|
المؤلف : أبي الوفاء المراغي
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
نتحفظ من المقالة على إشادته بدور الأزهر في حمل رسالة الدين بزعمه
كما نتحفظ على إشادته بمحمد عبده و تفكيره الإصلاحي بزعمه
كلمة تاريخية عن المكتبة الأزهرية
لأبي الوفاء المراغي
المكتبة الأزهرية
الرقم الخاص 4292
الرقم العام 55299
تاريخ
من ملتقى أهل الحديث (مصورة)
بسم الله الرحمن الرحيم
و لله الحمد و به الاستعانة و على رسوله أفضل الصلاة و التسليم و بعد : فهذه كلمة تاريخية عن المكتبة الأزهرية سيقدرها من يعرف قيمتها التاريخية و قد يحقرها ذو الثقافة السطحية و على كلا الحالين فقد أديت بها واجبا الله أعلم بنيتي فيه و حسبي منه حسن الجزاء .
لم تظفر المكتبة الأزهرية العامة – و هي المؤسسة العلمية الخالدة – بقسط من عناية المؤرخين فتفرد ببحث تاريخي خاص يجمع شتات هذه النبذ المتفرقة في المراجع التاريخية و قد لا يكون هذا غريبا إذا عرف أن الأزهر و هو الجامعة التاريخية التي حملت رسالة الدين و اللغة ألف عام لم تتح لها هذه الفرصة فتفرد بمؤلف تاريخي خاص يليق بمكانتها
لهذا رأيت أن أفرد هذه المؤسسة بكلمة تاريخية بقدر ما تسعفني بها المراجع أتلافى بها هذا التقصير ، و قد استحسنت أن أنشرها تباعا في مجلة الأزهر إن أمكن علِّي أظفر من قرائها و بخاصة أصحاب الفضيلة العلماء الذين عاصروا إنشاءها بمعلومات تعينني على إتمام هذه الكلمة على وجه يليق بمكانة المكتبة و يرضى عنه المخلصون و ها هي ذي كلمتنا .
مكانة المكتبة الأزهرية
(1/1)
المكتبة الأزهرية العامة من أشهر المكتبات في العالم يعرفها أهل البصر بالكتب و الباحثون عنها من الشرقيين و الأوربيين و يشيرون إلى ما فيها من نفائس الكتب في مؤلفاتهم عن الكتب و المكتبات كبروكلمان و غيره لانتسابها إلى الأزهر ذلك المعهد العتيق الذي طوى من العمر ألف عام يطاول الأيام و تطاوله الأيام و ينزل برغم الحوادث مقاما فوق مقام و يهتدي بنور معارفه الدينية و اللغوية المسلمون في سائر أقطار الإسلام و المكتبة الأزهرية ثانية دور الكتب في مصر من حيث عدد ما فيها من الكتب و احتواؤها كثيرا من نوادرها . على أنها تفوز بالحظ الأوفر من تقدير العلماء و حسن ظنهم لمكانتها الدينية و انتسابها إلى الجامعة الأزهرية
متى أنشئت ؟ من أنشأها ؟ كيف أنشئت ؟
(1/2)
من نظم الأزهر نظام الأروقة – و الرواق هو البناء الذي يسكنه جماعة من الطلبة متحدي الجنس أو المذهب كرواق الأتراك و المغاربة و السنارية و الحنفية – و قد أنشأ هذه الأروقة أهل البِّر من المسلمين تيسيرا لطلب العلم و ابتغاء المثوبة و للأزهر جملة من الأروقة يبلغ عددها 29 رواقا و آخر ما أنشئ منها الرواق العباسي و هو أوسعها و أفخمها أنشأه عباس باشا حلمي الثاني سنة 1315 هـ و قد كان فيه تمام التيسير على طلبة العلم أن يكون للرواق مكتبة خاصة به تبتدئ بعدد قليل من الكتب يقفها أهل الخير ثم تتكاثر و على هذا كان لكثير من الأروقة مكتبات خاصة لا تخضع لنظم المكتبات التي عرفت أخيرا بل كان الانتفاع بها متروكا لمن ينشره من أهل الرواق أو غيرهم و ليس في التاريخ نص صريح على أنه كان للأزهر مكتبة عامة قبل هذه المكتبة كما أنه يتعذر تحديد الوقت الذي أنشئت فيه مكتبات الأروقة و كل ما يمكن أن يقال عنها أنها قديمة أو قديمة جدا و قد لبثت مكتبات الأروقة على النحو الذي ذكرنا من عدم الضبط و إهمال الرقابة إلى الوقت الذي أفاق فيه الأزهر على صوت مصلحه و باعث نهضته و مجدد مجده الإمام محمد عبده فقد كان فيما تناوله تفكيره في الإصلاح في الإصلاح إنشاء مكتبة أزهرية عامة تجمع شتات هذه الكتب المتفرقة في مكتبات الأروقة و تحفظ ما بقي من ذلك التراث العلمي الذي خلفه علماء المسلمين و بخاصة علماء الجامع الأزهر في العصور المتعاقبة من العبث و الضياع فقد ذكر بعض الباحثين (1) أن كثيرا من نفائس الكتب التي كانت مودعة بمكتبات الأروقة تسرب إلى أيدي علماء أوروبا بواسطة سماسرة الكتب و استغلال الجهل و الضعف الخلقي في نفوس القائمين على هذه المكتبات
(1/3)
فحين رؤي تنظيم الجامع الأزهر و توحيد مكتبته ظهر وهن الضمائر و ضعف النفوس و إهمال الواجب نحو الكتب التي لعبت بها أيدي الضياع فتسرب بعضها و أهمل البعض الآخر للحشرات و الأتربة فتلفت أوراقها و بليت و مزقت و خرمت و قطعت جلودها و أصبح لا يوجد منها كتاب سليم مستقيم إلا ما ندر و يظهر للباحث أن كتب الأزهر قبل سنة 1897م كانت تتسرب لمتصيديها المتربصين بها منتهزين فرصة وجودها في عهدة أشخاص ملأ الجهل صدورهم و تبرأت الأمانة من قلوبهم بداعي الحاجة أو الإغراء فأساءوا للتعليم و خانوه جهلا أو عمدا أو تقصيرا من أولي الشأن فبدد هؤلاء الأشخاص أثمن ما ترك السلف ثروة للخلف من هذه الكتب القيمة و تصرفوا فيها تصرف الملاك فباعوها مع نفاستها بالثمن البخس و لا أدل على مقدار ما فقدت مكتبات الأزهر في الماضي من المثال الآتي :-
حوالي 1270هـ 1853م أمر ديوان عموم الأوقاف بجرد كتب مكتبات المساجد و التكايا و أروقة الأزهر و حاراته و قيدت جميعها في سجلين جامعين خصص أولهما لمكتبات الجامع الأزهر و ثانيهما لمكتبات المساجد و التكايا و قد بلغ مجموع المجلدات الموجودة في مكتبات أروقة الأزهر و حاراته 18564 مجلدا فإذا رجعنا الآن إلى هذا السجل التاريخي فلا نجد من أثمن الكتب و أنفسها إلا أسماءها و كأن هذين السجلين أنشئا ليكونا في الواقع مرشدا لأيدي الاغتيال التي عمدت إلى أنفس ما في المكتبات من المؤلفات الأصلية القيمة فانتهبتها انتهابا و أغرب من هذا أن نفس السجلين تسربا أيضا إلى أيد أجنبية خارج الأزهر و لم يعودا إليه إلا بالشراء سنة 1911م و دفع لهما ثمن قدره 150 مليما و أعيد تقيدهما بالمكتبة ،
(1/4)
و يقول الأستاذ (2) عبد الكريم سليمان «كان في الأزهر خزائن كتب وضعت في بعض الأروقة و الحارات و بعضها في المساجد القريبة كجامع الفاكهاني و جامع العيني و نيط حفظها جميعها بأشخاص يقال لهم المغيرون فتصرفوا فيها تصرفا سيئا للغاية صح معه إطلاق اسم المغيرين عليهم لأنهم غيروا وضعها و شتتوا جمعها و مزقوا جلودها و أوراقها و تركوا ما لا عناية لهم به منها في التراب يأكله العث و يبليه التراب و هذا غير ما تصرفوا فيه تصرف الملاك و صار بأيدي باعة الكتب يباع على نفاسته بالثمن البخس و لم يبال المتصرف الأول و الباعة بما كتب على ظهور تلك الكتب من العبارات التي تفيد وقفها على طلبة العلم و العلماء و بالجملة فلم يكن ليعرف للكتب قيمة و لا ينتفع بها لعدم إمكان الانتفاع »
لقد كان تعرض كتب الأروقة و الحارات للضياع و التسرب إلى أيدي المترصدين لها ممن يعرف مقدارها هو الذي أوحى إلى الأستاذ الإمام بفكرة إنشاء المكتبة و قد تقدم بها إلى مجلس إدارة الأزهر و كان ذا نفوذ فيه فنالت القبول من أعضائه و بخاصة المغفور لهما ! الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر إذ ذاك الذي وهبها مكتبته الخاصة على ما سنذكر و الشيخ عبد الكريم سليمان الذي كان عضدا قويا للأستاذ الإمام في حركات إصلاح الأزهر و وافق عليها المجلس و اختار المكان المناسب و كتب لديوان الأوقاف الذي كان يتولى الإشراف على شئون الأزهر لإعداده للمهمة التي اختير لها فنفذت الفكرة فعلا من أول 1897م الموافق شعبان 1314هـ
(1/5)
و قد لاقى صاحب الفكرة عناء عظيما في إقناع أهل الأروقة بفائدتها و رغم ما بذله من المحاولات في هذا السبيل فقد امتنع أهل بعض الأروقة عن ضم مكتباتها إلى المكتبة العامة كرواق الأتراك و رواق المغاربة و قد ضمت مكتبة الصعايدة إلى المكتبة العامة 1936م و لاقى المباشرون للتنفيذ صعوبات جمة في ترميم الكتب و إصلاحها و ترتيبها للحالة السيئة التي كانت عليها في خزائن الأروقة كما أسلفنا .
