8 ـ تهاونهم برمي الجمار بأنفسهم فتراهم يُوَكّلون من يرمي عنهم مع قُدرَتهِم على الرمي ليُسقطوا عن أنفسهم مُعاناةَ الزحامِ ومشقةَ العمل، وهذا مخالفٌ لما أمر الله تعالى به من إتمام الحج، حيث يقول سبحانه : {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، فالواجب على القادر على الرمي أن يُباشره بنفسه، ويصبر على المشقة والتعب فإن الحج نوعٌ من الجهاد، لا بد فيه من الكُلفة والمشقة.
فليتق الحاج ربه، وليتم نُسكه، كما أمره الله تعالى به ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
طواف الوداع والأخطاء فيه
ثبت في « الصحيحين» عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : « أُمر الناس أن يكونَ آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض».
وفي لفظٍ لمسلم عنه قال : « كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكون آخرَ عهده بالبيتِ».
ورواه أبو داود بلفظ : « حتى يكونَ آخرَ عهده الطوافُ بالبيت».
وفي « الصحيحين» عن أُم سلمة رضي الله عنهاقالت : « شكوتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلّم أني أشتكي، فقال : « طُوفي من وراء الناس وأنتِ راكبةٌ»، فَطُفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يُصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور».(241/72)
وللنسائي عنها أنها قالت : « يا رسول الله، والله ما طُفتُ طوافَ الخروجِ فقال : « إذا أُقيمت الصلاةُ فطوفي على بعيرك من وراء الناس».
وفي « صحيح البخاري» عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رَقدَةً بالمُحَصب ثم ركب إلى البيت فطاف به.
وفي « الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد طوافِ الإفاضة فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « أحابِسَتُنا هي ؟» قالوا : إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، قال : « فلتنفر إذن».
وفي « الموطأ» عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال : « لا يَصدُرن أحدٌ من الحج حتى يطوف بالبيت، فإن آخرَ النسكِ الطوافُ بالبيت».
وفيه عن يحيى بن سعيد أنّ عمرَ رضي الله عنه رَدّ رجلاً مِن مرِّ الظهران لم يكن وَدّع البيتَ حتى ودّع.
والخطأ الذي يرتكبه بعضُ الناس هنا :
1 ـ نزولهم من منى يوم النفر قبل رمي الجمرات، فيطوفوا للوداع ثم يَرجعوا إلى منى فيرموا الجمرات، ثم يُسافروا إلى بلادهم من هناك.
وهذا لا يجوز، لأنه مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن يكون آخرَ عهدِ الحاجّ بالبيت، فإن من رمى بعد طواف الوداع فقد جعل آخرَ عهده بالجمار لا بالبيتِ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يَطُف للوداع إلا عند خروجه حين استكمل جميعَ مناسكِ الحج، وقد قال : « خُذوا عني مناسككم».
وأثرُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه صريحٌ في أن الطواف بالبيت آخرُ النسك، فمن طافَ للوداع ثم رمى بعده فطوافه غيرُ مجزىء لوقوعه في غير مَحَلِّه، فيجبُ عليه إعادتُه بعد الرمي، فإن لم يُعد كان حُكمُه حُكم مَن تركه.(241/73)
2 ـ مُكثهم بمكة بعد طواف الوداع، فلا يكونُ آخرَ عهدهم بالبيت وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلّم، وبينه لأُمته بفعله، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أمرَ أن يكون آخرَ عهدِ الحاج بالبيت، ولم يَطُف للوداع إلا عند خروجه، وهكذا فعل أصحابه، ولكن رخّص أهلُ العلم في الإقامةِ بعد طوافِ الوداع للحاجةِ إذا كانت عارضةً، كما لو أُقيمت الصلاة بعد طوافه للوداع فصلاها، أو حضرت جنازةٌ فصلى عليها أو كان له حاجةٌ تتعلق بسفره كشراء متاعٍ وانتظار رفقةٍ ونحو ذلك. فمن أقام بعد طواف الوداع إقامةً غيرَ مرخصٍ فيها وجبت عليه إعادتهُ.
3 ـ خروجهم من المسجد بعد طواف الوداعٍ على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة، وهذا خلافُ السنة، بل هو من البدع التي حذَّرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال فيها : « كل بدعةٍ ضلالة».
والبدعة : كل ما أُحدث من عقيدة أو عبادةٍ على خلافِ ما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم وخُلفاؤه الراشدون، فهل يظنُّ هذا الراجعُ على قفاه تعظيماً للكعبة على زعمهِ أنه أشدُّ تعظيما لها من رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، أو يظنّ أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن يعلمُ أنّ في ذلك تعظيماً لها، لا هو ولا خُلفاؤه الراشدون ؟!!
4 ـ التفاتهم إلى الكعبة عند باب المسجد بعد انتهائهم من طواف الوداع ودعاؤهم هناك كالمودعين للكعبة، وهذا من البدع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولا عن خُلفائه الراشدين، وكل ما قُصد به التعبُّد لله تعالى وهو مما لم يَردْ به الشرعُ فهو باطلٌ مردودٌ على صاحبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : « من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد»، أي : مردودٌ على صاحبه.(241/74)
فالواجب على المؤمن بالله ورسوله أن يكونَ في عباداته مُتبعاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيها لينال بذلك محبة الله ومغفرته، كما قال تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
واتباعُ النبي صلى الله عليه وسلّم كما يكونُ في مفعولاته يكونُ كذلك في متروكاته.
فمتى وُجد مقتضى الفعل في عهده ولم يفعله كان ذلك دليلاً على أن السنة والشريعة تركه، فلا يجوز إحداثهُ في دين الله تعالى، ولو أحبه الإنسان وهواه.
قال الله تعالى : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَتُ وَالاٌّرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به».
نسألُ الله أن يهدينا صراطَه المستقيم، وأن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهبَ لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب.
مناسك الحج و العمرة
الفصل العاشر : في زيارة المسجد النبوي
محمد بن صالح العثيمين
زيارة المسجد النبوي من الأمور المشروعة المستحبة، فهو ثاني المساجد الثلاثة التي تُشد الرحال إليها للصلاة فيها والعبادة.
ففي « الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : « لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : « صلاةٌ في مسجدي خيرٌ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرامَ» رواه الجماعة.
زاد الإمام أحمدُ من حديث عبدالله بن الزبير : « وصلاة في المسجد الحرامِ أفضلُ من مئةِ صلاةِ في هذا».(241/75)
وعن ميمونةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلّم قالت : « إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم يقول : « صلاةٌ فيه ـ يعني مسجد رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم ـ أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ من المساجدِ إلا مسجدَ الكعبة» رواه مسلم.
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : « ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياضِ الجنة، ومنبري على حَوضي» رواه البخاري.
فَيُسن للحاج وغيرهِ زيارةُ مسجدِ النبي صلى الله عليه وسلّم والصلاةُ فيه قبل الحج أو بعده، وليست هذه الزيارة من شروط الحج ولا أركانه ولا واجباته، ولا تعلُّق لها به.
فإذا دخل المسجد قدّم رِجلَه اليُمنى، وقال : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللَّهُمّ اغفر لي ذنُوبي وافتح لي أبواب رحمتِك، أعوذُ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.
ثم يُصَلي ركعتين تحية المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : « وإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلي ركعتين» متفق عليه.
وفي « الصحيحين» من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال : وأصبح رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم قادماً، وكان إذا قَدِمَ من سفرٍ بدأ بالمسجدِ فيركعُ فيه ركعتين.
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال : كنتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم في سفرٍ فلّما قدمنا المدينة قال : « اُدخُل فَصَلِّ ركعتين» رواه البخاري.
وينبغي أن يتحرى الصلاة في الروضة إن تيسر له من أجل فضيلتها، وإن لم يتيسر له صلى في أي جهةٍ من المسجد تتيسر له، وهذا في غير صلاةِ الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليُحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام لأنه أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : « خير صفوف الرجال أولها»، وقوله صلى الله عليه وسلّم : « لو يعلمُ الناس ما في النداء والصفِّ الأولِ ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه.
زيارةُ قبر النبي صلى الله عليه وسلّم(241/76)
وقبري صاحبيه رضي الله عنهما
بعد أن يُصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يُصلي، يذهبُ للسلام عن النبي صلى الله عليه وسلّم وصاحبيه أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما.
1 ـ فيقفُ أمامَ قبر النبي صلى الله عليه وسلّم مُستقبلاً للقبر مُستدبراً للقبلةِ، فيقولُ : السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته، وإن زاد شيئاً مناسباً فلا بأس مثل أن يقول : السلامُ عليكَ يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرتَه من خلقِهِ، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونَصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
وإن أقتصر على الأول فَحَسَنٌ.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم يقول : السلامُ عليك يا رسول الله، السلامُ عليك يا أبا بكر، السلامُ عليك يا أَبَتِ، ثم ينصرفُ.
2 ـ ثم يخطو خطوةً عن يمينه ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول : السلام عليك يا أبا بكر، السلامُ عليك يا خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أُمته، رضي الله عنك وجزاك عن أُمة محمدٍ خيراً.
3 ـ ثم يخطو خطوةً عن يمينهِ ليكونَ أمام عُمَرَ رضي الله عنه فيقول : السلامُ عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاكَ عن أُمّة محمدٍ خيراً.
وليكن سلامُهُ على النبي صلى الله عليه وسلّم وصاحبيه بأدبٍ، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المساجد منهيٌّ عنه، لا سيما في مسجد رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، وعند قبره.
وفي « صحيح البخاري» عن السائب بن يزيد قال : كنت قائما أو نائماً في المسجد فَحصبني رجلٌ فنظرتُ فإذا عُمر بن الخطاب فقال : اذهب فأتني بهذين، فجئتهُ بهما فقال : مَن أنتما ؟ قالا : من أهلِ الطائفِ، قال : لو كنتُما من أهل البلد لأوجعتكما جَلداً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم.(241/77)
ولا ينبغي إطالة الوقوف والدعاء عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلّم وقبري صاحبيه، فقد كرهه مالكٌ وقال : هو بدعةٌ لم يفعلها السلف، ولن يُصلح آخِرَ هذه الأمةِ إلا ما أصلح أولها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وكره مالكٌ لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون فيه خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهم يقولون في الصلاة : السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ الله وبركاته، ثم إذا قَضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلامِ لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل.
قال : وكان أصحابه خيرَ القرون، وهم أعلمُ الأمة بسنتِهِ، وأطوعُ الأمة لأمره.
قلت : وأقواهم في تعظيمه ومحبته، وكانوا إذا دخلوا إلى مسجده لا يذهبُ أحدٌ منهم إلى قبره، لا من داخل الحجرة ولا من خارجها، وكانت الحُجرة في زمانهم يُدخَلُ إليها من الباب إلى أن بُني الحائط الاخرُ، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه، لا لسلامٍ، ولا لصلاةٍ عليه، ولا لدعاء لأنفُسهم، ولا لسؤالٍ عن حديثٍ أو علم !
ولم يكن أحدٌ من الصحابة رضوان الله عليهم يأتيه ويسألهُ عن بعض ما تنازعوا فيه، كما أنهم أيضاً لم يطمع الشيطان فيهم فيقولُ : اطلبوا منه أن يأتي لكم بالمطر، ولا أن يستنصر لكم، ولا أن يستغفرَ كما كانوا في حياته يطلبون منه أن يستسقي لهم، وأن يستنصَر لهم.
قال : وكان الصحابةُ إذا أراد أحدٌ أن يدعُوَ لنفسه، استقبل القبلة ودعا في مسجده كما كانوا يفعلون في حياته، لا يقصدون الدعاء عند الحجرة، ولا يدخل أحدهم إلى القبر.(241/78)
قال : وكانوا يَقدُمون من الأسفارِ للاجتماعِ بالخلفاء الراشدين وغير ذلك، فَيُصلون في مسجده، ويُسَلّمون عليه في الصلاة، وعند دخولهم المسجدَ والخروج منه، ولا يأتون القبرَ؛ إذ كان هذا عندهم مما لم يأمرهم به. ولكن ابن عمر كان يأتيه فَيُسلّم عليه وعلى صاحبيه عند قدومهِ من السفر، وقد يكون فَعله غير ابن عمر أيضاً ولم يكن جمهورُ الصحابة يفعلون كما فَعَلَ ابنُ عمر رضي الله عنهما.
ولا يتمسح بجدار الحجرة، ولا يقبله، فإن ذلك إن فعله عبادةً لله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهو بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ، وقد أنكر ابن عباس رضي الله عنهما على مُعاوية رضي الله عنه مَسحَ الركنينِ الشامي والغربي من الكعبة، مع أن جنسَ ذلك مشروعٌ في الركنين اليمانيين. وليس تعظيمُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومحبته بمسح جدران حُجرةٍ لم تُبْنَ إلا بعد عهده بقرونٍ، وإنما محبته وتعظيمه باتباعهِ ظاهراً وباطناً، وعدمِ الابتداع في دينه ما لم يشرعه.
قال الله تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وأمّا إن كان مسحُ جدار الحجرة وتقبيله مُجرد عاطفةٍ أو عبثٍ فهو سفهٌ وضلالٌ لا فائدةَ فيه، بل فيه ضررٌ وتغريرٌ للجهال.(241/79)
ولا يدعو رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم بجلبِ منفعةٍ له، أو دفعِ مضرةٍ، فإن ذلك من الشركِ، قال الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَخِرِينَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَخِرِينَ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَخِرِينَ }، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً الْمَسَجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً }، وأمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يعلنَ لأُمته بأنه لا يملكُ لنفسهِ نفعاً ولا ضَرّاً، فقال تعالى : {قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }، وإذا كان لا يملكُ ذلك لنفسه، فلا يمكن أن يملكَه لغيره.
وَأَمَره سبحانه أن يُعلن لأمتهِ أنّه لا يملكُ مثل ذلك لهم، فقال تعالى : {قُلْ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً}.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزلت : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاٌّقْرَبِينَ} قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : « يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية بنتَ عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب لا أملكُ لكم من الله شيئاً، سَلُوني من مالي ما شئتم» رواه مسلم.
ولا يَطلب من النبي صلى الله عليه وسلّم أن يدعو له، أو يستغفرَ له، فإن ذلك قد انقطع بموتهِ صلى الله عليه وسلّم، لِما ثبت عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال : « إذا مات ابن آدمَ انقطع عمله».(241/80)
فأما قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً تَوَّاباً رَّحِيماً} فهذا في حياته، فليس فيها دليلٌ على طلب الاستغفار منه بعد موته؛ فإن الله قال: {إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} ولم يَقُلْ : إذا ظلموا أنفسهم، وإذ ظرفٌ للماضي لا للمستقبل، فهي في قومٍ كانوا في عهدِ النبي صلى الله عليه وسلّم، فلا تكون لمن بعده.
فهذا ما ينبغي في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، وقبري صاحبيه والسلام عليهم.
وينبغي أن يزورَ مقبرةَ البقيع، فَيُسلّم على مَن فيها من الصحابة والتابعين، مثل عُثمان بن عَفان رضي الله عنه، فيقفُ أمامه ويُسلم عليه فيقول : السلام عليك يا عثمان بن عفان، السلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أُمة محمدٍ خيراً.
وإذا دخلَ المقبرة فَليقُلْ ما علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلّم أُمّته كما في « صحيح مسلم» عن بُريدة رضي الله عنه قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلّم يُعَلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول : السلامُ عليكم أهلَ الديارِ من المُؤمنين والمُسلمين، وإنّا إنْ شاءَ الله بكم لَلاحقون، نسألُ الله لنا ولكم العافية».(241/81)
وفيه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان النبي صلى الله عليه وسلّم يخرجُ من آخرِ الليل إلى البقيعِ، فيقولُ : « السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما تُوْعدون غداً مُؤجّلون، وإنّا إنْ شاء الله بكم لاحقون، اللّهم اغفرْ لأهلِ بقيع الغرقدِ».
وإنْ أحبّ أن يخرجَ إلى أُحُدٍ ويزورَ الشهداءَ هناك فَيُسلّم عليهم ويدعو لهم ويتذكر ما حَصل في تلك الغزوةِ من الحكَمِ والأسرارِ فَحَسَنُ.
وينبغي أن يَخْرُجَ إلى مسجدِ قُباء، فيُصلّي فيه لقوله تعالى : {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
وفي « صحيح البخاري» عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلّم يأتي مسجد قُباء كلَّ سبتٍ ماشياً وراكباً، وكان ابن عمر يفعلهُ»، وفي رواية : « فَيُصلّي فيه ركعتين».
وروى النسائي عن سهل بن حُنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : « مَنْ خرج حتى يأتي هذا المسجدَ ـ مسجد قباء ـ فصلّى فيه كان له عدلُ عمرةٍ».
وإذا انصرف إلى بلاده وأقبلَ عليها قال : آيبونَ تائبون عابِدون لربّنا حامدون. حتى يَقدُمَ كما كان النبي صلى الله عليه وسلّم يفعل ذلك.
وليحمدِ الحاجُّ الذي يسّر الله له الحجَّ وزيارة المدينة، ليحمدِ الله على ذلك، وليقم بشكرهِ، ويستقم على أمره، فاعلاً ما أمرَ الله به ورسولُه، تاركاً ما نهى الله عنه ورسولُه، ليكونَ من عبادِ الله الصالحين، وأوليائهِ المتقين.
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاٌّخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.(241/82)
والحمدُ لله رَبّ العالمين، وصلّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مناسك الحج و العمرة
أسئلة وأجوبة في بعض مسائل الحج
محمد بن صالح العثيمين
س 1 : امرأةٌ حاضت ولم تطُف طوافَ الإفاضةِ وتسكن خارجَ المملكة، وحان وقتُ مغادرتها المملكة، ولا تستطيعُ التأخر، ويستحيل عودتها المملكة مرةً أخرى، فما الحكم ؟
ج 1 : إذا كان الأمرُ كما ذُكر، امرأةٌ لم تطف طوافَ الإفاضةِ، وحاضت ويتعذّر أن تبقى في مكة أو أن ترجعَ إليها لو سافرتْ قبلَ أن تطوف، ففي هذه الحالِ يجوزُ لها أن تستعمل واحداً من أمرين : فإما أن تستعمل إبراً توقفُ هذا الدمَ وتطوفُ، وإما أن تتلجم بلجامٍ يمنعُ من سيلانِ الدم إلى المسجد، وتطوفُ للضرورة، وهذا القولُ الذي ذكرناه هو القولُ الراجحُ، والذي اختارَه شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلافُ ذلك واحدٌ من أمرين، إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها بحيث لا تُحل لزوجها، وإما أن تُعتبر مُحصرة تذبح هدياً وتحلُّ من إحرامها.(241/83)
وفي هذه الحالِ لا تُعتَبُر هذه الحجةُ حجا لأنها لم تكملها، وكلا الأمرين صَعبٌ، الأمرُ الأولُ وهو بقاؤها على ما بقي من إحرامها، والأمرُ الثاني الذي يُفوِّت عليها حجَّها، فكان القولُ الراجحُ هو ما ذهب إليه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مثل هذه الحالِ للضرورة، وقد قال الله تعالى : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَهِيمَ هُوَ سَمَّكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }، وقال : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
أما إذا كانت المرأة يُمكنها أن تسافر ثم ترجعَ إذا طَهُرت فلا حَرَج عليها أن تُسافرَ، فإذا طَهُرت رَجَعت فطافت طوافَ الحج.
وفي هذه المدة لا تحلّ لزوجها لأنها لم تحلّ التحلُّلَ الثاني.
س 2 : حاجٌّ من خارجِ المملكة، لا يعلمُ عن ظروفِ السفرِ وترتيباتِ التذاكر والطائرات، وسأل في بلده هل يمكنه الحجز الساعة الرابعة عصراً من يوم ( 13/12/1405 هـ ) ؟ قيل : يمكن ذلك، فحجز على هذا الموعد، ثم أدركه المبيت بمنى ليلةَ الثالث عشر، فهل يجوزُ له أن يرمي صباحاً ثم ينفرَ، علماً أنه لو تأخر بعد الزوال لفات السفر، وترتب عليه مشقةٌ كبيرةٌ، ومخالفةٌ لأولي الأمر ؟
ج 2 : لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال، ولكن يُمكن أن نُسقطَ عنه الرميَ في هذه الحالِ للضرورة، ونقولُ له : يلزمك فديةٌ تذبحُها في منى أو في مكّة أو تُوكِل من يذبحُها عنك، وتوزّع على الفقراء، وتطوفُ طَوَافَ الوداع وتمشي.(241/84)
ونقولُ : أمّا قولك إذا كان الجواب بعدم الجواز أليس هناك رأيٌ يجيزُ الرمي قبل الزوال ؟ فالجواب : هناك رأيٌ يجيزُ الرمي قبل الزوال، ولكنه ليسَ بصحيح، والصوابُ أن الرمي قبل الزوال لا يجوزُ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : « خُذوا عني مناسككم»، ولم يَرْمِ صلى الله عليه وسلّم إلا بعد الزوال.
فإن قال قائلٌ : رميُ النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الزوال مجرد فعل، ومجرّد الفعل لا يدل على الوجوب، قلنا : هذا صحيحٌ أنه مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، أما كونه مجرد فعلٍ فلأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يأمر بأن يكون الرمي بعد الزوال، ولا نهى عن الرمي قبل الزوال.
وأما كونُ الفعل لا يدلُّ على الوجوبِ، فنَعم لا يدلُّ على الوجوب لأن الوجوب لا يكون إلا بأمرٍ بالفعل أو نهي عن التركِ.
ولكن نقول : هذا الفعل دلت القرينة على أنه للوجوب، ووجه ذلك أن كون الرسول صلى الله عليه وسلّم يؤخر الرمي حتى تزول الشمس يدل على الوجوب، إذ لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان النبي صلى الله عليه وسلّم يفعله، لأنه أيسر على العباد وأسهلُ والنبي صلى الله عليه وسلّم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فكونُه صلى الله عليه وسلّم لم يختر الأيسر هنا وهو الرمي قبل الزوال يدلُّ على إنه إثمٌ.
والوجه الثاني مما يدل على أن هذا الفعل للوجوب : كونُ الرسول صلى الله عليه وسلّم يرمي فور زوال الشمس قبل أن يُصلي الظهر، فكأنه يترقب الزوال بفارغِ الصبر ليبادرَ بالرمي، ولهذا أخّر صلاةَ الظهرِ مع أنَّ الأفضلَ تقديمها في أول الوقت، كل ذلك من أجل أن يرمي بعد الزوال مُباشرةً.
س 3 : رجلٌ سمع أنه يجوزُ السعي قبل الطواف فسعى ثم طاف في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، فقيل له : إن ذلك خاصُّ بيوم العيد، فما الحُكم ؟(241/85)
ج 3 : الصوابُ أنه لا فرق بين يوم العيد وغيره في أنه يجوزُ تقديم السعي على الطواف في الحج، حتى لو كان بعدَ يوم العيد لعموم الحديث، حيث قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلّم : سعيتُ قبل أنْ أَطوفَ قال : « لا حرج». وإذا كان الحديثُ عاماً فإنه لا فرقَ بين أن يكونَ ذلك في يوم العيد أو فيما بعده.
س 4 : إذا طاف مَن عليه سعيٌ، ثم خرج ولم يَسعَ، وأُخبر بعد خمسةٍ أيام بأن عليه سعياً، فهل يجوزُ أن يسعى فقط ولا يطوفُ قبله ؟
ج 4 : إذا طاف الإنسانُ معتقداً أنه لا سعي عليه ثم خرج، ثم بعد ذلك بأيام أُخبر بأن عليه سعياً، فإنه يأتي للسعي فقط ولا حاجةَ إلى إعادةِ الطواف، وذلك لأنه لا يُشترط الموالاة بين الطواف والسعي، حتى لو فُرض أن الرجلَ ترك ذلك عمداً، أي أخر السعي عن الطواف عَمْداً، فلا حَرَجَ عليه، ولكن الأفضلَ أن يكون السعي مُوالياً للطواف.
س 5 : حاجٌّ قَدِمَ متمتعاً، فلما طاف وسعى لَبِسَ ملابسه العادية، ولم يُقصر أو يحلق، وسأل بعد الحج وأُخبر أنه أخطأ، فكيف يفعل وقد ذهب الحج بعد وقت العمرةِ ؟
ج 5 : هذا الرجل يُعتبر تاركاً لواجب من واجبات العمرة، وهو التقصير، وعليه عند أهل العلم أن يذبحَ فديةً في مكة ويُوزعها على فقراء مكة وهو باقٍ على تمتعه فيلزمه هدي التمتع أيضاً.
س 6 : ما حكم الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة ؟
ج 6 : الحلق أو التقصير بالنسبة للعمرة واجبٌ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قَدِمَ إلى مكة في حَجة الوداع وطاف وسعى، أَمَرَ كلَّ من لم يسق الهديَ أن يقصر، ثم يحل، والأصل في الأمر الوجوب، ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمرَهم حين أحصروا في غزوةِ الحديبيةِ، أن يحلقوا حتى إنه صلى الله عليه وسلّم غَضِبَ حين تَوانَوْا في ذلك.(241/86)
وأما : هل الأفضل في العمرة التقصير أو الحَلق ؟ فالأفضل الحلقُ، إلا للمتمتع الذي قَدِمَ مُتأخراً فإن الأفضل في حقه التقصير من أجل أن يتوفر الحلقُ للحجِّ.
س 7 : حاجٌّ رمى جمرة العقبة من جهة الشرق، ولم يسقط الحجرُ في الحوض، فما العمل وهو في اليوم الثالث عشر، وهل يلزمه إعادة الرمي في أيام التشريق ؟
ج 7 : لا يلزمه إعادة الرمي كله، وإنما يلزمه إعادة الرمي الذي أخطأ فيه فقط، وعلى هذا يعيدُ رمي جمرة العقبة فقط، ويرميها على الصواب، ولا يجزئه الرمي الذي رماه من جهة الشرق لأنه في هذه الحال لا يسقط في الحوض الذي هو موضع الرمي، ولهذا لو رماها من الجسر من الناحية الشرقية أجزأ لأنه يسقطُ في الحوض.
س 8 : متى ينتهي رمي جمرة العقبة أداءً ؟ ومتى ينتهي قضاءً ؟
ج 8 : أما رمي جمرة العقبة يومَ العيد فإنه ينتهي بطلوعِ الفجرِ من اليوم الحادي عشَر، ويبتدىءُ من آخِرِ الليل من ليلةِ النحرِ للضُّعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناسِ.
وأما رميُها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللَّتَين معها، يبتدىءُ الرمي من الزوال، وينتهي بطلوع الفجر من الليلةِ التي تلي اليومَ، إلا إذا كان في آخرِ أيام التشريق، فإن الليل لا رميَ فيه، وهو ليلةُ الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، والرمي في النهار أفضلُ، إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغَشَمِهم، وعدم مبالاةِ بعضهم ببعضٍ إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضررِ أو المشقّة الشديدةِ فإنّه يرمي ليلاً ولا حرجَ عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا، فلا حرجَ عليه، ولكن الأفضلَ أن يُراعي الاحتياطَ، ولا يَرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه.
وأما قوله : قضاءً، فإنها تكون قضاءً إذا طلع الفجرُ من اليوم التالي في أيام التشريق ولم يَرمِها.(241/87)
س 9 : إذا لم تُصِب جمرةٌ من الجمار السبع المرمى، أو جمرتان، ومضى يومٌ أو يومان، فهل يلزمُه إعادةُ هذه الجمرة أو الجمرتين ؟ وإذا لزمه فهل يعيدُ ما بعدَها من الرمي ؟
ج 9 : إذا بقي عليه رميُ جمرةٍ أو جمرتين من الجمرات، أو على الأوضح حصاة أو حصاتين من إحدى الجمراتِ، فإن الفقهاء يقولون إذا كان من آخر جمرة فإنه يُكملها، أي يُكملُ هذا الذي نقص فقط، ولا يلزمهُ رمي ما قبلها، وإن كان من غير آخر جمرة فإنه يُكمل الناقص، ويَرمي ما بعدها.
والصوابُ عندي أنه يُكمل النقصَ مُطْلَقاً، ولا يلزمهُ إعادةُ رمي ما بعدها؛ وذلك لأن الترتيب يَسقُطُ بالجهل أو بالنسيان، وهذا الرجلُ قد رمى الثانيةَ وهو لا يعتقدُ أن عليه شيئاً مما قبلها، فهو بين الجهلِ والنسيانِ، وحينئذٍ نقولُ له : ما نَقَصَ من الحصا فارمهِ ولا يجبُ عليك رَميُ ما بعدَها.
وقبلَ إنهاء الجوابِ أُحبُّ أن أنبّه إلى أنَّ المرمى مجتمعُ الحصا، وليس العمود المنصوب للدلالة عليه، فلو رمى في الحوضِ ولم يُصِب العمودَ بشيء من الحصيات فَرَميه صحيحٌ، والله أعلم.
س 10 : إذا خَرج الحاج من منى قبلَ غروب الشمس يومَ الثاني عشر بنية التعجل، ولديه عملٌ في منى سيعودُ له بعد الغروب، فهل يُعتبر مُتعجلاً ؟
ج 10 : نعم؛ يُعتبر متعجلاً لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعملِه فيها لا يمنعُ التعجل، لأنه إنما نوى الرجوعَ للعملِ المنُوطِ به لا للنسك.
س 11 : مَن أحرم بالحج من الميقات، ثم سار إلى أَنْ قَرُب من مكة فَمنَعه مركزُ التفتيش لأنه لم يحمل بطاقة الحج، فما الحكم ؟(241/88)
ج 11 : الحُكَمُ في هذه الحالِ أنه يكون مُحْصِراً حين تعذر عليه الدخولُ، فيذبح هَدياً في مكان الإحصارِ، ويحلّ، ثم إن كانت هذه الحجةُ هي الفريضة، أدّاها فيما بعدُ بالخطاب الأوَل لا قضاءً، وإن كانت غَيَر الفريضةِ فإنه لا شيء عليه، على القول الراجحِ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يأمر الذين أُحصروا في غزوةِ الحديبيةِ أن يَقضُوا تلك العمرةَ التي أُحْصِرُوا عنها، وليس في كتابِ الله، ولا في سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم وجوبُ القضاء على من أُحْصرَ؛ قال تعالى : {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، ولم يذكر شيئاً سوى ذلك.
وعمرةُ القضاء سُميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قاضى قُريشاً، أي عاهدهم عليها، وليس من القضاء الذي هو استدراكُ ما فات، والله أعلمُ.
س 12 : إذا دخل الافاقيُّ بملابسه العادية، بمكة حتى يتحايل على الدولة لعدم الحج، ثم أحرم من مكة، فهل يجوز حجُّه، وما الذي يلزمُهُ ؟
ج 12 : أما حجُّه فيصحُّ، وأما فعله فحرامٌ، حرامٌ من وجهين : أحدُهما تعدّي حدودِ الله سبحانه وتعالى بِتركِ الإحرامِ من الميقاتِ.
والثاني : مخالفته أمرَ ولاةِ الأمور الذين أُمرنا بطاعتهم في غير معصيةِ الله.(241/89)
وعلى هذا يلزمهُ أن يتوبَ إلى الله ويستغفره مما وقع، وعليه فديةٌ يذبحها في مكة ويُوزعها على الفقراء لتركهِ الإحرامَ من الميقاتِ، على ما قاله أهلُ العلم من وجوب الفدية على من تركَ واجباً من واجباتِ الحج أو العمرة.
س 13 : سمعتُ أن الُمتمتع إذا رجعَ إلى بلدهِ انقطَعَ تمتعه، فهل يجوز له أن يَحجَّ مُفرداً ولا دَمَ عليه ؟
ج 13 : نعم إذا رجع المتمتع إلى بلده، ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهو مفردٌ، وذلك لانقطاع ما بين العُمرة والحج برجوعه إلى أهله فإنشاؤه السفرَ معناه أنه أنشأ سفراً جديداً للحج، وحينئذٍ يكونُ حجُّه إفراداً، فلا يجبُ عليه هديُ التمتع، لكن لو فعل ذلك تحيُّلاً على إسقاطه فإنه لا يسقطُ عنه، لأن التحيُّل على إسقاطِ الواجبِ لا يَقتَضي إسقاطه، كما أن التحيلَ على المحرَّمِ لا يَقتضي حِلَّه.
س 14 : إذا قَدِمَ المسلمُ إلى مكة قبل أشهر الحج بنية الحجِّ، ثم اعتمر وبقي إلى الحجِّ فحجَّ، فهل حَجُّهُ يُعتبر تمتُّعاً أم إفراداً ؟
ج 14 : حَجُّهُ يُعتبر إفراداً، لأن التمتع هو أن يُحرمَ بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغَ منها، ثم يُحرم بالحج من عامه.
وأما من أحرمَ بالعمرة قبلَ أشهر الحج وبقي في مكة حتى حجّ، فإنه يكونُ مفرداً، إلا إذا قَرَنَ، بأن يحرم بالحجّ والعمرة جميعاً، فيكون قارناً، وإنما اختصَّ التمتعُ بمن أحرمَ بالعمرة في أشهر الحج لأنه لما دخلت أشهرُ الحج كان الإحرامُ بالحجّ فيها أخصَّ من الإحرامِ بالعمرة، فخفّف الله تعالى عن العباد، وأذِنَ لهم، بل أحبَّ أن يجعلوا عُمرَةً ليتمتعوا بها إلى الحجِّ.
س 15 : حملةٌ خَرجَت من عرفةَ بعد الغروب، فضلُّوا الطريقَ فتوجهوا إلى مكة، ثم ردَّتهم الشرطةُ إلى مُزدلفةَ، فلما أقبلوا عليها توقفوا، وصلَّوا المغربَ والعشاءَ في الساعة الواحدة ليلاً، ثم دَخَلُوا المزدلفةَ أذانَ الفجرِ فصلَّوا فيها الفجر ثم خَرَجُوا، فهل عليهم شيءٌ في ذلك أَمْ لا ؟(241/90)
ج 15 : هؤلاء لا شيءَ عليهم لأنهم أدركوا صلاةَ الفجرِ في مُزدلفةَ حين دخلوها وقتَ أذانِ الفجرِ، وصلّوا الفجر فيها بِغَلَسٍ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : « مَنْ شَهِدَ صلاتنا هذه ووقفَ معنا حتى نَدْفَعَ، وقد وقف قبل ذلك بعرفةَ ليلاً أو نهاراً فقد تم حجُّه وقضى تَفَثَه»، ولكن هؤلاء أخطأوا حين أخّروا الصلاةَ إلى ما بعد مُنتصفِ الليل، لأن وقتَ صلاة العشاء إلى نصفِ الليل، كما ثبت ذلك في « صحيح مسلم» من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يحلُّ تأخيرها عن مُنتصف الليل.
س 16 : معلومٌ أن حَلقَ الرأسِ من محظوراتِ الإحرامِ، فكيفَ يجوزُ البدءُ به في التحلُّل يومَ العيد، لأن العلماءَ يقولون : إن التحلُّل بفعلِ اثنين من ثلاثِ، ويَذكرون منها الحلقَ، وعلى هذا فإنّ الحاجَّ يجوزُ أن يبدأ به ؟
ج 16 : نعم يجوزُ البدءُ به لأنّ حلقَه عند الإحلالِ للنُّسك، فيكون غير مُحرِمٍ، بل يكونُ نُسكاً مأموراً به، وإذا كان مأموراً به فإن فعله لا يُعَدُّ إثماً ولا وقوعاً في محظورٍ.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه سُئل عن الحلقِ قبل النحرِ وقبل الرمي، فقال : « لا حَرَج».
وكون الشيء مأموراً به أو محظوراً إنما يُتلقى من الشرع : ألا ترى إلى السجودِ لغير الله تعالى كان شِرْكاً، ولما أمر الله به الملائكةَ أن يسجدُوا لادم كان سجودُهم له طاعةً.(241/91)
ثم ألم تَرَ إلى قتلِ النفسِ، لا سيّما الأولادَ كان من الكبائرِ العظيمةِ، فلما أمر الله تعالى نبيَّه إبراهيم أن يقتلَ ابنه إسماعيلَ كان طاعةً نال بها إبراهيمُ مرتبةً عظيمةً، ولكن الله تعالى برحمتهِ خفّف عنه وعن ابنهِ وقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ لِلْجَبِينِ * وَنَدَيْنَهُ أَن يإِبْرَهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَالرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
س 17 : متى ينتهي زمنُ ذبحِ هدي التمتع ؟ وهل هناك خلافٌ وآراءٌ في تحديد الزمن ؟
ج 17 : ينتهي زمنُ الذبحِ لهدي التمتُّع بغروبِ الشمسِ من اليومِ الثالث عشر من ذي الحجة ويبتدىء إذا مضى قَدرُ صلاةِ العيد من يومِ العيد بعد ارتفاعِ الشمسِ قدرَ رمحٍ.
وأما : هل هناك خلافٌ ؟ فنعم فيه خلافٌ في ابتدائه وانتهائه، ولكن الراجحَ ما ذكرناه، والله أعلم.
س 18 : ما حُكمُ من بات في منى إلى الساعة الثانية عشرةَ ليلاً، ثم دخل مكةَ ولم يَعُد حتى طلوع الفجر ؟
ج 18 : إذا كانت الساعةُ الثانيةَ عشرةَ ليلاً هي منتصف الليل في منى، فإنه لا بأسَ أن يخرجَ منها بعدها.
وإن كان الأفضلُ أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، وإن كانت الساعةُ الثانية عشرةَ قبل منتصفِ الليل فإنه لا يخرجُ، لأن المبيت في منى يشترطُ أن يكون مُعظَمَ الليل على ما ذكره فُقهاؤنا رحمهم الله تعالى.
س 19 : يُقال : إنه لا يجوزُ الرمي بجمرةٍ قد رُمي بها، فهل هذا صحيح ؟ وما الدليلُ عليه ؟(241/92)
ج 19 : هذا ليس بصحيحٍ، لأن الذين استدلُّوا بأنه لا يُرمَى بجمرةٍ قد رُمي بها، علّلوا ذلك بعللٍ ثلاث : قالوا إنها ـ أي الجمرةُ التي رُمي بها ـ كالماء المستعمل في طهارة واجبةٍ، والماء المستعمل في الطهارةِ الواجبة يكونَ طاهراً غيرَ مُطَهِّر، وإنها كالعبدِ إذا أُعتق فإنه لا يُعتَق بعد ذلك في كفّارة أو غيرها، وإنه يلزمُ من القولِ بالجوازِ أن يَرمِيَ جميعُ الحجيجِ بحجرٍ واحدٍ، فترمي أنتَ هذا الحجَرَ، ثم تأخذهُ وترمي، ثم تأخُذُه وترمي حتى تُكملَ السبعَ، ثم يجيءُ الثاني فيأخُذُهُ فيرمي حتّى يُكمل السبع، فهذه ثلاثُ عللٍ وكلُّها عند التأمُّل عليلةٌ جداً.
أما التعليلُ الأول : فإنّما نقولُ بمنع الحكمِ في الأصلِ، وهو أنّ الماءَ المستعملُ في طهارة واجبةٍ يكون طاهراً غيرَ مُطَهِّر لأنّه لا دليلَ على ذلك، ولا يُمكن نقلُ الماء عن وصفهِ الأصلِّي، وهو الطهوريّة إلا بدليلٍ.
وعلى هذا فالماء المستعملُ في طهارةٍ واجبةٍ طهورٌ مُطهِّرٌ، فإذا انتفى حُكمُ الأصلِ المقيس عليه، انتفى حكمُ الفرعِ.
وأما التعليل الثاني : وهو قياسُ الحصاةِ المرمي بها على العبد المُعتَق، فهو قياسٌ مع الفارقِ، فإن العبدَ إذا أُعتق كان حُرًّا لا عبداً، فلم يكن محلاً للعتقِ، بخلافِ الحجر إذا رُمي به فإنه يبقى حَجَراً بعد الرمي به، فلم يَنْتَفِ المعنى الذي كان من أجله صالحاً للرمي به، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أُعتق استرقَّ مرةً أخرى بسبب شرعيٍّ جاز أن يُعتَقَ مرة ثانية.
وأما التعليلُ الثالث : وهو أنه يَلزَمُ من ذلك أن يقتصر الحجَّاج على حصاةٍ واحدةٍ، فنقولُ : إن أمكن ذلك فليكن ولكن هذا غيرُ مُمكنٍ، ولن يعدلَ إليه أحدٌ مع توفّر الحصا.
وبناءً على ذلك، فإنه إذا سَقَطَت من يدك حصاةٌ أو أكثر حولَ الجمراتِ فَخُذْ بَدَلهُا مما عندك، وارْمِ به سواءٌ غَلَبَ على ظنِّك أنه قد رُمي بها أم لا.(241/93)
س 20 : إذا قَصَّرَ الحاجُّ والمُعتَمِرُ من جانبي رأسهِ ثم حَلَّ إحرامهُ وهو لم يُعَمّم الرأس فما الحكمُ ؟
ج 20 : الحكمُ إن كان في الحجِّ وقد طاف ورمى، فإنَّه يبقى في ثيابهِ، ويُكمل حلقَ رأسِه أو تقصيره، وإن كان في عُمرةٍ فعليه أن يخلعَ ثيابه ويعودَ إلى ثيابِ الإحرامِ ثم يحلقَ أو يُقَصِّرَ تقصيراً تاماً يعمُّ جميعَ الرأسِ وهو مُحْرِم، أي وهو لابسٌ ثيابَ الإحرام.
س 21 : هل يجوزُ للحاجِّ أن يُقَدِّم سعي الحجِّ عن طوافِ الإفاضة ؟
ج 21 : إن كان الحاجُّ مُفرِداً أو قارناً، فإنه يجوزُ أن يُقَدّم السعيَ على طوافِ الإفاضةِ، فيأتي به بعد طوافِ القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلّم، وأصحابُه الذين ساقوا الهديَ.
أما إن كان متمتعاً، فإن عليه سعيين : الأول عند قدومِه إلى مكة، وهو للعُمرة، والثاني في الحجّ.
والأفضلُ أن يكون بعد طوافِ الإفاضةِ، لأن السعيَ تابعٌ للطوافِ، فإن قدّمه على الطوافِ فلا حَرَجَ على القول الراجحِ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم سُئل فقيل له : سعيتُ قبل أن أطوف ؟! قال : « لا حَرَج». فالحاجُّ يفعلُ يومَ العيد خمسةَ أنساكٍ مُرَتّبَةً : رميُ جمرة العَقبة، ثم النّحر، ثم الحلْق أو التقصير، ثم الطَّواف بالبيت، ثم السَّعي بين الصفا والمروة، إلا أنْ يكونَ قارناً أو مُفْرداً سعى بعد طوافِ القدومِ فإنّه لا يُعيد السعيَ، والأفضلُ أن يُرَتّبها على ما ذكرنا، وإن قَدّم بعضَها على بعضٍ، لا سّيما مع الحاجةِ فلا حَرَج، وهذا من رحمةِ الله تعالى وتيسيرهِ، فلله الحمد رب العالمين.(241/94)
المنهج لمريد العمرة و الحج
مقدمة
محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً، أما بعد:
فإن الحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات؛ لأنه أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والتي لا يستقيم دين العبد إلا بها.
ولما كانت العبادة لا يستقيم التقرب بها إلى الله ولا تكون مقبولة إلا بأمرين:
أحدهما: الإخلاص لله عز جل بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياء ولا سمعة.
الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولاً وفعلاً، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كان لابد لمن أراد تحقيق الاتباع أن يتعلم سنته صلى الله عليه وسلم بأن يتلقاها من أهل العلم بها، إما بطريق المكاتبة أو بطريق المشافهة، وكان من واجب أهل العلم الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم وخلفوه في أمته أن يطبقوا عباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم على ما علموه من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن يبلغوا ذلك إلى الأمة ويدعوهم إليه؛ ليتحقق لهم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً وتبليغاً ودعوة، وليكونوا من الرابحين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
وهذه خلاصة فيما يتعلق بمناسك الحج والعمرة مشيت فيها على ما أعرفه من نصوص الكتاب والسنة راجياً من الله تعالى أن تكون خالصة له نافعة لعباده.
المنهج لمريد العمرة و الحج
آداب السفر
محمد بن صالح العثيمين(242/1)
ينبغي لمن خرج إلى الحج أو غيره من العبادات أن يستحضر نية التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله؛ لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله تعالى، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة مثل الكرم والسماحة والشهامة والانبساط إلى رفقته وإعانتهم بالمال والبدن وإدخال السرور عليهم، هذا بالإضافة إلى قيامه بما أوجب الله عليه من العبادات واجتناب المحرمات.
وينبغي أن يكثر من النفقة ومتاع السفر، ويستصحب فوق حاجته من ذلك احتياطاً لما يعرض من الحاجات.
وينبغي أن يقول عند سفره وفي سفره ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1- إذا وضع رجله على مركوبه قال: بسم الله. فإذا استقر عليه فليذكر نعمة الله على عباده بتيسير المركوبات المتنوعة ثم ليقل: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوعنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، الله إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد.
2- التكبير إذا صعد مكاناً علواً، والتسبيح إذا هبط مكاناً منخفضاً.
3- إذا نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، فإن من قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله الذي قالها فيه.
المنهج لمريد العمرة و الحج
آداب السفر
محمد بن صالح العثيمين(242/2)
ينبغي لمن خرج إلى الحج أو غيره من العبادات أن يستحضر نية التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله؛ لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله تعالى، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة مثل الكرم والسماحة والشهامة والانبساط إلى رفقته وإعانتهم بالمال والبدن وإدخال السرور عليهم، هذا بالإضافة إلى قيامه بما أوجب الله عليه من العبادات واجتناب المحرمات.
وينبغي أن يكثر من النفقة ومتاع السفر، ويستصحب فوق حاجته من ذلك احتياطاً لما يعرض من الحاجات.
وينبغي أن يقول عند سفره وفي سفره ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1- إذا وضع رجله على مركوبه قال: بسم الله. فإذا استقر عليه فليذكر نعمة الله على عباده بتيسير المركوبات المتنوعة ثم ليقل: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوعنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، الله إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد.
2- التكبير إذا صعد مكاناً علواً، والتسبيح إذا هبط مكاناً منخفضاً.
3- إذا نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، فإن من قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله الذي قالها فيه.
المنهج لمريد العمرة و الحج
صلاة المسافر
محمد بن صالح العثيمين
دين الإسلام دين اليسر والسهولة لا حرج فيه ولا مشقة، وكلما وجدت المشقة فتح الله لليسر أبواباً، قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين يسر"(1) وقال أهل العلم رحمهم الله: المشقة تجلب التيسير".
ولما كان السفر مظنة المشقة غالباً خففت أحكامه، فمن ذلك:(242/3)
1- جواز التيمم للمسافر إذا لم يجد الماء أو كان معه من الماء ما يحتاجه لأكله وشربه، لكن متى غلب على ظنه أنه يصل على الماء قبل خروج الوقت المختار فالأفضل تأخير الصلاة حتى يصل إلى الماء ليتطهر به.
2- إن المشروع في حق المسافر أن يقصر الصلاة الرباعية فيجعلها ركعتين من حين يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه ولو طالت المدة؛ لما ثبت في صحيح البخاري(2) عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة".
لكن إذا صلى المسافر خلف إمام يصلي أربعاً فإنه يصلي أربعاً تبعاً لإمامه سواء أدرك الإمام من أول الصلاة أو في أثنائها، فإذا سلم الإمام أتى بتمام الأربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"(3). وعموم قوله: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(1). وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعاً إذا ائتم بمقيم، فقال: "تلك السنة".
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين. "يعني في السفر" .
3- إن المشروع في حق المسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا احتاج إلى الجمع، مثل أن يكون مستمراً في سيره، والأفضل حينئذ أن يفعل ما هو الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير.
أما إذا كان غير محتاج إلى الجمع فإنه لا يجمع، مثاله أن يكون نازلاً في محل لا يريد أن يرتحل منه إلا بعد دخول وقت الصلاة الثانية، فهذا لا يجمع بل يصلي كل فرض في وقته؛ لأنه لا حاجة به إلى الجمع.
المنهج لمريد العمرة و الحج
المواقيت
محمد بن صالح العثيمين
المواقيت هي الأمكنة التي عينها النبي صلى الله عليه وسلم ليحرم منها من أراد الحج أو العمرة، والمواقيت خمسة:(242/4)
الأول: ذو الحليفة ويسمى (أبيارعلي) ويسميه بعض الناس (الحساء) وبينه وبين مكة نحو عشر مراحل، وهو ميقات أهل المدينة ومن مر به من غيرهم.
الثاني: الجعفة وهي قريبة قديمة بينها وبين مكة نحو خمس مراحل، وقد خرجت فصار الناس يحرمون بدلها من رابغ، وهي ميقات أهل الشام ومن مر بها من غيرهم.
الثالث: يلملم وهو جبل أو مكان بتهامة بينه ويبن مكة نحو مرحلتين، وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من غيرهم.
الرابع: قرن المنازل ويسمى (السيل) بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو ميقات أهل نجد ومن مر به من غيرهم.
الخامس: ذات عرق ويسمى (الضريبة) بينها وبين مكة مرحلتان، وهي ميقات أهل العراق ومن مر بها من غيرهم.
ومن كان أقرب إلى مكة من هذه المواقيت فإن ميقاته مكانه فيحرم منه حتى أهل مكة من مكة، ومن كان طريقه يميناً أو شمالاً من هذه المواقيت فإنه يحرم حين يحاذي أقرب المواقيت إليه، ومن كان في طائرة فإنه يحرم إذا حاذى الميقات من فوق، فيتأهب ويلبس ثياب الإحرام قبل محاذاة الميقات، فإذا حاذاه نوى الإحرام في الحال، ولا يجوز تأخيره، هذا وبعض الناس يكون في الطائرة وهو يريد الحج أو العمرة فيحاذي الميقات ولا يحرم منه بل يؤخر إحرامه حتى ينزل في المطار، وهذا لا يجوز؛ لأنه من تعدي حدود الله تعالى. نعم لو مر بالميقات وهو لا يريد الحج ولا العمرة ولكنه بعد ذلك نوى الحج أو العمرة فإنه يحرم من مكان نيته ولا شيء عليه.(242/5)
ومن مر بهذه المواقيت وهو لا يريد الحج ولا العمرة وإنما يريد مكة لزيارة قريب أو تجارة أو طلب علم أو علاج أو غيرها من الأغراض فإن لا يجب عليه الإحرام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت ثم قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة"(1)، فعلق الحكم بمن يريد الحج أو العمرة، فمفهومه أن من لا يريد الحج والعمرة لا يجب عليه الإحرام منها، وإرادة الحج أو العمرة غير واجبة على من أدى الفرض، والحج لا يجب في العمر إلا مرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج مرة فما زاد فهو تطوع"(2) لكن الأولى ألا يحرم نفسه من التطوع بالنسك ليحصل له الأجر لسهولة الإحرام في هذا الوقت، ولله الحمد والمنة.
المنهج لمريد العمرة و الحج
أنواع الأنساك
محمد بن صالح العثيمين
الأنساك ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقران.
فالتمتع أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله.
والإفراد أن يحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ولا يحلق ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرماً حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعى الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.(242/6)
والقران أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء،إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه، وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وحثهم عليه حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ليصير متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويقصر ويحل وقال: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به"(1).
هذا وقد يحرم الإنسان بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ثم لا يتمكن من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفة؛ ففي هذه الحال يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، ولنمثل لذلك بمثالين:
المثال الأول: امرأة أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج فحاضت أو نفست قبل أن تطوف ولم تطهر حتى جاء وقت الوقوف بعرفة؛ فإنها في هذه الحال تنوي إدخال الحج على العمرة وتكون قارنة، فتستمر في إحرامها وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل.
المثال الثاني: إنسان أحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج فحصل له عائق يمنعه من الدخول إلى مكة قبل يوم عرفة، فإنه ينوي إدخال الحج على العمرة ويكون قارناً، فيستمر في إحرامه ويفعل ما يفعله الحاج.
المنهج لمريد العمرة و الحج
أنواع الأنساك
محمد بن صالح العثيمين
الأنساك ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقران.
فالتمتع أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله.(242/7)
والإفراد أن يحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج، ولا يحلق ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرماً حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعى الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.
والقران أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء،إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه، وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وحثهم عليه حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ليصير متمتعاً ولو بعد أن طاف وسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويقصر ويحل وقال: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به"(1).
هذا وقد يحرم الإنسان بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ثم لا يتمكن من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفة؛ ففي هذه الحال يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، ولنمثل لذلك بمثالين:
المثال الأول: امرأة أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج فحاضت أو نفست قبل أن تطوف ولم تطهر حتى جاء وقت الوقوف بعرفة؛ فإنها في هذه الحال تنوي إدخال الحج على العمرة وتكون قارنة، فتستمر في إحرامها وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل.
المثال الثاني: إنسان أحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج فحصل له عائق يمنعه من الدخول إلى مكة قبل يوم عرفة، فإنه ينوي إدخال الحج على العمرة ويكون قارناً، فيستمر في إحرامه ويفعل ما يفعله الحاج.
المنهج لمريد العمرة و الحج
صفة العمرة
محمد بن صالح العثيمين(242/8)
إذا أراد أن يحرم بالعمرة فالمشروع أن يتجرد من ثيابه، ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك".
والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء حتى النفساء والحائض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم(1).. ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي – غير الحائض والنفساء – الفريضة إن كان في وقت فريضة وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة أحرم وقال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تقوله بقدر ما يسمع من بجنبها.
وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول عند عقده: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: "إن لك على ربك ما استثنيت"(2)، فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل ولا شيء عليه.
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعاً، أو ينزل منخفضاً، أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.(242/9)
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبتدئ بالطواف، وفي الحج من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد.
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله، فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله قبل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده إشارة ولا يقبلها، والأفضل ألا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر: "يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر".
ويقول عند استلام الحجر: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه ويقول بينه وبين الحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وكلما مر بالحجر الأسود كبر ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة القرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
وفي هذا الطواف أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:(242/10)
أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف؛ لأن الاضطباع محله الطواف فقط.
الثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) ثم صلى ركعتين خلفه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بعد الفاتحة.
فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسر له.
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك".(242/11)
ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع ولا يؤذي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السعي يدور به إزاره، وفي لفظ: وأن مئزره ليدور من شدة السعي. فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها، ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة.
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من كل قدر أنملة.
ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة، إلا أن يكون وقت الحج قريباً بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس؛ فإن الأفضل التقصير ليبقى الرأس للحلق في الحج بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صبيحة الرابع من ذي الحجة.
وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير، ثم بعد ذلك يحل منها إحلالاً كاملاً ويفعل كما يفعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك.
المنهج لمريد العمرة و الحج
صفة الحج
محمد بن صالح العثيمين(242/12)
إذا كان يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج ضحى من مكانه الذي أراد الحج منه، ويفعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة، فينوي الإحرام بالحج ويلبي، وصفة التلبية في الحج كصفة التلبية في العمرة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجاً بدل قوله لبيك عمرة. وإن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: "وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفاً لم يشترط.
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً من غير جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر بمنى ولا يجمع، والقصر كما هو معلوم جعل الصلاة الرباعية ركعتين، ويقصر أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في حجة الوداع ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر له وإلا فلا حرج؛ لأن النزول بنمرة سنة. فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر على ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء.
ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، ويدعو بما أحب رافعاً يديه مستقبلاً القبلة ولو كان الجبل خلفه؛ لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل، وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجبل وقال: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة"(1).
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".(242/13)
فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصاً فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوى جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسناً، ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه، ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء، فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة. فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً إلا أن يصل مزدلفة قبل العشاء الآخرة فإنه يصلي المغرب في وقتها، ثم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء الآخرة فيصليها في وقتها، هذا ما أراه في هذه المسألة. وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه "أنه أتى المزدلفة حين الأذان بالتعمة أو قريباً من ذلك، فأمر برجلا ً فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلا ً فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين" وفي رواية: "فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما".
لكن إن كان محتاجاً إلى الجمع لتعب أو قلة ماء أو غيرهما فلا بأس بالجمع وإن لم يدخل وقت العشاء، وإن كان يخشى ألا يصل مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي ولو قبل الوصول إلى مزدلفة، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.
ويبيت بمزدلفة، فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكراً بأذان وإقامة، ثم قصد المشعر الحرام فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جداً، وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وقفت هاهنا وجمع كلها موقف"(1) ويكون حال اذكر والدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديه.(242/14)
فإذا أسفر جداً دفع قبل أن تطلع الشمس إلى منى ويسرع في وادي محسر، فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، كل واحدة بقدر نواة التمر تقريباً، يكبر مع كل حصاة. فإذا فرغ ذبح هديه ثم حلق رأسه إن كان ذكراً، وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ثم ينزل لمكة فيطوف ويسعى للحج.
والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق؛ قول عائشة رضي الله عنها: "كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت"(2).
ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي اليوم الحادي عشر والثاني عشر، ويرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس في اليومين والأفضل أن يذهب للرمي ماشياً وإن ركب فلا بأس، فيرمي الجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، ويكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً ويدعو دعاء طويلاً بما أحب، فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه ولو قليلاً ليحصل السنة.
ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه ويدعو دعاء طويلاً إن تيسر عليه وإلا وقف بقدر ما يتيسر، ولا ينبغي أن يترك الوقوف للدعاء لأنه سنة، وكثير من الناس يهمله إما جهلاً أو تهاوناً، وكلما أضيعت السنة كان فعلها ونشرها بين الناس أؤكد لئلا تترك وتموت.
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها.(242/15)
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر، فإن شاء تعجل ونزل من منى، وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، والتأخر أفضل، ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال، ولكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب لكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه؛ فإنه لا يلزمه التأخر؛ لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره.
فإذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"(1) وفي رواية: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض"(2) فالحائض والنفساء ليس عليهما وداع، ولا ينبغي أن يقفا عند باب المسجد الحرام للوداع لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر، فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رحله أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه، ولا يعيد الطواف إلا أن ينوي تأجيل سفره مثل أن يريد السفر في أول النهار فيطوف للوداع، ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلاً، فإنه يلزمه إعادة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت.
المنهج لمريد العمرة و الحج
زيارة المسجد النبوي
محمد بن صالح العثيمين
إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحج أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر، فإن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى كما في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"(1).(242/16)
فإذا وصل المسجد النبوي قدم رجله اليمنى لدخوله وقال: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" ثم يصلي ما شاء. والأولى أن تكون صلاته في الروضة وهي ما بين منبر النبي صلى الله وحجرته التي فيها قبره؛ لأن ما بينهما روضة من رياض الجنة، فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف أمامه بأدب ووقار وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أشهد أنك رسول الله حقاً، وأنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصديق ويترضى عنه.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه، وإن دعا له ولأبي بكر رضي الله عنهما بدعاء مناسب فحسب.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها ولا يستقبلها حال الدعاء بل يستقبل القبلة؛ لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه ورسوله، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره؛ لأن النبي صلى الله لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، لكن تصلي وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان كانت، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" وقال: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام"(1).(242/17)
وينبغي للرجل خاصة أن يزور البقيع وهي مقبرة المدينة فيقول: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم"(2).
وإن أحب أن يأتي أحداً ويتذكر ما جرى للنبي صلى الله وأصحابه في تلك الغزوة من جهاد وابتلاء وتمحيص وشهادة ثم يسلم على الشهداء هناك مثل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس بذلك، فإن هذا قد يكون من السير في الأرض المأمور به، والله أعلم.
المنهج لمريد العمرة و الحج
الفوائد
محمد بن صالح العثيمين
هذه فوائد تتعلق بالمناسك تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها:
الفائدة الأولى في آداب الحج والعمرة
قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"(1).
فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين، فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار؛ لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه، فليس الحج نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يشاهد بعض الناس يستصحب من آلات اللهو والغناء ما يصده عن ذكر الله ويوقعه في معصية الله، وترى بعض الناس يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحج للمرح واللعب.(242/18)
ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة، وأن يرحم ضعيفهم خصوصاً في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها، فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه. ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم؛ فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب، فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام، فيتأكد تحريمه حال الإحرام.
وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان، وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل.
الفائدة الثانية في محظورات الإحرام
محظورات الإحرام هي التي يمنع منها المحرم بحج أو بعمرة بسبب الإحرام وهي ثلاثة أقسام:
قسم يحرم على الذكور والإناث، وقسم يحرم على الذكور دون الإناث، وقسم يحرم على الإناث دون الذكور.
فأما الذي يحرم على الذكور والإناث فمنه ما يأتي:
1- إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره وكذلك إزالته من بقية الجسد على المشهور، لكن لو نزل بعينيه شعر يتأذى منه ولم يندفع أذاه إلا بقلعه فله قلعه ولا شيء عليه، ويجوز للمحرم أن يحك رأسه بيده برفق، فإن سقط منه شعر بلا تعمد فلا شيء عليه.
2- تقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين إلا إذا انكسر ظفره وتأذى به فلا بأس أن يقص المؤذي منه فقط، ولا شيء عليه.(242/19)
3- استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما، أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام فإنه لا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب دون استدامته، ولا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب إلا إذا كان قد ذهب طعمه وريحه بالطبخ ولم يبق إلا مجرد اللون فلا بأس.
4- النظر والمباشرة لشهوة.
5- لبس القفازين وهما (شراب) اليدين.
6- قتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام والجراد، فأما صيد البحر فحلال فيجوز للمحرم صيد السمك من البحر، وكذلك يجوز له الحيوان الأهلي كالدجاج.
وإذا انفرش الجراد في طريقه ولم يكن طريق غيرها فوطئ شيئاً منه من غير قصد فلا شيء عليه؛ لأنه لم يقصد قتله ولا يمكنه التحرز منه.
وإما قطع الشجر فليس حراماً على المحرم؛ لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يحرم على من كان داخل أميال الحرم سواء كان محرماً أو غير محرم، وعلى هذا فيجوز قطع الشجر في عرفة ولا يجوز في منى ومزدلفة؛ لأن عرفة خارج الأميال، ومنى ومزدلفة داخل الأميال. ولو أصاب شجرة وهو يمشي من غير قصد فلا شيء عليه، ولا يحرم قطع الأشجار الميتة.
وأما الذي يحرم على الذكور دون الإناث فهو شيئان:
1- لبس المخيط وهو أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة كالقميص (والفنيلة) والسروال ونحوها، فلا يجوز للذكر لبس هذه الأشياء على الوجه المعتاد. أما إذا لبسها على غير الوجه المعتاد فلا بأس بذلك مثل أن يجعل القميص رداء، أو يرتدي بالعباءة جاعلاً أعلاها أسفلها فلا بأس بذلك كله، ولا بأس أن يلبس رداءً مرقعاً أو إزاراً مرقعاً أو موصولاً.(242/20)
و يجوز لبس السبتة وساعة اليد ونظارة العين وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه؛ لأن هذه الأشياء لم يرد فيها منع عن النبي صلى الله عليه وسلم وليست في معنى المنصوص على منعه، بل قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس والخفاف"(1)، فإجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس دليل على أن كل ما عدا هذه المذكورات فإنه مما يلبسه المحرم، وأجاز صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يلبس الخفين إذا عدم النعلين لاحتياجه إلى وقاية رجليه، فمثله نظارات العين لاحتياج لابسها إلى وقاية عينيه، وأجاز الفقهاء على المشهور من المذهب لباس الخاتم للرجل المحرم.
ويجوز للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ولا ثمنه، وأن يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين ولا ثمنهما لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يخطب بعرفات: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل"(1).
2- تغطية رأسه بملاصق كالعمامة والغترة والطاقية وشبهها، فأما غير المتصل كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به؛ لأن المحرم ستر الرأس دون الاستظلال، وفي حديث أم الحصين الأحمسية قال: "حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعاً ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يظلله من الشمس" وفي رواية: "يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة"، رواه أحمد ومسلم(2)، وهذا كان في يوم العيد قبل التحلل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في غير يوم العيد ماشياً لا راكباً.
ويجوز للمحرم أن يحمل المتاع على رأسه إذا لم يكن قصده ستر الرأس، ويجوز له أيضاً أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء.(242/21)
وأما الذي يحرم على النساء دون الذكور فهو النقاب وهو أن تستر وجهها بشيء وتفتح لعينيها ما تنظر به، ومن العلماء من قال لا يجوز أن تغطي وجهها لا بنقاب ولا غيره إلا أن يمر الرجال قريباً منها؛ فإنه يلزمها أن تغطي وجهها ولا فدية عليها سواء مسه الغطاء أم لا.
وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.
الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر؛ فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر من رأسه على وجهه؛ فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه ويفدي(3).
الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور إما جاهلاً أو ناسياً أو نائماً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: 5). وقال تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286). فقال الله تعالى: قد فعلت. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(1)"، وهذه نصوص عامة في محظورات الإحرام وغيرها تفيد رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، وقال تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (المائدة: 95). فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره تعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمداً فلا جزاء عليه ولا إثم.(242/22)
لكن متى زال العذر فعلم الجاهل وتذكر الناسي واستيقظ النائم وزال الإكراه فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال ذلك أن يغطي الذكر رأسه وهو نائم فإنه ما دام نائماً فلا شيء عليه، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فوراً، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه فعليه الفدية.
ومقدار الفدية في المحظورات التي ذكرناها كما يأتي:
1- في إزالة الشعر والظفر والطيب والمباشرة لشهوة ولبس القفازين ولبس الذكر المخيط وتغطية رأسه وانتقاب المرأة الفدية في هذه الأشياء في كل واحد منها إما ذبح شاة، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام يختار ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار ذبح الشاة فإنه يذبح ذكراً أو أنثى من الضان أو الماعز مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة أو سبع بقرة، ويفرق جميع اللحم على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً، وإن اختار إطعام المساكين فإنه يدفع لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما، وإن اختار الصيام فإنه يصوم الأيام الثلاثة إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة.
2- في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل، خير بين ثلاثة أشياء:
إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة، وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. فإن لم يكن للصيد مثل خير بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً.
مثال الذي له مثل من النعم الحمام ومثيلها الشاة فنقول لمن قتل حمامة: أنت بالخيار إن شئت فاذبح شاة، وإن شئت فانظر كم قيمة الشاة وأخرج ما يقابلها من الطعام لفقراء الحرم لكل واحد نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.(242/23)
ومثال الصيد الذي لا مثل له الجراد فنقول لمن قتل جراداً متعمداً: إن شئت فانظر كم قيمة الجراد وأخرج ما يقابلها من الطعام لمساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً.
الفائدة الثالثة في إحرام الصغير
الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فله أجر الحج ويعيده إذا بلغ، وينبغي لمن يتولى أمره من أب أو أم أو غيرهما أن يحرم به وثواب النسك يكون للصبي ولوليه أجر على ذلك لما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال" "نعم ولك أجر".
وإذا كان الصبي مميزاً وهو الذي يفهم ما يقال له فإنه ينوي الإحرام بنفسه فيقول له وليه: أنو الإحرام بكذا، ويأمره أن يفعل ما يقدر عليه من أعمال الحج مثل الوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة، وأما ما يعجز عن فعله كرمي الجمار فإن وليه ينوب عنه فيه أو غيره بإذنه إلا الطواف والسعي فإنه إذا عجز عنهما يحمل ويقال له: أنو الطواف أو السعي. وفي هذه الحال يجوز لحامله أن ينوي الطواف والسعي عن نفسه أيضاً والصبي عن نفسه فيحصل الطواف والسعي للجميع؛ لأن كلا منهما حصل منه نية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(1).
وإذا كان الصبي غير مميز فإن وليه ينوي له الإحرام ويرمي عنه ويحضره مشاعر الحج وعرفة ومزدلفة ومنى يطوف ويسعى به، ولا يصح في هذه الحال أن ينوي الطواف والسعي لنفسه وهو يطوف ويسعى بالصبي؛ لأن الصبي هنا لم يحصل منه نية ولا عمل وإنما النية من حامله فلا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين بخلاف ما إذا كان الصبي مميز لأنه حصل منه نية والأعمال بالنيات، هذا ما ظهر لي، وعليه فيطوف الولي ويسعى أولاً عن نفسه، ثم يطوف ويسعى بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف ويسعى به.(242/24)
وإحكام إحرام الصغير كأحكام إحرام الكبير؛ لأن النبي صلى لله عليه وسلم أثبت أن له حجاً فإذا ثبت الحج ثبتت أحكامه ولوازمه، وعلى هذا فإذا كان الصغير ذكراً جنب ما يجتنبه الرجل الكبير، وإن كانت أنثى جنبت ما تجتنبه المرأة الكبيرة، لكن عند الصغير بمنزلة خطأ الكبير، فإذا فعل بنفسه شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليه.
الفائدة الرابعة في الاستنابة في الحج
إذا وجب الحج على شخص فإن كان قادراً على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج، وإن كان عاجزاً عن الحج بنفسه فإن كان يرجو زوال عجزه كمريض يرجو الشفاء فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع، فإن مات قبل ذلك حج عنه من تركته ولا إثم عليه.
وإن كان الذي وجب عليه الحج عاجزاً عجزاً لا يرجو زواله كالكبير والمريض الميؤوس منه ومن لا يستطيع الركوب فإنه يوكل من يحج عنه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع".
ويجوز أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة والمرأة عن الرجل.
وإذا كان الوكيل قد وجب عليه الحج ولم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه أولاً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، رواه أبو داود وابن ماجة(1).
والأولى أن يصرح الوكيل بذكر موكله فيقول: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان أو عن بنت فلان، وإن نوى بقلبه ولم يذكر الاسم فلا بأس، وإن نسي اسم الموكل نوى بقلبه عمن وكله وإن لم يستحضر اسمه والله تعالى يعلمه ولا يخفى عليه.(242/25)
ويجب على الوكيل أن يتقي الله تعالى ويحرص على تكميل النسك لأنه مؤتمن على ذلك، فيحرص على فعل ما يجب وترك ما يحرم، ويكمل ما استطاع من المكملات للنسك ومسنوناته.
الفائدة الخامسة في تبديل ثياب الإحرام
يجوز للمحرم بحج أو عمرة رجلاً كان أو أنثى تبديل ثياب الإحرام التي أحرم بها ولبس ثياب غيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لباسه، كما يجوز للمحرم أيضاً أن يلبس النعلين بعد الإحرام وإن كان حين عقده حافياً.
الفائدة السادسة في محل ركعتي الطواف
السنة لمن فرغ من الطواف أن يصلي ركعتي الطواف خلف المقام، فإن كان المحل القريب من المقام واسعاً فذاك وإلا فصلاهما ولو بعيداً، ويجعل المقام بينه وبين الكعبة فيصدق عليه أنه صلى خلف المقام، واتبع في ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي أنه صلى الله عليه وسلم جعل المقام بينه وبين البيت.
الفائدة السابعة في الموالاة في السعي وبينه وبين الطواف
الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف، فإن أخره عنه كثيراً فلا بأس مثل أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، أو يطوف في الليل ويسعى بعد ذلك في النهار، ويجوز لمن تعب في السعي أن يجلس ويستريح ثم يكمل سعيه ماشياً أو على عربة ونحوها.
وإذا أقيمت الصلاة وهو يسعى دخل في الصلاة، فإذا سلم أتم سعيه من المكان الذي انتهى إليه قبل إقامة الصلاة.
وكذلك لو أقيمت وهو يطوف أو حضرت جنازة فإنه يصلي، فإذا فرغ أتم طوافه من مكانه الذي انتهى إليه قبل الصلاة، ولا حاجة إلى إعادة الشوط الذي قطعه على القول الراجح عندي؛ لأنه إذا كان القطع للصلاة معفواً عنه فلا دليل على بطلان أول الشوط.
الفائدة الثامنة في الشك في عدد الطواف أو السعي(242/26)
إذا شك الطائف في عدد الطواف، فإن كان كثير الشكوك مثل من به وسواس فإنه لا يلتفت إلى هذه الشك، وإن لم يكن كثير الشكوك فإن كان شكه بعد أن أتم الطواف فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك أيضاً إلا أن يتيقن أنه ناقص فيكمل ما نقص. وإن كان الشك في أثناء الطواف مثل أن يشك هل الشوط الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل.
ففي المثال المذكور إن ترجح عنده الثلاثة جعلها ثلاثة وأتى بأربعة، وإن ترجحت عنده الأربعة جعلها أربعة وأتى بثلاثة، وإن لم يترجح عنده شيء جعلها ثلاثة لأنها اليقين وأتى بأربعة.
وحكم الشك في عدد السعي كحكم الشك في عدد الطواف في كل ما تقدم.
الفائدة التاسعة في الوقوف بعرفة
سبق أن الأفضل للحاج أن يحرم بالحج يوم الثامن من ذي الحجة ثم يخرج إلى منى فيمكث فيها بقية يومه، ويبيت ليلة التاسع ثم يذهب إلى عرفة ضحى، وهذا على سبيل الفضيلة فلو خرج إلى عرفة من غير أن يذهب قبلها إلى منى فقد ترك الأفضل ولكن لا إثم عليه.
ويجب على الواقف بعرفة أن يتأكد من حدودها، فإن بعض الحجاج يقفون خارج حدودها إما جهلاً وإما تقليداً لغيرهم، وهؤلاء الذين وقفوا خارج حدود عرفة لا حج لهم لأنهم لم يقفوا بعرفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"(1) وفي أي مكان وقف من عرفة فإنه يجزئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف"(2).
ولا يجوز لمن وقف بعرفة أن يدفع من حدودها حتى تغرب الشمس يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغروب وقال: "خذوا عني مناسككم"(3).(242/27)
ويمتد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر يوم العيد، فمن طلع عليه الفجر يوم العيد ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج، فإن كان قد اشترط في ابتداء الإحرام إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني تحلل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط وفاته الوقوف فإنه يتحلل بعمرة فيذهب إلى البيت ويطوف ويسعى ويحلق، وإذا كان معه هدي ذبحه، فإذا كانت السنة الثانية قضى الحج الذي فاته وأهدى هدياً فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
الفائدة العاشرة في الدفع من مزدلفة
لا يجوز للقوي أن يدفع من مزدلفة حتى يصلى الفجر يوم العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها ليلة العيد ولم يدفع منها حتى صلى الفجر وقال: "خذوا عني مناسككم"(4). وفي صحيح مسلم(5) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة – أي ثقيلة – فأذن لها فخرجت قبل دفعه، وحبسنا حتى أصبحنا فدفعنا بدفعه" وفي رواية: "وددت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة فأصلي الصبح بمنى فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس".
وأما الضعيف الذي يشق عليه مزاحمة الناس عند الجمرة فإن له أن يدفع قبل الفجر إذا غاب القمر، ويرمي الجمرة قبل الناس، وفي صحيح مسلم عن أسماء "أنها كانت ترتقب غيوب القمر وتسأل مولاها هل غاب القمر. فإذا قال نعم قالت: ارحل بي. قال: فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت (يعني الفجر) في منزلها فقلت لها: أي هنتاه – أي يا هذه – لقد غلسنا. قالت: كلا أي بني إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن".(242/28)
ومن كان من أهل هؤلاء الضعفاء الذين يجوز لهم الدفع من مزدلفة قبل الفجر فإنه يجوز أن يدفع معهم قبل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن عباس رضي الله عنهما في ضعفة أهله صلى الله عليه وسلم من مزدلفة بليل. فإن كان ضعيفاً رمى الجمرة معهم إذا وصل إلى منى؛ لأنه لا يستطيع المزاحمة، أما إن كان يستطيع زحام الناس فإنه يؤخر الرمي حتى تطلع الشمس لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني لا ترموا حتى تطلع الشمس". [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن ماجة].
فنخلص أن الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة يوم العيد يكونان على النحو التالي:
الأول: من كان قوياً لا ضعيف معه فإنه لا يدفع من مزدلفة حتى يصلي الفجر، ولا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس؛ لأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي فعله وكان يقول: "خذوا عني مناسككم" ولم يرخص لأحد من ذوي القوة في الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو رمي الجمرة قبل طلوع الشمس.
الثاني: من كان قوياً وفي صحبته أهل ضعفاء فإنه يدفع معهم آخر الليل إن شاء، ويرمي الضعيف الجمرة إذا وصل منى، وأما القوي فلا يرميها حتى تطلع الشمس لأنه لا عذر له.
الثالث: الضعيف فيجوز له الدفع من مزدلفة آخر الليل إذا غاب القمر، ويرمي الجمرة إذا وصل إلى منى.
ومن لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر ليلة العيد وأدرك الصلاة فيها وكان قد وقف بعرفة قبل الفجر فحجه صحيح لحديث عروة بن مضرس وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد صلاتنا هذه – يعني الفجر – ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك نهاراً أو ليلاً فقد تم حجه وقضى تفثه". [رواه الخمسة وصححه الترمذي والحاكم].(242/29)
وظاهر هذا الحديث أنه لا دم عليه وذلك لأنه أدرك جزءاً من وقت الوقوف بمزدلفة وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام بما أداه من صلاة الفجر فكان حجه تاماً، ولو كان عليه دم لبينه النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
الفائدة الحادية عشر فيما يتعلق بالرمي
1- في الحصى الذي يرمي به يكون بين الحمص والبندق لا كبيراً جداً ولا صغيراً جداً، ويلقط الحصى من منى أو مزدلفة أو غيرهما كل يوم بيومه، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقط الحصى من مزدلفة، ولا أنه لقط حصى الأيام كلها وجمعها، ولا أمر صلى الله عليه وسلم أحداً بذلك من أصحابه فيما أعلم.
2- لا يجب في الرمي أن تضرب الحصاة نفس العمود الشاخص، بل الواجب أن تستقر في نفس الحوض الذي هو مجمع الحصا، فلو ضربت العمود ولم تسقط في الحوض وجب عليه أن يرمي بدلها، ولو سقطت في الحوض واستقرت به أجزأت وإن لم تضرب العمود.
3- لو نسي حصاة من إحدى الجمار فلم يرم إلا بست حصيات ولم يذكر حتى وصل إلى محله فإنه يرجع ويرمي الحصاة التي نسيها ولا حرج عليه، وإن غربت الشمس قبل أن يتذكر فإنه يؤخرها إلى اليوم الثاني، فإذا زالت الشمس رمى الحصاة التي نسيها قبل كل شيء، ثم رمى الجمار لليوم الحاضر.
الفائدة الثانية عشر في التحلل الأول والثاني
إذا رمى الحاج جمرة العقبة يوم العيد وحلق رأسه أو قصره حل التحلل الأول وجاز له جميع محظورات الإحرام من الطيب واللباس وأخذ الشعور والأظافر وغير ذلك إلا النساء، فإنه لا يجوز له أن يباشر زوجته أو ينظر إليها لشهوة حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا طاف وسعى حل التحلل الثاني وجاز له جميع محظورات الإحرام حتى النساء لكن ما دام داخل الأميال فإنه لا يحل له الصيد ولا قطع الشجر والحشيش الأخضر لأجل الحرم لا لأجل الإحرام؛ لأن الإحرام قد تحلل منه.
الفائدة الثالثة عشر في التوكيل في رمي الجمار(242/30)
لا يجوز لمن قدر على رمي الجمار بنفسه أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً؛ لأن نفل الحج يلزم من شرع فيه إتمامه. وأما من يشق عليه الرمي بنفسه كالمريض والكبير والمرأة الحامل ونحوهم فإنه يجوز أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً، وسواء لقط الحصى وأعطاها الوكيل أو لقطها الوكيل بنفسه فكل ذلك جائز.
ويبدأ الوكيل بالرمي عن نفسه ثم عن موكله لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك"(1) وقوله: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"(2). ويجوز أن يرمي عن نفسه ثم عن موكله في موقف واحد. فيرمي الجمرة الأولى بسبع عن نفسه ثم بسبع عن موكله وهكذا الثانية والثالثة كما يفيده ظاهر الحديث المروي عن جابر قال: "حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم"، رواه أحمد وابن ماجة وظاهره أنهم يفعلون ذلك في موقف واحد إذ لو كانوا يكملون الثلاث عن أنفسهم ثم يرجعون من أولها عن الصبيان لنقل ذلك والله أعلم.
الفائدة الرابعة عشرة في أنساك يوم العيد
يفعل الحاج يوم العيد أربعة أنساك مرتبة كما يلي:
الأول: رمي جمرة العقبة.
الثاني: ذبح الهدي إن كان له هدي.
الثالث: الحلق أو التقصير.
الرابع: الطواف بالبيت.
وأما السعي فإن كان متمتعاً سعى للحج، وإن كان قارناً أو مفرداً فإن كان سعى بعد طواف القدوم كفاه سعيه الأول وإلا سعى بعد هذا الطواف، أعني طواف الحج.(242/31)
والمشروع أن يرتبها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض بأن ذبح قبل الرمي، أو حلق قبل الذبح، أو طاف قبل الحلق، فإن كان جاهلاً أو ناسياً فلا حرج عليه، وإن كان متعمداً عالماً فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا حرج عليه أيضاً لما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح ونحوه فقال: لا حرج. وعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسال يوم النحر بمنى فيقول لا حرج. فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج. وقال: رميت بعدما أمسيت، قال: لا حرج". وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: "لا حرج". وسئل عمن زار (أي طاف طواف الزيارة) قبل أن يرمي أو ذبح قبل أن يرمي فقال: "لا حرج" رواه البخاري(1). وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج"(2). وإن أخر الذبح إلى نزوله إلى مكة فلا باس لكن لا يؤخره عن أيام التشريق، وإن أخر الطواف أو السعي عن يوم العيد فلا بأس لكن لا يؤخرهما عن شهر ذي الحجة إلا من عذر مثل أن يحدث للمرأة نفاس قبل أن تطوف فتؤخر الطواف حتى تطهر ولو بعد شهر ذي الحجة فلا حرج عليها ولا فدية.
الفائدة الخامسة عشر في وقت الرمي والترتيب بين الجمار(242/32)
سبق لك أن وقت الرمي يوم العيد للقادر بعد طلوع الشمس، ولمن يشق عليه مزاحمة الناس من آخر الليل ليلة العيد، وأما وقت الرمي في أيام التشريق فإنه من زوال الشمس فلا رمي قبل الزوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما رمى في أيام التشريق إلا بعد الزوال وقال: "خذوا عني مناسككم"(1). ويستمر وقت الرمي في يوم العيد وما بعده إلى غروب الشمس فلا يرمي في الليل، ويرى بعض العلماء أنه إذا فات الرمي في النهار فله أن يرمي في الليل إلا ليلة أربعة عشرة لانتهاء أيام منى بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر، والقول الأول أحوط، وعليه فلو فاته رمي يوم فإنه يرمي في اليوم الذي بعده إذا زالت الشمس يبدأ برمي اليوم الذي فاته فإذا أكمله رمى لليوم الحاضر(2).
والترتيب بين الجمار الثلاث واجب، فيرمي أولاً الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، فلوا بدأ برمي جمرة العقبة ثم الوسطى أو بالوسطى، فإن كان متعمداً عالماً وجب عليه إعادة الوسطى ثم جمرة العقبة، وإن كان جاهلاً أو ناسياً أجزأه ولا شيء عليه.
الفائدة السادسة عشرة في المبيت بمنى
المبيت بمنى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر واجب، والواجب المبيت معظم الليل سواء من أول الليل أو من آخره، فلو نزل إلى مكة أول الليل ثم رجع قبل نصف الليل أو نزل إلى مكة بعد نصف الليل من منى فلا حرج عليه لأنه قد أتى بالواجب.
ويجب أن يتأكد من حدود منى حتى لا يبيت خارجاً عنها وحدها من الشرق وادي محسر، ومن الغرب جمرة العقبة وليس الوادي والجمرة من منى. أما الجبال المحيطة بمنى فإن وجوهها مما يلي منى منها فيجوز المبيت بها، وليحذر الحاج من المبيت في وادي محسر أو من وراء جمرة العقبة، لأن ذلك خارج عن حدود منى، فمن بات به لم يجزئه المبيت.
الفائدة السابعة عشرة في طواف الوداع(242/33)
سبق أن طواف الوداع واجب عند الخروج من مكة على كل حاج ومعتمر إلا الحائض أو النفساء، لكن إن طهرتا قبل مفارقة بنيان مكة فإنه يلزمهما، وإذا ودع ثم خرج من مكة وأقام يوماً أو أكثر لم يلزمه إعادة الطواف ولو كانت إقامته في موضع قريب من مكة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تم بقلم مؤلفه في 7 شعبان سنة 1387هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وانتهى تصحيحه ضحى يوم الخميس لثلاثة عشر خلت من رمضان لعام 1387هـ وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
---
(1) رواه الترمزى، كتاب الحج رقم 902).
(1) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1542) ومسلم، كتاب الحج رقم (1177).
(1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد رقم (1841) ومسلم، كتاب الحج رقم (1178).
(2) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1298) وأحمد (6/402).
(3) رواه البخاري، كتاب المحصر رقم (1814 وما بعده) ومسلم، كتاب الحج رقم (1201).
(1) ابن ماجة كتاب الطلاق رقم (2043).
(1) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي رقم (1) ومسلم، كتاب الجهاد رقم (1907).
(1) رواه أبو داود، كتاب المناسك رقم (1811) وابن ماجة، كتاب المناسك رقم (2903).
(1) رواه أبو داود، كتاب المناسك رقم (1949) والترمزي، كتاب الحج رقم (889) والنسائي، كتاب مناسك الحج رقم (3044) وابن ماجة، كتاب المناسك رقم (3015).
(2) سبق تخريجه ص26.
(3) سبق تخريجه ص17.
(4) سبق تخريجه ص17.
(5) مسلم، كتاب الحج رقم (1296).
(1) رواه مسلم، كتاب الزكاة رقم (997).
(2) سبق تخريجه ص 48.
(1) البخاري، كتاب الحج رقم (1721 – 1723، 1734) ومسلم، كتاب الحج رقم (1307).
(2) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1736) ومسلم، كتاب الحج رقم (1306).
(1) سبق تخريجه ص17.(242/34)
(2) ذكر فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى في رسالته "صفة الحج" "الأفضل للإنسان أن يرمي الجمرات في النهار، فإن كان يخشى من الزحام فلا بأس أن يرميها ليلاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ابتداء الرمي ولم يوقت انتهاءه، فدل هذا على أن الأمر في ذلك واسع".
---
(1) رواه البخاري ، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة رقم (1189) ومسلم ، كتاب الحج رقم (1397).
(1) رواه النسائي، كتاب السهو رقم (1282) وأحمد (1/387).
(2) رواه مسلم ، كتاب الجنائز رقم ( 974، 975) والنسائي كتاب الجنائز رقم ( 2039 ، 2040) وأحمد (5/353).
---
(1) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1218).
(1) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1218).
(2) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1539) ومسلم، كتاب الحج رقم (1189).
(1) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1327).
(2) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1755) ومسلم، كتاب الحج رقم (1328).
---
(1) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1218).
(2) رواه البخاري، كتاب النكاح رقم (5089) ومسلم، كتاب الحج رقم (1207) والنسائي، كتاب مناسك الحج رقم (2766).
---
(1) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1568).
---
(1) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1568).
---
(1) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1526) ومسلم، كتاب الحج رقم (1181).
(2) رواه أبو داود، كتاب المناسك رقم (1721) والنسائي، كتاب مناسك الحج رقم (2620) وابن ماجة، كتاب المناسك رقم (2886).
---
(1) رواه البخاري، كتاب الإيمان رقم (39) بلفظ "إن الدين يسر".
(2) صحيح البخاري، كتاب التقصير رقم (1080) وفي المغازي رقم (4298).
(3) رواه البخاري، كتاب الأذان رقم (722) ومسلم، كتاب الصلاة رقم (417).
(1) رواه البخاري، كتاب الأذان رقم (635) ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم (603).(242/35)
أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
المقدمة
محمد بن صالح العثيمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه ومن أهتدي بهديه إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد قال الله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) .
وقال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(لأعراف: من الآية158) .
وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) .
وقال تعالى:(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) .وقال تعالى:( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس:32) .
فكل ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته فهو باطل وضلال مردود على فاعله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ([1]).
أي مردود على صاحبه غير مقبول منه .(243/1)
وأن بعض المسلمين هداهم الله ووفقهم يفعلون أشياء في كثير من العبادات غير مبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سيما في الحج الذي كثر فيه المقدمون على الفتيا بدون علم ، وسارعوا فيها حتى صار مقام الفتيا متجراً عند بعض الناس للسمعة والظهور ، فحصل بذلك من الضلال والإضلال ما حصل ، والواجب على المسلم ألا يقدم على الفتيا إلا بعلم يواجه به الله عز وجل لأنه في مقام المبلغ عن الله تعالى القائل عنه ، فليتذكر عند الفتيا قوله في نبيه صلى الله عليه وسلم : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ*فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (الحاقة44:47) .
وقوله تعالي: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) .
وأكثر الأخطاء من الحجاج ناتجة عن هذا ـ أعني عن الفتيا بغير علم ـ وعن تقليد العامة بعضهم بعضاً دون برهان . ونحن نبين بعون الله تعالى السنة في بعض الأعمال التي يكثر فيها الخطأ مع التنبيه على الأخطاء ، سائلين من الله أن يوفقنا ، وأن ينفع بذلك إخواننا المسلمين إنه جواد كريم .
---
([1] ) رواه مسلم ، كتاب الأقضية رقم ( 1718).
أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
أخطاء يرتكبها بعض الحجاج
محمد بن صالح العثيمين
الإحرام والأخطاء فيه
ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة من ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، وقال ( فهن لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة ).(243/2)
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق .{ رواه أبو داوود والنسائي }.
وثبت في الصحيحين أيضاً في حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، ويهل أهل الشام من الجحفة ، ويهل أهل نجد من قرن ) { الحديث}.
فهذه المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود شرعية توقيفية موروثة عن الشارع لا يحل لأحد تغييرها أو التعدي فيها ، أو تجاوزها بدون إحرام لمن أراد الحج والعمرة ، فإن هذا من تعدي حدود الله وقد قال الله تعالى :( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: من الآية229). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( يهل أهل المدينة ، ويهل أهل الشام ، ويهل أهل نجد) وهذا خبر بمعني الأمر .
والإهلال : رفع الصوت بالتلبية ، ولا يكون إلا بعد عقد الإحرام .فالإحرام من هذه المواقيت واجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بها أو حاذاها سواء أتي من طريق البر أو البحر أو الجو .
فإن كان من طريق البر نزل فيها إن مر بها أو فيما حاذاها إن لم يمر بها ، وأتي بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام من الاغتسال وتطييب بدنه ولبس ثياب إحرامه ، ثم يحرم قبل مغادرته .
وإن كان من طريق البحر فإن كانت الباخرة تقف عند محاذات الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها ، ثم أحرم قبل سيرها ، وإن كانت لا تقف عند محاذات الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه قبل أن تحاذيه ثم يحرم إذا حاذته .
وإن كان من طريق الجو اغتسل عند ركوب الطائرة وتطيب ولبس ثوب إحرامه قبل محاذات الميقات ، ثم أحرم قبيل محاذاته ، ولا ينتظر حتى يحاذيه ؛ لأن الطائرة تمر به سريعة فلا تعطي فرصة ، وإن أحرم قبله احتياطا فلا بأس لأنه لا يضره .(243/3)
والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس أنهم يمرون من فوق الميقات في الطائرة أو من فوق محاذاته ثم يؤخرون الإحرام حتى ينزلوا في مطار جدة وهذا مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتعدِّ لحدود الله تعالى .
وفي صحيح البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما فُتح هذان المصران ـ يعني البصرة والكوفة ـ أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا : ( يا أمير المؤمنين ، إن النبي صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً وإنه جورٌ عن طريقنا ، وإن أردنا أن نأتي قرناً شق علينا قال : فانظروا على حذوها من طريقكم ) فجعل أمير المؤمنين أحد الخلفاء الراشدين ميقات من لم يمر بالميقات إذا حاذاه ، ومن حاذاه جواً فهو كمن حاذاه براً لا فرق .
فإذا وقع الإنسان في هذا الخطأ فنزل جدة قبل أن يحرم فعليه أن يرجع إلى الميقات الذي حاذاه في الطائرة فيحرم منه ، فإن لم يفعل وأحرم من جدة فعليه عند اكثر العلماء فدية يذبحها في مكة ويفرقها كلها على الفقراء فيها ، ولا يأكل منها ولا يهدي منها لغني لأنها بمنزلة الكفارة .
الطواف والأخطاء
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبتدأ الطواف من الحجر الأسود في الركن اليماني الشرقي من البيت ، وانه طاف بجميع البيت من وراء الحجر . وأنه رمل في الأشواط الثلاثة الأولي فقط في الطواف أول ما قدم مكة .
وانه كان في طوافه يستلم الحجر الأسود ويقبله واستلمه بيده وقبلها ، واستلمه بمحجن كان معه وقبل المحجن وهو راكب على بعيره فجعل يشير على الركن يعني الحجر كلما مر به .وثبت عنه انه كان يستلم الركن اليماني .(243/4)
واختلاف الصفات في استلام الحجر إنما كان ـ والله أعلم ـ حسب السهولة ، فما سهل عليه منها فعله ، وكل ما فعله من الاستلام والتقبيل والإشارة إنما هو تعبد لله وتعظيم له لا اعتقاد أن الحجر ينفع أو يضر ، وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقبل الحجر ويقول : ( إني لأعلم انك لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
والأخطاء التي تقع من بعض الحجاج :
1. ابتداء الطواف من قبل الحجر أي من بينه وبين الركن اليماني ، وهذا من الغلو في الدين الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يشبه من بعض الوجوه تقدم رمضان بيوم أو يومين ، وقد ثبت النهي عنه .وادعاء بعض الحجاج انه يفعل ذلك احتياطاً غير مقبول منه ، فالاحتياط الحقيقي النافع هو اتباع الشريعة وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله .
2. طوافهم عند الزحام بالجزء المسقوف من الكعبة فقط بحيث يدخل من باب الحجر إلى الباب المقابل ويدع بقية الحجر عن يمينه ، وهذا خطأ عظيم لا يصح الطواف بفعله ، لأن الحقيقة انه لم يطف بالبيت وإنما طاف ببعضه .
3. الرمل في جميع الأشواط السبعة .
4. المزاحمة الشديدة للوصول للحجر لتقبيله حتى انه يؤدي في بعض الأحيان إلى المقاتلة والمشاتمة ، فيحصل من التضارب والأقوال المنكرة ما لا يليق في مسجد الله الحرام وتحت ظل بيته ، فينقص بذلك الطواف بل النسك كله ، لقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )(البقرة: من الآية197) . وهذه المزاحمة تذهب الخشوع وتنسي ذكر الله تعالى ، وهما من أعظم المقصود في الطواف .(243/5)
5. اعتقادهم أن الحجر نافع بذاته ، ولذلك تجدهم إذا استلموه مسحوا بأيديهم على بقية أجسامهم أو مسحوا بها على أطفالهم الذين معهم ، وكل هذا جهل وضلال ، فالنفع والضرر من الله وحده ، وقد سبق قول أمير المؤمنين عمر : ( إني لأعلم انك لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
6. استلامهم ـ أعني بعض الحجاج ـ لجميع أركان الكعبة وربما استلموا جميع جدران الكعبة وتمسحوا بها ، وهذا جهل وضلال ، فإن الاستلام عبادة وتعظيم لله عز وجل فيجب الوقوف فيها على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يستلم النبي صلى الله عليه وسلم من البيت سوي الركنين اليمانيين ( الحجر الأسود وهو في الركن اليماني الشرقي من الكعبة ، والركن اليماني الغربي ) ، وفي مسند الإمام أحمد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية رضي الله عنه فجعل معاوية يستلم الأركان كلها فقال ابن عباس : لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ؟ فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجورا . فقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . فقال معاوية : صدقت .
الطواف والأخطاء القولية
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود . وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: من الآية201) .وقال: ( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ) ([1]) .
والخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين في هذا تخصيص كل شوط بدعاء معين لا يدعو فيه بغيره ، حتى أنه إذا أتم الشوط قبل إتمام الدعاء قطعه ولو لم يبق عليه إلا كلمة واحدة ؛ ليأتي بالدعاء الجديد للشوط الذي يليه ، وإذا أتم الدعاء قبل تمام الشوط سكت .(243/6)
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط . قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : وليس فيه ـ يعني الطواف ـ ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه ، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية ، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا اصل له .
وعلى هذا فيدعو الطائف بما احب من خيري الدنيا والآخرة ، ويذكر الله تعالى بأي ذكر مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل |أو تكبير أو قراءة قرآن .
ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يأخذ من هذه الأدعية المكتوبة فيدعو بها وهو لا يعرف معناها ، وربما يكون فيها أخطاء من الطابع أو الناسخ تقلب المعني رأسا على عقب ، وتجعل الدعاء للطائف دعاء عليه ، فيدعو على نفسه من حيث لا يشعر . وقد سمعنا من هذا العجب العجاب . ولو دعا الطائف ربه بما يريده ويعرفه فيقصد معناه لكان خيراً له وأنفع ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر تأسياً وأتباعاً .
ومن الخطا الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يجتمع جماعة على قائد يطوف بهم ويلقنهم الدعاء بصوت مرتفع ، فيتبعه الجماعة بصوت واحد فتعلوا الأصوات وتحصل الفوضى ، ويتشوش بقية الطائفين فلا يدرون ما يقولون ؛ وفي هذا إذهاب للخشوع وإيذاء لعباد الله تعالى في هذا المكان الآمن ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن ) رواه مالك في الموطأ .
ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا اقبل بهم على الكعبة وقف بهم وقال افعلوا كذا ، قولوا كذا ، ادعوا بما تحبون ، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطئ منهم أحد فطافوا بخشوع وطمأنينة يدعون ربهم خوفاً وطمعاً بما يحبونه وبما يعرفون معناه ويقصدونه ، وسلم الناس من أذاهم .
الركعتان بعد الطواف والخطأ فيهما(243/7)
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لما فرغ من الطواف تقدم على مقام إبراهيم فقرأ : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً )(البقرة: من الآية125). فصلي ركعتين والمقام بينه وبين الكعبة ، وقرأ في الركعة الأولى الفاتحة و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (الكافرون:1) وفي الثانية الفاتحة و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص:1) .
والخطأ الذي يفعله بعض الناس هنا ظنهم أنه لا بد أن تكون صلاة الركعتين قريباً من المقام ، فيزدحمون على ذلك ويؤذون الطائفين في أيام الموسم ، ويعوقون سير طوافهم ، وهذا الظن خطأ فالركعتان بعد الطواف تجزئان في أي مكان من المسجد ، ويمكن أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة وإن كان بعيداً عنه فيصلي في الصحن أو في رواق المسجد ، ويسلم من الأذية ، فلا يؤذِي ولا يؤذ َي ، وتحصل له الصلاة بخشوع وطمأنينة .
ويا حبذا لو أن القائمين على المسجد الحرام منعوا من يؤذون الطائفين بالصلاة خلف المقام قريباً منه ، وبينوا لهم أن هذا ليس بشرط للركعتين بعد الطواف .
ومن الخطأ أن بعض الذين يصلون خلف المقام يصلون عدة ركعات كثيرة بدون سبب مع حاجة الناس الذين فرغوا من الطواف إلى مكانهم .
ومن الخطأ أن بعض الطائفين إذا فرغ من الركعتين وقف بهم قائدهم يدعو بهم بصوت مرتفع ، فيشوشون على المصلين خلف المقام فيعتدون عليهم، وقد قال الله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (لأعراف:55) .
صعود الصفا والمروة والدعاء فوقهما والسعي بين العلمين والخطأ في ذلك(243/8)
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه حين دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: من الآية158) ثم رقي عليه حتى رأي الكعبة فاستقبل القبلة ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو ، فوحد الله وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ،ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل ماشياً فلما انصبت قدماه في بطن الوادي وهو ما بين العلمين الأخضرين سعي حتى إذا تجاوزهما مشي حتى إذا أتى المروة ، ففعل على المروة ما فعل على الصفا .
والخطا الذي يفعله بعض الساعين هنا إذا صعدوا الصفا والمروة استقبلوا الكعبة فكبروا ثلاث تكبيرات يرفعون أيديهم ويومئون بها كما يفعلون في الصلاة ثم ينزلون ، وهذا خلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإما أن يفعلوا السنة كما جاءت إن تيسر لهم ، وإما أن يدعوا ذلك ولا يحدثوا فعلاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الخطا الذي يفعله بعض الساعين أنهم يسعون من الصفا إلى المروة ، أعني أنهم يشتدون في المشي ما بين الصفا والمروة كله ، وهذا خلاف السنة ، فإن السعي ما بين العلمين فقط والمشي في بقية المسعى ، واكثر ما يقع ذلك إما جهلاً من فاعله أو محبةً كثير من الناس للعجلة والتخلص من السعي والله المستعان .
الوقوف بعرفة والخطأ فيه
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث يوم عرفة بنمرة حتى زالت الشمس ، ثم ركب ثم نزل فصلي الظهر والعصر ركعتين جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين ، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف وقال : ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) ([2]) . فلم يزل واقفاً مستقبل القبلة رافعاً يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة .
والأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج :(243/9)
1. انهم ينزلون خارج حدود عرفة ويبقون في منازلهم حتى تغرب الشمس ثم ينصرفون منها إلى مزدلفة من غير أن يقفوا بعرفة ، وهذا خطأ عظيم يفوت به الحج ، فإن الوقوف بعرفة ركن لا يصح الحج إلا به ، فمن لم يقف بعرفة وقت الوقوف فلا حج له لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك ) ([3]) . وسبب هذا الخطا الفادح أن الناس يغتر بعضهم ببعض ؛ لأن بعضهم ينزل قبل أن يصلها ولا يتفقد علاماتها ؛ فيفوت على نفسه الحج ويغر غيره ، ويا حبذا لو أن القائمين على الحج أعلنوا للناس بوسيلة تبلغ جميعهم وبلغات متعددة ، وعهدوا على المطوفين بتحذير الحجاج من ذلك ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ويؤدوا حجهم على الوجه الأكمل الذي تبرا به الذمة .
2. انهم ينصرفون من عرفة قبل غروب الشمس ، وهذا حرام لأنه خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم حيث وقف إلى أن غربت الشمس وغاب قرصها ، ولأن الانصراف من عرفة قبل الغروب عمل أهل الجاهلية .
3. إنهم يستقبلون الجبل جبل عرفة عند الدعاء ولو كانت القبلة خلف ظهورهم أو على أيمانهم أو شمائلهم ، وهذا خلاف السنة ، فإن السنة استقبال القبلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
رمي الجمرات والخطأ فيه(243/10)
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمي جمرة العقبة وهي الجمرة القصوى التي تلي مكة بسبع حصيات ضحي يوم النحر ، يكبر مع كل حصاة . كل حصاة منها مثل حصا الخذف أو فوق الحمص قليلاً ، وفي سنن النسائي من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما ـ وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة على مني ـ قال: فهبط ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ محسراً وقال : ( عليكم بحصا الخذف الذي ترمي به الجمرة ) قال : والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان ، وفي مسند الإمام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال يحي : لا يدري عوف عبد الله أو الفضل ـ قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو واقف على راحلته : ( هات القط لي ) . فقال ( بأمثال هؤلاء ) مرتين وقال بيده . فأشار يحي انه رفعها وقال : ( إياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ).
وعن أم سليمان بن عمرو بن الاحوص رضي الله عنها قالت : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر وهو يقول : ( يا أيها الناس ، لا يقتل بعضكم بعضا ، وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصا الخذف) رواه احمد .وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطي ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ، ثم ينصرف فيقول هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله .وروي أحمد وأبو داوود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ).
والأخطاء التي يفعلها بعض الحجاج هي :(243/11)
1. اعتقادهم أنه لا بد من اخذ الحصا من مزدلفة ، فيتبعون أنفسهم بلقطها في الليل واستصحابها في أيام مني أن الواحد منهم إذا ضاع حصاه حزن حزناً كبيراً ، وطلب من رفقته أن يتبرعوا له بفضل ما معهم من حصا مزدلفة .. وقد علم مما سبق أنه لا أصل لذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وانه أمر ابن عباس رضي الله عنهما بلقط الحصا له وهو واقف على راحلته ، والظاهر أن هذا الوقف كان عند الجمرة إذ لم يحفظ عنه أنه وقف بعد مسيره من مزدلفة قبل ذلك ، ولأن هذا وقت الحاجة إليه فلم يكن ليأمر بلقطها قبله لعدم الفائدة فيه وتكلف حمله .
2. اعتقادهم أنهم برميهم الجمار يرمون الشيطان ، ولهذا يطلقون اسم الشياطين على الجمار فيقولون : رمينا الشيطان الكبير أو الصغير أو رمينا أبا الشياطين يعنون به الجمرة الكبرى جمرة العقبة ، ونحو ذلك من العبارات التي لا تليق بهذه المشاعر ، وتراهم أيضا يرمون الحصاة بشدة وعنف وصراخ وسب وشتم لهذه الشياطين على زعمهم ، حتى شاهدنا من يصعد فوقها يبطش بها ضرباً بالنعل والحصى الكبار بغضب وانفعال والحصا تصيبه من الناس وهو لا يزداد إلا غضباً وعنفاً في الضرب، والناس حوله يضحكون ويقهقهون كان المشهد مشهد مسرحيه هزلية ، شاهدنا هذا قبل أن تبني الجسور وترتفع أنصاب الجمرات . وكل هذا مبني على هذه العقيدة أن الحجاج يرمون شياطين ، وليس لها اصل صحيح يعتمد عليه ، وقد علمت مما سبق الحكمة في مشروعية رمي الجمار ، لإقامة ذكر الله عز وجل ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على أثر كل حصاة .
3. رميهم الجمرات بحصى كبيرة وبالحذاء ( النعل ) والخفاف ( الجزمات ) والأخشاب ، وهذا خطا كبير مخالف لما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بفعله وأمره حيث رمي صلى الله عليه وسلم بمثل حصا الخذف ، وأمر أمته أن يرموا بمثله ، وحذرهم من الغلو في الدين . وسبب هذا الخطا الكبير ما سبق اعتقادهم أنهم يرمون الشيطان .(243/12)
4. تقدمهم إلى الجمرات بعنف وشدة لا يخشعون لله تعالى ، ولا يرحمون عباد الله ، فيحصل بفعلهم هذا الأذية للمسلمين والإضرار بهم والمشاتمة والمضاربة ما يقلب هذه العبادة وهذا المشعر إلى مشهد مشاتمة ومقاتله ، ويخرجها عما شرعت من أجله ، وعما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ففي المسند عن قدامه بن عبد الله بن عمار قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر يرمي جمرة العقبة على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك { رواه الترمذي وقال : حسن صحيح} .
5. تركهم الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولي والثانية في أيام التشريق، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف بعد رميهما مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو دعاءً طويلاً ، وسبب ترك الناس لهذا الوقوف الجهل بالسنة أو محبة كثير من الناس للعجلة والتخلص من العبادة. ويا حبذا لو أن الحاج تعلم أحكام الحج قبل أن يحج ليعبد الله تعالى على بصيرة ويحقق متابعة النبي صلى الله عليه وسلم . ولو أن شخصاًُ أراد أن يسافر إلى بلد لرأيته يسأل عن طريقها حتى يصل إليها عن دلالة ، فكيف بمن أراد أن يسلك الطريق الموصلة على الله تعالى وإلى جنته ، أفليس من الجدير به أن يسأل عنها قبل أن يسلكها ليصل على المقصود ؟ !
6. رميهم الحصي جميعاً بكف واحدة وهذا خطأ فاحش وقد قال آهل العلم انه إذا رمي بكف واحدة اكثر من حصاة لم يحتسب سوى حصاة واحدة ، فالواجب أن يرمي الحصا واحدة فواحدة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
7. زيادتهم دعوات عند الرمي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قولهم : اللهم اجعلها رضاً للرحمن وغضباً للشيطان ، وربما قال ذلك وترك التكبير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الأولي الاقتصار على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقص .(243/13)
8. تهاونهم برمي الجمار بأنفسهم تراهم يوكلون من يرمي عنهم مع قدرتهم على الرمي ليسقطوا عن أنفسهم معاناة الزحام ومشقة العمل ، وهذا مخالف لما أمر الله تعالى به من إتمام الحج حيث يقول سبحانه : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(البقرة: من الآية196) فالواجب على القادر على الرمي أن يباشره بنفسه ويصبر على المشقة والتعب ، فإن الحج نوع من الجهاد لا بد فيه من الكلفة والمشقة فليتق الحاج ربه وليتم نسكه كما أمره الله تعالى به ما استطاع إلى ذلك سبيلا
طواف الوداع والأخطاء فيه
ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال : ( أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض) وفي لفظ لمسلم عنه قال : ( كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه أبو داوود بلفظ : ( حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت ) وفي الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : شكوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني اشتكي فقال : ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ) فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ :(وَالطُّورِ*وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) (الطور:1-2) وللنسائي عنها أنها قالت : ( يا رسول الله ، والله ما طفت طواف الخروج فقال : إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس) .(243/14)
وفي صحيح البخاري عن انس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدةً بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن صفية رضي الله عنها حاضت بعد طواف الإفاضة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحابستنا هي؟) قالوا : إنها قد افاضت وطافت بالبيت قال : فلتنفر إذاً . وفي الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال : ( لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت ) وفيه عن يحي بن سعيد أن عمر رضي الله عنه رد رجلاً من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع .
والخطا الذي يرتكبه بعض الحجاج هنا :
1. نزولهم من مني يوم النفر قبل رمي الجمرات فيطوفوا للوداع ثم يرجعوا إلى مني فيرموا الجمرات ، ثم يسافروا إلى بلادهم من هناك وهذا لا يجوز لأنه مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهد الحجاج بالبيت ، فإن من رمي بعد طواف الوداع فقد جعل آخر عهده بالجمار لا بالبيت ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع إلا عند خروجه حين استكمل جميع مناسك الحج ، وقد قال : ( خذوا عني مناسككم ) ([4]) .
وأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صريح في أن الطواف بالبيت آخر النسك .فمن طاف للوداع ثم رمي بعده فطوافه غير مجزئ لوقوعه في غير محله ، فيجب عليه إعادته بعد الرمي ، فإن لم يعد كان حكمه حكم من تركه.(243/15)
2. مكثهم بمكة بعد طواف الوداع فلا يكون آخر عهدهم بالبيت ، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وبينه لأمته بفعله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يكون آخر عهد الحجاج بالبيت ، ولم يطف للوداع إلا عند خروجه وهكذا فعل أصحابه ، ولكن رخص أهل العلم الإقامة بعد الوداع للحاجة إذا كانت عارضة كبيرة كما لو أقيمت الصلاة بعد طوافه للوداع فصلاها أو حضرت جنازة فصلي عليها ، أو كان له حاجة تتعلق بسفره كشراء متاع وانتظار رفقة ونحو ذلك فمن أقام بعد طواف للوداع إقامة غير مرخص فيها وجبت عليه إعادته.
3. خروجهم من المسجد بعد طواف الوداع على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة ، وهذا خلاف السنة بل هو من البدع التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيها:( كل بدعة ضلالة ) والبدعة كل ما احدث من عقيدة أو عبادة على خلاف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ، فهل يظن هذا الراجع على قفاه تعظيماً للكعبة على زعمه انه أشد تعظيماً لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أن في ذلك تعظيم لها لا هو ولا خلفاؤه الراشدون ؟!
4. التفاتهم للكعبة عند باب المسجد بعد انتهائهم من طواف الوداع ودعاؤهم هناك كالمودعين للكعبة ، وهذا من البدع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفاؤه الراشدين ، وكل ما قصد به التعبد لله تعالى وهو مما لم يرد به الشرع فهو باطل مردود على صاحبه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ([5]) . أي مردود على صاحبه .(243/16)
فالواجب على المؤمن بالله ورسوله أن يكون في عبادته متبعاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها لينال بذلك محبة الله ومغفرته كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) واتباع النبي صلى الله عليه وسلم كما يكون في مفعولاته يكون كذلك في متروكاته ، فمتي وجد مقتضي الفعل في عهده ولم يفعله كان ذلك دليلاً على أن السنة والشريعة تركه ، فلا يجوز إحداثه في دين الله تعالى ولو أحبه الإنسان وهواه ، قال الله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ)(المؤمنون: من الآية71) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب .
والحمد لله رب العالمين ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
تم تحريره في 19 شعبان 1398هـ بقلم الفقير إلى الله تعالى : محمد الصالح العثيمين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين .
---
([1] ) رواه الترمذي ، كتاب الحج رقم (902).
([2] ) رواه مسلم ، كتاب الحج رقم (1218).
([3] ) رواه أبو داوود ، كتاب المناسك رقم (1949) والترمذي ، كتاب الحج رقم (889) والنسائي ، كتاب مناسك الحج رقم ( 3044) وابن ماجه ، كتاب المناسك رقم ( 3015).
([4] ) ر واه مسلم ، كتاب الحج رقم (1297) وأبو داوود ، كتاب مناسك الحج رقم (1970) بلفظ آخر.
([5] ) رواه البخاري ، كتاب الصلح رقم (2697)ومسلم ، كتاب الأقضية رقم (1718).(243/17)
صحيح البخاري(/)
(
[ كتاب الحج ]
لفضيلة الشيخ العلامة الإمام
أبي عبد الله محمد بن صالح العثيمين
" رحمه الله "
( 1347هـ ـ 1421 هـ )
قام بإعدادها
مجموعة من طلاب العلم
غفر الله لهم ولوالديهم ولمشايخهم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإنا نقدم لإخواننا طلاب العلم تعليق فضيلة الشيخ /
محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله
على عدة كتب من صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري " رحمه الله" ، وهي كتاب الحج ، وكتاب العمرة ، وكتاب المحصر ، وكتاب جزاء الصيد ، وكتاب فضائل المدينة . ولم يتمه رحمه الله إذ وقف فيه على باب (من رغب عن المدينة) في السادس والعشرين من شهر صفر من عام واحد وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة . وقد بدأ الشيخ رحمة الله عليه بهذا التعليق في الرابع والعشرين من شهر شعبان من العام العشرين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة .
نسأل الله أن يجزي شيخنا خيراً ، وأن يغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
كتاب الحج (1)
__________
(1) قبل أن ندخل في مواضيع الأحاديث نحب أن نُعطي قواعد :
أولاً : الحج ركن من أركان الإسلام ، والدليل : متى فُرض الحج ؟ في السنة التاسعة ، ما الدليل ؟ قوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا } وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة ؛ لأن صدر آل عمران كله نزل في السنة التاسعة .
قال بعض الناس إنه فُرض في السنة السابعة ، ما دليلهم ؟
طالب: دليلهم قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله }
الشيخ: وهل هذا الاستدلال صحيح ؟
الطالب: غير صحيح .
الشيخ: غير صحيح ، ما وجهه ؟
الطالب: وجهه هذا أمرٌ للإتمام وليس أمرٌ للابتداء .
الشيخ: نعم ، ويؤيد ذلك أن فتح مكة كان في السنة الثامنة ؟
طالب: السنة الثامنة ، وليس من الحكمة أن يُفرض الحج ومكة لا يزال يسيطر عليها المشركون .
الشيخ: نعم تمام، ولهذا صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة .
ثانياً : الحج له شروط ، والشروط ـ كما يُعلم من الشريعة الإسلامية ـ الشروط هي عبارة عن ضبط الواجبات والتكليفات ؛ لأنه لو بقيت التكليفات بلا شروط صار فوضى ، فالشروط في الواقع من تمام الشريعة . وقول بعض المُحْدَثين : ( إن هذه الشروط والأركان والواجبات المفصلة هذه بدعة ) فنقول : ليست ببدعة ، هذه وسائل لضبط الشريعة وتقريبها للمكلفين ، وكونها شروطاً أو واجبات أو أركاناً ، هذا أيضاً من انضباط الشرع نفسه حتى لا يبقى الناس في فوضى ، لذلك أثبت العلماء ـ رحمهم الله ـ بما يكاد يكون إجماعاً قبل هؤلاء المُحْدَثين بإثبات الشروط والأركان والواجبات، وإن كانوا يختلفون هذا شرط أو ركن أو واجب ، هذا شيء آخر ، المهم المبدأ موجود ، ولا ينبغي أن نعترض على سنة العلماء ، ولا ينبغي أن نعترض على أمر يجعل الله تعالى فيه تسهيلاً لحفظ الشريعة وإتقانها وانضباطها .
الحج له شروط منها:
الشرط الأول : الإسلام ، وهذا شرط في جميع العبادات ، كل العبادات لابد فيها من الإسلام ؛ لأنه إذا لم يكن مسلماً فليس مقبولاً عند الله عز وجل قال الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } وقال عز وجل: { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله } مع أن نفقاتهم نفعها متعدي ومع ذلك لا تُقبل .
الإسلام شرط في جميع العبادات ، حتى في الوضوء ؟ حتى في الوضوء ، فلو أن كافراً توضأ ثم منّ الله عليه فأسلم قلنا لابد أن تُعيد الوضوء إذا أردت الصلاة ؛ لأن وضوءك الأول وقع وأنت في حال الكفر فلا يصلح .
الشرط الثاني: العقل ، فالمجنون لا حج عليه ، وهذا شرط في جميع العبادات ما عدا الزكاة ، فالزكاة ليس من شرطها العقل ؛ لأن وجوبها في المال، كما قال تعالى: { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } وقال عز وجل : { خذ من أموالهم صدقة } ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل : (( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترجع على فقرائهم )) ولأن الفقير لا تتعلق نفسه بالفاعل تتعلق بالمال ، سيقول الفقراء : أين نصيبنا من هذا المال ؟ فلذلك لا يشترط في وجوب الزكاة العقل .
الشرط الثالث: البلوغ، وهذا شرط للوجوب وليس شرطاً للصحة ، أما كونه شرطاً للوجوب فللحديث المشهور الذي تلقاه الناس بالقبول : (( رُفع القلم عن ثلاثة )) وذكر منهم الصبي حتى يكبر . وأما كونه ليس شرطاً للصحة فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما في المرأة التي رفعت الصبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقالت : يا رسول الله ألهذا حج؟ قال : (( نعم ولك أجر )) إذاً من شرط وجوب الحج ماذا ؟ البلوغ ، طيب البلوغ يحصل بواحد من أمور ثلاثة : تمام خمس عشرة سنة ، والثاني إنبات شعر العانة ، وهو الشعر الخشن الذي يكون حول القُبل ، والثالث إنزال المني بشهوة ، هذه ثلاثة ، تزيد المرأة بالرابع وهو الحيض فمتى حاضت ولو لم يكن لها إلا تسع سنوات فهي بالغة .
الشرط الرابع : الحرية ، وهذا شرط في كل عبادة اشترط فيها التملك، تملك المال ، فالزكاة مثلاً لا تجب على العبد لأنه ليس له مال ، والحج لا يجب على العبد لأنه ليس له مال ولأن العبد مشغول بخدمة سيده ، فلو ألزمنا عليه الحج للزم من ذلك إما تأثيمه وإما تأثيم سيده ، إما تأثيمه إن حج بلا إذن سيده ، وإما تأثيم سيده إن منعه . فلهذا نقول لا حج عليه حتى يسلم هو من الإثم وكذلك سيده .
