إعداد
متعب بن مسعود الجعيد
(ذلك بأنَ الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وأنّ الله سميع عليم(
[الأنفال : 53]
مقدمة
…الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، ( تسليماً كثيراً .
أما بعد :
…فهذه قواعد عمليَّة في النجاح(1) ، تُعين الراغب وتدلّه على الكفاح ، مَن كان لها مطبِّقاً : كان لهدفه بإذن الله محقِّقاً ، تكون عوناً للمرء على مواصلة السير دون انقطاع ، والمداومة على الأعمال دون ترك وانصراف .
…ولْيَعْلَم المرء أن النجاح لا يتحقق إلا بمجاهدة وجدّ واجتهاد ، وإن كان طريقه فيه مشقة وعَنَتْ إلا أن عواقبه حميدة ، وثمراته طيبة ، وهذا لا يدركه إلاّ العقلاء .
…قال ابن الجوزي يرحمه الله : "إنما فضل العقل بتأمل العواقب ، فأما القليل العقل فإنه يرى الحال الحاضرة ، ولا ينظر إلى عاقبتها . فإنّ اللص يرى أخذ المال وينسى قطع اليد ، والبطّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال ...وكذلك الزنا فإن الإنسان يرى قضاء الشهوة،ونسي ما يجني منه من فضيحة الدنيا والحدّ . وربما كان للمرأة زوج ، فألحقت الحمل مِن هذا به ، وتسلسل الأمر.
…فَقِسْ على هذا وانتبه للعواقب ، ولا تُؤْثِر لذة تفوِّت خيراً كثيراً ، وصابر المشقَّة تحصِّل ربحاً وافراً" .
…ودفعاً لما يَقَع عند البعض من شبهات ، وحلاً لكثيرٍ من المشكلات : كان تقييد هذه الورقات ، سائلاً المولى جل وعلا التوفيق والسداد ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
الفصل الأول : التفكير والتخطيط
…قبل أن يفكِّر المرء ويُخطٍّط لأهدافٍ يُراد تحقيقها ، وغايات يُطلَب بلوغها ؛ هناك أمران لابدّ منهما ، ولا مندوحة للراغب عنهما ، وهما :(1/1)
أولاً : الاستعانة بالله والتوكل عليه :
…فلا بد للمرء أن يستحضر في ذهنه ذلك دائماً ، وفي كل خطوةٍ يخطوها ينبغي أن يجعل ذلك نُصْب عينيه، إذ الله هو المعين على كل مقصد ، ولا حول ولا قوة إلا به ، وهو المستعان ، فاستعن بالله؛ لأنه هو الذي يمنحك القوة لتبدأ ، وتوكل عليه ؛ لأنه هو الذي يهديك وييسّر لك السبل ، اطلب دائماً العون منه والتوفيق ، وأَظْهِر فقرك وحاجتك له في كل الأحوال تكن أغنى الناس وأقواهم ، فمن توكل على غير الله وُكِل إليه ، وكانت نهايته إلى خسار ، ولو حصَّل شيئاً من النجاح في هذه الدنيا.
…ثم ابذل الأسباب المعينة على بلوغ ذلك الطريق ، واعلم أنه ليس هناك سبب يستقل بإيجاد المطلوب ، بل لابدّ من أمر خالق الأسباب ، فالجأ إليه ، وتوكّل عليه تأوِ إلى ركنٍ شديد .
…قال ابن القيم رحمه الله :
…(شهدتُ شيخ الإسلام ـ قدَّس الله روحه ـ إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه : فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللَّجَأ إليه واسْتِنْزَال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلَّما يَلْبث المَدَدُ الإلهي أن يتتابع عليه مَدَّاً ، وتَزْدَلِفُ الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ) .
إذا لم يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى
فأولُ ما يَجْني عليه اجتَهادُهُ
ثانياً : الإيمان والرضا بالقضاء والقدر :
بعد إتيانك بالأمر السابق ، وبعد أن بذلتَ الجَهْد ، وعملتَ بالأسباب ، فلا تحزن إن فشلتَ أو لم يتحقق هدفك ، بل ارْضَ بما قَسَم الله لك ، واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله ، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، رُفِعَت الأقلام وجَفَّت الصحف .
* ثم هاهنا مبحثان :
المبحث الأول : في التفكير :
هناك أمور لابد من استشعارها حتى يصبح التفكير ناجحاً ويُؤتي ثماره ، وهي على النحو التالي :(1/2)
* أولاً : أن يعلم الإنسان أنَّ من أعظم نعم الله على العبد أن وهبه عقلاً يفكِّر به ، ويميّز به ، فبالتفكير يزداد يقين العبد ، وبالتفكير يعرف العبد آيات الله في الكون ، وفي نفسه.
* ثانياً : أن هذا العقل إنما يستفيد منه حق الاستفادة مَن كان يريد أن يصنع الحياة ، لا مَن يريد أن يكون متفرِّجاً فقط على ما يحدث في الحياة .
