كيف تكون مُستجاب الدعاء
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان -اليمن -عمران
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله مُجيب الدعوات وكاشف الكربات، أحمده سبحانه وتعالى الموجب على عباده الشكر في السراء والضراء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من تضرّع إلى الله في الشدة والرخاء، وأَرشد أُمته إلى الإلحاح في الدعاء، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد
إن المتأمل في أحوالنا ليجد أننا في أمسّ الحاجة إلى معرفة أهمية الدعاء وأسباب استجابة الدعاء وكيف نجعل دعواتنا مستجابة.
كم رأينا ولا زلنا نرى كثيراً من المسلمين يتدافعون على أبواب الناس ويزدحمون عليها ، غافلين أو متغافلين عن باب ذي الجلال والإكرام ، منصرفين عن باب الجواد الكريم سبحانه، وصدق الله القائل (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)
تعلمنا فن سؤال المخلوقين وما تعلمنا فن سؤال ملك الملوك
طرقنا أبواب المشعوذين والمنجمين ونسينا أوسع الابواب
مللنا من سؤال العزيز وما مللنا من سؤال البشر الإذلاّء
ألم يأن لنا جميعاً أن نمُد أيديناإلى مالك الملك ، وإلى مَنْ بيده ملكوت كلّ شيء ، وهو يُجير ولا يُجار عليه ؟
ونقول :-
يا أمان الخائفين سبحانك ما أحلمك على من عصاك وما أقربك ممن دعاك وما أعطفك على من سألك وما أرافك بمن أملك، من الذي سألك فحرمته، ومن الذي فر إليك فطردته أو لجأ إليك فأسلمته ، أنت ملاذنا ومنجانا فلا نعول إلا عليك ولا نفر من خلقك ومنك إلا إليك يا أمان الخائفين .
فلمإذا البخل على أنفسنا ؟
إلى متى العجز والكسل ؟
إن ما بيننا وبين السماء السابعة سوى مسافة دعوة مظلوم .
وما بيننا وبين باب ذي المنن سوى قَرْعِهِ وإدامة ذلك .(1/1)
إنَ أهمية الدعاء لتزداد أهمية خاصَة في ِظل الهجمة الشرِسة على الاسلام والمسلمين ، لذلك كانت هذه الرسالة المتواضعة التي حاولت فيها أن يخرج القارئ الكريم بمعرفة وافية شافية عن الدعاء وشروطه آدابه وأحواله وموانع إجابته .
وقد جعلتها خمسة فصول ....
الفصل الاول وفيه ..
1-الدعاء وحقيقته 2- السلاح العجيب 3- عجباً من أربعة
4- الدعاء والبلاء
والفصل الثاني وفيه ...
1- شروط إجابة الدعاء 2- إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة 3- أخطاء الدعاء ومكروهاته
والفصل الثالث وفيه ...
1- موانع إجابة الدعاء 2- مساكين من دعوا غير الله 3- دعاء هز السماء 4- بعض الدعوات المستجابات
والفصل الرابع وفيه..
1- حاجة الأمة إلى الدعاء 2- دعوتن مستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم 3-نماذج لإجابة الدعاء 4- تعرف على الله في الرخاء
والفصل الخامس وفيه ...
1- الأماكن الفاضلة للدعاء 2- أوقات يكون الدعاء فيها أقرب 3- الدعاء من القرآن 4- الدعاء من السنة 5- المختصر المفيد في شرح أسماء العزيز الحميد ختاماً
و أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبل ذلك عنده بقبولٍ حسن، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما عَلَّمتنا، وزِدنا عِلمًا، إنك على كل شيءٍ قدير، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – عمران – اليمن
Almadari_1@hotmail.com
الفصل الأول
1-الدعاء وحقيقته
2- السلاح العجيب
3- عجباً من أربعة(1/2)
4- الدعاء والبلاء
1-الدعاء وحقيقته
إن الدُعاءُ أكرم شيء على الله، شرعه الله لحصول الخير ودفع الشر، فالدعاءُ سببٌ عظيم للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفع المكروهات والشرورِ والكربات، والدعاءُ من القدَر ومن الأسبابِ النافعة الجالبة لكلِّ خير والدافعة لكل شرّ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء )(1)
وقد أمر الله عز وجلّ عبادَه بالدعاء في آياتٍ كثيرة من القرآن، قال الله تعالى: ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)) (2)
وقال تعالى: ((وَإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))(3).
أية رقة وأي عطف، وأية شفافية وأي إيناس فوق هذا، ألفاظ رقيقة شفافة تنير، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة والود المؤنس والرضا المطمئن والثقة واليقين، يعيش منها المؤمن في جناب رضا وملاذ أمين وقرار مكين وهو يدعو ملك الملوك الذي لا مثل له ولا نظير، ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفي، قال تعالى:
((فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ))(4).
ولو لم يكن في فضله إلا هذه الآية لكفي ((قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ)) (5).
وحقيقةُ الدعاءِ تعظيمُ الرغبةِ إلى الله تعالى في قضاءِ الحاجاتِ الدنيوية والأخروية، وكشفِ الكربات، ودفعِ الشرور والمكروهات الدنيويّة والأخروية.
__________
(1) - رواه احمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والحاكم عن أبي هريرة
(2) - غافر:60
(3) - البقرة:186.
(4) - الأنعام:43
(5) - الفرقان:77(1/3)
والدعاءُ تتحقَّق به عبادةُ ربِّ العالمين؛ لأنَّه يتضمَّن تعلّقَ القلب بالله تعالى، والإخلاصَ له، وعدمَ الالتفات إلى غير الله عز وجل في جلبِ النفع ودفع الضرّ، ويتضمَّن الدعاءُ اليقينَ بأنّ الله قدير لا يُعجزه شيء، عليم لا يخفي عليه شيء، رحمن رحيم، حيّ قيّوم، جواد كريم، محسِن ذو المعروف الذي لا ينقطع أبداً، لا يُحَدُّ جودُه وكرمه، ولا ينتهي إحسانُه ومعروفه، ولا تنفد خزائن بركاته. فلأجلِ هذه الصفات العظيمة وغيرِها يُرجى ربُّنا ويُدعى، ويسأله من في السموات والأرض حاجاتِهم باختلاف لغاتِهم.
يقول مطرّف بن الشخير (تذكرت جماع الخير فإذا الخير كثير :الصوم والصلاة ،وإذا هو في يد الله وإذا أنت لم تقدر على ما في يد الله عز وجل إلا أن تسأله فيعطيك فإذا جماع الخير :الدعاء )(1)
فما أعظمَ شأنَ الدعاء، وما أجلَّ آثارَه، ولهذا جاء في فضل الدعاء ما رواه أبو داود والترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الدعاءُ هو العبادة))(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء))(3)
إن الدعاء من أعظم العبادات, فيه يتجلى الإخلاص والخشوع, ويظهر صدق الإيمان, وتتمحّص القلوب, وهو المقياس الحقيقي للتوحيد, ففي كلامٍ لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: إذا أردت أن تعرف صدق توحيدك فانظر في دعائك.
الدعاء إستعانة من عاجزٍ ضعيف بقويٍ قادر، واستغاثة من ملهوف برب قادر، وتوجه ورجاءٌ إلى مصرِّفِ الكون ومدبِّر الأمر، لِيُزيلَ عِلَّة، أو يَرْفَعَ مِحْنَة، أو يَكْشِفَ كُرْبَة، أو يُحَقِّقَ رجاءً أو رَغْبَة...قائلاً
__________
(1) - الزهد ص (295)- أحمد بن حنبل
(2) - قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1312)
(3) - رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3087)(1/4)
يا أمان الخائفين سبحانك ما أحلمك على من عصاك وما أقربك ممن دعاك وما أعطفك على من سألك وما أرأفك بمن أمَلك، من الذي سألك فحرمته، ومن الذي فر إليك فطردته أو لجأ إليك فأسلمته ، أنت ملاذنا ومنجينا فلا نُعوّل إلا عليك ولا نفرّ من خلقك ومنك إلا إليك يا أمان الخائفين.
المؤمن حين يستنفذ الأسبابَ في عملٍ مشروع، ويستعصي عليه الأمرُ، والأسبابُ لا تُوصِلُهُ إلى ما يسْعَى من أجْلِهِ، ينقلُ الأمر كلَّهُ منْ قدُراتِهِ هو إلى قدرة الله، ويفزَعُ إلى الله تعالى واهبِ الأسباب ويقولُ: يا رب، ويدعو... فالأسباب إذا تخلَّتْ فلن يتخلى عنه الله... فهو سبحانه يجيب دعوة المضطرين...
الدعاء به تُفرّجُ الشِّدّائد ، وتُنفّسُ الكُرب فكم سمعنا عمن أُغلقت في وجهه الأبواب ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ثم طَرَقَ باب مسبب الأسباب ، وألحّ على الله في الدعاء ، ورفع إليه الشكوى ، وبكى فَفُتِحَتْ له الأبواب ، وانفرج ما به من شِدّة وضيق.
ألم تسمع قصة أولئك الثلاثة الذين دخلوا غاراً فأغْلَقَتْ عليهم الباب صخرةٌ عظيمة ، فما كان منهم إلا أن دعوا الله بصالح أعمالِهم وأخلصِها ، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا يمشون (1).
قال إعرابي في وصف دعوة مستجابة:
وساريةٍ لم تسر في الليل تبتغي
محلاً ولم يقطع بها البيد قاطع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ
لوردٍ ولم يقصر لها القيد مانع
تحل وراء الليل والليل ساقط
بأرواقه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماوات دونها
إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا أوفدت لم يردد الله وفدها
على أهلها والله راءٍ وسامع
وإني لأرجو الله حتى كأنما
أرى بجميل الظن ما الله صانع
__________
(1) - - قصة الثلاثة في صحيح البخاري . كتاب الإجارة . باب من استأجر أجيراً فترك أجره … ( 2/51 )(1/5)
الدعاء أيضاً به يُستنزلُ النصر من الله العلي القدير فالمؤيد بالوحي – عليه الصلاة والسلام كان يجتهد في استنزال النصر بالدعاء .
فعن عَبْد اللّهِ بْن عَبّاسٍ قال : حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قال : لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الْقِبْلَةَ ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ :( اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي . اللّهُمّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي . اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هََذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ مَادّاً يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتّىَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَ هُ فَأَلْقَاهُ عَلَىَ مَنْكِبَيْهِ ، ثُمّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ : يَا نَبِيّ اللّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبّكَ (1) فَإنّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ :
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )(2)
فاستجاب الله دعاء نَبِيِّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونصره على أعدائه.
__________
(1) - وفي رواية لمسلم (كفاك مناشدتك ربك ) ، وهي كذلك في المسند (1/32) وغيره ، ويُنظر شرح النووي على مسلم (12/434 ) .
(2) - رواه البخاري . كتاب المغازي .باب قول الله تعإلى : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ... الآيات (5/4). ومسلم . كتاب الجهاد والسير (3/1384) الأنفال :9(1/6)
2- السلاح العجيب
إن الحياة قد طُبعت على كَدَر، وقلّما يسلم الإنسان من خطر، مصائب وأمراض، حوادث وأعراض، أحزان وحروب وفتن، ظلم وبغي، هموم وغموم.
ويتقلب الناس في هذه الدنيا بين فرح وسرور, و شدة وبلاء, وفقر وغنى وتمر بهم سنين ينعمون فيها, وتعصف بهم أخرى عجاف, يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان.
وهذه هي حقيقة الدنيا إقبال وإدبار فرح وحزن , شدة ورخاء ,سقم وعافية ،إلا أن الله تعالى لطيف بعباده رحيم بخلقه، فتح لهم باباً يتنفسون منه الرحمة، وتنزل به على قلوبهم السكينة والطمأنينة، ألا وهو باب الدعاء.
ولا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه, كيف لا يكون كذلك وبيده سلاح لا كأي سلاح هو أنس قلبه, وراحة نفسه.
سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق, إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته, والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس, لا يملكه إلا المؤمنون الموحدون, إنه سلاح رباني, سلاح الأنبياء والأتقياء على مرّ العصور.
سلاح نجا الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان, ونجا الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون, نجا الله به صالحًا, وأهلك ثمود, وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام, وأعز محمدًا صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة.
سلاح حارب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت: قوة الفرس, وقوة الروم, فانقلبوا صاغرين مبهورين، كيف استطاع أولئك العرب العزَّل أن يتفوقوا عليهم وهم من هم, في القوة والمنعة, ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال ’ تلكم العبادة وذلكم السلاح هو الدعاء
الدعاء يطفئ نيران الدبابات:(1/7)
يقول الشيخ عبد الله عزام في كتابه(1) حدثني أرسلان قال هاجمتنا الدبابات وكان عددها حوالي 120 دبابة ومعهم سيارات كثيرة ونفذت ذخيرتنا حتى تأكدنا من الأسر فلجأنا إلى الله بالدعاء وبعد قليل إذا بالرشاشات تفتح على الشيوعيين من كل مكان ، وهزم الشيوعيون ، ولم يكن بالمنطقة أحد غيرنا إنها الملائكة .
الدعاء يفك الأسرى :
جاء مالك الأشجعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أُسر ابني عوف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوا قيده فسقط القيد فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها و أقبل فمر بغنم للعدو فاستاقها فجاء بها إلى أبيه وقص عليه الخبر فقال أبوه قف حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عنها ، فلما أخبره بذلك قال صلى الله عليه وسلم ( اصنع بها ما أحببت ونزل قول الله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )(2)
أخي : أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ،
أخي : هل عندك أسير تريد فك أسره ،
أخي : ألست في حاجة إلى الله ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله)
أخي : في كل ذلك عليك بالتضرع إلى الله ،،،،،،،،،
3- عجباً من أربعة
يقول جعفر الصادق رضي الله عنه: عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع:
عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قول الله: (أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (3) ، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ) (4) ،
__________
(1) -( آيات الرحمن في جهاد الأفغان )
(2) - ابن جرير في تفسيره
(3) - الأنبياء: 83 16 - آل عمران:173
(4) - الأنبياء: 84 17 - آل عمران:174(1/8)
وعجبت لمن أصابه غم كيف يغفل عن قول الله: (لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (1) ، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ)(2)
وعجبت لمن يخاف كيف يغفل عن: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(3) ،والله تعالى يقول: (فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء)(4) ،
وعجبت لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن (وَأُفَوّضُ أمري إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (5) ، والله تعالى يقول: (فَوقَاهُ اللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوء الْعَذَابِ)(6).
فأدع يا أخي وزد في الدعاء بالليل والنهار فلن تخيب دعواتك
روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يُعجِّل له في الدنيا، وإما أن يدّخر له في الآخرة، وإما أن يُكّفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعاه ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل يقول: دعوت ربي فما استجاب لي))(7).
4-الدعاء والبلاء
الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وقد تحدث ابن القيم - رحمه الله - عن مكانة الدعاء وأثره في دفع البلاء فقال :
__________
(1) - الأنبياء: 87 18 - غافر:44
(2) - المؤمنين:88 19 - غافر:45
(7) 0- صحيح الجامع (5714)..(1/9)
"الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عن الداعي إما لضعفه في نفسه بأن يكون الدعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف قلبه وعدم إقباله جميعه على الله وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الضعيف فإن السهم يخرج منه ضعيفاً وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو تغلبت عليه والدعاء من انفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع وقوعه ويرفعه أو يخففه فله مع البلاء ثلاث مقامات
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منها صاحبه" أ,ه كلامه رحمه الله .
وثمرة الدعاء مضمونه بإذن الله، فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولا بد، قال ابن حجر رحمه الله:" كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه "
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلاً ولم يقطع بها البيد قاطع
سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ ... لورد ولم يقصر لها القيد مانع
تحل وراء الليل والليل ساقط ... بأوراقه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماء ودونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا أوفدت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع(1/10)
فكم من بلية ومحنة رفعها الله بالدعاء، ومصيبة كشفها الله بالدعاء؟ وكم من ذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء؟ وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة استجلبت بسبب الدعاء؟ روى الحاكم والطبراني بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع فيما نزل وفيما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء،فيعتلجان إلى يوم القيامة)) (1)
يقول شيخ الإسلام أبو حامد الغزالي :اعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة ، كما أن الترس سبب لرد السهم والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يعتلجان وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل سلاح ،وقد قال تعالى (خذوا حذركم )،وانه كما يسقي الماء الأرض بعد بث البذر فيه فيقال :إن سبق القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أوهو أقرب )(2)
الفصل الثاني
1- شروط إجابة الدعاء
2- إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة
3- أخطاء الدعاء ومكروهاته
1- شروط إجابة الدعاء
لا يكون الدعاء مقبولا عند الله تعالى إلا إذا توفرت فيه وفي الداعي جملة من الشروط، نذكرها فيما يلي:
1- الإخلاص فيه فلا يدعو إلا الله سبحانه، فإن الدعاء عبادة من العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، قال الله تعالى:
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً)(3) ، وقال تعالى: (فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(4) ،
__________
(1) - رواه الحاكم والطبراني بسند حسن وله شاهد عند أحمد
(2) -الإحياء (1/390)
(3) - الجن:18
(4) - غافر: 14(1/11)
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)) (1).
وقال ابن رجب: "هذا منزع من قوله تعالى:: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (2) ، فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة".
وقال: "واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين, لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة" (3).
2- الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي)) (4) وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)). قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء)) (5)
ومعنى يستحسر: ينقطع.
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار" (6)-
وقال ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله" (7).
__________
(1) - رواه أحمد (1/293، 307)، والترمذي (2511)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957) .
(2) - الفاتحة:5
(3) - جامع العلوم والحكم (ص180، 181)
(4) - رواه البخاري في الدعوات (6340)، ومسلم في الذكر والدعاء (2735)
(5) - رواه مسلم في الذكر والدعاء (2735).
(6) - الفتح (11/141)
(7) - الجواب الكافي (ص 10)(1/12)
3- أخي المسلم: هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب ، وبدونه يصبح الدعاء ضعيفا … واهيا …
أخي: أتدري ما هو هذا الشرط ؟
انه : ( التوبة من المعاصي ) وإعلان الرجوع إلى الله تعالى .
أخي : إن أكثر أولئك الذي يشكون من عدم إجابة الدعاء آفتهم المعاصي فهي خلف من كل مصيبة . .
قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح .
قال بعض السلف : لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي .
أخي المسلم: ها هي المعاصي قد عمَّت وتطاير شررها في كل مكان . وقد غفل الغافلون .. وهم في غيهم منهمكون .
ولكن إذا نزلت المصيبة صاروا يجارون بدعاء الله تعالى فما أتعسهم وما اقل نصيبهم من إجابة الدعوات .
أخي المسلم: فالتوبة …. التوبة ….. ولتنظف طريق الدعاء من الأوساخ .
ليجد دعاؤك طريقه إلى الاستجابة … وإلا كيف ترجو أخي الإجابة إذا كنت ممن يبارز ربه تعالى في ليلك ونهارك ؟
أخي : إن مثل العاصي في دعائه كمثل رجل حارب ملكا من ملوك الدنيا ونابذه العداوة زمنا طويلا ، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفة . فما ظنك أخي بهذا الرجل ؟ أتراه يُدرك مطلوبه ؟ كلا فانه لن يدرك مطلوبه إلا إذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك .
فذاك أخي مثل العاصي الذي يبيت ويصبح وهو في معصية الله ، ثم إذا وقعت به شده يرجو من الله ان يجيب دعاءه . فاحذر أخي عاقبة المعاصي … فانك لن تسعين على إدراك الدعاء المستجاب بشيء أقوى من ترك المعاصي .. فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المستجاب ..
أعانني الله وإياك لطاعته …و عصمني وإياك من معاصيه ومساخطه …
4- وعلى الداعي أيضا أن يعلم أن من أسباب إجابة الدعاء : أن يكون الداعي ممن يحرصون على اللقمة الحلال : فلا يدخل بطنه حراما …. وإذا اتصف العبد بذلك لمس اثر الإجابة في دعائه ووجد آثارا طيبة لذلك …(1/13)
أخي : لقد عمَّ البلاء بأكل الحرام او المشتبه في حله .
فكان ذلك سببا في عدم إجابة دعاء الكثيرين …… فيا غافلين عن أسباب إجابة الدعاء تنبهوا إلى ما يدخل جيوبكم من المال .. وتنبهوا إلى ما يدخل بطونكم من الطعام …..
ولا يقولن أحدكم : دعوت ولم أرى إجابة للدعاء ! وهو قد ملا يده وبطنه من الحرام !! واتركك أخي مع هذه الوصية النبوية ….
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله امر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم ))(1). وقال : ( يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )) (2) .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث اغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ! ومشربه حرام ! وملبسه حرام ! وغذي بالحرام ! فأنى يستجاب لذلك ؟ ! ))(3)
قال سهل بن عبد الله ( رحمة الله ) : من أكل العبد يحبس عن السماوات بسوء المطعم ! .
وقال الإمام ابن رجب ( رحمة الله ) : فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء …
أخي المسلم : ولك في سلفك الصالح ـ رضي الله عنهم ـ قدوة صالحة …
فهذا سعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنه ) اشتهر بإجابة الدعاء … فكان إذا دعا ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب ! .
فكان رضي الله عنه مثالا حيا لمن أراد أن يعرف طريق إجابة الدعاء … وها هو رضي الله عنه يسأله بعضهم تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال : ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ؟ ! ومن أين خرجت .
أخي ذاك هو سر استجابة دعاء سعد بن أبى وقاص ـ رضي الله عنه ـ اللقمة الطيبة الحلال
أخي : فلنحاسب نفسك في أكلها وشربها وملبسها من أين هذا ؟ وكيف جاء ؟
__________
(1) - المؤمنون : 51
(2) - البقرة : 172
(3) - رواه مسلم والترمذي(1/14)
فإذا كان حلالا … فكل وأنت معافي .. وادع الله تعالى رازقك …. فأنت يومها القريب من طريق الإجابة ؟ .
5- حسن الظن بالله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)) (1) ، وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)) (2).
قال الشوكاني: "فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها؛ فمن ظن به خيراً أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميع تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا" (3)
6- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
قال النووي: "واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر والعلم به أوضح من أن يذكر"(4)
7- عدم الاعتداء في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله تعالى: )ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(5)، فمن ذلك:
أن يسأل الله تعالى ما لا يليق به من منازل الأنبياء.
أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم.
أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات.
__________
(1) - أخرجه الترمذي (3479 )وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245
(2) - رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(3) - تحفة الذاكرين (ص12).
(4) - الأذكار (ص356).
(5) -الأعراف:55(1/15)
أو يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو أن يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة.
أو يرفع صوته بالدعاء، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء.
أو يدعو مع الله تعالى غيره، قال ابن القيم: "أخبر تعالى أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانا".
أو أن يدعو غير متضرع، بل دعاء مدل، كالمستغني بما عنده، المدل على ربه به، قال ابن القيم: "هذا من أعظم الاعتداء، المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد" (1)
8- أن لا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة، كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك.
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم)) (2)- قال أهل العلم: "لذا يمكن الجزم بأن ترك القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مانع من موانع إجابة الدعاء، فعلى كل مسلم يرغب بصدق أن يكون مستجاب الدعوة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقته وجهده" (3).
ومن أجمل ما قيل في شروط إجابة الدعاء :-
قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا عشرٌ بها بشِّر الداعي بإفلاحِ
طهارةٌ وصلاةٌ معهما ندمٌ وقتٌ خشوعٌ وحُسن الظنِ يا صاحِ
__________
(1) - بدائع الفوائد (3/13).
(2) - رواه الترمذي في الفتن (2169) وحسنه، وأحمد (5/288)، والبغوي في شرح السنة (4514)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070).
(3) - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصالح الدرويش (ص 34).(1/16)
وحِلُ قوتٍ ولا يُدعى بمعصيةٍ واسمٌ يناسبُ مقرونٌ بإلحاحِ
2- إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة
1- إذا دعوت الله تعالى فلتبدأ أولا : بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى ثم بعدها : بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك عن فضالة بن عبيد ( رضي الله عنه ) : قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى : فقال : اللهم أغفر لي وارحمني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( عَجِلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله ، وصل علي ثم ادعه ) .
قال: ثم صلى بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيها المصلي ادع تجب )(1).
2- ومن آداب الدعاء الحسنة : الوضوء … حتى تقبل على الله تعالى طاهرا متهيئا لمناجاته ودعائه … (2)
وفي حديث أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه : ) لما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعبيد أبي عامر ، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال :
( اللهم أغفر لعبيد أبي عامر .. ).
3- استقبال القبلة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش)) (3) ، وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، وقلب رداءه)) (4)
__________
(1) - صحيح الترمذي : 3476)
(2) - رواه البخاري ومسلم . والحديث طويل )
(3) - أخرجه البخاري في المغازي (3960)
(4) - أخرجه البخاري (6343)، ومسلم (894).(1/17)
4- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها، ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرها؛ لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها، ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال ولذلك ختمت رسالتي هذه بالدعوات القرآنية والنبوية .
قال الطبراني مبينا سبب تأليفه كتاب الدعاء: "هذا الكتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء، والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" -(1)
وقال القاضي عياض: "أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشغلوا من الحديث إلا بالصحيح" (2)
__________
(1) - مقدمة كتاب الدعاء للطبراني
(2) - انظر: شرح الأذكار لابن علان (1/17).(1/18)
وقال الغزالي: "والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء"(1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا"
5- التذلل والافتقار .
أخي المسلم :إذا أردت لدعائك أن يصعد حقاً . فتأمل في حالك وقت الدعاء ، هل أنت ممن يدعون دعاء الراغب الراهب المستكين .. الخاضع .. المتذلل الفقير إلى ما عند ربه تبارك وتعالى ؟ .
أم انك أخي إذا دعوت دعاء غافل … لاه .
أخي :التذلل والخضوع والافتقار إلى الله أثناء الدعاء له مفعول عجيب في إجابة الدعاء .
وقد غفل الكثيرون عن ذلك فتجد احدهم إذا دعا اخرج كلمات جافة لا اثر للخضوع والتذلل فيها . وقد نسي هذا انه يخاطب ملك الملوك .. المتفرد بالجلال والكبرياء …
قال بعضهم : أدع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق .
أخي المسلم : إنَّ أثر التذلل والخضوع على إجابة الدعاء سريع … مضمون الفائدة ولا يجد هذا إلا من جربه …
وسأقص عليك أخي نماذج تبرهن لك ان اثر التذلل على إجابة الدعاء لا يتخلف .
قيل : أصاب الناس قحط على عهد داود ـ عليه السلام ـ فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم .
فقال أحدهم : اللهم انك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا ، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاعف عنا وقال الثاني :اللهم انك أنزلت في توراتك أن نعتق ارقاءنا ، اللهم إنا أرقاؤك فاعتقنا .
وقال الثالث :
اللهم انك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم انا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردنا دعاءنا فسقوا .
__________
(1) - إحياء علوم الدين (1/554).(1/19)
* وفي عهد عبد الرحمن الثالث : الخليفة الأموي على بلاد الأندلس ، أمسكت السماء ذات مرة عن المطر ، فدعا الخليفة الناس إلى الاستسقاء ، وكان قاضي الجماعة يومها منذر بن سعيد ( رحمة الله ) : فبعث إليه الخليفة أن يخرج الناس إلى صلاة الاستسقاء .
ولما جاء رسول الخليفة إلى منذر ، قال له منذر :
كيف تركت مولانا ؟
فقال: تركته وقد نزل عن سريره وافترش التراب .
فقال منذر : ابشروا بالفرج فانه إذا ذل جبار الأرض رحم جبار السماء .
وخرج الناس بعدها للاستسقاء . فسقوا .
أخي المسلم : لذلك كان أرجى الدعاء بالاستجابة ما تضمن الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب …
وإذا أردت أخي دعاء يجمع هذه الخصال ، فقد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :
( دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا اله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين . فانه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له )(1).
فادع أخي بلسان الخضوع والتذلل المسكنة … دعاء عبد فقير إلى ما عند ربه تعالى … محتاجا إلى فضلة وإحسانه … مقرا بذنوبه … خاضعا خضوع المقصرين … يرى انه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، بل أن ربه تبارك وتعالى هو مالك النفع والضر .. وهو تعالى الغني عن خلقة وهم الفقراء اليه سبحانه تبارك وتعالى ..
يا من له عنت الوجوه بأسرها وله جميع الكائنات توَّحِدُ
يا منتهي سؤلي وغاية مطلبي من لي إذا أنا عن جنابك أُطردُ
أنت المؤمّل في الشدائد كلها يا سيدي ولك البقاء السرمدُ
ولك التصرفُ في الخلائق كلها فلذلك تهدي من تشاء وتُسعدُ
فأمنن عليَ بتوبةٍ يا من له قلبُ المحب مقدَِسٌ وموحَِدُ
إلهي: إن طردتني عن بابك فإلى باب من ألتجئ وان قطعتني عن خدمتك فخدمة مني ارتجي؟!!
__________
(1) - صحيح الترمذي : 3505)(1/20)
إلهي: إن عذبتني فإني مستحق العذاب والنقم ، وإن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم، يا سيدي : لك أخلص العارفون ، وبفضلك نجا الصالحون ، وبرحمتك أناب المقصرون، يا جميل العفو أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك، وإن لم أكن أهلاً لذلك فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة!!
حدث بعض الإخوة: فقال لا أعلم لي دعوة كنت جاداً فيها، ملحاً فيها، إلا واستجيبت لي، ثم قال وليس ذلك من زيادة قرب من الله، ولا من كثرة عبادة ولا زهد، بل ولا أظن ذلك علامة صلاح في نفسي، فأني أعلم أني لست من الصالحين، ليس ذلك من باب التواضع، ثم يتابع فيقول: ولكني ألهمت أن الدعاء سبب لحصول أي شيء أريده منذ صغر سني، فأصبح لدي يقين دائم، ليس في وقت الدعاء، بل في كل وقت، أن الدعاء يحقق لي ما أريد، فكنت كلما أردت شيئاً دعوت الله، حتى أني أدعو الله في أمر أريده سنة أو سنتين، ويتحقق لي ما أريد، يقول: ولست أتحدث بذلك افتخاراً، ولا ليظن بي أحد شيئاً، ولكني أريد تذكير الجميع بأن من اعتقد في الدعاء هذا الاعتقاد، ولازم الدعاء، وجعله له سجية لحصول مطلوبه، فإن الله ولا شك يستجيب له، وإن طال الزمن.
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
إن الأمور إذا انسدت مسالكها فالصبر يفتح منا كل ما ارتتجا
لا تيأسنَّ وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجا
قال ابن القيم رحمه الله: "قلت: إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه". وصدق رحمه الله أليس أرحم الراحمين هو القائل: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرْضِ أَءلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)(1).
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين))
__________
(1) - النمل:62(1/21)
الله أكبر، فما نعدم والله خيراً من رب حيي كريم بل الخير كل بيديه لا تأتي ذرة من الخير فما فوقها إلا بإذنه وفضله وعلمه، وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض فسبحان من عظم جوده وكرمه أن يحيط به الخلائق، فارفع يديك يا عبد الله آناء الليل وأطراف النهار، والزم قرع باب الملك الوهاب، فما خاب والله من أمله، وما خاب من أنزل به حوائجه وصدق في الطلب وألح في السؤال، وتمسكن بين يديه وأظهر فقرك وحاجتك إلى ربك، فباب الذل والانكسار أوسع الأبواب، ولا مزاحم فيه وهو ثمرة العبودية، فلله ما أحلى قول العبد وهو يناجي سيده بذل وانكسار وحاجة وفقر: اللهم إني أسألك بعزك وذلي إليك إلا رحمتني، يا من لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، هذه ناصيتي الخاطئة الكاذبة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، أدعوك دعاء الخائف الضرير، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، أدعوك دعاء من ذلت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه، اللهم ارحم من لا راحم له سواك، ولا مؤوي له سواك، ولا مغيث له سواك، فما الظن يا عباد الله بمن هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
إذا انكسر العبد بين يديه وبكى وتذلل وأشهد الله فقره إلى ربه في كل ذراته الظاهرة والباطنة عندها فليبشر بنفحات ونفحات من فضل الله ورحمته وجوده وكرمه.
أخي : أفهم هذا جيدا فانه سر من أسرار الدعاء المستجاب جهله الكثيرون .. فتنبه ولا تكن من الغافلين .
6- أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة: كعشية عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، وخاصة العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة القدر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وبين الأذان والإقامة.
قال الله تعالى: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (1)
__________
(1) - الذاريات:18،(1/22)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له))(1)
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات))(2)
7- أن يغتنم الحالات الفاضلة: كالسجود، ودبر الصلوات، والصيام، وعند اللقاء، وعند نزول الغيث.
قال ابن القيم: "((دبر الصلاة)) يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا – يعني ابن تيمية – يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه, كدبر الحيوان"
وقال الشيخ ابن عثيمين: "الدبر هو آخر كل شيء منه، أو هو ما بعد آخره".
ورجّح رحمه الله أن الدعاء دبر الصلوات المكتوبة يكون قبل السلام، وقال: "ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر فهو قبل السلام، وما ورد من الذكر مقيداً بدبر فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى:: (فَإذا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)(3) " .
8- أن يستغلَّ حالات الضرورة والانكسار، وساعات الضيق والشدة: كالسفر، والمرض، وكونه مظلوما.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده))
__________
(1) - أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).
(2) - أخرجه الترمذي في الدعوات (3499)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (108)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2782).
(3) - النساء:103- من إملاءات الشيخ في درس زاد المعاد نقلاً عن كتاب الدعاء للشيخ الحَمد.(1/23)
قال ابن رجب: "والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء...ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء"(1).
9- رفع اليدين وبسط الكفَّين، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)) -(2) ، وعن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين))(3).
ويشرع هذا الرفع في الدعاء المطلق، أما الأدعية الخاصة فإنه لا ترفع الأيدي إلا فيما رفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم منها، وما لم يثبت رفعه فيه فالسنة فيه عدم الرفع، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
10 - ومن الأدب الحسن والذي يرجي به لصاحبه أن يستجاب دعاؤه : أن يقدم بين يدي دعائه عملا صالحا كصلاة أو صيام أو صدقة … ألا ترى أخي إن الدعاء بعد الصلوات ارجي للإجابة . لأنه وقع بعد عمل صالح ، وهو :
( الصلاة المفروضة ) وهي ارفع عمل بعد توحيد الله تعالي .
11- ومن الآداب الجملية للدعاء : أن يخفض الداعي صوته إذا دعاء …. فان الداعي مناج لربه تبارك وتعالى ، والله تعالى يعلم السر واخفي .. كما أن الداعي إذا خفض صوته كان بذلك أكثر تأدباً وتذللا وخضوعا ممن رفع صوته بالدعاء .
وقد مدح الله تعالى نبيه زكريا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بخفض الصوت في الدعاء ، فقال تعالى :
( ذكر رحمة ربك عبده زكريا اذ نادى ربه نداء خفيا )(4) .
__________
(1) - جامع العلوم والحكم (1/269).
(2) - أخرجه البخاري في المغازي (4323)، ومسلم في فضائل الصحابة (2498)
(3) - وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757).
(4) - مريم : 3.2(1/24)
12 - ومما ينبغي أن تلاحظه من الآداب و أنت تدعو الله عزو جل : اختبار الاسم الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى .. فتدعوه بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى ولا تتجاوز ذلك إلى الأسماء التي لم ترد في القرآن والسنة او الأسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الأهواء ..
قال تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )(1) .
قال الإمام القرطبي ( رحمة الله ) : " سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى ، لأنها حسنة في الأسماع والقلوب ، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وأفضاله ) .
13- الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب . وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه به فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لاعيذنه ..)) (2).
فلتكثر أخي من النوافل فإنها ترفع مقامك في الدنيا والآخرة أما في الدنيا : فبالفوز بمحبة الله تعالي .. وهي غاية الغايات . وإذا فزت بذلك أعانك الله تعالى على طاعته ومرضاته .. فلا تسمع الا ما يرضي الله . ولا تبصر إلا ما يرضي الله ،ولا تنال بيدك إلا ما يرضي الله . و لا تمشي برجلك إلا في مرضاته تبارك وتعالى .. ويستجيب الله دعاءك … ويعيذك من كل شيء يؤذيك …
وأما في الآخرة : فبالفوز برضوان الله تعالى ونعيمة الباقي …
أخي : هذه الخيرات كلها تدركها بالإكثار من النوافل .
فإن أنت ضيَّعت فرصة كهذه فلتبك على عقلك البواكي .
14- التوسل إلى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها ..
فالعمل الصالح نعم الشفيع لصاحبة في الدنيا والآخرة إذا كان صاحبة مخلصا فيه .
__________
(1) - الأعراف : 180
(2) - رواه البخاري ..(1/25)
قال وهب بن منية ( رحمة الله ) : العمل الصالح يبلغ الدعاء ، ثم تلا قوه تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )(1).
وقال بعضهم : يستحب لمن وقع في شدة أن يدعو بصالح عمله .
أخي : وخير واعظ لك في اثر التوسل بالأعمال الصالحة تلك القصة التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم وهي :
قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت باب الغار الذي كانوا فيه فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح عمله ، فكشف الله عنهم الصخرة(2) .
أخي المسلم :
التوسل بالأعمال الصالحة لا يتحقق إلا أهل الطاعات … الذين أضاءت أنوار الصالحات من صحائفهم . فاؤلئك هم الذين إذا توسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة قبل توسلهم وكان العمل الصالح خير شفيع لهم . .
قال وهب بن منبه : مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر .
15- ومن الأمور التي تعينك في درب الدعاء المستجاب : أن تدعو الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ….
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول : اللهم إني أسالك باني اشهد انك أنت الله لا اله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . فقال :
( والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى )) (3)
وسمع أيضا مرة رجلا يدعو :
اللهم إني أسالك بان لك الحمد لا اله إلا أنت ، بديع السماوات والأرض يإذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم . فقال النبي صلى الله عليه : ( لقد دعا الله باسمة العظيم الذي إذا يدعي به أجاب وإذا سئل به أجاب وإذا سئل به أعطي ) (4)
__________
(1) - فاطر : 10
(2) - رواه البخاري برقم : 3465) مسلم برقم : 2743).
(3) -( رواه داود والترمذي وابن ماجه / صحيح الترمذي : 3475)
(4) - صحيح ابي داود : 1495 )(1/26)
16- الإلحاح عليه سبحانه فيه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، فإن الإلحاح يدل على صدق الرغبة، والله تعالى يحب الملحين في الدعاء، ومن ذلك تكرير الدعاء، فعن ابن مسعود يصف دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وكان إذا دَعا دعا ثلاثاً))(1)
17- الجزم في الدعاء والعزم في المسألة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه))(2)
قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ: "بخلاف العبد؛ فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره، فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول، مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين؛ فإنه تعالى لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام...فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة، ولا عن عظم مسألة"(3).
18- أن يبدأ الداعي بنفسه، ثم يدعو لإخوانه المسلمين، وأن يخص الوالدين، وأهل الفضل من العلماء والصالحين، ومن في صلاحه صلاح المسلمين، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه))(4)
__________
(1) - أخرجه مسلم في الجهاد والهجرة (1794).
(2) - رواه البخاري في الدعوات: (6339)، ومسلم في الذكر والدعاء: باب العزم بالدعاء (2679) واللفظ له.
(3) - فتح المجيد (ص 471) بتصرف يسير
(4) - صححه الألباني في صحيح الجامع (4723).(1/27)
وأرشد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (1) ، وقال تعالى عن دعاء نوح عليه السلام: (رَّبّ اغْفِرْ لِى وَلِوالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(2) ، وأثنى الله تعالى على قوم كان من دعائهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ)(3).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)) (4)
19- إخفاؤه والإسرار به، فذلك أعظم إيمانا، وأفضل أدبا وتعظيما، وأبلغ في التضرع والخشوع، وأشد إخلاصا، وأبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء، وأدل على قرب صاحبه من الله، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، وأبعد عن القواطع والمشوشات والمضعفات، وأسلم من أذى الحاسدين (5)
قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)، وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً)(6) .
20- التواضع والتبذل في اللباس والهيئة، بالشعث والاغبرار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) (7)
ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء خرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً.
21- التأمين بعده، فهو كالخاتم له.
__________
(1) - محمد:19
(2) - نوح:28
(3) - الحشر:10
(4) - رواه الطبراني وإسناده جيد"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6026).
(5) - بدائع الفوائد (3/6-9).
(6) - مريم:3
(7) - أخرجه مسلم (2622)،(1/28)
3- أخطاء الدعاء ومكروهاته
1- الدعاء على الأهل والمال والنفس(1)، فعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)) (2)
قال في عون المعبود: "((لا تدعوا)) أي دعاء سوء ((على أنفسكم)) أي بالهلاك، ومثله ((ولا تدعوا على أولادكم)) أي بالعمى ونحوه، ((ولا تدعوا على أموالكم)) أي من العبيد والإماء بالموت وغيره، ((لا توافقوا)) نهي للداعي، وعلة النهي أي لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا ((من الله ساعة نيل)) أي عطاء ((فيها عطاء فيستجيب لكم)) أي لئلا تصادفوا ساعة إجابة ونيل فتستجاب دعوتكم السوء" - (3).
2- رفع الصوت بالدعاء، قال ابن مفلح: "يكره رفع الصوت بالدعاء مطلقا، قال المروزي سمعت أبا عبد الله يقول: ينبغي أن يسرَّ دعاءه لقوله تعالى:: (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذالِكَ سَبِيلاً)(4)
3- تكلّف السجع فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك. يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب(5).
قال الغزالي: "واعلم أنَّ المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة... فليقتصر على المأثور من الدعوات، أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف" (6).
__________
(1) - موقع الداعي بتصرف
(2) - رواه مسلم (3009) في الزهد
(3) - عون المعبود (2/274-275
(4) - الإسراء:110
(5) - أخرجه البخاري (6337).
(6) - إحياء علوم الدين (1/555).(1/29)
5- اشتماله على توسلات شركية أو بدعية، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذاته الشريفة، أو بغيره من الأنبياء والملائكة والصالحين.
6- الاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلاً أو شرعًا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
7- الاستثناء فيه، أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى، مثل أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، لما في ذلك من شائبة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، ولما في ذلك أيضا من الإشعار بأنَّ لله مكرها له، تعالى الله عن ذلك.
الفصل الثالث
1- موانع إجابة الدعاء
2- مساكين من دعوا غير الله
3- دعاء هز السماء
4- بعض الدعوات المستجابات
1- موانع إجابة الدعاء ( لماذا لا يستجاب لنا)
هناك موانع تمنع من إجابة الدعاء، ومن هذه الموانع: أكل الحرام كما ذكرنا فيما سبق ، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يا سعد، أطب مطعمك تستجب دعوتك))، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه التوسع في الحرام أكلا وشربا ولبسا وتغذية يمنع إجابة
وروى عكرمة بن عمار حدثنا الأصفر قال قيل لسعد بن أبي وقاص تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها ومن أين خرجت.
وعن وهب بن منبه قال من سره أن يستجيب الله دعوته فليطيب طعمته وعن سهل بن عبد الله قال من أكل الحلال أربعين صباحا أجيبت دعوته وعن يوسف بن أسباط قال بلغنا أن دعاء العبد يحبس عن السموات بسوء المطعم .(1/30)
ويقول ابن رجب في جامع العلوم والحكم
(وقد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعا من الإجابة أيضا وكذلك ترك الواجبات كما في الحديث أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع استجابة دعاء الأخيار وفعل الطاعات يكون موجبا لاستجابة الدعاء ولهذا لما توسل الذين دخلوا الغار وانطبقت الصخرة عليهم بأعمالهم الصالحة التي أخلصوا فيها لله تعالى ودعوا الله بها أجيبت دعوتهم وقال وهب ابن منبه مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر وعنه قال العمل الصالح يبلغ الدعاء ثم تلا قوله تعالى: إليه (يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)(1)
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال يكفي مع البر من الدعاء مثل ما يكفي الطعام من الملح وقال محمد بن واسع يكفي من الدعاء مع الورع اليسير وقيل لسفيان لو دعوت الله قال إن ترك الذنوب هو الدعاء وقال الليث رأي موسى عليه الصلاة والسلام رجلا رافعاً يديه وهو يسأل الله مجتهدا فقال موسى عليه السلام أي رب عبدك دعاك حتى رحمته وأنت أرحم الراحمين فما صنعت في حاجته فقال يا موسى لو رفع يديه حتى ينقطع ما نظرت في حاجته حتى ينظر في حقي .
وقال بعض السلف لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي
نحن ندعو الإله في كل كرب
ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء
قد سددنا طريقها بالذنوب
ومن موانع إجابة الدعاء استعجال الإجابة، كما ذكرنا في شروط الدعاء يقول صلى الله عليه وسلم :
((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي))، وهذا موسى عليه السلام وقف داعياً يقول:
__________
(1) - فاطر(1/31)
(رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً في الْحياةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)(1) وأخوه هارون عليه السلام يؤمن على الدعاء، فاستجاب الله دعاءهما وقال سبحانه:
(قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا)(2). قال العلماء: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة.
فعلى المؤمن أن يدعو الله، وأن يلح على الله في الدعاء، ولا يعجل في الإجابة، وينتظر الفرج من الله، وكما قال الشاعر اليمني الموحد في قصيدته التي سماها الجوهرة:
لطائف الله وإن طال المدى ... كلمح الطرف إذا الطرف سجى
كم فَرَج بعد إياس أتى ... وكم إياس قد أتى بعد النوى
ومن موانع الإجابة الدعاء بالإثم وقطع الرحم، يقول صلى الله عليه وسلم : ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)).
ومن موانع إجابة الدعاء عدم الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم: ((كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي)) وفي رواية: ((حتى يصلى على النبي وآل محمد))، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد إلا بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ).
وسئل إبراهيم بن أدهم عن قول الحق سبحانه: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(3). ، قالوا: فإنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟!! فقال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء:
1- عرفتم الله ولم تؤدوا حقه.
2- وتأكلون رزق الله ولا تشكرونه.
3- وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به.
4- وادعيتم عداوة الشيطان وواليتموه.
5- وادعيتم حب رسول الله وتركتم أثره وسنته.
6-وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها.
__________
(1) -يونس:88
(2) -يونس:89
(3) - غافر:60(1/32)
7- وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن الذنوب.
8-واشتغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب أنفسكم.
9- وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له.
10-وتدفنون موتاكم ولا تعتبرون. فكيف يستجاب لكم؟!
ومن هذه الموانع: وقوع الظلم حتى من الذي يدعو على الظالمين.
لا تظنوا أن الظلم هو ما يمارسه الملوك والأمراء، أو ما تمارسه الأنظمة والحكومات ضد الشعوب، والأفراد، بل إن الأفراد يظلمون، ويتنوع ظلمهم، والله لا يحب الظالمين سواء كانوا من الحكام أو المحكومين، سواء كان من المسلمين، أو من الكافرين، وكل وضع للشيء في غير موضعه فهو ظلم، فتخيلوا كم من الظلم نمارسه نحن، ونحن غافلون لاهون.
قال المقريزي: جاءني أحد الصالحين، سنة ثلاث عشرة وثماني مائة، والناس إذ ذاك من الظلم في أخذ الأموال منهم ومعاقبتهم إذا لم يؤدوا أجرة مساكنهم التي يسكنوها حتى ولو كانت ملكاً لهم، بحال شديدة، وأخذنا نتذاكر ذلك فقال لي: ما السبب في تأخر إجابة دعاء الناس في هذا الزمان، وهم قد ظلموا غاية الظلم، بحيث أن امرأة شريفة عوقبت لعجزها عن القيام بما ألزمت به من أجرة سكنها الذي هو ملكها، فتأخرت إجابة الدعاء مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((اتق دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) وها نحن نراهم منذ سنين يدعون على من ظلمهم، ولا يستجاب لهم.
قال المقريزي: سبب ذلك أن كل أحد صار موصوفا بأنه ظالم، لكثرة ما فشا من ظلم الراعي والرعي، وإنه لم يبق مظلوم في الحقيقة، لأنا نجد عند التأمل كل أحد من الناس في زماننا وإن قل، يظلم في المعني الذي هو فيه من قدر على ظلمه، ولا نجد أحداً يترك الظلم إلا لعجزه عنه، فإذا قدر عليه ظلم، فبان أنهم لا يتركون ظلم من دونهم، إلا عجزاً لا عفة.(1/33)
هل عرفتم تفكروا، وليفتش كل منا عن نفسه، وعن الظلم الذي يمارسه في حياته، ولولا ضيق الوقت لذكرنا بعض صور الظلم التي نمارسها في حياتنا، لكن لعل في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
قال بعض الصالحين: إن ظللت تدعو على رجل ظلمك، فإن الله تعالى يقول: إن آخر يدعو عليك، إن شئت استجبنا لك، واستجبنا عليك، وإن شئت أخرتكما إلى يوم القيامة، ووسعكما عفو الله
و من أسباب تأخير إجابة دعاء المظلومين على الظالمين، ما قاله الله جل وعلا:
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) (1).
قيل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كان أهل الجاهلية يدعون على الظالم، وتعجل عقوبته، حتى إنهم كانوا يقولون: عش رجباً ترى عجباً، أي أن الظالم تأتيه عقوبته في شهر رجب، كناية عن قرب نزول العقوبة به، قالوا له: ونحن اليوم مع الإسلام ندعو على الظالم فلا نجاب في أكثر الأمر، فقال عمر رضي الله عنه: هذا حاجز بينهم وبين الظلم، إن الله عز وجل لم يعجل العقوبة لكفار هذه الأمة، ولا لفساقها، فإنه تعالى يقول:
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهيا وَأَمَرُّ)(2)
وقد يكون من سبب تأخير استجابة الدعاء عليهم أن الله عز وجل أراد لهم أشد العذاب، ولما يبلغوا درجته الآن، فيمهلهم الله حتى يبلغوا تلك الدرجة من البغي والطغيان، حتى يستحقوا ذلك الدرك من النار الذي أعده الله لهم.
(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)(3)
__________
(1) - إبراهيم:42، 43
(2) - القمر:46
(3) -آل عمران:178(1/34)
و من أسباب تأخير استجابة الدعاء على الظالمين، أننا نحن الذين نظن أن الاستجابة قد تأخرت لأن الأيام في منظور البشر طويلة، بينما هي في عين الله قصيرة، وقد قال الله جل وعلا: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ)(1)
ولكن يتساءل الناس متى ثم تأتي الإجابة (وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهي ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلى الْمَصِيرُ) (2).
قال بعض أهل التفسير كان بين دعاء موسى على فرعون، وبين إهلاك فرعون بالغرق أربعون سنة [
2- مساكين من دعوا غير الله
الدعاء استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب مُغيث، وتوجه ورجاءٌ إلى مصرِّفِ الكون ومدبِّر الأمر، لِيُزيلَ عِلَّة، أو يَرْفَعَ مِحْنَة، أو يَكْشِفَ كُرْبَة، أو يُحَقِّقَ رجاءً أو رَغْبَة
المؤمن حين يستنفذ الأسبابَ في عمل مشروع، ويستعصي عليه الأمرُ، والأسبابُ لا تُوصِلُهُ إلى ما يسْعَى من أجْلِهِ، ينقلُ الأمر كلَّهُ منْ قدُراتِهِ هو إلى قدرة الله، ويفزَعُ إلى الله تعالى واهبِ الأسباب ويقولُ: يا رب، ويدعو... فالأسباب إذا تخلَّتْ فلن يتخلى عنه الله... فهو سبحانه يجيب دعوة المضطرين...
لذلك مساكين مساكين من دعوا ولجأوا إلى غير الله وطرقوا أبواب المشعوذين والمنجمين الذين لا يملكون لأنفسهم ضراًً ولا نفعا.
ولمّا كان الدّعاءُ أيضا هو العِبادة فإنّه لا يكون إلا لله وحدَه، فلا يُدعَى من دون الله ملكٌ مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل، ولا وليّ ولا جنّيّ، قال الله تعالى:
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (3) ، وقال تبارك وتعالى:
__________
(1) - الحج:47
(2) - الحج:47، 48
(3) - الجن:18(1/35)
(وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ) (1)، ومن دعَا مخلوقًا من دون الله نبيًّا أو ملكًا أو وليًّا أو جنّيًّا أو ضريحًا ونحوَه فقد وقَع في الشّرك الأكبر، قال الله تعالى:
(وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (2)
لا تخضعن لمخلوق على طمع فان ذلك نقص منك في الدين
لن يقدر العبد أن يعطيك خردلة إلا بإذن الذي سواك طينا
ولا تصاحب غنيا تستعز به وكن عفيفا وعظم حرمة الدين
واسترزق الله مما في خزائنه فان رزقك بين الكاف والنون!!