فإن قال قائل : أرأيتم لو أن سيده أذن له وأعطاه المال ، أو أذن له وهو في مكة وأمكنه أن يحج على قدميه ، هل يلزمه الحج أو لا ؟ المشهور من المذهب لا ، حتى لو أذن له سيده ولو أعطاه المال يحج به ، أو كان لا يحتاج إليه وهو في مكة فإنه لا يجب عليه الحج ؛ لأن الحرية وصف لابد من ثبوته في وجوب الحج . والصحيح أنه يجب عليه الحج في هذا الحال ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فالآن هذا قادر والله عز وجل يقول : { من استطاع إليه سبيلاً } وهذا مستطيع . فسيده يقول أهلاً وسهلاً أنا أساعدك . فماذا يكون بعد ذلك ؟
الشرط الخامس : الاستطاعة ، وقد ذكرها الله تعالى في قوله : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } ونص الله عز وجل على الاستطاعة في الحج مع أن هذا شرط في جميع الواجبات ؛ لأن الحج غالباً يكون فيه مشقة ، الغالب يكون فيه مشقة لأن أكثر الناس خارج مكة وبعيدون عن مكة فتلحقهم المشقة لاسيما في الزمن الأول لما كان الناس يحجون على أقدامهم أو على إبلهم مشقة ، فلهذا نص الله تعالى على الاستطاعة مع أنها شرط في جميع الواجبات . والاستطاعة نوعان :
استطاعة بالمال فقط ، أو بالبدن فقط ، أو بهما جميعاً ، فهي ثلاثة أقسام . إذا كان عنده استطاعة بماله وبدنه مع بقية الشروط وجب عليه الحج ولا إشكال ، إذا كان عنده استطاعة بماله دون بدنه ، هو يبذل بماله لكن ما يبذل ببدنه سقط عنه الوجوب البدني لأنه ما يستطيع ووجب عليه بذل المال ، فيُقيم من يحج عنه ويعتمر . وإذا كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه يجب عليه ؟ قادر ببدنه قريب أو بعيد إنسان شجاع قوي يجب أو لا يجب ؟ الله المستعان ، أين أنتم ؟ أين فقهكم ؟! { من استطاع إليه سبيلا } هل هذا مستطيع أو لا ؟ إنسان قوي شجاع إذا رآه الذئب هرب منه وإذا رآه الواحد من الناس هرب ، ما يخاف على نفسه هو قوي ، يجب عليه أو ما يجب ؟ يجب يا أخوان يجب { من استطاع إليه سبيلاً } لو كان في الكويت أو وراء الكويت بعد يجب ؛ لأن عندنا آية من كلام الله عز وجل ما هي من كلام فلان وفلان { من استطاع إليه سبيلاً } واضح ؟
طيب إذا كان غير قادر لا بماله ولا ببدنه إيش ؟ يسقط عنه ما فيه إشكال ؛ لأن الله اشترط للوجوب الاستطاعة . وهل الاستطاعة الشرعية شرط للوجوب أو شرط للأداء ؟ انتبه هل الاستطاعة الشرعية شرط للوجوب أو شرط للأداء ؟ مثال ذلك : امرأة غنية قادرة ببدنها لكن لم تجد محرماً ، هي الآن قادرة قدرة حسية لكنها شرعاً غير قادرة لماذا ؟ لأنها ما لها محرم ، وهي ممنوعة شرعاً من السفر ، فهل يجب عليها أن تحج أو لا يجب ؟ نقول : أما ببدنها فلا يجب وأما بنائبها فيجب لأنها قادرة ، ولكن المذهب عند الحنابلة أن ذلك شرط للوجوب . وعلى هذا فيشترط لوجوب الحج القدرة الشرعية والحسية ، وبذلك نُطمئن أخواتنا اللاتي يتكدرن ويحزن إذا لم يكن عندهن محرم ونقول أبشرن لو لقيتن الله بلا حج فليس عليكن شيء ، لماذا ؟ لأن الحج لا يجب عليهن ، كما أن الفقير إذا لقي ربه وهو لم يزكي هل عليه شيء ؟ ما عليه لأنه ما عنده مال . فالحمد لله على نعمه ، يعني ينبغي أننا نُطمئن النساء لأن بعض النساء تحزن حزناً شديداً حتى إن بعضهن تعصي الله وتحج بلا محرم . سبحان الله كيف تتقرب إلى الله بمعصيته ؟ هذا غلط عظيم وسفه . فهذه شروط وجوب الحج ، قال الناظم في هذه الشروط :
الحج والعمرة واجبان في العمر مرة بلا توان
بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جلية
وقوله : ( بلا توان ) يعني يجب على الفور أن يؤدي الحج ، انتبهوا هذه نقطة مهمة أيضاً ، هل إذا قدر الإنسان على الحج يجب عليه أن يحج فوراً أو هو على التراخي ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة ، فمنهم من قال على التراخي لأن العمر كله وقت للحج . فكما إن الإنسان في الصلاة له أن يصلي في أول الوقت وفي آخر الوقت ، هؤلاء يقولون الحج لا يجب في العمر إلا مرة إذاً فالعمر كله وقت له . وأيضاً يقولون : إن الله فرض الحج في السنة السادسة أو السابعة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في العاشرة . لكن هذا القول ضعيف ، أما من حيث الدليل فقد عرفتم أن الدليل يدل على أن الحج إنما فُرض في السنة التاسعة ، ولكن حتى على هذا القول يقولون : عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحج في السنة التاسعة أخره إلى العاشرة . فنقول : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخر الحج لمصلحة عظيمة تفوت لو حج ولا يفوت الحج لو أخره ، وهي استقبال الوفود الذين يفدون إلى المدينة مسلمين ليتعلموا أحكام دينهم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأيضاً في تلك السنة ـ السنة التاسعة ـ كان في الحجاج خليط من المشركين ؛ لأن فتح مكة قبل ذلك بسنة فحج كثير من المشركين ، فأراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكون حجه إيش؟ خالصاً للمؤمنين ، ولذلك في ذلك العام عام تسع أذَّن المؤذن يعني أعلن المُعلن أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عرياناً .
والصواب هو أن الحج واجب على الفور من حين أن تتم شروط الوجوب ، وقد عرفتم بطلان استدلالهم بالآية: { وأتموا الحج والعمرة لله } وعرفتم بطلان استدلالهم بتأخير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحج عن السنة التاسعة . أما قولهم : إن الحج لا يجب في العمر إلا مرة فالعمر كله وقته فيجوز في أوله وآخره . فيقال : من الذي يضمن أن تبقى قدرة الإنسان على الحج ؟ أليس ممكن أي يُمرض ، ويمكن أن يُسلب المال ، ويمكن أن تكون الطريق مخوفة ، ويمكن أن يموت ، كل هذا ممكن ، فكيف يؤخر ما أوجب الله عليه بعد أن أنعم الله عليه بتوفر الشروط ؟ فالصواب إذاً أنه يجب على الفور .
فإذا قال قائل : الحج عرفنا أنه ركن من أركان الإسلام لكن ما هي الحكمة وما هو الذي يفيد القلب من هذا الحج ؟ قلنا : الحكمة تعظيم الله عز وجل بتعظيم أعظم بيت في الأرض وهو الكعبة كما قال عز وجل: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } وتعظيم الأماكن من تعظيم الساكن، ومعلوم أن الله فوق كل شيء لكن على حد قول الشاعر: أمر على الديار ديار ليلى ـ وضمير أمر يعود على مجنون ليلى ـ يقول :
أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار
مجنون .. يمشي على الجدار يقبله والجدار الثاني يقبله والجدار الثالث والرابع .
.......................... أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار
المهم أن في الوفود على بيت الله عز وجل تعظيم لله تعالى لا يخفى ، وبالنسبة لنا اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتأس به ، ونعم الأسوة صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا لما قبَّل عمر الحجر قال : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . لله در عمر ، حتى لا يقع في قلب أحد تعظيم الأحجار وتعظيم الآثار كما ابتُليت به الأمة في الوقت الحاضر إلا من عصم الله ومعلوم أنه لولا أن الله شرع لنا أن تعبد له بهذه العبادة وأن نتأسى برسوله صلى الله عليه وسلم فيها ما ذهبنا إليها . وإلا فقد يقول قائل : ما الفائدة من أن تأخذ سبع حصيات وترميها في مكان معين ؟ الفائدة التعبد لله قبل كل شيء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )) هذا هو الحكمة ولذلك تجد الناس إذا أتوا هذه المشاعر العظيمة بإخلاص لله وتأسٍ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزداد إيمانهم واسأل الناس من قبل تجد طعماً لذيذاً في الحج، في الوقت الحاضر الحج جهاد وتبين صدق الحديث وهو متبين من قبل (( عليهن جهاد لا قتال فيه )) الآن الذين مثلاً يطوفون تجد الواحد قلبه مشغول بإيش ؟ بالحياة والموت ، هل يخرج سالماً أو لا ؟ فيفقد الطمأنينة والخشوع الذي كان من قبل ولكن يجب أن يوطن الإنسان نفسه على أنه في عبادة وأن هذه المشقة التي تأتيه في العبادة ما هي إلا رفعة لدرجاته وتكفير لسيئاته والأجر على قدر المشقة ، وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة : (( أجرك على قدر نصبك )) .
كذلك في رمي الجمرات رامي الجمرات هو بين الحياة والموت وبين الأذية والتأذي لكن ماذا يصنع ؟ لولا أنه يعتقد أن هذا عبادة لله عز وجل واتباع لرسول الله ما فعل ، لكن في الأول ـ أنا أثرت البقية ـ تجد الناس في طمأنينة يعني أدركنا الناس يذهبون للجمرات أما في المطاف فالمطاف أقل من هذا في الأول ومع ذلك لا يمتلئ تقدر تقبل الحجر الأسود في كل شوط في أيام الحج في الموسم ، في الجمرات تجد الناس قليلين جداً يعني ننزل عند مسجد الخيف في خيمتنا وتجد الخيمة الثانية بعيدة عنا والثالثة بعيدة ، وفي نفس منى أكوام من الحطب يعني ما في كهرباء ، حطب أكوام كأنك في أسواق الحطب ، ونحن في مسجد الخيف نشاهد الناس يرمون الجمرات ما في بناء ولا سيارات ولا زحام ولا شيء ، يذهب الإنسان في طمأنينة وهدوء وتكبير وتلبية قبل جمرة العقبة ، ويجد يعني سبحان الله طعماً لذيذاً للحج .
لكن كما قلت لكم إن تعب الناس اليوم مع الاحتساب يزدادون به أجراً؛ لأنه كلما كانت المشقة في العبادة على وجه لا يمكن دفعها صار الأجر أكبر أما إذا كان يمكن دفعها لا مثل ما يفعل بعض الناس مثلاً يكون الجو بارداً والماء بارداً وتقول له سخن الماء قال : لا من الرباط إسباغ الوضوء في السبرات .. الله أكبر ، الله يقول: { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } وإذا أنعم الله عليك فتمتع بنعمه ، نعم الشيء الذي لابد منه يأتي بغير قصد هذا يؤجر الإنسان عليه أما أن يتقصد العذاب فلا.
أيضاً من حِكَم الحج أنه جامع بين العبادة البدنية مع مشقتها والعبادة المالية أحياناً ما هو دائماً ؛ لأن الذين يحجون من مكة لا يتكلفون مالاً ليس عليهم هدي ويأكلون الطعام العادي يأكلونه في مكة في المشاعر ما في كلفة يعني ما في مال زيادة ، لكن نفس المشقة البدنية والتعب القلبي لاشك أن هذا فيه امتحان للعبد ؛ لأن الله عز وجل يمتحن العبد بكثرة المشقات إذا كان صادقاً في إيمانه وإخلاصه ومحبته لملاقاة ربه على وجه يرضيه يتحمل ، والعكس بالعكس ، فلتمام الامتحان جعل الله العبادات الخمس مختلفة: بدنية محضة، ومالية محضة ، ومركبة منهما أحياناً ، ثم العبادة إما فعل وإما ترك ، الصوم ترك المحبوب ، والزكاة بذل المحبوب ، كل هذا ليبتلي الله العبد هل يعبد هواه أو يعبد مولاه ؟ على حسب ما يصدر منه .
ومن منافع الحج أن الناس يتعارفون ويتآلفون ، وإن كان هذا مع الأسف بالنسبة للوقت الحاضر قليل جداً ، وإلا لو اُستُغل هذا المجتمع وهذا الجمع فيما ينفع المسلمين لكان لهذا أثر عظيم ، لكن المشكلة الآن المسلمون لغاتهم مختلفة أم لا ؟ تعجز أن تُعبر بما في نفسك لواحد لا يعرف لغتك لا تستطيع ، كيف توصل معلوماتك إلى هذا ؟ يمكن أن يقال يوصل بالمترجم، المترجم إذا كان بلية إيش نسوي ؟ مشكل ، أُحدثكم عن نفسي أننا نتكلم في مسجد المطار في جدة ، نتكلم كلام يعني غالبه في التوحيد وأركان الإسلام وجاءني رجل وقال : كلامك طيب . ولا أحب أن أقول من أي جهة هو لكن هو من أفريقيا بس ما نقدر نقول شيئاً ، قال : كلامك هذا طيب زين أتأذن لي أن أترجمه ؟ أنا شفت هيئته يعني هيئة إنسان يعني محترم قلت : طيب لا بأس ، فجعلت أتكلم وهو يترجم نهينا ما شاء الله فدخل رجل آخر من الشارع من خارج المسجد فقال لي : ما هذا المترجم الذي عندك ؟ قلت : هذا جزاه الله خيراً تبرع . قال : لا ، إنه يترجم ضد كلامك أنت تقول توحيد وهو يقول شرك . سبحان الله من نصدق هذا الآن ، نصدق الأول أو الثاني ؟ فقلت إذاً خلاص بطلنا الذي بيعرف العربية فالحمد لله ، والذي ما يعرفها هو الذي جنى على نفسه وتركنا الترجمة .
فأقول يعني إن هذا المجتمع العظيم لو كان الناس لهم مترجمون يتصلون بهؤلاء الأجانب ولاسيما الكبراء كالعلماء لكان الخير كثير .
أيضاً يمنع هذه المنفعة العظيمة أن من الناس من هو متعصب لمذهبه سواء فيما يتعلق بالتوحيد أو فيما يتعلق بالأعمال تجده متعصباً جداً لمذهبه ما يقبل ، وهذه مشكلة الآن يعاني منها الناس الدعاة ، يقابل هذا أن من الدعاة من هو صلب جداً جداًَ ، ولا يبالي أن يقول هذا كافر اتركه في نار جهنم، أو يدعو بالحكمة ، ومن الناس من هو لين لكن ليس عنده علم يُغلب. فهي مشكلة .
في مرة من المرات ولا بأس أن نذكر ما نُشنف به آذانكم ، في مرة من المرات جاءنا فريقان وهم أيضاً من الغرب ، جاءنا فريقان يكفر بعضهم بعضاً ، وأتوا إلى مدير رجال التوعية وكلمهم وجاء بهم لي ، إيش عندكم ؟ قال : كل واحد يُكفر الثاني ويلعنه والعياذ بالله . لماذا ؟ واحد منهم إذا قام في الصلاة يُرسل اليدين ، طائفة تُرسل يديها والثانية لا تُرسل تُمسك ، قال : هذا كافر . ليش ؟ قال : النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( من رغب عن سنتي فليس مني )) وهذا رغب عن سنة الرسول . والآخرون قالوا مثله . هذا مشكل ، الجهل ، لكن الحمد لله يعني بعد البحث والمناقشة وقلنا إن هذه المسألة يسيرة لا توجب التكفير حتى لو تركها الإنسان عمداً .
المهم قصدي بهذا إن الناس متعصبون ، فالتعصب هذا مُشكل وإلا لكان الحج مؤتمر عظيم للمسلمين ، قال الله تعالى : { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } لكن الحمد لله أنتم وأمثالكم فيكم بركة ، يمكن تدعون الناس في الحج من قُدر له أن يحج بالتي هي أحسن وباللين وباللطف ، تقصدون بذلك الأجر لنفسكم والأجر لهؤلاء المساكين الذين ليس عندهم من يرشدهم ، ويحصل بهذا خيرٌ كثير والحمد لله .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، بالنسبة للدعوة مثلاً في مكة هل يتكلم الإنسان على مناسك الحج أو يخصص الدعوة في التوحيد خاصة ؟
الجواب : أرى أن يُكلم الناس في الحج ، ومناسك الحج فيها التوحيد ، حديث جابر رضي الله عنه ماذا قال ؟ قال : حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك . فيأتي ضمناً لأنك تعرف الآن هناك دعوة سيئة أو دعاية على أن من دعا إلى التوحيد فهو وهابي ، ما يعرفون أن هذا مذهب السلف ، والوهابية عند كثير من عوام المسلمين في الخارج مذهب ممقوت ؛ لأنهم ما يدرون .
سؤال : هل العمرة واجبة على أهل مكة ؟
الجواب : العمرة ظاهر النصوص أنها واجبة على كل أحد ، لكن كثيراً من العلماء يقولون : أهل مكة لا عمرة لهم لأنه لم يُعهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يخرجون من مكة إلى الحل ويأتون بالعمرة ، والأظهر أنها واجبة على كل أحد .
سؤال : أثابك الله ، يكون عند الإنسان أبناء أو أخوان قد وصلوا لسن البلوغ يريد أن يحج ويؤدي الفرض ، لكن يا شيخ غالباً ما يكون الشباب في هذا العمر بعيدين عن معرفة الحج والإحساس به ولهذا تجد أن أغلبهم يُقلدون من معهم ولهذا إذا كبر الواحد منهم قال أريد أن أحج أنا حججت لكن ما أعرف كيف حججت ذاك العام ، وهذا قريب بما أحسسنا به نحن في أول حجة للإنسان ، فهل نؤخره سنة أو سنتين حتى يرسخ عقل الواحد منهم ويتعلم الحج ويكون حجه هذا بحرص منه ؟
الجواب : والله إنشاء الله هذا لا بأس به لأن هذا تأخير لمصلحة العبادة فأرجوا أن لا يكون به بأس إن شاء الله ، مع أن الأمر كما ذكرت أكثر الناس الآن بالنسبة للحج خاصة ما كأنه عبادة كأنه بس أعمال تُفعل ، ولهذا تجدهم لا يهتمون بمسألة الأذية للغير ولا بمسألة الخشوع ، حتى في مخيماتهم في منى مثلاً لو دخلت عليهم وجدتهم كأنهم في نزهة ، لكن ما ذكرته أرجو أن لا يكون فيه بأس إذا كان التأخير من أجل إيش ؟ من أجل مصلحة العبادة . ثم هناك شيء آخر يخفف الموضوع أن هؤلاء الغالب ما عندهم مال ليس عندهم مال فالحج ليس واجباً عليهم ، ووليهم لا يلزمه أن يحججهم ، فهمت ؟ هذا أيضاً مما يخفف المسألة .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، هل يجب على المرأة أن تبيع من حليها لتدفع نفقة الحج لها ولمحرمها ؟
الجواب : لا .. يقول هل يجب على المرأة أن تبيع من حليها لتحج به؟ نقول لا يجب ، اللهم إلا الزائد الذي لم تجرِ العادة بتجملها به فهو كطالب العلم الذي عنده كتب يحتاجها وعنده كتب أخرى إما مكررة أو لا يحتاجها .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ، هل يجوز للشيخ الكبير الذي أتى للحج ويجد مشقة في الطواف والسعي أن يستنيب من يقوم بأعمال الحج عنه ؟
الجواب : يجب عليه أن يحج بنفسه لأن هذه مشكلة ، الطواف الحمد لله الآن في عربات يركبها الإنسان ويُدف وإن لم يحصل له في الأسفل ففي فوق ، عرفت ؟ وكذلك يقال في السعي ، والرمي يوكل ، وهذا خير من كونه يستنيب في كل النُسك . أما الاستنابة في النفل فهذه موضع شك بالنسبة لي أنا ، وموضع منع في إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، يقول : النفل ما فيه نيابة لأن النيابة إنما حصلت في الفريضة أما النفل فمن استطاع فليحج ومن لم يستطع فلا ينيب ، أفهمت ؟ ولهذا نرى أن الإنسان الذي يريد أن ينيب أحداً في النافلة أن لا يفعل ، بل يتلمس أحداً من الناس لم يحج الفريضة ويعينه فيها ، ومن أعان غازياً فقد غزا .
سؤال : يقولون خاصة بعد تناقل الفضائيات لصور الحج إلى آخره في العالم فبعض النصارى يثيرون شبهة على المسلمين في بعض الأماكن أنكم تدَّعون التوحيد بينما تطوفون حول حجارة .. إلى آخره ؟
الجواب : الحمد كل إنسان عنده باطل لابد أن يثير شبهة ، نقول : نحن ما طفنا حول الكعبة إلا بأمر الله ، وإذا طفنا بالكعبة وهي أحجار بأمر الله صار هذا غاية العبادة ؛ لأن الغالب أن النفس ما تنقاد إلا لشيء تلمس فائدته حسياً وهذا من الناحية الحسية ما فيه فائدة ، لكن من الناحية المعنوية ومصلحته للقلب والنفس والسلوك أمر واقع ، فنقول لهم نحن لم نطف حول الكعبة ولا بين الصفا والمروة ولا خرجنا للمشاعر إلا بأمر الله ، لكن أنتم أين لكم الأمر من الله ؟ وكذلك نقول للقبوريين ، الآن القبوريون الذين يدعون الإسلام وهم يطوفون على القبور يقولون مثل هذه الشبهة ، الجواب سهل والحمد لله .
سؤال : من ليس عنده استطاعة شرعية كالمرأة التي ليس عندها محرم هل يجب عليها الحج في مالها أو لا ؟
الجواب : لا يجب عليها أبداً لا في مالها ولا في بدنها ، إذا قلنا بأن الاستطاعة الشرعية شرط للوجوب ما ,جب عليها .
السائل : وهل هو الصحيح ؟
الجواب : والله هذا هو الظاهر عندي .
سؤال : أحسن الله إليك ، أمثال هؤلاء الذين يأتون إذا بدأت معهم في مناسك الحج أو الصلاة غالبهم يعني يقبلون بعد ذلك دعوتك للتوحيد ، لكن بعض الدعاة يشددون يقولون إنك إذا بدأت بمناسك الحج قبل التوحيد خالفت منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال : (( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله )) ؟
الجواب : أحسنت ، هذه شبهة وليست بحجة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن لقوم مشركين يعرفون أنهم على شرك ، لكن هؤلاء القوم الصوفية وما أشبههم يعتقدون أنهم مسلمون على دين ، فكيف نذهب لنهج ما يعتقدون أنه هو الدين ، بينهما فرق ، يعني الكلام لو كنا نريد أن ندعو قوماً مشركين ، ما نقول تعالوا صلوا لأنهم لو صلوا ما نفعهم، لكن نحن ندعوا قوماً يقولون أنهم مسلمون ، فهل نأتي بشيء بارد على قلوبهم يمكنهم أن يحبونه ويألفونه ثم بعد ذلك نتكلم فيما هم عليه من الضلال أو نطب طباً على ما هم عليه مثلاً ؟ في ظني أن هذا أولى أننا نُحدثهم بما يتفق معهم ، واضح ؟ هذا جواب على من ذكر ؟
سؤال : إذا كانت المرأة ليس لها إلا محرماً واحداً ورفض أن يحج معها هل يأثم أو لا يأثم ؟
الجواب : لا .. ما يأثم { ولا تزر وازرة وزر أخرى } يسقط عن المرأة لكن لها مثلاً أن تقريه بالماء لأن نفقته عليها ، فإذا كانت تستطيع تعطيه النفقة ويحج بها .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، إذا حج شخص ووالده ليس راضٍ عنه فهل يحج ؟
الجواب : فريضة أو نافلة ؟
السائل : نافلة .
الجواب : هذه تنبني على مسألة متى تجب طاعة الوالد ، هل تجب في كل شيء أو لا ؟ فنقول إذا نهاه والده عن الحج النافلة إذا كان والده يحتاج إليه فيجب عليه أن لا يحج يبقى عند والده وإذا كان لا يحتاج إليه نظرنا أيضاً ، هل هو يخاف عليه ، على الولد في عرضه أو في شيء آخر ؟ يعني خوفاً حقيقياً لا وهمياً فيجب عليه طاعة أبيه ، أما إذا كان بعض الناس لا يريد أن يذهب والدهم مع الشباب الصالحين ، أو يخاف عليه خوفاً وهمياً فله أن يحج بلا إذن ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا تجب طاعة الوالدين إلا فيما فيه نفع لهما بدون ضرر للغير ، وهذه قاعدة طيبة ، ما فيه نفع وليس فيه ضرر .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، بعض العوام يرمي الجمرات لكن لا يقيم ذكر الله أحسن الله إليكم ، إنما يرميها باللعن والسب للجمرات يعتقد هذه الجمرات شيطان فيلعنه ويسبه إلى أن ينتهي من الجمرات ؟
الجواب : هذا من الجهل .
السائل : هل ينعقد هذا الرمي ؟
الجواب : الرمي صحيح لأنه حصل رمي الجمرات ، لكن هذه العقيدة باطلة وإلا سمعنا من يرمي ويشتم ويقول أنت الذي فرقت بيني وبين زوجتي وما أشبه ذلك من الكلام السخيف ، ورأيت بعيني قبل الزحام الشديد هذا قبل سنوات رجلاً وامرأة في وسط الحوض حوض جمرة العقبة والناس يرمون الحوض ويرمون الرجل والمرأة ، لكنه صادق وكأني به يقول :
هل أنت إلا إصبع دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي
يرمونه وهو ساكت ، سبحان الله .ا.هـ.
ش1 ـ وجه ب :
ذكرنا الشروط والضوابط ، وتكلمنا أيضاً عن الآية الكريمة لكن الحج كغيره من العبادات له شروط وضوابط ، هذه الشروط والموانع هذه دليل على حكمة الله عز وجل في الشرع ، وأن الشرع على أتم نظام وأكمله ، لو كانت المسألة فوضى ما في شروط ولا في موانع لاختلف الناس لكن لابد من شروط تضبط الشرائع والشعائر ، من شروط الحج ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأحاديث .(244/1)
1ـ بَاب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
1417 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمَا قَالَ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَشْعَمَ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.(1)
__________
(1) قوله : ( كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الفضل بن عباس أخو عبد الله بن عباس لكن عبد الله أفضل منه وأعلم منه وأنفع منه للأمة ، وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم من سيره من مزدلفة إلى منى يوم العيد . وتأمل الحكمة العظيمة في تصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، في دفعه من عرفة من أردف ؟ أردف مولى من الموالي ما أردف من كبراء الصحابة ، مولى من الموالي وصغير أيضاً أسامة ، في دفعه من مزدلفة إلى منى أردف الفضل بن عباس رضي الله عنه ، يعني من أصغر آل البيت ما أردف العباس ولا أردف أحد آخر ، ليتبين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يريد الفخر وإنما هو متواضع حتى إنه حج على جمل رث ، يعني ما هو مفخم مزخرف ، ولا طرد بين يديه ولا إليك إليك ولا ضرب ، هكذا قال الراوي ( لا ضرب ) يعني ما أحد يُضرب حتى يتجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد يطرد كوخر وخر .. لا ، ولا إليك إليك ، يمشي مع الناس عليه الصلاة والسلام ، وهذا من تواضعه ، ولذلك امتلأت القلوب بمحبته عليه الصلاة والسلام .
المهم أن الفضل كان ردفه ، جاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه . ظاهر الحديث أن المرأة كاشفة ؛ لأنه ينظر إليها وتنظر إليه ، كونه ينظر إليها معروف ، يعني الرجل كاشف وجهه ويُعرف أن بصره منصرف إلى كذا ، لكن لا يمكن أن نعلم أنها تنظر إليه إلا إذا كانت كاشفة ، وهي لم تكون منتقبة لأن الانتقاب على النساء في الإحرام مُحرم ، إذاً هي كاشفة الوجه تنظر إلى هذا الرجل . وكان الفضل وسيماً يعني جميلاً ، والمرأة مع الرجال كالرجل مع النساء ، النساء تسلب عقول الرجال ( ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم مثلكن ) والمرأة كذلك يتعلق قلبها بالجميل أكثر فهي تنظر إليه وينظر إليها ، فصرف النبي عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الجانب الآخر خوفاً من الفتنة ، فسألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت : يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الرحل . وفريضة الله على عباده بالحج متى ؟ السنة التاسعة ، أدركته شيخاً كبيراً ، كلمة شيخ وكبير هنا مترادفتان ، يعني معناهما واحد ، الشيخ يُطلق على كبير السن وعلى واسع العلم وعلى كثير المال وعلى من يُفخم ، فهي استدركت أنها قالت شيخاً ، وقالت : إنه كبير لا يثبت على الراحلة ـ من كبره ـ أفأحج عنه ؟ قال : (( نعم )) وذلك في حجة الوداع .
( افأحج عنه ) هذه المرة أو في المرات الأخرى ؟ في المرات الأخرى ؛ لأنها لم تقل افأجعل حجي له ، بل قالت أفأحج عنه ، يعني حجة أخرى لأنها الآن متلبسة بحجة لها ، قال : (( نعم )) وهذا جواب يغني عن إعادة السؤال ، أي أنه يغني عن قوله نعم حجي ، قال : ( وذلك في حجة الوداع ) حجة الوداع هي في السنة العاشرة من الهجرة ، ولم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهجرة حجة سواها ، وسُميت حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم بكلام يدل على أن هذه آخر حجة حيث كان يقول : (( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )) فسُميت بحجة الوداع ، أما قبل الهجرة فكان يحج فيما يظهر ، وقد ورد في الترمذي أنه حج مرة واحدة لكن الذي يظهر أنها أكثر ؛ لأنه كان يخرج إلى القبائل في الحج ويدعوهم إلى الله عز وجل .
في هذا الحديث فوائد منها :
جواز الإرداف على الدابة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل . لكن بشرط أن لا يشق هذا عليها أي على الدابة ، فإن شق عليها كان ذلك حراماً ؛ لأنه تعذيب لها .
ومنها : جواز إرداف الأقل شأناً وجاهاً مع وجود من هو أفضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل مع وجود كبراء أكبر من الفضل .
ومنها : أن صوت المرأة ليس بعورة ؛ لأنها تكلمت وعندها الفضل وربما غيره أيضاً ، لكن نحن ليس أمامنا إلا الفضل ، بل دل القرآن على أن صوتها ليس بعورة في قوله تعالى :{ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } وهذا يدل على أن جواز أصل القول .
ومن فوائد هذا الحديث وجوب إزالة المنكر باليد مع القدرة ، وقد جاء في الحديث أن من لم يقدر باليد فليغير بإيش ؟ باللسان ، فإن لم يستطع فبالقلب . وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل إلى الشق الآخر .
ومنها جواز كشف المرأة وجهها إذا لم يكن فتنة ؛ لأن المرأة كاشفة ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تغطي الوجه بل صرف وجه الفضل خوفاً من الفتنة ، هكذا استدل من يرى جواز كشف الوجه . والحقيقة أن هذا الحديث من الأحاديث المشكلة والواجب على الإنسان الذي يتقي الله ربه إذا وجدت نصوص مشكلة أن يحملها على الغير مشكل على الواضح ، فإن هذه طريقة الراسخين في العلم ، قال الله عز وجل :{ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } يعني مرجع الكتاب { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا } واضح يا جماعة؟ وهذا كما هو في الآيات الكريمة في القرآن الكريم هو أيضاً في الأحاديث توجد أحاديث مشكلة فيجب حملها على الواضح المحكم . والحكمة من أن الله عز وجل يجعل بعض النصوص مشكلة الحكمة الامتحان ليعلم سبحانه وتعالى من يريد الفتنة ممن يريد الحق كما قال عز وجل : { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } لماذا ؟ لابتغاء يعني طلب ، طلباً للفتنة وطلباً لتأويله أي تنزيله على غير ما أراد الله ، فالله الحكمة عز وجل فيما جعله في نصوص الشريعة حتى يتبين من يريد الحق ممن يريد الفتنة .
على كل حال الحديث هذا فيه شبهة لا شك ، ولكن الغريب أن النووي رحمه الله استدل به تحريم كشف المرأة وجهها ، قال هذا دليل على التحريم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يمكن الفضل من النظر غليها بل صرفه . لكن يرد على هذا أن يُقال : لماذا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغطي وجهها ، لماذا صرف وجه الفضل ولم يأمرها أن تغطي وجهها ؟ فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم له أساليب في الدعوة إلى الله عز وجل ، هذه امرأة حاجة كاشفة وجهها لأن النقاب محرم تسأل عن دينها ، فلم يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يجابهها بتغيير المنكر بل صرف وجه الفضل إلى الوجه الآخر ، وهذا في نظر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة أهون من أن يُخجل هذه المرأة ويقول غطي وجهك . فإن قال قائل : سلمنا لكم ذلك لكن المرأة ستواجه رجال آخرين ؟ نقول : من قال هذا لا يلزم ، قد تكون امرأة جلدة قوية وتكون في أول الناس فيكون الذي يلي الناس إيش ؟ يكون ظهرها ولا فيه شيء . وعلى كل حال فهذا بلا شك أنه من المتشابه ولكن المتشابه يُرد إلى المحكم .
قال بعض أخواننا من العلماء المعاصرين : إن الفضل ليس ينظر على وجهها إنما ينظر إلى هيئة الجسم وتركيبه ، فيقال : هذا قد يُسلم لكن المشكل أنها هي تنظر إليه ، من الجائز أن الرجل ينظر إلى هيئة جسم المرأة وتركيبه والنساء يختلفن ، أليس كذلك ؟ بعضهن ما شاء الله كأنها سبع ما تحب أن تنظر إليها ، على كل حال هذا المسلم بالنسبة للفضل ، يعني دليل على أنه يمكن أن الفضل رضي الله عنه ينظر إلى جسمها ، لكن المشكل أنها تنظر إليه إيش نقول فيها ؟ ما يمكن أن يتخيل فيقول أنها تنظر إليه من وراء الخمار ، من يعرف حدقة العين من وراء الخمار أنها تنظر إلى جهة ما ؟ فإن ادعوا مثل ذلك قلنا إذاً الخمار لا يغطي خفيف لا يحصل به التغطية .
آخر ما أقول في هذا الحديث أنه من المتشابه والواجب الرجوع إلى المحكم من الأدلة القرآنية والنبوية والنظرية الدالة على وجوب تغطية المرأة وجهها ، ولنا في هذا رسالة صغيرة ، لكنها صغيرة الحجم كبيرة المعنى والحمد لله من أحب أن يرجع إليها فليرجع .
في هذا الحديث من الفوائد أن العاجز عن السعي إلى الحج ببدنه مع قدرته المالية لا يسقط عنه الحج ، لقولها : ( إن فريضة الله على عباده في الحج ) ولو لم يكن فريضة على هذا الشيخ لقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أباك ليس عليه حج ، لكنه أقرها على أن الحج فريضة عليه . ولهذا قال العلماء رحمهم الله : إن القدرة البدنية ليست شرطاً للوجوب لكنها شرط للأداء . هل بين الوجوب والأداء فرق ؟ نعم ، إذا قلنا شرط للوجوب معناه أن العاجز ببدنه ولو كان عنده اموال كثيرة لا حج عليه ، وإذا قلنا شرط للأداء قلنا : الذي عنده أموال ولكنه يعجز ببدنه يجب عليه أن ينيب من يحج عنه ولا يجب عليه الأداء لعدم قدرته عليه .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز نيابة الإنسان الرجل ، واضح ؟ طيب، فإن قال قائل : هل يجوز أن ينيب غير الفروع فيحج عن من ليس بينه وبينه صلة ؟ الجواب : القول الراجح نعم ، وأنه لا يُشترط لصحة النيابة في الحج أن يكون من فروع المنيب ، دليلها : أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه ذلك بقضاء الدين ، وقضاء الدين يجوز من الفروع ومن غيرهم ، من القريب ومن البعيد . وأما قول من قال إنه لا يصلح من غير فروع الإنسان واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم )) فقد أبعد النجعة ؛ لأن قول إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم ، يعني فكلوا منه ؛ لأنهم من كسبكم فكسبهم أيضاً كسب لكم ، هذا معنى الحديث . وقد جاء في السنن على غير شرط البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : (( من شبرمة )) يقول له للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال : أخ لي أو قريب ، قال : (( أحججت عن نفسك )) قال : لا ، قال : (( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )) وهذا أخ أو قريب.
ومن فوائد هذا الحديث أن عدم الثبوت على الراحلة عذر لعدم الأداء لقولها : ( لا يثبت على الراحلة ) ، طيب فإن قيل : إذا كان هذا الإنسان إذا ركب في السيارة أُغمي عليه أو صار كالمغمي عليه لكنه يثبت يبقى في مكانه فهل يسقط عنه الحج ؟ فالجواب : نعم لأن الإغماء على الشخص أو شبه الإغماء ليس مجرد أن يصحو الإنسان يذهب عنه كل شيء ، إذا صحا الإنسان من إغمائه فسيتأثر بدنه وينحل ويتعب ويبقى مدة على حسب شبابه وشيخوخته لم يسترد قوته ، وقد قال الله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } ويوجد أناس بهذه الطريقة من حين ما يركب السيارة وتشغل خلاص ينسى الدنيا على أن يصل إلى البلد ، مثل هذا ما يجب عليه الحج بلا شك ، لا يجب عليه إيش ؟ أداءً .
انتهى الوقت نأخذ خمس دقائق تكون قرضى إن شاء الله إلى الليلة القادمة ، تعرفون القرضى ؟ القرضى إلى الليلة القادمة إن شاء الله يعني بمعنى إن شاء الله نبدأ بالسؤال قبل الدرس إن شاء الله .
سبق حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة المرأة وذكرنا من فوائده أنه يجوز أن تحج المرأة عن الرجل ، وهل يجوز أن يحج الرجل عن المرأة ؟ الجواب : نعم من باب أولى ، ولكن الحج عن العاجز في الفريضة هو ما دل عليه الحديث ولا نزاع في هذا ، لكن الحج عن العاجز في النفل هل يجوز أو لا يجوز ؟ اختلف العلماء في هذا ، منهم من قال إنه جائز قياساً على الفريضة ، ومنهم من قال إنه لا يجوز لأن الأصل أن لا ينوب أحد عن أحد في عبادة ، وإذا كان هذا هو الأصل فإننا نقتصر على ما ورد بعينه ولا نتجاوزه . وهذا عندي أقرب ؛ لأنه مثلاً إذا قلنا بأنه يجوز أن ينوب الإنسان على الحي القادر معناه أنه فوَّتنا على هذا المستنيب فوَّتنا عليه طعم العبادة ، تجد هذا الإنسان ذهب يحج وهذا في لهوه وسهوه ولا كأنه يتعبد ، إذاً ما هي الفائدة ؟ فالقول بالنفي في النفل له وجه قوي . طيب لو كان ميتاً وأردنا أن ننيب عنه أحد في الحج ؟ هذا يجوز لأن الميت لا يستطيع أن يأتي بالحج ببدنه .(244/2)
2ـ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) ( فِجَاجًا ) الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ(1)
__________
(1) قال الله تعالى : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } جواب لشرط حذفه البخاري رحمه الله وهو قوله : { وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } جواب الأمر يأتوك جواب للأمر الذي حذفه البخاري رحمه الله ، وجواب الأمر يكون مجذوماً ، إذا كان كذلك فنقول المعنى : أعلم الناس بوجوب الحج وادعهم إلى ذلك يأتوك ، أي الناس ، رجالاً ، يعني ونساءً وحُذف النساء أو إيش ؟ لا .. رجالاً يعني على أرجلهم كما قال الله تعالى : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} ، { وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ} يعني ويأتوك على كل ضامر ، أي على كل ناقة ضامر ، الضامر هي التي قبل أكلها لكنها قوية وبطنها قد ضمرت {يَأْتِينَ} أي يقدمن { مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ} أي بعيد ، وهذا هو الذي حصل تجد المسلمين يأتون إلى الحج من أبعد ما يكون ، من أقصى شرق آسيا وكذلك من أفريقيا وغيرها ، لكن تغيرت الوسيلة الآن ، الوسيلة بدل أن يأتوك على كل ضامر ، وعلى كل طائر ، وكان في الأول وعلى كل سفينة . الآن الذي يأتي بالطائرات أضعاف الذين يأتون بالسفن وبالسيارات ، واسأل مطار جدة كيف يأتين ؟ عالم ، طائرات سبحان الله ، الطائرة الواحدة تقول هذه قرية تحمل أربعمائة وخمسين راكب بعفشهم ومتاعهم وكل ما يحتاجون ، أربعمائة وخمسين راكب في سفرة واحدة !! إذاً يأتوك الآن على إيش ؟ على كل طائر ، وهذا من نعمة الله عز وجل . تيسير المواصلات والاتصالات لا شك إنه رحمة من الله عز وجل ، ولكن اعلم أن كل ما في الدنيا لا يمكن أن يكون رحمة من كل وجه بل لا بد أن يكون هناك نواقص لأن الدنيا أصلاً دار دنيا ، دنيا من إيش ؟ من الدنو ما فيها شيء كامل ، وفي هذا يقول الشاعر :
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساء ويوم نُسر
هكذا حتى يأخذ الله عز وجل العباد بالبلاء والرهب ، يقول عز وجل : { لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} منافع جمع ، صيغة إيش ؟ صيغة منتهى الجموع يعني منافع كثيرة دينية ودنيوية ، واسأل التجار ماذا يحصلون عليه من الأرباح في مواسم الحج ، لا الذي يقدمون بسلعهم إلى مكة ولا أهل مكة الذين يبيعون على الحجاج . أما المنافع الدينية فلو اُستغل الحج كما ينبغي لوجدت فيه منافع كبرى ، لتعلم الجاهل من العالم وعرف المسلمون بعضهم بعضاً وحصل خير كثير ، أنك تمر بالشارع وفيه مثلاً من أفريقيا ومن آسيا ومن أوروبا ما كأنهم أخوان مسلمين هدفهم واحد ... لا خلوا هذا .. هذا من أوروبا ما علينا منه .. خلي هذا من شرق آسيا ما علينا منه .. غلط هذا، يعني لو أن الناس استعملوا مواسم الحج فيما أراد الله عز وجل لحصل بهذا خير كثير .(244/3)
1418 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً.(1)
__________
(1) عندي نسخة : ( فين تستوي به ) هذه مسألة الإهلال ، الإهلال يعني التلبية بالحج ، هل يلبي الإنسان بالحج من حين أن يُحرم ، يعني حين أن يغتسل ويلبس ملابس الإحرام ؟ أو حين أن يصلي ؟ أو إذا استوى على بعيره ؟ في هذا خلاف بين أهل العلم ، منهم من قال إذا استوى على بعيره، ومنهم من قال إذا كان في ذي الحليفة إذا استوى على البيداء ، لن في حديث جابر يقول : ( حتى إذا استوى في راحلته على البيداء أهل بالتوحيد) ومنهم من قال من حين أن يُحرم أو يصلي . والأيسر للإنسان أن يُحرم إذا استوت به ناقته ، إذا استوى على بعيره أو إذا استوى على إيش ؟ على سيارته ، لأن هذا أرفق به إذ قد يطرأ عليه بعد الاغتسال ولبس ثوب الإحرام يطرأ عليه أشياء ممنوعة في الإحرام ويتمنى أنه لم يُحرم ، ولنفرض أنه نسي أن يتطيب وعقد الإحرام من حين أن اغتسل ولبس ثوب الإحرام ونسي أن يتطيب ، الآن يمكن أن يتطيب أو لا ؟ لا يمكن ، ليش ؟ لأنه عقد النية ، لكن لو أخّر التلبية حتى ركب تمكن من ذلك .
ذهب بعض أهل العلم رحمهم الله إلى الجمع بين الثلاث روايات بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل حين صلى فأدركه قوم وقالوا أهل دبر الصلاة ، وأهل حين ركب فسمعه قوم فقالوا أهل حين استوى على راحلته ، وأهل على البيداء فأدركه قوم فقالوا : حتى إذا استوت راحلته على البيداء أهل بالتوحيد . فيكون هذا الاختلاف ليس اختلافاً لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن اختلاف لمن أدركه من الرواة . وهذا جمع حسن ، لكن كما قلت لكم ... والحديث ورد فيه عن ابن عباس لكنه ضعيف ، يعني هذا الجمع ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه ضعيف ، وعلى هذا فالذي أرى أن يُحرم الإنسان بأن يعقد النية إذا استوى على راحلته . في الطائرة مثلاً كيف يحرم ؟ مستوٍ على الراحلة من قبل ، نقول : البس ثياب الإحرام وتأهب حتى إذا قربت من الميقات فأحرم ولا تنتظر حتى تحاذي الميقات لأنك إذا حاذيته فالطائرة في لحظة تبعد عنه فتأهب من قبل ، والاحتياط خير من الفوات ، يعني كونك تحتاط ويقال إنك أحرمت قبل الميقات بخمس دقائق مثلاً أولى من أن يفوتك ولو بدقيقة واحدة
بعض الناس يأتي يسأل يقول إن إحرامه أي ثياب الإحرام الإزار والرداء في الشنطة مع العفش ولا يتمكن منه وهو في الطائرة فماذا يصنع؟ بعض الناس يقول خلاص إذا وصلت إلى جدة نزلت واشتريت إحرام وأحرمت . وعلى القول بوجوب الإحرام من الميقات يكون هذا الرجل ترك واجباً فيلزمه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها ، لكن نقول لست محتاجاً إلى هذا ، اخلع القميص ويبقى عندك السروال إذا كان عليك سروال ، السروال عند فقد الإزار جائز ما فيه شيء وقميصك الذي عليك اجعله رداءك ، إذا كان عليك غترة يمكن إذا كانت الغترة يعني ثخينة أن تجعلها إزاراً وأن تجعل القميص رداءك ولا فيها الحمد لله يعني ما فيه حرج ولا فيه إشكال ، لكن أكثر الناس جهال ما يعرفون كيف يتصرفون .
وهل يُسن للإحرام صلاة بمعنى أنك إذا أردت أن تُحرم فصلي ثم أحرم ؟ في هذا خلاف بين العلماء ، منهم من قال : إن الإحرام له صلاة مخصوصة يسن للإنسان أن يصلي أولاً ثم يحرم ثانياً بعد الصلاة . واستدلوا بما أخرجه النسائي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل دبر صلاة . لكن الحديث لا دليل فيه لأن دبر صلاة أي صلاة هي ؟ قد تكون فريضة وهي كذلك هي فريضة ، والراجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن كان في وقت نافلة كما لو كان في الضحى صلي ركعتين للضحى ثم أحرم ، إن صلى من أجل سنة الوضوء صلى سنة الوضوء ثم أحرم هذه حيلة لا شك ، لكن هل نقول إن هذه الحيلة مشروعة أم نقول ما دام أن الرجل ليس من عادته أن يصلي الضحى وصلى الضحى الآن لأجل الإحرام إذاً جعلنا للإحرام صلاة تخصه ، كذلك ليس من عادته أن يصلي ركعتين بعد الوضوء وصلى معناه الذي حمله على الصلاة هو الإحرام ، لكن مع ذلك أقول لعل هذه الصلاة ينفعه الله بها أنه ما دام وجد سبب شرعي لهذه الصلاة وهو الوضوء أو الضحى فليفعل إن كان هذا نافعاً نفعه وإن لم يكن نافعاً فإنه لا يضره .(244/4)
1419 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ أنه سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي الله عنهمَا أَنَّ إِهْلالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمْ(1)
__________
(1) هذا حديث جابر ، يقول : ( أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته ) على إيش ؟ في صحيح مسلم ( على البيداء ) ولم يذكر ( حين استوى على راحلته ) وبينهما فرق (استوى على راحلته ) يعني استقر عليها وقامت ، استوت به الراحلة يعني هي التي استوت وعلت على البيداء . ماذا قال الشارح ؟
تعليق من فتح الباري :
ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته وحديث جابر نحوه، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشياً أفضل لتقديمه في الذكر عن الراكب ، فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يُحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنير في الحاشية، وقال غيره : مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله : { وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ } وقال الإسماعيلي : ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به. ورُد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي .
الشيخ : على كل حال سمعتم الحديث هذا ، والأقرب أنه إذا استوى على راحلته .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، البيداء نحن نستعملها إذا كانت الأرض مستوية وصارت واسعة نقول لها بيداء ؟
الجواب : بيداء ولكن إذا صارت مرتفعة قليلاً ؟ نقرن بين لغتكم ولغة العرب ، طيب تُراجع .
سؤال : إذا كان في الطائرة ليس معه إحرام هل نقول : على وجه الوجوب إن كان عالماً أن يلبس الإزار من الغترة أو مثل ذلك ؟
الجواب : إي .. إذا كان يريد الإحرام يجب .
سؤال : ما يتأثر الإنسان نفسياً إذا نزل أمام الناس بسروال؟
الجواب : أبداً الناس بارك الله فيك في الإحرام الحمد لله نفوسهم مطمئنة .
السائل : أقول حقيقة هذه إذا نزل أمام الناس بسروال مثلاً لعل يصير شيء في صدره مثلاً ؟
الجواب : لا .. ما فيه شيء .
السائل : الحقيقة هذا الموقف صعب ؟
الجواب : أبداً ما هو صعب ، جربنا هذا ، لكن ما هو على هذا الوجه بالضبط ، الإنسان يمشي بإزار فقط .. عليه السروال ولفه على أعلى صدره .
السائل : ..............؟
الجواب : يعني يبقى على سرواله ؟ ما أظنه يقوله .
سؤال : ............؟
الجواب : لا ما هي مسألة فدية ، لكن إذا قلنا يحظر ما معناه إن الواحد يخير بين فعل المحظور والفدية ... والله الناس يختلفون ، ما أظن إذا وضع إحرامه وجاء من الطيارة ومطلع ، لاسيما إذا كان ذا هيئة ، لأنه معلوم أن ذا الهيئة ما يمكن أن يفعل هذا إلا إنه محرم .
سؤال : يا شيخ ، من لبس الإحرام وانتظر للميقات وسائق الطيارة مر بالميقات ولم يخبره وهو بنيته ولابس الإحرام ؟
الجواب : يحرم من حين بلغه ذلك وتكون الفدية على الطيار ما لم ينو الدخول في النسك .
السائل : ما نوى الدخول في النسك إلا بعد ما فات على الميقات ؟
الجواب : لماذا ما يحتاط ؟ لماذا ما يتعلم ؟
السائل : يقولون إنها تقديرية في هذه الطيارات ، النية ؟
الجواب : والله أما الذي يذهب من القصيم يرى المدينة من تحته .
على كل حال المسألة هذه إيجاب الهدي في ترك الواجب ، أصلاً فيها شيء، في النفس منها شيء ، أنا أرى أن يحتاط فإن كانت واجبة فقد أدى ما عليه وإلا فهي تطوع .(244/5)
3 ـ بَاب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ
وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَالرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ وَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله عنه شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ .
1420 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ.
1421 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ فَقَالَ يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ.
4 ـ بَاب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ(244/6)
1422 حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنه قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ(1)
1423 حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ قَالَ لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ(2)
__________
(1) يوجد انقطاع في الشرح من بداية (بَاب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ) حتى نهاية هذا الحديث من (بَاب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ) .
(2) قوله : (( أفضل الجهاد حج مبرور )) هل المراد أفضل الجهاد بالنسبة للنساء أو عموماً ؟ أفضله بالنسبة للنساء إي نعم ، ولهذا جاء في حديث آخر قال : (( عليكن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة )) ماذا في الشرح ؟
تعليق من فتح الباري :
قال : ( نرى الجهاد أفضل العمل ) وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ : ( فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد ) قوله : ( لكن أفضل الجهاد ) اُختلف في ضبط ( لكن ) فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة . قال القابسي : وهو الذي تميل إليه نفسي . وفي رواية الحموي ( لكن ) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في باب حج النساء إن شاء الله والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد .
الشيخ : الحج المبرور جهاد بالنسبة للنساء ، ( لكِن ) في هذه الرواية التي أشرنا إليها ( لكُن أفضل الجهاد ) .(244/7)
1424 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ(1)
__________
(1) من حج لله ) اللام هذه للإخلاص يعني حجا قصد به وجه الله عز وجل ( فلم يرفث ) أي لم يباشر ، كما قال عز وجل : { فَلاَ رَفَثَ } والمراد به الجماع ومقدماته ( ولم يفسق ) أي لم يعص الله سواء كانت المعصية فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين الخلق ، فإذا اجتمع الإخلاص واجتناب المحرمات الخاصة بالإحرام وهو إيش ؟ الرفث ، فحينئذ يرجع (كيوم ولدته أمه ) يوم : بالفتح أو بالكسر ؟ أنا مشكولة عندي بالكسر والأفصح الفتح ( كيومَ ولدته أمه ) لأن ( يوم ) وشبهها إذا أُضيفت إلى مبني فالأولى بنائها على الفتح ، ( كيوم ولدته أمه ) يعني ليس عليه ذنوب كما أن الجنين إذا ولد ليس عليه ذنوب فكذلك هذا ، وظاهر الحديث الكبائر والصغائر وهذه مسألة اختلف فيها العلماء هل الأحاديث المطلقة هذه تشمل الكبائر والصغائر أو يُقال أنها مقيدة بما إذا اجتُنبت الكبائر ؟ هذا الأخير أنها مقيدة ، وهو رأي الجمهور . وقالوا : إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة على الجمعة لا تُكفر إلا باجتناب الكبائر مع أنها أفضل من الحج فالحج من باب أولى .
سؤال : أراد الحج وصار بلا مال قبل الإحرام سُرق ما عنده من المال فلم يستطع الحج ، هل يُكتب له أجر الحج ، وهل تسقط عنه هذه الفريضة إذا لم يجد مالاً ؟
الجواب : أما يكتب له أجر الحج فهذا مردود إلى الله عز وجل ، لقوله تعالى : { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللَّهِ } وأما سقوط الحج عنه فهو يسقط عنه هذه السنة لأنه ليس عنده مال ، فإن أتى الله له بمال وجب عليه أن يحج .
سؤال : وصف الحج بأنه أحد الجهادين هل يُفسر بأنه عام للنساء والرجال ؟
الجواب : هو لا شك أن الحج نوع من الجهاد ، ولهذا قال الله تعالى : {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ثم قال: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطاء الزكاة فقيراً لم يحج وقالوا : إن هذا من الجهاد في سبيل الله.
تعليق من العيني:
قوله ( لكن ) في رواية الأكثرين بضم الكاف والنون لجماعة النساء خطاباً لهن ، وقال القابسي : هذا هو الذي تميل إليه نفسي. وفي رواية الحموي (لكن) بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك قلت : فعلى هذه الرواية اسم ( لكن ) هو قوله ( أفضل الجهاد ) بالنصب ، وخبرها هو قوله ( حج مبرور ) والمستدرك منه مستفاد من السياق تقديره : ليس لكُن الجهاد ولكن أفضل الجهاد في حققن .
الشيخ : يعني يريد أن يقول لا لكن ، هذا بعيد ، تحريف ، قال ( لا ) يعني ليس عليكن جهاد ، ثم قال ( لكُن أفضل الجهاد حج مبرور ) ويكون على هذا التقدير ( لكُن ) خبر مقدم و ( أفضل الجهاد) مبتدأ مؤخر و ( حج مبرور ) خبر مبتدأ محذوف والتقدير : هو حج مبرور .
تعليق :
وتقديره : ليس لكُن جهاد ولكن أفضل الجهاد في حقكن حج مبرور ، وعلى الرواية الأولى ( أفضل الجهاد ) مرفوع على الابتداء وخبره هو قوله : ( لكن ) تقديره : أفضل الجهاد لكُن حج مبرور . وفي لفظ النسائي: ( ألا نخرج لنجاهد معك فإني لا أرى في القرآن العظيم أفضل من الجهاد ، فقال : لكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور) . وفي رواية ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها : قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة . وعنده أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد كل ضعيف . وفي رواية النسائي رحمه الله بسند لا بأس به عن أبي هريرة رضي الله عنه : جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة . وإنما قيل للحج جهاد لأنه يجاهد في نفسه بالكف عن شهواتها والشيطان ودفع المشركين عن البيت باجتماع المسلمين إليه من كل ناحية.
الشيخ : وفيه مشقة بدنية ومشقة مالية فهو يشبه الجهاد .(244/8)
5 ـ بَاب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
1425 حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ(1)
__________
(1) هذا لفظ نادر مهم ( فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرناً ) وإلا هي في روايات كثيرة : (يُهلُ أهل المدينة من ذي الحليفة) قال العلماء : ( يُهلُ ) خبر بمعنى الأمر ، وهذا اللفظ الذي معنا صريح بأن الإهلال من هذه المواقيت فرض ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرن ) قرن : هذا يسمى قرن المنازل والآن يسمى السيل الكبير (ولأهل المدينة ذا الحليفة) ذا الحليفة : هي المكان المعروف الآن ، وسُميت بذلك لأن فيها حلفا شجر معروف كثير فسمي ذا الحليفة ، الآن يُسمى أديار علي ، ثالثاً ( ولأهل الشام الجحفة ) الجحفة : قرية مشهورة معروفة وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام ولكنها خربت ودمرت وصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً عنها ، ورابغ أبعد منها يسيراً عن مكة ، فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة .
هذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُفتح الشام وهذا يدل على أن الشام ستُفتح وسوف يحج أهلها ، ولهذا أشار ابن عبد القوي رحمه الله في ( داليته الفقهية ) منظومة كبيرة بأن تعيينها من معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه عينها قبل أن تُفتح هذه البلاد .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، الجحفة هي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم بانتقال حمى المدينة إليها ؟
الجواب : نعم ....
السائل : هل كان قبل التعيين أم بعده ؟
الجواب : الظاهر إنه قبل ؛ لأن المدينة انتقلت الحمى منها في وقت قصير .
السائل : من حج وحدث منه فسق أو عصيان ماذا عليه حتى يطهر حجه ؟
الجواب : عليه التوبة ، وإذا كان الفسوق فيما يتعلق بمحظورات الإحرام فعليه ما في المحظورات من واجب كالجزاء في الصيد والفدية في حلق الرأس وما أشبه ذلك .
سؤال : كيف يكون من الزاد التقوى يا شيخ ؟
الجواب : نعم هي زاد ، خير اللباس لباس التقوى ، وخير الزاد زاد التقوى . الزاد لباس الباطن واللباس لباس الظاهر .(244/9)
الشريط الثاني ـ وجه أ :
6 ـ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )
1426 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمَا قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلا .
7 ـ بَاب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ(244/10)
1427 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ(1)
__________
(1) ظاهر كلام البخاري رحمه الله أن أهل مكة يهلون من مكة للحج والعمرة ؛ لأنه ذكر الترجمة ثم ساق الحديث حتى أهل مكة من مكة ، ولكن هذا فيه نظر فإن أهل مكة لا يمكن أن يحرموا من مكة ؛ لأنهم إذا أحرموا من مكة لن يعدو عملهم هذا إلا أن يكونوا طافوا وسعوا بدون نسك ، والعمرة مأخوذة من الزيارة والإنسان الذي في بلده لا يُقال أنه زائر ولهذا لما أرادت عائشة أن تُحرم بعمرة أمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تخرج إلى التنعيم مع أن ذلك كان في الليل وكان فيه شيء من المشقة ، ولم يقل أحرمي من مكانك من المحصب ، وهذا دليل على أنه لا عمرة من مكة وإنما من أراد العمرة يخرج إلى الحل ويُحرم من الحل .
وقوله : ( ممن أراد الحج والعمرة ) فيه دليل على أن من يُرد الحج والعمرة لم يلزمه أن يُهل من هذه المواقيت ، مثل أن يذهب إلى مكة لتجارة أو لزيارة قريب أو لعياذة مريض أو ما أشبه ذلك فهذا لا يلزمه الإحرام من الميقات؛ لأنه لم يُرد الحج والعمرة . فإن قال قائل وهل يلزمه أن يريد الحج والعمرة؟ قلنا الجواب إن كان قد أدى الفريضة لم تلزمه إرادة الحج والعمرة الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) فإن كان لم يؤد الفريضة وجب أن يُحرم وإن أدى الفريضة فالإحرام سنة . لا شك أنه ينبغي للإنسان أن يدخل إلى مكة بإحرام .
سؤال : أشكل عليّ الرواية المرسلة ، هل قصد البخاري ترجيح الموصول أو المرسل ؟
الجواب : لا .. المرسل ، لكن أراد أن يرجح المرفوع المتصل يعني، لكن أراد أن يبين أن الرواة اختلفوا فيه .
سؤال : الجحفة الآن يبدو لي أن فيها مسجد فهل نأمر الناس ألا يحرموا إلا منها؟
الجواب : هذا يرجع إلى وزارة الشؤون الإسلامية ليس لي .
السائل : ألا يرجع إلى الحال ؟
الجواب : هذا يرجع إليهم .
سؤال: بارك الله فيك، هل يقال إن الذين يخرجون للحج والعمرة على أن قصده أن لا يخرجون للميقات الأفاقي أنه ذكر أولاً الأفاقين ثم أعقبهم بأهل مكة، ما يحمل البخاري على أنهم لا يلزمون بالخروج إلى المواقيت؟
الجواب : الحديث صريح (( حتى أهل مكة من مكة )) لو لم تكن هذه الجملة لقلنا أنه أراد بذلك أن من كان دون المواقيت فمن حيث أنشأ .(244/11)
8 ـ بَاب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلا يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ
1428 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عنهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُاللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ(1)
__________
(1) ميقات أهل المدينة ذي الحليفة وهي مكان معروف ، وسُميت بهذا لكثرة هذه الشجرة فيها وهي شجرة الحلفاء . وقول البخاري رحمه الله : (ولا يُهلوا قبل ذي الحليفة) كأنه يميل إلى الكراهة أو التحريم أي تحريم الإهلال قبل الميقات ، وذلك لأن الإنسان إذا أهل قبل الميقات فهو الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين أي تقدم على حدود الرسول عليه الصلاة والسلام . ولا شك أن الأفضل ألا يُحرم إلا من الميقات وأن أدنى ما نقول في الإحرام قبل الميقات أنه مكروه ، لكن إذا كان الإنسان يُحرم قبل الميقات احتياطاً فلا حرج ، وهذا يحتاج الإنسان إليه فيما إذا كان راكباً في الطائرة فإنه لو أخّر إحرامه حتى يحاذي الميقات فالطائرة سريعة ربما تتجاوز الميقات قبل أن ينوي ، وربما يأخذه النوم فيفوته الإحرام من الميقات ، فمثل هذا لا بأس أن يُحرم قبل محاذاة الميقات لدعاء الحاجة لذلك.
وقوله : ( يُهل أهل المدينة ) خبر بمعنى الأمر ، وقد ورد صريحاً في حديث ابن عمر الأمر في الإهلال من هذه المواقيت ( وأهل الشام من الجحفة ) الجحفة : قرية كانت قديمة ومسكونة ، ولما دعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينقل الله حمى المدينة إلى الجحفة ونزلت الحمى فيها نزح عنها أهلها وجعل الناس بدلاً من الجحفة رابغاً ، ورابغ أبعد قليلاً من الجحفة عن مكة ، فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة . والآن عُمرت الجحفة وجُعل لها خط مسفلت يذهب الناس إليها ، فمن أحرم من الجحفة فقد أحرم من الميقات الأصلي .
الثالث : قال ( وأهل نجد من قرن ) يعني يحرم الناس من قرن أي قرن المنازل ، ويُسمى الآن السيل ، وهو معروف يُحرم منه أهل نجد .
