|
المؤلف : الشيخ ندا أبو أحمد
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعه ضلاله وكل ضلاله في النار.
* مما لا شك فيه أن الصلاة من أعظم أركان الدين بعد الشهادتين.
* وهى أمر رب العالمين حيث قال في كتابه الكريم {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } وأثنى على المتقين ووصفهم بأنهم هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة.
* وهى الوصية الأخيرة للرسول الأمين صلى الله عليه وسلم فقد وصى بالصلاة في آخر رمقٍ له، فقد أخرج النسائي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال:
" كانت آخر وصيه رسول الله ( وهو يغرغر بها لسانه الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم" …
* والصلاة من أعظم مكفرات الذنوب:
- فقد أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ( :
(1/1)
" تحترقون(1) تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها (2) ، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا ".
* وهى أحب الأعمال إلى الله عز وجل:
- فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ( قال:
" سألت النبي ( أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على أوقاتها ، قلت: ثم أيّ؟
قال: بر الوالدين ، قلت: ثم أيّ؟ ، قال: الجهاد في سبيل الله ".
* والصلاة نجاه من عذاب النار :
- فقد أخرج الإمام مسلم عن عماره بن رويبه قال: قال رسول الله ( :
" لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ".
- وعند الإمام أحمد والترمذي أن النبي ( قال :
" من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حُرَّم على النار ".
* والصلاة أفضل عبادات البدن وهى خير ما يتقرب به العبد إلى الله سبحانه وتعالى:
- اخرج ابن ماجة وغيره أن النبي ( قال:
" استقيموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة". وغير ذلك من الفضائل التي تتميز بها الصلاة دون غيرها من العبادات ".
_____________________________________________________
(1) تحترقون : أي تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة .
(2) غسلتها : أي إذا صليتم الفريضة أُزيلت هذه الخطايا ورجعت صحيفتكم طاهرة نقيه .
ولما علم عدو الله إبليس هذا الفضل للصلاة أحب أن يصرف الناس عنها وذلك لما يحمله من حقد وعداوة لذرية آدم والذي كان سبباً لخروجه من الجنة.
* فعندما قال الله عز وجل لملائكته {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } وأمر الملائكة أن يسجدوا له فقال رب العزة {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ( الحجر:29 )
(1/2)
{فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ( الأعراف 11 : 12 )…
وكانت النتيجة أن طرده الله عز وجل من الجنة وجعله ملعوناًً إلى يوم الدين.
قال تعالى {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } ( ص 77 : 78 )
فإذا به يطلب من الله عز وجل أن يتركه حياً إلى يوم البعث فقال:
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ( ص79) فقال له رب العزة:{ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ} (ص 80)
* ولكن يا ترى لما طلب هذا الملعون أن يمكث حياً إلى يوم القيامة؟! هو يفصح عن هذا فيقول : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } ( ص 82 : 83 )
إذاً طلب المكث من أجل إغواء بنى آدم وصدهم عن الصراط المستقيم. حيث قال:
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} ( الأعراف 16)
ولقد حذرنا الله عز وجل منه كثيراً، وبين لنا رب العزة عما يريده الشيطان منا فقال تعالى:
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} ( المائدة 91 )
(1/3)
* فأخبر الله سبحانه وتعالى أن الشيطان يريد أن يصدنا عن ذكر الله، وذكر الله تعالى يشمل الصلاة وغيرها لكنه عز وجل ذكر الصلاة على وجه الخصوص وهذا ما يسمى في علم البلاغة بعطف الخاص على العام لبيان أهمية الخاص، وكأن الله يريد أن يقول لنا إن أهم الذكر الذي يريد أن يصدكم عنه الشيطان إنما هو الصلاة. والعلة في ذلك أن الصلاة هي أقوى عبادة تصل الإنسان بربه وفيها أهم مظهر تعبدي وهو السجود والذي يسعى الشيطان بالا يفعله الإنسان حتى يكونا في المعصية سواء ويكون معه في سواء الجحيم.
* فالسجود أكثر ما يصل العبد بربه ويقربه إليه قال تعال {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }
* وقال النبي ( كما عند مسلم :
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء "
فيحول الشيطان بينك وبين السجود لأن السجود يذكر الشيطان بمعصيته حيث أُمُر به فأبى فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي ( قال :
" وإذا قرء ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلى أمُر أبن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار".
ولذلك الشيطان حريص على أن يصدنا عن الصلاة ويصرفنا عنها.
* ويأتي وقت الصلاة فيؤذن المؤذن وينادى حي على الصلاة حي على الفلاح وما أن يسمع الشيطان الأذان الذي هو بمثابة نداء للصلاة وإعلان عن وقتها حتى تنتابه حالة من هياج شديد وما أن ينتهي الأذان حتى يقبل على المسلم يوسوس له ويلهيه بشتى الوسائل حتى لا يلبى نداء الصلاة ويقصر عنها.
* وحقاً يُفلح الشيطان كثيراً فنرى من يجلس أمام التليفزيون يتابع فيلماً أو مبارة كروية ولا يبإلى بالأذان ولا بالصلاة وآخر على المقهى وآخر على النواصي والطرقات ينظر للمتبرجات وآخر يشغله العمل ويتشدق بقوله العمل عبادة (نعم عبادة للشيطان أن شغلك عن عبادة الرحمن) وآخرى يشغلها المسلسل والفيلم أو المكياج والمنكير أو الطهى وغير ذلك عن الصلاة.
(1/4)
* ولكن هناك من لا يستطيع الشيطان أن يقعده عن الصلاة فيذهب ليلبى نداء الله وفجأة يسمع الشيطان التثويب (الإقامة) بالصلاة فيعلم أن هناك من ذهب ليصلى ويذكر الله ويسجد له فتعود له حالة الهياج فإذا قضى التثويب أقبل ولكن يا ترى يقبل على من؟ أنه يقبل على المصلى في صلاته حتى يفسد عليه صلاته فيعبث بفكره فلا يدرى كم صلى ولا ماذا يقول أو يعبث بجوارحه فيجعله ينقرها.
* وهذا ما بينه النبي ( كما عند البخارى من حديث أبى هريرة :
" إذا نودى بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضى الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ويقول أذكر كذا وكذا ما لم يذكر حتى يظل الرجل أن يدرى كم صلى فإذا لم يدر أحدكم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليسجد سجدتين وهو جالس".
فأحذر أخي الحبيب :
* أن يلبس عليك الشيطان ويصدك عن الصلاة فتتركها والحذار الحذار إن صليت أن يلبس عليك في صلاتك فتخرج منها كما دخلت فيها لا أجر لك.
- فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبى هريرة ( قال :
" دخل المسجد رجل(1) فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه وقال : ارجع فصلى فإنك لم تصل فرجع يصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي ( فقال : ارجع فصلى فإنك لم تصل ... ثلاثاً ".
فها هو الصحابي يأتي ويتوضأ ثم يستقبل القبلة وقام وركع وسجد ومع هذا فقد حكم النبى صلى الله عليه وسلم عليه ثلاثاً أنه لم يصلى. إذاً فالصلاة ليست بالحركات التي تؤدى بل لابد من الخشوع.
* والنبي ( يخبر عن الخشوع أول ما يرفع من هذه الأمة
- فقد أخرج الطبراني في الكبير بسند صحيح صححه الألباني من حديث أبى الدرداء مرفوعاً
" أول شئٍ يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً ".
* وقال حذيفة (
أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة
(1/5)
* فأحذر أخي الحبيب أن تكون ممن حذر منه النبي ( أو تقع فيما حذر منه أو تكون ممن يُقال له أرجع فصلى فإنك لم تصل.
وعليك أن تجتهد أن تدخل تحت قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ َ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }
فتشعر بلذة المناجاة وبالأنس بالله وتكون كحاتم الأصم عندما سئل كيف تصلى؟ قال: كنت إذا أردت الصلاة توضأت فأحسنت الوضوء ثم كبرت فجعلت الكعبة أمامي والموت ورائي والجنة عن يميني والنار عن شمإلي والصراط تحت قدمي والله تعالى مطلعاً علىّ.
____________________________________
(1) الرجل هو : الصحابي الجليل : خلاد بن رافع .
تعريف الخشوع
- هو هيئه في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع نتيجة استقرار اليقين في القلب بلقاء الله تعالى.
* والخشوع في الصلاة معناه:
- هو حضور الذهن فيما يقوله ويفعله المصلى ومعرفه حق من يقف أمامه ويناجيه مما يؤدى إلى تذلل القلب وخضوعه إقراراً لهذا الحق ومن ثم اطمئنان الجوارح وسكينتها.
- وقيل هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره فإذا خشع القلب تتبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء.
* ولذلك ثبت عن النبي ( في صحيح مسلم انه كان يقول في صلاته
" خشع لك سمعي و بصري و مخي و عظمي و عصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين ".
فالصلاة إذاً صلة بين العبد وربه ينقطع فيها الإنسان عن شواغل الحياة ويتجه بكيانه كله لربه يستمد منه الهداية والعون والتسديد ويسأله الثبات على الصراط المستقيم ولكن الناس يختلفون في هذه الصلة فمنهم من تزيده صلاته إقبالاً على الله ومنهم لا تؤثر فيه صلاته إلى الحد الملموس بل هو يؤديها بحركات وقراءه وذكر وتسبيح ويؤديها من غير شعور كامل لما يفعل ولا استحضار لما يقول والصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب.
* ولعل سائل يسأل لماذا نخشع في الصلاة ؟
(1/6)
* فالجواب :
1) لأن الصلاة تعنى لقاء مع رب الأرباب الذي خلق الكون وسخرَّه للإنسان واصبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه فكيف لا نخشع ونذل شكراً لهذا الرب الكريم العظيم.
2) لأن القلب إذا كان يطرب لمقابله شخص عزيز أو كان يضطرب لمقابله رئيسه في العمل مثلاً أو يهفو للقاء الحبيب فكيف لا يطرب ولا يضطرب ولا يهفو للقاء من بيدهِ ملكوت كل شيء وهو أحب إلينا من كل حبيب وأقرب إلينا من كل قريب.
3) لأن الصلاة اتصال روحي بالله القدير الذي يُسَيَّرُ أمور الكون كله هذا الاتصال يمد الخاشع في صلاته(هو وحده دون غيره) بقوة روحية لا تعادلها قوة على مواجة متاعب ومصاعب وشدائد الحياة اليومية.
4) لأن الصلاة عماد الدين من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين.
5) لأن الرسول ( أوصى بها في مرض موته قائلاً :
" الصلاة الصلاة " وبدون خشوع أنت تفسد وتضيع هذه الصلاة التي وصاك الرسول بها.
6) لأن الدعاء في الصلاة والقلب خاشع يجعل الذهن حاضرا وهو أول شروط قبول الدعاء فقد أخرج الترمذي والحاكم وصححه الالباني من حديث أبى هريرة أن النبي ( قال :
" أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاًه ".
7) لأن الرسول ( قال كما عند أبى داود والنسائي وأحمد:
" أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته. يقول ربنا عز وجل لملائكته (وهو أعلم)انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها، فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتمِوا لعبدي فريضته. ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم ".
وجدير بالذكر أن تمام الصلاة هو تمام الخشوع في الركوع والسجود والقيام.
8) لأن الخشوع هو ما يغاير ويفرق بين صلاة هذا وذاك في الأجر ففي السنن أن النبي ( قال:
(1/7)
" إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها إلا عشرها ".