* ثالثاً : كثرة التساؤل عن ما يراد تحقيقه مطلب مهم، إذ الأسئلة تستثير الأفكار ، وتوقظها وتجعلها في حالة تطور وتكاثر لا يتوقف .
* رابعاً : ابدأ العمل من حيث انتهى الآخرون لا من حيث بدءوا ، فإن مَنْ يَسِيْر في خُطى الآخرين لا يَتْرُك أثراً مهما طال مسيره ، ثم استغل الأفكار الإبداعية.
فهاهو الإمام البخاري ـ يرحمه الله ـ يستغلُّ فكرة عابرة خلَّدتْ ذكره ، ورفعتْ منزلته رحمه الله ، وذلك لما ألّف كتابه : [ الجامع الصحيح ] . قال البخاري ـ رحمه الله ـ : "كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا :لو جمعتم كتاباً مختصراً في الصحيح لسنن النبي ( ، وكانت الكتب قبل ذلك تَجْمَع الصحيح والضعيف ، فوقع ذلك في قلبي فأخذتُ في جَمْع هذا الكتاب ـ يعني : كتاب صحيح البخاري ـ" .
* خامساً : التفكير هو مبدأ العمل ، ولا يستطيع أحدٌ أن يعمل دون أن يُفكِّر ، وبقدر سمو هذا التفكير تَسْمو الأعمال . ولا تكون الأعمال رَتِيْبَة مملّة لا تجديد ولا إبداع فيها : إلا بإهمال التفكير وتعطيل عمل الذهن ، والانشغال بالعمل دون تفكير أو رغبة في التطوير .
* سادساً : لا تحتقر أيَّ فكرة مهما بدأ أنها سَطْحية لأول وَهْلَة ، فقد تكون عند التَّمْحِيص فكرة قيَّمة ، أو قد تكون مبدأ لفكرة ذات شأن .
* سابعاً : حاول الإبداع ، والارتقاء بالعمل إلى الأفضل .
…واعلم أن هناك أخطاء تتعلق بالإبداع وهي كما يلي :
أولها : الظن أن الفكرة الإبداعية لابد أن تكون جديدة في أصلها .(1/3)
…وهذا غير صحيح ، بل الأفكار الجديدة تكون بالتعامل مع الأفكار القديمة ، وذلك يكون بإحدى طرق ، منها :
1ـ الاستعارة ، وذلك بأن يَسْتعير الإنسانُ فكرة مُطَبَّقة في مجال من المجالات ويستخدمها في مجال جديد تكون فيه نافعة ، وتَقْضي على مشكلة كانت موجودة من قبل في هذا المجال.
2ـ الإضافة ، وذلك بأن يأتي الشخص إلى فكرة مطبّقة لكن فيها نقص ، فيأتي فيُكَمِّلها حتى تكثر الفائدة ويزداد نجاح العمل.
3ـ الجمع والمزج ، وذلك بأن يأتي المرء فَيجْمع بين فكرتين موجودتين ويَمْزِج بينهما ، فَيخْرج بفكرة مركّبة ثالثة تحل كثيراً من الاشكالات .
4ـ التعديل ، وذلك بأن يأتي المرء لفكرة قائمة ، فيعدِّل فيها ، ويهذبها بحيث تناسب وضعاً آخر .
…وثانيها : الظن بأن العلماء فقط هم الذين يمكنهم الإتيان بشيء جديد .
وهذا غير صحيح ، إذ لا يشترط في الفكرة الإبداعية أن تكون علمية بحتة ، بل قد تكون عاديّة، ومن السهولة بمكان .
وثالثها : الظن بأن الأذكياء والموهوبين هم الذين يمكنهم الإبداع فقط .
وليس هذا مطلقاً ؛ بل الإنسان العادي يستطيع بالتعلم والصبر أن يمارس التفكير الإبداعي،وأن يستفيد من قدراته العقلية العادية .
ورابعها : الظن بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وما ترك الأول للآخر شيئاً .
…وهذا غير صحيح ، بل إن فرصة المتأخر في الإبداع والابتكار أكبر من فرصة المتقدمين ، وذلك نتيجة لتشعُّب حاجات الناس ، وتنوُّع وسائل الملاحظة والتجريب وأساليب التفكير ، فكل فكرة تفتح مجالاً لأفكار ، وكل حاجة تدعو إلى ابتكار .
* ثامناً : اجعل تفكيرك إبداعيّا :
والتفكير الإبداعي هو التفكير الذي يسعى إلى حل المشكلات ، والإجابة عن التساؤلات بطريقة بديعة مبتكرة .