والرابع : ( قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يهل أهل اليمن من يلملم ) وهو مكان أو جبل أو وادي معروف في طريق اليمن ويُسمى السعدية . وكلها والحمد لله معروفة الآن وعينها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُفتح بعض البلاد التي عُينت لها إشارة إلى أن هذه البلاد سوف تُفتح . ولهذا قال ابن عبد القوي رحمه الله في منظومته الفقهية ، قال : وتعيينها ـ أو قال ـ
وتحديدها من معجزات نبينا لتعيينها من قبل فتح المعدد
يعني أنه من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام أنه عيَّن هذه الأماكن لأهل هذه البلاد مع أنها لم تُفتح إشارة إلى أنها سوف تُفتح وسوف يحجون. هذه المواقيت لم يبين فيها هل هي لأهلها مُطلقاً أو لأهلها ومن مر عليهم في حديث ابن عمر ، لكن في حديث ابن عباس الآتي ما يدل على ذلك .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 387 :
قوله : ( باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة ) قد تقدمت الإشارة إلى هذا في باب فرض المواقيت واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعين ذلك ، وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا ، وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله .
سؤال : أشكل عليّ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن تُنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة ، مع أن المشروع الدعاء بالعافية المُطلقة ؟
الجواب : الله أعلم بما أراد الرسول ، بعض العلماء يقول : إن أهلها كانوا كفاراً . ولكن حتى هذا الدعاء ما هو مطلوب ، فيُقال هذا أمر لا نعلم علته والله أعلم بما أراد الرسول .
سؤال : أحسن الله إليكم ، إذا أحرم بالطائرة وهو لا يدري هل هو تجاوز الميقات أم لا ، يعني في شك ؟
الجواب : الأصل هو عدم التجاوز لكن لماذا لا يحتاط ويحرم مبكراً حتى ولو تقدم خمس دقائق ما يضر ما دام احتياطاً .
سؤال : ما العلة في امتناع بعض أهل العلم عن تسمية ذا الحليفة أبيار علي ؟
الجواب : بقي شيء أهم من سؤالك وهو كيف كان هذا التفاوت بين المواقيت ؟ أو التفاوت العظيم بين ذي الحليفة وبقية المواقيت ؟ والعلة والله أعلم أن تتقارب خصائص الحرمين ؛ لأن الإحرام من خصائص أي الحرمين ؟ حرم مكة ، وذو الحليفة قريبة من خصائص حرم المدينة ، فالظاهر والله أعلم أنه صار بعيداً عن مكة ليكون قريباً من المدينة فتكون خصائص الحرمين متقاربة ، أما بقية المواقيت فهي متقاربة ، يعني إن اختلفت تختلف ساعات .
وأما تسميتها بأبيار علي فقد قيل إن علي بن أبي طالب حفر أبياراً هناك فسُميت به كما سُمي التنعيم مساجد عائشة مع أنها لم تبني مسجداً هناك لكنها أحرمت من هناك فسميت مساجد عائشة .
سؤال : ما في بأس إذا نقل هذا الاسم ؟
الجواب : التسمية عرفية ما فيها شيء ، لكن بالنسبة لطلبة العلم ينبغي لهم أن يبينوا المواقيت بالألقاب التي وردت .(244/12)
9 ـ بَاب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّامِ
1429 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عنهمَا قَالَ : وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا(1)
__________
(1) هذا الحديث فيه زيادة عن ما سبق وهو التصريح بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل اليمن يلملم ، وفيه أيضاً مما زاد أن هذه المواقيت لأهل هذه البلدان ولمن أتى عليهن من غير أهل هذه البلدان ، ولا يخفى أن في هذا تيسيراً على المُكلف ، وإلا لقلنا أن المدني إذا جاء من طريق نجد وجب عليه أن يذهب إلى ذي الحليفة ولقلنا إذا جاء من نجد أحد ماراً بذي الحليفة وجب عليه أن يُحرم من قرن ، وفي هذا لا شك مشقة ، ولذلك كان من أتى على هذه المواقيت من غير أهل هذه البلاد يُحرم منها تيسيراً على المُكلف .
ولكن هل إحرامه منها رخصة أو عزيمة ؟ أكثر العلماء على أنها عزيمة وأنه لا يجوز أن يتجاوز الميقات إلا مُحرماً وإن لم يكن من أهلها ، وهذا هو ظاهر الحديث . وقيل إنه رخصة وأن الإنسان لو أخّر الإحرام إلى ميقاته الأصلي فلا حرج . وهذا مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . وينبني على هذا مسألة مهمة وهي أن الإنسان لو ذهب في الطائرة من القصيم يريد الحج أو العمرة ، ثم لم يُحرم من محاذات ذي الحليفة حتى وصل إلى جدة ، فعلى قول من يقول إن التوقيت لمن مر عليهن من غير عزيمة نقول : إذا أردت أن تُحرم الآن ترجع إلى ذي الحليفة ، وعلى قول من يقول إنها رخصة وأنه يجوز أن لا يحرم من الميقات الأصلي نقول اذهب إلى قرن ، وهذا فرق واضح . ولكن ظاهر النص أنه فرض وليس برخصة أن من مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة لابد أن يُحرم .
ومن فوائد هذا الحديث أنه لا يلزم كل من مر بهذه المواقيت أن يُحرم منها إذا كان لا يريد الحج أو العمرة ، لقوله : ( ممن يريد الحج أو العمرة) فإذا قال قائل : كلمة ( ممن يريد ) لا تدل على عدم الوجوب إذا دل النص على الوجوب لأنك تقول للشخص : إذا أردت أن تُصلي فتوضأ . هل نقول إن الصلاة تحت الإرادة إن شاء صلى وإن شاء لم يصلي ؟ لا .. فالجواب : أن نقول لا دليل على وجوب تكرار الحج والعمرة بل الدليل يدل على أنه مرة واحدة ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال : (( إن الله فرض عليكم الحج )) قام الأقرع بن حابس ، وقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) وهذا نص صريح ، وعلى هذا فلا نُلزم عباد الله بما لم يلزمهم ، فمن ذهب على مكة لتجارة أو طلب علم أو زيارة مريض أو عيادة مريض أو أي شغل وهو قد أدى الفريضة فإن شاء أحرم وإن شاء لم يُحرم سواء طال عهده بمكة أو قصر .
وأما قول العوام إذا كان بينه وبين نسكه الأول أكثر من أربعين يوماً وجب عليه أن يُحرم وما كان دون ذلك فلا يجب . فلا أصل له ، الصواب الذي تطمئن إليه النفس هو أن من أدى الفريضة فإنه لا يلزمه أن يُحرم ولو مر بالمواقيت ، والحديث هنا صريح : ( لمن يريد الحج والعمرة ) والواو هنا بمعنى أو ، يعني أو العمرة ، وليس المعنى ممن يريد القران ؛ لأنه لو أخذنا بظاهرها لكان المعنى ممن يريدهما جميعاً ، وليس كذلك بل من يريد الحج أو العمرة .
ومن فوائد هذا الحديث أن من كان دون المواقيت ، يعني أقرب إلى مكة من المواقيت فإنه يُحرم من مكانه ولا يلزمه أن يذهب إلى الميقات ، وهذا من التيسير ، ومثل ذلك من تجاوز الميقات لا يريد الحج ولا العمرة ثم بدا له بعد ذلك أن يحج ويعتمر ، نقول أحرم من حيث بدا لك ، لأنه في بعض روايات الحديث : (( فمن حيث أنشأ )) ومعلوم أن الإنسان قبل النية لم يُنشئ ، فإذا قُدر أن شخصاً تجاوز الميقات ميقات ذي الحليفة حتى وصل إلى جدة وهو لا يريد الحج ولا العمرة ، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر فإنه يحرم من إيش ؟ من مكانه من حيث أنشأ .
فإذا قال قائل : إذا مر الإنسان بهذه المواقيت يريد أهله وهو عازم على أن يحج عامه أو يعتمر ؟ مثاله : رجل من أهل جدة مر بذي الحليفة في شعبان وهو يريد أن يعتمر في رمضان ، هل يلزمه أن يُحرم أو لا يلزمه ؟ فالجواب : لا يلزمه ؛ لأن الرجل ذهب إلى أهله لكنه ناوٍ أن يعتمر في رمضان ، وكذلك لو كان بعد رمضان ذهب إلى أهله وهو يريد أن يحج هذا العام لا يلزمه أن يُحرم ؛ لأنه يريد أهله وإذا جاء وقت الحج أحرم به .
ومن فوائد هذا الحديث أن ظاهره أن أهل مكة يُحرمون بالعمرة من مكة ، وقد أخذ به بعض العلماء ، ولكنه قول ضعيف والصواب أنه لابد أن يخرج أهل مكة إلى أدنى الحل ، إما عرفة أو التنعيم أو من الجهة الغربية . المهم لابد أن يخرجوا إلى الحل ، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عائشة أن تخرج إلى التنعيم ولم يأذن لها أن تُحرم من مكة . فإذا قال قائل ـ وقد قيل ـ : إن عائشة آفاقية . قلنا لا فرق بين الآفاقي وغيره ، والدليل على هذا أن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم من أين أحرموا بالحج ؟ من مكة ، ولم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام أنتم لستم من أهل مكة فاخرجوا إلى التنعيم ، ثم ما معنى العمرة ؟ العمرة هي الزيارة ، وإذا كانت هي الزيارة فلا بد أن يكون الزائر من غير بيت المزور ، فإذا كنت تريد أن تعتمر والعمرة محلها الحرم فلا بد أن تأتي من خارج الحرم .
فإذا قال قائل : إذاً كيف تقولون إن أهل مكة يحرمون بالحج من مكة؟ قلنا : نقول هذا لأنهم سوف يقدمون من الحل للطواف والسعي ، أين الحل ؟ عرفة . فلا ينتقد هذا التعليل . والصواب عندي المتعين أنه لا يجوز لأحد في مكة أن يُحرم بالعمرة من مكة ؛ لأن حقيقته إذا أحرم من مكة حقيقته أنه طاف وسعى وقصر فقط ولم يأت بعمرة .
ومن فوائد هذا الحديث قوله : ( أهل مكة ) هل يقاس على أهل مكة من كان من غير أهل مكة ولكنه في مكة ؟ الجواب : نعم ، بل هذا لا قياس فيه في الواقع ، جاء به النص ، فإن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم في حجة الوداع كلهم أحرم من أين ؟ من الأبطح في مكة .(244/13)
10 ـ بَاب مُهَل أَهْل نَجْدٍ
1430 حَدَّثَنَا عَليٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْهم سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ يَقُول مُهَل أَهْل المَدِينَةِ ذُو الحُليْفَةِ وَمُهَل أَهْل الشَّامِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الجُحْفَةُ وَأَهْل نَجْدٍ قَرْنٌ قَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال وَلمْ أَسْمَعْهُ وَمُهَل أَهْل اليَمَنِ يَلمْلمُ(1)
11 ـ بَاب مُهَل مَنْ كَانَ دُونَ المَوَاقِيتِ
__________
(1) سبق هذا ، يعني الحديث اختلف في اللفظ فقط وإلا المعنى واحد وروى ابن عمر رضي الله عنه أنه نسب توقيت يلملم لأهل اليمن إلى شخص آخر بلغه بذلك . وهذا كقوله في سنة الفجر لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الرواتب التي ذكرها ، قال : وحدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الفجر ركعتين خفيفتين وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها .(244/14)
1431 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل الشَّامِ الجُحْفَةَ وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنًا فَهُنَّ لهُنَّ وَلمَنْ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلهِ حَتَّى إِنَّ أَهْل مَكَّةَ يُهِلونَ مِنْهَا(1)
12 ـ بَاب مُهَل أَهْل اليَمَنِ
1432 حَدَّثَنَا مُعَلى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل الشَّامِ الجُحْفَةَ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِل وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ هُنَّ لأَهْلهِنَّ وَلكُل آتٍ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْل مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ .
13 ـ بَاب ذَاتُ عِرْقٍ لأهْل العِرَاقِ
__________
(1) وسبق أن هذا بالنسبة لأهل مكة في الحج أما في العمرة فلا بد أن يخرجوا إلى الحل ، أما عرفة وإما التنعيم وإما الجعرانة وإما الحديبية .(244/15)
1433 حَدَّثَنِي عَليُّ بْنُ مُسْلمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا فُتِحَ هَذَانِ المِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالوا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ حَدَّ لأَهْل نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَليْنَا قَال فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ(1)
__________
(1) قوله : ( المصران ) يريد بهما الكوفة والبصرة ، فهما مدينتان لكن يسميان مصرين ، وقوله : ( جور عن طريقنا ) يعني مائل عن طريقنا ويشق علينا أن نذهب إليه ، فقال : ( انظروا إلى حذوها من طريقكم ) لكن ما المراد بالحذو ؟ المراد المساواة ، وهل المراد المساواة بخط مستقيم أو بخط منحني ؟ بمعنى أن نجعل بيننا وبين مكة كما بين قرن المنازل ومكة ؟ ما فهمتم .. يعني بينهما فرق ، إذا قلنا خط مستقيم ربما تكون عرق أبعد من قرن المنازل ، وإذا قلنا خط لابد أن يميل قليلاً من أجل أن يكون المسافة بين ذات عرق وبين مكة كالمسافة بين مكة وقرن المنازل . هذا هو الظاهر ، والأول محتمل بلا شك .
سؤال : أحسن الله إليكم ، بعض الحجاج يأتون من المغرب وينزلون بجدة ثم يذهبون إلى المدينة ثم يحلون من ميقات أهل المدينة ، يجوز هذا يا شيخ ؟
الجواب : صحيح ، يعني بعض الحجاج يقدمون إلى جدة وهم يريدون المدينة ثم إذا رجعوا أحرموا من ذي الحليفة ، هذا لا بأس فيه ولا إشكال فيه لكن لو منعوا من الذهاب إلى المدينة كما يقع أحياناً فمن أين يحرمون ؟ هل نقول يجب أن يذهبوا إلى الميقات وأدنى المواقيت إليهم رابغ أو يحرمون من جدة ؟ فالجواب : أنهم يحرمون من جدة ؛ لأنهم إنما أنشؤوا إرادة الحج من جدة، وكانوا في الأول قد مروا بالميقات عن طريق السفر .
سؤال : جزاك الله خيراً وبارك الله فيك ، بعضهم يأتي بنية العمرة يعني يُحرم في الطائرة ، فإذا وصل إلى جدة ألزموه بالذهاب إلى المدينة ، فماذا عليه ؟
الجواب : يبقى على إحرامه ، ما دام عقد الإحرام في الطائرة ثم قيل له لا بد أن تذهب إلى المدينة يذهب على إحرامه .
السائل : إذا فسخ ؟
الجواب : لا .. ما ينفسخ ، إذا فسخه فهو باق على إحرامه ، ثم إذا رجع يحرم من الميقات من ذي الحليفة . إن تحلل ما بين جدة إلى المدينة وخروجه إلى ذي الحليفة . أما مسألة الوجوب الدم ما يجب عليه دم لأنه جاهل .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، بالنسبة للغسل للنساء ، في الوقت هذا ما يستطيع يعني ........؟
الجواب : ما فيه بحث الغسل ؟
السائل : هذا في الإحرام .... ؟
الجواب : إي بس نحن في المواقيت لم نصل بعد للغسل ، انتظر جزاك الله خيراً . ا.هـ.
في هذا أثر عمر رضي الله عنه إثبات القياس ؛ لأن قوله : ( حذوها من طريقكم ) يعني قيسوا هذا على هذا ، وقيل أن الإنسان إذا أتى بالطائرة لابد أن يُحرم إذا حاذى الميقات الذي تحته ، لابد . وقد وقع لشيخ الإسلام رحمه الله في كتابه أظنه كتاب ( السراج ) حين ذكر عن الدجالين الذين تحملهم الشياطين إلى مكة وذكر من جملة أخطائهم أنهم يمرون من فوق المواقيت ولا يُحرمون . سبحان الله ، أنطق الله هذا الرجل قبل أن توجد طائرات ؛ لأن الشياطين تمر بهم من عند الميقات ويقول : ولا يحرمون ، وكان عليهم أن يحرموا إن كانوا صادقين .
سؤال : من كان في داخل الميقات هل يلزمه أن يحرم من بيته او له الفسحة إلى أن يخرج منه ؟
الجواب : له أن يحرم من كل جدة ، لكن الأفضل من بيته لا شك ، من حيث أنشأ ، وكذا عند الميقات ما لك مكان معين ، يعني كل الفسحة التي حول الميقات كلها مكان للإحرام ؛ لأنه ما لك مكان فيها معين ، لكن في جدة عندك بيت الأحسن ألا تتجاوز البيت إلا وأنت محرم ، فهمت الفرق؟
سؤال : أشكل عليّ قولنا إنه إذا مُنع من المدينة ....؟
الجواب : ( أشكل علينا قولنا ) من الذي قاله غيرك ؟!
السائل : ..... أنه إذا مُنع من المدينة يرجع فيحرم من جدة ؟
الجواب : ما هو بيرجع ، هو هناك في جدة .
السائل : لا يا شيخ ، في الطريق ، مُنع من الطريق ؟
الجواب : طيب يعني بعد ما خرج من جده ؟ فليحرم من مكانه الذي مُنع منه ما دام إنه نوى العمرة خلاص ، أو الحج يُحرم من مكانه ، يحرم من حيث أنشأ . احفظ : من حيث أنشأ .
سؤال : في مسألة ما تطرقنا لها وهي إذا كان على الإنسان دين هل يحج أم لا بد أن يستأذن صاحب الدين ؟
الجواب : الذي عليه دين ما يستطيع ولا أحد يستاذن حتى لو أُذن له إلا إذا كان الدين مؤجلاً وهو واثق من نفسه أنه سوف يقضيه إذا حل أجله فيحج ، وإلا ما الفائدة إنه يسمح للك ؟ لو سمح لك ما أسقط عنك شيئاً .
سؤال : أحسن الله إليك ، الصوفية يحجون ويقولون كلاماً فيما بينهم : نحن نحج لكننا نقصد القبر ؟
الجواب : القبر ، قبر من ؟
السائل : قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : هل هم راحوا المدينة ؟
السائل : راحوا المدينة ، لكن يقولون نحن نحج وفي حال الإحرام نقصد القبر ، هل ينعقد الحج هذا ؟
الجواب : أعوذ بالله ، والله ما أعرف ، تحتاج إلى تأمل ، إذا كانوا ما أرادوا بالحج إلا الوصول للقبر فلا حج لهم .
السائل : طيب يا شيخ أحسن الله إليك ، بعضهم يلبسون الإحرام في المدينة .....؟
الجواب : من أين أتى ، يعني من أي جهة ؟ يعني العلماء يقولون : إن الذي يأتي من سواكن في قبالة جدة يحرم من جدة ؛ لأن جدة إذا رأيتها في الخارطة رأيت أنها داخلة في البحر ، رابغ داخلة إلى مكة أقرب ، وكذلك يلملم ، فإذا جاء رأساً إلى جدة يحرم من جدة .
السائل : هو يحرم من جدة يا شيخ أحسن الله إليكم ويحج ثم يروح المدينة ويلبس لها إحرام ؟
الجواب : إحرام للمدينة ؟! طيب يقول لبيك إيش ؟
السائل : ما يقول لبيك، هي زيارة هذه يتقصدون بعض الأشياء وكُتب في جيوبهم ؟
الجواب : لماذا لا تعلموهم جزاك الله خيراً ، لا .. لا تيأس لا تيأس ، وإلا صحيح فعلاً بعض العوام بعض الحجاج يرون زيارة المدينة أهم من الكعبة ، أهم من زيارة الكعبة .
السائل : يصرحون بهذا يقولون نحن نقصد المدينة أولاً ...
الجواب : اللهم عافنا .. الله يهديهم .. الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين .(244/16)
14 ـ بَاب
1434 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ بِذِي الحُليْفَةِ فَصَلى بِهَا وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَفْعَل ذَلكَ(1)
15 ـ بَاب خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ عَلى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ
__________
(1) بسم الله الرحمن الرحيم ، سبق لنا أن البخاري رحمه الله إذا قال : ( باب ) ولم يذكر العنوان فإنه بمنزلة قول المؤلفين : ( فصل ) فانتبهوا لهذا الاصطلاح .
وفي هذا الحديث حرص ابن عمر رضي الله عنهما على تحري الأماكن التي ينزل بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويصلي بها ، حتى إنه رضي الله عنه يتحرى الأمكنة التي نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها فبال فيها ، لكن هذا الأصل ـ يقول شيخ الإسلام رحمه الله ـ قد خالفه بقية الصحابة ، وقالوا إنه لا أسوة إلا في العبادة فقط وأن ما يفعله على سبيل الجبلة فهذا لا يُقتدى به . يعني مثلاً الإنسان علم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فبال في مجيئه من عرفة إلى مزدلفة في أثناء الطريق ، هل نقول : يسن أن ننزل فنبول في المكان هذا ؟ ابن عمر يفعل هذا رضي الله عنه ويتحراه ، لكن الأصل الذي عند الصحابة رضي الله عنهم عند أكثر الصحابة وعليه أكثر العلماء أن هذا ليس مما يُتأسى به فيه .(244/17)
1435 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُل مِنْ طَرِيقِ المُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلى مَكَّةَ يُصَلي فِي مسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلى بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ(1)
__________
(1) انظر الشرح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 391 :
قوله : ( باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة ) قال عياض هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان في ذلك .
قال ابن بطال كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى ، وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا وقد قال بعضهم : إن نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا . حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن بالإجماع ، والصحيح أنه كان قصدا ؛ لئلا يدخل المدينة ليلا ، ويدل عليه قوله : ( وبات حتى يصبح) ولمعنى فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده ، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من حديث الباب في أواخر أبواب المساجد وسياقه هناك أبسط من هذا.
الشيخ : أما كونه يقصد أن يبيت ثم يدخل نهاراً فلا إشكال فيه ، لكن كونه يبيت في هذا المكان هل هو مقصود أو وقع اتفاقاً ؟ هذا يحتاج إلى دليل لكن لا مانع إن الإنسان يبيت فيه على الأقل ليُحرك محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه حيث يستشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بات هنا .
سؤال : هل نأخذ من الحديث أنه يُكره السفر بالليل ؟
الجواب : لا .. لكن يُكره طروق أهله ليلاً إلا أن يخبرهم من قبل .
سؤال : عفا الله عنك ، في الحقيقة يحتمل أن الوادي محل الوادي بأنه محل سيل نظيف يعني ، لكن مسلك الشجرة يا شيخ هو الذي فيه إشكال ...
الجواب : والله ما نستطيع أن نقول شيئاً لم نره ولا حتى ما نعرفه الآن ، والشجرة أحياناً إذا كانت على شفر الوادي يكون الذي تحتها نظيف .
السائل : قول ابن حجر : ( ولمعنى فيه والتبرك به ) ؟
الجواب : سوف يأتي الباب وتشوفوه .(244/18)
16ـ بَاب قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ
1436 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الوَليدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالا حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى قَال حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُول إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه يَقُول سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِوَادِي العَقِيقِ يَقُول أَتَانِي الليْلةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَال صَل فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ وَقُل عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ(1)
1437 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْل بْنُ سُليْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَال حَدَّثَنِي سَالمُ بْنُ عَبْدِاللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَّهُ رُئِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي قِيل لهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالمٌ يَتَوَخَّى بِالمُنَاخِ الذِي كَانَ عَبْدُاللهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُول الله صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ أَسْفَل مِنَ المَسْجِدِ الذِي بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلكَ(2)
17 ـ بَاب غَسْل الخَلوقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ
__________
(1) هذه البركة أنه واد مبارك ، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم المبيت فيه .
(2) كل هذا يحتاج إلى معرفة الأمكنة هذه والوقوف عليها .(244/19)
قَال أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلى قَال لعُمَرَ رَضِي الله عَنْه أَرِنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ حِينَ يُوحَى إِليْهِ قَال فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال يَا رَسُول اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه إِلى يَعْلى فَجَاءَ يَعْلى وَعَلى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِل بِهِ فَأَدْخَل رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَال أَيْنَ الذِي سَأَل عَنِ العُمْرَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَال اغْسِل الطِّيبَ الذِي بِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ قُلتُ لعَطَاءٍ أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِل ثَلاثَ مَرَّاتٍ قَال نَعَمْ(1)
__________
(1) ش2 وجه أ :
قوله : ( باب غسل الخلوق ) الخلوق : هو الطيب ، يعني يكون من أنواع . وفي هذا الحديث دليل على شدة ما يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين نزول الوحي عليه تحقيقاً لقوله تعالى : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ولقد نزل عليه الوحي وهو على فخذ حذيفة ، يقول : ( حتى كاد يرز فخذي ) عليه الصلاة والسلام قد وضع رأسه عليه ، وهذا مما أمره الله به أن يصبر عليه قال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ تَنزِيلاً W فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ .
وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوقف في الأمر الذي لم يبلغه فيه الوحي وليس محلاً للاجتهاد ، فما بالك بنا ؟ نحن نُفتي وكما يقول العوام : ( قطها و........... ) يفتي ولا يبالي ، فكأنما ينزل عليه الوحي ، والواجب التثبت والتأني لأن المفتي مُعبر عن الله عز وجل ، يقول هذا شرع الله .
وفيه أيضاً دليل على أن الإنسان إذا أحرم وبه طيب فإنه يجب أن يغسله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات )) . وفيه اعتبار التثليث في إزالته ، أي في إزالة الطيب ، حتى لو زال في أول مرة فكرره ثلاث مرات امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفيه أيضاً دليل على أن من أحرم بإحرام فيه طيب فإنه ينزعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( وانزع عنك الجبة )) لأنها فيها طيب ، واقتصار بعض العلماء رحمهم الله على كراهة تطييب الرداء ، يعني رداء الإحرام ، فيه نظر ، والصواب أنه حرام . أما بعد أن يُحرم فهو ظاهر وأما قبل أن يُحرم فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( لا تلبسوا ثوباً مسه زعفران ولا ورس )) . فالصواب أن تطييب الإحرام قبل عقد النية ثم لبسه حرام على الإنسان حتى يغسله .
وفيه أيضاً من فوائده أن العمرة كالحج يُصنع فيها ما يُصنع في الحج حيث قال : (( اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك )) لكن يستثنى من ذلك ما وقع عليه إجماع في أنه لا يُفعل في العمرة كالوقوف في عرفة والمبيت في مزدلفة والمكث في منى ورمي الجمرات ، فإن هذا لا يُفعل في العمرة بالاتفاق بإجماع المسلمين ، ويبقى الطواف والسعي والحلق أو التقصير ومحظورات الإحرام، تتساوى فيه العمرة والحج . وفيه أيضاً دليل على وجوب طواف الوداع للعمرة لعموم قوله : ((كما تصنع في حجتك )) فلا يجوز للإنسان إذا اعتمر أن يخرج من مكة إلا بوداع ، لكن من طاف وسعى وقصر ومشى اُكتفي بطوافه الذي طافه . وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا فقال : ( باب المعتمر يُجزئه الطواف عن الوداع ) واحتج بفعل عائشة رضي الله عنها فإنها أتت بعمرة ليلة الحصبة أتت بعمرة ثم سارت إلى المدينة . وأما قول بعضهم : إنه لا يجب للعمرة طواف وداع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر به إلا في الحج . فيقال : هذا من الأشياء التي تجدد حكمها ، نعم لو فُرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد حجه ولم يطف الوداع لكان في هذا دليل ، أما أنه لم يقله إلا في حجة الوداع فيقال الجواب عن هذا أنه من باب ما تجدد إيجابه .
هل يمكن أن نقيس إزالة النجاسة على إزالة الطيب في الإحرام ؟ بمعنى أن نقول لا بد من ثلاث غسلات في إزالة النجاسة ؟ هو الغالب أن النجاسة لا تزول إلا بثلاث لكن لو فُرض أنها زالت بأقل فإن المكان يطهر لأن لدينا قاعدة في إزالة النجاسة وهي : أن النجاسة عين خبيثة متى زالت بأي مزيل زال حكمها . ولهذا يسأل كثير من الناس عن غسل الثياب والأكوات بالبخار هل تطهر أو لا تطهر ؟ نقول تطهر ما دام الوسخ زال والنجاسة زالت ، فهذا هو المطلوب ؛ لأن إزالة النجاسة لا تجب بالماء بل بكل ما يزيلها . فالنعل مثلاً إذا تنجست يطهرها التراب ، وزيل المرأة الذي تجره على أمكنة قذرة يطهره الذي بعدها ، والاستجمار يكفي عن الاستنجاء بالماء ، بل كل ما زالت عين النجاسة فهي طاهر ، حتى لو فُرض أن النجاسة وقعت على الأرض ثم زال أثرها ، أثر البول معروف إذا وقع على الأرض يكون له لون ، لكن بالرياح والشمس ذهب اللون ، فنقول المكان طهر الآن وإن لم يكن بالماء ، ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد ذنوباً من الماء ؛ لأن هذا أسرع في إزالة النجاسة ، صب الماء عليه أسرع والناس محتاجون للمسجد فلا نقل انتظروا حتى يزول بالشمس والريح .
سؤال : الماء الذي ينزل من الفريون هل له حكم الماء المطلق ؟
الجواب : إي نعم هو ماء ، بخار تكثف ونزل ، توضأ منه ، لكن من يجد ماء فريون يتوضأ منه ، على كل حال توضأ منه .
سؤال : أرأيت الطيب يكون بخاخ يستعمل في ملابس الإحرام ولا يوجد لها أثر بعد دقيقة أو دقيقتين ؟
الجواب : إن بقيت الرائحة لا يلبسها حتى يغسلها ، وإن لم تبقى كما قلت دقيقة أو دقيقتان ما صار شيء .
سؤال : يا شيخ عفا الله عنك ، أكثر الأخوة يعتمرون في رمضان في العشر الأواخر وكذلك يعتكفون ففي ليلة العيد ينصرفون بدون وداع ؟
الجواب : ينصرفون إلى بلادهم ؟
السائل : نعم إلى بلادهم أو إلا مثلاً مناطق في السعودية بدون وداع.
الجواب : لكن ما أتوا بالعمرة .
السائل : أتوا بالعمرة .
الجواب : أتوا بالعمرة ؟ لا .. يجب أن يطوفوا الوداع . إلا إذا ... لأن بعض العلماء لا يرى وجوب طواف الوداع للعمرة إلا على سبيل الاحتياط ، فإذا كانوا مقلدين لهؤلاء فليس عليهم شيء .
سؤال : هل عليهم شيء ؟ أنا شخصياً فعلت هذا .
الجواب : معتقداً ماذا ؟
السائل : أنني ما يجب عليّ شيء .
الجواب : الحمد لله مادام معتقد ، فلأنك تسمع من العلماء من يقول لا يجب .
سؤال : لو أن الشيخ الكبير الذي يخالف النص ، كيف يصير لنا نعمل بها نحن العوام ؟
الجواب : لا .. إذا خالف النص ، لكن المشكل الآن إن العامي لا يعرف النص من غير النص . على كل حال هذا شيء يرجع إلى اطمئنان العامي للفتوى ، الفتوى ربما لو أفتى بها الإنسان ما اطمأن لها العامي ما يأخذها ، وتجد نفس الفتوى يفتي بها من يثق به ويأخذ بها .
سؤال : المشكلة يا شيخ إن العامي لو إنه عالم يفتي بشيء يخالف الدليل أن العوام ما يأخذون منه .
الجواب : لا .. لا .. الأمر واسع إن شاء الله .
سؤال : هل في الحديث دليل على أن العلم لا يأتي إلا بتعب وشدة ؟
الجواب : لا .. هذا يقول هل في الحديث دليل على أن العلم لا يأتي إلا بتعب وشدة ؟ لا ما في دليل ، هذه مسألة خاصة بالوحي حين نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعتبر سؤالك هذا سرقة ليش ؟
السائل : ماذا عليّ ؟
الجواب : لا ما عليك ألا تعود .(244/20)
18 ـ بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ
وَمَا يَلبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّل وَيَدَّهِنَ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَشَمُّ المُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِي المِرْآةِ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُل الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَقَال عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلبَسُ الهِمْيَانَ وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا للذِينَ يَرْحَلونَ هَوْدَجَهَا(1)
__________
(1) هذه من الآثار ، أولا الطيب للإحرام لا شك أنه سنة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتطيب عند إحرامه ويبقى الطيب ، قالت عائشة : ( كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) في هذه الحال يا جماعة إذا بقي الطيب على رأسه ويُنظر إلى وبيصه لمعانه وأراد يتوضأ لابد أن يمسح الرأس ، وإذا مسح الرأس لا بد أن يعلق الطيب في يده ، فهل نقول : إنه يفعل ويفدي ؟ لأنه تطيب تعمد التطيب ، أو نقول إنه لا يمسح رأسه ويتيمم ، أو نقول يمسح ولو علق الطيب بيده لأنه لم يتعمد الطيب ابتداءً ؟ الثالث : أنه لابد لكن لا يتعمد أن يفرك رأسه جداً حتى يلصق أكثر . وهذا والحمد لله دليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يُرى وبيص المسك في مفارقه ويغتسل ويكون برأسه هكذا .. وهو محرم .
( وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن ) معلوم أن المحرم إذا أراد أن يحرم يلبس الإزار والرداء ، هذا هو المشهور حتى يبقى الحجيج كلهم على لباس واحد ( ويترجل ويدهن ) يترجل : يعني يسرح الشعر ، ويدهن : يدهنه لكن بشيء ليس فيه طيب أو بشيء فيه طيب ؟ حتى لو كان فيه طيب ، الرسول كان يتطيب في رأسه ولحيته عليه الصلاة والسلام .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( يشم المحرم الريحان ) وهذه المسألة مختلف فيها ، هل يجوز للمحرم أن يشم الطيب أو لا ؟ بعضهم قال إنه لا يجوز مطلقاً ، وبعضهم قال يجوز مطلقاً ، وبعضهم فصَّل قال إن احتاج إلى ذلك كرجل وقف عند عطار وأراد أن يشتري منه طيباً فله أن يشمه ليعرف الطِيب الطَيِّب من الرديء . وهذا القول وسط لأنه أولاً تركه أحوط لا شك لأن الطيب إذا شمه الإنسان يجد نشوة وفرحاً وتحركاً في بدنه لكن إذا احتاج إلى ذلك فلا حرج . أما ظاهر المعروف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يشمه ولا حرج عليه .
( وينظر في المرآة ) لماذا ؟ يصلح ما كان عنده من شعر ويتجمل (ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن ) يعني له أيضاً أن يأكل الطعام الطيب وكذلك الأدوية ؛ لأن هذا ليس من محظورات الإحرام والأصل الحل والإباحة .
(وَقَال عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلبَسُ الهِمْيَانَ) يتختم يعني يلبس الخاتم ، ( ويلبس الهميان ) الهميان هو الشنطة التي يجعل فيها الإنسان النفقة ويحزمها على بطنه ، يعني لا بأس بها ، وإذا رجعنا إلى الوقت الحاضر قلنا الساعة في اليد كالتختم تماماً ، وعلى هذا فيجوز للمحرم أن يلبس ساعة اليد ولا حرج فيها . ونحن نأخذ من حديث ابن عمر ( ما يلبس المحرم ، قال : لا يلبس كذا وكذا ... ) معناه ما عدا ذلك يلبسه . وعطاء هو شيخ أهل مكة وهو أعلم الناس بالمناسك لأنه في مكة ويعرف كثيراً من أحكام المناسك وهو مرجع في هذا الباب .
وقال : ( وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ ) يعني حزم بثوب والمراد بالثوب هنا القطعة من القماش ، يعني وعليه لا حرج أن يربط الإنسان على بطنه شيئاً وهو محرم ( وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا للذِينَ يَرْحَلونَ هَوْدَجَهَا ) التبان : هو سروال قصير يستر العورة وما قرب منها من الفخذ ، عائشة لا ترى في هذا بأساً كأنها تريد أن تحمل من لم يجد إزاراً فلبس السراويل أنها السراويل المعتادة الطويلة وأن هذا فلا بأس به . هذا رأيه رضي الله عنه ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز أن يلبس الإنسان التبان إلا عند الضرورة ، إذا اضطر إلى هذا فلا بأس ، ويمكن الضرورة للتبان فيما إذا كان من الناس الذين تتسلخ جنوب أفخادهم مع المشي ، لأن بعض الناس يكون إذا مشى وليس عليه سراويل تتسلخ جنوب فخذهم ، فهذا ضرورة يلبس .
وإذا جاز للضرورة فهل يلزمه فدية أو لا ؟ أجيبوا ؟ على قولين لننظر القاعدة أن المحرم إذا احتاج إلى فعل شيء من المحظورات فله فعله ويفدي، كما فعل كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أصابه الأذى في رأسه فحلق وفدى ، ولكن مسألة اللباس أولاً في لباس المخيط أو في لباس القميص أو السراويل هل فيه فدية ؟ أجيبوا يا جماعة ؟ نقول لا ليس فيه فدية ، من قال إن هذا اللباس فيه فدية ، من قال هذا ؟ والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا ويقول جل وعلا : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً فأين في الكتاب أو السنة أن من لبس قميصاً وهو محرم أو سراويل وهو محرم فعليه فدية ؟ أو تطيب وهو محرم فعليه فدية ، أين هذا ؟ ما فيه ، بعضهم قاسه على حلق الرأس وقال الجمع بينهما أو العلة الجامعة أن في كل منهما ترفهاً . فيقال : من قال إن علة منع الحلق هو الترفه ، من قال هذا ؟ فالذي يظهر أن علة المنع في حلق الرأس للمُحرم هو أن يبقى ليتم به النسك ؛ لأن شعر الرأس يتعلق به إيش ؟ نسك يتعلق به نسك إما حلق أو تقصير ، وإذا حلقه سقط هذا النسك وغيره لا يساويه ، ثم نقول أليس يجوز للمحرم أن يدهن ، أليس يجوز أن يغتسل ، أليس يجوز أن يزيل الوسخ ، أليس يجوز أن يبقى في خيمة مكندشة ؟ مكندشة يعني إيش ؟ ذات كوندشان ، كل هذا جائز وفيه ترفه ، فالقول بأن علة تحريم حلق الرأس هو الترفه قول لا دليل عليه ولا ينضبط . فالذي نرى أنه لا فدية في جميع المحظورات إلا ما دل عليه الشرع لأنه لا يمكنا أن نلزم عباد الله شيئاً لم يلزمهم الله عز وجل . لكن إن قال قائل : من باب تربية الناس واحترامهم للشعائر ألا يحسن أن نلزمهم والفدية قليلة والحمد لله الفدية هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو إيش؟ أو إكسائه ؛ لأن جميع محظورات الإحرام تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : لا فدية فيه حتى على المذهب وهو عقد النكاح .
والقسم الثاني : فديته جزاؤه وهو الصيد .
والقسم الثالث : فديته التخيير بين ثلاثة أشياء وهو فدية حلق الرأس .
والقسم الرابع : ما لم يُذكر فيه فدية قالوا يُلحق بفدية الرأس فتكون فديته على التخيير ، يدخل في ذلك تقليم الأظفار على القول بأنها من المحظورات، ويدخل في ذلك المباشرة بغير الجماع .
بقي الخامس الجماع فديته إيش ؟ بدنة .(244/21)
1438 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ قَال مَا تَصْنَعُ بِقَوْلهِ حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ(1)
__________
(1) يعني كأنه يُنكر الادهان بالزيت فبين له أن ذلك ليس بمنكر فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الإحرام يُرى وبيص المسك في مفارقه ، وبيصه يعني لمعانه وبريقه ، ولهذا أخذ العلماء رحمهم الله من هذه السنة أن الاستدامة أقوى من الابتداء ، ولهذا تجوز الاستدامة في الطيب في الإحرام ولا يجوز ابتداؤها ، ويجوز أن يراجع الرجل زوجته المطلقة وهو محرم ولا يجوز أن يتزوج ، لماذا ؟ الاستدامة أقوى من الابتداء ، ويجوز أن يستمر ملك الصيد بعد الإحرام ولا يجوز الصيد حال الإحرام ، ولها أمثلة المهم أن بقاء أثر الطيب بعد الإحرام لا يضر .
فإن قال قائل : يلزم من هذا عن كان في الرأس كما في حديث عائشة أن يمسه الإنسان عند مس الرأس . فالجواب : وإن لزم ذلك فإنه لا يضر لأن هذا المحرم لم يبتدئ استعمال الطيب وإنما بقي الطيب الذي تطيب به عند الإحرام وهو لا بد أن يمسح رأسه إذا توضأ ، نعم لو تعمد أن يمس رأسه والطيب له وبيص فيه فهذا لا يجوز لكن إذا توضأ لابد أن يمسه .
وفي هذا الحديث دليل على استدلال السلف الصالح بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفعلية وأنه لا يمكن أن يقال لعل هذا خاص به ؛ لأن الأصل عدم الخصوصية. فما دام السلف الصالح والأئمة يحتجون بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون أن يورد الاحتمال أنه خاص به .
وفيه أيضاً بيان أن الإنسان الذي يتخذ شعر الرأس فإنه يجعل له مفارق : واحد مع الوسط ليفرق الناصية لليمين واليسار ، والثاني أعلى الرأس عرضاً من الأذن إلى الأذن من أجل أن يفرق بين شعر الناصية الذي يتجه إلى الوجه وشعر القفا الذي يتجه إلى الرقبة .
لكن هذا بالنسبة لنا يختص بالنساء فهل نقول إن الرجل يفعل ويُفرق هذا التفريق الذي لا يكون إلا للنساء في عرفنا أو نقول ما دام هذا التفريق اختص بالنساء الآن فإنه لا يفعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ، وهذا أمر عادي ليس أمر عبادي حتى نقول نبقى عليه ، يعني ليس من أمور العبادة بل من الأمور العادية ؟ وعليه نقول إذا أراد أن يفرق فليفرق أحد الطرفين إما الناصية وإما أعلى الرأس ؛ لئلا يتشبه بالنساء .(244/22)
1439 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَالتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلحِلهِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ (1)
19 ـ بَاب مَنْ أَهَل مُلبِّدًا
__________
(1) قوله : ( زوج النبي ) كيف زوج ؟ مذكر هذا ؟ هي زوج أو زوجة ؟ أسأل هي زوج أو زوجة ؟ هي زوجة لكن اللغة الفصحى زوج للرجل والمرأة ، إلا أن الفرائضيين رحمهم الله اصطلحوا على أن يسموا الأنثى زوجة والذكر زوج لئلا يشتبه الحكم عند قسمة الميراث ، فلو قال هذا تارك عن زوج وبنت وعم . فهو عند الفرائضيين المرأة لا تكن زوجاً ولو كان يراد بها الرجل مات عن زوجته . وهذا لا شك أنه اصطلاح جيد وفيه التبيان والتوضيح .
طيب فيه أيضاً في الحديث دليل على العلاقة الزوجية التامة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة حيث تباشر تطييبه ، ولا شك أن هذا يدل على كمال المودة والصلة بينهما . لو قال قائل لعل معنى قولها (أطيب) أن أُحضر الطيب له وهو يتطيب بنفسه . فالجواب : هذا خلاف ظاهر اللفظ ولا داعي إليه .
وفيه أيضاً دليل على أن التحلل لا يكون إلا بعد الرمي والحلق ، وجه ذلك قولها : ( لحله قبل أن يطوف بالبيت ) فجعلت الذي يلي الحل هو الطواف بالبيت ، ولم تقل لحله قبل أن يحلق ، قالت ( قبل أن يطوف بالبيت) وهذا القول هو الصحيح من أقوال العلماء . ومن العلماء من يقول يتحلل إذا رمي جمرة العقبة . وهذه فيها خلاف ولكلٍ وجهة وسيأتي إن شاء الله الكلام عليها ، لكن القول الراجح أنه لا حل إلا بعد الرمي والحلق .(244/23)
1440 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ يُهِل مُلبِّدًا(1)
20 ـ بَاب الإِهْلال عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الحُليْفَةِ
__________
(1) يهل ملبداً رأسه ، قال العلماء : والتلبيد أن يوضع الصمغ ونحوه على الرأس لئلا ينتشر ، ويلزم منه أن يكون الرأس مستتراً بهذا المُلبد عليه. وعلى هذا فنقول : إذا وضعت المرأة على رأسها الحناء فلها أن تمسح على الحناء في الوضوء ولا مدة له ولا يضر هذا لأن الحنة متصلة بالرأس ولأن فرضة الرأس في الطهارة هو المسح ، فهو مخفف فيه أي في تطهير الرأس . وهذا يسأل عنه الناس كثيراً المرأة تضع على رأسها الحناء ويبقى ملبداً فهل تمسح عليه أو لابد أن تغسله حتى يزول ؟ نقول : لا .. لا يلزمها أنت تغسله حتى يزول بل لها أن يبقى حتى ينتهي مراده .
سؤال : ما يستخدمه الإنسان من الصبغة ، المشطة ؟
الجواب : من هذا الجنس ، المشطة هذه اصطلاحات جديدة الظاهر أنها صبغة معينة يصبغ بها الرأس ويكون لها قشرة .
سؤال : جزاك الله خيراً ، بالنسبة للحناء هل تمسح على الخرقة التي تغطي بها شعرها أم تباشر الحنة بيديها ؟
الجواب : الخرقة منفصلة ولا تدخل في الخمار الذي يجوز المسح عليه فتنزعها وتمسح .
سؤال : في بعض المجتمعات فرقة الشعر بالنسبة للرجل والمرأة من عادتهم في فرق الرأس ؟
الجواب : هذا يسمونه المشطة المائلة ، بعض العلماء المعاصرين يرى أن هذا داخل في الحديث الصحيح : (( صنفان من أهل النار لم أرهما)) وذكر أحدهما : (( نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات )) ولا شك أن هذا القول له وجهة نظر .
سؤال : للنساء والرجال ؟
الجواب : إي للرجال والنساء ، الرجال أشد بعد .(244/24)
1441 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ سَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا . و حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُول مَا أَهَل رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ إِلا مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الحُليْفَةِ(1)
__________
(1) اقرأ من الشرح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 400 :
قوله : ( باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة ) أي لمن حج من المدينة أورد فيه حديث سالم أيضا عن أبيه في ذلك من وجهين وساقه بلفظ مالك وأما لفظ سفيان فأخرجه الحميدي في مسنده بلفظ هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد مسجد ذي الحليفة وأخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عقبة بلفظ كان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء قال البيداء التي تكذبون فيها الخ . إلا أنه قال من ثم الشجرة حين قام به بعيره وسيأتي للمصنف بعد أبواب ترجمة من أهل حين استوت به راحلته وأخرج فيه من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وكان ابن عمر ينكر على رواية ابن عباس الآتية بعد بابين بلفظ ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فذكر الحديث وفيه فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منها فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل أحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيا وثالثا وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل .
فائدة : البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي . قاله أبو عبيد البكري وغيره .
الشيخ : هذا الجمع لا شك أنه جمع حسن ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا ، منهم من قال أهل في مصلاه حين صلى ، ومنهم من قال حين قامت به ناقته ، ومنهم من قال حين استوت به على البيداء يعني بعد ما مشي . وهذا الجمع الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما جمع حسن بلا شك . وعلى هذا فبأي هذه الأقاويل نأخذ ؟ بالأول أنه أهل من مصلاه .(244/25)
21 ـ بَاب مَا لا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ
1442 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلا الْعَمَائِمَ وَلا السَّرَاوِيلَاتِ وَلا الْبَرَانِسَ وَلا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ(1)
__________
(1) قال المؤلف رحمه الله : ( باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ) ولم يقل ما يلبس بل قال ( ما لا يلبس ) وإنما قال هذا اتباعاً للحديث ، والحديث سُئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ما يلبس المحرم ، يعني عن الذي يلبس ، فأجاب بما لا يلبس ، فيُفهم منه أنه يلبس ما عدا ذلك فإن قيل : لماذا عدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جوابه عن مطابقة السؤال ؟ لأنه كان المتوقع أنه لما سُئل قال : يلبس كذا وكذا ، فلماذا عدل ؟ فالجواب : لأن ما لا يلبس أقل مما يُلبس وأقرب إلى الحصر ، وهذا من البلاغة أن يُجاب الإنسان بما لا يتوقع إشارة إلى أنه كان ينبغي له أن يسأل إيش ؟ عن ما لا يلبس لا عن ما يلبس .
أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بجواب مفصل فقال : (( لا يلبس القمص )) وهي المخيطة على قدر البدن كالثياب التي علينا الآن ، الثاني : (( لا يلبس العمائم )) العمائم التي تُدار على الرأس ، والمراد ما يُلبس على الرأس من عمائم أو طاقية أو غترة أو ما أشبه ذلك ، الثالث : ((السراويلات)) مفردها سراويل ، يعني السراويل ما هي بجمع كما يظن بعض الناس ، السراويل مفرد ، ألك سراويل ؟ الأخ لك سراويل ، كم ؟ يعني أنت تفهم من كلامي ألك سراويل ، تفهم أن أسألك عن سروال واحد أو عن جماعة ؟ هذه هي ، الآن أكثر الناس يظنون السراويل أنها جمع ولهذا قال إنسان لآخر يُحدثه بعت على فلان سراويل ماذا يفهم ؟ جماعة ، ولكنه ليس كذلك ، السراويل واحد ، أفهمت يا يحيى ؟ سراويل واحد أو جماعة ؟ واحد . ولهذا قال ابن مالك رحمه الله في الألفية التي أرجو الله تعالى أن تدركوا حفظها عن ظهر قلب ، قال : ( ولسراويل بهذا الجمع ) يعني صيغة منتهى الجموع ( شبه اقتضى عموم المنع ) وإلا هو مفرد لكن شابه الجمع.
ش3 ـ الوجه أ :
وقيل إنه يجوز لغة أن تقول سروال أو سروالاً ، وهذا على لغة العامية عندنا واضح . طيب إذا السراويلات إذا قال إنسان كيف جمعها وهي مجموعة أولاً ؟ نقول : لا هي أول لم تجمع . السراويل معروفة هي ما يُخاط على قدر الرجلين بعزل كل واحدة عن الأخرى ، وإنما قلنا هذا لئلا يرد علينا الإزار فإن الإزار وإن خيط ليس بسروال حتى لو خط الإزار وجعلت له تكة ، تعرفون التكة ؟ الحبل الذي يربط به وجُعلت على الجوانب مخابي جيوب . فلا حرج لأنه لازال اسمه إزار .
(( ولا البرانس )) البرانس يقولون إنها ثياب واسعة ولها ما يغطي الرأس متصلاً بها ، وأكثر من يلبسها المغاربة . يا سبحان الله كأن النبي عليه الصلاة والسلام يشاهدهم ، الظاهر أنهم في ذلك الوقت ما كانوا موجودين . الثاني : (( ولا الخفاف )) الخفاف ما يُلبس على الرجل ساتراً لها ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إلا أحد لا يجد )) إلا أحد : بدل من الضمير في قوله ( لا يلبس ) ولهذا جاءت مرفوعة (( إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين )) طيب والنعلين ؟ وإذا وجد النعلين يلبسهما أو لا ؟ يلبسهما على أنهما غير منهي عنهما (( وليقطعهما )) يعني يقطع الخفين (( أسفل من الكعبين )) يعني أنزل ، وكلمة ( أسفل من الكعبين ) يشمل ما إذا لم يكن لهما جدار فوق على العقب أو كان لهما ، المهم أن يكون نازلاً عن الكعبين هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم . ثم أردف قائلاً : (( ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو ورس )) الزعفران طيب معروف والورس قيل أنه نبت في اليمن له رائحة طيبة فيكسب الثوب لوناً ورائحة فيكون شبيهاً بإيش ؟ بالزعفران .
في هذا الحديث فوائد منها : أن الأحاديث النبوية تنقسم إلى قسمين : قسم لها سبب ، وقسم لا سبب له . من الأسباب السؤال ، ومن فوائده أن الله عز وجل يقيد لشريعته من يسأل عن شيء لم يكن يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ومن فوائده أنه يدل على كمال الشريعة وأنه ما من شيء تحتاج الأمة إليه إلا وقع بيانه إما ابتداء وإما لسبب .
ومنها الإشارة إلى أن ما يلبسه المحرم أكثر مما لا يلبسه ، وجه ذلك أن الرجل سأل عن الذي يُلبس فأُجيب بما لا يُلبس . ومنها أنه ينبغي لنا ونحن نُحدث الناس بألسنتنا أو بأقلامنا أن لا نتجاوز السنة اللفظ النبوي . هذه خمسة معروفة محصورة ولهذا لما تكلم بعض التابعين وأول من تكلم في ذلك إبراهيم النخعي رحمه الله فقال : المخيط حرام على المُحرم . صار هذا اللفظ فيه اشتباه ، فيه تضييق لجهة وفيه اشتباه .
أولاً : النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر المخيط إطلاقاً فما بالنا نُشرع ونقول لا تلبس المخيط .
ثانياً : أن هذا التعبير يقتضي أنك لا تلبس الإزار إذا كان فيه خياط ، وهذا صحيح أو لا صحيح ؟ أسألكم الآن الإزار يجوز لبسه وهو مخيط ؟ يجوز ، لكن لو أخذنا ظاهر العبارة ما يجوز . أيضاً يوجب إيهام في النعلين المخروزة ، وما أكثر السؤال عن هذا ، يقول : هل يجوز للمحرم أن يلبس النعلين المخروزات ؟ ليش ما يجوز ؟ قال لأنه مخيط .
زاد بعض الناس ، قال : لا يلبس المخيط ولا المحيط . إيش المحيط ؟ الخاتم ! لا يلبسه . المهم أدعوكم إلى اتباع لفظ النص لأنكم مسؤولون عن هذا وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ولا نضيق على عباد الله نقول البس الإزار ولو فيه ألف رقعة ، وكذلك الرداء .
طيب نمشي مع الحديث ( لا يلبس القميص ) القميص لا يُلبس على أي حال كان حتى لو فُرض أنه ليس فيه أدنى خيط ؛ لأنه لو نُسج نسيجاً ما فيه خياطة هل يُلبس أو لا يُلبس ؟ لا يُلبس ، ولو أخذنا بكلمة المخيط لقلنا هذا يُلبس لأنه ما فيه خياطة ، ولكن لا .. القميص بجميع أنواعه لا يُلبس . يُشبهه الكوت لأنه قميص لكنه قصير ، الفانيلة كذلك قميص كثير فلا تُلبس هذه الأشياء .
من فوائد هذا الحديث أن الإنسان لو لف على صدره ثوباً دون أن يلبسه لبساً جائز أو غير جائز ؟ جائز ، لماذا ؟ لأنه يقول : ( لا يلبس ) هذا ما لبسه هذا تلفت فيه . وبناء على ذلك لو أن الإنسان في الطائرة وكان إزاره ورداؤه في الشنطة مع العفش ويعرف أنه سيحاذي الميقات فماذا يصنع ورداؤه وإزاره في جوف الطائرة ؟ نقول اخلع الثوب وتلفلف فيه والسروال يبقى لأنك لم تجد إزاراً ، واضح ؟ إذا قال : أخشى من الناس إذا رأوا هذا قاموا ينظرون إليّ . فالجواب : وليكن ذلك أنت إذا فعلت هذا شرعت لأخوانك المسلمين ما يخفى عليهم ، وكثيراً ما يقع السؤال أن إزاره ورادءه في داخل الطائرة وأخَّر الإحرام حتى وصل إلى جدة لأنه لا يدري. فيقال له الحمد لله الأمر سهل اخلع القميص وتلفلف فيه وتُبقي السروال . طيب الغترة ؟ الغترة ما هو لازم اخلعها ويبقى رأسك مكشوفاً ، واضح ؟ فإذا قال قائل : لماذا لا تقولون يلزمه أن يخلع السروال وأن يتلفلف إزاره بالغترة ؟ فالجواب : أولاً : إن بعض الغتر خفيف ما يستر العورة ، ثانياً : أنها ليست واسعة بحيث يديرها مرتين أو ثلاثة ، وإذا كان كذلك فإنه يُخشى أن تبدو عورته ؛ لأن الغترة معروفة ما تلم على شيء كثير ، ما أدري إذا كان عبد الله الشريف ، ما تكلم عليه ، على كل حال نقول : الحمد لله هذا مُيسر .
طيب وإذا لبس السراويل بدل الإزار هل عليه فدية ؟ فالجواب : لا .. ليس عليه فدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أن عليه فدية ، وهذا من الرخصة والحمد لله .
( ولا يلبس العمائم ) العمائم لا يلبسها ولا يلبس كذلك ما كان بمعناها مثل الطاقية والغترة والقبعة لا يلبسها ، بل إن الرأس له خاصية غير بقية البدن وهو أنه لا يُغطى بأي شيء ، دليل هذا قصة الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا تُخمروا رأسه )) يعني لا تغطوها . إذاً الرأس فيها حديثان :
الحديث الأول أن لا يلبس الإنسان ما اُعتيد لبسه على الرأس وهو العمامة ، هذا الذي في الحديث العمامة وما شابهها .
الثاني أن لا يُغطى ولو لم تجر العادة بلبسه ، أن لا يُغطى بشيء ولو لم تجر العادة بلبسه ، فإن قال قائل : ما تقولون فيما لو حمل عفشه على رأسه ـ والمراد بالعفش المتاع ـ هل يجوز أو لا يجوز؟ منهم من قال لا يجوز، ومنهم من قال يجوز ، ومنهم من فصل قال إن قصد الستر فهو غير جائز لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( إنما الأعمال بالنيات )) ومثال ذلك إنسان معه علاقية صغيرة يحملها بيده بدون مشقة ووضعها على رأسه ، هل يحتاج على وضعها على الرأس ؟ لا يحتاج ، إذاً إنما قصد تغطية الرأس وهذا لا يجوز ، إذاً حمل المتاع على الرأس لا يضر لأنه لا يقصد به التغطية غالباً وقد جرت العادة به .
طيب تغطية الرأس بغير ملاصق ، نقول هذا نوعان :
النوع الأول : ما لم يكن متصلاً بالمحرم بل هو ثابت في الأرض فهذا جائز بالإجماع ، مثل الخيمة الشجرة يضع عليها كساءً وما أشبه ذلك . هذا لا أحد يخالف فيه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضُربت له قبة بنمرة وهو ذاهب إلى عرفة مُحرماً وبقي فيها .
الثاني : أن يكون متصلاً بالمحرم لكن لاحظوا أنه منفصل عن الرأس، متصل بالمحرم لكنه منفصل عن الرأس ، مثل الشمسية والسيارة أو رجل مثلاً معه عصا بيديه وفوقه رداء يحمله على رأسه عن الشمس . فهذه للعلماء فيها قولان : القول الأول أن ذلك ليس بجائز ، وعلى هذا فجميع السيارات الجيمس لا يجوز للمحرمين أن يركبوا فيها إذا كانوا رجالاً إلا أن يكشفوا سطحها ، وهذا هو المشهور من المذهب ، مذهب الحنابلة يرحمهم الله ، لكنه قول ضعيف ، والصحيح أنه لا بأس به .
مثل ذلك أيضاً الشمسية ، المشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك غير جائز لأنه اتصل بالمحرم ، ولكن الصحيح خلاف ذلك وأنها جائزة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُظلل في طريقه من مزدلفة إلى منى صباح العيد ، وهذا يدل على إيش؟ على الجواز . ثم هل هذا تغطية رأس؟ التظليل للرأس هل هو تغطية ؟ لا .. ليس تغطية لأن الرأس ظاهر ما غُطي . فالصواب جوازها . فصارت الأقسام كم ؟ ثلاثة : الملاصق ولا إشكال في منعه ، وغير الملاصق وهو متصل بالمحرم وهو موضع خلاف، وغير ملاصق لكنه منفصل عن المحرم كالخيمة والشجرة وما أشبه ذلك فلا بأس بها بالاتفاق .
سؤال : إذا وصل الحدود السعودية ما ما في ةقت ، ثانياً أنه إذا ركب الطيارة ما يعرف الوقت وما يعرف متى الوصول للمحل؟
الجواب : هذا لبداية إحرامك ، هذا أحسن شيء تلبس الإزار في بيتك بعد ما تغتسل ثم تلبس فوقه الثياب المعتادة ، وإذا كنت في الطائرة قوم حسب العادة والطيران المعتاد أنه خمس وثلاثين دقيقة أو أربعين دقيقة تكون قد حاذيت الميقات ، ذا الحليفة ، فأنت إذا مرت نصف ساعة مثلاً اخلع الثياب والبس الرداء . على أن المضيفين جزاهم الله خيراً ينبهون قبل ثلث ساعة أو عشر دقائق ، فإذا خفت من هذا كله الحمد لله أحرم من حين ما تركب ولا حرج .
سؤال : أحسن الله إليكم ، لبس الفروة بغير إدخال اليدين فيها ؟
الجواب : في مثل هذه القضية هذا ما يجوز لأنها تُلبس على هذا الوجه أحياناً أما لو لبسها وجعل الأكمام أسفل فلا بأس .
سؤال : أحسن الله إليك ، كيف نجمع بين أن السنة أن الإنسان يتطيب قبل الإحرام وبين ما ترجمه المؤلف في باب غسل الخلوق ثلاث مرات ، مع أنه يعني العادة إنه يتطيب بيده ؟
الجواب : هذا لأن الخلوق مر علينا .. لأنه كان في إحرامه ، ربما يصيب لكنه نقول أصلاً لا تلبس الثياب التي فيها طيب، وسيأتيك بعد قليل .
