الملل ... آفة العصر
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
في ظل اهتمام الحضارة المعاصرة بالناحية الجسدية من الإنسان ، وبسبب ضغط الواقع المادي الذي يعيشه أكثر الناس اليوم ، ولضعف صلتهم بربهم وطاعتهم له .. انتشرت ظاهرة غريبة في حياة المسلمين ألا وهي : ظاهرة الملل والسآمة ، والشعور بالضيق والضجر.. والتي أصبح لها وجود نسبي يقل ويكثر لدى الكبير والصغير ، والذكر والأنثى ، وصار كل واحد منهم يعبر عنها بأسلوبه الفريد ، وطريقته الخاصة .
مظاهر هذه الآفة :
ولعلنا إذا تأملنا بعض التصرفات والسلوكيات التالية رأينا أن من أسباب التعلق بها والإدمان على بعضها ، ما يعيشه أحدهم من آثار تلك الظاهرة الجديدة .. وذلك من مثل:
1- سماع الغاني والموسيقى. 2- ممارسة عادة التدخين. 3-التفحيط والتسكع في الشوارع والأسواق. 4-مشاهدة القنوات الفضائية والإدمان عليها . 5-الهروب يوميا إلى الاستراحات مع الزملاء والأصدقاء. 6-كثرة النوم وحب الراحة والكسل. 7-العزوف عن القراءة الجادة إلى قراءة الجرائد والمجلات الهابطة. 8-الثرثرة بالهاتف لغير فائدة أو للإساءة للآخرين. 9-إهمال الطالب مذاكرة دروسه وضعف الاستعداد للاختبارات. 10-الإسراف في ممارسة الرياضة وقراءة جرائدها ومجلاتها .11-كثرة الأسفار والرحلات للترفيه البريء وغير البريء. 12-الانصراف عن العمل الجاد والمثمر بأي أسلوب وطريقة . إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على وجود هذه الظاهرة .
من آثار هذا الظاهرة :
وقد يستهين البعض بأمر هذه الآفة ، ويرى أنها أمر لا مناص من الإنفكاك عنه ولا علاج لها ، آفة أنه ليس لها ذلك الأثر الذي يستحق الحديث عنه .
ولكن لو بحث أحدهم بكل صدق وموضوعية عن آثارها السلبية في عدد من جوانب حياته لرأى أن لها آثارا كثيرة ، نذكر منها أربعة :(1/1)
أولا : ضياع كثير من الخير والطاعة : وذلك أن الذي يشعر بالملل والسآمة والضيق والضجر، تراه لا يستطع القيام إلا بالواجبات من دينه فقط، وعلى تقصير وتفريط فيها، أما غيرها من نوافل الطاعات وأبواب الأجر والثواب كالمحافظة مثلا على السنن والرواتب، أو القراءة المفيدة ، أو القيام بواجب الدعوة أو غير ذلك، فإنك سترى حجته في عدم إتيانه بها والمحافظة عليها أنه ليس له فيها مزاج أو أنها سنة فقط ولكن تجده بالمقابل عندما تتهيأ له برامج الترفيه والتسلية ، ومناسبات الطعام والشراب فإنه يكون أول المسارعين والمشاركين فيها ، بل والغاضبين إذا لم يدعى .
فأنظر إلى آثار هذه الآفة على هذا الإنسان وكم فوتت عليه من مواسم الخير وأبواب الأجر؟
ثانيا : حدوث الفشل أو بعضه في تحقيق الآمال والطموحات :
حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، والاهتمام بتحقيق كثير من الطموحات العلية التي يسعى لها كل إنسان فمثلاً : إن كان طالباً قصر في دراسته، وإن كان موظفاً أهمل في أداء واجبه، وإن كانت زوجة فرطت في حق زوجها وأولادها وبيتها ..
... وهكذا يتساهل فئات كثرة من المجتمع المصابة بهذا الداء عن الأخذ بأسباب النجاح والتفوق الدنيوي في وقته ، ويكسلون عن البذر والزرع في أوانه ، منشغلين عن ذلك باللهو والترفيه لهذه النفس المضطربة، موسعين صدورهم بما لا يجدي ولا ينفع من البرامج ، فاذا جاء زمن الحصاد وقطف الثمار لم يجدوا شيئاً، أو حصلوا على ثمرة رديئة، أو معدلاً منخفضاً، لا يؤهلهم للمستوى الذي يطمحون إليه ، ولا للمستقبل الذي يتمنونه ، وعندها يشعرون بشيء من الحزن والأسى، عندما لا ينفعهم ذلك لفوات وقته .
ثالثا: خسارة العمر والمال :(1/2)
فالذي يعيش هذه الحالة تجد أن همه وتفكيره أن يرفه عن نفسه باستمرار، ويضيع وقته بأي عمل ، فما تحين أية فرصة من ساعات ، أو أيام من إجازة إلا وتجد تفكيره منصبا فقط في استغلالها بتلك البرامج الترفيهية والممارسات اللامسؤولة، بغض النظر عن أنها ستقطع جزءاً من عمره فيما لا طائل تحته ، أو أنها لن تنفعه أو تنفع أمته بوجه من الوجوه ، المهم الترفيه وكفى! !
ليس معنى هذا أن نحجر على واسع ، أو نحرم شيئا أحله الله ، ولكن نقول : إن هناك فرقاً بين إنسان ضيع كثيرأ من عمره وأيامه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر ، والتمشيات والسفريات ، والقيل والقال ، والذهاب والإياب ، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة.
وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والاعمال الباقية بعد موته ، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته ، وبجتهد لذلك غاية الإجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه ، ما بين علم إلى عمل ، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان ، ومن تعاون إلى تكافل ، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله - كما يتصور أولئك الجاهلون - إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات ، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك .
رابعا: الوقوع في المعاصي والذنوب :
وقد يصل بضغط هذه الافة النفسية عند هذا الانسان وما يشعر به من ضيق وملل أن يفكر في إزالة هذه الحالة والتخفيف من معاناته بأية طريقة وأسلوب ، حتى ولو كانت عن طريق ارتكاب المحظور وفعل الحرام ، بحجة أن المباح لا يكفيه ولا يحقق له ما ينشده من سعادة وطمانينة !(1/3)
فتجده مثلأ يقع في سماع الاغاني والموسيقى، ومشاهدة القنوات الفضانية ، وشرب الدخان والشيشة ، ومصادقة الصحبة المنحرفة ، وممارسة الفواحش والمنكرات ، إلى أن يصل به ذلك إلى استعمال المخدرات وترك الصلاة - نعوذ بالله من ذلك - وهكذا ينحدر من سيئة إلى سيئة أسوأ منها، كل ذلك حدث لأنه لم يفكر جدياً بعلاج هذه الآفة في بدايتها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة التي تتفق مع الدين والعقل ، وإنما تساهل في صدها إلى أن أوصلته إلى هذه الأثار السيئة .
من وسائل العلاج :
... أما علاج هذه الظاهرة فهو موجود ومتيسر لمن يريده ، وعزمت عليه نفسه بكل جدية، إذ لا يكفي للانسان أن يكون راغباً في العافية ، متمنياً للخلاص ، دون أن يفكر باتخاذ حياله الخطوات العملية ، والإصلاحات الجذرية ، خاصة وأن هذه الوسائل مرتبط نجاحها وظهور آثارها بالأخذ بالوسائل الأخرى كذلك . . . أي : أن يعود المسلم إلى حظيرة إسلامه ودينه وأن يطبقه تطبيقاً كاملاً في كل مجالات حياته : عقيدة وعبادة، سلوكاً ومنهاجاً، وفكرأ وشعورأ، وما لم يحقق تلك العودة الكاملة ، فإن أي خطوة في هذا المجال لن تؤتي ثمارها بالصورة المرجوة..لهذا فإن من وسائل العلاج :
أولا: تحديد الهدف :(1/4)
ولعل هذا الامر من أهم وسائل العلاج ، إذ أن غالب الذين يشعرون بآفة الملل أصيبوا به بسبب أنهم حصروا هدفهم في هذه الحياة على الجوانب المادية منها ، فحين تسأل أحدهم : ما هدفك في الحياة؟ يجيبك بان هدفه ! وأمنيته أن يكون مهندساً أو ضابطاً أو أستاذاً أو ذو مال كثير أو وظيفة عالية، أو غير ذلك من الأهداف الدنيوية، أو الطموحات الذاتية، أو أن تجد أحدهم قد حصر هدفه على جزء قليل من العبودية والطاعة لله ، أما المساحة الكبرى من حياته والأعمال الكثيرة التي يؤديها فقد أخرجها من عبودية الله إلى عبودية نفسه وهواه وشيطانه وما يبتغي من محرمات ومنكرات ،فانقلبت بهذا المفهوم الوسائل من مال ووظيفة وزوج وولد إلى أهداف كبرى في هذه الحياة، وأما طاعة الله وعبوديته وهي الهدف من خلق الإنسان فقد انقلبت عنده إلى وسيلة ثانوية غير مهمة لهذا فإن أول شرط مطلوب توفيره للتخلص من هذا المرضى وكل آفة نفسية أن يجعل المسلم هدفه وغايته في هذه الحياة عبادة الله وطاعته بمفهومها الشامل وليس الجزئي أو الضيق ،وذلك بأن يضبط حياته ضمن دائرة لا تخرج عن حدرد أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ولا يقول ، ولا ياخذ ولا يعطي ، ولا يحب ولا يكره ، إلا ما كان لله ويرضيه على وفق شريعته وسنة رسوله ، وعندها سيجد بإذن الله للحياة طعم ، ولوجوده قيمة، وسيذهب عنه كل ما يجد من شعور بالملل والسآمة في مختلف عموم حياته ، ولا نقول كلها، إذ أن المسلم لابد وأن يصيبه شيء من الهم والحزن ، أو الضيق والملل كما يصيب غيره من البشر، ولكنه يتميز عن غيره بأن تلك الحالات لا تمر عليه إلا لفترات قليلة وقصيرة، وأنه كذلك يحتسب الأجر والثواب وتكفير الذنوب والسيئات على كل ما يصيبه حتى الشوكة يشاكها، كما جاء في الحديث .
ثانيا: القيام بالواجبات على الوجه المطلوب :(1/5)
كل مسلم حقيقة لا ادعاء تجده ولله الحمد يؤدي واجباته الإسلامية ولا يترك منها شيئا سواء كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج ، أو غيرها من أركان الإيمان وبقية الواجبات ، ولكن عندما ينظر الواحد منا في كيفية أدائه لهذه الواجبات يلحظ على نفسه أنها ليست على الوجه المطلوب ويعتريها شيئا من النقص والخلل .ومن أهم الأمثلة على ذلك شعيرة الصلاة التي أصبح البعض إما مضيع لوقتها، فهو يؤديها متى استيقظ من نومه خصوصاً (الفجر والعصر) ، أو فرغ من عمله أو انتهى من لهوه ولعبه . وإما مضيع لجوهرها وحقيقتها فهو يؤديها بلاروح ، قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، لا يعرف ولا يعقل ماذا قرأ في صلاته ولا ماذا قرأ إمامه ، يشعر أنها حمل ثقيل ،وأشغال شاقة يريد التخلص منها
... فإذا كانت الصلاة معك بهذا الوضع فلا تستغرب أن تشعر بشيء من الملل والسأم فهذا شيء من عقوبة الله للمقصر، والمخرج من ذلك . أن تعيد النظر في عمود دينك بالمحافظة على إقامتها في وقتها مع الجماعة وأدائها على الوجه الأكمل ، خشوعاً وطمانينة ، وتدبراً لمعاني قراءتها ، وتضرعاً وتذللاً ودعاءً لله سبحانه وتعالى لعل الله أن يقبلها كاملة منك لا أن ترد عليك ، أو لا يقبل منها إلا القليل ، نعوذ بالله من الغفلة والخذلان .
ثالثا: المنافسه في الطاعات والقربات :(1/6)
وحتى يزداد المسلم إيمانا ويكفيه الله شر هذه الآفة الضارة، ويحصل على سعادة الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة فإنه حري به ألا يكتفي بالواجبات المفروضة عليه فحسب ، وإنما المطلوب أن يسارع في القيام بما يقربه إلى الله ويحببه إليه ويرضيه عنه ، لأن القلب إذا اتصل بربه وامتلأ بمحبته والخوف منه ، لم يعد للأوهام والأحزان والقلاقل موضعاً فيه ، وعلى قدر حرص المسلم على الطاعات والإكثار منها على قدر ما يفوز المؤمن بجنة الله في أرضه ألا وهي رياض الأنس والطمأنينة والسعادة كما عبر عنها أحد الصالحين حينما قال . لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعا دة لجالدونا عليها بالسيوف.
ولعل من أهم الطاعات والقربة التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها يومياً كمرحلة أولية لزيادة الإيمان وتخطي هذه العقبة ما يلي :
ا - المحافظة على السنن الرواتب ، وهي عشر أو اثنتا عشرركعة، فمن حافظ عليها بنى الله له بيتا في الجنة كما جاء في الحديث .
2- الالتزام بقراءة نصيب من القران الكريم ، إما أربع ، أوست ، أو عشر صفحات ، ولا يتركه مهما كانت المشاغل ، ويحرص على أن يزيده كل شهر صفحة بحيث يصل إلى قراءة جزءكامل يومياً.
3- صلاة الوتر ولو ركعة واحدة في المسجد .
4 - صلاة الضحى .
5 - صيام الأيام الفاضلة كست من شوال ، وعاشوراء ، وعرفة ، ويومي الإثنين والخميس
6- الصدقة بين فترة وأخرى ولو بالقليل .
رابعاً : الإبتعاد عن الذنوب والمعاصى :
الذنوب في حياة المسلم كالحيات والعقارب تنفث سمومها القاتلة ، وأمراضها الفتاكة وهو لا يشعر إلا بشيء من آثارها المؤلمة وثمارها المرة كحصول الهم والقلق ، والملل والسآمة ، وحرمان الرزق ، ونقص البركة في العمر والملل إلى غير ذلك .
خامسا: التحصن بالأذكار والأدعية :(1/7)
وهذا أمر مهم لكل مسلم عامة، ولمن يعيش تلك الآفة النفسية خاصة، لأن الأخذ بهامن أسباب الحصول على الراحة النفسية والطمانينة القلبية،قال الله تعالى : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
إذا فلأجل أن يتعافى المسلم مما أصابه ، أو يسلم منها ابتداءً ممن لم يقع فيها، عليه أن يتحصن بعدد من الأذكار والأدعية المشروعة في اليوم والليلة ولا يتهاون في الأخذ بها، لأن فيها الأجر العظيم ، والحصين المنيع لجملة كبيرة من الأمراض النفسية التي يعيشها كثير من الناس اليوم .
ومن أهم الاذكار :
1 - أذكار الصباح والمساء .
2- اذكار الأحوال والمناسبات كدعاء النوم والاستيقاظ ، ودخول البيت والخروج منه .
3- أذكار ما بعد الصلوات الخمس .
4- النفث على الجسم عند النوم ثلاثا بقراءة سورة الإخلاص ا لمعوذتين
5- ذكر التهليل مائة مرة
6- قراءة الآيات والأدعية المعروفة (بالرقية الشرعية)
7- كثرة الدعاء والإلتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يخلصك، من هذه الآفة ومن كل شر ومصيبة.
سادسا: ملىء الوقت بما يفيد من الأعمال :
يمكن تشبيه القلب في وظيفته بالمصباح الزجاجي يضيء ما دام مغلقا، فإذا انكسر! ودخله الهواء أفسد عليه تركيبه وتكوينه وعندها ينطفىء المصباح. أسرع ما يكرن .(1/8)
وهكذا القلب فإنه يؤدي دوره ويطمئن ويهدأ ما دام مغلقا،فاذا دخله الهواء والفراغ وانفتح على المعاصي والآثام وتعلق بغير الله احتوته الهموم والقلاقل والضنك والأحزان . لهذا كان من طرق العلاج أن لا يعيش الإنسان في فراغ مطلقا، وإنما يحرص على ملىء وقته بالبرامج والأعمال التي تعود عليه بالخير والنفع في أخراه ، أو يساعده ويطوره للنجاح في دنياه ، رابطا كل ذلك بالهدف والرسالة التي من أجلها خلقه الله ، حريصا على القيام بالواجبات ، منافساً في الطاعات والقربات ، وهو متى فعل ذلك سيجد أن أبواب العمل والبذل والعطاء أكثرمن أن تحصى ، وأن وقته سيضيق عن الإتيان بها كلها، وعندها لن تراه يسأل : ماذا أعمل ؟ أو لأجل ماذا أعمل ؟ أو أن يعمل أعمالأ أقرب إلى اللهو والعبث منها إلى الجد والفائدة، ويدعي أنه مشغول وهو ليس كذلك أما نماذج الأعمال التي يحسن بالمسلم أن يختار منها ما يناسب ظروفه ليملأ بها وقته فعلى النحو التالي :
ا- حضور دروس أهل العلم ومجالسة العلماء وزيارتهم .
2- القراءة والاطلاع في كتب التراث العلمية أو الكتب المعاصرة، ومتابعة أحوال العالم الاسلامي من خلال المجلات المتخصمة الجادة .
3- الإلتحاق بحلقات تحفيظ القران الكريم تجويده في بعض المساجد، دارساً أو مدرساً.
4 - الدخول في ميادين تجارية وأعمال مهنية مدروسة ليستفيد منها ويفيد .
5 - الزيارات الهادفة وصلة الرحم للأقارب والأرحام والأصدقاء .
6- المشاركة في الأنشطة الخيرية والأعمال المفيدة للمجتمع ، مثل جمعيات البر ، ومكاتب الجاليات ، ومؤسسات الإغاثة والدعوة وغيرها .
7- الإلتحاق بالدورات الفنية والبرامج العلمية التي تقام في بعض الجهات والمصالح لاكتساب خبرات إدارية ومهارات شخصية.
8- ممارسة الرياضة البعيدة عن المحرمات وما ينافي الأخلاق .
9- تعلم الحاسب الآلي والاستفادة من برامجه العلمية، واستغلاله في الدعوة إلى الله . . إلخ.(1/9)
سابعاً : العيش في بيئة صالحة :
ما أحسن من قال إن أهمية البينة الصالحة للمسلم في هذا العصر كأهمية توفير الأرض الخصبة ، والحرارة المناسبة ، والتغذية الجيدة لبعض النباتات والأشجار، فإذا لم يتوفر لها هذه العناصر فإما أن يكون مصيرها إلى التلف ، وإما أن تخرج ثمارها ضعيفة.
وهكذا إذاً المسلم في هذا العصر بحاجة ماسة إلى هذه البيئة الصالحة التي تعينه على تطبيق مبادىء ومثل الإسلام بالصورة الكاملة ، وتساعد على القيام بالكثير من الواجبات والطاعات ، وتكون سببا في ثباته واستقامته ، وتزيل عنه ما يعيشه أكثر الناس اليوم من الهم والحزن ، والملل والقلق . لأجل أهمية هذه الأهداف فإن عليه أن يبحث عنها كما يبحث عن الماء البارد في قائلة الصيف أو أشد، لأنه بها ومعها يكسب خيرات كثيرة ومصالح عدة في دينه ودنياه وبدونها يقع في خسائر لا تعد ولا تحصى ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بها والحرص عليها وهو النبي المعصوم ، فنحن المساكين التي تحيط بنا الفتن من كل جانب أولى بهذه الدعوة ، قال تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) . ولكن من المسلمين من ليست الصحبة الصالحة على باله وليس لها موضع في اهتمامه وتفكيره بحجة أنه يعرف مصلحة نفسه وفي غنى عنها مادياً أو معنوياً. ومنهم من تجده العكس يعيش مع صحبة وأصدقاء يكاد لا يفارقهم ولا يفارقونه ، غير مبال أن يكونوا صالحين أو طالحين .(1/10)
وهذا وذاك كلاهما على خطأ، لأن المطلوب أن يكون الإنسان اجتماعياً وإذا أراد أن يكون له صحبة عليه أن يختارها بعناية وشروط دقيقة حتى ينتفع بها في كل جانب من جوانب حياته لا أن تكون العكس سببا في إفساد خلقه ، وتمييع دينه وتضييع مستقبله ، وإصابته بالهموم والأحزان ، وعض أصابع الحسرة والندم كما هو وضع بعض من وصلت بهم إلى السجون والزنانين المظلمة نعوذ بالله .
ثامنا : القيام بواجب الدعوة والاصلاح :
وإن إشغال النفس ، بواجب الدعوة والإصلاح للناس لهو كفيل بإذن الله تعالىبإسعاد القلب ، وطمأنينة النفس ، وإزالة ما تشعر به من تلك الهموم التي يشعر بها كثير من الفارغين عن مثل هذه الهموم الدعوية، ومن تقتصر اهتماماتهم وتفكيرهم حول أنفسهم وحاجاتهم الذاتية ، وملذاتهم الخاصة ، ومستقبلهم الدنيوي .
إذ الداعية يكسب بهذه الوظيفة الاستجابة لأمر الله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، ويكسب طاعة رسوله صلى اله عليه وسلم القائل : (بلغوا عني ولو آية ) و ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) ، وأكرم بهما من طاعة واستجابة، وينشغل برسالة الانبياء. . أشرف مهمة، وأكثرها أجراً بعد إصلاح النفس وتزكيتها. أما أولئك الناكصون والمقصرون عن القيام بهذه الرسالة بحجة جلب الراحة لأنفسهم ، وقطع التفكير في قضايا وأمور في غنى عن الإنشغال بها، فمع ما هم عليه من إثم لتخلفهم عن طاعة ربهم ورسوله ، فهم يعيشون في فراغ قاتل وملل وهم ، ولا يعلم مقداره إلا الله ، فأين أرباح ما هربوا منه بالمقارنة إلى خسارة ما وقعوا فيه ؟(1/11)
فيا من تريد السعادة ، ولذة العيش ، وامتداد العمر بعد الموت ، إن الطريق إلى ذلك سهل وميسور، ومن أفضلها طريق الدعوة الذي لا يتطلب منك أن يكون لديك العلم الكامل ، والفقه الشامل بأمور الدين كلها ، كلا ، إنما يكفي أن تبلغ غيرك ما لديك من علم وأحكام ، بالأسلوب الحكيم والطريقة الجذابة، وأن تحمل هذا الهم والحرص عليه في أي مكان وزمان ، سواء عبرت عنه بالكلمة الطيبة، أو النصيحة الصادقة ، أو القدوة الحسنة ، أو إهداء الكتاب والشريط المناسب ، أو الدلالة على الخير، أو غير ذلك مما له الأثر الفعال ، والثمرة المرجوة .
تاسعا: الصبر والشجاعة في مواجهة الأقدار:(1/12)
يتصور كثر من الناس - خاصة الشباب - أن الحياة يجب أن تمتلىء جنباتها دائما بالسعادة والسهولة ، والاجتماع والأنس ، والتفوق والنجاح ، والصحة والسلامة ، والغنى والرفاهية ، إلى غير ذلك من الأمنيات التي يتمناها كل إنسان في هذه الحياة، لهذا ترى أحدهم إذا أصيب بعكس ما يتوقعه من أحلام : أصابه الملل والضجر، وحزن وتسخط ، متناسياً أن الله جبل هذه الحياة على شيء من المشاق والمصاعب ، والآلام والمتاعب ، وحكمته في ذلك ليكون دافعاً للإنسان أن يزهد في هذه الدار الفانية، وأن يعلق قلبه بالآخرة، وما فيها من لذة النظر إلى وجه الله الكريم ، والفوز بالجنة ، دار النعيم ، والراحة والطمأنينة الأبدية . أما الإنسان ذو الإيمان القوي فتجده عندما يصاب بأي مصيبة سواء كانت عائلية، أو نفسية ، أو صحية ، أو مالية ، أو دراسية ، أو غيرها، فإنك تراه صابراً عليها، مستسلماً لها من الجانب القلبي (المعنوي ) ويحمد الله تعالى عليها، أنها لم تكن في دينه إنما في دنياه ، وأنها ليست أكبر من هذه الواقعة التي حصلت ، ولأنه يرجو ثوابها من الله ، ولأمله في الفرج والمخرج منها قريباً. . لذا فهو مطمئن القلب ، هادىء الضمير، راض بقضاء الله وقدره ، بل إنه ينظر إليها من زاوية أخرى، إذ يتوقع أن تكون قد حدثت بسبب ذنوبه وتقصيره في حق الله تعالى، فيكثر عند ذلك من التوبة والإستغفار، ويلح في العودة إلى ربه ، وهذا خير كثير، ومكسب عظيم ، فتكون مفتاحاً وسبباً لمستقبل دنيوي وأخروي أفضل .
عاشراً : الترويح الهادف :
ولعل من الطرق الناجعة لعلاج هذا الملل هو : الترويح عن النفس بالأساليب المباحة وفي الأوقات والأمكنة اللائقة . لأن البعض إما أنه لا يعرف شيئا اسمه الترويح والاستجمام بحجة ارتباطه بأعماله الدائمة، فينتج عنه أن تمل نفسه وتضيق به من برنامج وطريقة .(1/13)
وما أن تجده حريصا عليه والإكثار منه ، حتى أفقده متعته ، وأصبح بالنسبة له شيئا مملا، وممارسة روتينية ، وذلك تركيزه وأمثاله في ترويحهم على جانب واحد أو جانبين وهما جانب النفس والجسم ، فتراهم يتقلبون في برنامجهم ما بين ملاعب الكرة وأنواع الرياضة ، إلى موائد الأكل والشرب ، إلى مجالس الكلام والضحك ، ولا شيء غير ذلك من البرامج المفيدة الاخرى هذا إذا لم يتجاوز تريحهم إلى ممارسة الحرام وقوله وسماعه .
والعجب أنهم رغم كثرة ما ينفق هؤلاء من الأموال والأوقات والجهود، ويبذلون من التعب والنصب لأجل ذلك المتعة ، إلا أنهم مع ذلك كله وبسبب ارتكاب المعاصي والمنكرات يعود بعضهم وقد ضاقت نفسه ، وحزن قلبه ، وشعر بالمهانة والإحتقار من بعضهم ، بالإضافة إلى تحمله الكثير من الآثام . ( فالترفيه الهادف هو الذي لا يتجاوز حدود المباح في عرف الشرع وليس في عرف الناس ، وهو الذي يشبع حاجات الناس الرئيسة بكل تكامل وانسجام ، ويعطي كل جانب فيه من الإهتمام والعناية ، ومن أهم تلك الجوانب : الجانب العلمي ، والإيماني ، والعقلي ، والجسمي ، والنفسي . . فإذا أعطي ، كل من هذه الجوانب نصيبها - خصوصاً في أوقات الترويح الطويلة - فإن الهدف المرجو بإذن الله يتحقق وذلك من مثل : تجديد النشاط ، وإزالة الملل ، والشعور بالأنس والسعادة، وغير ذلك من الأهداف الأخرى التي يعرفها من جرب هذا الترويح الهادف .(1/14)
النور الهابط
في سنة (؟) ميلادية فصلت الأرض من السماء فصلاً تاماً وغلقت جميع أبواب السماء دون الأرض وأهلها وفزعت الأملاك إلى أقطار السماء وانقطع ذلك المدد الروحي الذي كانت تعان به الأرض وأهلها على اجتياز ظلمات المادة وفسق المادة وكثافات المادة سيراً إلى عالم الأرواح ومستقر الروحانيين ، فخبط الناس في ظلمات ثلاث : ظلمة العقائد ، وظلمة القانون ، وظلمة النفس . أما العقائد فلا يجد المتأمل فيها بصيص نور يهتدي به إلى هداية أو يخلص به من ضلالة . وأما القوانين فلا يجد المتأمل فيها ما يعين على عدالة أو مايخرج من ظلامة . وأما الأنفس فلا يجد المتأمل فيها مكاناً لعقيدة صحيحة سليمة ولا لقانون عادل إنساني رحيم .
فبظلمة العقائد استبد رجال الدين بقلوب الناس وعواطفهم ، وبظلمة القانون استبد رجال السلطة الزمنية بأموال الناس وظهورهم ، وبظلمة الأنفس واتى رجال الدين رجال السلطة الزمنية الاستبداد بأموال الناس وقلوبهم وعواطفهم وظهورهم .