* تاسعاً : حوِّل الأفكار إلى حقائق :(1/4)
فإن الأفكار مهما كانت بديعة ، ومهما كانت عظيمة : فإنها لا تُنَال قيمتها الحقيقية إلا إذا انتقلتْ من حَيِّز الفكر المجرَّد إلى حَيِّز الواقع المَلْمُوْس ، حيث تُصْبح حقيقة يَسْتَفيد منها من يَحْتَاجها ، فالأفكار لا تُرَاد لنفسها ، بل لما يَنْتُج عنها من الثمار .
?
المبحث الثاني : في التخطيط :
التخطيط يدور على ثلاثة محاور :
أولاً : الهدف .
ثانياً : الإطار الزمني أو الوقت (المدة) .
ثالثاً : الوسائل .
وسيكون الكلام عن هذا المبحث من خلال ثلاثة جوانب :
…الأول : وضع الأهداف :
…وضع الهدف هو البداية الصحيحة للطريق ، فالسير دون هدف مَضْيَعَة للوقت والجهد،بل ربما يصبح المرء كالمُنْبتِّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى .
…ثم هناك أمورٌ لابد من مراعاتها عند وضع الأهداف ، وهي كالتالي :
1ـ تحديد الهدف بدقة ووضوح ، وهذا الأمر مهم جداً في تحقيق أي إنجاز .
2ـ كون الهدف واقعياً وملائماً لقدرات صاحبه .
3ـ أن لا يكون الهدف سهلاً جداً بحيث لا يشكِّل تحدِّياً لصاحبه .
4ـ تجزئة الهدف إذا كان كبيراً : إلى أهداف جزئية مرحليّة .
5ـ تحديد وقت معين لتحقيق هذا الهدف ، فلا بد أن يُقرَّر متى يُبْدَأ ؟ ومتى يُنْتَهى ؟
6ـ كتابة ذلك كله حتى يَتَذَكَّره المرء دوماً .
ولْيَعْلَم المرء أن أول خطوة في طريق النجاح : هي أن يحدِّد الإنسان ماذا يريد ، ثم يَسْعى في أن تَنَاَل الأهداف التي يُراد تحقيقها : النصيب الأكبر من الوقت .
الثاني : التخطيط :
…النقطة التي تَلِي وَضْع الأهداف هي : وضع المُخَطَّط المتوقَّع للوصول إلى ذلك الهدف .
ولكي يتم التخطيط لابد من أمورٍ يجب مراعاتها :
أولاً : تقسيم العمل إلى مراحل .
ثانياً : تحديد خطوات كل مرحلة .
ثالثاً : إعطاء كلِّ خطوة وقتَ بداية ، ووقتَ نهايةٍ .
رابعاً : كتابة الخطة ومراحل تنفيذها ، خاصة في الأهداف الطويلة ليَسْهُل تقويم تَنْفِيذ الخطة .(1/5)
خامساً : البُعْد عن التعقيد والمثالية في وضع الخطة ، بل تكون الخطة واضحة سهلة .
الثالث : تنظيم الوقت :
…للوقت أهمية كبرى ، ومزيَّة عظمى ، فهو غنيمة لمن أحسن استغلاله ، ومَرْبَح لمن أجاد اغتنامه ، بل الوقت هو الحياة .
…قال ابن عقيل يرحمه الله : (إنّ أجلّ تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء هو الوقت ، فهو غَنِيْمَة تُنْتَهَز فيها الفُرَص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقات خَاطِفة) .
…ولابد للوقت حتى يُسْتغلَّ : من تنظيم ، فالخطوة التي تلي التخطيط هي : توفير الوقت اللازم للتنفيذ ، وهذه تكون بأمرين :
أولاً : مراعاة حال الشخص وظروفه عند وضع الخطة .
ثانياً : المحافظة على ما خُصِّص من وقت لتنفيذ هذا العمل مِنْ أَنْ تَطْغى عليه أعمال أخرى .
فالانضباط الذاتي أساس تنظيم الوقت ، بل إنّ أعظم تخطيط للوقت لا يساوي شيئاً ولا يُجْدِي إذا لم يكن من يُنَفِّذه منضبطاً ذاتياً ، ومتقيِّداً بتَخْطِيطه .
…وشكاية كثير من الناس الجادّين : من ضَيْق الوقت أو عدم توفُّره هو في الحقيقة من عدم التنظيم، فالعمل الذي يسْتَغْرِق لإنهائه : عشر دقائق يُصْرَف في إنجازه : ساعة كاملة ، وما ذلك إلا لسوء التخطيط أو عدمه ، أو التسويف أو غير ذلك .
…فَلْيتخلَّص المرء من مُضيِّعات الوقت ، ولْيُحَاوِل استخدام وقته بشكل فعَّال ، بحيث تُقلَّص نسبة الوقت المصروف دون فائدة ، وذلك إنما يكون بتنظيم الوقت .