طيب لبس أيضاً السراويلات ، وهو معروف السراويل وسبق أن عائشة رضي الله عنها كانت تُرخص لخدمها بلباس التبان ، وهو سروال قصير ، والصحيح أنه لا يجوز ، وجه ما ذهبت به عائشة أن هذه لا تُسمى سراويل ولكن ظاهر النص العموم وأنه لا فرق بين كون السروال قصير الكمين أو طويل الكمين . ( ولا البرانس ) البرانس هي ثياب واسعة لها شيء يتصل بها يُغطى بها الرأس ، ونص عليها لأنه لا يُطلق عليها اسم القميص فنص عليها لئلا تشتبه . طيب المشلح تُشبه القميص أو تُشبه البرانس ؟ الظاهر أنها للبرانس أقرب لكن لو أنه قلب المشلح وتلفلف به فلا بأس لأنه لا يُعد لابساً له .
( ولا الخفاف ) معروف ( إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين ) اللام في مقابلة ( فليلبس ) للإباحة ؛ لأنها في مقالة للمنع ، وإلا فلا يجب على المحرم أن يلبس لا نعلين ولا خفين ، لكن لما ذكر منع الخفين ذكر الإباحة في هذه الحال ، وقوله : ( من لم يجد نعلين ) يعني لا يجدهما أو لا يجد ثمنهما ؛ لأنه قد يجد النعلين في الأسواق عند المحرم لكن ليس معه ثمن هذا لم يجدها ، أو أنه معه ثمن لكنه لم يجد شيئاً عند المحرم عند الميقات (فليلبس الخفين ) قال : ( وليقطعهما أسفل من الكعبين ) اللام في قوله (فليقطعهما ) للأمر ، وهذا الأمر للوجوب ليس كالأمر في قوله (فليلبس) الأمر في قوله ( فليلبس ) لإيش ؟ ... ( فليقطع ) للوجوب .
إذا قال قائل : لماذا لم تجعلونها لغير الوجوب ؟ قلنا : لأن قطعهما إفساد لهما وإفساد الأموال مُحرم ولا يُمكن أن يُنتهك المحرم إلا بإيش ؟ إلا بواجب . وبناءً على هذه القاعدة استدل بعض العلماء على وجوب الختان لهذه القاعدة ، وقال : الأصل أن قطع شيء من بني آدم إيش ؟ محرم ، فلا يستباح المحرم إلا بواجب . على كل حال هذه القاعدة لا بأس بها .
( وليقطعهما أسفل من الكعبين ) لأنه إذا قطعهما أسفل من الكعبين لم يكونا خفين على الإطلاق ، بمعنى لا يقال خُفين بل يُقال خفان مقطوعان .
الآن نحن شرحنا الحديث أظن ، طيب الفوائد :
من فوائد هذا الحديث : تحريم لبس البرانس وما شابهها والخفاف إلا في هذه الصورة .
ومن فوائده أنه إذا جاز لبس الخفين لعدم النعلين وجب قطعهما أسفل من الكعبين ، هكذا دل عليه حديث ابن عمر ، لكن حديث ابن عمر رضي الله عنهما كان في المدينة قبل أن يسافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة. ورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس في عرفة وقال : (( من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ولم يجد إزاراً فليلبس السراويل )) في عرفة ولم يذكر القطع ، ومعلوم أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما بعد حديث ابن عمر ، صحيح هذا ؟ ليش بعده ؟ لأن هذا قبل أن يسافر وهذا بعد أن سافر . ومعلوم أيضاً أن الحاضرين في عرفة أكثر من الحاضرين في المدينة وأنه لا يُمكن سماع جميعهم قوله وليقطعهما في هذه المدة الوجيزة . وعلى هذا فيكون حديث عبد الله بن عمر منسوخاً بحديث عبد الله بن عباس ؛ لأنه آخر الأمرين . فإن قال قائل : لماذا لا تقولون بحمل المطلق على المقيد ؟ أي حمل حديث ابن عباس على حديث ابن عمر ، كما يجري العادة أن المُطلق يُحمل على المُقيد . فالجواب : أنه لا يُمكن الحمل هنا ؛ لأن حديث ابن عباس متأخر والحاضرون لهذه الخطبة أكثر بكثير والناس سينقلون حديث ابن عباس أكثر من الذين نقلوا حديث ابن عمر لأنهم كل الحجاج ، فلا يمكن أن يكون القطع واجباً ثم لا يُذكر مع دعاء الحاجة إليه في خطبة عرفة . وهذا هو القول الراجح أنه إذا جاز لبس الخفين لعدم النعلين لم يجب القطع .
ومن فوائد هذا الحديث تحريم لبس الثياب المطيبة ، فلو طيب الإنسان إحرامه قبل أن يُحرم ، يعني ثوب الإحرام قبل أن يُحرم قلنا حرام عليك أن تلبسه بعد الإحرام ، واضح ؟ لأنه يمكن أن تغسله ، يغسله ثم يلبسه . وأما قول بعض أهل العلم رحمهم الله إنه يُكره تطييب ثوب الإحرام ويجوز لبسه بعد ذلك . ففيه نظر فالحديث صريح والحديث في سياق الثياب التي لا تُلبس .
ومن فوائد هذا الحديث جواز صبغ الثياب بالورس في غير الإحرام ؛ لأن الأصل في الثياب هو إيش ؟ هو الحل ، فإذا مُنع عن شيء منها في حال معينة بقيت الأحوال الأخرى على الأصل وهو الحل . لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الثوب الأحمر بالنسبة للرجال ، الأحمر الخالص الذي ليس فيه بياض ولا سواد ولا شيء من الألوان ، فإن قال أحدكم أليس قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مكة وعليه حلة حمراء ؟ فالجواب : أن هذا اللون المخطط فيها لون أحمر وليست كلها حمراء . وهذا عليه الناس يقولون عليه شماغ أحمر عليه شماغ أسود ، والشماغ ما هو كله أحمر ولا كله أسود .
ومن فوائد هذا الحديث أيضاً تحريم استعمال الزعفران للمحرم ، بمعنى أنه لا يجوز أن يتطيب به ولا بالورس الطيب هذا ، فهل يُقال إن شُرب القهوة التي فيها الزعفران بالنسبة للمحرم حرام أو نقول إذا ذهبت الريح جازت ؟ الجواب الثاني ، يعني إذا طُبخت القهوة التي فيها زعفران حتى ذهب ريح الزعفران نهائياً فإنه يجوز أن يشربها لأنها أصبحت غير طيب ، بمعنى تحولت إلى شراب غير مُطيب .
من فوائد الحديث أنه ينبغي للإنسان المفتي أن يُقلل من الألفاظ ما استطاع ؛ لأن ذلك أقرب إلى الفهم وأقرب إلى الحفظ . وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر ما لا يلبسه المحرم مع أن السؤال على الذي يلبسه ، فاختصر القول في الفتوى لا تطول خصوصاً إذا كان الذي يستفتيك عامياً لا تطول ، لو استفتاك عامي قل : والله المسألة فيها خلاف ، نعم سؤالك إيش كذا وكذا ، هذه مسألة فيها شيء وقول ، فقال الإمام أحمد كذا ، وقال فلان كذا ، وقال فلان كذا ، وقال فلان كذا ، وبعضهم فصل باعتبار حال السائل ، وبعضهم فصل باعتبار الركب ، وبعضهم فصل باعتبار المكان . يروح ما عنده شيء أبداً ويشوش أكثر .
العامي لا تذكر عنده أقوال ، قل هذا حرام هذا حلال ، فيما دلت السنة، ما أجمع الكتاب والسنة على تحليله وعلى تحريمه . نعم لو فُرض أنه قد شاع في البلد قول خلاف الصواب عندك فهنا إذا أفتيته بما ترى أنه صواب فقل : وقال بعض العلماء كذا وكذا ولكن الراجح ما ذكرت لك . لماذا؟ حتى لا يشوش عليه القول الثاني المشتهر في البلد ؛ لأن كثير من العوام إذا سأل العالم وأفتاه بما عنده ثم جلس في مجلس وسمع فتوى خلافها يبقى شاكاً في فتوى العالم ، فإذا أشار إلى أن هناك خلافاً ولكن الراجح ما ذكر زال الإشكال . وهذه كلها من آداب الإفتاء .
إذاً نأخذ من هذا الحديث أنه ينبغي للمفتي أن يُقرب الفتوى للسائل فيقلل الألفاظ ما دام يحصل بها المقصود .
طيب هنا مسائل : ما تقولون في لبس الخاتم ، جائز ؟ جائز لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الخاتم ، ولم يُذكر أنه كان يضعه عند الإحرام ، وقد نص الفقهاء على جواز لبس الخاتم . لبس السوار جائز أو غير جائز ؟ أما بالنسبة للمرأة فلا يرد عليها هذا السؤال ؛ لأن المرأة لا يحرم عليها هذا اللباس ، بالنسبة للرجل لا يرد لأن الرجل لا يجوز أن يلبس سوار امرأة لكن هنا شيء يشبه السوار وهو الساعة هل يلبسها المحرم أو لا يلبسها ؟ أول ما خرجت هذه الساعات التي تُجعل في اليد حرمها بعض العلماء وما أجازوا للمحرم أن يبلسها ، وهو واضح على قول من يقول إنه يحرم على المحرم لبس المخيط والمحيط . ثم تناقل العلماء رحمهم الله هذه المسألة تراجعوا فيها فقال بعضهم إنها حلال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لا يلبس كذا ، وهذا ليس مما حذر منه الرسول ، فتكون السنة دالة على الجواز .
ولقد قدموا الحجاج في سنة من السنوات إلى هنا وقالوا لنا إن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يرى إن لبس الساعة حرام ولبس النظارات حرام . تعجبت الشيخ عبد العزيز رحمه الله معروف ليس من الجامدين على المذهب ، فكتبت له كتاباً وقلت له إن الحجاج قدموا إلينا وذكروا عنكم كذا وكذا ، فكتب إليّ كتاباًً قال : وما آفة الأخبار إلا رواتها ونحن لا نقول بهذا وإنما قلنا نظراً للاختلاف الاحتياط أن الإنسان لا يلبسها ، الاحتياط ألا يلبسها الإنسان . هذا من زمان. العامي هو يعرف الاحتياط وغير الاحتياط؟ ما يعرف ، العامي ما قيل في ذهنه هو صواب ليس الأعوج من كل شيء . ولكن لا بأس أن العالم يقول بالاحتياط كما يُفتي به الإمام أحمد وغيره في الشيء الذي لا يرى أنه مباح .
طيب نظارة العين لباس ، ولهذا نقول الناس يلبس نظارة ، هل تحرم على المُحرم أو لا ؟ السؤال ليحيى ويش هي نظارة العين ؟ مثل هذه على كل حال نظارة العين يقولون إنها لباس ، طيب النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يبلس كذا ، هل هي من هذا ؟ لا .. إذاً لا بأس بها ولا نقول الاحتياط تركها بل نقول الاحتياط هو ما دل عليه الكتاب والسنة . طيب سماعة الأذن ماذا تقولون فيها ؟ في من الناس ـ الله يعافينا وإياكم ـ له سماعة داخل الأذن ترفع الأصوات عنده ، تجوز أو لا تجوز ؟ تجوز ، سماعة الأذن هل هذا الحديث دل عليها أو لا ؟ دل عليها ، وجه الدلالة أن الممنوع ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فما عدا ذلك فهو حلال .
وهذا من بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الممنوع لأجل أن يقول لأمته كل ما سوى ذلك فهو حلال والحمد لله ، فلا ينبغي للإنسان أن يُضيق على عباد الله ما وسع الله عليهم ، وأنت إذا أخطأت في التوسعة أهون مما إذا أخطأت في التضييق ، أليس كذلك يا جماعة ؟ لأن التوسعة مناسبة لروح الدين الإسلامي . لهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لأن أُخطئ ـ يعني في العقوبة التعزيرية ـ لأن أُخطئ في العفو أحب إلي مما لو أُخطئ في العقوبة . فما دام الأمر واسع يسر على الناس ما استطعت حتى يأخذ الناس الدين عن انشراح صدر وعن طمأنينة قلب ، أما أن تضيق عليهم شيئاً لم يضيقه الله ولا رسوله ، ونحن نعلم أن الله لم يضيق على عباده { ما جعل عليكم في الدين من حرج } احرص على التوسعة ، أما أن تضيق يعني سمعنا واحداً يُفتي الناس بمنى كلما جاءه إنسان وقال له إني أمشي وجزت رجلي ... صغير صغير ... قال : عليك دم . كلما جاءه إنسان قال عليك دم . والله لو أخذوا بهذا القول لبقيت أودية منى كلها دماء تسيل . هذا غلط ، مع أن الناس الآن يفتون مثلاً في الطيب وفي لبس القميص وما أشبه ذلك بأن عليه دم عليه دم ، وهذا غلط ، ويش الذي عليه ؟ إذا قلت يوجب الفدية ويش عليه ؟ فدية أذى يُخير بين صيام ستة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة .
سؤال : ذكرت أنه لا يجوز شرب القهوة المطيبة بالزعفران ؟
الجواب : هذه تعرفها أنت ؟
السائل : لا .. ما أعرفها .
الجواب : الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
السائل : ما أظن أحد يقول إنه يطيب فمه بشرب القهوة بالزعفران ونحن نستخدم الصابون المطيب ، إيش الفرق بين الصابون المطيب والقهوة بالزعفران .
الجواب : الظاهر إنك إما أنك ما تشم أو ما تعرف الزعفران ، تعرفه؟ هل له رائحة الطيب أو لا ؟
السائل : تذهب رائحته بالطبخ ؟
الجواب : لا .. بالطبخ ما يبقى لكن أحياناً يذرون الطيب على القهوة بدون أن يفوحوها فتبقى رائحته ، والصابون المطيب ما يجوز لكن نقول الرائحة التي في الصابون ليست طيباً ، هذا هو الفرق ، وإلا لو ثبت إنها طيب قلنا لا يجوز ، عرفت ؟ ما تعرف ، طيب أين سكنك ؟ خلاص لا بد تجيبوا له قلة قهوة من الزعفران إن شاء الله حتى يشوف ، ولكن تجيبوا المطبوخ الذي ذهب رائحته ، جيب من الذي انتهت ذروا عليها وخليه يشوف ، بعد ما أدري يجيه زكام أو لا ، أخاف ما تشم الليلة .
?????
بسم الله الرحمن الرحيم ، قبل أن نبدأ نبين الآن محظورات الإحرام ، معروفة عند الفقهاء ولا حاجة لتعدادها لكن هذه المحظورات تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : قسم لا فدية فيه أصلاً .
والثاني : ما فيه جزاء ، يعني ليس فدية معينة بل جزاء .
والثالث : ما فديته بدنة .
والرابع : ما فديته التخيير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة .
هذه أقسام محظورات الإحرام ، أما ما لا فدية فيه فهو عقد النكاح ، عقد النكاح محرم لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ، ولكن يقول الفقهاء إنه لا فدية فيه ، وما فديته جزاؤه الصيد ، قال الله تعالى : { ومن قتله منكم متعمداً فجزاؤه مثل ما قتل من النعم } أي فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم ، وما فديته بدنة الجماع في الحج قبل التحلل الأول ، وما فديته التخيير بقية المحظورات وتُسمى هذه الفدية فدية الأذى أخذاً من قول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فاضبطوا هذه الضوابط حتى تعرفوها . لو قيل هل على هذا التقسيم دليل ؟ نقول فيه تفصيل : أما عقد النكاح الذي ليس فيه فدية فعليه دليل وهو أن الأصل براءة الذمة والسنة دلت على أنه محرم ولكنها لم تأت له بفدية ، هذا هو، إذا هذا دليلة عدم أو وجود؟ عدم. ما فديته جزاء ثبت في القرآن والسنة. ما فديته البدنة هذا لم يرد في الكتاب والسنة ولكن الصحابة رضي الله عنهم يكادون يجمعون على ذلك وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول. الرابع ما فديته التخيير هل فيه دليل ؟ نقول أما حلق الرأس ففيه دليل بنص القرآن { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } بقية المحظورات التي فيها هذه الفدية بالقياس على حلق الرأس . وهذا القياس فيه نظر ، وجه النظر : أن حلق الرأس إنما حرُم لأنه يتعلق به نُسك فإن الحلق واجب من واجبات الحج ولو حلقه المحرم لأسقط هذا الواجب ، فلذلك أمر الله تعالى أو أوجب الله عز وجل الفدية فيه ، وهذا مُسلم { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } ما قيس على ذلك ففيه نظر ؛ لأنه لا يتعلق به نُسك . والتعليل بأن حلق الرأس إنما حرُم لأنه ترفه تعليل عليل لأن الترفه في الإحرام ليس حراماً ، أليس المحرم يغتسل ؟ يغتسل ويلبس ثياب الإحرام الجميلة ويجوز أن يبقى في الحجرة المكيفة ويسير في السيارات المكيفة ويجلس في الخيام الناعمة ، وهذا كله ترف فمن قال إن العلة ترف يحتاج إلى أن يثبت هذا ، ثم بعض المحظورات التي ألحقوها بحلق الرأس فيها ترف ظاهر وما فيها ترف ، فالعلة منتقدة .
ولهذا نقول : إنه لا فدية إلا فيما جاء في القرآن أو السنة ، وإلا فليس لنا الحق أن نُلزم عباد الله بإضاعة شيء من أموالهم أو بإنفاق شيء من أموالهم بلا دليل ، وكما ترون هذا تعليل قوي لا مناص منه ، فكما أنه لا يجوز أن نُسقط ما أوجب الله من جزاء الصيد مثلاً فلا يجوز أن نُلزم بما لم يُلزم الله به في مثل لبس القميص والعمامة وما أشبه ذلك . لكن لو قال قائل : ما دام جمهور العلماء على هذا وفيه حماية لهذه المحظورات من أن يتجرأ عليها الحجاج أليس القول به متجهاً ؟ الجواب : بلى القول به متجهاً ، والشرع قد يُتلف المال تعزيراً ، فالغال من الغنيمة يُحرق رحله وما معه ، وكاتم الضالة يُلزم بدفع قيمتها مرتين تنكيلاً له ، ومن سرق ثمراً أو كثراً ضوعفت عليه القيمة ، فالتعزير بالمال أو حماية المحرمات بالمال أمر جاءت به السنة . فلنا أن نقول للناس من فعل شيئاً من هذه المحظورات فعليه فدية ، وكذلك في عقد النكاح الفدية ما لم يكن إجماع على عدمها فالإجماع مسلم وإلا فبدون الإجماع نقول لا فرق بينه وبين المحظورات ، فنحن نتكلم عن هذه المسألة مسألة الفدية في المحظورات من وجهين :
الوجه الأول : من الناحية النظرية . إذا تكلمنا فيها من الناحية النظرية فلا نرى بإيجابها دليلاً إلا بما جاء به الدليل ، أما من الناحية التربوية وحماية الحجاج من انتهاك المحظورات ولاسيما أن أكثر العلماء على هذا الأصل فإنه يسوغ لنا أن نُفتي الناس بوجوب الفدية ، والحمد لله الفدية ما هي صعبة ، صيام ثلاثة أيام متفرقة أو متتابعة في مكة أو في بلده ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع هذا أيضاً سهل ، كم يكون عنده صاع كم ؟ ثلاثة أصواع سهلة ، ذبح شاة يعني ما فيها صعوبة . لكن أنت إذا قلت للعامي عليك فدية هيبته إنه يفعل المحظورات ولو هي قليلة ، لكن لو تقول له ما عليك إلا التوبة والاستغفار ملأ لك أجواء مكة وجدة والطائف استغفاراً ولكن لا تأخذ منه قرش أو لا ؟
ش 3 ـ وجه ب :
ولهذا لما عثر عامي من العوام وتدمت إصبعه وسلمت النعلة قال الحمد لله إشوّي ولا بالنعلة . لأن النعل عنده أغلى من البدن ، البدن يمشي ويطيل لكن المال مشكل .
على كل حال ما دام في هذا مصلحة وحماية للمحظورات وتهييب للعوام فإنه يسوغ القول به ، وإذا أحب الإنسان أن يحتاط لنفسه وأن لا يقول على الله ما لم ير أنه من شريعة الله فليقل إيش ؟ قال العلماء عليك كذا وكذا. وأرجو أنه بهذه العبارة يسأل من اتبعه لأنه عزاه إلى غيره من أجل هذه المصلحة العظيمة .
وهكذا يقال في ترك الواجب من واجبات الحج والعمرة ، الفقهاء يرون أنه يجب عليه دم ولا فيه تخيير ، فإن لم يجد صام عشرة أيام . ونحن نقول : لا دليل على هذا ، ثم لا دليل على أنه إذا لم يجد فعليه صيام عشرة أيام . غاية ما في ذلك حديث ابن عباس : ( من نسى شيئاً من نسكه أو تركه فليهرق دماً ) . زعم أن بعض العلماء أن مثل هذا القول عن ابن عباس لا مجال للاجتهاد فيه . وعندي أن فيه نظراً وللاجتهاد فيه مجال وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما رأى أن حلق الرأس الذي فيه إسقاط واجب فيه فدية لكن على التخيير ، فيكون إذاً ترك الواجب كفعل المحذور الذي يكون فيه إسقاط الواجب فيجب فيه دم . فللرأي فيه مجال ، ومع ذلك ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ( شيئاً من نسكه ) وشيئاً نكرة في سياق الشرط ، ولو أخذنا بعمومها لقلنا على الإنسان دم إذا ترك الإشارة إلى الحجر وإذا ترك الهرولة عن عمد الرمل يعني وإذا ترك الاضطباع وما أشبه ذلك ، وما علمت أحداً يقول بهذا أن عليه دم . لكن كما قلت لكم كل شيء يكون به حماية الشعائر ولم يخالف الإجماع بل وافق الأكثر فإنه ينبغي إيش ؟ الأخذ به أو على الأقل الإفتاء به . وهذه من السياسة في تربية العالم للأمة .
مر عليّ أن أحد التابعين سأله ابنه عن مسألة من المسائل نسيتها لأني بطيء العهد بها فأفتاه ، فكأن الابن تصاعب هذا ، فقال : إن لم تفعل وإلا أفتيتك بقول فلان أشد من هذا القول . شوف كيف ؟ تربية ، مع أنه لما أفتاه بالقول الأول يعتقد أنه صواب ، لكن أراد أن يلزم ابنه بالقول الثاني الذي هو أشد إذا لم يفعل .
وربما يكون لهذا شاهد من فعل أمير المؤمنين رضي الله عنه ، الرجل إذا طلق زوجته ثلاثاً فقال أنت طالق ثلاثاً أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر فله أن يراجع ، حق شرعي له أن يراجع لأنها لا تبين زوجته بهذا ، فلما كثر الطلاق الثلاث في عهد عمر قال : ( أرى الناس قد تسارعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ) أمضاه عليهم منع الرجل من حق ثابت له في السنة النبوية والسنة البكرية والسنة العمرية أولاً ، منعه من هذا الحق الثابت له من أجل أن لا يتجرأ الناس على الطلاق ثلاث .
فهذه مسائل ينبغي للعالم والمفتي أن ينتبه لها ، والحمد لله مدح الله عز وجل الربانيين وبين أنهم هم الأحق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال العلماء : الربانيين هم الذين يربون الأمة بالعلم . وهذا منهم ، فلذلك فيما أرى أن إيجاب شيء لم يوجبه الله ورسوله لا يجوز ، لكن إذا كان فيه مصلحة فإنه يسوغ القول به لاسيما إذا كان إيش ؟ إذا كان هو قول الجمهور جمهور العلماء .
أما المحظورات فمنها ما ورد علينا في حديث ابن عمر : لبس الأشياء الخمسة كله من المحظورات . الطيب ابتداءً إيش ؟ من المحظورات ، شم الطيب سبق لنا أنه لا باس به وهو القول الراجح لاسيما عند الحاجة كرجل يريد أن يشتري طيباُ فوقف عند العطار فجعل يشم القارورات لينظر أيها أطيب ، فالصواب أنه لا بأس به ؛ لأن المحرم لم يتلبس به .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، الدليل على أن فعل المحظور الذي فيه فدية خص الرأس بالخصوص ، اقتصر على الرأس ، مع أن يا شيخ من تفيد الحصر على الدليل ؟
الجواب : من تفيد الحصر بس الليلة هذه تفيد الحصر بس الليلة هذه .
السائل : الرأس يا شيخ ؟
الجواب : إي نعم صحيح هذا سؤال أو تقرير ؟
السائل : سؤال يا شيخ ، لكن الآن أقول أستفهم .
الجواب : لا .. قصدي هل تقرر ما قلنا وتؤكده أو تسأل ؟
السائل : أقول إن الذي قلته في الأول هو الذي يدور في خاطري
الجواب : الحمد لله جزاك الله خيراً .
السائل : لأنه خص الرأس بالخصوص ما قال في المحظورات كلها .
الجواب : تمام ، صدقت هذا استدلال طيب .
سؤال : بارك الله فيك ، أشكل عليّ مسألة الزعفران إذا شُرب في القهوة ، ومثله الآن يوجد بعض المشروبات مثل ماء الورد الذي يوضع في المشروبات ؟
الجواب : ومثله أيضاً .............
السائل : لكن يا شيخ أحسن الله إليكم الذي ورد فيه النهي التطييب ، والشرب أو وضعه في الأكل لا يُسمى تطييباً ؟
الجواب : لكن يسمى استعمال مطيب ، ثم هذا الطيب الذي يعلق بالشفتين وإذا كان الإنسان له شارب يعلق بالشارب .
السائل : لو إن واحد مصه مصاً ؟
الجواب : الله المستعان هذه محل نظر ، يعني مثلاً لو أن واحداً جاء بلي وأدخله حتى استقر في المعدة ثم صب من فوقه قهوة فيها زعفران فهذا محل نظر ، هل نقول إن الرجل لم يُطيب كما قال وليد في البارحة ؟ أو نقول هذا تكلف ؟ وأحسن من هذا نقطع الذي أدخله ولا يعود إليه .
سؤال : تركه من باب الاحتياط أو أنه لا يجوز ؟
الجواب : والله أنا أرى أنه صريح ما يجوز أبداً وإلا إذا طُبخت حتى زالت الرائحة .
سؤال : غفر الله لك يا شيخ ، عندي إشكال في إيجاب الفدية في باقي المحظورات غير الرأس من وجهين يا شيخ حفظك الله :
الأول : أن العلم الشرعي يراد تطبيقه في الواقع ، ونحن نرى نظرياً أن هذه المحظورات ليست محظورات ؟
الجواب : لا .. هي محظورات ما فيه إشكال ، المحظور معلوم لكن هل كله فيه فدية ؟ هذا هو موضوع الخلاف . عقد النكاح محظور ومع ذلك ليس فيه فدية عند الفقهاء .
السائل : أقصد غيره مما لا نرى أن فيه محظور ؟
الجواب : إي نعم ، غيره نثبت .
سؤال : يا شيخ إننا نرى أصلاً نظراً أنه لا يوجب فيها فدية فلماذا نوجبها؟
الجواب : كما قلت لك حماية للمحرمات ، وذكرنا مثال عمر رضي الله عنه ، لأنه يشبهه ، لأن الناس لو قيل لهم عليكم التوبة والاستغفار سهل عليهم الأمر وصار هذا يلبس ثوباً جميلاً وهذا يلبس بشت زين ، وصار الناس في الحج كأنهم في يوم العيد كلٌ يتجمل بما شاء .
السائل : إن كان محظوراً نقول محظور لكن ليس فيه فدية .
الجواب : لا .. الفدية أنا قلت لا .. تردع العوام ، بعض العوام لا يهمهم ، إذا سألوا عن شيء نقول عليكم التوبة قالوا بس التوبة ! قال استعن بالله ، وإذا قلنا عليك كذا وكذا ................
سؤال : أحسن الله إليك ، ترك الواجب يا شيخ هو أشد من ارتكاب المحظور ؟
الجواب : لا .. يختلف ، هو من جهة جملة العبادة لا شك ؛ لأن ترك الواجب تختل به البنية بنية العبادة وذات العبادة بخلاف المحظور ، لكن قد يكون فعل المحظور أشد ، مثلاً إذا وطأ في الحج قبل التحلل الأول ترتب عليه الإثم وفساد النسك والفدية ووجوب القضاء والمضي فيه . لكن لو ترك واجباً قلنا عليك الدم وبس .
سؤال : يا شيخ ، إذا ارتكب محظوراً نسياناً أو مُكرهاً ليس عليه شيء ، ولو ترك واجباً ؟
الجواب : يعني الواجبات من مركبات العبادة من هيئة العبادة ، بعض العوام مساكين يظنون أن الإنسان مُخير بين فعل الواجب وبين الفدية ، بين ترك الواجب أو فعل الواجب والفدية ، وهذا غلط ما هو بالخيار ؛ لأن الواجب فعل الواجب لكن لو فات الإنسان بدون تعمد فعليه الفدية على رأي الجمهور . يقول البعض وافق شخصاً في الدوادمي آخر نهار العيد حاجاً من بلد قريب من السعودية ، قال الله يعزيه الله يخلف عليك أنت إن شاء الله على نيتك فاتك الحاج، قال : لا .. أنا حجيت أو ... ، قال لا .. أنا حجيت. كيف حجيت ؟ الحج عرفة ووقفت في عرفة . طيب والباقي عليك ؟ قال الباقي كله وصيت صاحبي يذبح عن كل واجب شاة ! يظن أنه مخير . هذا الرجل وقف بعرفة ثم طاف طواف الإفاضة وسعى يوم العيد ومشى .يا رجل ؟ قال : لنا عن نسائنا شهر الآن ، مساكين إي نعم .
بالنسبة لإتيان المحظورات نقول فاعل المحظور ينقسم أيضاً على ثلاثة أقسام :
الأول : أن يفعله متعمداً بلا عذر ولا حاجة ، فهذا عليه ما سمعتم .
الثاني : أن يفعله متعمداً لحاجة إليه ، فهذا لا إثم عليه لكن عليه الفدية كمن حلق رأسه من أذى فعليه الفدية .
الثالث : أن يفعله ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فهذا لا إثم عليه ولا فدية . كل المحظورات هذه ، والأدلة والحمد لله واضحة .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، عائشة رضي الله عنها كانت ترحل على هودج هل يصح هذا دليلاً على جواز تغطية الرأس للمرأة ؟
الجواب : إي ما يخالف ، المرأة تغطي رأسها .
السائل : والرجل كذلك يكون في السيارة .......؟
الجواب : لا .. الرجل ما يجوز أن يغطي رأسه . الفقهاء ناصين أنه ما يجوز أن الرجل يركب الهودج .
سؤال : بارك الله فيك ، الذي يقرأ في كلام السلف الصالح من الصحابة والتابعين يرى أنهم يقولون لفظة الإهلال ، والعلماء يقولون الإحرام ؟
الجواب : كيف الإهلال ؟
السائل : مثلاً الحديث : أهَلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : إي أهَلَّ يعني لبى ، الإهلال يعني رفع الصوت بالتلبية .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، ما حكم وضع كمامات على الفم للمحرم ؟
الجواب : لا بأس به .
السائل : والقطن في الأذن ؟
الجواب : لا بأس به أيضاً ؛ لأن حديث ابن عباس : (( لا تخمروا رأسه ولا وجهه )) الزيادة هذه ذكر كثير من العلماء إنها شاذة ، فمن صححها قال لا يُغطى الوجه ، ومن قال إنها شاذة لم يعمل بها .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قلتم لمنع الناس من المحظورات إذا رأى المفتي من نفسه أو من المستفتي أنه ليس مهملاً إنما وقع جهلاً أو غير الجهل والنسيان ........؟
الجواب : لا .. ليس له ذلك لأنه لو أفتاه وجاء شخص آخر حاله كحاله وأفتاه بلزوم الفدية نقول له ليس إيش الفرق بيني وبين زيد ؟
السائل : للعلة يا شيخ ؟
الجواب : لا .. العلة خفية هذه ما هي بواضحة .
سؤال : حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، بعض العلماء يقول ( الخلفاء ) هذه عامة ، فلماذا لا تقولون السنة المتبعة هي سنة جميع الخلفاء وتحملوها على لفظ الحديث عام فلماذا تخصصون هذه السنة في خليفة واحد ؟
الجواب : لم نخصها بخليفة واحد .
السائل : لماذا تخصصون السنة على فعل خليفة واحد ؟
الجواب : لم نخصصها بخليفة واحد الرسول ما أراد بهذا الجمع أن يجتمعوا عليها ، أراد سنتهم أي سنة الواحد منهم ، ما أراد لا بد أن يجتمعوا عليها .
سؤال : هناك بعض القبعات تكون مثل العصابة عرضها على قدر الإصبع .....؟
الجواب : هذا سير ؟ ما يجوز ، لا يجوز تغطية الرأس لا بسير ولا بطاقية ولا شماغ ولا شيء .
سؤال : أشكل عليّ أن الإنسان لا يلزمه أن يلبس الإحرام وهو مُطيب فكيف يجوز له أن يضعه على بدنه وإذا وضعه على بدنه ولبس الإحرام سيصبه من الطيب ؟
الجواب : أشكل عليك ؟
السائل : أحد الأخوة نقل لي أنكم تقولون إن الإنسان لا يتطيب إلا في رأسه ولحيته فقط ؟
الجواب : ما دامت السنة جاءت بالفرق فيكفي ، السنة تأتي بالفرق بين تطييب البدن وتطييب الثياب ، لكن إذا قُدر أنه بعد أن لبس الرداء ووضعه على كتفه لابد أن يمس لحيته وفيها طيب هذا لايضر .
السائل : يجوز له أن يتطيب في جميع البدن ؟
الجواب : إي نعم .
سؤال : على قول جمع ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم لبى ثلاث مرات ، ما الحكمة من ذلك ؟
الجواب : إيش الحكمة ؟ أصلاً التلبية تُكرر من حين لبى الإنسان إلى أن يبتدئ الطواف في العمرة أو يرمي جمرة العقبة .
سؤال : الحجاج في الخيام إذا كان العدد كبير البعض ما يستطيع أن ينام في إضاءة فيغطي وجهه ؟
الجواب : إذا غطى الوجه فلا بأس ، يغطي وجهه فقط .
السائل : ولو جاء الغطاء على رأسه ؟
الجواب : إذا جاء في حال النوم ما يضر لأنه نائم فليس عليه حرج لكن أنا أشك في أنه يغطي الوجه بدون رأسه .
السائل : بعضهم يضع الإحرام نفسه نفس الرداء .
الجواب : إي لكن ما يغطي الرأس . طيب ما يمكن يحط نظارة سوداء ؟! ... ما يمكن .
السائل : في قماشات الآن يا شيخ مثل الكمامة .
الجواب : في ظني إذا غطى وجهه بغير منديل سيغطي الرأس ، والمنديل أيضاً أي حركه تزول.
سؤال : من احتاج تغطية الرأس مدة طويلة فماذا عليه ؟
الجواب : إذا قلنا بالقول الذي ليس فيه فدية فليس عليه فدية ، جائز أن يغطي رأسه ولا فدية عليه كما ذكرنا لكن المفتى به أن عليه فدية أذى .
السائل : واحدة ؟
الجواب : إي واحدة . ما دام إنه يفدي لهذه العلة ، أما لو برئ وقد فدى برأت ثم احتاج مرة ثانية فعليه فدية ثانية وإن لم يفد عن الأولى كفاه فدية واحدة عن الثنتين لأن الموجب واحد .
سؤال : أثابكم الله إذا فعل محظورين ولم يفدي في الأول هل يفدي ؟
الجواب : إذا كانا من جنس الأول كفاه فدية واحدة ، وإن اختلفا كالجماع مثلاً والطيب فلكل فديته .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، تغطية الرأس عند الحاجة كثل من عنده مرض في رأسه أو مطر أو برد ؟
الجواب : الحاجة تختلف ، يعني إما برد أو وجع أو شمس ، المهم أن يضطر يغطي رأسه .
السائل : من احتاج يا شيخ يغطي رأسه لحاجة تختلف يا شيخ ، ضرورية وغير ضرورية ؟
الجواب : لا .. الحاجة غير ضرورية .
سؤال : إن أصاب الطيب بيده من الكعبة أثناء الطواف هل نأمره بالخروج ليغسل يديه ثلاثاً ؟
الجواب : لا .. أحسن شيء نقول له امسح الطيب في كسوة الكعبة .
السائل : حديث يعلى بن أمية ما يدل على وجوب الغسل ؟
الجواب : لا .. بس هذا عن عمد وربما تختلف الأطياب بعضها يكفيه المسح ، وبعضها لا بد أن يُغسل ، تختلف .
سؤال : إذا كان الشخص في حال النوم غطى رأسه هل يخلى أم يُرفع عنه اللحاف ؟
الجواب : ارفعه عنه لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى ، مثل ما لو رأيت صائماً يأكل ويشرب ناسياً ذكره .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، انتشر بين الواعظين يقولون إذا حج الإنسان بمال حرام حين يقول لبيك اللهم لبيك يناديه مناد أن لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك ؟
الجواب: فيه حديث لكنه ضعيف. والصواب أن الحج صحيح مع الإثم
?????
طيب إذا كان يحتاج على إتيان محظور فعله وعليه الفدية واستدل بالقرآن في قصة حلق الرأس ، لكن لو احتاج إلى أكل وبين يديه غزال هل يجوز أن يذبح الغزال ليُنقذ حياته أو لا يجوز ؟ نعم يجوز لأن الإنسان إذا اضطر إلى المحرم جاز له ، طيب إذا جاز هل عليه جزاؤها أو لا ؟ من العلماء من يقول عليه جزاؤها لأنه إنما صادها لنفسه فعليه الجزاء ، ومنهم من يقول لا جزاء عليه لأن الله أحلها فصارت الآن لا حرمة لها . وهذا أقرب على الصواب والأول أحوط .
طيب إنسان عنده أرنب حية وأرنب ميتة وهو محرم فماذا يصنع هل يأكل الميتة أو يأكل الحية ؟ الصحيح أنه يأكل الحية ، وبعض العلماء يقول يأكل الميتة خصوصاً عند من يرى أنه إذا أكل الحية وجب عليه الفدية أو واجب عليه الجزاء ، ولكن الصحيح أنه يأكل الحية . طيب إنسان عنده أرنب حية وأرنب ميتة وهرة حية أيهما يأكل؟ الأرنب الحية صح ، بارك الله فيكم .(244/26)
21 ـ بَاب الرُّكُوبِ وَالارْتِدَافِ فِي الحَجِّ
1443 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْليِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا أَنَّ أُسَامَةَ رضي الله عنه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلى المُزْدَلفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْل مِنَ المزْدَلفَةِ إِلى مِنًى قَال فَكِلاهُمَا قَال لمْ يَزَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ(1)
__________
(1) قال المؤلف رحمه الله : ( باب الركوب والارتداف في الحج ) كأنه يرى والله أعلم إلى أن المشي أفضل ، الحج ماشياً أفضل ، والمسألة فيها خلاف بين العلماء هل الأفضل أن يحج راكباً أو الأفضل أن يحج ماشياً ؟ وهذا الخلاف في زمنهم رحمه الله الذي يركب الإنسان فيه براحة وينزل براحة وكذلك في المشي ، لكن في وقتنا الحاضر أيهما أصعب المشي أو الركوب ؟ أحياناً الركوب ، أحياناً يدفع الناس من عرفة إلى مزدلفة لا يصلونها إلا الصباح وهذا وقع قبل خمس سنوات ، الآن والحمد لله خفت لأن الحكومة وفقها الله فتحت طرقاً كثيرة . فهنا الركوب أصعب وأحياناً بالعكس ، فهل نقول الأفضل الركوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج راكباً أو الأفضل المشي لأن الإنسان حر في نفسه ويتصرف كما شاء ؟ نرى أن الركوب والمشي في حد ذاته ليس بينهما تفوات لكن الكلام على راحة الحاج فما كان أيسر له وأقوم لعبادته فهو أفضل .
وقوله : ( الارتداف ) أيضاً الارتداف على الدابة في الحج وغيره إذا كانت تطيق هذا فلا بأس به فقد ردف معاذ بن جبل رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حمار ، وهذه قصة في الحج أردف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسامة بن زيد مولى من الموالي من عرفة إلى مزدلفة ، وأردف من ؟ الفضل بن عباس وهو من صغار أهل البيت حين دفع من مزدلفة إلى منى ، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام ، لم يُردف كبار القوم مع أن كل واحد يتمنى أن يكون رديفه لكن من تواضعه أردف في الأول مولى من الموالي وفي الثاني صغير من الصغار . وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يُقال بين يديه إليك إليك ولا طرد ولا ضرب ، وحج على جمل غث صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا أدرك الناس كيف حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .(244/27)
22 ـ بَاب مَا يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ
وَلبِسَتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا الثِّيَابَ المُعَصْفَرَةَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَقَالتْ لا تَلثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ وَلا تَلبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلا زَعْفَرَانٍ . وَقَال جَابِرٌ لا أَرَى المُعَصْفَرَ طِيبًا وَلمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالحُليِّ وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ وَالمُوَرَّدِ وَالخُفِّ للمَرْأَةِ وَقَال إِبْرَاهِيمُ لا بَأْسَ أَنْ يُبْدِل ثِيَابَهُ(1)
__________
(1) كل هذا آثار واضحة ، من أين يكون قول إبراهيم النخعي رحمه الله لا بأس أن يبدل المحرم ثيابه سواء لوسخ أو لتمزق أو لغير ذلك . وما اشتهر عند العامة أن المحرم لا يُغير الثياب سواء كان رجلاً أو امرأة فلا أصل له ، ما دام الإنسان غيّر الثوب الأول إلى ثوب آخر يجوز لبسه في الإحرام فلا حرج .(244/28)
1444 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُليْمَانَ قَال حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَال أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَال انْطَلقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنَ المَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّل وَادَّهَنَ وَلبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلبَسُ إِلا المُزَعْفَرَةَ التِي تَرْدَعُ عَلى الجِلدِ (1) فَأَصْبَحَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكِبَ رَاحِلتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلى البَيْدَاءِ أَهَل هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلدَ بَدَنَتَهُ(2) وَذَلكَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ(3)
__________
(1) قوله : ( ولم ينه عن شيء من الأردية والأزر ) يدل هذا على أن الإزار وإن خيط بدلاً من أن يُلف خيط فإنه يجوز؛ لأنه لا زال يُسمى إزاراً، ولا دليل على المنع، وكما أسلفنا لكم أن قول إنه يتجنب لبس المخيط ليس بصحيح؛ لأنه أُثر عن إبراهيم النخعي رحمه الله وليس بمضطرد .
(2) قلد بدنته ) قلدها يعني جعل عليها قلادة تدل على أنها هدي ، هذه القلادة يقيدون فيها النعال المتقطعة آذان القرب البالية وما أشبه ذلك ، إشارة إلى أن هذه هدي للفقراء ، والتقليد هذا سنة لما فيه من إظهار الشعائر حتى تمر هذه الإبل وهي قد عُرف أنها هدي .
(3) وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ) متى تكون ؟
طالب : خمس وعشرين .
الشيخ : لكن بأي يوم ؟ الجمعة تسع من ذي الحجة ، هو خرج من المدينة يوم السبت عليه الصلاة والسلام .(244/29)
فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ ليَالٍ خَلوْنَ مِنْ ذِي الحَجَّةِ(1) فَطَافَ بِالبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَحِل مِنْ أَجْل بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلدَهَا ثُمَّ نَزَل بِأَعْلى مَكَّةَ عِنْدَ الحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌّ بِالحَجِّ وَلمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ(2) وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(3) ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا وَذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلدَهَا وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لهُ حَلالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ(4)
__________
(1) القعدة ) الأفصح الفتح ، و( الحجة ) الأفصح الكسر ، ويجوز كسرهما ورفعهما ولكن الكلام على الأفصح . متى الرابع من ذي الحجة ؟ يوم الأحد ، صار مسيره تسعة أيام صلى الله عليه وسلم .
(2) عند الحجون ) معروف الآن تسمى عند العامة هي الحجول باللام وتسمى الأبطح ، نزل هناك ، يقول رضي الله عنه : ( ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة ) ففيه دليل على أنه ينبغي للحاج أن لا يطوف بالكعبة إلا طواف النسك فقط تأسياً بمن ؟ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولمصلحة أخرى وهي إخلاء المطاف لمن احتاج إليه من القادمين . وهكذا يقال أيضاً في العمرة إذا كثر الناس فالأفضل أن لا يُكرر الطواف يقتصر على طواف النسك فقط .
(3) قوله : ( بين الصفا والمروة ) أفاد أنه لا يجب صعود الصفا ولا المروة ؛ لأن البينية بين الشيئين تقتضي خروجهما عن المسافة ، وهو كذلك لا يجب الصعود لا على الصفا ولا على المروة ولكن الأفضل الصعود حتى يرى الكعبة كما جاءت به السنة .
(4) قال : ( ثم يقصروا رءوسهم ) أمر بالتقصير هنا مع أن الحلق أفضل وذلك من أجل أن يبقى الحلق للحج ؛ لأنهم قدموا في اليوم الرابع ، لو حلقوا رءوسهم ما بقي شيء للحج . وعليه فيقال : الأفضل في العمرة الحلق إلا المتمتع إذا قدم متأخراً فالأفضل أن يُقصر لأجل أن يبقى للحج . ويؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهو أن ترك الفاضل لما هو أفضل منه جائز ، ومن ذلك لو نذر الإنسان أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم صلى في المسجد الحرام يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز .(244/30)
23 ـ بَاب مَنْ بَاتَ بِذِي الحُليْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
1445 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَال صَلى النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الحُليْفَةِ فَلمَّا رَكِبَ رَاحِلتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَل(1)
1446 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ صَلى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلى العَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ قَال وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ(2)
24 ـ بَاب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالإِهْلال
__________
(1) تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 407 :
قوله حدثني بن المنكدر كذا رواه الحفاظ من أصحاب بن جريج عنه وخالفهم عيسى بن يونس فقال عن بن جريج عن الزهري عن أنس وهي رواية شاذة . قوله وبذي الحليفة ركعتين فيه مشروعية قصر الصلاة لمن خرج من بيوت البلد وبات خارجا عنها ولو لم يستمر سفره واحتج به أهل الظاهر في قصر الصلاة في السفر القصير ولا حجة فيه لأنه كابتداء سفر لا المنتهى وقد تقدم البحث في ذلك في أبواب قصر الصلاة وتقدم الخلاف في ابتداء إهلاله صلى الله عليه وسلم قريبا .
الشيخ : لهذا يبدو أنه صلى الظهر يوم السبت في المدينة ثم خرج وصلى العصر ركعتين ، هذا ما يظهر لي ولكن يحتاج إلى المراجعة .
(2) هو قد جزم في السياق الأول بأنه بات حتى أصبح .(244/31)
1447 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال صَلى النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا(1)
__________
(1) بهما ) أي بالحج والعمرة . وفي هذا دليل على أن الإنسان يرفع صوته عالياً بالتلبية وأنه يسمي نسكه فيقول لبيك عمرة إن كان في عمرة أو لبيك حجاً إن كان في حج أو لبيك حجاً وعمرة إن كان في حج وعمرة . ومن المؤسف أنه تمر بك القوافل الكثيرة لا تسمع أحداً يلبي مع العلم أنه من الشعائر وإذا لبيت فإنه لا يسمع تلبيتك شجر ولا حجر إلا شهد لك . فأحثكم أنتم طلاب العلم على رفع الصوت بالتلبية وأن تبينوا للناس أن هذا من السنة التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعلها وأصحابه يفعلونها ويقرهم .
سؤال : بارك الله فيك ، تسمية النسك يعني المعتاد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، فكيف يدخل هذا فيها ؟
الجواب : إذا انتويت تقول لبيك عمرة .
السائل : وإذا تكرر ؟
الجواب : نعم كررها كما تكرر التلبية .
سؤال : المتمتع إذا حلق ماذا يفعل يوم العاشر ؟
الجواب : حلق للعاشر ؟
السائل : لا .. حلق للعمرة والأفضل أنه يُقصر ، فإذا حلق ؟
الجواب : الأفضل للمتع أن يُقصر فإذا حلق يحلق يوم العيد .
السائل : يوم العيد ما يجد شيئاً .
الجواب : لكن فيه لا بد أنه ينبت ، الشعر تراه يتبين خلال يوم وليلة ، فهمت ؟ يكفي أن يمر الموسى على هذا ، صحيح الأصلع الذي ما له شعر أصلاً ماذا يفعل عند الحلق ؟ قال بعض العلماء : يمر الموسى على رأسه . وإيش يقعد يكشع الرأس ، أو يعتبر هذا القول من الأقوال الغريبة ، ما الفائدة ؟ قالوا : وعلى ذلك يُحرك الأخرس لسانه عند القراءة بالفاتحة . الأخرس ما يتكلم ، يقولون هذا يُحرك لسانه وشفتيه . وإيش الفائدة من هذا؟ المهم أن بعض العلماء رحمهم الله يقول أقوالاً تكون بعيدة من الصواب .
ش4 ـ وجه أ :
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، الدليل على تكرار الإهلال بنوع النسك مع التلبية ؟
الجواب : هذا الحديث حديث أنس .
السائل : الحديث الذي في التلبية أنه ما يسمعه شجر ولا حجر إلا شهد له يؤخذ من هذا على أن المشي أفضل من الركوب لأن السيارة تمر بسرعة في الوقت الحاضر ؟
الجواب : لا .. إذا صارت السيارة مفتوحة أشد صوتاً ، جرب هذا إن شاء الله ، وإن حججت هذه السنة علمنا بالنتيجة ، السيارة تروح أبعد من ما يروح الماشي .(244/32)
25 ـ بَاب التَّلبِيَةِ
1448 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا أَنَّ تَلبِيَةَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ لبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ وَالمُلكَ لا شَرِيكَ لكَ(1)
__________
(1) طيب الآن التلبية تعرفون معناها ولا حاجة لتفسيرها ؟ ( لبيك ) بمعنى إجابة لك ، والمراد بالتثنية هنا التكرار لا حقيقة التثنية فيقول أجبت إجابة بعد إجابة ، وقوله ( اللهم ) يعني يا الله ( لبيك ) تكرار لكن تكرار لفائدة وهو تكرار إجابة الله عز وجل ( لبيك لا شريك لك لبيك ) هذا فيه الإخلاص لله عز وجل وأنك تلبي لله لا لغرض آخر ( إن الحمد والنعمة ) (إِن) وقيل (أَن) ، والصواب (إِن) ، لأن (إِن) أعم إذا أن المفتوحة يكون التقدير لبيك لأن النعمة لك ، وإذا كسرت صارت (إن) استنادية فتكون أعم ( إن الحمد والنعمة لك والملك ) الحمد : يعني الوصف الجميل مع المحبة والتعظيم ، وقوله ( النعمة ) يشمل نعمة الدين والدنيا ومنها أن الله أنعم عليك بإيصالك إلى هذه الأماكن الشريفة ، ( والملك ) يعم كل ما في السماوات والأرض كل الملك لله عز وجل ، وقوله ( لك والملك لا شريك لك ) كقوله في الأول ( لبيك لا شريك لك ) لكن في الأول من باب توحيد الألوهية والثاني من باب توحيد الربوبية ، ولهذا سمى جابر رضي الله عنه هذا بالتوحيد فقال رضي الله عنه : ( أهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ) .(244/33)
1449 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قَالتْ إِنِّي لأَعْلمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ يُلبِّي لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ لبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لبَّيْكَ إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لكَ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ . وَقَال شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سُليْمَانُ سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا(1)
26 ـ بَاب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْل الإِهْلال
عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلى الدَّابَّةِ
__________
(1) هذا كحديث ابن عمر إلا أنه فيه نقص كقوله هنا مثلاً ( لا شريك لك ) .(244/34)
1450 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال صَلى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلى البَيْدَاءِ حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَل بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَل النَّاسُ بِهِمَا فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ قَال وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ قَال أبو عَبْد اللهِ قَال بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ(1)
__________
(1) بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا الحديث فيه زيادة على التلبية أنه بين يد التلبية يسبح الله تبارك وتعالى ويُكبر ثم يُهل فيقول : سبحان الله ، الله أكبر ، لبيك اللهم لبيك . وسبق هل يُلبي من حين أن يصلي إذا كان يصلي ، أو إذا استوى على راحلته ، أو إذا استوى على البيداء بالنسبة لذي الحليفة ؟ وقلنا الراجح أنه يلبي من حين ما يغتسل ويصلي إذا كان هناك صلاة ثم يلبي ، ويليه أن يلبي إذا ركب ، وأما الانتظار إلى البيداء فقد وردت الأحاديث الصحيحة بأنه يلبي قبل ذلك . فأنت من حين ما تُحرم لب.
وفي هذا الحديث عدة مسائل ذكرها الراوي ، منها :
أنه أهلَّ بحج وعمرة ، أي قارناً ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ( لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً والمتعة أحب إلي ) والأحاديث الواردة في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة في اللفظ لكنها متفقة في المعنى ، وقد جمع بينها العلماء رحمهم الله قالوا : فالأحاديث التي فيها أنه أفرد يعني أنه فَعَل فِعْل المفرد لم يأت بعمرة مستقلة بينها وبين حجه إحلال . ومن قال إنه تمتع أراد أنه أجزأه ما يُجزئ المتمتع من العمرة والحج في سفر واحد. ومن قال إنه كان قارناً فهذا هو الواقع أنه كان قارناً كما قال الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة : ( لا أشك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج قارناً والمتعة أحب إلي ) .
والمتعة أن يُحرم أولاً بالعمرة ثم يُحل منها إحلالاً كاملاً ثم يُحرم بالحج يوم التروية . وورد في حديث أنس بقوله : ( فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ ) ومراده بالناس هنا الذين لم يسوقوا الهدي وأما الذين ساقوا الهدي فإنهم لم يحلوا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لولا أنني معي الهدي لأحللت معكم )) .
ومن فوائد الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحر بدنات بيده قياماً ولم يبين عددها ، لكن في صحيح مسلم من حديث جابر أن عددها كان ثلاثاً وستين بعيراً وكان الذي أهداه مائة فنحر ثلاثاً وستين بعيراً وأعطى علي أبي طالب ونحر الباقي . قال أهل العلم : وفي هذا أمر نفيسه وهو أنه كانت الإبل التي نحرها بقدر سنين عمره عليه الصلاة والسلام ؛ لأن عمره كان ثلاثاً وستين سنة .
وقوله ( قياماً ) هذا هو الأفضل في الإبل أن تُنحر قياماً ، فإن لم يُحسن كما هو حال غالب الجزارين ذبحها باركة مقيدة .
وقوله ( ذبح النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة كبشين أملحين ) يعني هذا في عيد الأضحى .(244/35)
27 ـ بَاب مَنْ أَهَل حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتُهُ
1451 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَال أَهَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتُهُ قَائِمَةً
28 ـ بَاب الإِهْلال مُسْتَقْبِل القِبْلةِ
وَقَال أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا إِذَا صَلى بِالغَدَاةِ بِذِي الحُليْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلتِهِ فَرُحِلتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَل القِبْلةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلى الغَدَاةَ اغْتَسَل وَزَعَمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَعَل ذَلكَ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الغَسْل(1)
__________
(1) قوله رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا يوجب بهذا جميع ما سبق ؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يزل يلبي حتى رمي الجمرة يوم العيد وأنه لم يقطع التلبية لأنه كان قارناً . وأما استقبال القبلة قائماً فهذا يحتاج إلى كلام في الشرح
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 413 :
قوله باب الإهلال مستقبل القبلة زاد المستملي الغداة بذي الحليفة وسيأتي شرحه . قوله إذا صلى بالغداة أي صلى الصبح بوقت الغداة وللكشميهني إذا صلى الغداة أي الصبح قوله فرحلت بتخفيف الحاء قوله استقبل القبلة قائما أي مستويا على ناقته أو وصفه بالقيام لقيام ناقته وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ فإذا استوات به راحلته قائمة وفهم الداودي من قوله استقبل القبلة قائما أي في الصلاة فقال في السياق تقديم وتأخير فكأنه قال أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه بن التين قال وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبلال إنما وقع بعد الركوب وقد رواه بن ماجه وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل قوله ثم يمسك الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية وكأنه أراد بالحرم المسجد والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه بن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ويراجعها بعد ما يقضي طوافه بين الصفا والمروة وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر قال الكرماني ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية إذا دخل أدنى الحرم والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك حتى إذا جاء ذا طوى فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم .
قوله ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر وهو مقصور منون وقد لا ينون ونقل الكرماني أن في بعض الروايات حتى إذا حاذى طوى بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط قوله وزعم هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح وسيأتي من رواية بن علية عن أيوب بلفظ ويحدث قوله تابعه إسماعيل هو بن علية قوله عن أيوب في الغسل أي وغيره لكن مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية به ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد وإنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر قال المهلب استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب لأنها إجابة لدعوة إبراهيم ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله قال وإنما كان بن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام .
الشيخ : المشكل يكون إذا أراد يلبي أن يستقبل القبلة ، هل نقول إذا أردت أن تُحرك اتجه إلى القبلة ويكون هذا مشروعاً أو نقول هي مصادفة لأن الذي يتجه إلى مكة من أي مكان يكون مستقبل القبلة ؟ فإذا استوت به راحلته وأراد ينطلق فقد استقبل القبلة ، وهذه لم أعلمها مكتوبة عند الفقهاء .(244/36)
1452 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُليْحٌ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ إِلى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ ليْسَ لهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الحُليْفَةِ فَيُصَلي ثُمَّ يَرْكَبُ وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ ثُمَّ قَال هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وَسَلمَ يَفْعَلُ(1)
29 ـ بَاب التَّلبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الوَادِي
1453 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَال حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّال أَنَّهُ قَال مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ لمْ أَسْمَعْهُ وَلكِنَّهُ قَال أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِليْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الوَادِي يُلبِّي(2)
__________
(1) يعني ولم يذكر صفاته .
(2) وادي ذي الحليفة أو وادي إيش ؟ اقرأ في الفتح .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 414 :
قوله باب التلبية إذا انحدر في الوادي أورد فيه حديث بن عباس أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي وفيه قصة وسيأتي بهذا الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس وقوله أما موسى كأني أنظر إليه قال المهلب هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج وإنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي ويدل عليه قوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء انتهى وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال أن الراوي غلط فزاده وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا أصبعيه في اليسرى مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية قاله لما مر بوادي الأزرق واستفيد منه تسمية الوادي وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس .
الشيخ : الدجال فإنه لا يدخل مكة والمدينة كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة ، وهو أيضاً مكتوب بين عينيه كافر يقرأه المؤمن وإن كان جاهلاً في القراءة ، ويخفى على المنافق وإن كان يعرف القراءة .(244/37)
29 ـ بَاب كَيْفَ تُهِلُّ الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ
أَهَلَّ تَكَلمَ بِهِ وَاسْتَهْللنَا وَأَهْللنَا الهِلال كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ وَاسْتَهَل المَطَرُ خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ ( وَمَا أُهِل لغَيْرِ اللهِ بِهِ ) وَهُوَ مِنِ اسْتِهْلال الصَّبِيِّ
1454 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَأَهْللنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَليُهِل بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ لا يَحِل حَتَّى يَحِل مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلكَ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَقَال انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ وَدَعِي العُمْرَةَ فَفَعَلتُ فَلمَّا قَضَيْنَا الحَجَّ أَرْسَلنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَال هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالتْ فَطَافَ الذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا(1)
__________
(1) في هذا الحديث من الفوائد أن الحائض إذا قدمت مكة وهي حائض لا تطوف ولا تسعى ؛ لأنها رضي الله عنها قالت : ( لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ) .
وفيه دليل على ما ذكر الفقهاء رحمهم الله من أن السعي لا يصح إلا بعد طواف نسك ، وإلا لقدمت السعي لأن السعي يجوز للحائض . وفيه أيضاً دليل على أن القارن لا يحل إلا يوم النحر ، يحل من العمرة والحج جميعاً . وفيه أيضاً دليل على القول الراجح أن المتمتع لا يكفيه سعي واحد بل لا بد من طوافين وسعيين : طواف وسعي للعمرة ، وطواف وسعي للحج ، لقولها رضي الله عنها : ( فَطَافَ الذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ) تريد بذلك السعي لأن الذين جمعوا بين العمرة والحج طافوا طوافين طواف القدوم وطواف الإفاضة ، لكن مرادها بالطواف هنا يعني بين الصفا والمروة .(244/38)
30 ـ بَاب مَنْ أَهَل فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
كَإِهْلال النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ
1455 حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال عَطَاءٌ قَال جَابِرٌ رضي الله عنه أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ عَليًّا رضي الله عنه أَنْ يُقِيمَ عَلى إِحْرَامِهِ وَذَكَرَ قَوْل سُرَاقَةَ.(1)
__________
(1) كان علي رضي الله عنه قد أهل بما أهل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبقي على إحرامه قارناً ، وأما أبو موسى فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل إحرامه بالحج عمرة لأنه لم يسق الهدي .
وفيه دليل على سعة النسك وأنه يصح الإحرام بالشيء المجهول ؛ لأنك إذا قلت أحرمت بما أحرم به فلان فهو مجهول لا تدري أكان أحرم بعمرة أم بحج وعمرة ، لكن الحج واسع في النية .