9) لأن الخشوع يجعل المصلى يقترب بروحه من خالقه فيشعر بلذة الصلاة التي قال عنها ابن تيميه ((إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة))
10) وأخيراً لأن الله وَعَدَ - وهو لا يخلف الوعد - الخاشعين في صلاتهم بالفلاح أى النجاة في الدنيا والآخرة حين قال سبحانه{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ َ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }( المؤمنون 1 : 2) فبعد أن مدحهم الله على الصلاة والخشوع فيها وعدد أوصاف لهم وختمها بالصلاة أيضاً فقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}( المؤمنون 9)
ثم وعدهم بالفردوس حين قال{أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(المؤمنون 10: 11)
*
حكم الخشوع
1- قال القرطبى :
- اختلف الناس في الخشوع : هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكتملاتها؟ على قولين والصحيح الأول / ومحله القلب.
2- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
- في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ} ( البقرة 45) وهذا يقتضى ذم غير الخاشعين والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك علي وجوب الخشوع.
- قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله أيضا كما في الفتاوى (22/554)
" ويدل على وجوب الخشوع قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى قوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ(10)الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }( المؤمنون 10 : 11)
(1/8)
- أخبر سبحانه أن هؤلاء هم الذين يرثون جنة الفردوس وذلك يقتضى أنه لا يرثها غيرهم وقد دل هذا على وجود هذه الخصال إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنه الفردوس تورث بدونها لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب.
3- ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة
أن النبي ( توعد للذين يرفعون أبصارهم إلى السماء لأن هذا يتنافي مع الخشوع في الصلاة.
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جابر بن سمره ( قال :
" دخل رسول الله ( المسجد وفيهِ ناس يصلون رافعى أبصارهم إلى السماء فقال: "لينتهينَ رجالُُُ يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لترجع إليهم أبصارهم ".
4-
وقال الإمام أبو حامد الغزالى- رحمه الله- كما في الإحياء -1/165:
((بيان اشتراط الخشوع وحضور القلب))
- أعلم أن الأدلة على ذلك كثيرة من ذلك قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وظاهر الأمر للوجوب. والغفلة تضادُّ الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ} (الأعراف 205)
فهذا نهى وظاهر النهى التحريم، فالتحقيق أن المصلى مناج ربه عز وجل في الحديث المتفق عليه من حديث أنس "المصلى يناجى ربه". والكلام والصلاة مع الغفلة ليس بمناجاة ألبته.
5- قال ابن القيم كما في مدارج السالكين :
- قال بعض السلف: الصلاة كجارية تهدى إلى ملك من الملوك، فما الظن بمن يُهدى إليه جارية شلآء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرجل أو مريضة أو دميمة أو قبيحة حتى يُهدى إليه جارية ميتة بلا روح وجارية قبيحة فكيف بالصلاة التي يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى؟! والله طيب لا يقبل إلا طيبا.
- وليس من العمل الطيب: صلاه لا روح فيها كما ليس من العتق الطيب: عتق عبد لا روح فيه.
* وبعد هذه المقدمة يبقى السؤال:
كيف نكون من الخاشعين حتى يرضى عنا ويتقبل منا ربُ العالمين ؟
(1/9)
* إذا أردت ذلك فعليك بمراعاة الآتى:
أولاً : إزالة المعوقات التي تحول بينك و بين تحصيل لذة المفاجأة وهى أمور يجب مراعاتها قبل الدخول في الصلاة.
ثانياً : هناك أمور تعينك على تحصيل الخشوع.
ثالثاً : هناك أمور تُفعل أثناء الصلاة.
أولاً: الأمور التي يجب مراعاتها قبل الدخول في الصلاة
* كما مر معنا أن الشيطان يحاول جاهداً أن يقطع على الإنسان خشوعه ويفسد عليه صلاته. والشيطان لكي يحقق ذلك يسلك دروباً وطرقاً متعددة ليصل عن طريقها إلى قلب المصلى ليفسد عليه صلاته وتكون بلا حضور ولا خشوع.
1. تارة عن طريق العقل.
2. تارة عن طريق البطن.
3. تارة عن طريق الجوف.
4. تارة عن طريق البصر.
5. تارة عن طريق السمع.
6. تارة عن طريق الشم.
* فهيا لنغلق على الشيطان هذه الأبواب.
1. حضور العقل:
* لاشك أن العقل من أهم وأشرف الأعضاء في الجسد فهو مناط التكليف ولذلك نجد أن الإسلام رفع القلم عمن غاب عقلهم. فقد أخرج ابن ماجه أن النبي ( قال :
" رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ - يحتلم - وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق".
* والصلاة عبادة تحتاج إلى تعقل ولذلك رأينا في القران أن الله عز وجل ينهى عن قرب الصلاة في حال السكر - أيام كان شرب الخمر مباحاً - فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ذلك لأن السكران غير متعقل فهو لا يدرى ماذا يقول وماذا يفعل فالعلة هي {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}
* فكأن الله تعالى يقول شرط الصلاة أن يعلم المصلى ما يقول، وسبب نزول هذه الآية كما ذكر الترمذي في أبواب التفسير أن على بن أبى طالب ( قال وضع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر - وذلك قبل التحريم - فأخذت الخمر منه وحضرت الصلاة فقد قرأت (قل يا أيها الكافرون لا أعبدُ ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون) فأنزل الله تعالى
(1/10)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}
* وكذلك يبين لنا النبى (صلى الله عليه وسلم) أهمية اليقظة العقلية وكيف أن الشيطان يستغل الفتور العقلي ويفسد علي المصلى صلاته ويجرى على لسانه ما لم يرده.
- فقد أخرج البخاري عن عائشة (رضي الله عنها)أن رسول الله ( قال:
" إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه ".
* فالنبي ( يحذر من الصلاة حال الكسل والنعاس لأنه يصيب العقل بفتور ويجعله باباً مفتوحاً للشيطان وسرعان ما يدخله ويجرى على المصلى ما لا يقصده وما لا يرضاه ويغيب العقل ويجعله يسرح في الصلاة فلا بد من حضور العقل لكي تتعقل وتفهم ما تقول.
النعاس: هو مشارفة النوم حيث يسمع الناعس الكلام ولا يفهم معناه.
* ونقل ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى عن ابن عباس ( رضى الله عنهما) قال:
" ليس من صلاتك ألا ما عقلت منها ".
* أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله ( :
" إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسُد فقرك، وان لا تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أَسِد فقرك ".
أي إذا كنت في صلاة لا تنشغل عنها بغيرها وهذا هو معنى من معاني تفرغ لعبادتي ، وكذلك إذا قرأت القران لا تنشغل عنه بغيره بل استحضر القلب عند القراءة وهكذا في كل عبادة تفعلها.
3.2. تعهد البطن والجوف :
أ- تعهد البطن :
* أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة - رضى الله عنها - قالت: سمعت رسول الله ( يقول
" لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعهُ الأخبثان ".
فالنبي ( نهى عن الصلاة في حضور الطعام وذلك حتى لا تشغلهُ بطنهُ عن الصلاة ويستغل الشيطان ذلك فيذكرهُ بالطعام والجوع ويظل به هكذا حتى يفسد عليه الصلاة.
* ولكن يراعى قول الجمهور:
(1/11)
- أن تقديمه الطعام على الصلاة منوط بشرط وهو سعة الوقت فلو أن الوقت ضيق وخشى إذا أكل أن يخرج الوقت فإنه يقدم الصلاة على الطعام وذلك لأن إذا تعارضت مفسدتان أخذنا أخفهما وكون المصلى يصلى وهو جائع أخف من أن يخرج وقت الصلاة.
* ويؤكد هذا في وقت الخوف، والعقل مشغول بالعدو لم يبح لنا الإسلام إخراج الصلاة عن وقتها وإنما شرع لنا صلاة الخوف.
ب- تعهد الجوف:
* وكذلك نهى النبي ( عن الصلاة مع مدافعة الحدث - كما مر معنا في الحديث السابق لأن هذا يجعله في عدم استقرار وعدم تركيز واتزان فلابد أن يفرغ ما في جوفه بداية ثم يأتي إلى الصلاة مطمئناً.
1- أخرج ابن ماجه في سننه وهو في صحيح الجامع :
" نهى رسول الله ( أن يصلى الرجل وهو حاقن ".
(الحاقب: من حبس برازه - الحازق: من حبس ريحاً - الحاقن: من حبس بوله).
2- وأخرج أبو داود عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن الأرقم:
" أنه خرج حاجاً أو معتمراً ومعه الناس وهو يؤمهم فلما كان ذات يوم أقام الصلاة - صلاة الصبح - ثم قال ليتقدم أحدكم - وذهب إلى الخلاء - (ثم قال) فإني سمعت رسول الله ( يقول:
" إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء ".
3- وصدق أبو الدرداء حيث قال "كما في فتح الباري(2/128) من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ (أي فارغ من شواغل الدنيا وما يمنعه من الخشوع في الصلاة).
4. تعهد البصر:
* فللبصر تأثير بالغ وكبير على العقل والقلب فما أن يقع البصر على شيء حتى تنتقل الصور إلى العقل والقلب متحولة إلى أفكار تسيطر على عقل المصلى وتشغله في الصلاة، وقد سُأل النبي ( كما جاء في صحيح البخاري عن الألتفات في الصلاة فقال:
" هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ".
ولذلك كان توجيه النبي لأنس كما في سنن البيهقى : " يا أنس اجعل بصرك حيث تسجد ".
(1/12)
* وفي هذه إشارة واضحة إلى أن الخشوع يتأكد بعدم تشتيت البصر ولذلك راعى النبي ( كل ما يشغلك ويشتت النظر من ملبس أو المكان المعد الصلاة.
* أما بالنسبة للملبس:
- فقد اخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها:
" أن النبي ( صلى في خميصه بها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: أذهب بخميصتي(1) هذه إلى أبى جهم وائتوني بأنبجاتية(2) أبى جهم فإنها ألهتني آنفا في صلاتي ".
فإذا كان الثوب شغله في الصلاة ونزعه خشية على خشوعه فنحن من باب أولى.
* أما بالنسبة لموضوع الصلاة:
1- فقد أخرج البخاري عن أنس ( قال:
" كان قرام(3) لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبى ( أميطي(4) عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض(5) في صلاتي ".
_________________________________________________________
(1) الخميصة : كساء مربع له علمان. وهو غإلى الثمن يأتى من الشام وسمى خميصة لخفته وصفرة إلى طول.
(2) أنبجاتية : كساء غليظ لا علم له معروف عند العرب.
(3) القرام: ستر رقيق من صوف ذو ألوان وقيل فيه رقم ونقش.
(4) أميطى: أزيلى……(5) تعرض: تلوح…………
2- وأخرج الإمام مسلم عن القاسم عن عائشة (رضي الله عنها) أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوه(1) ، فكان النبي ( يصلى إليه فقال:
" أخريه عنى فإن تصاويره تعرض لي في صلاتى " فأخرته فجعلته وسائد.
* ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه أبو داود وهو في صحيح الجامع :
" أن النبي ( لما دخل الكعبة ليصلى فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلى" .
* وهنا ينبغي أن ننتبه إلى زخرفة المساجد والتي أصبحت سمه من سمات هذا العصر وزخرفة المساجد ليست من هدى سيد المرسلين بل فيها متابعة لأحفاد القردة والخنازير.
- فقد أخرج البخاري عن ابن عباس ( أنه قال:
" لتُزخْرِفُنَها كما زخرفت اليهود والنصارى".