و يصور الشيخ 3 عبد الكريم سليمان هذه الصعوبة كما يأتي :-
(1/6)
«حملت تلك الكتب من خزائنها السابق ذكرها إلى ذلك المكان الجديد فكان يأتي بها أولئك المغيرون محشوة في الزكائب و المقاطف ثم يفرغونها تلالا و أكواما عليها خيوط العناكب و بينها الأتربة و يتخللها الجلود البالية و ليس بينها من كتاب سليم مستقيم الوضع إلا ما لا يكاد يذكر و بجانبها أولئك الموظفون المكلفون بجمعها و ترتيبها و أعضاء المجلس و الأمين يراقبون عملهم و يرشدونهم إلى الطريق الأقوم فعملوا و كدوا و استخلصوا من بين هذه الدشوت و الأوراق المتفرقة كتبا معتبرة في كل الفنون . و كان معهم مندوب من ديوان الأوقاف و موظف آخر نيط به تقويم كل كتاب وجد أو جمع بالثمن اللائق به و قيدت في دفاتر بأعداد متسلسلة و استلمها الأمين بأثمانها المقدرة لها ثم اشتغلوا بعد ذلك في توحيد الفنون و قرروا لكل فن موضعا مخصوصا من المكان و قد استغرق عملهم هذا أزمانا طوالا كانت كلها أتعابا و مشاقا و إني لأعرف كتبا كثيرة مما تجده الآن كاملا كان الكتاب الواحد منها بعضه في خزانة فلان و بعضه الاخر في خزانة فلان و لم تجتمع أجزاؤه بعضها على بعض إلا بطريق المصادفة الحسنة و أعرف كذلك أن بعض الكتب النفيسة النادرة الوجود وجد في دشت كان في خزائن الجامع العيني و لم يعبأ به أحد ممن تولوا تقييدها للطلاب و لم يعن بفرز الدشت لتوجد تلك النفائس بين أوراقه إلا بعد أن كان قد صدر أمر أحد مشايخ الجامع بإحراقه و تدارك الأمر من يعرف قيمة العلم و لا يبالي بالتعب في المحافظة عليه و قد رأيت بعيني كثيرا من المصاحف الشريفة و هي بين الأتربة مع أنها من أجود المصاحف خطا و ورقا و فيها من الفوائد و علوم التجويد ما لا يوجد في سواها . و غير ذلك كثير نكتفي بما ذكرناه فما الفرض إلا بيان حالها قبل جمعها و في هذا القدر ما يكفي»
(1/7)
و لم يكتف الأستاذ الإمام في تكوين المكتبة بما جمع من مكتبات الأروقة بل دعا العظماء و العلماء إلى المشاركة في فضل تكوينها و استعان في ذلك بنفوذه عندهم و مكانته لديهم فاستجاب لدعوته بعض هؤلاء و وهبها الشيخ حسونة مكتبته الخاصة و وهبها ورثة سليمان أباظة باشا مكتبة والدهم العظيم و كان المرحوم سليمان أباظة من خاصة أصدقاء الشيخ و كان أبناؤه يعدون الشيخ كوالدهم في العطف و الرعاية و هذه المكتبة أنفس المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية و سنتحدث عن هاتين المكتبتين فيما بعد
هذا و لم نعثر على قرار مجلس إدارة الأزهر إنشاء المكتبة و لا بمحضر الجلسة التي نظر فيها موضوع إنشائها و هما وثيقتان مهمتان في موضوعنا و حبذا لو هدانا إليهما و أهداهما إلينا من يعثر عليهما
«أبو الوفا المراغي» إمضاء
3- مكان المكتبة الأزهرية
(1/8)
تشغل المكتبة الأزهرية الآن ثلاثة أمكنة اثنان منها داخل الأزهر 4 و هما المدرسة الأقبغاوية و المدرسة الطيبرسية و الثالث خارج الأزهر ملاصق له و هو الطابق الثاني من بناء أنشأته مشيخة الجامع الأزهر سنة 1936م كملحق للإدارة العامة المجاورة للأزهر و لقدم المكانين الأولين و قيمتهما نلم بتاريخهما – أما المدرسة الأقبغاوية فهي على يسار الداخل إلى الأزهر من بابه الغربي الكبير «باب المزينين» و قد أنشأها الأمير أقبغا على نظم المدارس الإسلامية لهذا العهد – و المدرسة الإسلامية لهذا العهد مسجد له خصائص المساجد من منارة و محراب و ميضأة و نحو ذلك إلا أنه تقام فيه الحلقات الدراسية فيقال له مدرسة . و أنشأ بها مدفنا به قبة تعتبر من نوادر الفن الإسلامي في العمارة إلا أنه لم يدفن به بل دفن بالإسكندرية و انتهت عمارة المدرسة سنة 740هـ و من الطرائف التاريخية عن هذه المدرسة ما يرويه المؤرخون من أنها مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد و لا أنس بيوت العبادات شيء البتة و يعللون ذلك بأن منشئها اغتصب مكانها من مالكيها و سخر العمال في عمارتها و حصل على مواد البناء و لوازم العمارة بطريق الغصب أو الخيانة و وقف على هذه المدرسة أوقافا و شرط في كتاب وقفه ألا يلي النظر أحد من ورثته
و أقبغا هو الأمير علاء الدين كان رقيقا للتاجر عبد الواحد بن بدال اشتراه من الناصر قلاون و رفعه حظه و ذكاؤه إلى مراتب الموظفين و تقلب في مناصب الدولة المختلفة إلى أن قتله الملك الصالح عماد الدين في الفتنة بينه و بين أخيه أحمد الناصر
(1/9)
أما المدرسة الطيبرسية فهي على يمين الداخل إلى الأزهر من بابه الغربي المذكور و قد أنشأها علاء الدين الطيبرسي نقيب الجيوش المصرية و فرغ من عمارتها سنة 709هـ و جعل له بها مدفنا دفن به و قد عرف بالصلاح و التقوى فاتفق أنه لما فرغ من بناء هذه المدرسة أحضروا له حساب مصروفها فاستدعى بطست فيه ماء و غسل أوراق الحساب بأسرها من غير أن يقف على شيء منها و قال «شيء خرجنا عنه لله لا نحاسب عليه»
و قد شغلت المكتبة أولا المدرسة الأقبغاوية لاتساعها و استقلالها بعض الاستقلال و لما ضاقت بالكتب ضمت إليها المدرسة الطيبرسية
و يقول الشيخ عبد الكريم سليمان 5 و لما جاءت للمجلس فكرة جمع هذه الكتب في مكان واحد و إصلاح ما أفسدته منها هذه الأيدي و تسهيل الانتفاع بها اختار المكان المعروف في الأزهر برواق الأتبغاوية و كتب لديوان الأوقاف سنة 1314 فأرسل من أخذ المقايسة لإصلاحه و إنشاء ما يلزم له من الخزائن التي توضع فيها الكتب ثم عرض الأمر على الجناب العالي فأقره مستحسنا له و خرج هذا العمل من [...] إلى الفعل و تهيأ المكان لما وجد له من وضع الكتب و حفظها فيه من الانتفاع بها تحت ضوابط و نظامات و شرع عمالها في إنفاذ ما عهد إليهم من أول مايو سنة 1897 الموافق شعبان سنة 1314
و يقول و اشتريت كتب كثيرة من كثير من التركات حتى ضاق بها المكان على سعته فاضطر المجلس إلى أخذ مكان آخر من الأزهر أصلحه ديوان الأوقاف و عمل فيه ما عمل في الأول و امتلأت خزائنه أيضا بمعتبرات الكتب و نفائسها مما يتجدد شراؤه كل عام »
(1/10)
و بالمدرسة الأقبغاوية أيضا الآن المكتبة العامة بجميع فنونها و بقبتها الخارجية و دهليزها مكتب الأمين و إدارة المكتبة و بالمدرسة الطيبرسية طائفة من كتب الفنون التي تدور حولها الدراسات الأزهرية كالتفسير و الحديث و الفقه المالكي و الحنفي و الشافعي و الحنبلي و البلاغة و النحو و الصرف و بالمبنى الجديد مكتبتا الشيخين المغفور لهما الشيخ الإمبابي و الشيخ بخيت و الأمكنة المشار إليها لم يلاحظ في إنشائها أن تكون مكتبة ؛ لهذا فهي غير وافية بالغرض التي تؤديه و تفقد كثيرا من الأمور التي يجب توافرها في أبنية المكتبات و يكفي للتدليل على ذلك أن المكتبة تفقد أهم خواص المكتبات و هي قاعة المطالعة و مكان الإدارة و ليس لها مرافق خاصة بها و ينقصها الأحكام في الأبواب و النوافذ لمنع تسرب الأتربة و الحشرات إليها و تلك حالة ينبغي أن تلفت نظر أولي الأمر في الأزهر و أن يكون ضمن المشروعات الإصلاحية التي شغلت أولياء الأمور متعاقبين مشروع إنشاء مكان للمكتبة و لكنهم غفلوا عن ذلك حتى ولي مشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي سنة 1928 فوضع مشروع مباني الجامعة الأزهرية بجميع فروعها و كان ضمن ذلك المشروع إنشاء مكان للمكتبة الأزهرية تلاحظ فيه النظم الضرورية في المكتبات و لولا الأحوال العالمية التي وقفت بالعمران العام في هذه الفترة لكان المشروع في نهاية مراحله .