وقال تبارك وتعالى:
(وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إذا مّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(3)
وقال تَبارك وتعالى:
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ)(4) ،
وقال تبارك وتعالى:
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشيء إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلَالٍ)(5)
__________
(1) - الفرقان:68
(2) - المؤمنون:117
(3) - يونس:106، 107
(4) - سبأ:40-41
(5) - الرعد:14(1/36)
قال ابن رجب : والله سبحانه يحبُّ أن يُسأل ، ويُرغبُ إليه في الحوائج ، ويُلحُّ في سؤاله ودعائه ، ويغضب على من لا يسأله ، ويستدعي من عباده سؤالَه ، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء ، والمخلوق بخلاف ذلك ، يكره أن يسأل ويحب أن لا يسأل ؛ لعجزه وفقره وحاجته ، ولهذا قال وهب بن منبه - لرجل كان يأتي الملوك - : ويحك تأتي من يغلق عنك بابَه ، ويظهر لك فَقْرَه ، ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ، ويظهر لك غناه ، ويقول ادعني أستجب لك . وقال طاووس لعطاء : إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق بابه دونك ، ويجعل دونها حجّابَه ، وعليك بمن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أن تسألَهُ ، ووعدك أن يجيبَك (1) .
3- دعاء هز السماء
إنَّ الدعاء حال الإخلاص أبلغُ في حصول المقصود ، وأقرب إلى انكسار القلب ، وصدقِ اللجؤ إلى الله سبحانه وتعالى . لذا كانت دعوة المضطر مستجابَة :
( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )(2).
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا ، ففجوره على نفسه ) (3) .
__________
(1) - جامع العلوم والحكم (1/481) .
(2) - النمل :62
(3) - ورواه ابن أبي شيبة ( 6/48 ) وقال المنذري في الترغيب ( 3/130 ) : رواه أحمد بإسناد حسن .
وله شاهد من حديث أنس مرفوعاً : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ؛ فإنه ليس دونها حجاب . رواه أحمد (3/153) وابن معين في تاريخه (4/458) وفي إسناده عبد الرحمن بن عيسى أبو عبد الله الأسدي ، وهو مجهول . والحديث أورده الألباني في صحيح الجامع ( برقم 2682) .(1/37)
ألم تر حال المشركين في الجاهلية الأولى كيف يتخلّون عن آلهتهم ويَدْعُون الله مخلصين له الدين وذلك إذا ركبوا في الفلك ، واضطربت بهم الأمواج ، كما في قوله تعالى: :
( حَتَّى إذا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(1).
والمشركون ما كانوا يفزعون لآلهتهم عند الشدائد ، بل كانوا يلجئون إلى الله ، إذ النفوس جُبلت على الالتجاء لله وحده عند حصول المكروه ؛ إلا ما يكون من بعض مشركي زماننا ! فإن ملجأهم ومفزعهم (الولي ) أو (القطب) ، فأبو جهل أفقهُ من هؤلاء!!
تأمّل قول الله تبارك وتعالى :
( وَإذا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(2) .
قال ابن القيم – رحمه الله – : التوحيد مَفْزَعُ أعدائه وأوليائه ؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كُرب الدنيا وشدائدها :
( فَإذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (3) ، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ، ولذلك فزع إليه يونس فنجّاه الله من تلك الظلمات ، وفزع إليه أتباع الرسل فَنَجَوا بِهِ (4) مما عُذِّبَ به المشركون في الدنيا ، وما أُعِدّ لهم في الآخرة ، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه ؛ لأن الإيمان عند المعاينة لا يُقبل . هذه سنة الله في عباده . فما دُفِعَتْ شدائد الدنيا بمثل التوحيد (5) .
__________
(1) - يونس : 22
(2) - لقمان : 32
(3) - العنكبوت : 65
(4) - أي بالتوحيد .
(5) - الفوائد (ص 79 ) .(1/38)
كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجل يتجر من بلاد الشام إلى المدينة ولا يصحب القوافل توكلاً منه على الله تعالى... فبينما هو راجع من الشام عرض له لص على فرس، فصاح بالتاجر: قف فوقف التاجر، وقال له: شأنك بمالي. فقال له اللص: المال مالي، وإنما أريد نفسك. فقال له: أنظرني حتى أصلي. قال: افعل ما بدا لك . فصلى أربع ركعات ورفع رأسه إلى السماء يقول
: يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات. وإذا بفارس بيده حربة، فلما رآه اللص ترك التاجر ومضى نحوه فلما دنا منه طعنه فأرداه عن فرسه قتيلا، وقال الفارس للتاجر: اعلم أني ملك من السماء الثالثة.. لما دعوت الأولى سمعنا لأبواب السماء قعقعة فقلنا: أمر حدث، ثم دعوت الثانية، ففتحت أبواب السماء ولها شرر، ثم دعوت الثالثة، فهبط جبريل عليه السلام ينادي: من لهذا المكروب؟ فدعوت الله أن يوليني قتله. واعلم يا عبد الله أن من دعا بدعائك في كل شدة أغاثه الله وفرج عنه. ثم جاء التاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فقال المصطفي صلى الله عليه و سلم :
(( لقد لقنك الله أسماءه الحسنى التي إذا دعي بها أجاب، وإذا سئل بها أعطى)) صدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقال صلى الله عليه وسلم:
( لا يغنى حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل و مما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)(1)
وهذا الحديث يوضح أن الوقاية من المصائب تكون بالدعاء بينما لا ينجح الحذر في رد هذه المصائب ولكن مع اعتبار قول الله:
( وخذوا حذركم )
__________
(1) - رواه أحمد والحاكم وصححه عن عائشة مرفوعا(1/39)
جاء رجل إلى أبى الدرداء فقال يا أبى الدرداء لقد احترق بيتك فقال ما احترق ولم يكن الله ليفعل ذلك ، بكلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالها في أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح . وقد قلتها اليوم
( اللهم أنت ربى ، لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم أعلم أن الله على كل شيء قدير و أن الله قد أحاط بكل شيء علما ، اللهم إنى أعوذ بك من شر نفسى ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ) ثم قال انهضوا بنا ، فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حوله، ولم يصبه شيء)(1).
إلهي ...
بك أستجير ومن يجير سواكا
إني ضعيف استعين على قوى
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ
أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً
أترده وترد صادق توبتي
يا رب جئتك نادماً أبكي على
أخشى من العرض الرهيب عليك
يا ربِ عدت إلى رحابك تائباً
مالي وما للأغنياء وأنت يا
ومالي و ما للأقوياء وأنت يا
مالي وأبواب الملوك وأنت من
إني أويت لكل مأوى في الحياة وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة
وبحثت عن سر السعادة جاهداً
فليرض عني الناس أو فليسخطوا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي
__________
(1) - انظر الوابل الصيب لابن القيم ، الأذكار للنووى .(1/40)
فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا
ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
مالها من غافر إلا كا
رانت على قلبي فضل سناكا
وبدأت بالقلب البصير أراكا
للتوب قلب تائبٌ ناجاكا
حاشاكا ترفض تائباً حاشاكا
ما قدمتهُ يداي لا أتباكا
ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
مستسلماً مستمسكاً بعراكا
رب الغني ولا يحد غناكا
ربي ورب الناس ما أقواكا
خلق الملوك وقسم الأملاكا
فما رأيت أعز من مأواكا
فلم تجد منجى سوى منجاكا
فوجدت هذا السر في تقواكا
أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
وتعينني وتمدني بهداكا
ما خاب يوماً من دعا ورجاكا
4- بعض الدعوات المستجابات
1ـ دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة :
عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ( ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل ولك بمثل )(1).
2- دعوة المظلوم :
حيث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له :
( واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب )(2).
3- دعوة الوالد أو على ولده .
4 - دعوة المسافر :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ثلاث دعوات يستجاب لهن لاشك فيهن : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد لولده )(3).
5- دعوة الصائم عند فطره ، ودعوة الإمام العادل ودعوة المظلوم :
عن أبي هريرة يرفعه :
( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين )(4)
6- دعوة الولد الصالح :
لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
__________
(1) - رواه مسلم
(2) - رواه البخاري
(3) -رواه الترمذي وغيره ، وحسنه الألباني
(4) - رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني(1/41)
( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له ) (1).
7- دعوة المضطر :
قال ـ تعالى : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ) (2) .
8- من بات طاهرا على ذكر الله :
عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(ما من مسلم يبيت على ذكر الله طاهرا ، فيتعار من الليل ، فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه )(3).
9-دعوة من دعا بدعوة ذي النون :
عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له "(4).
10-دعوة المستيقظ من النوم :
ودعاؤك بالمأثور عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله ، وسبحان الله ، ولا اله إلا الله ، والله اكبر ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له ، فان عزم وتوضأ قبلت صلاته " (5).
11- دعوة الولد البار لوالديه :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أني لي هذا ؟
فيقول : باستغفار ولدك لك )(6) .
12-دعوة الحاج والمعتمر والغازي في سبيل الله :
لحديث ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
__________
(1) - رواه مسلم
(2) - النمل : 62
(3) - رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني
(4) - الترمذي وغيره وصححه الألباني.
(5) - رواه البخاري وغيره
(6) - أخرجه احمد وصحح إسناده ابن كثير(1/42)
(الغازي في سبيل الله ، والحاج ، والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم )(1).
13-دعوة الذاكر الله كثيرا :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ثلاثة لا يرد دعاؤهم : الذاكر لله كثيرا ، ودعوة المظلوم ، والإمام المقسط )(2)
14- دعوة من أحبه الله ورضي عنه :
عن أبي هريرة ـ رضي الله ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله ـ تعالى ـ قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذتي لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته )(3).
الفصل الرابع
1- حاجة الأمة إلى الدعاء
2- نماذج لإجابة الدعاء
3- تعرف على الله في الرخاء
1- حاجة الأمة إلى الدعاء
إن أمة الإسلام اليوم في كرب شديد وضائقة عظيمة وشدة كبيرة تمر بأصعب مراحلها وأشق أيامها تكالبت عليها الأمم وتداعت عليها الدول وتآمر عليها الأعداء، تزرع لأبنائها الشهوات وتصدر لهم الشبهات وتقدم لهم المغريات، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليها، إن الكرب في ازدياد والخطر في اشتعال والمكر في اجتهاد، وليس لها من دون الله كاشفة، وإن من أمضى الأسلحة وأقوى الأسباب وأحدّ السيوف الفتَّاكة هو الدعاء، فليس لنا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، فيجب علينا كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى مع البعد عن موانع الإجابة.
__________
(1) - رواه ابن ماجة وحسنه الألباني
(2) - رواه البيهقي والطبراني وحسنه الألباني .
(3) - رواه البخاري(1/43)
ولنعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وإذا كان الله معنا فلو اجتمعت أمم الأرض بأمضى أسلحتها وأحدث آلاتها فإن النصر حليفنا والتوفيق نصيبنا
(إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(1)
إن أمة الإسلام اليوم في حالة الاضطرار ولا يجيب المضطر إلا الله جل وعلا ويا عجباً لهذه الأمة ألم يأن لها أن تخشع وتدع التنكر لأسباب نصرها وأسرار عزها ودروب مجدها!!
لقد جربت النصرة من عند غير الله واللجوء إلى سوى الله فلم تزدد إلا ذلاً، ولم تقطف إلا نكداً، ولم تشرب إلا علقماً، فهل آن لها أن تلجأ إلى حصن حصين وركن شديد فتجني ثمار العزة وتتذوق حلاوة النصر وتتربع على عرش الدنيا، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
إذا عُلِم ذلك فإن الدعاء سببٌ للثبات والنصر على الأعداء قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده (قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(2). فمإذا كانت النتيجة (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ)(3).
واقرؤوا تاريخ الأمة المجيد لتروا العجب العجاب من أثر الدعاء وأنه سبب رئيس للنصر والتمكين، فعله صلى الله عليه وسلم ليلة معركة بدر، ترى ذلك في قيامه وتضرعه وابتهاله إلى ربه، وهو أمر معروف مشهور.
وهذا العلاء الحضرمي رضي الله عنه يدعو ربه فيسير بجيش المسلمين بأكمله على صفحة الماء، ولما عطشوا ولم يجدوا ماءً لوضوئهم دعا ربه فهطلت السماء كأفواه القرب ثم دعا ربه النصر للمسلمين وأن يخفي عليهم مكان قبره واستجاب الله لدعائه فرضي الله عنه وأرضاه.
__________
(1) - آل عمران:160.
(2) - البقرة:250
(3) - البقرة:251(1/44)
وهذا البراء بن مالك يسأل ربه النصر للمسلمين ولنفسه الشهادة وكان مجاب الدعوة فيستجيب الله له "لقي البراء المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنك لو أقسمت على الله لأبرك)) فأقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً ".
وفي يوم نهاوند قال النعمان بن مقرن رضي الله عنه: (اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة قال: أمّنوا رحمكم الله قال جبير: فأمّنا وبكينا ثم حمل فكان أول صريع).
فرحمك الله ورضي عنك من قائد جيش، وهذا باب يطول استقصاؤه. فما أشد حاجة الأمة اليوم إلى الدعاء خاصة للمجاهدين المرابطين على الثغور .... ففي فلسطين الجريحة وحول الأقصى السليب يواجه أبناء المسلمين عدواً شرساً حقوداً تمده حبائل الغرب الصليبي الحاقد بكل ما يريد من عتاد وسلاح.
فالله الله أن تلُحُّوا بالدعاء وتتحروا أوقات الإجابة بالدعاء لهم والدعاء على عدوهم، فشأن الدعاء عجيب وعظيم، وهذا أقل ما نقدمه لإخواننا أن نواسيهم بدعائنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أخي ـ في دعائك للإسلامَ والمسلمين بالدّعوة الصالحة، أئمّتَهم وعامَّتهم، بأن يعزَّ الله الإسلامَ وأهلَه في كلّ مكان، ويحفظَ الإسلامَ وأهلَه في كلّ مكان، ويخذلَ أعداءَ الإسلام، ويكفَّ شرَّهم، ويبطِل كيدَهم ومكرَهم، لا سيّما في هذا العصر الذي تعدّدت فيه مصائبُ المسلمين، وكثرَت همومهم وغُمومُهم، ووصلوا إلى حالةٍ لا يقدِر أن ينجيَهم إلا الله، اقتداءً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيث أمره الله تعالى بقوله:(1/45)
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(1) ، وفي الحديث:
((من لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليسَ منهم))(2)
لقد استجاب الله عز وجل، وحقق دعاء الداعين، وتأمين المؤَمِّنين، ولبّى حاجة عباده المضطرين
: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هي إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)(3).
وقال :(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(4).
وقال تعالى:
(وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِى الأَبْصَارِ)(5).
وقال عزَّ من قائل:
(الَّذِينَ طَغَوْاْ في الْبِلَادِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)(6).
وهكذا ترون ـ ـ أن الله الذي نصر الأمم السابقة بالريح الصرصر العاتية، والعواصف المدمرة، وبالأوبئة والأمراض المختلفة، وبالفيضانات والأمطار الطوفانية... قادرٌ أن ينصرنا بما شاء وكيف شاء في كل زمان ومكان، ما التزمنا بتعاليم ديننا ونصرناه:
(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ)(7).
__________
(1) - محمّد:19
(2) - أخرجه الحاكم (4/320) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وضعفه الألباني
(3) - المدثر:31
(4) - الأنفال:17
(5) - الحشر:2]
(6) - الفجر:12-14
(7) - الحج:40(1/46)
رأي أصحاب نور الدين زنكي كثرة إنفاقه على الفقراء والمساكين ولا سيما طلبة العلم منهم وشدة طلب الدعاء منهم ، فعوتب في ذلك فقال :والله إن النصر إلا باولائك ،كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني و أنا نائم على فراش سهام لا تخطىء (يريد الدعوات ) ،(1)
2- دعوات مستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم
دعاء المصطفي بتكثير الطعام:-
1- روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وكانت عندي شويهة عنز جذعة سمينة فقلت: لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأمرتُ امرأتي فطحنت لنا شيئاً من شعير، وصنعت لنا منه خبزاً، وذبحت تلك الشاة، فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصرافَ عن الخندق، قال: وكنا نعمل فيه نهاراً فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا، قال: قلت: يا رسول الله، إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا، وصنعنا معها شيئاً من خبز الشعير، فأحبُّ أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزلي. وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده.
فلما قلت له ذلك قال: «نعم».
ثم أمر صارخاً فصرخ: أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر. قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل الناس معه، فجلس فأخرجناها إليه. قال: فبارك وسمَّى ثم أكل. وتواردها الناسُ كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صَدَر أهلُ الخندق عنها.
2- عن جابر بن عبد الله أيضاً قال: توفي عبد الله بن عمرو بن حرام، يعني أباه، أو استشهد، وعليه دَين.
فاستعنت برسول الله صلى الله عليه وسلم على غرمائه أن يَضَعُوا من دَيْنه شيئاً، فطلب إليهم فأبوْا.
__________
(1) - وقفات مع الأبرار ص (105)(1/47)
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أصْنَافًا العَجْوَةُ عَلى حِدَةٍ وعَذَقُ (ابنُ) زَيدٍ عَلَى حِدةٍ وأصْنَافَه ثُمَ ابْعَثْ إليَّ» .
ففعلت، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فجلس في أعلاه أو في وسطه، ثم قال: «كِلْ للقَوْمِ» .
قال: فكِلْت لهم حتى أَوْفَيْتهم، وبقي تمري كأنْ لم ينقص منه شيء.
فجعل الناس يَحْثُون بالحثوة من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر.
فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثم دعا الجيشَ بأوعيتهم، وأمرَهم أن يَحْثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا مملوءة وبقي مثله.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «أشَهَدُ أنْ لاَ اله إلاَّ اللَّهُ وأَنِّي رَسُولُ الله، لاَ يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهِمَا إلاَّ حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» .
3-عن عمر بن الخطاب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقلت: يا رسول الله، خرج إلينا الروم وهم شباع ونحن جياع، وأرادت الأنصار أن ينحروا نواضحهم.
فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس: «مَنْ كَانَ عِنْدَه فَضْلُ زَادِ فَليَأْتِنَا» .
فحزَرْنا جميعَ ما جاؤوا به فوجدوه سبعاً وعشرين صاعاً.
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فدعا فيه ثم قال: «أيُها النَّاسُ، خُذُوا ولا تَنْتَهِبُوا» .
فأخذوه في الجرُب والغرائرِ حتى جعل الرجل يقدُّ قميصه فيأخذ فيه، حتى صَدروا وإنه نحو ما كانوا يحزرون.
4-عن أبي إياس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصابنا جهد حتى هممنا ننحر بعض ظهرنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا، فبسط له نطعاً، فاجتمع زاد القوم على النطع، فتطاولتُ لأحزره فإذا هو كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة.(1/48)
قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً ثم حشونا جُربنا(1).
5-عن أنس بن مالك قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أم سليم حَيْسا، فجعلته في تَوْر فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام وتقول لك: إن هذا لك منا قليل.
قال: فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي تقرئك السلام، وتقول لك: إن هذا لك منا قليل.
فقال: «ضَعْهُ» .
ثم قال: «اذْهَبْ فَادْعُ فُلاَناً وفُلاَناً، أو مَنْ لَقِيْتَ» . وسمَّى رجالاً.
قال: فدعوت مَنْ سمَّى ومن لقيت.
قال: قلت لأنس: كما كانوا؟
قال: زهاء ثلاثمائة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أنَسْ، هَاتِ التَّوْرَ» . فدخلوا حتى امتلأت الصُّفة والحجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَتَخَلَّفْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، لِيَأْكُلْ كُلُّ إنْسَانٍ ممَّا يَلِيهِ» .
قال: فأكلوا حتى شبعوا، وخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم.
ثم قال: «يَا أَنَسْ، ارْفَعْ» . فما أدري حين وُضعت (كان) أكثَرَ أم حين رُفِعت؟.
6-عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ مَعْ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعُجْن.
ثم جاء رجثم جاء رجل مشرك مُشعانٌّ طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبَيْعًا أم عَطِيَّةً؟» أو قال: «هِبَةً» .
قال: بل بيع.
فاشترى منه شاةً فصُنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يُشْوَى.
قال: وايم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حَزَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَزَّةً من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه (إياه) وإن كان غائباً خبأ له. قال: وجعل منها قصعتين.
__________
(1) - انفرد بإخراجه مسلم(1/49)
قال: فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين، فحملناه على بعير. أو كما قال.
7-عن علي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فدعا بني عبد المطلب، ثم دعا بُعس فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يُمسَّ أولُه بشرب، فقال: «يَا بَنِي عَبْدَ المُطَّلِبِ، إنِّي بُعثْتُ إليْكُمْ خَاصَّةً، وإلى النَّاسِ عَامَّةً، وَقَدْ رَأيْتُمْ مِنِّي هَذه الآيَةِ، فأيُّكُم يُبَايِعُنِي عَلَى أنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي؟» .
قال: فلم يقم إليه أحد.
قال: فقمت إليه، وكنت أصغر القوم.
قال: فقال: «اجْلِسْ» . ثم قال: ثلاث مرات، كلُّ ذلك أقوم إليه، فيقول لي: «اجلس» . حتى إذا كانت الثالثة ضرب بيده على يدي.
8-عن سَمُرة بن جُندب قال: بيْنا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بقصعة فيها ثريد.
قال: فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظُّهر يأكل كل قوم، ثم يجيء قوم فيتعاقبونه.
قال: قال له رجل: هل كانت تُمدُّ بطعام؟
قال: «أمَّا مِنَ الأرْضِ فَلاَ، (إلاَّ) أنْ تَكُونَ كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَماءِ» .
9-عن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر طعاماً قدرَ ما يكفيهما، فأتيتهما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلاَثِينَ منْ أشْرَافِ الأنْصَارِ» .
قال: فشقَّ ذلك عليَّ، ما عندي ما أزيده.
قال: وكأني تثاقلت.
فقال: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلاَثِينَ منْ أَشْرَافِ الأنْصَارِ» .
فدعوتهم فجاؤوا فقال: اطعَموا، فأكلوا حتى صدَروا، ثم شهدوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعوه قبل أن يخرجوا.
ثم قال: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي تِسْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ» .
قال: فأنا أخْوفُ بالتسعين والستين منِّي بالثلاثين.(1/50)
قال: فدعوتهم فأكلوا حتى صَدَرُوا، ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا. قال: فأكل من طعامي ذلك مائةٌ وثمانون رجلاً، كلهم من الأنصار.
10-عن أبي هريرة قال:: نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فالتمس له شيئاً يطعمه، فلم يجد له شيئاً، ثم وجد لقمة فجزَّأها أجزاء، ثم أتاه بها فقال: «سَمِّ وَكُلْ» . فأكل وفضلت فضلة، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لرجل صالح.
11-عن أم أنس بن مالك قالت: كانت لي شاة فجمعت من سمنها ما ملأت به عُكَّة، فقالت: يا زبيبة، امضي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه العكة يأتدم بها.
فمضت بها إليه فقالت: يا رسول الله، إن أم سُلَيم أرسلت إليك بهذه العكة لتَأْتَدم بها.
فقال: «خُذُوهَا فَفَرِّغُوهَا وَرُدُّوهَا عَلَيْهَا» .
فانصرفت بها وأمُّ سُلَيم غائبة عن المنزل، فعلقتها على وتد، فلما رجعت أم سُلَيم رأت العكة مملوءة سمناً تَقْطر، فقالت: يا زبيبة، ألم أتقدم إليك بحَمْل العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: قد حملتها وإن لم تصدقيني فاسأليه.
فمضت فقالت: يا رسول الله، كنت وجَّهت إليك بعكة سَمْن لتأتدم بها.
قال: «قَدْ وَصَلَتْ» .
قالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق، لقد وجدتها مملوءة سمناً تقطر.
قال: «أفَتَعْجَبِينَ أنْ أَطْعَمَكِ اللَّهُ كَمَا أطْعَمْتِ نِبِيَّه؟ اذْهَبِي فَكُلِي وأطْعَمِي» .
فانصرفتُ ففرغت منها في عكة لنا، وأبقيت ما تأَدَّمنا به شهراً أو شهرين.
12-عن جابر: أن أم مالك الفِهْرية كانت تهدي في عكة لها سمناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبَيْنا بنوها يسألونها الإِدامَ وليس عندها شيء، عمدت إلى عُكَّتها التي كانت تُهدي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت فيها سمناً، فما زال يَأْدم لها أُدْمَ بيتها حتى عصَرَتْه.
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعْصَرْتِيه؟» .
قالت: نعم.(1/51)
قال: «لو تَرَكْتِيه مَا زَالَ ذَلِكَ لَكِ مُقِيْمًا» (1).
.
3-في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم:-
1-عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «أيْنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟» .
فقيل: هو يشتكي عينيه.
قال: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْه» فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له، فبرىء كأن لم يكن به وجع.
2-وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان أبي يَسْمُر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف. فقيل: لو سألتَه فسأله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليَّ وأنا أَرْمَدُ العين يومَ خيبر، فقلت: يا رسول الله، إني أرمدُ العين. فتفل في عيني وقال: «اللهم أذهِبْ عنه الحرَّ والبردَ» . فما وجدتُ حَرَّا ولا برداً منذ يومئذ.
3-عن يَعْلى بن مُرَّة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها، فقالت: يا رسول الله، هذا أصابه داء يؤخذ في النوم ما أدري كم مرة.
قال: «نَاوِلِيْنِيْهِ» . فدفعته إليه. فجعله بينه وبين واسطة الرَّحل، ثم فغر فاه فتفل فيه ثلاثاً، وقال: «بِسْمِ الله يَا عَبْدَالله، اخْسَأْ يَا عَدُوَّ الله، ثُمَ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، وَقَالَ: القِيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذا المَكَانِ فَأَخْبِرِيْنَا مَا فَعَلَ» .
قال: فذهبنا ورجعنا، فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث. فقال: «مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ؟» .
قالت: والذي بعثك بالحق ما حسَسْنا منه شيئاً حتى الساعة، فاجترِرْ هذه الغنم.
قال: «انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً وَرُدَّ البَقِيَّةَ» .
4-عن ابن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله، إن به لَمَماً، وإنه يأخذه عند طعامنا.
__________
(1) - انفرد بإخراجه مسلم(1/52)
قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثَعّ
قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا، فثَعَّ ثعَّة، فخرج مِن فيه مثلُ الجَرْو الأسود. فسعى.
5-عن أنس بن مالك قال: أصابت الناسَ سَنةٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المالُ، وجاع العيال، فادعُ الله أن يسقينا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قَزَعَةٌ، فثار السحابُ أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادَرُ على لحيته.
قال: فمُطِرْنا يومَنا،ومِن الغد، وبعدَ الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى.
فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله، تهدَّم البناء وغرق المال فادع الله لنا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَه وقال: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» .