(1/13)
* بل عد النبي ( زخرفه المساجد علامة من علامات الساعة:
- فقد أخرج أبو داود عن أنس قال: قال النبي ( :
" لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد "
فلابد من الرجوع إلى خير القرون وانظر إلى قول عمر عندما أمر ببناء المسجد قال: اُكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تُحّمر أو تُصفر فتفتن الناس.
?ملحوظة
* أما الالتفات لحاجه فلا بأس به فقد روى أبو داود عن سهل بن الحنظليه قال:
" ثوب بالصلاة - صلاة الصبح - فجعل رسول الله يصلى وهو يلتفت إلى الشعب ".
قال أبو داود: وكان أرسل فارساً من الليل إلى الشعب يحرس وهذا:
كحمله أُمامه بنت أبى العاصي.
3- وفتحه الباب لعائشة.
4- ونزوله من المنبر لما صلى بهم يعلمهم.
5- وتأخره في صلاه الكسوف.
______________________________________________________
(1) سهوه: بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع أو الخزانة.
6- وإمساكه الشيطان وخنقه لما أراد أن يقطع صلاته.
7- وأمره بقتل الحية والعقرب في الصلاة.
8- وأمره بردّ المار بين يدي المصلى ومقاتلته.
9- وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في الصلاة.
* وغير ذلك من الأفعال التي تفعل لحاجه، ولو كانت لغير حاجه كانت من العبث- المنافي للخشوع- المنهي عنه في الصلاة .
5. تعهد حاسة السمع
* فلاشك أن السمع طريقه موصل ومباشر للعقل فكل ما يشوش على سمع المصلى فهو يشوش على عقله وبالتالي يؤثر في خشوعه.
- فقد أخرج أبو داود عن أبى سعيد الخدري قال:
" اعتكف رسول الله ( في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ".
فإن رفع الصوت يجذب سمع المصلى ويخرجه عما يقول في صلاته.
* ولذلك نهى النبي ( أن تصلى خلف من يتحدث أو خلف من هو نائم.
- فقد أخرج أبو داود وهو في صحيح الجامع أن النبي ( قال :
(1/14)
" لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث. لأن المتحدث يلهى بحديثه، والنائم قد يبدو منه ما يلهى ".
* قال الخطابي:
- أما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل المصلى عن صلاته.
-أما أدله النهى عن الصلاة خلف النائم فقد ضعفها عدد من أهل العلم ومنهم (أبو داود في سننه، وابن حجر في فتح الباري ..). وقال البخاري باب الصلاة خلف النائم وساق حديث عائشة:
"كان النبي ( يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه"
وكره مالك وطاووس ومجاهد الصلاة إلى النائم خشيه أن يبدو منه ما يلهى المصلى عن صلاته.
فإذا أُمن ذلك فلا تكره الصلاة خلف النائم.
6. تعهد حاسة الشم:
* وكذلك حاسة الشم من الحواس التي لها تأثير بالغ على عقل وقلب الإنسان، فالرائحة الطيبة تسكن النفس وتهدى الأعصاب، والرائحة الكريهة تهيج الأعصاب ويتمنى الإنسان أن لو بَعُدت عنه أو بَعُد عنها، ولذلك حرص النب ( على ألا يعكر صفو المصلى وذلك بشم رائحة كريهة مثل "البصل أو الثوم أو الكراث".
- فقد أخرج البخاري مسلم عن أنس( أن النبي ( قال:
"من أكل من هذه الشجرة - يعنى الثوم- فلا يقربنا ولا يصلى معنا".
- وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة ( قال: قال رسول الله ( :
"من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم".
* وذلك مراعاة لحال المصلين حتى لا يتأذوا من هذه الرائحة وينقطع عليهم الخشوع، ومراعاة كذلك لحال الملائكة فقد خرج أخرج الإمام مسلم من حديث جابر ( قال:
"نهى رسول الله صعن أكل البصل والكرات فغلتنا الحاجة فأكلنا منها فقال: من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس".
* ويلحق بالثوم والبصل الدخان، والجورب ذو الرائحة الكريهة، وملابس أصحاب المهن والأعمال الشاقة التي تنبعث منها رائحة العرق النافذة أو تكون متسخة مثل الملابس المشحمة.
ثانياً: الأمور التي تعينك على تحصيل الخشوع:
(1/15)
1. تذكر الموت في الصلاة.
2. التفكر في حال السلف وكيف كانت صلاتهم.
3. تعهد المكان الذي تصلى فيه.
4. معرفة فضل الخشوع.
5. شهود نعم الله عليك مع الاعتراف بكثرة الذنوب.
6. الدعاء.
فهيا إلى التفصيل
1. تذكر الموت في الصلاة:
* أخرج الديلمى في مسند الفردوس بسندٍ حسن، عن أنس أن النبي ( قال:
" اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته فحرى أن يحسن صلاته وصلِّى صلاة رجل لا يظن أنه يصلى صلاة غيرها وإياك وكل أمر يعتذر منه ".
* وفي هذا المعنى أيضاً وصية النبي ( لأبى أيوب ( فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة أن النبي ( قال لأبى أيوب الأنصاري :
"إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تتكلم بكلام تعتذر منه وأجمع اليأس عما في أيدى الناس "
صل صلاة مودع: يعنى صلاة من يظن انه لن يصلى غيرها.
* وإذا كان المصلى سيموت ولابد فإن هناك صلاة ما هي آخر صلاة له فليخشع في الصلاة التي هو فيها فإنه لا يدرى لعل هذه تكون هي الأخيرة.
* وكان بكر المزنى يقول:…إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل لعلى لا أصلى غيرها.
* ولك أن تتخيل أن العدو أسرك وسيضرب عنقك ثم طلبت منهم أن يتركوك تصلى ركعتين لله فكيف حال هاتين الركعتين؟!
هكذا كن في صلاتك
2. التفكير في حال السلف وكيف كانت صلاتهم حتى نقتدي بهم وكيف كانوا وكيف اصحبنا:
* قال ابن رجب في كتابه الخشوع في الصلاة:
لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناسُ فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله.
1- وكان حاتم الأصم يقول "عندما سئل عن صلاته":
(1/16)
* إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيتُ الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي ثم أقوم إلى صلاتي واجعل الكعبة بن حاجبي (أمامي) والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاه أصليها ثم أقوم بين الرجاء والخوف (يعنى أخاف ذنوبي ولكني أطمع في رحمه ربى )
- وقال في موضع أخر
* أقوم بالأمر وأمشى بالخشية والسكينة وأدخل بالنية وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، واسجد بالتواضع، واجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالنية، وأختمها بالإخلاص لله عز وجل وأرجع إلى نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل منى.
2- وها هو عبد الله بن الزبير:
* كان إذا صلى كأنه عود من الخشوع ولقد كان الطير يقف عليه لا يحسبه إلا جذع شجرة.
* وكان يصلى في جوف الكعبة وهو محاصر بجيش عبد الملك بن مروان الذي يسدد ضرباته بالمنجنيق من جبل أبى قبيس للقضاء عليه وعلى اتباعه ومرت فلقة من حجر عظيم بين لحيته وحلقه فما زال رضى الله عنه عن مقامه ولا ظهر على صورته هم ولا اهتمام ولا قطع قراءته ولا ركع دون ما يركع حتى فرغ من صلاته.
* وأيضاً عندما سجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة وما رفع رأسه ولا أهتم لذلك.
* ولقد ركع ذات مرة وكان رجل من أصحابه يقرأ القرآن فما قام ( من ركعته حتى انتهى الرجل من تلاوته البقرة، وآل عمران، والنساء، والمادة.
* وروى عنه أنه كان يصلى ذات يوم في بيته فسقطت حية من السقف فطوقت على بطن ابنه هاشم فصرخ النسوة وانزعج أهل الدار واجتمعوا على قتل الحية فقتلوها وسلم الولد.... فقد فعلوا كل ذلك وابن الزبير في صلاته حتى فرغ من صلاته لم يلتفت ولا يدرى بما كان حتى فرغ من صلاته.
3- وانظر إلى عطاء بن أبى رباح:
* يقول عنه ابن جريج لزمته ثمانى عشرة سنة بعدما كبر وضعف جسمه يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم لا يتحرك.
4- أبو حاتم الرازى، ومحمد ابن نصر المروزى:
(1/17)
* قال أبو بكر الصبغى: أدركت إمامين لم أُرزق السماع منهما أبو حاتم فما رأيت أحسن صلاة منه، فقد بلغني أن زنبوراً وقع على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك.
* وقال محمد بن يعقوب الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر كان الذباب يقع على آذنه فلا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة. وكان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبه منصوبة.……(تعظيم حق الصلاة 1/58)
5- خلف بن أيوب
* كان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة فقيل له كيف تصبر؟ قال بلغنى أن الفساق يتبصرون تحت السياط ليقال: فلان صبور وأنا بين يدى ربى أفلا أصبر على ذباب يقع علىّ. (المستطرف)
6- وها هو البخاري رحمه الله:
* كان يصلى ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشر مرة فلما قضى الصلاة قال انظروا إيش أذانى.
7- شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله:
* كان إذا دخل الصلاة ترتعد أعضاءه حتى يميل يمنه ويسرى.
8- وقال بعضهم:
* الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا.
9-على بن أبى طالب وكيف كان يصلى:
* كان ( إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فقيل له مالك ؟ فيقول : جاء والله وقتُ أمانة عرضها الله علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملْتُها.
10- وكان على بن الحسن بن على بن أبى طالب:
* إذا حضرت الصلاة ويتوضأ لها يصفر وجهه فسُأِلَ في هذا فقال أتعرفون بين يدي من سأقوم.
11)-عامر بن قيس:
* قالوا له: أتحدث نفسك في الصلاة؟
فقال: أو شيء أحب إلى من الصلاة أحدث به نفسي!
قالوا: إنا لنحدث أنفسنا في الصلاة. قال: أبالجنة والحور ونحو ذلك ؟
قالوا: لا ولكن بأهلينا وأموالنا.
فقال: لأن تختلف الأسنَّة في أحب إلى (أى لأن يكثر طعن الرماح في جسدي) أحب إلى من أن أحدث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا ).
* وفي موضع آخر:
قالوا له: أما تسهو في صلاتك؟
قال: أو حديث أحبّ إلى من القرآن والصلاة اشتغل به؟
(1/18)
هيهات !! مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس.
12- مسلم بن يسار:
* كان يصلى يوماً في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد ففزع الناس واجتمعوا لذلك فلم يشعر به حتى انصرف من الصلاة.
* هكذا كانت الصلاة تستغرق نفوسهم وتستولي على قلوبهم حتى يغيبوا عما حولهم.
فرحم الله اعظماً طالما نصب وانتصب……إذا جن عليها الليل وثبت
هم موتى ولكن تحي بذكرهم النفوس ……وهناك أقوامُُ أحياء لكن تقسو برؤيتهم القلوب
3. تعهد المكان الذي تصلى فيه:
* فكثيراً منا إذا أراد النوم أو الأكل أو استقبال الضيوف فإنه يبحث عن المكان المعتدل الحرارة ويبذل الجهد لتبريد المكان في الحر أو تدفئته في البرد.
* إلا أنه حين تحضر الصلاة لا يبإلي بأي مكان صلي، فإذا صلى في مكان حار يصلى ولسان حاله يقول: خمس دقائق أتحمل فيها الحر.
* وكأن الصلاة حركات يؤديها الإنسان لتخليص ضميره وهذا يؤدى الصلاة ليرتاح منها لا ليرتاح بها.
* وانظر كيف نهى النبي ( عن الصلاة في شدة الحر لعلمه بذهاب الخشوع وقله استحضار القلب في هذه الحالة.
