لكي لا يتكرر الخطأ
(رسالة إلى الفضائيات الإسلامية)
بقلم
فهد بن عبد الله الحزمي
alhzm@maktoob
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فقياما بما أمر الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغيير المنكر باللسان في موضعه، وتواصيا بالحق كتبت هذه الورقات ناصحا مبينا جملة من الأخطاء –وكل ابن آدم خطاء- التي لاحظتها في بعض القنوات الإسلامية والتي ارتأيت التنبيه عليها بقدر المستطاع براءة للذمة.
والذي أرجوه أن تجد هذه الملاحظات الآذان المصغية، التي تبغي تحقيق الهدف المروم، واحترام عقيدة الأمة ودينها، والمحافظة على ثقة الجمهور فيها، والله المستعان.
(1)
كي لا يتكرر الخطأ
كم كان الكثيرون يتمنون أن يجدوا أصواتا إسلامية وسط زحمة الفضائيات المتنوعة والتي تتكاثر يوميا تكاثر البكتيريا.
وتحقق الأمل أخيرا بظهور مجموعة قنوات تعلن تبنيها للمنهج الإسلامي، ورفعها لرايته، فانتعشت الأفئدة وتهللت الوجوه وفرح المحبون بهذا الإنجاز العظيم الذي لطالما حلموا به.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن،كم كانت الصدمة كبيرة أصابت البعض –ولستُ منهم- بخيبة الأمل عندما رأى بعض هذه القنوات تشرد بعيدا عن بدهيات الإسلام بله عن دقائقه، وكيف أنها تأثرت بجملة من النظرات غير الإسلامية والتي يعزوها البعض للتأثير العلماني بما يحمله كل يوم من أفكار جديدة مُمعنة في البعد عن الدين بعقائده وشرائعه ونظرته للإنسان والكون والحياة.
وهنا أسجل جملة نقاط مهمة لاحظتها من خلال متابعتي لبعض هذه القنوات، وتتمحور هذه الملاحظات حول جملة من المخالفات الشرعية الكثيرة لما ثبت دليل حرمته في القرآن أو السنة أو فيهما معا، ولما استقر عليه إجماع المسلمين، دون الخوض فيما قد يقال بوقوع الخلاف فيه إلا ما كان شاذا فلا عبرة به البتة:(1/1)
عرض النساء المتبرجات الكاشفات رؤوسهن ونحورهن وأقدامهن وهن بكامل زينتهن في برامج متنوعة: ميدانية، حوارية، جماهيرية،
ولست أدري كيف استجاز المخرجون والمصورون والمقدمون ومن يقوم على هذه البرامج النظر إلى هؤلاء السافرات ونقل هذه الصور على قناة (إسلامية) بل ويتعمدون أحيانا إظهار تلك الصور وانتقائهن من بين عشرات الحضور، مع أن نظرهم ونقلهم حرام بالإجماع وأتحدى أحدهم أن يأتي بدليل واحد أو قول فقيه معتبر بجواز ذلك.
لا أريد أحدا يحتج علي بأقوال بعض المبرمجين أو خريجي الطب أو الإدارة أو التجارة لأن هؤلاء ببساطة لا يجوز لهم الإفتاء بتاتا، ولا يجوز لأحد تقليدهم بالمرة، وهم إذا أقدموا على ذلك فهم في الحقيقة يضللون الناس عن الحقيقة وعن المرجعية التي نص عليها القرآن بقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وأهل الذكر هنا هم العلماء بدينه سبحانه، فليس كل من يحمل شهادة عليا في أي تخصص كان أو أحيا ندوة أو ألقى محاضرة أو أعد برنامجا دينيا يجوز له الإفتاء والقول في دين الله.
ولقد عجبت من أحدهم ادعاءه قراءة المذاهب الأربعة!!!
والذي يظهر من كلامه وأحاديثه وبرامجه أنه يجهل مواطن الإجماع بل الفروع الفقهية.(1/2)
إن القناة عندما توصف بالإسلامية لا بد أن تكون مصبوغة بصبغة الإسلام، ومن قال غير ذلك فقد أخطأ الطريق، لأنه –بالبداهة- عندما تلتزم بمبدأ وتعلن ذلك فلا بد أن تظهر تجليات ذلك المبدأ في برامجك وأعمالك وأقوالك، فإذا ما خالفت فأنت في الحقيقة تكرّ على مبدئك بالهدم، وهذا بعينه ما يحدث عندما ندعو الناس للالتزام بالإسلام ثم نخالفه جهارا بل ونبجل من يخالفه فنجعله في مقدم الصفوف ونخاطبه بما لا نخاطب به علماء الإسلام، أجل هذا ما يحدث، ولقد لاحظت بعض القائمين على هذه القنوات ينتقد علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين ويجول ويصول في ذلك فإذا ما قدم برنامجا واستضاف (ممثلات) خاطبهن بألطف العبارات، وبتهذيب عجيب بلحيته الإسلامية، في قناته الإسلامية.
ألا ترى معي أن هذا أمر غريب للغاية.
بل إن تعجب فاعجب من قناة تستبعد الأناشيد والموسيقى ثم نرى فيها برنامجا تستضاف فيها من وصفوها بالداعية الإسلامية بلباسها الذي يحكي حجم جسمها بطريقة لا يجيزها فقيه معتبر، وبفستانها الأبيض الجميل، مع ظهور بعضا من جسدها، ولست أدري إلى ماذا تدعو هذه الداعية ولماذا استضيفت؟!
لقد تعديت السخرية هذه على عجل إلى غيرها علي أن أجد ما فيه فائدة بعد أن خيبتني هذه القناة.
2- ظهور بعض المذيعات المحجبات بكامل زينتهن الخارجية واضعات المكياج الكامل بل والصارخ أحيانا، بألبسة فاضحة لا فرق بينها وبين غيرها إلا بقطعة القماش الموضوعة على رأسها (مجازا).
وهذا بلا شك حرام بالإجماع، فلم يأت دليل أو قول عن أهل العلم يجيز تلك الأنواع من البنطلونات والبلوزات والزينة.(1/3)
وبعض هؤلاء يتحجج كثيرا بفتاوى الدكتور يوسف القرضاوي في حين أنه كان له حلقة في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة بيّن فيها حرمة هذا اللباس غير الساتر، وذكر شروط أهل العلم في اللباس الشرعي للمرأة والذي يجب على المسلمة العادية أن تلتزم به فكيف بمن تنصب نفسها داعية بل ومعلمة للقرآن على قناة إسلامية.
