"(39) .
12- قال الدكتور فؤاد الصقار "والحديث عن الفروق الجوهرية بين السلالات نوع من الأكاذيب التي يراد بها تبرير استمرار أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية غير طبيعية ويعلم قائلوها قبل غيرهم فسادها"(40) .
(ب) رابطة النسب(1/25)
…اشتراك الناس في النسب ليس مبرراً للتعصب العرقي، فالنسب يكتسب أهمية خاصة في ظل غياب الدولة الحديثة وحاجة الناس في الصحراء للتعاون في الدفاع عن أنفسهم أو في فرض سيطرتهم على الآخرين فالذي جمعهم هو مصالح مشتركة وليس هو الدم وصلة القرابة وهذا ما يجعلنا نشاهد أمثلة كثيرة جداً من أصحاب النسب الواحد كقبيلة أو حتى عائلة من أهل المدن ممن ضعفت الروابط بينهم بدرجة كبيرة بل تلاشت، فتجد أبناء العائلة الواحدة لا يعرفون بعضهم ولا يتعاونون، ومبررات التعصب بالنسب واهية وإليكم الأسباب:
1- قال ابن خلدون "إذا استقرت الدولة وتمهدت فقد تستغني عن العصبية" وقال: "ومن هذا الاعتبار معنى قولهم النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح وصار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النفس وانتفت النعرة التي تحمل عليها العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ والله سبحانه وتعالى أعلم" وقال أيضا "ثم وقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم وفسدت الأنساب بالجملة، وفقدت ثمرتها من العصبية، فاطرحت ثم تلاشت القبائل، ودثرت فدثرت العصبية بد ثورها وبقي ذلك في البدو كما كان والله وارث الأرض ومن عليها"(41) .
2- قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي: "الشعوب الحاضرة التي في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا مختلطة إلى حد بعيد"(42) .(1/26)
3- ومن بديهيات التاريخ أن النسب فيه دائماً صفحات مجهولة، وروايات متناقضة وضعيفة وأحياناً مزورة خاصة وأننا نتكلم عن صفحات تزيد عن ألفي سنة في حين أننا نعترف ونعرف أننا نجهل صفحات كثيرة من تاريخنا المعاصر مع ما نجده من مذكرات كثيرة يكتبها بعض من شاركوا بالقرارات الكبيرة، هذا إضافة إلى وجود مؤرخين وسياسيين يتابعون الأحداث بصورة يومية قال الأستاذ حمد الجاسر: "وحسبنا الاكتفاء بالقول بأنه قل أن توجد قبيلة صريحة النسب لا يوجد من المطاعن في نسبها ما يدركه كل معني بدراسة أنساب القبائل من قبيلة قريش إلى دونها من القبائل"(43) .
…ومعروف أن هناك اختلاطاً بين القبائل والشعوب والأمم نتيجة هجرات وصراعات ونسب وتجارة ومصالح وعقائد وقوة وضعف وغنى وفقر، وهناك فترات زمنية مجهولة، وهناك قبائل وشعوب اندمجت مع غيرها فغابت وضاعت بعض الأسماء المشهورة تاريخياً(44) ويعرف كل عاقل أن النسب لا علاقة له بالأفضلية لا في العمل ولا الإيمان ولا الأخلاق وهذا من بديهيات الدين والعقل والواقع .
4- قال عثمان بشر النجدي الحنبلي: "وكان في أكثر نواحي نجد وقراها رسوم وعلامات وهي مساكن أناس سلفوا في العارض والخرج والوشم والقصيم وسدير وغير ذلك لا يعرف من سكنها، ولا ما فعل أهلها، ولا ما فعل بهم، وذلك من تقصير علمائهم عن ذلك، وعدم التفاتهم إلى هذا الفن"(45) .
5- قال ابن خلدون "أعلم أنه من البين أن بعضاً من أهل الأنساب يسقط إلى أهل نسب آخر بقرابة إليهم، أو حلف، أو ولاء، أو لفرار من قومه بجناية أصابها فيدعى بنسب هؤلاء، ويعد منهم في ثمراته من النعرة والقود وحمل الديات وسائر الأحوال" وقال: "ثم إنه قد يتناسى النسب الأول بطول الزمان، ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر، ومازالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب، ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام والعرب والعجم، وانظر خلاف الناس في نسب آل المنذر وغيرهم"(46) .(1/27)
6- قال ابن خلدون: "والحسب من العوارض التي تعرض للآدميين فهو كائن فاسد لا محالة، وليس يوجد لأحد من أهل الخليقة شرف متصل في آبائه من لدن آدم إليه إلا ما كان من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كرامة به، وحياطة على السر فيه" وقال "ومعناه كل شرف وحسب فعدمه سابق عليه شأن كل محدث"(47) .
(ج) "رابطة الأرض"
ومن مبررات التعصب العرقي الارتباط بين الأرض والبشر ونقول رداً على ذلك أن كل الشعوب تكونت من خلال هجرات قديمة وحديثة، وانتقال من أرض إلى أخرى، فهي خليط من أعراق، وخليط من انتماءات أرضية، فالإخلاص للأرض وللوطن ليس حكراً على عرق دون آخر، كما أن الأرض ليست ملكاً لعرق دون آخر، وغالباً ما تكون هناك شعوباً أو قبائل استوطنت الأرض التي تسكن اليوم من شعوب وأعراق أخرى فهل هذا مبرر أن يعود السكان الأوائل للمطالبة بها؟ ولو فعلنا ذلك لفتحنا أبواباً لا تنتهي من الفتن والصراعات بين الشعوب بل حتى بين أبناء الشعب الواحد، فحبنا لأوطاننا من القيم السامية ولكن لا يجوز أن يتحول هذا الحب إلى تعصب وعنصرية وقد قال سلمان الفارسي رضي الله عنه عندما دعاه رجل ليسكن مكة لأنها أرض مقدسة "إن الأرض لا تقدس أحداً، إنما يقدس المرء عمله" .
وما يقال عن الأرض يقال كذلك عن اللغة والتاريخ. فاللغات تتغير، والتاريخ لك وعليك.
الموقف الإسلامي من التعصب العرقي(1/28)
في ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي القرن العشرين يصدر حكم قضائي بمنع مواطن أبيض تزوج امرأة زنجية من دخول ولايته مدة خمسة وعشرين سنة أو يسجن من سنة إلى ثلاث سنوات أو يطلق زوجته وكانت التهمة الموجهة له مستندة لماذا تقوم أيها الرجل الأبيض بخلط للأعراق مع أن الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأعراق ووزعها على مناطق الكرة الأرضية فأنت تعارض أمر الله. لو قالوا وصلنا إلى هذا المبدأ من خلال العقلية العلمانية لما تعجبنا من الضياع العلماني ولكنهم ينسبون هذا المبدأ إلى الله سبحانه وتعالى علماً بأن الكتب السماوية ترفض التعصب العرقي وآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة توضح ذلك، وفي قصص الأنبياء أدلة واضحة تثبت أن ولاءهم هو للحق والصواب، وأنهم ضد الباطل حتى لو جاء من آبائهم أو أبنائهم، وهذا التعصب تم القضاء عليه من الناحية الفكرية والنظرية في الدول الإسلامية منذ خمسة عشر قرناً حتى أصبح من البديهيات التي يعرفها عامة المسلمين، فلو قام رجل في أي دولة مسلمة وقال إن الله منع الزواج بين الأعراق لاتهمه الناس بالغباء والحماقة والجهل، ومع هذا نجد هذا الكلام يقال في محكمة أمريكية !!(1/29)
أما الموقف الإسلامي من التعصب العرقي فهو: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13) سورة الحجرات.. وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (70) سورة الإسراء فكل بني آدم تم تكريمهم بغض النظر عن ألوانهم وانتماءاتهم العرقية فلماذا يحتقر بعضهم بعضا بسبب لون أو عرق؟! وقال تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..) (103) سورة آل عمران أي أن المسلمين أصبحوا بالتوحيد والإيمان إخوانا بعد أن كانوا أعداءً بسبب التعصب العرقي وغيره وربط أحد علماء الإسلام بين التعصب العرقي لعائلة أو قبيلة أو شعب أو أمة وبين معصية إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام حيث قال تعالى حاكياً عن قول إبليس (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (12) سورة الأعراف أي استند إلى الأصل العرقي، فهو رفض العدل الإلهي، ورأى أنه ظلم دون وجود منطق حكيم، كأن يقول أنا أقوى، أو أعلم من آدم، ويفرق التعصب بين بني آدم ليس بناء على العقيدة، أو الكفاءة، أو الأخلاق بل بناءً على الأصل العرقي، هذا الأصل الذي يعلم جميع العقلاء أنه لا يعني أي شيء إطلاقاً في ميزان الحقيقة، وميزان التفاضل الشرعي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى هو "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ولكن أصحاب الجاهلية المنتنة يرفضون هذا الميزان ويرفضون القاعدة الإسلامية التي تقول "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى". ولنثق كل الثقة بأنه كلما ضعف(1/30)
إيمان الإنسان وتلاشى، زاد تعصبه، وكذلك كلما زاد جهله زاد تعصبه، ويجهل كثير من العقلاء والمتعصبين أن محاربة التعصب هي أحد التغيرات الجذرية التي أحدثها الإسلام في القبائل العربية فقد نقلهم من التعصب العرقي إلى الانتماء للعقائد، والمبادئ والعدل. قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي: "وقد أدخل الإسلام تغييراً هاماً على المفاهيم القبلية الجاهلية فجعل مدار التفاضل بين الرجال على التقوى والإيمان لا على الأحساب والأنساب"(48) وقال "لقد وجه الإسلام اهتمامه منذ البداية دعوته إلى تقويض الأوضاع والأفكار الفاسدة مبتدئاً بالوثنية وما يتبعها من ضلالات الشرك، ومثنياً بالعصبية والقبلية التي كانت تحول دائماً دون توحد الناس واجتماع شملهم، وكانت تؤدي إلى إثارة الضغائن واستمرار الأحقاد واتصال الحروب بين قبائل العرب"(49) وقال أيضاً "لقد وجدت العصبية القبلية نفسها منذ مجيء الإسلام أمام خصم قوي شديد المراس هو هذه العقيدة الجديدة التي تدعو العرب بل الناس كافة إلى التآخي والتآزر ونبذ أسباب العداوة بينهم، ونبذ حمية الجاهلية ونزاعاتها، قال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (26) سورة الفتح"(50) ونقلهم من (انصر أخاك ظالما) إلى اردعه عن الظلم، وعلمهم أن العدل هو الأساس، (ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) مع أنها من ناحية عرقية أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن أصحاب التعصب العرقي يرفضون ذلك، فإذا ارتكب فرد من خارج قبائلهم أو شعوبهم جريمة نظروا إليه بتعصب وقسوة، وعاقبوه بأكثر مما يستحق وأما إذا كان المجرم منهم سامحوه، أو خففوا العقوبة، فقوانين العدل تتأثر(1/31)
عندهم بالانتماء العرقي، وهذا ظلم ولهذا علينا ألا نستغرب عندما نجدهم يدافعون عن أصحاب الاختلاسات والحروب الظالمة، وعن عادات ومفاهيم اجتماعية منحرفة وعندما يسأل الرسول الصحابي بن واثله بن الأسقع: "يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم؟"(51). ولا يعارض الإسلام الانتماء لقبيلة أو شعب أو أمة، ولكنه ضد التعصب والظلم قال ابن خلدون: "وذلك أن صلة الرحم طبيعي في البشر إلا في الأقل ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم، أو تصيبهم هلكة فإن القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه، ويود لو يحول بينه وبين ما يصله من المعاطب والمهالك نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا"(52) وقال جمال الدين الأفغاني عن تأثير الرابطة العرقية: "فطرة فطر الله الناس عليها، أن الملتحم مع الأمة بعلاقة الجنس أو المشرب يراعي نسبته إليها ونسبتها إليه ويراها لا تخرج عن سائر نسبه الخاصة به، فيدافع الضيم عن الداخلين معه في تلك النسبة دفاعه عن حوزته وحريمه هذا إلى ما يعلمه كل واحد من الأمة أن ما تناله أمته من الفوائد يلحقه حظ منها وما يصيبها من الأرزاء يصيبه سهم منه"(53) وقال الأستاذ أحمد زكي: "والإنجليزي الأبيض يميل عن الفرنسي الأبيض والبولندي الأبيض والتشيكي الأبيض إلى الإنجليزي الأبيض بحكم الطبع كذلك إنه اختلاف لغة واختلاف عادة والمسألة في هذا الأمر ليست مسألة أخلاقية أو إنسانية أو غير ذلك. إنه حكم الطبع وكفى"(54) .(1/32)
وقال الدكتور عمر الأشقر: "متابعة الإنسان آباءه على الحق ومناصرة قومه على الحق ليس من العصبية"(55) فالتعاون على الخير والعدل والعلم بين أصحاب العرق الواحد شيء جيد، وندعو له، وليس عصبية، ولصلة النسب حقوق ومن الفطرة الرحمة بين أبناء العرق الواحد سواء كانوا عائلة أو قبيلة أو شعباً أو أمة، ولكن أصحاب التعصب العرقي استغلوا ذلك للتعاون على الإثم والعدوان. قال الدكتور عمر الأشقر: "وقد ترعرعت العصبيات في هذا القرن، وتعددت، وتكونت، وفرقت جماعة المسلمين وأصبحت معولاً لهدم الأمة الإسلامية لقد فشت في المجتمعات الإسلامية بل والمجتمعات الإنسانية العصبيات القومية، والإقليمية، بل وعصبية الألوان والحرف، وأشعلت هذه العصبيات نيران الحروب في العالم كله، واصطلى الناس بحرها، وذاقوا منها الصاب والعلقم، وإذا كان غير المسلمين لهم شيء من العذر في الغرق في حمئة العصبيات، فما عذر المسلمين؟"(56) .(1/33)
وقاعدة الأقربين أولى بالمعروف ليس من معانيها أن نسكت عن انحرافات الأقربين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" رواه أبو داود، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو يكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال أبو ذر إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤُ فيك جاهلية" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" أخرجه مسلم وقال الغزالي رحمه الله "التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه عملاً وعلماً، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم، وقد يجري على لسانه التفاخر به فيقول لغيره من أنت؟ ومن أبوك؟ فأنا فلان بن فلان ومع مثلي تتكلم؟"(57) وروي عن أحمد في مسنده عن أبي بن كعب قال: "انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن هذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة"(58) .(1/34)
وفي مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش والعرب قدوة لنا، فقد كان عدواً لعمه أبي لهب، وحارب قريشاً وهي قبيلته ولكن كثيراً من المسلمين اليوم ضيعوا دينهم، فهم يرون الظلم أمامهم، ولديهم القدرة على معارضته، ولا يفعلون شيئاً ولهذا ضاعوا وضاعت الأمة، قال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) الآية 118 سورة النحل ويسخر اليوم بعض المسلمين من بعضهم نتيجة أصولهم العرقية، أو طولهم أو قصرهم بكلمات شريرة وألفاظ قبيحة تمحو الحسنات وهذه ذنوب لو مزجت بماء البحر لأفسدته لما فيها من تعصب وكبر وغرور واتهام لله سبحانه وتعالى بأنه غير عادل في المساواة بين البشر في خلقهم فالناس لم يخلقوا أعراقهم أو أشكالهم فليحذر كل مسلم حريص على دينه ليس فقط من أقوال وأعمال فيها تعصب عرقي، بل حتى على تطهير نفسه من أي عقيدة أو اقتناع بان الناس يختلفون بناء على أعراقهم، فلا فضل لعائلة على عائلة ولا قبيلة على قبيلة، ولا شعب على شعب، ولا أمة على أمة، ولا لون على لون وعليه أن يحارب المفاهيم العنصرية وأصحاب التعصب لأنهم أحد أسباب ضعف المسلمين، عن جابر رضى الله عنه قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكسع (59) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: ياللأنصار، قال المهاجري يا للمهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال دعوى الجاهلية؟ قال : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال : "دعوها فإنها منتنة" (60) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قاتل تحت راية عمية (وهي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه) يغضب لعصبه، أو يدعو إلى عصبة فقتل فقتله جاهلية" رواه مسلم (61) وقال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي: ولقد حور الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ العصبية الجاهلية إلى مبادئ حقوقية سليمة فمن ذلك قوله : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قال أنس كيف انصره ظالماً ؟ قال : " تحجزه عن الظلم(1/35)
فإن ذلك نصره "(62) ومن بديهيات الواقع والمعقول أنك لو قلت لرجل كان جده مجرماً عليك أن تتحمل ما فعله جدك، لقال بأنه مسئول عن أعماله لا عن أعمال جده، وأنه لا تزر وزارة وزر أخرى وهذا الكلام حق، ولكن البعض يريد أن يبنى تعصبه على ما فعله الآباء والأجداد من المآثر والأعمال الطيبة، ويتهرب من ذكر سلبياتهم وسيئاتهم قال تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (134 سورة البقرة) ولو كان النسب العرقي سببا كافيا للاستعلاء والتعصب العرقي لكان أولى أن يفتخر به بنو إسرائيل لأنهم بنو يعقوب عليه السلام ومنهم كثير من الأنبياء ولم ينفعهم ذلك بشيء، ولم ينفع النسب بني هاشم قال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون*، الآيات 101-103 سورة المؤمنون. كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإنني لا أملك لكم من الله شيئاً"(63) قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي : قال رسول الله صلى عليه وسلم لأهله وأقربائه: "اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، وقال " لا يجيئني الناس بالأعمال وتجيئوني بالأنساب إن إكرمكم عند الله أتقاكم" "وإذا كان أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم لا يتمتعون بميزة ترفعهم على الناس إلا الأعمال فلن تكون لأحد تلك الميزة على الاطلاق" (64).(1/36)
…وعموما فتاريخ كل القبائل والشعوب والامم فيه خير وشر، ومن قرأ التاريخ عرف ذلك في مواقف وحكايات وانتصارات وهزائم، وفيه صفحات بيضاء وصفحات سوداء، قال تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" فلا داعي أن نجعل من أنفسنا أولياء وغيرنا شياطين، ولنأخذ من التاريخ دروساً وعبراً لامبررات كاذبة للتعصب العرقي ونقول للمتعصبين اقرأوا التاريخ، وإذا لم تقتنعوا فابحثوا عمن يقرأه لكم بموضوعية. والحقيقة الكبرى في الانتماء العرقي أنه لا توجد ميزة وأفضلية عرقية لأي عرق بشري فكل البشر هم بنو آدم وحواء وأكرمهم عند الله أتقاهم وروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى رجلاً يقول : أنا ابن بطحاء مكة فوقف عليه فقال: "إن كان لك دين فلك شرف، وإن كان لك عقل فلك مروءة، وإن كان لك علم فلك شرف وإلا فأنت والحمار سواء"(65) وذكر الفخر بالأنساب عند إسماعيل بن أحمد أمير خراسان وما وراء النهر فقال:- "إنما الفخر بالأعمال وينبغي أن يكون الإنسان عصامياً لاعظامياً" وقال الشاعر:-
إن الفتى من يقول ها أنذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي " لقد كان إنجاز الإسلام الهائل تحقيقه أن شرف أي إنسان مكتسب بصفة فردية ، بفضل ما يقوم به من أعمال الصلاح والخير ، لا بالانتساب إلى قبيلة أو موطن ، وهذا مخالف تمام الاختلاف لما كان عليه العرب " (66)(1/37)
ومن غرائب التعصب العرقي أن كثيرا من الأمم والشعوب والقبائل تعتبر نفسها أرقى و أفضل البشر وهذا ينطبق حتى على قبائل أفريقية متخلفة عقائديا وعلميا ، فالبعض يصنع الأوهام ، ويعيش فيها مع أنه لا دور له إطلاقا في اختيار عائلته ، أو شعبه أو أمته. ومن الطرائف التي تروي في هذا الموضوع: قال رجل إنكليزي لرجل فرنسي: ولدت إنجليزيا ، وأعيش إنجليزيا ، وأتمنى أن أموت إنجليزيا فقال الفرنسي : هذا جميل، ولكن أليس لديك طموح ؟ وقال رجل لآخر : أنا ابن فلان ابن فلان .. إلى أن أوصل نسبه إلى آدم عليه السلام ، فقال الآخر : كل هذا حتى تثبت أنك تنتمي إلى بني آدم ؟ !!. والمفروض ألا نقف طويلا عند إنجازات الآباء والأجداد ، بل أن نركز جهودنا على أن نقدم إنجازات طيبة، ونطور علمنا وأخلاقنا وأعمالنا، فالرصيد التاريخي محدود الفائدة.
ومن مبررات بعض أهل التعصب العرقي أنهم يفعلون ما يفعله الآخرون أو أن تعصبهم رد فعل أي معاملة بالمثل، والحكم الشرعي أن انحراف الآخرين ليس مبرراً أن يقابل بعنصرية وظلم فمن السهل أن نقابل التعصب بتعصب ونردد قول الشاعر:
ألا فلا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لا نفعل ذلك لأن حرصنا على مصالح ديننا وأوطاننا وأمتنا تجعلنا نقابل السفهاء بحلم وصبر، فلا تستفزنا تصرفاتهم، فلنبدأ بكسر الحواجز العرقية والسياسية، وكذلك ليس من المبررات الشرعية للتعصب أنه موجود في بعض الدول المتقدمة لأننا لا نقارن أنفسنا بالآخرين بل بما أمرنا الله سبحانه وتعالى به.