طيب ، هل من قال الآن : أحرمت بما أحرم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يصح أو لا يصح ؟ البخاري رحمه الله قال : ( من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كإهلال النبي ) فهل هذا القيد من البخاري يدل على أن الإنسان لو قال : أحرمت بما أحرم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، اليوم هل يصح أو لا يصح ؟ ظاهر كلام البخاري أنه لا يصح ، ولكن الظاهر أنه يصح ؛ لأن مراد القائل قوة التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول أحرمت بما أحرم به النبي . فنقول له : إن كنت عالماً فمعنى قولك هذا أنك أحرمت قارناً وإن كنت جاهلاً فتُعلم فيُقال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قارناً . شوف الترجمة ، قيد البخاري هذا فيه إشكال .
تعليق من فتح الباري ج3 ص 416 :
قوله : ( باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ) أي فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فجاز الإحرام على الإبهام ، لكن لا يلزم منه جواز تعليقه إلا على فعل من يتحقق أنه يعرفه كما وقع في حديثي الباب ، وأما مطلق الإحرام على الإبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم لما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك وهذا قول الجمهور . وعن المالكية لا يصح الإحرام على الإبهام وهو قول الكوفيين .
الشيخ : يعني أصحاب أبي حنيفة رحمه الله .
متابعة التعليق : قال ابن المنير : وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار بالترجمة إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن ؛ لأن عليا وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الإحرام فلا يصح ذلك والله أعلم . وكأنه أخذ الإشارة من تقييده بزمن النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : هذا الفتح أو العيني ؟
القارئ : هذا فتح الباري ، العيني غير هذا .
الشيخ : نعم إيش يقول ؟
القارئ : يقول : أي هذا باب في بيان من أهل أي أحرم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشار بهذا إلى جواز الإحرام على الإبهام ثم يصرفه المحرم لما شاء لكون ذلك وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك . وقيل : كأن البخاري لما لم ير إحرام التقييد ولا الإحرام المطلق ثم يعين بعد ذلك أشار بهذه الترجمة بقوله : ( باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلاله ) إلى أن هذا خاص بذلك الزمن فليس لأحد أن يُحرم بما أحرم به فلان بل لابد أن يُعين العبادة التي يراها ودعت الحاجة إلى إطلاق والحوالة على إحرامه صلى الله عليه وسلم لأن علياً وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام فأحالا على النبي صلى الله عليه وسلم . فأما الآن وقد استقرت الأحكام وعُرفت مراتب وكيفيات الإحرام . ا.هـ.
قلت : هذا الذي قاله سلمناه في بعضه ولم نسلم في قوله : كأن البخاري لم ير إحرام التقييد ولا الإحرام المطلق أشار بهذه الترجمة إلى أن هذا خاص بهذا الزمن ؛ لأنه ذكر في الترجمة مطلقاً من أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن أين تأتي هذه الإشارة إلى ما ذكره ؟ فالترجمة ساكتة عن ذلك ولا يُعلم رأي البخاري في هذا الحكم ما هو فافهم .
الشيخ : الظاهر أن كلام ابن حجر أصح ، ووجهه أنه إذا كان الإنسان جاهلاً لا يدري أي الأنساك أفضل فعلقه بما أحرم به فلان لأنه يثق به ، وهذا له وجه لكن لو أن أحداً قال : أحرمت بما أحرم به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهل هذا صحيح ؟ نقول : أما إن كان عالماً بما أحرم به فكأنه قال أحرمت قارناً ، وإن لم يكن عالماً فلمحبته للتأسي قال هذا ويسأل كيف كان حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . طيب وإذا سأل وقيل كان قارناً فهل يبقى على أنه قارن ؟ لا .. نقول : اجعله متعة إلا أن تكون قد سقت الهدي ، إن كنت قد سقت الهدي فاستمر في قرانك وإلا فاجعله عمرة لتصير متمتعاً .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، المتمتع بالعمرة إلى الحج له أحكام والقارن له أحكام ؟
الجواب : على كل حال نقول : إذا قال أحرمت بما أحرم به فلان قلنا صحيح ، واسأل فلان بماذا أحرم ، إن كان أحرم بعمرة متمتعاً فصحيح ، إن قال أحرمت قارناً أو مفرداً قلنا لهذا الذي قال أحرمت بما أحرم به فلان قلنا له اجعلها عمرة ؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه كان مع علي بن أبي طالب ومع ذلك قال أحرمت بما أحرم به النبي ، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( اجعلها عمرة )) لأنه لم يسق الهدي ، أما علي فكان قد ساق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشركه في هديه .
سؤال : إذاعلق إهلاله راح الحج كله ،وأنا لا أدري ماذا صنع هو ؟
الجواب : الحمد لله له أن يصرفها إلى ما يشاء ، إذا لم يعلم حال الرجل الذي علق إحرامه بصفة إحرامه فيصرفه لما شاء .(244/39)
1456 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الخَلالُ الهُذَليُّ حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَليمُ بْنُ حَيَّانَ قَال سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه قَال قَدِمَ عَليٌّ رضي الله عنه عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ مِنَ اليَمَنِ فَقَال بِمَا أَهْللتَ قَال بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَقَال لوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ ، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال لهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِمَا أَهْللتَ يَا عَليُّ قَال بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ.(244/40)
1457 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ إِلى قَوْمٍ بِاليَمَنِ فَجِئْتُ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَال بِمَا أَهْللتَ قُلتُ أَهْللتُ كَإِهْلال النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ قَال هَل مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ قُلتُ لا فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْللتُ فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلتْ رَأْسِي فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَال اللهُ ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ ) وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ.(1)
__________
(1) قوله رضي الله عنه : ( فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي ) هذا مشتبه هل هي محرم أو غير محرم ، فماذا نعمل ؟ نحملها على المحكم وأنه كان محرماً لها ؛ لأنه لا يجوز لإنسان أن يمكن امرأة غير محرم أن تمشط رأسه .
وفيه أيضاً قوله : ( فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَال اللهُ تعالى : { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ } وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ ) يريد رضي الله عنه منع المتعة ، وكان رضي الله عنه يمنع الناس من المتعة بحجة أنه لو تمتع الناس بعمرة تامة ثم أحرموا بالحج في اليوم الثامن اقتصروا على هذا العمل وقالوا حصل لنا عمرة وحج والحمد لله نبقى في بيوتنا ، فرأى رضي الله عنه أن يمنع الناس من المتعة من أجل أن يأتوا بعمرة في غير أشهر الحج فيكون البيت دائماً معموراً بالعمار ، لكن قوله رضي الله عنه مرجوح ، بماذا ؟ بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقال في الاستدلال بالآية : { وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ } أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن بالسنة كيف إتمامها ، فإتمام الحج والعمرة إذا كان قارناً أن يتمتع ويفسخ القرآن إلا إذا كان معه هدي ولا ينافي الآية الكريمة ؛ لأن الذي يأتي بعمرة أولاً ثم بحج ثانياً أتم الحج وأتم العمرة . وأما قوله : (وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ ) فنعم ، إذا كان الإنسان معه هدي لا يمكن أن يحل .(244/41)
31 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ )
وَقَوْلهِ ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ للنَّاسِ وَالحَجِّ )
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا أَشْهُرُ الحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحَجَّةِ وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لا يُحْرِمَ بِالحَجِّ إِلا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَكَرِهَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ .(244/42)
1458 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَال حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَليَاليَ الحَجِّ وَحُرُمِ الحَجِّ فَنَزَلنَا بِسَرِفَ قَالتْ فَخَرَجَ إِلى أَصْحَابِهِ فَقَال مَنْ لمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلهَا عُمْرَةً فَليَفْعَل وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَلا قَالتْ فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لهَا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالتْ فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْل قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الهَدْيُ فَلمْ يَقْدِرُوا عَلى العُمْرَةِ قَالتْ فَدَخَل عَليَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَال مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ قُلتُ سَمِعْتُ قَوْلكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قَال وَمَا شَأْنُكِ قُلتُ لا أُصَلي قَال فَلا يَضِيرُكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللهُ عَليْكِ مَا كَتَبَ عَليْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا قَالتْ فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالبَيْتِ قَالتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَل المُحَصَّبَ وَنَزَلنَا مَعَهُ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَال اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ فَلتُهِل بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي قَالتْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَال هَل فَرَغْتُمْ فَقُلتُ نَعَمْ فَآذَنَ(244/43)
بِالرَّحِيل فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَل النَّاسُ فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلى المَدِينَةِ . ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا(1)
__________
(1) شوف الآثار التي في الترجمة .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 419 :
قوله : ( باب قول الله تعالى الحج أشهر معلومات إلى قوله في الحج وقوله يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) قال العلماء : تقدير قوله : { الحج أشهر معلومات } أي الحج حج أشهر معلومات أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه . وقال الواحدي : يمكن حمله على غير إضمار وهي أن الأشهر جُعلت نفس الحج اتساعا لكون الحج يقع فيها كقولهم ليل نائم . وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب : المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به . وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها ، وهو قول مالك ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة .
وهل يدخل يوم النحر أو لا ؟ قال أبو حنيفة وأحمد نعم ، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ، واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب ؟ فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي ، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب ، واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح ؛ لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فلو أحرم قبل الوقت انقلب نفلا بشرط أن يكون ظاناً دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين .
قوله : ( وقال بن عمر رضي الله عنهما أشهر الحج ... إلخ ) وصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه قال : (الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) وروى البيهقي من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله والإسنادان صحيحان ، وأما ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : ( من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع ) فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة جمعاً بين الروايتين والله أعلم .
ش4 ـ وجه ب :
قوله : ( وقال ابن عباس وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج ) ورواه بن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال : ( لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج ) قوله : ( وكره عثمان رضي الله عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان ) وصله سعيد بن منصور : ( حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد أخبرنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه ) وقال عبد الرزاق : ( أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال أحرم عبد الله بن عامر من خراسان فقدم على عثمان فلامه وقال غزوت وهان عليك نسكك ) وروى أحمد بن سيار في تاريخ مرو من طريق داود بن أبي هند قال : ( لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع ) وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضا وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق محمد بن إسحاق أن ذلك كان في السنة التي قُتل فيها عثمان . ومناسبة هذا الأثر للذي قبله أن بين خراسان ومكة أكثر أشهر الحج فيستلزم أن يكون أحرم أشهر الحج فكره ذلك عثمان ، وإلا فظاهره يتعلق بكراهة الإحرام قبل الميقات فيكون من متعلق الميقات المكاني لا الزماني .
ثم أورد المصنف في الباب حديث عائشة في قصة عمرتها وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب الذي بعده .
الشيخ : أقرب ما يقال قول مالك رحمه الله أنها ثلاثة أشهر وليس المعنى أنه يمكن أن يؤتى الحج بعد عرفة ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( الحج عرفة )) لكن المراد أنه يجوز أن يؤخر أفعال النسك التي لم تُقيد بوقت معين إلى آخر الشهر ، فمثلاً الطواف طواف الإفاضة ليس مخصوصاً بوقت معين فلك أن تؤخره إلى آخر الشهر ولا يجب أن تؤخره إلى ما بعده إلا بعذر كامرأة نفساء مثلاً لا تستطيع أن تطوف . كذلك السعي لك أن تؤخره إلى آخر الشهر شهر ذي الحجة ، كذلك الحلق لك أن تؤخره إلى آخر ذي الحجة ، وأما الرمي والمبيت فهو مُقيد بزمن معين فيختص به .
ولا يستقيم القول بأنه إلى العاشر من ذي الحجة لأنه مشكل ؛ لأن بعد عاشر ذي الحجة تقع أعمال من الحج من أعمال النسك كالرمي والمبيت ولا يصح الإحرام بالحج من بعد عرفة على كل الأقوال، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( الحج عرفة )).
وقوله : (ضَيْرِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا ) هذا يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا يضير)) ، وفي هذا الحديث حسن خُلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أهله وتسلية الإنسان بما يكون مع غيره لأن الإنسان يتسلى إذا وقع الضر عليه وعلى غيره ، وإلى هذا يشير قوله تبارك وتعالى : { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } مع أنه في الدنيا ينفع يهون عليه الأمر . وأيضاً المعذب في النار ـ آجارنا الله وإياكم منها ـ يرى أنه لا أحد أشد من تعذيبه ، ولو رأى أن أحداً أشد من تعذيبه لهان عليه الأمر .
سؤال : ما هو الصواب في أن من أهل بالحج قبل أشهر الحج ؟
الجواب : أحرم، يعني أحرم بالحج ؟ الأقرب قول الشافعي رحمه الله أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل اشهر الحج وأنه لو فعل انقلب عمرة .
سؤال : قول عائشة رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( ما يبكيك ) لم تقل له أنا حائض ؟
الجواب : على كل حال الرواية اختلفوا فيها ، لكن إذا ذكر الإنسان شيئاً من لوازم شيء آخر اكتفى به ، وما زال الناس حتى إلى اليوم هذا تُسأل المرأة مثلاً لماذا ما صمتي ؟ تقول لا أُصلي ، فيُعرف . فإذا ذكر الإنسان الشيء الذي من لوازم غيره اكتفى به .
سؤال : هذا رجل ـ أثابك الله يا شيخ ـ أحرم بالعمرة لوالده ثم عندما قربت أيام الحج أحرم بالحج لنفسه على أن يكون مفرداً في حجه ؟
الجواب : أدخل حج نفسه على حج أبيه ؟
السائل : الأولى عمرة لوالده لكن في أشهر الحج ، ثم أحرم بالحج ونوى الإفراد ؟
الجواب : إذا أحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج عن شخص ثم أحرم في نفس السنة لنفسه بالحج فهو متمتع ، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله : ولا يُعتبر في التمتع وقوع النسكين عن واحد ، فلو اعتمر عن شخص وحج عن آخر فهو متمتع . انتبه لذلك لأن العبرة لتمتعه بين العمرة والحج سواء كان النسكان لنفسه أو لآخر أو أحدهما لنفسه والثاني لآخر .(244/44)
32 ـ بَاب التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالحَجِّ وَفَسْخِ الحَجِّ
لمَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
1459 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَلا نُرَى إِلا أَنَّهُ الحَجُّ فَلمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ أَنْ يَحِل فَحَل مَنْ لمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لمْ يَسُقْنَ فَأَحْللنَ قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا فَحِضْتُ فَلمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ الحَصْبَةِ (1) قَالتْ يَا رَسُول اللهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ قَال وَمَا طُفْتِ ليَاليَ قَدِمْنَا مَكَّةَ قُلتُ لا قَال فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا قَالتْ صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَهُمْ قَال عَقْرَى حَلقَى أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ قُلتُ بَلى قَال لا بَأْسَ انْفِرِي قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله عَنْهَا فَلقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَليْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا (2)
__________
(1) ليلة الحصبة في ليلة الرابع عشر من شهر ذي الحجة وسميت بذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل فيها بالمحصب وهو مكان معروف فسُميت ليلة الحصبة .
(2) هذا شك ، سياق الحديث يعارض المعروف من أن عائشة رضي الله عنها حاضت بسرف وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل عليها وهي تبكي وأمرها أن تُدخل الحج على العمرة وتكون قارنة . قم أنها فيها أيضاً من الشيء الغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن حالها بعد قدومها مكة هل طافت أو لا ؟ ومثل هذا لا يخفى عليه غالباً ، ففيه إشكال .(244/45)
1460 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِالحَجِّ وَأَهَل رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ بِالحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَل بِالحَجِّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ(1)
__________
(1) هذا واضح هذا أقسام النسك ثلاثة: إحرام بالعمرة، إحرام بالحج، إحرام بهما جميعاً . ولكن قولها رضي الله عنها : ( أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ) يُحمل على أنه ابتدأ الإحرام بالحج ثم قيل له قل حجاً وعمرة فقرنهما بعد أن أحرم بالحج ، وهذا جائز على مذهب بعض أهل العلم أن يُدخل العمرة على الحج ، كما أنه يجوز بالاتفاق أن يُدخل الحج على العمرة . وعلى هذا فيكون صفة القران على هذا القول الذي هو ظاهر حديث عائشة يكون صفة القران كم ؟ ثلاث صفات :
الصفة الأولى : أن يحرم بهما جميعاً ، يقول لبيك عمرة وحج .
والثانية : أن يُحرم أولاً بالحج ثم يُدخل العمرة عليه ليصير متمتعاً . وهذا انفسخ الحج .
والثالثة : أن يُحرم أولاً بالعمرة ثم يُدخل الحج عليها ، وهذا ما فعلته عائشة رضي الله عليها .
الرابع من أقسام النسك : أن يحرم أولاً بالحج ثم يدخل العمرة عليه ويبقى في إحرامه يعني لا يتحلل ، وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله وجماعة من العلماء .(244/46)
1461 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَال شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَليًّا رضي الله عنهمَا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ المُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلمَّا رَأَى عَليٌّ أَهَل بِهِمَا لبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَال مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ لقَوْل أَحَدٍ(1)
__________
(1) لكن قول علي رضي الله عنه ليس بحجة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل بحج وعمرة ولم يتمتع حيث كان معه الهدي ، ولا شك أن من كان معه الهدي الأفضل أن يكون قارناً وأما من ليس معه هدي فالأفضل أن يكون متمتعاً ، وأما نهي عثمان رضي الله عنه عن المتعة فكما أسلفت أنه رضي الله عنه وعمر وأبا بكر نهوا عن ذلك من أجل أن يعمر البيت الحرام بالزائرين لأن الناس في ذلك الوقت إذا كان تهيأ لهم أن يأتوا بعمرة وحج في سفر واحد كان سهلاً عليهم ، وإذا أُنشئ السفر من بلاد بعيدة على الإبل ففيه صعوبة ، فخاف هؤلاء الخلفاء أن يتهاون الناس في زيارة البيت . ولكن لا شك أن الأولى ما دلت عليه السنة وهو الأمر بالمتعة وأن الأفضل أن يتمتع الإنسان على كل حال إلا إذا ساق الهدي فالأفضل القران.(244/47)
1462 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَال كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَأ الدَّبَرْ وَعَفَا الأَثَرْ وَانْسَلخَ صَفَرْ حَلتِ العُمْرَةُ لمَنِ اعْتَمَرْ(1)
قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلينَ بِالحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُول اللهِ أَيُّ الحِل قَال حِلٌّ كُلُّهُ(2)
__________
(1) هذا استنتاج باطل ( إذا برأ الدبر ) يعني دبر الإبل الذي يكون بسبب التحميل عليها تكون جروح على ظهورها ، يكون إذا برأ الدبر ، ومتى يبرأ ؟ بعد أشهر أو شهر أو شهرين . الثاني يقول : ( إذا برأ الدبر وعفا الأثر ) عفا الأثر يعني انمحى ، والمراد أثر الإبل ؛ لأنه كان في الأول هناك ما يسمونه بالطرق والجواب من آثار خفاف الإبل وحوافر الحمير والخيل . والثالث : ( وانسلخ صفر ) المراد صفر محرم ، انسلخ محرم ( حلت العمرة لمن اعتمر ) فيقال هذا كلام باطل والعمرة تحل في أشهر الحج وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم للتمتع بالحج .
(2) يعني هو حل كله حتى أوردوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إيراداً وقالوا : يا رسول الله نخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً ؟ ماذا أُريد بهذا ؟ جماع الإماء ، كيف نجامع بين العمرة والحج ونخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً ؟ قال : (( افعلوا ما أمرتكم به )) وهذا يدل على أن الحل بين العمرة والحج للتمتع حلٌ كامل تحل به النساء ويحل به الطيب واللباس وكل المحظورات .
سؤال : أحسن الله إليكم ، أمره عليه الصلاة والسلام الصحابة بالحل هل يقال هو أمر للإباحة أو أمر للوجوب ؟
الجواب : لعلك تقول هل يقال إنه أمر سنة أو وجوب ، الصحيح أنه أمر سنة ، ولكنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجب على الصحابة أن ينفذوا ؛ لأن مجاهرة الصحابة بمخالفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها فساد كبير ، فيقول من بعدهم : إذا كان الصحابة خالفوا الرسول فكيف لا نخالف ؟ ثم إن فعلهم لهذا تطبيق لهذه السنة عملياً ، والتطبيق العملي قد يكون أبلغ من المثال القولي ، وهذا الذي ذكرته الآن اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، هل فسخ الحج إلى العمر بالتمتع هل هو واجب أو سنة أو فيه تفصيل ؟ أكثر العلماء على أنه سنة ، وأعني بأكثر العلماء الذين يجوزون الفسخ ؛ لأن من العلماء من منع الفسخ وقال لا يمكن أن يفسخ الإنسان حجه إلى عمرة أبداً . لكن هذا القول ضعيف جداً ولا معول عليه . ومنهم من قال هو سنة مطلقاً . ومنهم من قال هو واجب مطلقاً . ومنهم من فصَّل قال : هو واجب في حق الصحابة رضي الله عنهم من أجل تثبيت السنة وتطبيقها .
ولا يخفى علينا جميعاً أن هناك فرقاً بين أن يعصي الإنسان أوامر أبيه مجابهةً وبين أن يعصي ذلك في وقت آخر ، بينهما فرق عظيم . فالصواب ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك واجب في حق الصحابة رضي الله عنهم سنة في حق غيرهم . ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه ، قال : إنها ليست عامة ولكنها لنا خاصة. يعني الصحابة ، ومراده بذلك الوجوب ، أفهمت ؟(244/48)
1463 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال قَدِمْتُ عَلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَأَمَرَهُ بِالحِل .
1464 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ ح ، وحَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهمْ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ أَنَّهَا قَالتْ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلمْ تَحْلل أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ(1)
__________
(1) وهكذا من ساق الهدي لا يمكن أن يجعلها عمرة يجب أن يبقى على إحرامه إلى يوم العيد . وقوله : ( لبدت رأسي ) إنما لبده لطول المدة لأنه لن يقصره ولن يحلقه إلا يوم العيد وهو قدم في اليوم الرابع ، بقي على العيد كم ؟ ستة أيام ، وهو قد خرج في آخر ذي القعدة فلبد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسه لأجل أن لا يحتاج إلى حلق أو إلى تقصير .(244/49)
1465 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَال تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا فَأَمَرَنِي فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلةٌ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَال سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَقَال لي أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَل لكَ سَهْمًا مِنْ مَالي قَال شُعْبَةُ فَقُلتُ لمَ فَقَال للرُّؤْيَا التِي رَأَيْتُ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن ما أفتاه به عبد الله بن عباس هو الصواب لأنه رأى في المنام أن رجلاً دعا له بقبولها ، ولو كانت غير صواب لكانت مردودة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وفي هذا دليل على مكافأة من بشرك بما يسرك ؛ لأن ابن عباس كافأه بأن يقيم عنده فيجعل له سهماً من ماله ، وفيه دليل على أن الرؤيا قد تكون ضرب أمثال وقد تكون باللازم بلازم الشيء وقد تكون بالصريح ، وهذه التي حصلت لهذه الرجل باللازم لأن من لازم القبول أن يكون العمل صحيحاً .
سؤال : قوله عليه الصلاة والسلام : (( إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ )) هل يقال للقارن إنه ما يحل حتى ينحر ؟
الجواب : إذا ساق الهدي ، إي نعم نقول هذا .
السائل : لو طاف ورمى الجمرة ما يحل ؟
الجواب : ظاهر الحديث إنه ما يحل ، أفهمت ؟ هذا ظاهر الحديث أنه لا يحصل التحلل برمي جمرة العقبة يوم العيد والحلق وأنه لا بد من النحر إذا كان قد ساق الهدي . وهذا القول ليس ببعيد أنه إذا ساق الهدي ينتظر حتى ينحره ، وقد يُرد بهذه الآية : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } لكن أكثر العلماء على أن الحكم واحد فيمن ساق الهدي وغيره أنه إذا رمى وحلق حل .(244/50)
1466 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَال قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلنَا قَبْل التَّرْوِيَةِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَقَال لي أُنَاسٌ مِنْ أَهْل مَكَّةَ تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً فَدَخَلتُ عَلى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَال حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهمَا أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَدًا فَقَال لهُمْ أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلالا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالحَجِّ وَاجْعَلُوا التِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً فَقَالُوا كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ فَقَال افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ فَلوْلا أَنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لفَعَلتُ مِثْل الذِي أَمَرْتُكُمْ وَلكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ فَفَعَلُوا . قَال أبو عَبْد اللهِ أَبُو شِهَابٍ ليْسَ لهُ مُسْنَدٌ إِلا هَذَا(1)
__________
(1) هذا فيه من الفوائد بيان ضرر المفتين بغير علم حيث قالوا : إن حجتك حجة مكية ، يعني ليست متمتعاً ، فدخل على عطاء رحمه الله وهو من أفقه الناس في علم المناسك وسأله فذكر هذا الحديث .
وفيه جواز الاستفهام من العالم إذا أبان علماً لقولهم رضي الله عنهم : ( كيف نجعلها بمتعة وقد سمينا الحج ) يعني أحرمنا بالحج ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( افعلوا ما أمرتكم )) وهذا مما يؤيد وجوب التمتع على الصحابة رضي الله عنهم الذين وجههم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأمر (( فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم )) وفي هذا دليل على أن سوق الهدي يمنع من الحل لقول الله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } (( ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله )) ففعلوا .(244/51)
1467 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَال اخْتَلفَ عَليٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهمَا وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي المُتْعَةِ فَقَال عَليٌّ مَا تُرِيدُ إِلا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ فَلمَّا رَأَى ذَلكَ عَليٌّ أَهَل بِهِمَا جَمِيعًا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن اختلاف الكبار في العلم والمرتبة ، يجري بينهما اختلاف ولكن هذا لا يؤثر اختلافاً في القلوب ، خلاف ما كان عليه بعض الناس اليوم تجده إذا خالفه صاحبه في شيء من الأشياء ثأر في قلبه عليه وهذا من نزغات الشيطان ، والواجب أن أخاك إذا خالفك في شيء أن تناقشه وتنظر ما عنده فقد يكون عنده من العلم ما ليس عندك ، ثم إذا توصلتم إلى اتفاق فهذا المطلوب . يعني اتفقت معه على اتفقا في الرأي فهذا المطلوب وإلا فلكل رأي وفي هذه الحال لا يقال إنكما اختلفتما لأن كلاً منكما سلك طريقاً ظنه الحق فليعذر كل واحد منكما الآخر .
سؤال : بارك الله فيكم ، اختلاف القلوب هل هذا يكون مع اختلاف المنهج ، يعني منهج معروف لاسيما إذا عُرف أن الشخص المخالف أنه عنده علم وعنده ورع لكن خالف منهج السلف مثلاً ؟
الجواب : تعصب ؟
السائل : لا .. ما ندري هو خالف .. لكن يظهر أنه صاحب علم وأنه صاحب ورع ؟
الجواب : لا شك أن هذا لا يؤدي إلى اختلاف القلوب ، لكن إذا عُلم أنه صاحب مبدأ وصاحب حزب ويريد أن يُفرق الأمة بتحزبه فهذا يكرهه الإنسان لا لأنه خالف لكن لمنهجه ومبدأه .
سؤال : هل نقابله البشاشة والقبول أو نهجره ؟
الجواب : هذا حسب الحال إن رأيت أنك إذا بششت في وجهه وأكرمته لان قلبه ورجع إلى الحق فافعل وإلا فاهجره .
سؤال : عفا الله عنك ، الصحابة رضي الله عنهم ليس بينهم ضغينة في القلوب ؟
الجواب : وهذا هو الواجب ، الواجب إذا عرفت أن صاحبك يريد الحق وخالفك في رأيك أن تحبه لا أن تكرهه ؛ لأنه مما يدل على ورعه أنه خالفك لأجل الحق ولم يداهنك .
سؤال: ما موقف طالب العلم من العلماء الذين يختلفون في المسائل؟
الجواب : هذا سبق الكلام عليه وقلنا إن الإنسان يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب لكثرة علمه وأمانته وثقته .(244/52)
33 ـ بَاب مَنْ لبَّى بِالحَجِّ وَسَمَّاهُ
1468 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهمَا قَال قَدِمْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ وَنَحْنُ نَقُولُ لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ بِالحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَجَعَلنَاهَا عُمْرَةً(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن الإنسان يسمي نسكه في حال التلبية ، إن كان في عمرة قال لبيك اللهم عمرة، وإن كان في حج قال لبيك اللهم حجاً، وإن كان في حج وعمرة قال لبيك اللهم حجاً وعمرة ، لكن هل يكرر هذا مع تكرار التلبية أو أحياناً وأحياناً ؟ الأمر في هذا واسع فيما أرى إن كرر مع كل تلبية فهذا خير وإن صار يقول ذلك أحياناً فالأمر واسع .
طيب ، فإذا قال قائل : أليس الله تعالى يقول : { وأتموا الحج والعمرة والعمرة لله } وهذا أحرم بالحج ، كيف نقول حوله إلى عمرة ؟ نقول : هذا من كمال الحج ؛ لأنك إذا كنت محرماً بالحج ماذا يحصل لك من نسك ؟ حج فقط ، لكن إذا حولته إلى عمرة حصل لك عمرة وحج . هذه واحدة .
ثانياً : إذا قال قائل : وإذا كان محرماً بحج وعمرة قارناً أتقولون إنه يحوله إلى عمرة ليصير متمتعاً ؟ فالجواب : نقول نعم . فإذا قال هذا إذاً ما استفاد شيئاً لأن حجه وعمرته قد أتى بهما بنية واحدة ؟ فالجواب : لكن التمتع يحصل على عمرة كاملة وعلى حج كامل ، وأما القارن فإن فعله كفعل المفرد تماماً لا يزيد . يؤخذ من هذا أن انتقال الإنسان من الفاضل إلى المفضول ولو كان الفاضل واجباً فإنه لا حرج إذا انتقل إليه من جنسه ، ولهذا لو أنه أحرم بحج مفرداً ثم لما رأى الزحام وشدة الحج حوله إلى عمرة ليتحلل ، هل يجوز أو لا يجوز ؟ لا يجوز لأن هذا تحيل على إبطال النسك الذي شرع فيه لا إلى ما هو أفضل منه .
ولهذا قيَّد الفقهاء هذه المسألة فقالوا : يسن لقارن ومفرد أن يجعلا ذلك عمرة ليصيرا متمتعين . بهذا القيد ( ليصيرا متمتعين ) أما إذا حوله إلى عمرة ليطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم ينصرف إلى أهله فهذا لا يجوز. فصار تحويل الإقران والإفراد إلى تمتع من إتمام الحج والعمرة لأن الرجل انتقل من فاضل إلى أفضل .(244/53)
34 ـ بَاب التَّمَتُّعِ عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ
1469 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَال حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ رضي الله عنه قَال تَمَتَّعْنَا عَلى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ فَنَزَل القُرْآنُ قَال رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ(1)
35 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى : ( ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ )
__________
(1) قيل إنه عمر رضي الله عنه ( قال برأيه ما شاء ) وهو أنه كان ينهى عن التمتع ، وسر نهيه من أجل أن يكون البيت معموراً في كل السنة فتكون العمرة في وقت آخر غير أشهر الحج ، والمتمتع متى تكون عمرته؟ في أشهر الحج وفي سفر واحد ، فرأى رضي الله عنه أن يمنع التمتع ونهى عنه ، وهذا عكس رأي ابن عباس ، ابن عباس رضي الله عنه يرى وجوب التمتع ، بل قال : إن الرجل إذا طاف وسعى وقصَّر حل شاء أو أبى . لكن رأيه رضي الله عنه في قوله : ( شاء أم أبى ) فيه نظر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ولم يقل انقلب إحرامكم عمرة ولو كان ينقلب عمرة شاء أو أبى لم يكن لأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بجعلها عمرة ولم يكن لغضبه عليهم حين تأخروا لم يكن له معنى .
فالصواب أن تحويل الحج المفرد أو الحج المقرون بالعمرة إلى تمتع أفضل فقط ، وأما الوجوب ففيه نظر .(244/54)
وَقَال أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ البَرَّاءُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا أَنَّهُ سُئِل عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَال أَهَل المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْللنَا فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ اجْعَلُوا إِهْلالكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَال مَنْ قَلدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لهُ ( حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) إِلى أَمْصَارِكُمُ الشَّاةُ تَجْزِي فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى أَنْزَلهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَبَاحَهُ للنَّاسِ غَيْرَ أَهْل مَكَّةَ قَال اللهُ ( ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ ) وَأَشْهُرُ الحَجِّ التِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالى فِي كِتَابهِ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحَجَّةِ فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَليْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ وَالرَّفَثُ الجِمَاعُ وَالفُسُوقُ المَعَاصِي وَالجِدَالُ المِرَاءُ(1)
__________
(1) هذا من أجمع السياقات في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ولنتكلم عليه ، قال الله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تلك عشرة كاملة ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ } المشار إليه هل هو وجوب الهدي أو هو التمتع ؟ في هذا قولان للعلماء ، فقيل إنه الهدي أو بدله ، وعلى هذا فيكون لأهل مكة تمتع ، وقيل إنه عائد على التمتع ووجوب الهدي فرع منه ، وعلى هذا فليس على أهل مكة تمتع . وهذا هو الصواب أن أهل مكة ليس لهم تمتع لكن لو فُرض أن المكي قدم من المدينة إلى مكة فهنا يمكن أن يتمتع فيُحرم بالعمرة من ذي الحليفة وإذا أتى مكة طاف وسعى وقصر ويُحرم بالحج يوم التروية وليس عليه هديه ؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام . أما أن يخرج من مكة ويأتي بعمرة ثم يقول أنا متمتع فلا ، وقد استدل بهذا الحديث من قال : إن أهل مكة لا عمرة لهم ولا تصح منهم العمرة لأن العمرة هي الزيارة ، والزيارة لابد أن تكون من مكان غير المزور فلا بد أن يأتي بها من الحل ، ولم يُعهد في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجل من أهل مكة يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة إلا قصة عائشة وقد عرفتم ما فيها .
وفيه أيضاً يقول : ( أَهَل المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْللنَا ) قوله المهاجرون والأنصار هذا من باب التوكيد على الإجماع لأن المهاجرون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة إلى الله ولرسوله ، والأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ، وأزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معروفات .
( فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ اجْعَلُوا إِهْلالكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلا مَنْ قَلدَ الهَدْيَ ) يعني ساقه مقلداً إياه ، والمهم السوق بالقطيع ، بمعنى لو أنه ساق الهديه ولم يقلده فإنه يمتنع أن يحل ، ( فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لهُ حتى يبلغ لمحله ) وفي قول : ( { حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ } ) .
في هذا الحديث والذي قبله دليل على أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا أحل حتى أنحر )) أي حتى يبلغ الهدي محله ، وعليه فيحل إذا رمى وحلق وإن لم ينحر .
( ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ ) سمى ذلك عشية التروية ، أولاً التروية : معنى التروية يعني تروية الماء ، وكانو في ذلك الوقت يترون الماء من منابعهم إلى منى من أجل شرب الحجاج ، ويسمى ذلك اليوم يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية ، والتاسع يوم عرفة ، والعاشر يوم النحر ، والحادي عشر يوم القر لأن الناس قارين في منى لا أحد ينفر ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر يوم النفر الثاني ، هذه الأيام الخمسة كل واحد له اسم . وقوله : ( عشية التروية ) ظاهره أنه أمرهم أن يحرموا بعد الزوال لأن العشي يكون بعد الزوال ، والأمر ليس كذلك فإن الناس يحرمون بالحج يوم التروية قبل الزوال ويخرجون إلى منى ويصلون فيها الظهر لكن أطلق على ما قبل الزوال عشية لقربه من الزوال .
ش5 ـ وجه أ :
يقول : (عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِل بِالحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ ) وهذا صريح في وجوب السعي للمتمتع بمعنى أن المتمتع يلزمه طوافان وسعيان ، الطواف الأول والسعي الأول للعمرة ، والطواف الثاني والسعي للحج ، وهذا هو المتعين ؛ لأن العمرة منفصلة عن الحج تماماً بينها وبين الحج حل تام . وأما قول شيخ الإسلام رحمه الله : إن المتمتع يكفيه سعي واحد السعي الأول فقول ضعيف غير سديد ، وما دام النص رقي يستدل على وجوب السعي في الحج فلا عبرة بقول أحد كائن من كان .
يقول : (فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَليْنَا الهَدْيُ كَمَا قَال اللهُ تَعَالى : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ) طيب صيام ثلاثة أيام في الحج متى ؟ قال أهل العلم : يبتدئ صيام الثلاثة من أول يوم يحرم بالعمرة من حين العمرة إلى أيام التشريق ولا يؤخر عن أيام التشريق ، فمثلاً لو أحرم بالعمرة في عشرين من ذي القعدة وهو متمتع يجوز أن يصوم الثلاثة في ذي القعدة ؟ نعم يجوز . فإن قال قائل : إن الله تعالى قال : { فِي الحَجِّ } وهذا إلى الآن ما شرع في الحج ؟ فالجواب على هذا من أحد وجهين أو منهما جميعاً : أولاً أن العمرة عمرة متمتع داخلة في الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( دخلت العمرة في الحج )) ، وثانياً : أن قوله في الحج أي في سفر الحج وسفر الحج يبتدئ قبل أن يتلبس به . فإن قال قائل : على قولك هذا على هذا التقدير تُجَوِّز أن يصوم الثلاثة في سفره من بلده إلى مكة قبل أن يصل الميقات ؟ فالجواب : لا أُجوِّز ، لماذا ؟ لأن السبب لم يوجد فلو صام الإنسان قبل أن يُحرم بالعمرة فقد صام قبل وجود سبب الصوم، وتقدير الشيء قبل سببه لاغي كما لو أراد الإنسان أن يحلف على شيء وقدم الكفارة قبل أن يحنث أيجزئه ؟ لا يجزئه . إذاً يبتدئ وقت صيام الثلاثة من وقت إحرامه بالعمرة .
وقوله : { إذا رجعتم } قال ابن عباس رضي الله عنهما : إلى أمصاركم ، والآية مطلقة { إذا رجعتم } ، هل المراد إذا رجعتم من الحج بمعنى أتممت أفعاله ولو كنتم في مكة أو المراد إذا رجعتم إلى أهليكم ؟ الأفضل إلى أهليكم ، الأفضل أن لا يصوم السبعة إلا إذا وصل إلى أهله لأن بذلك يكون تمام الرخصة ، وإن صامها بعد فراغ جميع أفعال الحج ولو في مكة فلا حرج .
قال : ( الشَّاةُ تَجْزِي ) سبع البدنة والبقرة يجزئ أو لا ؟ يجزئ ، فإذاً الهدي في قوله تعالى : { ما استيسر من الهدي } يشمل الشاة الواحدة أو سبع البدنة أو سبع البقرة .( فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ ) يعني جمعوا بين الحج والعمرة في عام واحد ، بل أخص من هذا في سفر واحد . ( فَإِنَّ اللهَ تَعَالى أَنْزَلهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وَسَلمَ وَأَبَاحَهُ للنَّاسِ غَيْرَ أَهْل مَكَّةَ ) ثم استدل بقوله : { ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ } الآية واضحة والاستدلال واضح .
قال رضي الله عنه : ( وَأَشْهُرُ الحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو القَعْدَةِ وَذُو الحَجَّةِ ) قاله ابن عباس الذي يُلقب بترجمان القرآن . وقد سبق إن هذا هو القول الراجح أن أشهر الحج ثلاثة شوال وذو الحجة وذو القعدة ، لكن متى يُفعل الحج هل يفعل من أول شوال إلى آخر ذي الحجة ؟ لا لأنه وقت معين فلا يتعدى الوقت لكن هذه محله. (فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَليْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ). أو هدي ليس للتخيير ولكنها للتنويع ، دم إن وجد ، أو صوم إن لم يجد ، إن لم يجد ماذا ؟ إن لم يجد هدي أو لم يجد الدراهم ؟ هذا أو هذا ، إذا كان الإنسان عنده دراهم لكن ما وجد شاة لأن ليس في السوق شيء يصوم ، إذا كان السوق مملوءاً بالمواشي لكن ليس معه دراهم يصوم أيضاً. ولهذا حذف الله عز وجل المفعول في قوله : { فمن لم يجد } إشارة إلى العموم أي لم يجد الهدي أو ثمنه . شوف الترجمة في الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب قول الله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ) أي تفسير قوله وذلك في الآية إشارة إلى التمتع ؛ لأنه سبق فيها { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } إلى أن قال : {ذلك} واختلف السلف في المراد بحاضري المسجد فقال نافع والأعرج : هم أهل مكة بعينها ، وهو قول مالك واختاره الطحاوي ورجحه .
الشيخ : مكة فقط إن صغيرة فهي صغيرة وإن واسعة فهي واسعة ، وعلى هذا فما خرج عن حدود مكة ولو كان داخل الحرم أي داخل حدود الحرم فليس من حاضري المسجد الحرام .
متابعة التعليق :
وقال طاوس وطائفة : هم أهل الحرم وهو الظاهر .
الشيخ : أهل الحرم يعني ما كان داخل حدود الحرم وتسمى الأميال ، فهذا من حرم المسجد الحرام ولو كان خارج مكة ، وما وراءه ليس من حاضري المسجد الحرام . طيب التنعيم الآن متصل بمكة تماماً والبيوت متصلة إلى خارج الحرم إلى الحل ، فهل نقول إن الذي في التنعيم خارج الحرم من أهل المسجد الحرام أو لا ؟ على الخلاف ، إن قلنا حاضري المسجد الحرام أهل مكة قلنا مكة لو تصل إلى الطائف يعني لو تعدت الحل فمن كان فيها فهو من حاضر المسجد الحرام ، وإذا قلنا إنهم أهل الحرم صار الذين في التنعيم خارج حدود الحرم ليسوا من حاضر المسجد الحرام.
متابعة التعليق : وقال مكحول : من كان منزله دون المواقيت ، وهو قول الشافعي في القديم ، وقال في الجديد : من كان من مكة على دون مسافة القصر ، ووافقه أحمد .
الشيخ : الآن عندنا قولين أخيران :
الأول يقول : حاضر المسجد الحرام من كان دون المواقيت ، وعلى هذا فأهل البدو من حاضر المسجد الحرام ، وكل من كان دون ذي الحليفة من طريق المدينة فهم من حاضر المسجد الحرام .
القول الرابع : من كان بينه وبين مكة مسافة القصر يعني يومين ، ما دون ذلك فهو من حاضر المسجد الحرام وما وراء ذلك فليس من حاضر المسجد الحرام .
وأقرب الأقوال القولان الأولان إما أن نقول هم أهل مكة سواء اتسعت مكة أو تقلصت أو نقول ممن كان داخل حدود الحرم ، والمسألة عندي متعادلة بالنسبة للأدلة ؛ لأنك إذا نظرت أو تأملت من كان داخل الأميال لكن خارج مكة قلت هذا حاضر المسجد الحرام لأنه في حدوده فيكون من حاضره ، وإذا تأملت أن المقصود هو أن يأتي الإنسان إلى مكة من خارج مكة قلت الأولى أن نجعل حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة ، فالمسألة عندي متعادلة وفي هذا يُفتي الإنسان بما يرى أنه أحوط .
متابعة التعليق : وقال مالك أهل مكة ومن حولها سوى أهل المناهل كعسفان وسوى أهل منى وعرفة .
الشيخ : أما أهل عرفة خارج حدود الحرم وخارج مكة أيضاً ، أما أهل منى فهم داخل حدود الحرم لكن هل هم خارج مكة ؟ في وقتنا الحاضر قد تقول إنهم ليسوا خارج مكة لأن المباني متصلة ، فيكون أهل منى من حاضري المسجد الحرام بلا شك .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( التي ذكر الله ) أي بعد آية التمتع حيث قال الحج أشهر معلومات وقد تقدم نقل الخلاف في ذي الحجة هل هو بكماله أو بعضه ؟
الشيخ : طيب ما تقولون في رجل أحرم بالعمرة آخر يوم من رمضان وأتمها أول يوم من شوال ، هل يكون متمتعاً أو لا ؟ ليس متمتعاً لأنه لابد أن يأتي بالعمرة من أولها إلى آخرها بعد دخول شهر شوال .
متابعة التعليق : وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال ولكن اختلفوا هل هي ثلاثة بكاملها وهو قول مالك ونقل عن الإملاي للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة ، وهل يدخل يوم النحر أو لا ؟ قال أبو حنيفة وأحمد نعم ، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا ، وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ . واختلف العلماء أيضا في اعتبار هذه الأشهر هل هو على الشرط أو الاستحباب فقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين هو شرط فلا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي ، وسيأتي استدلال ابن عباس لذلك في هذا الباب . واستدل بعضهم بالقياس على الوقوف وبالقياس على إحرام الصلاة وليس بواضح ؛ لأن الصحيح عند الشافعية أن من أحرم بالحج في غير أشهره انقلب عمرة تجزئه عن عمرة الفرض وأما الصلاة فإن أحرم قبل الوقت انقلب نفلا بشرط أن يكون ظانا دخول الوقت لا عالما فاختلفا من وجهين .
الشيخ : القول بأنه لا يجزئ الإحرام بالحج قبل أشهره قول قوي جداً لأنه حصر { الحج أشهر معلومات } فمن قال في آخر رمضان لبيك اللهم حجاً . قلنا هذا عمرة ولا يمكن أن تحرم بالحج قبل أشهره كما أنه لا يمكن أن تحرم بالصلاة قبل دخول وقتها .
سؤال : إذا نظرنا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية ؟
الجواب : يعني أنك ترجح حاضري المسجد الحرام من كان داخل حدود الحرم .
السائل : أنا ودي هذا لكن ..........؟
الجواب : أنت ودك ما يخالف .
السائل : لكن هل هذا مما يرجح هذا ؟
الجواب : نعم هذا من أسباب الترجيح لا شك .
سؤال : أحسن الله إليك ، من ساق الهدي ليس له أن يفسخ إلى العمرة ، والذي أخذ معه الدراهم ليشتري الهدي هناك هل يعتبر أنه ساق الهدي ؟
الجواب : إي نعم إذا ساقها يعني وضع الدراهم على الأرض وقال لها برجله هيا، إيش تقول ؟ ماذا تقول ؟
السائل : ما يكون .
الجواب : لا يكون .. هذه ما هي مشكلة ، المشكل بعض الناس الآن يعطي شركات دراهم للهدي الراجحي أو غير الراجحي ، فهل يقال إنه ساق الهدي ؟ الجواب : لا .. لكن وكل من يذبح الهدي عنه فقط .
سؤال : النية هل هي التكلم بالتلبية ؟
الجواب : كيف ؟
السائل : هل النية تُعقد قبل التلبية أو هم مقترنان ؟
الجواب : النية تكفي عن التلبية لكن التلبية أفضل لا شك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيل له صلي بهذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجاً .
السائل : يقول سراً ؟
الجواب : لا .. يلبي يرفع صوته بها .
سؤال : تكفي إذا قالها سراً ؟
الجواب : إذا نوى يكفي ، النية تكفي على القول الراجح ، ومذهب الظاهرية لا يكفي لابد من التلبية وجعلوا التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام .
سؤال : بالنسبة للذي لم يعتمر في حياته ثم أراد الحج هل نقول يجب عليك أن تأتي بعمرة قبل أن تحج ؟
الجواب : لا .. ما يجب إلا إذا قلنا بأن العمرة على الفور كما هو المشهور ، نقول يجب أن تبدأ بالعمرة أو تجعل قران .
سؤال : إذا قلنا إنه ليس في حق أهل مكة التمتع ، يشكل علي أمر النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة بفسخ الحج إلى عمرة هل هو خاص بالأفاقين أو عام .
الجواب : إي هو في الأفاقين لأن أهل مكة أصلاً ما أحرموا إلا يوم ثمانية .
سؤال : لو قال قائل ما هو الدليل على أن المتمتع يوم التروية يحرم بالحج قبل الزوال ؟
الجواب : الدليل حديث جابر صرح بهذا ، حديث جابر صريح ، وأحسن سياق انساق في الحج حديث جابر ، قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .
سؤال : القارن من أهل مكة هل له أن يحرم من مكة أو يخرج إلى الحل ؟
الجواب : لا .. من مكة .
سؤال : الذي وكل من يشتري له الهدي في مكة وأُخبر أن الهدي اُشتري له قبل أن يذهب من هنا إلى مكة ، هل هو متمتع ؟
الجواب : إي متمتع ما في إشكال متمتع ، مشتري لكن ما سيق ، هل سيق ؟ يشتريه ويضعه في حوش .
سؤال : تقليد الهدي هل هو خاص بالإبل أم يشمل الغنم والبقر ؟
الجواب : لا .. يشمل كل الثلاثة ، لكن الإبل تمتاز بأنها تُشعر .
سؤال : من لا يملك الهدي هل الأفضل له أن يفرد أم يقرن بعمرة ويصوم ... ؟
الجواب: الأفضل أن يتمتع ويصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع(244/55)
36 ـ بَاب الاغْتِسَال عِنْدَ دُخُول مَكَّةَ
1470 حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا إِذَا دَخَل أَدْنَى الحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ثُمَّ يُصَلي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وَسَلمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ(1)
37 ـ بَاب دُخُول مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ ليْلا
بَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِذِي طِوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَل مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا يَفْعَلُهُ.
1471 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهمَا قَال بَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلمَ بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَل مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهمَا يَفْعَلُهُ(2)
38 ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ
__________
(1) قوله رضي الله عنه : ( كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ ) يعني الاغتسال لا الإمساك عن التلبية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ، وفيه دليل يعني في سياق الحديث أن الإشارة قد ترجع إلى بعض المشار إليه ، وإلا لو أخذنا بظاهرها لقلنا إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقطع التلبية إذا دخل الحرم .
(2) يقولون إن ذا طوى هي بئر مطوية ، وتسمى الآن في مكة الزاهر ، حي الزاهر . عندك تكرار ؟
القارئ : يقول : بذي طوى بضم الطاء وفتحها .
الشيخ : فقط .
القارئ : موجودة ومكتوب عليها لوحة بئر طوى .(244/56)
1472 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَال حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى(1)
39 ـ بَاب مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ
1473 حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل مَكَّةَ مِنْ كَدَا مِنَ الثَّنِيَّةِ العُليَا التِي بِالبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى قَال أبو عَبْد اللهِ كَانَ يُقَالُ هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ قَال أبو عَبْد اللهِ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ لوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ فَحَدَّثْتُهُ لاسْتَحَقَّ ذَلكَ وَمَا أُبَالي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ(2)
__________
(1) وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المخالفة كما خالف الطريق في صلاة العيد إظهاراً للشعائر وليشهد له الطريقان يوم القيامة بأنه مر بهما في طاعة الله عز وجل . والعليا هي الثنية ريع الحجون وهي مشهورة معروفة، كما قال الشاعر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسْمُر بمكة سامرٌ
وأما السفلى فهي التي من طريق الجعر ، ويقال : كَدا وكُدا أو كُدي فافتح وادخل وضم واخرج ، مناسبة تماماً ، الإنسان إذا بغى يدخل يفتح ويقال كدى ، وإذا انصرف يغلق الباب فيضم ، يعني إذا أشكل عليك انتبه لهذا المعنى .
(2) الله أكبر ، ثناء عظيم .(244/57)
1474 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمَّا جَاءَ إِلى مَكَّةَ دَخَل مِنْ أَعْلاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلهَا .
1475 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ المَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلى مَكَّةَ(1)
1476 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا أَعْلى مَكَّةَ قَال هِشَامٌ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلى كِلتَيْهِمَا مِنْ كَدَا وَكُدًا وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلى مَنْزِلهِ .
__________
(1) بينهما فرق واضح ، الأول كدا بالمد والفتح ، والثانية كُدى بالضم والقصر ، هي مناسبة أيضاً القصر كأن المسافر قصر إقامته في مكة أو ما أشبه ذلك .
سؤال : دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وخروجه من مكة هل يعتبر سنة يا شيخ أو يعتبر غير مقصود ؟
الجواب : هذا الذي قلنا لأنه فعل ذلك كما خالف في يوم العيد لإظهار الشعائر ، ولكن يبقى أن يقال : هل هذا متيسر في الوقت الحاضر ؟ ما هو متيسر إلا من جاء على قدميه يمكن ، أما من جاء على سيارة فتعرفون أن السيارات الآن لها اتجاه منظم لراحة الناس فلا بد من السير على هذا الاتجاه ، وحينئذٍ يقال إنك إذا سرت على هذا الاتجاه بناءً على النظام الذي سنه ولي الأمر فأنت مطيع لله عز وجل بهذا فلك أجر على اتباع النظام .(244/58)
1477 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ دَخَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا مِنْ أَعْلى مَكَّةَ وَكَانَ عُرْوَةُ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا وَكَانَ أَقْرَبَهُمَا إِلى مَنْزِلهِ .
1478 حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ دَخَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَا وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِليْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَا أَقْرَبِهِمَا إِلى مَنْزِلهِ قَال أبو عَبْد اللهِ كَدَا وَكُدًا مَوْضِعَانِ(1)
__________
(1) شوف الفتح ما تكلم على الحكم ، يعني فعل عروة ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( من كدا ) بفتح الكاف والمد ، قال أبو عبيد : لا يصرف وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى المعلا مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم ، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ، ثم سُهل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة ، وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية .
قوله : ( الثنية السفلى ) ذكر في ثاني حديثي الباب وخرج من كُدا وهو بضم الكاف مقصور وهي عند باب شبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع .
الشيخ : الحكم لعله في الباب الذي قبله ( من أين يدخل ) . هو عادة يستنبط الأحكام في آخر .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وكانت أقربهما إلى منزله ) فيه اعتذار هشام لأبيه لكونه روى الحديث وخالفه ؛ لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم وكان ربما فعله وكثيرا ما يفعل غيره بقصد التيسير ، قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كَدا وكُدا فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر ، وقيل بالعكس ، قال النووي وهو غلط ، قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به كل من في طريقه فذكر شيئا مما تقدم في العيد وقد استوعبت ما قيل فيه هناك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا والله أعلم . وقيل الحكمة في ذلك المناسبة بجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه ، وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها ، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظاهرا عاليا ، وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت . ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كدا فقلت ما هذا قال شيء طلع بقلبي وأن الله لا يطلع الخيل هناك أبدا . قال العباس فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل .
الشيخ : ما أشار إلى أنه أسهل للدخول والخروج .(244/59)
40 ـ بَاب فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا
وَقَوْلهِ تَعَالى : ( وَإِذْ جَعَلنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ قَال وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(1)
__________
(1) قوله : ( بَاب فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا ، وَقَوْلهِ تَعَالى : { وَإِذْ جَعَلنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْنًا ... } ) أي اذكر ( إذ جعلنا البيت ) أي صيرناه (مثابة للناس) يثوبون إليه ( وأمناً ) يأمنون فيه ؛ لأن هذا البيت فيه إقامة المناسك، ولولا إلقاء الأمن عليه لكان فيه الفوضى والنزاع والقتال ، لاسيما في وقتنا هذا أمم مختلفة في أجناسها وأحوالها وعاداتها ولكن الله تعالى جعله آمناً .
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى } قيل إن المراد بمقام إبراهيم كل موضع وقف فيه فيشمل عرفة ومزدلفة ومنى ، وقالوا المراد بالمصلى هنا الدعاء لأن الصلاة في اللغة الدعاء . ولا شك أن أول ما يدخل في ذلك هو المقام المعروف وأول ما يدخل في معنى المصلى الصلاة { وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل } أي أوصيناهما { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } الطائف بدأ به أولاً لأن الطواف لا يمكن إلا في هذا المكان ، ( العاكفين ) ثنى به لأن الاعتكاف لا يمكن إلا في المساجد ، (الركع السجود ) أخره لأن الركوع والسجود يكون في كل الأرض ((جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) فبدأ بالأخص فالأخص .
ويُذكر أن ملكاً من الملوك نذر أن يقوم بعبادة لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد من البشر ، واستفتى العلماء قال أفتوني في هذا النذر ، قالوا : كيف نفتيك ؟ إن كنت تصلي فربما تصادف ناس يصلون، إن صمت كذلك، إن تصدقت كذلك ، فقال أحد العلماء : أخلوا له المطاف ، يعني امنعوا الناس من الطواف وخلوه يطوف هو وحينئذٍ يوفي بنذره . صحيح هذا أو غير صحيح ؟ صحيح لأن ما في مكان يطاف به إلا هذا ، وربما يكون هذا الملك قد وقع في قلبه هذا أو لا يكون الله أعلم لكن هذا حل واضح .
بدأ بالطائفين لأنه أخص ما يكون عند هذا المسجد ، العاكفين على جميع المساجد ، الركع السجود على الأرض كلها، ثم قال عز وجل : { وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلدًا آمِنًا ) وفي الآية الثانية : { هَذَا البَلدَ آمِنًا } والثانية تدل على أنه قام هذا البد وتكون ، ( آمناً ) وصفه البلد بالأمن ليأمن كل من فيه فالبلد نفسه آمن وما فيه آمن حتى الأعجم بمعنى حتى البهائم العجم ، حتى الأشجار ، حتى اللقطة الضائعة آمنة لأنها لا تحل إلا لمنشد . فاستجاب الله دعاءه .
{ وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } ارزق أهله أي أعطهم من الثمرات ، ولا يلزم من هذا أن تكون الثمرات في نفس مكة ، يُجبى إليه كل شيء ، ولكن إبراهيم علية الصلاة والسلام قيَّد قال : {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } وهذا من تمام أدبه صلى الله عليه وسلم لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما سأل الإمامة في أول الآيات : { قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي } فقيد الله الإجابة فقال : { لا ينال عهدي الظالمين } يعني أجعل من ذريتك إماماً لكن بشرط ألا يكون ظالماً . في الدعاء الثاني تأدب إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : { وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ } لكن الله قال: { وَمَنْ كَفَرَ } فصارت إجابة الله في السؤال الثاني أعم وإجابة الله في السؤال الأول أخص. { قال وَمَنْ كَفَرَ } فهذا الواقع أهل الجاهلية كلهم كفار إلا من شاء الله ومع ذلك هذا البلد آمن ومرزوق أهله من الثمرات ، لكن الكافر قال فيه : { فَأُمَتِّعُهُ قَليلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ } أعوذ بالله ، وعلى هذا فيمكن أن يكون الكفار في مكة يرزقون كما يُرزق المسلمون ولكن مآلهم إلى النار . بعد هذا يعني هذه الشريعة الإسلامية مُنع الكافر من دخول الحرم قال الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } .
ثم قال : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ } يعني اذكر يا محمد لهذه الأمة { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } سبحان الله القرآن في غاية البلاغة { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } لم يقل عز وجل وإذ يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت ، إشارة إلى أن مشاركة إسماعيل تبع ما هي أصل ، والأصل إبراهيم عليه الصلاة والسلام . {القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} في كلمة القواعد من البيت إشارة إلى عمل هندسي وهو أنه يجب أن يكون للبناء إذا أُريد بقاؤه قواعد تثبته ما يُبنى على سطح الأرض { رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } هما يرفعان القواعد ويقولان هذا { رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } لأن الله إذا لم يتقبل من العبد صار عمله خساراً وصار سعيه تعباً . ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً قبول العمل . وقول : { إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليمُ } أي المجيب كقوله تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } والعليم ذو العلم الواسع . { رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا } الله أكبر ، إبراهيم وإسماعيل يسألان الله عز وجل أن يجعلهما مسلمين له عز وجل لأن الإسلام له سبحانه وتعالى هو العزة والكرامة والعلو والرفعة ، واجعل من ذريتنا {أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ } وحصل والحمد لله كان من ذرية إبراهيم وإسماعيل هذا النبي الكريم وهذه الأمة المسلمة { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلمَةً لكَ } وهل المراد من ذرية أمة مسلمة لك يعني العرب فقط الذين هم بني إسماعيل أم من ذريتنا أمة مسلمة لك العرب في الأصالة وغيرهم بالتبع ؟ هذا هو المتعين ، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يحمل أحد هذا الدين مثلما يحمله العرب بنو إسماعيل وإن كان يوجد من غيرهم من يحمله لكن الأصل العرب ، لا شك في هذا ، وإلا فقد حمله غيرهم كما قال الله تبارك وتعالى : { وآخرين من دونهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } على أحد التفاسير .
يقول : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أرنا يعني بينها لنا حتى نراها ، والمناسك جمع منسك وهو مكان النسك أي العبادة ، وأراهم الله عز وجل ذلك : عرفة ، مزدلفة ، منى ، مكة ، أراهم الله ذلك { وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } أي تب علينا توفيقاً أو تب علينا تجاوزاً أو الأمران ؟ الأمران كما قال الله عز وجل : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } هذه تاب عليهم أي توبة توفيق ، والمراد بقوله : { تُبْ عَليْنَا } توبة التوفيق يعني وفقنا للتوبة التي هي توبة التوفيق وللتوبة التي هي توبة التجاوز { إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } وهذا لا يخفى أنه من باب التوسل بأسماء الله تعالى المناسبة للدعاء .