قال: فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى صارت المدينة في مثل الحَوْبَة حتى سال الوادي قناة شهراً.
قال: ولم يجىء أحد إلا حدَّث بالجَوْد.
6-عن أنس بن مالك أنه سئل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء؟
قال: نعم، بينا هو في جمعة يخطب الناس، فقيل له: يا رسول الله، قحط المطر، وأَجْدَبت الأرضُ، فادع الله عز وجل.
فرفع يديه حتى رأينا بياض إبطيه، فاستسقى وما في السماء سحابة، فما قضينا الصلاة حتى إن الشاب القريب الدار ليُهمُّه الرجوعُ إلى أهله، فدامت جمعة، فلما كانت الجمعة الأخرى قالوا: يا رسول الله، تهدَّمت البيوت، واحتبس الرُّكبان، وهلك المال.
فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بيده هذا، ففرَّق بين يديه: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» .
قال: فتكشَّطت عن المدينة.(1/53)
7-عن عائشة بنت سعد: أن أباها حدّثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل وادياً دَهْساً لا ماء به، وسبقه المشركون إلى القُلب فنزلوا عليها، وأصاب المسلمين العطش، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجمَ النفاقُ، وقال بعض المنافقين: لو كان نبيّاً كما يزعم لاستسقى لقومه كما استسقى موسى.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَوَ قَاْلُوْهَا عَسَى أَنْ يَسْقِيَكُمْ» .
ثم بسط كفيه وقال: «اللهُمَّ جَلِّلْنَا سَحَاباً كَثِيْفاً مُغْدَوْدِقاً تَضْحَكُ مِنْهُ الأَرْجَاءُ تُمْطِرُنَا مِنْهُ رَذَإذا قَدْ قُطِعَ سَجْلاً نَعَّاقاً، يَا ذَا الجَلاَلِ والإِكْرَامِ» .
فما ردَّ يديه من ردائه حتى أظلتنا سحابة تتلون في كل صفةٍ وصفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات السحاب.
قال: ثم أُمطرنا الضروبَ التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفعم السيلُ الوادي، فشرب الناس وارتووا.
8--عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة في السلاح من قِبَل جبل التنعيم، يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم، وأخذوا مال عفان فعفا عنهم ونزلت هذه الآية: (وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً )(1)
9-عن عمرو بن أَحْطَب قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماءً، فأتيته بقدح فيه ماء، وكانت فيه شعرة فأخذتُها، فقال: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ» .
قال: فرأيته وهو ابن أربع وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء.
__________
(1) - الفتح 24(1/54)
10-عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهُمَّ أكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وأَطِلْ حَيَاتَهُ» . فأكثرَ الله مالي حتى إن كنز مالي يْحمل في السنة مرتين وولدي لصُلْبي مائة وستة.(1)
11-عن نوفل، عن أبيه قال: كان ابن أبي لهب يسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عُتْبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْباً مِنْ كِلاَبِكَ» .
فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه، فنزلوا منزلاً فقال: والله إني لأخاف دعوة محمد.
قال: فقالوا له كلاَّ.
قال: فحطوا المتاعَ وقعدوا حوله يحرسونه.
قال: فجاء السبع فانتزعه فذهب به.
12-عن جابر، عن بلال قال: أذَّنتُ بالصبح في ليلة باردة، فلم يأتِ أحد، ثم أذَّنتُ فلم يأتي أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا شَأْنُهُمْ يَا بِلاَلُ؟» .
قلت: كَبَدهم البَرْدُ.
فقال: «اللهُمَّ أكْسِرْ عَنْهُم البَرْدَ» .
قال بلال: فلقد رأيتهم يتروَّحون.
13-عن أنس أن أبا طالب مرض؛ فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا بن أخي، ادعُ ربك الذي تعبده أن يعافيني.
قال: «اللهُمَّ اشْفِ عَمِّي» . فقام أبو طالب كأنما أنْشط من عِقَال. قال: يا بن أخي إن ربك الذي تعبده لَيُطيعك. قال: «وأنْتَ يَا عَمَّاهُ لَوْ أَطَعْتَ اللَّهَ لأَطَاعَكَ» .
14- ومن ذلك دعاءه لإبن عباس وهو غلام "اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل " فأصبح أفقه الناس في الدين ، وأعلمهم بألتأويل ،حتى سُمي البحر ، لسعة علمه ، رضي الله عنه .
15- ومن ذلك ما روي عن علي بن طالب رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني وأنا حدث السن لا علم لي بالقضاء فقال ) انطلق فإن الله سيهدي قلبك ويُثبت لسانك ) قال علي فما شككت في قضاء بين إثنين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "أقضاكم علي "
__________
(1) - أخرجه مسلم(1/55)
16-ومن ذلك قصة ارتجاف جبل أحد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُثبت أُحد فإنما عليك نبي وصديقٌ وشهيدان فسكن".
17- ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم للنابغة الجعدي بقوله: (لا يفض الله فاك ) فكان أحسن الناس ثغراً كلما سقطت له سن نبتت له أُخرى .
18- ومن ذلك إخباره أُم حرام بغزوها في البحر ففي صحيح البخاري عن اسحق ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قُباء يدخل على أُم حرام بنت ملحان فتُطعُمه ،وكانت تحت عبادة بن الصامت فدخل يوماً فأطعمته ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ يضحك قالت أُم حرام ما يضحكك يا رسول الله ، فقال ( ناس من أُمتي عُرضوا عليّ غُزاةً في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكاً على الأسرة أو قال مثل الملوك على الأسرة ) فقالت أُدع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها رسول الله ، فركبت البحر زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت فوقع كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام .
19- ومنها إجابة دعاءه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ، في تحبيبه للناس وأمه فقد ورد عن أبي هريرة أنه قال ما خلق الله عز وجل مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني قلت وما علمت بذلك يا أبا هريرة قال إن أمي كانت مشركة واني كنت ادعوها إلى الإسلام وكانت تأبى على فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما اكره فأتيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى علي واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما اكره فادع الله عز وجل ان يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد أم أبي هريرة "(1/56)
فخرجت أعدو لأبشرها بدعاء رسول الله. صلى الله عليه وسلم فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء وسمعت خشخشة رجل فقالت أبا هريرة كما أنت ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها فقالت إني أشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله فرجعت إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم ابكي من الفرح كما بكيت من الحزن فقلت يا رسول الله ابشر فقد استجاب الله دعاءك وقد هدى أم أبي هريرة وقلت يا رسول الله ادع الله لي أن يحببني وأمي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم" اللهم حبب عبيدك هذا إلى عبادك المؤمنين"
فما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني.
والشاهد استجابة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .
20- ومنها ما ورد عن رفاعة بن رافع ،قال رُميت بسهمٍ يوم بدرٍ ففقئت عيني ، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي ، فما إذاني منها شيءٌ بعد.
4- نماذج لأناس أجاب الله دعاءهم
جاء في كتب السير الكثير والكثير من أخبار محابي الدعوة وسنعرج عل بعضها من كتابي جامع العلوم لابن رجب ومحابي الدعوة لابن أبي الدنيا .
**في صحيح الحاكم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(كم من ضعيف متضاعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك)
وإن البراء لقي زحفاً من المشركين فقال له المسلمون اقسم على ربك فقال أقسمت عليك يارب لما منحتنا أكتافهم فمنحهم أكتافهم ثم التقوا مرة أخرى فقالوا اقسم على ربك فقال أقسمت عليك يارب لما منحتنا أكتافهم وألحقني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء (1)
**وعن أبي الدنيا بإسناد له أن النعمان بن نوفل قال يوم أحد اللهم إني أقسم عليك أن أقتل فأدخل الجنة فقتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن النعمان أقسم على الله فأبره.
__________
(1) - صحيح الحاكم(1/57)
** وروى أبو نعيم بإسناده عن سعيد أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد يارب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك غدا قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك فأقول فيك وفي رسولك فتقول صدقت قال سعيد لقد لقيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط
**وكان سعد ابن أبي وقاص مجاب الدعوة فكذب عليه رجل فقال اللهم إن كان كاذبا فاعم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن فأصاب الرجل ذلك كله فكان يتعرض للجواري في السكك ويقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد ودعا علي رجل سمعه يشتم عليا فما برح من مكانه حتى جاء بعير ناد فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله و نازعته امرأة سعيد بن زيد في أرض له فادعت أنه أخذ منها أرضها فقال اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت فبينما هي ذات ليلة تمشي في أرضها إذ وقعت في بئر فيها فماتت.
**وكان العلاء بن الحضرمي في سرية فعطشوا فصلي ثم قال اللهم يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ ولا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا فساروا قليلا فوجدوا نهرا من ماء السماء يتدفق فشربوا وملأوا أوعيتهم ثم ساروا فرجع بعض أصحابه إلى موضع النهر فلم ير شيئا وكأنه لم يكن في موضعه ماء قط وشكا أنس بن مالك عطش أرضه في البصرة فتوضأ وخرج إلى البرية وصلي ركعتين ودعا فجاء المطر وسقا أرضه ولم يجاوز المطر أرضه إلا يسيرا.
** واحترقت خصاص بالبصرة في زمن أبي موسي الأشعري وبقي في وسطها خص لم يحترق فقال أبو موسي لصاحب الخص ما بال خصك لم يحترق فقال إني أقسمت على ربي أن لا يحرقه فقال أبو موسي إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( في أمتي رجال طلس رؤوسهم دنس ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم )(1/58)
**وكان أبو مسلم الخولاني مشهورا بإجابة الدعوة فكان يمر به الضب فيقول له الصبيان ادع الله لنا أن يحبس علينا هذا الضب فيدعو الله فيحبسه حتى يأخذوه بأيديهم ودعا على امرأة أفسدت عليه عشرة امرأة له بذهاب بصرها فذهب بصرها في الحال فجاءته فجعلت تناشده بالله وتطلب من الله فرحمها ودعا الله تعالى فرد عليها بصرها ورجعت امرأته إلى حالها معه
**قدم على عمر ـ رضي الله عنه ـ مال كثير من البحرين ، فعند ذلك دون الدواوين ، ففرض للصحابة على اختلاف يبين نصيبهم ، وفرض لا زواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً ، فلما جاء العطار بعث عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالذي لها ، فلما دخل عليها ، قالت : غفر الله لعمر ، لغيري من احواني كان اجرا على قسم هذا منى . قالوا : هذا كله لك قالت : سبحان الله . واستقرت دونه ، وقالت : صروه واطرحوا عليه ثوبا فصروه وطرحوا عليه ثوبا فقالت لامرأة عندها : ادخلي يدك فاقبضي منه قبضة ، فاذهبي بها إلى آل فلان وإلى آل فلان من أيتامها وذوي رحمها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية ، فقالت لها بدرة : غفر الله لك والله لقد كان لنا في هذا حظ ، قالت : فلكم ما تحت الثوب ، قالت : فرفعنا الثوب فوجدنا خمسا وثلاثين درهما ، ثم رفعت يدها فقالت : اللهم لا يدركني عطاء بعد عامي هذا ، قال : فماتت ـ رضي الله عنها ـ " (1)..
**وكذب رجل على مطرف ابن عبد الله بن الشخير فقال له إن كنت كاذبا فعجل الله حتفك فمات الرجل مكانه.
**كان عطاء السليمي لا يكاد يدعو ، إنما يدعو لبعض أصحابه ويؤمن ، قال :فحبس بعض أصحابه فقيل له :الك حاجة ؟ قال :دعوة من عطاء ان يفرج الله عني . قال صالح فانتبه فقلت : يا ايا محمد ، أما تحب أن يفرج الله عنك ؟ قال .
__________
(1) - كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ص 43-44 بزيادة ونقصان .(1/59)
بلى والله أني لا حب ذاك قلت : فان جليسك فلان قد حبس فادع الله ان يفرج عنه فرفع يديه وبكى وقال الهي تعلم حاجتنا قبل إن سألكها فاقضها لنا قال صالح فوالله مابرحنا من البيت حتى دخل الرجل . (1)
** وكان رجل من الخوارج يغشي مجلس الحسن البصري فيؤذيهم فلما ازداد إذاه قال الحسن اللهم قد عملت إذاه لنا فاكنفاه بما شئت فخر الرجل من قامته فما حمل إلى أهله إلا ميتا على سريره
**وكان صلة بن أشيم في سرية فذهبت بغلته بثقلها وارتحل الناس فقام يصلي فقال اللهم إني أقسم عليك أن ترد على بغلتي وثقلها فجاءت حتى قامت بين يديه وكان مرة في برية فقرأ فجاع فاستطعم الله وجبة خلفه فإذا هو بثوب أو منديل فيه دوخلة رطب طري فأكل منه وبقي الثوب عند امرأته معاذة العدوية وكانت من الصالحات .
**وكان محمد بن المنكدر في غزاة فقال له رجل من رفقائه اشتهي رطبا جنيا فقال ابن المنكدر استطعموا الله يطعمكم فإنه القادر فدعا القوم فلم يسيروا إلا قليلا حتى رأوا مكتلا مخيطا فإذا هو خير رطب فقال بعض القوم لو كان عسلا فقال ابن المنكدر إن الذي أطعمكم رطبا جنيا ها هنا قادر على أن يطعمكم عسلا فاستطعموه فدعوا فساروا قليلا فوجدوا ظرف عسل على الطريق فنزلوا وأكلوا.
* *وكان حبيب العجمي أبو محمد معروفا بإجابة الدعوة دعا لغلام أقرع الرأس وجعل يبكي ويمسح بدموعه رأس الغلام فما قام حتى اسود رأسه وعاد كأحسن الناس شعرا وأوتي برجل زمن في محمل فدعا له فقام الرجل على رجليه فحمل محمله على عنقه ورجع إلى عياله واشتري في زمن مجاعة طعاما كثيرا فتصدق به على المساكين ثم خاط أكيسة فوضعها تحت فراشه ثم دعا الله تعالى فجاء أصحاب الطعام يطلبون ثمنه فأخرج تلك الأكيسة فإذا هي مملوءة دراهم فوزنها فإذا هي قدر حقوقهم فدفعها إليهم .
وكان رجل يعبث به كثيرا فدعا عليه حبيب فبرص .
__________
(1) - مجابي الدعوة لابن ابي الدنيا ص 54(1/60)
وكان مرة عند مالك بن دينار فجاء رجل فأغلظ لمالك من أجل دراهم قسمها مالك فلما طال ذلك من أمره رفع حبيب يده إلى السماء فقال اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت فسقط الرجل على وجهه ميتا .
**وخرج قوم في غزاة في سبيل الله وكان لبعضهم حمار فمات وارتحل أصحابه فقام فتوضأ وصلي وقال اللهم إني خرجت مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وأشهد أنك تحيي الموتي وتبعث من في القبور فأحي لي حماري فقام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه فركبه ولحق أصحابه ثم باع الحمار بعد ذلك بالكوفة .
**وخرجت سرية في سبيل الله فأصابهم برد شديد حتى كادوا أن يهلكوا فدعوا الله تعالى وإلي جانبهم شجرة عظيمة فإذا هي تلتهب نارا فجففوا ثيابهم ودفئوا بها حتى طلعت عليهم الشمس فانصرفوا وردت الشجرة إلى هيئتها .
**اخذ عبيد الله بن زياد ابن أخي لصفوان بن محرز فحبسه في السجن فلم يدع صفوان شريفا بالبصرة يرجوا منفعة الا تجمل به عليه فلم ير لحاجته نجاحا فغاب في مصلاة حزينا فإذا آت قد أتاه في منامه فقال : يا صفوان قم فاطلب حاجتك من وجهها . قال : فانتبه فزعا فقام وتوضا ثم صلى ثم دعا .فارق ابن زياد ( الذي سجن ابن أخيه ولم يستطع النوم ) فقال : علي بابن أخي صفوان بن محرز فجاء الحراس وجيء بالنيران وفتحت تلك الأبواب الحديد في جوف الليل فقيل : أين ابن أخي صفوان بن محرز ؟ أخرجوه فاني قد منعت من النوم منذ الليلة فاخرج فأتى به إلى زياد فكلمه ثم قال : انطلق بلا كفيل ولا شيء فما شعر صفوان حتى ضرب عليه أخيه بابه ، قال صفوان من هذا ؟قال : أنا فلان .(1)
__________
(1) - كتاب مجابي الدعوة لابن ابي الدنيا بتصرف ص 53 .(1/61)
**وخرج أبو قلابة صائما حاجا فتقدم أصحابه في يوم صائف فأصابه عطش شديد فقال اللهم إنك قادر على أن تذهب عطشي من غير فطر فأظلته سحابة فأمطرت عليه حتى بلت ثوبه وذهب العطش عنه فنزل فحوض حياضا فملأها فانتهي إليه أصحابه فشربوا وما أصاب أصحابه من ذلك المطر شيء.(1)
**قال عبد الواحد بن زيد : خرجت في بعض غزواتي في البحر ، ومعي غلام لي له فضل ، فمات الغلام فدفنته في جزيرة فنبذته الأرض ثلاث مرات في ثلاثة مواضع ، فبينا نحن وقوف نتفكر ما صنع له إذ انتقضت النسور والعقيان فمزقوه حتى لم يبق منه شيء فلما قدمنا البصرة أتيت أم الغلام فقلت لها : " ما كانت حال ابنك ؟ قالت : خيرا كنت اسمعه : يقول : " اللهم احشرني من حواصل الطير " (2).
**جيء بحبيب بن أبي ثابت وسعيد بن حبيب وطلق بن حبيب يراد بهم الحجاج ـ قال : فأصابهم عطش وخوف فقال سعيد لحبيب : ادع الله فقال له حبيب أني أراك أوجه مني قال :فدعا سعيد وأمن أصحابه فرفعت سحابة فمطروا وشربوا وسقوا واستقوا .(3)
ومثل هذا كثير جدا ويطول استقصاؤه وأكثر من كان مجاب الدعوة من السلف كان يصبر على البلاء ويختار ثوابه ولا يدعو لنفسه بالفرج منه وقد روى أن سعد بن أبي وقاص كان يدعو للناس لمعرفتهم له بإجابة الدعوة فقيل له لو دعوت الله لبصرك وكان قد أضر فقال قضاء الله أحب إلى من بصري وابتلي بعضهم بالجذام فقيل له بلغنا أنك تعرف اسم الله الأعظم فلو سألته أن يكشف ما بك فقال يا ابن أخي إنه هو الذي ابتلاني وأنا أكره أن أرده .
وقيل لإبراهيم التيمي وهو في سجن الحجاج لو دعوت الله تعالى فقال أكره أن أدعوه أن يفرج عني مالي فيه أجر
__________
(1) - جامع العلوم والحكم ص525-527
(2) - مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ص 55-56
(3) - كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا ص 88(1/62)
وكذلك سعيد بن جبير صبر على أذي الحجاج حتى قتله وكان مجاب الدعوة كان له ديك يقوم بالليل بصياحه إلى الصلاة فلم يصح ليلة في وقته فلم يقم سعيد إلى الصلاة فشق عليه فقال ماله قطع صوته فما صاح الديك بعد ذلك فقالت له أمه يا بني لا تدع بعد هذا على شيء.
وذكر لرابعة رجل له منزلة عند الله وهو يقتات بما يلتقطه من المنبوذات على المزابل فقال رجل ما ضر هذا أن يدعو الله أن يغنيه عن هذا فقالت رابعة إن أولياء الله إذا قضي الله لهم قضاء لم يستسخطوه وكان حيوة بن شريح ضيق العيش جدا فقيل له لو دعوت الله أن يوسع عليك فأخذ حصاة من الأرض فقال اللهم اجعلها ذهبا فصارت تبرة في كفه وقال ما خير في الدنيا إلا الآخرة ثم قال هو أعلم بما يصلح عباده وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم الله الخيرة له في غيره قال فلا يجيبه إلى سؤاله ويعوضه مما هو خير له إما في الدنيا أو في الآخرة
وقد جاء في حديث أنس المرفوع إن الله يقول( إن من عبادي من يسألني بابا من العبادة فأكفه كيلا يدخله العجب)
وخرج الطبراني من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا يعطه ولو سأله درهما لم يعطه ولو سأله فلسا لم يعطه ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها ذو طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره )(1)
وليس معنى أن الدعوة المجابة اقتصرت عليهم بل إن القصص المعاصرة لمن أستجيب دعاءهم كثيرة فهذا يدعو بالشفاء عندما استعصى الأطباء فيشفي وهذه تدعو بحفظ ولدها فيحفظه الله وهذا يدعو بالتيسير في الحج مع شدة الحال فيسر الله له ومثل هذا كثير جعلنا الله وإياكم من أولياءه وأحبابه وأصفياءه .
5- تعرف على الله في الرخاء
__________
(1) - رواه الطبراني في الاوسط ورجاله رجال الصحيح(1/63)
إن من أهم أسباب رد الدعاء على صاحبه سوء حال الداعي فالكثير منا لا يدعو الله ولا يلجأ ولا يستغيث ولا يستنصر إلا في الشدة والضراء وعند الرخاء والسرور ننسى الله ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة )
هذا يونس بن متّى نبي الله يسقط في لجج البحار فيبتلعه الحوت فهو في ظلمة جوف الحوت في ظلمة جوف البحر في ظلمة الليل, في ظلمات ثلاث, فلا أحد يعلم مكانه, ولا أحد يسمع نداءه, ولكن يسمع نداءه من لا يخفي عليه الكلام, ويعلم مكانه من لا يغيب عنه مكان, فدعا وقال وهو على هذه الحال: )لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين(1)(
فسمعت الملائكة دعائه, فقالت: صوت معروف في أرض غريبة, هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة.
فيجئ الجواب الإلهي له: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (2). أتاه الجواب بالنجاة (فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(3).
قال الحسن البصري: "ما كان ليونس صلاة في بطن الحوت, ولكن قدم عملاً صالحًا في حال الرخاء فذكره الله في حال البلاء, وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه فإذا عثر وجد متكأً".
فرعون يدركه الغرق فيدعو بالتوحيد (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)(4), وسمعت الملائكة دعائه فنزل جبريل إليه سريعًا, منجدًا؟ لا, مغيثًا؟ لا, وإنما يأخذ من حال البحر ووحله فيدسه في فيه خشية أن تدركه الرحمة.
وبعدها آتاه الجواب (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين)(5).
لقد سمعت الملائكة دعاء كلا المكروبين, ولكن فرق عظيم, فالأول: تقول فيه: صوت معروف في أرض غريبة, هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة.
وأما الآخر فينزل جبريل يدس الوحل في فيه خشية أن تدركه الرحمة.
__________
(1) - الأنبياء: 87
(2) - الصافات: 144
(3) - الأنبياء:88
(4) - يونس: 90
(5) - يونس: 91(1/64)
يا ترى! ما الفرق بين الحالين, والكرب واحد, والصورة واحدة؟!! إن الفرق واضح, والبون شاسع.
فرق بين من عرف الله في الرخاء ومن ضيعه, فرق بين من أطاع الله في الرخاء ومن عصاه.
فيونس رخاؤه صلاة ودعاء ودعوة.
وفرعون رخاؤه ظلم وفسق وكفر وجحود.
وأما رسول الله عليه السلام فيقول: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عامله الله باللطف والإعانة في حال شدته وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء
وقال رجل لأبي الدرداء أوصني فقال اذكر الله في السراء يذكرك الله عز وجل في الضراء وعنه أنه قال ادع الله في يوم سرائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك وأعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا الموت وما بعده أشد منه
أذكرك أخي خبر الثلاثة من بني إسرائيل الذين قص النبي عليه السلام قصتهم, وأخبر خبرهم, يوم أن آواهم المبيت إلى غار فتدهدهت عليهم صخرة عظيمة أغلقت فم الغار, فإذا الغار صندوق مغلق محكم الإغلاق, مقفل موثق الإقفال.
إن نادوا فلن يسمع نداؤهم, وإن استنجدوا فلا أحد ينجدهم, وإن دفعوا فسواعدهم أضعف وأعجز من أن تدفع صخرة عظيمة سدت باب هذا الغار, وكانت كربة, وكانت شدة, فلم يجدوا وسيلة يتوسلون بها في هذه الشدة إلا أن يتذكروا معاملتهم في الرخاء, فدعوا الله في الشدة بصالح أعمالهم في الرخاء.(1/65)
دعا أحدهم ببره والديه, يوم أتى فوجدهما نائمين، وطعامهما قدح من لبن في يده، وصبيته يتضاغون من الجوع, وكان بين خيارين إما أن يوقظ الوالدين من النوم, وإما أن يطعم الصبية!! فلم يختر أيًا من هذين الخيارين, ولكن اختار خيارًا ثالثًا وهو أن يقف والقدح على يده والصبية يتضاغون عند قدميه، ينتظر استيقاظ الوالدين الكبيرين, والوالدان يغطان في نوم عميق حتى انبلج الصبح وأسفر الفجر فاستيقظا، وبدأ بهما وأعرض عن حنان الأبوة وقدم عليه حنان البنوة على الأبوة فشرب أبواه وانتظر بنوه.
((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه)).
ثم دعا الآخر, فتوسل إلى الله بخشيته لله ومراقبته يوم أن قدر على المعصية, وتمكن من الفاحشة ووصل إلى أحب الناس إليه، ابنة عمه, بعد أن اشتاق إليها طويلاً وراودها كثيرًا وحاول فأعيته المحاولة, حتى إذا أمكنته الفرصة واستطاع أن يصل إلى شهوته وينال لذته خاطبت فيه تلك المرأة مراقبة الله فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه, فارتعد القلب واقشعر الجلد, ووجفت النفس وتذكر مراقبة الله تعالى فوقه، فقام عنها, وهي أحب الناس إليه وترك المال الذي أعطاها.
((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه)).
ودعا الثالث فتوسل بعمل صالح قربه, وهو الصدق والأمانة حيث استأجر أجراء فأعطاهم أجرهم, وبقي واحد لم يأخذ أجره فنمّاه وضارب فيه, فإذا عبيد وماشية وثمر.
ثم جاء الأجير بعد زمن طويل يقول: أعطني حقي.
لقد كان يستطيع أن يقول: هذا حقك صاع من طعام, ولكنه كان أمينًا غاية الأمانة, نزيهًا غاية النزاهة, فقال: حقك ما تراه, كل هذا الرقيق, وكل هذه الماشية, كلها لك, فكانت مفاجأة لم يستوعبها عقل هذا الأجير الفقير, فقال: "اتق الله ولا تستهزئ بي" فقال: يا عبد الله إني لا أستهزء بك, إن هذا كله لك, فاستاقه جميعًا, ولم يترك له شيئًا.(1/66)
((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه)).