فما زالت الإنسانية تتخبط في هذه الظلمات الثلاث ، وتنحدر إلى الهاوية السحيقة ، وتتخلى عن المعاني الإنسانية شيئاً فشيئاً ، ومن تراث رسالات السماء وبقايا تعاليم الأنبياء ، حتى تمخضت عن أمم كان من قسوتها وفظاعتها أن تقتل بنيها شر القتلات خيفة أن يشاركوهم في مأكلهم ومكسبهم ، ومن عقلها ودينها أن تضع بأيديها معبوديها ، ومن مجدها الذي يتغنى به الرائح والغادي والطفل والشيخ وتنسج له برود الثناء الحذق في انتزاع الأرواح والمهارة في إيتام الأطفال وإرمال النساء واثكال الأمهات والآباء ومن كرمها وخلقها أن تغتصب أموال العاجزين عن الذياد عنها لتقدمها للأضياف مكرمة ونزلاً . حتى لقد صدق في تلك الأمم قول الحق : ( أولئك كالأنعام بل هم أضل ) .(1/1)
وفي ذات ليلة عام 610 ميلادية بينما كان الكون ساكناً صامتاً والأشياء راكدة مصغية متوجسة كأنها تتوقع حدوث أمر عظيم ، انفتحت فرجة من السماء تعلقت بها الأبصار انبعث منها شعاع قوي وهاج باهر فهبط على غار يقيم هنالك في جانب من جوانب قرية تقع هنالك في جانب خامل مهجور من جوانب أركان الأرض الخاملة المهجورة يقيم في ذلك الغار رجل لا كالرجال يحمل نفساً لا كالأنفس وقلباً لا كالقلوب ، هرب بنفسه وقلبه وفطرته من أولئك الناس وعقائدهم وأعمالهم إلى السكون والدعة وإلى الطهارة التي لا يظفر بها بين الناس في حدود القرية والمدينة مخلياً بين روحه وما فطرت عليه من الطهر والنبل والعظمة والتأملات السامية الحادة النافذة ، واصلاً بين نفسه وربه بصلة هذا الكون وما أودع فيه من آياته وبيناته .
فكان هذا الشعاع الهابط هو ما عرف بعد بالإسلام ، وكان هذا الغار هو ما عرف بعد بغار حراء ، وكان هذا الرجل الذي لا كالرجال هو منقذ الإنسانية الأكبر من كبوتها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه القرية هي مكة المكرمة الواقعة في قلب بلاد العرب الجدباء العتيدة .
تسلل ذلك النور الموصول بالسماء العليا ، من غار حراء إلى مكة متوجساً متوهجاً في صدر محمد صلى الله عليه وسلم مشعاً من جوانب صدره . فغمر بيوت مكة وفجاجها ، وسال في طرقاتها ونواديها ، وتناثر على وجوه الرائحين فيها والغادين .
فانبهر الناس ودهشوا لهذا النور الوهاج الذي لم يعهدوه ولم يبصروه ولم يسمعوا به . فوقفوا منه موقفين متباينين متخاصمين : وقف الجمهور الكثر منه موقف الوجل الخائف الكاره المنكر فأوصدوا دونه أبوابهم ونوافذهم ، ثم قلوبهم ونفوسهم ، وقاموا منه مقام العداء والنضال الحاد العنيف .
ووقف منه القليل موقف الراضي المسرور المعجب المغتبط ، ففتحوا له أبوابهم ونوافذهم وفتحوا له قبل هذا قلوبهم ونفوسهم وطلبوه في مكانه وسعوا إليه خفافاً وثقالاً .(1/2)
فكان من هذا القليل النزر بيوت عرفت بالسبق إلى الهداية والإسلام ونصرته ، وكان من هذه البيوت بيت أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، هؤلاء الذين عرفوا فيما بعد بالخلفاء الأربعة الراشدين ، وكان من هذا القليل النزر غير هؤلاء .
فقبست هذه الصدور من نور محمد صلى الله عليه وسلم ، كل صدر بقدره وما أهل له ، فتعددت مصادر هذا النور الإلهي وزاد إشعاعه واتقاده وزاد في مكة وضوحاً وإشراقاً وتوهجاً ، وهكذا ظل يتزايد إشعاعاً وإشراقاً في تلك القريةالمحدودة الضيقة حتى ضاقت به فسال منها وتناثر إلى الجارات ثم انتقل مصدره الأول الأكبر إلى قرية عرفت فيما بعد بالمدينة المنورة . فغشاها هذا النور الوهاج الهابط وتتدفق إلى بيوتها فقبست منه الصدور ، فازداد إشعاعه وإشراقه ، حتى ضاقت به تلك المدينة ، ولم تعد واسعة له ، فتدفق منها إلى هاهنا وهاهنا ، إلى الشرق والغرب ثم إلى الشمال والجنوب ، هازماً كل ما أمامه من الظلمات الثلاث ظلمة القانون ، وظلمة العقائد ، وظلمة الأنفس ، وما استطاعت ظلمة من هذه الظلمات الثلاث أن تثاقفه أو تواقفه لا طويلاً ولا قصيراً .
تكاثف هذا النور واتسع نطاقه في السماء وفي الأرض ، وتفاعل تفاعلاً إلهياً وتجسد تجسداً سماوياً ، حتى صار ديناً قيماً باهراً ذا تعاليم وقوانين ، وشرائع محكمة سامية يعشقها القلب إن لم يحبها العقل ، ويحبها العقل إن لم يعشقها القلب ، ويدينها عشقاً من لم يدنها برهاناً ، ويدينها برهاناً من لم يدنها عشقاً .
ثم صار لهذا الدين أنصار وقواد ، يحملونه في إحدى اليدين وفي الأخرى الحديد ذو البأس الشديد ، ويعرضونه على الناس في هالة مفرغة من الأسياف الظماء في قلوب نطاق من الأبطال الأشداء ، يذدون عنه الايذاء والاعتداء ، ويخلون له الطريق إلى القلوب والعقول ، وما أجمل الحق تعرضه القوة ، وما أجمل القوة تنصر الحق ، وما أوضح الحق متدرعاً !!! .(1/3)
فأصبح ذا قوتين عظيمتين : قوة تعاليمه ، وقوة رجاله وأنصاره ، فتعاليمه قوية بالغة نهاية القوة لأنها مفهومة ميسورة ، لا تعقيد فيها ولا ضلال ، فالعبد يتصل بربه مباشرة لا وسيط ولا شريك ، ويخصه بكل معاني عبادته ودينه وحده ، والمعرض المبعد عن ربه إذا ما أراد التوبة والرجوع إليه فما عليه إلا أن يخلص له قلبه وعمله ، ويبسط إليه تعالى يد المتاب فيقبله ويغفر له ذنوبه وإن كانت عدد ذنوب الخلق جميعاً ، ولا يحتاج إلى أن يذهب إلى قسيس أو راهب أو وثن أو حجر أو قبر رجل صالح ، فيذل له ويشكو إليه ليرفع أمره وتوبته إلى الله ، كي يغفر له ، وكي يعفو عنه ، فتعاليمه ليست سوى إيقاظ الفطرة الإنسانية وتخليصها من الأخلاط والأغلاط ، فالله كما خلق الخلق وحده بلا شريك ولا معين ، فكذلك ليعبدوه وحده لا شريك له ولا نديد .
وأين من هذه التعاليم الأقانيم الثلاثة : الأب ، والإبن ، والروح القدس شيء واحد ، وحلول اللاهوت في الناسوت ، والاعتراف ، وبيع الجنة ، والصلب والفداء ، وما في هذا من التخليط والتضليل !؟ وأين من هذا إله المجوس ، وأوثان العرب ودعاوى اليهود وتشبيههم وأقوالهم العظيمة في الله وفي أنبيائه والأغلال والآصار التي كانت عليهم .
أما رجاله وقواده فكانوا أقوياء أيضاً ، غاية القوة لأنه علمهم ألا يخاف العبد إلا ربه وذنبه ، وألا يذل إلا لمن ذل له كل شيء وخلق كل شيء ، ولمن بيديه أسباب الخوف وأسباب الأمن وحده ، وألا يتاخر عن الموت من طلب الحياة وأحبها .. فإن من رغب في الموت ذلت له ناصية الحياة ، ومن رغب في الحياة ذلت ناصيته للموت ، فكانوا يقدمون على الموت إقدام من ليست حياته ملكاً له .(1/4)
فأخذوا بنواصي الأكاسرة والقياصرة وذروا التراب على جباه العظماء الطاغين الذين طالما جرعوا الإنسان جرع الذل والهوان وأذاقوه غصص الخسف والاستبداد .. فتهاوت العروش العتيدة الظالمة تحت أقدامهم وحوافر خيولهم ، وتساقطت تحت مناسم إبلهم شرفات إيوانات طالما تساقطت تحت رؤوس الملوك والعظماء والقواد . فطووا بأطراف سيوفهم وعصيهم وقسيهم ممالك وملوكاً كانت تستعدى على الدهر ويتشتكى إليها الزمان . ووضعوا كل أنف عات أشم في الرغام ، وأنزلوا كل بطريق متأله من سماء الأحلام والألوهية إلى أرض الحقيقة وبساط العبودية ، فكانت فترة من الزمن تجمع فيها الزمن ، ورواية فصولها ثلاثة : الإيمان ، والشجاعة ، والعدالة . خاتمتها تلك السعادة التي تمتع بها الإنسان أحياناً متطاولة . طأطأ الخصوم رؤوسهم حينئذٍ وعلموا أنه لا قبل لهم بموافقة هذا الدين ولا بمثاقفة أنصاره ورجاله من طريق الحرب والنضال المادي العسكري ، وعلموا أن منازليه ولا محالة مصيرهم إلى الفناء ، وعلموا أيضاً أنه لا قبل لهم بمنازلته علمياً برهانياً وأنه لا يمكن من هذه السبيل أن ينتصر عليه دين من الأديان ، ولا أن يوافقه حيناً من الزمان .(1/5)
فماذا إذن يصنعون لإضعاف هذا الدين الهائل العظيم الذي فعل بهم وبقومهم وملكهم الطاغي الباغي ما فعل من الغلب والإحباط ؟؟ وهم لا بد فاعلون شيئاً بل أشياء ، فاتقون حيلة بل حيلاً . أيقدحون فيه ويحشدون عليه الشبهات والشكوك ليزعزعوا عقيدة أهله وإيمانههم به ؟ كلا إن هذا أمر غير ممكن لأن هذا الدين ليس دين شكوك وشبهات لأنه دين الفطرة الخالصة من الأخلاط والأغلاط . ثم إن أهله لن يدعوه لشكوك والمشككين يعبثون به . فهذا ما لا يستطاع . فماذا إذن يصنعون ؟ أينتحرون استشفاء مما في صدورهم من غيظ وحسد ؟ كلا إن موتهم لا يشفي صدورهم بل موت هذا الدين . أيهربون إلى حيث لا يرون هذا الدين و لا يسمعون به ؟ وأين يهربون ؟ أليس قد سار مسير الليل والنهار ، وبلغ مبلغ اليل والنهار ، أيدخلون فيه كما دخل الناس بإخلاص وصدق ؟ كلا إن الإخلاص يملك ولا يملك ، وإن الإخلاص لشيء مع احتقاب الحسد له أمران لا يجتمعان أبداً .
هذا إذن كله ليس برأي ولا عقل ، فما إذن يفعلون ؟؟
إن ها هنا حيلة واحدة لإنفاذ هذا المشروع الهدام لا حيلة غيرها ولا حيلة أفضل منها . هذه الحيلة هي أن يدخلوا في هذا الأمر لا إيماناً وتصديقاً ، ولكن نفاقاً ومكيدة ليستطيعوا افساده والعبث به من كثب فيبتدعون فيه ويدخلون فيه الأباطيل والضلالات باسم الدين والتقوى وبحجة الاستزادة من العبادة والتقرب إلى الله فيخدع بذلك المؤمنون ويتقبلونه بسلامة نية وطهر قصد ، وتخفى عليهم الأغراض الباعثة على هذا ويخفى عليهم ما يضمره هؤلاء الخادعون المنافقون فيحسب على مر الدهور ماليس من الدين ديناً ، بل ويحسب ما ينابذ أصول الدين وأسسه من أصوله وأسسه . والحق إذا لا بسه الباطل أصبح فسيب الباطل وعز تخليص أحدهما من الآخر ، والحق نزيه كريم إذا نزل به الباطل ارتحل عنه .
وهذه حيلة من حيل أهل النفاق والدهاء المر ، مازال يلجأ إليها المكرة الدعاة حتى عصرنا هذا .(1/6)
وقد افتتن الأوروبيون في هذه الحيلة والمكيدة أيما افتنان فلا يرى الواحد منهم بأساً في أن يتظاهر بالإسلام عشرات الأعوام ويبدي ضروباً من الزهد وطلاء الورع والتقشف ليدل المسلمين على صحة إسلامه وإيمانه باطناً وظاهراً . وقد لبس ثوب الإسلام من وراء بشرته رجل هولندي وجاور في مكة المكرمة خمسة وعشرين عاماً مظهراً الإسلام والإيمان والزهد والورع كل هذه الأعوام صابراً مصابراً حتى إن القمل كان يتناثر من أثوابه ومن بدنه في طرق مكة المكرمة وفي المسجد الحرام حتى استطاع أن يخدع المسلمين ، وأن يقنعهم بأنه مسلم الباطن والظاهر وأنه من كبار الزاهدين وحتى استطاع أن يفقه الإسلام وأن يلم بفقه المذاهب الأربعة الفقهية واستطاع أن يمتحن نفوس المسلمين وأن يسبر مبلغ تدينهم وإسلامهم ، وأن يلمس أماكن الضعف والقوة فيهم إن كانت للقوة فيهم أماكن وحتى تم له أن يعرف من أحوال المسلمين في أنحاء الأرض وما يشتملون عليه من آلام وآمال ما لم يعرفه المسلمون من أنفسهم وما لن يعرفوه فيما أظن .
وهذا الرجل الهولندي كان يشغل إلى وقت قريب أعظم منصب حكومي في الشئون الإسلامية في حكومة هولندا الجاوية .
وأمثال هذا الرجل كثيرون اليوم وقبل اليوم ومنهم من يدعي حب العرب والحرص على حقوقهم وإنصافهم كي يقربوه ويطمئنوا بجانبه فيطلعوه على أسرارهم وعلى ذات صدورهم ، ويدلوه على ثغورهم . ولهم في هذا حيل غريبة ...(1/7)
وهذا من شر أنواع النضال ومن شر ما جبل عليه رجل الغرب من لؤم ونذالة ودهاء كريه مرذول . وقد كان رجل الجاهلية العمياء يتذمم من مثل هذا الدهاء ويأنف منه ويرى به من الصغار ما يحمله على الرغبة والعزوف عنه . وحكومات أوروبا العاتية الجبارة البالغة من القوة المادية مالا مطمع من وراءه لطامع ، تلجأ إلى هذا الدهاء والنفاق ، لايقاع الدويلات الصغيرة الضعيفة في فخاخ كيدهم ومكرهم ، ولسلبهم ما بقى في أيديهم من حرية وحصانة . ولكن هيهات ثم هيهات ، فقد برح الخفاء وعرف الناس هذه المكايد والمصايد ، وصاروا لا يثقون بأمر من من أمور أوروبا لما شهدوا وعلموا من خداعها وتضليلها . والمغرور لعمر إلهك من غروه بعد اليوم .(1/8)
تزكية النفوس
الحمد غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب والصلاة والسلام على من فتح الله به باب المتاب وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الإياب .
أما بعد :
فهذه كلمات يسيرة وجمل من العلم قليلة ولكنها في غاية الأهمية لأنها الخطوط الرئيسة لمنهج أهل السنة والجماعة في السلوك ومداواة النفوس وتزكيتها حتى تصل إلى حقيقة التقوى ونور المعرفة وهي مختصرة من كلام الإمام العالم بعلل النفوس وأدوائها وأدويتها وطرق شفائها : ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وقد قسمنا كلامه رحمه الله إلى فقرات ووضعنا لكل فقرة عنواناً مناسباً حتى لا يتشتت ذهن القارئ أو يمل خاطره
عنوان السعادة
ذكر ابن الإمام ابن القيم رحمه الله أن عنوان سعادة العبد ثلاثة أمور وهي أنه إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر
قال فإن هذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه ولا ينفك عبد عنها أبداً فإن العبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاث .
الشكر على النعماء
الأول نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها : الشكر
أركان الشكر : والشكر مبني على ثلاثة أركان الاعتراف بها باطناً والتحدث بها ظاهراً وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها
الصبر على البلاء
الثاني : محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها الصبر والتسلي .
أركان الصبر : والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الجيوب ونتف الشعر ونحو ذلك .
فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة فإذا قام بها العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه محنة . واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوباً .
حكمة البلاء(1/1)
فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتل العبد ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عليه عبودية في السراء ، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه فيما يحب ، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون ، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ، ففيه تفاوتت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى ، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا الوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين .
فمن كان عبداً لله في الحالتين قائماً بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى ( أليس الله بكاف عبده )الزمر :36 وفي القراءة الأخرى (عباده) وهما سواء لأن المفرد مضاف فيعم عموم الجمع .
فالكفاية التامة مع العبودية التامة ، والناقصة مع الناقصة فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
إغواء الشيطان
وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )الحجر:22 ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ص :82-83 وقال تعالى ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو في شك ) سبأ :20-21 .(1/2)
فلم يجعل لعدوه سلطاناً على عباده المؤمنين فإنهم في حرزه وكلاءه وحفظه وتحت كنفه وإن اغتال عدوه أحدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل فهذا لا بد له منه لأن العبد قد ابتلي بالغفلة والشهوة والغضب ودخوله على العبد من هذه الأبواب الثلاثة ولو احترز العبد ما احترز فلا بد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولابد له من غضب وقد كان آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم من أحلم الخلق وأرجحهم عقلاً وأثبتهم ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى أوقعه فيما أوقعه فيه فما الظن بمن عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر .
نعمة فتح باب التوبة
الثالث : التوبة والندم : فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح له من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجوء إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به سبب رحمته حتى يقول عدو الله يا ليتني تركته ولم أوقعه وهذا معنى قول بعض السلف إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا كيف قال يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفاً منه مشفقاً وجلاً باكياً نادماً مستحياً من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب سبب سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة .
آفة العجب والغرور
ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه ذلك من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه فإذا أراد الله بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمر يكسره به ويذل عنقه ويصغر به نفسه عنده وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه .
علامة التوفيق(1/3)
فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق ألا يكلك الله تعالى إلى نفسك والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وظلمها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده .
فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين ولا يمكنه إن يسير إلا بهما فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه .
قال شيخ الإسلام [ العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل ] .
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) البخاري .
فجمع في قوله صلى الله عليه وسلم ( أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ) بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل .
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت .
مدار العبودية والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلهما :
حب كامل وذل تام
ومنشأ هذين الأصلين المتقدمين هما مشاهدة المنة التي تورث المحبة ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غرة وغفلة وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه .
عوامل استقامة القلب
وإنما يستقيم له هذا باستقامة قلبه وجوارحه فاستقامة القلب بشيئين :(1/4)
أحدهما : أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه وما أسهل هذا بالدعوى وما أصعبه بالفعل (فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ).
وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه أو أهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب و لا كانت هي الملكة المؤمرة عليها وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص جزاءاً له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى .
الأمر الثاني : الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي وهو ناشيء عن تعظيم الآمر الناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظمه ولا يعظم أمره ونهيه قال الله تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقارا ) نوح :13 قالوا في تفسيرها مالكم لا تخافون لله تعالى عظمة !
حقيقة تعظيم الأمر والنهي
وما أحسن ما قال شيخ الإسلام في تعظيم الأمر والنهي : هو ألا يعارضا بترخص جاف ولا يعارضا بتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد.(1/5)
ومعنى كلامه أن أول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم أمره ونهيه وذلك لأن المؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي أرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله عز وجل واتباعه وتعظيم نهيه واجتنابه فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالاً على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالأيمان والتصديق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الأكبر فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق ولب المنزلة والجاه عندهم ويتقي المناهي خشية السقوط من أعينهم وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع على المناهي فهذا لبس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي ولا عن تعظيم الآمر الناهي .
علامات تعظيم الأوامر
فعلامة التعظيم للأوامر :
· رعاية أوقاتها وحدودها .
· والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها .
· والحرص على تحسينها وفعلها في أوقاتها .
· والمسارعة إليها عند وجوبها .
· والحزن والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها .(1/6)
حسن الخاتمة
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وأحصى كل شيء عددا، رحم من شاء من عبادة فهيأ لهم في الدنيا ما يرفع به درجاتهم في الآخرة ، فثابروا على طاعته ، واجتهدوا في عبادته ، إن أصابتهم سراء شكروا فكان خيرا لهم ، وإن أصابتهم ضراء صبروا فكانوا ممن قال الله فيهم : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله علية وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن استغلاله فيما ينفعه في دار القرار ربحت تجارته، وإن أساء استغلاله في المعاصي والسيئات حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين ، وكم حسرة تحت التراب والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله ، وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سنتا في هلاكه، قال ابن مسعود: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه .
وكم شخص أصر على صغيرة فألفها وهانت عليه ولم يفكر يوما في عظمة من عصاه، فكانت سببا في سوء خاتمته ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبيقات . وقد نبه الله في كتابه جميع المؤمنين إلى أهمية حسن الخاتمة، فقال تعالى :( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . وقال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
فالأمر بالتقوى والعبادة مستمر حتى الموت : لتحصل الخاتمة الحسنة. وفد بين صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس يجتهد في الطاعات ويبتعد عن المعاصي مدة طويلة من عمره، ولكن قبيل وفاته يفترق السيئات والمعاصي مما يكون سببا في أن يختم له بخاتمة السوء ، قال صلى الله عليه وسلم : ( وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق علنه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )(1/1)
وورد في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رجلا من المسلمين في إحدى المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلى بلاء شديدا، فأعجب الصحابة ذلك ، وقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه من أهل النار ) . فقال بعض الصحابة: أينا ممن أهل الجنة إن كان هذا من أهل المار ؟ فقال رجل من القوم : أنا صاحبه،سأنظر ماذا يفعل ، فتبعه ، قال : فجرح الرمل جرحا شديدا فاستعجل الموت ، فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله ، قال: وما ذلك؟ قال: الرجل ال1ي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) وفي بعض الروايات زيادة: (وإنما الأعمال بالخواتيم
وقد وصف الله سبحانه عبادة المؤمنين بأنهم جمعوا بين شدة الخوف من الله مع الإحسان في العمل فقال : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم باين ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين ما ءاتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون * )(1/2)
وقد كانت هذه حالة الصحابة رضي الله عنهم ، وقد روى أحمد عن أبي بكر الصديق أنه قال: ( وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن ) وكان رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد . وكان علي بن أبي طالب يشتد خوفه من اثنتين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. وكان يقول: ألا ,إن الدنيا قد ولت وجبرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .
وقد كان موت الفحأة مذموما في الإسلام، لأنه يباغت صاحبه ولا يمهله، فربما كان على معصية فيختم له بالخاتمة السيئة .
وقد كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة خوفا شديدا ، قال سهل التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: ( وقلوبهم وجلة )
وينبغي أن يكون الخوف من سوء الخاتمة ماثلا أمام عين العبد في كل لحظة ، لأن الخوف باعث على العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة )
لكن إذا قاربت وفاة الشخص وأشرف على الموت فينبغي له حينئذ أن يغلب جانب اللاجاء، وأن يشتاق إلى لقاء الله ، فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل )
لكن كثيرا من جهلة المسلمين اعتمدوا على سعة رحمة الله وعفوه ومعفرته ، فاسترسلوا في المعاصي ، وهذا خطأ وضح واستدلال موصل للهلاك، فإن الله غفور رحيم وشديد العقاب كما صرح بذلك في كتابه في كثير من المواضع، فقال جل من قائل : (نبىء عبادي أنى أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم )(1/3)
وقال معروف الكرخي : رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق. وقال بعض العلماء : من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم، لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا .
وينبغي للمسلم أن يحرص على أن يتخلص من ديون الناس ومظالمهم، فإن ما كان للعبد عند أخيه سيطلبه منه يوم القيامة لا محالة، فإن كان له حسنات أخذ منها ، وإن لم يكن له حسنات أخذت سيئاته وطرحت عليه. وفد أخبر صلى الله عليه وسلم أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه.
وسنبين هنا الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة الإيجاز .
أولا التسويف بالتوبة :
والتوبة إلى الله من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف كل لحظة كما يدل عليه قوله تعالى: ( وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون )
وكان صلى الله عليه وسلم ـ وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يتوب إلى الله كل يوم مائة مرة ، روى الأغر المزني قال : قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس ، توبوا إلى الله ، فأني أتوب في اليوم مائة مرة )
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
ومن أنجح حيل إبليس التي يحتال بها على الناس التسويف في التوبة، فيوسوس للعاصي بأن يتمهل في التوبة ، فإن أمامه زمنا طويلا، ولو تاب الآن ثم رجع لا يمكن أن تقيل توبته بعد ذلك ، فيكون من أصحاب النار، أو يوسوس له بأنه إذا بلغ الخمسين أو الستين مثلا عليه أن يتوب توبة نصوحا، ويلزم المسجد ويكثر القربات ، أما الآن فإنه في شبابه وزهرة عمره فليمتع نفسه ولا يشق عليها بالتزام الطاعات من الآن .
هذا بعض مكائد إبليس في التسويف في التوبة .(1/4)
قال بعض السلف الصالح : أنذركم سوف، فإنها أكبر جنود إبليس ، ومثل المؤمن الحازم الذي يتوب إلى الله من كل ذنب وفي كل وقت خوفا من سوء الخاتمة ومحبة لله، والمفرط المسوف الذي يؤخر توبته ، كمثل قوم في سفر دخلوا قرية، فاما الحازم فاشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهبا للرحيل. أما المفرط فإنه يقول كل يوم : سأتأهب غدا،حتى أعلن أمير القافلة الرحيل ولا زاد معه، وهذا مثل للناس في الدنيا، فإن المؤمن الحازم متى ما جاء الموت لم يندم، أما العاصي المفرط فإنه يقول ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ...
ثانيا : طول الأمل:
وهو سبب شقاء كثير من الناس حين يخدع الشيطان أحدهم فيصور له أن أمامه عمرا طويلا وسنين متعاقبة، يبني فيها آمالا شامخة ، فيجمع همته لمواجهة هذه السنين ولبناء هذه الامال، وينسى الآخرة ولا يتذكر الموت ، وإذا ذكره يوما برم منه، لأنه ينغص عليه لذاته، ويكدر عليه صفو عيشه ، وقد حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم أشد تحذير فقال : ( إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان : اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا )
فإذا أحب الإنسان الدنيا أكثر من الآخرة آثرها عليها، واشتغل بزينتها وزخرفها وملذاتها عن بناء مسكنه في الآخرة في جوار الله في جنته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ويظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر، فإن الانفاس معدودة والايام مقدرة ، وما فات لن يعود، وعلى الطريق عوائق كثيرة بينها صلى الله عليه وسلم حينما قال : ( بادروا بالاعمال سبعاً هل تنظرون إلا إلى فقر منس ، أو غنى مطغ ، أو مرض مفسد ، أو موت مجهز، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )(1/5)
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ( كن في الدنيا أنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر يقول : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ). وكان ابن عمر يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك )
وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى ما يبعد عنهم طول الأمل ويبصرهم بحقيقة الدنيا، فأمر بتذكر الموت وبزيارة القبور وبتغسيل الموتى وتشييع الجنائز وعيادة المرضى وزيارة الصالحين، فإن كل هذه الأمور توقظ القلب من غفلته، وتبصره بما سيقدم عليه فيستعد له، وسنتكلم عن ذلك بإيجاز :
أ ) أما ذكر الموت دائما فإنه يزهد في الدنيا ويرغب في الاخوة، فيحمل على الاجتهاد في العمل الصالح وعدم الركون إلى الشهوات المحرمة في الدنيا الفانية . وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) .
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكثرهم للموت ذكرا، وأشدهم استعدادا له ، أولئك هم الأكياس ، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ) .