سؤال : ...............؟
الجواب : الأنساك ثلاثة أنواع : إفراد وقران وتمتع وأن أفضلها التمتع إلا من ساق الهدي فالأفضل القران ، بل يتعين القران لأنه لا يمكن أن يحل كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وما هو الذي فيه الهدي من هذه الثلاثة ؟ التمتع بنص القرآن والقران على رأي أكثر العلماء ، ولكنه ليس كالتمتع في وجوب الدم كما قال الإمام أحمد رحمه الله بأنه ليس مثله لكنه يجب الهدي . والذي ليس فيه هدي الإفراد ، وسبق لنا أن القول الراجح أن المتمتع عليه طوافان وسعيان : طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج ، وأما القول بإجزاء سعي واحد ضعيف ؛ لأن حديث عائشة وابن عباس صريح في هذا والمعنى يقتضي ذلك لأن العمرة منفردة عن الحج تماماً مستقلة وبينهما حلٌ كامل ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( دخلت العمرة في الحج )) فمراده أن الصحابة لما سموا الحج وأحرموا بالحج ثم أمرهم أ يجعلوها عمرة أشكل عليهم فقال : (( دخلت العمرة في الحج )) يعني أنها ليست بعيدة منه حتى تستنكروا هذا الشيء .(244/60)
ش5 ـ وجه ب :
1479 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْها قَال لمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلانِ الحِجَارَةَ فَقَال العَبَّاسُ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اجْعَل إِزَارَكَ عَلى رَقَبَتِكَ فَخَرَّ إِلى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلى السَّمَاءِ فَقَال أَرِنِي إِزَارِي فَشَدَّهُ عَليْهِ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن أحجار الكعبة أحجار عادية من مكة وأما الحجر الأسود فقيل إنه حجر عادي وقيل إنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن وأنه سودته خطايا بني آدم ، فإن صح هذا فليس بغريب وإن لم يصح فالأصل أن الأحجار الأرضية بعضها من بعض ولا نجزم بشيء إلا بيقين في مثل هذه الأمور العظيمة الهامة .
وفيه حياء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، شدة حيائه حتى أنه لما جعل إزاره على كتفه من أجل أن يهون عليه نقل الحجارة خر عليه الصلاة والسلام إلى الأرض ، لم يتحمل هذا ، وكانوا في الجاهلية لا يهتمون كثيراً بستر العورة ولهذا يطوفون عراة ليس عليهم شيء والمرأة الحيية التي فيها الحياء كامل تجعل يدها على فرجها وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله . إذا كانت يدها صغيرة فيبدوا منه كثيرٌ ، وإن كانت كبيرة لا يبدو منه ، الله أعلم ، المهم أنها تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أُحله
تمشي أمام الناس عارية وتقول لا أحله ؟! كل الناس بينظر، هذا من جهلهم . وجه مناسبة هذا الحديث للباب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شارك في بناء الكعبة .(244/61)
1480 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْه زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لهَا أَلمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لمَّا بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَلا تَرُدُّهَا عَلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ قَال لوْلا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ لفَعَلتُ فَقَال عَبْدُاللهِ رَضِي الله عَنْه لئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَا أُرَى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَيْنِ اللذَيْنِ يَليَانِ الحِجْرَ إِلا أَنَّ البَيْتَ لمْ يُتَمَّمْ عَلى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ(1)
__________
(1) هذا واضح أن قريشاً لما أرادوا بناء الكعبة قصرت بهم النفقة لم يستطيعوا أن يبنوها كاملة على قواعد إبراهيم فرأوا أن يُخرجوا بعضها وحجروها من أجل أن يتم الطواف على الكعبة في الأصل وتركوا الجانب اليمين لأن فيه الحج فصار حد الكعبة في قواعد إبراهيم من جهة اليمن هو حدها الآن ، من جهة الشام حدها دون الحجر . والحجر قيل إنه كله من الكعبة قيل إن أكثره من الكعبة ، وهو المشهور عن العلماء أن أكثره من الكعبة نحو ستة أذرع أو نحوها .
ويقول : عائشة رضي الله عنها عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يردها على قواعد إبراهيم ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر مانعاً وهو خوف الفتنة لأن قومها ـ أي قريشاً ـ كانوا حديثي عهد بكفر ، فلو هدمها ثم أعادها على قواعد إبراهيم وهي من بنائهم حصل بذلك فتنة ، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح إذا لم تتعين المصالح ، وهنا ليست متعينة لأنهم والحمد لله جعلوا هذا الحجر .
وفي هذا الحديث دليل على ترك الأفضل إلى المفضول خوفاً من المفسدة ، وهذه قاعدة عظيمة قعدها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي مأخوذة من قوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } فنهى عن سب آلهتهم مع أنها جديرة بالسب خوفاً من أن يسبوا من هو منزه عن السب وهو الله عز وجل .
وفي هذا دليل على إضافة الشيء إلى سببه دون ذكر الله عز وجل ((لوْلا حِدْثَانُ قَوْمِكِ)) ما قال لولا الله ثم ، وهذا نسبة صحيحة ، إذا نسب الإنسان الشيء إلى سببه الصحيح دون ذكر الله عز وجل فهو حق وصحيح وجائز ، وها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في عمه أبي طالب ، قال : (( لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )) مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم سبب وليس هو المنجي له أن يكون في الدرك الأسفل . وفي هذا دليل على كذب ما اشتهر عند العوام أن هذا الحجر حجر إسماعيل ، إسماعيل بنى الكعبة على قواعد أصلية ، وهذا مما أخرجه قريش ، حتى غالى بعضهم وقال : إن إسماعيل دُفن تحت الميزاب يعني أن قبره في هذا الحجر ، وهذا أكذب وأكذب وأشد خطراً على الأمة ؛ لأن العوام إذا اعتقدوا هذا وصاروا يصلون في هذا المكان اعتقدوا أنهم يصلون على القبر ، وهذا خطير ، ولذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس مثل هذه الأشياء، حتى لو قال لك يا فلان أنا والله طفت من دون حجر إسماعيل. صحح كلامه أولاً ثم أجيبه في ذلك . والتصحيح قبل الجواب هو دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام . يوسف لما سأله الرجلان عن الرؤيا التي رآها كل واحد منهما ذكر التوحيد قبل أن يجيبهما ، دعاهما إلى التوحيد قبل أن يجيبهما ، وهذه مسألة هامة أيضاً أنه إذا جاء إنسان يسألك فاعلم أنه جاء مفتقراً إليك سيقبل ما فيك فابدأه أولاً بنصيحة إذا كان على وجه يجب الإنكار عليه ، إذا كان متلبساً إلى شيء يجب إنكاره ؛ لأنه محتاج الآن وقابل للموعظة .
وفي هذا صحة استنباط عبد الله بن عمر رضي الله عنه حيث قال : ما أرى ترك استلام الركنين الشامي والغربي إلا أنهما ليسا على قواعد إبراهيم . وهذا استنتاج صحيح .
سؤال : أحسن الله إليكم ، الذي طاف البيت وفي شوط واحد من الأشواط طاف من خارج الحجر هل يصح طوافه ؟
الجواب : شوط واحد فقط ؟ يكون طاف سبعة أشواط إلا ست فما رأيك ؟
السائل : رأيي غير تام .
الجواب : ولهذا تجد المسألة واضحة ، فإن كان طواف الوداع فعليه دم ، وإن كان طواف الإفاضة فهو الآن لم يحل التحلل الثاني ، وإن كان طواف القدوم فالأمر سهل لأنه إذا حج بعده صار قارناً حيث أدخل الحج على العمرة قبل الطواف . أفهمت الآن ؟ صارت ثلاثة أحوال إن كان طواف الوداع فعليه دم ، وإن كان طواف القدوم صار قارناً حيث أدخل الحج على العمرة قبل طوافها لأن هذا الطواف لا يُعتد به ، وإن كان طواف الإفاضة فهو لا يزال الآن على ما بقي من إحرامه فعليه أن يتجنب وأن لا يتزوج إن لم يكن له زوجة حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، قوله : (( قواعد إبراهيم )) هل يُفهم من هذا أن إبراهيم هو أول من بنى الكعبة ؟
الجواب : هذا فيه قولان : القول الأول : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أول من بنى الكعبة ، وهذا ظاهر القرآن ، والقول الثاني : أنه جدد البناء ، والأول أقرب . وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( فهو حرام كحرمة الله منذ خلق السموات والأرض )) فالمراد : الله كتب حرمته في اللوح المحفوظ .
سؤال : بارك الله فيك ، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا لم تكن متعينة فكيف هذا ؟
الجواب : إي نعم ، يعني مثلاً إذا كانت هذه المصلحة متعينة كالصلاة مثلاً ما يمكن نقول تتركها محاباة لقوم لأنك لو صليت أمامهم حصل في هذا مفسدة .(244/62)
1481 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ سَأَلتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنِ الجَدْرِ أَمِنَ البَيْتِ هُوَ قَال نَعَمْ قُلتُ فَمَا لهُمْ لمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ قَال إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ قُلتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَال فَعَل ذَلكَ قَوْمُكِ ليُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالجَاهِليَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِل الجَدْرَ فِي البَيْتِ وَأَنْ أُلصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ(1)
__________
(1) ظاهر هذا الحديث أن جميع الحجب من البيت ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سألته عائشة أمن البيت ؟ قال : (( نعم )) فنحتاج إلى بيانه في الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( عن الجدر ) بفتح الجيم وسكون المهملة كذا للأكثر وكذا هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه وفي رواية المستملي ( الجدار ) قال الخليل : الجدر لغة في الجدار . اهـ. ووهم من ضبطه بضمها لأن المراد الحجر ، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي الأحوص شيخ مسدد فيه ( الجدر أو الحجر ) بالشك ولأبي عوانة من طريق شيبان عن الأشعث (الحجر) بغير شك . قوله : ( أمن البيت هو قال نعم ) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت ، وكذا قوله في الطريق الثانية ( أن أُدخل الجدر في البيت ) وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال سمعت ابن عباس يقول لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البيت.
وروى الترمذي والنسائي من طريق علقمة عن أمه عن عائشة قالت : كنت أحب أن أصلي في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر فقال صلي فيه فإنما هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت . ونحوه لأبي داود من طريق صفية بنت شيبة عن عائشة ولأبي عوانة من طريق قتادة عن عروة عن عائشة ولأحمد من طريق سعيد بن جبير عن عائشة وفيه أنها أرسلت إلى شيبة الحجبي ليفتح لها البيت بالليل فقال ما فتحناه في جاهلية ولا إسلام بليل . وهذه الروايات كلها مطلقة وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث بن عبد الله عن عائشة في حديث الباب : ( حتى أزيد فيه من الحجر ) وله من وجه آخر عن الحارث عنها : ( فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع ) وله من طريق سعيد بن ميناء عن عبد الله بن الزبير عن عائشة في هذا الحديث : ( وزدت فيها من الحجر ستة أذرع ) وسيأتي في آخر الطريق الرابعة قول يزيد بن رومان الذي رواه عن عروة أنه أراه لجرير بن حازم فحزره ستة أذرع أو نحوها . ولسفيان بن عيينة في جامعه عن داود بن شابور عن مجاهد أن ابن الزبير زاد فيها ستة أذرع مما يلي الحجر وله عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن الزبير ستة أذرع وشبر وهكذا ذكر الشافعي عن عدد لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه . وهذه الروايات كلها تجتمع على أنها فوق الستة ودون السبعة ، وأما رواية عطاء عند مسلم عن عائشة مرفوعا لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع فهي شاذة والرواية السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه وهو أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجتمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن الحمراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة في هذه القصة : ( ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع ) فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء على جبره ويجمع بين الروايات كلها بذلك ولم أر من سبقني إلى ذلك وسأذكر ثمرة هذا البحث في آخر الكلام على هذا الحديث .
الشيخ : من ثمرات هذا البحث شيء مهم أن الإنسان لو استقبل طرف الحجر مما يلي الشام ، فإن قلنا إن الحجر كله من البيت فاستقباله صحيح ، وإن قلنا إنه ليس من البيت إلا ستة أذرع وشيء فاستقباله غير صحيح ، واضح ؟ واضح .
طيب الآن إذا نظرنا إلى البلاط الموضوع وجدنا أنه دون ذلك متجه إلى نصف البناء القائم ولهذا تجد الذي يصلي حسب اتجاه البلاط تكون الكعبة قريباً عن يمينه إذا كان قريباً من الكعبة ، رأينا ذلك ، ورأينا الذي يكون في الصف الثاني أقرب من الإمام الذي يكون في الصف الأول لأنها تنحني ، فجعلوا قلب البناية القائمة جعلوه هو نقطة الاستقبال وعلى فيكون الحجر كله عن اليمين فيكون في هذا ترك شيء من الكعبة لا يُستقبل . وقد نُبه المسؤولون لكن بعد أن فات الأوان على هذا الذي يعتبره بعض الناس خطئاً لكنه فات الأوان والأمر إن شاء الله واسع وكلما اتسعت الدائرة هان الانحراف . الآن نراجع آخر البحث الذي وعد به رحمه الله .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( ستة أذرع أو نحوها ) قد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الطريق الثانية وأنها أرجح الروايات وأن الجمع بين المختلف منها ممكن كما تقدم وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب كما جنح إليه ابن الصلاح وتبعه النووي لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل المطلق على المقيد كما هي قاعدة مذهبهما ويؤيده أن الأحاديث المطلقة والمقيدة متواردة على سبب واحد وهو أن قريشا قصروا عن بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن ابن الزبير أعاده على بناء إبراهيم وأن الحجاج أعاده على بناء قريش ولم تأت رواية قط صريحة أن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت .
قال المحب الطبري في شرح التنبيه له والأصح أن القدر الذي في الحجر من البيت قدر سبعة أذرع والرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق على المقيد فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازا وإنما قال النووي ذلك نصرة لما رجحه من أن جميع الحجر من البيت وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه ونقل غيره أنه لا يعرف في الأحاديث المرفوعة ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم أنه طاف من داخل الحجر وكان عملا مستمرا ، ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت .
الشيخ : هذا التقييد فيه نظر لأن إيجاب الطواف من وراء الحجر إلزام للناس بما لا يلزم ؛ لأن الطواف إنما يكون بالبيت ، فالزائد لماذا يلزم الناس به لولا أنه من البيت ؟ اللهم إلا أن يكون تغير البناء بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنعم ، وإلا فقد يقال : لماذا لم يضعوا طرف الحجر أو جدار الحجر مما يلي الشام على حد الكعبة ؟
متابعة التعليق : وهذا متعقب فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي أيضا كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم كما تقدم . فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطا وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب فلعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده فعلوه استحبابا للراحة من تسور الحجر لاسيما والرجال والنساء يطوفون جميعا فلا يؤمن من المرأة التكشف .
الشيخ : تخفيفاً لئلا يتسوروا الحجر ؟ أسهل من هذا إيش ؟ أن يُهدم الزائد ويُجعل على حد الكعبة الأصلية ، ومن يتصور أن أحداً يطوف وإذا انتهى إلى حد الكعبة الأول قفز مع الجدار ، ما أحد يتصور هذا .
متابعة التعليق : فلعلهم أرادوا حسم هذه المادة وأما ما نقله المهلب عن ابن أبي زيد أن حائط الحجر لم يكن مبنيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى كان عمر فبناه ووسعه قطعا للشك وأن الطواف قبل ذلك كان حول البيت ففيه نظر ، وقد أشار المهلب إلى أن عمدته في ذلك ما سيأتي في باب بنيان الكعبة في أوائل السيرة النبوية بلفظ لم يكن حول البيت حائط كانوا يصلون حول البيت حتى كان عمر فبنى حوله حائطا جدره قصيرة فبناه ابن الزبير .ا.هـ. وهذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر فدخل الوهم على قائله من هنا .
ولم يزل الحجر موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به كثير من الأحاديث الصحيحة نعم في الحكم بفساد طواف من دخل الحجر وخلى بينه وبين البيت سبعة أذرع نظر وقد قال بصحته جماعة من الشافعية كإمام الحرمين ومن المالكية كأبي الحسن اللخمي وذكر الأزرقي أن عرض ما بين الميزاب ومنتهى الحجر سبعة عشر ذراعا وثلث ذراع منها عرض جدار الحجر ذراعان وثلث وفي بطن الحجر خمسة عشر ذراعا فعلى هذا فنصف الحجر ليس من البيت فلا يفسد طواف من طاف دونه والله أعلم .
وأما قول المهلب إن الفضاء لا يسمى بيتا وإنما البيت البنيان لأن شخصا لو حلف لا يدخل بيتا فانهدم ذلك البيت فلا يحنث بدخوله فليس بواضح فإن المشروع من الطواف ما شرع للخليل بالاتفاق فعلينا أن نطوف حيث طاف ولا يسقط ذلك بانهدام حرم البيت لأن العبادات لا يسقط المقدور عليها منها بفوات المعجوز عنه فحرمة البقعة ثابتة ولو فقد الجدار وأما اليمين فمتعلقة بالعرف ويؤيده ما قلناه أنه لو انهدم مسجد فنقلت حجارته إلى موضع آخر بقيت حرمة المسجد بالبقعة التي كان بها ولا حرمة لتلك الحجارة المنقولة إلى غير مسجد فدل على أن البقعة أصل للجدار بخلاف العكس أشار إلى ذلك ابن المنير في الحاشية .
وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم وهو ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس والمراد بالاختيار في عبارته المستحب وفيه اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة ، وحديث الرجل مع أهله في الأمور العامة وحرص الصحابة على امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : حديث الرجل مع أهله في الأمور العامة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحدث إلى عائشة في هذا الأمر العام .
المهم أن نقول الطواف لابد أن يكون بجميع الحجر ، لا إشكال في هذا لأنه أمر يسير ، وأما الرجل لو قفز وطاف على جدار الحجر لا يصح طوافه. وأما الصلاة فإنا نقول : نعمل فيها باحتياط ونقول : استقبال الحجر من الناحية الشمالية يعني استقبال طرفه غير صحيح احتياطاً ، فنحتاط للطواف ونحتاط للاستقبال .
سؤال : إذا كان الحجر كله من البيت فلا يصير من جهة الشام ركنان مثل الجهة الثانية لأن الحجر نصف دائرة فكيف يكون ؟
الجواب : هو السبب في هذا أنه لو جعلوه مربعاً يعني له زاوية لاستلمه الناس ولم يتفطنوا إلى أنه على غير قواعد إبراهيم ، هذه الزيادة هذه من أجل أن لا يتمسح الناس به .
سؤال : استلام الحجر الأسود والركن اليماني هل يستلم من الجزء المخصوص الذي يسمى الحجر الأسود أو كل الركن ؟
الجواب : يعني من فوق ومن تحت قصدك ؟ أما الحجر واضح إنه الحجر الأسود الذي عليه الطوق .
السائل : الطوق هذا لما جُعل ؟
الجواب : الظاهر أصلاً إنه جُعل لحفظ الحجر وتثبيته .(244/63)
1482 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ قَال لي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لوْلا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالكُفْرِ لنَقَضْتُ البَيْتَ ثُمَّ لبَنَيْتُهُ عَلى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عَليْهِ السَّلام فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ وَجَعَلتُ لهُ خَلفًا قَال أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ خَلفًا يَعْنِي بَابًا .
1483 حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال لهَا يَا عَائِشَةُ لوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِليَّةٍ لأَمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلزَقْتُهُ بِالأَرْضِ وَجَعَلتُ لهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ فَذَلكَ الذِي حَمَل ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْها عَلى هَدْمِهِ قَال يَزِيدُ وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَل فِيهِ مِنَ الحِجْرِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإِبِل قَال جَرِيرٌ فَقُلتُ لهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ قَال أُرِيكَهُ الآنَ فَدَخَلتُ مَعَهُ الحِجْرَ فَأَشَارَ إِلى مَكَانٍ فَقَال هَا هُنَا قَال جَرِيرٌ فَحَزَرْتُ مِنَ الحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا(1)
__________
(1) هذا صريح في أن قواعد إبراهيم دون استكمال الحجر المطوق ، وعلى هذا يمكن أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم أن البيت الواقع الآن على الأكثر ، لأن ستة أذرع ونحوها أكثر من الباقي .
ابن الزبير رضي الله عنه حينما تولى على الحجاز وعاصمة ولايته مكة أخذ بحديث خالته ، فهدم البيت وبناه على قواعد إبراهيم وأتى بالناس حين هدمه وقال : اشهدوا على القواعد الأصلية ، وجعل له بابين شرقياً وغربياً . ثم لما تولى بنو أمية بعد قتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما هدموا ما بناه وأعادوه إلى ما هو عليه الآن . وهذا هو والحمد لله عين المصلحة ؛ لأن الكعبة لو بقيت كما بناها ابن الزبير لحصل في ذلك ضرر وهو أن الناس يدخلون فيها مع هذا الباب إلى الباب الآخر وهي ـ أي الكعبة ـ مقفلة ما فيها فُرَج ولا شيء ، ويحصل في هذا من الاختناق والمزاحمة ما هو ظاهر . الآن والحمد لله لها بابان باب شرقي وباب غربي وهو ما بينها وبين الحجر ، فمن أراد أن يصلي في الكعبة يدخل من أحد البابين ويصلي في الحجر مما يلي الكعبة . ولهذا كان الواقع والحمد لله هو ، يعني كانت المصلحة فيما حصل . ولما تولى أحد الخلفاء من بني أمية ـ وأظنه هارون الرشيد ـ استشار مالكاً رحمه الله أيرد البيت إلى ما بناه ابن الزبير أو لا ؟ فأشار عليه مالك أن لا يفعل وقال له : لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك كلما جاء ملك غيره ، فصار الخير في الواقع والحمد لله .(244/64)
41 ـ بَاب فَضْل الحَرَمِ
وَقَوْلهِ تَعَالى ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلدَةِ الذِي حَرَّمَهَا وَلهُ كُل شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلمِينَ ) وَقَوْلهِ جَل ذِكْرُهُ ( أَوَلمْ نُمَكِّنْ لهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِليْهِ ثَمَرَاتُ كُل شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلمُونَ )(1)
1484 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِالحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْها قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا البَلدَ حَرَّمَهُ اللهُ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا(2)
__________
(1) قول الله تعالى : { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلدَةِ الذِي حَرَّمَهَا } يعني جعلها حرماً آمناً { وَلهُ كُل شَيْءٍ } هذه الجملة من أحسن ما يكون ؛ لأنه لما قال : { أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلدَةِ الذِي حَرَّمَهَا } قد يفهم فاهم أن ملك الله مقتصر عليها ، فقال : { وَلهُ كُل شَيْءٍ } وهذا يسموه في البلاغة الاحتراس .
{ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلمِينَ } وَقَوْلهِ جَل ذِكْرُهُ : { أَوَلمْ نُمَكِّنْ لهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِليْهِ ثَمَرَاتُ كُل شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لدُنَّا } نمكن لهم أي نهيئ لهم على وجه التمكين ، ( حرماً آمناً ) هو ما كان داخل حدود الحرم المعروفة ، ( يُجبى إليه ) أي يُساق إليه ( ثَمَرَاتُ كُل شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لدُنَّا ) وهذا بيان امتنان الله عز وجل على قريش بهذا الحرم الآمن حتى إن الرجل في الجاهلية الجهلاء لو وجد قاتل أبيه في الحرم لم يقتله لاحترامه عندهم .
(2) واضح ما يحتاج تعليق .(244/65)
42 ـ بَاب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا
وَأَنَّ النَّاسَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لقَوْلهِ تَعَالى ( إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الذِي جَعَلنَاهُ للنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَليمٍ ) البَادِي الطَّارِي ( مَعْكُوفًا ) مَحْبُوسًا(1)
__________
(1) يريد بهذا رحمه الله { سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ } أي المقيم الذي لا يخرج منه كالمحبوس يعني هو يرى أن المقيم كالمحبوس ، وأما البادي فهو الطاري ويسمى عند الفقهاء الآفاقي نسبة إلى الآفاق . هذه المسألة في الواقع اختلف فيها العلماء ( توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة ) يعني بالمسجد الذي هو المسجد ، ( توريثها ) يعني أنها تورث ، ( بيعها وشراؤها ) بناء على أنها تُملك ، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله ، فمنهم من قال : إنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا تأجيرها لقوله تعالى : { سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ } ، ومنهم من قال : يجوز بيعها وشراؤها وتأجيرها لأنه إذا ثبت التوريث ثبت الملك وإذا ثبت الملك صار شاملاً لملك العين وملك الانتفاع ، ومنهم من فصَّل قال : أما ملكها وبيعها وشراؤها عيناً فلا بأس به فهو ثابت ، وأما تأجيرها فلا يجوز، وأما من عنده فضل مساكن في مكة يجب عليه فتحها للحجاج فلا يختص به وعللوا ذلك بأن مكة حرم كالمساجد . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجري فيها ملك العين من بيع وشراء وهبة وتوريث وغير ذلك ولا يجري فيها ملك المنفعة بل يكون صاحب البيت أحق به من غيره وإذا استغنى عنه وجب فتحه للناس يسكنونه بدون أجره .
لكن العمل الآن على أنه ملكٌ تام يملك فيه المالك العين والمنفعة ، ولهذا يجري فيه التبايع ويجري فيه التأجير والرهن والارتهان والإيقاف وغير هذا . انظر الخلاف في الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة لقوله تعالى : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء ... } الآية ) أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن . أخرجه ابن ماجه ، وفي إسناده انقطاع وإرسال ، وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء قال عبد الرزاق عن ابن جريج كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصاتها ، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر .
وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال : مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها وروى . عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر : لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها . وبه قال الثوري وأبي حنيفة وخالفه صاحبه أبو يوسف واختلف عن محمد ، وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي .
ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك واحتج الشافعي بحديث أسامة الذي أورده البخاري في هذا الباب قال الشافعي : فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح : (( من دخل در أبي سفيان فهو آمن )) فأضاف الدار إليه . واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملك لهم .
قال ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر وعلي أولى بها إذ كانا مسلمين دونه . وسيأتي في البيوع أثر عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة ولا يعارض ما جاء عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان ينهى أن تغلق دور مكة في زمن الحاج أخرجه عبد بن حميد ، وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد إن عمر قال : يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء .
وقد تقدم من وجه آخر عن عمر فيجمع بينهما بكراهة الكراء رفقا بالوفود ، ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء وإلى هذا جنح الإمام أحمد وآخرون . واُختلف عن مالك في ذلك قال القاضي إسماعيل ظاهر القرآن يدل على أن المراد به المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة ، وقال الأبهري : لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن مكة فتحت عنوة واختلفوا هل مَنَّ بها على أهلها لعظم حرمتها أو أُقرت للمسلمين ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء ، والراجح عند من قال أنها فتحت عنوة أن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَّ بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك ذكره السهيلي وغيره .
وليس الاختلاف في ذلك ناشئاً عن هذه المسألة فقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا المسجد الحرام هل هو الحرم كله أو مكان الصلاة فقط، واختلفوا أيضا هل المراد بقوله سواء في الأمن والاحترام أو فيما هو أعم من ذلك وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضا . قال ابن خزيمة : لو كان المراد بقوله تعالى : { سواء العاكف فيه والباد } جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن .
الشيخ : ليس هذا من لازم القول ، يقول لو قلنا بهذا ما كان لأحد أن يبول في مكة ولا يتغوط لأنها مسجد !
متابعة التعليق : قال ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد والله أعلم .
قلت : والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم والأسانيد بذلك كلها إليهم ضعيفة وسنذكر في باب فتح مكة من المغازي الراجح من الخلاف في فتحها صلحا أو عنوة إن شاء الله تعالى .
الشيخ : ما ذكر كلام شيخ الإسلام رحمه الله إلا أن ذكره أثر عمر أنه أمر بأن لا يكون عليها أبواب أيام الحج يؤيد ما قاله الشيخ رحمه الله .(244/66)
1485 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَليِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّهُ قَال يَا رَسُول اللهِ أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَال وَهَل تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالبٍ هُوَ وَطَالبٌ وَلمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلا عَليٌّ رَضِي الله عَنْهما شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالبٌ كَافِرَيْنِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ لا يَرِثُ المُؤْمِنُ الكَافِرَ(1)
قَال ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْل اللهِ تَعَالى ( إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيل اللهِ وَالذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْضٍ ) الآيَةَ(2)
43 ـ بَاب نُزُول النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ
1486 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلى الكُفْرِ(3)
__________
(1) يقوله معللاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور )) وإلا فالحديث ثابت : (( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )) .
(2) يعني يتأولونه ينزلونه على اختلاف الذين لا ميراث بينهم .
(3) اقرأ الشرح في الفتح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ) أي موضع نزوله ووقع هنا في نسخة الصغاني قال أبو عبد الله : ( نسبت الدور إلى عقيل وتورث الدور وتباع وتشترى ) قلت والمحل اللائق بهذه الزيادة الباب الذي قبله لما تقدم تقريره والله أعلم .
قوله : ( حين أراد قدوم مكة ) بيَّن في الرواية التي بعدها أن ذلك كان حين رجوعه من منى ، قوله : ( إن شاء الله تعالى ) هو على سبيل التبرك والامتثال للآية .
الشيخ : قوله من التبرك ، خطأ بل هو للتعليل ولو شاء الله تعالى ما حصل لهم نزول ، وقد قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } .(244/67)
1487 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الوَليدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَال حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلى الكُفْرِ يَعْنِي بذَلكَ المُحَصَّبَ وَذَلكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالفَتْ عَلى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالمُطَّلبِ أَوْ بَنِي المُطَّلبِ أَنْ لا يُنَاكِحُوهُمْ وَلا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلمُوا إِليْهِمُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ .
وَقَال سَلامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَقَالا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المُطَّلبِ قَال أبو عَبْد اللهِ بَنِي المُطَّلبِ أَشْبَهُ(1)
__________
(1) هذا التقاسم يعني التحالف ، تحالفهم مع بعضهم ، لكن أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُبدل شعائر الكفر بشعائر الإسلام فينزل في هذا المكان الذي تقاسمت فيه قريش يعني تحالفت على مهاجرة بني هاشم وبني عبد المطلب ، يقول : ( وبنو المطلب أشبه ) . واحد أو بعضه متصل بالثاني ؟
سؤال : هل نزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد خروجه من منى؟
الجواب : لا .. لا .. بعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم من منى نزل بالمحصب .
السائل : المحصب بين مكة ومنى الآن ؟
الجواب : إي نعم في ذلك الوقت بين مكة ومنى ، الآن في وسط مكة ولا يمكن أن يُنزل فيه الآن ، على أن النزول في المحصب بعد النفر من منى مختلف فيه ، فقيل إنه سنة ، وقالت عائشة إنما نزله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أسهل لخروجه .
سؤال : هل يجوز استلام الركن بدون طواف ؟
الجواب : والله ما أعرف الآن إلا أن استلام الركن يعني الحجر الأسود من مستحبات الطواف فقط ، يعني حتى الآن ما بلغني ولم أصل إلى أن استلامه مطلقاً سنة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يعني ( إن شاء الله ) متى يكون للتبرك ؟
الجواب : في شيء محقق ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور : (( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون )) وهذه المسألة في الشيء المحقق إذا ورد التعليق بالمشيئة فقيل إنها للتبرك ، وقيل إنها للتعليل ، وقيل إنها شرط للوصف لا لأصل الفعل ، فمثلاً ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) نقول للتبرك ، أو إنها للتحقيق وأن ذلك واقع بمشيئة الله ، أو أن المعنى وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يعني في الموت على الإيمان . ومن ذلك إذا قال الإنسان أنا مؤمن إن شاء الله . هل يجوز أو لا يجوز ؟ اختلف في هذا العلماء ، منهم من قال إنه لا يجوز وأن الإنسان إذا قال أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر . بناءً على أن التعليق للشك والتردد ، ونحن نقول : إنه إذا قال أنا مؤمن إن شاء الله فعلى حسب النية إن كان متردداً ، إن كان الذي حمله على ذلك التردد والشك فلا إشكال أنه كافر ؛ لأن الإيمان يجب أن يكون جزماً ، وإن كان قصده أنا مؤمن إن شاء الله يعني بمشيئة الله فهذا حق يعني لا إيمان إلا بمشيئة الله . وإن قال أن مؤمن إن شاء الله تبركاً لا تعليلاً فهذا أيضاً لا بأس به .
فصارت ثلاثة أقسام : إن قالها تردداً فهو كافر ، إن قالها تبركاً فهو جائز ، إن قالها تعليلاً فهو أن إيمانه وقع بمشيئة الله فهو أيضاً جائز .
طيب ، هل تُقال في الأمور المحققة ؟ مثل إنسان صلى وسلم ، فقلت له أصليت ؟ قال إن شاء الله . فهذا إن أراد الفعل فهو لغو ، وإن أراد الثواب فهو حق . طيب إنسان أعطيته خبزة فأكلها ، قلت أكلت الخبزة ؟ قال إن شاء الله . يحتاج إلى هذا ؟ لا يحتاج ، هذا لغو ، وما أشبه ذلك . المهم أن التعليق بالمشيئة له أحكام مختلفة .(244/68)
44 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى : { وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا البَلدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا ليُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِليْهِمْ } الآيَةَ (1)
__________
(1) ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب آيات فقط وكأنه لم يكن حديث على شرطه . ( بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى : { وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا البَلدَ آمِنًا } أي واذكر إذ قال ، وإبراهيم هو الخليل عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء { رَبِّ اجْعَل هَذَا البَلدَ } وهذا دعاء بعد أن تم البلد {هَذَا البَلدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ } ، { وَاجْنُبْنِي } أي اجعلني أبتعد أنا وبني عن عبادة الأصنام ، والأصنام : كل ما عبد من دون الله فهو صنم سواء كان حجر أو شجر أو قمر أو شمس أو غير ذلك .
وقوله : {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ } هل أجاب الله دعاءه ؟ نقول : أما من جهة بنيه من صلبه فقد أجاب الله دعاءه وأما ذريته من بعد ذلك فإن منهم من عبد الأصنام ، فقريش تعبد الأصنام ، والله عز وجل حكيم يجيب بعض الدعوات دون بعض ويجيب في الدعوة الواحدة بعضها دون بعض .
{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ } يعني الأصنام أضلت أي صارت سبباً لضلال كثير من الناس { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } لأنه ابتدأ بهديه { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وهذه دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعوة رؤوفة رحيمة لم يقل من عصاني فأنزل به بأسك ، قال : {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ليس على المعصية إلا إذا كانت المعصية دون الشرك فإن الله قد يغفرها أما الشرك فلا يُغفر ، ولكن الدعاء بالمغفرة للمشرك يعني أن يوفق للإسلام والتوحيد فيُغفر له { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... } إلى آخرها ، { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ } أي جعلتهم يسكنون { مِنْ ذُرِّيَّتِي } من هنا للتبعيض والمراد بهم إسماعيل وبنوه ، وأما إسحق وبنوه ففي الشام { مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... } نعم بوادي لأن مكة شرفها الله وادي بين الجبال { غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } يعني لا يُزرع { عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ } وهذا فضل للبيت أنه محرم يعني تحريم تعظيم فهو بمعنى محترم وقوله : { رَبَّنَا ليُقِيمُوا الصَّلاةَ } يعني أني أسكنتهم بهذا ليقيموا الصلاة ، وفيه دليل على أهمية الصلاة ولاسيما في مكة عند بيت الله الحرام { فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِليْهِمْ } اجعل بمعنى صيِّر و ( أفئدة ) مفعولها الأول ومفعولها الثاني : ( تهوي إليهم ) أي تميل إليهم . قال : { أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ } ولم يقل أفئدة الناس لأن الحج لا يجب على كل أحد إنما يجب على من كان قادراً .
قال بعض العلماء : لو قال أفئدة الناس تهوي إليهم وأجابه الله لوجب على جميع الناس أن يحجوا ، وفي هذا من المشقة ما هو ظاهر ، لكن الله ألهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يقول : { مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِليْهِمْ } وهذا هو الواقع فما من مسلم مؤمن إلا وقلبه يميل إلى البيت الحرام ويود أن يحج كل عام ويعتمر كل شهر ، وهذا شيء ألقاه الله عز وجل في قلوب العباد ليس لأحد فيه صُنع . { وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } أي أعطهم من الثمرات لعلهم يشكرون . وقد أجاب الله تعالى دعوته فجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ورزقهم من الثمرات كما قال عز وجل : { أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، قول إبراهيم عليه السلام : {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } هل هذا خوف حقيقي أم هو من باب التمثيل للغير ؟
الجواب : لا .. هذا خوف حقيقي ، ولهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : باب الخوف من الشرك ، ثم ذكر الآية ، ثم ذكر في المسائل أنه إذا كان إبراهيم الخليل إمام الحنفاء يخاف من الشرك فما بالك بمن دونه ؟ ومن المعلوم أنه من لم يعصمه الله فلا عاصم له . فيؤخذ من هذا ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه يجب على الإنسان أن يخاف من الشرك ، يخاف من الرياء ، يخاف من العجب ، وما أشبه ذلك من أنواع الشرك. قد يقول قائل: إن قوله ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) إن قوله أن نعبد الأصنام عائد على بنيه فقط لأنهم هم الذين يتصور منهم أن يعبدوا الأصنام . ويقال : إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع كونه إمام الحنفاء وإمام الموحدين لا يأمن من الشرك كل إنسان لا يأمن
سؤال : أحسن الله إليكم ، قوله ( اجنبني ) يفسره بعضهم اجعلني في جانب وعبادة الأصنام في جانب ؟
الجواب : نعم ، هذه هي .
السائل : ومثله قوله سبحانه : { ومن يحاد الله ورسوله } قال الله ورسوله في جانب وعبادة الأصنام في جانب } ؟
الجواب : لا .. ومن عصى الله ورسوله في جانب لأن من يحاد الله ورسوله أعم من كونها شرك .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، هل صحيح أنه كلما ازداد العبد الطاعة ازداد خوفاً ، وكلما ازداد غفلة زاد أمناً ؟
الجواب : صدقت ، يقولون : من كان بالله أعرف كان منه أخوف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى السحاب مقبلاً جعل يُقبل ويُدبر ويتغير وجهه حتى تُمطر ، ولما قالت له عائشة يا رسول الله كيف هذا ؟ قال : (( يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب )) لقد عُذب قوم بالريح وهم عاد ، لما أجدبت أرضهم وجاء هذا الهواء العاصف يحمل من الرمال والأتربة ما جعله أسود كأنه سحاب عظيم قالوا { هذا عارض ممطرنا } فقال الله تعالى : { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها } وقال الحسن ـ فيما أظن أنه الحسن ـ : ما أمن النفاق إلا منافق وما خاف النفاق إلا مؤمن . اللهم أعذنا من النفاق والشرك .(244/69)
45 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( جَعَل اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا للنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالهَدْيَ وَالقَلائِدَ ذَلكَ لتَعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ )(1)
__________
(1) قال الله تعالى : { جَعَل اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا للنَّاسِ } (الكعبة) اسم و (البيت) كذلك اسم ، (الحرام) وصف ، الحرام يعني ذا الحرمة والتعظيم ، (قياماً للناس) في دينهم ودنياهم ، فهو قياماً للناس في دينهم يؤدون فيه المناسك التي هي أحد أركان الإسلام الحج ، وفي دنياهم ما يحصل فيه من الرزق والمكاسب ، كما قال الله عز وجل : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } أي تجارة وتكسباً كما قال عز وجل في الجمعة إذا قُضيت الصلاة : { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } فهو قيام للناس في دينهم ودنياهم . كذلك أيضاً (الشهر الحرام) والشهر الحرام واحد يراد به الجنس ، يعني الأشهر الحرم ، وهي يا يحيى الأشهر الحرم ما هي ؟
الطالب : ذو القعدة وذو الحجة والذي قبل ذو القعدة .
الشيخ : لا .. شوال الذي قبل ذو القعدة لكنه ليس منها ، هو من أشهر الحج لكن ليس من الأشهر الحرم . ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال ، حتى الكفار لا يجوز أن تقاتلهم في هذه الأشهر إلا إن اعتدوا عليك .
واختلف العلماء رحمهم الله هل نُسخ تحريم القتال فيها أو لا ؟ والصحيح أنه لم يُنسخ وأنه لا يجوز قتال الكفار فيها ابتداءً إلا إن ابتدءوا بالقتال أو كان امتداداً لحرب سابقة. طيب ، الشهر الحرام قلت إنه مفرد والمراد الجنس ، إذاً يشمل الأربعة كلهم : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، جعلها الله تعالى قياماً للناس ، لأن الناس في هذه الأشهر الحرم يأمنون حتى في الجاهلية ، يمر الرجل بعدوه في الفلاة في هذه الأشهر لا يقتله، أشهر محترمة معظمة. إذاً تكون قياماً للناس بأي شيء ؟ بالأمن الذي يتمكنون به من السفر للتجارة وغير التجارة .
والهدي قياماً للناس أيضاً ( الهدي والقلائد ) الهدي معروف ، والقلائد ما يُقلد به الهدي جعله الله قياماً للناس ، كيف ذلك ؟ بالنسبة للفقراء الذين ينتفعون به ، واضح أو ما هو بواضح ؟ واضح يأكلون وينعمون ، بالنسبة للأغنياء واضح أيضاً ؛ لأنه يتحرك السوق ، سوق المواشي والبهائم فيكون في ذلك قيام للناس .
ثم قال عز وجل : { ذَلكَ لتَعْلمُوا } يعني بلغناكم ذلك لتعلموا { أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ } يعلم عز وجل ما في السماوات وما في الأرض من دقيق وجلي وظاهر وخف حتى ما يخفيه الإنسان في قلبه ، قال الله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } بل يعلم عز وجل ما تؤول إليه حالك وأنت لا تعلم كما قال عز وجل : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} طيب ، وهل هناك علم وراء السماوات والأرض ؟ نعم ، ولهذا قال : {وأن الله بكل شيء عليم } هذا تعميم بعد تخصيص ، السماوات والأرض بالنسبة لكل شيء بعض من كل ، فيكون قوله : { وأن الله بكل شيء عليم} من باب عطف إيش يا أخ ؟ .. ما تعرف ؟ أنت أمامي الآن من أقرب الناس إليَّ ، إذا قلت جاء محمد والطلبة ؟
الطالب : من باب عطف الخاص على العام .
الشيخ : لا .
الطالب : العام على الخاص .
الشيخ : لا .. قلت الخاص على العام ، قلت : لا .. يعني أنت قلت من باب عطف العام على الخاص الظاهر هكذا من دون علم . أيهم أعم إذا قلت جاء محمد وهو من الطلبة ، والطلبة ، أيهما أعم ؟ الثاني ، إذاً { وأن الله بكل شيء عليم } أعم من قوله : { ما في السماوات والأرض } .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، قال الله تعالى : { جَعَل اللهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قياماً للناس } هذا خاص بالكعبة من دون الحرم كله أو يعم كل الحرم ؟
الجواب : لأن الحرم تبع لها .(244/70)
1488 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ(1)
__________
(1) قوله : ( يُخرب الكعبة ) أي يهدمها وينقضها حجراً حجراً ( ذو السويقتين ) تصغير ساقين ، يعني أنه رجل له ساق ضعيفة هزيلة ، وقوله : ( من الحبشة ) بيان لأصل هذا الرجل أنه من الحبشة ومعه جنوده ينقضها حجراً حجراً ، كل واحد منهم يمد الحجر لصاحبه حتى يرميه في البحر . إذاً فهم جنود كثيرة يتمدون الأحجار من مكة إلى جدة .
فإن قال قائل : كيف يمكن الله عز وجل هؤلاء من نقض الكعبة حجراً حجراً ولم يمكن أصحاب الفيل من هدمها ؟ فالجواب : لأن الأمر ظاهر ، هدم الكعبة في وقت الفيل ليس من الحكمة لأنه سيُبعث من هذا المكان مكان الكعبة نبي يقوم به الإسلام وتُحج به الكعبة وتُعظم فيه الكعبة ، فلذلك حماها الله عز وجل لأنه يعلم سبحانه وتعالى أنها ستُعمر ، أما تسليط ذي السويقتين فلأن أهل مكة يمتهنونها ولا يبقى في قلوبهم حرمة لها ويكون الحج إليها كالحج إلى الآثار لا لعبادة الرحمن ، فإذا وصلت الحال بهذا البيت المعظم إلى هذه الإهانة صار بقاؤه بينهم إهانة له ، فسُلط عليه ذو السويقتين . كما أن القرآن الكريم كلام الله عز وجل إذا أعرض الناس عنه إعراضاً كلياً نُزع من المصاحف والصدور أصبح الناس وليس في المصاحف حرف من القرآن وليس في الصدور حرف من القرآن ، لماذا ؟ لأنهم امتهنوه وهو أعظم من أن يبقى بين قوم يمتهنونه . ولهذا يجب على طلبة العلم الآن أن يحموا هذا القرآن العظيم بقدر ما يستطيعون لئلا يُمتهن فيُنزع ، وهذا معنى قول السلف في القرآن : منه ـ أي من الله ـ بدا وإليه يعود .
سؤال : أحسن الله إليكم ، شخص مستطيع بماله وبدنه لكنه كل سنة يقول أحج السنة القادمة بخلاً وتهاوناً ومات على هذه الحال ، هل يجب على ورثته أن يحجوا عنه بماله ؟
الجواب : أما المشهور عند أكثر العلماء فهو يجب أن يُحج عنه من ماله لأن الحج دين في ذمته ، وأما على ما اختاره ابن القيم رحمه الله وهو قوي جداً فإنه لا يُحج عنه ، لماذا ؟ لأنه أخره عمداً ، وذكر رحمه الله أن قواعد الشريعة تقتضي هذا أنه لا يُحج عنه ، فإن قيل هذا ينتقد عليكم في الزكاة لو أخرها تهاوناً حتى مات فيجب إخراجها . فالجواب أن الزكاة يتعلق بها حق آدمي لها طلاب فلا تسقط تُخرج للآدمي لمستحقها والميت يعامل معاملة من لم يُخرجها .
سؤال : بارك الله فيك ، هل نفهم من الآية الأولى استغفار إبراهيم عليه السلام للمشركين أنه يجوز لنا الاستغفار لهم بنية الهداية ؟
الجواب : هذه الآية نسخها قول الله عز وجل : { ما كان للنبي والذين آمنوا يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } لكن ادعو الله لهم بالهداية .
سؤال : ما مدى صحة ما يذكرونه في ضابط السلامة من الشرك الأصغر بقولهم : أن تعبد الله وكأن أحداً ليس على وجه أرض الله من عباد الله يراك ؟
الجواب : كيف ؟
السائل : اعبد الله على أرض الله وكأنه ليس أحد من خلق الله يراك ليسلم من الشرك الأصغر إذا قام بعبادة الله ؟
الجواب : لا .. هذا الإحسان يقصدون أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
السائل : من أجل أن يسلم من الشرك الأصغر يستشعر هذا المعنى ؟
الجواب : لا .. اعبد الله وإن كان عندك الناس كلهم وإذا كنت إماماً في العلم فاعبد الله ليراك الناس فيقتدوا بك .
السائل : هم لا يقصدون أن يختفي عن الناس وإنما يستشعر أنه ليس أحد من الخلق يراه فيخلص العبادة لله ؟
الجواب : لا .. غلط ، كيف يستشعر والناس جنبه ؟ لكن نعم يعبده يقول إني أنا سأعبد الله سواء عندي أحد أو ما عندي أحد .(244/71)
1489 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا ح .
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ هُوَ ابْنُ المُبَارَكِ قَال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْل أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَةُ فَلمَّا فَرَضَ اللهُ رَمَضَانَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَليَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَليَتْرُكْهُ(1)
__________
(1) الشاهد من هذا قوله : ( كان يوماً تستر فيه الكعبة ) تعظيماً لها واحتراماً لها لئلا تتلوث بالأمطار والرياح وما أشبه ذلك .(244/72)
1490 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال ليُحَجَّنَّ البَيْتُ وَليُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ . تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ وَقَال عَبْدُالرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ قَال لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُحَجَّ البَيْتُ وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ سَمِعَ قَتَادَةُ عَبْدَاللهِ وَعَبْدُاللهِ أَبَا سَعِيدٍ (1)
__________
(1) هذا فيه الحديث الأول قال : ( ليُحَجَّنَّ البَيْتُ وَليُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ) خروج يأجوج ومأجوج يكون بعد الدجال وهو من آخر علامات الساعة الكبرى ، ويأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كثيرتان من بني آدم ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حدَّث أن الله تعالى يقول لآدم يوم القيامة : يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار . قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين . من بني آدم كلهم إلى النار والباقي في الجنة. فعظم هذا على الصحابة وقالوا : يا رسول الله أين هذا الواحد ؟ فقال : ((أبشروا إنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج )) .
يأجوج ومأجوج في عهد ذي القرنين كانوا في الشرق ، في شرق آسيا، وطلب منه من دونهم أن يجعل بينهم وبينهم سداً فأجاب وقال : {آتوني زبر الحديد } وأتوا به { فلما ساوى بين الصدفين } أي بين الجبلين جمعوا حديداً عظيماً حتى ساوى الجبلين ، قال : {انفخوا } يعني انفخوا عليه بالنار ، وهذا يقتضي حطباً عظيماً ، فلما جعله ناراً قال : { آتوني أُفرغ عليه قطراً } يعني نحاساً ، هذا الحديث المجمع العظيم الذي ساوى بين الصدفين صار ناراً ثم أُفرغ عليه النحاس المذاب ؛ لأن قوله : { أُفرغ عليه } معناه أنه ذائب حتى يتخلل هذا الحديد ويكون قوياً . قال الله عز وجل : { فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً } أن يظهروه يعني يصعدوا فوقه ويأتون إلى هؤلاء القوم { وما استطاعوا له نقباً } إذاً لا يمكنهم التجاوز لا من فوق ولا من النقب .
ولكن استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة محمراً وجهه وهو يقول : (( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فُتح اليوم من سد يأجوج ومأجوج مثل هذه هكذا )) وأشار بأصبعه السبابة والإبهام . إذاً شرهم وفسادهم قد انفتح بهذا القدر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
هؤلاء القوم يُبعثون البعث الأخير ويخرجون إلى الناس بعد قتل الدجال ، فيوحي الله عز وجل إلى عيسى وهو في ذلك الوقت موجود : (( إني قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد بقتالهم )) يعني مأجوج ومأجوج ، يعني ما أحد يقدرهم لأنهم كثير جداً (( فحرز عبادي إلى الطور )) يعني اجعلهم يحترزون إلى الجبل ، فصعد الجبل وحُصر هو ومن معه من المؤمنين ، ثم إن الله تعالى بلطفه أنزل على هؤلاء ـ يأجوح ومأجوج ـ النغف في رقابهم ، دودة تأكل المخ فأصبحوا صرعى في ليلة واحدة ـ سبحان الله ـ حتى أنتن بهم الهواء فرغب عيسى عليه السلام ومن معه إلى الله أن يسد هذا النتن ، فقيل إن الله بعث طيوراً تحمل الرجل ، الطير الواحد يحمل الرجل ويلقيه في البحر . وهذه رواية ، رواية أخرى أن الله بعث عليهم أمطاراً عظيمة اجتثتهم وألقتهم في البحر . ولا منافاة يمكن أن يكون هذا وهذا .
( سيُحج هذا البيت بعد خروج يأجوج ومأجوج ) يحجه عيسى ومن معه ، يحجون البيت الحرام بعد خروج يأجوج ومأجوج ، وأما قوله : ( لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت ) يقول البخاري رحمه الله والأول أكثر . ولكن عندي أنه لا حاجة للترجيح ، لماذا ؟ لإمكان الجمع ، يعني بعد أن يحج عيسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنون معه يموتون ثم بعد ذلك لا يُحج البيت لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق . نشوف هذا البحث من البخاري .
ش6 ـ وجه ب :
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ) وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه قال البخاري : ( والأول أكثر ) أي لاتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ ، وانفراد شعبة بما يخالفهم وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض ؛ لأن المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة ومن الثاني أنه لا يحج بعدها ، ولكن يمكن الجمع بين الحديثين فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة ، ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله : ( ليحجن البيت ) أي مكان البيت لما سيأتي بعد باب أن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك .
الشيخ : هذا إذا ثبت أن تخريب الحبشة قبل يأجوج ومأجوج ، لكن يحتاج إلى دليل قاطع .
سؤال : يقول الله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً } هل يأجوج ومأجوج لهم نبي ؟
الجواب : نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام .
السائل : هل بلغهم ؟
الجواب : ما ندري هل بلغهم أو لا، لكنهم مفسدين في الأرض.
سؤال : بارك الله فكم ، ما هي آخر العلامات التي تدل على خروج الساعة ؟
الجواب : ما أدري ، ما ظهر لي ترتيب العلامات إلا الدجال ويأجوج ومأجوج ، هذا الحديث فيها صريح ، وإلا طلوع الشمس من مغربها مثلاً ولا يبقى في الأرض مؤمن وما أشبه ذلك ما ظهر لي فيها ترتيب .
السائل : يعيش بعض الناس بعد آخر العلامات أم لا تكون مباشرة ؟
الجواب : لا .. تأتي بغتة لا شك والناس غافلون عنها .(244/73)
46 ـ بَاب كِسْوَةِ الكَعْبَةِ
1491 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ الحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَال جِئْتُ إِلى شَيْبَةَ ح .
وحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَال جَلسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلى الكُرْسِيِّ فِي الكَعْبَةِ فَقَال لقَدْ جَلسَ هَذَا المَجْلسَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه فَقَال لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إِلا قَسَمْتُهُ قُلتُ إِنَّ صَاحِبَيْكَ لمْ يَفْعَلا قَال هُمَا المَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا(1)
__________
(1) عمر رضي الله عنه رأى أن هذه المعلق في الكعبة من الذهب والفضة يُقسم بين المسلمين ، يعني أولى به بيت المال ، يقول إنه هم بهذا ، وعمر رضي الله عنه هو الخليفة إذا هم بشيء من يمنعه ؟ لا أحد يمنعه ، فقال له أبو واصل : ( إن صاحبيك لم يفعلا ) يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، فقال : ( هما المرءان أقتدي بهما ) فامتنع رضي الله عنه . اقرأ الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب كسوة الكعبة ) أي حكمها في التصرف فيها ونحو ذلك .
الشيخ : ما ذكر أول من كساها ؟
القارئ : قال : فصل في بدء كسوة الكعبة .
الشيخ : اقرأ .
متابعة التعليق من فتح الباري :
قوله حدثنا سفيان هو الثوري في الطريقين وإنما قدم الأولى مع نزولها لتصريح سفيان بالتحديث فيها وأما ابن عيينة فلم يسمعه من واصل بل رواه عن الثوري عنه أخرجه ابن خزيمة من طريقه .
قوله جلست مع شيبة هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجب الكعبة يكنى أبا عثمان ، قوله على الكرسي في رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عند ابن ماجه والطبراني بهذا السند بعث معي رجل بدراهم هدية إلى البيت فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي فناولته إياها فقال لك هذه فقلت لا ولو كانت لي لم آتك بها قال أما إن قلت ذلك فقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه فذكره قوله فيها أي الكعبة قوله صفراء ولا بيضاء أي ذهبا ولا فضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وأما الحلي فمحبسه عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها وقال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها قوله إلا قسمته أي المال وفي رواية عمر بن شبة في كتاب مكة عن قبيصة شيخ البخاري فيه إلا قسمتها وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند المصنف في الاعتصام إلا قسمتها بين المسلمين وعند الإسماعيلي من هذا الوجه لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ومثله في رواية المحاربي المذكورة ، قوله قلت إن صاحبيك لم يفعلا في رواية بن المهدي المذكورة قلت ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه وكذا المحاربي قال ولم ذاك قلت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه .
قوله : هما المرءان تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان ، قوله اقتدى بهما في رواية عمر بن شبة تكرير قوله المرءان اقتدى بهما وفي رواية ابن مهدي في الاعتصام يقتدي بهما على البناء للمجهول وفي رواية الإسماعيلي والمحاربي فقام كما هو وخرج ودار نحو هذه القصة بين عمر أيضا وأبي بن كعب أخرجه عبد الرزاق وعمر بن شبة من طريق الحسن أن عمر أراد أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله فقال له أبي بن كعب قد سبقك صاحباك فلو كان فضلا لفعلاه لفظ عمر بن شبة وفي رواية عبد الرزاق فقال له أبي بن كعب والله ما ذاك لك قال ولم قال أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن بطال أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذُكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما تركا ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو .
قلت أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة لأنفقت كنز الكعبة ولفظه لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض الحديث فهذا التعليل هو المعتمد ، وحكى الفاكهي في كتاب مكة أنه صلى الله عليه وسلم وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية فقيل له لو استعنت بها على حربك فلم يحركه وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم لزوال سبب الامتناع ولولا قوله في الحديث في سبيل الله لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس ويمكن أن يحمل قوله في سبيل الله على ذلك لأن عمارة الكعبة يصدق عليه أنه في سبيل الله . واستدل التقي السبكي بحديث الباب على جواز تعليق قناديل الذهب والفضة في الكعبة ومسجد المدينة فقال هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدى إليها أو ينذر لها قال وأما قول الرافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلها فيها حكى الوجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف والآخر المنع إذ لم ينقل من فعل السلف فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما ليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف .
ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم ينكر ذلك عمر بن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك .
وقد قال الغزالي من كتب القرآن بالذهب فقد أحسن فإنه لم يثبت في الذهب إلا تحريمه على الأمة فيما ينسب للذهب وهذا بخلافه فيبقى على أصل الحل ما لم ينته إلى الإسراف انتهى ، وتعقب بأن تجويز ستر الكعبة بالديباج قام الإجماع عليه وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به والوليد لا حجة في فعله وترك عمر بن عبد العزيز النكير أو الإزالة يحتمل عدة معان فلعله كان لا يقدر على الإنكار خوفا من سطوة الوليد ولعله لم يزلها لأنه لا يتحصل منها شيء ولاسيما إن كان الوليد جعل في الكعبة صفائح فلعله رأى أن تركها أولى لأنها صارت في حكم المال الموقوف فكأنه أحفظ لها من غيره وربما أدى قلعه إلى إزعاج بناء الكعبة فتركه ومع هذه الاحتمالات لا يصلح الاستدلال بذلك للجواز .
وقوله إن الحرام من الذهب إنما هو استعماله في الأكل والشرب إلخ هو متعقب بأن استعمال كل شيء بحسبه واستعمال قناديل الذهب هو تعليقها للزينة وأما استعمالها للإيقاد فممكن على بعد وتمسكه بما قاله الغزالي يشكل عليه بأن الغزالي قيده بما إذا لم ينته إلى الإسراف والقنديل الواحد من الذهب يكتب تحلية عدة مصاحف وقد أنكر السبكي على الرافعي تمسكه في المنع بكون ذلك لم ينقل عن السلف وجوابه أن الرافعي تمسك بذلك مضموما إلى شيء آخر وهو أنه قد صح النهي عن استعمال الحرير والذهب فلما استعمل السلف الحرير في الكعبة دون الذهب مع عنايتهم بها وتعظيمها دل على أنه بقي عندهم على عموم النهي وقد نقل الشيخ الموفق الإجماع على تحريم استعمال أواني الذهب والقناديل من الأواني بلا شك واستعمال كل شيء بحسبه والله أعلم .
فصل في معرفة بدء كسوة البيت : روى الفاكهي من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه سمعه يقول زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب أسعد وكان أول من كسا البيت الوصائل ورواه الواقدي عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عنه ومن وجه آخر عن عمر موقوفا وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال بلغنا أن تبعا أول من كسا الكعبة الوصائل فسترت بها قال وزعم بعض علمائنا أن أول من كسا الكعبة إسماعيل عليه السلام وحكى الزبير بن بكار عن بعض علمائهم أن عدنان أول من وضع أنصاب الحرم وأول من كسا الكعبة أو كسيت في زمنه وحكى البلاذري أن أول من كساها الأنطاع عدنان بن أد ، وروى الواقدي أيضا عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال كُسي البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان القباطي ثم كساه الحجاج الديباج وروى الفاكهي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة فاحترقت ثيابها وكانت كسوة المشركين فكساها المسلمون بعد ذلك وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن حسن هو ابن صالح عن ليث هو ابن أبي سليم قال كانت كسوة الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسوح والأنطاع ليث ضعيف والحديث معضل .
وقال أبو بكر أيضا حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عجوز من أهل مكة قالت أصيب ابن عثمان وأنا بنت أربع عشرة سنة قالت ولقد رأيت البيت وما عليه كسوة إلا ما يكسوه الناس الكساء الأحمر يطرح عليه والثوب الأبيض وقال ابن إسحاق بلغني أن البيت لم يكسى في عهد أبي بكر ولا عمر يعني لم يجدد له كسوة وروى الفاكهي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكسو بدنه القباطي والحبرات يوم يقلدها فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة زاد في رواية صحيحة أيضا فلما كست الأمراء الكعبة جللها القباطي ثم تصدق بها .
وهذا يدل على أن الأمر كان مطلقا للناس ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت سألت عائشة أنكسو الكعبة قالت الأمراء يكفونكم .