…وإليك قواعد في تنظيم الوقت :
…أولاً : تحديد الأولويات : فلا بد للمرء من تحديدها حتى يُقدِّم الأهم على المهم ، والمهم على غير المهم ، وحتى يحذر من الخَلْط بين المهم والعاجل فلا يُقدِّم العاجل غير المهم على المهم العاجل وغير العاجل ؛ لأن هذا يُرْبِك ما سبق أنْ خُطِّط له، ويؤجِّل إتمام كثير من الأشياء المهمة .(1/6)
…وليتذكر المرء أنّ اختيار العمل الأفضل أهم من عمل أي شيءٍ فقط ، فلا يخلط المرء بين الحركة والتقدُّم ، فالحركة تكون في اتجاهات مختلفة أو متضادة ، بل قد تكون في المكان نفسه ، أما التقدم فإنه يكون دائماً إلى الأمام نحو الهدف .
ثانياً : تحديد مواعيد الانتهاء من الأعمال : حيث إن تحديد وقت الانتهاء والالتزام به تَحَدٍ يَشْحذ الذهن ، ويُعِيْن على التركيز ، بل يهيئ الجسم للانصراف نحو العمل المطلوب.
…وليُعْلَم أنه يجب عند تحديد المواعيد النهائية أن يكون الإنسان واقعيّاً ودقيقاً في تقديره ، بحيث لا يكون الوقت قصيراً جداً فيُصَاب المرء بالإرهاق والإحباط ، ولا يكون طويلاً ، فيُصاب بالفتور والتواني.
…ولا بأس بعد تحديد الموعد بأن يُعاد تحديد موعد بديل إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، لكن لا تُتْرَك النهاية دون موعِدٍ مقدَّر .
ثالثاً : العمل بكل وسيلة تساعد في حفظ الوقت ومن الوسائل المساعدة لحفظ الوقت ما يلي :
1ـ حسن التعامل مع الهاتف .
2ـ تحديد مواعيد للزيارات الروتينية،وينبغي أن تكون محصورة بين عملين معروفين، كصلاة المغرب والعشاء مثلاً .
3ـ التخطيط للخروج من المنزل بحيث يقضي المرء أكبر قدر ممكن من الأعمال في كل مرة يخرج فيها ، ولا يجعل لكل عمل خروجاً مستقلاً .
4ـ تفويض ما يمكن تفويضه من الأعمال ، ولو كَلَّفَ ذلك بعض المال،ولْيتذكر المرء أن الوقت لمن يحتاجه ويحسن استغلاله : أغلى من المال .
…كان الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله ـ يتحسَّر عندما يَمُرُّ أمام مقاهي دمشق ، ويرى الناس يمضون أوقاتهم في لهو وثرثرة ، ويَتَمَنَّى لو استطاع شراء أوقاتهم منهم .
……5ـ تحديد مواعيد الالتقاء مع الآخرين بدقة ، وعدم الرضا بالمواعيد المطاطة .
……6ـ إدارة الاجتماعات بفعاليّة ، واستثمارها جيداً .
ولْيَحْرص المرء على اقتناص دقائق الوقت الضائعة ، ولْيغتنم أوقات الانتظار ، بل يغتنم كل دقيقة في هذه الحياة .(1/7)
…كان أبو يوسف ـ رحمه الله ـ في مرض الموت ، وعنده أحد تلاميذه ، وقد أُغمي عليه ، فلما أفاق قال له : يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا ؟ فقال إبراهيم : في مثل هذه الحال! قال: نعم ، لا بأس لعله ينجو ناج ! فتباحثا قليلاً ، قال إبراهيم : فلما خرجتُ من عنده سمعتُ الصُّراخ عليه وإذا هو قد مات.
…وكان سليم الرازي ـ رحمه الله ـ إذا كان يكتب فحفي عليه القلم ، وأخذ في بريه : حرَّك شفتيه بالقراءة .
…وقال بعض السلف لأصحابه وقد كانوا عنده : (إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعلّ أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ، ومتى اجتمعتم تَحَدَّثْتُم) .
…وقال ابن الجوزي يرحمه الله : (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه ، وقدر وقته ، فلا يُضيع منه لحظة في غير قُرْبة ، ويُقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل) .
…إنَّ ساعة تُنْتَزع كل يوم من أوقات اللهو ، وتُستعَمل فيما يفيد : تُمكِّن كل امرئٍ ذي مقدرة عقلية عادية أن يتضلَّع في علم بتمامه .
قال ابن النحاس :
اليومَ شيءٌ وغداً مثلُهُ
يُحصِّل المرءُ بها حِكْمةً
مِنْ نُخَبِ العلمِ التي تُلتَقَطْ
وإنما السيلُ اجتماعُ النُقَطْ
?…?…?
الفصل الثاني : التنفيذ والإنجاز
…هناك أمور تُعْين على تنفيذ العمل وإنجازه وجعله مثمراً ، نذكر منها ما يلي :
أولاً : الثقة بالنفس :
…إن عدم الثقة بالنفس لَتَدْعو الإنسان لَيَثَّاقل بنفسه عن المبادرة ، وتُعْطِيه النتيجة مقدَّماً قبل المحاولة بل قبل التفكير : أنّه فاشل .