ثم يفكر الإنسان في الموتى، ألم يكونوا أقوياء الأبدان يملكون الأموال ويأمرون وينهون، واليوم قد تسلط الدود على أجسادهم فنخرها، وعلى عظامهم فبددها؟ ثم يفكر هل له أن يسلم من الموت أم أنه سيصل إلى ما وصل إليه أولئك فيستعد لتلك الدار ،ويتأهب بالأعمال الصالحة ، فإنها العملة النافقة في الآخرة ...(1/6)
ب) أما زيارة المقابر فإنها عظة بليغة للقلوب ، فإذا رأى الإنسان المساكن المظلمة المحفورة ، ورأى هذه النهاية التي يحثو فيها أحياء الميت عليه التراب بعد إدخاله في لحد ... ضيق، وإغلاقه عليه بلبنات من طين، ثم يرجعون عنه ويقتسمون أمواله، ويتملكون مخصصاته، وتزوجت نساؤه، وينسى بعد أن كان صاحب الكلمة في البيت، يأمر فيطاع ، وينهى فلا يعصر، فإذا زار المؤمن المقبرة وتفكر في ذلك أدرك فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) .
ج) أما تغسيل الموتى وتشييع الجنائز فإن في تقليب الجسد على خشبة المغسلة عظة بليغة ، وربما كان شديد البطش والهيبة، وقد صار بالموت جسدا خامداً لا حراك به، يقلبه الغاسل كيف يشاء .
وقد كان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال : اغدوا فإنا رائحون، موعظة بليغة وغفلة سريعة، يذهب الأول، والآخر لا عقل له، وكان عثمان رضي الله عنه إذا شيع الجنازة ووقف على القبر بكى، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي إذا وقفت على القبر ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد ) .
د) أما زيارة الصالحين فلأنها توقظ القلب وتبعث الهمة، فإن الزائر يرى الصالحين وقد اجتهدوا في العبادة وتنافسوا في الطاعات، لا غاية لهم إلا رضا الله، ولا هدف لهم إلا الفوز بجنته، معرضين عن التفاني على الدنيا والاشتغال بها، لأنها معوقة عن السير في ذلك الطريق الشريف. وقد أرشد الله نبيه أن يصبر نفسه مع هؤلاء : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا )(1/7)
وقيل للحسن : يا أبا سعيد، كيف نصنع ؟ أنجالس أقواما يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال : والله إنك إن تخالط أقواما يخوفونك حتى يدركك أمن خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى يدركك خوف .
ثالثا : حب المعصية وإلفها واعتيادها :
فإذا ألف الإنسان معصية من المعاصي ولم يتب منها فإن الشيطان يستولي بها على تفكيره حتى في اللحظات الأخيرة من حياته ، فإذا أراد أقرباؤه أن يلقنوه الشهادة ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله ، طغت هذه المعصية على تفكيره فتكلم بما يفيد انشغاله بها وإليك بعض قصص هؤلاء : رجل كان يعمل دلالا في السوق ولما حضرته الوفاة لقنه أولاده الشهادة، فكانوا يقولون له : قل لا إله إلا الله ، فيقول : أربعة ونصف أربعة ونصف . وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله ، فقال:
يارب قائلة يوما وقد تعبت
كيف الطريق إلى حمام منجاب
وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله ، فجعل يغني ،وربما أدركه الموت في المعصية نفسها، فيلقى الله على تلك الحال التي تغضبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من مات على شيء بعثه الله عليه ) .
رابعا : الانتحار :
فإذا أصاب المسلم مصيبة فصبر واحتسب كانت له أجرا ، وإن جزع وتضايق من الحياة ورأى أن أحسن طريق له يتخلص به من هذه الأمراض والمشاكل هو الانتحار فقد اختار المعصيه، وأسرع إلى غضب الله، وقتل نفسه بدون حق .(1/8)
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي بطعن نفسه يطعنها في النار ) وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( شهد رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي بالإسلام : هذا من أهل النار . فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحه، فقيل له : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلى النار ، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب . فبينما هم على ذلك إذ قيل له : إنه لم يمت ولكن به جراح شديدة،فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله . ثم أمر بلالاً فنادى في الناس أنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .
بشائر تدل على حسن الخاتمة
نبه النبي صلى الله عليه وسلم على بشائر تدل على حسن الخاتمة، إذا كانت وفاة العبد مع واحدة منها كان ذلك فالا طيبا وبشارة حسنة، منها :
1-نطقه بكلمة التوحيد عند الموت ، فقد روى الحاكم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) .
2- أن يموت شهيدا من أجل إعلاء كلمة الله، قال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) .(1/9)
3- أن يموت غازيا في سبيل الله ، أو محرما بحج، قال صلى الله عليه وسلم : (( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد وقال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته ناقته : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) .
4- روى حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام صوما ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ) .
5- الموت في سبيل الدفاع عن الخمس التي حفظتها الشريعة وهي : الدين، والنفس، والمال، والعرض ، والعقل. عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قاتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ) .
6- أن يموت صابرا محتسبا بسبب أحد الأمراض الوبائية ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعضها فمنها:
أ-الطاعون : روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الطاعون شهادة لكل مسلم )
ب- السل: روى راشد بن حبيش قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة ، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، والسل شهادة ) .
ج - داء البطن : روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ومن مات في البطن فهو شهيد ) .
د- ذات الجنب : روى جابر بن عتيك عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( وصاحب ذات الجنب شهيد ) وسيأتي بتمامه بعد قليل .
7-موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها : روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة ) .(1/10)
8-الموت بالغرق والحرق والهدم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الشهداء خمسة : المطعون ، والمبطون ، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله عز وجل ) .
وعن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الشهداء سبعة سوى المقاتل في سبيل الله : المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والمبطون شهيد ، والحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة ) .
9-الموت ليلة الجمعة أو نهارها : روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ) .
10-عرق الجبين عند الموت : فقد روى بريدة بن الحصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المؤمن يموت بعرق الجبين ) .
خاتمة :
وفي نهاية اللقاء يحسن بنا أن نوجز الوسائل التي جعلها الله سببا في حسن الخاتمة وهي :
أ-تقوى الله في السر والعلن والتمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو سبيل النجاة، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
وأن يحذر العبد أشد الحذر ، فإن الكبائر موبقات، وإن الصغائر مع الإصرار تتحول إلى كبائر، وكثرة الصغائر مع عدم التوبة والاستغفار ران على القلب.
قال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود،وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم ، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ) .
ب- المداومة على ذكر الله ، فمن داوم على ذكر الله وختم به جميع أعماله ، وكان آخر ما يقول من الدنيا لا إله إلا الله ، نال بشارة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) .(1/11)
وروى سعيد بن منصور عن الحسن قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(1/12)
دموع التائبين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وبعد :
همسة من محب
ـ أخي الحبيب ـ سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
أيها الحبيب .. لك وحدك .. من بين هذا الوجود .. أبعث هذه الرسالة ، ممزوجة بالحب ، مقرونة بالود ، مكللة بالصدق ، مجللة بالوفاء ، فافتح ـ أيها الحبيب ـ مغاليق قلبك .. وأرعني سمعك .. حتى أهمس في أذنك ..
نصيحة من أحبك على قدر طاعتك لربك. ويخشى عليك كخشيته على نفسه .
أخي.. إنك تحمل قلبا بتوحيد الله ناطقاً ، ومن ناره خائفاً ، وفي جنته راغباً ، على الرغم من تفريطك .
فها أنا ذا أمد يدي إليك ... وأفتح قلبي بين يديك .. وأضع كفي بكفك لنمشي سوياً على الصراط المستقيم ...
أعطني يدك
أخي .. تعال معي نسير على هذا الطريق علنا نفوز بمحبة الله ورضوانه .. فو الله إني أحب لك الجنة .
حديث الروح إلى الأرواح يسري
وتدركه القلوب بلا عناء
نداء وحنين ...
أخي الحبيب .. إن هذه الخطايا ما سلمنا منها فنحن المذنبون أبناء المذنبين.. ولكن الخطر أن نسمح للشيطان أن يستثمر ذنوبنا ويرابي في خطيئتنا . أتدري كيف ذلك ؟
يلقى في روعك أن هذه الذنوب خندق يحاصرك فيه لا تستطيع الخروج منه .
يوحي إليك أن أمر الدين لأصحاب اللحى والثياب القصيرة ، وهكذا يضخم الوهم في نفسك حتى يشعرك أنك فئة والمتدينون فئة أخرى . وهذه يا أخي حيلة إبليسية ينبغي أن يكون عقلك أكبر وأوعى أن تنطلي عليه .
صور تسكب دموع التائبين
أخي الحبيب.. تصور إذا مات الإنسان من غير توبة وهو يسحب على وجهه وهو أعمى في نار حرها شديد ، وقعرها بعيد ، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم فيها الصديد ( يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ) إبراهيم 17
يسحب على وجهه في نار ( وقودها الناس والحجارة ) التحريم 6
النار وما أدراك ما النار
سوداء مظلمة شعثاء موحشة
دهماء محرقة لواحة البشر(1/1)
فيها الحيات والعقارب قد جعلت
جلودهم كالبغال الدهم والحمر
لها إذا غلت فور يقلبهم
ما بين مرتفع منها ومنحدر
يا ويلهم تحرق النيران أعظمهم
بالموت شهوتهم من شدة الضجر
وكل يوم لهم في طول مدتهم
نزع شديد من التعذيب والسعر
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم
مع الشياطين قسراً جمع منقهر
فتذكر ـ رحمك الله ـ ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثي في النار يسجرون ) غافر 71-72
تذكر أخي ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) الأخزاب 66
أهل النار .. ( ليس لهم طعام إلا من ضريع * لا يسمن ولا يغني من جوع )الغاشية 6-7
أهل النار .. ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) الكهف 29
( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) محمد 15
أهل النار .. ( لهم من فوقهم ظلل من النار ون تحتهم ظلل ) الزمر 16
أهل النار .. ( يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ) إبراهيم 49-50
أهل النار .. ( قطعت لهم ثيات من نار يصب من فوق رؤوشهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ) الحج 19-20
أهل النار .. ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) الأنعام 27
استمع إليهم ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) فاطر 37
يقولون .. فاسمع ما يقولون ( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ) المؤمنون106-108
ينادون فانظر من ينادون
(ونادوا يا مالك ) ومالك خازن جهنم ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) الزخرف77-78
إخواني ..(وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) مريم 71-72
إذا مدّ الصراط على جحيم(1/2)
تصول على العصاة وتستطيل
فقوم في الجحيم لهم ثبور
وقوم في الجنان لهم مقيل
وبان الحق وانكشف الغطاء
وطال الويل واتصل العويل
فتفكر فيما يحل بك إذا رأيت الصراط وحدته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته ، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها وزفيرها ، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك ، واصطراب قلبك.
والخلائق أمامك يسيرون عليه ، فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكردس على وجهه في نار جهنم . (فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) .
أخي الحبيب.. إذا كان الحال كذلك فلا بد من وقفة مع النفس لمحاسبتها والسير بها إلى رضوان الله تعالى قال سبحانه ( ففروا إلى الله ) فهذا هو الملجأ والملاذ ـ الفرار إلى الله تعالى ـ قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: ( ففروا إلى الله ) بالتوبة من ذنوبكم ( زاد المسير 8\41) ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) الحديد 16
بعض فضائل التوبة :
إليك أخي الحبيب بعض فصائل التوبة حتى تشحذ بها همتك وتفر بها إلى مولاك سبحانه وتعالى:
أولاً: التوبة سبب نيل محبة الله ـ تعالى ـ وكفى بهذه الفضيلة شرفا للتوبة ، قال الله تعالى : (إن الله يحب التوابين) .
ثانياً: التوبة سبب نور القلب ومحو أثر الذنب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب وتزع واستغفر صقل قلبه منها ) الحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وهو في ( صحيح الجامع1666)(1/3)
ثالثاً: التوبة سبب لإغاثة الله تعالى لأصحابها بقطر السماء وزيادة قوة قلوبهم وأجسامهم ، قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام : ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ) هود 52
رابعاً: التوبة تجعل المذنب كمن لا ذنب له ، فعن أبي سعيد الأنصاري ، رضي الله عنه ـ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) أخرجة الطبراني في الكبير وهو في ( صحيح الجامع 6679)
خامساً: التوبة أول صفات المؤمنين ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) التوبة112
سادساً: التوبة سبب في فرح الرب ـ سبحانه وتعالى ـ فرحاً يليق بجلاله وعظمته ـ سبحانه ـ ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك ، إذ هو بها قائمة عنده..) متفق عليه
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : هذا الفرح له شأن لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه ، ولا يطلع عليه إلا من له معرفة خاصة بالله وأسمائه وصفاته ، وما يليق بعز جلاله . انتهى كلامه من (مدارج السالكين1\210)
سابعاً : وبالجملة ، فإن الله تعالى علّق الخير والفلاح بالتوبة ، فلا سبيل إلى نيل خيرات الدنيا والآخرة إلا بها ، قال سبحانه : ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور 31
أمور تعين على التوبة :
أخي الحبيب .. لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأً حصيناً ، يلجه المذنب معترفاً بذنبه ، مؤملاً في ربه ، نادماً على فعله ، غير مصر على خطيئته ، يحمي بحمى الاستغفار ، ويرجو رحمة العزيز الغفار ، إلا أنه توجد بعض العوائق في طريق سير العبد على التوبة وهاك بعضها :(1/4)
1-الإخلاص لله أنفع الأدوية ، فإذا أخلص الإنسان لربه ، وصدق في طلب التوبة أعانه الله عليها ، وأمده بألطاف لا تخطر بالبال ، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه قال الله تعالى : ( لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) يوسف 24
2-امتلاء القلب بمحبة الله ـ عز وجل ـ : فالمحبة أعظم محركات القلوب ، فالقلب إذا خلا من محبة الله ـ تعالى ـ تناوشته الأخطار ، وتسلطت عليه سائر النوائب والمحبوبات ، فشتته ، وفرقته .
ولا يغني هذا القلب ، ولا يلم شعثه ، ولا يسد خلته إلا عبادة الله ـ عز وجل ـ ومحبته .
3-المجاهدة : قال الله ـ تعالى ـ : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69
والمقصود بالمجاهدة مجاهدة النفس حتى الممات والسير بها إلى رضوان الله ـ تعالى ..
4-قصر الأمل ، وتذكر الآخرة : فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : أخذ رسرل الله صلى الله عليه وسلم ، بمنكبي فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ).
وكان ابن عمر يقول :( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري
قال ابن عقيل ـ رحمه الله ـ : ما تصفو الأعمال والأحوال إلا بتقصير الآمال ، فإن كل من عدّ ساعته التي هو فيها كمرض الموت ، حسنت أعماله ، فصار عمره كله صافيا .
5-الدعاء : فهو من أعظم الأسباب ، وأنفع الأدوية ، ومن أعظم ما يسأل ويدعى به سؤال الله التوبة النصوح ، ولذا كان من دعاء نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل ـ عليهما السلام ـ : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) البقرة 128
وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( رب اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم ) رواه أحمد والترمذي .(1/5)
6-استحضار أضرار الذنوب والمعاصي : ومنها حرمان العلم والرزق ، والوحشه التي يجدها العاصي في قلبه ، وبينه وبين رته ، وبينه وبين الناس .
ومنها تعسير الأمور ، وظلمه القلب وغيرها مما ذكره العلامة المحقق ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ( الداء والدواء ) فليراجعه من أراد المزيد فإنه فريد في بابه ـ رحم الله مؤلفه.
أخي الحبيب.. هذه بعض الأمور التي تعين على التوبة فعض عليها بنواجذك ، جعلني الله وإياك من التوابين .
أخي التائب.. ماذا لو أحسست بالفتور والضعف؟
أولاً: أخي عليك بسرعة طلب الغوث من الله ـ تعالى ـ فتدعوه ـ سبحانه ـ متضرعاً متذللاً أن لا يرفع عنك توفيقه وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين .
ثانياً : تفكر في أهوال يوم القيامة والقبور وتفكر في نعيم الجنة فسرعان ما يفتح الله عليك وتعود إلى ربك .
ثالثاً : واظب ـ أخي ـ على محاسبة النفس .
رابعاً : المحافظة على ألأذكار مع حضور القلب وتدبره لمعانيها .
خامساً : مجالسة الصالحين والعلماء العاملين فهو من أعظم أسباب رفع الهمة وإزالة الفتور .
أسأل الله أن يحفظني وإياك من الخور بعد الكور ومن الضعف بعد القوة ومن الضلال بعد الهدى .(1/6)
عظيم الأجر في المحافظة على
صلاة الفجر
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن والاه .
أيها الحبيب :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد :
فقد ذكر الله عمار المساجد فوصفهم بالإيمان النافع وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أمها الصلاة والزكاة وبخشية الله التي هي أصل كل خير فقال تعالى : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )[ التوبة 18] .
وحضورك إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة إنما هو عمارة لبيوت الله . والوصية لي ولك ، أن نحافظ على هذه الصلاة مع الجماعة لتكون لنا نوراً وبرهاناً يوم القيامة ، ولا تنس أنفسهم ، وضعف إيمانهم وقل ورعهم ، وماتت غيرتهم ، فلا يحرصون على حضور صلاة الفجر مع الجماعة ويتذرعون بحجج وأعذار هي أوعى من بيت العنكبوت ، وهم بصنيعهم هذا قد آثروا حب النفس وحب النوم على محاب الله ورسوله ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [ التوبة 24 ] .
أخا الإسلام : ألا تحب أن تسعد ببشرى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول فيما أخرجه الترمزي وأبو داود وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) كسب آخر ، إلى جانب النور التام لمن حافظ على صلاة الفجر ، ولكنه ليس كسبا دنيويا بل هو أرفع وأسمى من ذلك ، وهو الغاية الني يشمر لها المؤمنون ، ويتعبد من أجلها العابدون ، إنها الجنة وأي تجارة رابحة كالجنة قال عليه الصلاة والسلام : ( من صلى البردين دخل الجنة ) أخرجه مسلم أي من صلى الفجر والعصر .(1/1)
فيا له من فضل عظيم أن تدخل الجنة بسبب محافظتك على هاتين الصلاتين ، صلاة الصبح والعصر ، ولكن إذا أردت أن تعلم هذا فأقرأ كتاب ربك وتدبر وتفهم ما فيه فالوصف لا يحيط بما فيها ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )[السجدة 17] .
وليس هذا فحسب بل هناك ما هو أعلى من ذلك كله وهو لذة النظر إلى وجه الله الكريم ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى القمر ليلة ـ يعني البدر ـ فقال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) ) زاد مسلم يعني العصر والفجر .
قال العلماء : ( ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند ذكر الرؤية ، أن الصلاة أفضل الطاعات فناسب أن يجازى المحافظ عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى الله تعالى .
وينبغي أن تعلم أخي المسلم ، أن إيمان المرء يتمثل بحضور صلاة الفجر حين يستيقظ الإنسان من فراشه الناعم تاركاً لذة النوم وراحة النفس طلباً لما عند الله ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ) أخرجه مسلم ، من حديث جندب بن عبد الله .
إن النفس الزكية الطاهرة تسارع إلى ربها لأداء صلاة الفجر مع الجماعة ، فهي غالية الأجر وصعبة المنال إلا لمن وفقه الله لذلك .(1/2)
وكثير من الناس اليوم إذا آووا إلى فرشهم للنوم غطوا في سبات عميق قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم : ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام مكل عقدة يضرب عليك ليلا طويلا فإذا استيقظ ، فذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ ، انحلت عنه العقد فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) من رواية أبي هريرة .
فانظر أخي المسلم إلى عظيم المسؤولية وأهميتها فهذا رسولنا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام محذرنا من أن تصبح النفس خبيثة خاصة إذا نامت عن صلاة الفجر . فما بال هذا التقصير فينا ؟ لماذا هذا التساهل عندنا ؟ وكيف نأمل أن ينصرنا الله عز وجل ، وأن يرزقنا ، ويهزم أعداءنا ، وأن يمكن لنا في الأرض ونحن في تقصير وتفريط في حق الله . نسمع نداءه كل يوم حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ـ الصلاة خير من النوم ونحن لا نجيب ولا نستجيب أي بعد عن الله بعد هذا . هل أمنا مكر الله ؟ هل نسينا وقوفنا بين يدي الله ؟ والله لتوقفنّ غداً عند من لا تخفى علية خافية ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) [الأنعام 94] .
لا يا أخي قم عن فراشك وانهض من نومك واستعن بالله رب العالمين ولا تتثاقل نفسك عن صلاة الفجر ولو ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً .
إن الواحد منا ليسر حينما يدخل المسجد لصلاة الظهر أو المغرب أو العشاء ويجد جموع المصلين في الصف والصفين والثلاثة صغاراً وكباراً ، فيحمد الله ثم يأتي لصلاة الفجر ولا يجد إلا شطر العدد أو أقل من ذلك . أين ذهب أولئك المصلون ؟ : إنهم صرعى ضربات الشيطان بعقده الثلاث يغطون في سبات عميق فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(1/3)
ولو قيل لأحدهم إن عملك يدعوك قبل الفجر بساعة لأعد نفسه واستعد وأخذ بالأسباب حتى يستيقظ في الوقت المحدد بل لو أراد أحدنا أن يسافر قبل أذان الفجر لاحتاط لنفسه وأوصى أهله أن يوقظوه .لكنا لا نصنع هذا في صلاة الفجر.
فليتق الله أمرؤ عرف الحق فلم يتبعه وإذا سمعت أذان الفجر ، يدوي في أفواه الموحدين فانهض بنفس شجاعة إلى المسجد ، وكن من الذين يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار .
ثم اعلم يا أخا الإسلام أنك إذا أرخيت العنان لنفسك وتخلفت عن صلاة الفجر عرضت نفسك لسخط الله ومقته فانتبه لنفسك قبل أن يأتيك الموت بغتة وأنت لا تدري وقبل أن تقول نفس : ( يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ) وتقول ( لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) [الزمر 56-58] .
والآن قد جاءك النذير وتبين لك القول ، فانفذ بنفسك من حجب الهوى إلى سبيل الهدى وابحث عن الوسائل المعينة لحضور هذه الفريضة .
وهاكها باختصار.
1-إخلاص النية لله تعالى والعزم الأكيد على القيام للصلاة عند النوم .
2-الابتعاد عن السهر والتبكير بالنوم متى استطعت إلى ذلك .
3-الاستعانة بمن يوقظك عند الصلاة من أب أو أم أو أخ أو أخت أو زوجة أو جار أو منبه .
4-الحرص على الطهارة وقراءة الأوراد النبويه قبل النوم .
فبادر إلى الصلاة وأجب داعي الله .
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء ) [الأخقاف 32] .
ألهمنا الله وإياك البرّ والرشاد ووفقنا للخير والسداد وسلك بنا وبك طريق الأخيار الأبرار .
وأخيراً تذكر قول ربك : ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) [ق 37 ] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(1/4)
فضائل المدينة النبوية
الشريفة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من أرسله ربه لهداية الناس أجمعين وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .
أخي المسلم : سلام عليك ورحمة الله وبركاته .
... أحمد الله ياأخي الذي بلغك إلى هذه البلدة الطيبة – مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختارك من بين الملايين من الناس لتشرف بالإقامة فيها و زيارة المسجد النبوي الشريف .
هذه المدينة : التي اختارها الله عز وجل مهاجرا لرسوله صلى الله عليه وسلم ومنطلقاً لنشر الدين الإسلامي الحنيف .
هذه المدينة : التي أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لها فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا ، إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ) رواه مسلم .
هذه المدينة : التي يحفظها الله عز وجل ويحميها إذ جعل على مداخلها حرساً من الملائكة يمنعون الطاعون والدجال من الدخول إليها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال )رواه البخاري ومسلم .
هذه المدينة : التي من صبر على شدتها أو مات بها وراعى حرمتها نال شفاعته صلى الله عليه وسلم أو شهادته يوم القيامة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : (لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شاهداً) رواه مسلم .وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها ) رواه الإمام أحمد وغيره(1/1)
هذه المدينة : التي انتشر الإيمان منها وسيرجع وينضم إليها كما ترجع الحية إلى جحرها ، أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ) رواه البخاري ومسلم .
هذه المدينة : التي عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جنباتها وسار في فجاجها و أنت –أخي المسلم – تعيش حيث عاش صلى الله عليه وسلم وتسير حيث سار فهلا جعلته صلى الله عليه وسلم قدوة لك تهتدي بهديه وتسير على طريقته في كل صغيرة وكبيرة (يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب 021 وأقل ما تفعله –أخي المسلم – وأنت في هذه المدينة الطيبة أن تتأدب بالآداب التي تتناسب مع حرمة المكان الذي تعيش فيه ومن تلك الآداب مايلي: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
1- التحلي بالصبر وتحمل المشاق التي قد تواجهك فإن الساكن في المدينة قد تواجهه بعض تلك المشاق ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً ) كما تقدم .
2- الحرص على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واجتناب البدع ومحدثات الأمور فإن من أحدث في المدينة حدثاً –بفعل بدعة أو ارتكاب محرم ونحو ذلك - فقد عرض نفسه لسخط الله عز وجل لقوله صلى الله عليه وسلم ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدل ) رواه البخاري ومسلم .(1/2)
3- ... الحذر من الإعتداء على الناس في أعراضهم وأجسامهم وأموالهم فإن ذلك محرم في كل مكان وهو في المدينة أشد حرمة لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أراد أهل هذه البلدة بسوء –يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ) رواه مسلم . فهذه المدينة سماها الله عز وجل طابة كما ثبت في صحيح مسلم فمن عاش على الطيب والطهر طابت نفسه وصلح حاله ومن عاش على الخبث تكدرت نفسه واضمحل أمره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها )رواه البخاري ومسلم.
3- الحرص على الصلاة في المسجد النبوي ، فإن الصلاة فيه لها أجر عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) رواه البخاري ومسلم .
4- الصلاة في مسجد قباء –أحياناً- لأن أجر الصلاة فيه كأجر عمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج حتى يأتي هذا المسجد –يعني مسجد قباء – فيصلي فيه كان كعدل عمرة ) حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره
5- يشرع للرجال دون النساء زيارة البقيع للدعاء والإستغفار لمن دفن فيه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم –كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم – يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)
6- يشرع للرجال دون النساء زيارة شهداء أحد للدعاء والإستغفار لهم أيضاً فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه زارهم وروى ذلك الإمام أحمد وغيره من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.(1/3)
... هذه الأماكن التي تشرع زيارتها بالمدينة بقصد التقرب إلى الله عز وجل ولا تغتر أخي المسلم بفعل كثير من العوام حيث يزورون أماكن أخرى في المدينة بزعم التقرب إلى الله عز وجل فإنه لم يشرع شيء من ذلك غير ما تقدم .
... أخي المسلم نرجو لك إقامة طيبة سعيدة حافلة بالنشاط في طلب العلم النافع والعمل الصالح في هذا البلد الطيب ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد .(1/4)
فضل أيام عشر ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علىسيد المرسلين . وبعد:
فإنه من فضل الله ومنته أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح ومن هذه المواسم.
عشر ذي الحجة
وقد ورد في فضلها أدلة من الكتاب والسنة منها :
1-قال تعالى : ( والفجر * وليال عشر ) قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم .
2-عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال : ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) .
3-قال تعالى : ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) قال ابن عباس : أيام العشر .
4-عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر . فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد ) .
5-كان سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق ـ ( إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه ) .
6-قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان إجتماع أمهات العبادة فيه ،وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يأتي ذلك في غيره.
ما يستحب فعله في هذه الأيام :
1-الصلاة : يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل ، فإنها من أفضل القربات. روى ثوبان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(( عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك إليه بها درجة وحط عنك بها خطيئة ) وهذا عام في كل وقت .(1/1)
2- الصيام : لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت(( كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ) قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحباب شديدا.
3-التكبير والتهليل والتحميد : لما ورد في حديث ابن عمر السابق : ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ). وقال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ(( كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشرة يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ).
وقال أيضا: ( وكان عمر يكبر في قبته فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا ) .
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام ، وخلف الصلوات وعلى فراشه ، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا ، والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة .
وحريّ بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة الني فد أضيعت في هذه الأزمان، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير ـ وللأسف ـ بحلاف ما كان عليه السلف الصالح.
صيغة التكبير:
أ-الله أكبر .الله أكبر .الله أكبر كبيرا .
ب_الله أكبر .الله أكبر .لا إله إلا الله .والله أكبر . الله أكبر . ولله الحمد .
ج-الله أكبر .الله أكبر .الله أكبر . لا إله إلا الله . والله أكبر . الله أكبر ولله الحمد .