وتنامت دعواتهم, وتنامت مناجاتهم، فإذا الشدة تفرج والضيق يتسع, وإذا النور يشع من جديد فيخرجون من الغار يمشون(1).
فيا من يريد جواب دعاءه اصلح حالك في الرخاء مع ربك يكن معك في حال شدتك وكربتك .
الفصل الخامس
1- الأماكن الفاضلة للدعاء
2- أوقات يكون الدعاء فيها أقرب
3- الدعاء من القرآن
4- الدعاء من السنة
5- المختصر المفيد في شرح أسماء العزيز الحميد .
6- ختاماً
1-الأماكن الفاضلة التي يستجاب فيها الدعاء منها
1) الملتَزَم: وهو بجوار الحجر الأسود ، وسمي كذلك لأن الناس يلتزمونه بصدورهم وأيديهم ، وهو ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُلزِق صدره ووجهه بالمُلتَزَم (2) .
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – : الملتَزم ما بين الركن والباب (3) .
__________
(1) واها البخاري ح (2272)، ومسلم ح (2743
(2) - رواه الدارقطني ( 2/289 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 3/457 ) ، وفي الكبرى ( 5/164 ) إلا أنه وقع عنده عمرو بن شعيب عن عكرمة عن جده . وحسّنه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 5012 ) .
وقد قوّى الزيلعي في نصب الراية بعض طرق أحاديث الدعاء عند الملتزم .
(3) - رواه عبد الرزاق ( 5/76 ) و ابن أبي شيبة ( 3/236 ) ، ورواه مالك في الموطأ ( 1/424 ) بلاغاً .(1/67)
وعنه – رضي الله عنه – أنه كان يَلْزَمُ ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى المُلْتَزَم ، لا يَلْزَم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه (1) .
وعن مجاهد أنه قال :كانوا يَلْتَزِمُون ما بين الركن والباب ويَدْعُون (2) .
وقال محمد بن عبد الرحمن العبدي : رأيت عكرمة بن خالد ، وأبا جعفر وعكرمة مولى ابن عباس ، يلتزمون ما بين الركن وباب الكعبة (3) .
وعن معمر أنه قال : رأيت أيوب يُلصق بالبيت صدره ويديه (4) .
وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه (5) .
وأما التعلق بأستار الكعبة من غير تمسح أو طلب تبرّك فلا حرج فيه ، وكان التعلّق معروفاً ، وهو يدلّ على اللجوء والاستعاذة بالله .
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه جاء رجل فقال : إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ! فقال : اقتلوه (6) .
وذلك أنه قتل رجلاً من الأنصار ثم ارتد ولحق بالمشركين (7)
وقال – عليه الصلاة والسلام – في أربعة نفر : اقتلوهم وأن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة (8)
مما يدلّ على أن التعلّق بأستار الكعبة له أصل ، وكان معروفاً ، ولم يُنكره النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
__________
(1) - رواه البيهقي في الكبرى ( 5/164 )
(2) - رواه ابن أبي شيبة ( 3/236 ) .
(3) - رواه ابن أبي شيبة ( 3/236 ) .
(4) - رواه عبد الرزاق ( 5/74 ) .
(5) - رواه عبد الرزاق ( 5/76 ) .
(6) - البخاري .كتاب الجهاد والسير. باب قتل الأسير وقتل الصبر (4/28) ، ومسلم .كتاب الحج (2/989)
(7) - يُنظر لذلك التمهيد لابن عبد البر (6/167) .
(8) - رواه النسائي (7/105) والضياء في المختارة (3/248) والحاكم (2/62) وابن أبي شيبة (7/404)(1/68)
إلا أنه لا يُتعلّق بأستار الكعبة تبركاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ولما كانت الكعبة بيت الله الذي يُدعى ويُذكر عنده ، فإنه سبحانه يستجار به هناك ، وقد يُستمسك بأستار الكعبة (1) .
2-المسجد الحرام على وجه الخصوص ، ومكة على وجه العموم:
مكة – شرّفها الله وحرسها – هي البلد الأمين ، وفيها بيت الله ، ولذا تُضاعف الحسنات في الحرم ، وتعظم السيئات فيه .
وكانت قريش تُعظِّم البيت والدعاء عنده .
__________
(1) - مجموع الفتاوى (15/227) .(1/69)
ولذا لما صلّى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجيء بِسَلَى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقى القوم (1) فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه . قال ابن مسعود : وأنا أنظر لا أغني شيئا لو كانت لي مَنَعَة . قال : فجعلوا يضحكون ويحيل (2) بعضهم على بعض ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره فرفع رأسه ثم قال : اللهم عليك بقريش – ثلاث مرات – فشقّ عليهم إذ دعا عليهم . قال : وكانوا يَرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة (3) . ثم سمّى : اللهم عليك بأبي جهل وعليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط – وعد السابع فلم نحفظه – قال ابن مسعود : فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر (4) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار ، وما ازدادت عند المسلمين إلاّ تعظيماً ، وفيه معرفة الكفار بِصِدْقِه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له (5) .
__________
(1) - هو عقبة بن أبي مُعيط - لعنه الله - .
(2) - قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/417) : " ويُحيل بعضهم " كذا هنا بالمهملة من الإحالة ، والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما ، أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر ، ولمسلم من رواية زكريا " ويَميل " بالميم ، أي من كثرة الضحك.
(3) - قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/418) : ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام .
(4) - رواه البخاري . كتاب الوضوء . باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته ... (1/65) .
(5) - فتح الباري (1/419)(1/70)
وأما بقية المساجد فللأحاديث الواردة في فضل الدعاء بين الإذان والإقامة ، والغالب في حال المسلم أنه يكون في المسجد في هذا الوقت .
والذي يظهر أن الوقت والمكان اجتمعا في الدعاء بين الإذان والإقامة . والله أعلم .
3) : الصفا والمروة حال السّعي :
فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فَعَلا عليه حتى نظر إلى البيت ، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو (1) .
وكان عمر – رضي الله عنه – إذا صعد الصفا استقبل البيت ، ثم كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، يرفع بها صوته ، ثم يدعو قليلا ، ثم يفعل ذلك على المروة حتى يفعل ذلك سبع مرات (2) .
قال ابن عبد البر : وفيه - أي حديث جابر- أن الصفا والمروة موضع دعاء تُرجى فيه الإجابة (3) .
بالإضافة إلى عرفة فإنها من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء ، فهي جمعت بين الزمان والمكان .
4) عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر ليلة عيد الأضحى لمن كان حاجاً:
كما مرّ في حديث جابرِ بنِ عبدِ اللّهِ – رضي الله عنهما –قال : ثُمّ ركبَ القصواءَ حتّى وقفَ على المَشعرِ الحرامِ ، واستقبلَ القبلةَ ، فدعا اللّهَ ، وكبّرَهُ ، وهلّلَهُ ، ووحّدَهُ ، حتى أسفر جداً
وبعد رمي الجمرات عدا جمرة العقبة ، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله ، فقد كان يقوم بعد الجمرة الصغرى والوسطى قياماً طويلاً فيدعو ، كما حكاه عنه ابن عمر – رضي الله عنهما – (4) .
2- الأوقات يكون فيها الدعاء أقرب وأحرى للإجابة
أولاً : بين الإذان والإقامة
__________
(1) - رواه مسلم . كتاب الجهاد والسير ( 3/1406 ) .
(2) - رواه ابن أبي شيبة ( 6/82 ) .
(3) - التمهيد ( 2/91 ) .
(4) - رواه البخاري في كتاب الحج . باب من رمى جمرة العقبة... ( 2/623 ) .(1/71)
عندما يكون العبد في انتظار الصلاة فهو في صلاة ، وهو في قُربة وطاعة .
عن أَنَس – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (لا يُرَدّ الدّعَاء بَيْنَ اْلإذانِ والإِقَامَة ) (1) .
ولفظه عند الترمذي . قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : الدّعَاءُ لاَ يُرَدّ بَيْنَ الإذانِ والإقَامَة . قالُوا فَمَإذا نَقُولُ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ : سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدّنْيَا وَالآخِرَة) (2)
قال ابن عمر : كُنّا نُحَدَّث أن أبواب السماء تُفْتَح عند كل إذان .
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُصلِّي قبل الظهر أربعاً ، ويقول : إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح (3) .
ثانياً : آخر ساعة من يوم الجمعة
عن أبي هريرةَ – رضي الله عنه – قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (في يوم الجمعة ساعةٌ لا يُوافِقها مسلمٌ ، وهو قائمٌ يُصلي يسألُ اللّهَ خيراً إلاّ أعطاه إيّاه . وقال بيده يقللها يزهدها ) (4) .
وفي حديث عبد الله بن سلاَم – رضي الله عنه – قال : قلت - ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس - :
__________
(1) - حديثٌ صحيح : رواه أحمد ( 3/119 ) وأبو داود ( 1/144 )
(2) - حَدِيثٌ حَسَنٌ . ... ... ... ... ... ... ... =
كما في المسند ( 3/155 ) وعند النسائي في الكبرى ( 6/22 ) وابن أبي شيبة في المصنف ( 6/31 ) وابن حبان ( 4/594 إحسان ) والضياء في المختارة ( 4/392 ) .
(3) - حديث صحيح : رواه أحمد ( 3/411 ) والترمذي ( 2/342 ) والضياء في المختارة ( 9/394 ) والطبراني في الأوسط (4/353) من حديث عبد الله بن السائب – رضي الله عنه – .
(4) - رواه البخاري .كتاب الدعوات. باب قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ( 7/165 ، 166) ومسلم . كتاب الجمعة ( 2/584 ) .(1/72)
(إنا لنَجِدُ في كتاب الله تعالى في يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبد مؤمن يُصلي يسأل الله بها شيئا إلا قضى الله له حاجته ). قال عبد الله : فأشار إليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أو بعضُ ساعة . فقلت : صدقت ، أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال : آخر ساعات النهار . قلت : إنها ليست ساعة صلاة. قال : بلى ، إن العبد إذا صلى ، ثم جلس لم يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة (1) .
وقد أشكل هذا على أبي هريرة حول هذه الساعة ، وكيف يكون العبد في صلاة ، وهي ساعة نُهي عن الصلاة فيها ؟
فقد حدَّثَ أبو هريرة – رضي الله عنه – أنه لَقي عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – فحدّثه عن مجلس جَلَسَه مع كعب الأحبار ، وأنهما تذاكرا فيه ساعة الجمعة ، فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي . قال أبو هريرة : فقلت له : فأخبرني بها. فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة . فقلت : كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا يصادفها عبد مسلم وهو يُصَلِّي . وتلك الساعة لا يُصَلَّى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : مَنْ جلس مجلسا ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يُصلي ؟ قال : فقلت : بلى . قال : هو ذاك (2) .
__________
(1) - حديث صحيح : رواه الإمام أحمد ( 5/451 ) وابن ماجه ( 2/32 ). وقوله : ( إنا لنَجِدُ في كتاب الله تعإلى ) يعني : التوراة . وعبد الله بن سلام كان يهودياً فأسلم فرضي الله عنه وأرضاه .
(2) - حديث صحيح : رواه أحمد ( 5/451 ) وأبو داود ( 1/274 ) ومالك في الموطأ ( 1/109 ) والترمذي ( 2/362 ) والنسائي ( 3/128 ) وابن حبان ( 7/7 ) والحاكم ( 1/413 ) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.(1/73)
ثالثاً : عند صعود الخطيب المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة (1)
وقع الخلاف حول ساعة الجمعة ، وما ذلك إلا لخفائها ، وإخفاؤها لأجل الاجتهاد وطلبها والحرص عليها ، كما أُخفيت ليلة القدر .
عن أبي بُرْدَةَ بنِ أبي مُوسَى الأشعري قال : قال لِي عَبْدُ الله ابنُ عُمر : أسَمِعْتَ أبَاكَ يُحَدّثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شَأْنِ الْجُمُعَةَ – يَعْني السّاعَةَ – ؟ قال : قُلْتُ : نَعَمْ سَمِعْتُهُ يقولُ : سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولُ : هِيَ مَا بَيْنَ أنْ يَجْلِسَ الإمامُ إلى أنْ تُقْضَى الصّلاَةُ . قالَ أبُو دَاوُدَ : يَعْني عَلى المِنْبَرِ (2) .
وللعلماء كلام حول هذا الحديث ، ولا يمنع أن تكون الساعة قد قُسِمتْ بين هذين الوقتين ، وفضل الله واسع لا حصر له . والله أعلم .
ولكن ينبغي التّنبُّه إلى أنه لا يُشتغل بالدعاء حال الخُطبة ، ولا تُرفعُ الأيدي إلا في الاستسقاء ، أي إذا دعا الإمام يوم الجمعة لطلب سُقيا المطر .
رابعاً : جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبة:
عندما تهدأ العيون ، وتغار النجوم ، ويتلذذ أُناس بالنوم على الفُرُش ، فإن أُناساً من المؤمنين يُناجون من لا تأخذه سِنة ولا نوم ، فيستجيب لهم .
__________
(1) - لا تكن أعجز الناس فتترك سلاحك لمؤلفه عبد الرحمن السحيم
(2) - رواه مسلم . كتاب الجمعة ( 2/584 ) وأبو داود ( 1/276 ) ، وانظر – غير مأمور – صحيح الترغيب والترهيب للألباني ( 1/369 ) حاشية (1) .(1/74)
فعن أبي أمامة قال : حدثني عَمْرُو بنُ عَبسَةَ أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقُولُ :( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرّبّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ اللّيْلِ الآخِرِ ، فإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمّنْ يَذْكُرُ الله في تِلْكَ السّاعَةِ فَكُنْ )(1) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيبَ له ، ومن يسألُني فأعطيَه ، ومن يستغفرني فأغفرَ له ) (2) .
وفي صحيح مسلم من حديث عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ، وذلك كل ليلة ) (3) .
__________
(1) - حديث صحيح : رواه الترمذي ( 5/569 ) والنسائي في الكبرى ( 1/482 ) وابن خزيمة ( 2/182 ) والحاكم ( 1/453 ) وابن عبد البر في التمهيد ( 4/23 ) ، وقال : وهو حديث صحيح ، وطرقه كثيرة حسان شامية .
(2) - رواه البخاري . كتاب التهجد . باب الدعاء والصلاة من آخر الليل …( 2/47 ) ومسلم .كتاب صلاة المسافرين وقصرها ( 1/521 ، 522 ) .
(3) - كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/521 ، 522) .(1/75)
وكَانَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ إذا قَامَ إلى الصّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ :( اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ومَنْ فيهنّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيّامُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ ، أَنْتَ الْحَقّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقّ ، وَقَوْلُكَ الْحَقّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقّ ، وَالْجَنّةُ حَقّ ، وَالنّارُ حَقّ ، والنَّبيُّون حقٌّ ، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حقٌّ ، وَالسّاعَةُ حَقّ . اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وما أَخّرْتُ ، وما أَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ . أَنْتَ المُقَدِّم وأنت المؤخِّر ، لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ ) (1) .
فيُثني على الله – عز وجل – بما هو أهله ثم يدعوه .
وذلك لما يَعْلَم – عليه الصلاة والسلام – من فضل الدعاء في جوف الليل ، ولِمَا سيأتي من أن الدعاء عند الاستيقاظ مستجابٌ لمن بات متطهراً .
وخرّج المحاملي وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (قال الله تعالى : من ذا الذي دعاني فلم أجبه ، وسألني فلم أعطه ، واستغفرني فلم أغفر له ، وأنا أرحم الراحمين) (2) .
__________
(1) - متفق عليه : وفي رواية لهما : ( قيّمُ ) بدل ( قيام ) ..
(2) - ذَكَرَه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/480) ، ومعناه صحيح .(1/76)
عَن أبي أُمَامَةَ قال : قِيلَ لرَسُولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( أَيّ الدّعَاءِ أسْمَعُ ؟ قال : جَوْف اللّيْلِ الآخِرُ ، وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) (1) .
وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ : أي قبل السلام كما ثبتت بذلك الأحاديث .
ففي حديث عبد الله بن مسعود - وذكر صفة التشهد - قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به . وفي رواية : ثم ليتخيّر من المسألة ما شاء أو ما أحب ) (2) . أي قبل السلام .
خامساً : يومُ عرفة
في ذلك الموقف العظيم يُباهي رب العزة سبحانه ملائكته بعباده الذين أتوه شُعثاً غُبراً .
قال – عليه الصلاة والسلام – : إن الله عز وجل يُباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شُعثاً غبراً (3) .
وعَنْ عَمْرِو بنِ شُعْيبٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنّبِيّونَ مِنْ قَبْلِي : لاَ إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَديرٌ (4) .
سادساً : ليلة القدر
__________
(1) - حديث صحيح : رواه الترمذي ( 5/526 ) و قال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . وهو كما قال . ورواه النسائي في الكبرى ( 6/32 ) وعبد الرزاق في المصنف (2/424 ) .
(2) - الرواية الأولى رواها البخاري . كتاب الإذان . باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب ( 1/203 ) ، والثانية رواها مسلم . كتاب الصلاة ( 1/302 ) .
(3) - حديث صحيح : رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله عمرو بن العاص (2/224) ، ومن حديث أبي هريرة (2/305) .
(4) - حديث حسن بمجموع طُرقه : رواه الترمذي ( 5/572 ) .
ورواه موصولاً من حديث أبي هريرة في شعب الإيمان ( 3/462 ) .(1/77)
عَن عَائِشَةَ قالَتْ قُلْتُ : يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَة القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا ؟ قال : قُولِي :( اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي) (1) .
فأرشدها إلى الدعاء ، ودلّها عليه في تلك الليلة المباركة .
ولذا قالت عائشة – رضي الله عنها – : لو علمت أي ليلة ليلة القدر ، لكان أكثر دعائي فيها أنْ أسأل العفو والعافية (2) .
سابعاً : عند الصف في سبيل الله ، وعند الإذان
عندما تلتحم الصفوف ، وتبلغ القلوب الحناجر ، ويذكر المحبّ حبيبه ، يذكر المؤمن ربّه ويدعوه ويتضرعّ إليه .
قال ابن القيم – رحمه الله – : من أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه ، ولهذا أمر الله سبحانه عباده بذكره على جميع الأحوال وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)(3) والمُحِبُّون يفتخرون بذكرهم أحبابهم وقت المخاوف وملاقاة الأعداء كما قال قائلهم :
ولقد ذكرتك والرماح كأنها ... أشطان بئر في لَبان الأدهم
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... بَرَقَتْ كبارق ثغرك المتبسِّم
وفي بعض الآثار الإلهية : إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قِرنه . فعلامة المحبة الصادقة ذكر المحبوب عند الرغب والرهب (4) .
فإذا كان الأمر كذلك فإن الداعي وقت التحام الصفوف أقرب ما يكون إلى الإجابة .
__________
(1) - حديث صحيح : رواه أحمد ( 6/258 ) والترمذي ( 5/534 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ، والنسائي في الكبرى ( 4/407 ) وابن ماجه ( 4/273 ) والحاكم ( 1/712 ) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
(2) - رواه النسائي في الكبرى (6/218) .
(3) - الأنفال:45
(4) - روضة المحبين (272) باختصار يسير .(1/78)
روى الإمام مالك عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنهُ قَال :( سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السّمَاءِ ، وَقَلّ دَاعٍ تُرَدّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ : حَضْرَةُ النّدَاءِ لِلصّلاةِ ) (1) ، وَالصّفُّ فِي سَبِيلِ اللّهِ (2) .
وعنه – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (ثنتان لا تُردان ، أو قلما تُردّان : الدعاء عند النداء وعند البأس ؛ حين يلحم بعضهم بعضا ) (3) .
وقد تقدم أن الدعاء عند الإذان لا يُردّ ، وفي الإعادة إفادة .
ثامناً : عند نزول الغيث :
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثنتان ما تردّان – أو قلّما تردّان – : الدعاء عند النداء ، وتحت المطر (4) .
تاسعاً : أوقات متفرقة
عن جابر بن عبد الله أن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً : يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين ، فعُرف البِشر في وجهه . قال جابر : فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخّيت تلك الساعة ، فأدعو فيها فأعرف الإجابة (5) .
__________
(1) - يعني الإذان للصلاة .
(2) - البخاري في الأدب المفرد ( ص 246 صحيح الأدب ) والبيهقي في الكبرى ( 1/411 ) ، ورواه مرفوعاً ابن حبان ( 5/5 إحسان ) . ويشهد له ما بعده .
(3) - حديث صحيح : رواه أبو داود (3/21) والدرامي (1/293) وابن خزيمة (1/219) وابن الجارود في المنتقى (ص 267) والحاكم (1/313)
(4) - حديث حسن : رواه الحاكم (2/124) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى (3/360) وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم ( 3079 ) .
(5) - حديث حسن : رواه أحمد ( 3/332 ) والبخاري في الأدب المفرد ( ص 262 صحيح الأدب ) وهو حديث حسن كما قال الألباني .(1/79)
وقد يتهيأ للعبد أكثر من فرصة لإجابة الدعاء ، كأن يكون مسافراً عصر الجمعة ، فيجتمع حال السفر مع ساعة الإجابة آخر النهار ، وقد يدعوا بين الإذان والإقامة وهو ساجد يصلي فيجتمع حال السجود مع هذا الوقت الذي هو مظنة إجابة الدعوة .
وقد تجتمع ثلاثُ فُرص ، كالمسافر عصر الجمعة ويدعوا لأخيه بظهر الغيب وهكذا .
3-أدعية قرآنية
...
1- {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}(1).
2- {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (2).
3- {رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}(3).
4- {رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(4).
5- {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(5).
6- {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(6).
7- {حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}(7).
8- {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}(8).
9- {رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(9).
__________
(1) - طه: 25- 28
(2) - القصص: 16
(3) - آل عمران: 53
(4) - البقرة: 201
(5) - البقرة: 285
(6) - البقرة: 286
(7) - التوبة:129
(8) - القصص: 22
(9) القصص: 21(1/80)
10- {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(1).
11- {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(2).
12- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}(3).
13- {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}(4).
14- {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(5).
15- {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(6).
16- {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (7).
17- {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}(8).
18- {رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (9).
19- {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}(10) .
20- {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(11).
21- {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(12).
22- {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (13).
23- {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}(14).
__________
(1) - الأعراف: 23
(2) - هود: 47
(3) - المؤمنون: 109
(4) - الفرقان: 65- 66
(5) - الفرقان: 74
(6) - نوح: 28
(7) - البقرة: 127-128
(8) -إبراهيم: 40
(9) - المائدة: 83
(10) - إبراهيم: 35
(11) -القصص: 24
(12) - الممتحنة: 4
(13) - الأنبياء: 89
(14) - الأنبياء: 87(1/81)
24- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1).
25- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(2).
26- {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (3).
27- {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(4)
28- {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (5).
29- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} (6).
30- {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (7).
31- {رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (8).
__________
(1) - يونس: 85-86.
(2) - آل عمران: 147
(3) - المؤمنون: 118
(4) آل عمران: 8.
(5) - آل عمران: 191-194
(6) - الأحقاف: 15
(7) - الحشر: 10
(8) - الكهف: 10(1/82)
32- {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(1).
33- {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}(2)
34- {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (3).
35- {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}(4) ، {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (5).
36- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ}(6) .
37- {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(7).
38- {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(8).
39- {رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} (9).
40- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (10).
41- {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(11).
42- {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(12).
43- {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (13).
4- أدعية نبوية
1- "اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار".(14) .
__________
(1) - طه: 114
(2) - المؤمنون: 97-98.
(3) - إبراهيم: 41
(4) - الشعراء: 83-85
(5) - الشعراء: 87
(6) - الصافات: 100
(7) - التحريم: 8
(8) - آل عمران: 16
(9) - العنكبوت: 30
(10) - الأعراف: 47
(11) -الممتحنة:5
(12) - النمل: 19
(13) - آل عمران: 38
(14) - رواه البخاري ومسلم.(1/83)
2- اللهم أكثر مالي، وولدي، وبارك لي فيما أعطيتني" (يدل عليه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنس "اللهم أكثر ماله، وولده وبارك له فيما أعطيته) (1). [وأطل حياتي على طاعتك وأحسن عملي] واغفر لي".
3- اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات".(2)
4- اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء". رواه البخاري ومسلم ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
5- "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ".(3).
6- "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة".(4) وغيره ولفظه "سلو الله العافية في الدنيا والآخرة" وفي لفظ: "سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية"(5)
7- "رب أعني ولا تُعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكُر لي ولا تمكُر عليَّ، واهدني ويسِّر الهدى إِليَّ، وانصرني على من بغى عليَّ، ربِّ اجعلني لك شكَّاراً، لك ذكَّاراً، لك رهَّاباً، لك مِطواعاً، إِليك مخبتاً أوَّاها منيباً، ربِّ تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبِّت حجتي، واهد قلبي، وسدِّد لساني، واسلل سخيمة قلبي" (6)
__________
(1) البخاري
(2) - رواه البخاري ومسلم
(3) - أخرجه مسلم
(4) - الترمذي 5/534
(5) - صحيح الترمذي 3/180 و 3/185 و 3/170 .
(6) - أبو داود 2/83 والترمذي 5/554 وابن ماجه 2/1259 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/519 وانظر صحيح الترمذي 3/178 وأحمد 1/127.(1/84)
8- "اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله". (1).
9- "اللهم إني أسألك الهدى، والتُقى، والعفاف، والغِنى".(2).
10- "اللهم اهدني وسددني، اللهم إني أسألك الهدى والسداد". (3).
11- "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك". (4).
12- "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم إِني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم".(5).
13- "اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما عملتُ، ومن شرِّ ما لم أعمل". رواه مسلم.
14- "لا إِله إِلا الله العظيم الحليم، لا إِله إِلا الله رب العرش العظيم، لا إِله إِلا الله ربُّ السماوات، وربُّ الأرض، وربُّ العرش الكريم".(6).
15- "اللهم رحمتك أرجو فلا تكِلني إلى نفسي طرفة عينٍ، وأصلح لي شأني كله، لا إِله إِلا أنت".(7).
16- "لا إله إِلا أنت سبحانك إِني كنت من الظالمين".(8) وفي رواية "دعوة ذي النون إذْ دعا وهو في بطن الحوت: لا إِله إِلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له".(9)
17- "اللهم مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك".(10).
__________
(1) -لترمذي 5/537 وابن ماجه 2/1264 بمعناه
(2) - أخرجه مسلم
(3) - أخرجه مسلم
(4) - أخرجه مسلم
(5) - رواه البخاري ومسلم
(6) - البخاري 7/154، ومسلم 4/2093
(7) - أبو داود 4/324، وأحمد 5/42
(8) - الترمذي 5/295 والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/505
(9) - صحيح الترمذي 3/168
(10) - مسلم 2045(1/85)
18- "يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك".(1)
19- "اللهم إِني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك. أسألك بكلِّ اسم هو لك سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همي"(2).