لقد أثارت بعض المعدّات لبرامج تعليم القرآن بلباسها الكثير من الحيرة لدى بعض الفتيات في بعض الأقطار ، حيث قام بعضهن بتقليد المذيعات في لباسهن بحجة أنها لن تكون أكثر التزاما من مذيعات قناة (...) وظهرت بعض الملتزمات باللباس الشرعي كمتشددات، وزهدت الكثيرات فيها وبرنامجها الذي يضر أكثر مما ينفع.
وهنا أنبه إلى مسألة مهمة وهي أن البعض يظن جواز إظهار المرأة لنحرها إذا ما هي غطت شعر رأسها، وهذا خطأ أيضا ولم يقل أحد من أهل العلم بذلك بل الآية صريحة في وجوب تغطيته، قال تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } .
3- العجيب أننا نرى بعض هذه القنوات تعد برامج لعرض أزياء "المحجبات" مع أن بعض هذه الأزياء غير محتشمة، وغير ملتزمة بضوابط اللباس الشرعي، بل إن المخرج والمصور يتفنون في إظهار "جمال اللباس" من خلال إظهار جمال العارضة "المودل"!!!
لقد أثار هذا البرنامج استياء كبيرا واستغرابا واسعا عند شرائح من المجتمع خاصة في بلدنا هذه –اليمن- لأننا ندرك أن عروض الأزياء هي ثمرة من ثمارة حضارة الغرب المبنية على استغلال جسد المرأة والتي ترى فيها مصدرا للمتعة واللذة وحسب، ولذا فهم يتفنون بإظهار الأجساد والألبسة المغرية في سبيل متعة أكبر وربح أجزل.(1/4)
وبما أن هذه القناة تقدم هذا البرنامج على حياء وضيق ذات يد فإنهم يكتفون بتسجيل هذه العروض في بعض الغرف أو البساتين "الخضرة والوجه الحسن واللباس الملون" وأخشى أن يأتي يوم نرى فيها صالات عروض الأزياء الإسلامية!! والتي ستكون حينئذ إسلامية بالمعنى الجغرافي وحسب، أما الديني فبينها وبينه بعد المشرق والمغرب.
إن كلنا يعلم عواقب البيئة التي تعتمد في ترويج بضاعتها على أجساد النساء كيف تساهم في تدمير الدين والأخلاق، بداية ممن يرضى لزوجته أو ابنته أو أخته في أن تعرض جسدها في هذه العروض التي تستلزم مشيات وحركات معينة، مرورا بسوء السمعة لتلك الفتيات المغرر بهن واللاتي قد يعجزن عن تكوين حياة أسرية هادئة وكريمة لأسباب شتى، وانتهاء
بالفساد الذي سيحصل للشباب المسلم الذي سيحضر في هذه الصالات من أجل أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه!! وللفتيات المسلمات اللاتي سيسلكن هذا الطريق الموحش والذي قد تكون نهايته مدمرة.
استمعت ذات مرة لبرنامج في قناة إسلامية هو عبارة عن مؤتمر يناقش فيه قضايا من هذا النوع، فقام أحدهم وذكر أنه سافر إلى بلدة في روسيا فاشتكى له أهلها ارتفاع نسبة العنوسة عندهم، ففكر في حل، ويا له من حل!!!
لقد قام بدعوة الفتيات واللاتي يبلغ عددهن سبعين امرأة –فيما أذكر- وأمر بإلباسهن أجمل اللباس وتجميلهن، ثم دعا شباب القرية تلك ونظم حفلا عرضت فيه تلك الفتيات أجسادهن وجمالهن "فافتتن بعض شباب القرية" ببعضهن وتزوجت منهن حوالي (15) فتاة، ودعا في ختام حديثه إلى تقفي هذه التجربة الرائدة!!!!!
لست أدري إذا كان هذا الشخص (الداعية) قد سأل نفسه ولو للحظة إذا كان عمله هذا جائزا أو لا؟!
الظن به أنه سأل نفسه ذلك السؤال، والظن به أيضا أنه استجازه، ولكن دون الرجوع لأهل العلم، لأنه ببساطه يعتبر نفسه منهم!(1/5)
إن هذه الفعلة الشنعاء تحليل لما حرم الله، وقد قال سبحانه: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } .
أما المصلحة التي ذكرها فهي مصلحة ملغاة كما سيأتي بيانها، ونحن نعلم أن الله حرم الخمر والميسر رغم أنه قال فيهما: " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"، وفي الحديث الثابت: "من سن سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزرها و مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
وبما أن تلك الفكرة كانت من داعية معروف فقد تجرأ بعض الإعلاميين المدعوين لذلك المؤتمر من أن يدلي بدلوه فيزداد جرأة بأن يدعو لإقامة تلك العروض مطلقا، وألا تربط بالزواج أو حل مشكلة عنوسة أو غيره!!!
لقد صدق المثل العربي القديم:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا:: فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وفي سبيل جواز هذه العروض وغيرها من مظاهر التبرج على فضائيات إسلامية، نظم رجل أعمال يمتلك حزمة من القنوات الفضائية المشفرة وغير المشفرة، وهو صاحب لقناة فضائية إسلامية نظم ندوة فقهية تناقش موضوع عرض المتبرجات على شاشة المرئي "التلفاز" وكان من ضمن معدي أوراق هذه الندوة دكتور معروف قد شاب رأسه وانقضى شبابه سمعته في أواخر حديثه ومعه لفيف من الحضور الذين يشاطرونه رأيه يتحدثون عن جواز ذلك محتجين بأن بعض الفقهاء قد أجازوا النظر إلى المرأة في المرآة دون إثم، بعلة أنه لم ينظر إلى المرأة حقيقة، وأنه إنما ينظر إلى صورة المرأة لا المرأة نفسها، ومع التسليم بصحة النقل، لا يمكن تسليمه في واقع الفضائيات والتصوير الحديث اليوم، لأن هذا القول ببساطة يغفل ما يلي:
أن وضع البرامج المحتوية على النساء يستلزم ضرورة رؤية القائمين على تجهيز البرنامج لتلك النسوة المتبرجات، فهل هؤلاء مستثنون من التحريم العام، ام هو رخصة في حقهم، أم أنها الضرورة والضرورات تبيح المحظورات!!(1/6)
ما تخلفه هذه المسلسلات من فساد في الدين والأخلاق خاصة للشباب والفتيات، ونحن نعلم جميعا مقدار الدمار الذي أحدثته بعض البرامج التي من هذا النوع.