4-صيام يوم عرفة : يتأكد صوم يوم عرفة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها والتي بعدها ).رواه مسلم . لكن من كان في عرفة ـ أي حاجاً ـ فإنه لا يستحب له الصيام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرا.(1/2)
5-فضل يوم النحر : يغفل عن ذلك اليوم العظيم كثير من المسلمين ، وعن جلاله شأنه وعظم فضله الجم العفير من المؤمنين ، هذا مع أن بعض العلماء يرى أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق حتى من يوم عرفة . قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :(( خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر ) كما في سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم :(( أن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر ) ـ ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى ، وهو اليوم الحادي عشر ـ وقيل يوم عرفة أفضل منه ، لأن صيامه يكفر سنتين ، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة ، ولأنه ـ سبحانه وتعالى ـ يدنو فية من عباده ، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف ، والصواب : القول الأول ، لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة فليحرص المسلم ـ حاجا كان أن مقيما ـ على إدراك فضله ، وانتهاز فرصته .
بماذا نستقبل مواسم الخير:
1-حري بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح ، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي ، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه ، وتحجب قلبه عن مولاه .
2-كذلك تستقبل ـ مواسم الخير عامة ـ بالعزم الصادق الجاد على اغتنام بما يرضى الله ـ عز وجل ـ فمن صدق الله صدقه الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) العنكبوت 69
فيا أخي المسلم احرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة ، قبل أن تفوت عليك فتندم ولات ساعة مندم .
وفقني الله وإياك لاغتنام مواسم الخير ، وأن يعيننا فيها على طاعته وحسن عبادته .(1/3)
كلمة التوحيد
لا إله إلا الله
تتكرر هذه الكلمة العظيمة على الأفواه في اليوم ملايين المرات في مشارق الأرض ومغاربها، ولا غرابة فهذه الكلمة شعار المسلم، ومفتاح الجنة، وهي كلمة التوحيد، وكلمة الإسلام. لكن هل هذه الكلمة هي مجرد كلمة تلقى من الأفواه والألسن ؟ أم أن أمرها أكبر من ذلك وأعظم ؟
سئل وهب بن منبة : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ فقال: كل مفتاح له أسنان، فإذا أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
فيا ترى ما هي أسنان لا إله إلا الله ؟
معنى لا إله إلا الله :
تتكون هذه الكلمة من شطرين (لا إله) و (إلا الله) ، ولكل من الشطرين معنى عظيم لا يدل عليه الآخر. فالشطر الأول ناف، والشطر الآخر مثبت.
ف(لا) يسميها أهل العربية النافية للجنس، بمعنى أنها تنفي كل ما بعدها من الأجزاء المتعلقة بهذا الجنس فلا يوجد شيء منها البتة. فعندما تقول: لا إله فأنت تنفي جنس الآلهة من الكون كله علويه وسفليه قديمه وحديثه، وبذلك يحصل خلو كامل في القلوب من كل مألوه، ليأتي الشطر الثاني من هذه الكلمة فيملأ هذا الفراغ العظيم الذي أحدثه الشطر الأول، وعندها يمتلأ القلب بالتوحيد، وهو المطلوب. وقد دل على هذا المعنى قول الله تعالى ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله..) فقدم الكفر بالطاغوت الذي هو التخلية، وأتبعه بالإيمان بالله الذي هو التملية، أو التحلية.
وأما (الإله) فهو المألوه -أي المعبود- وهو الذي تألهه القلوب محبة وتعظيماً. تحبه لكمال فضله وإحسانه، وتعظمه لكمال ذاته وصفاته، وهذا لايتحقق في المخلوقين لنقصهم في الفضل والإحسان، والذوات والأوصاف، فلم يبق أحد يتصف بذلك إلا الله وحده.
وأما العبادة فهي عبارة عما يجمع كمال المحبة وكمال التذلل للمعبود، فكل عمل اجتمع فيه هذان الشرطان فهو عبادة، وما اختل فيه شرط لم يكن عبادة. وإن كانت صورته صورة عبادة.(1/1)
فالعابد يعبد المعبود لأمرين : الأول : لكمال هذا المعبود من كل وجه ولابد، وكل معبود حصل له نقص لم يستحق أن يكون معبوداً، لأن الكمال شرط في المعبود.
الآخر: لكمال فقر العابد وحاجته لهذا المعبود من كل وجه. وبهذا يتبين أن هذه الأمور لا تتحق في مخلوق من المخلوقين، وذلك لنقص المخلوق من كل وجه، ولعجزه عن نفع غيره أو ضره، بل إنه ليعجز عن تقديم ذلك لنفسه. وإنما تتحقق لله سبحانه فثبت بذلك أنه المستحق للألوهية وحده، لكماله من كل وجه، ولحاجة العابد إليه من كل وجه.
ومما سبق يتضح أن معنى لا إله إلا الله، نفي جميع أنواع العبادة عما سوى الله، لأنه لا يستحقها أحد غيره، وإثباتها لله وحده لأنه هو المستحق لها دون سواه، وكل من عبد من دون الله أو صُرف له شيء من العبادة فذاك ظلم، وجور لأنه وضع لشيء عظيم -وهو العبادة- في غير موضعه. وهذا هو الشرك، وهو أعظم الظلم كما قال تعالى: ( إن الشرك لظلم عظيم ) .
فلا إله إلا الله هي شعار التوحيد، وهي تدل من حيث المنطوق والمفهوم، واللزوم، والاقتضاء على أنه لا معبود بحق الله، وأنه لا يستحق أحد العبادة غيره سبحانه، بل جميع أنواع العبادة يجب صرفها له وحده.
شروط لا إله إلا الله:
1- العلم بمعناها نفياً وإثباتاً. والدليل قول الله تعالى: ( إلا من شهد بالحق ) أي بلا إله إلا الله (وهم يعلمون) بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم(من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة )
2-استيقان القلب بها. والدليل قول الله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )، وقول النبي صلى الله عليه وسلم( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلادخل الجنة ) .
3- الانقياد لها ظاهراً وباطناً. والدليل قول الله تعالى: ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) .(1/2)
4- القبول لها فلا يرد شيئاً من لوازمها ومقتضياتها. والدليل قول الله تعالى: ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ) إلى قوله تعالى : (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون ائنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به قال أبو عبد الله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت الماء قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض ) .
5- الإخلاص فيها. والدليل قول الله تعالى: ( ألا لله الدين الخالص) وقال تعالى : ( فاعبد الله مخلصاً له الدين)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) .
6- الصدق من صميم القلب لا باللسان فقط. والدليل قول الله تعالى: ( ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )، وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ رديفه على الرحل قال: ( يا معاذ بن جبل قال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ) قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا قال: إذا يتكلوا وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.(1/3)
7- المحبة لها ولأهلها، والموالاة والمعاداة لأجلها. والدليل قول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) وهو في الصحيح.(1/4)
كيفية صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله تعالى) إلى كل من يحب أن يصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري .
1-يسبغ الوضوء وهو أن يتوضأ كما أمره الله عملاً بقوله سبحانه وتعالى (يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تقبل صلاة بغير طهور)
2- يتوجه المصلي إلى القبلة وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصداً بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة ، ولا ينطق بالنية ، لأن النطق باللسان غير مشروع ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي الله عنهم ، ويسن أن يجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماماً أو منفرداً ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
3- يكبر تكبيرة الأحرام قائلاً الله أكبر ناظراً بصره إلى محل سجوده .
4- يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه ، أو إلى حيال أذنيه .
5- يضع يديه على صدره ، اليمنى على كفه اليسرى . لورود ذلك من حديث وائل بن حجر و قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه رضي الله عنه .
6- يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد .
وإن شاء قال بدلاً من ذلك ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعال جدك ولا إله غيرك) ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ويقرأ سورة الفاتحة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ويقول بعدها آمين جهراً في الصلاة الجهرية ثم يقرأ ما تيسر من القرآن.(1/1)
7- يركع مكبراً رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلاً رأسه حيال ظهره واضعاً يديه على ركبتيه مفرقاً بين أصابعه ، ويطمئن في ركوعه ويقول سبحان ربي العظيم والأفضل أن يكررها ثلاثاً أو أكثر ويستحب أن يقول مع ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي
8- يرفع رأسه من الركوع رافعاً يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً سمع الله لمن حمده إن كان إماماً أو منفرداً ويقول بعد قيامه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ماشئت من شيء بعد، وإن زاد بعد ذلك( أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) فهو حسن . لأن ذلك قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الصحيحة .
أما إن كان مأموماً فإنه يقول عند الرفع ( ربنا ولك الحمد إلى آخر ما تقدم . ويستحب أن يضع كل منهم يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع ، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما .(1/2)
9- يسجد مكبراً واضعاً ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلاً بأصابع رجليه ويديه القبلة ضاماً أصابع يديه ويكون على أعضائه السبعة ،الجبهة والأنف واليدين والركبتين وبطون أصابع الرجلين ويقول سبحان ربي الأعلى ويكرر ثلاثاً أو أكثر ويستحب أن يقول مع ذلك سبحانك اللهم بحمدك اللهم اغفر لي ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم وقوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء . رواهما مسلم في صحيحه . ويسأل ربه له ولغيره من المسلمين من خير الدنيا والآخرة ، سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلاً ، ويجافي بين عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويرفع ذراعيه عن الأرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( واعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب )
10- يرفع رأسه مكبراً ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويضع يديه على فخذيه وركبتيه ويقول : ( رب اغفرلي وارحمني واهدني واجبرني ) ويطمئن في هذا الجلوس حتى يرجع كل فقار إلى مكانه كاعتداله بعد الركوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل اعتداله بعد الركوع وبين السجدتين .
11-يسجد السجدة الثانية مكبراً ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى .
12- يرفع رأسه مكبراً ويجلس جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة وهي مستحبة في أصح قولي العلماء وإن تركها فلا حرج وليس فيها ذكر ولا دعاء ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية معتمداً على ركبتيه إن تيسر ذلك ، وإن شق عليه اعتمد على الأرض .(1/3)
ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى ولا يجوز للمأموم مسابقة إمامه والسنة له أن يكون أفعاله بعد إمامه من دون تراخ وبعد انقطاع صوته لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما جعل الإمام ليأتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فإذا سجد فاسجدوا ) متفق عليه.
13- إذا كانت الصلاة ثنائية أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيدين جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصباً رجله اليمنى مفترشاً رجله اليسرى واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضاً أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد ، وإن قبض الخنصر و البنصر من يده وحلق إبهامه مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو ( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) ثم يقول ( اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )
ويستعيذ بالله من أربع فيقول ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ) ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس سواء أكانت الصلاة فريضة أو نافلة ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً ( السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله ) .(1/4)
14-إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء قرأ التشهد المذكور آنفاً مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهض قائماً معتمداً على ركبتيه رافعاً يديه إلى حذو منكبيه قائلاً الله أكبر ويضعهما أي يديه على صدره كما تقدم ويقرأ الفاتحة فقط . وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ويكثر من الدعاء ومن ذلك اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية ، لكن يكون في هذا الجلوس متوركاً واضعاً رجله اليسرى تحت رجله اليمنى ومقعدته على الأرض ناصباً رجله اليمنى لحديث أبي حميد الساعدي في ذلك ، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله . ويستغفر الله ثلاثاً ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .(1/5)
ويسبح ثلاثاً وثلاثون ويحمد ثلاثاً وثلاثون ويكبر مثل ذلك ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ويقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة ويستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب لورود حديث صحيح بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
كما يستحب أن يزيد بعد الذكر المتقدم بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان إماماً انصرف إلى الناس وقابلهم بوجهه بعد استغفاره ثلاثاً وبعد قوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، ثم يأتي بالأذكار المذكورة كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم . وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة . ويستحب لكل مسلم ومسلمة أن يحافظ على اثنتي عشر ركعة في حال الحضر وهي أربع قبل الظهر وثنتان بعدها وثنتان بعد المغرب وثنتان بعد العشاء وثنتان قبل صلاة الصبح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليها وتسمى بالرواتب . وقد ثبت في صحيح مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة ) .(1/6)
وقد فسرها الإمام الترمذي في روايته لهذا الحديث بما ذكرنا، أما في السفر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك سنة الظهر والمغرب والعشاء ويحافظ على سنة الفجر والوتر ولنا فيه أسوة حسنة لقول الله سبحانه ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقوله عليه الصلاة والسلام (صلوا كما رأيتموني أصلي ) والله ولي التوفيق .. وصلى الله على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .(1/7)
اغتنام الأوقات بالاعمال الصالحات
قبل الندم عليها
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ). وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا ، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيء جهازه للرحيل: قال تعالى : ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(( مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ) .
ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال لهم : من ذا الذي يبني على موج البحر داراً ، تلكم الدنيا ، فلا تتخذوها قراراً . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن الدنيا قد أرتحلت مدبرة ،وإن الآخرة قد أرتحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل .
قال بعض الحكماء: عجب ممن الدنيا مولية عنه، والآخرة مقبلة، إليه يشتغل بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم،كتب الله عليها الفناء ، وكتب على آهلها منها الظعن، فاحسنوا ـ رحمكم الله ـ منها الرحلة بأحسن ما بحضراتكم من المقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
حال المؤمن في الدنيا(1/1)
وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطناً، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين : إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو ليله ونهاره، يسير إلى بلد الإقامة ، فلهذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا عبى أحد هذين الحالين :
فأحدهما: أن ينزل المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة، لكن في بلد غربة ، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة ، لب قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه : قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لأنه لما خلق آدم أسكن هو وزوجته الجنة ، ثم أهبطا منها، ووعدا الرجوع إليها ، وصالح ذريتهما، فالمؤمن أبداً يحن إلى وطنه الأول.
فحي على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتها التي
لها أضحت الأعداء فينا تحكم
كان عطاء السلمي يقول في دعائه : اللهم ارحم في الدنيا غربتي ، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غداً بين يديك .
وما أحسن قول يحي بن معاذ الرازي : الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين.
الحال الثاني : أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم البتة ، وإنما هو سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به السفر إلى آخره ، وهو الموت ، ومن كانت هذه حاله في الدنيا، فهمته تحصيل الزاد للسفر، وليس له همة في الاستكثار من متاع الدنيا، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب.
قيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت. قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم ورحله إلى الآخرة ؟
الحث على اغتنام أوقات العمر
وقال الحسن: إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك.(1/2)
وقال ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار، وحتى يسلمانك إلى الآخرة .
قال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ينتهي ذلك بهم إلى آخر سسفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها ، فافعل ،فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بغتك.
وكتب بعض السلف إلى أخ : يا أخي يخيل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تساق مع ذلك سوقاً حثيثاً ، الموت موجه إليك ، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك ، فليس بكار عليك.
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر
ولا بد للإنسان من حمل عدة
ولا سيما إن خاف صولة قاهر
قال بعض الحكماء : كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره ، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله ، وتقوده حياته إلى موته .
وقال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل : فما الحيلة ؟قال يسيرة، قال: ما هي؟ قال : تحسن فيما بقي غفر لك ما مضى ، فإنك إن أسأت،أخذت بما مضى وبما بقي.
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإن لم يسر ، وفي هذا قال بعضهم :
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها داع إلى الموت قاصد
وأعجب شيء ـ لو تأملت ـ أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد
قال الحسن: لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الأجال . وكتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد، فقد أحيط بك من كل جانب، وأعلم أنه يسار بك قي كل يوم وليلة، فأحذر الله والمقام بين يديه ، ولن يكون آخر عهدك به، والسلام.
نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأيامنا تطوى وهن مواحل
ولم أر مثل الموت حقاً كأنه
إذا ما تخطفه الأماني باطل
وما أقبح التقريط الصبا
فكيف به والشيب للرأس شامل(1/3)
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
ذم طول الأمل والحث على تقصيره
وأما وصية ابن عمر وضي الله عنهما، فهي مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح، وإذا أصبح لم ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك ، قال المروزي : قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد ـ أيّ شيء الزهد في الدنيا ؟ قال : قصر الأمل ، من إذا أصبح، قال: لا أمسي.وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله ، فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها، فكان هذا دأبه إذا أراد النوم، وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب، فليفعل، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا، ويصبح في أهل الآخرة .
وقال عون بن عبد الله : ما أنزل الموت كنه منزلته من عدّ غداً من أجله، وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها ، وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صل صلاة مودع ) روى عن أبي الدرداء والحسن أنهما قالا : ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك . ومما أنشد بعض السلف .
إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً
فإنما الربح والخسران في العمل
الحث على استغلال أيام العمر في الأعمال الصالحة
قوله : ( وخذ من صحتك لسقمك ، ومن حياتك لموتك ) ، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وقد روي معنى هذه الوصية عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثيرمن الناس : الصحة والفراغ ) ، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) .(1/4)
وقال غنيم بن قيس : كنا نتوسط في أول الإسلام : ابن آدم اعمل في فراغك قبل شغلك، وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك وفي دنياك لآخرتك ، وفي حياتك لموتك.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان،أو الدجال، أو الدابة، وخاصة أحدكم ، أو أمر العامة ) .
وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل، كما قال تعالى : (يوم يأتي بعص آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) .
عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيماها خيراً : طلوع الشمس من مغربها، والدجال ، ودابة الأرض ).
فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل لا يقدر عليها ويحال بينه وبينها ، إما بمرض أو موت ، أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل.
قال أبو حازم : إن بضاعة الآخرة كاسدة ويوشك أن تنفق، فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليها، يتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل ، فلا تنفعه الأمنية.
قال تعالى : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون *واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من قبل أن يأتيكم العذاب تغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) .(1/5)
وقال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعما صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) .
اغتنم في الفراغ فضل ركوع
فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم
ذهبت نفسه الصحيحة فلته(1/6)
من السنّة
1-إفشاء السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .
2-عند الإحساس بوجع في الجسد : ( ضع يدك على الذي تألّم من جسدك وقل : بسم الله، ثلاثا، وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) رواه مسلم .
3-إذا رأى شيئا فأعجبه وخشي أن يصيبه بالعين ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأى أحدكم من أخيه، أو من نفسه ، أو من ماله ما يعجيه فليدع له بالبركة ، فإن العين حق ) مسند أحمد . وابن ماجة وصححه الألباني ( مثل اللهم بارك له وفيه ، بارك الله لك فيه ) .
4-أداء السنن الراتبة في البيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ..فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) وراه البخاري . وعن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة ) رواه الترمزي .
5-صلاة الضحى ، وصيام النوافل ، والوتر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر ) رواه البخاري .
6-تخفيف ركعتي سنة الفجر ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول هل قرأ بأم الكتاب ؟ رواه البخاري .
7-السواك عند الصلاة ، قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم به عند كل صلاة ) أي السواك . رواه الدرامي .
8-حفّ ( قص ) الشارب ، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللّحى ) رواه مسلم .(1/1)
9-المحافظة على الوتر ، عن على رضي الله عنه قال : أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( يا أهل القرآن أوتروا ، فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر ) رواه الترمزي .
10-قراءة سورتي الكافرون ، والإخلاص ، وذلك في سنة الفجر القبلية رواه مسلم ، وسنة المغرب البعدية رواه أحمد .
11-تعجيل الفطر عند الصيام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) رواه مسلم .
12-عند الشعور بالهم والضيق قول : ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال ) رواه البخاري .
13-تعويذ الأولاد من كل مكروه ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ( أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كا عين لامة ) رواه البخاري .
14-اتخاذ السترة في الصلاة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ) رواه أحمد وابن خزيمة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلوا إلى سترة ... ) رواه ابن خزيمة والحاكم والبيهقي .
والسترة في الصلاة مشروعة للإمام وللمنفود ، أما المأموم فسترت إمامة سترة له .
15-عند السجود نصب القدمين ، وضمهما إلى بعضهما وجعل الأصابع باتجاه القبلة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش ، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان ..)) رواه مسلم .
أخذ العلماء من هذا الحديث مشروعية نصب القدمين حال السجود .
16-عند وقوع اللقمة عدم تركها كما هو معروف عند الناس ، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاثة وقال : ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى ، وليأكلها ولا يدعها للشيطان ..) رواه أحمد . وما هو معروف عند الناس أن اللقمة إذا وقعت لحسها الشيطان أو أكل منها فهذا لا أصل له .(1/2)
17-عند الإصابه بالمصيبة قول : ( الحمد لله على كل حال ) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . رواه ابن ماجه وصححه الألباني وقول البعض : ( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ) ، دليل على قلة الصبر أو على عدم كماله ، كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عثيمين في شرحه لكتاب رياض الصالحين .
18-عند الذبح إراحة الذبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحدّ أحدكم شفرته وليريح ذبيحته ) رواه الترمذي .
19-بعد التشهد الآخر في الصلاة التعوذ بالله من أربع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهمم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر المسيح الدجال ) رواه مسلم .
20-عقب السلام من الوتر قول : ( سبحان الملك القدوس ) ثلاث مرات ، والثالثة يجهر بها ويمد بها صوته . رواه النسائي ، والدار قطني .
21-عند هبوب الريح قول ـ ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر مافيها ، وشر ما أرسلت به ) رواه البخاري ومسلم .
22-عند سماع صوت الديك قول : اللهم إني أسألك من فضلك ، قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكا .. ) رواه البخاري ومسلم .
23-عند دخول السوق قول : ( لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير ) رواه الترمذي، والحاكم
24-عند نزول المطر قول : ( اللهم صيبا نافعا ) رواه البخاري .
25-بعد نزول المطر : ( مطرنا بفضل الله ورحمته ) رواه البخاري ومسلم .(1/3)
26-عند سجود التلاوة قول : ( سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه وبصره ، بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين ، اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود ) رواه الترمذي ، وأحمد ، والحاكم .
27-عند سماع صوت الرعد قول : ( سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقالها ، موطأ الإمام مالك ، قال الألباني : صحيح الإسناد موقوفا ) .
28-قبل إتيان الزوجة ( الجماع ) قول : ( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ) رواه البخاري .
29-عند التثاوب محاولة رده ما استطاع، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التثاوب من الشيطان ، فإذا تثاوب أحدكم فليرده ما استطاع ، فإن أحدكم إذا قال : ها ، ضحك الشيطان ) رواه البخاري .
30-عند سماع نباح الكلب ، ونهيق الحمار التعوذ منهن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم نباح الكلب ، ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله منهن ، فإنهن يرين ما لا ترون ) وراه أبو داود ، وأحمد ، وصححه ألألباني .(1/4)
31-عند الاستخارة قول هذا الدعاء ، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ( إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ( أي يصلي ركعتين ) ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فصلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر _ ويسمي حاجته _ خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري _ أو قال : عاجله وآجله -فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري _ أو قال : عاجله وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به ) رواه البخاري .(1/5)
نداء إلى الشباب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد
أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
أيها الإخوة:!
كان حديثي معكم في الجمعة الماضية، عن صور الانحراف في حياة الشباب، وخطورة ذلك على حاضر الأمة ومستقبلها، وتكلمنا عن وجوب المسارعة في التغيير والإصلاح. وذكرنا المؤسسات الأربع الإصلاحية وهي البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام، ودور كل منها في تصحيح المسيرة، وأما اليوم فحديثي مع الشباب، ومن سار على نهج الشباب، فاسمعوا يا معاشر الأحباب لقول ناصح مشفق يرجو لكم الفلاح، ويخشى عليكم مغبة الانحراف.
أيها الشاب: إنني أخاطب فيك عقلك، الذي فضلك الله به على الحيوانات والعجماوات. (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
نعم أيها الشاب أخاطب فيك أشرف ما فيك في حين يخاطب فيك أعداؤك أسوأ ما فيك إنهم يخاطبون فيك الغريزة الجنسية، والشهوة الحسية فأنزلوك من الرفعة البشرية والكرامة الربانية، إلى منازل البهائم والحشرات، وأشر المخلوقات لأنها لا تدعى بعقولها ولا بضمائرها وإنما تدعى ببطونها وفروجها.(1/1)
أيها الشاب: أين عزة الإيمان وأنفة الإسلام؟ كيف ترضى لنفسك تقليد شر الدواب، ألا تسمع قول الباري عز وجل: (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون) هذا كلام الله عنهم، وهذا حكمه فيهم أشر ما يدب على الأرض، هم جثا جهنم وحطبها ووقودها (ناراً وقودها الناس والحجارة). فكيف ترضى أن تكون شبيههم أو جليسهم أو أكيلهم وهم ملعونون بلعنة الله لهم. ألا تقرأ في القرآن (ألا لعنة الله على الكافرين) ألا تقرأ (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) وقوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)
ألا تعلم أن من أحب قوماً حشر معهم فهل تحب ذلك؟ ألا تعلم أن محاكاتهم في عاداتهم وملابسهم وأمورهم الظاهرة تقود إلى محبة قلبية لهم وتلك ردة عن الدين. وإن مما فشا في الشباب بشكل ملفت أنهم تركوا عادات البلاد المسلمة من لبس الشماغ والعمامة، ونحوهما واستبدلوا ذلك بالقبعة التي هي من لبوس الافرنج، وليست من عادات الإسلام في شيء.
أيها الشاب: قل لي بربك هل تحب مرافقة هؤلاء القوم يوم القيامة، فتساق معهم إلى ذلك السجن الرهيب الذي لا خروج لهم منه أبداً. هم والله أحقر المخلوقات وأدنى البريات هانوا على الله فكفروا به، ولو عزوا عنده لآمنوا به وصدقوا رسله فلا تحسبنهم على شيء فجانبهم وخالفهم ولو في الطريق الذي يمشون فيه.(1/2)
واسمع ما قاله ابن القيم عن اليهود: هم الأمة الغضبية، أهل الكذب والبهت والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت -وهو الربا والرشا- أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعهدم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم -في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء- حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفه، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم أعقلهم، وأحذقهم أغشُهم، أضيق الخلق صدوراً، وأظلمهم بيوتاً، وأنتنهم أفنية، تحيتهم لعنة، شعارهم الغضب، ودثارهم المقت.
وقال عن النصارى أمة الصليب: هم المثلثة، أمة الضلال، وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وقالوا فيه: ما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) وقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه سبحانه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن. فدينهم -أي النصارى- عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر، والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا، وارحمينا! فدينهم شرب الخمور، وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير ا.هـ ابن القيم رحمه الله.
فهل مثل هؤلاء يصلحون للقدوة والاتباع؟ حاشا والله وكلا.(1/3)
أيها الشاب: لماذا الاعراض عن عبادة الله وطاعتة؟ لماذا تطيع الشيطان وتستجيب لوسوسته؟ ألا تعلم أنه عدوك المبين؟ ألا تعلم أنه يتبرأ يوم القيامة من أتباعه؟ (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم).
أيها الشاب لماذا لا تصلي؟ ألا تعلم أن الصلاة عماد الدين؟ وهي الفرق بين المسلم والكافر. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيجح. وقال: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما بإسناد صحيح.
فهل ترضى أن تحشر مع أئمة الكفر لأنك لم تحافظ على صلاتك؟
أيها الغافل تذكر:
تذكر الموت وشدته، وكربه وسكراته، تذكر وأنت طريح الفراش، تنظر إلى من حولك، ولا تستطيع كلاماً ولا ترد جواباً، وهم عاجزون عن غوثك، ولا يستطيعون تخفيف روعك ولوعتك. واستمع إلى هذا الوصف القرآني العجيب لحال المحتضر
(فلولا إذا بلغت الحلقوم. وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين . فأما إن كان من المقربين. فروح وريحان وجنت نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم. إن هذا لهو حق اليقين).(1/4)
وقال عن الظالمين خاصة: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون. ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون). وقال: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق). هذا وصف القرآن للاحتضار، فاسمع لهذا الوصف العملي لمن قاسى هذه الساعات الرهيبة والتي ستأتي عليّ وعليك يوماً من الدهر، ولابد والله المستعان.
عن عوانة بن الحكم قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فلما نزل به الموت قال له ابنه عبد الله فصف لنا الموت وعقلك معك فقال يا بني الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصف لك منه شيئا: أجدني كأن على عنقي جبال رضوى وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة.