ونترككم مع مقتطفات توضح بعض الدمار الذي أنتجه التعصب العرقي في تاريخ المسلمين، وكذلك مواقف المسلمين المخلصين منه:-
1- قمع أبو بكر رضى الله عنه حركة الردة فخفت صوت العصبية وانقضت أحلام الزعماء المرتدين الذي كانوا يسعون إلى عودة الفوضى والظلم والاستقلال القبلي" .(1/38)
2- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجبلة بن الأيهم ملك غسان عندما قال له "أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ؟ فقال "الإسلام سوى بينكما" وقال قولته الخالدة لعمرو بن العاص والي مصر مستنكرا : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟"(67).
3- وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من شعر الهجاء الذميم وإثارة العصبية موقفاً حازماً فقد حبس الحطيئة لهجائه الزبرقان بن بدر بدون حق، وشدد عليه السجن، وكان مُصراً على قطع لسانه لولا أنه استعطف وبكى، وتاب، فأخرجه من السجن بعد أن تعهد أن لا يهجو أحد من المسلمين" وكان جل شعراء الجاهلية دعاة عصبية وملقحي فتن ومؤرثي أضغان(68) .
4- لما جرت واقعة مرج راهط بالشام سنة 65هـ وانتصر فيها مروان بن الحكم بجيشه اليمني على جيش ابن الزبير المضري عدت العرب هذه الواقعة انتصاراً لليمن على مضر وسرت تلك العنصرية العربية سريان النار في الهشيم في كل قطر يجمع بين الحيين وذلك من أقصى خراسان في المشرق إلى الأندلس في أقصى المغرب(69) .
5- وكانت هناك عنصرية بين العرب والموالي في الدولة الأموية ولم يقتصر احتقار العرب على الموالي بل تعداهم إلى طائفة المولدين، فكانوا يحتقرون ابن الأمة من العربي، ويسمونه "الهجين" وكان الموالي ينظرون إلى بني أمية على أنهم لا يعاملونهم بمبادئ الإسلام وروحه وانحاز كثير منهم إلى كل ثائر على الدولة الأموية(70) .
6- قال عمر بن عبد العزيز: "اقمعوا صوت العصبية والقبلية، ولا تدعو الناس يقول أحدهم أنا مضري، ويقول الآخر أنا يمني فالمؤمنون إخوة"(71) .(1/39)
7- قال زياد بن أبيه في خطبته البتراء الشهيرة "وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعت لسانه" وقال: "ألم يكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة، وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغضون على المختلس، كل امرئ منكم يذب عن سفيهه، صنيع من لا يخاف عاقبة، ولا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام"(72) ، (73) .
دفاع عن الأفارقة
…اتخذ التعصب العرقي أنواعاً مختلفة منها ما هو بين أبناء الشعب الواحد واللون الواحد، والعرق الواحد، والدين الواحد، كما يحدث بين القبائل والعوائل، ومنها ما كان بين الشعوب في الأمة الواحدة، ومنها بين الأمم، ومنها بين الأجناس البشرية، ومنها بين الألوان، وخاصة بين الإنسان الزنجي والإنسان الأوروبي والأمريكي، وهناك شعوب كثيرة تعرضت للتمييز العنصري بين الإنسان الأبيض والأسود كما حدث في روديسيا وجنوب أفريقيا، وما حدث ولازال يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ويخطئ من يظن أن التعصب العرقي انقرض من حياة البشر بل هو موجودة بقوة وبمختلف أنواعه وذلك لضعف أو غياب العقائد السماوية في كثير من بني البشر وليس هدفي في هذا المقال هو البحث التفصيلي في هذا النوع من التمييز العنصري بل سأكتفي بما جمعته من كتب ومقالات تطرقت إلى هذا الموضوع مع بعض التعليقات لأن ما جمعت يعطي صورة واضحة عما يحدث :(1/40)
1- قال الدكتور فؤاد محمد الصقار: "وتظهر التفرقة العنصرية بوضوح حيث تحكم أقلية من الناس أكثرية تختلف عنها في صفاتها الجسمية كما هو الحال في جنوبي أفريقية وروديسيا، لتأكيد واستمرار السيطرة الشاذة للأقلية على الأغلبية المحرومة من حقوقها، كما تظهر التفرقة العنصرية حيث توجد الأقليات المستضعفة في وسط محيط واسع من البشر يختلفون عنهم من الناحية الجسمية، كما هو حال الزنوج في الولايات الأمريكية، وقد حرروا قانونياً ولكنهم ما يزالون في بعض الولايات الجنوبية محرومين من كثير من الحقوق" وقال الدكتور فؤاد: "إذا كان الرق في المجتمعات القديمة يرتبط به نوع من التفرقة العنصرية مما يجعل الإغريق والرومان يضعون الحواجز في وجه الاختلاط بالإرقاء فإن الرق لم يرتبط في العصور القديمة وكذلك في العصور الوسطى، بسلالة معينة أو بلون خاص". وقال: "ودعت الأديان السماوية إلى الإخاء والمساواة ولكن المسلمين وحدهم هم الذين انفردوا طوال تاريخهم الطويل بتحقيق هذه الدعوة فلم يكن هناك فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى" وقال أيضاً "ولم يكن للون البشرة أو شكل الإنسان أي أثر، ولم يذكر التاريخ أن المسلمين قد عاملوا شعباً من الشعوب بنوع من التعالي بسبب اختلاف اللون، بل على العكس اختلطوا بالشعوب الأخرى وإن اختلفت ألوانها، وكان ذلك من أسباب انتشار الإسلام بين كثير من الشعوب والسلالات"(74) .(1/41)
2- قال الأستاذ أحمد محمد عطية "جاء في تقرير للجنة الحقوق المدنية الأمريكية التي شكلت عام 1957 "إن الزنوج في كل أنحاء البلاد قد أعلنوا صراحة أن صبرهم الذي استمر قرناً وهم معتبرون مواطنين من الدرجة الثانية قد نفذ نهائياً". وقال "يقولون: إن الزنوج جهلة ولكن من الذي ألبسهم ثياب الجهل؟ إنه النظام العنصري ودعاته، والزنوج لا يصلحون للأعمال الفنية والرئيسية، ولكن من الذي حرمهم من ممارسة هذه الأعمال واكتساب الخبرات؟ إنهم البيض المتعصبون للونهم ولجنسهم"(75) .
3- قال الأستاذ أحمد محمد عطية: "في أمريكا كان القول السائد "الزنجي آخر من يُطلب للعمل وأول من يفصل منه" والجانب الآخر من المشكلة هو انخفاض مستوى أجر الزنجي عن زميله الأبيض عن العمل الواحد، وكذلك نوع العمل الذي يُسند إليه، فكل الأعمال اليدوية الشاقة غير الفنية تُسند إلى الزنجي لأنه أسود" وهذا يثبت أن المصالح الاقتصادية والسياسية غير المشروعة هي أحد العوامل الرئيسية وراء بقاء التعصب العرقي قال مارتن لوثر كنج الزعيم الزنجي في مسيرة تطالب بإنصاف زنوج أمريكا في واشنطن "إني أحلم بيوم يجلس فيه أبناء العبيد في جورجيا، وأبناء الذين كانوا سادة العبيد هناك جنباً على جنب على مائدة الإنسانية، إني أحلم بيوم تتطور فيه المسيسبي من ولاية ترزح تحت نير الاضطهاد إلى واحة للحرية والعدالة والمساواة، إني أحلم بيوم يعيش فيه أبنائي الأربعة الصغار في دولة لا تزنهم بلون أجسامهم، وإنما تقومهم بطابع شخصياتهم"(76) وألقى ميلتون أوبوتي رئيس وزراء أوغندا الأسبق كلمة في جامعة "لونج ايلاند" بأمريكا قال فيها "إن مفتاح حماية صورة أمريكا في أفريقية، هو تسوية مشكلة الزنوج" .(1/42)
4- قال الدكتور ليفين عن الزنوج في الولايات المتحدة: إن الزنوج يسمعون ما تصدره حكومة الولايات مما يتصل بتوكيد حقوق الإنسان، ثم ما ترسمه حكومة الولايات من برامج لمحو الفقر في البلاد، ثم هم ينظرون بعد ذلك في عيشهم اليومي الواقعي، فلا يرون فيه أي تغيير حدث بناء على هذه القوانين وتلك البرامج عندئذ هم يضيقون ثم يغضبون ثم يثورون"(77) .
……وجاء في مجلة النيوزويك الأمريكية هذه العبارة : غير أن بريطانيا حريصة على تفادي مثل هذه المجابهة مع جنوب أفريقيا ، ويعزى ذلك كما لا يخفى إلى تجارتها الواسعة معها ، وقد ازدادت خطورة هذه التجارة بالنسبة إلى بريطانيا بالنظر إلى اهتزاز الأوضاع الاقتصادية فيها"(78) .
5- وقال الأستاذ أحمد زكي في حديثه عن الملونين في بريطانيا : "وهذا الاختلاف يقل في الجيل الثاني من المهاجرين الملونين ذلك أنه جيل درس مع البيض وفي مدارسهم وألف العيش معهم، واكتسب لسانهم واكتسب عاداتهم، حتى لم يبق إلا اللون، وهذا أقل العوامل أثراً في إحداث تنافر، والأمريكيون البيض الذين حرموا السود من تربية وحرموهم من علم، وحرموهم من فن ومن عمل ومن رزق، جنوا على مجتمعهم جناية يجنون اليوم عواقبها، ولكنهم إنما في الأمس البعيد صنعوها" وقال "فالحكومة البريطانية تتحرك فيما تتحرك فيه (من حيث تسهيل عيش الملونين) خطوة من أجل الاعتبارات الإنسانية وخطوتين من أجل المنافع التجارية، وحسن السمعة العالمية"(79).(1/43)
6- قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي قالت ممرضة بيضاء ترعى طفلة أفريقية صغيرة: "ذات صباح وجدتها جالسة على سريري، كانت بنتا "حلوة حقاً" ولكنني لم استطع أن أمنع نفسي من أن ارتعش اشمئزازاً عندما لمستني. لقد كان ذلك بالرغم مني ولا أستطيع تعليل ذلك" وسأل عالم نفساني بارز "لاسكر" في اختبار لطلاب مدرسة ابتدائية في الولايات المتحدة الأمريكية: جون كان ابن خياط فقير، عاش في بكين عاصمة الصين، دائماً عاطلاً وكسولاً، وكان يجب أن يلعب أكثر من أن يعمل فمن أي نوع كان هو: (هندي- زنجي- صيني- فرنسي- ألماني) وكم أدهشه أن غالبية الأطفال أجابوا بأنه زنجي مع أنهم علموا أنه عاش في بكين عاصمة الصين" قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي: "إن من سليم القول أن نذكر أن التمييز العنصري ليس فطرياً، وهو كأي نوع آخر من التحيز مكتسب، أي أنه يتعلم" وقال: "المؤثر الأغلب الأهم هو: الوالدان وخاصة بالنسبة للأطفال الصغار الذين يستجيبون بكليتهم إلى رغبات وكراهات والديهم دون معرفة الأسباب لهذه الرغبات والكراهيات"(80) .
7- قال الدكتور فؤاد الصقار "إذا كان الألمان قد فلسفوا التفرقة العنصرية فإن الإنجليز قد مارسوها بالفعل إذ تاجروا في الرقيق عندما كانوا يحتلون مناطق متسعة من أمريكا، ومنعوا تجارة الرقيق وحاربوها عندما فقدوا مستعمراتهم الأمريكية غير أنهم مارسوا تفرقة عنصرية أصبحت نموذجاً للبيض في أفريقية وفي غيرها من المناطق"(81) .
8- وفي العهد الحديث ضرب البابا يوحنا الثالث والعشرون أكبر مثل لسياسة عدم التفرقة العنصرية، عندما ضم إلى مجلس الكرادلة قساوسة من الزنوج ومن أبناء أسيا الملونين، بعد أن كان من التقاليد الكنسية القديمة أن تقتصر الترقية إلى رتبة دينال على القساوسة البيض دون غيرهم"(82) .(1/44)
…وقال الأستاذ أحمد زكي في مقال بعنوان: "لندن في صيف عام 1968 "أولهما ما يجري في الولايات المتحدة بين بيض وسود من عراك عنيف شديد وتحاول الحكومة هناك أن تساوي بين اللونين قانوناً ويأبى السكان البيض للقانون تطبيقاً، ومن رضي به فإنما يرضى استسلاماً لأمر لا يجد منه مفراً. فهذه هي حقيقة مشاعر الأمريكيين البيض، وهم الأغلبية الكاسحة، ودع عنك ما يلوكه القوم من الحرية والديمقراطية وأشباه ذلك"(83).
9- وفي أمريكا بعض المتعصبين عرقاً للون الأبيض وإليكم نماذج منهم: أبرق القس الدكتور "البرت جاردفر" مهدداً الرئيس كنيدي بأنه وكثير من أمثاله من أبناء الجنوب يعتقدون اعتقاداً دينياً وأدبياً "إن المساواة بين الأجناس خطأ، وأنه يجب مقاومة كل محاولة للتسوية بينهما" وبعضهم يقولون: إن الأسود إنسان متخلف بطبيعته، وبعضهم يذهب إلى أنه ليس بإنسان أو بشيء من التواضع: إنسان متوحش". وقال بيلبو عضو مجلس الشيوخ الأمريكي: "إن نظرية الجنس والتفاضل بين الأجناس قد وجدت في أمريكا قبل أن يوجد أدولف هتلر"(84) .
10- وهناك أيضاً من يقاوم هذا التعصب العرقي من الزنوج والبيض قال الزعيم الزنجي الأمريكي المسلم ملكوم اكس: "إن الأمريكي الأسود لا يريد إلا حقوقه الإنسانية، وأن يكرم كبني آدم وألا يفر منه البيض كما لو كان مصاباً بالطاعون، وألا يعزل في الأحياء الزنجية كالحيوان، وألا يعيش مخفياً، وأن يمشي مرفوع الرأس كبني آدم" وقال ملكوم أكس "إن المجتمع الأبيض يكره أن يكلمه أحد ولا سيما إذا كان أسود على الجرائم التي ارتكبها البيض في حق السود، وأنا أعرف ذلك واستغله ولذلك يسمونني بـ"الثوري" وهي تسمية تجعلني أبدو وكأنني قد ارتكبت جريمة"(85) .(1/45)
11- قال ملكوم أكس "لون أن الإنسان الأمريكي الأسود فكر في حقوقه كإنسان واستطاع أن يقتنع بأنه من أعظم شعوب الأرض لوجد أنه صاحب قضية بحجم ما يعرض على الأمم المتحدة. أربعمائة عام وهو يعرق ويدمى من أجل أمريكا وما يزال يستجدي حقوقاً يحصل عليها غيره بمجرد ما تطرحهم السفن على التراب الأمريكي" وقال أيضاً: "إن السود لم يحصلوا على أعمال محترمة في المصانع الأمريكية إلا بعد ما أكره هتلر الرجل الأبيض على ذلك وواصل ستالين مبادرة هتلر"(86) .
أي أن الخوف من هتلر ومن الشيوعية جعل الأمريكيين البيض يعطون الزنوج بعض حقوقهم .
12- قال ملكوم أكس الزعيم الزنجي الأمريكي: "فإذا مت وقد جلبت أقل قدر من الضوء ينير الطريق، أقل جزء من نور الحقيقة، وإذا مت وقد استطعت أن أساهم في إبادة السرطان العنصري الذي يأكل الجسم الأمريكي فإن الفضل كل الفضل عندئذ يعود إلى الله- لا تنسبوا إلى غير الأخطاء" .
…وأجاب صحيفة كانت تسأله عن إمكانية الانتماء إلى تنظيمه من أجل الوحدة الأفروأمريكية بقوله "كل شخص يرغب باتباعي يجب أن يكون مستعداً لدخول السجن والمستشفى وإلى المقبرة قبل أن يصبح حراً حقيقة" وكتبت الصحيفة تقول: "كان يبتسم حتى النواجذ، ولكن قوله لم يكن فيه ذرة من المزاح"(87) .
13- في أمريكا هناك تشريعات قانونية وإدارية تمنع الموظفين الحكوميين أو غيرهم من التمييز في المعاملة بسبب اللون، ولكن لا تحاسب الحكومة عما يحب أو يكره أو ما يعتقد في مجتمعه الخاص، أو في حياته ونواياه واقتناعاته العنصرية في حين أن الإسلام هو إيمان داخلي بأن الناس سواسية ويجب أن يتصرف في كل أمور حياته على هذا الأساس حتى في الأمور التي لا تخضع لسلطة القانون .(1/46)
14- أما بالنسبة لأفريقيا فكان هذا هو واقع التمييز العنصري قال مراسل النيوزويك: "وكنت أركب سيارة أجرة سائقها أسود، فظنني السود أبيض من المغتصبين فرموني بالحجارة.. ولحق الجنود البيض بالسيارة فكان حظ السائق الأسود أسوأ من حظي.. لقد جروه منها، وانهالوا عليه ضرباً حتى سحقوه سحقاً، وانهالوا عليه تقطيعاً، ثم رشوا عليه الكاز واشعلوا فيه النار!!"(88) .
15- "ولا تحدد عقول العمل المطبوعة ساعات العمل وإنما هي تنص فقط على أنه يشترط في الخادم إنجاز الخدمات لسيده في وقت مناسب ومعقول"(89) هذه هي قوانين أفريقيا الجنوبية الغربية العنصرية في بداية القرن العشرين .
16- قال الأستاذ أحمد محمد عطية: "إن مما يكذب ادعاءات العنصريين وحطهم من قدر الإنسان الأسود لأنه أسود- ما يذكره التاريخ لنا عن الممالك الأفريقية، فبينما كانت أوروبا تعج بالبرابرة كانت أفريقيا تزخر بالحضارة الأفريقية من "تمبكتو" إلى "باماكو" إلى شاطئ المحيط، وكان العلم والفن في ازدهار"(90) .
17- ولم يسلم الهنود في جنوب أفريقيا من التمييز العنصري فقد كانوا في جنوب أفريقيا محرومين من حق التملك إطلاقاً، ولم تكن لهم أية حقوق سياسية، وقد طبقت عليهم القوانين الخاصة بالشعوب الملوثة، وكانت قد صدرت في عام 1886، وما كان يجوز للهنود بموجبها أن يسيروا على ممرات المشاة العامة، أو يخرجوا من دورهم بعد الساعة التاسعة مساءً من غير إذن!! وحاول غاندي تحليل كره البيض (في جنوب أفريقيا) للهنود فقال: "فأسلوب حياتنا المختلف، وبساطتنا، ورضانا بالأرباح القليلة، ولا مبالاتنا بقواعد علم الصحة، وبطؤنا في تنظيف ما حولنا وترتيبه، وبخلنا في ترميم منازلنا، كل هذه العوامل مضافة إلى الاختلاف في الدين، ساعدت على إذكاء نار البغضاء"(91) .