و لا يفوتنا و نحن نتكلم عن مكان المكتبة الأزهرية أن نشير إلى أن خزائن الكتب فيها عملت بمعرفة ديوان عموم الأوقاف حين إنشاء المكتبة و أنها صنعت من الخشب المتين و ذات شكل و رونق جميل .
4- رسالة المكتبة و كيف تؤديها
(1/11)
المكتبات العامة هي المعاهد العلمية المجانية التي تزود راغبي الثقافة بجميع فروعها و على اختلاف أعمارهم و استعدادهم بالمواد العلمية التي تصل بهم إلى غاياتهم إلا إنها بالمعاهد العالية أشبه و الغالب على روادها أن يكونوا على قدر كبير من الثقافة و أن يكون قصدهم الرجوع إلى المصادر النادرة من المخطوطات و المطبوعات التي تحتويها المكتبات و يعسر عليهم اقتناؤها و المكتبة الأزهرية إحدى هذه المكتبات التي تقوم بهذه الرسالة الثقافية العامة و هي لا تقصر رسالتها على أهل الأزهر من العلماء و الطلاب بل تفتح أبوابها لمحبي الاطلاع و عشاق المعارف على اختلاف أجناسهم و مللهم يطالعون فيها ما يشاءون من الكتب و يستعيرون منها ما يشاءون بالقدر الذي يسمح به مكان المكتبة و أنظمتها و تقاليدها و بالضمانات التي تراها كافية بسلامة الكتب و إعادتها و تتبادل مع المكتبات الأخرى المخطوطات النادرة لنسخها أو تصويرها و يستعين الناشرون بمخطوطاتها للمقابلة عليها عند النشر و الطبع و قد قضى بعض المستشرقين مددا طويلة في المراجعة و التمحيص
و تنفرد المكتبة الأزهرية فيما نظن بتقليد يوسع دائرة الانتفاع بكتبها و جواز إعارة أجزاء من الكتاب الواحد تسمى في العرف الأزهري [بالتغييرة] و هي بضع ملازم من الكتاب يستبدل بها المطالع غيرها بعد الفراغ من مطالعتها مع تقديم الضمان الذي تقتنع به المكتبة و قد بلغ عدد التغايير التي استعيرت من المكتبة الأزهرية سنة 1942 (3000 تغييرة) عدا التغايير التي استعيرت من مكتبات الكليات و المعاهد
و قاعة المطالعة هي أهم الوسائل للانتفاع بالمكتبات فهي التي تمكن المطالع من مطالعة أكبر عدد من الكتب في جو علمي هادئ و بدافع الغيرة من المطالعين في القاعة
(1/12)
و حرمان المكتبة الأزهرية من هذه القاعة حرم كثيرين ممن كان يمكن أن ينتفعوا بها في المراجعة و المطالعة فضيق رسالتها لأن الانتفاع بإعارة الكتب في الخارج مع ما فيه من القيود محدود فلا تسمح المكتبة غالبا بإعارة أكثر من كتاب واحد ، نعم أتيح للمكتبة سنة 1909 أن تخصص مكانا يكون بمثابة قاعة للمطالعة و ظل يؤدي هذه المهمة بضع سنوات حتى ألجأت ضرورة العمل و ضيق مكان الإدارة الأزهرية – و كانت إذ ذاك بالأزهر – إلغاء هذه القاعة و شغلها ببعض كتاب الأزهر
و المكتبة الزهرية هي الأم لمكتبات الكليات و المعاهد في القاهرة و الأقاليم تغذيها بالكتب اللازمة لها في جميع الفنون و بخاصة الكتب التي نفدت طبعاتها أو تعسر شراؤها لندرة وجودها في المكتبات التجارية كما أنها تمد لجنة الفتوى بالأزهر و مجلة الأزهر بالمراجع اللازمة لهما في مهمتهما و تمد لجان الامتحانات بالكليات و القسم العام و معهد القاهرة و لحان امتحان المسابقات بالكتب اللازمة لوضع الأسئلة و قد بلغ عدد الكتب المعارة للكليات و المعاهد سنة 1943 (3000) كتاب و ينتفع بهذه الكتب علماء الكليات و المعاهد و طلبتها و يبلغ عددهم نحو 10000 طالب تقريبا و بلغ عدد الكتب المعارة للجان الامتحان في السنة المذكورة 300 كتاب
5- الفنون التي بالمكتبة و عدد مجلداتها
نشأت المكتبة الأزهرية كما تنشأ المؤسسات العلمية قليلة العدد في الفنون و الكتب ثم تكاثرت كتبها و فنونها بطرق مختلفة كالإهداء و النسخ و الشراء و تقدم فنون الطباعة و التصوير حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن
(1/13)
و كان عدد الكتب التي ابتدأت بها المكتبة سنة 1897م (7703) كتابا منها (6617) كتابا بطريق الإهداء و 1086 بطريق الشراء و عدد فنونها (27) فنا و هي المصاحف ، القراءات ، التفسير ، الحديث ، الأصول ، النحو ، الصرف ، البلاغة ، فقه أبي حنيفة ، فقه مالك ، فقه الشافعي ، فقه أحمد بن حنبل ، المجاميع ، التوحيد ، المنطق ، الأدب و المديح ، الآداب و المواعظ و الفضائل ، الأحزاب و الأوراد و الأدعية ، الوضع و آداب البحث و العروض ، الفلك و الميقات ، مصطلح الحديث ، الفنون المنوعة ، الحساب و الهندسة ، اللغة ، الطب .