أيها الشاب: تذكر أول ليلة في القبر وقد قيل: أول ليلة في القبر تنسي ليلة العرس. فتوضع في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد فارقك الأحباب، وواجهتك الصعاب وقاسيت الحساب. أصبحت رهين الجنادل والثرى، فأين محاسن الأبدان، وأين العطور والريحان، وأين الثياب الجميلة، الروائح الزكية؟ أين أنت من يوم تنخسف فيه الوجنتان، وتسيل على الخدين العينان، وتعيث في الجوف الديدان، وليس مؤنس ولا جليس إلا الأعمال، فإن كانت صالحة فطبت وطاب مسعاك، وإن كانت فاسدة فخبت وخاب مثواك.(1/5)
أما تسمع صوت القبر وهو ينادي كل يوم: أنا بيت الغربة أنا بيت الظلمة أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود، أنا الذي أُذهب محاسن الوجوه، وأذهب نضارة الخدود والجلود. وكل راحل إليّ مفقود، لا يعود، وسيعلم حقيقة الحال كل غافل وجحود، فأعد لي العدة، وأكثر من الصيام والسجود، وتزود لذلك اليوم الموعود.
أخي في الله: تذكر وقد دعاك الداعي للحشر والمعاد، فتقوم من قبرك وقد تشققت الأرض عن الخلائق، والكل قام لرب العالمين (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر). تذكر حضور الخلائق لأرض المحشر عارية أبدانهم، حافية أقدامهم ينتظرون الحساب، لاظل يستظلون، ولا ماء يشربون، وقد دنت الشمس على رؤوسهم مقدار ميل، وحصل لك من الهول ما ينخلع منه الفؤاد، وقد رأيت الغيب شهادة، فتجلي مان كان بالأمس عنك خافياً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. فقرعت سنك حسرة وندامة، ومقت نفسك ولمتها غاية الملامة. عن سليم بن عامر قال: حدثني المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل قال سليم بن عامر: فوالله ما أدرى مايعنى بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين- قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما) قال وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. رواه مسلم. فويل لمن ظلم نفسه وتعدى.
((1/6)
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال. وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال. وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار. وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد. سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار. ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب)، وبينما الخلائق في ذلك الموقف الرهيب، على الحال التي وصف الله سبحانه وتعالى إذ حدث أمر رهيب، وياله من حدث ما أهوله. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) رواه مسلم.
نعم يؤتى بجهنم إلى أرض المحشر وهي تتغيض وتزفر على أعداء الله، ولو تركت لحالها لالتهمت أهل المحشر.(1/7)
أخي في الله تذكر: والخلائق يدعون بأسمائهم، وقد وضعت الموازين، ونشرت صحف الأعمال، وأنت تنتظر اسمك أن ينادى به، كم يحل بك من الفزع والخوف والهلع لا تدري أي كفتي ميزانك ترجح. فبينا أنت في ذهولك وفزعك إذ باسمك يطير في الأسماع فتتقدم إلى كفة الميزان وقد نشرت لك الصحائف التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حوتها من أعمال قد نسيتها، ومثاقيل الذر جيئ بها، (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) فلا تدري بعد ذلك أترجح الحسنات فتنجو أو ترجح السيئات فتهلك (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه. فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه. نار حامية) ويا له من هول وأنت تتقدم لاستلام صحيفة العمل (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم. ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلا الخاطئون)(1/8)
تذكر وقد أمر الخلائق بالعبور على الصراط، وأنت تضع أول قدم على حافته فلا تدري أتثبت أم تزل من أول خطوة، وكيف تثبت عليه قدم وهو دحض مزلة، أدق من الشعرة وأحد من السيف أو الموس، كيف تسير عليه وهو مظلم لا نور فيه، وكيف تنجو وعليه خطاطيف وكلاليب وحسك. عن أبي هريرة أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا لا يا رسول الله قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن يبقى بعمله أو الموبق بعمله أو الموثق بعمله ومنهم المخردل أو المجازى ثم يتجلى حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار بن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء(1/9)
بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعو الله بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله ان يسكت ثم يقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فيقول الله له ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا ويلك يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب ويدعو الله حتى يقول هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت فيقول ويلك يا بن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكونن أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال له ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمنه فسأل ربه وتمنى حتى إن الله ليذكره يقول كذا وكذا حتى انقطعت به الأماني قال الله ذلك لك ومثله معه) زاد أبو سعيد الخدري في حديثه وعشرة أمثاله معه). قال أبو هريرة فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة) متفق عليه.(1/10)
قال القرطبي رحمه الله : فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيضها وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك واضطراب قلبك وتزلزل قدمك،وثقل ظهرك بالأوزار فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك، يزلون ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف، والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون، فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلو أرجلهم، فياله من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، ومجاز ما أضيقه.
وبعد هذا يا أخي هل فكرت في حالك ومآلك، وماذا سيكون مصيرك، فإما سعادة لا شقاء بعدها أبداً، وإما شقاءً لا سعادة بعده أبداً، واعلم أن دين الإسلام بشرائعه، وأحكامه وحدوده، هو الصراط المستقيم في هذه الدنيا فمن تعدى حدوده هنا فسيتعدى حدود الصراط يوم القيام، وبقدر ثباتك أيها العبد على هذا الصراط يكون ثباتك يوم القيامة هذه بتلك جزاءً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد، فاحرصوا على التمسك بدينكم والمحافظ على أركانه وواجباته وسننه، واحذروا من كل ما يخالفه.(1/11)
نهاية فتاة
فتى الاحلام ...
قالت وهي تذرف دموع الندم : كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية ، تطورت إلى قصة حب وهمية أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي .. طلب رؤيتي..رفضت..هددني بالهجر بقطع العلاقة ضعفت .. أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه رفضت بشدة هددني بالصور، بالرسائل المعطرة بصوتي في الهاتف ـ وقد كان يسجله ـ خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن لقد عدت ولكن ؟ عدت وأنا أحمل العار قلت له : الزواج الفضيحة قال لي بكل احتقار وسخرية : إني لا أتزوج فاجرة..
أختي الكريمة : أرأيت كيف تكون نهاية هذه العلاقات المحرمة .
لذلك فتنبهي أنت جيداً واحذري كل الحذر من أن تتورطي بشيئ من هذه العلاقات وإياك إياك من أن تغويك إحدى رفيقات السوء وتجرك معها إلى شيء من هذه العلاقات الدنيئة وتزينها لك وتوهمك بأنه لن يحصل لك كما حصل لغيرك من الفضيحة أو غير ذلك .. إياك إياك أن تصدقي شيئا من ذلك فإن هذا كله من مكائد الشيطان وإلا فإن نهاية العلاقات المحرمة دائماً كهذه النهاية المذكورة أو أشد منها.(1/1)
واحذري أيضا من أن تصدقي أحداً من هؤلاء المجرمين الذين ينلاعبون بأعراض الناس فإنهم كلهم في النذالة والخيانة والكذب سواء مهما تظاهر الواحد منهم بصدقه وإخلاصه لأن هدف هؤلاء دائماً واحد وهو معروف ولا يخفى على عاقل فكم سمعنا وسمع غيرنا عن جرائمهم البشعة مع بعض الفتيات ..ولكن المصيبة والخلاصه أن الفتيات هدانا الله وإياهن لا يتعظن أبداً بما يسمعن من الفضائح التي تحصل لغيرهن ولا يصدقن ما يقال لهن إلا إذا وقعت الواحدة هي نفسها فريسة لمثل هؤلاء المجرمين وتورطت معه بمصيبة أو فضيحة فحينئذ تصحو من غفلتها وتندم على عملها هذا أشد الندم وتتمنى الخلاص من هذه الورطة وهذه الفضيحة ولكن بعد فوات الأوان ... فلماذا كل ذلك . كان الأولى بمن تورطت بمثل هذه العلاقة المحرمة لو كانت عاقلة أن تبتعد عن هذا الطريق من أوله ولا داعي للعناد والمغامرة بمثل هذه الأمور يعتبر مغامرة .(1/2)
وإذا الجحيم سعرت
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره ، وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق ، وحذر عباده وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم على هذه الدنيا أبو إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولهم ومعصيته جهلاً منهم بحق ربهم عليهم وجهلاً منهم بحقيقة النار التي توعدهم الله بها . فما هي هذه النار ؟ وما صفتها ؟!
إنها كما قال الله تعالى عنها : ( ناراً وقودها الناس والحجارة ) قيل يا رسول الله أهي مثل حجارة الدنيا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده إنها حجارة كالجبال )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( ناركم هذه الذي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا : والله إن كانت لكافية يا رسول الله ! قال (( فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزاء كلهن مثل حرها )) متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )) رواه مسلم . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : (( والذي نفس كعب بيده لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كشف عنها لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها ! فيا قوم هل لكم بهذا قرار ؟ أم لكم على هذا صبر ؟ يا قوم إن طاعة الله أهون عليكم والله من هذا العذاب فأطيعوه )) .
طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم . قال صلى الله عليه وسلم : ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح .(1/1)
وأهل النار في عذاب دائم لا راحة ولا نوم ، ولا قرار لهم ، بل من عذاب إلى عذاب قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً ) رواه مسلم .
وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون ! قد اسودت وجوههم ، وأعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم ، وقصت ظهورهم وكسرت عظامهم (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ، (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب) .
يقول الحسن : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة . لباس أهلها من نار ، ( سرابيلهم من قطران وتغشى وجههم النار ) ، وشرابهم وطعامهم من نار ( وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم ) .
قال ابن الجوزي في وصف النار : هي دار خص أهلها بالبعاد ، وحرموا لذة المنى والإسعاد ، بدلت وضاءة وجوههم بالسواد ، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون ، فحزنهم دائم فلا يفرحون ، مقامهم دائم فلا يبرحون أبد الآباد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، توبيخهم أعظم من العذاب ، تأسفهم أقوى من المصاب ، يبكون على تضييع أوقات الشباب وكلما جاد البكاء زاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، يا حسرتهم لغضب الخالق ، ويا محنتهم لعظم البوائق ، يافضيحتهم بين الخلائق ، أين كسبهم للحطام ؟ أين سعيهم في الآثام ؟ أين تتبعهم لزلات الأنام ؟ كأنه كان أضغاث أحلام ، ثم أحرقت تلك الأجساد ، وكلما أحرقت تعاد ، عليها ملائكة غلاظ شداد . أ.هـ
فتأمل أخي الكريم حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا يطيقه الجبال ، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانون من ثقل السلاسل والأغلال (إذ الأغلال والسلاسل يسحبون ) وقال تعالى : (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) .(1/2)
قال ابن عباس رضي الله عنه : ( تسلسل في دبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقدر أن يقوم على رجليه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى ) .
أرأيت أخي حال أهل النار وما هم فيه من الشقاء ، فتصور نفسك لوكنت منهم - نسأل الله أن لا تكون منهم - تصور نفسك عندما يؤمر بك إلى جهنم عندما تنظر إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وأنت تنظر إلى الزالين والزالات من بين يديك و من خلفك وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها ، وهم بالويل ينادون وبينما أنت تنظر إليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم لم تشعر إلا وقد زلتقدمك عن الصراط فطار عقلك ثم زلت الأخرى فتنكست هامتك ، فلم تشعر إلا والكلوب قد دخل في جلدك ولحمك ،فجذبك به وبادرت إليك النار ثائرة غضبانة لغضب ربها ، فهي تجذبك وأنت تنادي ويلي ويلي حتى إذا صرت في جوفها التحمت عليك بحريقها فتورمت في أول ما ألقيت فيها ، ثم لم تلبث أن تفطر بدنك وتساقط لحمك ، وتكسرت عظامك ، وأنت تنادي ولا ترحم وتتمنى أن تعود لتتوب فلا يجاب نداؤك .(1/3)
فتصور نفسك وقد طال فيها مكثك ، فبلغت غاية الكرب ، واشتد بك العطش فذكرت الشراب في الدنيا ففزعت إلى الحميم فتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك فلما أخذته نشت كفك من تحته ،وتفسخت لحرارته ، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك ، ثم تجرعته فسلخ حلقك ثم وصل إلى أمعائك ، فناديت بالويل والثبور وذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته وتحسرت عليه ، ثم آلمك الحريق فبادرت إلى حياض الحميم لتبرد فيها كما تعودت في الدنيا الاغتسال و الانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر ، فلما انغمست في الحميم تسلخ لحمك ، من رأسك إلى قدميك ، فبادرت إلى النار رجاء أن تكون هي أهون عليك ثم أشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم فأنت هكذا تطوف بينهما وبين حميم آن وذلك مصداقاً لقول مولاك جل وعلا : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) . فتطلب الراحة بين الحميم وبين النار ، فلا راحة ولا سكون أبداً .(1/4)
فلما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك المجهود ذكرت الجنان فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفاً على جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة الذي أضعته بنفسك بسبب الذنوب والمعاصي ، ففزعت إلى الله بالنداء يردك إلى الدنيا لتعمل صالحاً ! ، فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك ، ثم ناداك بعد ذلك بالخيبة منه أن ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) ثم أراد أن يزيدك إياساً وحسرة فأطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فيها فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم ، فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً ، فتقطعت قلوبهم إياساً وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً ، ولا مخرج منها ، ولا محيص من عذاب الله عز وجل أبداً ، خلود فلا موت . وعذاب لا زوال له عن أبدانهم ، وأحزان لا تنقضي ، وسقم لا يبرا ، وقيود لا تحل ، وأغلال لا تفك أبداً وعطش لا يروون بعده أبداً ، لا يرحم بكاؤهم ، ولا تجاب دعاؤهم ، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع ، ثم يبعث الله بعد ذلك الملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق وتشد بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيها روح ولا يخرج منه غم ، وينساهم الرحمن بعد ذلك ( نسوا الله فنسيهم ) فذلك قوله تعالى : ( إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ) . ينادون الله ويدعونه ليخفف عنهم هذا العذاب فيجيبهم بعد مدة ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) .(1/5)
قال الحسن : هذا هو آخر كلام يتكلم به أهل النار وما بعد ذلك إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب ... ، فما أشقى والله هذه الحياة وما أشقى أصحابها _ نسأل الله أن لا نكون منهم _ وما أعظمها والله من خسارة لا تجير أبداً ، ويا حسرة والله على عقول تسمع بكل هذا العذاب وهذا الشقاء وتؤمن به ثم لا تبالي به ولا تهرب عنه بل تسعى إليه برضاها واختيارها . فلا حول ولا قوة إلا بالله .
فيا أخي الحبيب : يا من تعصي الله تصور نفسك لو كنت من أهل النار ؟ هل سترضى بشيء من هذا العذاب ؟ لا أعتقد ذلك ، إذاً فتب إلى الله وارجع عما يكرهه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة عسى أن يرضى عنك ، وأبك من خشيته عسى أن يرحمك ويقبل عثراتك ، فإن الخطر عظيم والبدن ضعيف ، والموت منك قريب ، والله جل جلاله مطلع عليك ويراك فاستح منه وأجله ولا تستخف بنظره إليك ، ولا تستهين بمعصيته ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه ، واملأ قلبك من خشيته قبل أن يأخذك بغتة ، ولا تتعرض له وتبارزه بالمعاصي فإنك لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه ، ولا صبر لك على عقابه ، فتدارك نفسك قبل لقائه لعله أن يرحمك ويتجاوز عنك ، فكأنك بالموت قد نزل بك وحينها لا ينفعك ندم ولا استدراك ما مضى .
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى ونجانا بعفوه وكرمه من أليم عقابه وعظيم سخطه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/6)
وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي أرسل الرسل إلينا إعذاراً منه وإنذاراً .. فأتم بهم على من اتبع سبيلهم نعمته السابغة وأقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة فنصب الدليل وأنار السبيل وأقام الحجة وأوضح المحجة وكتب على نفسه الرحمة ، فسبحان من أفاض على عباده النعمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت بها السموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات وعليها أسست الملة ونصبت القبلة ولأجلها جردت سيوف الجهاد وبها أمر الله سبحانه وتعالى العباد فهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وحجته على عباده وأمينه على وحيه أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بأذنه وسراجاً منيراً ، فشرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه وسد الطرق إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق و الأقوال والأعمال وهو الفرقان المبين الذي باتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال ولم يزل - صلى الله عليه وسلم - مشمراً في ذات الله تعالى إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلى الله عليه وآله كما وحد الله وعرف به ودعا مشمراً في ذات الله تعالى إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلى الله عليه وآله كما وحد الله وعرف به ودعا إليه وهدى الناس إلى طريقه وسلم تسليماً كثيراً - .. أما بعد
أخي المسلم :(1/1)
في يوم الأثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة للهجرة وقف الصحابة أجمعون وقد عمتهم دموع الحزن وشملهم شعور الأسى وهم يودعون الصادق الأمين يودعون خير المرسلين وخاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين .. في مثل هذا اليوم توفي الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - وانتقل إلى الرفيق الأعلى والمكان الأسنى - ..
*قبيل الوفاة بأيام : أخي المسلم قبيل هذه البداية المؤلمة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بقيع الغرقد في جوف الليل واستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما رجع ابتدأ وجعه من يومه ذلك
بداية وجع الموت : في بداية وجعه عليه الصلاة والسلام دخل على عائشة رضي الله عنها وهي تقول وارأساه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أنا وا رأساه ياعائشة .
في بيت الصديقة: فلما اشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له واجتمع عنده نساؤه لم يغادر منهن امرأة وأحطن به - صلى الله عليه وسلم - ?
بشارة نبوية : وفي أثناء وجوده في بيت عائشة جاءت فاطمة رضي الله عنها تمشي لا تخطىء مشيتهامشية أبيها فقال: مرحباً بابنتي فأقعدها بجواره ثم سارها بشيء فبكت ثم سارها فضحكت فقالت عائشة رضي الله عنها : خصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسرار وأنت تبكين فلما قامت قلت أخبريني بما سارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : ماكنت لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما توفي عليه الصلاة و السلام قلت لها أسألك بما لي عليك من الحق إلا أخبرتني ، قالت فاطمة رضي الله عنها : أما الآن فنعم . قالت: سارني في الأولى قال لي : إن جبريل كان يعارضني القران كل سنة مرة وقد عارضني في هذا العام مرتين ولاأرى ذلك إلا لاقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فتعم السلف أنا لك فبكيت ، ثم سارني فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت .(1/2)
آخر عهد : ولما اشتد وجعه عليه الصلاة والسلام وشعر بقلق أصحابه وحزنهم عليه قال : أهريقوا علي من سبع قرب لعلي أعهد إلى الناس ثم خرج إلى الناس فصلى بهم ثم جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ودعا لأهل أحد ثم قال : عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر رضي الله عنه إذ علم مايقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - وناداه قائلاً : فديناك بآبائنا وأمهاتنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رسلك يا أبا بكر أيها الناس إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبابكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام .. الحديث.
العجز عن الجروج : ولما انتهى عليه الصلاة والسلام من خطبته عاد إلى بيته وثقل عليه مرضه ولم يعد يطيق الخروج إلى الصلاة مع الناس فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فكان رضي الله عنه هو الذي يصلي بالناس بعد ذلك وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - خلال ذلك مرة وقد شعر بخفة واستبشر الناس خيراً بخروجه إذ ذاك وكان ذلك آخر مرة خرج يصلي فيها مع الناس .
شدة النزع : ودخل عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فمسه بيده وقال: يارسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً فقال عليه الصلاة والسلام :أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم . وفي أثناء ذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يطرح غطاء له على وجهه فإذا اغتم وضايقه الألم كشفه عن وجهه فقال : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا .(1/3)
نظرة وداع : وبينما الناس في المسجد يصلون خلف أبي بكر رضي الله عنه إذا بالستر المضروب على حجرة عائشة قد كشف وبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورائه فنظر إليهم وهم في صفوف وكان وجهه الشريف ورقة مصحف ثم تبسم يضحك ، فهم الصحابة أن يفتنوا من الفرح برؤية نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يخرج إلى الصلاة فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر وانصرف الناس من صلاتهم وهم يحسبون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نشط من مرضه ولكن تبين أنها كانت نظرة وداع منه - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه .
إن للموت لسكرات : فقد عاد عليه الصلاة والسلام فاضطجع إلى حجر عائشة رضي الله عنها وأسندت رأسه إلى صدرها وجعلت تتغشاه سكرة الموت وكان بين يديه إناء فيه ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، وكانت فاطمة رضي الله عنها إذا رأت منه ذلك قالت : واكرب أبتاه فيقول لها عليه الصلاة والسلام ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم .
إلى الرفيق الأعلى : وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يدخل يده في الماء ويمسح وجهه الشريف ويقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات . ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى حتى قبض وفاضت روحه إلى بارئها وأسلم نفسه إلى خالقها عليه الصلاة والسلام .
وعم الحزن أنحاء المدينة : وساد الأسى قلوب الصحابة رضوان الله عليهم على فراق نبيهم وحبيبهم عليه الصلاة والسلام ، واشتد جزعهم لفراقه عليه الصلاة والسلام بل إن بعضهم أنكر وفاته عليه الصلاة والسلام حتى بين لهم ذلك أبوبكر رضي الله عنه فاستسلموا لأمر الله وأسلموا أنفسهم للبكاء .
... بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفوا الرسوم وتمهد(1/4)
... بها حجرات كان ينزل وسطها ... من الله نور يستفاد ويوقد
... لقد غيبوا حلماً وعلماً ورحمةً ... عشية علوه الثرى لا يوسد
... وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
*وقيل في رثائه عليه الصلاة والسلام :
... لما رأيت نبينا متجندلاً ... ضاقت علي بعرضهن الدور
... وارتعت روعة مستهام واله ... والعظم مني واهن مكسور
... أعيتق ويحك إن حبك قد ثوى ... وبقيت منفرداً وأنت حسير
... ياليتني من قبل مهلك صاحبي ... غيبت في جدث علي صخور
أخي المسلم : لقد توفي رسولك - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث وستين سنة من الدعوة في سبيل الله والنصح للأمة ورفع راية التوحيد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن عم النور والهدى والصلاح أرجاء الجزيرة العربية توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
تنبيهات: أخي المسلم .. توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يترك خيراً إلا دل أمته عليه ولا شراً إلا حذر أمته منه .
1- ومع هذا لم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام مرة واحدة ولو كان خيراً لدلنا عليه أو أمرنا به بقوله عليه الصلاة والسلام .
2- كما أنه بعد ما توفي عليه الصلاة والسلام لم يحتفل بمولده صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وهم أشد الناس محبة له وأكثرهم اتباعاً لسنته .
3- ثم إن التابعين من بعدهم أيضاً لم يحتفلوا بمولده وهم خير الناس بعد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأكثر الناس محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعاً له بعد الصحابة
4- كما أن القرون المفضلة التي امتدحها النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفلوا بمولده عليه الصلاة والسلام.
5- إن أول من فعل المولد الدولة الفاطمية في القرن الرابع وهم بعيدون عن صدر الأسلام وقد فعلوا ذلك مشابهة بالنصارى في عيدهم واحتفالهم بمولد عيسى عليه السلام .(1/5)
ويحك أيها الإنسان
ليس في المخلوقات كلها ما هو أعجب أمراً من الإنسان ولا ما هو أكثر جمعاً للمختلفات منه ، فالإنسان أمره كله أعجب ، انظر إليه فبينما ترى فريقاً منه ينازع الملائكة الطهر والسمو الروحي والجمال المعنوي النفسي إذا بك ترى فريقاً آخر منه ينازع الشياطين الخبث والإنحطاط الروحي والقبح المعنوي النفسي . ثم انظر إليه فبينما ترى فريقاً منه يسمو ويمعن في سموه حتى يتصل بالملأ الأعلى بل ويتجاوزه حتى يتصل بالرب الأعلى فيحظى بخطابه نجياً فيصطفيه بكلامه وبرسالاته إذا أنت ترى فريقاً آخر منه يهوى ثم يغلو في هويه في دركات الصغار والضعة والهوان المزري حتى يرضى لنفسه بأن تتعبد الأحجار والأشجار والجماد الصامت الوضيع وتتلمس حاجاتها وشفاء كلومها تحت أطباق الرغام وبين ضرائح الرمم وعظام الموتى وهياكل الإنسان الفانية البالية وحتى تشكو قضاء السماء إلى رهين الثرى والبلى وحتى يفزع الإنسان الحي السوي إلى الإنسان الميت يستدفع به فوادح الأقدار .(1/1)
... ضل الإنسان وغوى فعبد الشمس والقمر والأجرام العلوية فقيل أغراه بهذه الضلالة وبهذا النزول الفكري الإعتقادي ما رآه في هذه الأفلاك العلوية النيرة من الجلال والجمال والإشراق الباهر والعظم المشهود الفتان ، ثم ضل وغوى فعبد الملائكة فقيل أغراه بعبادتهم ما أكرمهم الله به من طهارة وعلو ومن اتصال به تعالى ومن خصائص خلقية عجيبة ، ثم ضل وغوى فعبد هذه الأنهار المتدفقة عن اليمين وعن الشمال فقيل أغراه بعبادتها ما أودعها الله من المنافع للإنسان وللحيوان ، ثم ضل وغوى وانحط غيه وضلاله فعبد الأحجار والأخشاب والستائر المنصوبة على هيكل مخلوق ضعيف عاجز عن نفع نفسه وعن ضرها حياً ، فلما أن قيل ما الذي أغراه بعبادة هذه الأخشاب والأحجار والأحداث وما الذي أبصره هنالك حتى ضل هذا الضلال المبين لم يكن الجواب سوى أن يقال أغراه بهذا نقص الإنسان وإفلاس الإنسانية وانحدار مداركها انحداراً يصره في وجه الإنسان المزهو بإنسانيته قائلاً : ها هنا ينتحر العجب الإنساني وها هنا تنتحر الإنسانية .(1/2)
... عرج على قبر من تلك القبور ثم استمع حشرجة تلك الصدور بهتافات الرغبة وإعوال الرهبة وتسمع تساقط الرغبات الملحة من تلك الشفاه الذابلة بحرارة الذعر وتوهج الرجاء وانظر إلى تلك الوجوه الذاهلة الساهمة بنشوة الخضوع وجلال الخشوع وإلى تلك الدموع المتحدرة في الحس ماء من العين وفي العقل عبادة واستسلاماً لغير الله من القلب والعقل وإهانة كبرى للإنسانية أينما كانت ، وإلى تلك الأيدي المبسوطة ظاهراً بالأمل المبسوط على تلك الستائر والأبواب والأخشاب والعمد المبسوطة معنى إلى كرامة الإنسان ومجد العبودية الإلهية لتمزيقها شر ممزق وإلى الشرف الإنساني الرفيع لتهبط به تحت أقدام الموتى وأشلاء الفناء وانظر إلى تلك الوفود المختلفة المزدحمة ذات الحاجات المختلفة المزدحمة والجموع المتدافعة على تلك القباب والأبواب ذات الأنواط والحبال وعلى تلك الأضرحة رجاء البعيد القصي وقرة عين القريب النجي .
... انظر إلى ذلك كله وتسمع ما هنالك كله ثم صب الدمع سخيناً غزيراً على كرامة الإنسان ومجده وعلى عزة العبودية الماجدة الواحدة الموحدة المراقة بلا ثمن سوى الخزي والعار في الدنيا ثم الويل والنار في الأخرى ثم قل والخطاب للمسلم وحده :
... ويحك أيها المسلم ماذا دهاك ؟ !! إن أسلافك الأمجاد لم يقنعوا بهذ العالم كله مطلباً وغاية حتى عقدوا من أسيافهم وصالح أعمالهم درجات يمتطون بها ثبج الهواء ويشقون بها حواجز المادة والطبيعة ليتصلوا بغاية الغايات ونهاية كل موجود فما أنت والرضا بالتراب ؟ ولقد كان المسلم يتلو قول الله : ( أليس الله بكاف عبده ) فيحمل سيفه المثلم ورمحه المحطم من مسايفة الأبطال ومقارعة الصناديد المغاوير فيقذف نفسه في غمرات الموت يطعن ويضرب فلا يفكر في أن ينهزم وصدره يعي هذه الآية ومعناها العلوي السماوي ، حتى لو وقف العالم كله ليصده عما أراد وليحول بينه وبين الإنتصار للحقيقة الواحدة الخالدة فما أنت وخشية التراب ؟ .(1/3)
ولقد كان الأعرابي يلقى محمداً صلى الله عليه وسلم فيتلو عليه قول الله : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) فتتضاءل المخلوقات وتتلاشى في عينه ومن نفسه حتى يدركها الفناء فيروح يضرب الباطل وفلق هامات الضلال غير حاسب لغير الله حساباً وغير قابل إلا لخالقه حكماً وغير محس لغيرالحق وحده وجوداً ، فيكبر هو في عين الوجود وفي نفسه حتى يتصدع له بناء الطبيعة ويخشع له إجلالاً قانون المادة ، ويحل في حساب الباطل والضلال حتى يبصرا في كل شعرة منه ألف جحفل يقاتل في سبيل الله . فما أنت والرغبة في التراب .وكان المشرك الدنس يتلقى لا إله إلا الله فتتمشى فيه فتعقم جسمه ونفسه وتطهرهما من معاني الشهوة والفسوق والحيوانية النهمة فيسمو على الشهوات وحاجات النفوس وعلى مآرب الطبيعة وحاجات المادة فيروح ويغدو ملكاً في أثواب إنسان ومعنى طاهراً مقدساً في صورة مادة ، فما أنت ومساءلة الأطلال الفانية ؟؟! .