- ففي صحيح الجامع أن النبي ( قال :
" أبردوا بالظهر ".
وحكمة هذه الرخصة كما قال بن القيم كما في الوابل الصيب: "أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ويفعل العبادة بتكره وتضجر".
* فمن حكمة الشارع ( أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر فيصلى العبد بقلب حاضر ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والإقبال على الله عز وجل.
4.
معرفه فضل الخشوع:
أ- فالخشوع في الصلاة سبب لمغفرة الذنوب:
- فقد أخرج أبو داود بسند صحيح كما في صحيح الجامع أن النبي ( قال:
" خمسٌ صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسنَ وضُوءهَن وصَلاهْن لوقتهن وأتم رُكُوعَهن وخُشُوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ".
- وأخرج البخاري بسنده أن النبي( قال:
(1/19)
" من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقُبل عليهما بقلبه ووجهه- وفي رواية - لا يحدث فيهما نفسه - غفر له ما تقدم من ذنبه- وفي رواية- إلا وجبت له الجنة ".
- واخرج الإمام مسلم بسنده أن النبي ( قال:
" ما من أمريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله ".
ب- الخشوع يعصمك من الشيطان:
* فقد قال ابن القيم كما في مدارج السالكين أن سهل قال:"من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان".
جـ- كذلك فإن الأوزار والآثام والذنوب تنحط عن العبد إذا صلى بتمام وخشوع:
- فقد أخرج البيهقى بسند صحيح:
"إن العبد إذا قام يصلى أُتى بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه".
* قال المناوي كما في فيض القدير:
المراد انه كلما أتم ركناً سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل السقوط وهذا في صلاة متوفرة الشروط والأركان، والخشوع. كما يؤذن به لفظ "العبد" و"القيام" إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل.
د- واعملوا أيها الأحبة أن تحصيل الأجر بحسب الخشوع:
- فقد أخرج أبو داود بسنده أن النبي ( قال:
" إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها .. حتى قال إلا عشرها ".
و- والخشوع يخفف الصلاة على العبد:
* قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ} ( البقرة 45)
والمعنى: أي مشقة الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين.
* قال ابن القيم - رحمه الله تعالى- كما في الوابل الصيب:
(1/20)
( والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان وأشده عليه فهو يحرص ويجتهد كل الإجتهادات أن لا يقيمه فيه بل لا يزال يعده ويمنيه وينسيه ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهون عليه شأن الصلاة فيتهاون فيها فيتركها فإن عجز عن ذلك منه وعصاه العبد وقام في ذلك المقام أقبل عدو الله حتى يخطر بينه وبين نفسه و يحول بينه و بين قلبه فيذكره في الصلاة ما لم يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان نسى الشيء والحاجة وأيس منها فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه به ويأخذه عن الله عز وجل فيقوم فيها بلا قلب فلا ينال من إقبال الله تعالى عليه وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر القلب في صلاته. فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة.
* فالصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها وأكمل خشوعها ووقف بين يدى الله تعالى بقلبه فهذا إذا انصرف منها وجد خفه في نفسه وأحس بأثقال وضعت عنه فوجد نشاطا وراحة وروحاً حتى إنه يتمنى إنه لم يخرج منها لأنه قرة عينه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا. فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها.
هـ- الخشوع طريق الفلاح في الدنيا والآخرة:
* قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ} ( المؤمنون 1)
فهو فلاح في الدنيا يحُسّه المؤمن ويجد مصداقه في واقع حياته، ووعد من الله بالفلاح والسعادة الأبدية والجنة التي فيها مالا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.
فاللهم اجعلنا من الخاشعين
5. تعظيم الله وشهود نعمه عليك مع الاعتراف بجنايتك وكثرة ذنوبك :
* يقول ابن القيم كما في كتاب الروح عندما كان يُعرف خشوع الإيمان فقال:
(1/21)
" خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء فينكسر القلب لله كسرة ممتلئة من الوجل والخجل والحب والحياء. وشهود نعم الله عز وجل، وجنايته هو فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح ".
6. الدعاء:
* أن تدعو الله أن يرزقك الخشوع وأن تستعيذ بالله من القلب الذي لا يخشع فقد كان النبي ( يتعوذ من القلب الذي لا يخشع .
* فقد أخرج الإمام مسلم عن زيد بن أرقم ( أن النبي ( قال:
" اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب ". ونحن نعوذ بك ربنا من هؤلاء الأربع
* وبعد أيها الأحبة فعلينا أن نخشع في صلاتنا لكي يطمئن القلب وتسكن الجوارح ويتفكر العقل فنخرج من الصلاة وقد رضي عنا ربنا وغفر لنا ذنوبنا.
* فإذا كنت ممن كان ينقر الصلاة ويسرق منها فلا يتم ركوعها ولا سجودها ولا يتفكر فيما يقوله فأحمد الله أن قيض الله من يقول لك أرجع فصلى فإنك لم تصل. لأنه بعد الموت ليس هناك مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
(( فاللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار واجعلنا اللهم من الخاشعين الأبرار))
ثالثاً: الأمور التي تفعل أثناء الصلاة:
* فلابد من التفكر والتدبر وحضور القلب في كل هيئة وركن من أعمال الصلاة:
1. الأذان (وهو من التهيؤ والاستعداد للصلاة)
* إذا سمعت النداء بالأذان فلتستحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة:
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ(6)خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}
فان المسارعين إلى هذا النداء هم الذين كانوا يسارعون إلى النداء في الدنيا. وتذكر وصف الله عز وجل للمنافقين حيث قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَإلى} ( النساء:142)
وهذا على عكس صفات المؤمنين فهم يقومون بفرح ونشاط وإقبال على الله عز وجل.
(1/22)
2. الطهارة (وهى من التهيؤ والاستعداد للصلاة)
* واستحضر وأنت تغسل أعضاء الوضوء أن هذه الأعضاء كم فعلت من ذنوب وأن هذه الخطايا والذنوب تخرج مع ماء الوضوء.
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عمرو ببن عبس الأسلمى قال - في حديث طويل له - وفيه فقلت: " يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: ما منكم رجل يُقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينثر إلا خرَّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرَّت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرَّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه".
* لكن هذا الآمر يحتاج إلى نية وهو أن يعاهد الله عز وجل أنه كما يغسل هذه الأعضاء ظاهرياً بالماء فإنه يغسلها باطنياً بالتوبة النصوح.
فيقول يا رب هذا الفم تكلم بالغيبة والنميمة والكذب والبهتان فأنا كما أغسله ظاهرياً بالماء سأغسله باطنياً بالتوبة النصوح فلا أتكلم بعد الآن بما يغضب الرحمن ساعتها تخرج الذنوب من فمه.
1- وهذه العين نظرت إلى الحرام فكما اغسلها الآن بالماء أعاهدك يا رب أن أغسل باطنها بالتوبة فلا أنظر بها بعد الآن إلى الحرام ساعتها تخرج الذنوب من أشفار عينيه.
2- ويقول يا رب هذه اليد بطشت وسرقت وارتشت فكما أغسلها الآن ظاهرياً بالماء أغسلها باطنياً بالتوبة فلا أمدها إلا فيما يرضيك ساعتها تخرج الذنوب من أنامل يديه.
3- ويقول يا رب هذه القدم سعيت بها إلى الحرام فكما أغسلها الآن ظاهرياً بالماء سأغسلها باطنياً بالتوبة فلا أسعى بها إلا فيما يرضيك عنى ساعتها تخرج الذنوب من أنامل رجليه مع الماء.
* صفة الوضوء:
* وسارع إلى الوضوء امتثالاً لقول تعالى
(1/23)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْن}واستحضر فضل الوضوء الذي قال فيه النبي ( كما عند ابن خزيمة وأحمد:
" من توضأ فأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى".
وإحسانه يكون بالوضوء كما كان يتوضأ رسول الله ( وهذا ما وضحه لنا عثمان بن عفان ( حيث ثبت عند مسلم وابن خزيمة واللفظ له:
" أنه دعا يوماً بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات واستنثر ثم غسل وجهة ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال رسول الله ( : من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسهُ غفر له ما تقدم من ذنبه ".
* فمن هذا الحديث وغيره يمكن أن نلخص صفة الوضوء فيما يأتى:
1- ينوى الوضوء لرفع الحدث (والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعه).
2- يذكر اسم الله تعالى.
3- يغسل كفيه ثلاث مرات.
4- يأخذ الماء بيمينه فيجعله في فمه وأنفه - غرفة واحدة - فيتمضمض ويستنشق.
5- ثم يستنثر بشماله يفعل هذا ثلاث مرات.
6- يغسل وجه كله ثلاث مرات مع تخليل لحيته.
7- يغسل يديه اليمنى ثم اليسرى - إلى ما فوق المرفقين مع تخليل أصابع اليدين.
8- يمسح رأسه كله مدبراً ومقبلاً مره واحده.
9- يمسح أذني ظاهرهما وباطنهما.
10- يغسل قدميه مع الكعبين اليمنى ثم اليسرى - مع تخليل أصابع القدمين.
3. ستر العورة:
* فكما سترت بدنك وسترت عورتك فتذكر كم ستر الله عليك من قبائح فعلك فلم يفضحك أمام أعين الناس فيأخذك الحياء منه واحرصوا أيها الأحبة أن تلبسوا أفضل ما عندكم فإنكم ستقفون بين يدى ملك الملوك قال تعالى:
(1/24)
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} (الأعراف 31)
* وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الكبرى عن ابن عمر موقوفاً عليه وهو الصحيح أنه قال: " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تُزين له ".
* وأحذر أخى الحبيب:
* أن تصل وأنت مسبل الثياب أو تصل في ثوب رقيق يكشف العورة أو في ثياب ضيقة تجسد عورتك وتخرجك عن الخشوع أو تصلى في ثياب فيها تصاوير أو أعلام فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها- قالت:
" قام رسول الله ( يصلى في خميصه ذات أعلام فلما قضى صلاته قال: أذهبوا بهذه الخميصة إلى أبى جهم بن حذيفة وأتونى بانبجانية فإنها ألهتنى أنفاً في صلاتى.
* وعليكي أيتها الأخت الفاضلة أن تصلى في درع وخمار وألا يظهر منك إلا الوجه والكفين فقط في الصلاة.
4.
استقبال القبلة:
* وأما استقبال القبلة فهو صرف الوجه عن جميع وسائر الجهات إلى جهة بيت الله عز وجل وهذا يستلزم صرف القلب عن جميع وسائر الجهات إلى الله عز وجل.
- لذا كان دعاء الاستفتاح كما في صحيح مسلم:
" وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماًً وما أنا من المشركين ....".
فالمراد إقبال القلب على الله عز وجل وعدم الالتفات إلى غيره بعد توجيه البدن إلى بيت الله الحرام.
5. النية:
* وهى إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه ومحبة في قربه وأعلم أنه لا ينجو يوم القيامة إلا المخلصين (أخلص تتخلص) وكل عمل أريد به غير الله من رياء وسمعه مردود على صاحبه، قال تعالى:
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً} (الفرقان23)
تنبيه: الجهر بالنية خطأ وهو من البدع المحدثة لأن النية محلها القلب.
6. القيام:
(1/25)
* وأما القيام فأنت عندما تقوم للصلاة بين يدى الله تذكر القيام بين يديه يوم القيامة عند السؤال حتى تشعر عند ذلك عظمة الله عز وجل وجلاله وتتذكر كذلك وقوفك في ارض المحشر 50.000 سنة فيهون عليك الوقوف بين يدي الله في الدنيا.