20- "اللهم إِني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها. أنت وليُّها ومولاها. اللهم إِني أعوذُ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها".(3)
21- "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة". (4)
22- "اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي".(5).
23- "اللهم رب جبرائيل، وميكائيل وربَّ إِسرافيل، أعوذ بك من حرِّ النار ومن عذاب القبر".
24- "اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي
25- "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وأعوذ بك من علمٍ لا ينفع".
26- "اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيء الأسقام".(6)
27- "اللهم إِني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وإذا أردت فتنة قومٍ فتوفَّني غير مفتونٍ، وأسألك حبَّك، وحبَّ من يُحبك، وحبَّ عملٍ يُقربني إلى حبك
__________
(1) - صحيح الجامع 6/309 وصحيح الترمذي 3/171. وقد قالت أم سلمة رضي الله عنها "كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم
(2) - أحمد 1/391، 452 والحاكم 1/509 وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار.
(3) - أخرجه مسلم.
(4) - أحمد 4/181 والطبراني في الكبير
(5) - أبو داود 2/92 صحيح الترمذي 3/166 ، والنسائي 8/271
(6) - صحيح النسائي 3/1116 وصحيح الترمذي 3/184.(1/86)
28- "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفَّني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إِني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرِّضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قُرَّة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرِّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذَّة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مُضرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضلةٍ، اللهم زيِّنا بزينة الإِيمان، واجعلنا هُداةً مهتدين".
29- "اللهم احفظني بالإِسلام قائماً، واحفظني بالإِسلام قاعداً، واحفظني بالإِسلام راقداً، ولا تُشمت بي عدواً ولا حاسداً. اللهم إني أسألك من كلِّ خيرٍ خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كلِّ شرٍّ خزائنه بيدك".
30- "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، اللهم متِّعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوَّاتنا ما أحييتنا، واجعلهم الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا".
31- "اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من أن أردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر".
32- "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت. اللهم إني أعوذ بعزتك لا إِله إِلا أنت أن تُضلَّني. أنت الحيُّ الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
33- "اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كلِّ إثمٍ، والغنيمة من كلِّ برٍّ، والفوز بالجنة، والنجاة من النار".
34- "اللهم أعنا على ذكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك".(1/87)
35- "اللهم إِني أسألك إِيماناً لا يرتدُّ، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة محمدٍ صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد".
36- "اللهم قني شرَّ نفسي، واعزم لي على أرشد أمري، اللهم اغفر لي ما أسررت، وما أعلنت، وما أخطأت، وما عمدت، وما علمت، وما جهلت".
37- "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت ولا مُضلَّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرِّب لما باعدت، ولا مباعد لما قرَّبت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إِني أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذٌ بك من شر ما أعطيتنا وشرِّ ما منعتنا، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفَّنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدُّون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أُوتوا الكتاب، إله الحقِّ [آمين]".
38- "اللهم اجعل أوسع رزقك عليَّ عند كبر سني، وانقطاع عمري".
39- "اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي".
40- "اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإِنه لا يملكها إلا أنت".
41- "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول".
42- "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع. أعوذ بك من هؤلاء الأربع".
43- "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء".
44- "اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني، أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة".
45- "اللهم متِّعني بسمعي، وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من يظلمني، وخذ منه بثأري".(1/88)
46- "اللهم إني أسألك عيشةً نقيةً، وميتةً سويَّةً، ومردّاً غير مُخزٍ ولا فاضح".
47- "اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، والقسوة، والغفلة، والعيلة، والذلة، والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر، والكفر، والفسوق، والشقاق، والنفاق، والسمعة، والرياء، وأعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام".
48- "اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم".
49- "اللهم إِني أعوذ بك من التَّردِّي، والهدم، والغرق، والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً".
50- "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإِنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإِنها بئست البطانة".
51- "اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم".
52- "اللهم انفعني بما علَّمتني، وعلِّمني ما ينفعني، وزدني علماً".
53- "اللهم إِني أسألك من الخير كله: عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرِّ كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إِني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شرِّ ما استعاذ بك منه عبدك ونبيُّك. اللهم إني أسألك الجنة، وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألك أن تجعل كلَّ قضاءٍ قضيتهُ لي خيراً".
54- "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء".(1)
55- "اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحبُّ العفو فاعف عني".(2)
56- "اللهم ارزقني حبك، وحُبَّ من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أُحبُّ فاجعله قوةً لي فيما تحب، اللهم ما زويت عني مما أحبُّ فاجعله فراغاً لي فيما تحبُّ".
__________
(1) - صحيح الترمذي 3/184
(2) - صحيح الترمذي 3/170(1/89)
57- "اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، اللهم نقِّني منها كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد".
58- "اللهم إني أعوذ بك من البخل، والجبن، وسوء العمر، وفتنة الصدر وعذاب القبر".
59- "اللهم رب السماوات [السبع] ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيءٍ، فالق الحبَّ والنوى، ومنزل التوراة والإِنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرِّ كلِّ شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر".
60- "اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إِنك أنت التَّوَّاب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتممها علينا".
61- "اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأعمال، والأدواء".
62- "اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف عليَّ كل غائبةٍ لي بخيرٍ".
63- "اللهم حاسبني حساباً يسيراً".
64- "اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة".
65- "اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار" (ثلاث مراتٍ).
66- "اللهم فقِّهني في الدِّين".
67- "اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإِسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدِّي، وخطئي وعمدي، وكلُّ ذلك عندي".
68- "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت. فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
69- اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني"."واجبرني وارفعني".(1/90)
70- اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تُهنَّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا".
71- "اللهم أحسنت خلقي فأحسن خُلُقي".
72- "اللهم ثبِّتني واجعلني هادياً مهديّاً".
73- "اللهم آتني الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتي خيراً كثيراً".
74- "اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإِحسان إلى يوم الدين.
75- "اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم".
76- "اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إِله إِلا أنت [وحدك لا شريك لك] المنَّان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإِكرام، يا حيُّ يا قيُّوم، إِني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار".
77- "اللهم إني أسأل علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبَّلاً".
78- "اللهم إِنِّي أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إِله إِلا أنت، الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".
79- "ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إِنك أنت التَّوَّاب الغفور".(1/91)
80- "اللهم إني أسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبِّتني، وثقِّل موازيني، وحقق إِيماني، وارفع درجاتي، وتقبَّل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العُلى من الجنة، اللهم إني أسألك فواتح الخير، وخواتمه، وجوامعه، وأوله، وظاهره، وباطنه، والدرجات العلى من الجنة آمين. اللهم إني أسألك خير ما آتي، وخير ما أفعل وخير ما أعمل، وخير ما بطن، وخير ما ظهر، والدرجات العلى من الجنة آمين. اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتحصِّن فرجي، وتُنوِّر قلبي، وتغفر لي ذنبي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين. اللهم إني أسألك أن تبارك في نفسي، وفي سمعي، وفي بصري، وفي روحي، وفي خلقي، وفي خُلُقي، وفي أهلي، وفي محياي، وفي مماتي، وفي عملي، فتقبَّل حسناتي، وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين
5- الأسماء الحسنى
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله تسعةً وتسعين اسماً ؛ مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة " (1) أي من حفظها ، وفهم معانيها ومدلولها ، وأثنى على الله بها ، وسأله بها ، واعتقدها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون .
وقد ذكر العلماء مراتب إحصاء أسمائه تعالى التي من أحصاها دخل الجنة .
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }(2)وهو مرتبتان :
إحداهما : ثناء وعبادة .
__________
(1) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 و مسلم 4/2063 واللفظ لمسلم .
(2) -سورة الأعراف الآية 180(1/92)
والثاني : دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال : يا موجود ، أو يا شيء ، أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضياً لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم .(1).
والأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد فإنَّ لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما في الحديث الصحيح : (( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ))(2)
فجعل أسماءه ثلاثة أقسام : قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه ، وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده ، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه ولهذا قال : ((استأثرت به )) أي انفردت بعلمه وليس المراد انفراده بالتسمي به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه . ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : (( فيفتح عليَّ من محامده بما لا أحسنه الآن ))(3)وتلك المحامد هي تفي بأسمائه وصفاته .
__________
(1) - بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعإلى 1/164 .
(2) -أخرجه أحمد 1/391 وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني انظر تخريج الكلم الطيب ص 73 .
(3) مسلم 1/183و 185 وغيره .(1/93)
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ))(1) وأما قوله صلى الله عليه سلم : (( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة))(2) فالكلام جملة واحدة . وقوله (( من أحصاها دخل الجنة )) صفة لا خبر مستقبل . والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة . وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها . وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك قد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدّون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه .(3)
اسم الله الأعظم
ورد اسم الله الأعظم في أحاديث كثيرة , منها :
1 - عن بريدة رضي الله عنه قال : سَمعَ الْنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم رجلاً يدعُو وهوَ يَقُولُ: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الأحَدُ الصَّمدُ الَّذِي لمْ يَلدْ ولمْ يُولَدْ ولمْ يكُنْ لهُ كفواً أحدٌ. قَالَ فَقَالَ : (والَّذِي نفسي بيدهِ لقَدْ سألَ اللهَ باسمهِ الأعظمِ الَّذِي إذا دُعيَ بهِ أجابَ وإذا سُئِلَ بهِ أعطى) رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة , و قال المنذري : قال شيخنا أبو الحسن المقدسي : هو إسناد لا مطعن فيه , و لا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه , و قال الحافظ ابن حجر : هذا الحديث أرجح ما ورد في هذا الباب من حيث السند .
__________
(1) مسلم 1/352 .
(2) البخاري مع الفتح 5/354 و 11/214 ومسلم 4/2063 وقد شرحه ابن حجر في الفتح 11/214 - 228 والحديث في آخره (( وهو وتر يحب الوتر )) .
(3) بدائع الفوائد للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعإلى 1/166-167 وانظر أيضا فتاوى ابن تيمية 6/379-382 .(1/94)
2 - عَن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دَخَلَ الْنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم المسجدَ ورجلٌ قَدْ صَلَّى وهُوَ يدعُو وهو يَقُولُ في دُعائِهِ الَّلهُمَّ لا إلهَ إلاّ أنتَ المَنَّانُ بديعَ السَّماواتِ والأَرْضِ ذا الجلالِ والإكرامِ. فَقَالَ الْنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم (أتدرونَ بما دَعَا اللهَ؟ دَعَا اللهَ باسمِهِ الأعظمِ الَّذِي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ بِهِ أعْطَى) رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه .
3 - عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (اسم الله العظم في هاتين الآيتين ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) , ( ألم , اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) . رواه أحمد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه , و قال الترمذي حديث حسن صحيح .
4 - عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (هل أدلكم على اسم الله الأعظم , الذي إذا دعي به أجاب , و إذا سئل به أعطى ؟ الدعوة التي دعا بها يونس حيث نادى في الظلمات الثلاث : (أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) , فقال رجل : يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (ألا تسمع قول الله عز وجل : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) . رواه الحاكم .(1/95)
6- المختصر المفيد في شرح أسماء العزيز الحميد
1-الله : هو الاسم الذي تفرد به الحق سبحانه وخص به نفسه ، وجعله أول أسمائه وأضافها كلها إليه ولم يضفه إلى إسم منها ، فكل ما يرد بعده يكون نعتا له وصفة ،وهو إسم يدل دلالة العلم على الإله الحق وهو يدل عليه دلالة جامعة لجميع الأسماء الإلهية الأحادية .هذا والاسم (الله) سبحانه مختص بخواص لم توجد في سائر أسماء الله تعالى .
2-3-الرحمن الرحيم: الرحمن الرحيم إسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة في الأصل رقة في القلب تستلزم التفضل والإحسان ، وهذا جائز في حق العباد ، ولكنه محال في حق الله سبحانه وتعالى، والرحمة تستدعى مرحوما .. ولا مرحوم إلا محتاج ، والرحمة منطوية على معنيين الرقة .. والإحسان ، فركز تعالى في طباع الناس الرقة وتفرد بالإحسان . ولا يطلق الرحمن إلا على الله تعالى ، إذ هو الذي وسع كل شيء رحمة ، والرحيم تستعمل في غيره وهو الذي كثرت رحمته ، وقيل أن الله رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ، وذلك أن إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين ، ومن الآخرة يختص بالمؤمنين ، اسم الرحمن أخص من اسم الرحيم ، والرحمن نوعا من الرحمن ، وأبعد من مقدور العباد ، فالرحمن هو العطوف على عباده بالإيجاد أولا .. وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا .. والإسعاد في الآخرة ثالثا ، والإنعام بالنظر إلى وجهه الكريم رابعا . الرحمن هو المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد ، والرحيم هو المنعم بما يتصور صدور جنسه من العباد(1/96)
4- الملك: الملك هو الظاهر بعز سلطانه ، الغنى بذاته ، المتصرف في أكوانه بصفاته ، وهو المتصرف بالأمر والنهي ، أو الملك لكل الأشياء ، الله تعالى الملك المستغنى بذاته وصفاته وأفعاله عن غيرة ، المحتاج إليه كل من عداه ، يملك الحياة والموت والبعث والنشور ، والملك الحقيقي لا يكون إلا لله وحده ، ومن عرف أن الملك لله وحده أبى أن يذل لمخلوق ، وقد يستغنى العبد عن بعض أشياء ولا يستغنى عن بعض الأشياء فيكون له نصيب من الملك ، وقد يستغنى عن كل شيء سوى الله ، والعبد مملكته الخاصة قلبه .. وجنده شهوته وغضبه وهواه .. ورعيته لسانه وعيناه وباقي أعضائه .. فإذا ملكها ولم تملكه فقد نال درجة الملك في عالمه ، فإن انضم إلى ذلك استغناؤه عن كل الناس فتلك رتبة الأنبياء ، يليهم العلماء وملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد ، بهذه الصفات يقرب العبد من الملائكة في صفاته ويتقرب إلى الله
5-القدوس: تقول اللغة أن القدس هو الطهارة ، والأرض المقدسة هي المطهرة ، والبيت المقدس :الذي يتطهر فيه من الذنوب ، وفي القرآن الكريم على لسان الملائكة وهم يخاطبون الله ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) أي نطهر أنفسنا لك ، وجبريل عليه السلام يسمى الروح القدس لطهارته من العيوب في تبليغ الوحي إلى الرسل أو لأنه خلق من الطهارة ، ولا يكفي في تفسير القدوس بالنسبة إلى الله تعالى أن يقال أنه منزه عن العيوب والنقائص فإن ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب مع الله ، فهو سبحانه منزه عن أوصاف كمال الناس المحدودة كما أنه منزه عن أوصاف نقصهم ، بل كل صفة نتصورها للخلق هو منزه عنها وعما يشبهها أو يماثلها(1/97)
6-السلام: تقول اللغة هو الأمان والاطمئنان ، والحصانة والسلامة ، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة ، وأن القلب السليم هو الخالص من العيوب ، والسلم (بفتح السين أو كسرها ) هو المسالمة وعدم الحرب ، الله السلام لأنه ناشر السلام بين الأنام ، وهو مانح السلامة في الدنيا والآخرة ، وهو المنزه ذو السلامة من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله ، فكل سلامة معزوة إليه صادرة منه ، وهو الذي سلم الخلق من ظلمه ، وهو المسلم على عباده في الجنة ، وهو في رأي بعض العلماء بمعنى القدوس . والإسلام هو عنوان دين الله الخاتم وهو مشتق من مادة السلام الذي هو إسلام المرء نفسه لخالقها ، وعهد منه أن يكون في حياته سلما ومسالما لمن يسالمه ، وتحية المسلمين بينهم هي ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) والرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعوة إلى السلام فيقول : السلام من الإسلام.. افشوا السلام تسلموا .. ثلاث من جمعهن فقد جمع الأيمان : الأنصاف مع نفسه ، وبذل السلام للعالم ، والأنفاق من الإقتار ( أي مع الحاجة ) .. افشوا السلام بينكم .. اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، واليك يعود السلام ،فحينا ربنا بالسلام(1/98)
7-المؤمن: الإيمان في اللغة هو التصديق ، ويقال آمنه من الأمان ضد الخوف ، والله يعطى الأمان لمن استجار به واستعان ، الله المؤمن الذي وحد نفسه بقوله ( شهد الله أنه لا اله إلا هو ) ، وهو الذي يؤمن أولياءه من عذابه ، ويؤمن عباده من ظلمه ، هو خالق الطمأنينة في القلوب ، أن الله خالق أسباب الخوف وأسباب الأمان جميعا وكونه تعالى مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا ، كما أن كونه مذلا لا يمنع كونه معزا ، فكذلك هو المؤمن المخوف ، إن إسم ( المؤمن ) قد جاء منسوبا إلى الله تبارك وتعالى في القرآن مرة واحدة في سورة الحشر في قوله تعالى: ( هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ) سورة الحشر
8-المهيمن: الهيمنة هي القيام على الشيء والرعاية له ، والمهيمن هو الرقيب أو الشاهد ، والرقيب اسم من أسماء الله تبارك وتعالى معناه الرقيب الحافظ لكل شيء ، المبالغ في الرقابة والحفظ ، أو المشاهد العالم بجميع الأشياء ، بالسر والنجوى ، السامع للشكر والشكوى ، الدافع للضر والبلوى ، وهو الشاهد المطلع على أفعال مخلوقاته ، الذي يشهد الخواطر ، ويعلم السرائر ، ويبصر الظواهر ، وهو المشرف على أعمال العباد ، القائم على الوجود بالحفظ والاستيلاء(1/99)
9-العزيز: العز في اللغة هو القوة والشدة والغلبة والرفعة و الامتناع ، والتعزيز هو التقوية ، والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى هو الخطير ،( الذي يقل وجود مثله . وتشتد الحاجة إليه . ويصعب الوصول إليه ) وإذا لم تجتمع هذه المعاني الثلاث لم يطلق عليه اسم العزيز ، كالشمس : لا نظير لها .. والنفع منها عظيم والحاجة شديدة إليها ولكن لا توصف بالعزة لأنه لا يصعب الوصول الي مشاهدتها . وفي قوله تعالى: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) فالعزة هنا لله تحقيقا ، ولرسوله فضلا ، وللمؤمنين ببركة إيمانهم برسول الله عليه الصلاة والسلام
10-الجبار: اللغة تقول : الجبر ضد الكسر ، وإصلاح الشيء بنوع من القهر ، يقال جبر العظم من الكسر ، وجبرت الفقير أي أغنيته ، كما أن الجبار في اللغة هو العالي العظيم
والجبار في حق الله تعالى هو الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد ، ولا تنفذ قيه مشيئة أحد ، ويظهر أحكامه قهرا ، ولا يخرج أحد عن قبضة تقديره ، وليس ذلك إلا لله ، وجاء في حديث الإمام على ( جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها ) أي أنه أجبر القلوب شقيها وسعيدها على ما فطرها عليه من معرفته ، وقد تطلق كلمة الجبار على العبد مدحا له وذلك هو العبد المحبوب لله ، الذي يكون جبارا على نفسه ..جبارا على الشيطان .. محترسا من العصيان
والجبار هو المتكبر ، والتكبر في حق الله وصف محمود ، وفي حق العباد وصف مذموم
11-المتكبر: المتكبر ذو الكبرياء ، هو كمال الذات وكمال الوجود ، والكبرياء والعظمة بمعنى واحد ، فلا كبرياء لسواه ، وهو المتفرد بالعظمة والكبرياء ، المتعالي عن صفات الخلق ، الذي تكبر عما يوجب نقصا أو حاجة ، أو المتعالي عن صفات المخلوقات بصفاته وذاته(1/100)
كل من رأي العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره حيث يرى نفسه أفضل الخلق مع أن الناس في الحقوق سواء ، كانت رؤيته كاذبة وباطلة ، إلا لله تعالى
12-الخالق: الخلق في اللغة بمعنى الإنشاء ..أو النصيب لوافر من الخير والصلاح . والخالق في صفات الله تعالى هو الموجد للأشياء ، المبدع المخترع لها على غير مثال سبق ، وهو الذي قدر الأشياء وهي في طوايا لعدم ، وكملها بمحض الجود والكرم ، وأظهرها وفق إرادته ومشيئته وحكمته .
والله الخالق من حيث التقدير أولا ، والبارئ للإيجاد وفق التقدير ، والمصور لترتيب الصور بعد الإيجاد ، ومثال ذلك الإنسان .. فهو أولا يقدر ما منه موجود ..فيقيم الجسد ..ثم يمده بما يعطيه الحركة والصفات التي تجعله إنسانا عاقلا
13- البارئ: تقول اللغة البارئ من البرء ، وهو خلوص الشيء من غيره ، مثل أبرأه الله من مرضه .
البارئ في أسماء الله تعالى هو الذي خلق الخلق لا عن مثال ، والبرء أخص من الخلق ، فخلق الله السموات والأرض ، وبرأ الله النسمة ، وبرأ الله آدم من طين
البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات ، وهو موجود الأشياء بريئة من التفاوت وعدم التناسق ، وهو معطى كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل ،وبعض العلماء يقول أن اسم البارئ يدعى به للسلامة من الآفات ومن أكثر من ذكره نال السلامة من المكروه
14-المصور: تقول اللغة التصوير هو جعل الشيء على صورة ، والصورة هي الشكل والهيئة(1/101)
المصور من أسماء الله الحسنى هو مبدع صور المخلوقات ، ومزينها بحكمته ، ومعطى كل مخلوق صورته على ما أقتضت حكمته الأزلية ، وكذلك صور الله الناس في الأرحام أطوارا ، وتشكيل بعد تشكيل ، ، وكما قال الله نعإلى ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) ، وكما يظهر حسن التصوير في البدن تظهر حقيقة الحسن أتم وأكمل في باب الأخلاق ، ولم يمن الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم كما من عليه بحسن الخلق حيث قال ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، وكما تتعدد صور الأبدان تتعدد صور الأخلاق والطباع
15- الغفار : في اللغة الغفر والغفران : الستر ، وكل شيء سترته فقد غفرته ، والغفار من أسماء الله الحسنى هي ستره للذنوب ، وعفوه عنها بفضله ورحمنه ، لا بتوبة العباد وطاعتهم ، وهو الذي اسبل الستر على الذنوب في الدنيا وتجاوز عن عقوبتها في الآخرة ، وهو الغافر والغفور والغفار ، والغفور أبلغ من الغافر ، والغفار أبلغ من الغفور ، وأن أول ستر الله على العبد أم جعل مقابح بدنه مستورة في باطنه ، وجعل خواطره وإرادته القبيحة في أعماق قلبه وإلا مقته الناس ، فستر الله عوراته .
16-القهار: القهر في اللغة هو الغلبة والتذليل معا ، وهو الإستيلاء على الشيء فبالظاهر والباطن .. والقاهر والقهار من صفات الله تعالى وأسمائه ، والقهار مبالغة في القاهر فالله هو الذي يقهر خلقه بسلطانه وقدرته ، هو الغالب جميع خلقه رضوا أم كرهوا ، قهر الإنسان على النوم(1/102)
وإذا أراد المؤمن التخلق بخلق القهار فعليه أن يقهر نفسه حتى تطيع أوامر ربها و يقهر الشيطان و الشهوة و الغضب . روى أن أحد العارفين دخل على سلطان فرآه يذب ذبابة عن وجهه ، كلما طردها عادت ، فسال العارف : لم خلق الله الذباب ؟ فأجابه العارف : ليذل به الجبابرة
17- الوهاب : الهبة أن تجعل ملكك لغيرك دون عوض ، ولها ركنان أحدهما التمليك ، والأخر بغير عوض ، والواهب هو المعطى ، والوهاب مبالغة من الوهب ، والوهاب والواهب من أسماء الله الحسنى ، يعطى الحاجة بدون سؤال ، ويبدأ بالعطية ، والله كثير النعم
18- الرزاق : الرزاق من الرزق ، وهو معطى الرزق ، ولا تقال إلا لله تعالى . والأرزاق نوعان، " ظاهرة " للأبدان " كالأكل ، و " باطنة " للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم ، والله إذا أراد بعبده خيرا رزقه علما هاديا ، ويدا منفقة متصدقة ، وإذا أحب عبدا أكثر حوائج الخلق إليه ، وإذا جعله واسطة بينه وبين عباده في وصول الأرزاق إليهم نال حظا من اسم الرزاق
19- الفتاح : الفتح ضد الغلق ، وهو أيضا النصر ، والاستفتاح هو الا ينكشف كل مشكل ، فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ، وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائها ، ومن بيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق ، وسبحانه يفتح للعاصين أبواب مغفرته ، و يفتح أبواب الرزق للعباد
20-العليم : العليم لفظ مشتق من العلم ، وهو أدراك الشيء بحقيقته ، وسبحانه العليم هو المبالغ في العلم ، فعلمه شامل لجميع المعلومات محيط بها ، سابق على وجودها ، لا تخفي عليه خافية ، ظاهرة وباطنة ، دقيقة وجليلة ، أوله وآخره ، عنده علم الغيب وعلم الساعة ، يعلم ما في الأرحام ، ويعلم ما تكسب كل نفس ، ويعلم بأي أرض تموت .(1/103)
والعبد إذا أراد الله له الخير وهبه هبة العلم ، والعلم له طغيان أشد من طغيان المال ويلزم الإنسان الا يغتر بعلمه ، روى أن جبريل قال لخليل الله إبراهيم وهو في محنته ( هل لك من حاجة ) فقال إبراهيم ( أما إليك فلا ) فقال له جبريل ( فاسأل الله تعالى ) فقال إبراهيم ( حسبي من سؤالي علمه بحالي ) . ومن علم أنه سبحانه وتعالى العليم أن يستحى من الله ويكف عن معاصيه ومن عرف أن الله عليم بحاله صبر على بليته وشكر عطيته وأعتذر عن قبح خطيئته
21-القابض : القبض هو الأخذ ، وجمع الكف على شيء ، و قبضه ضد بسطه، الله القابض معناه الذي يقبض النفوس بقهره والأرواح بعدله ، والأرزاق بحكمته ، والقلوب بتخويفها من جلاله . والقبض نعمة من الله تعالى على عباده ، فإذا قبض الأرزاق عن إنسان توجه بكليته لله يستعطفه ، وإذا قبض القلوب فرت داعية في تفريج ما عندها ، فهو القابض الباسط
22- الباسط : بسط بالسين أو بالصاد هي نشره ، ومده ، وسره ، الباسط من أسماء الله الحسنى معناه الموسع للأرزاق لمن شاء من عباده ، وأيضا هو مبسط النفوس بالسرور والفرح ، وقيل : الباسط الذي يبسط الرزق للضعفاء ، ويبسط الرزق للأغنياء حتى لا يبقى فاقة ، ويقبضه عن الفقراء حتى لا تبقى طاقة .