... وكان المسلم الأول يمر على قول الله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ) فتحول بينه وبين الخلق جميعاً وتسد عليه طريق الرغبة في العباد كافة فتمر به مصائب الناس جميعاً ويلقى في حياته معنى صفة الله الجبار الممحص في معناها الجلي الظاهر الكامل فلا يدل مخلوقاً على مكان ألمه ولا يكشف لغير الله عن موضع علته ولا تسمع منه أذن مخلوقة قوله آه ولا يسأل مخلوقاً عوناً حتى لقد كان يسقط منه عصاه فلا يقول لأحد ناولنيه ، فما أنت ودعوة الأموات والشكوى إلى الرمم والعظام النخرة .(1/4)
... ويلك أيها المسلم ماذا غرك بهذه النصاب والأجداث ؟؟ أرأيت منها خلق شيئاً منك فاستحق خضوعه وعبادته ورغبته ورهبته ، أم علمت أن شيئاً منها خلق شيئاً من هذا العالم فملكه حتى طمعت فيما خلق وملك فرحت تسأله وتستوهبه إياه برغب ورهب . أم وجدت أن شيئاً منها امتنع على الله حتى رحت ترجو منعته أو أعانه وشاركه حتى رغبت في معونته ومشاركته ، أم وجدت هذه الأخشاب والأبواب والأموات أقرب إليك من الله وأرحم بك وأعلم بحاجتك منه أم أسرع إجابة وأوسع سلطاناً واعظم فضلاً من رب العالمين فطفقت تسألها حاجاتك يوم يسأل المؤمنون ربهم ، أم علمت أن الله لا يسمع دعاءك ولا يتقبل عبادتك حتى تذل لعبيده وحتى تسألهم أن يعطوك ما لا يملكه وما لا يقدر على ملكه واعطائه سوى رب العالمين ..؟؟
... ويحك أيها المسلم رغبت عن الله فرغب الله عنك ، ورغبت في غير الله فرغب من رغبت فيه في الله عنك ، فلا أنت أدركت رضا الله ولا أنت أدركت رضا من رغبت في رضاه فخسرت الرضوانين وهذا هو أشد الخسران ، فتخلى الله عنك بنصره وعونه إذ تخفيت أنت عن عن استنصاره واستعانته ، وتخلى عنك الخيار من عباده إذ تخليت عن إرشادهم وسننهم فخلا بك الشرار من خلقه فافترسوك فهلكت بين نسيان الله والخيار من عباده لك وبين ثورة الشرار من خلقه بك ، فأصبحت في الهالكين الغابرين .
... ويحك أيها المسلم ؟!! شرب المؤمنون صفواً وشربت أنت كدراً ، ودعوا هم رباً واحداً ودعوت أنت الف رب ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، ورغبوا هم في السماء ورغبت أنت في الأرض ، ونادوا هم خالق الأحياء وناديت أنت أشلاء الأموات ، ورفعوا أبصارهم إلى السماء ونكست طرفك وخفقت برأسك أنت إلى الثرى ، وأين الثرى من السماء وأين عابد الأموات من عابد المحيي المميت الذي لا يموت ؟ ( هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) .(1/5)
... أولم يبلغك أيها المسلم مصارع المشركين الأولين وكيف فعل الله بمن عدلوا به غيره من الأوثان والصالحين والأنبياء ؟ ألم يأخذ الله أولئك المشركين كلهم إلى الهلاك ثم إلى النار سوقاً بكلمة لا إله إلا الله إذ تواصوا بآبائها قائلين ( أجعل الآلهة إله واحد إن هذا لشيء عجاب ؟ ) .
... أما وجدت في كتاب الله مثلات الأولين والآخرين وأمثال الهدى والضلال المبين ؟ ويلك لقد انقطعت الرسالات واحتبست السماء الكتب فلا رسالة بعد رسالة محمد عليه السلام ، ولا كتاب بعد كتاب الله القرآن فإن لم تجد فيهما الهدى فلن تجده ولن تكون من المهتدين .
... هذا في المسلمين بلاء أي بلاء ومنكر ما فوقه منكر ، وليس هنالك ما هو شر منه سوى أن يقوم رجال محسوبون على العلم والعلماء وعلى الإسلام والمسلمين يذودون عن ذلك بغيرة لا أدري بماذا أصفها ، ويثلبون من أنكره من صالح المؤمنين ثلباً مراً مزعجاً ويملئون عليه الفضاء صراخاً وأعوالاً ويرجفون به وبأمره إرجافاً رناناً هائلاً زاعمين أنه خرج على الإسلام والمسلمين وعاند الكتاب والسنة وقال قول الفرقة الضالة الملحدة متهميه بإرادة السوء بالإسلام وبالهوى وبالشنع الأخرى متلمسين في كتاب الله ورسالة نبيه البراهين على بطلان أمره وضلال رأيه مزورين هذا في كتب وقراطيس مطبوعة محاولين اقناع المسلمين بها وخديعتهم بأمرها .
هذا من شر ما في المسلمين ومن أظهر ما فيهم من باطل قامت عليه عيوبهم المشهودة المشهود أثرها في كل حال من حالاتهم .(1/6)
الأسباب العشرة
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن هديه اقتفى. اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك والعلم الذي يباغنا حبك..
أما بعد :
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال : بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد ، فلقينا رجلا عند سدة المسجد ، فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما أعددت لها ؟ )) قال فكأن الرجل استكان . ثم قال : يا رسول الله : ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله. قال: (( فأنت مع من أحببت )).
وفي رواية أنس : فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فإنك مع من أحببت ))
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم.
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن المحبة : (( المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون ، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون ، وعليها تفاني المحبون ، وبروح نسيمها تروح العابدون ، وهي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات ، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظالمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يزفر بها، فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب . فإلى من أراد أن يرقى من منزلة المحب لله، إلى منزلة المحبوب من الله، أقدم لك هذه الأسباب العشرة التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه العظيم (( مدارج السالكين )) مع شرح مختصر لها .
السبب الأول : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، وما أريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.(1/1)
نعم فمن أحب أن يكلمه الله تعالى فليقرأ كتاب الله، قال الحسن بن على ((إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، و يتفقدونها في النهار.
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : (( ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر ، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، ويتدبر كلامه )) .
قال الإمام النووي رحمه الله : أول ما يجب على القارئ ، فينبعي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى .ولهذا فإن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استجلب محبة الله الإخلاص التي فيها صفة الرحمن جل وعلا فظل يرددها في صلاته ، فلما سئل عن ذلك قال : (( لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأها )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أن الله يحبه ))
وينبغي أن نعلم أن المقصود من القراءة هو التدبر ، وإن لم يحصل التدبر إلا بترديد الآية فليرددها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فقد روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة لآية يرددها ( إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
وقام تميم الداري رضي الله عنه بآية وهي قوله تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)
السبب الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها موصلة إلى درجة المحبوب بعد المحبة .(1/2)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه وتعالى (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ))
وقد بين هذا الحديث صنفان من الناجين الفائزين :
الصنف الأول : المحب لله مؤد لفرائض الله ، وقاف عند حدوده .
الصنف الثاني : المحبوب من الله متقرب إلى الله بعد الفرائض بالنوافل وهذا مقصود ابن القيم رحمه الله بقوله : (( فإنها موصلة إلى درجة المحبوبية بعد المحبة ))
يقول ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ (( أولياء الله المقربون قسمان :
ذكر الأول، ثم قال : الثاني : من تقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين، لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال تعالى في الحديث القدسي : (( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )) فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والحظوة عنده . والنوافل المتقرب بها إلى الله تعالى أنواع، وهي الزيادات على أنواع الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة .
السبب الثالث: دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل يقول : إنا مع لاعبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه )) . وقال تعلى : ( فاذكروني أذكركم )(1/3)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قد سبق المفردون )) قالوا : ومن المفردون يا رسول الله ؟ قال : (( الذاكرون الله كثيرا والذاكرات )) مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم يبين خسارة من لا يذكر الله : (( ما يقعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب )) . ويقول صلى الله عليه وسلم : (( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا من مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ))
لذلك لما جاء وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع فقال : لا يزال بلسانك رطبا من ذكر الله ، صحيح سنن ابن ماجه وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم تلك الوصية وفقهوا معناها الثمين حتى إن إبا الدرداء رضي الله عنه قيل له: ((إن الرجلا أعتق مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز وجل ))
أحمد في الزهد . وكان رضي الله عنه يقول: (( الذين لا تزال ألسنبهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك )) .
السبب الرابع : إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى،والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
يقول إبن القيم في شرح هذه العبارة (( إيثار رضى الله على رضى غيره، وإن عظمت فيه المحن ، وثقلت فيه المؤن ، وضعف عنه الطول والبدن )).
وقال رحمه الله : (( إيثار رضي الله عز وجل على غيره، هو إن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار وأعلاناً للرسل عليهم صلوات الله وسلامه ، وأعلاها لأولى العزم منهم ، وأعلاها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم )) .
وهذا كله لا يكون إلا لثلاثة أمور:
1ـ قهر هوى النفس.
2ـ مخالفة هوى النفس.
3ـ مجاهدة الشيطان وأوليائه .(1/4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( يحتاج المسلم إلى أن يخاف الله وينهى النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه، بل على اتباعه والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله ، وعملا صالحا.
السبب الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها ، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، أحبه لا محالة.
قال ابن القيم رحمه الله : (( لا يوصف بالمعرفة إلا من كان عالماً بالله وبالطريق الموصل إلى الله ، وبآفاتها وقواطعها ، وله حال من الله تشهد له بالمعرفة . فالعارف هو من عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في قصده ونيته )).
فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والأيمان وأتلف شجرة الإحسان فضلا عن أن يكون من أهل العرفان . ومن أول الصفات فكأنما يتهم البيان النبوي للرسالة بالتقصير إذ لا يمكن أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم أهم أبواب الإيمان بحاجة إلى إيضاح وإفصاح من غيره لإظهار المراد المقصود الذي لم تبينه العبادات في النصوص.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة )).
العبد أسير الإحسان فالانعام والبر واللطف، معاني تسترق مشاعره وتستولي على أحساسيه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة ويهدي إليه المعروف . ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلا الله ، هذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلها سواه . والإنسان بالطبع يحب من أحسن إليه ، ولاطفه وواساه، وانتدب لنصرته وقمع أعدائه، وأعانه على جميع أغراضه، وإذا عرف الإنسان حق المعرفة، علم أن المحسن إليه هو الله سبحانه وتعالى فقط، وأنواع إحسانه لا يحيط بها حصر. ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )(1/5)
يقول سيد قطب رحمه الله (( فأما الأفئدة، فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا، وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف بها في هذا الملك العريض والتي حمل بها الأمانة الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال أمانة الإيمان الاختياري والاهتداء الذاتي والاستقامة الإرادية على منهج الله القويم . ولا يعلم أحد ماهية هذه القوة ولا مركزها داخل الجسم أو خارجه فهي سر الله في الإنسان ، لم يعلمه أحد سواه .
وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطيها الإنسان لينهض بتلك الأمانة الكبرى فإنه لم يشكر (قليلا ما تشكرون) وهو أمر يثير الخجل والحياء عند التذكر به . كما يذكرهم القرآن في هذا المجال ويذكر كل جاحد وكافر لا يشكر نعمة الله عليه ، وهو لا يوفيها حقها ولو عاش للشكر دون سواه !!
ستجيب ما في الكون من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك
السبب السابع : وهو من أعجبها : انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات.
والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
قال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) يقول الراغب الأصفهاني : (( الخشوع : الضراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد في القلب ولذا قيل إذا ضرع القلب: خشعت جوارحه )) .
قال ابن القيم (( الحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار )).
وقد كان للسلف في الخشوع بين يدي الله أحوال عجيبة ، تدل على ما كانت عليهم قلوبهم من صفاء ونقاء. كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا قان في الصلاة كأنه عود ، من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط.
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه ، فقيل له : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء . قال : (( أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم )) ؟.(1/6)
السبب الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي ، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ، ثم ختم ذلك بلإستغفار والتوبة .
قال تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون)
إن أصحاب الليل هم بلا شك من أهل المحبة، بل هم من أشرف أهل المحبة ، لأن قيامهم في الليل بين يدي الله تعالى يجمع لهم جل أسباب المحبة التي سبق ذكرها .
ولهذا فلا عجب أن ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم ويقول له : (( واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ))
يقول الحسن البصري رحمه الله : (( لم أجد من العبادة شيئا أشد من الصلاة في جوف الليل فقيل له : ما بال المجتهدين من أحسن الناس وجوها فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره )).
السبب التاسع : مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر،ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله عز وجل : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ ))
وقال صلى الله عليه وسلم : (( أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله )) .
فمحبة المسلم لأخيه في الله ، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق وهي سياج واق ويحفظ الله به قلب العبد ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف .
السبب العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فالقلب إذا فسد فلن يجد المرء فائدة فيما يصلحه من شؤون دنياه ولن يجد نفعا أو كسبا في أخراه . قال تعالى : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
هذه الرسالة مختصرة من كتاب (( شرح الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله كما عدها الإمام ابن القيم ).(1/7)
الجهاد في سبيل الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، والمبعوث رحمة للعالمين، خير من صلى وصام، وجاهد في سبيل الملك العلام وبعد :
اخواني في الله ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب لكم هذه الكلمات، من قلب يحب الجهاد والمجاهدين، ويتمنى لو لحق بذلك الركب المبارك، مواكب الرحمن، وجنود الملك الديان. لكن حال دون ذلك موانع وقانا الله شرها من حب العاجلة، والتعلق بزخارفها الزائلة، والله المسئول أن يحررنا من قيودها الملهية عن الله والدار الآخرة، وأن يجعلنا ممن اصطفاه واختاره لنصر دينه، وإعلاء كلمته، وذلك علامة السعد، وعنوان الكرامة، فاللهم لا تحرمنا.
إخواني: لقد سبقتم سبقاً عظيماً، وليس لأمثالي أن يلحق بكم، فهنيئاً لكم الكرامة، وهنيئاً لكم التكريم، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
وهل يستوي من شمر لدين الله دعوة وجهاداً، وتحمل في سبيل ذلك الجهد والتعب، والمشقة والنصب، هل يستوي مع من ركن للمتاع الزائيل، وقعد عن نصر الإسلام، لا والله لا يستويان أبداً.
(لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيماً)
إخوتي في الله لقد دخلتم في ربح عظيم، وتجارة لن تبور، وعرضت لكم سلعة غالية، جعلها الله ثمناً لما تبذلوه من الدماء والأموال.
( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)
((1/1)
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)
هل رأيتم ربحاً أعظم من هذا ؟!
فليتأمل العاقل مع ربه عقد هذا التبايع ما أعظم خطره، وأجله، فإن الله عز وجل هو المشتري، والثمن جنات النعيم، والفوز برضاه، والتمتع برؤيته هناك، والذي جرى على يده هذا العقد هو أشرف رسله، وأكرمهم عليه من الملائكة والبشر.
إخوتي في الله لقد جاء في فضل الجهاد والمجاهدين من نصوص الوحيين ما لا يخفى عليكم، ويكفيك أن تعلم أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ينفي الله به الذل عن المؤمنين، ويوقع به الرعب في قلوب الكافرين، ويعز الله به أولياءه المتقين، ويدفع به الظلم عن المظلومين، ولم تذل أمة الإسلام إلا بعد أن تخلت عن الدين، ولم تجاهد لتحمي حياض التوحيد، فأوقع الله في قلوب أبنائها الوهن، ونزع مهابتها من صدور الكافرين بعد أن كانوا لها لايثبتون.
قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي هريرة: (انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل).
وفي البخاري -أيضاً- من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة).(1/2)
وفي مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أبا سعيد من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال أعدها علي يا رسول الله ففعل ثم قال وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض قال وما هي يا رسول الله قال الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو ان تكون منهم) .
وفي البخاري ( من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار)
وفيه -أيضاً- (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)
فماذا بعد هذا الفضل؟ وهذا الشرف وهذا الأجر؟
ثم اعلموا أن الشهداء لهم فضل عند الله لا يدركه أحد غيرهم، فهم أحياء عند ربهم يرزقون كما قال تعالى : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) .(1/3)
وفي مسلم عن مسروق قال سألنا عبد الله هو بن مسعود عن هذه الآية (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)
وفي الترمذي بسند حسن عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ( يا جابر ما لي أراك منكسرا قلت يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد وترك عيالا ودينا قال أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك قال قلت بلى يا رسول الله قال ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب عز وجل إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال وأنزلت هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) الآية قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئا من هذا ولا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم ورواه علي بن عبد الله بن المديني وغير واحد من كبار أهل الحديث هكذا عن موسى بن إبراهيم.
فيا فوز الشهيد، ويا خيبة الكسلان .
إخوتي في الله أكتب لكم هذا وأوصيكم بوصايا فاحفظوها، واعملوا بها تسعدوا بإذن الله في الدارين، ولا يكون مثلكم إلا من عمل بها مثلكم :(1/4)
الأولى: توحيد الله تعالى والخلوص من الشرك فالتوحيد أساس الدين بل هو الدين كله، فلا دين ولا إيمان لمن لا توحيد عنده، واعلموا أنه حق الله على العبيد، وهو أول واجب على المكلفين، وعليه تبنى شرائع الدين، ومن فرط في جانب التوحيد، فلا يقبل منه عمل، ولا عبادة كما قال تعالى:
(حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)
وقال: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً )
فلا الصلاة، ولا الصيام، ولا الجهاد، ولا الصدقة، ولا غيرها من الإعمال تقبل إلا من الموحدين، الذين لا يدعون مع الله أحداً، ولا يجعلون بينهم وبينه وسائط، ولا شفعاء، ولا يطلبون حوائجهم إلا من الله، ولا يتوكلون إلا على الله، ولايذبحون، ولاينذرون، ولا يخشون، ولا يرجون إلا الله وحده، (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)
إن الإيمان هو الأساس الذي تقوم عليه حياة الناس في الدارين فهو يجمع شتات المسلم في دنياه ويكون سبباً في نجاته من عذاب الله يوم يلقاه، ولذلك كان التوحيد -الذي هو أعلى خصال الإيمان- المحور الذي دارت عليه جميع دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
والتوحيد هو أس دين الإسلام لا يقبل الله من أحد ديناً بغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) رواه البخاري ومسلم .(1/5)
والمتأمل في القرآن الكريم يجد في كل سوره وآياته دعوة إلى توحيد الله تعالى لأن القرآن إما خبر عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وإما دعاء إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه، أو أمر بأنواع من العبادات، أو نهي عن المخالفات، فهذا هو توحيد الإلهية والعبادة وهو مستلزم للنوعين الأولين، متضمن لهما أيضاً.
وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من الوبال، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
ولما كان التوحيد بهذه المنزلة من الدين كان حري بكل ذي لب أن يجعل تحقيقه هو غاية مراده ولو خسر الدنيا بكل ما فيها.
واعلموا أن الشرك فشا في الأمة، واضمحل التوحيد في مفهوم الناس من أمد بعيد، وأصبح كثير منهم لا يعرفون من الدين إلا ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، وذلك لأسباب لا تخفى عليكم، فاجعلوا أول جهادكم جهاد الشرك، وإخراجه من القلوب، وغرس التوحيد في مكانه، فمن عاش بعد ذلك عاش بخير، وإن مات فهو إلى الخير بإذن الله.
والشرك بالله هو أعظم الذنوب، وأنكر المنكرات، وأظلم الظلم، وأقبح معصية عصي الله بها، ولذلك فإن الله لا يغفره، ولا يقبل معه عدل ولا صرف يوم القيامة، وصاحبه خالد مخلد في النار أبداً. وهو أخفى في هذه الأمة من دبيب نملة سوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل. أعاذنا الله وإياكم من الشرك صغيره وكبيره، ظاهره وخفيه، قليله وكثيره.
وهو سبب الذل والخسران في هذه الدنيا، والحرمان والوبال في يوم المعاد، وصوره متعددة، وأشكاله متنوعه، لا يتسع المجال لبيانها. وهذه الصور تختلف من زمان لزمان ومن مكان لآخر.(1/6)
وعليكم بالصبر والمصابرة، والثبات على هذا الأمر، ولا تتزعزعوا عنه قيد شعرة، فإنكم على الحق فاثبتوا ولا تغتروا بكثرة الهالكين، ولا تستوحشوا من قلة السالكين، فطريق الجنة محفوف بالمكاره والصعاب، ولا يسلكه إلا الطيبون، وسوف يتخلف عنه البطالون، فيا سعد من صبر، ويا فوز من قدِر.
واجعلوا الإخلاص لله، والصدق معه شعاركم، وطلب مرضاته دثاركم، واحذروا فساد النية، واعلموا أن الجهاد لا يكون جهاداً إلا إذا كان لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، وليكون دين الله هو الحاكم، وشرعه هو الممكن في الأرض.
أخرج البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه من في سبيل الله ؟ فقال (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
ثم اعلموا أن منهج السلف هو أقوم المناهج في هذا العصر الذي كثرت فيه الطرائق والمذاهب، فالزموه وعضوا عليه بالنواجذ سواء كان ذلك في العقيدة بجميع شعبها من الإيمان بالله وأسمائه الحسنى، وصفاته العلى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشيبه ولا تحريف، ولا تعطيل على حد قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وكذا الإيمان باليوم الآخر وما فيه، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والقدر خيره وشره من الله، وكذلك في التمسك بمذهبهم في التعامل والسلوك، وتقويم الآخرين والتعامل معهم على أساس العدل، والآنصاف على حد قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) .
وكذلك في مصدر التلقي وتوحيده على أساس الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وعلمائها الربانيين الذين يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه.(1/7)
الثانية: الوصاية بكتاب الله فهو حبل الله المتين، ونوره القويم، وصراطه المستقيم، من تمسك به ظفر، ومن تركه خذل، من قال به غلب، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، والفصل فيما شجر بينكم، لا يتركه من ظالم إلا قصمه الله، ولا يعرض عنه معرض إلا حرمه الله، فيه السعادة والخير، والفوز والفلاح، تلاوته حلاوة، وقراءته عبادة، وسماعة لذة الآذان، فيه الدواء لكل داء، والشفاء لكل عليل، من قرأ حرفاً فله به عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، فعليكم بتعلمه وتعليمه، وحفظه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، مع التدبر لمعانيه، والتفهم لأحكامه، والتأمل في مقاصدة، حركوا به القلوب، واسكبوا به العبرات تشوقوا عند تشويقه، واخشعوا لوعيده، واسمعوا لأوامره، وانكفوا عن مناهيه واستعينوا على فهمه بكتب التفسير المعتمدة السالمة من الطيش والزلل كتفسير ابن كثير، وتفسير الطبري، وتفسير ابن سعدي، وغيرها من كتب التفسير،
وكذلك الحال بالنسبة للسنة المشرفة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وهي المبينة للقرآن، والشارحة لما فيه، والمفصلة لمجمله، والدالة على مراميه، فليس أحد أعلم بمراد الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنها تستقل بكثير من الأحكام التي لم ترد صراحة في القرآن، فما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من عند الله لاريب ولا شك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد شملت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوجيهاته الكريمة.
الثالثة : الوصية بالصلاة فهي عماد الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، من أقامها استقام له الدين، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وهي الحد الفاصل بين الإسلام والشرك، ومن تركها فقد كفر، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.(1/8)
والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتحمل صاحبها على المروءة ومكارم الأخلاق، فأقيموها لأوقاتها الخمس بخشوع وسكينة، مع الحفاظ على شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) .
والواجب على الذكور خاصة إن يقيموها جماعة، ولا يتخلف عنها أحد إلا لعذر شرعي معتبر قال تعالى: ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) .
الرابعة : عليكم بالجماعة، والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، اسمعوا له وأطيعوا في غير معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، واحذروا الفرقة والفتن، واعلموا أن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، والتفرق حالقة الدين، والخلاف شر كله، ولتتسع صدوركم لبعضكم بعضاً، واعلموا أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها إلا إذا خالفت نصاً من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا اجتهاد ولا قياس مع النص، والنص حاكم لا محكوم، وإذا حصل الاختلاف في مفهوم النصوص فعليكم بالرجوع إلى أهل الذكر من العلماء لفض النزاع، ولا تتخذوا الخصومة وسيلة لحل الخلاف، بل اتخذوا النصيحة وسيلة فهي نعم الوسيلة. والاتحاد قوة في وجه الكوارث، وهو من أساب النصر( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون* وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
الخامسة : اغتنموا أوقاتكم في طاعة الله، واعلموا أن الدنيا مزرعة الآخرة، وإنما يشرف في الآخرة من شرف بما قدم في هذه الدنيا من أعمال البر والخير، ولا تحسدوا أنفسكم أن تستكثروا من الخير، ومن أكثر فإن الله أكثر، والعمر قصير، والأجل محتوم، والموت لابد منه مصبح أو ممسياً.
من لم يموت بسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد.(1/9)
السادسة : قوا أنفسكم مواطن الفتن، فنحن في زمان أصبح الناس فيه مفتونين بأنواع الفتن إلا من رحم الله عز وجل، وقد اختلطت الأمور في فهم كثير من الناس، واشتبه عليهم الحق بالباطل، مع قلة الورع في الدين، واستعار حب الدنيا في القلوب، ونسي الإيمان بالله واليوم الآخر، فاستحلت محارم كثيرة بتأويلات فاسدة أملاها الهوى وحب العاجلة، وقلة الخوف من الله عز وجل، وعدم معرفته سبحانه حق المعرفة، وقدره حق قدره، وأنتم في هذا الموطن قد يظهر لكم الكثير وقد يغيب عنكم، لا سيما وأنتم تقاتلون أبناء جلدتكم، والناطقون بلسانكم، فمن تبين لكم كفره ، ومحادة الله ورسوله فاضربوا الرقاب لذلك لا لغيره، حتى تثخنوهم، وتوقعوا الرعب في قلوب من خلفهم من أعداء الله عز وجل وأجركم على الله، ومن اشتبه عليكم أمره فلا تعاجلوه حتى تبينوا له الأمر ليبقى على بصيرة، وجلاء، لأن الجهل قد عم، وانطمست معالم الدين عند الكثير من الناس، وأصبحوا لا يعرفون من الدين إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فقد يكون بينهم مسلمون مخدوعون أو مغرر بهم، أو لبس عليهم، وأنتم تعلمون ما تفعله وسائل الإعلام من طمس للحقائق، وتشويهاً للدين والصحوة، والتنفير من المتدينين، ووصفهم بأبشع الأوصاف، حتى يكرهم الناس، وينفروا منهم لا كرهاً في الدين، ولكن جهلاً بحقيقة الحال، واغتراراً ببهرجة الإعلام المضللة، فاستصلاح هؤلاء خير من معاجلتهم، والموفق من وفقه الله تعالى.