…وليُعْلَم أنّه لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه ، ولا شيء يهدم ثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها ، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدُّوْنيّ لها ، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس.
كيف تبني ثقتك بنفسك ؟ سؤال تجيب عنه أمور ثلاثة ، وهي كالتالي :(1/8)
……1ـ اعرف نفسك ! أول خطوة في طريق بناء الثقة بالنفس هي معرفة الإنسان نفسه فيتأملها ، ويعرف مميزاته وكيف يستثمرها ، ولا شيء أضرّ على الإنسان من احتقاره لنفسه، والنظر السلبي لها .
……2ـ طوِّر نفسك ! بحيث يحدِّد الإنسان نقاط قوته ويسعى في تطويرها ، ويجتهد في التعلم والتدرب والتمرن.
……3ـ تخلّص من عيوبك ! وذلك بتحديد نقاط الضعف وجوانب النقص ، ومن ثمَّ يسعى المرء في علاجها وإصلاحها.
…ثانياً : علو الهمة :
……لولا علو الهمة ما سَمَتْ أفكار العظماء إلى إنجاز ، ولَقَنَعَ كلٌ بالموجود ، ولَكَان شعار الكل : (ليس في الإمكان أحسن مما كان !) .
وإذا كانت النفوسُ كباراً
تَعِبَتْ في مرادها الأجسامُ
…كان لعمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ همة عالية ، تظهر جليَّة في قولته المشهورة : "إنّ لي نفساً توّاقة ! تَمَنَّيْتُ الإمارة فَنِلْتُها ، وتَمَنَّيْتُ أن أتزوَّج بنتَ الخليفة فنِلْتُها ، وتمنيَّتُ الخلافة فنِلْتُها ، وأنا الآن أتوق للجنة ، وأرجو أن أنالها" .
…قال ابن الجوزي يرحمه الله : (ما ابتُلي الإنسان قطُّ بأعظم من علو همته ، فإنَّ مَنْ عَلَتْ همته يختار المعالي ، وربما لا يُسَاعد الزمان وتَضْعُف الآلة ويَبْقى في عذاب) .
قال ابن نباتة :
أَعَاذِلَتي عَلَى إتْعَابِ نَفْسِي
إِذا شَامَ الفَتَى بَرْقَ المَعَالي
ورعْيي في الدُّجَا رَوْضَ السُّهَادِ
فأَهْوَنُ فَائِتٍ طِيْبُ الرُّقَادِ
ثالثاً : الجدّ :
……الجدّ هو أخذ الأمر بحزم وقوة ، وعدم التراخي في التعامل مع الأشياء ، وهو الروح التي تسري في العمل ، فتجعله يُثْمِر ، وبدون الجد تُصْبِح الأعمال ميّتة مملَّة .
……قال الشيخ بهجة الأثري : "انقطعتُ عن حضور درس العلاّمة أبي المعالي محمود شكري الآلوسي في يوم مزعجٍ شديدِ الريح غزيرِ المطر كثيرِ الوحل ؛ ظناً مني أنه لا يَحْضُر إلى المدرسة ، فلما حضرتُ في اليوم التالي إلى الدرس صار يُنْشِدُ بلَهْجَة الغضبان :(1/9)
ولا خير فيمن عاقه الحرُ والبردُ .."
كيف تكتسب صفة الجد ؟
…لكي تُكتسَب صفة الجد لابدّ من بذل الأسباب المعينة على ذلك ، ألا وإن من أهم الأسباب ما يلي :
……أولها : مصاحبة الجادّين ، إذ الصاحب ساحب ، والطباع سرَّاقة،والإنسان مجبول على التقليد خاصة بمن يُعْجَب به أو بصفة من صفاته .
……ثانيها : قراءة سير العظماء ، فهي من أعظم وسائل حفز الناس على الجد .
……ثالثها : المقارنة بين نتائج أعمال الجادّين وأعمال غيرهم .
……رابعها : الابتعاد عن مصاحبة الهازلين ، والفرار منهم فرار الإنسان من الأسد،فإنّ المرء لا يَنَال منهم إلاّ تَثْبِيْط الهمَّة ، وإضاعة الوقت ، والتجافي عن معالي الأمور ، والتَّلهِّي بدَنِيْئِها .
…رابعاً : الصبر : ويكون بالدوام على الجِدّ .
……والصبر هو حبس النفس على ما تكره لمصلحة ، وبدونه لا يحصل خير دنيوي ولا أُخْرَوِي ، وقد قيل : (بالصبر واليقين تُنَال الإمامة في الدِّين) . فبالصبر تحصل البُغية ، ويتحقّق المُراد بإذن الله تعالى .
…قال المحدِّث أبو بكر الأبهري ـ رحمه الله ـ : "قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة ، والأسدية : خمس وسبعين مرة ، والموطأ : خمس وأربعين مرة ، ومختصر البرقي : سبعين مرة ، والمبسوط: ثلاثين مرة" .