* يقول ابن القيم كما في الفوائد:
"للعبد بين يدى الله عز وجل موقفان موقف بين يديه سبحانه وتعالى في الصلاة وموقف بين يديه يوم القيامة يوم لقائه فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الأخر ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف" قال تعالى:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً}(الإنسان 26 : 27)
*
قال ذو النون:
" في وصف العُبَّاد، لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلاته واستفتح كلام سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين - أى للحساب- فانخلع قلبه وذهل عقله".
7. الصلاة إلى سترة والدنو منها:
* ومن الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها فإن ذلك أقصر لنظر المصلى واحفظ له من الشيطان وأبعد له من مرور الناس بين يديه فإن هذا ليشوش عليه وينقص الأجر.
- فقد أخرج أبو داود وهو في صحيح الجامع أن النبي ( قال:
" إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها "
* وللدنو من السترة فائدة عظيمة يبينها لنا النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود في صحيح الجامع:
" إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته.." .
* ويسن في الدنو أن يكون بينه وبين السترة ثلاثة أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممر شاه كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة.
* وأوصى النبي ( المصلى بأن لا يسمح لأحد أن يمر بينه وبين ستته.
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي ( قال:
(1/26)
" إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحداً يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين ".
* قال النووى -رحمه الله - كما في شرح مسلم:
" والحكمة في السترة كف البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه وتمنع الشيطان المرور والتعرض لإفساد صلاته ".
8.
التكبير ((وهى قولك الله أكبر))
(يعنى يا رب أنت العزيز وأنا الذليل، أنت الغنى وأنا الفقير)
* وأن تستحضر معنى هذه الكلمة وأن الله أكبر من أي كبير فإذا نطق بها لسانك فلا ينبغي أن يكذبه قلبك فإن كان في قلبك شيء أكبر من الله سبحانه وتعالى أو كان هواك أغلب عليك من أمر الله عز وجل فقد اتخذته إلهك وكبرته فيكون قولك الله أكبر كلاماً باللسان المجرد يكذبه القلب وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن بكرمه سبحانه وتعالى وعفوه.
* وعند تكبيرة الإحرام استشعر بالاستسلام التام لرب العباد وتخيل لو أن ملك من ملوك الدنيا أراد منك أن تذعن وتتسلم له فأمرك برفع يديك ومدها لامتلأت رعباً وهو بشر مثلك فكيف بمن بيده ملكوت السماوات والأرض أمرك أن تستسلم وتقف بين يديه ذلاً وخضوعاً له رافعاً يديك معلن التسليم التام له ساعتها تخرج كلمة الله أكبر من فؤادك بحرارة تعلن البراءة من كل شيء فالله عندك اكبر من كل شيء.
* تتمة للفائدة نذكر صفة رفع اليدين عند التكبير :
- قال الألباني في صفة صلاة النبي ( صـ60
"وكان النبي ( يرفع يديه تارة مع التكبير وتارة بعد التكبير وتارة قبله، وكان يرفعها ممدودة الأصابع لا يفرج بينهما ولا يضمها وكان يجعلها حذو منكبيه وربما كان يرفعهما حتى يحاذى بهما (فروع) أذنيه".
9. الإقبال على الله وعدم الالتفات إلى غيره:
* فالله عز وجل يُقبل على العبد ما دام العبد مُقبلاً عليه ولم يلتفت بقلبه أو ببصره.
- فقد اخرج أبو داود بسنده أن النبي ( قال:
"لا يزال الله مُقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجه انصرف عنه".
(1/27)
* واعلموا أيها الأحبة أن خير الهدى هدى النبي( فلقد كان يصلى ويرمى ببصره إلى موضع سجوده ولا يلتفت وهذا أقرب للخشوع.
- فقد أخرج الحاكم من حديث عائشة - رضي الله عنها- قالت:
" كان رسول الله ( إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصرة نحو الأرض ".
- وعن الحاكم أيضاً: "أنه لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها".
* فالنظر تابع للقلب إذا خشع القلب خشع البصر ولم يلتفت والعكس بالعكس، وبين لنا النبي ( أن الالتفات في الصلاة منافي للخشوع منتقص للأجر.
- فقد أخرج البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها- أنها سألت الرسول ( عن الالتفات في الصلاة فقال: " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاه العبد ".
* ورحمة الله على الحسن البصري حيث قال:
" إذا قمت إلى الصلاة فقم كما أمرك الله، وإياك واللهو والالتفات، إياك أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره وتسأل الله الجنة وتتعوذ به من النار وقلبك ساه لا تدرى ما تقول بلسانك".
* قال ابن القيم:
"في الحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح عن الحارث الأشعري عن النبي (
" أن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات .
- وفي الحديث " وآمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ".
* والالتفات المنهى عنه في الصلاة قسمان:
أحدهما: التفات القلب عن الله - عز وجل - إلى غير الله.
والثانى: التفات البصر - وكلاهما منهى عنه.
* ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه. ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو قلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه واقبل يناديه ويخاطبه وهو في خلال ذلك يلتفت يميناً وشمالاً وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان؟!
*
(1/28)
أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه؟! فهذا المصلى لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه بعظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته وذلت عنقه له واستحيا من ربه تعالى أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه، وبين صلاتيهما كما قال حسان بن عطية:
" إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وإن ما بينهما من الفضل كما بين السماء والأرض ".
(وذلك لأن أحدهما مقبل بقلبه على الله تعالى والأخر ساه غافل)
* واعلموا أيها الأحبة:
* إن الإقبال على الله عز وجل بالقلب وعدم الالتفات إلى غيره في الصلاة سبباً لمغفرة الذنوب ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عمرو بن عبسه السلمي في حديث طويل عن النبي( قال:
" فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله وفرغ قلبه لله أنصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه ".
10. وضع اليمنى على اليسرى على الصدر - في حال القيام -
* قال العلامة ابن رحب الحنبلى:- في كتاب الخشوع في الصلاة -
ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة وضع اليدين أحدهما على الآخرى في حال القيام .
* وقد روى عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه سُئل عن المراد بذلك فقال: هو ذل بين يدى عزيز (فهو يقف بين يدى الله ذليل خاشع ضعيف)
* وقال ابن حجر كما في فتح البارى: قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو امنع من العبث وأقرب إلى الخشوع.
* وتتمه للفائدة نَصْفْ هذه الهيئة:
- وهى أن تضع اليمنى على اليسرى على الصدر فقد أخرج ابو داود والنسائى بسند صحيح:
أن النبي ( :
" كان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ".
- وفي حديث عند الدارقطني والنسائي وصححه الألباني:
" وكان أحيانا يقبض باليمنى على اليسرى ".
- وعند أبى داود وابن خزيمة:
" كان يضعها على الصدر".
(1/29)
* فاحذر وضع اليد على البطن أو الجنب أو القلب أو ارسالهما هذا مخالف لهدى النبى (صلى الله عليه وسلم).
11. دعاء الاستفتاح:
* سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك "أحمد"
* (سبحانك اللهم وبحمدك) استشعر بقلبك أن تناجى رباً منزهاً عن كل عيب سالماً من كل نقص. وتخيل انك تردد هذه الكلمات بين يدي الله عز وجل يوم القيامة والكل ينظر إليك ليعلم إلى أى منقلب تنقلب وإلى أي دار تصير وإذا بك تسبح الله تنزيهاً له عن كل نقيصة وتحمده على كل نعمة وأعظم نعمة هي نعمة الإيمان الذي أوقفك هذا الموقف (موقف الصلاة) بين يديه لتنال رضاه عز وجل وتفوز بجنته ثم تقر وتعترف أن كل ما ذكر اسم الله عليه يكون فيه بركة فتقول.
* (وتبارك اسمك) فلا يذكر اسمك على خير إلا أنماه وبارك فيه ولا على آفة إلا أذهبها ولا على شيطان إلا رده خاسئاً داحراً ولا على مريض إلا شفاه ولا عند كرب إلا كشفه ولا على قليل إلا كثره فهذه صلاتك تذكر اسم الله فيها فيتضاعف فيها الأجر فالحسنة بعشر أمثالها فتكون الصلاة بعشر صلوات فلك بهذه الخمس صلوات أجر خمسين صلاة. (سبحانك ما أكرمك)
* (وإذا قلت وتعالى جدك) أى ارتفعت عظمتك وجلت فوق كل عظمه وعلا شأنك على كل شأن وقهر سلطانك على كل سلطان. فإذا تذكرت ذلك وعلمت أنه يأبى الشرك وهو أغنى الشركاء سارعت بقولك.
* (ولا إله غيرك) فتعال جدك أن يكون معك شريك في ملكك وربوبيتك أو في الوهيتك أو في أفعالك أو في صفاتك.
* فأي كلمات أبلغ من هذه الكلمات في مثل هذا المقام، وصلى الله على من قال كما في سنن أبى داود "أن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".
وينبغي عليك أن تلاحظ إذا كان القلب اعتاد هذا الدعاء وألفه حتى انك تقوله ولا تشعر به ولا بمعناه فعليك أن تدخل معه غيره من الأدعية كقولك:
(1/30)
"اللهم باعد بينى وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنى من خطاياي بالماء والثلج والبرد". (الصحيحين)
* تخيل وأنت تردد هذا الدعاء أنك تقف بين يدى الله سبحانه وتعالى "وقد جمعت خطاياك منذ كُلِفتْ حتى متْ فإذا بها تبلغ زبد البحر. فإذا اليد تشهد وإذا الرجل تشهد وإذا اللسان يشهد وإذا الجلد يشهد، الجوارح كلها تشهد بما فعلت واكتسبت، وأنت تنظر إلى النار و تنظر إلى الخطايا وتتوقع أنها سائِقتك إلى النار لا محالة فتستغيث بالله وتلجأ إليه فارً من ذنوبك تقول بلهفة وشفقة "اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق و المغرب" هذا أقصى حد للبعد تعرفه.
* ولا تكتفي بذلك بلْ وتلح في الدعاء وتقول "اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" وذلك خشية أن لا يكفيك بُعدُ الذنوب عنك وخشية أن يدرك منها شيء ذلك لعلمك بكثرتها.
* وإنما اُختير الثوب الأبيض دون غيره لأن نقاء الأبيض الظاهرى لا يكون إلا بالنقاء الحقيقى باطنا أما الألوان الأخرى فقد يظهر نقاؤه وهو في الحقيقة يحتفظ بشيء من الدنس في باطنه ثم لا تكتفي بذلك بل تطلب النقاء التام فتسأل الله أن يطهرك بالغسل بالماء والثلج والبرد لأن الخطيئة بها مرارة وحرارة لا يطفئها إلا الثلج والماء والبرد فتخيل نفسك تلح بهذا الدعاء يوم القيامة فإذا تخيلت ذلك وأنت تقرأه في الصلاة فستخشع (إن شاء الله تعالى).
* فإذا اعتادت نفسك على هذا الدعاء وهذا الاستفتاح فاستبدله بغيره كقوله " الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ". ( مسلم )
* فإذا قرأت هذا الاستفتاح فتذكر أن أبواب السماء تفتح لها. كما ورد في الحديث أن رجلاً من الصحابة استفتح بها فقال رسول الله ( كما في صحيح مسلم:
" عجبت لها فتحت لها أبواب السماء "
12.