التعصب العرقي والخطر السياسي(1/47)
…من الأمور البديهية في حياتنا كمسلمين أن المسلمين سواسية، ولا اختلاف بينهم بسبب اللون والجنس والقومية والوطن ولهذا امتدت العديد من الدول الإسلامية وخاصة الأموية والعباسية والعثمانية لتصبح دولاً عظمى تجتمع فيها قوميات وشعوب عديدة قال جمال الدين الأفغاني: "هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن، لا يعتدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين لهذا ترى المغربي لا ينفر من سلطة التركي والفارسي يقبل سيادة العربي، والهندي يذعن لرياسة الأفغاني ولا اشمئزاز عند أحد منهم ولا انقباض، وأن المسلم في تبدل حكوماته لا يأنف ولا يستنكر ما يعرض عليه من أشكالها وانتقالها من قبيل إلى قبيل مادام صاحب الحكم حافظاً لشأن الشريعة ذاهباً مذاهبها"(92) .(1/48)
…وكان هناك حرص شديد من المسلمين على تجنب الفتن والتفرق بناء على مصالح سياسية أو انتماءات عرقية أو طموحات شخصية أو غير ذلك. وكانت تحدث تغيرات عنيفة أو سليمة في الدول الإسلامية وفي الحكام وفي أنظمة الحكم وفي حجم الدول وغالباً ما كان هذا يحدث ولكن في ظل ثبات عقائد الدول وأحكامها والعلاقات بين أممها وشعوبها، فالبديهيات الإسلامية كانت موجودة، ولا مجال للاختلاف حولها، ولكن وجدنا وخاصة في بداية القرن العشرين من حرص على تمزيق الخلافة العثمانية من خلال تحويل الانتماء العرقي للعرب والأتراك إلى تعصب عرقي عند كلا الطرفين، ونجحوا في ذلك، واستغلوا أوضاعاً سياسية سيئة، وطموحات شخصية، وأخطاء، وتآمرت الدول الأجنبية من خلال إشعال نار التعصب العرقي ورمي الحطب الكثير عليها بما تملكه من أموال وخطط، فقد قالوا لنا إننا عرب وإننا أحق بالخلافة من الأتراك، فالرسول صلى الله عليه وسلم عربي، وأن القرآن الكريم عربي ولكننا نعلم أيضاً أن الحرص على وحدة المسلمين واجب إسلامي وأن لا فرق بين عربي وتركي إلا بالتقوى، واتهموا الدولة العثمانية بتهم كثيرة أغلبها باطلة منها أنها لم تعطنا حقنا من المناصب والأموال، وأنها ضد اللغة العربية، ومع التتريك، وأن الخلافة العثمانية هي الرجل المريض الذي لا أمل في شفائه، وأن الحرص على الإسلام يتطلب الثورة عليها وبناء دولة إسلامية جديدة وقوية بقيادة العرب مع أن العرب كانوا أضعف بكثير من الأتراك عسكرياً وسياسياً وحضارياً، وفي نفس الوقت قالوا للأتراك إن سبب تخلفكم هو الإسلام وارتباطكم بالعرب، وإن وجود بعض القيادات العربية في الحكم في اسطنبول ليس في صالح تركيا والأتراك والمستقبل وإن العرب يمكن أن يتعاونوا مع أعداء الدولة العثمانية، فالحذر منهم واجب وانهم متخلفون حضاريا ولا شك أن الدولة العثمانية كانت لها إيجابيات وسلبيات كجميع دول العالم قديما وحديثا, ولكن ليس الحل هو تمزيقها حتى(1/49)
نتخلص من سلبياتها, ولو فعلنا هذا مع دولنا لما بقيت دولة واحدة مستقرة,فالمطلوب هو إصلاح الدول لا تحطيمها وقد أثبتت الأحداث في بداية القرن العشرين أن العرب الواعين والأغلبية الساحقة من العرب لم يكونوا على عداء مع الدولة العثمانية, بل كانت الروابط العقائدية والسياسية قوية إلى درجة جيدة جداً, ويكفي من الأدلة ما قاله أمير شعراء العرب أحمد شوقي رحمه الله في قصائد كثيرة في مدح الأتراك واليكم أبياتا مما قال :
الله أكبركم في الفتح من عجب
قواد معركة وراد مهلكة
يا خالد الترك جد خالد العرب
أوتاد مملكة اساد محترب
وقال :-
وزينب إن تاهت وإن هي فاخرت
يؤلف إيلام الحوادث بيننا
فما قومها إلا العشير المحبب
ويجمعنا في الله دين ومذهب
وقال :-
حب لذات الله كان ولم يزل
وهوى لذات الحق والإصلاح
وقال :-
ظهرت أمير المؤمنين على العدا
ظهوراً يسوء الحاسدين ويتعب(1/50)
فهذا الشعر وغيره أدلة كثيرة تثبت قوة الروابط العربية التركية ولكن إثارة النعرات العرقية وخلطها باختلافات عقائدية وسياسية جعلنا نتساءل هل نحن عرب أو مسلمون ؟ وهل العربية القومية قبل الإسلام أم بعده ؟ وما هو الأصل وما هو الفرع ؟ وما هو فكرنا القومي ؟ ومن هم العرب؟ وما العلاقة بين القومية والعلمانية ؟ وهل هدفنا أن نكون جزاءاً من أوروبا فكراً وكياناً ؟ أسئلة كثيرة كتبت فيها ومقالات وأقيمت لها ندوات ومؤتمرات ومحاضرات وتكونت أحزاب واتجاهات طوال القرن العشرين , وأشغلت الشعوب والأمة, وأكثر هذه الأسئلة كانت ذات إجابات واضحة وسهلة ولا توجد عندنا حيرة أو ضياع أو تناقض في شخصيتنا , ففكرنا وعقيدتنا هو الإسلام وانتماؤنا العرقي واللغوي هو العروبة, واللغة العربية , والتعصب العرقي مرفوض شرعا, ورفع الشعارات والأهداف العرقية عصبية جاهلية منتنة, والاهتمام باللغة العربية واجب إسلامي, والأتراك أمة مسلمة شقيقة, والمؤمنون أخوة , والانتماء العربي انتماء فطري لا يعارضه الإسلام , والعلمانية كفر وإلحاد , والإصلاح لا يتحقق بتمزيق المسلمين والمدينة الفاضلة غير موجودة لا في عالمنا الإسلامي ولا في الغرب وإليكم ما قاله أستاذنا الدكتور أحمد كمال أبو المجد في إجابته على بعض الأسئلة السابقة :- (فالقومية تعبير عن الانتماء إلى أمة , والأمة جماعة تتبادل الشعور بالانتماء . . وهو شعور تخلقه مقومات مشتركة من أهمها اللغة بإجماع العلماء وهذا الانتماء ليس مذهبا , ولا فلسفة وإنما هو واقعة اجتماعية ونفسية ذات جذور تاريخية ) أما حركة القوميات فإنها حركة سياسية هي إذن حركة وليست مجرد انتماء . . هدفها أن تحول الواقع التاريخي والحضاري إلى واقع سياسي بأن تطابق أو تقارب بين الواقعين , متجهة بالأمة الواحدة إلى أن تكون ( كياناً سياسياً موحداً ) ولم لم يأخذ هذا التوحيد - بالضرورة - شكل الدولة الواحدة . أما الإسلام فهو النظام(1/51)
الشامل الذي يقيم حياة الإنسان على أساس من الأصول الاعتقادية والفكرية والتنظيمية التي جاء بها الأنبياء والرسل عن ربهم, والتي ختمها وفصلها في شعائرها وشرائعها الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " قرانا يتلى ويعمل به .. وسنة تروى وتتبع" وقال أيضا "أما القومية فواقع تاريخي وأما الإسلام فدعوة شاملة ونظام مستوعب للحياة ووضعهما جنبا إلى جانب . . . والحديث عن تناقضهما أو توافقهما حديث لا معنى له أصلاً " وقال (فالحضارة العربية السابقة على الإسلام- مهما تكن لها من قيمة - لا يمكن أن تكون شيئا مذكوراً إلى جانب الفيض الغزير الوفير الذي نشأ ونما وتطور وغير حال الدنيا كلها وكتب لها البقاء - منذ أشرق الإسلام(93) .(1/52)
وقال الدكتور أبو المجد: "إن حركة القومية العربية- إذن- ليست حركة تمزيق للوحدة الإسلامية وإنما هي- في الأساس- حركة توحد وتجميع، وخصمها الأكبر هو الانحصار داخل الحدود الإقليمية للوحدات السياسية العربية المجزأة" ونقول إذا كانت الحركة القومية هدفها التعاون والوحدة بدون أفكار علمانية وتعصب قومي فأهلاً بها، أما إذا كانت علمانية وعنصرية فهي مرفوضة. وقال الدكتور أحمد أبو المجد: "لأن المواقف العنصرية والعرقية ليست في تقديري مواقف قومية، وإنما هي مواقف عنصرية فحسب وحين يأخذ الفكر القومي هذا المنزع العرقي، فإن موقفي منه لن يكون موقفاً توفيقياً وإنما سيكون موقفاً رافضاً بغير تحفظ لأن التوفيق يتحول حينئذ إلى تزييف، لما هو معلوم من أن الإسلام لا يمكن أن يتسع لنزعة عرقية أو عصبية"(94). وقال الدكتور أحمد أبو المجد: "الانتماء إلى أمة- إذن- ليس مذهباً ولا فلسفة وإنما هو "واقعة اجتماعية ونفسية ذات جذور تاريخية" فانتماء المصري أو السوري أو الجزائري أو الكويتي إلى الأمة العربية ليس أمراً متوقفاً على مذهبه السياسي أو فلسفته الاجتماعية، وإنما هو جزء من حقيقة ارتباطه العضوي "بذات جماعية" هو الأمة العربية"(95) فالمسلمين كأغلبية ساحقة ليست فقط من الخليج إلى المحيط بل من إندونيسيا شرقا إلى المغرب غرباً إلى جمهوريا أسيا الوسطى وتركيا شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً لا توجد عندهم من الناحية الفكرية مشكلة في تناقض أو ضياع أو حيرة، ولكن هناك عوامل منها وجود أقليات غير إسلامية ووجود تآمر أجنبي، ووجود مسلمين ضائعين أدت إلى إشغالنا في معارك فكرية وهمية ومعارك عرقية قال الأستاذ حازم صاغية: "أن شعراء الأقليات خصوصاً منهم مسيحيو أواخر القرن الماضي النهضويون، وأوائل هذا القرن، كانوا السباقين إلى ذكر "الجنس العربي" و"النوع العربي" و"الدم العربي" (96) وقال الأستاذ منح الصلح : "لابد من تسجيل خصوصية لبلدان الهلال(1/53)
الخصيب وهي أنها الوحيدة تقريباً التي اتجهت إلى مفهوم للقومية العربية يميز بشكل شبه حاسم أحياناً بين العروبة والإسلام، ولذلك سببان: السبب الأول هو تعدد الأديان في دول الهلال الخصيب، مما يدفع أبناءها إلى البحث عن موحد غير الإسلام وأغراها بالعلمانية، والسبب الثاني هو أن نهضة الهلال الخصيب انطلقت في العصر الحديث من نزاع مع استمبول عاصمة السلطة العثمانية، ومن صراع مع عصبية إسلامية أخرى هي العصبية التركية"(97) وقال الدكتور غازي القصيبي في رواية شقة الحرية على لسان فؤاد: " الإشكال يا سيدي أن أقليات غير إسلامية هي التي وضعت النظرية القومية التي تنتشر في العالم العربي اليوم. صدق أو لا تصدق يا سيدي ولكن هذه هي الحقيقة"(98).
ومع هذا أو غيره من انتشار الأمية والفقر والضعف السياسي... ألخ. فإن أغلبية المسلمين كانت واعية لما يحدث قال الأستاذ صبحي العمري: "الأقليات العنصرية كالأتراك والشراكسة والتركمان وغيرهم فبقى ولاؤهم للأتراك، يعتبرون أن هذه الحركة العربية (الثورة الهاشمية) التي فصلتهم عن الأتراك المسلمين بالتعاون مع الإنكليز الكفار حركة خائنة ويتفق معهم بهذه الفكرة أكثرية رجال الدين المسلمين والكثير من العامة"(99) وقال محمد عزة دروزة : " كان أصحاب المواقف والمطالب القومية قلة قليلة جداً بالنسبة للجمهور العربي الذي كانت أكثريته الساحقة مسلمة تعتبر الدولة المسلمة دولتها" وقال : " البارزة من مشايخ دين وموظفين عسكريين ومدنين ووجهاء وأعيان الذين كان معظمهم في الحقيقة ضد مواقف تلك الأقلية ومطالبها ويذهب إلى اعتبارها بدعة مخالفة للدين " (100)(1/54)
وعموماً فإن عوامل كثيرة ومتنوعة أدت إلى انهيار الدولة العثمانية وكان المتاجرة بالانتماء العرقي هي إحدى أوراق اللعبة السياسية فظهر أن هناك طموحات شخصية وتآمر أجنبي ورغبة من بعض الأقليات العربية في الحصول على مناصب سياسية رفيعة كما أن هناك جمود في فهم الإسلام واستبداد سياسي، وجهل عقائدي. وعندما نرى بعد قرن نتائج ما حدث نعلم أن رفع أعلام وشعارات التعصب القومي العربي كان كارثة كبيرة على العرب والمسلمين فقد تم تقطيع الأمة العربية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وحدث استعمار واضح وصريح بعد أن كنا جزءاً طبيعياً في الخلافة العثمانية، ولم يتحقق حلم إقامة دولة إسلامية بقيادة العرب فالشريف الحسين انتهى إلى حكم إمارة شرق الأردن، وتم عزل الإسلام عن الحياة السياسية، فانفتح المجال لكل الأفكار الرأسمالية والشيوعية والعرقية وانقسم العرب إلى معسكرات متناقضة ومتصارعة بالعلن أو بالسر وحتى اللغة العربية التي افتخرنا بها أصبحت كأنها لغة منبوذة لا نحرص على تعلمها، بل نفخر بإتقاننا لغات أجنبية أما نصيبنا من الحرية والعدل والمساواة فأنتم تعرفون حقائقه في أغلب دولنا وكان المفروض أن نكون أذكي بكثير مما كنا، وأن نعرف أن المتاجرة بعروبتنا وشعاراتها وأهدافها كان لعبة سياسية هدفها ضرب إسلامنا ومبادئنا وأخلاقنا ومصالحنا وتاريخنا ولغتنا وأنظمتنا وأمتنا الإسلامية ومع اقتناعي بأن أعداءنا نجحوا بدرجة كبيرة في تحقيق ذلك إلا أنني من المقتنعين بأن عندنا والحمد لله قوة هائلة عقائدية وسياسية وحتى اقتصادية بإمكانها أن تحقق الكثير في فترة قصيرة نسبياً كل ما نحتاجه هو أن نفهم إسلامنا فهماً صحيحاً وأن نلتزم به ومن هذا الالتزام أن نحرص على محاربة التعصب العرقي بكافة أشكاله محاربة شرسة سواء كان هذا التعصب قومياً أو إقليمياً أو قطرياً أو قبلياً أو عائلياً وإذا فعلنا ذلك سنحطم كثير من الحواجز بين شعوبنا وبين أممنا وسيحدث(1/55)
تعاون جاد وكبير إن لم نقل وحدات حقيقية ولنتذكر كعرب أن التعصب العرقي لدى أغلب شعوبنا وحكوماتنا هو من أشد أعدائنا لأنه يمنع زيادة تعاوننا ويمنع فتح الأبواب أمام القدرات والطاقات والفرص العلمية والاقتصادية والثقافية والفكرية ... الخ للانطلاق والنمو وهناك أمثلة كثيرة يمكن ذكرها، وسنكتفي بالقول بأن فتح أبواب العلم والتكنولوجيا في أي دولة عربية طموحه أمام الباحثين العرب سيمكنها من تحقيق قفزات علمية وتكنولوجية هائلة لأن بإمكانها استقطاب عشرات الآلاف من العلماء المتخصصين سواء من أوطانهم أو من العرب المغتربين في أمريكا وأوروبا وما ينطبق على العلم ينطبق على الاقتصاد والإعلام والإدارة والتطور العقائدي وغير ذلك على فالإخلاص للوطن هو في الابتعاد عن التعصب الوطني والشعبي وليس العكس فكل أوطاننا وشعوبنا ستبقي ضعيفة إذا تم عزلها عن أمتنا العربية قال ابن خلدون : " إن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شئ"(101) وقال : " إن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها الدولة، والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء، وإن وراء كل رأي منها وهوى عصبية تمانع دونها فيكثر الانتقاض على الدولة والخروج عليها" وقال " وبعكس هذا الأوطان الخالية من العصبيات يسهل تمهيد الدولة فيها ويكون سلطانها وازعاً لقلة الهرج والانتقاض"(102) وقال الأستاذ سعد البزاز: "ستغدو عصبية الدولة مقبولة لو أنها بدت ملتقى تراضي كل العصبيات الطائفية والمناطقية والحضرية والريفية، أما أن تكون الدولة منحازة لإحدى العصبيات فهو أمر ينزع عنها صدقيتها، ويحولها إلى مجرد عصبية متنازعة مع عصبيات أخرى " (103) .
الرابطة العقائدية أولاً(1/56)
…من الفطرة أن يحب الإنسان أسرته وعائلته وقبيلته وشعبه وأمته، ولكن عندما يتحول هذا الانتماء العرقي إلى عقيدة للتجمع والتفرق، وتحقيق المصالح غير المشروعة، ومبدأ لتصنيف الناس إلى أخيار وأشرار، وعندما يصبح شعوراً نفسياًَ بالتميز والأفضلية فإن هذا تعصب وجاهلية وانحراف كبير يضر مجتمعاتنا عقائدياً وسياسيا واجتماعياً واقتصاديا فالهوية الأولى لنا هي الهوية الإسلامية والسعي لإلغاء الفوارق بين المسلمين وهدم الحواجز العرقية والسياسية والاجتماعية واجب شرعي لأنه لا معنى إطلاقاً لأن ندعي أننا أبناء وطن أو أبناء أمة أو أبناء دين وأننا اخوة وأشقاء ومع هذا نتصرف بعنصرية، وندافع عن الحواجز التي تبعدنا عن بعضنا البعض، فهذا نوع من النفاق وهو ضد المساواة، وضد المحبة فعندما يتحكم العرق فيما يجوز، وما لا يجوز فاعلم أنها جاهلية، وعندما تسمع أقوال وحكايات تشوه أعراقاً معينة فاعلم أن في النفوس عنصرية، وأن لدى الآخرين حكايات مضادة، فمن الظلم أن نستغل انحرافات أفراد أو أنظمة لنطعن ونعادي كل من ينتمي عرقيا لهؤلاء، وعلينا أن نحذر من تزوير الحقائق، وتصديق كثير من الأقوال، أو أخذها من مصدر واحد، ولهذا نحن بحاجة ماسة إلى تقوية الاتصالات والعلاقات بين الأعراق المختلفة، وخاصة بين أهل العقول والإيمان، وسيكسب هؤلاء أصدقاء من كل الأعراق في حين أن المتعصبين لا يجدون أصدقاء إلا داخل عرقهم وهم أصدقاء من النوعية الرديئة، وهذا لا يمنع أن نذكر أن هناك صفات انتشرت في بعض الأعراق مثل النفاق أو الكسل أو الحسد أو الغرور أو الفسق، وهذا يتطلب أن نعترف بوجود هذه الانحرافات، وأن نسعى لإزالتها وتقليلها، فمن الطبيعي أن يربط الناس بين اسمك والكسل إذا كنت فعلاً كسولاً وليس من حقك أن تتهم الناس بأنهم عنصريون، أو أنهم يكرهونك لأن هذه حقيقة في هذه الحالة. وعموما فالرابطة العقائدية الإسلامية هي أقوى وأصح الروابط، قال تعالى "إنما(1/57)
المؤمنون إخوة" آية (10) سورة الحجرات وقال تعالى "فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" (63,62) سورة الأنفال. وقال تعالى "مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون" (41) سورة العنكبوت. وقال جمال الدين الأفغاني "الرابطة الملية (العقائدية) أقوى من الرابطة الجنسية "العرقية" واللغة"(104)(1/58)
…فإذا كان الإسلام حقاً منهجنا فيجب أن يكون هو الأساس في أفكارنا وتشريعاتنا وستصبح الرابطة العرقية في هذه الحالة ذات تأثير محدود، ويتم ترشديها بالعقائد والأحكام الإسلامية، ولهذا وجدنا من المسلمين الأوائل أبا يقاتل ابنه الكافر، وأخا يقاتل أخاه، ومن الخطأ العمل على أن تكون الرابطة العرقية لقبيلة أو شعب هي الأساس في البناء لأنها رابطة ضعيفة لا تستطيع تحقيق كثير من الآمال فقد شاهدنا أخوة أشقاء بينهم عدوات، وأقارب لا يعرفون بعضهم البعض مع أنهم في مدينة واحدة، وذلك لأن الرابطة العرقية تعتمد على العواطف والمصلحة والتعصب فمن السهل أن تتمزق في صراع المصالح، ومن السهل المتاجرة فيها خاصة لبعض المنتمين لها، وهي ليست نظاماً فكرياً راقياً له مفاهيمه السياسية والاجتماعية الصحيحة والذين علقوا كثيراً من الآمال على الرابطة القومية العربية كفروا بها بعد أن رأوا العداء والشر والكراهية بين العرب، فتحولت الرابطة العرقية من رابطة ملائكية إلى رابطة شيطانية، وكلا الاقتناعين خاطئان، فالرابطة العرقية لا علاقة لها بالخير أو الشر لأنهما مرتبطان بما في العقول والنفوس من عقائد ونوايا وأخلاق، فالرسول صلى الله عليه وسلم عربي هاشمي وكذلك عمه أبو لهب وهذه من البديهات الإسلامية التي يعرفها أطفال المسلمين منذ خمسة عشر قرناً ولكننا لازلنا وللأسف نجهل هذه البديهات وتمتلئ الرابطة الإسلامية بالحكمة والعدل والحب لبنى آدم ، وتعدل حتى مع الأعداء في حين أن الرابطة العرقية تمتلئ بالجهل والأوهام والكراهية والغرور والأنانية والرابطة الإسلامية تدعو إلى بناء الدول والأحزاب والمؤسسات النيابية والإدارية على الكفاءة والإخلاص في حين أن الرابطة العرقية ترفض ذلك وتنظر للأمور من زاوية المصالح العرقية الضيقة والرابطة العرقية تسلط الأضواء على الأجداد والأرض واللون وتتجاهل الإنسان فيمتلئ غروراً وأنانية وكسلاً فيهلك ويفشل في الدنيا(1/59)
والآخرة قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد : "أما القومية فواقع تاريخي، وأما الإسلام فدعوة شاملة ونظام مستوعب للحياة، ووضعها جنباً إلى جنب والحديث عن تناقضهما أو توافقهما لا معنى له أصلاً(105) ولهذا ندعو بشدة للتفريق بين القومية والحركة القومية العلمانية العنصرية فالقومية العربية انتماؤنا العرقي، أما الحركة القومية فهي حركة عنصرية، تبنت عقائد ومفاهيم علمانية تناقض عقيدتنا الإسلامية، ومما يبعدنا عن التعصب العرقي هو أن نحرص دائماً على تبنى مفاهيم ومصالح الدائرة العرقية الأكبر التي ننتمي لها، فإذا تحدثت قبيلتك عن مصلحتها، فتحدث أنت عن مصلحة شعبك خاصة إذا كان انتماؤك العرقي الأصغر يريد أن يتحرك في اتجاه معاكس لحركة انتمائك العرقي الأكبر فالعصبية هي أن تعين قومك على ظلم الغير، أو أن لا تختلف معهم إذا ظلموا وبعض أنواع هذا الظلم تكون غير واضحة كأن يقال من حق كل قبيلة أن نختار من يمثلها في الانتخابات لأن في ذلك إضعاف لدور الكفاءة والعلم، وتقوية لدور الانتماء العرقي، أما إذا كان الانتماء العرقي هدفه خير العرق والمجتمع فإن هذا أمر مطلوب لأنه تعاون على البر والتقوى، وعموماً فنحن لسنا بحاجة لمن يُزايد على انتماءاتنا العرقية، أو يشكك بها لأنه إذا كنا ضد أن يكون هناك ظلم على أعراق أخرى، فلا شك أننا سنكون حريصين على أعراقنا ومصالحها الشرعية نقول هذا لأننا تعلمنا أن التعصب العرقي كارثة، فقد شاهدنا سلبياته في دوائرنا العرقية الكبيرة والصغيرة، فرأينا كيف تحطم بنياننا القومي العنصري، فأنتج فوضى عقائدية، وضعفاً سياسياً، وتعصبات عرقية إقليمية، ولازلنا نشاهد المزيد من ذلك، ولنتذكر دائماً أن التعصب العرقي هو عملاق ضعيف لن يصمد أمام الحق والمبادئ ولكن لابد للحق من رجال .