و قد بلغت فنون المكتبة سنة 1943م (58) فنا و بلغ عدد مجلداتها 90075 مجلدا موزعة كالآتي :-
الرقم ... الفن ... العدد
1 ... المصاحف ... 3944
2 ... علوم القرآن ... 100
3 ... القراءات ... 1377
4 ... التفسير ... 5277
5 ... الحديث ... 8624
6 ... المصطلح ... 1003
7 ... الأصول ... 3494
8 ... الفقه العام ... 964
9 ... فقه حنفي ... 6948
10 ... فقه شافعي ... 4879
11 ... فقه مالك ... 4130
12 ... فقه ابن حنبل ... 1698
13 ... المجاميع ... 1593
14 ... التوحيد ... 3838
15 ... البلاغة ... 2554
16 ... النحو ... 4531
17 ... الصرف ... 981
18 ... الآداب و الفضائل ... 1829
19 ... الأدب ... 5984
20 ... اللغة ... 1182
21 ... التصوف ... 1881
22 ... التاريخ ... 5086
23 ... المنطق ... 1499
24 ... فنون منوعة ... 3122
25 ... الأدعية و الأوراد ... 1127
26 ... الحكمة و الفلسفة ... 466
27 ... الفلك و الميقات ... 428
28 ... تقويم البلدان ... 303
29 ... القوانين و اللوائح ... 641
30 ... الحساب ... 505
31 ... الطب ... 632
32 ... الميراث ... 633
33 ... أخلاق و تربية و اجتماع ... 646
34 ... أدب و بحث ... 237
35 ... العروض ... 251
36 ... الوضع ... 141
37 ... اللغات الأجنبية ... 272
38 ... اللغة التركية ... 230
(1/14)
39 ... إملاء و خط ... 100
40 ... صور و رسوم ... 134
41 ... كيمياء و طبيعة ... 122
42 ... التجارة ... 19
43 ... الهندسة ... 67
44 ... الجبر ... 34
45 ... الزراعة ... 66
46 ... فقه الشيعة ... 27
47 ... حكمة تشريع ... 25
48 ... اقتصاد سياسي ... 67
49 ... هيئة ... 20
50 ... فراسة و كف ... 17
51 ... تعبير الرؤيا ... 54
52 ... شرائع غير إسلامية ... 42
53 ... طبوغرافيا ... 3
54 ... محفوظات ... 6395
55 ... موسيقى ... 7
56 ... مسك دفتر ... 3
57 ... حرف و رمل ... 5
58 ... [؟؟؟ ] ... [؟؟؟]
و يلاحظ أن الفنون في وضع المكتبة الأولى كانت غير مميزة تمام التمييز و أخذت تتميز شيئا فشيئا و لا زالت في حاجة إلى شيء من ذلك و لعل العذر في هذا أن كتب بعض كانت من القلة بحيث لا تستدعي إفرادها بعنوان و لا بتسجيل و لا بفهرس ثم استوجبت ذلك بعد أن تكاثر عددها كما كانت خبرة القائمين على المكتبة في جملتهم محدودة .
6- النوادر في المكتبة الأزهرية
بالمكتبة الأزهرية نوادر كثيرة في كثير من الفنون قل أن تتيسر لمكتبة أخرى و سبب ذلك فيما نظن أنها هي التي ورثت خلاصة الثقافة الإسلامية في الشرق ممثلة في مؤلفات علماء الجامع الأزهر و علماء العرب بوجه عام فقد كان الأزهر قبلة هؤلاء جميعا لألف عام مضت و مصدر الثقافة الإسلامية في الشرق و برغم الإغارات المتكررة على مكتبات الأروقة التي تكونت منها المكتبة الأزهرية فقد احتفظت معها ببعض النوادر و ظفرت ببعضها من طريق الإهداء و نكتفي بذكر قليل منها في بعض الفنون
? في المصاحف
قطعتان مخطوطتان سنة 465 هـ من مصحف ، مصحف مخطوط سنة 528 هـ ، جزء من ربعة مخطوطة سنة 697 هـ ، مصحف مخطوط سنة 741 هـ ، مجلد به ربع القرآن مخطوط سنة 771 هـ
أما مخطوطات القرن التاسع و ما بعده من المصاحف فهي كثيرة جدا
? القراءات
(1/15)
الرعاية لتجويد القراءة و تحقيق لفظ التلاوة كتبت سنة 557 هـ ، اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة الشاطبية سنة 706 هـ ، شرح الشاطبية للجعبري سنة 739 هـ ، الإعانة على اختلاف القراءات العشر سنة 774 هـ ، شرح برهان الدين الأنصاري على الجزرية سنة 842 هـ ، طيبة النشر لابن الجزري عليها خطه سنة 843 هـ ، التيسير للداني سنة 875 هـ
? التفسير
تفسير سورة الفاتحة لعبد الله بن عبد الرحمن بن جزي الأندلسي كتب سنة 627 هـ
الكشاف للزمخشري كتب سنة 654 هـ من نسخة المؤلف التعريف و الأعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء و الأعلام لعبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المتوفى سنة 581 هـ كتب سنة 743 هـ ، الجزء الثالث من كشف الحقائق و شرح الدقائق لأحمد بن يوسف بن رافع الشيباني الكواش المتوفى سنة 680 هـ ، الجزء الأول من القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز لأبي العباس يوسف الحلبي الشهير بالسمين بخط المؤلف المتوفى سنة 756 هـ ، الفيض العميم في معاني القرآن العظيم للشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري بخط المؤلف سنة 1168 هـ
? الحديث
(1/16)
كتاب البعث لابن أبي داود السجستاني المتوفى سنة 275 هـ عليه سماع من مؤلفه و سماعات من قرون مختلفة في أقطار مختلفة ، غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 223 هـ كتب سنة 311 هـ ، مسند أبي عوانة يعقوب بن إسحاق النيسابوري الموجود منه الجزء الرابع كتب سنة 617 هـ و عليه خطوط لكثير من العلماء منهم العلامة المقدسي و العلامة الكرماني ، الجزء الأول من الإلمام في أحاديث الأحكام لأبي الفتح محمد بن علي بن وهب المنفلوطي المشهور بابن دقيق العيد المتوفى سنة 702 هـ كتب سنة 731 هـ ، تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف لأبي الحجاج يوسف بن زكي الدين الدمشقي المتوفى سنة 742 هـ كتبت سنة 725 هـ ، مسند البزار أحمد بن عمر بن عبد الخالق البصري المتوفى سنة 292 هـ كتب سنة 905 هـ ، شرح الشمائل الترمذية لمحمد الشهير بملا حنفي من علماء القرن العاشر كتب سنة 950 هـ ، التوشيح على الجامع الصحيح للبخاري لجلال الدين السيوطي كتب سنة 960 هـ
? فقه أبي حنيفة
عمدة الطالبين لعبد الباسط الشهير بابن الوزير بخط المؤلف سنة 603 هـ ، جامع الصدر الشهيد كتب سنة 745 هـ ، الاختيار لتعليل المختار كتب سنة 777 هـ ، زاد الملوك الظفري لشيخ الإسلام ابن ظفر جعله مؤلفه هدية للسلطان قلاوون كتب سنة 860 هـ ، أنفع الوسائل كتب سنة 971 هـ ، شرح عبد العليم البرجندي على مختصر الوقاية المسمى [بالنقاية] كتب سنة 990 هـ ، فتاوى ابن الشلبي أحمد بن يونس من علماء القرن العاشر كتب سنة 1013 هـ ، اب السائل عن أنفع الوسائل لمحمد بن محمد الزهير الحنفي كتب سنة 1066 هـ ، حاشية الحموي على شرح الأشباه و النظائر بخط المؤلف سنة 1097 طوالع الأنوار شرح الشيخ محمد بن أحمد الأنصاري السندي الحنفي في 16 جزءا فرغ من تأليفه سنة 1251 هـ
? التاريخ
(1/17)
رسوم دار الخلافة [ لأبي الحسين بن الحسن الصابي ] (كذا) كتب سنة 455 هـ ، معجم ما استعجم للبكري في تقويم البلدان كتب سنة 596 هـ ، سيرة السلف الصالحين و الأئمة المهتدين لأبي القاسم إسماعيل بن حجر الأصفهاني كتب سنة 732 هـ ، المجمع المؤسس للمعجم المفهرس لشهاب الدين أحمد بن علي الشهير بابن حجر العسقلاني بخط المؤلف سنة 829 هـ ، أنباء الغمر بأبناء العمر للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ كتب سنة 879 هـ ، الشماريخ في علم التاريخ لجلال الدين السيوطي كتب سنة 985 هـ ، اقتطاف شقائق النعمان من رياض الوافي لوفيات الأعيان كتب سنة 990 هـ بخط المؤلف ، النزاع و التخاصم فيما بين بني أمية و بني هاشم للمقريزي كتب سنة 1008 هـ ، تاريخ مدينة دمشق للحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ الموجود منه أربعة و عشرون جزءا بخطوط مختلفة و نكتفي في بيان النوادر بهذا القدر من الفنون و الكتب
7- المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية
بالمكتبة الأزهرية مكتبات خاصة حملت الغيرة الدينية أصحابها أو ورثتهم على إهدائها للمكتبة الأزهرية ليكون نفعها وقفا على العلماء و الطلبة بالأزهر ابتغاء مغفرة الله و رضوانه ، و إنا لنذكر لأصحابها هذا العمل بالثناء مقرونا بالدعاء أن يحسن الله لهم الجزاء و يهبهم من الثواب أجزل العطاء .
و هذه المكتبات و إن كان بعضها مستقلا بخزائنه كشروط أصحابها إلا أنها مسجلة و مفهرسة ضمن المكتبة العامة و يجري الانتفاع بهما معا دون تمييز و سنذكر أهم هذه المكتبات مرتبة حسب أهميتها .