هذا القول دعوة صريحة لتمثيل وعرض أفلام الجنس والعنف بأشكالها وفنونها، بدعوى أن الرائي إنما يرى الصورة لا الحقيقة، ليت شعري ومن يمارس تلك الموبقات هل رفع القلم عنه، لأنه يقوم بدور تمثيلي غير حقيقي!!!عجب.
إن هذا القول بعيد كل البعد عن الأدلة وعن المقاصد الشرعية، وإن تعجب فاعجب لمن يصمون أذاننا ليل نهار بالكلام عن المقاصد الشرعية ثم يأتون إلى هذا البلاء ويحلّونه، فأين مقصد الشرع في الحفاظ على دين الأمة وعقلها ومالها؟
وأين دفع كل أشكال الضرر والإضرار عنها؟
وأين سد ذريعة الفساد الذي اعتبره وعمل به كل أهل العلم؟
أغفلت هذه الزلة الفارق الكبير بين ما قاله بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية من رؤية الصورة في المرآة، وعمل الأفلام والمسلسلات ورؤيتها على التلفاز، ذلك أن المقيس يستوجب أشياء زائدة على المقيس عليه، وفيما سبق من النقاط بيان ذلك الفرق، ولو عرضت هذا القياس على مبتدأ في العلم الشرعي وقلت له: "أجزنا عمل الأفلام والمسلسلات وعروض الأزياء (بموديلاتها الحديثة) وعرضها على القناة الإسلامية! قياسا على جواز النظر إلى صورة المرأة في المرآة" لما كان جواب المتلقي إلا الضحك والاستغراب، وسيقول حتما: أيقول هذا عاقل بله عالم شاب رأسه.
إن هذا القياس يسميه علماء الأصول بالقياس الفاسد، وهو الذي لم تكتمل فيه شروط القياس الصحيح.
وأرجو ألا تكون هذه الزلّة نابعة من مجاملة لمنظم هذه الندوة وهو ممن يملك القنوات المشفرة وغير الملتزمة.
أخلص من هذه النقطة بالقول بأن عروض الأزياء هذه لا تتواءم مع عقيدتنا وأخلاقنا وعادتنا كما أنها سبيل من سبل الإفشال الأسري وطريق من طرق الدياثة ولهذا نرى حرمتها وإثم من يدعو إليها أو ينظمها.(1/7)
4- تلميع شخصيات لا خلاق لها من خلال استضافتها في بعض البرامج وتبجيلها،وتقديمها على أنها نجمة في سماء الإبداع والفن!!! مع أن بعض هؤلاء ممن يساهم في هدم عقيدة الأمة وشريعتها وتمييع الشباب المسلم، ويتهتك في ذلك، ثم تكون العاقبة تبجيله وتعظيمه ممن يفترض فيه أن يكشف زيف هؤلاء وحياتهم البائسة ويدعوهم إلى الحق والطريق السوي.
ربما يتعلل البعض بأن استضافة هؤلاء (الفنانين والفنانات) إنما هو لأغراض ومصالح دعوية، تقتضي ذلك.
وهذا الكلام عند تصنيفه في أي أنواع التخصصات يدخل لوجدناه داخلا في إطار الفقه، فهل يقول ذلك فقيه؟
بالتأكيد لا، لأن من البدهيات الأصولية أن المصلحة تنقسم إلى أقسام ثلاثة: مصلحة معتبرة وهي التي اعتبرها الشارع.
ومصلحة ملغاة وهي التي لم يعتبرها الشارع كالمصالح المستفادة من الربا والخمر ومع هذا فقد حرم الشرع الاثنين، وجعل منافعهما في حيز الإلغاء.
ومصلحة مرسلة وهي التي لم ينص عليها الشرع بعينها إلا أنه نص على جنسها ككتابة العلم فهذا جائز بل قد يجب أحيانا لضرورة حفظ العلم وهذه مصلحة معتبرة شرعا.
فما يقال إنه من المصلحة لا بد أن يكون داخلا تحت أحد النوعين الجائزين: المعتبرة والمرسلة.
أما إذا كان مصادما للشرع بحيث يحرمه الشرع ويعاقب فاعله فلا نقول بجوازه للمصلحة، ولا يجوز ذلك إلا في حيز الضرورات، وإلا لما كان لقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات أية فائدة.
فهذه المصلحة ملغاة، لأنها مبنية على مصادمة النص، وعليه فهي مصلحة متوهمة، لأن المصلحة الحقيقية هي التي ينص عليها الشارع أو يعتبر جنسها .
ومن هنا نقول:إن استضافة وتبجيل بعضا "ممن لا خلاق له" سواء كانوا كتابا أم صحفيين أم فنانين أم غيرهم على شاشات الفضائيات الإسلامية مخالف للشرع.(1/8)
وإذا كان نهي الشرع عن قول: "سيدي" للمنافق،في الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي وغيره عن بريده أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقولوا للمنافق : سيدنا فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم" فكيف بهذه الكلمة وعشرات من جنسها تكال لمن يفسد دين الأمة وشبابها.
قد يستثنى من هذا ما كان على سبيل المناظرة أو إظهارا لحق أو عبرة معينة، فلا بأس حينئذ ولكن مع توخي الحيطة.
5- عندما يخرج شخص من جحيم أو عذاب أو ضنك ويبدأ يتنفس الصعداء والهواء النقي والحياة الهانئة، هل يكون من المعقول أن تنصحه بالعودة على ما كان فيه من عذاب وضنك وجحيم؟
لقد حدث هذا!!
حينما أعلن بعض الممثلين والممثلات التوبة واعتزالهم التمثيل صاح بعض (الدعاة) بهم: لا تفعلوا، انتبهوا!!! بل بذلوا جهدهم في سبيل إثناء المعتزلين عن قرارهم (الخاطئ).