…وكان الْكِيا الهرَّاسِي يُعِيد الدرس إذا حفظه : مائة وأربعين مرة .
أَخْلِق بذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بَحَاجَتِهِ
وَمُدْمِن القَرْعِ للأبوابِ أَنْ يَلِجَا
ثم ليتذكر المرء أن النجاح يأتي بالمثابرة لا بالسرعة .
…خامساً : العلم :
……مَن أراد نيل مراده ، وتحقيق هدفه : فلْيَسْع إلى تعلُّم أفضل طريق موصل إليه ، ولْيَسْتفد من خبرات الآخرين .
……قال ابن القيم يرحمه الله : (الجهل بالطريق وآفاتها يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة).
?…?…?
الفصل الثالث : عوائق الإنجاز
هناك عوائق عدة تحول بين المرء وبين إنجازه لعمله ينبغي عليه التخلص منها . نذكر منها ما يلي:(1/10)
أولاً : الإحساس بالفشل :
…الفشل كلمة كريهة لا يحبها أحد ، والإحساس به عائق من عوائق التقدّم إلا أن من خطوات طريق النجاح : الفشل، فالنجاح الكبير غالباً يسبقه فشل ، فليس الناجح هو الذي لا يَسْقُط ، بل هو الذي يقوم من سقوطه سريعاً وقد استفاد من سقوطه ، وكما قيل : (وربما صَحَّت الأجسام بالعلل) ، وكم نرى من الناجحين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من نجاح إلا بعد فشل تعرّضوا له وانتصروا عليه .
…ثم إنه ينبغي على المرء أن يحسن التعامل مع الفشل ، فما بين الفشل والنجاح إلاّ صبر ساعة، وليعلم المرء أنّ الانهزام المؤقت ليس فشلاً .
…قال ابن سينا : "قرأت كتاب [ ما بعد الطبيعة ] لأرسطو ، فما فهمته حتى قرأته أربعين مرة" .
…فعلى المرء أن لا يتخلّى عن العمل ، وأن لا يتركه عند حصول انهزام مؤقَّت ، بل يعيد ويكرِّر مرات تلو مرات ، وليبتعد المرء عن أسباب الفشل ، وأن لا يحكم على نفسه عند الإخفاق بالفشل ، فيترك العمل ، بل يقول : (لكل جواد كبوة) ، ويحاول مرة أخرى بعزيمة أكبر ، وبهمّة أعلى .
ثانياً : الالتفات للنقد غير البنّاء :
…هناك شريحة من المجتمع لا تألوا جهداً في انتقاد الآخرين والسخرية بهم ، وما ذلك إلا حسداً وحقداً منهم ، أو تسويفاً منهم لتقصيرهم وكسلهم ، أو تثبيطاً منهم للآخرين حتى لا يتفوقوا عليهم، وغير ذلك ، فعلى المرء أن لا يَلْتَفِتَ إلى أمثال هذه الانتقادات غير البناّءة ، بل عليه أن يتجاهلها أو يحاول أن يستفيد منها في تطوير نفسه ومحاسبتها،ويتذكَّر أنه يستطيع أن يَنْتَزِع من بين الأشواك وَرْداً، ولْيتذكر أيضاً أنّ من طرق معرفة العيوب : نَقْدَ الأعداء .
إن ترك العمل من أجل انتقادات الناس ليس له أي مبرِّر؛لأنك إذا تركت العمل لن تسلم أيضاً من الانتقاد ؛ لأنك ستجد مَن ينتقدك ويلومك : لِمَ لمَ تعمل !(1/11)
لذا يحرص المرء على العمل ، والسير الحثيث حتى يحقِّق هدفه ، ولا يَلْتَفِت إلى انتقادات الآخرين؛ لأن الخوف منها هو أساس قتل معظم الأفكار .
ثالثاً : عدم التفكير فيما يساعد على النجاح :
…لابد للمرء أن يفكّر ويقلِّب النظر فيما يساعده على النجاح ، ألا وإن من أعظم ما يساعد على النجاح : أن يكوِّن الإنسان عادات عمل (روتين) ؛ بحيث يجعل خطواته العملية الصحيحة عادات يسير عليها ، حتى تُصْبِح ضمن (روتينه) اليومي .
…فالإنسان أسِيْر عاداته ، فكثير مما نعمله إنما هو عادات تكوَّنْت على مَرِّ الأيام ، كانت في بداياتها شاقة حتى اعتاد عليها الإنسان ، فكذلك الخطوات العملية إذا أرادها المرء أن تكون عادة له ، فسيجد ذلك مُمِلاً وشاقاً في بداية الأمر .
…وليُجاهد المرء نفسه ولْيجتهد في التَّخلُّص من عادات العمل الضارة ، مثل : الفوضوية ـ عدم التخطيط ـ ، أو التأجيل ، أو إضاعة الوقت .. الخ .