نماذج من التعصب الشعبي(1/60)
قال مواطن كويتي "ماذا يريدون أكثر من هذه الحقوق؟ لقد كانوا يطالبون بتوحيد الجنسية للحصول على الحقوق السياسية، وقد تحقق هذا الهدف، فماذا يريدون أكثر من ذلك" وقال: "لا يمكن بأي حال من الأحوال المساواة بين شخص عاش في هذه البلاد منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، ونشأت الكويت على دمه وعرقه وبين الآخرين، إن هذا ليس من العدل والمساواة في شيء" هذه الاقتناعات عبارة عن نموذج موجود في كثير من شعوبنا العربية والإسلامية، وإذا لم يكن ظاهراً لأسباب اقتصادية أو سياسية فإنه موجود في نفوس كثيرة يتداولونه سراً أو علناً، ويعتبر أعرافاً لها آثارها في قضايا سياسية واجتماعية وهي إحدى الموانع الرئيسية التي تعيق تعاون العرب والمسلمين والشعب الواحد، وما قاله المواطن الكويتي ليعطي تبريرات لمنع توحيد الجنسية الكويتية لجميع المواطنين المقسمين لجنسية أولى وجنسية ثانية وأصحاب الجنسية الأولى هم أهل الكويت الأصليون حسب قانون الجنسية في حين أن أصحاب الجنسية الثانية هم من المهاجرين المتأخرين بعدما أصبحت الكويت دولة غنية، فإذا كان هذا المواطن يفضل أن تبقى الفوارق بين المواطنين الكويتيين فلا شك أنه أكثر حرصاً على بقائها بين الكويتيين عموماً وغيرهم من الشعوب، ولنسلط الأضواء على هذا النوع من التعصب العرقي من خلال النقاط التالية :(1/61)
1- نستطيع أن نقول: إن الفوارق بين أصحاب الجنسية الأولى والثانية أصبحت بعد التغييرات الأخيرة في قانون الجنسية شبه معدومة لأن أصحاب الجنسية الثانية حصلوا على حق الانتخاب والترشيح، وفي هذا تعزيز للوحدة الوطنية، ولكن هذا الإنجاز القانوني يجب أن يصاحبه تطور في العقائد والاقتناعات فحبنا كمواطنين كويتيين للكويت يجب أن يكون حباً شرعياً، أي حباً عادلاً، فلا ننظر لأنفسنا كأننا شعب الله المختار أو كشعب نختلف عن إخواننا من ذوي الجنسية الثانية أو العرب والمسلمين فالمساواة بين المسلمين من البديهيات الإسلامية، واختلاف الأوطان والقوميات لا يجوز أن يكون سبباً في وضع حواجز وقيود كلما أمكن ذلك بل العكس هو واجبنا، أي إلغاء الحواجز كلما أمكن ذلك، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وكذلك بين الكويتي والعربي وقبل مائة سنة فقط كان المسلمون ومنهم الكويتيون يتنقلون من بلد إلى بلد بكل سهولة وبدون كفيل أو حتى جواز سفر، ولهذا وجدنا كويتيين عاشوا في البحرين، والهند، وحتى إندونيسيا وغير ذلك، ومن المعروف أن الكويتيين رفعوا وطبقوا شعار الكويت بلاد العرب، وفتحوا أبواب بلدهم على مصراعيها أمام إخوانهم العرب والمسلمين، فأعطوا الجنسية الأولى والثانية لأضعاف عددهم، واستضافوا كذلك أضعاف عددهم من العرب والمسلمين حتى أصبح الكويتيون أقلية في وطنهم لا تزيد عن الربع، هذا الإنجاز الكبير الطيب لا يجوز أن ينتهي برد فعل ضد الآخرين .(1/62)
2- كلما اتجهنا للمساواة كلما تقبلنا الآخرون والعكس صحيح، فتميز الفرد أو الشعب أو الأمة عن الآخرين سيقابل لا محالة بنفور وردود فعل سيئة، وهذا واقع مشاهد، ونقول للفئة المتعصبة: إن الشعب الكويتي الأصلي هو عبارة عن شعب تكون خلال القرنين الماضيين من ثلاثة أصول رئيسية وهي: الجزيرة العربية، والعراق، وإيران، ومن ناحية عرقية فنحن كشعب فروع لتلك الأشجار وبالتالي لا معنى للتركيز الشديد على تصنيف الناس حسب أصولهم، فعنصريتكم لا أساس لها في المنطق ولو كان ولاء الكويتي يزيد كلما زادت السنون لقلنا: إن كل الكويتيين الأصليين قد عاشوا مئات وآلاف السنين في الدول التي قدموا منها، وبالتالي فحسب قانون الأقدمية سيكون ولاؤهم للأوطان الأخرى، وليس للكويت لأنهم عاشوا فيها أكثر مما عاشوا في الكويت. فالظن أن الولاء والوطنية والإخلاص مرتبطة بالأقدمية ظن خاطئ لأن أكثر من سرق الأموال الكويتية خلال الأربعين سنة هم من أصحاب الجنسية الأولى، ولكن العقيدة العنصرية تجعلنا نغفر للمجرمين لا بسبب إلا أنهم كويتيون في حين أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" وفي الوقت نفسه ننظر بغضب شديد إلى الوافد إذا سرق مئات الدنانير في حين العدل لا يضع أي وزن للانتماء العرقي، وقد تساهلنا بالجرائم والانحرافات والإهمال والتخلف العلمي.. الخ لأن الفاعلين كانوا كويتيين فأصبحنا نزداد كل يوم شقاءً وألماً، وكان المفروض شرعاً وعقلاً أن نترجم حرصنا على الكويت إلى تشجيع الكويتيين المجتهدين ومعاقبة الكويتيين المنحرفين وهذا هو الأسلوب المطبق في كل بلد يريد أن يتقدم .(1/63)
3- إعطاء وزن كبير للجنسية والانتماء العرقي جعلنا ننظر إلى كثير من الأمور من هذه الزاوية فمن عنده جنسية كويتية تفتح له كثير من الأبواب، ومن لا يملكها فكأنه لا حقوق له، كالخدم وعمال النظافة وغيرهم، فللجنسية دور في الراتب والترقية والعمل التجاري والتملك والعلاج وحتى إجازة قيادة السيارة، وعلينا ككويتيين ألا نضع مفاهيم خاصة عن العدل، بل يجب أن نسترشد بشريعتنا الإسلامية، فنحن مطالبون بالعدل حتى مع أعدائنا، فكيف فيما بيننا ككويتيين، أو بيننا وبين إخواننا الوافدين؟ فلنعمل على أن يكون العدل هو ثروتنا الأولى فإذا زاد رصيدنا منه فقد ربحنا، وهو- والله- أكثر أهمية وأضمن استثماراً خاصة وأن رصيدنا المالي نراه يستنزف بصور شتى، وهو من ناحية شرعية أرخص بكثير من قيمة العدل ووزنه، ونحن بحاجة اليوم إلى تغييرات كبيرة وجذرية في هذه المواضيع فتمسكنا بالإسلام هو الطريق إلى الدخول لقلوب الناس، وكسب التأييد لقضايانا، والأهم من ذلك هو طريقنا لكسب رضا الله سبحانه وتعالى، ولنتذكر أن استمرارنا في نهجنا الحالي سيقودنا للهاوية، فالأخطار التي تنهش في جسد الكويت كثيرة حالياً، ولكن الكثيرين- وللأسف لا يرون إلا بعض هذه الأخطار .(1/64)
4- كان خالد بن الوليد القائد العسكري لجيش المشركين في غزوة أحد، ولأنه أسلم أصبح قائداً عسكرياً مسلماً دون أن تكون عنده خدمة طويلة، فالإسلام ضد إيجاد مبررات كقضية الأقدمية، أو الانتماء العرقي لمنع كفاءة قائد متميز، والمساواة الإسلامية هي التي جعلت كثيراً من الشعوب تدخل في الإسلام لأن الإنسان عندما يصبح مسلماً يكون له ما للمسلمين ذوي الأقدمية، وعليه ما عليهم، ولكن بعض المتدينين الكويتيين وغيرهم لا يهتمون اليوم بالقضايا الإسلامية الرئيسة المتعلقة بالمساواة والحرية والشورى والعدل، ويركزون تقريباً كل جهودهم على العبادات والعقيدة، أي كأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه فلا نجد للإسلاميين صوتاً تقريباً في قضايا حقوق الإنسان، أو في محاربة تجار الإقامات، وإذا أخذوا مواقف فأغلبها مواقف رخوة، بل إن بعضهم نجد عنده عنصرية أشد من عنصرية جنوب أفريقيا سابقاً في حين أن من بديهيات الإسلام أنه جعل الناس متساويين فأصبح القرشي الغني صاحب المنصب يتساوى في الحقوق والواجبات مع فقراء العرب والعجم .
5- من القوانين التي تعكس وجود تعصب عرقي هو رفض إعطاء الجنسية الكويتية لأبناء المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وهذا أمر تفعله دول عربية أخرى، وعندما نحتكم إلى الشريعة الإسلامية سيظهر واضحاً أن هناك جهل بالشريعة، وتعصب رجالي، والسؤال الذي نريد أن نجيب عليه هو :
…هل يستحق ابن الكويتية الجنسية الكويتية أم لا يستحقها؟ أمامنا طريقان للإجابة على هذا السؤال: طريق الحكمة والعدل والإسلام وطريق الجهل والعنصرية والأنانية، فإذا سلكنا الطريق الأول فسنصل بإذن الله إلى الجواب الصحيح فلنسلكه ولنر النتيجة ونقبل بها سواء كانت الإجابة بالإيجاب أو النفي ورأيي الشخصي أقوله هنا، بهدف إثراء الحوار وهو مع إعطاء ابن الكويتية الجنسية، وذلك للأسباب التالية :(1/65)
أ- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال: يا بني عبد المطلب هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا ابن أخت لنا، فقال ابن أخت القوم منهم: أخرجه الطبراني ج12 ص170 هذا الحديث يثبت أن ابن أخت القوم منهم، فإذا أضفنا إلى ذلك أن من البديهيات الإسلامية تشجيع إلغاء وتقليل الحواجز بين المسلمين سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عرقية.. الخ فالإسلام مع تسهيل الحصول على الجنسية لا مع تعقيدها، فكل دولة مسلمة يجب أن تسعى قدر استطاعتها وإمكانياتها لقبول انتماء ونشاط المسلمين فيها ليس فقط في موضوع الجنسية بل أيضاً في قضايا التجارة والتملك والإقامة.. الخ .
ب- المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة قاعدة إسلامية، وكذلك هي قاعدة دستورية كويتية، وإذا كانت هناك استثناءات ضرورية وحتمية في بعض المجالات فإن ذلك لا يجب أن يكون في موضوع الجنسية، فلماذا نعتبر ابن الكويتي من المرأة الوافدة كويتياً في حين أننا لا نعتبر ابن الكويتية من الرجل الوافد كويتياً؟ بل إننا نعطي المرأة الوافدة الجنسية الكويتية بعد خمس سنوات من الزواج .
ج- يحدث هناك خلط بين قضيتين، ولا ندري هل هو خلط متعمد أو جهل؟ ألا وهو الربط بين قضية النسب وقضية الجنسية كأنها قضية واحدة فنسب ابن الكويتية يجب أن يتبع أباه غير الكويتي، وهذا من البديهيات الإسلامية أما قضية استحقاقه للجنسية فهذا أمر مختلف، أي : هل هو كويتي أم لا؟ لا علاقة لها بالنسب .(1/66)
د- كثيرا ما يثير حيرتي أننا كمجتمع لا نقلد الغرب إلا في سلبياته من تبرج وعادات اجتماعية سيئة, وحريات مزورة, وأفكار ضائعة في حين أننا لا نقلده في إيجابياته مثل الحرص على إتقان العلم, والعمل والعدل, فالغرب يعطي المرأة كثيراً من الحقوق لأبنائها فيعتبرهم مواطنين , بل إن أميركا تعتبر كل من يولد على أرضها يستحق الجنسية, فلماذا لا نقلدهم في بعض إيجابياتهم؟ والظاهر أن البعض لا يؤمن بالغرب حالياً كما يدعي ولا بالعرب سابقاً كما يقولون بل يؤمن بمصالحه الشخصية , ولا يعرف قلبه أي نوع من الإيمان بالمبادئ حتى لو تظاهر بالإيمان بالإسلام أو الغرب أو الشرق .
هـ - ابن الكويتية يعتبر جسداً وروحاً نصف كويتي لآن كل إنسان يتكون من نصفين نصف من أمه ونصف من أبيه, فإذا أضفنا إلى النصف الكويتي أقامه طويلة لا تقل عن عشرين سنة قبل أن يصبح رجلا , وأضفنا إلى ذلك صلات القربى الوثيقة مع عائلة أمه , وإتقانه اللهجة الكويتية أكثر من ابن الكويتي المتزوج من وافدة كل هذا يجعلنا نقول إن الأغلبية في تكوينه ستكون لنصفه الكويتي فالإقامة الطويلة وحدها تكفي للتجنيس في بعض البلاد, فكيف إذا أضفنا الأسباب الأخرى .(1/67)
و- الرد على القول بأن زواج غير الكويتي هو زواج مصلحة هو : هل قبول غير الكويتية للزوج الكويتي خال من قضية المصلحة ؟ والأهم من ذلك هو أن وجود مصالح متبادلة في الزواج شيء طبيعي فالمرأة الكويتية لها مصالح أيضاً في هذا الزواج والمصالح المشروعة وغير المشروعة موجودة كذلك في زواج أبناء الشعب الواحدة بل وأحيانا في العائلة الواحدة وبناء على ذلك علينا أن نمنع كل أنواع الزواج, وذلك لوجود مصالح . ولاشك أن لنا كلنا عقول رجالاً ونساء ويستطيع الكثير منا أن يتخذوا قرارهم في القبول والرفض, وعادة ما يدخل في اتخاذ هذا القرار قضايا كثيرة منها الأخلاق والمستوى العلمي والعمر والوظيفة والجمال والجنسية وغير ذلك . واختلاف الجنسية يضعف تأثيره بل يتلاشى كلما زاد الإيمان في قلوبنا والعلم في عقولنا .
س - تجنيس أبناء الكويتيات لن يؤدي في اعتقادنا إلى تغييرات سياسية أو عرقية في المجتمع , ولن يؤدي إلى زيادة عدد الزواج المختلط عن معدلاته الطبيعية, والزواج هو من القضايا الكبيرة , فلن تتم المتاجرة به أو استغلاله .(1/68)
6- إيجاد مبررات عرقية لتعصب الشعوب أو الأمم أو القبائل أو العائلات عملية ممكنة وسهلة ومدعومة بطريقة التفكير العلماني الضائع , فيكفي أن تقول إنني مواطن, وهذا غريب , أو أجنبي , أو تقول دافع آبائي وأجدادي عن هذه الأرض في حين أن هذا الغريب كان أجداده وآباؤه هم المعتدون أو تقول: ماذا قدم لي الآخرون من معروف وخير حتى أعاملهم معاملة عادلة ؟ أو تقول لقد قدمت لهم أضعاف ما قدموا لي من معروف وبالإمكان تقديم مبررات أمنية أو عقائدية أو سياسية أو اقتصادية تبرر التعصب العرقي, وتضع حواجز كبيرة بين شعوبنا , أو بين بعض شعوبنا, ونقول : إن هذه المبررات مرفوضة والاحتكام في العلاقات بين الأفراد أو الشعوب يجب أن يكون مرجعها شريعة الإسلام , واجتهاد العلماء , وقيم الإسلام وأخلاقه, فقلوبنا كمسلمين تتسع بالحب لكل إنسان , وتريد الخير للجميع , وتعلم أن أكرم الناس أتقاهم, وتفرض علينا التعاون بين المسلمين كأفراد وكدول , وتجعلنا نركز على سلبياتنا وأخطائنا وذنوبنا لا على سلبيات الآخرين وذنوبهم , وتنبهنا إلى أن تفرق المسلمين وتنازعهم وتحاربهم يضعفهم . قال تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)46 سورة الأنفال وبالتالي فمن واجبنا محاربة العنصرية بكافة أشكالها, والسعي لإلغاء الفوارق بين الأفراد وبين الشعوب , ولكن من الحكمة أيضاً أن نكون واقعيين ونعرف حقائق واقعنا من مصالح وآراء وتاريخ . . . . . الخ ومن الحكمة ان تنشغل شعوبنا بإصلاح أنفسها لا بمحاكمة الشعوب الأخرى وإصلاحها ومن الحكمة أن تسلط الأضواء الكثيرة على فوائد المساواة بين أبناء الشعب الواحد وبين أبناء الأمة , فكلما قللنا من الفوارق كلما تماسكت الجبهة الداخلية وأضفنا قوة هائلة إلى قوتنا الحالية , وزادت قوتنا الاقتصادية والسياسية , وحققنا قفزات في تطوير كفاءتنا العلمية والعملية.(1/69)
7- من حق الكويت والكويتيين علينا أن نذكر إيجابياتهم الكثيرة بعد أن سلطنا الأضواء على بعض سلبياتهم ؛ فقد قاموا بدور رئيس في حل الخلافات العربية, وساندوا بأموالهم كثيراً من الدول العربية والإسلامية والنامية في مشاريع تنموية متنوعة وساندوا دول المواجهة العربية مع إسرائيل ماليا وسياسيا, وكان للكويت ودول الخليج موقف كبير في حرب 73 حينما ضغطوا على العالم اقتصاديا بوقف إمدادات النفط وأنشأوا آلاف المدارس والمساجد والمستشفيات في دول كثيرة بجهود شعبية وحكومية وأنشأوا الصناديق المالية لتمويل المشاريع التنموية, ووجد الكثيرون في الكويت المأوى والعمل , فمن الشعب الفلسطيني وحده كان يوجد الكويت أكثر من أربعمائة ألف فرد في 1990, وهو عدد يقترب كثيراً من عدد الكويتيين, وقامت الكويت بدور كبير في استقطاب أهل الثقافة والفكر من العرب , وكان للكويت دور في المبادرة في إنجاح البنوك الإسلامية , وهذه الإيجابيات وغيرها جاءت من دولة صغيرة الحجم والسكان , وعملت ما لم تعمله دول كثيرة, ولكن البعض وللأسف نتيجة جهل أو حسد أو هوىً أو تعصب عرقي أو مصلحة أو غير ذلك لا يريد أن يرى إلا السلبيات فقط, ونحن مطالبون اليوم كمسلمين وكأمة عربية أن نبدأ صفحة جديدة تضمد الجراح , ونتعاون على البر والتقوى .