والكل يعلم مقدار العفن والضلال الذي تعيشه هذه الشريحة، وما يصاحبهم في أعمالهم من موبقات، كما نعلم أيضا أن من شروط التوبة العزم التام على الإقلاع عن المعصية، وأن من معينات التوبة واستمرارها البعد عن المكان أو الصحبة أو العمل الذي مارس فيه تلك الموبقات وعاونه فيها آخرون، وكلنا يعلم قصة الرجل الذي قتل (99) ثم أكمل المائة فنصحه عابد أن يترك أرضه لأنها أرض سوء، وهذا حق، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على الأثر السيء على جليس السوء.
فكيف بعد هذا كله نقول لهؤلاء العائدين عودوا إلى ما كنتم عليه واحذروا المعاصي!!!
أية معصية يحذر وهو منغمس في مجالسة وملاينة المتبرجات!
أية معصية يحذر والصلوات غالبا ما تفوته وهو منشغل في أداء دوره التمثيلي!!
كيف يمكنه تجنب الموبقات وسبلها مهيئة أمامه ودعاتها محيطون به، يحاولون إثناءهن ويغرونه بذلك!
إنه بالنسبة لهم كالشاة الشاردة التي يجب استعادتها.
أو هو الشخص الذي يدعي الملائكية ويذكرهم بما هم فيه من آثام.(1/9)
إن هذه المزلة لا تستند إلى نقل أو عقل، وهذا ليس غريبا، لأن من يقول هذا جلّهم ممن لم يمارس العلم الشرعي حق الممارسة، بل لو صدر هذا القول من عالم لعدت من زلاته، والإجماع قائم على أن زلات العلماء لا يجوز تقليدها.
6- شاهدت قبل فترة وعلى فضائية إسلامية برنامجا قصيرا لأحد المعروفين ممن لهم أشرطة وكتيبات في علم الإدارة، يتكلم حول حديث: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب"!! لكنه لم يتكلم بكلام أهل العلم بل بكلام من لا يعرف معنى أن يكون الحديث في البخاري ومسلم وغيرهما، وجهود العلماء في تنقية السنة وتصحيح الصحيح منها ورد الضعيف وبيانه، وكلامه كلام من يبني التصحيح والتضعيف على مجرد العقل والهوى، وإلا فما معنى أن يتجرئ هذا الإداري على سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وينتقدها، فما أدراه بعلم الشرع، هل لو تكلمت في علم الإدارة وجهلته وجهلت أمثاله وخطأتهم في كثير من النظريات -وبعضها كذلك- هل كان سيتقبل مني ذلك؟ أم تراه كان سيقول: وما أدراك بهذا العلم الذي تداولته عقول علماء ومفكرون في علم الإدارة؟ علما أن بعضهم مجانين كمؤسسي (N.L.B)
وعلى الرغم من أن علم الإدارة في كثير من تفصيلاته علم حديث معظم من كتب فيه –على قلتهم- هم من غير المسلمين،إلا أن هذا الشخص ستجده ينتصر لتخصصه أيما انتصار.
أما السنة الذي تكفل الله بحفظها فقال: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ومن ضروريات حفظ القرآن حفظ السنة، بل إن اسم الذكر يستغرق القرآن والسنة.
كما هيأ لها الجهابذة الذين بذلوا أوقاتهم وأموالهم وأعراضهم في سبيل جمع السنة وتنقيتها ووضع الضوابط لذلك.
كل هذا لا وزن له عند هذا الرجل وأمثاله ممن درسوا في الغرب فعادوا بعقول مشوشة ملوثة ببعض جهالات (الآخر) وترهاته.
إنها لجرأة عظيمة أن يسخّر هذا وأمثاله قنواتهم "الإسلامية" في رد الأصل الثاني من أصول الإسلام "السنة" .(1/10)
فليتق الله هؤلاء وليعلموا أن الإسلام ليس مجرد دعوى، بل لا بد أن تظهر معالمه في التطبيق العلمي والعملي، وأول هذه المعالم التسليم بما قاله سبحانه وبما ثبت في السنة.
إن الإيمان يعني التصديق والعمل بما جاء عن الله أو عن رسوله، وقد مدح الله سبحانه نبيه إبراهيم في مسارعته لقبول أمر ربه { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } .
وأمر سبحانه المؤمنين أن يؤمنوا بما أنزل الله على رسله والذي منه السنة فقال: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون }
ومدح المؤمنين بالإيمان الذي هو التصديق والعمل بموجب هذا التصديق { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } .
ووصف المؤمنين بأنهم إذا حكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بينهم سلموا تسليما فقال: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
لكن قد يقول أحدهم بأني لا أسلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قاله، فيقال: بأن الواجب عليك هو سؤال العلماء بقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } فمن لم يسأل العلماء وقال: يكفيني عقلي ونظري، فقد رد أمر الله أولا، ومضى في طريق لا دليل له فيه، وهو وإن أصاب فقد أخطأ، ولا يتقبل الله عملا لا ينبع أساسا من تطبيق أمره واتباع هديه، بل ممن جعل إلهه هواه.
وليس شرطا أن يكون الهوى شهوة أو لذة حسية، بل قد تكون الشهوة واللذة المعنوية أدخل في معنى الآية كما هو حال أصحاب الأهواء بل والمشركون من قبل.(1/11)
وما ضل من ضل إلا بسبب الاعتماد على عقلياتهم القاصرة دون الرجوع إلى أهل العلم ابتداء من الخوارج ومرورا بالجهمية والمعتزلة والشيعة وغيرهم، والجهل في هذه المسائل ليس عذرا، لوضوح الدليل وتوافر العلماء الذين هم صمام أمان من الزيغ والضلال.
وعلى ذكر هذا القضية، فقد بثت قناة إسلامية أخرى ندوة فقهية حول قضايا فقهية، فقام أحد المتحدثين ممن يكتبون في الطعن على الصحابة وعلماء السنة جملة وتفصيلا قام يتحدث -علما أنه لا يجيد الحديث- في واد آخر، وبما أنه لا يهدأ له بال حتى يرضي إبليس هواه من الذم والقدح لخير جيل عرفته البشرية، فهو يذم ويطعن في أبي هريرة، دون حياء من الله أو من الحضور.
وقامت القناة "مشكورة" مساهمة منها في تعميق "الإسلامية" التي تتبناها بنشر ترهات هذا المسكين، دون حياء من نفسها أيضا.