رابعاً : عدم استشعار ثمرات العمل ، والاستسلام للملل والكسل:
…ما من سلوك يصدر من الإنسان إلا وله دافع ما ، وبقدر هذا الدافع تكون قوة الحركة ، والنفوس مهما بلغت من الجد لابد وأن تمل وتكل ، فعلى المرء أن يتعاهد نفسه ، ويستثير دافعيَّته لإتمام أعماله بأمور :
…أولها : ربط جميع الأعمال بنيل الثواب من الله تعالى .
…ثانيها : استعراض ما تمّ القيام بإنجازه من العمل بين وقتٍ وآخر ؛ لأن رؤية الثمرة أو جزءٍ منها يدفع النفس لبذل المزيد ، ولينظر المرء إلى كل إنجاز جزئي بأنه إنجاز مرحلي .
…ثالثها : إذا كان في عمل الإنسان نفعٌ للناس ، فليستشعر المرء ما يقدمه هذا العمل من فائدة ، وكم له من الأجر العظيم والخير العميم إذا أخلص لله النيَّة ، وسَلِمَتْ له الطويّة.
…رابعها : عَرْضُ الأعمال على أهل العلم والمعرفة أصحاب الهمم العليّة لترشيدها ولشحذ الهمة ، وتشجيع المرء على إتمام عمله .(1/12)
…خامسها : تحديد أوقات نهاية للأعمال لتدفع المرء للجد في العمل .
…سادسها : السماح للنفس بشيء من الراحة والاستجمام ، حتى تحصل الرغبة في الاندفاع مُجَدَّداً في العمل ، ولابد حينئذٍ من مراعاة أمرين :
……أولهما : التخطيط لفترة الراحة بحيث لا تكون عشوائية ، فيحصل إرباك في المُخَطَّط .
……وثانيهما : المحاولة بأن تكون فترة الراحة فيما يفيد ويوفِّر الوقت ، كقراءة القصص التاريخية، وصلة الرحم ونحوها.
خامساً : التأجيل والتسويف :
……من أعظم الأشياء التي تثبط الهمة وتفسد الأعمال : التسويف وتأجيل البدء ، وللتأجيل أسباب عدة :
…أولها : عدم الرغبة في العمل .
…ثانيها : صعوبة العمل .
…ثالثها : عدم وجود العزم الصادق على البدء .
…رابعها : الانشغال عن البدء في العمل المُؤَجَّل بأعمال تافهة مُحَبَّبة للمرء .
…خامسها : عدم وضع العمل في خِطَّة العمل .
…وثَمّ طرق لِلتخلُّصِ من التأجيل وأسبابه :
1ـ إذا كان التأجيل عادة ،فلا بد للتخلص منها بالمجاهدة في إيقافها ، وإحلال عادة العزم والحزم والإقدام مكانها ، ولابد من وضع عادة التأجيل في رأس القائمة في جدول العادات التي يُراد التخلص منها .
2ـ معالجة التأجيل من خلال إزالة سببه ، فإذا كان العمل غير محبَّب لك ، فتذكَّر أنه ما نال إنسانٌ ما تمناه إلاّ بقَسْرِ نفسه على ما يِكْرهه .
…قال ابن القيم رحمه الله : (عامة مصالح النفوس في مكروهاتها ، كما أنّ عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها) .
3ـ معالجة صعوبة العمل تكون بأن يتذكَّر الإنسان أنّه: (لولا المشقة ساد الناس كلهم) ، وبأن يسلك المرء طريقة (التفتيت) ويَتّبِعُها ، فالعمل الصعب يَسْهُل كثيراً إذا قُسِّم إلى وُحْدَات صغيرة،ومن ثَمّ يُتعَامَل مع كل وحدة كإنجاز مستقل .(1/13)
4ـ معالجة عدم وجود العزم تكون بطرد التَّرَدُّد ، وألا يُقْدِم الإنسان على العمل إلاّ بعد رويَّةٍ وشعور بالحاجة لذلك العمل ، وتخطيط له . ثم لا يسمح بعد ذلك لنفسه بالتردد . قال تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله) ، وقال النبي ( قبيل غزوة أحد بعد ما راجعه بعض الصحابة في ترك الخروج : (ما يَنْبَغي لنبي إذا وَضَعَ لأَمَةَ الحرب أن يِنْتَزِعها حتى يفصل الله بينه وبين عدوه) .
إِذا كنْتَ ذا رَأيْ فكُنْ ذا عَزِيمةٍ
فإنَّ فَسادَ الرأي أَنْ تَتَرَدَّدا
5ـ معالجة : الانشغال عن البدء في العمل المؤجَّل بأعمال تافهة، وعدم وضعه في خطة
العملَ ـ تكون بالانضباط الذاتي بتخطيط تنفيذ الأعمال والتقيُّد بذلك .