العلاقة بين العرب والفرس(1/70)
…من الواضح أن العلاقة بين العرب والفرس علاقة متوترة ولهذا التوتر أسبابه، وبقاء هذا الوضع ليس في صالح عقيدتنا الإسلامية، ولا في صالح شعوبنا، ونحن بإذن الله قادرون على بناء علاقة جيدة. فلماذا لا نفعل؟ والاختلاف والتفرق اللذان وصلت إليهما هذه العلاقة لهما أسباب، فكذلك الاتفاق والتعاون أسباب فلنأخذ بها. المهم أن نبدأ ونزرع حتى نحصد ما نريد. فالله سبحانه وتعالى يبارك في الأعمال الصالحة والنوايا الصافية والوصول إلى هذا الهدف الكبير بحاجة إلى علم ومخلصين وصبر ونعتقد أن من متطلبات النجاح في ذلك الأمور التالية :(1/71)
1- الالتزام الصحيح بالقرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة فهما الميزان للحق والباطل وللصواب والخطأ فلا يجوز الإيمان بأي عقائد أو اجتهادات أو اقتناعات لا أدلة صريحة وواضحة لها من القرآن والسنة فإذا أصبح منهجنا هو قال الله وقال رسوله في كل القضايا المختلف حولها فنحن بلا شك قريبون من الحق والصواب والنور، وهذا هو الإسلام الذي عرفه أبو بكر وعمر وعلي وفاطمة والحسين رضوان الله عليهم، فلا يوجد إسلام غيره وهم من أفضل البشر علماً وإيماناً وبالتالي فلا يقبل من علم العلماء واجتهاداتهم إلا ما يدخل ضمن هذا الإسلام، وإلا فهو مرفوض. وبهذه الطريقة نلغي ميراثا ثقيلاً من الاجتهادات الخاطئة الشاذة، ونلغي كذلك اقتناعات بنيت على أحداث تاريخية حدث في نقل بعضها كثير من التزوير والكذب والجهل، وهي أحداث لا نحتاجها، ففي القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكفينا وما نحتاجه لأنها المنابع الصافية التي لم يحدث فيها تلوث فكري أو سياسي أو عرقي (تعصب قومي) والالتزام بالإسلام لا يكون بالإيمان ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتجاهل آيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة، فالفهم الصحيح من أساسياته رؤية الصورة الشاملة لا الجزئية، وهذا باب كبير من أبواب التفرق والاختلاف والضياع .(1/72)
2- يمكن تقسيم الاختلافات الفكرية بين الشيعة والسنة إلى ثلاثة أقسام: اختلافات جذرية واختلافات اجتهادية واختلافات وهمية فالاختلافات الجذرية يتم حلها بدراستها والبحث عن أدلتها الشرعية من آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للاختلافات الاجتهادية فيجب القبول بها لأنها اختلافات طبيعية وصحية، وهي قضايا يوجد فيها اختلافات بين السنة أنفسهم وبين الشيعة أنفسهم، فهي اختلافات اجتهادية تتسع لها الساحة الإسلامية، وهي أمور اختلف حولها حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين، وأما الاختلافات الوهمية فهي التي مصدرها "وكالة يقولون" والإشاعات والاجتهادات الشاذة التي قال بها عالم أو علماء أو جهلاء ولا تمثل اجتهاد الأغلبية في السنة والشيعة بل لها معارضوها، وهم الأغلبية الساحقة قال الأستاذ صلاح الدين الأيوبي: "ومن ذلك نرى أن النزعات الوطنية الفارسية كانت نزعات أفراد أو طوائف محدودة أما السواد الأعظم من الموالي فقد رضوا الأحوال الجديدة واطمأنوا إليها فخدموا الإسلام واللغة العربية أعظم الخدمات، بل إن الجيوش والحملات العربية التي كانت تجردها الدولة (العباسية) لحرب الزنادقة كان أغلبها من الفرس ويقودها قواد من الفرس أنفسهم"(106) .(1/73)
3- يجب أن ندرك أن هناك عوامل إضافية تؤثر في العلاقة بين الفرس والعرب، أعني أن المسألة ليست فقط سُنة وشيعة وعرباً وفرساً، بل أيضاً هناك حكومات وقوى دولية ومصالح متعارضة، أي أن البيئة السياسية ملوثة وحساسة أمام موضوع التدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف لدى الطرف الآخر وهذه الحساسية هي شعبية قبل أن تكون حكومية، ولعل في الحرب العراقية الإيرانية دليل واضح على النتائج المرة لهذا التدخل فلو انتصرت إيران واحتلت العراق أو العكس فهذا ليس انتصاراً، بل خطوة نحو مصائب أكبر فلنعمل بالعلن والسر على الابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية أو التآمر على الطرف الآخر ولنتعاون على البر والتقوى، فهناك الكثير مما نستطيع أن نعمله، وهذا الحل السلمي البسيط مهما كانت مرارته في بعض الأحيان فهي أقل بكثير من مرارة البديل الآخر فالعرب والفرس هم أدرى بقضاياهم وهم مسؤولون عن إصلاح بلادهم فلا حاجة لأن يحاول أي طرف أن يكون جزءاً من معادلة الإصلاح عند الطرف الآخر فمصائب التدخل كبيرة، وفوائده قليلة والعكس صحيح .
4- لن ننجح في بناء علاقة طيبة إذا لم تتوفر النوايا الصادقة التي تريد الخير للمسلمين وتتعامل بمستوى رفيع من الأخلاق الإسلامية، ونقولها صريحة وواضحة لابد من أن نرفض أن يكون للمتعصبين والمتطرفين دور في بناء الجسور، فنحن بحاجة إلى نوعية عاقلة وحكيمة وذات خلق حسن لتتحمل هذه المسؤولية الكبيرة فالنقاش العلمي والموضوعي الهادئ والمستمر للمواضيع المختلف حولها سيأتي بنتائج طيبة بإذن الله وهذا موضوع يتطلب أن يقوده العلماء المخلصون الواعون، وأن تسانده الشعوب، وهو عمل يتطلب جهوداً كثيرة واستمرارية وسنوات طويلة نقول ذلك لأننا ندرك أن الصعوبات كثيرة لأنه مشروع كبير بين أمتين عريقتين مسلمتين .
وأد العروس(1/74)
قال الأستاذ الطيب الصالح عن الإنجليز : (لو أنني طلبت استئجار غرفة في بيت أحدهم فأغلب الظن أنه سيرفض, وإذا جاءت ابنة أحدهم تقول له إنني سأتزوج هذا الرجل الإفريقي, فيحس حتما بأن العالم ينهار تحت رجليه )(107) إذا كان المسلم لا يستغرب من وجود هذا التعصب العرقي عند الإنجليز لوجود الضياع العقائدي ولضعف الإيمان فهو يستغرب عندما يرى واقعنا, ويرى أن للتعصب العرقي تأثير سلبي في قضايا الزواج والعلاقات الاجتماعية فهو يزيد من مآسينا الاجتماعية مع أنها بدونه كثيرة ويزرع الأشواك في طريق الشباب وأهل التعصب العرقي سواء كان عائليا أو قبليا أو شعبيا لا يؤمنون بالقاعدة الإسلامية التي تقول إن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف وإن أكرمنا عند الله أتقانا لأنهم يظنون أن أكرمنا هو من ينتمي لتلك العائلة أو هذه القبيلة أو ذاك الشعب, فهؤلاء فقط من يتم قبولهم في علاقات الزواج , أما قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"(108) فهو قول يرفضونه ويعصونه, وقد يصل الأمر إلى الكفر إذا اعتقدوا أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ليس صوابا, ورفض بعض البديهيات الإسلامية يجعلنا نتساءل هل هؤلاء مسلمون ؟ ويعلم كل عاقل أن في كل قبيلة وشعب طيبون وأشرار ومسلمون وزنادقة, وأهل طاعة وأهل معصية, ومخلصون ومنافقون . . . الخ ولكن الغرور والجهل وضعف الإيمان أو غيابه جعل البعض يظنون أنهم أفضل من غيرهم من بني آدم ومن ظلم هؤلاء أنهم يرفضون تزويج نسائهم للآخرين بحجة أن هذا يقلل من عراقتهم ومكانتهم في حين ان رجالهم يتزوجون ما يشاءون من النساء ومن مختلف الشعوب والأجناس والألوان ولا يعتبرون فعلهم هذا يطعن في عراقتهم ومكانتهم مع أن أبناء بناتهم لن ينسبوا إلى عائلاتهم وقبائلهم وشعوبهم (المميزة) في حين أن أبناء رجالهم سيحملون نسبهم, فإذا كان هناك تلويث للنسب إذا اختلطوا(1/75)
بغيرهم فإن رجالهم هم الذين يفعلونه, وبلغ من ضلال هؤلاء وظلمهم أنهم يفضلون أن تصبح بناتهم عوانس على تزويجهم للآخرين,فيحرمونهن من الزوج والأطفال والجنس والاستقرار النفسي والمسكن الخاص في حين أن بنات الأعراق (الملوثة) ينعمن بهذه النعم عندما يتزوجونها, وكيف يرضى إنسان عاقل بأن يقسو على ابنته أو أخته ويرحم بنات الآخرين وعادة ما يكون التغرب في الزواج أفضل فهو أفضل جسميا وفكرياً وسياسيا فهو يربط أبناء الوطن وأبناء الأمة وقضية اختيار الزوج/ الزوجة قضية أساسية في حياة الفرد وبالتالي فلاشك في أن الوقوف ضد سعادة الفرد لأسباب عرقية أو طبقية أو غير ذلك سيكون سببا في تعاسة كثير من الفتيان والفتيات وسيكون التمرد على الأهل وعصيانهم أمراً متوقعاً خاصة وأن هذه القيود والموانع والأشواك العرقية تطبق غالبا على النساء ويستثنى منها الرجال كما أننا نعيش في عصر زادت به مساحات الحرية والاتصال واللقاءات والهروب والتمرد, والأب الحكيم هو الذي يتحمل مسؤوليته الشرعية في ترشيد الاختيار الأفضل لابنته أو ابنه ونعلم أن هناك تأثيراً قوياً وكبير للعادات والتقاليد الاجتماعية وأنها تجعل كثيراً من الآباء والأمهات يترددون في اتباع الحكم الشرعي, ولكن رضا الله سبحانه وتعالى أولى من الانقياد لتقاليد منحرفة وتافهة, ووجود الأيمان في قلب المسلم يجعله يهدم الأصنام الاجتماعية ولنتذكر أن الإصلاح الاجتماعي هو أحد أعمدة الإصلاح الشامل وبالتالي فإصلاح الانحرافات الاجتماعية واجب شرعي ووطني ومع اقتناعنا بأن الباطل ضعيف إلا أننا مقتنعون بأنه لا ينهزم إلا إذا تحرك أهل الحق ومن أهم الأخطاء التي ترتكب في عمليات الإصلاح هو السكوت عن الانحرافات والظن أن إصلاحها يحتاج سنين كثيرة ومع إيماننا بالتدرج في الإصلاح إلا أن هذا الإيمان لا يعني السكوت لأن السكوت هو الذي يمد في عمرها عقوداً كثيرة, فمهاجمة الانحرافات وبيان تعارضها مع الشرع(1/76)
وبيان سلبياتها هو جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفعل ذلك سيجعل أصحاب الانحرافات في موقع المدافع في حين أن كثيراً منهم الآن هو في موقع المسيطر والمهاجم, وأهل الباطل عموما ليسوا على استعداد للتضحية في سبيل أفكارهم واقتناعاتهم, فصبرهم ضعيف وحجتهم واهية في حين أن أهل الحق على استعداد للتضحية بالوقت والمال في سبيل ما يؤمنون لأنهم يؤمنون بأن هذا واجبهم الشرعي, وبأن لهم أجر عظيم يتناسب طرديا مع تضحياتهم .
كيف نقضي على التعصب العرقي ؟
إذا كان التعصب العرقي ضعف كشعارات ومبادئ وأقوال علنية فهو موجود كفكر ومفاهيم في دوائر عرقية كثيرة, وله تطبيقاته الكثيرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, وهو أحد معوقات التنمية على المستوى المحلي والعربي والعالمي, ومن واجب كل مخلص أن يساهم في إضعاف التعصب العرقي, ومما أقترحه في هذا المجال ما يلي :
1) من أشد الوسائل الفعالة في محاربة التعصب العرقي هو الثورة عليه ممن ينتمي إلى نفس العرق, والثورة المطلوبة من هؤلاء يجب أن تكون علنية وبصوت مرتفع وسيجد هؤلاء مؤيدين كثيرين لهم من مختلف الأعراق وهذا العمل يوجه ضربة كبيرة لأصحاب التعصب العرقي لأنهم لا يستطيعون اتهام من يتمرد عليهم من عرقهم بأنه معادي لمصالحهم السياسية أو الاجتماعية .
2) نشر الوعي بسلبيات التعصب العرقي وأخطاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال الصحافة والتعليم والمؤتمرات والنقابات والجمعيات ببيان تعارض المفاهيم العنصرية مع المبادئ الإسلامية وميثاق حقوق الإنسان وأي وثائق دستورية وقانونية وطنية أو قومية أو عالمية تدعو للمساواة بين البشر, ولنتذكر دائما أن التعصب يؤدي إلى التفرق والتفرق ضعف وفقر وتعاسة .(1/77)
(3) الاهتمام الكبير ببيان فوائد المساواة بين أبناء الوطن وبين أبناء الأمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتسليط الأضواء على التجارب الناجحة في التعاون بين الأعراق المختلفة من قبائل وشعوب وأمم فإيجابيات التعاون القومي مثلاً أكبر بكثير من إيجابيات العزلة والتقوقع الوطني. وكثير من أوطاننا تختنق فكرياً وسياسياً وإداريا وعلميا واقتصاديا من خلال اقتناعها ببعض المفاهيم العنصرية .
(4) للأسرة دور كبير جداً في القضاء على التعصب العرقي فالأم الصالحة تربي أبناءها على حب الناس بمختلف أعراقهم وألوانهم, وتحرص على استنكار الألفاظ العرقية ذات المعاني السيئة ويبني الأب الصالح علاقاته وعلاقات أبنائه مع مختلف الأعراق, ومما يشجع على هذا الدور التربوي الاقتناع بأن التعصب العرقي يضر الأبناء إذا كبروا لأنه يجعلهم منبوذين وغير قادرين على بناء علاقات طيبة أو غير ذلك .
(5) دعوة علماء الإسلام والحكومات والتجمعات الفكرية والسياسية والأفراد لأخذ المبادرة في تحطيم الأصنام العرقية بالأعمال قبل الأقوال, ومن خلال البرامج والمشاريع والقوانين . . . الخ .فهناك أصنام بعضها ظاهر ومعروف, وبعضها مخفي ومجهول وهذا يتطلب من المخلصين تطهير دوائرهم العرقية والمطالبة بإصلاحها قبل المطالبة بإصلاح الانحرافات في الدوائر العرقية الأخرى .
(6) بناء وتعزيز المؤسسات الحديثة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أحزاب وتجمعات ونقابات وأندية وجمعيات . . . الخ وهذا سيؤدي إلى أضعاف دور التجمعات العرقية لأنها تجمعات متخلفة فكريا وإداريا وسياسياً .(1/78)
(7) إجراء الأبحاث والدراسات النظرية والميدانية في موضوع التعصب العرقي, وفائدة هذه الأبحاث كبيرة لأنها تعالج حالات واقعية تختلف من دولة إلى أخرى وهذه الدراسات ذات أهمية خاصة لأنها تجعلنا نناقش قضايانا بصورة علمية وعميقة, وتضع الحلول الصحيحة انطلاقا من مبادئنا الإسلامية, ومن خبرة أو طاننا والعالم في هذا المجال .
(8) من الوسائل الفعالة في مكافحة التعصب العرقي هو أن يتم التركيز على الدائرة العرقية الأكبر عند الحديث مع أصحاب التعصب العرقي. فعندما يتحدث هؤلاء عن مصلحة القبيلة تحدث عن مصلحة الوطن, وإذا تحدثوا عن مصلحة الوطن تحدث عن مصلحة الأمة, وعندما يتحدثون عن حقوقهم حدثهم عن واجباتهم, وعندما يتحدثون عن إيجابياتهم حدثهم عن سلبياتهم أو عن إيجابيات الآخرين .
الفصل الثاني : الانتخابات الفرعية القبلية(1/79)
تسبق انتخابات مجلس الأمة الكويتي انتخابات فرعية غير رسمية تجريها أغلب القبائل في كثير من الدوائر الانتخابية في المناطق الخارجية , وهذه الانتخابات نوع من العمل السياسي العرقي, وسأحاول في هذا الفصل تسليط الأضواء على هذه الانتخابات كنموذج مفصل للتعصب العرقي حتى نصل إلى الموقف الشرعي والوطني منها وهذا النموذج يوجد غيره كثير في عائلاتنا وقبائلنا وشعوبنا وأمتنا, وإن شاء الله نجد من يسلط الأضواء على النماذج الأخرى من خلال مقالات أو كتب أو أفلام أو مسرحيات حتى يعرف الناس سلبياتها وخطرها. ويحتاج موضوع الانتخابات الفرعية للقبائل لمزيد من الشرح والتفصيل ولكن اختصاراً للكتاب واكتفاء بالأساسيات قمت بالاختصار واكتفيت ببعض ما تم نشره من مقالات والمتأمل في هذه المقالات سيقتنع- إن شاء الله - بأن للتعصب العرقي جذور متشعبة مما يثبت أننا بحاجة ماسة أن نرفع شعار((إصلاح الشعوب أولاً)) (109) لأن الله سبحانه وتعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). الآية: 11 من سورة الرعد .
بدعة اسمها: (( مصلحة القبيلة ))(1/80)
من الطبيعي أن يسعى الإنسان لمصلحة نفسه وقبيلته وشعبه, ولهذا نجده حريصاً على الدفاع عما يظن أنه يحقق هذه المصالح , ونحن بحاجة إلى أن نسلط الأضواء على كلمة يستخدمها الكثيرون ألا وهي (مصلحة القبيلة ) , وهل الانتخابات الفرعية تحقق مصالح قبائلنا أم لا ؟ نقول هذا لأن هناك متاجرة بالأسواق الانتخابية بانتماءاتنا الإسلامية والعرقية والوطنية في سبيل الوصول للمناصب والأموال, وإذ كان من الممكن ومن السهل في الغالب التعرف على المتاجرة بالشعارات الإسلامية من خلال التعرف على آراء المرشح وأخلاقه وتاريخه, ومقارنة ذلك بالمفاهيم الإسلامية فمن الصعوبة في الغالب التعرف على المتاجرين بالشعارات القبلية لأنه لا يوجد فهم واضح لمعاني ومفاهيم "مصلحة القبيلة" لأنها كلمة ضبابية, فهل مصلحة القبيلة أن تسعى للمساواة بين أبناء الدائرة الانتخابية أم أن مصلحتها أن تتكل وتتميز وتعمل انتخابات فرعية لاحتكار المناصب التشريعية ؟ وهل مصلحة القبيلة هي في زيادة عدد الأعضاء المنتمين لها في مجلس الأمة حتى لو كان بعضهم ليس بالمستوى المطلوب . أم أن مصلحتها هي في زيادة أعضاء مجلس الأمة ممن يقفون مع الإسلام والدستور ومصلحة الوطن حتى لو لم يكونوا ينتمون للقبيلة ؟(1/81)
هذه الأسئلة وغيرها لها إجابات مختلفة ومتناقضة فالمؤيدون للانتخابات الفرعية قد يسمون الاحتكار نوعاً من التعاون ويطلقون على التعصب القبلي مسمى التنافس الديمقراطي, ويعتبرون الانتخابات الفرعية للقبائل شبيه بالانتخابات الفرعية للأحزاب, أما المعارضون لها فسيقولون لا يوجد في الديمقراطية انتخابات فرعية لقبائل, وما نشاهده هو تعصب عرقي وليس تنافساً . . . الخ ولا شك في أن الإنسان قد يحتار في تحديد معاني مصلحة القبيلة إذا نظر لها فقط من ناحية عقلية, ومن خلال المبررات المنطقية الجدلية ومع أن العقل قد يصل أحيانا إلى الحقيقة والصواب إلا أنه قد يصاب أحيانا بضلال العلمانية خاصة عندما يبتعد عن أنوار حقائق وحكمة وصواب القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, ولهذا وجدنا العقل البشري يقدم تفسيرات مختلفة ومتناقضة لمعاني مصلحة الفرد والشعب والإنسانية , فعقول الشيوعيين قدمت نظرية وعقول الرأسماليين قدمت نظرية ثانية, وعقول العنصريين قدمت نظرية ثالثة, وهناك نظريات كثيرة بين هذه النظريات, فأي عقل بشري نتبع؟ وهل نستطيع أن نقول أنه ليس للرأسماليين أو الشيوعيين أو غيرهم عقول وهل الاستخدام السليم للعقل يمكن أن يؤدي إلى هذا التناقض؟ أم أن هذا التناقض هو دليل على أن المبررات المنطقية تكون أحيانا ملوثة بالمعلومات الخاطئة أو الغباء أو المصالح الأنانية أو التعصب الأعمى. وحتى نختصر الموضوع نقول إن المصلحة الحقيقية لفرد أو أسرة أو قبيلة أو شعب أو أمة والتي هدى الله المسلمين لها هي في تحقيق نجاحات في العلم والعمل الصالح والإخلاص فإذا زاد علمنا بالإسلام والإدارة والتكنولوجيا . . . الخ فنحن نحقق مصالحنا, وإذا زادت أعمالنا الصالحة من صلاة وصدقات وإنجازات صناعية وزراعية . . . الخ فإننا نحقق مصالحنا, وإذا كان هدفنا الأساسي من علمنا وعلمنا هو تحقيق رضى الله , وتطبيق المبادئ الإسلامية فإننا نسير في طريق مصالحنا . . فالذي(1/82)
يحقق مصالح قبائلنا هو أن نتنافس في زيادة نسبة الجامعيين من أبنائها , وفي حسن استغلال وقت شبابها, وفي تحقيق إنجازات طيبة في العمل الخيري والتكافل الاجتماعي وغير ذلك كثير, أما الانتخابات الفرعية فهي لا تزيد علمها ولا عملها ولا إخلاصها حتى لو كررناها مئة مرة, ولن يحقق مصالح قبائلنا الجلوس في الديوانيات, أو كثرة الولائم وتكرار القصص التاريخية والأشعار أو كثرة المناصب والأموال . ونقف عند المناصب والأموال لنقول : إن المنصب والمال هما وسيلة وليسا هدفاً, وإذا أصبحا هدفا فهناك انحراف في إخلاصنا ونوايانا فهما يحققا المصالح الحقيقية إذا استخدما في العلم النافع والأعمال الصالحة, ويصبحان كارثة وفتنة إذا استخدما في الظلم والتبذير والشهوات والتعصب العرقي . قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ {55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ {56}) الآيتان 55, 56 من سورة المؤمنون فالهدف المعلن لاجتماعات القبائل هو تحقيق مصالحها وهذا يعني أن الرافضين للمشاركة في الانتخابات الفرعية من المنتمين للقبائل لا تهمهم مصالح قبائلهم, ولأننا كشعب نعرف كثيرا من هؤلاء ونعرف إخلاصهم لوطنهم وقبائلهم فأننا نعرف أن ذلك غير صحيح, ولذلك نحن بحاجة لأن نسلط الأضواء على مصطلح مصلحة القبيلة, وعلى الانتخابات الفرعية لعلنا نقنع من يريد أن يرى الحق حقا حتى يتبعه ويرى الباطل باطلا فيجتنبه وما نريد قوله نختصره في النقاط التالية :(1/83)
1- مصلحة قبائلنا الحقيقية هي أن تزيد أبناءها علما وعملا وتميزا وإخلاصا وأخلاقا وأن تغسل نفوسها من التعصب القبلي الجاهلي حتى نرى قولا واعتقادا وعملا أن الناس سواسية وكلهم أبناء آدم وحواء وهذا من البديهيات الإسلامية التي لم يؤمن بها البعض حتى الآن , ومصلحة القبائل في ان تصوت قبائلنا لأفضل المرشحين في الدائرة حتى لو كانوا لا ينتمون إليها , لكي نجد نوابا قادرين على تحمل المسؤولية وإصلاح وتطوير الكويت , وهذا هو واجبنا الشرعي, ولا يجوز أن ننحرف عنه, فمن يرد رضا الله سبحانه وتعالى ويخاف عقابه فليس حراً في صوته الانتخابي ليعطيه حسب مزاجه أو مصلحته أو لقبيلته فالحق واضح وضوح الشمس في منتصف النهار, ويعرفه كل مسلم واع, ولكن كم عدد هؤلاء ؟
2- ما منع البعض من رؤية الشمس في منتصف النهار هو الظن بأن مصلحة القبيلة هي أن يكون لها أكبر عدد ممكن من النواب في مجلس الأمة حتى لو لم يكن بعض هؤلاء يصلحون لتحمل المسؤولية , فاعتبار الكثرة قوة ومصلحة خطا شرعي وعقلي, وكمثال واقعي نقول إن العرب أكثر من الإسرائيليين ومع هذا لا يحققون مصالحهم وليسوا أقوى وإذا كان هدف القبائل من الانتخابات الفرعية هو تحقيق مصالحهم فهذا يعنى أن النائب القبلي سيهتم بالدرجة الأولى بمصلحة قبيلته لا بمصلحة أبناء الدائرة وأبناء القبائل الأخرى وهذا صحيح بالنسبة للنائب القبلي المتعصب لقبيلته, أو الباحث عن المنصب والمال, أما النائب القبلي المخلص لدينه ووطنه فلا يفعل ذلك , بل سيخدم الجميع , ومن مصلحة قبائلنا أن ينجح هؤلاء لا أن تتعصب كل قبيلة لمرشحيها؛ فلا ينجح إلا القليل, وتخسر القبائل نواب مناطقها لأنهم لا ينتمون إليها, بل لا ينتمون للدائرة . ولنتذكر أن الخاسر الأكبر من إلغاء الانتخابات الفرعية هو النائب المتعصب أو الباحث عن المنصب والمال .(1/84)
3- من الخطأ أن تعتقد أية قبيلة أن لها مصلحة تختلف عن القبيلة الأخرى,فإذا اعتقدت بأن لك مصلحة غير مصلحة شقيقك وهي غير مصلحة أسرتك أو قبيلتك أو وطنك فأنت مخطئ, وإذا ظننت أن قوتك هي أن تكون أقوى من أخيك فأنت مخطئ , فالقوة هي أن تكونا معا قويين, وأقوى من أعداء وطنكما وكذلك بالنسبة للمصلحة فما يجعل الكويت أقوى ويحقق مصالحها, فيه مصلحة قبائلنا , وبالتالي فأية مصلحة تتعارض مع المصلحة (الأم) وهي مصلحة الوطن فلاشك أنها مصالح وهمية لا علاقة لها بالمصالح الحقيقية لقبائلنا , بل ابحثوا عنها وستجدون أنها مصالح شخصية غير مشروعة لمرشحين يريدون أن يصلوا إلى مجلس الأمة بالمتاجرة بأسماء قبائلنا .