لقد ذم الله المنافقين وأمثالهم ممن يحبون أنت شيع الفاحشة في الذين آمنوا وتوعدهم فقال: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون } ووسائل الإعلام إذا انحرف خط مسارها كما حدث هنا وفي النقاط السابقة تكون أكثر من يشيع الفاحشة، لأن مفسدتها أعم ودائرة انتشارها أشمل وأكبر من مجرد حديث مجالس.
(2)
الأناشيد الإسلامية
انتشرت واشتهرت الأناشيد الإسلامية في الآونة الأخيرة، وهذا طيب، بيد أن لي عليها جملة ملاحظات منها:
عرض الفتيات، بل واختيار الجميلات منهن،وأحيانا بكامل زينتهن، بل بملابس زفاف، كما أن بعض المحجبات لا يتوفر في حجابهن أدنى شروط الحجاب الشرعي، وبعضهم يستعيض عن النساء بفتيات صغيرات خشية الحرج، وهذا وإن كان خفيفا إلا أنه قد يؤدي إلى ما هو عظيم.
رأيت في بعض الأناشيد لمس رجل لامرأة ووضع خاتم الخطوبة أو نحوه، وهذا مما لا يجوز خصوصا من شابين، وفي نشيد يسمى إسلاميا وعلى قناة إسلامية!(1/12)
كان الهدف من بعض الأناشيد الحث على ترك عادة سيئة أو محرمة وفي سبيل ذلك أتوا بلقطات ومشاهد تمارس فيها هذه العادة وكمثال على ذلك "التدخين" الذي يمارسه الممثلون بشغف، ويأتي المنشد ليحذر منه، وهذا خطأ من ناحيتين:
الأولى: أنه لا يجوز شرعا فعل المنكر لكي يبين للناس ماهيته وحكمه بأي شكل من الأشكال، ولهذا قال أهل العلم يحرم على الشاهد إذا شهد على أحدهم بسب الرب أو بشرب الخمر مثلا أن يمثل هذا الفعل قولا وعملا ليبين شهادته بصورة أوضح، كما يحرم على القاضي أن يأمره بذلك.
فإذا كان هذا في القضاء والشهادة الواجبة فكيف بغيرها مما ليس كذلك.
الثانية: أن هذه المشاهد تؤثر سلبا على المتلقي، وخاصة صغار السن الذين يتأثرون بالصورة أكثر من الكلمة، وهي من وجهة نظري دعوة حقيقية لممارسة العادة المعروضة ولو كان الغرض من ذلك تبغيضها أو نحوه.
لم يكتف المغنون بتخريب وتدمير أوقات ودين كثير من شباب المسلمين حتى التفوا على الشباب الملتزم، ولم يكتفوا بجمهورهم بل أرادوا أن يزيدوا من هذا الجمهور فقاموا بأداء "أناشيد إسلامية" وطعموها بالصور واللقطات التي تعرف عنهم في أغانيهم مع فوارق بسيطة أحيانا، وللأسف أن قنوات إسلامية تبث لهؤلاء بعض ذلك الهراء.
اشتملت الكثير من الأناشيد الإسلامية على جملة من الإرث الصوفي، وجملة من البدع التي تمس العقيدة وجوهرها، كإنشاد بعضهم قائلا: "ياهل البيت واهل العوالي عبدكم جي خالي" والاستغاثات بالمخلوقين كقول بعضهم: "وا رسول الله وا" وآخر يقول متوسلا: "يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا " فهذه وغيرها كثير لا تجوز في دين الله البتة، وغالب من ينشدها لا يدري معناها، ومدى خدشها في العقيدة، لأن الغالب على المنشدين الجهل بالشرع، إنما هم يسمعون بعض تلك الأناشيد أو يأخذون بعض الأشعار التراثية التي خلفتها عصور الانحطاط والانحدار الحضاري للأمة الإسلامية، وينشدونها ويسجلونها ويهتزون لها دون وعي أو تأمل.(1/13)
والمشكلة تزداد عندما تقوم قنوات إسلامية ببث هذه الأناشيد دون تأمل أيضا أو رجوع لأهل العلم الراسخين، ولهذا أجدد الدعوة للقنوات وللمنشدين إلى التحري وانتقاء ما يبثون أو ينشرون، والرجوع لأهل العلم في ذلك، بأن يقوم المنشد مثلا بعرض القصائد التي سينشدها أو سينزلها ألبومه على أهل العلم كي يجيزوه أو يمنعوه.
كما أدعو القنوات الإسلامية بضرورة تشكيل هيئة شرعية أو مستشار شرعي يراجع المواد المعروضة للبث.
بل أستحب أن يبدأ عمل المستشار الشرعي مع بدايات اختيار الموضوع مرورا بإعداده وما يشتمل عليه الإعداد من لقطات وعبارات وغيرها إلى إجازته في نهاية الأمر.
(3)
وعلى العلماء مسؤولية
إن من مظاهر التقصير الواضحة عدم وجود قنوات إسلامية حقيقية أو بمعنى الكلمة، يديرها ويشرف عليها أهل العلم تهتم بتعليم الناس الدين الحق بعيدا عن مجازفات المتهورين والمتشددين والمنهزمين.
وهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أولي العلم القادرين على فعل ذلك، لأن هذا مما انتدبهم الله له وهو البلاغ، وتبيين الكتاب { وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } وأي وسيلة اليوم تضاهي الإعلام خاصة المرئي منه.
لا أريد أن يكون العالِم ضيفا في فضائيات -ولو كانت تسمى إسلامية- يأتي أو يغيب متى ما أُريد له ذلك، أو يقتصر دوره على برامج الإفتاء ونحوها في حين لا يُسأل حتى من القناة الإسلامية عن برامج أخر من حيث الشكل أو المضمون.
بل يظهر لنا كل يوم (داعية) جديد، تقع منه الهفوات بعد الهفوات والأخطاء تلو الأخطاء دون أن يدري أو ينبه، بل لعله يعتبر ما بدر منه حقا وصوابا، وأن على العلماء اتباعه!!
عجب أمر هذه وأشكاله، وهل يكون داعية إسلاميا إلا باتباعه أهل العلم؟!