1- مكتبة سليمان أباظة باشا و قد أهداها ورثته إلى الأزهر سنة 1898 عملا بمشورة الإمام محمد عبده كما أسلفنا و هي أنفس المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية يستأثر فنا التاريخ و الأدب بغالب كتبها و تمتاز بكثرة المخطوطات و بخاصة الفنين المذكورين و عدد مجلداتها 1484 مجلدا و بها جملة صالحة من مطبوعات أوروبا
(1/18)
2- مكتبة حليم باشا و قد وزعت بين المكتبة الأزهرية و وزارة المعارف في أغسطس سنة 1912 و خص المكتبة الأزهرية منها 2857 مجلدا و يظهر من فنونها القراءات و الحديث و التصوف و الطب و الفلك و التاريخ و بها كتب في بعض الفنون باللغات التركية و الفارسية و كثير من كتبها بخطوط جيدة موشاة بالذهب
3- مكتبة الشيخ عبد القادر الرافعي المفتي المتوفى سنة 1323 هـ و قد وقفت بخزائنها الخاصة بها على الأزهر في مارس سنة 1927م و وضعت في حجرة خاصة بها و عدد مجلداتها 1457 مجلدا و هي أغنى المكتبات الخاصة بفن الفقه الحنفي و بها مخطوطات في هذا الفن يقال إنها من النوادر العالمية كشرح السندي على الدر المختار
4- مكتبة المغفور له الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية المتوفى سنة 1935م و قد وقفها في حياته بخزائنها الجميلة و نفذ ورثته رغبته سنة 1938م و عدد مجلداتها 3365 مجلدا في فنون مختلفة يغلب فيها الفقه على مذهب أبي حنيفة
5- مكتبة المغفور له الشيخ الإمبابي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1313 هـ و وقفها على طلبة العلم و جعل مقرها منزله بالظاهر و جعل لها [مغيرا] بمرتب مما وقفه من ماله على جهات البر و قد خشيت عليها وزارة الأوقاف فأهدتها إلى المكتبة الأزهرية سنة 1941م و عدد مجلداتها 1452 مجلدا و بها مخطوطات نادرة في الفقه الشافعي
6- مكتبة بسيم إنما كانت برواق الجبرتي و رغب في نقلها إلى المكتبة الأزهرية بخزائنها فتمت رغبته سنة 1925م و بها نحو ألف مجلد في مختلف الفنون
7- مكتبة المغفور له الشيخ العروسي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1293 هـ و قد أهداها ورثته إلى المكتبة الأزهرية سنة 1938م و عدد مجلداتها 818 مجلدا و كتبها كلها تقريبا بخطوط قديمة و حديثة و بها نوادر في النحو و التاريخ
(1/19)
8- مكتبة الشيخ إبراهيم السقا و أخيه الشيخ عبد العظيم أهديت إلى المكتبة سنة 1927م و عدد مجلداتها 590 مجلدا و بها نوادر من الكتب الخطية
9- مكتبة إبراهيم بك حفظي و قد أهديت إلى المكتبة الأزهرية سنة 1922م و عدد مجلداتها الآن نحو 392 مجلدا و هي في نمو مستمر و تجدد دائم فقد وقف عليها مهديها مبلغا سنويا خصص نصفه لشراء الكتب برسمها و نصفه [للمغيرين] بها
10- مكتبة المغفور له الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1925م و بها كتب كثيرة في فنون مختلفة أهداها إلى المكتبة الأزهرية عقب إنشائها لتكون نواة للمكتبة و لتحرك بها همم أهل الخير إلى تعضيد مشروعها و قد أهدى آخر إلى المكتبة مكتبة المغفور له الشيخ محمد حسنين البولاقي والد المغفور له أحمد باشا حسنين رئيس الديوان الملكي و تبلغ مجلداتها نحو أربعة آلاف مجلد بها كتب قيمة و بخاصة في فني الفلسفة و التفسير
11- مكتبة الشيخ الجوهري و قد أهديت إلى المكتبة سنة 1928م و عدد مجلداتها 341 مجلدا
12- مكتبة المرحوم الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام المتوفى سنة 1943م أهداها ورثته إلى المكتبة إثر وفاته و بها نحو ألف مجلد .
و بالمكتبة الأزهرية مكتبات أخر كمكتبة رضوان باشا و مختار باشا و رشيد باشا و مكتبة الصعايدة و بعض مكتبة زكي باشا و بعض مكتبة مدرسة القضاء الشرعي و لبعض أهل الخير فضل على المكتبة الأزهرية بإهدائها مكتبات لم تأخذ لها وصفا مستقلا و لا مكانا خاصا لا يفوتنا أن ننوه بهم تقديرا لعملهم و تخليدا لأثرهم و من أحقهم بالذكر المغفور له الشيخ الطوخي و الشيخ محمد فراج و الشيخ حسين سامي بدوي المدرس بمعهد القاهرة و الشيخ إمام السقا و السيدة أسماء هاشم طليمات مد الله في عمرها فلا تزال تغمر المكتبة بالكتب التي يقع عليها اختيار الأمين في فترات متقاربة
(1/20)
و مما يأسف له المؤرخ ألا يتحدث عن المكتبة الخاصة بالمغفور له الشيخ محمد عبده حين يتحدث عن المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية و أن يسجل أن الذي ذهب بفخر إنشائها الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة و أن المكتبة الأزهرية لم تظفر فيما ظفرت به من النفائس بهذا التراث العلمي لرجل هو صاحب الفضل في إنشائها و استقرارها و لا ندري ما الذي حدا بالشيخ إلى اختصاص الجمعية بهذا الفضل و قد كانت صلته بالأزهر أقوى من صلته بها و عاش مجاهدا في إصلاحه و إنهاضه و لاقى في هذا السبيل ما يلاقيه المخلصون الغيرون و لا يزال اسمه رمزا للنهوض الأزهري و الإصلاح الديني و هل ذلك لتشجيع الجمعية حين إنشائها و حاجتها إليها و مهما يكن من شيء فما كان يجمل بالأزهر أن تبقى هذه المكتبة غريبة عنه و أن يصبر أولو الرأي فيه على هذه الغربة و كان عليهم أن يرجعوها إلى وطنها و يعيدوها إلى أهلها و قد تحدثت مع من لهم بعض الشأن في الجمعية و مع ولاة الأمر في الأزهر في فكرة إعادتها إلى المكتبة الأزهرية لتسد الفراغ التاريخي الذي يشعر به زائرو المكتبة ممن يعرف مكان الشيخ في التاريخ الأزهري الحديث و لتكون التذكار الخالد لرجل الأزهر الخالد
و قد لقيت هذه الفكرة من هؤلاء جميعا ارتياحا و قبولا و رأى ذو الشأن في الأزهر التمهل في تنفيذ هذه الفكرة حتى تتيح الفرصة إعداد المكان اللائق بها و اقترح بعض كبار العلماء أن يحتفل بنقل هذه المكتبة احتفالا يناسب مكان صاحبها رضوان الله عليه و عسى أن تسعد الأيام بتحقيق هذه الآمال 6
تموين المكتبة الأزهرية
(1/21)
تموين المكتبات سر بقائها و التوفيق فيه أساس ارتقائها و تموين المكتبات في الأزمنة الماضية كان عسيرا و قليلا لقلة المطابع و اقتصار التموين على المخطوطات و تموينها في العصر الحاضر و إن كان ميسورا غير أن التوفيق فيه يحتاج إلى مهارة و دراية كما يحتاج إلى المال لإمكان مسايرة النهضات العلمية و الحصول على المطبوعات التي تنتجها المطابع في كل فن و بلا انقطاع .