الاستعاذة: وهى قولك ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))
(1/31)
* وينبغي عليك أن تستحضر معنى الاستعاذة وهى اللجوء إلى الله والاعتصام به والاحتماء بجانب الله العظيم من الشيطان الرجيم الذي هو مترصد لك حسداً على مناجاتك لربك عز وجل وركوعك وسجودك.
* مع أنه لم يوفق لسجدة واحدة فجعل همه أن يقطعك عن مناجاة ربك بما يوسوس لك من هموم الدنيا ومشاغلها حتى يحرمك من شرف المناجاة وبركتها وثوابها ويقطعك عن مولاك الذي تسعد القلوب بمناجاته وحبه وتشرف في الدنيا والآخرة بذكره وشكره وحسن عبادته.
* فإذا قال العبد: "أعوذ بالله من الشيطان" فقد أوى إلى ركنه الشديد بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه، فالشيطان بمنزلة قاطع الطريق كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه فإذا اردت النجاة من الشيطان ووسوسته فالجأ إلى الله فهو يكفيك.
* واعلم أن الله يعيذك من الشيطان على قدر استغاثتك ولجوئك إليه فعندما تطلب من إنسان وتستغيثه أن ينقذك من لص يريد أن يسرق مالك فلا شك أنه سيكون هناك صدق وحرارة في اللجوء والاستغاثة. وهكذا ينبغي أن يكون هناك صدق في اللجوء إلى الله ليكفيك من هذا الشيطان الرجيم الذي يريد أن يسرق دينك فأين هذا من قول الذي يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو ينظر إلى امرأة متبرجة، أين صدق اللجوء وقوة الاستغاثة.
* لما قيل لأحد السلف أن اليهود والنصارى يقولون لا نوسوس قال: (صدقوا : وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب).
* والصيغة التي يسن أن نستعيذ بها من الشيطان (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) وكان أحيانا يستعيذ بقوله: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
* ولمواجه كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي ( في العلاج التالي:
(1)- فقد أخرج الإمام مسلم عن أبى العاص ( قال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتى وقراءتى يلتبسها علىّ . فقال رسول الله ( :
(1/32)
" ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنى".
(2)- ومن كيد الشيطان ما أخبرنا عنه النبي ( كما عند البخاري:
" إن أحدكم إذا قام يصلى جاء الشيطان فلبس عليه - يعنى خلط عليه صلاته وشككه فيها - حتى لا يدرى كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ".
(3)- ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما عند مسلم:
"إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً".
(4)- بل أن كيده ليبلغ مبلغاً عجيباً كما يوضحه هذا الحديث الذي أخرجه الطبرانى في الكبير: عن ابن عباس أن النبي( سئل عن الرجل يخيل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يحدث فقال رسول الله( :
" إن الشيطان يأتى أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأُذنه أو يجد ذلك بأنفه ".
* وغير ذلك من المكائد والوساوس والتي لا تستطيع أن تنتصر عليه إلا بالاعتصام بالله واللجوء إليه.
ملحوظة: …
نبغى على الإنسان أن يجاهد التثاؤب في الصلاة،
- فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي ( قال:
" إذا تثاؤب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل"، وإذا دخل الشيطان يكون اقدر على التشويش على خشوع المصلى ".
* بالإضافة إلى أنه يضحك من المصلى إذا تثاؤب، فأغلق أخى الحبيب هذا الباب على الشيطان واكظم التثاؤب ما استطعت.
13.
البسملة : وهى قولك ((بسم الله الرحمن الرحيم))
* فانْوِ بها التبرك باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
* وإذا قلت {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فاستحضر في قلبك أنواع لطفه ليتضح لك رحمته فينبعث الرجاء في قلبك.
14. قراءة الفاتحة :
* والطريق إلى الخشوع فيها قراءتها آية آية إقتداً بالنبي ( .
(1/33)
* استشعر وأنت تقرأ كل آية أنك تخاطب الله والله يرد عليك في كل آية فقد قال النبي ( فيما يرويه عن ربه عز وجل كما في صحيح مسلم
" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل :
فإذا قال : الحمد لله رب العالمين……قال الله تعالى : حمدنى عبدى
وإذا قال : الرحمن الرحيم………قال الله تعالى : أثنى على عبدى
وإذا قال : مالك يوم الدين………قال الله تعالى : مجدنى عبدى
وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين……قال الله تعالى : هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل
وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضآلين قال : هذا لعبدى ولعبدى ما سأل"
* اهدنا الصراط المستقيم: العبد محتاج إلى الله سبحانه في كل نفس وطرفة عين ولا يتم هذا إلا بالدعاء إلى طريق الهداية الموصلة له سبحانه فأهل الهداية هم المتصفون بنعمته دون المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه، ودون الضالين وهم الذين عبدوا الله بغير علم.
* قال النووى : قال العلماء : المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقول النبي: "الحج عرفة" ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة.
* قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار.
* فيا لذة قلب المؤمن وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه عبدى ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخن الشهوات وغم النفوس لطارت فرحاً وسروراً بقول ربها وفاطرها ومعبودها حمدنى عبدى وأثنى على عبدى ومجدنى عبدى ... موارد الظمأن لدروس الزمان.
* قال الغزإلى كما في الإحياء: فلو لم يكن لك من صلاتك سوى ذكر الله لك وهو من؟ هو الله في جلاله وعظمته .فناهيك بذلك غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله.
15. التأمين بعد الفاتحة :
(1/34)
* فأحرص على التأمين بقولك آمين بعد قراءة الفاتحة فإن معناها اللهم استجب. وأعلم أنه بهذه الكلمة يغفر لك ما تقدم من ذنبك "سبحانك ما أكرمك" فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي ( :
" إذا أمَّن الأمام فأمَّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".
* لذلك تجد اليهود يحسدوننا على هذه الكلمة.
- فقد أخرج الإمام أحمد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله بها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام (آمين)".
ملحوظة: …
يلاحظ أن كلمة آمين أصلها ءأمين الهمزه الأولى متحركة بالفتحة والثانية ساكنة تحول الهمزة الثانية إلى حرف من جنس ما قبله ويسمى هذا المد مد بدل وهو يمد بمقدار حركتين فنقول (آمين) بمقدار حركتين فقط بلا تمطيط كما يفعل البعض.
16. تدبر الآيات :
* ومما يعين على تدبر الآيات والتفكر فيها وعدم الانشغال عنها:-
(1) معرفة تفسير الآيات:
* قال ابن جرير رحمه الله :
"إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله وتفسيره كيف يلتذ بقراءته".
(2) قطع القراءة آية آية:
* وذلك أدعى للفهم والتدبر وهى سنة النبي ( أخرج أبو داود وصححه الألبانى عن أم سلمه - رضى الله عنها - قال :
" قراءه النبي ( ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ثم يقف ثم يقول ((الحمد لله رب العالمين)) ثم يقف ثم يقول ((الرحمن الرحيم)) ثم يقف ثم يقول ((مالك يوم الدين)) يقطع قراءته آية آية ".
فالوقوف عند رؤوس الآى سنة وإن تعلقت في المعنى بما بعدها وهذا مما يزيد في تدبر وتفهم الآيات وتحصيل الخشوع.
(3) ترتيل الآيات وتحسين الصوت بها:
* كما قال تعالى{وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً}وكانت قراءته ( مفسره حرفاً حرفاً كما ثبت في مسند الإمام أحمد وهذا الترتيل والترسل أدعى للتفكير والخشوع بخلاف الإسراع والعجلة.
(1/35)
* ومما يعين على الخشوع أيضاً تحسين الصوت بالتلاوة، وفي ذلك وصايا نبوية:
- فقد أخرج الحاكم في صحيح الجامع أن النبي ( قال:
" زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ".
وليس المقصود بتحسين الصوت التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن فقد قال النبي( كما عند ابن ماجه وهو في صحيح الجامع:
" أن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتوه يخشى الله ".
(4) التفاعل مع الآيات:
- أخرج الأمام مسلم من حديث حذيفة ( قال : صليت مع رسول الله ( ذات ليلة يقرأ مسترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ .
- وفي رواية " صليت مع رسول الله ( ليلة فكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح "
وكان هذا في قيام الليل .
- وعند أبو داود والبيهقى بسند صحيح :
" كان إذا قرأ ((أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى)) قال: سبحانك بلى، وإذا قرأ: ((سبح اسم ربك الأعلى)) قال: سبحان ربى الأعلى ".
ملحوظة : يلاحظ أن هذا السؤال والتعوذ والتسبيح كل هذا في صلاة النفل دون الفريضة.
(5) التفكر فيها:
* أخرج أبن حبان بسند جيد عن عطاء قال :
((دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة - رضى الله عنها - فقال عمير : حديثينا بأعجب شئ رأيته من رسول الله ( ، فبكت وقالت : قام ليلة من الليإلى فقال : يا عائشة ذرينى أتعبد لربى، قالت : قلت والله إنى لأحب قربك وأحب ما يسرك. قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلى فلم يزل يبكى حتى بلَّ حجره ثم بكى فلم يزل يبكى حتى بلَّ الأرض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكى قال : يا رسول الله تبكى وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد نزلت على الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} ( آل عمران190)
(1/36)
(6) استشعار بأن هذا الكلام كلام الملك والذي إذا نزل على الجبال لتصدعت
* قال تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
1- قال أبو عمران الجونى:
والله لقد صرف إلينا ربنا في هذا القرآن ما لو صرفه إلى الجبال لمحاها ودحاها.
2- وكان مالك بن دينار - رحمه الله -
يقرأ هذه الآية ((لو أنزلنا هذا القرآن ...... الآية)) _ ثم يقول اقسم لكم لا يؤمن عبدٌٌ بهذا القرآن إلا صُدَّع قلبهُ.
3- وقال الحسن :
يا ابن آدم إذا وسوس لك الشيطان بخطيئة أو حَّدثْتَ بها نفسك فاذكر عند ذلك ما حمَّلك الله من كتابه مما لو حملته الجبال والرواسى لخشعت وتصدعت أما سمعت بقوله تعالى:
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
* فلو استشعر الإنسان منا هذا لتولد عنده وتلبس حاله من السكينة والخشية والإخبات لله والتواضع والانكسار.
* فهؤلاء هم الذين يعلمون من هو الله لذا فإنهم يعظمون كلام الملك وهم الذين قال الله فيهم:
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر9)
(7) ترديد الآيات ومحاولة النظر في المعنى:
1. وكان النبي ( يفعل ذلك، فقد أخرج الأمام أحمد وابن خزيمة:
أن النبي ( قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهى
{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} ( المائدة 118 )
2. وها هى عائشة - يقول عنها القاسم بن محمد :
(1/37)
"غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة - رضي الله عنها - اسلم عليها فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلى الضحى وهى تقرأ قول الله تبارك وتعالى {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}وتبكى وتدعو وتردد الآية. فقمت (وقفت) حتى مللت وهى كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق وقلت أفرغ من حاجتي ثم أرجع ففرغت من حاجتي ثم رجعت وهى كما هي تردد الآية وتبكى وتدعو".
3. وقام أحد الصحابة - وهو قتادة بن النعمان - الليل لا يقرأ إلا "قل هو الله أحد" يرددها لا يزيد عليها .(البخاري وأحمد).
4. وكان هارون بن رباب الأسيدى: يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يصبح ((قالوا يا ليتنا نُردّ ولا نُكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين)) ويبكى حتى يصبح.