4- مصلحة القبيلة هي شيء غامض؛ فلم يحددها برنامج قبلي مكتوب, ولا هي شيء سيتم تحديده بعد نجاح مرشحي القبيلة , فلا أحد يعرف ما هي المصالح القبلية التي تم تحقيقها منذ وجدت بدعة الانتخابات الفرعية ,فلا يوجد برنامج سياسي, ولا اقتصادي يتم تنفيذه ومعروف أن نواب القبائل لا يمثلون تكتلا محددا : فهذا معارض, وهذا مؤيد, والثالث متدين , والرابع ليس كذلك, وهكذا, وفشلت كل المحاولات الشاذة والنادرة التي حاولت أن تجعل نواب القبائل أو حتى نواب القبيلة الواحدة تكتلاً سياسياً, لأنهم, ببساطة, جزء لا يتجزأ من الجسد الكويتي في مواقفهم وآرائهم ومصالحهم ونقول ونكرر , الرابطة العرقية سواء كانت قبلية أو شعبية, أو قومية ليست فكرا ولا برنامجا ولا حزبا؛ ورفعها كشعار هو خدعة سياسية تخفي تحتها مصالح شخصية أو تعصبا أو جهلاً .(1/85)
5- يظن البعض أن إلغاء الانتخابات الفرعية سيضعف القبائل وردنا هو أن هذا ليس بصحيح بل العكس هو الصحيح ؛ لأن القبائل ستحاول أن تقف وراء أفضل مرشحيها فالمنافسة ستكون أصعب, وتحتاج للمتميزين بكفاءتهم وإمكاناتهم, في حين أن النجاح في الانتخابات الفرعية أسهل بكثير وسيبقى من ينجح في الغالب في المناطق الخارجية من أبناء القبائل لأنهم يشكلون حوالي 70% كعدد, وسيبقى التعصب القبلي قويا حتى لو تم إلغاء الانتخابات الفرعية, إلا أن تأثيره في النجاح سيكون أقل مما هو عليه الآن ,ومما يدعو للابتسام أن البعض يجعل نفسه مدافعا عن القبائل كأنها جبهة واحدة متحدة مع أن دفاعه عن الانتخابات الفرعية هو دفاع عن وضع يجعل القبائل تقف ضد بعضها البعض ويجعل النواب يمثلون قبائلهم لا كل القبائل أو الشعب الكويتي, وهذا وضع طبيعي لأن النائب صعد بسلم قبيلته, ولأن من ينافسه هو من قبيلة أخرى فالوضع الحالي هو وضع مريض لأنه تنافس بين قبائل, في حين أن الوضع السليم إسلاميا وقانونيا وسياسيا أن يكون التنافس بين أفراد لا قبائل .(1/86)
6- ما يدعو للاستغراب والألم مواقف بعض النواب الإسلاميين, وبعض المرشحين المتدينين ممن يريدون المشاركة بالانتخابات الفرعية, وذلك لأنهم أخطأوا في فهم موقف الإسلام من التعصب العرقي الجاهلي , وكذلك في إدراك سلبيات الانتخابات الفرعية العقلية فالانتخابات الفرعية هي الصنم الذي يعبده أهل التعصب القبلي , فلم يدعها الإسلاميون كأنهم لا يعلمون أنها منتنة, وهي انتخابات تقوم على أساس انصر أخاك ظالما أو مظلوما, بالمفهوم الجاهلي , وهي تجعل قبائلنا تدعم أسوأ المرشحين إذا نجح بالانتخابات الفرعية, وهي تلغي شرط القوي الأمين وقد تتحالف قبيلتان قبل أن تعرفا كفاءة وأمانة مرشحيهما اللذين سينجحان في الانتخابات الفرعية , وهذا التحالف قد يكون ضد مرشحين أفضل كفاءة وأمانة ولو رشح في الدوائر الخارجية أفضل عشرة مسلمين في الكرة الأرضية إسلاما وسياسة وحكمة لما نجح منهم أحد .. فكيف نقول بعد كل هذا إنها شرعية وهي ضد بديهيات يعرفها كل مسلم واع ؟ وإلغاؤها جزء من تطبيق الشريعة الإسلامية ولكن كأن أهل التعصب لم يسمعوا بفتوى الشيخ الدكتور عجيل النشمي وقد يكون هناك علماء سكتوا عنها, ولكنهم لم يصدروا فتاوى يؤيدونها, وأنا متأكد من أن هؤلاء لم يبذلوا الجهد في دراستها, وفي معرفة سلبياتها على أرض الواقع أما سلبياتها العقلية والواقعية فهي كثيرة , لعل أهمها أن القبائل تختار مرشحيها دون تمحيص ودون نقاشات طويلة وعميقة, ودون تقصي الحقائق عن المرشحين , وهي السلم الرئيس الذي يصعد به المتعصبون عرقيا وأصحاب المصالح من أبناء القبائل وفيها طعونات متبادلة,وإلغاؤها سيجعل النائب يخدم كل أبناء الدائرة, وليس فقط أبناء قبيلته, وسيجعل مرشحي القبائل يحرصون على تطوير معلوماتهم ومهاراتهم, واتخاذ المواقف الشعبية ولهذه السلبيات العقلية وغيرها يجب أن نرفضها. قال ابن القيم : ( فإن الله أرسل رسله, وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط , وهو العدل الذي(1/87)
قامت به السموات والأرض,وإذا ظهرت إمارات الحق, وقامت أدلة العقل, وأسفر صبحه بأي طريقة, فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره ) وإذا كان بعض النواب الإسلاميين يقولون إننا مضطرون لدخول الانتخابات الفرعية ولا نستطيع أن نقول لا للتعصب القبلي فإنني أقول بإمكانكم أن تقولوا بسهولة جدا , كلمة نعم لقانون منع الانتخابات الفرعية في مجلس الأمة. وإذا كان من المتوقع أن يؤيد أغلب نواب مجلس الأمة منع الانتخابات الفرعية إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نخشى أن تكون هذه القضية مجالا لسوء الفهم, أو للمزايدات الفكرية والسياسية والعرقية والجغرافية سواء داخل المجلس أو خارجة وندعوا نواب القبائل إلى أن يكونوا أول المطالبين بمنع الانتخابات الفرعية حتى لو كان بعضهم ممن شاركوا بها في السابق, ليس فقط لأن هذا هو الموقف الصحيح بل أيضا لأن هذا الموقف عبارة عن نموذج يحتذى في الإصلاح من الداخل, وهذا النوع من الإصلاح نوع نادر في المجتمع الكويتي والمجتمعات العربية, فالكل يطالب بإصلاح الآخرين, ولا أحد يريد أن يبدأ بإصلاح نفسه!!!
ورفض إلغاء الانتخابات الفرعية هو في حقيقته رفض شعبي للإصلاح سواء جاء هذا الرفض من النواب, أو من القبائل, ولنعلم أن إصلاح الواقع يبدأ بإصلاح الشعوب لا الحكومات لأن أغلب أوراق الإصلاح هي بيد الشعوب فالقول المأثور (كما تكونوا يولى عليكم) هو حكمة صحيحة ليس هنا مجال إثباتها ولكن يكفي أن نقول: عارضوا مصالح أو اقتناعات أو عقائد لتجمعات شعبية فكرية أو سياسية أو عرقية أو حتى لأفراد عاديين, فستروا رفضا واضحا لبعض مبادئ الإسلام أو لمواد الدستور والقانون, وهذا الرفض يأتي نتيجة جهل أو تعصب أو مصلحة أو غير ذلك وحقيقة واقعنا ليست بعيدة عما قاله أحد العرب في هذا القرن حيث قال: إذا تكلمنا فكلنا أصحاب مبادئ وإذا عملنا فكلنا أصحاب مصالح !!!(1/88)
7- هل تعلمون أن العسكريين يصوتون في بعض الانتخابات الفرعية ؟ وهل تعلمون أن من شطبت أسماؤهم نتيجة بعض الطعون يشاركون في بعض الانتخابات الفرعية, وهذا يجعل قبائلنا دويلات داخل دولة الكويت ؟ وهل تعلمون أن الذنب الذي لا يغتفر هو أن تفضح ابن قبيلتك إذا رايته يسرق : أما إذا فضحت ابن قبيلة أخرى , فهذا عدل وإنصاف؟!! إن المناطق الخارجية تعيش في بيئة فيها الكثير من التخلف والجاهلية . . أما من يظن أن الانتخابات الفرعية للقبائل مثل الانتخابات الفرعية للأحزاب, فلا نجد ما نقول له غير ابحث عن الحقائق أولا ثم تكلم أما علنية الانتخابات الفرعية فليست دليل شرعية, فالخمارات علنية في كثير من الدول !! أما من يقول إن التعصب العرقي موجود عند الحضر فنقول : هذا صحيح ولكنه أقل حجما وتأثيراً في الواقع السياسي فالتركيز يتم على التعصب الذي تؤيده الانتخابات الفرعية, لأن خطره أكبر, ولا يجوز شرعا أن ندافع عن هذا التعصب لأن هناك تعصبا مقابلا, بل الواجب أن نرفض كل انحراف وخطأ, وإذا كانت للقبائل حقوق ضائعة فالحل هو الوصول إليها بأساليب شرعية, لا بالانتخابات الفرعية والغريب أن البعض ممن يؤيدون الانتخابات الفرعية يقولون نعم هي انحراف وتعصب قبلي, ولكن هناك تعصب عرقي عند الحضر والقبائل الصغيرة, وهناك انحرافات عقائدية وسياسية ومالية أخرى في المجتمع وهناك تعصب عند الجماعات والأحزاب والطبقات والأفراد . . . الخ ونقول لهؤلاء : إن واجبنا الشرعي والعقلي والوطني أن نلتزم بالعدل والصواب قدر ما نستطيع , وأن نبدأ بأنفسنا , فإن الله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا أولا ما بأنفسهم من الانحرافات , وإذا فعلنا ذلك فسنكون أقوى في معركة الإصلاح وسنشجع الآخرين على إصلاح انحرافاتهم , أما استمرارنا في انحرافاتنا فهو يشجع على بقائها وزيادتها وتدمير ديننا ووطننا ونفوسنا ومن الخطأ النظر إلى هذا الموضوع من خلال الآراء الشخصية(1/89)
فالمسلم لا يتصرف إلا بناء على قواعد شرعية والتي منها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما أن يجعل رضى شعبه وقبيلته هو قراره حتى لو انحرفوا, أو يهرب من معركة الإصلاح ويتركها للزمن, فهذا مرفوض شرعا. وتبقي نقطة أخيرة, وهي أننا عندما نعارض الانتخابات الفرعية , فنحن لا ننطلق من مصالح شخصية , أو غباء سياسي , ولم يدفعنا كائن من كان لهذه المعارضة, فنحن نريد الخير والمصالح الحقيقية لقبائلنا ووطننا, ونريد منافسة انتخابية عادلة, أو أقرب ما تكون للعدل حتى لأنتهم بالمثالية, ونؤمن بأننا لو سكتنا وأيدنا الانتخابات الفرعية , فإننا نرتكب خيانة لإسلامنا, ووطننا, وقبائلنا لأننا عرفنا الحق وضيعناه !!
من سلبيات الانتخابات الفرعية
…عندما ندعو إلى موقف رافض للانتخابات الفرعية فإن ما ندعو
إليه ليس نابعا من رأي شخصي, أو اجتهاد أو مصلحة أو انفعال أو ثأر , بل هي دعوة للالتزام بموقف إسلامي واضح من التعصب العرقي سواء كان قبليا أو عائليا, أو شعبيا, أو قوميا فأحد الأسباب الرئيسة لضعفنا, كأمة وكشعوب, هو التعصب العرقي, والذي نتمنى أن تسلط كثير من الأضواء على نتائجه السلبية الكبيرة وسنحاول في هذا المقال بيان بعض الانحرافات عن الإسلام والعقل والمصلحة الوطنية, الموجودة في الانتخابات الفرعية, والتي منها ما يلي :(1/90)
(1) الانتخابات الفرعية للقبائل هي مقبرة للكفاءات, فهي عبارة عن احتكار القبائل الكبيرة في الدائرة الانتخابية للمناصب التشريعية ونادرا ما تستطيع الكفاءات من القبائل الصغيرة أو من الحضر كسر هذا الاحتكار الانتخابي, والانتخابات الفرعية هي أيضا عائق كبير إمام بعض الكفاءات من القبائل الكبيرة, إذ تتحول هذه القبائل إلى أقليات في دوائر أخرى فتواجه احتكارا من قبائل أخرى ذات كثافة عالية, وهذه الكفاءات من الصعب عليها في الغالب أن تنتقل من دوائها إلى دوائر أخرى لقبائلها كثافة فيها كما أن بعض الكفاءات المتميزة من القبائل الكبيرة لا تستطيع النجاح في الانتخابات الفرعية, لأنها تنتمي إلى فروع (فخوذ) صغيرة لأن التصويت في الانتخابات الفرعية يتأثر كثيرا بحجم الفخذ الذي ينتمي إليه المرشح واحيانا تتعرض حتى الكفاءات من الفخوذ الكبيرة إلى ضغوط اجتماعية تجبرها على الانسحاب لصالح أحد الأقارب ممن يفتقدون المؤهلات المطلوبة, فالانتخابات الفرعية هي مقبرة للكفاءات على قلتها فكيف تكون في مصلحة الكويت أو مصلحة القبائل ؟ ومن واجبنا أن نشكر الكفاءات القبلية التي رفضت في انتخابات مجلس الأمة لسنة 1992 المشاركة في الانتخابات الفرعية, ونقول لهم : إنكم بإذن الله طلائع التقدم والوعي وبكم نستطيع بناء كويت جديدة .(1/91)
(2) الانتخابات الفرعية عبارة عن إعلان صريح وواضح بأن الواسطة عملية صحيحة ومقبولة, فالناخب عليه أن ينتخب ابن قبيلته سواء كان الأفضل أو الأسوأ , ولا مكان لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب فلا وزن للعلم, ولا الأمانة , ولا الأخلاق ولا الخبرة , فالمهم هو الانتماء العرقي وفي هذا انحراف كبير جدا عن مبادئنا الإسلامية ومصالحنا الوطنية لأن الواجب الشرعي يدعونا لأن نختار الأفضل في حين أن التصويت القبلي يرفض حكم الشرع قال ابن تيمية رحمه الله (يجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين أن يستعمل فيما تحت يده من كل موضع أصلح من يقدر عليه فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما, أو ولاء عتاقة , أو صداقة, أو موافقة في بلد, أو مذهب, أو طريقة, أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية أو لرشوة يأخذها منه من مال, أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق, أو عداوة بينهما, فقد خان الله ورسوله, والمؤمنين) وإذا كنا نرفض الواسطة في المناصب التنفيذية فواجبنا أن نرفضها كذلك في المناصب التشريعية (الانتخابات النيابية) ونعلم أن الواسطة موجودة ,ويمارسها البعض من خارج القبائل, فمبدأ من صادها عشّى عياله متأصل في كثير من النفوس, ولكن الانحراف لا يبرر الانحراف .
(3) تعطي الانتخابات الفرعية دعما كبيرا لمرشحين لا تتوفر فيهم شروط الحد الأدنى المطلوبة لنائب مجلس الأمة ومنعها يسحب البساط من كثير من المرشحين الذين تكمن قوتهم الرئيسة في انتمائهم القبلي وصحيح أن الانتماء القبلي يساهم أحيانا في نجاح مرشحين أقوياء, ولهم مزايا حقيقية إلا أن هؤلاء لن يخسروا بإلغاء الانتخابات الفرعية حيث إن مزاياهم من مبادئ ومواقف وأعمال ستبقى موجودة دون انتخابات فرعية وستساهم بإذن الله في نجاحهم .(1/92)
(4) حولت الانتخابات الفرعية الساحة الانتخابية إلى تنافس بين قبائل أو بالأحرى إلى تنافس بين مرشحين يستغلون قبائلهم في تنافس لاناقة لقبائلهم فيه ولا جمل فاختيار المرشحين أو تقييم أداء النواب لا يتمان بصورة صحيحة, أو بالأحرى غير مسموح بهما فمن المرفوض أن انتقد أداء نائب من قبيلتي, لأن هذا يعتبر عملا ضد (( القبيلة)) أما إذا انتقدت أداء نائب من غير قبيلتي فستنظر إليه القبيلة الأخرى كأنه عمل عدائي ضدها فالتعصب القبلي أعطى النواب حصانة خاصة أقوى بكثير من الحصانة البرلمانية, فالكل يرفع الشعار الجاهلي ( لا صوت يعلو فوق صوت التنافس القبلي) فقد عميت البصائر, وضاعت الأهداف المرجوة من الانتخابات النيابية، وضاعت مصلحة الكويت فالتشويه الذي أحدثته الانتخابات الفرعية كبير جداً في المناطق الخارجية , فالقضية تحولت من اختيار أفضل المرشحين لتمثيل الشعب الكويتي إلى تنافس قبلي جذوره تمتد للعصور الجاهلية قبل الإسلام .
(5) من المزايا التي يذكرها البعض للانتخابات الفرعية تقليل عدد المرشحين في الدائرة الانتخابية حيث يدخل في الانتخابات الفرعية عشرة أو أكثر ويخرج منها اثنان أو واحد ونقول : إن تقليل عدد المرشحين ليس ميزة بحد ذاتها, كما أن إلغاء الانتخابات الفرعية سيؤدي إلى تقليل المرشحين لأن الحملة الانتخابية على مستوى الدائرة تحتاج مؤهلات غير موجودة في كثير ممن يشاركون في الانتخابات الفرعية كمرشحين .(1/93)
(6) تفتقد المناطق الخارجية الحياة الانتخابية الصحيحة, فهناك ندرة في المحاضرات والزيارات الانتخابية؛ لأن موقف كثير من الناخبين تم تحديده مسبقا, فالكل سيعطي صوته لمن ينتمي إلى قبيلته حتى لو كان أسوأ المرشحين, ومن يفعل غير هذا يرتكب خيانة لوحدة القبيلة, أما خيانة المبادئ الإسلامية والوحدة الوطنية وصوت العقل والضمير فلا أحد يتكلم عنها !! فما الفائدة إذن من المحاضرات والجولات الانتخابية , إذا كان ليس هناك أهمية لمواصفات المرشح, واغلب المحاضرات في المناطق الخارجية هي نوع من المهرجانات الانتخابية لا المحاضرات العلمية .