و لقد كان تموين المكتبة الأزهرية في الأزمنة الماضية خيرا من تموينها الآن و كانت تمون من طرق شتى و كانت تمون من طريق الإهداء و كانت تمون من طريق الشراء و كانت تمون من طريق الاستنساخ و كان حظها من كل أولئك موفورا و كانت بها حركة عنيفة لنسخ الكتب و تكميلها و كاد يكون لها قسم خاص به و المطلع على السجلات يعرف فضل هذه الحركة على المكتبة و كانت داعية الخير في نفوس الناس قوية دفعت أهل الفضل و المروءة ممن سبقت الإشارة إلى بعضهم إلى إهداء مكتباتهم الخاصة إلى المكتبة الأزهرية و كانت رغبة متوافرة هناك من أولي الأمر بالأزهر في تنشيط حركة الشراء لسد حاجة المكتبة و كان يرصد لهذا الغرض في ميزانية الأزهر مبلغ خاص و لضمان حسن التصرف فيه على أكمل وجه قرر مجلس إدارة الجامع الأزهر بتاريخ 20 شوال سنة 1327 هـ الموافق 3 نوفمبر سنة 1909م تشكيل لجنة برياسة وكيل الجامع الأزهر و عضوية أمين المكتبة و السيد محمد الببلاوي يكون من اختصاصها النظر في مشترى الكتب اللازمة للكتبخانة و كل الاختصاصات المدونة بالمادة 116 من اللائحة الداخلية للأزهر
و بهذا سارت المكتبة نحو غايتها بخطوات ثابتة و استطاعت في وقت قصير أن تحصل على كتب في جملة فنون سدت كثيرا من حاجة أهل العلم
(1/22)
و يؤسفنا أن نذكر أن عوامل الضعف أخذت تعمل في هذه الوسائل شيئا فشيئا حتى جمدت المكتبة تقريبا فقد قلت رغبة الخير في نفوس الناس فوقفت حركة الإهداء إلى المكتبة و كان لها أكبر الأثر في تكوينها كما سبق و بطلت عملية الاستنساخ لرقي الطباعة و انتعاش حركة النشر 7
و غفل بعض أمناء المكتبة أزمانا طويلة فقلت حركة الشراء حتى كان المشترى في بعض الأعوام كتابا واحدا و انقطعت تماما في أعوام أخرى كما أشار إلى ذلك الأستاذ حسن عيسى في تقريره المنوه عنه آنفا
(1/23)
و إذا أضيف إلى هذا أن المكتبة الأزهرية منقطعة الصلة بالجهات الرسمية التي تمون المكتبات الكبرى ببعض الكتب كدار المطبوعات و غيرها علم سوء حظ المكتبة في التموين و لقد كانت هذه الحالة مثارا للشكوى و الانتقاد ممن يسايرون النهضات العلمية و يغرمون بمطالعة الكتب الحديثة في الطباعة و التأليف فأخذت المكتبة تستفيق على هذه الأصوات و أخذت المشيخة بيدها و جعلت تمدها ببعض المطبوعات الحديثة و بعض المؤلفات الحديثة مما تشتريه من المؤلفين سدا لحاجة المكتبة و تشجيعا للمؤلفين و أخذت المكتبة تستهدي بعض المؤلفين مؤلفاتهم و لكن مهما يكن المدد من هذين الطريقين فإنه مدد ضعيف لا يكفي في تموين المكتبة و لا يساعف رغبة المستشرقين للكتب الحديثة من المطالعين و ستظل هزيلة إذا علمنا أن مكتبة الكليات و المعاهد أخذت تزاحم المكتبة ألأزهرية بنصيبها مما تشتريه المشيخة و عندنا أنه مما يفيد في تموين المكتبة و يبعث بعض الرضا في نفوس روادها أن تحاول بمعرفة المشيخة الاتصال بدار المطبوعات لتمدها كما تمد المكتبات الأخرى بنسخ من المؤلفات و المجلات العلمية التي يخول لها القانون الاستيلاء عليها و توزيعها 8 و أن تعيد المشيخة تأليف لحنة اختيار الكتب التي أشرنا إليها لتتعاون هي و الأمين في اختيار الكتب التي ترى ضرورتها لسد حاجة المكتبة و أن يرصد مبلغ خاص في ميزانية الأزهر لهذا الغرض على أن يخول للأمين الحق في شراء ما يرى لزومه للمكتبة في حدود مبلغ معين و عدد معين من النسخ دون الرجوع إلى المشيخة تفاديا من طول الإجراءات التي تبعث الفتور في همة الأمين عن إمداد المكتبة بما يجد كل يوم في ميدان الطباعة و التأليف .
5- خواص المكتبة الأزهرية
(1/24)
للمكتبة الأزهرية خواص منها وفرة الكتب في العلوم الدينية و العربية و يلاحظ هذا في توزيع الكتب على فنونها كما سبق و كثرة الكتب و تكرارها في الفنون الأزهرية منها بخاصة . أعني الفنون التي تدرس بكليات الأزهر و معاهده و لعل ذلك لصلة المكتبة بالأزهر و صبغته الدينية و لأنها تكونت في الغالب من مكتبات العلماء الذين تنضح ثقافتهم من معينه الديني و العربي و لأن بعض الواقفين من أهل البر الذين حبسوا بعض الأموال من ريع أوقافهم على شراء الكتب برسم المكتبة شرط في وقفه أن تكون هذه الكتب في الفنون الدينية أو ما يوصل إليها كما شرط عمر باشا لطفي فيما وقفه على المكتبة و سلفت الإشارة إليه
(1/25)
و مما تختص به المكتبة الأزهرية كثرة المخطوطات بالنسبة إلى مجموع كتبها و قد بلغت المخطوطات إلى سنة 1943م (24000) مجلدا تقريبا و يعلل الأستاذ حسن عيسى كثرة المخطوطات «أن طريقة التدريس التي كانت متبعة من قديم الزمان في الجامعة الأزهرية و غيرها من معاهد العلم الدينية هي أن يعد الأستاذ في ذاكرته و يلقيه على طلابه على الطريقة التحاورية الاستنتاجية ثم هم يكتبون عنه حتى إذا اصبحت لديه أو لديهم طائفة من هذه الدروس تكون بمثابة كتاب أو كتب تعد أصلا أو مرجعا للعلم الذي درسه الأستاذ فينتشر بين الناس على أنه مؤلف الأستاذ فلان في العلم الفلاني و كان هؤلاء العلماء في سبيل نشر العلم و تعميمه لا يضنون على إخوانهم المسلمين المعاصرين لهم و من يأتي بعدهم بما جادت به قرائحهم من معلومات و ما ألفوا من كتب فكانوا لأجل ذلك يقفون مؤلفاتهم الخطية المكتوبة بأقلامهم أو بأقلام تلاميذهم على منفعة المسلمين و المتعلمين فكانت هذه المؤلفات الخطية الثمينة تودع في دور الكتب العامة أو مكتبات المعاهد أو المساجد و منها المكتبة الجامعة للأزهر الشريف و مكتبات أروقته المختلفة و نشأ عن هذا أن أصبحت مكتبة الأزهر الشريف زاخرة بعدد وافر من المؤلفات الخطية بأقلام مؤلفيها أنفسهم أو بإملائهم على الطلبة و تصديقهم عليها للمراجعة .
و أتى وقت ضمت المكتبة في خزائنها مجموعة خطية قيمة قل أن يوجد مثلها في أي معهد أو مكتبة في أنحاء العالم منذ فجر التاريخ و كانت هذه المؤلفات العظيمة موضع استفادة الكثيرين من الأساتذة و الطلاب و جعلوها كأصول يضيفون عليها بخطوطهم الملاحظات و المذكرات و الحواشي و الشروح فأصبحت هذه الأصول جامعة لآراء الكثيرين من فحول أهل العلم في عصورهم المتعاقبة و كان من حسنات الذين أغدقوا الخير على الأزهر من خيرات و هبات أن أودعوا في أروقته الكتب للرجوع إليها في التدريس و رغبة في الاستفادة منها للاطلاع .
(1/26)
و على هذا نشأت المكتبة في الجامع الأزهر و اتسعت شيئا فشيئا بتوالي السنين و ضمت بين محتوياتها أغنى و أنفس مجموعة من نوعها من تراث الإسلام و العلوم الإسلامية الأزهرية مدونة في أصولها و مراجعها »
و يمكن أن يضاف إلى هذا التعليل عدم وجود المطابع و قلتها في العصور السابقة .