السابعة : احذروا المعاصي والآثام صغارها وكبارها فهي من أسباب الهزائم، واعلموا أنكم لا تنصرون على الأعداء بكثرة العدد، ولا بقوة السلاح، وإنما تنصرون عليهم بطاعتكم لله، ومعصيتهم له فإذا استويتم معهم في المعصية فاقوكم بعددهم وعتادهم.(1/10)
الثامنة : عليكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو سفينة النجاة، ومركب السلامة، لم يعطله قوم إلا ابتلاهم الله، وسلط عليهم شرارهم، به ينقمع المفسدون، ويرعوي الطائشون، وتحمى بيضة الإسلام من الداخل، وهو أساس التمكين
( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
التاسعة : أقيموا حدود الله التي أوجب إقامتها على منتهكي حرماته، ومتعدي حدوده لاتأخذكم في ذلك لومة لائم، ولاتحابون في ذلك صغيراً ولا كبيراً، ولا شريفاً، ولا وضعيفاً، فدين الله حاكم على الجميع، وهم فيه سواء يتفاضلون بالتقوى، ويتمايزون بالعافية .
العاشرة : احرصوا على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واصبروا عليها فهي الطريق الذي ليس له نهاية إلا الجنة، وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ونعم الوظيفة، وثمارها طيبة وعوائدها على الفرد والجماعة بركة ويمن وخير عميم .
الحادية عشر : ليس أعداؤكم من تقاتلونهم فحسب بل أمم الكفر كلها وهم أنصار بعض على الباطل، بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين، واعلموا أن أم الخبائث تنظر إليكم وتتربص بكم الدوائر، ولا شك أنها قد أعدت العدة، وأجلبت بخيلها ورجلها وأذنابها، فكونوا منها على حذر، وأعدوا لها سهام الأسحار، ومواطن الإجابة، فاقذفوها بعزيمة المؤمن، وقوة الموحد وصدق اللجوء إلى من لا يعجزه شيء، فلعل الله يجعل نهايتها على أيديكم، ثم أكثروا من الدعاء بالنصر والتمكين للمؤمنين، وأن يجعل الله لهم من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً ومن كل بلاء عافية، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، وادعوا لهم بكل خير فهم في أمس الحاجة لذلك.(1/11)
الثانية عشر : عليكم بذكر الله عز وجل في كل موطن، وفي أي موقف، ولا تنسوه، فإذا ذكرتموه ذكركم، والذكر من أيسر العبادات وأعظمها ثواباً، وهو غراس الجنة، وفي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى فقال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قال أبو عيسى وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد مثل هذا الإسناد وروى بعضهم عنه فأرسله، وقد صححه الشيخ الألباني.
الثالثة عشر :) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون* ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
وأخيراً أرجو المعذرة فليس مثلي أن يقول هذا لمثلكم لكن الحامل لي على ذلك هو الحب لكم، ولعملكم، ورجاء ثواب المشاركة، وما كان في هذه الكلمات من صواب فمن الله وحده، وما كان فيها من زلل وخطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله المسئول أن يجعل أعمالنا صالحة، ولوجهه خالصة، وألا يجعل فيها لأحد شئياً. كما أطلب منكم الدعاء لي في بظهر الغيب بخيري الدنيا والآخرة، وأن يجعلني ربي من أهل الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.(1/12)
هذا طلبي منكم فاحفظوه ولا تنسوه، وخصوصاً في أوقات الزحف يوم يلحم بعضهم بعضاً فإن ذلك من مواطن الإجابة إن شاء الله، وأسأل الله لكم مثل ما طلبت منكم، كما اسأله أن يمكن لكم وأن ينصركم ويثبت أقدامكم وأن ينصركم على القوم الكافرين، كما أرجو المعذرة إذ أنني كتبت هذا على عجالة من أمري بسبب ضيق الوقت .(1/13)
الشباب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً). (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) وبعد :
أيها الناس اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
أيها الناس! حديث اليوم عن ركيزة من ركائز المجتمع، وصرح من صروحه، إنه الحديث عن فلذات الأكباد، وزينة الحياة، ودرع الأمة، ومستقبلها الواعد، وأملها المتجدد ... نعم أيها الإخوة في الله، الشباب هم الجسم النابض للأمة، والدماء المتدفقة في عروقها، وهم الصرح الذي تتحطم عليه سهام الأعداء، وهم الثروة الحقيقية للبلاد فلا نهوض لأمة من الأمم إلا بشبابها، وحماسهم وقوتهم، وأمة لا شباب لها أمه عاجزة نخرتها الشيخوخة، وأضناها الكبر.
أيها الإخوة في الله : لقد أدرك الناس في قديم الدهر وحديثه ما للشباب من دور في بناء الأمجاد، فعملوا على العناية بهم في شتى المجالات الفكرية، والتربوية والإجتماعية، والأخلاقية، إيماناً منهم بضرورة الإصلاح، وحرصاً على جني الثمار الطيبة من نبتة الشباب المتجددة، كما أدرك العقلاء في الجانب الآخر الآثار الضارة لانحراف الشباب والعواقب الوخيمة على حاضر الأمم ومستقبلها من جراء ذلك .(1/1)
وقد ضرب شباب الصحابة ومن بعدهم أروع الأمثلة في البطولة والفداء، ونشر الدين والذود عن حياضه، وكان جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشباب، من أمثال علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص ومصعب بن عمير، وأسامة بن زيد والنعمان بن مقرن وعبد الله بن الزبير وغيرهم ممن لا يتسع المجال لحصرهم، وكل واحد منهم له تاريخ مشرق وسابقة عظيمة في نصرة دين الله والجهاد في سبيله.
وما أحوج شباب الإسلام اليوم إلى دراسة سيرة أولئك العظماء والاقتداء بهم والسير على خطاهم إذاً لكان لنا شأن آخر.
إخوة الإسلام : كل من له أدنى إدراك يرى ويبصر ما يعيشه كثير من شبابنا اليوم ذكوراً وإناثاً من واقع إليم يدمي القلوب الحية، ويعتصر النفوس الأبية ويزرع الحزن في فؤاد كل غيور على دينه وأمته . نعم. لقد أصبح شبابنا يعيشون رحلة ضياع لا حدود لها، فلا أهداف يحيون لها، ولا مثل يرقون إليها، ولا مكارم يرحلون لبغيتها إلا من رحم ربك وقليل ما هم .
أين التدين في حياة الشباب ؟ أين الصلوات الخمس ؟ وأين صيام رمضان ؟ وأين الحج، والجهاد وطلب العلم وبر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ كل ذلك وغيره اندرس في حياتهم، ليس هذا فحسب بل فقد الكثير منهم رجولته، وانغمس كثير منهم في أوحال الرذيلة، وأصبحوا أسرى الشهوات والشبهات، أوقات مبعثرة، وأعمار مهدرة، وأموال مبذرة، وفضيلة موؤدة، وما خفي فهو أعظم. لقد فقد كثير من شبابنا كل خير وجانبهم التوفيق والسداد وخسروا دنياهم وآخرتهم عندما أعرضوا عن هدي القرآن وسمت السنة واستبدلوهما بالغناء والرقص وشرب الخبائث.(1/2)
وأصبح الخوف يسري في قلوبنا لما نراه من مستقبل شبابنا وذلك من خلال منظارِ حاضرٍ معتم ينذر بحلول عاصفة عاتية تجتث جذور الفضيلة، وتغرس أشواك الرذيلة من شباب وشابات هبطوا عن مستوى الخلق الرفيع، وتتربوا في وحل الذنوب، ولا يخفى على كل عاقل شؤم الواقع، ومرارة المستقبل إن لم يتداركنا الله بلطفه ورحمته.
أيها الإخوة في الله : لقد فشا في شباب الإسلام ذكوراً وإناثاً حب الغرب الكافر وما عنده من نماذج الحياة الفاسدة، وأصبح شبابنا يحاكونهم في نموذجهم، ويتشبهون بهم في نمط حياتهم وعاداتهم الاجتماعية والأخلاقية، وهذا والعياذ بالله هدي ظاهر قد يجر إلى هدي باطن من محبتهم والرضا بحالهم وتلك ردة عن الإسلام، وخروجاً عن الملة، ولقد حرم الإسلام التشبه بالكفار والتقليد لهم لأن ذلك يدل على انهزامية مقيتة وخور في النفوس وضعف في الشخصية وتبعية قاتلة، وليت الشباب قلدوا أولئك الكفار في الجد والنشاط والعمل والابتكار والصناعات، وما هو نافع للأمة وعائد لها بالخير والرفعة، لكن الواقع أن شبابنا وشاباتنا إنما يقلدون سقط المتاع من الكفار كالمغنين والراقصين والممثلين والهيبز والشاذين جنسياً.(1/3)
إن القصات الغربيةَ الغريبةَ كالكابوريا والكُندرةِ وكلبِ ديانا، والملابسَ المخجلةَ بألوانها النسائيةِ أو لبسَ الجينز والمشيَ في الطرقات وأمام الناس بلبس ما يسمونه (الشورت) وهو القصيرُ الذي يكشف العورة، والأكلَ والشربَ بالشمال، ووضعَ صورِ الساقطين والساقطات على الصدور والأكتاف كل ذلك من مظاهر الهزيمة النفسية التي يعيشها شبابُ اليوم ورجالُ المستقبل، وأصبح أكثرُ الشباب يقلد الفرنجةَ في كل شيء حتى في ألفاظهم مثل (أوكي، و سُري،... ونحوها) وبعد هذه الألفاظ قد يكون شركاً -والعياذ بالله- يرددها الببغاوات دون علم بمعناها، ولا شك أن مثلَ هذا الأمرِ يقودُ إلى الانحلالِ التام والتفسخِ من دين الله . ناهيك عن سماع الموسيقى الصاخبةِ، والرقصِ في الطرقات والمنتزهات وحتى داخل السيارات. وهذا يدل على أن عقيدةَ الولاء والبراء قد تحطمت في نفوس شبابنا إلا من رحم الله.
أما الوقت في حياة الشباب فحدث بكل أسف وحرج فقد انقلب الوقت في حياتهم إلى سهرات ليلية على اللعب والعبثِ واللهوِ وقتلِ الأوقات ويالها من حسرات، إنها مجالسُ اللغوِ والرفثِ ورديءِ الكلمات، إنها مجالسُ الشيشةِ والدخانِ والبلوتِ والورقات، سبٌ وشتم وقذف ومهلكات، ويالها من سكرة تُجنى ثمارُها حسرة في الدنيا وندامة يومَ يقوم الناس لرب العالمين. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثلِ جيفةِ حمار وكان لهم حسرة) خرجه أبو داود وهو حديث صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم : (لا تزولُ قدمُ ابنِ آدم يوم القيامة من عندِ ربه حتى يسألَ عن خمس: عن عمرهِ فيم أفناه، وعن شبابهِ فيم أبلاه، ومالِه من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم) رواه الترمذي وهو حديث حسن.(1/4)
وهذه السهراتُ تكون في الحدائق والمنتزهاتِ وربما على الأرصفة أو في الخلوات، وتنتهي بطلوعِ الفجرِ أو قريباً منه، لتبدأ مرحلةُ الانقلابِ الثاني ألا وهو النومُ العميقُ الذي يستمرُ مدى اليوم فلا يستيقظ الشاب إلا على الموعد لبدء سهر جديد وهكذا مرحلة العمر التعيس . أين الصلوات ؟ وأين الطاعات والقربات يالها من حسرة وندامة لو كانوا يعلمون. سهرات ليل في سخط الله ونوم نهر في غضبه اللهم إنا نسألك العافية .
وأما فساد الأخلاق؛ فقل لي بربك ما هو الخلق الذي يتربى عليه شاب يقضي ليله مع رفقة السوء ووقته مع الدشوش والقنوات الفضائية، فلا يرى إلا كل رذيلة، ولا يسمع إلا فواحش القول والعمل؟ أتراه يتربى تقياً ورعاً أو عابداً ناسكاً أو براً بوالديه رحيماً أو عفيفاً طاهراً. أتراه يتربى صانعاً مخترعاً أو معلماً مربياً أو عاملاً منتجاً ؟ الجواب هو ما تعلمونه وتشاهدونه .
أيها الإخوة : إن وضع الشباب اليوم ظاهرة مرَضية خطيرة تستدعي تكاتف العقلاء لعلاجها وإصلاحها قبل أن تتأجج نارها ويستعصي إخمادها، ولأن شباب الإسلام أمانة في أعناقنا جميعاً ولابد من القيام بالواجب نحوهم خير قيام وإلا فسوف تكون العاقبة وبيلة والثمار مرة . وهنا أربع مؤسسات هي معنية بالعلاج، وأثرها نافع بإذن الله ...(1/5)
المؤسسة الأولى: البيت فهو المدرسة الأولى الذي ينشأ فيها الطفل ويتربى، ودور الأبوين هو حماية فطرته، وتوجيهها نحو الإستقامة منذ الحداثة، وليعلم كل أب وأم أنهما مسؤولان مسؤولية كاملة عن الأبناء، وقد استرعاهما الله تلك الفطر السليمة والعقول الطرية فليحذرا فسادها وانحرافها. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهماقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته : الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...) متفق عليه. ولا شك أن الأبوين اللذان يتركان أطفالهما منذ الصغر في الشوارع والطرقات يتربون على سيء الكلمات ورديء الصفات، لا شك أنهما قد خانا الأمانة، وقصرا في حق الرعاية، والأدهى من ذلك ما يحضره كثير من الآباء والأمهات من الدشوش والأفلام التي تفسد العقول وثير الغرائز والشهوات، فينشأ الطفل منكوس الفطرة، بعيداً عن كل خلق رفيع. والكلام عن هذا الجانب يطول جداً.(1/6)
المؤسسة الثانية : المدرسة وأخص بالدرجة الأولى المعلم فهو مكمل لدور الأبوين، فيجب عليه القيام بالأمانة خير قيام، وأن يجعل من نفسه قدوة صالحة لتلاميذه في سلوكه ومظهره الإسلامي، وفي ألفاظه وكلامه وتعامله مع تلاميذه، وليعلم كل معلم أن تأثيره في التلميذ يفوق في كثير من الأحيان دور البيت، وكم من معلم صالح أثمرت جهوده شباباً صالحين بنصحه وصدقه ودعوته لمعالي الأمور، وكم من معلم كان قدوة سوء ففسد على يديه أجيال وأجيال بسبب سلوكه السيء ومظهره غير الإسلامي فسن بذلك سنة سيئة بين تلاميذه شعر بذلك أو لم يشعر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). إن المعلم الذي يدخن أمام تلاميذه أو يحلق لحيته أو يسبل إزاره، أو يتكلم أمامهم بألفاظ قبيحة لا يمكن أن يكون قدوة صالحة بحال. فيا أيها المعلم هل تعي دورك، وهل تعلم خطرك ؟ وهل تعي عظم الإمانة المنوطة بعنقك ؟
أيها المعلم : إن التعليم رسالة عظيمة وهي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنهم إنما بعثوا معلمين للناس الخير دالين لهم عليه. إن المعلم الذي ينظر إلى التعليم على أنه مهنة لكسب المال فحسب لا يستحق أن يكون معلماً، ومثل هذا شره أكثر من خيره، وخطره أعظم من غيره.(1/7)
وأعلم أيها المعلم أن اهتمامات التلاميذ من اهتمامات معلمهم، فإذا رأوا منه السمو إلى معالي الأمور سمت إليها نفوسهم، وإذا رأوا منه السفول إلى سفاسفها سفهت إليها نفوسهم ففرق بين معلم يصحح انحرافات التلاميذ الفكرية والأخلاقية، ويحدثهم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة صحبه الكرام، وسير العلماء والقادة العظماء والصالحين والأتقياء، ويحثهم على التخلق بأخلاقهم والتأسي بسيرهم، ويرشدهم إلى قراءة النافع والمفيد، ويحرص على أوقاتهم وأعمارهم. فرق بين هذا وبين الذي يحدثهم عن المصارعين أو المغنين أو اللاعبين، ونحو ذلك من الاهتمامات الدنيا، التي تدل على ضحالة تفكير، ودنو همة، وفاقد الشيء لا يعطيه. وبالجملة فدور المعلم دور رائد إذا أحسن استغلاله فسوف يكون رافداً قوياً في بناء رجال الغد وأمل المستقبل.
المؤسسة الثالثة : المجتمع، وكما هو معلوم أن الإنسان اجتماعي بطبعه ولا يمكن بحال أن ينفك عن الناس والاختلاط بهم، وهذه الخلطة تكون ذات أثر في سلوك الفرد وتصرفاته سلباً وإيجاباً، ومن هنا ينبغي التفطن لإصلاح المجتمع ونشر الفضيلة فيه، ومحاربة كل ظاهرة فاسدة تبدو، وهذه مهمة الدعاة، ورجال الأمن وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكل رجال أمن. ومهمة رجل الأمن ليست مقصورة على حفظ الممتلكات والأموال وحسب بل هي أعظم من ذلك فرجل الأمن صمام أمان في المجتمع يحارب كل خلق ذميم، يأمر بالصلاة، وينهى عن المنكرات، ويحارب الفساد، ويرشد إلى الخير، وهذا يقتضي منه أن يكون على مستوى عال من العلم الشرعي، ويكون ذا خلق وسماحة مع إخوانه المواطنين، وذا غلظة وقوة على المفسدين، وأن يؤدي هذا العمل باحتساب وإخلاص حتى يؤجر عليه عند الله، ولذلك فلابد أن تكون العلاقة وطيدة بين رجال الحسبة ورجال الأمن جرياً للصالح العام، ولأن كلاً منهما مكمل للآخر.(1/8)
كما يجب على العلماء وخطباء المساجد، وكذا الوعاظ والمرشدين أن يولوا الشباب الكثير من خطبهم وكلماتهم، وأن يبحثوا في أعماق هذه المشكلة، ويبحثوا لها عن حلول ناجعة، ولا يملوا ولا ييئسوا من ذلك، فالشباب يستحقون الكثير والكثير، وأخص الدعاة في مكاتب الدعوة والإرشاد أن يضاعفوا الجهد باحتساب وإخلاص لله، فمهنتهم من أشرف المهن، وتأثيرهم الإصلاحي كبير فعليهم السعي الحثيث وأجرهم على الله تعالى.
ولا ننسى هنا دور الصالحين كل فيما يستطيعه من الكلمة الحسنة والموعظة النافعة، والنصيحة المقبولة . إن الكلمة الطيبة لها أثر بالغ في الإصلاح وتبلغ مبالغ عميقة في النفوس وخصوصاً نفوس الشباب التي ما زالت رغم كل شيء قريبة إلى الفطرة السليمة. وليعلم كل من منّ الله عليه بالصلاح في نفسه أن ذلك لا يعفيه من التبعية إذا قصر في النصح لأبناء مجتمعه، ولا شك أن المصلح خير من الصالح، وإنني لأعجب ممن رزقهم الله الاستقامة، ومنّ عليهم بحلاوة الطاعة كيف يبخلون على من حرم ذلك كله وأصبح يبحث عن السعادة في غير أماكنها فهذا والله غاية البخل، بل هو اللؤم بعينه فلو بخل أنسان بكسرة خبز أو شربة ماء لعد لئيماً فما بالكم بمن يبخل على نفسه وغيره بخيري الدنيا والآخرة.(1/9)
المؤسسة الرابعة المعنية بالإصلاح: هي الإعلام، وما أدراك ما الإعلام، فهو لسان الأمة الناطق، ومحضن فئات المجتمع بمن فيهم الشباب فكم من الأوقات صرفت في مشاهدة التلفاز أو سماع المذياع أو قراءة الصحف والمجلات والنشرات. والإعلام سلاح ذو حدين فكما أنه ينفع في نشر الخير والفضيلة إذا أحسن استغلاله، فكذلك يفتك بالمجتمعات فتكاً وبيلاً إذا تسلط عليه من لا خلاق له ولا دين، ولقد استغل أعداء الإسلام هذه الوسيلة أبشع استغلال فأضحت وسيلة هدم وتخريب وتدمير للعقيدة والفكر، والفضيلة والستر، وذلك عبر ما تبثه القنوات الفضائية من أمور يندى لها الجبين وتبكى منها الفضيلة، ويشتكي منها الحياء والعفاف، لقد ركز الإعلام الغربي على زرع مبادئ الإلحاد، ونشر العقائد المنحرفة، والأخلاق المنحطة من خلال أفلامه الداعرة، وأفكاره المنحلة، ثم أخذ ينفث سمومه القاتله في مشارق الأرض ومغاربها، وكانت صدور الشباب وعقلوهم مستقر ذلك السموم الذي قتل فيهم الفضيلة، وبعث الرذيلة، وما نراه من انحلال وتفسخ في الشباب المسلم ما هو نتيجة حتمية لذلك السموم المدمر. والعجب أيها الإخوة ممن عرف هذه الآثار الوخيمة ومع ذلك يصر على إدخال هذا الجهاز المعروف (بالدش) لداره.
ولقد حدثني من لا أتهم أن هناك من هتكت أعراض بناته بسبب الدش لا من غريب، ولكن من أقرب الناس إليه : نعم أيها الإخوة في الله ابنه قام بهذه الفعلة الشنعاء مع جميع أخواته، فماذا بقي بعد هذا ؟ وماذا يقال بعد هذا ؟ وماذا ينتظر بعد هذا ؟ و (إنا لله وإنا إليه راجعون). إن على كل غيور أن يسارع الساعة لقلع هذا الجهاز من سطح منزله، وتحطيمه لأنه أداة شر ومعول فساد، ولو لم يكن منه إلا طرح نمط الحياة الغربية المليئة بالانحراف والفساد والعادات المخالفة لعادات الإسلام وتقاليده لتكون بديلاً عن عادات الإسلام ومثله لكفى به عيباً، وتنقصاً كيف وقد هدم الفضيلة من أسها.(1/10)
إن على رجال إعلامنا أن يكونوا على مستوى التحدي، وأن يحرصوا كل الحرص على تقديم كل مفيد يزرع الفضائل ويربى الخلق الكريم، وأن يستغلوا هذه الإمكانيات الضخمة التي وفرها ولاة الأمور في هذه البلاد وفقهم الله لكل خير، وأن يتحملوا الأمانة بصدق وإخلاص، وأن تكون أهدافهم واضحة وهي نشر الإسلام بما يحمله من عقيدة التوحيد الخالص، ومايحمل من مثل عليا فيها صلاح العباد والبلاد، وأن يكونوا عند حسن الظن بهم، وعليهم أن يحرصوا على وسائل إعلامنا أن يندس فيها المغرضون من العلمانيين والمنافقين فينشروا من خلالها سمومهم وأفكارهم الهدامة، كما يجب على رجال الإعلام أن يرتقوا بمستوى إعلامنا إلى معالي الأمور، وأن يترفعوا عن نشر سفاسفها فالعاقل يربأ بنفسه أن يرعى مع الهمل. كما يجب عليهم أن يحوزوا ثقة المتابع، وذلك بصدق الكلمة، ونبل الفكرة، وجمال الطرح والتقديم. ولا بأس أن ينشر رجال الإعلام التسلية البريئة والطرفة النظيفة شريطة أن يكون ذلك مضبوطاً بضوابط الشرع، وآداب الإسلام ومثله وأخلاقه. وللحديث بقية إن شاء الله.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وأصلح لنا الحال والمآل. اللهم اهد شباب المسلمين اللهم اجعلهم قرة عيون المصلحين، وشوكاً وعلقماً في حلوق المفسدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، ورزقهم الهمم الرفيعة والاهتمام بمعالي الأمور، وجنبهم سفاسفها يا رب العالمين اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم حصن فروجهم وطهر قلوبهم، وغض أبصارهم، واحفظهم من كيد الكائدين ومكر الماكرين وفساد المفسدين يا سميع الدعاء(1/11)
اللهم احفظ ولات أمرنا في طاعتك، واجعلهم هداة مهتدين حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين، وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك ونصر دينك، اللهم انصرهم في كشمير وفي فلسطين وفي الفلبين وفي ارتريا وفي كل مكان قاموا لك فيه منتصرين يار أرحم الراحمين، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، والفضيلة فرق جمعهم وشتت أمرهم وزد في خسرانهم.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا ورخاءنا واجعلنا ممن شكرك فزدته وذكرك فذكرته ونصرك فنصرته وخافك فرحمته ورجاك فأعطيته، اللهم لا تردنا خائبين آمين آمين وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/12)
الصلوات غير المفروضة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ... أما بعد:
أخي الحبيب : إن الله تعالى فرض علينا أداء خمس صلوات في اليوم والليلة وهي بلا شك عمود الدين وركن من أركانه ، كما شرع لنا صلوات دونها سميت بصلاة التطوع ، فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم (صلاة التطوع) .
عن طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول : حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة فقال : هل علي غيرها ! قال : لا إلا أن تطوع أخرجه البخاري .
فضل صلاة التطوع
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال : يقول ربنا عز وجل لملائكته وهو أعلم : انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع ، فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم) أخرجه الأربعة وصححه الألباني .
السنن الرواتب
أعلم رحمك الله أن المقصود بالسنن الرواتب هي تلك الصلوات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة قبلها أو بعدها .
وهي التي أشار إليها في قوله ( ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشر ركعة تطوعاً إلا بنى الله له بيتاً في الجنة)رواه مسلم.
وإليك - أيها القارئ الكريم - بيانها :
1- راتبة صلاة الفجر : وهي ركعتان قبل الفريضة
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) رواه مسلم.(1/1)
2- راتبة صلاة الظهر وهي أربع ركعات قبل الفريضة وأربع أو اثنتان بعدها :
عن أم حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار ) أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني .
وله أن يصلي ركعتين بعدها لحديث عائشة قالت : كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين. أخرجه مسلم .
3- راتبة صلاة المغرب وهي ركعتان بعد الفريضة :
لحديث عائشة قالت : ... ... . وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين . رواه مسلم.
4-راتبة صلاة العشاء وهي ركعتان بعد الفريضة :
لحديث ابن عمر قال: حفظت منرسول الله عشر ركعات . قال وركعتين بعد العشاء في بيته . أخرجه البخاري ومسلم .
فضل صلاة الليل والوتر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) أخرجه مسلم .
وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ... ..) أخرجه مسلم.
ومن صلاة الليل صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان ويشرع الاجتماع لأدائها وفيها فضل عظيم .
صلاة الضحى :
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكيبرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) أخرجه مسم .
ويشرع للمسلم أن يصليها ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمانياً أو اثنتي عشرة ركعة . كل ذلك ثبت في الأحاديث .
صلاة ركعتين بعد الوضوء :(1/2)
عن عمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فافرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم جعل يمينه في الإناء ، فمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاث مرار ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) أخرجه الشيخان
صلاة تحية المسجد :
يشرع للمسلم إذا دخل المسجد وأراد الجلوس فيه أن يصلي ركعتين .
فعن أبي قتادة السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) أخرجه الشيخان .
وفي رواية البخاري (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) .
الصلاة بين الآذان والإقامة :
عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء ) أخرجه البخاري.
والمقصود بالأذانين هنا الأذان والإقامة .
صلاة التوبة :
عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (آل عمران) (أخرجه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني . )
الصلاة قبل الجمعة :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من اغتسل ثم أتى الجمعة وصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ، ثم يصلي معه غفر له ما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)أخرجه مسلم
السنة البعدية للجمعة :
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) أخرجه مسلم.
صلاة القادم من السفر :(1/3)
عن كعب بن مالك قال:.. كان( يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم )إذا قدم من السفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس .أخرجه الشيخان.
صلاة الاستخارة :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك ... الحديث .أخرجه البخاري
صلاة الكسوف والخسوف :
وهي سنة مؤكدة فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، فقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب في الناس ... الحديث. أخرجه الشيخان .
ويشرع صلاتها في المسجد جماعة من غير أذان ولا إقامة.
صلاة العيدين :
وقد لازم النبي صلى الله عليه وسلم أداءها وأمر الناس بالخروج إليها .
عن أم عطية قالت : أمرنا – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين .أخرجه الشيخان.
صلاة الاستسقاء :
تشرع إذا منع المسلمون القطر وأجدبت الأرض
عن عائشة رضي الله عنها قالت : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه . قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر فكبر ، وحمد الله عز وجل ثم قال : ( إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم)(1/4)
ومن حديث ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى فرقى على المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد . أخرجه أبو داود والترمذي ، وحسنه الألباني .
صلاة الجنازة :
الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية وفيها فضل عظيم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ) أخرجه الشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات . أخرجه الشيخان
صلاة ركعتي الطواف :
تصلى بعد كل سبعة أشواط ، قال الله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . البقرة :125.
وجاء في حديث جابر الطويل في صفة حجته صلى الله عليه وسلم قال: ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ). فجعل المقام بينه وبين البيت ، وكان يقرأ في الركعتين : قل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس . رواه مسلم .