إنه حين ينقلب عليهم سيكون داعية ..نعم، ولكن للشيطان، وإن عمله هذا هو اتباع للهوى بعينه، لا أجد له تكييفا آخر.(1/14)
من أراد أن يكون داعية إسلاميا فعليه بطلب العلم أولا بحيث يحصل القدر الكافي مما يجب عليه معرفته، وما يجهله يحيله على أهله، لأن هذا ببساطة هو ما أمر الله به { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
ويجب على العلماء أن يبينوا هذا الأمر للقائمين على الوسائل الإعلامية الإسلامية لكي لا يجد واحد منهم نفسه –العلماء أو الفضائيات- يغرد خارج السرب، أو قد شذ عن الطريق وابتعد، وحينها قد لا يستطيع الرجوع.
(4)
ما لا يسع الإعلامي جهله:
كما كتب بعضهم حول ما لا يسع المسلم جهله، وما لا يسع التاجر جهله...الخ، فينبغي أن يكتب بعض أهل العلم فيما لا يسع الإعلامي جهله، يعرف الإعلامي من خلاله الأحكام الشرعية المتعلقة بعمله: مديرا، ومخرجا ومصورا ومعدا للبرامج، ومنتجا، ومسؤول إعلانات...الخ إضافة إلى جملة النظرات الإسلامية العقدية والشرعية والأخلاقية المتعلقة بالوظيفة الإعلامية.
وتعلم هذه الأحكام فرض عين على كل إعلامي، إذ نص أهل العلم على وجوب تعلم الأحكام المتعلقة بما يمارسه المسلم من عمل، فالتاجر يجب عليه تعلم أحكام التجارة، وكذلك الطبيب، والصيدلي، والمقاول، والمهندس، والمزارع....والإعلامي، وغيرهم.
والسبب في ذلك تفادي ما قد يقع من هولاء أثناء ممارستهم أعمالهم من أخطاء قد تكون فادحة مضرة بالعرض أو الجسم، للفرد أو المجتمع، وكلما كان تأثير هذا العمل أوسع، كان خطرة أشد ووجوب تعلم أحكامه الشرعية أوجب.
وكلما كان متعلقا بالمقاصد الضرورية ومؤثرا في الحفاظ عليها أو إعدامها كان الوجوب عليه أعظم والحمل أثقل.
إنها مسؤولية عظيمة.
ولا أقول –هنا- بأن هذا الوجوب يشمل كافة المسائل الأصلية والفرعية، بل يكتفى الإعلامي من ذلك برؤوس المسائل المتعلقة بتخصصه، وما دقّ منها يراجع فيه أهل العلم.(1/15)
وأندب هنا القائمين على القنوات الإسلامية عقد دورات شرعية تشمل كافة العاملين فيها من أكبرهم إلى أصغرهم، يتعلمون فيها أصول النظرة الإعلامية الإسلامية، وجملة وافرة مما يتعلق بأعمالهم من أحكام، كي يستبينوا الطريق وتتضح عندهم الرؤية ويسيرون على بصيرة، ونحقق الهدف المنشود الذي نبغيه جميعا.
(5)
الإسلام والفضاء المفتوح
ربما آن الأوان لأهل العلم والمال أن يفتحوا آفاقا جديدة وأبوابا واسعة للدعوة الإسلامية العالمية لكافة أجناس البشر بلغاتهم المتنوعة، فإن لم يتيسر فباللغات الحية، خاصة الإنجليزية.
ويكفي أنا لمسنا عواقب فقرنا الإعلامي، وتقصيرنا فيه في تمدد الآخر في الفراغ الذي خلفناه فجعل يصول ويجول ويبث حقده وسمومه دون أن يجد من يوقفه عند حده فيبين زيفه وخطله.
كما أنه من الواجب على أهل العلم والقادرين من المسلمين تجاه الآخرين ممن عبئت عقولهم بالشبه المضللة عن الإسلام أن نزيل عنهم هذه الشبه والغبش الذي أصاب تفكيرهم ونظرتهم لهذا الدين.
ومن الواجب أيضا على العلماء تجاه المسلمين الجدد ومن هم مسلمون بالبطاقة الشخصية أو الانتماء السياسي أو الثقافي أن نبين له واجباته الدينية وما يحتمه عليه انتسابه لهذا الدين العظيم وكيف ينبغي عليه بوصفه مسلما أن يسيّر أمور حياته العملية والمالية.(1/16)
أقول هذا لأن الكثير من المسلمين ممن يعيشون في بلد المهجر ونحوهم ممن يعيش في بلد ضربت سياجا منيعا حائلا بين المسلم وتعلم دينه من الدول الإسلامية أو غير الإسلامية، إن الكثير من هؤلاء لا يدرك ولا يعرف الكثير من البدهيات الدينية، والتي يسميها الفقهاء بـ"المعلوم من الدين بالضرورة" بل يعلمها الصغار بله الكبار، وكمثال على ذلك فقد سأل أحد المسلمين المهاجرين في دولة أوروبية سؤالا غريبا مفاده أنه يعيش مع أحد الأوربيات لعدة سنوات وخلفت له أولادا وهو الآن يريد أن يعود إلى بلده ولكن (عشيقته) رفضت ذلك فهل يجوز له أن يأخذ أولاده ويتركها؟!!!
إنه لم يسأل عما إذا كان يجوز له معاشرة امرأة ليست زوجة له، ولقد كان استغرابي منه شديدا، ولكني عندما علمت أنه من دولة لا تعنى بالإسلام من قريب أو بعيد، بل تحارب دعاته بل وتعلن رفضها للإسلام ونظامه زال استغرابي.
أقول: إن هناك الملاين بل عشرات الملايين ممن ينتظرون كلمة وعظ وبيان حكم صادقة من قلب عالم مؤمن صادق، يدلهم على الطريق، ويضيء لهم الدرب، ويزيل عنهم شقاء المعصية وعنتها وضنكها.
لقد كان الدعاة الأوائل يرحلون ويقطعون الأميال من أجل دعوة أفراد فكيف وقد توفرت هذه الوسيلة التي تستطيع أن تخاطب بها عشرات الملايين، وأن تكون سببا في وصول كلمة الحق إلى آفاق لم تكن لتصل لولا هذه الوسيلة ونحوها.
إن من يسلم في أمريكا سنويا يقارب الخمسين مليونا، وفي بريطانيا يسلم السبعة والثمانية يوميا، هذا كله رغم تقصيرنا الدعوي الإعلامي، فكيف لو أحسنّا استغلال هذه الوسيلة وبذلنا جهدنا فيها بإخلاص ورغبة صادقة، مستفيدين من كل التقنيات والخبرات الحديثة في الخطاب والإعداد وكل وسائل الإدخال والإخراج الإعلامي.