كذلك مما تمتاز به المكتبة الأزهرية إمكان إعارة بعض الملازم من الكتاب (تغييره) لراغبي الإطلاع من العلماء و الطلبة و هي إنما تفعل ذلك لتيسر لهم سبل الانتفاع بكتبها و هو تقليد قديم أصبح في حكم النظم المقررة بها
موظفو المكتبة الأزهرية
كان للمكتبة الأزهرية حين أنشئت أربعة من الموظفين الدائمين و هم الأمين و الكاتب و المغير و الخادم و قد انتدب لها أربعة من العلماء ليعملوا مؤقتا في جميع الكتب و ترتيبها تحت ملاحظة الأمين و كان المبلغ المقرر لهم يصرف من ميزانية المكتبة و كانت ميزانيتها في السنة 314 جنيه و كان مرتب الأمين عشرة جنيهات شهريا و سارت المكتبة مع الزمان و نهجت سبيلا للرقي و كثر موظفوها و أصبح لها ميزانية مستقلة و بلغ عدد موظفيها سنة 1943 عشرين موظفا منهم ستة عشر معينون على درجات بميزانيتها و هم الأمين و المعاونان و الكاتبان و خمسة مغيرين و جندي المطافئ و خمسة من الخدم و أربعة يعملون بطريق الندب في عمل الفهارس و رئيس المكتبة يسمى الأمين و قد ظل هذا لقبه منذ إنشائها إلى الآن و أضيف إليه في بعض الأوقات «مراقب عموم الكتبخانات الأزهرية » و قد ولي هذه الوظيفة من وقت إنشائها إلى الآن أربعة و هم بترتيبهم التاريخي :
الأستاذ الشيخ محمد حسنين مخلوف
و الأستاذ الشيخ طه سليم البشري
و الشيخ إبراهيم طموم
و الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي
و قد شغل الأستاذ مخلوف هذه الوظيفة من سنة 1897 إلى سنة 1908 حين عين مفتشا بالمعاهد الدينية
و شغلها الأستاذ البشري إلى سنة 1936
(1/27)
و الشيخ إبراهيم طموم بطريق النيابة و التعيين إلى أول سنة 1943 ثم أحيل إلى المعاش
و عين الشيخ أبو الوفا المراغي 9 الأمين الحالي خلفا له
و يقتضينا الإنصاف أن نذكر أن خير العهود التي مرت بالمكتبة هو عهد الأستاذ محمد حسنين مخلوف و صدر من عهد الأستاذ البشري فقد كان لتبريز الأستاذ مخلوف العلمي [و إداري ] أثره الظاهر في خدمة المكتبة و إذا كان الأستاذ الإمام فضل التفكير في إنشائها فقد كان للشيخ مخلوف فضل تنظيمها و استقرارها و لازالت آثاره ناطقة بحسن تفكيره و إخلاصه في خدمتها و لازالت الكتب و السجلات تحفظ له آثاره الجليلة في استنساخ الكتب و تكميلها و تمييزها إلى فنونها و لو دامت عملية استنساخ الكتب و تكميلها نشيطة كما كانت في عهده لحصلت المكتبة على كثير من النفائس الخطية التي انفردت بها المكتبات الأخرى .
و قد عثرنا على صورة تقرير وضع لمناسبة خاصة أعجبنا جد الإعجاب بما تضمنه من الاقتراحات الناضجة و بأسلوبه الأدبي الرائع و حسبي أن أذكر هنا رءوس موضوعاته و اقتباس ما كتب عن موضوع منها ، و الموضوعات التي اشتمل عليها هي :
مكتبات الأروقة ، تأسيس المكتبة الكبرى ، موظفو المكتبة ، ترتيب المكتبة ، الفهارس ، فهرس اسماء المؤلفين ، الجداول ، مواعيد العمل ، الضمانة ، قاعة المطالعة ، الإعارة ، تقسيم العمل ، مشترى الكتب ، مشروع النسخ ، لوازم المكتبة .
(1/28)
و تحت كل عنوان بحث مستفيض في موضوعه يدل على دراسة تامة و خبرة شاملة و نستطيع أن نقول - بعد دراستنا لهذا التقرير الذي وضع أوائل القرن العشرين و وضعه عالم أزهري ليس له من المؤهلات الفنية إلا الاستعداد الفطري و الاجتهاد الدائم و الدرس المثمر ؛ و دراستنا للتقارير التي وضعت حول منتصف هذا القرن و وضعها أخصائيون درسوا فنون المكتبات - أن نقول : " إن الاستعداد الفطري مع الاجتهاد الدائم و الدرس المثمر يأخذ مكانه بجانب التخصص بل قد يغالبه فيغلبه " ، و حتى لا يكون ما ذكرت مجرد دعاوى قد أطالب عليها بالدليل ؛ أقتبس ما كتب تحت عنوان : فهرس أسماء المؤلفين " و إن اقتضانا بعض الإطالة "
(1/29)
« إن من الناس من تكون حاجته من المكتبة قاصرة على معرفة ما اجتمع لبعض المؤلفين من المصنفات في علم واحد و في عدة علوم كما اتفق غير مرة أن بعضهم طلب أن يحيط بمؤلفات الشيخ محمد الصفتي المالكي و أعقب هذا باحث آخر كان يريد أن يلم بما اجتمع لأبي عثمان الجاحظ من الفنون ، و كان كثير من المستشرقين يسأل عن نحو ذلك و لكن أنى لنا أن نسعف هؤلاء بمطالبهم أو نجيبهم إليها كما يشتهون و إن دون ذلك من ضياع الوقت و وعورة المسلك ما لا يخفى إذ أن الوصول إلى مثل هذه الأغراض ربما لا يتسنى إلا بعد البحث الطويل في نحو أربعين فهرسا . إن أصحاب هذه المآرب في الغالب لا [ينظرون] لها كثيرا في المكتبات المنتظمة للهداية إليها هنالك من طريق سهلة واضحة و قد لا يبتغونها إذا اقتضت الحال أكثر من الزمن المناسب لأوانها و لكنهم قلما عثروا عليها في مكتبة الأزهر من قريب لعدم وجود ما يسهل لهم الهداية إلى مواضعها في تلك المكتبة و لذلك كان مقدار التحرج شديدا عندما قضت الظروف بطلب شيء من هذا القبيل دون أن يتيسر أداؤه في وقته كما كان النقص في نظام المكتبة محسوسا من هذه الجهة خصوصا و قد التمس فيها معجم أسماء المؤلفين مرارا عدة و بالأسف لم يكن ليصادف التماس هذا الفهرس إلا فراغا في موضعه على أن هذا الفهرس لم تكن الفائدة منه قاصرة على ما لعله يعرض من هذه المطالب بل هو يعطينا فوق ذلك خلاصة وافية من فهارس العلوم في أقرب من لمح البصر من ذلك أنه يشير إلى تاريخ ولادة و وفاة المؤلف نقلا عن أشهر التواريخ و المعاجم و أن يدل على نفائس المؤلفات و نوادرها مما يكون قديم العهد أو مخطوطا بقلم المؤلف أو أو محلى بالنقوش و الرسوم الجميلة أو مهمشا بسماعات بعض مشاهير الحفاظ و العلماء إلى غير ذلك من أغراض الباحثين و لكنا قد تداركنا ذلك النقص في غضون سنة 1912 بعدما فكرنا في وضع الفهرس المذكور على طريقة تتأدى معها تلك المعلومات الكثيرة في الزمن
(1/30)
القليل و قد وفقنا الله إلى ذلك »
هذا تصوير صاحب التقرير لفائدة فهرس المؤلفين و ضرورته فهل هناك كبير فرق بينه و بين ما كتبه الأخصائيون في فنون المكتبات من أرقى المعاهد .
تطور المكتبة الأزهرية
بدأت المكتبة الأزهرية صغيرة ثم كبرت شأن المؤسسات الأخرى فقد بدأت بمكان واحد و أصبح لها ثلاثة أمكنة تضيق بكتبها و إدارتها و بدأت بأربعة موظفين و بلغ عددهم الآن عشرين و كانت ميزانيتها 314 جنيها و هي الآن 1448 جنيها عدا ما يصرف من الميزانية العامة للأزهر في شراء الكتب و الخزائن و الإصلاحات و كان عدد كتبها 7703 و صار عددها 85000 كتابا في 90075 مجلدا و عدد فنونها 28 و أصبح الآن 58 و كان مستوى الخبرة الفنية لموظفيها دون ما هي عليه الآن و قد مرت بالمكتبة عهود لقيت فيها من بعض الرؤساء بالأزهر عناية بشأنها و رغبة في إنهاضها ففي سنه 1933م انتدب الأستاذ حسن [أفندي] عيسى الموظف بدار الكتب الملكية و المتخصص في فنون المكتبات لدراستها و وضع مشروع لتنظيمها و قد قضى في مهمته زهاء 19 شهرا درس فيها المكتبة دراسة فنية و وضع عنها تقريرا وافيا ضمنه دراسته و مقترحاته في تنظيمها و إنهاضها و في سنة 1941 انتدب الأستاذ محمد عبد المعز من مكتبة جامعة فؤاد الأول لهذا الغرض و وضع عن مهمته تقريرا مختصرا و اشترت مشيخة الأزهر سنة 1936 آلة فوتوغرافية لتصوير المخطوطات و قد حال دون تنفيذ التقريرين كثرة النفقات التي تستلزمهما و لعل ميزانية الأزهر جميعها تعجز عن تغطية النفقات التي يستلزمها تنفيذ مقترحات الأستاذ حسن عيسى و ظلت آلة التصوير معطلة لتوقف الانتفاع بها على خبير يقوم عليها و في سنة 1943م ظفرت المكتبة ببعض الإصلاحات التي اقترحها الأمين و تفضلت المشيخة بموافقته عليها فوضعت في ميزانية المكتبة سنة 1944 وظيفتين لكاتب على الآلة الكاتبة و جندي للإطفاء و كانت المكتبة منذ إنشائها محرومة من هذا الاحتياط و أسس للأمين مكتب
(1/31)
للأمين مكتب يليق بمكانتها و مكانة زائريها من المصريين و الأجانب و اتخذ لها خاتم خاص بالبريد لتستقل في إصداره عن الإدارة العامة و أحضرت لها آلة كاتبة و شرع في إبريل 1943 في وضع فهرس لها سدا لأشنع نقص كانت تشعر به المكتبة و زائروها و انتدب له أحد الخبراء من مدرسي المعاهد و انتدب للإشتراك في أعماله المنوعة بعض العلماء و قد سارت عملية الفهرس في توفيق يبشر بالنجاح إن شاء الله .