الصلاة في مسجد قباء
عن سهل بن حنيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من خرج حتى يأتي هذا المسجد –مسجد قباء- فصلى ركعتين كان له عدل عمرة ) أخرجه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني .
مسائل تتعلق بصلاة التطوع :
التطوع في البيت أفضل :
لحديث زيد بن ثابت وفيه ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة .) أخرجه الشيخان
المداومة على التطوع أفضل وإن قل :(1/5)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير ، وكان يحجره من الليل فيصلي فيه ، وجعل الناس يصلون بصلاته ، وبسطه بالنهار ، فثابوا ذات ليلة فقال( يا أيها الناس ،عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل ) متفق عليه.
صلاة التطوع عن قعود :
عن عمران بن حصين وكان ميسوراً ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً ! قال : ( إن صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ) أخرجه البخاري
قال الترمذي : معنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع .
صلاة التطوع على الراحلة :
عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ، ويوتر عليها ، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة . متفق عليه
صلاة التطوع في السفر:
لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم في السفر الصلاة قبل المكتوية ولا بعدها ، ولم يلتزم بالرواتب وإنما ثبت عنه التطوع المطلق .
عن عامر بن ربيعة قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبح يومىء برأسه قبل أي وجه توجه ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في المكتوبة ) . متفق عليه .
الجماعة في صلاة التطوع :
تشرع الجماعة في صلاة التطوع إلا أنه لا ينبغي المداومة عليها وفعلها في البيت أفضل:
فعن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال : ( قوموا فلأصل لكم ) قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت اليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله صلى الله عيه وسلم ركعتين ثم انصرف . متفق عليه .
قضاء الراتبة مع الفائتة :(1/6)
عن أبي هريرة قال : عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ) قال: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة . أخرجه مسلم. .
أفضل الصلاة طول القراءة :
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلاة طول القنوت ) . أخرجه مسلم
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .(1/7)
الطوفان
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى .. أما بعد :
إنه مما يحز في النفس ويملأها ألماً وحزماً تساقط رايات كثيرة من أبناء المسلمين واستسلامهم أمام إغراءات وغزو تلك القنوات الفضائية الفاسدة ، فاسلمت لها قيادها وأعطتها حبها وفؤادها ، غافلين أو متغافلين عن ضررها وخطرها ، وشرها وبلائها وآثارها وتدميرها .
ورغم خطورة الأمر وفداحته إلا أن البعض قد يهون من أثر هذه القنوات ويزعم بأنه لم يلحظ على نفسه وأولاده وبناته تغيراً يذكر بسبها .
فنقول لمثل هؤلاء إنه ليس شرطاً في التغير أن تنحرف الإنسان مباشرة بعد نظره إلى تلك القنوات ، فقد يكون هناك تغير في السلوك والأخلاق ولكن قد يكون ذلك تدريجياً وعلى المدى البعيد ، وقد لا يحصل للكبار ومن عندهم بقية من دين وعقل وخلق ، ولكن قد يحصل ذلك للصغار الذين سيتربون على تلك المناظر ويألفونها وتكون عندهم أمراً عادياً بعد ذلك .
ولو فرض أنه لم يحصل أي شيء من الفساد الظاهر فإن مجرد النظر إلى تلك المناظر المخزية والتعود عليها واعتبار ذلك أمراً عادياً هو بحد ذاته تغير في النفوس واستمراء للمعصية وللخطيئة التي يحرمها الدين وتأباها الفطرة السليمة وتحميل للنفس ذنوباً وأوزاراً هي في غنى عنها وكفى بها من مصيبة ، نسأل الله تعالى ألا يجعل مصيبتنا في ديننا .
قتل الحياء لدى النساء
إن أغلب برامج القنوات الفضائية من أكبر أسباب قتل الحياء لدى النساء وكيف ينتظر من المرأة من الحياء وهي ترى بهذه القنوات أفلاماً تنسخ من ذاكرتها كل صور البراءة والعفة .(1/1)
لتتراءى أمام عينيها مظاهر التبرج والسفور والعلاقات المحرمة والتخلي عن كل معاني العفة والفضيلة ، وترى أفلاماً تعرض تفاصيل الفاحشة بكل وقاحة ، وترى الخيانات الزوجية تقدم على أنها حريات شخصية وترى كيف يعمل العاشق مع معشوقته وما يقع بينهما من الحركات المغرية والتأوهات والهمسات المثيرة التي تثير الحجر وليس البشر ، فماذا تراه سيجول في خاطرها ويتحرك في نفسها وهي ترى هذه المناظر تتكرر أمام عينها باستمرار ، هل سيبقى فيها بعد ذلك شيء من الحياء .
إن هناك نساء مستورات في بيوت عريقة ضارية في الأصالة والشرف ضعفن وسقطن - ولا بد أن يضعفن - أمام هذا التفجير الغرائزي المسعور ، أفتظن أنت أيها الغيور أن أبنتك أو زوجتك معصومة ولا يمكن أن تخطيء و أنت قد هيأت لها أسباب الخطأ وبيدك وضعت مقدماته .
البداية أخبار والنهاية هتك أستار
تعذر كثير من الناس بأن سبب استقباله للقنوات الفضائية إنما هو مشاهدة الأخبار والإطلاع على أحوال العالم ... ولو فرض أن ذلك صحيح ، فهل ستخلو هذه الأخبار من منكرات من بدع في الدين وشركيات وصور نساء وموسيقى متفق على تحريمها ، فهل أبيح له مشاهدة تلك المنكرات !؟ وهل هذه الأخبار مهمة وضرورة ملحة إلى درجة أن يرتكب الإنسان بسببها المعاصي ويغضب ربه وأن يضحي بدينه ودين أبنائه وأخلاقهم وأن يضطر هو وإياهم لمشاهدة ما يعرض فيها من مناظر مخزية ومشاهد فاضحة وفتن مهلكة من أجلها .
ثم هل عدمت أسباب الإطلاع إلا بطريقة تخرب معها البيوت وتهدم بها الأسر !! إن هناك مصادر أخرى كثيرة أشرف وأصدق من هذه القنوات الفاسدة كالإذاعات المشهورة والمجلات الموثوقة ونحو ذلك مما ليس فيه شبهة ولا فتنة ... ولكن هذه الادعاءات إنما هي في الحقيقة أعذار وحجج واهية ، فالبداية أخبار والنهاية هتك أستار .(1/2)
وعلى فرض النفع الذي قد يدعيه البعض من أخبار وبرامج ثقافية وعلمية فإنه على ضالته لا يوازي ذلك الكم الهائل من الفساد الفكري والديني الخلقي والأمني بل والنفسي ، الذي لا هدف له ولا نتيجة إلا إيجاد أجيال مبتورة الصلة بدينها وأمتها ، ناهيك عما تقوم به هذه القنوات من تخدير للشعوب من خلال إشاعة الفاحشة وبث الرذيلة ونشر الإباحية وترويج العنف والجريمة والتعود على رؤية المنكرات والمناظر المخزية .
فهل هذه المفاسد جمعاء توازي ما يدعيه البعض من نفع يحصلونه من تلك القنوات !! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) .
الكفار يشتكون
لسنا لوحدنا الذين نشكو من أخطار القنوات الفضائية ، فقد وقف رئيس فرنسا يشتكي من خطر الأفلام الأمريكية وتأثيرها على الشباب الفرنسي ، وفي السويد أيضاَ يشتكون من غزو الثقافة الفرنسية لبلادهم ... وهكذا كل دولة تشكو من الأخرى رغم أن دينهم وعاداتهم متقاربة ، ومع ذلك يحذر بعضهم من بعض ، عرفوا آثاره على الأطفال وعلى الشباب والفتيات ، اهتدوا لذلك بعقولهم ، وإننا والله نحن المسلمين الذين لنا دين يحرم كثيراً مما يعرض في تلك القنوات ولنا عادات تخالفها لأشد خطراً وأولى وأجد بمحاربة تلك القنوات ومقاطعتها نهائياً ، فلقد أنتجت هذه القنوات وستنتج جيلاً غريباً تائهاً صاغت القنوات الفضائية فكره وحددت مساره وثقافته وربته على مقارفة كل رذيلة ومحاربة كل فضيلة ... جيل تحللت أخلاقه وانحرفت عقائده ، وتزعزت مبادئه وقيمه .. جيل همه وغايته شهوة بطنه وفرجه فماذا ينتظر منه بعد ذلك !! .
والأبناء أيضاً يشتكون
يظن كثير من الآباء أنهم قد أحسنوا إلى أبنائهم وفعلوا بهم خيراً عندما مكنوهم من مشاهدة تلك القنوات الفضائية وأنهم سعداء بذلك .(1/3)
ولكن الواقع غير ذلك فإن كثيراً من الأبناء قد أحرقهم هذه القنوات ومزقت عواطفهم وشتت أذهانهم وأصبح الكثير منه يعيش في ضياع وقلق واكتئاب نفسي خطير ، حتى ولو لم يعنوا ذلك ولكنه يختلج في صدورهم ويتمنى الكثير منهم الخلاص منه ولكنهم لا يستطيعون ذلك وهم يرونه أمامهم .
ولنستمع لهذه المناجاة الصادرة من أحد الأبناء تجاه والده .
يقول : أبتي : إن كثيراً مما هيأته لي عبر القنوات الفضائية أصبح مصدر إزعاجي وبؤسي ، وما كنت أسعد به أصبح مصدر التعاسة الكبرى لي ، وإنني لأسمع كثيراً أن الأب غالباً ما يحب الخير لأبنه ، فأصرخ بقوة إلا أنت يا أبي !! .
والله يا والدي إنني الآن أتقلب في نار أشعلتها أنت تحت قدمي شعرت بذلك أم لم تشعر ، وأشرب سماً رضعته أنت لي في الكأس وأعطيته لي ، أحسست بفداحة ما فعلت أم لم تحس !؟ . أنت ، أنت يا والدي يا من علمت أنك تحب الخير لي كنت أول من رسم لي طريق الضياع بواسطة هذا الدش ، فيا لقداحة ما فعلت يا أبي !؟ .
أبتي : هل يسرك أن تراني وقد ضاع إيماني وحيائي ، وزلت قدمي عن الطريق المستقيم ؟ لا أدري أيسرك دماري أم ياترى يسرك ضياعي !؟ .
ماذا أقول لك ؟ هل أقول لك أنك قد دمرت أخلاقي وحطمت حياتي حملت نفسي كل معاني البؤس و الشقاء والحسرة والندامة بسبب هذا الشر الذي أحدق بنا وأحاط بنا من كل جانب .
يا أبتي : هل نسيت أم تناسيت أننا في عنقك وأنك مسئول عنا ، فهل يا أبتي حفظت الأمانة وتحملت المسئولية ونصحت للرعية التي استرعاك الله عليها ، هل نسيت يا أبي أم تناسيت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) إنه وعيد شديد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
يا أبتي :(1/4)
إنني أناشد فيك الأبوة الحانية إن كنت أباً ناصحاً مشفقاً وتريد مصلحتنا وتنشد سعادتنا ، إنني أناشدك أن تزيل هذه المنكرات التي أفسدت قلوبنا وأماتت غيرتنا وأذهبت حياءنا وصرفتنا للبحث عن الشهوات والنزوات ، وستوقعنا في أوحال الرذيلة وشرور الشبهات والشهوات .
هذا ما قاله الفتى ، فماذا ياترى تقوله الفتاة ... .!!؟؟
هذه شكوى واحدة ضمن آلاف الشكاوى التي تختلج في صدور أنباء المسلمين ممن ابتلوا بهذه الدشوش حتى ولو لم يعلنها البعض منهم ولكنها تؤرقهم وتقض مضاجعهم .
فهل ياترى يتنبه الأباء ويصحوا من غفلتهم وسباتهم وينقذوا أبناءهم من شرور تلك القنوات ويخلصوهم من سياط الألم الذي يقطع قلوبهم ، أم أنهم يبقوا كما هم آباء متحجرين ظلمة يحاربون الله عز وجل في عليائه .
إلى متى ..
أخي الحبيب صاحب الدش :
كم نادى العلماء بتحريم استقبال مثل تلك القنوات ، وكم حذر العقلاء من أخطارها ، وكم نادى الغيورون من ببيان آثارها وأضرارها ورغم كل ذلك فأنت لا تزال مصر على مشاهدتها ، فلماذا يا أخي كل هذا العناد ، وهذا الإصرار على الخطاء والإعراض عن قبول الحق ؟! ماذا تنتظر ؟ هل تنتظر عقوبة تحل بساحتك ؟ أم تنتظر فضيحة لا بنك أو ابنتك حتى تفيق بعدها وتعتبر ؟! أما تخاف الله يا مسلم ؟ أما تخشى بطشه وأليم عقابه ( إن بطشه لشديد ) الك جلد على النار والحميم أم بك جلد على الضريع والزقوم ؟!(1/5)
أو تظن أخي قد خلقت عبثاً وتركت سدى تتخبط في ظلمات المعاصي وأوحال الشهوات تنتقل من قناة إلى قناة ومن مسلسل إلى فيلم ومن رقصة إلى أغنية دون حسيب أو رقيب ودون أن يكون هناك جزاء وحساب ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) . فلو كان الأمر كذلك لسبقك إليه غيرك فإن كل الناس غريزة وميل إلى الشهوات والملذات ولكن حال بين العقلاء منهم وبين ما يشتهون خوفهم من ربهم وأضرار تلك القنوات في الدنيا قبل الآخرة ، لأن هؤلاء تسيرهم وتوجههم عقولهم وليست شهواتهم فلذلك انتصروا على أنفسهم وتغلبوا على شهواتهم ، فكن أخي من هؤلاء واقتد بهم ، ولا تكن ممن أصبحت توجههم وتسيرهم شهواتهم وفروجهم .
أخي الحبيب :
لكي تعلم أن كثيراً مما يعرض في تلك القنوات إنما هو متعة وقتية وسعادة وهمية انظر كم مضى عليك من الشهور والسنين وأنت تقلب ناظريك بتلك المناظر الجميلة والصور الفاتنة ، ماذا استفدت حتى الآن وماذا بقي لك منها ؟ إنها والله شهوات وملذات ذهبت عنك سريعاً ولكن تراكم عليك وزرها وإثمها كثيراً ( أفرأيت إن متعناهم سنين ، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) .
وربما تقول إن الاستغناء عن هذه القنوات أمر صعب وشاق على النفس لما يعرض فيها من المشاهد الممتعة والصور الفاتنة المحببة للنفس والتي تغري بمشاهدتها و متابعتها .
فأقول لك في هذه المواقف تتجلى قوة الإرادة ويتبين صدق الإيمان وتتأكد حقيقة الاستسلام لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلا فما الفرق إذاً بين العاقل والسفيه ... وبين المتعلم والجاهل ... وبين قوى الإرادة وضعيفها ... وبين المسلم والصادق والمدعي .(1/6)
ثم لا تظن أخي الحبيب أن أصحاب هذه القنوات سواء كانوا من الكفرة أو من غيرهم . لا تظن أنهم أنشأوا هذه القنوات وخسروا عليها الملايين لتسليتك أنت وأبنائك والترفيه عنكم وتثقيفكم ! كلا والله ما هذا أرادوا ، إنما أرادوا تدميركم بها ، بل تدمير المجتمع المسلم كله وإغراقه في الجرائم والفواحش لإضعافه وصد أبنائه عن دينهم وجعلهم يعيشون بلا هدف ولا غاية ، لأن أعداء الإسلام جادون في الإجهاز على الإسلام وأهله ، ولئن كان المسلمون تركوا الجهاد ووضعوا السلاح ورضوا الذل ، فإن أولئك والله لم يضعوا سلاحهم قط ، وإنما فقط غيروا نوع السلاح ، فبعد أن أدركوا أن الهزيمة العسكرية قد تذكي في المسلمين روح الانتقام وتكشف لهم ما في صفوفهم من ملل ثم ما يلبثوا أن ينظموا صفوفهم بعد ويعودا أقوياء .
بعد أن أدركوا ذلك جيداً تركوا الغزو العسكري ولجأوا إلى غزو أعظم أثراً وأشد فتكاً في الأمة من القنابل والصواريخ ، بل ومن السلاح النووي ، ألا وهو الغزو الفكري ، وهذه القنوات الفضائية هي من أعظم وسائل هذا الغزو خطورة وأشده تأثيراً على الأمة ، وأنت أخي باستقبالك لهذه القنوات ورضاك بها لا شك أنك ستكون عوناً لهؤلاء الأعداء في حربهم ضد الإسلام والمسلمين وفي نشر الفساد بين أبناء مجتمعك ،فهل ياترى سيسمح لك إيمانك وضمير ك بذلك . أم أنه سيؤنبك ضميرك ويردعك إيمانك وستتحرك غيرتك لدينك وأمتك وسترفض كل تلك الإغراءات والشهوات وتكون عضواً نافعاً مخلصاً لدينك وأمتك ؟ نتمنى ذلك .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .(1/7)
العار الذي يطول عمره
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعد
فلقد حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الزنا وبينا قبحه وفساده وحذرا العباد من الوقوع فيه ، ولشناعته فإن الله تعالى لم ينه عن الوقوع فيه فحسب ، بل نهى عن القرب منه فقال عز من قائل (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) .
والزنا يعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل ، وهو رجس وفاحشة مهلكة وجريمة موبقة تنفر منها الطبائع السليمة ، وهو فساد لا تقف جرائمه عند حد ولا تنتهي أثاره ونتائجه إلى غاية ، وهو ضلال في الدين وفساد في الأخلاق ، وانتهاك للحرمات والأعراض واستهتار بالشرف والمروءة ، وداعية للبغضاء والعداوة .
قال أحد العارفين :
الزنا عاره يهدم البيوت الرفيعة ويطأطئ الرؤوس العالية ،ويسود الوجوه البيض ويخرس الألسنة البليغة ، ويهوي بأطول الناس أعناقاً وأسماهم مقاماً وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة ليس لها من قرار .
وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما اتسع ، وهو لطخة سوداء ، إذا لحقت أسرة غمرت كل صحائفها البيض وتركت العيون لا ترى منها إلا سواداً حالكاً ، وهو العار الذي يطول عمره طويلاً ، فقاتله الله من ذنب وقاتل فاعليه .
وقال أخر :
إن الزاني يحط نفسه من سماء الفضيلة إلى حضيض الرذيلة ويصبح بمكان من غضب الله ومقته ، ويكون عند الخلق ممقوتاً ، وفي دنياه مهين الجانب عديم الشرف منحط الكرامة ساقط العدالة ، تبعد عنه الخاصة من ذوي المروءة والكرامة والشرف مخافة أن يعديهم ويلوثهم بجربه ، و لا تقبل روايته ولا تسمع شهادته ، ولا يرغب في مجاورته ولا مصادقته .
مفسدة الزنا(1/1)
إن في الزنا فساد للزاني والزانية ، أما فساده للزانية فهي تفسد بهذا العمل حياتها وتخسر شرفها وشرف أهلها وتسيء إلى سمعتها وسمعة أهلها ، ويفسد فراش زوجها إن كانت ذات زوج وربما أدخلت عليه أولاداً من الزنا فتغش بهم زوجها وينفق عليهم طوال حياته ويرثونه من بعد موته وينتسبون إليه وهم ليسوا بأولاده إلى غير ذلك مما تفسده المرأة بسبب وقوعها بهذه الفاحشة ، وإن كانت المرأة الزانية غير متزوجة فبالإضافة إلى إنها تفسد بهذا العمل حياتها وتخسر شرفها وشرف أهلها وتسيء إلى سمعتها وسمعة أهلها فإنها بهذا العمل المشين قد صرفت أنظار راغبي الزواج عنها ولا يتقدم لخطبتها أحد يعرف حالتها حتى ولو كان مجرماً قد عبث بها وأهدر شرفها وكرامتها لأنه يحتقرها ولا يرضاها زوجة له لما يعرفه عنها من الخيانة فتعيش المرأة بعد جريمة الزنا عيشة ذل وهوان ، لا زوج يحصنها ولا عائل يعولها فتصبح محتقرة ذليلة بين أهلها وذويها إضافة أيضاً إلى الجناية على سمعة أخواتها مما يقضي على مستقبلهن ويبعد عنهن راغبي الزواج بسبب جنايتها . وأما فساده للزاني فإنه بالزنا ينكب ويتولع منه ويصبح كالكلب المسعور في تعلقه بالنساء وقد يكون سبباً في ابتلاء إحدى محارمه بالوقوع بمثل هذه الفاحشة عقوبة من الله له فيهتك عرضه كما هتك هو أعراض الناس ويفتضح أمره ويسقط من أعين الناس ويقل احترام الناس له .
أضرار الزنا
إن للزنا أضراراً كثيرة فمنها :
1- ضياع النسل والجناية عليه ، فالزاني والزانية لو أدركا ما قد يترتب على جريمتها التي تنقضي على الفور ، لو أدركا ما يترتب عليها من الآثام والزور وغضب الله لهان عليهما أن يفنيا من الوجود ولا يرتكبا تلك الجريمة الشنعاء .(1/2)
2- يتسبب الزنا في اختلاط الأنساب وإفساد الأخلاق ويفضي إلى فناء الأمة ويدعو إلى الشقاء والفساد ويسبب انتشار الأمراض المستعصية التي لم تكن موجودة من قبل كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) رواه ابن ماجة ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انتشر في هذا الزمن بسبب كثرة الزنا الأمراض الكثيرة الخطيرة ، عقوبة من الله تعالى لأهل هذه الفاحشة .
3- الزنا يعمي القلب ويطمس نوره ، ويحقر النفس ويقمعها و يسقط كرامة الإنسان عند الله وعند خلقه ، ويمحق بركة العمر ، ويضعف في القلب تعظيم الله وخشيته .
أدلة تحريم الزنا
قال تعالى : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ) .
وقال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث _ وذكر منها الثيب الزاني ) متفق عليه . وقال عليه الصلاة والسلام : ( ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له ) .
عقوبة الزنا
عقوبة جماعية : فإنه لا يقتصر ضرر الزنا على الزناة فقط بل يتعدى إلى غيرهم فينزل غضب الله على قوم كثر فيهم الزنا ، ويكثر فيهم الموت أيضاَ ، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) رواه الحاكم . وقال صحيح الإسناد .(1/3)
لذا يجب على جميع المسلمين محاربة الزنا والابتعاد عن أسبابه كالتبرج والسفور والاختلاط والغناء والمجلات الماجنة والأفلام والمسلسلات الهابطة الداعية إلى كل فاحشة ورذيلة .
عقوبة فردية : وهي إقامة الحد على الزاني والزانية إذا كانا محصنين وذلك بقتلهما رجماً بالحجارة حتى يموتا لكي يجدا الألم في جميع أجزاء الجسم كما تلذذا بجسديهما قال صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وإن كانا غير محصنين جلدا مائة جلدة بأعلى أنواع الجلد ردعاً لهما عن المعاودة للاستمتاع بالحرام ، إضافة إلى فضحهما بين الناس والتشهير بهما .
وإذا أفلت الزناة من عقوبة الدنيا ولم يتوبوا فلهم في الآخرة عذاب أليم فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق ... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار ، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة فقلت من هؤلاء ؟ قالا لي : هؤلاء هم الزناة والزواني ، وجاء في الحديث أيضاً أن من زنى بامرأة كان عليه وعليها في القبر عذاب هذه الأمة .. وهذا فقط عذاب القبر أما في الآخرة فإن عذابهم شديد فهم يعذبون بوادي أثاما وهو وادٍ من أودية جهنم الكبرى نعوذ بالله منه .
قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا يزنون ، ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ) .
فالزاني يشارك المشرك والقاتل نفس العذاب والعياذ بالله ! فهل يليق بعاقل بعد ذلك أن يعرض نفسه لمثل هذا العذاب من أجل شهوة عابرة تذهب لذتها سريعاً ويبقى عذابها طويلاً ؟!(1/4)
فيا من خان الأعراض وتعدى عليها وابتغى الفساد في الأرض إن الغيرة من شيم الرجال ومن أخلاق النبلاء ومن شعب الإيمان ومن مقتضيات إياك نعبد وإياك نستعين فأين الغيرة ممن يتعدى على أعراض الناس ، ... كم أفسدت بين أمرأة وزوجها وكم جعلت بنتاً حبيسة الجدران في بيتها بعد أن ذبحت عفتها وضيعت شرفها وشرف أهلها وأسأت إلى سمعتها وسمعة أهلها أينك من الغيرة على محارم الله وأنت تنتهكها ؟ وأين أنت من الغيرة على محارمك فالذي يتعدى على محارم الناس لا يغار على محارمه ، لأنهن قد يبتلين بمن يتعدى عليهن عقوبة له ، وكما قيل : ( كما تدين تدان ) .
ثم إني أسألك بالله ، هل ترضى الزنا لأمك ؟ أو أن يتحدث معها أحد ويداعب مشاعرها ؟ فإن كنت ترضاه فأنت والعياذ بالله ديوث ، وما أظنك ترضاه ، وإن كنت لا ترضاه لأمك لأختك أو أبنتك أو عمتك أو خالتك فالناس كذلك لا يرضونه لأخواتهم وبناتهم وعماتهم وخالاتهم ؛ فهل عرضك حرام على الناس وأعراض الناس حلال لك أما ترحم أمك وأخواتك أن يصبن بمثل ما أصبت من محارم الناس ، أما ترحم ابنتك وزوجتك أن يفعل بها مثل ما فعلت أنت ببنات الناس .
يا قاطعا سبل الرجال وهاتكاً
... سبل المودة عشت غير مكرم
من يزني في قوم بالفي درهم ...
... في أهله يزنى بغير الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته
... كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
لو كنت حراً من سلالة ماجد
... ... ما كنت هاتكاً لحرمة مسلم(1/5)
وأنت أيتها المرأة يا من هتكت عرضك وعرض زوجك وأهلك بالزنا ومرغتيه في الوحل ونزلت به إلى الحضيض ، وأفسدت حياتك وحياة أهلك وأسأت إلى سمعتك وسمعتهم من أجل شهوة عابرة أو عرض زائل من الدنيا ، أما تخافين الله كيف طاوعتك نفسك على فعل هذه الفاحشة النكراء ! أين ذهب حياؤك الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة ؟ هل فكرت في موقف أهلك وزوجك وأولادك وفضيحتهم بين الناس لو انكشف أمرك ؟ هل فكرت بالعار الذي سيلحق بهم ؟ هل فكرت ماذا سيكون لهم بعد ذلك وكيف سيواجهون الناس وقد سودت وجوههم بجريمتك هذه ؟ إن موتك أو قتلك أهون عليهم بكثير من وقوعك بمثل هذه الفاحشة فاتقي الله وتوبي إليه وابتعدي عن هذه العمل المخزي قبل أن يفتضح أمرك أو أن تموتي وأنت مصرة على هذه الفاحشة القبيحة .
وأخيراً ..
اعلموا يا من ابتليتم بالزنا رجالاً ونساءً أن الله يراكم فحذروا أن تجعلوه أهون الناظرين إليكم وأحقر المطلعين عليكم وتجعلون هذه الشهوة الحيوانية وهذه اللذة الفانية تنسيكم عظمة مولاكم واطلاعه عليكم ، إنكم لا تستطيعون أن تفعلوا هذه الفاحشة القبيحة أمام أي إنسان حتى ولو كان طفلاُ صغيراً ولكنكم مع الأسف الشديد ترتكبونها أمام العلي الكبير جبار السموات والأرض ، فأين تعظيم الله في قلوبكم ؟ أين صدق الإيمان ؟ أين الاستجابة للرحمن ؟ أما استشعرتم عظمة الجبار ؟ أما تخافون غضب القهار ؟ .(1/6)
وهل نسيتم الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط وزلته والحساب وشدته هل نسيتم النار وما فيها من العذاب ، إن أمامكم أهوالاً عظيمة لا يعلم عظمها إلا الله لا طاقة لكم فيها ولن تتحملوها ، فلا تجعلوا هذه الشهوة الفانية تنسيكم كل هذه الأهوال التي أمامكم وتنسيكم عظمة ربكم وتنسيكم مصيركم ومآلكم ، و والله إنكم لأضعف من أن تتحملوا شيئاً من عذاب الله فلا تتمادوا في معصية ، و والله إن شهوات الدنيا كلها لا تساوي ضمة من ضمات القبر فكيف بما بعده من العذاب ، ولا خير والله في شهوة بعدها النار والدمار ، فتوبوا إلى الله قبل أن لا تستطيعوا أن تتوبوا وقبل أن تندموا في وقت لا ينفع فيه الندم .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .(1/7)