* وصدق ربنا حيث قال:
{فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه} ( الزمر 22)
5. وها هو الحسن البصرى:
يقول رجل من قيس يُكنى أبا عبد الله: بتنا ذات ليله عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الآية حتى السحر {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(النحل: 18)
فلما أصبح قلنا يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل، قال: أرى فيها معتبراً ما أرفع طرفاً ولا أرده إلا وقد وقع علىّ ّنعمة ومالا يعُلم من نعم الله أكثر. التذكار في افضل الاذكار للقرطبى 125
6. وهاهو سعيد بن جبير يحكى عن حالة سعيد عبيد الطائى فيقول:
(1/38)
سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردد هذه الآية {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} (غافر 70 : 72)
* وقال القاسم:
رأيت سعيد بن جبير قام ليله يصلى فقرأ
{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفي كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ( البقرة 281)
كررها بضعاً وعشرين مره".
7. وفي حليه الأولياء أن محمد بن المنكدر:
قام ذات ليلة فأخذه البكاء وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاك فلم يستطع أن يرد عليهم فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبره بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو مازال يبكى، قال: له يا أخي ما الذي أبكاك، أبكَ عّله!
قال: لا ولكن مرت بي آية من كتاب الله عز وجل.
قال: وما هي؟
قال: قول الله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} "الزمر".
فبكى أبو حازم أيضا معه وأشتد بكاؤهم، فقال بعض أهله لأبى حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما الذي أبكاهما.
* ومما يعين على تدبر الآيات حفظ آيات جديدة والصلاة بها:
* فلا تقتصر في صلاتك أن تقرأ ما تحفظه بصفه مستمرة لأنك إن فعلت ذلك فإنك ستقرأه بكل سهولة ولا تحتاج إلى تذكر ولا إلى ذهن حاضر وبهذا ينطلق لسانك بقراءة قصار السور أو ما تحفظه في الصلاة بينما ينطلق عقلك في واد آخر فلا تشعر بمعانى الآيات ولا تدرك خشوعاً في الصلاة.
* بل ينبغي عليك أن تحفظ قدر استطاعتك ثم تصلى به فإن هذا يورث الخشوع في الصلاة وذلك لأنك ستشعر بمغالبه نفسك وحضوراً لذهنك وأنت تقرأ هذه الآيات الجديدة في الصلاة فاحرص على الحفظ بعد صلاة الفجر حيث خلو البال وعدم اشتغال الذهن ثم بعد ذلك تقرأ بما حفظته في باقى الصلوات الخمس فيستقر عندك ما حفظته ونذكرك بأن لك بكل حرف حسنه والحسنه بعشرة أمثالها.
17.
الركوع:
(1/39)
* ثم تكبر بعد ذلك لتركع بين يديه ويسن في الركوع أخذ الركبتين باليدين وتفريج الأصابع في الركوع وبسط الظهر وتسوية الرأس بالعجز ومباعدة المرفقين عن الجنبين.
* والركوع من الهيئات التي يظهر فيها الخشوع والتواضع قال ابن رجب:
وهو ذل بظاهر الجسد ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله فقد أخرج النسائي أن حكيم بن حزام لما جاء يبايع النبي ( جاءه يبايعه على ألا يخر إلا قائماً - يعنى يسجد من قيام دون ركوع.
* وتمام الخضوع في الركوع أن يخضع القلب لله عز وجل ويذل له فيتم بذلك خضوع القلب بباطنه وظاهرة لله عز وجل ولهذا كان النبي ( يقول في ركوعه كما في صحيح مسلم:
" اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وما استقلت به قدمي ".
إشارة إلي أن خشوعه في ركوعه عدَ حصل بجميع جوارحه ومن أعظمها القلب الذي هو ملك الجوارح والأعضاء كلها تبع له ولخشوعه.
* وينبغي عليك أن تجدد في الركوع ذكر كبرياء الله سبحانه وتستشعر عز مولاك وعلو ربك وتستعين على تقرير ذلك في قلبك بلسانك فتسبح ربك وتشهد له بالعظمة وأنه عظيم أعظم من كل شئ فتقول سبحان ربى العظيم وتكرر ذلك على قلبك لتؤكده بالتكرار.
* ثم تذكر نعم الله عز وجل عليك وان أعمالك لا تعادل هذه النعم خاصة مع كثرة ذنوبك لذا أرشدك النبي ( أن تقول " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم أغفر لى".
* واجتهد وأنت في الركوع أن تخشع وتعظم ربك بجميع أنواع التعظيم الذي كان يعظم به رسول الله ( ربه في الركوع " سبوح قدوس رب الملائكة والروح ". "مسلم"
"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة". "أبو داود"
18.
الرفع من الركوع:
* ثم ترفع من ركوعك مؤكداً للرجاء في نفسك بقولك "سمع الله لمن حمده" أى أجاب لمن شكره ثم تردف ذلك بالشكر المقتضى للمزيد فتقول " ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ".
وأعلم أن الملائكة يصطفون لسماع حمدك ويبتدورنه أيهم يكتبها أولاً.
(1/40)
* فلقد أخرج البخاري
" أن رجلاً من أصحاب النبي ( كان يصلى خلف النبي ( فلما قال النبي سمع الله لمن حمده قال هذا الرجل : ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من المتكلم؟ قال : أنا يا رسول الله فقال رسول الله ( : لقد رأيت بضع وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً ".
* تنبيهات:
1) بعض المصلين يزيدون كلمة "الشكر" بعد قولهم "ربنا لك الحمد" وهى زيادة ليس بها أصل لكن إذ أردت أن تستزيد فعليك بالمأثور عن النبي( :
((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)). "مسلم"
19.
السجود:
* ثم كبر واسجد على الأرض معلن الاستسلام التام لله ومرغ انفك في التراب له ذلاً وخضوعاً بين يديه أعلم أخي الحبيب أن السجود سر الصلاة وركنها الأعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الأركان كالمقدمات له فالإنسان منا يضع أشرف شئ منه وأعلاه وهو الوجه خضوعاً بين يدى ربه الأعلى وخشوعاً له وتذليلاً لعظمته واستكانة لعزته وهو غاية الخشوع الظاهر وهذه هى حالة العبد الذليل الضعيف المنكسر بين يدي سيده فكأنه يقول بلسان الحال ((الذل والتواضع وصفي)) والعلو والعظمة والكبرياء وصفك، ولذلك يقول بلسان المقال وهو في هذه الحالة "سبحان ربى الأعلى" بعدما يُعفر أعز الأعضاء وهو الوجه في أدنى شئ وهو التراب.
* والإنسان منا يعلم أن نِعم الله عليه عظيمة وأن آلاءه جسيمة فلا يملك لها شكراً، ويجد نفسه الأمارة بالسوء تقابل ذلك بالمعاصي ولا يجد ما يقترب به إلى الله وما يعتذر به إليه إلا بالسجود بين يديه فهذا موقف الخائف من ربه الراغب فيما عنده المبتغى رضاه الطامع في رحمته وعفوه.
(1/41)
* فلا شئ أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود ولا عمل يغفر الذنوب ويرفع الدرجات مثل السجود.
فقد قال تعالى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ( العلق 19 )
- وقال النبي ( كما عند الإمام مسلم:
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فيه ".
- وعند الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبرانى وهو في صحيح الجامع أن النبي ( قال :
" أعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك خطيئة ".
* ولهذا كان مسروق يقول لسعيد بن جبير: ما بقى شئ يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في هذا التراب له.
*
واعلم أن الله خلق الإنسان من الأرض التي توطئ بالأقدام واستعمله فيها ويرده إليها ووعده بالإخراج منها فهي أمه وأصله وفصله فإذا ما سجد لله ورجع إلى أصله ولم يستنكف ويستكبر فعندما ينزل في بطنها تضمه ضمه الأم الحنون التي غاب عنها ولدها البار لها. وإذا استكنف ولم يسجد ويرجع إلى أصله واستكبر أن يضع وجهه على الأرض فعندما ينزل في بطن الأرض (أمه) فإنها تضمه ضمه تختلف فيها أضلاعه لأنه كان بمثابة الابن العاق.
* وأعلم أن السجود علامة عليك يوم القيامة:
(1) فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي ( قال:
" ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة. قالوا : وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال : أرايت لو دخلت صيره فيها خيل دُهم بُهم وفيها فرس أغر محجل أما كنت تعرفه منها؟ قال : بل، قال: فإن أمتى يومئذ غر من السجود محجلون من الوضوء ".
(2) وقال أيضاً كما عند البخاري ومسلم:
" إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ".
(1/42)
* وأعلم أن من فضل الله عز وجل عليك أن جعل السجود في الصلاة أكثر من الركوع وذلك لعلمه سبحانه بحال عبده وحاجته إليه، فالعبد في السجود يسأل الله ويدعوه بما شاء فأكثر من سؤال الله في سجودك وتذكر ما تحتاجه من أمور الآخرة ومن أمور الدنيا فالنبي ( كان يقول كما في صحيح مسلم: " وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن(1) أن يستجيب لكم"……
* وانظر كيف كان النبي ( يثنى على ربه عز وجل في هذا الموقف. فالإنسان منا في أدنى مكان والله سبحانه وتعالى في أعلى مكان، مع هذا تجده يقول في هذا الموقف "سبحان ربى الأعلى" ويكررها.
__________________________________
(1) قمن : حرى
ثم يدعو بالمغفرة فيقول: " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " …البخاري ومسلم
"اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره". مسلم
"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " أبو داود
"سبحانك اللهم وبحمدك لا اله إلا أنت" …مسلم
* وأحذر أن تسرق من صلاتك
* فقد أخرج أبو داود من حديث أبى قتادة قال: قال رسول الله ( :
" أسوء الناس سرقة الذي يسرق في صلاته، قال: يا رسول الله كيف يسرق في صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ".
* تتمة للفائدة:
* عليك أيها المصلى أن تسجد على سبع:
- فقد اخرج مسلم أن النبي ( قال :
" أمرت أن تسجد على سبع الجبهة و الأنف و اليدين و الركبتين و القدمين و احذر أن تفترش الذراع عند السجود أو تضم الإبطين أو تفرج بين القدمين عند السجود أو تقرأ قران في السجود"
20. الرفع من السجود:
(1/43)
* ثم إذا أردت الرفع من السجود فتذكر أنك تفارق أقرب الأماكن التي تكون فيها قريب من الله، ترفع من السجود ترفع من الحالة التي تبث فيها حزنك وهمك إلى الله وهو يستمع إليك لا يلتفت عنك ما دمت مقبل عليه. وبذلك يكون رفعك من السجود بتثاقل كأنما تجره منه جرا ثم تكبر حال رفعك موقن أن الله اكبر من كل شئ فهو القادر على إجابة دعائك ثم تجلس مفترش قدمك اليسرى ناصب قدمك اليمنى ثم تسأله سبحانه المغفرة قائلاً:
"رب اغفر لى…رب اغفر لى"…………(النسائى وابن ماجة بسند حسن)
* وتكررها متخيل كثرة ذنوبك أو تقول:
" اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى وأجبرنى وعافنى وارزقنى"
وتستحضر في دعائك هذا أنك مذنب تحتاج المغفرة ومسكين تحتاج إلى الرحمة كسير تحتاج الجبر، وضيع تحتاج الرفع، ضال تحتاج الهداية، مريض مبتلى تحتاج العافية، فقير تحتاج الرزق.
* ثم تخر للسجود مرة ثانية تأكيداً للتواضع والانكسار بين يدى الله وتعاود التسبيح والدعاء مرة ثانية.
* وتفعل كالسجدة الأولى تُلح في الدعاء عالم أنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء.