يذكر اسم القابض والباسط معا ، لا يوصف الله بالقبض دون البسط ، يعنى لا يوصف بالحرمان دون العطاء ، ولا بالعطاء دون الحرمان
23-الخافض: الخفض ضد الرفع ، وهو الانكسار واللين ، الله الخافض الذي يخفض بالإذلال أقواما ويخفض الباطل ، والمذل لمن غضب عليه ، ومسقط الدرجات لمن استحق
وعلى المؤمن أن يخفض عنده إبليس وأهل المعاصي ، وأن يخفض جناح الذل من الرحمة لوالديه والمؤمنين
24- الرافع : الرافع سبحانه هو الذي يرفع أوليائه بالنصر ، ويرفع الصالحين بالتقرب ، ويرفع الحق ، ويرفع المؤمنين بالإسعاد(1/104)
والرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها ، كقوله تعالى: ( الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ) ، وتارة في البناء إذا طولته كقوله تعالى: ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) ، وتارة في الذكر كقوله تعالى: ( ورفعنا لك ذكرا " ) ، وتارة في المنزلة إذا شرفتها كقوله تعالى: ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
25-المعز : المعز هو الذي يهب العز لمن يشاء ، الله العزيز لأنه الغالب القوى الذي لا يغلب ، وهو الذي يعز الأنبياء بالعصمة والنصر ، ويعز الأولياء بالحفظ والوجاهة ، ويعز المطيع ولو كان فقيرا ، ويرفع التقى ولو كان عبد حبشيا
وقد اقترن اسم العزيز باسم الحكيم ..والقوى..وذي الانتقام ..والرحيم ..والوهاب..والغفار والغفور..والحميد..والعليم..والمقتدر..والجبار . وقد ربط الله العز بالطاعة، فهي طاعة ونور وكشف حجاب ، وربط سبحانه الذل بالمعصية ، فهي معصية وذل وظلمة وحجاب بينك وبين الله سبحانه، والأصل في إعزاز الحق لعباده يكون بالقناعة ، والبعد عن الطمع
26-المذل : الذل ما كان عن قهر ، والدابة الذلول هي المنقادة غير متصعبة ، والمذل هو الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده ، إن من مد عينه إلى الخلق حتى أحتاج إليهم ، وسلط عليه الحرص حتى لا يقنع بالكفاية ، واستدرجه بمكره حتى اغتر بنفسه ، فقد أذله وسلبه ، وذلك صنع الله تعالى ، يعز من يشاء ويذل من يشاء والله يذل الإنسان الجبار بالمرض أو بالشهوة أو بالمال أو بالاحتياج إلى سواه ، ما أعز الله عبد بمثل ما يذله على ذل نفسه ، وما أذل الله عبدا بمثل ما يشغله بعز نفسه ، وقال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين(1/105)
27- السميع : الله هو السميع ، أي المتصف بالسمع لجميع الموجودات دون حاسة أو آلة ، هو السميع لنداء المضطرين ، وحمد الحامدين ، وخطرات القلوب وهواجس النفوس ،و مناجاة الضمائر ، ويسمع كل نجوى ، ولا يخفي عليه شيء في الأرض أو في السماء ، لا يشغله نداء عن نداء، ولا يمنعه دعاء عن دعاء
28- البصير : البصر هو العين ، أو حاسة الرؤية ، والبصيرة عقيدة القلب ، والبصير هو الله تعالى ، يبصر خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، الذي يشاهد الأشياء كلها ، ظاهرها وخافيها ، البصير لجميع الموجدات دون حاسة أو آلة
وعلى العبد أن يعلم أن الله خلق له البصر لينظر به إلى الآيات وعجائب الملكوت ويعلم أن الله يراه ويسمعه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تره فإنه يراك ) ، روى أن بعض الناس قال لعيسى بن مريم عليه السلام: هل أجد من الخلق مثلك ، فقال : من كان نظره عبرة ، ويقظته فكره ، وكلامه ذكرا فهو مثلى
29- الحكم : الحكم لغويا بمعنى المنع ، والحكم اسم من السماء الله الحسنى ، هو صاحب الفصل بين الحق والباطل ، والبار والفاجر ، والمجازى كل نفس بما عملت ، والذي يفصل بين مخلوقاته بما شاء ، المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والثواب . والله الحكم لا راد لقضائه ، ولا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، لا يقع في وعده ريب ، ولا في فعله غيب ، وقال تعالى : واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين
قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ) ، وحظ العبد من هذا الاسم الشريف أن تكون حاكما على غضبك فلا تغضب على من أساء إليك ، وأن تحكم على شهوتك إلا ما يسره الله لك ، ولا تحزن على ما تعسر ، وتجعل العقل تحت سلطان الشرع ، ولا تحكم حكما حتى تأخذ الأذن من الله تعالى الحكم العدل(1/106)
30- العدل : العدل من أسماء الله الحسنى ، هو المعتدل ، يضع كل شيء موضعه ، لينظر الإنسان إلى بدنه فإنه مركب من أجسام مختلفة، هي: العظم.. اللحم .. الجلد ..، وجعل العظم عمادا.. واللحم صوانا له .. والجلد صوانا للحم ، فلو عكس الترتيب وأظهر ما أبطن لبطل النظام ، قال تعالى ( بالعدل قامت السموات والأرض ) ، هو العدل الذي يعطى كل ذي حق حقه ، لا يصدر عنه إلا العدل ، فهو المنزه عن الظلم والجور في أحكامه وأفعاله ، وقال تعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ، وحظ العبد من اسم العدل أن يكون وسطا بين طرفي الإفراط والتفريط ، ففي غالب الحال يحترز عن التهور الذي هو الإفراط ، والجبن الذي هو التفريط ، ويبقى على الوسط الذي هو الشجاعة ، وقال تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) الآية.
31- اللطيف : اللطيف في اللغة لها ثلاث معاني الأول : أن يكون عالما بدقائق الأمور ، الثاني : هو الشيء الصغير الدقيق ، الثالث : أطيف إذا رفق به وأوصل إليه منافعه التي لا يقدر على الوصول إليها بنفسه . واللطيف بالمعنى الثاني في حق الله مستحيل ، وقوله تعالى: ( الله لطيف بعباده ) يحتمل الممعنين الأول والثالث ، وإن حملت الآية على صفة ذات الله كانت تخويفا لأنه العالم بخفايا المخالفات بمعنى قوله تعالى: ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) . والله هو اللطيف الذي اجتمع له الرفق في العقل ، والعلم بدقائق الأمور وإيصالها لمن قدرها له من خلقه ، في القرآن في أغلب الأحيان يقترن اسم اللطيف باسم الخبير فهما يتلاقيان في المعنى.(1/107)
32- الخبير : الله هو الخبير ، الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا تتحرك حركة إلا يعلم مستقرها ومستودعها . والفرق بين العليم والخبير ، أن الخبير يفيد العلم ، ولكن العليم إذا كان للخفايا سمى خبيرا . ومن علم أن الله خبير بأحواله كان محترزا في أقواله وأفعاله واثقا أن ما قسم له يدركه ، وما لم يقسم له لا يدركه فيرى جميع الحوادث من الله فتهون عليه الأمور ، ويكتفي باستحضار حاجته في قلبه من غير أن ينطق لسانه.
33- الحليم : الحليم لغويا : الأناة والتعقل ، والحليم هو الذي لا يسارع بالعقوبة ، بل يتجاوز الزلات ويعفو عن السيئات ، الحليم من أسماء الله الحسنى بمعنى تأخيره العقوبة عن بعض المستحقين ثم يعذبهم ، وقد يتجاوز عنهم ، وقد يعجل العقوبة لبعض منهم وقال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) . وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم ( إن إبراهيم لحليم آواه منيب ) ، وعن إسماعيل ( فبشرناه بغلام حليم ) . وروى أن إبراهيم عليه السلام رأي رجلا مشتغلا بمعصية فقال ( اللهم أهلكه ) فهلك ، ثم رأي ثانيا وثالثا فدعا فهلكوا ، فرأي رابعا فهم بالدعاء عليه فأوحى الله إليه : قف يا إبراهيم فلو أهلكنا كل عبد عصا ما بقى إلا القليل ، ولكن إذا عصى أمهلناه ، فإن تاب قبلناه ، وإن أصر أخرنا العقاب عنه ، لعلمنا أنه لا يخرج عن ملكنا.(1/108)
34- العظيم : العظيم لغويا بمعنى الضخامة والعز والمجد والكبرياء ، والله العظيم أعظم من كل عظيم لأن العقول لا يصل إلى كنه صمديته ، والأبصار لا تحيط بسرادقات عزته ، وكل ما سوى الله فهو حقير بل كالعدم المحض ، وقال تعالى ( فسبح باسم ربك العظيم ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب : ( لا إله إلا الله العظيم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش العظيم ) . قال تعالى : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وحظ العبد من هذا الاسم أن من يعظم حرمات الله ويحترم شعائر الدين ، ويوقر كل ما نسب إلى الله فهو عظيم عند الله وعند عباده.
35- الغفور : الغفور من الغفر وهو الستر ، والله هو الغفور يغفر فضلا وإحسانا منه ، هو الذي إن تكررت منك الإساءة وأقبلت عليه فهو غفارك وساترك ، لتطمئن قلوب العصاة ، وتسكن نفوس المجرمين ، ولا يقنط مجرم من روح الله فهو غافر الذنب وقابل التوبة
والغفور .. هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار .. هو من يغفر الذنوب الكثيرة . وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق الدعاء الأتي : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فأغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
36- الشكور: الشكر في اللغة هي الزيادة ، يقال شكر في الأرض إذا كثر النبات فيها ، والشكور هو كثير الشكر ، والله الشكور الذي ينمو عنده القليل من أعمال العبد فيضاعف له الجزاء ، وشكره لعبده هي مغفرته له ، يجازى على يسير الطاعات بكثير الخيرات ، ومن دلائل قبول الشكر من العبد الزيادة في النعمة ، وقال تعالى ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، والشكر من الله معناه أنه تعالى قادرا على إثابة المحسنين وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا.(1/109)
37- العلي : العلو هو ارتفاع المنزلة ، والعلي من أسماء التنزيه ، فلا تدرك ذاته ولا تتصور صفاته أو أدراك كماله ، والفرق بين العلى .. والمتعالي أن العلى هو ليس فوقه شيء في المرتبة أو الحكم ، والمتعالي هو الذي جل عن إفك المفترين ، والله سبحانه هو الكامل على الإطلاق فكان أعلى من الكل.
وحظ العبد من الاسم هو ألا يتصور أن له علوا مطلقا ، حيث أن أعلى درجات العلو هي للأنبياء ، والملائكة ، وعلى العبد أن يتذلل بين يدي الله تعالى فيرفع شأنه ويتعالى عن صغائر الأمور.
38- الكبير : الكبير هو العظيم ، والله تعالى هو الكبير في كل شيء على الإطلاق وهو الذي كبر وعلا في "ذاته" و "صفاته" و"أفعاله" عن مشابهة مخلوقاته ، وهو صاحب كمال الذات الذي يرجع إلى شيئين الأول : دوامه أزلا وأبدا ، والثاني :أن وجوده يصدر عنه وجود كل موجود ، وجاء اسم الكبير في القرآن خمسة مرات .أربع منهم جاء مقترنا باسم (العلى ) . والكبير من العباد هو التقى المرشد للخلق ، الصالح ليكون قدوة للناس ، يروى أن المسيح عليه السلام قال : من علم وعمل فذلك يدعى عظيما في ملكوت السموات.
39- الحفيظ : الحفيظ في اللغة هي صون الشيء من الزوال ، والله تعالى حفيظ للأشياء بمعنى أولا :أنه يعلم جملها وتفصيلها علما لا يتبدل بالزوال ، وثانيا :هو حراسة ذات الشيء وجميع صفاته وكمالاته عن العدم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي ، لا يزال عليك الله حارس ) ، وحظ العبد من الاسم أن يحافظ على جوارحه من المعاصي ، وعلى قلبه من الخطرات وأن يتوسط الأمور كالكرم بين الإسراف والبخل.(1/110)
40-المقيت : القوت لغويا هو ما يمسك الرمق من الرزق ، والله المقيت بمعنى هو خالق الأقوات وموصلها للأبدان وهي:الأطعمة وإلى القلوب وهي :المعرفة ، وبذلك يتطابق مع اسم الرزاق ويزيد عنه أن المقيت بمعنى المسئول عن الشيء بالقدرة والعلم ، ويقال أن الله سبحانه وتعالى جعل أقوات عباده مختلفة فمنهم من جعل قوته الأطعمة والأشربة وهم:الآدميون والحيوانات ، ومنهم من جعل قوته الطاعة والتسبيح وهم:الملائكة ، ومنهم من جعل قوته المعاني والمعارف والعقل وهم الأرواح.
وحظ العبد من الاسم ألا تطلب حوائجك كلها إلا من الله تعالى لأن خزائن الأرزاق بيده ، ويقول الله لموسى في حديثه القدسي : يا موسى اسألنى في كل شيء حتى شراك نعلك وملح طعامك.
41- الحسيب : الحسيب في اللغة هو المكافيء .والاكتفاء .والمحاسب . والشريف الذي له صفات الكمال ، والله الحسيب بمعنى الذي يحاسب عباده على أعمالهم ، والذي منه كفاية العبادة وعليه الاعتماد ، وهو الشرف الذي له صفات الكمال والجلال والجمال . ومن كان له الله حسيبا كفاه الله ، ومن عرف أن الله تعالى يحاسبه فإن نفسه تحاسبه قبل أن يحاسب.
42- الجليل : الجليل هو الله ، بمعنى الغنى والملك والتقدس والعلم والقدرة والعزة والنزاهة ، إن صفات الحق أقسام صفات جلال : وهي العظمة والعزة والكبرياء والتقديس وكلها ترجع إلى الجليل ، وصفات جمال : وهي اللطف والكرم والحنان والعفو والإحسان وكلها ترجع إلى الجميل ، وصفات كمال : وهي الأوصاف التي لا تصل إليها العقول والأرواح مثل القدوس ، وصفات ظاهرها جمال وباطنها جلال مثل المعطى ، وصفات ظاهرها جلال وباطنها جمال مثل الضار ، والجليل من العباد هو من حسنت صفاته الباطنة أما جمال الظاهر فأقل قدرا.(1/111)
43- الكريم : الكريم في اللغة هو الشيء الحسن النفيس ، وهو أيضا السخي ، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب ، والسخي هو المعطى عند السؤال ، والله سمى الكريم وليس السخي فهو الذي لا يحوجك إلى سؤال ، ولا يبالى من أعطى ، وقيل هو الذي يعطى ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بغير سؤال ، ويعفو عن السيئات ويخفي العيوب ويكافئ بالثواب الجزيل العمل القليل.
وكرم الله واسع حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة ، وآخر أهل النار خروجا منها ، رجلا يؤتى فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيقال عملت يوم كذا ..كذا وكذا ، وعملت يوم كذا..كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر ،وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه ،فيقال له :فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول : رب قد عملت أشياء ما أراها هنا ) وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
44- الرقيب : الرقيب في اللغة هو المنتظر والراصد، والرقيب هو الله الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، ويقال للملك الذي يكتب أعمال العباد ( رقيب ) ، وقال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ، الله الرقيب الذي يرى أحوال العباد ويعلم أقوالهم ، ويحصى أعمالهم ، يحيط بمكنونات سرائرهم ، والحديث النبوي يقول ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، وحظ العبد من الاسم أن يراقب نفسه وحسه ، وأن يجعل عمله خالص لربه بنية طاهرة.(1/112)
45- المجيب : المجيب في اللغة لها معنيان ، الأول الإجابة ، والثاني أعطاء السائل مطلوبه ، وفي حق الله تعالى المجيب هو مقابلة دعاء الداعين بالاستجابة ، وضرورة المضطرين بالكفاية ، المنعم قبل النداء ، ربما ضيق الحال على العباد ابتلاء رفعا لدرجاتهم بصبرهم وشكرهم في السراء والضراء ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( أدع الله وأنتم موقنون من الإجابة) وقد ورد أن اثنين سئلا الله حاجة وكان الله يحب أحدهما ويكره الآخر فأوحى الله لملائكته أن يقضى حاجة البغيض مسرعا حتى يكف عن الدعاء ، لأن الله يبغض سماع صوته ، وتوقف عن حاجة فلان لأني أحب أن أسمع صوته.
الواسع : الواسع مشتق من السعة ، تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع ، وتضاف مرة أخرى إلى الإحسان وبسط النعم ، الواسع المطلق هو الله تبارك وتعالى إذا نظرنا إلى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته ، وإذا نظرنا إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدور أته ، وفي القرآن الكريم اقترن اسم الواسع بصفة العليم ، ونعمة الله الواسع نوعان : نعمة نفع وهي التي نراها من نعمته علينا ، ونعمة دفع وهي ما دفعه الله عنا من أنواع البلاء ، وهي نعمة مجهولة وهي أتم من نعمة النفع ، وحظ العبد من الاسم أن يتسع خلقك ورحمتك عباد الله في جميع الأحوال.
46-الحكيم : الحكيم صيغة تعظيم لصاحب الحكمة ، والحكيم في حق الله تعالى بمعنى العليم بالأشياء وإيجادها على غاية الإحكام والإتقان والكمال الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويعلم خواصها ومنافعها ، الخبير بحقائق الأمور ومعرفة أفضل المعلومات بأفضل العلوم ، والحكمة في حق العباد هي الصواب في القول والعمل بقدر طاقة البشر.(1/113)
47- الودود : الود .. والوداد بمعنى الحب والصداقة ، والله تعالى ودود..أي يحب عباده ويحبونه ، والودود بثلاث معان الأول : أن الله مودود في قلوب أوليائه ، الثاني : بمعنى الوادّ وبهذا يكون قريب من الرحمة ، والفرق بينهما أن الرحمة تستدعى مرحوم محتاج ضعيف ، الثالث: أن يحب الله أوليائه ويرضى عنهم . وحظ العبد من الاسم أن يحب الخير لجميع الخلق ، فيحب للعاصي التوبة وللصالح الثبات ، ويكون ودودا لعباد الله فيعفو عمن أساء إليه ويكون لين الجانب لجميع الناس وخاصة أهله وعشيرته وكما حدث لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسرت رباعيته وأدمى وجهه فقال ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) فلم يمنعه سوء صنيعهم عن أرادته الخير لهم.
48- المجيد : اللغة تقول أن المجد هو الشرف والمروءة والسخاء ، والله المجيد يدل على كثرة إحسانه وأفضاله ، الشريف ذاته ، الجميل أفعاله ، الجزيل عطاؤه ، البالغ المنتهي في الكرم ، وقال تعالى ( ق والقرآن المجيد ) أي الشريف والمجيد لكثرة فوائده لكثرة ما تضمنه من العلوم والمكارم والمقاصد العليا ، واسم المجيد واسم الماجد بمعنى واحد فهو تأكيد لمعنى الغنى ، وحظ العبد من الاسم أن يكون كريما في جميع الأحوال مع ملازمة الأدب.
49- الباعث : الباعث في اللغة هو أثارة أو أرسله أو الإنهاض ، والباعث في حق الله تعالى لها عدة معان الأول : أنه باعث الخلق يوم القيامة ، الثاني : أنه باعث الرسل إلى الخلق ، الثالث: أنه يبعث عباده على الفعال المخصوصة بخلقه للإرادة والدواعي في قلوبهم ، الرابع : أنه يبعث عباده عند العجز بالمعونة والإغاثة وحظ العبد من الاسم أن يبعث نفسه كما يريد مولاه فعلا وقولا فيحملها على ما يقربها من الله تعالى لترقى النفس وتدنو من الكمال.(1/114)
50- الشهيد : شهد في اللغة بمعنى حضر وعلم وأعلم ، و الشهيد اسم من أسماء الله تعالى بمعنى الذي لا يغيب عنه شيء في ملكه في الأمور الظاهرة المشاهدة ، إذا اعتبر العلم مطلقا فالله هو العليم ، وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخبير ، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد ، والشهيد في حق العبد هي صفة لمن باع نفسه لربه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شهيد ، ومن مات في سبيل الله شهيد.
51- الحق : الحق هو الله ، هو الموجود حقيقة ، موجود على وجه لا يقبل العدم ولا يتغير ، والكل منه واليه ، فالعبد إن كان موجودا فهو موجود بالله ، لا بذات العبد ، فالعبد وإن كان حقا ليس بنفسه بل هو حق بالله ، وهو بذاته باطل لولا إيجاد الله له ، ولا وجود للوجود إلا به ، وكل شيء هالك إلا وجه الله الكريم ، الله الثابت الذي لا يزول ، المتحقق وجوده أزلا وأبدا.
52- الوكيل : تقول اللغة أن الوكيل هو الموكول إليه أمور ومصالح غيره ، الحق من أسماء الله تعالى تفيض بالأنوار ، فهو الكافي لكل من توكل عليه ، القائم بشئون عباده ، فمن توكل عليه تولاه وكفاه ، ومن استغنى به أغناه وأرضاه . والدين كله على أمرين ، أن يكون العبد على الحق في قوله وعمله ونيته ، وأن يكون متوكلا على الله واثقا به ، فالدين كله في هذين المقامين ، فالعبد آفته إما بسبب عدم الهداية وإما من عدم التوكل ، فإذا جمع الهداية إلى التوكل فقد جمع الإيمان كله.(1/115)
53-54-القوي المتين: هذان الاسمان بينهما مشاركة في أصل المعنى ، القوة تدل على القدرة التامة ، والمتانة تدل على شدة القوة والله القوى صاحب القدرة التامة البالغة الكمال ،والله المتين شديد القوة والقدرة والله متم قدره وبالغ أمره واللائق بالإنسان أن لا يغتر بقوته ، بل هو مطالب أن يظهر ضعفه أمام ربه ، كما كان يفعل عمر الفاروق حين يدعو ربه فيقول : ( اللهم كبرت سني وضعفت قوتي ) لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، هو ذو القوة أي صاحبها وواهبها ، وهذا لا يتعارض مع حق الله أن يكون عباده أقوياء بالحق وفي الحق وبالحق.
55- الولي : الولي في اللغة هو الحليف والقيم بالأمر ، والقريب و الناصر والمحب ، والولي أولا : بمعنى المتولي للأمر كولى اليتيم ، وثانيا : بمعنى الناصر ، والناصر للخلق في الحقيقة هو الله تبارك وتعالى ، ثالثا : بمعنى المحب وقال تعالى ( الله ولى الذين آمنوا ) أي يحبهم ، رابعا : بمعنى الوالي أي المجالس ، وموالاة الله للعبد محبته له ، والله هو المتولي أمر عباده بالحفظ والتدبير ، ينصر أولياءه ، ويقهر أعدائه ، يتخذه المؤمن وليا فيتولاه بعنايته ، ويحفظه برعايته ، ويختصه برحمته.
56- الحميد : الحميد لغويا هو المستحق للحمد والثناء ، والله تعالى هو الحميد ،بحمده نفسه أزلا ، وبحمده عباده له أبدا ، الذي يوفقك بالخيرات ويحمدك عليها ، ويمحو عنك السيئات ، ولا يخجلك لذكرها ، وان الناس منازل في حمد الله تعالى ، فالعامة يحمدونه على إيصال اللذات الجسمانية ، والخواص يحمدونه على إيصال اللذات الروحانية ، والمقربون يحمدونه لأنه هو لا شيء غيره ، ولقد روى أن داود عليه السلام قال لربه ( إلهي كيف أشكرك ، وشكري لك نعمة منك علىّ ؟ ) فقال الآن شكرتني.
والحميد من العباد هو من حسنت عقيدته وأخلاقه وأعماله وأقواله ، ولم تظهر أنوار اسمه الحميد جلية في الوجود إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/116)
57- المحصي : المحصى لغويا بمعنى الإحاطة بحساب الأشياء وما شأنه التعداد ، الله المحصى الذي يحصى الأعمال ويعدها يوم القيامة ، هو العليم بدقائق الأمور ، وإسرار المقدور ، هو بالمظاهر بصير ، وبالباطن خبير ، هو المحصى للطاعات ، والمحيط لجميع الحالات ، واسم المحصى لم يرد بالاسم في القرآن الكريم , ولكن وردت مادته في مواضع ، ففي سورة النبأ ( وكل شيء أحصيناه كتابا ) ، وحظ العبد من الاسم أن يحاسب نفسه ، وأن يراقب ربه في أقواله وأفعاله ، وأن يشعل وقته بذكر أنعام الله عليه ، ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) الآية.
58- المبدئ : المبدىء لغويا بمعنى بدأ وابتدأ ،والآيات القرآنية التي فيها ذكر لاسم المبدئ والمعيد قد جمعت بينهما ، والله المبدىء هو المظهر الأكوان على غير مثال ، الخالق للعوالم على نسق الكمال ، وأدب الإنسان مع الله المبدىء يجعله يفهم أمرين أولهما أن جسمه من طين وبداية هذا الهيكل من الماء المهين ، ثانيهما أن روحه من النور ويتذكر بدايته الترابية ليذهب عنه الغرور.
59-المعيد : المعيد لغويا هو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه ، وفي سورة القصص ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) ، أي يردك إلى وطنك وبلدك ، والميعاد هو الآخرة ، والله المعيد الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات ، ثم يعيدهم بعد الموت إلى الحياة ، ومن يتذكر العودة إلى مولاه صفا قلبه ، ونال مناه ، والله بدأ خلق الناس ، ثم هو يعيدهم أي يحشرهم ، والأشياء كلها منه بدأت واليه تعود.
60- المحيي : الله المحيى الذي يحيى الأجسام بإيجاد الأرواح فيها ، وهو محي الحياة ومعطيها لمن شاء ، ويحيى الأرواح بالمعارف ، ويحيى الخلق بعد الموت يوم القيامة ، وأدب المؤمن أن يكثر من ذكر الله خاصة في جوف الليل حتى يحيى الله قلبه بنور المعرفة.(1/117)
61-المميت : والله المميت والموت ضد الحياة ، وهو خالق الموت وموجهه على من يشاء من الأحياء متى شاء وكيف شاء ، ومميت القلب بالغفلة ، والعقل بالشهوة . ولقد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من دعائه إذا أوى إلى فراشه ( اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت ) وإذا أصبح قال : الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.