قال ابن حزم رحمه الله : (قَلَّما رأيتُ أمراً أَمْكَن فضُيِّع إلاَّ وفَاتَ ولم يَكُن بَعْدُ) .
سادساً : عدم تحديد الأولويات :
…لابد للمرء من أن يرتِّب أعماله بحسب الأهمية ، فيقدِّم الأهم على المهم ، والمهم على غيره وهكذا ، كما أنه ينبغي عليه أن لا يَخْلِط بين المهم وبين العاجل ، فيؤدِّي العاجل من الأعمال ويؤجِّل المهم ، ومن النادر أن تكون الأمور المهمة عاجلة ، إلاّ إذا وصلنا ـ بتأجيلنا ـ إلى مرحلة الأزمة ، فبتأجيل المهم وتعجيل العاجل نسمح للأزمات بالاستمرار في حياتنا .
سابعاً : تشتيت الجهد وتَشَعُّبه :
…لا شيء أضرَّ على العمل من تشتيت الجهد ، فمهما كان العمل جادّا ودؤوباً إلا أنّ تفريقه على مسارات متنوِّعة : يفقده كثيراً من فعاليَّته ، بل ربما يجعله غير مثمرٍ تماماً .
ثامناً : المبالغة في تطلُّب الكمال :
…إنّ الكمال عزيز ، ومن تَطَلَّبَ الكمال في كل عملٍ يعمله فإنه قد رَاَمَ أمراً مستحيلاً ، ومع ذلك فإنه لا يستطيع أن يُنْجِز شيئاً ، ثم إن الكمال لا يكون في عمل البشر ، ولكن حَسْب المرء أن يبذل جهده في إنهاء العمل وإتقانه ، وما لا يُدْرَك كله لا يُتْرَك جُلُّه .(1/14)
ثم إنّ تطلُّب الكمال في كل عمل ربما أَوْدَى بصاحبه إلى الكسل والإنهزامية ، فكم دَفَنَ تطلُّب الكمال المثالي أعمالاً كانت تستحق أن تظهر في الوجود .
كما ينبغي على المرء أن لا يطلب النجاح في كل عمل بنسبة مئة بالمئة،وإذا لم تَتَحَقَّق هذه النسبة ترك العمل كليَّة ، بل لابد من أن يجعل النجاح متدرِّجاً ، فبدلاً أن يقول في عملٍ أنهاه : (إنَّه فَشِل ، يقول : (إنه نَجَح مثلاً بنسبة ستين بالمائة) .
?…?…?
خاتمة
…ونختم هذه الورقات : بقولتين عظيمتين ، فأما الأولى : فقال ابن القيم رحمه الله في : [الفوائد]:
(طالب النفوذ إلى الله والدار الآخرة ، بل إلى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث يكون رأساً في ذلك مقتدى به،يحتاج أن يكون شجاعاً مِقْدَاماً حاكماً على وَهْمِه ، غير مَقْهور تحت سلطان تَخَيُّلِه، زاهداً في كل ما سوى مَطْلوبه ، عاشقاً لما توجَّه إليه ، عارفاً بطريق الوصول إليه والطرق القواطع عنه ، مَقْدام الهمة ثابت الجأْش ، لا يَثْنِيه عن مطلوبه لَوْمُ لائم ، ولا عذل عاذل ، كثير السُّكُون ، دائمُ الفكر، غير مائل مع لذَّةِ المدح ، ولا ألم الذم ، قائماً بما يحتاج إليه من أسباب مَعُوْنَتِه ، لا تَسْتَفزُّه المعارضات، شعاره الصبر ، وراحته التعب ، مُحِبّاً لمكارم الأخلاق ، حافظاً لوقته ، لا يخالط الناس إلا على حذر ، كالطائر الذي يلتقط الحب من بينهم ، قائماً على نفسه بالرغبة والرهبة ، طامعاً في نتائج الاختصاص على بني جنسه ، غير مرسِلٍ شيئاً من حواسِّه عبثاً، ولا مسرِّحاً خواطره في مراتب الكون ، ومِلاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحائلة بينك وبين المطلوب) .
وأما الثانية : فقال ابن الجوزي رحمه الله في : [صيد الخاطر] :
(الدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي ، فينبغي لذي الهمة أن لا يقصر في شَوْطِه . فإنْ سَبَق فهو المقصود ، وإن كَبَا جواده مع اجتهاده لم يُلَمْ) .(1/15)
…والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. آمين .
وكتبه : متعب بن مسعود الجعيد
12/1/1420
(1) جملة القواعد المذكورة مأخوذة من كتاب : [طريق النجاح] لراشد بن حسين العبد الكريم (طبعة دار الحميضي) .
وقد أشرف على هذا البحث فضيلة شيخنا المُبَجَّل : صالح بن محمد الأسمري ـ حفظه الله ونفعنا بعلمه ـ ونصح بإخراجه ونشره .
??
??
??
??(1/16)