و لوحظ في وضع الفهرس أن يكون على منهج فهرس دار الكتب المصرية مع تحسين فيه و هو تعقيب كل فن بملحق تاريخي ترتب فيه المخطوطات على عصورها ليسهل على الباحث التاريخي الإلمام بمخطوطات العصور المختلفة و كان ذلك بإرشاد الأستاذ كامل المهندس رئيس قلم الفهارس العربية بدار الكتب المصرية .
و تولت مطبعة الأزهر طبع ما يفرغ منه شيئا فشيئا و سارت في عملها بنجاح و لم تبخل المشيخة مع استحكام الأزمة في الورق بالقدر اللازم منه للفهرس لاقتناعها بفائدته و ضرورة الإسراع في وضعه 10 و تفضلت المشيخة بالموافقة على اقتراح الأمين أن يشترك المعاونان و المغيرون مع الأمين في تحمل المسئولية في المحافظة على الكتب بتقديم الضمانات اللازمة بعد استفتاء دار الكتب المصرية رسميا في ذلك و كان الأمين ينفرد بتحمل مسئولية المكتبة وحده كما تفضلت بالموافقة على اقتراح أن تتولى مطبعة الأزهر تجليد كتب المكتبة للمحافظة عليها و إتقان تجليدها و للاقتصاد في النفقات و توسيع العمل بالمطبعة و أخذت المطبعة تباشر هذه العملية بنجاح .
(1/32)
و وضع الأمين كلمة تاريخية عن المكتبة الأزهرية منذ إنشائها و ما مر عليها من التطورات لتكون تعريفا بالمكتبة و مرجعا للباحثين عنها نشرت تباعا في مجلة الأزهر و سيلتمس واضعها من المشيخة ترجمتها أو ترجمة ما ترى ضرورة ترجمته منها باللغة الإنجليزية و طبعها باللغتين و الاحتفاظ بها في الإدارة العامة لتكون في متناول المشيخة إذا طلبها العلماء الذين يهتمون بأمثال هذه البحوث من المصريين و الأجانب و أعيد النظر في توزيع الفنون و فرزها بدقة . و ألحق كل كتاب بفنه و بهذا أضيف إلى بعض الفنون جملة صالحة من كتبه كانت مغمورة في فنون أخرى و بخاصة ( في الفنون المنوعة ) كان لا يمكن أن يستفيد منها أحد و لا يتنبه إلى مكانها باحث أو مطالع و اقتبست المكتبة نظام استهداء الكتب من المؤلفين و الناشرين و طبعت خطابات خاصة لهذا الغرض و حصلت المكتبة على طائفة من الكتب بهذا الطريق و ستحصل على كثير منها على الدوام .
و رغم هذه التطورات الإصلاحية فلازالت المكتبة في المراحل الأولى من الإصلاح و لازال ينقصها الكثير من وسائله و أهم هذه الوسائل إيجاد المكان الملائم للمكتبة ليستقر الموظفون في مكاتبهم و تستقر الكتب في أماكنها و تعد فيه قاعة المطالعة التي هي أهم مظهر لرسالة المكتبات و نشاطها العلمي و تنظيم تموين المكتبة بما يجد من الكتب في عالم الطباعة و التأليف لتسعف الراغبين بحاجاتهم منها سريعا
و إنشاء قسم في المكتبة للصحف و المجلات الدورية التي حرمت منها المكتبة منذ إنشائها خصوصا و قد أصبحت الصحف و المجلات أداة الثقافة الشعبية الشائعة و طريق الاستفادة العلمية السهلة
المكتبة في رعاية الأسرة العلوية
(1/33)
يعيش الأزهر دائما في رعاية البيت العلوي و في فيض من عنايته و عطفه و قد تجلى هذا العطف بخاصة في عهدي المغفور له الملك فؤاد الأول و عهد صاحب الجلالة مولانا الملك فاروق (مد الله في عمره) و يضيق المقام عن نشر الصفحات التاريخية التي تسجل عطف الملك فؤاد الأول في مناسبات مختلفة و عطف مولانا الملك فاروق على الأزهر لا يحتاج إلى برهان و حسبنا أن نذكر له تكريم العلم و العلماء بالتفضل بالاستماع إلى الدروس الدينية التي يلقيها شيخ العلماء الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر في شهر رمضان سنوات متتالية
و المكتبة الأزهرية قطعة من الأزهر فكل عطف يناله الأزهر فهي آخذة بقسطها منه غير أنها ظفرت بعطف خاص من خديوي مصر و ملوكها و أمراء الأسرة العلوية بها .
(1/34)
فقد أنشئت في عهد خديوي مصر عباس باشا حلمي الثاني و يذكر بعض المؤرخين أنها أنشئت بإشارته و كانت شئونها تلقى من جنابه العالي كل عطف و تأييد و تفضل بزيارتها مرارا و قد أهدى إليها الأمير يوسف كمال الدين سنة 1937م المجموعة الكمالية في جغرافية مصر و القارة الإفريقية و هي من جمعه و وضعه و قد طبعت بلندن سنة 1929م كما أهدى إليها المغفور له الأمير عمر باشا طوسون مجموعة الخرائط التاريخية سنة 1937م و في عهد المغفور له الملك فؤاد وضع مشروع بنائها ضمن مشروع المباني الأزهرية و تفضل بزيارتها في جمادى الآخرة سنة 1342 هـ الموافق يناير سنة 1924م في مشيخة فضيلة المغفور له الشيخ أبو الفضل الجيزاوي و بإشارته انتدب الأستاذ حسن عيسى لدراسة حالة المكتبة و وضع تقرير عنها و قد سلفت الإشارة إليه و بإشارته أيضا أهدت الخاصة الملكية إلى المكتبة مجموعة الفرمانات الشاهاتية العثمانية الصادرة إلى ولاة مصر و خديويها من 1006-1322 هـ و قد تفضل بزيارتها حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق بعد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر في 11 شوال سنة 1355 هـ الموافق 25 ديسمبر سنة 1936 في مشيخة فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر – و سيتم في عهد الفاروق إن شاء الله مبنى المكتبة الأزهرية .
و المباني الأزهرية عامة و ستكون هذه المباني ----- رمز رعاية الفاروق للأزهر و لرجاله و للشريعة و خدامها عاش الفاروق مؤيدا بالدين و موئلا للإسلام و المسلمين و لله الحمد أولا و آخرا
تم استنساخ هذه النسخة في يوم السبت الموافق 7 ربيع الثاني سنة 1368 بخط عبد العال عبد القادر القاضي غفر له
========================
(1) الأستاذ حسين عيسى في تقريره عن مكتبة الأزهر سنة 1935م
(2) ص 28 / من كتابه أعمال مجلس إدارة الأزهر في عشر سنين طبع المنار 1323هـ
3 المصدر السابق
(1/35)
4 و قد أدخلهما في الأزهر الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1190 و قد كانا مستقلين عن الأزهر خارجين عنه قبل هذا التاريخ
5 من المصدر السابق
6 و لكن علمت أخيرا مع الأسف الشديد أنها ضمت إلى دار الكتب الملكية .
7 استأنفت المكتبة أخيرا هذه العملية في بطء .
8 اتصلت المكتبة بإدارة المطبوعات عن طريق المشيخة في ذلك فأجابتها إدارة المطبوعات بتعذر تنفيذ هذه الرغبة قانونا
9 أنشئ في ميزانية سنة 1947 وظيفة مدير للمكتبة و عين فيها الشيخ أبو الوفا المراغي و عين أمينا لها الشيخ محمد الأسمر
10 صدر منه إلى الآن أربعة أجزاء تفهرس 55 ألف مجلد في 26 فنا و سيصدر الجزء الخامس قريبا و ستواصل المكتبة عملها حتى تفرغ منه
(1/36)