62-الحي : الحياة في اللغة هي نقيض الموت ، و الحي في صفة الله تعالى هو الباقي حيا بذاته أزلا وأبدا ، والأزل هو دوام الوجود في الماضي ، والأبد هو دوام الوجود في المستقبل ، والأنس والجن يموتون ، وكل شيء هالك إلا وجهه الكريم ، وكل حي سواه ليس حيا بذاته إنما هو حي بمدد الحي ، وقيل إن اسم الحي هو اسم الله الأعظم.
63-القيوم : اللغة تقول أن القيوم و السيد ، والله القيوم بمعنى القائم بنفسه مطلقا لا بغيره ، ومع ذلك يقوم به كل موجود ، ولا وجود أو دوام وجود لشيء إلا به ، المدبر المتولي لجميع الأمور التي تجرى في الكون ، هو القيوم لأنه قوامه بذاته وقوام كل شيء به ، والقيوم تأكيد لاسم الحي واقتران الإسمين في الآيات ، ومن أدب المؤمن مع اسم القيوم أن من علم أن الله هو القيوم بالأمور استراح من كد التعبير وتعب الاشتغال بغيره ولم يكن للدنيا عنده قيمة ، وقيل أن اسم الله الأعظم هو الحي القيوم.
64-الواجد : الواجد فيه معنى الغنى والسعة ، والله الواجد الذي لا يحتاج إلى شيء وكل الكمالات موجودة له مفقودة لغيره ، إلا إن أوجدها هو بفضله ، وهو وحده نافذ المراد ، وجميع أحكامه لا نقض فيها ولا أبرام ، وكل ما سوى الله تعالى لا يسمى واجدا ، وإنما يسمى فاقدا ، واسم الواجد لم يرد في القرآن ولكنه مجمع عليه ، ولكن وردت مادة الوجود مثل قوله تعالى: ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب ) الآية.(1/118)
65- الماجد : الماجد في اللغة بمعنى الكثير الخير الشريف المفضال ، والله الماجد من له الكمال المتناهي والعز الباهي ، الذي بعامل العباد بالكرم والجود ، والماجد تأكيد لمعنى الواجد أي الغنى المغنى ، واسم الماجد لم يرد في القرآن الكريم ، ويقال أنه بمعنى المجيد إلا أن المجيد أبلغ ، وحظ العبد من الاسم أن يعامل الخلق بالصفح والعفو وسعة الأخلاق.
66- الواحد : الواحد في اللغة بمعنى الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه أحد ، والواحد بمعنى الأحد وليس للأحد جمع ، والله تعالى واحد لم يرضى بالوحدانية لأحد غيره ، والتوحيد ثلاثة : توحيد الحق سبحانه وتعالى لنفسه ، وتوحيد العبد للحق سبحانه ، وتوحيد الحق للعبد وهو أعطاؤه التوحيد وتوفيقه له ، والله واحد في ذاته لا يتجزأ ، واحد في صفاته لا يشبهه شيء ، وهو لا يشبه شيء ، وهو واحد في أفعاله لا شريك له.
67-68-القادر المقتدر : الفرق بين الاسمين أن المقتدر أبلغ من القادر ، وكل منهما يدل على القدرة ،والقدير والقادر من صفات الله عز وجل ويكونان من القدرة ، والمقتدر ابلغ ، ولم يعد اسم القدير ضمن الأسماء التسعة وتسعين ولكنه ورد في آيات القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة.
والله القادر الذي يقدر على أيجاد المعدوم وإعدام الموجود ، أما المقتدر فهو الذي يقدر على إصلاح الخلائق على وجه لا يقدر عليه غيره فضلا منه وإحسانا.(1/119)
69-70- المقدم المؤخر : المقدم لغويا بمعنى الذي يقدم الأشياء ويضعها في موضعها ، والله تعالى هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدءا وختما ، وقدم أنبياءه وأولياءه بتقريبهم وهدايتهم ، أما المؤخر فهو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها ، والمؤخر في حق الله تعالى الذي يؤخر المشركين والعصاة ويضرب الحجاب بينه وبينهم ،ويؤخر العقوبة لهم لأنه الرؤوف الرحيم ، والنبى صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك لم يقصر في عبادته ، فقيل له ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) فأجاب : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) ، واسماء المقدم والمؤخر لم يردا في القرآن الكريم .
71-72-الأول الآخر : الأول لغويا بمعنى الذي يترتب عليه غيره ، والله الأول بمعنى الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، هو المستغنى بنفسه ، وهذه الأولية ليست بالزمان ولا بالمكان ولا بأي شيء في حدود العقل أو محاط العلم ، ويقول بعض العلماء أن الله سبحانه ظاهر باطن في كونه الأول أظهر من كل ظاهر لأن العقول تشهد بأن المحدث لها موجود متقدم عليها ، وهو الأول أبطن من كل باطن لأن عقلك وعلمك محدود بعقلك وعلمك ، فتكون الأولية خارجة عنه ، قال إعرابي للرسول عليه الصلاة والسلام : ( أين كان الله قبل الخلق ؟ ) فأجاب : ( كان الله ولا شيء معه ) فسأله الأعرابي : ( والآن ) فرد النبي بقوله : ( هو الآن على ما كان عليه ) ، أما الآخر فهو الباقي سبحانه بعد فناء خلقه ، الدائم بلا نهاية ، وعن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا الدعاء : يا كائن قبل أن يكون أي شيء ، والمكون لكل شيء ، والكائن بعدما لا يكون شيء ، أسألك بلحظة من لحظاتك الحافظات الغافرات الراجيات المنجيات.(1/120)
73-74- الظاهر الباطن : الظاهر لغويا بمعنى ظهور الشيء الخفي وبمعنى الغالب ، والله الظاهر لكثرة البراهين الظاهرة والدلائل على وجود إلهيته وثبوت ربوبيته وصحة وحدانيته ، والباطن سبحانه بمعنى المحتجب عن عيون خلقه ، وأن كنه حقيقته غير معلومة للخلق ، هو الظاهر بنعمته الباطن برحمته ، الظاهر بالقدرة على كل شيء والباطن العالم بحقيقة كل شيء.
75- الوالي : الله الوالي هو المالك للأشياء ، المستولى عليها ، فهو المتفرد بتدبيرها أولا ، والمتكفل والمنفذ للتدبير ثانيا ، والقائم عليها بالإدانة والإبقاء ثالثا ، هو المتولي أمور خلقه بالتدبير والقدرة والفعل ، فهو سبحانه المالك للأشياء المتكفل بها القائم عليها بالإبقاء والمتفرد بتدبيرها ، المتصرف بمشيئته فيها ، ويجرى عليها حكمه ، فلا وإلى للأمور سواه ، واسم الوالي لم يرد في القرآن ولكن مجمع عليه.
76- المتعالي : تقول اللغة يتعالى أي يترفع على ، الله المتعالى هو المتناهي في علو ذاته عن جميع مخلوقاته ، المستغنى بوجوده عن جميع كائناته ، لم يخلق إلا بمحض الجود ، وتجلى أسمه الودود ، هو الغنى عن عبادة العابدين ، الذي يوصل خيره لجميع العاملين ، وقد ذكر اسم المتعالي في القرآن مرة واحدة في سورة الرعد : ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) ، وقد جاء في الحديث الشريف ما يشعر باستحباب الإكثار من ذكر اسم المتعال فقال : بئس عبد تخيل واختال ، ونسى الكبير المتعال.(1/121)
77- البر : البر في اللغة بفتح الباء هو فاعل الخير والمحسن ، وبكسر الباء هو الإحسان والتقوى البر في حقه تعالى هو فاعل البر والإحسان ، هو الذي يحسن على السائلين بحسن عطائه،ويتفضل على العابدين بجزيل جزائه ، لا يقطع إحسان بسبب العصيان ، وهو الذي لا يصدر عنه القبيح ، وكل فعله مليح ، وهذا البر إما في الدنيا أو في الدين ، في الدين بالإيمان والطاعة أو بإعطاء الثواب على كل ذلك ، وأما في الدنيا فما قسم من الصحة والقوة والجاه والأولاد والأنصار وما هو خارج عن الحصر.
78- التواب : التوبة لغويا بمعنى الرجوع ، ويقال تاب وأناب وآب ، فمن تاب لخوف العقوبة فهو صاحب توبة ، ومن تاب طمعا في الثواب فهو صاحب إنابة ، ومن تاب مراعاة للأمر لا خوفا ولا طمعا فهو صاحب أوبة والتواب في حق الله تعالى هو الذي يتوب على عبده ويوفقه إليها وييسرها له ، ومالم يتب الله على العبد لا يتوب العبد ، فابتداء التوبة من الله تعالى بالحق ، وتمامها على العبد بالقبول ، فإن وقع العبد في ذنب وعاد وتاب إلى الله رحب به ، ومن زل بعد ذلك وأعتذر عفي عنه وغفر ، ، ولا يزال العبد توابا ، ولا يزال الرب غفارا.
79- المنتقم : النقمة هي العقوبة ، والله المنتقم الذي يقسم ظهور الطغاة ويشدد العقوبة على العصاة وذلك بعد الإنذار بعد التمكين والإمهال ، فإنه إذا عوجل بالعقوبة لم يمعن في المعصية فلم يستوجب غاية النكال في العقوبة.
80- العفو : العفو له معنيان الأول : هو المحو والإزالة ، و العفو في حق الله تعالى عبارة عن إزالة أثار الذنوب كلية فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين ، ولا يطالبه بها يوم القيامة وينسيها من قلوبهم كيلا يخجلوا عند تذكرها ويثبت مكان كل سيئة حسنة.(1/122)
81- الرؤوف : الرؤوف في اللغة هي الشديد الرحمة ، والرأفة هي نهاية الرحمة ، و الروؤف في أسماء الله تعالى هو المتعطف على المذنبين بالتوبة ، وعلى أوليائه بالعصمة ، ومن رحمته بعباده أن يصونهم عن موجبات عقوبته ، وإن عصمته عن الزلة أبلغ في باب الرحمن من غفرانه المعصية ، وكم من عبد يرثى له الخلق بما به من الضر والفاقة وسوء الحال وهو في الحقيقة في نعمة تغبطه عليها الملائكة.
82- مالك الملك : من أسماء الله تعالى الملك والمالك والمليك ، ومالك الملك والملكوت ، مالك الملك هو المتصرف في ملكه كيف يشاء ولا راد لحكمه ، ولا معقب لأمره ، والوجود كله من جميع مراتبه مملكة واحدة لمالك واحد هو الله تعالى ، هو الملك الحقيقي المتصرف بما شاء كيف شاء ، إيجادا وإعداما ، إحياء وإماتة ، تعذيبا وإثابة من غير مشارك ولا ممانع ، ومن أدب المؤمن مع اسم مالك الملك أن يكثر من ذكره وبذلك يغنيه الله عن الناس.
83- ذو الجلال والإكرام : ذو الجلال والإكرام إسم من أسماء الله الحسنى، هو الذي لا جلال ولا كمال إلا وهو له ، ولا كرامة ولا مكرومة إلا وهي صادرة منه ، فالجلال له في ذاته الكرامة فائضة منه على خلقه، وفي تقديم لفظ الجلال على لفظ الإكرام سر ، وهو أن الجلال إشارة إلى التنزيه ، وأما الإكرام فإضافة ولابد فيها من المضافين ، والإكرام قريب من معنى الإنعام إلا أنه أحص منه ، لأنه ينعم على من لا يكرم ، ولا يكرم غلا من ينعم عليه ، وقد قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مارا في طريق إذ رآه إعرابيا يقول : ( اللهم إني أسألك باسمك الأعظم العظيم ، الحنان المنان ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه دعي باسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أجاب ) ، ومتى أكثر العبد من ذكره صار جليل القدر بين العوالم ، ومن عرف جلال الله تواضع له وتذلل .(1/123)
84- المقسط : اللغة تقول أقسط الإنسان إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم ، والمقسط في حق الله تعالى هو العادل في الأحكام ، الذي ينتصف للمظلوم من الظالم، وكاله في أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء الظالم، وذلك غاية العدل والإنصاف، ولا يقدر عليه إلا الله تعالى، وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث بينما رسول الله جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي أضحكك؟ قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما ( يا ربى خذ مظلمتي من هذا ) فقال الله عز وجل: رد على أخيك مظلمته، فقال ( يا ربى لم يبق من حسناتي شيء) فقال عز وجل للطالب: (كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟) فقال ( يا ربى فليحمل عنى أوزاري ) ثم فاضت عينا رسول الله بالبكاء، وقال: ( إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس أن يحمل عنهم أوزارهم) قال فيقول الله عز جل _ أي للمتظلم _ ( أرفع بصرك فانظر في الجنان )، فقال (يا ربى أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ ،لأي نبي هذا ؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا ؟ ) قال الله تعالى عز وجل ( لمن أعطى الثمن ) فقال يا ربى ومن يملك ذلك؟ قال :أنت تملكه، فقال: بماذا يا ربى؟ فقال بعفوك عن أخيك، فقال: يا ربى قد عفوت عنه،قال عز وجل: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإن الله يعدل بين المؤمنين يوم القيامة.
85- الجامع : تقول اللغة إن الجمع هو ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، ويوم الجمع هو يوم القيامة ، لأن الله يجمع فيه بين الأولين والآخرين ، من الأنس والجن ، وجميع أهل السماء والأرض ، وبين كل عبد وعمله ، وبين الظالم والمظلوم ، وبين كل نبى وأمته ، وبين ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعصية.(1/124)
86- الغني : تقول اللغة أن الغنى ضد الفقر ، والغنى عدم الحاجة وليس ذلك إلا لله تعالى ، هو المستغنى عن كل ما سواه ، المفتقر اليه كل ما عداه ، هو الغنى بذاته عن العالمين ، المتعالى عن جميع الخلائق في كل زمن وحين ، الغنى عن العباد ، والمتفضل على الكل بمحض الوداد.
87- المغني : الله المغنى الذي يغنى من يشاء غناه عمن سواه ، هو معطى الغنى لعباده ، ومغنى عباده بعضهم عن بعض ، فالمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك ذلك لغيره، وهو المغنى لأوليائه من كنوز أنواره وحظ العبد من الاسم أن التخلق بالغنى يناسبه إظهار الفاقة والفقر إليه تعالى دائما وأبدا ، والتخلق بالمعنى أن تحسن السخاء والبذل لعباد الله تعالى.(1/125)
88-89- الضار النافع : تقول اللغة أن الضر ضد النفع ، والله جل جلاله هو الضار ، أي المقدر للضر لمن أراد كيف أراد ، هو وحده المسخر لأسباب الضر بلاء لتكفير الذنوب أو ابتلاء لرفع الدرجات ، فإن قدر ضررا فهو المصلحة الكبرى . الله سبحانه هو النافع الذي يصدر منه الخير والنفع في الدنيا والدين ، فهو وحده المانح الصحة والغنى ، والسعادة والجاه والهداية والتقوى والضار النافع إسمان يدلان على تمام القدرة الإلهية ، فلا ضر ولا نفع ولا شر ولا خير إلا وهو بإرادة الله ، ولكن أدبنا مع ربنا يدعونا إلى أن ننسب الشر إلى أنفستا ، فلا تظن أن السم يقتل بنفسه وأن الطعام يشبع بنفسه بل الكل من أمر الله وبفعل الله ، والله قادر على سلب الأشياء خواصها ، فهو الذي يسلب الإحراق من النار ، كما قيل عن قصة إبراهيم ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) ، والضار النافع وصفان إما في أحوال الدنيا فهو المغنى والمفقر ، وواهب الصحة لهذا والمرض لذاك ، وإما في أحوال الدين فهو يهدى هذا ويضل ذاك ، ومن الخير للذاكر أن يجمع بين الأسمين معا فإليهما تنتهي كل الصفات وحظ العبد من الاسم أن يفوض الأمر كله لله وأن يستشعر دائما أن كل شيء منه واليه.(1/126)
90- النور : تقول اللغة النور هو الضوء والسناء الذي يعين على الإبصار ، وذلك نوعان دنيوي وأخروي ، والدنيوي نوعان : محسوس بعين البصيرة كنور العقل ونور القرآن الكريم ، والأخر محسوس بعين البصر ، فمن النور الإلهي قوله تعالى: ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) ومن النور المحسوس قوله تعالى: ( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نور ) ، والنور في حق الله تعالى هو الظاهر في نفسه بوجوده الذي لا يقبل العدم ، المظهر لغيره بإخراجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود ، هو الذي مد جميع جميع المخلوقات بالأنوار الحسية والمعنوية ، والله عز وجل يزيد قلب المؤمن نورا على نور ، يؤيده بنور البرهان ، ثم يؤيده بنور العرفان ، والنور المطلق هو الله بل هو نور الأنوار ، ويرى بعض العارفين أن اسم النور هو اسم الله الأعظم.
91- الهادئ : تقول اللغة أن الهداية هي الإمالة ، ومنه سميت الهدية لأنها تميل قلب المهدي إليه الهدية إلى الذي أهداه الهدية ، والله الهادي سبحانه الذي خص من أراد من عباده بمعرفته وأكرمه بنور توحيده ويهديه إلى محاسن الأخلاق وإلى طاعته ، ويهدى المذنبين إلى التوبة ، ويهدى جميع المخلوقات إلى جلب مصالحها ودفع مضارها وإلى ما فيه صلاحهم في معاشهم ، هو الذي يهدى الطفل إلى ثدي أمه .. والفرح لالتقاط حبه .. والنحل لبناء بيته على شكل سداسي .. الخ ، إنه الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ، والهادي من العباد هم الأنبياء والعلماء ، وفي الحقيقة أن الله هو الهادي لهم على ألسنتهم.(1/127)
البديع : تقول اللغة إن الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء أو اقتداء ، والإبداع في حق الله تعالى هو إيجاد الشيء بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ، وليس ذلك إلا لله تعالى ، والله البديع الذي لا نظير له في معنيان الأول : الذي لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في مصنوعاته فهو البديع المطلق ، ويمتنع أن يكون له مثيل أزلا وأبدا ، والمعنى الثاني : أنه المبدع الذي أبدع الخلق من غير مثال سابق.
92- الباقي : البقاء ضد الفناء ، والباقيات الصالحات هي كل عمل صالح ، والله الباقي الذي لا ابتداء لوجوده ،الذي لا يقبل الفناء ، هو الموصوف بالبقاء الأزلي من أبد الأبد إلى أزل أزل الأزل ،فدوامه في الأزل هو القدم ودوامه في الأبد هو البقاء ولم يرد اسم الباقي بلفظه في القرآن الكريم ولكن مادة البقاء وردت منسوبة إلى الله تعالى ففي سورة طه ( والله خير وأبقى ) وفي سورة الرحمن ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ، وحظ العبد من الاسم إذا أكثر من ذكره كاشفه الله بالحقائق الباقية ، وأشهده الآثار الفانية فيفر إلى الباقي بالأشواق.
93-الوارث : الوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق ، وقيل الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها ،روى أنه ينادى يوم القيامة : لمن الملك اليوم ؟ فيقال : لله الواحد القهار. وهذا النداء عبارة عن حقيقة ما ينكشف للأكثرين في ذلك اليوم إذ يظنون لأنفسهم ملكا ، أما أرباب البصائر فإنهم أبدا مشاهدون لمعنى هذا النداء ، يؤمنون بأن الملك لله الواحد القهار أزلا وأبدا . ويقول الرازي ( أعلم أن ملك جميع الممكنات هو الله سبحانه وتعالى ، ولكنه بفضله جعل بعض الأشياء ملكا لبعض عباده ، فالعباد أنما ماتوا وبقى الحق سبحانه وتعالى ، فالمراد يكون وارثا هو هذا .(1/128)
94- الرشيد : الرشد هو الصلاح والاستقامة ،وهو خلاف الغي والضلالة ، والرشيد كما يذكر الرازي على وجهين أولهما أن الراشد الذي له الرشد ويرجع حاصله إلى أنه حكيم ليس في أفعاله خبث ولا باطل ، وثانيهما إرشاد الله يرجع إلى هدايته ، والله سبحانه الرشيد المتصف بكمال الكمال عظيم الحكمة بالغ الرشاد وهو الذي يرشد الخلق ويهديهم إلى ما فيه صلاحهم ورشادهم في الدنيا وفي الآخرة ، لا يوجد سهو في تدبيره ولا تقديره ، وفي سورة الكهف ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا ) ، وينبغي للإنسان مع ربه الرشيد أن يحسن التوكل على ربه حتى يرشده ، ويفوض أمره بالكلية إليه وأن يستجير به كل شغل ويستجير به في كل خطب ، كما أخبر الله عن عيسى عليه السلام بقوله تعالى: ( ولما توجه تلقاء ربه قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل) وهكذا ينبغي للعبد إذا أصبح أن يتوكل على ربه وينتظر ما يرد على قلبه من الإشارة فيقضى أشغاله ويكفيه جميع أموره.
95- الصبور : تقول اللغة أن الصبر هو حبس النفس عن الجزع ، والصبر ضد الجزع ، ويسمى رمضان شهر الصبر أن فيه حبس النفس عن الشهوات ، والصبور سبحانه هو الحليم الذي لا يعاجل العصاة بالنقمة بل يعفو أو يؤخر ، الذي إذا قابلته بالجفاء قابلك بالعطاء والوفاء ، هو الذي يسقط العقوبة بعد وجوبها ، هو ملهم الصبر لجميع خلقه ، واسم الصبور غير وارد في القرآن الكريم وإن ثبت في السنة، و الصبور يقرب معناه من الحليم ، والفرق بينهم أن الخلق لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور كما يأمنون منها في صيغة الحليم.
ختاماً
أخي الحبيب ...
حين تتأوه فلا تجد غير رجع الأنين ، وتنهمر من عينيك الدموع من وقع القهر فأعلم أنك تملك سهاما نافذة يغفل عنها الظالمون ، ولا يغفل عنها رب الظالمين تنطلق من قوس دعائك لحظة أن تهتف .. يارب ..يارب(1/129)
حين تشكل ذنوبك سدا يحول بينك وبين النور وحين تمثل آثامك قيداً يمنعك من المسارعة في الخيرات ، وحين يعلو الران وتستحكم الإقفال فأعلم أن لك رباً يغفر الذنوب جميعا إذا سمع منك هتاف .. يارب ..يارب
حين يضطرب الموج وتهيج العاصفة وتطيش العقول ويعلو الصراخ ويفتضح الضعف ويعترف الناس بعجزهم وقدرته ،وفقرهم وغناه عندها يأتي هتاف .. يارب
حين تحل النكبة، وتستحكم البلية وتنكسر النصال على النصال وتكون ظلمات بعضها فوق بعض يشرق من ثنايا هتاف .. يارب
إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل وبارت الحيل. نادى المنادي: يا رب يا الله (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) فيفرّج الهم، وينفّس الكرب، ويذلل الصعب ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ))(1)
إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء. خرج المستغيثون بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، فنادوا: يا رب يا اللهُ يا الله،
فينزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض ((وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) (2)
إذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه، وشحب لونه، وقلت حيلته وضعفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، وانطرح المريض، واتجه العليل، إلى العليّ الجليل. ونادى: يا رب يا اللهُ يا الله
__________
(1) - الأنبياء:88
(2) - الحج:5،(1/130)
فزال الداء، ودب الشفاء، وسُمع الدعاء ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) (1)
إذا انطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجيّ، وهبّت الزوابع، وتسابقت الرياح وتلبدّ الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركّاب. اتجهت الأفئدة وجأرت الأصوات، يا رب يا اللهُ يا الله.
فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك، فأزال المهالك ((هُوَ الَّذِى يُسَيّرُكُمْ في الْبَرّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إذا كُنتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إذا هُمْ يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحياةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))(2)
إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشّر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجَّت الأصوات، صرخ الرجال، وبكت النساء، وفُجع الأطفال، وعمَّ الرعب، وخيَّم الهلع، وعظُم الفزع، ألحُّوا في النداء، وعظُم الدعاء، يارب يا اللهُ يا الله.
__________
(1) - الأنبياء:83، 84.
(2) - يونس:22، 23(1/131)
فأتى لطفه وتنزلت رحمته، وعظمت منّته، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس، وهبطت الطائرة بسلام.
إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وفادته وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات. لجأت إلى مُنفّس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يارب يا اللهُ يا الله
فزال أنينها، وخرج جنينها. بارك الله لها في الموهوب، ورزقت بره، وجعله الله من عباده الصالحين.
إذا حلّت بالعالِم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عن الصواب، وعزّ عليه الجواب، مرّغ أنفه بالتراب، ونادى: يارب يا اللهُ يا الله
يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. فيأتي التوفيق، وتُحلّ المغاليق، فينكشف السحاب، ويُلهم الجواب.
وقبل الوداع
بعد هذا المشوار مع الدعاء وآدابه، وموانع إجابته ، والدعاء المستجاب .
أخي الحبيب هل وقفت مع نفسك ؟
كم مرة انطرحت بين يدي الله ؟
كم مرة أحسستَ فيها بصدق المناجاة ؟
أليس لك حاجة بل حاجات إلى رب الأرض والسماوات ؟
أعجَزتَ أن تنفع نفسك بدعوة صالحة ؟ علّ الله أن ينفعك بها .
أخي من أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له ..... زد في الطرق يزاد لك في العطاء من رب الارض والسماوات .
إلهي :(1/132)
كم لك سواي، وما لي سواك، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك ، فبفقري إليك وغناك عني ، وبقوتك وضعفي ، وبعزك وذلي ، إلا رحمتني وعفوت عني ، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عينه، وذل لك قلبه، الله لا تعذب نفساً قد عذبها الخوف منك ، ولا تخرس لساناً كل ما يرويه عنك، ولا تقذ (أي لا تعمي) بصراً طالما بكى من مخافتك، ولا تخيب رجاء هو معلق بك ، ولا تحرق بالنار وجهاً سجد لعظمتك ، ولا تعذب بناناً كتب في طاعتك ولا لساناً دل الناس على شريعتك !! يا أرحم الراحمين !! يا الله .
يا من عليه مدى الأيام معتمدي إليك وجَهت وجهي لا إلى أحدِ
يا مالك الملكِ يا مُعطي الجزيل لمن يرجو نداه بلا منٍَ ولا نكد
مالي سِواك وما لي غير بابك يا مولاي فامح بعفوٍ ما جنته يدي
وانعم وأمطر علينا رحمة فلنا عوائد منك باإحسان والمددِ
وانظر النا فكم أوليتنا نِعماً ما أن تمُرُّ على بالٍ ولا خلدِ
يا من يجيب دُعائي عند مسألتي ومن عليه وإن أخطأتُ معتمدي
ثم الصلاةُ على المختارمن مضرٍُم ا ناحت الورقُ في غصنٍ مدى الأبدِ
أمير بن محمد المدري
اليمن – عمران
Almadari_1@hotmail.com(1/133)