(7) تفتقد المناطق الخارجية أو أغلبها فرص زيادة التعارف بين أبنائها, ونشر الوعي الديمقراطي, واللقاءات بين الجيران والأصدقاء والزملاء, وحتى فرص التعرف الدقيق على أفكار وقناعات المرشحين والناخبين,' وحتى المفاتيح الانتخابية عادة ما يكون دورها هامشيا وضعيفا, بعكس الصورة الموجودة في المناطق الداخلية, حيث إن فوائد الانتخابات كبيرة لكل أبناء الدائرة, وهي فرصة لإعادة علاقات قديمة, وبناء علاقات جديدة ولحوار فكري وسياسي كبير .
(8) من يصعد بواسطة السلم القبلي من المتوقع له أن يهتم بخدمة أبناء قبيلته بصورة أكثر من الآخرين, فالنائب في هذه الحالة كأنه ممثل عن أبناء قبيلته لا عن أبناء دائرته والشعب,ولو نظرنا في المعاملات والهموم للنائب لوجدنا كثيرا منها ذا علاقة بأبناء قبيلته.(1/94)
(9) جاء الإسلام حربا على الجاهلية, والتي من أهم أركانها التعصب القبلي, وليس هذا مجال نقاش الموقف الإسلامي من الانتخابات الفرعية, والتعصب القبلي, وما زلنا نطالب بدراسة الانتخابات الفرعية من ناحية شرعية وواقعية, ولو فعلنا ذلك سنجد أنها مرفوضة رفضا تاما فمن أكبر سلبيات الانتخابات الفرعية قبولنا لترك مبادئنا الإسلامية عندما تتعارض مع مصالحنا الوهمية في الانتخابات الفرعية فهل هناك أكبر من هذه الكارثة في حياة الإنسان المسلم ؟ ولو تأملنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنه تمسك بالمبادئ الإسلامية, ولم يتنازل عن جزء قليل منها في سبيل كسب رضا قبيلته قريش, وبهذا التمسك انتصر وعز المسلمون , وتحقق التقدم والقوة والعدل والمحبة .
…نريد أن نتحرك حتى نشاهد آمالنا تتجسد في واقعنا ؛ فالواقع لا يتغير نحو الأحسن إلا إذا غيرناه بأنفسنا, ولنتذكر أن الواقعية لا تعني أبداً اليأس والعزلة والسكوت عن الانحرافات والتخلف وتركها للزمن, فهذا هروب من تحمل المسؤولية , وهو لامبالاة وأنانية, والواجب الشرعي أن نجتهد في العلم والعمل قدر ما نستطيع , والشباب يستطيع عمل الكثير من المعجزات البشرية , فالعقول الواعية والقلوب النظيفة والأيدي النشيطة هي أقوى بكثير من أصنام الجهل , والتعصب والصعوبات ونقول للذين يريدون أن يتحركوا بعد أن يأتي الإصلاح على طبق من ذهب : هذا لن يحدث أبدا فلن نشاهد الإصلاح إذا لم نصنعه نحن, وإنكم كأحد المغتربين العرب الذي قال: لن نعود إلى الوطن العربي إلا إذا كانت هناك حرية وعدل.. الخ فقال له أحدهم: إذا وجد هذا فلا تعودوا لأننا لا نحتاجكم وفي الختام ليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة , فوالله لا خير في مناصب أو أموال أو شهرة مبنية على أسس من المعاصي والانحرافات والشبهات والجهل .
شبهات حول الانتخابات الفرعية(1/95)
قيلت في موضوع الانتخابات الفرعية للقبائل آراء كثيرة ومتناقضة كما يحدث في كثير من القضايا التي نواجهها سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اجتماعية , مما يؤدي إلى ضياع كثير من الحقائق, وعدم الوصول إلى الصواب لأننا لا نناقشها بطريقة علمية صحيحة مع أن كثيرا من أطراف الحوار هم أصحاب شهادات علمية والاستمرار في استخدام الأسلوب نفسه سيعني استمرار كثير من أوضاعنا على تخلفها وضعفها, فمن المستحيل أن نتقدم ونحن هكذا . . وأتمني بعد أن هدأت النفوس والمصالح الوهمية أن نفتح ملف الانتخابات الفرعية ,وسأوضح رأيي من خلال النقاط التالية :
1- قال الدكتور عجيل النشمي : ((فالانتخابات الفرعية إن كانت تصفية حقيقية لأفضل المرشحين الأخيار المشهود لهم جميعا بالدين والخلق والقوة والكفاءة,فهذا الانتخاب الفرعي حسن لا بأس به, فلو أن كل منطقة أو قبيلة أو جماعة أخرجت أخيارا من المرشحين وعرض الأخيار من كل جهة ليتم اختيار أفضلهم هذا أحسن ؟ )) وقال أيضا: (( أما إذا كانت الانتخابات الفرعية يدخلها الصالح والطالح , ويكون مقياس الانتخاب والترشيح , العنصرية أيا كانت ولا يعطى الدين والخلق والكفاءة الأولوية, فإنها انتخابات جائرة غير عادلة , وتمكن أو قد يتمكن من الفوز من ليس أهلا للتوكل عن الناخبين, ويحجب ذو الكفاءة والأهلية, كما أنها تصادر حق عموم الناخبين والمرشحين في مزاولة حقهم دون ضغوط تجميعية أو عنصرية, وتجعل أصواتهم وشهاداتهم غير ذات معنى فتحرمهم من التعبير عن حق من حقوقهم . . فإن كانت الانتخابات الفرعية كذلك وجب منعها شرعا وقانونا )) .(1/96)
ونقول : لو كانت الانتخابات الفرعية للقبائل هي من النوع الأول لأيدناها وقلنا إنها شرعية, ولكن لأننا نعلم أنها قائمة على العنصرية (العصبية) والمصالح الشخصية وسلبياتها كثيرة وذكرناها في مقالات سابقة ولا داعي لتكرارها. فإننا نرى أنها مرفوضة شرعا, ويجب منعها قانونا . فالعصبية مرفوضة شرعا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من دعا إلى عصبية وقال دعوها فإنها منتنة والواقع يثبت أن ما نشاهده في واقعنا هو عصبية جاهلية لا تجمع قبلي خال من التعصب , فكثير من المرشحين والناخبين قالوا سنقف مع من تختاره القبيلة, وهذا يعني أن القبيلة ستؤيد الفائز في انتخاباتها, سواء كان أفضل المرشحين في الدائرة أو أسوأهم وهذا واقع معروف , ودليل واضح جدا على أنها عصبية جاهلية , وباختصار , ما نعرفه من حقائق يجعلنا خياليين جدا إذا توقعنا أن الانتخابات الفرعية الحالية ستلتزم بالضوابط الشرعية .
2- القضية المطروحة للنقاش هي هل الانتخابات الفرعية للقبائل التي نشاهده في واقعنا شرعية أم غير شرعية ؟ وكنا نتمنى أن يقدم المؤيدون للانتخابات الفرعية أدلتهم من القرآن الكريم , والسنة النبوية الشريفة , ومن الواقع, حول شرعيتها وفوائدها, ولكن الأغلبية الساحقة لم تفعل ذلك بل أخذت تتحدث عن أوضاع المناطق الخارجية والانتخابات الفرعية للأحزاب والجماعات , واتهام المعارضين بأنهم "شباب متحمس" أو ((لا يعرفون حقيقة الانتخابات الفرعية للقبائل)) أو أنهم يتكلمون بناء على مصلحة لأنهم من الأقليات القبلية أو الحضر, أو من الفخوذ الصغيرة في القبائل الكبيرة , أو غير ذلك وهذا كله تعكير وتلويث لبيئة الحوار, وهذا أسلوب قد ينجح في عالم السياسة لأنه تهرب من مواجهة الحقيقة, لكنه لا يفيدنا في الوصول إلى الحقائق , ولا علاقة له بالأسلوب العلمي .(1/97)
3- معارضة الانتخابات الفرعية للقبائل لا تعني أبدا أننا ضد قبائلنا.. فنحن مع الانتماء القبلي نريد الخير لقبائلنا, ونريد تحقيق مصالحنا الحقيقية, ونرى أنها جزء من مصلحة الوطن, وقد شكرت قبيلة الرشايدة في مقال منشور قبل عدة سنوات بعنوان (( جزاكم الله خيرا يا قبيلة الرشايدة )) وذلك عندما قامت بأخذ المبادرة بتحديد المهور, وإلغاء العانية فإذا تجمعت قبائلنا على أمر يفيد دينها ودنياها فنحن مع هذه التجمعات, وإذا كان الإسلام يطالبنا بأن ننكر المنكر, ويجعل من هذه الفريضة أحد أساسياته فمن الظلم أن نتهم بأننا ضد قبائلنا إذا رأينا أن معارضة الانتخابات الفرعية هي من النهي عن المنكر .
4- يتهمنا البعض بأننا خياليون ومثاليون عندما نطالب بإلغاء الانتخابات الفرعية فهم مقتنعون بأن التعصب العرقي القبلي وغير القبلي سيبقى موجودا كما كان موجودا من أيام الجاهلية قبل الإسلام ونقول نحن مقتنعون بذلك ولم نتوقع أن يؤدي إلغاء الانتخابات الفرعية إلى القضاء على التعصب العرقي لأن التعصب لا يتم القضاء عليه إلا بزيادة الإيمان وزيادة الوعي السياسي والعقائدي , ونحن نعلم أن الأغلبية الساحقة من كل قبيلة ستؤيد المنتمين لها حتى لو تم إلغاء الانتخابات الفرعية ولكن ما نتوقعه أن تأثير هذا التعصب في الأجواء الانتخابية وفي نتائج الانتخابات سيكون أقل بكثير مما هو عليه الآن لأن الانتخابات الفرعية هي تجميع لقوى هذا التعصب في مكان واحد خلف مرشح أو مرشحين .
فالإصلاح خطوات كثيرة , ومن المستحيل تطبيقه بين يوم وليلة . ولم نقل بأن إلغاء الانتخابات الفرعية سيغير كل النوايا, وسيصلح كل الأوضاع , ولكن إلغاءها هو بالتأكيد خطوة على الطريق الصحيح . . وهناك خطوات كثيرة علمية وسياسية واجتماعية علينا أن نخطوها .(1/98)
5- يقول بعض المرشحين في الانتخابات الفرعية للقبائل : (( إننا لا نمثل قبائلنا فقط بل نمثل كل أبناء الدائرة )) وإن شاء الله أن يكون هذا صحيحا , ولكن, أليس من حقنا كمواطنين عاديين أن نقول إننا نرفض أن تجتمع القبيلة وتختار من تشاء, وتفرض من تختاره على أبناء الدائرة, ثم تقول : إنه أيضا ممثلكم إن أبناء الدائرة ليسوا قاصرين, وليسوا بحاجة إلى وصاية سياسية , ومن حقهم الشرعي والقانوني أن يختاروا أو يساهموا على الأقل باختيار من يمثلهم إننا نعلم أن الأغلبية الساحقة من أبناء الدائرة سواء من القبائل الكبيرة أو الصغيرة أو الحضر لا يعرفون الأغلبية الساحقة من المرشحين في الانتخابات الفرعية لغير قبائلهم, ولا يعرفون تركيب أسمائهم على صورهم , ناهيك عن أفكارهم وآرائهم , ومع هذا يقول المرشح القبلي الناجح في الانتخابات الفرعية أنا لا أمثل قبيلتي فقط بل أمثل كل أبناء الدائرة . . فالقبيلة ترفض أن يمثلها أحد دون انتخابات فرعية, أو تزكية ومع هذا تقول للآخرين اقبلوا أن يمثلكم من نختاره دون انتخابات, ودون تزكية منكم , وهذا من الكيل بمكيالين !
6- قالوا إن الانتخابات الفرعية تتم بمنتهى الديمقراطية فالصندوق هو الذي يحدد الفائز ولا يتم فرض أي مرشح على الناخبين, وتقام أحيانا محاضرات وندوات لبعض المرشحين, ونقول لو أجرى شاربو الخمر في دائرة انتخابية تصفيات ديمقراطية بهدف تجميع أصواتهم والصندوق هو الذي يحدد من الفائز, هل هذا دليل على أن عملهم مشروع وقانوني ؟ !! ما ذكرته هو مثل متطرف لتوضيح الصورة, فنحن نرفض تجمع شاربي الخمر, بناء على أدلة شرعية, ولم ننظر إلى الصندوق, ولم نعتبر عملهم نوعا من الشورى والديمقراطية . . وكذلك الأمر في الانتخابات الفرعية , فهي مرفوضة ما دامت قائمة على التعصب العرقي حتى لو كانت ديمقراطية مائة بالمائة فالنظر إلى الموضوع يجب أن يتم بدراسته من كل جوانبه .(1/99)
7- قالوا إن الانتخابات الفرعية تمنع تشتت أصوات القبيلة, ونقول لماذا نسعى لتوحيد القبيلة, ولا نسعى لتوحيد كل الكويتيين ؟! وهل توحيد القبيلة في صالح اختيار القوى الأمين ؟ ولماذا لا تقف أغلبية القبيلة وراء اختيار القوي الأمين دون انتخابات فرعية ؟ وهل تشتت الأصوات يضر بمصلحة الكويت, أم أن هذا وضع طبيعي يحدث حتى في الدوائر الداخلية, ويفرضه نظام الانتخابات الحالي ؟ وإذا كانت نسبة النواب المتميزين في المناطق الداخلية أعلى وأحد أسباب ذلك غياب الانتخابات الفرعية فيها , فلماذا نتمسك بها في المناطق الخارجية ؟!
…وباختصار تشتت أصوات القبيلة ليس مصيبة بل المصيبة هي تعصب أبناء الدائرة لانتماءاتهم العرقية , حيث يصبح انتماؤنا للعرق الكويتي إما ضعيفا أو غير موجود .(1/100)
8- لا شك أنه يفوز أحيانا في الانتخابات الفرعية أفضل المرشحين , وقد يكون لها إيجابيات أخرى مثل التقليل من المصاريف الانتخابية وتقليل فرص نجاح شراء الأصوات , ولكن عندما ننظر إلى غالبية من ينجح بها وإلى سلبياتها الكثيرة فمن السهل أن نقتنع بأن الواجب الشرعي والوطني يفرض علينا المطالبة بمنعها, ولا يوجد شيء كله شر إلا النار, ولا يوجد شيء كله خير إلا الجنة , فحتى الخمر فيها فوائد للبعض كالفلاحين والتجار وغيرهم , ولكن سلبياتها أكثر . قال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) 219 سورة البقرة ولأن سلبياتها أكبر من إيجابياتها فهي محرمة, وكذلك الأمر في الانتخابات الفرعية ويمكننا أن نلغيها ونحتفظ ببعض إيجابياتها, كأن يشترك مرشحو القبيلة في مقر انتخابي واحد للتقليل من المصاريف . . وهناك طرق كثيرة لمحاربة شراء الأصوات ,وتبقى شبهة كبيرة ما زالت بحاجة إلى تسليط الأضواء عليها, وهي شبهة تشابه الانتخابات الفرعية للقبائل بالانتخابات الفرعية للأحزاب , وهذه سنناقشها في المقال المقبل بإذن الله .
القبائل ليست أحزابا
قلت في مقال سابق إن الانتخابات الفرعية للقبائل تختلف عن الانتخابات الفرعية للأحزاب, وطالبت من ليس مقتنعا بذلك بأن يبحث عن الحقائق ثم يتكلم , ولكن كما هي العادة في واقعنا المحلي والعربي والإسلامي نستمر في الكلام والكتابة دون أن نبحث عن الحقائق واختلاف القبائل عن الأحزاب قضية أساسية يجب أن تكون واضحة لمن يعملون في المجال الفكري والسياسي, وإليكم الأدلة .(1/101)
*1- تحويل الرابطة العرقية لقبيلة أو شعب أو أمة إلى تجمع سياسي أو فكري له مصالحه وفلسفته ونظامه, هو كارثة, لأنه تمزيق للأمة وللشعب, وهو طريق العنصرية والغرور والأنانية والمصالح الشخصية والاستبداد والتفرق والضعف , لأن التزام هذه التجمعات بالضوابط الإسلامية هو نوع من التفاؤل غير المدعوم بحقائق واقعية . . والحقائق خلال الثلاثين سنة الماضية في واقعنا المحلى والعربي تثبت ذلك والغريب أن الإسلاميين يرفضون التجمع القومي ولكنهم لا يرفضون التجمع القبلي مع أن كليهما رابطة عرقية وباختصار شديد, نحن عرب وكويتيون وقبليون ونبحث عن مصالح أمتنا وشعبنا وقبيلتنا لكن ذلك يجب أن يتم من خلال مبادئنا الإسلامية والتزامنا الواضح بشريعتنا ومن شريعتنا أن التعصب للرابطة العرقية هو جاهلية منتنة, ولا شك أن المتأمل في واقع العالم الإسلامي من شرقه إلى غربة , ومن شماله إلى جنوبه يعلم أن جزءا أساسيا من تخلفنا يرجع لوجود التعصب العرقي فالأفغان تمزقوا عرقيا, وكذلك الصوماليون , وأضر التعصب العرقي كثير من شعوبنا وأمتنا العربية .(1/102)
وأهل التعصب العرقي لهم صفات لعل من أهمها تصنيف الناس بناء على انتماءاتهم العرقية, لا عقائدهم وأخلاقهم , وكذلك الكيل بمكيالين في قضايا العدل, فانحرافاتهم (( قليلة وصغيرة )) وانحرافات الآخرين (( كثيرة وكبيرة )) ويمارسون الغيبة العرقية , ويبالغون في الاعتزاز بتاريخهم , ويتناسون الصفحات السوداء منه , ويشعرون دائما أن من حقهم أن يكونوا متميزين , ويطالبون بأن تعطى المناصب لمن ينتمي إلى عرقهم , ويبالغون في كثرتهم وقوتهم . . ومهما نالوا من حقوق بل وامتيازات فإنهم مقتنعون بأنهم يستحقون أكثر , ويقرأون الأحداث في الغالب من خلال النظارة العرقية , وولاؤهم الأقوى لعائلة أو قبيلة أو منطقة أو شعب أو أمة , وإيمانهم ضعيف أو غير موجود ويرفضون أي نقد لانحرافاتهم خارج دوائرهم العرقية, ويؤمنون بأن مصالحهم تختلف عن مصالح الآخرين من أبناء وطنهم وأمتهم .. وتكاد تقتصر علاقاتهم الشخصية على دوائرهم العرقية ونشاطهم خارج هذه الدوائر ضعيف هذه هي فلسفتهم ومبادئهم , وهي تناقض كليا مبادئنا الإسلامية .