(6)
وسائل الإعلام وتصحيح الأخطاء(1/17)
لقد عاشت الأمة فترات من الضعف والخور الذي سببته جملة من العقائد والأفكار الدخيلة على المجتمع والعقيدة الإسلاميين، والذي نتج عنها رزوح الأمة المسلمة تحت نير الاستعمار الذي بدوره بذر بذور الفتنة الدينية والطائفية، وغرس غرسا من الأذناب ممن يزينون تلك الأفكار وغيرها ويزخرفونها لدهماء الناس.
وجاء الإعلام الموجه لهذه الأمة ولشبابها على الأخص فتلقف الكثيرون جملا وافرة من الأفكار الغريبة والعادات السيئة والمخالفات الشرعية والغرائب التي لم يكن يتوقع حصولها أحد.
وبعد أن كانت الأمة المسلمة أمة واحدة دب الخلاف بينها فكان أولا ظهور الفرق البدعية:
الخوارج الذين كفروا الأمة، وخرجوا عليها، واستحلوا عرضها ومالها ودمها.
والمعتزلة الذين أقاموا محاكم للتفتيش، وكانوا وصمة عار في جبين التاريخ.
وعندما عجز الفرس عن دحر دولة الإسلام قاموا بضربها من الداخل متسترين بحب آل البيت فكفروا الصحابة وسبوهم وذموهم، وقد كان لمحطم دولة الفرس عمر بن الخطاب النصيب الأوفر من حملات التشويه هذه، وما لبث هؤلاء أن فرق الله شملهم ومزقهم شر ممزق فغدت الفرقة فرقا والبدعة بدعا، وخرجت من عباءتهم العقائد الفاسدة والمضللة والتي أخذت على عاتقها محاولة القضاء على دولة الإسلام بإقامة دول مناهضة للخلافة الإسلامية كالباطنيين في مصر وغيرهم في العراق وفارس، واتبعوا نظام الاغتيالات وقتل على أيديهم العشرات من أئمة الإسلام علما وجاها.(1/18)
ثم ظهرت الصوفية الفلسفية والتي نأت بالإسلام عن كونه دينا عمليا يهدف إلى تشغيل الطاقات والقدرات كافة وفي شتى مناحي الحياة إحياء للأرض وعمارتها بالعبادة والبناء، بخلاف هؤلاء الذين حصروا هذا الدين العظيم الشامل في عبادات بدعية ما أنزل الله بها من سلطان وفي اغتراب عن الحياة والناس والنفي في البراري والقفار والكهوف، وحصروا جهدهم في طلب الترقي البدعي في "المقامات والكمالات الإلهية" والفناء والوصول، وقد وصل بعض هؤلاء حقا، ولكن إلى التفلت من الشرع ونبذه بل والسخرية ممن يفعله.
والمشكلة الكبرى أن تجد الكثير من العامة خاصة في بعض البلدان الأعجمية كبنقلاديش والهند يتبعون أمثال هؤلاء بل وصل الجهل ببعضهم إلى عبادة غير الله والنذر والذبح له.
بل إن تعجب فاعجب من تعظيم العامة في تلك الدول من لا يصلي ولا يصوم ويتعاطى السحر والشعوذة والتلطخ بالأقذار والمقترف للمنكرات، بل ويعدونه وليا لله، إذا أمر فأمره مطاع، ,وإذا تكلم فكلامه حق، وإذا تصرف فلا يراجع، بل أهمس في أذنك شيئا لن تصدقه وأنت معذور في ذلك لأنه لا يقع اليوم إلا في شذاذ المجتمعات وهو أن بعضهم لا يدخل على زوجته إلا بعد أن يدخل عليها هذا الولي!!!
ليست هذه حكاية من حكايات الخيال، أو قصة وقعت في الماضي إنها الآن في عصر الفضائيات وانتشار الدعاة.
لقد خلفت تلك العقائد وغيرها جملة من الأخطاء العلمية والعملية عبادة وسلوكا، إضافة إلى الأخطاء الأخرى الناتجة عن بعد الناس عن الدين أو غلبة الشهوة والشبهة عليهم، والتي تراكمت عبر الزمن.
ورغم كثرة القنوات الإسلامية نسبيا اليوم إلا أنني قليلا ما أجد برامج -بله توجها- تهدف إلى تصحيح تلك الأخطاء والبدع والخرافات التي تراكمت -ولا زالت- عبر السنين بل القرون المتطاولة، وإذا حاولت بعض هذه البرامج معالجة شيء من هذه الأخطاء فإنها تعالجها على استحياء ثم تمضي على عجل.(1/19)
وقد لاحظت بعض معالجتها تلك أن كثيرا موجها للفئات المثقفة، إذ تعالج نظريات هي أقرب إلى الفلسفية منها إلى مخاطبة الناس بما يفهمون.
ولا يفهمن أحد أنني أرفض مناقشة أو تصحيح الأخطاء التي قد يقع فيها بعض هؤلاء المثقفين إلا أنني أقول: إن الغالب على الأمة الإسلامية الأمية، فمن لهؤلاء المساكين؟
من للمزارع والنجار والحداد والبقال وغيرهم؟
من لمن يعبد الله على جهل ويعتقد فيه أو في غيره عقائد باطلة على جهل؟
من لربة البيت، والعاملة، والموظفة، التي لا يتسر لها حضور درس فقهي؟
أين الخطاب الذي يزين الحق ويبسطه، ويجعله مقنعا سهل المنال؟
إنني آسى كثيرا كثيرا كثيرا عندما أجد الإعلام الإسلامي في واد والناس في واد آخر.
يكرر الناس أخطاءهم ولا يدرون بل لربما كان هناك من متعالمي السوء من يزين لهم هذه الأخطاء ويجمّلها في عيونهم.
يكفينا برامج وعظ!
يكفينا كثرة القصص والحكايات!
يكفينا إدارة ذات، ونحن بعد لم نستطع إدارة القلب والجوارح.
إن هذه كلها بمثابة الملح والوسائل المعينة على تقوية الإيمان، وهي أعمال –بلا شك- طيبة، ولكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
والمأمول هو التوازن وأن يعطى كل اتجاه حقه ومستحقه.