* تتمة للفائدة
* ثم إذا رفعت من سجودك فاجلس جلسة قصيرة تستريح فيها قبل القيام ومن السنة أن تفترش في هذه الحالة أي تجلس على الرجل اليسرى وتنصب اليمنى ثم إذا شرعت في الركعة الثانية فتحرى الخشوع فيها كما تحريت في الركعة الثانية.
21. التشهد
* فالرسول علمنا كيف نقول في هذا المقام. فينبغي عليك أن تلقي التحيات بجميع أنواعها الطيبة الحسنه لله فهو المستحق لذلك فحيث أن التحية تكون للملوك فالله سبحانه ملك الملوك لذا لله جميع التحيات فهى اسم جنس لجميع التحيات ( التحيات لله) .
* وأنت حين تلقي التحية عليه سبحانه لا تلتفت عنه جل وعلا بل أجتهد في مدافعة نفسك أن تحيد أو تنصرف عنه وأنت تلقي التحية بين يديه سبحانه خوفا أن يلتفت عنك ولا يقبل منك.
(1/44)
* وتعترف أن جميع الصلوات لله فلا أحد يستحق أي نوع من أنواع الصلوات سواء الفعلية أو القوليه إلا الله و كذلك جميع أنواع الطيبات من أقوال و صدقات لله سبحانه و تعالي فهو الذي يستحق أن تصرف له.
* ثم تثنى بإلقاء التحية والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان سبباً في هدايتك وتستشعر وتستحضر انه يرد عليك السلام وهو في قبره حيث ترد عليه روحه ويرد عليك.
* ثم تسلم علي عباد الله الصالحين جميعا من الملائكة والأنس والجن وإذا كنت عبد صالح جاءك السلام في كل لحظة لأنه ما من مكان علي وجه الأرض إلا وفيه عباد يصلون لله عز وجل ويلقون التحيات التي لك فيها نصيب "عندما يقول الرجل السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين قال النبي : إذا قالها بلغت كل عبد لله صالح في السماء والأرض" (البخاري و مسلم)
* ثم تشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله.
* ثم تصلى على النبي ( كما أمرك الله حيث قال:……
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
وصلاتك عليه اعترافا بفضله عليك حيث كان سببا في هدايتك لهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنقذك به من عذاب النار.
* ثم تستعذ بعد ذلك من أربع كما ثبت ذلك في صحيح مسلم:
" اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال".
* قال الغزإلى:
4- فإذا جلست (أى للتشهد) فأجلس متأدباً وصرح بأن جميع ما تدلى به من الصلوات والطيبات أى من الأخلاق الطاهرة لله وكذلك الملك لله وهو معنى التحيات.
5- وأحضر في قلبك النبى (صلى الله عليه وسلم) وشخصه الكريم وقل سلام عليك أيها النبى ورحمه الله وبركاته.
6- ثم تسلم على نفسك وعلى جميع عباد الله الصالحين.
7- ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد ( بالرسالة مجدداً عهدا لله سبحانه بإعادة كلمتى الشهادة.
(1/45)
8- ثم صلى على رسول الله علية الصلاة والسلام الصلاة الإبراهيمية.
9- ثم تعوذ بالله من أربع "من عذاب النار وعذاب القبر وفتنه المحيا والممات وشر فتنة المسيح الدجال".
1-
قال السيوطى في تعريف التحيات:
- التحيات لله جمع تحية وهى الملك وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل إنما قيل التحيات بالجمع: لأن ملوك العرب كل واحد منهم يحيه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميع تحياتهم لله تعالى وهو المستحق لذلك حقيقة.
2- وقال ابن دقيق العيد في تعريف المحيا:
المحيا ما يُعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت وفتنه الممات يجوز أن يراد بها الفتنه عند الموت، أضيفت إليها لقربها منه ويكون المراد بفتنه المحيا على هذا ما قبل ذلك؛ ويجوز أن يراد بها فتنه القبر. (عون المعبود)
* ثم تسأل الله بعد ذلك من خيري الدنيا والآخرة وذلك قبل السلام.
- فلقد علم النبي أبا بكر أن يقول:
" اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
- وسمع النبي ( رجل يقول في تشهده:
" اللهم إني أسألك يا الله، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم. فقال (صلى الله عليه وسلم): قد غفر له ".
- وسمع آخر يقول في تشهده:
" اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان، يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حى يا قيوم إنى أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه تدرون بما دعا!
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: والذي نفسى بيده لقد سأل الله باسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى".
(1/46)
- وكان النبي ( يقول: "اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله إلا أنت".
* فهذه الأدعية وغيرها تقطع الصمت بعد التشهد وتقطع السآمة والملل التي يجدها بعض المصلين عندما يصمت بعد التشهد انتظار لسلام الإمام ويحدث في النفس سكون وطمأنينة وأنس بالله.
* فوائد وتنبيهات:
1- ما تريد أن تسال من خيرى الدنيا والآخرة يكون قبل السلام أما الدعاء بعد السلام فهو خلاف السنة
* وفي ذلك يقول ابن القيم كما في زاد الميعاد:
"وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة: إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلى فإنه مقبل على ربه يناجيه مادام في الصلاة فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه. فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه ثم يسأله إذا انصرف عنه؟"
ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلى.
* إلا أن ها هنا نكته لطيفة وهو أن المصلى إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة استحب له أن يصلى على النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية لكونه دبر الصلاة، فإن من ذكر الله وحمده واثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استحب له الدعاء عقب ذلك كما في حديث فضالة بين عبد لله وهو عند الترمذى:
" إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبى ثم ليدع بما شاء" ...أهـ.
* فإذا عملت أن السنة في جعل الدعاء في الصلاة قبل السلام فاختر من الدعاء ما تشاء والأفضل الدعاء المأثور.
2- إتباعاً للسنة فإنه يستحب لك أن تفترش في التشهد الأوسط (الركعة الثانية ) وأن تتورك في الركعة الأخيرة من الصلاة.
- فقد أخرج البخاري عند أبى حميد الساعدى ( :
(1/47)
أنه قال في أثناء وصفه الصلاة للنبى (صلى الله عليه وسلم) فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى (وهو ما يعرف بالافتراش) وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته (وهو ما يعرف بالتورك)
22. السلام
* وأقصد عند التسليم (التحلل من الصلاة) استشعر شكر الله سبحانه علي توفيقه لإتمام هذه الطاعة واستشعر كذلك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة وخف ألا تُقبل صلاتك وأن تكون ممقوتا بذنب ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك وترجو من ذلك أن يقبلها الله بكرمه وفضله ولذلك شرع لك بعد السلام أن تستغفر الله ثلاثا بعد السلام خشيه أن تكون قصرت في أداء الصلاة
* وتتمه للموضوع نذكر هنا الأذكار بعد السلام لما فيها من الأجر العظيم والفضل الكبير :
- ثم بعد السلام لا تتعجل الانصراف بل اجلس وأشرع في الأذكار بعد السلام،
* فتبدأ بالاستغفار ثلاث مرات فتقول:
(استغفر الله - استغفر الله - استغفر الله) فكأن المصلى يستغفر ربه عما حصل في صلاته من الخلل والتقصير في خشوعه فيها.
* ويقول" اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " مسلم
* وتقول: "لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (البخارى ومسلم).
* "لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا اله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". (مسلم)
* ويسن لك قراءة آية الكرسي
- فقد أخرج ابن حبان والنسائي بسند صححه الارناؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع أن النبى ( قال: " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاه مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
(1/48)
* ثم تسبح ثلاثا وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبره ثلاثا وثلاثين وتقول تمام المائة لا اله لا الله وحده لا شريك له، له الملك وله والحمد وهو على كل شيء قدير.
* واعلموا أيها الأحبة أن هذا التسبيح والتحميد والتكبير فيه من الفضل والذي بينه النبي ( .
1- أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول الله ( قال:
" من سبح الله دبر كل صلاه ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شى قدير، غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر".
2- وأخرج البخاري من حديث ابى هريرة ايضاً :
" أن فقراء المهاجرين آتوا رسول الله ( فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون فقال النبى ( ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا احد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟
قالوا: بلى يا رسول الله .
قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاه ".
* وبهذا تكون قد أتممت صلاه خاشعة مطمئنه ونسال الله قبولها والإثابة عليها.
* قبل أن نفترق أذكر:
* بان العبد الخاشع إذا انصرف من صلاته وجد خفه من نفسه ووجد نشاطا وراحة حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها لأنها قرة عينه ونعيم روحة وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها فالمحبون يقولون نصلى فنستريح بصلاتنا كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم ( : " يا بلال أرحنا بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها.
* وقال ( كما في مسند الإمام احمد وعند النسائي: "وجعلت قرة عيني في الصلاة "
فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها.
(1/49)
* فلاشك أنه كلما خرج منها أراد العودة إليها وهذا سيكون في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله لان قلبه معلق بالمساجد أي بالصلاة.
* وبعد فهذه تفصيل صلاة المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلاتهم يحافظون والذين هم على صلاتهم دائمون فليعرض كل منا نفسه على هذه الصلاة فالبقدر الذي أصاب منها ينبغي أن يفرح، وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر،وفي مداوة ذلك ينبغي أن يجتهد.
* وأما صلاة الغافلين فهي على خطر إلا أن يتغمدنا الله برحمته التي وسعت كل شى فنسأل الله أن يتغمدها برحمته ويغمرنا بمغفرته إذا لا وسيله إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بحق طاعته سبحانه وتعالى.
* يقول الحسن البصرى عن الخاشعين (جعلنا الله منهم):
- لأمرٍ ما سهروا ليلهم، ولأمر ما خشعوا نهارهم.
- قال: والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما. ثم قال: وكل شيء يصيب ابن ادم ثم يزول عنه فليس بغرام إنما الغرام الملازم له مادمت السماوات والأرض.
- ثم قال: صدق القوم - والله الذي لا اله إلا هو - فعملوا وانتم تتمنون فإياكم وهذه الاماني - رحمكم الله
- ثم قال: يا لها من موعظة لو وافقت قلبا حيا.
*
وأخيرا عتاب جميل من رب العالمين إلى عبادة المؤمنين
قال تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد 16)
(1/50)
* فلاشك أن هذا القلب البشرى سريع التقلب سريع النسيان وهو يشف ويشرف فيفيض بالنور فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر تبلد وقسا وانطمست إشراقاته واظلم واعتم فلابد من تذكير هذا القلب حتى يذكر ويخشع ولابد من الطرق علية حتى يرفَّ ويشفَّ ولابد من اليقظة الدائمة كى لا يصيبه التبلد والقساوة ولكن لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد فانه يمكن أن تدرب فيه الحياة وان يشرق فيه النور وان يخشع لذكر الله، فالله يحيى الأرض بعد موتها فتنبض بالحياة وتخرج خيارتها وكذلك القلوب حين يشاء الله يحييها بعد قسوتها فكما أن الغيث ربيع الأرض الذي يحيها بعد الجدب فكذلك القرآن يحيى القلوب بعد قسوتها.
* فيا من قسا قلبه هلم إلى الله عز وجل فهو يناديك ويقول لك الم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله. فهيا هيا أعلنها وقل يا رب قد آن قد آن قد آن فالباب الآن مفتوح لكن من يلج، والحبل الآن ممدود ولكن من يتشبث به فهيا هيا أعلنها حرب على الشيطان وتوبة إلى الرحمن.
* قبل أن تقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}
* فلا أنت إلى دنيك عائد ولا في حسناتك زائد.
* فهيا أستكثر من الزاد قبل الميعاد
والله أسأل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعلنا من الخاشعين والخاشعات.
??
??
??
??
8
(1/51)