*2- نستطيع بناء على هذا أن نقول : كلما ابتعدنا عن التجمع على أساس عرقي حققنا خطوات رئيسة في تطورنا الفكري والسياسي والتزمنا أكثر بمبادئنا الإسلامية التي تدعونا لتقسيم الناس بناء على عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم وإخلاصهم , لا على أساس انتماءاتهم العرقية وإيجاد أحزاب سياسية إسلامية هو عملية ضرورية لترشيد الاختلاف السياسي بين المسلمين , ودونه يصبح العمل السياسي للمسلمين فرديا وضعيفا وعاطفيا ومتفرقا, لان الحزب هو نوع من العمل الجماعي العقلاني المنظم ,وقد أدرك الغرب الفوائد الكبيرة للعمل الحزبي وعندما نأخذ من الغرب الصحيح من أفكاره ونظمه فهذا ليس تقليدا أعمى بل هو من الحكمة التي يبحث عنها المؤمنون, والأحزاب جزء أساسي من بناء الشورى , فمن الصعب مشاورة جميع المسلمين بصورة فردية , ولكن من السهل تجميعهم في أحزاب سياسية .(1/103)
*3- فوائد العمل الحزبي في الغرب والدول الإسلامية التي طبقته بصورة صحيحة, كثيرة لعل أهمها استقرار الأوضاع السياسية . ووجود أساليب قانونية وسياسية لحسم الاختلافات , وإلغاء أو إضعاف النزعات الاستبدادية, وإبعاد العسكريين عن السلطة السياسية , واختيار الشعب للحكومة والحفاظ على حقوق الإنسان, ووجود حرية رأي حقيقية في الصحافة وغيرها , والابتعاد عن التطرف في العقائد والبرامج والأفكار , ويتم التنافس بناء على اختلاف البرامج الانتخابية المدعومة بدراسات وأرقام هذه الفوائد وغيرها تجعلنا نقتنع بأن العمل الحزبي هو أحد الأعمدة المطلوبة لتحقيق النجاح السياسي للدول, وتجعلنا نسأل ما هي إيجابيات العمل العرقي السياسي؟ ومن هي الدول التي أخذت به فنجحت ؟(1/104)
*4- الاختلافات بين التجمع القبلي والتجمع الحزبي كثيرة , وإجراء انتخابات فرعية في كليهما لا يعني تشابههما لأن الاختلاف بينهما هو القاعدة, فالأحزاب مبنية على اختلاف الاجتهادات السياسية والعقول في حين أن التجمعات القبلية مبنية على الاختلافات العرقية, والأحزاب فعالة وقوية في الدولة الغربية المتقدمة سياسيا, والتجمعات العرقية السياسية ليست شرعية في هذه الدول أما التجمعات العرقية فهي فعالة وقوية في الدول المتخلفة لأنها أحد أسباب تخلفها والأحزاب لها برامج مكتوبة, وقيادات منتخبة, وأنشطة مستمرة, واجتماعات وميزانية وصحف, والقبائل ليست كذلك, وهدف الأحزاب المعلن مصلحة الوطن, وهدف القبائل المعلن مصلحة القبيلة, والناجح في الانتخابات الفرعية للأحزاب يمثل أفكار حزبه, والناجح في الانتخابات الفرعية للقبائل يمثل أفكاره الشخصية, والتنقل من حزب إلى أخر مسموح في حين أن هذا ممنوع عند القبائل, والانتماء إلى الأحزاب اختياري , والانتماء إلى القبائل إجباري, والأحزاب تموت وتنشأ أحزاب جديدة,والقبائل ليست كذلك, والتحالف بين حزبين هو في كل الدوائر وليست كذلك التحالفات القبلية, والعمل الحزبي يشجع الاعتدال والعمل القبلي يشجع التعصب, ونواب الحزب لهم المواقف نفسها في المجالس النيابية, ونواب القبيلة تتناقض مواقفهم, وقوة الحزب السياسية قد تكبر لدرجة كبيرة, وقوة القبيلة تبقى محدودة لوجود قبائل وأعراق أخرى, ونقد الأحزاب عملية طبيعية وصحية ونقد مرشحي ونواب القبائل عملية مرفوضة وكل مواطن له انتماء عرقي ولكن ليس لكل مواطن انتماء حزبي وتعمل الأحزاب في نشاطات مختلفة وبصفة دائمة في حين أن نشاط القبيلة يقتصر على الانتخابات بل يكاد يقتصر فقط على التصويت, أي : هو نشاط موسمي بسيط يخضع لبعض الأعراف القبلية الجاهلية, وهي أعراف لا تناسب حياة المدن وتطور الأنظمة السياسية فالذي يريد أن يعيش بعقلية قبلية في القرن العشرين هو كمن(1/105)
يريد أن يركب جملا ويسير عكس السير على الطريق السريع في مدينة عصرية فالتكتل بناء على الانتماء القبلي لا يصلح للحياة السياسية الحديثة فلا بد من الاندماج في المجتمع ومؤسساته الاجتماعية وقواه السياسية ولا نقصد بالاندماج هو الدخول في مؤسسات المجتمع بعقلية قبلية كما حصل في بعض النقابات والجمعيات فأضعفها .
هذه الاختلافات وغيرها تجعلنا نقول: (( إن التجمع القبلي يختلف كثيرا عن التجمع الحزبي, والمتأمل في هذه الاختلافات ونتائجها سوف يقتنع بأن التجمع الحزبي مفيد, ويجب أن نشجعه , وأن التجمع القبلي السياسي مضر وعلينا أن نرفضه )) .(1/106)
*5- قد يقول قائل : إن التجمعات الفكرية والسياسية في الكويت تجري انتخابات فرعية, ونقول: هذه أحزاب غير معلنة, أو غير مكتملة, فقد لا يكون لها برنامج انتخابي مكتوب ولكننا نعرف الخطوط العريضة لها من خلال مجلاتها وكتبها وأقوال قيادييها, وهذه التجمعات مفيدة إذا كانت ملتزمة بالإسلام وتحكمه في كل أمورها, ومن حقها أن تعمل انتخابات فرعية, وانتخاباتها مثل الانتخابات الفرعية للأحزاب الغربية, وتجميع صفوفها, وتقليل مرشحيها شيء منطقي, وصحيح وشرعي لأن مرشحيها يسعون لتنفيذ البرنامج نفسه واتخاذ المواقف نفسها, فلماذا يتنافسون فيما بينهم في الانتخابات الرئيسة؟! ولكن لاشك أن من واجبها أن تختار في انتخاباتها الفرعية أفضل المرشحين كما أن من واجبها الشرعي أن تساند وتدعم أفضل المرشحين في الدوائر الانتخابية حتى لو لم يكونوا ينتمون إليها . . فالتعصب الحزبي مرفوض ومقياس المفاضلة هو الأمانة والخبرة والعلم والذكاء والأخلاق ومن واجبها أن تسحب مرشحيها إذا كان وجودهم سيؤدي إلى خسارة أفضل المرشحين وإذا كانت بعض أو أغلب الأحزاب لا تفعل ذلك فهذا راجع لضعف إيمانها أو جهلها أو غبائها, ووجود هذه الانحرافات الحزبية لا يعني أن نرفض الأحزاب, بل واجبنا أن نضع الضوابط التي تصلحها وإذا كانت هناك تجارب فاشلة للنظام الحزبي في بعض الدول العربية فالخطأ ليس في النظام بل في تطبيقه ولماذا لا نرى النماذج الناجحة له في الغرب ؟ والنظام الحزبي الذي ندعو له لا يسمح بوجود أحزاب علمانية أو رأسمالية أو شيوعية أو عرقية , ولا يمنع من وجود أجهزة رقابية تمنع انحراف هذه الأحزاب وغياب الأحزاب أدى إلى فوضى تنظيمية, حيث أصبح أهل الفكر يمارسون السياسة, وأهل السياسة مفكرين ! وهذا أدى إلى دمار فكري وسياسي ودون وجود أحزاب إسلامية سيبقى الوضع السياسي للمسلمين متخلفاً وفوضوياً وعاطفياً وضعيفاً لا يؤثر في الأحداث, ويفتقر القدرة حتى على الشجب(1/107)
والاستنكار.
الاتجاه الإسلامي والانتخابات الفرعية
من عرف الانتخابات الفرعية يعرف أنها مبنية على التعصب العرقي, وأنها ضد مبادئ الإسلام ومصلحة الوطن, وموقف أغلب الإسلاميين من الانتخابات الفرعية هو الحياد وبعضهم المشاركة والتأييد , وقلة هم الرافضون لها, وهذا غالبا ما يرجع إلى سببين : إما أنهم يجهلون بعض مبادئ الإسلام الرئيسة كموقفه من التعصب القبلي, أو أنهم يجهلون أسباب ونتائج الانتخابات الفرعية ولن أتطرق إلى بيان موقف الإسلام من التعصب العرقي سواء كان قبليا أم وطنيا أم قوميا, أو إلى واقع الانتخابات الفرعية وسلبياتها, فهذا حديث يحتاج إلى مقالات كثيرة ولكن سأتطرق إلى اقتناعات خاطئة عند بعض بل كثير من الإسلاميين في تعاملهم مع قضايا الإصلاح, لأن لديهم مبرارت يقدمونها لتخاذلهم وقبولهم للتعايش مع الانحرافات , سواء كانت عقائدية أم سياسية أم اجتماعية, فلا ينكرون المنكر, ولا يأمرون بالمعروف, وإن فعلوا ذلك فبصوت خافت, وعلى استحياء فموقفهم من الجنسية الثانية وإنصاف العمالة الوافدة, والمتاجرة بالإقامات, والانتخابات الفرعية أدلة واضحة تثبت ما نقول فهم في الغالب لا يأخذون المبادرة في التغيير , ولكن إذا جاء قطار التغيير وفرضته ظروف معينة أو غيرها فلا مانع من ركوبه أما صناعة هذا القطار وقيادته, فهي عملية متعبة ومرهقة وليسوا على استعداد لدفع ثمنها, ونحن لا نطالب هؤلاء بما لا يطيقون, ونعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها, ولكننا نرفض أن يقبل الإسلاميون التعايش مع الانحراف بحجة أن هذه عادات قبلية صعبة إزالتها, أو أن هذا الموقف سيخسرنا أصواتا انتخابية أو له تكلفة مادية فلا يوجد إصلاح دون ثمن, ودون أعداء والواقعية والحكمة لا يعنيان البحث عن إصلاحات دون ثمن وتضحية, وإذا لم نكن- كإسلاميين- قادرين على اتخاذ مواقف قوية وصريحة من هذه الانحرافات فلن نقدر على إصلاح انحرافات أكبر وإصلاح الانحرافات التي في(1/108)
الدائرة الشعبية جزء أساسي من تطبيق الشريعة الإسلامية, بل هو الجزء الأكبر, فإذا قال المرشحون الإسلاميون لا للانتخابات الفرعية فإن أحد أصنام التعصب القبلي سيتحطم, فما الصعوبة في أن يقولوا: لا, وإذا كان لهذا الرفض ثمن فليكن ذلك وإذا وجدنا لأنفسنا العذر لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع فلنجد العذر إلى كل حكومة تقول إنها ليست قادرة على تطبيق الشريعة في أمر ما لأن عليها ضغوطا أولها مصالح ولو كان الإسلاميون مضطرين للمشاركة في الانتخابات الفرعية لعذرناهم, ولكنهم ليسوا مضطرين, فبإمكانهم أن يقولوا لا, فالاضطرار له شروط وظروف فيجوز شرعا أو حتى يجب أن نشارك في انتخابات نيابية حتى لو كانت في دولة علمانية, ولكن تحمل التلوث يختلف عن المشاركة في انتخابات فرعية ملوثة كلها . . فما الذي نريد إصلاحه فيها ؟ وإذا فتحنا هذا الباب على مصراعيه فكثير من الأشياء جائزة : فمن الجائز أن ننافق للظالمين ونتعامل بالربا, ونسكت عن كثير من الانحرافات في أسرنا وشعوبنا وأمتنا ونبرر ذلك بأننا مضطرون حتى لا يزعل هذا أو نخسر تلك المصلحة أو نفقد صديقا فالإصلاح له ثمن, فإذا لم يكن هناك ثمن يدفع فنحن بالتأكيد لا نسير في طريق الإصلاح ونحن نعلم أن الضرورات تبيح المحظورات , ولكن نفهم الضرورات على أنها إباحة لحم الخنزير خوفا من الموت جوعا, أما أن نعتبر الحرص على النجاح بالانتخابات بأية وسيلة, من الضرورات , فهذا أمر مرفوض , خاصة أن هناك إسلاميين نجحوا في مناطق خارجية دون انتخابات فرعية إن التساهل في هذه الأمور وغيرها جعل بعض الإسلاميين لا يختلفون عن أهل المصالح والمبادئ الأخرى لا في مواقفهم ولا في أعمالهم ولا أقوالهم وجعل البعض يتهمهم بالدجل لأنهم يرونهم ينحرفون عن بديهيات إسلامية , ونقول لهؤلاء الإسلاميين تمسكوا بمبادئكم, وعضوا عليها بالنواجذ , ولا تخدعكم عقولكم المجردة فنجاحكم هو في تمسككم بمبادئكم .(1/109)
وباختصار القول إن الانتخابات الفرعية خطأ وانحراف وتعصب, ثم المشاركة فيها ومباركتها خطأ يجب أن نضع له حدا, فالغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام, والمسلم ليس مجبرا على المشاركة بالانتخابات الفرعية, فإمكانه أن يرفضها , وأضعف الإيمان أن لا يرشح نفسه, وفي الختام نعطي الجماعات الإسلامية وكل الإسلاميين أشهر الصيف لدراسة الانتخابات الفرعية , وموقف الإسلام منها, خاصة أن انتخابات مجلس الأمة المقبل أصبحت قريبة, ونتمنى الحصول على إجابات واضحة ومحددة مدعومة بأدلة شرعية وواقعية صحيحة فلا وقت لاجتهادات خاطئة, ولنتذكر أن الآراء والمواقف إذا جاءت دون دراسة وفقه وعلم فلا تعتبر اجتهادات بل جريمة في حق الإسلام والوطن .
كتب للمؤلف
1- الطريق إلى الوحدة الشعبية "دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي" .
2- الطريق إلى السعادة .
3- إصلاح الشعوب أولاً .
4- لا للتعصب العرقي .
5- عجز العقل العلماني .
6- الكويت الجديدة .
7- العلمانية في ميزان العقل .
8- العلمانية تحارب الإسلام .
9- تطوير البحث العلمي الخليجي "تحت الأعداد" .
1 ) ص20، ص21 مقال التفرقة العنصرية بين النظرية والتطبيق الدكتور فؤاد محمد الصقار مجلة العربي العدد 185 نيسان 1974 .
2 ) ص45 كتاب العصبية- بنية المجتمع العربي- الأستاذ عبد العزيز قباني .
3 ) ص40 المصدر السابق .
4 ) ص52، ص55- المصدر السابق .
5 ) ص115 كتاب الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
6 ) ص112، المصدر السابق .
7 ) ص115، المصدر السابق .
8 ) ص115 المصدر السابق .
9 ) ص38 القومية العربية والإسلام- مركز دراسات الوحدة العربية .
10 ) ص20، ص23 المصدر السابق .
11 ) ص47 الإسلام والعروبة دكتور محمد عمارة .
12 ) ص215، ص179 كتاب كفاحي- أدوله هتلر .
13 ) ص215، ص179 كتاب كفاحي- أدوله هتلر .
14 ) ص21 العنصرية والأعراف د. ممدوح حقي .(1/110)
15 ) ص العصبية- بنية المجتمع العربي الأستاذ عبد العزيز قباني
16 ) ص8 كتاب كفاحي- أدولف هتلر
17 ) ص العصبية- بنية المجتمع العربي الأستاذ عبدالعزيز قباني .
18 ) ص190 المصدر السابق .
19 ) ص81 المصدر السابق .
20 ) ص78 المصدر السابق .
21 ) ص242 كتاب كفاحي- أدولف هتلر .
22 ) ص74 العصبية- بنية المجتمع العربي الأستاذ عبدالعزيز قباني .
23 ) ص73 المصدر السابق .
24 ) ص122 أول العروبة تخلي الأكثرية وتولي الأقلية- الأستاذ حازم صاغية .
25 ) ص91 العصبية- بنية المجتمع العربي- الأستاذ عبدالعزيز قباني .
26 ) ص76 ص77 المصدر السابق .
27 ) ص76 ص77 المصدر السابق .
28 ) ص49 المصدر السابق .
29 ) ص162 ص163 ص166 كتاب كفاحي "أدولف هتلر" .
30 ) ص9، ص10، ص11، ص12، ص13 العنصرية والأعراق د. ممدوح حقي .
31 ) ص23 الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
32 ) ص75 ص86 العنصرية والأعراق د. ممدوح حقي .
33 ) ص98، ص116 المصدر السابق .
34 ) ص73 المصدر السابق .
35 ) ص22- التفرقة العنصرية بين النظرية والتطبيق. فؤاد محمد الصقار- مجلة العربي العدد 185 نيسان سنة 1974 .
36 ) ص18، ص20، ص21- كتاب الإسلام والتمييز العنصري الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
37 ) ص13 ص14 ص16 كتاب العنصرية والأعراق- د. ممدوح حقي .
38 ) ص25-26 كتاب الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
39 ) ص149 كتاب محنة الأقليات الإسلامية والواجب نحوها د. صابر طعيمة .
40 ) ص22 د. فؤاد محمد الصقار- مجلة العربي العدد 185 نيسان 1974 .
41 ) ص107، ص89، ص90 مقدمة ابن خلدون- عبد الرحمن بن خلدون .
42 ) ص27 كتاب الإسلام والتمييز العنصري الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
43 ) مجلة العرب- السنة الثالثة- ربيع الأول 1389- الأستاذ حمد الجاسر .
44 ) راجع كتاب الألف سنة الغامضة من تاريخ نجد الأستاذ عبد الرحمن بن زيد السويداء .(1/111)
45 ) ص203 كتاب المجد في تاريخ نجد- عثمان بن بشر النجدي الحنبلي .
46 ) ص90 كتاب مقدمة ابن خلدون- عبد الرحمن بن خلدون .
47 ) ص94 المصدر السابق .
48 ) ص118- كتاب الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
49 ) ص116 المصدر السابق .
50 ) ص117 المصدر السابق .
51 ) رواه ابن ماجة وابن حنبل .
52 ) ص115 الإسلام والتمييز العنصري- صلاح الدين الأيوبي .
53 ) ص140 جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام د. محمد عمارة .
54 ) ص15 مقال أزمة الملونين مجلة العربي- عدد 115 يونيو 1986 .
55 ) ص335 صحيح القصص النبوي- د. عمر الأشقر
56 ) ص335 صحيح القصص النبوي- د. عمر الأشقر .
57 ) ص368 من كتاب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين. الشيخ محمد جمال الدين القاسمي .
58 ) ص331 صحيح القصص النبوي- د. عمر الأشقر .
59 ) أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف أو غيره
60 ) حديث رقم 1811 مختصر صحيح مسلم للألباني
61 ) ص 106 الإسلام والعروبة - د محمد عمارة
62 ) ص 1118 الإسلام والتمييز العنصري - صلاح الدين الأيوبي
3) حديث رقم 98 من مختصر صحيح مسلم للألباني
3) ص 167 الإسلام والتمييز العنصري - صلاح الدين الأيوبي
651- ص 51 - ج1 كتاب نوادر في التاريخ - للأستاذ صالح محمد الزمام
66 ) ص 120 المصدر السابق
67 ) ص120 المصدر السابق .
68 ) ص120 المصدر السابق .
69 ) ص122 المصدر السابق .
70 ) ص124 المصدر السابق .
71 ) ص78 كتاب عمر بن عبد العزيز- الأستاذ خالد البيطار .
72 ) ص158 ص156 كتاب زياد بن أبيه الأستاذ علي نعيم جفال .
73 ) نهاة: مانعون، الغواة: الضالون، دلج الليل: السير فيه للتلصص، غارة النهار: غزوته، القرابة: قرابة الدم، تغضون على المختلس: تسكتون عن السارق، يذب: يدافع، سفيهه: جاهله، صنيع: عمل، معاداً: رجوعاً إلى الله في اليوم الآخر، الحلماء: العقلاء، وضدها السفهاء، قيامكم دونهم: حمايتكم لهم .(1/112)
74 ) ص20 التفرقة العنصرية بين النظرية والتطبيق د. فؤاد محمد الصقار- مجلة العربي: العدد 185 أبريل 1974 .
75 ) ص59 دفاع عن الزنوج الأستاذ أحمد محمد عطية .
76 ) ص12- ص15، ص17 المصدر السابق .
77 ) ص100 دكتور ليفين- مجلة العربي- العدد 109 ديسمبر 1967 .
78 ) مجلة العربي- العدد 97 سبتمبر 1966 .
79 ) ص16 ص17 أزمة الملونين الأستاذ أحمد زكي- مجلة العربي عدد 115 يونيو 1968 .
80 ) ص42 ص45 ص46 الإسلام والتمييز العنصري- صلاح الدين الأيوبي .
81 ) ص22 التفرقة العنصرية بين النظرية والتطبيق د. فؤاد الصقار. مجلة العربي عدد 185 أبريل 1974 .
82 ) مجلة العربي- عدد 57 أغسطس 1963 .
83 ) ص17 الأستاذ أحمد زكي مجلة العربي- عدد 118 سبتمبر 1968 .
84 ) ص62، ص70 دفاع عن الزنوج- الأستاذ أحمد محمد عطية .
85 ) ص207- ص284- سيرة ذاتية- ملكوم اكس .
86 ) ص137 ص186 المصدر السابق .
87 ) ص79- الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
88 ) أحد أعداد مجلة العربي في الستينات .
89 ) ص108 أفريقيا الجنوبية الغربية- مستعمرة التفرقة العنصرية- روث فيرست ترجمة عبد السلام شحاته .
90 ) ص74 دفاع عن الزنوج- الأستاذ أحمد محمد عطية .
91 ) ص68- ص79 كتاب المهاتما غاندي- دار الشرق العربي .
92 ) ص137 جمال الدين الأفغاني- موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام- د. محمد عمارة .
93 ) ص137 ص138- ص143 حوار لا مواجهة- أحمد كمال أبو المجد .
94 ) ص527 ص565 القومية العربية والإسلام- مركز دراسات الوحدة العربية .
95 ) ص525 القومية العربية والإسلامية- مركز دراسات الوحدة العربية .
96 ) ص 53 أول العروبة- تخلي الأكثرية وتولى الأقلية - الأستاذ حازم صاغية
97 ) ص 215 كتاب القومية العربية والإسلام - مركز دراسات الوحدة العربية
98 ) ص 438 شقة الحرية الدكتور غازي القصيبي
99 ) ص 107 كتاب أول العروبة " تخلي الأكثرية وتولى الأقلية" الأستاذ حازم صاغية(1/113)
100 ) ص 88 كتاب أول العروبة " نخلي الأكثرية وتولى الأقلية" الأستاذ حازم صاغية
101 ) ص 110 مقدمة ابن خلدون
102 ) ص 144 مقدمة ابن خلدون
103 ) الأستاذ سعد البزاز القبس 21/8/1997
104 ) ص 139 جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام. محمد عمارة
105 ) ص 138 كتاب حوار لا مواجهة . د . أحمد كمال أبو المجد
106 ) ص28 الإسلام والتمييز العنصري- الأستاذ صلاح الدين الأيوبي .
1- ص116 موسم الهجرة إلى الشمال - الأستاذ الطيب الصالح .
2- حديث رقم 1022 ص 2 الجزء الثالث - سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني .
1- تطرقت في كتاب ( إصلاح الشعوب أولا) لعملية الإصلاح الشعبي .
??
??
??
??
(13)(1/114)