وإلا فماذا يستفيد الناس من تفاعلهم بقصة أو حكاية ما ثم إذا بهم يخرجون يحلفون بغير الله، ويعظمون غير الله، ويرقصون ويصفقون في بيوت الله؟
ماذا يستفيد الناس من مواعظ تذكر الناس بالحساب والعقاب واليوم الآخر ثم لا تدلهم على كيفية النجاة مما يخافون والحصول على ما يريدون ويؤملون؟
ماذا يفيد الناس بعد التأثر باسم من أسماء الله، وهم لا يدرون كيف يعبد الله حق عبادته؟
إن برامج الفتاوى لا تكفي! لأن الكثيرين يظنون أنهم مصيبون حيث هم مخطئون، ومحسنون حيث هم مسيئون.
فأين دور العلماء الفقهاء؟(1/20)
لماذا لا يفسح لهم المجال؟ كي يبدعوا ويقدموا البرامج المفيدة ذات القوالب الإعلامية المختلفة، وألا يقتصر الأمر على غرفة ضيقة وكرسي وطاولة وهاتف!!
أحيانا أسأل نفسي هل هذا إقصاء متعمد لدور العلماء؟
كنا قديما نقول في بعض الفضائيات إنها ذات توجه مغاير لا تتبنى الإسلام ولا تأبه له، فيا ترانا ماذا سنقول في شأن الإعلام الإسلامي.
لست أدري لماذا التركيز على دعاة قليلي التحصيل في العلم الشرعي، بل ويمرقون منه ومن ضوابطه أحيانا!!!
لقد وصلت الصفاقة ببعضهم أن يطرح قضايا شرعية لا ينظر فيها إلا الفطاحل من أهل العلم يطرحها أمام لفيف من العامة والمتبرجات ليتناقشوا فيها، ويدعوا بعض المتخصصين مثله مثل غيره!!
ولا يدري هذا المسكين أنه بفعلته هذه يعتدي على حرمة الشرع، وأن الأطروحات التي تقال لابد وأن تعلق في أذهان بعض السامعين، وأن الشبه التي يستند عليها من قل تحصيله، لابد وأنها ستجد آذانا مصغية، وقديما قيل: "لكل ساقطة لاقطة" .
بل إن طرح هذه الموضوعات وبهذا الشكل يعطي انطباعا لدى المستقبل بأن النقاش في الأمور الشرعية جائز وأمر طبيعي ولو كان هؤلاء المناقشون لا يفقهون من الدين إلا اليسير، بل ولو كانوا لا يفقهون شيئا.
إن هذا البرنامج وأمثاله تكريس للأخطاء وإصباغ الشرعية عليها، بل إنه يقلب الذهنية المسلمة المرتكزة على الرجوع إلى أهل العلم رأسا على عقب!!
وإذا كان إهمال الأخطاء وعدم تصحيحها خطأ فإن عرض مسوغي البدع والخرافات يعتبر خطأ أكبر وإعانة على بدعة، والبدعة من رؤوس الآثام.
كيف وقد ثبت في السنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله احتجب التوبة عن صاحب البدعة" وثبت أيضا: "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".(1/21)
نعم المبتدع الذي لم يخرج ببدعته من دائرة الإسلام أخ لكل مسلم لقول الله: { إنما المؤمنون أخوة } ولكن أن يعطى المجال لمبتدع ليلعب بعقول الناس بخرافاته وجهله، فيا ليته يقول علما صافيا، إنه لو قال كلمة صحيحة فإنه يخلط معها عشرات الكلمات المتفرعة عن بدعته والتي قد لا يميزها الكثير من الناس، بل إنه قد يعلن الحرب على السنة وأهلها بأسلوب في تلبيس وتمويه.
إن هذا وأمثاله بلا شك يوسعون دائرة الأخطاء بأنواعه خاصة العقدية منها، مما يؤثر سلبا على الأمة ومستقبلها الذي ننشده مزدهرا وضاءاً، علما وعملا، دينا ودنيا.
وأسوق هنا كلمة مفيدة قالها الشاطبي في الاعتصام: " إن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم :
إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.
والثانية : أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء ... فتحيا البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه".
الخاتمة
كانت هذه جملة من الملاحظات المتعلقة بالجانب الشرعي رأيت أنه من الواجب علي بيانها بقدر استطاعتي، ورغم ما قد يحمله كلامي السابق من شدة أو قسوة إلا أنها قسوة المحب الذي يريد لإخوانه كما يريد لنفسه أن يوصل الرسالة الإسلامية بيضاء نقية إلى الناس دون تشويهها بما يظن أنه تجميل لها، أو مسخها بما لا يمت إلا الإسلام بصلة.
ومع اعترافي بأن بعض من لوحت بهم في كلامي السابق له بصماته الواضحة في الدعوة والتأثير، إلا أنني لغيرتي على صورة الإسلام والدعاة عموما وهؤلاء خصوصا أن تشوه حرصت على توضيح تلك النقاط، علها تجد أذنا مصغية فنكسب سويا الأجر والثواب، ونمنع خرق السفينة.(1/22)
إنني مدرك تماما لمقدار الجهود المبذولة في سبيل إيصال الرسالة الإسلامية الإعلامية في أبهى صورة.
ومدرك تماما مقدار العراقيل التي قد تعوق نقاء تلك الصورة وحسنها أحيانا نظرا لأن التجربة الإسلامية الإعلامية لا زالت في بداياتها.
كما أدرك تماما مقدار الحماسة التي يتحلى بها البعض في إظهار الدين حسنا سهلا لينا، ولكن الإنسان بطبعه خطاء.
لكن هذا كله لا يعني بتاتا التمادي في الخطأ أو الصمم عن سماع الحق أو الإعراض عن استفسار أهل العلم، بل لقد عجبت من قناة إسلامية تمرر فتاوى على شريط أسفل الشاشة يختلف في كثير من أجوبته مع الواقع العملي الذي تمارسه القناة، إن هذا –بلاشك- ازدواج معيب.
ففي حين تأتي تلك الفتاوى منضبطة بالشرع نجد خلافها تماما على الشاشة، والذي أقترحه لهذه القناة وجميع القنوات الإسلامية أن تشكل لجنة أو هيئة رقابة شرعية تعرض عليها برامج القناة فتجيز الجائز وتمنع الممنوع، إن هذا ما يميزنا عن القنوات غير الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين
فهد عبد الله
اليمن – صنعاء
20 شوال 1428هـ(1/23)