الشيخ : قوله : ( الأمراء يكفونكم ) في هذا دليل على أن الأمور العامة لا يتولاها أفراد الناس إنما يُرجع فيها إلى ولاة الأمور ؛ لأننا لو قلنا يتولاها الناس لحصلت فوضى كل إنسان يريد أن يكون هو المتقدم ، فالأمور العامة لا توكل إلى أفراد الناس إنما يتولاها من يلي الأمر العام .
متابعة التعليق من فتح الباري :
فحصلنا في أول من كساها مطلقا على ثلاثة أقوال إسماعيل وعدنان وتبع وهو أسعد المذكور في الرواية الأولى ولا تعارض بين ما روي عنه أنه كساها الأنطاع والوصائل لأن الأزرقي حكى في كتاب مكة أي تبعا أُرى في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الأنطاع ثم أري أن يكسوها فكساها الوصائل وهو ثياب حبرة من عصب اليمن ثم كساها الناس بعده في الجاهلية ، ويجمع بين الأقوال الثلاثة إن كانت ثابتة بأن إسماعيل أول من كساها مطلقا وأما تبع فأول من كساها ما ذكر وأما عدنان فلعله أول من كساها بعد إسماعيل .
وسيأتي في أوائل غزوة الفتح ما يشعر أنها كانت تكسى في رمضان وحصلنا في أول من كساها الديباج على ستة أقوال خالد أو نتيلة أو معاوية أو يزيد أو ابن الزبير أو الحجاج ويجمع بينها بأن كسوة خالد ونتيلة لم تشملها كلها وإنما كان فيما كساها شيء من الديباج وأما معاوية فلعله كساها في آخر خلافته فصادف ذلك خلافة ابنه يزيد وأما ابن الزبير فكأنه كساها ذلك بعد تجديد عمارتها فأوليته بذلك الاعتبار لكن لم يداوم على كسوتها الديباج فلما كساها الحجاج بأمر عبد الملك استمر ذلك فكأنه أول من داوم على كسوتها الديباج في كل سنة .
وقول ابن جريج أول من كساها ذلك عبد الملك يوافق القول الأخير فإن الحجاج إنما كساها بأمر عبد الملك وقول ابن إسحاق إن أبا بكر وعمر لم يكسيا الكعبة فيه نظر لما تقدم عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزعها كل سنة لكن يعارض ذلك ما حكاه الفاكهي عن بعض المكيين أن شيبة بن عثمان استأذن معاوية في تجريد الكعبة فأذن له فكان أول من جردها من الخلفاء وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شيء .
وقد تقدم سؤال شيبة لعائشة أنها تجتمع عندهم فتكثر وذكر الأزرقي أن أول من ظاهر الكعبة بين كسوتين عثمان بن عفان وذكر الفاكهي أن أول من كساها الديباج الأبيض المأمون بن الرشيد واستمر بعده وكسيت في أيام الفاطميين الديباج الأبيض وكساها محمد بن سبكتكين ديباجا أصفر وكساها الناصر العباسي ديباجا أخضر ثم كساها ديباجا أسود فاستمر إلى الآن ولم تزل الملوك يتداولون كسوتها إلى أن وقف عليها الصالح إسماعيل بن الناصر في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة قرية من نواحي القاهرة يقال لها بياسوس كان اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها كلها على هذه الجهة فاستمر ولم تزل تكسى من هذا الوقف إلى سلطنة الملك المؤيد شيخ سلطان العصر فكساها من عنده سنة لضعف وقفها ثم فوض أمرها إلى بعض أمنائه وهو القاضي زين الدين عبد الباسط بسط الله له في رزقه وعمره فبالغ في تحسينها بحيث يعجز الواصف عن صفة حسنها جزاه الله على ذلك أفضل المجازاة .
وحاول ملك الشرق شاه روخ في سلطنة الأشرف برسباي أن يأذن له في كسوة الكعبة فامتنع فعاد راسله أن يأذن له أن يكسوها من داخلها فقط فأبى فعاد راسله أن يرسل الكسوة إليه ويرسلها إلى الكعبة ويكسوها ولو يوما واحدا واعتذر بأنه نذر أن يكسوها ويريد الوفاء بنذره فاستفتى أهل العصر فتوقفت عن الجواب وأشرت إلى أنه إن خشي منه الفتنة فيجاب دفعا للضرر وتسرع جماعة إلى عدم الجواز ولم يستندوا إلى طائل بل إلى موافقة هوى السلطان ومات الأشرف على ذلك .
الشيخ : الله أكبر، أمم، تلك أمة قد خلت، ملوك، خلفاء. قيض الله لهذا البيت من يكرمه ويعظمه ويتسابقون إلى ذلك . اللهم زده تشريفاً وتعظيماً .
سؤال : تزيين الذهب في المصاحف لكن بعض المصاحف تصل أسعارها إلى أسعار مرتفعة جداً ذلك لوضع فيها زينة ، والمصاحف هذه عادة ما يُقرأ فيها ، يعني تُتخذ حلية وما شابه ذلك ؟
الجواب : هذا نتيجة الإسراف لأنه يسرف فيها من الذهب على جلدتها وعلى هوامشها ، وهذه النتيجة لأنهم لا يريدون أن يقرءوا فيها فتتلف عليهم فيبقونها تحف .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، بعض الأشياء من حاجات المساجد توقف في المساجد فمع الزمن تبلى قد تباع بسعر المستعمل ، فإذا بيعت كيف تُصرف بعد هذا هل تباع ويرد ثمنها للمسجد نفسه ؟
الجواب : إي نعم تباع ويُشترى بدلها في مكانها ، يُشترى شيء يكون بدلها في مكانها .
سؤال : هل من هجر القرآن هجر طلاب العلم لتفسير القرآن ؟
الجواب : قوله تعالى : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } يشمل هجر اللفظ وهجر المعنى وهجر العمل ، قد يكون الإنسان يتلوه ليلاً ونهاراً في كل آن ويكون هاجره لأنه لم يعمل به ، وقد يكون يقرأه لفظاً ولكنه لا يفهمه معنى فيكون هجراً ؛ لأن الله تعالى قال : {كتاب أنزلناه إليك مباركاً ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب } فإذا لم يكن تدبر ولا تذكر فهذا هجر .(244/74)
47 ـ بَاب هَدْمِ الكَعْبَةِ
قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ(1)
1492 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ الأَخْنَسِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُليْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلعُهَا حَجَرًا حَجَرًا(2)
1493 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ.
48 ـ بَاب مَا ذُكِرَ فِي الحَجَرِ الأَسْوَدِ
__________
(1) هؤلاء القوم يأتون من جهة الشمال يريدون غزو الكعبة حتى إذا كانوا في بيداء من الأرض خسف الله بهم ، حماية للكعبة أن يكون فيها قتال بعد القتال الأول الذي أُحل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
(2) يعني كأنه ينظر إليه ، وهذا مما أوحى الله تعالى إليه من صفة هذا الرجل ( أفحج ) يعني بعيد ما بين الفخذين ، وثانياً ( أسود ) يعني أسود اللون ، وسبق أنه ذو السويقتين .(244/75)
1494 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه أَنَّهُ جَاءَ إِلى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلهُ فَقَال إِنِّي أَعْلمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلتُكَ(1)
__________
(1) هذا الحديث هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وفيه دليل على أن تقبيل الحجر مجرد اتباع ليس للتبرك به خلافاً لما يظنه كثير من العامة ، حتى إن بعضهم يقف ومعه صبيه فيمسح الحجر ثم يمسح بيده على صبيه يتبرك به ، بل بعضهم حتى في الركن اليماني ، وهذا غلط فتقبيل الحجر واستلام الحجر مجرد اتباع ، ولهذا قال عمر ما قال : ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ) يعني لا تضر من عارضك ولا تنفع من وافقك ، ولكن اتباع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قال : ( لولا أن رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) . الترجمة فيها شيء في الحديث ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب ما ذكر في الحجر الأسود ) أورد فيه حديث عمر في تقبيل الحجر ، وقوله : (لا تضر ولا تنفع ) وكأنه لم يثبت عنده فيه على شرطه شيء غير ذلك ، وقد وردت فيه أحاديث منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : ( إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب ) أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان وفي إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف ، قال الترمذي حديث غريب ويروي عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي .
الشيخ : يعني هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذا الرجل الذي فيه ، وإذا صح موقوفاً عن عبد الله بن عمرو ، فعبد الله بن عمرو عند المحدثين ممن أخذ عن بني إسرائيل ، وعليه فلا يكون مثل هذا في حكم المرفوع . فالحمد لله .
متابعة التعليق : ومنها حديث ابن عباس مرفوعا نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم أخرجه الترمذي وصححه وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه الحجر الأسود من الجنة وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن ابن عباس مرفوعا إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق . وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا .
الشيخ : هذا أيضاً لا يُستبعد ؛ لأن الله تعالى قال في الأرض عموماً : { يومئذٍ تُحدث أخبارها } .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يلزم من ها كان حجراً أبيض ثم تغير الاسم الحجر الأسود ؟
الجواب : لكن متى اسود ؟ سودته خطايا بني آدم من زمان .
السائل : أشكل علي نسميه الحجر الأسود وقد كان أبيض ؟
الجواب : في ذلك الوقت قبل أن يسود نسميه الحجر الأبيض ، الآن نسميه الحجر الأسود ، والعجيب أن بعض الجهلة لا يسميه الحجر الأسود يسميه الحجر الأسعد ، وهذا غلط ، الصحابة يسمونه الحجر الأسود وأنتم أشد تعظيماً له من الصحابة ؟ نقول الأسود ولا فيه مانع ، حتى هو بنفسه لو قارنت بين أحجار الكعبة التي بُنيت بها وجدته أسود .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، لو كان نازل من الجنة لنظرنا في المعنى إنه لا ينافي كلام عمر ؛ لأنه له حرمة في نفسه ولا ينفع إلا بإذن الله؟
الجواب : إي نعم لا شك ، لكن هل نؤمن ونعتقد بأنه نزل من الجنة ؟ هذا هو محل البحث .
سؤال : الجيش الذي يأتي لغزو الكعبة ألا يكون هو الجيش الذي يخرج لقتال المهدي من الشام فيُخسف به ويبقى منه رجل لأنه سيخرج يبايع عند الكعبة ؟
الجواب : الله أعلم .
السائل : لأنه سيبايع عند الكعبة ؟
الجواب : الحديث مطلق ومثل هذه المطلقات ما يستطيع بها الإنسان الحكم على أي شيء ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون في أمته كذابون ثلاثون كلهم يدعي أنه نبي ، ما نستطيع أن نقول إنه فلان أو فلان وفلان وبهم تم العدد ، الأشياء هذه الأحسن تبقى مطلقة .(244/76)
49 ـ بَاب إِغْلاقِ البَيْتِ وَيُصَلي فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ
1495 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال دَخَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلحَةَ فَأَغْلقُوا عَليْهِمْ فَلمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّل مَنْ وَلجَ فَلقِيتُ بِلالا فَسَأَلتُهُ هَل صَلى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال نَعَمْ بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ(1)
__________
(1) قوله رحمه الله : ( باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء ) أراد المؤلف رحمه الله أن يبين أن إغلاق المساجد والكعبة والمساجد للحاجة لا بأس به ، ولا يُقال إن هذا من منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ؛ لأن هذا لمصلحة أو لحاجة أو لضرورة أحياناً فلا حرج . وقوله : ( ويصلي في أي نواحي البيت شاء ) يعني يصلي داخل البيت في أي نواحيه سواء في الشمال في الجنوب في الشرق في الغرب ، ولكن إلى أين يتجه ؟ يتجه إلى أقرب الجدران إليه ، فمثلاً إذا كان في الجانب الشمالي يتجه إلى الجدار الشمالي ، وإذا كان في الجنوب إلى الجدار الجنوبي ، وإن عكس وصار في الجنوب واتجه إلى الشمال فلا بأس لأنه ولى وجهه شطر المسجد الحرام لكن هذا فيه نوع من إساءة الأدب ؛ لأن الأقرب أولى بالمراعاة من الأبعد .
وظاهر كلام البخاري أنه لا بأس أن يتوجه إلى باب الكعبة ، وهذا محل خلاف ، يعني هل إذا كنت في داخل الكعبة واتجهت إلى الباب هل يُجزئ أو لا ؟ فمن العلماء من قال لا يجزئ ؛ لأن الذي بين يديه فضاء ، ومنهم من قال إنه يجزئ واستدل لذلك بأن الصلاة تجوز في جبل أبي قبيس وهو عال فوق الكعبة لكنه متجه لهواها هوى الكعبة ، قالوا وهذا مثله . والقياس فيه شيء من النظر ؛ لأنه يقال الذي على الجبل ليس له مكان سوى هذا لكن هذا الذي في وسط الكعبة كيف يتجه إلى الباب وهو فضاء ويدع الجدار ؟ شوف الترجمة إيش يقول عليه .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء ) أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين العمودين وتعقب بأنه يغاير الترجمة من جهة أنها تدل على التخيير والفعل المذكور يدل على التعيين وأجيب بأنه حمل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع بعينه على سبيل الاتفاق لا على سبيل القصد لزيادة فضل في ذلك المكان على غيره ويحتمل أن يكون مراده أن ذلك الفعل ليس حتما وإنما كانت الصلاة في تلك البقعة التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من غيرها ويؤيده ما سيأتي في الباب الذي يليه من تصريح ابن عمر بنص الترجمة مع كونه كان يقصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه لفضله .
وكأن المصنف أشار بهذه الترجمة إلى أن الحكمة في إغلاق الباب حينئذ وهو أولى من دعوى ابن بطال الحكمة فيه لئلا يظن الناس أن ذلك سنة وهو مع ضعفه منتقض بأنه لو أراد إخفاء ذلك ما اطلع عليه بلال ومن كان معه وإثبات الحكم بذلك يكفي فيه فعل الواحد وقد تقدم بسط هذا في باب الغلق للكعبة من كتاب الصلاة وظاهر الترجمة أنه يشترط للصلاة في جميع الجوانب إغلاق الباب ليصير مستقبلا في حال الصلاة غير الفضاء والمحكي عن الحنفية الجواز مطلقا وعن الشافعية وجه مثله لكن يشترط أن يكون للباب عتبة بأي قدر كانت ووجه يشترط أن يكون قدر قامة المصلي ووجه يشترط أن يكون قدر مؤخر الرحل وهو المصحح عندهم وفي الصلاة فوق ظهر الكعبة نظير هذا الخلاف والله أعلم .
وأما قول بعض الشارحين إن قوله ويصلي في أي نواحي البيت شاء يعكر على الشافعية فيما إذا كان البيت مفتوحا ففيه نظر لأنه جعله حيث يغلق الباب وبعد الغلق لا توقف عندهم في الصحة .
الشيخ : وفي هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أغلق على نفسه ومعه أسامة وبلال أما عثمان بن طلحة فهذا لأنه من سدنة البيت ، أسامة بن زيد مولى ، وبلال مولى أيضاً ، أما قصد المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا ينبني على أن ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتفاقاً هل يُستن به فيه أو لا ؟ فابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه يرى أنه يُستن به فيه ، ولكن ابن عمر رضي الله عنه خالف في فعله هذا سائر الصحابة ، فالصحابة يرون أن ما وقع اتفاقاً بلا قصد ليس بمشروع ، ولا شك أن هذا هو الصواب ، ولكن محبة القلب للنبي صلى الله عليه وسلم تؤدي إلى أن الإنسان يقتدي به حتى في هذا العمل لا تعبداً ولكن من أجل إيش ؟ قوة المحبة ، وهذا مًسلم .
ولهذا لو قال لنا قائل : هل تتبع الدباء في الطعام هل هو سنة أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشتهيه ويتتبعه ؟ الجواب هو الثاني ، لكن لو أن إنساناً من شدة محبته للرسول صلى الله عليه وسلم رأى أن يتأسى به حتى في هذه الحال لا تعبداً فلا حرج ، وتكون العبادة في هذا الحال هي عبادة المحبة لا عبادة التأسي بالفعل . انتبه لهذا الفرق لأن كثيراً من الناس يختلط عليهم الأمر ، فنقول : ما فعله اتفاقاً أو لشهوة نفسية فقط هذا ليس بسنة ، ولكن من كان محباً للرسول صلى الله عليه وسلم محبة تامة وأحب أن يتأسى به في هذا لا تعبداً ولكن من قوة المحبة فهذا إيش ؟ لا بأس به ويثاب على المحبة لا على التأسي .
ش7 ـ وجه أ :
سؤال : المحبة في مسألة تتبعه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ..؟
الجواب : لا فرق يعني في المكان الذي يصلي فيه .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، الذي يظهر من فعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه فعل هذا والصحابة رضي الله عنهم لم يحرصوا على ما حرص عليه ، فهو فعله من باب السنة ؟
الجواب : جزاك الله خيراً ، لكن شيخ الإسلام رحمه الله نص على أن ابن عمر خالف أصل جموع الصحابة في هذا ، ويمكن أن يقال ـ أنا قلت ـ إن ابن عمر لا يفعله تعبداً ولكن لقوة محبته وزيادة محبته يفعل هذا ، فيقال: ليس هو أشد محبة للرسول من أبي بكر. على كل حال فيها احتمال .(244/77)
50 ـ بَاب الصَّلاةِ فِي الكَعْبَةِ
1496 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَل الكَعْبَةَ مَشَى قِبَل الوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ وَيَجْعَلُ البَابَ قِبَل الظَّهْرِ يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الذِي قِبَل وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاثِ أَذْرُعٍ فَيُصَلي يَتَوَخَّى المَكَانَ الذِي أَخْبَرَهُ بِلالٌ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صَلى فِيهِ وَليْسَ عَلى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَليَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ .
51 ـ بَاب مَنْ لمْ يَدْخُل الكَعْبَةَ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يَحُجُّ كَثِيرًا وَلا يَدْخُلُ
1497 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالدٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَال اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَقَال لهُ رَجُلٌ أَدَخَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الكَعْبَةَ قَال لا(1)
__________
(1) قوله : ( وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ ) يعني يحجبه عن الناس لئلا يتزاحموا عليه فيشوشوا عليه صلاته ، ولا يمكن أن نقول إن في هذا حجة لأولئك القوم الذين يتحجرون على من يصلون من جماعتهم خلف المقام لأن الفرق ظاهر ، الناس يتزاحمون على إيش في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووقتنا الحاضر الناس يتزاحمون على الطواف ، يعني المطاف مملوء فلا يحل لأحد أن يعوق الناس ويبقى حجراً على صاحبه .
سؤال : أحسن الله إليكم ، في الحديث الذي قبل هذا قوله : ( وَليْسَ عَلى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَليَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ ) هذا كلام من ؟
الجواب : هذا كلام نافع .
سؤال : بارك الله فيكم ، هل يُسن للإنسان أن يتقصد الصلاة داخل الكعبة في حجر الكعبة ؟
الجواب : يعني هذه من السنة يكفي الحجر .
سؤال : يا شيخ حفظك الله ، من صلى الآن في الحجر من البيت وكان ظهره للبيت كان وجهه إلى الجهة الأخرى الشمالية للجهة الأخرى ؟
الجواب : ما يصح ؛ لأن الجهة الشمالية جدارها خارج الكعبة .
السائل : قلنا ستة أذرع من الحجر من البيت ؟
الجواب : هذه الستة أذرع ليس عليها جدار ؛ لأن الجدار من ورائه فيكون توجه إلى غير الكعبة، على أن هذا مسألة فرضية وإلا من يفعل هذا؟ أعتقد أني لو رأيت أحداً يفعل هذا لأمسكت بيديه وذهبنا به هذا جنون .
سؤال : من أراد أن يخبر الناس أن هذا من البيت لأن الناس الآن تعتقد إن الكعبة هي المبنية ؟
الجواب : ما يخالف ، ما يضر اعتقادهم إن الكعبة هي المبنية ولا يتوجهوا لغير الجهة الصحيحة .(244/78)
52 ـ بَاب مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الكَعْبَةِ
1498 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُل البَيْتَ وَفِيهِ الآلهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلامُ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَاتَلهُمُ اللهُ أَمَا وَاللهِ لقَدْ عَلمُوا أَنَّهُمَا لمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ فَدَخَل البَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَلمْ يُصَل فِيهِ(1)
53 ـ بَاب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَل(2)
__________
(1) في هذا دليل على أنه يجوز أن يدخل البيت ولا يصلي فيه ، وفيه أيضاً تعظيم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لله تبارك وتعالى حيث لم يدخل والأصنام في الكعبة ، وفيه أنه لما دخل الكعبة بعد أن أُخرجت الأصنام أنه كبَّر الله وعظمه وأن الله تعالى أكبر من كل شيء .
سؤال : بارك الله فيك ، هل نقول من دخل الكعبة يسن له أن يكبر إذا دخل ؟
الجواب : لا .. إلا إذا كان لسبب مثل لو أُزيل منها صنم أو نحو ذلك يكبر هذا طيب ، والدليل على هذا أنه في قصة أسامة بن زيد وبلال لم يكبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
(2) الرمل هو سرعة المشي مع مقاربة الخطى بمعنى أن لا تمد الخطوة ، طبيعية لكن أسرع ، وليس المراد به هز الأكتاف كما نشاهد من بعض الحجاج والمعتمرين تجده هكذا هكذا .. لا يسرع ولا شيء يهز كتفه فقط ، هذا ليس بمشروع وإذا رأيت أحداً يفعله فانصحه .(244/79)
1499 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَال المُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَليْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلهَا إِلا الإِبْقَاءُ عَليْهِمْ (1)
__________
(1) هذا ابتداء الرمي ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما اعتمر عمرة القضية التي جرى عليها الصلح في الحديبية اجتمعت قريش يريدون أن يشمتوا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه اجتمعوا من الناحية الشمالية ، وقال بعضهم لبعض يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ، معنى وهنتهم أي أضعفتهم ، لأن المدينة شرفها الله اشتهرت بالحمى حتى دعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه أن ينقلها منها إلى الجحفة ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود فإنهم يمشون مشياً عادياً لأنهم في هذه الناحية لا تشاهدهم قريش ، والمقصود من الرمل في تلك السنة هو إغاظة المشركين ، هذا هو السبب . فإذا قال قائل : إذا زال هذا السبب فهل تزول مشروعية الرمل ؟ فالجواب : لا .. لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع أمرهم أن يرملوا كل الأشواط حتى ما بين الركنين ، وهذا الأخير ـ أعني الرمل ما بين الركنين ـ هو الذي زال سببه لأن حكمه في الأول أن يُمشى فيه مشياً معتاداً من أجل أن قريش لا يشاهدونهم ، فزال هذا السبب ، فأُمروا أن يكملوا الأشواط الثلاثة من الركن إلى الركن ، فصارت هذه المسألة مركبة من شيئين : شيء بقي الرمل ، وشيء آخر نُسخ هو مشي ما بين الركنين .
السبب لأن مشي ما بين الركنين قد زال سببه أما مشروعية الرمل في الأشواط كلها فسببه لم يزل حقيقة لم يزل ؛ لأن هذا يُذكر المسلمين بالقوة وأن يروا عدوهم أنهم أقوياء ، لولا هذا الرمل ما ذكرنا قصة الرمل في عمرة القضية ولا خطر على البال . فحقيقة الأمر أن السبب باقٍ وهو أن يتذكر المسلمون القوة والجلد والشجاعة .
سؤال : جزاك الله خيراً ، الركعتين بعد الطواف هل هي مقصودة لذاتها أو تجزئ عنها غيرها ؟
الجواب : الظاهر إنها مقصودة لذاتها فلو كانت وقت صلاة وأُقيمة الصلاة صلى الفريضة ثم صلى ركعتين .
سؤال : الرمل يا شيخ أحسن الله إليك لو هناك زحام في المطاف هل يقال يرمل ولو في مكانه مثلاً ؟
الجواب : كيف يرمل وهو في زحام ؟
السائل : وهو في مكانه مثلاً ؟
الجواب : كيف في مكانه ؟
السائل : وهو يمشي ؟
الجواب : الرمل سرعة المشي . يعني معناه أنه يبعد لكي يرمل ؟
السائل : لا يا شيخ وهو في مكانه قد يكون في .......
الجواب : قم أرنا كيف ، قم أمرتك أن تقوم أرنا كيف يرمل وهو في مكانه .
السائل : يعني هو أمامه مثلاً شيء بسيط ولكن الذي أمامه يمشي عادي فهو يرمل مكانه هكذا ....
الجواب : صار حجل ، يحجل هذا ، هذا لا يصلح ، لازم من السرعة لكن لو فرضنا أن في المطاف فجوات أحياناً يستطيع الرمي وأحياناً لا يستطيع ، الأقرب ما يستطيع ولكن لو فُرض أنه لو أبعد عن الكعبة لاستطاع الرمل ولو دنا لم يستطع فما الحكم ؟ قال العلماء : يرمل ولو بعيداً وعللوا هذا بأن المحافظة على فضل يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على شيء يتعلق بزمانها أو مكانها . وهذه قاعدة نافعة يدل لها أن الإنسان لو دخل وقت الصلاة وهو في حاجة إلى بول أو غائط فهل الأولى أن يصلي الصلاة في وقتها لأنه الأفضل أو أن الأفضل أن يذهب ويقضي حاجته ثم يقبل على صلاته ؟ الثاني ، فهنا المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمنها .
على مكانها : مثلاًَ إنسان دخل الوقت وهو في مكان كله موشم كله نقوش لو صلى لالتهى بهذه النقوش ، ولكنه إذا خرج من هذا المكان وجد مكاناً ليس فيه ما يلهيه أيهما أولى أن يصلي في المكان الذي فيه ما يلهيه أو أن يخرج ؟ أن يخرج .(244/80)
54 ـ بَاب اسْتِلامِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ
أَوَّل مَا يَطُوفُ وَيَرْمُلُ ثَلاثًا
1500 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْه قَال رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّل مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ(1)
55 ـ بَاب الرَّمَل فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ
__________
(1) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثا ) أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك وهو مطابق للترجمة من غير مزيد وقوله ( يخب ) بفتح أوله وضم الخاء المعجمة بعدها موحدة أي يسرع في مشيه ، والخبب بفتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى العدو السريع ، يقال خبت الدابة إذا أسرعت وراوحت بين قدميها ، وهذا يشعر بترادف الرمل والخبب عند هذا القائل وقوله : ( أول ) منصوب على الظرف وقوله : ( من السبع ) بفتح أوله أي السبع طوفات وظاهره أن الرمل يستوعب الطوفة وهو مغاير لحديث ابن عباس الذي قبله لأنه صريح في عدم الاستيعاب وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده في الكلام على حديث عمر إن شاء الله تعالى .
الشيخ : ظاهر كلام البخاري رحمه الله أنه ( أول ما يطوف ) يعني أول ... هل المراد أول طواف يطوفه أو أول ما يبتدئ الطواف ؟ فيه احتمال ، وعلى الاحتمال الثاني يكون استلام الحجر في أول شيء ولو .... لكن الظاهر خلاف ذلك ولكن معنى قوله رحمه الله ( أول ما يكون ) يعني أول طواف يطوفه ، فيكون الاستلام في كل الأشواط ، وفي قوله ( أول ما يطوف ) دليل على أن الاستلام في أول الشوط . وبناء على ذلك إذا انتهى من السبعة فإنه لا يستلم ولا يشير ولا يُكبر ؛ لأنه انتهى الشوط والاستلام والتكبير في أول الشوط .(244/81)
1501 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا فُليْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال سَعَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الحَجِّ وَالعُمْرَةِ تَابَعَهُ الليْثُ قَال حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ .
1502 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَال أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ ابْنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْه قَال للرُّكْنِ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْلمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اسْتَلمَكَ مَا اسْتَلمْتُكَ فَاسْتَلمَهُ ثُمَّ قَال فَمَا لنَا وَللرَّمَل إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلكَهُمُ اللهُ ثُمَّ قَال شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ(1)
__________
(1) فعل عمر رضي الله عنه لا يقال إنه متناقض بل هو جواب عن سؤال قد يرد على النفوس وهو أن الرمل لمراءات المشركين ومراغمتهم وقد زال هذا ، فأراد أن يبين رحمه الله أننا نتمسك بالسنة وإن زال السبب الأول حيث فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك في حجة الوداع . وفي هذا دليل على أن اتباع النص مقدم على القياس وعلى العلة لأن النص هو المعتمد .(244/82)
1503 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال مَا تَرَكْتُ اسْتِلامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلا رَخَاءٍ مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسْتَلمُهُمَا قُلتُ لنَافِعٍ أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ قَال إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي ليَكُونَ أَيْسَرَ لاسْتِلامِهِ(1)
56 ـ بَاب اسْتِلامِ الرُّكْنِ بِالمِحْجَنِ
1504 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالحٍ وَيَحْيَى بْنُ سُليْمَانَ قَالا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال طَافَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلى بَعِيرٍ يَسْتَلمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ(2)
__________
(1) لأن هناك زحام وهو مصمم على أن يستلم لا يمكن أن يرمل ، وفعل ابن عمر رضي الله عنه شاذ منه وإلا فإن الصواب اتباع السنة في هذا وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا لم يتمكن من استلامه بيسر يستلمه بمحجن ويقبل المحجن ، فإن لم يمكن أشار إليه ، الصواب خلاف رأي ابن عمر في هذه المسألة أي في المزاحمة على استلام الحجر .
(2) يُحمل هذا على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شق عليه أن يطوف ماشياً أو أنه أراد أن يُري الناس كيف يطوفون ، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء هل يجوز الطواف راكباً لغير عذر أو لا يجوز ؟ فمنهم من أجازه واستدل بهذا الحديث ومنهم من منعه وقال الأصل أن الإنسان يفعل النسك بنفسه وهو إذا كان على البعير لا يتحرك ، الذي يتحرك ويمشي هو البعير . ولننظر إلى الشرح في هذه المسألة .
القارئ : الركوب ؟
الشيخ : نعم الركوب .
القارئ : سيأتي بعد خمسة عشر باب .
الشيخ : طيب ، عد خمسة عشر باباً .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب المريض يطوف راكبا ) أورد فيه حديث ابن عباس وحديث أم سلمة .
حديث ابن عباس : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ طَافَ بِالبَيْتِ وَهُوَ عَلى بَعِيرٍ كُلمَا أَتَى عَلى الرُّكْنِ أَشَارَ إِليْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ ) .
حديث أم سلمة : ( قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ) .
الشيخ : هذا في صلاة الفجر بعد طواف الوداع ورحل إلى المدينة .
متابعة التعليق : أورد فيه حديث ابن عباس وحديث أم سلمة والثاني ظاهر فيما ترجم له لقولها فيه إني أشتكي وقد تقدم الكلام عليهما في باب إدخال البعير المسجد للعلة في أواخر أبواب المساجد وأن المصنف حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا على أنه كان عن شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضا بلفظ ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته ) ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس وليسألوه ، فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا لغير عذر ، وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها ، والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد ، ووقع في حديث أم سلمة طوفي من وراء الناس وهذا يقتضي منع الطواف في المطاف وإذا حوط المسجد أمتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم التلويث كما في السعي ، وعلى هذا فلا فرق في الركوب إذا ساغ بين البعير والفرس والحمار .
الشيخ : والحمار ؟ خطأ عظيم ، الفرس نعم لأن روثه وبوله طاهر والحمار نجس ، ولا يؤمن أبداً أن يروث أو يبول ، فجمع الحمار مع الفرس والبعير غلط .
متابعة التعليق : وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا فللحاجة إلى أخذ المناسك عنه ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها واحتمل أيضاً أن تكون راحلته عُصمت من التلويث حينئذ كرامة له .
الشيخ : عُصمت ؟! عجائب ! هذا احتمال بعيد .
فلا يقاس غيره عليه ، وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره وقد تقدم حديث ابن عباس قبل أبواب .
الشيخ : قوله ( أبعد ) رحمه الله هذا بناء على مذهب الشافعي رحمه الله أن البول والروث من الحيوان نجس ، وهو ضعيف بلا شك ؛ لن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها ولم يأمرهم بالتخلي عن البول . فالصواب أن بول وروث كل ما يؤكل لحمه طاهر ، وما لا يؤكل لحمه فبوله نجس إلا ما يشق التحرز منه مثل الذباب ، الذبابة لها بول أليس كذلك ؟ لها بول لا شك ، واضح ، وقد قيل إنها إذا بالت على أبيض صار أسود وإذا بالت على أبيض صار أسود.
طالب : بيض هذا ؟
الشيخ : لا لا .. ما هو بيض ، ليس بيضاً فلا ندري عن هذا هل هو صحيح أو لا لكنه يُعفى عنها لمشقة التحرز منها ، وعفا بعض العلماء عن بعر الفار إذا كثر وقال إن التحرز منه شاق ، وبعر الفار نجس في الأصل لأن الفار نجس لا يؤكل . لكن أحياناً ـ ولاسيما فيما سبق ـ لما كانت البيوت مفتوحة تجد الفار يكون له جعة على الكتب وتلوث الكتب ، لكن الحمد لله الآن خف لأن البيوت صارت محصنة .
المهم الذي يظهر لي أنه لا يجوز الركوب في الطواف سواء على بعير أو على الأكتاف أو في العربيات إلا إذا كان هناك حاجة ، الحاجة : كمرض الإنسان وكبره والزحام الشديد الذي لا يتحمله ، لأن مع الزحام بعض الناس يتحمله وبعض الناس لا يتحمله ، فالمهم إذا كان لعذر فلا بأس وإذا لم يكن لعذر فلا يجوز ؛ لأن الراكب حقيقة لم يطف ولم يتحرك ، الذي طاف هو البعير .
سؤال : أحسن الله إليكم ، علة الرمل قلنا غير موجودة الآن وهي إظهار القوة ، بعض الناس يقول في الوقت الحاضر الكفار يشاهدون المسلمين بواسطة القنوات فالعلة باقية ، هل القول هذا وجيه ؟
الجواب : هل الكفار الآن يهتمون بالمسلمين ؟ أجب ؟
السائل : لا .
الجواب : أبداً ولا يهمهم شيء حتى لو أظهروا القوة ما يهمهم شيء ؛ لأن كثيراً من حكام المسلمين لا يقومون بالواجب في معاداة المشركين وفي إراءتهم القوة أبداً ، بل بعضهم واضح إنه تبع الكفار . على كل حال إذا رجعنا إلى الأصل قلنا ما قاله عمر رضي الله عنه : شيء فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا بد لنا من فعله .
سؤال : معلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يكون البيت على اليسار ، وأحياناً يكون الإنسان في طوافه إما لكون النساء معه أو يكون يحمل العربة التي يُحمل فيها الكبار فيلتفت ويجعل البيت على يمينه ، ومادام المسألة ليست فيها عمد فلماذا يقال ببطلان طواف هذا ؟
الجواب : يقال ببطلانه لأن هذا هو الذي جرى عليه المسلمون وهو فعل مجمع عليه ولا خالف فيه أحد فلابد من هذا ، لكن هل مثلاً لو أن الإنسان انحرف قليلاً لإصلاح شيء أو مثلاً للالتفات إلى صاحبه هل نقول إن هذا الشوط يُلغى أو نقول لا يُلغى لأن الانحراف يسير والزمن قليل والحاجة قد تدعو إلى ذلك ، أحياناً مع الزحام قد لا تستطيع أن تتجه اتجاهاً ثانياً ، فهذا أرجو أن لا يكون فيه بأس إذا كان قليلاً الانحراف قليل والزمن قليل نرجو أن لا يكون فيه بأس أن يجعلها خلف ظهر أو أمام وجهه أو عن يمينه .
سؤال: من طاف وهو حامل شخصاً هل يجزئ الطواف عن الاثنين ؟
الجواب : لا يجزئ عن الاثنين إلا إذا كان المحمول مميزاً يقال له انو الطواف فينوي ، أما الغير مميز لا يمكن أن يكون طواف واحداً على نيتين.
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من كان يرمل عادة .... ومع سيره فإنه يقارب الخطى ويسير بسرعة ، هل ينوي في بعض الطواف أنه يرمل في الأشواط الثلاثة وفي الباقي أن هذا عادته أم يجزئ فعله هذا وهو يمشي ؟
الجواب : أفهمتم سؤاله ؟ هذا سؤال معقد كلهم الآن لو سألتهم ما فهموا مرادك .
طالب : لا .. واضح يا شيخ لأنه ما نوى الرمل في الثلاث الأوائل .
الجواب : هذا معناه ؟ يعني كأنه يسرع بغير اختياره ؟ هذا ينوي في الأشواط الثلاثة أنه يرمل ، مثل الأحدب إذا جاء الركوع ينوي إنه راكع إذا ما نوى ما يكون راكع . إنما الأعمال بالنيات يكون هذا على العادة .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، الحيوانات التي لا يؤكل لحمها ويصعب التحرز منها هل كونها روثها نجس يعتبر غير نجس مطلقاً مثل الكلاب مثلاً ؟
الجواب : لا .. لا .. الكلب وحتى الهر ، الهر بوله وروثه نجس مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إنها طاهر إنها من الطوافين عليكم ، البول والروث من كل ما لا يؤكل هذا نجس ، هذا هو الأصل ، لكن إذا كان يسيراً يشق التحرز منه هذا هو محل الخلاف ، فبعضهم عفا عن هذا وقال إن هذا أمر لا يمكن التحرز منه .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، بالنسبة لبعض العوام أحياناً يطوف بالبيت ما يعرف يدعو بالدعاء الوارد ، شخص يأخذ كتاب ويقرأ على هؤلاء ويؤمنون ، هل يجوز هذا يا شيخ ؟
الجواب : وهم يعرف إيش معناه ؟
السائل : بس العوام الذين معه لا يعرفون شيء .
الجواب : ما يجوز ، لابد أن يعلمهم المعنى ، يبدأ يدعو اللهم كذا وكذا أتفهم المعنى ـ يقول للعامي ـ قال له إيش معناه ؟ قال معناه كذا وكذا مشتق من كذا . عرفت ؟
السائل : صعب يا شيخ .
الجواب : صعب ! هذا يدعو بما لا يدري ؟
السائل : الحجاج العجم الذين يأتون ما يدرون ؟
الجواب : هذا هو البلاء ولذلك نقول : لو أن الحجاج وجهوا إلى أن يقال لهم مثلاً عند ابتداء الطواف : الآن يبتدئ الطواف وقل ما شئت ما تريد بلغتك أنت أو باللغة العربية أو ما تريد . لكان أحسن وأنفع ، لكن يأخذ الكتاب وكأنه قرآن يتعبد بتلاوته فقط . عرفت ؟
سؤال : يا شيخ ، بعضهم في الرمل ضبطه بأنه يجري بحيث تكون أحد رجليه في الأرض ؟
الجواب : حتى لو يمشي المشي المعتاد لا يمكن نقل القدم إلى مكان آخر إلا بارتفاع عن الأرض .
السائل : يكون الثاني موجود .
الجواب : إي ما يخالف ، ولو كان هكذا ، الحين إن شاء الله تعالى نروح في الشارع وأرنا ، بالنسبة للطيب بالنسبة للحجاج لا شيء عليهم لأنهم جهال ، لكن بالنسبة لهذا الذي يستلم هذا أرى أنها لا تطيب أما المواضع التي لا تستلم فليطيبها ويكون الذي استلمها استلامه غير مشروع أصلاً . إذا كان فيه طيب يتأكد إنه يعلق بيده أما مجرد رائحة فلا بأس .
في مسألة نود أن نبينها : الطواف والسعي لابد فيهما من نية ، أليس كذلك ؟ ولا أحد يطوف أو يسعى إلا بنية ، كما قال بعض العلماء : لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يُطاف ، لكن تعيين الطواف والسعي هل يشترط أن ينوي أنه يطوف للعمرة أو أنه يطوف للحج أو يسعى للعمرة أو يسعى للحج ؟ المشهور من كلام العلماء أنه لابد من التعيين وأنه إذا نسى وطاف وسعى ولم يختر بباله أنها للعمرة أو للحج وجب عليه إعادة الطواف والسعي ؛ لأن لابد أن يُعين ، وقال كثير من العلماء أو أكثر العلماء أنه لا يُشترط التعيين ، وقالوا إن الطواف والسعي بالنسبة للنسك عموماً كالركوع والسجود في الصلاة فكما أن الإنسان في الركوع والسجود لا يجدد النية خاصة فكذلك هذا جزء من النسك . وهذا الحقيقة في سعة للناس ـ القول الثاني ـ لأن كثيراً ما ينسى الإنسان يجيء نعم دخل بنية الطواف لكن غفل عن كونه للحج أو للعمرة . فعلى هذا القول إذا نسي الإنسان أن يعين فإن طوافه صحيح وسعيه صحيح .
في حديث ( أنه يأتي عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب ) فيه دليل على أن المشركين يحبون ضعف المسلمين وعدم قوتهم ، وهذا أمر لا يحتاج إلى إقامة دليل ، كما أنهم يودون من المسلمين أن يكفروا { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً } ، { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم } .
وسبق لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطوف على بعيره في حجة الوداع أي الأطوفة ؟ القدوم ما طاف على بعيره ، الظاهر أنه في طواف الإفاضة ؛ لأن طواف الوداع صلى بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الفجر بعد الطواف ، وظاهره أن الراحلة ليست معه .(244/83)
57 ـ بَاب مَنْ لمْ يَسْتَلمْ إِلا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَال وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلمُ الأَرْكَانَ فَقَال لهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما إِنَّهُ لا يُسْتَلمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَال ليْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهما يَسْتَلمُهُنَّ كُلهُنَّ.
1505 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا ليْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِي الله عَنْهما قَال لمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسْتَلمُ مِنَ البَيْتِ إِلا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ(1)
58 ـ بَاب تَقْبِيل الحَجَرِ
__________
(1) الحديث لم يتم سياقه عند البخاري وذلك لأن ابن عباس لما قال له معاوية رضي الله عنه ( ليس شيء من البيت مهجوراً ) قال له عبد الله بن عباس : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، وما رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم إلا الركنين اليمانين ) فرجع معاوية إلى قول ابن عباس .
وسبق لنا أن الحكمة في أنهما لا يستلمان أنهما ليسا على قواعد إبراهيم ، و الظاهر منه أن تقويس الحجر كان أخيراً ؛ لأنه لو بقي زاويتين لاستلمهما الناس ، فإذا كان هكذا مقوساً فلا شيء يُستلم ويكون هذا من باب الاحتراز عن ما لا ينبغي أن يُفعل ، وإن كان سيطول المطاف على الطائفين لكن لمصلحة ، انتبه لهذا الظاهر أنه والله أعلم أنهم اختاروا أن يكون مقوساً لئلا يكون له أركان فتُستلم .(244/84)
1506 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ قَال رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْه قَبَّل الحَجَرَ وَقَال لوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَبَّلكَ مَا قَبَّلتُكَ .
1507 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَال سَأَل رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما عَنِ اسْتِلامِ الحَجَرِ فَقَال رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسْتَلمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَال قُلتُ أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلبْتُ قَال اجْعَل أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسْتَلمُهُ وَيُقَبِّلُهُ(1)
__________
(1) أهل اليمن عندهم يعني إيرادات ، وهذا نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الحجر ويقبله ، والاستلام هو المسح باليمن اليمنى ، والتقبيل معروف وضع الشفتين على الحجر . وقول القائل : ( أرأيت ) كأن ابن عمر رضي الله عنه لشدة محبته للتمسك بالسنة وبخه هذا التوبيخ وقال له : ( أرأيت اجعلها في اليمن ) وأنت الآن في مكة ما في أرأيت ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا فإن تيسر لك فافعل وإن لم يتيسر فلا حرج .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، التقبيل لو تيسر في كل شوط ؟
الجواب : نعم إذا تيسر مع الاستلام .
سؤال : يا شيخ حفظك الله ، هل يُشرع للنساء التقبيل خصوصاً في الزحام ؟
الجواب : المرأة لا ينبغي لها أن تقرب من الحجر في أوقاتنا هذه ؛ لأنه لا يمكن تصل للحجر إلا بزحام شديد .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، إذا حافظنا على الحدود لمكة والمشاعر ، مثل حدود الكعبة وحدود عرفة وحدود منى وحدود مزدلفة ، كيف يكون عندنا شك في الحدود التي وضعها إبراهيم وأقرها محمد صلى الله عليه وسلم وتعدت ........ محل الأميال ..........؟
الجواب : من قال هذا ، أبداً نثق يعني بيتك إذا صار واسعاً ويعضه داخل الأميال وبعضه خارج الأميال صار هذا بعضه حرم وبعضه حل . نعم قلنا مكة لكن ما قلنا إنها حرم ، مكة لو تصل إلى الطائف هي مكة ، والحرم كما ذكرت محدد من زمن إبراهيم إلى زمننا هذا والحمد لله . الآن الذي بالتنعيم خارج الحرم ما هم حل مع أن البناء متصل .
ش7 ـ وجه ب :(244/85)
59 ـ بَاب مَنْ أَشَارَ إِلى الرُّكْنِ إِذَا أَتَى عَليْهِ
1508 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال طَافَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَيْتِ عَلى بَعِيرٍ كُلمَا أَتَى عَلى الرُّكْنِ أَشَارَ إِليْهِ(1)
60 ـ بَاب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ
1509 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا خَالدٌ الحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال طَافَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَيْتِ عَلى بَعِيرٍ كُلمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِليْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ(2)
__________
(1) قوله : ( كلما أتى على الركن ) يدل على أن الركن اليماني لا يشار إليه ، فالركن اليماني ليس في التقبيل وليس فيه الإشارة عند العجز عن الاستلام ، ما فيه إلا استلام إن تيسر وبدون تكبير ، وإن لم يتيسر يمشي الإنسان على عادته .
(2) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب التكبير عند الركن ) أورد فيه حديث بن عباس المذكور وزاد ( أشار إليه بشيء كان عنده وكبر ) والمراد بالشيء المحجن الذي تقدم في الرواية الماضية قبل بابين وفيه استحباب التكبير عند الركن الأسود في كل طوفة . قوله : ( تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد ) يعني في التكبير وأشار بذلك إلى أن رواية عبد الوهاب عن خالد المذكورة في الباب الذي قبله الخالية عن التكبير لا تقدح في زيادة خالد بن عبد الله لمتابعة إبراهيم ، وقد وصل طريق إبراهيم في كتاب الطلاق ، وسيأتي الكلام في طواف المريض راكبا في بابه إن شاء الله تعالى .
سؤال : بالنسبة للإشارة إلى الحجر الأسود هل يلزم الوقوف ؟
الجواب : ما يلزم ، لكن ورد حديث عن عمر لكن فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فلا تزاحم . استقبله وكّبِّر .
سؤال : يا شيخ ، بالنسبة للمشير قد يغير اتجاهه ؟
الجواب : إي لابد من استقبال الحجر سواء وقفت أو وأنت ماشي .
سؤال : في بعض الأحيان عندما يرى الإنسان في الطواف البدع التي تحصل يكون في قلبه احتقار لهؤلاء وقد تشمئز نفسه وقد يأتي إليه العجب ، فهل الاحتقار يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )) ؟
الجواب : أولاً يجب عليك أن تعلم أن المخالفين للشريعة لك فيهم نظران : النظر الأول نظر شرعي فتلومهم وتُنكر عليهم ، والثاني نظر قدري فترحمهم وترق عليهم وتحمد الله أنه عافاك مما ابتلاهم به ؛ لأن هذا حقيقة رجل مثلاً كهل قوي يأتي ببدع عظيمة ترق له ، مسكين هذا اُبتلي بهذه البلوى ، ولهذا لنا نظران في كل معصية بدعة قلبية أو فعلية أو قولية لنا نظران : النظر الأول شرعي نُنكر ، والنظر الثاني قدري نرحم ، ولكن القدري لا يزاحم الشرعي ، الشرعي مُقدم ، ولهذا لما قال الإمام الشافعي رحمه الله : حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال ويُطاف بهم في العشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام. هذا كلام الشافعي في أهل الكلام ، قال شيخ الإسلام : وهم مستحقون لما قاله الشافعي ـ يعني هذا التعذير ـ ولكنك إذا نظرت إليهم بعين القدر رحمتهم ورققت لهم . وهذا هو العدل أما أن تتخذهم سخرية بشيء اُبتلوا به بالجهل أو التقصير فهذا لا ينبغي ، وربما يصيبك ما جاء في الأثر : من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله .
سؤال : ذكرنا البارحة في كون النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على الدابة وحمانا هذا على التعليم أن النبي صلى الله عليه وسلم يُعلم الناس ، والعلماء لهم قول في هذه المسألة ، ما هو ضابط المنع يا شيخ ؟
الجواب : المانع أنك إذا صرت على بعير لم تتطف في الواقع ولزمك حرج .
السائل : الدابة تطوف .
الجواب: الدابة هي التي تتحرك، له احتمالات سنأتيها في فتح الباري.(244/86)
61 ـ بَاب مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ إِلى بَيْتِهِ
ثُمَّ صَلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّفَا
1510 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ذَكَرْتُ لعُرْوَةَ قَال فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِي الله عَنْهما مِثْلهُ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْه فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ بِعُمْرَةٍ فَلمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلوا(1)
__________
(1) وهذا واضح أنك تبدأ أول ما تبدأ بالنسك لأنك ما أتيت إلى مكة إلا لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره عند باب المسجد ثم طاف، لكن في الوقت الحاضر هذا متعذر أو متعسر لأنه لا يمكن إيقاف السيارات حول المسجد فلابد أن تذهب إلى محلك وتنزل متاعك ثم تأتي بما يتيسر لك { ولا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } كانوا في الأول أدركناهم تقف السيارات عند المسعى ، والمسعى قبل أن يُبنى عليه البناء ، كان المسعى في الأول سوق تجارة دكاكين وبيع وشراء ما فيه أحد ، فكانت السيارات تقف عند المسعى وعليها العفش وكل شيء ، فيدخل الإنسان ويأتي عمرته ثم يرجع إلى سيارته ويذهب إلى بيته ، لكن في الوقت الحاضر هذا صعب جداً .(244/87)
1511 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوَّل مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
1512 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّل يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
__________
(1) بطن المسيل ) يعني الوادي الذي عليه الآن علامة ، الأعمدة الخضراء فيه علامة ابتداء السعي ، والسعي يكون بشدة إذا تيسر ، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة سعيه تدور به إزاره ، وسبب ذلك أن أصل السعي من أجل سعي أم إسماعيل ، أم إسماعيل أنزلها إبراهيم الخليل عليه السلام هي وابنها في مكان عند الكعبة الآن ، ثم ذهب وجعل عندهما قربة ماء وجراب تمر ، نفذ التمر والماء وعطشت الأم ، ولازم ذلك أن ينقص لبنها فجاع الولد وجعل يتلوى من الجوع والأم ليس عندها أحد ، فرأت أقرب جبل إليها هو الصفا ، ذهبت إليه وصعدت وجعلت تتحسس تتسمع ما رأت أحداً ولا سمعت أحداً ، نزلت متجهة إلى الجبل الثاني المقابل وهو المروة ، لما هبطت في بطن الوادي غابت عن ولدها فجعلت تسعى سعياً شديداً ، سعي أم مشفقة خائفة على طفلها أن يفوت عليه أحد ذئب أو غيره ، حتى تمت سبعة أشواط ، فأمر الله جبريل فنزل وضرب بجناحه أو رجله الأرض حتى نبع الماء ماء زمزم بدون معاول ولا مكاين ولا شيء ، بإذن الله نبع وجعل يذهب يميناً وشمالاً ، فجعلت هي تحجره من شفقتها عليه .
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً )) ونحن نقول : رحم الله أم إسماعيل ورحمنا أيضاً لو كانت نهراً ما يكون مسجد ، نهر يمشي في وسط المسجد صعب ، لكن من نعمة الله أن هذه المرأة سخرها الله عز وجل فحجرته حتى بقي في مكانه . والعجب أن هذا البئر لا يمكن أن ينضب أبداً ، ما نضب لا في قديم الزمان ولا في حديثه ، ولما صارت البناية الأخيرة للمسجد في التعديل يقولون رأوا نهراً عظيماً يصب في البئر يأتي من قِبل الصفا ، شيء عجيب من شدته ، والله على كل شيء قدير .
وقوله رضي الله عنه : ( كن يسعى بطن المسيل ) هذا السعي سنة للرجال لا إشكال فيه لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهل يُسن للنساء ؟ الجواب : لا يسن ، حكاه بعضهم إجماعاً أنه لا يُسن ؛ لأن المرأة مطلوب منها الستر لا أن تسعى حتى يدور بها إزارها ، فلا يُسن أن تسعى، فإن قال قائل : أليس السعي من أجل أم إسماعيل ؟ فالجواب : بلى لكن أم إسماعيل كانت تسعى وليس عندها أحد ، والآن لا يمكن أن تسعى المرأة إلا عندها أحد ، ولو فُرض أن المسعى خلا من الرجال مطلقاً ليس فيه أحد فقد يقول قائل إنها تسعى المرأة تركض يعني ، لكن الآن لا يمكن .
وكذلك صعودها الصفا والمروة لا يُستحب ، حكاه بعض العلماء إجماعاً أيضاً ؛ لأن الصعود يُظهر منها أكثر مما لو كانت على الأرض ، فلا يُسن لها أن تصعد ، وحينئذٍ يسقط عنها سنتان : سنة السعي وسنة الصعود، كما سقط عنها سنة الرمل في الطواف فإنها لا ترمل في الطواف.
سؤال : أحسن الله إليك ، قوله : ( فما مسحوا الركن حلوا ) كيف هذا ؟
الجواب : مسحوا الركن يعني أتموا الطواف .
سؤال : أحسن الله إليك ، في بعض الأيام يكون المسعى في الدور الأول فاضي ما فيه أحد ، هل يسن للمرأة أن تصعد فوق وتسعى ويكون هذا أفضل أو تسعى مع الرجال ؟
الجواب : لا .. الأولى سد الباب ، الأولى أن لا تصعد .
سؤال: الدور الثاني كون مستوياً على الأرض فما فيه مكان للمصعد؟
الجواب : على كل حال منتهى السعي الواجب حد الجدار ، الجدار الدائري هذا حده مما يلي المسعى هو الحد ، يعني ما هو لازم تدور عليه ؛ لأن حد المسعى الأصلي الذي يجب حد الشباك الموضوع للعربات ، فمن وقف على حده من جهة المروة أو الصفا فقد استكمل السعي .(244/88)
62 ـ بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال
1513 و قَال لي عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَال ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا قَال أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال قُلتُ أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ قَال إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ قُلتُ كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال قَال لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ فَقَالتِ امْرَأَةٌ انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ قَالتِ انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ قُلتُ وَمَا حِجَابُهَا قَال هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لهَا غِشَاءٌ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلكَ وَرَأَيْتُ عَليْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا(1)
__________
(1) طواف النساء مع الرجال لا باس به ، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه ؛ لأن كل امرأة مع محرمها ، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال لضاعت النساء وحصل من الشر أكثر ، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حجرة ، يعني بعيدات عن الرجال لكان هذا طيب ، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد ، يجعلون النساء على الجانب ، وهو عمل طيب ويقال لهن لا تطفن إلا في الليل مثلاً فهذا صعب ، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب ، لو قلنا الرجال وحدهم والنساء وحدهم لحصل فتنة كبيرة كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه ، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع ، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف ـ والعياذ بالله ـ وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف ـ نسأل الله العافية ـ وكم ضُبط من قضية ؟
وفي هذا أيضاً لما ( إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ) في هذا دليل على الاحتجاج بالفعل ، أي فعل الصحابة لاسيما مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الفعل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم ينكره الرسول ولا الله عز وجل فإنه يعتبر جائزاً إن كان من غير العبادة ومشروعاً إن كان من العبادة . تقرأ علينا من فتح الباري ( إذ منع ابن هشام ) :
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( إذ منع ابن هشام ) هو إبراهيم أو أخوه محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي وكانا خالي هشام بن عبد الملك فولى محمدا إمرة مكة وولي أخاه إبراهيم بن هشام إمرة المدينة وفوض هشام لإبراهيم إمرة الحج بالناس في خلافته فلهذا قلت يحتمل أن يكون المراد ، ثم عذبهما يوسف بن عمر الثقفي حتى ماتا في محنته في أول ولاية الوليد بن يزيد بن عبدالملك بأمره سنة خمس وعشرين ومائة قاله خليفة بن خياط في تاريخه . وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك ، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة وهذا إن صح لم يعارض الأول لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقا فلهذا أنكر عليه عطاء واحتج بصنيع عائشة وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر . قال الفاكهي ويذكر عن ابن عيينة أن أول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف خالد بن عبد الله القسري . ا.هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منع ذلك وقتا ثم تركه فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة ، قوله : ( كيف يمنعهن ) معناه أخبرني ابن جريج بزمان المنع قائلا فيه كيف يمنعهن ، قوله : ( وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال ) أي غير مختلطات بهن ، قوله : ( بعد الحجاب ) في رواية المستملي : ( أبعد ) بإثبات همزة الاستفهام وكذا هو للفاكهي ، قوله : ( إي لعمري ) هو بكسر الهمزة بمعنى نعم .
الشيخ : قوله ( إي لعمري ) وضع ( لعمري ) موضع والله ، بدل ما يقول إي والله قال إي لعمري ، والقسم بلعمري هذا جائز وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووقع من غيره أيضاً ، وليس هو القسم الممنوع لأن أداة القسم غير موجودة فيه وهي الواو والباء والتاء .
متابعة التعليق : قوله : ( لقد أدركته بعد الحجاب ) ذكر عطاء هذا لرفع توهم من يتوهم أنه حمل ذلك عن غيره ودل على أنه رأى ذلك منهن والمراد بالحجاب نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } وكان ذلك في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما سيأتي في مكانه ولم يدرك ذلك عطاء قطعا . قوله : ( يخالطن ) في رواية المستملي : ( يخالطهن ) في الموضعين والرجال بالرفع على الفاعلية ، قوله : ( حَجرة ) بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها راء أي ناحية ، قال القزاز هو مأخوذ من قولهم نزل فلان حجرة من الناس أي معتزلا ، وفي رواية الكشميهني : ( حجزة ) بالزاي وهي رواية عبد الرزاق فإنه فسره في آخره فقال يعني محجوزا بينها وبين الرجال بثوب ، وأنكر بن قرقول حُجرة بضم أوله وبالراء وليس بمنكر فقد حكاه ابن عديس وابن سيده فقالا يقال قعد حجرة بالفتح والضم أي ناحية . قوله : ( فقالت امرأة ) زاد الفاكهي : ( معها ) ولم أقف على اسم هذه المرأة ويحتمل أن تكون دقرة بكسر المهملة وسكون القاف امرأة روى عنها يحيى بن أبي كثير أنها كانت تطوف مع عائشة بالليل فذكر قصة أخرجها الفاكهي ، قوله : ( انطلقي عنك ) أي عن جهة نفسك قوله : (يخرجن ) زاد الفاكهي : ( وكن يخرجن الخ ) قوله : ( متنكرات ) في رواية عبد الرزاق : ( مستترات ) واستنبط منه الداودي جواز النقاب للنساء في الإحرام وهو في غاية البعد . قوله : ( إذا دخلن البيت قمن ) في رواية الفاكهي : ( سترن ) قوله : ( حين يدخلن ) في رواية الكشميهني : ( حتى يدخلن ) وكذا هو للفاكهي والمعنى إذا أردن دخول البيت وقفن حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه .
الشيخ : وعلى هذا فقوله : ( وأُخرج الرجال ) أي لقد أُخرج الرجال .
متابعة التعليق : قوله : ( وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير ) أي الليثي والقائل ذلك عطاء وسيأتي في أول الهجرة من طريق الأوزاعي عن عطاء قال : ( زرت عائشة مع عبيد بن عمير ) قوله : ( وهي مجاورة في جوف ثبير ) أي مقيمة فيه ، واستنبط منه ابن بطال الاعتكاف في غير المسجد لأن ثبيرا خارج عن مكة وهو في طريق منى .ا.هـ.
وهذا مبني على أن المراد بثبير الجبل المشهور الذي كانوا في الجاهلية يقولون له أشرق ثبير كيما نغير ، وسيأتي ذلك بعد قليل وهذا هو الظاهر وهو جبل المزدلفة لكن بمكة خمسة جبال أخرى يقال لكل منها ثبير ذكرها أبو عبيد البكري وياقوت وغيرهما فيحتمل أن يكون المراد لأحدها لكن يلزم من إقامة عائشة هناك أنها أرادت الاعتكاف سلمنا ، لكن لعلها اتخذت في المكان الذي جاورت فيه مسجدا اعتكفت فيه وكأنها لم يتيسر لها مكان في المسجد الحرام تعتكف فيه فاتخذت ذلك .
قوله : ( وما حجابها ) زاد الفاكهي : ( حينئذ ) قوله : ( تركية ) قال عبد الرزاق هي قبة صغيرة من لبود تضرب في الأرض ، قوله : ( درعا موردا ) أي قميصا لونه لون الورد ،ولعبد الرزاق : ( درعا معصفرا وأنا صبي ) فبين بذلك سبب رؤيته إياها ويحتمل أن يكون رأي ما عليها اتفاقا وزاد الفاكهي : ( في آخره ) قال عطاء وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تطوف راكبة في خدرها من وراء المصلين في جوف المسجد وأفرد عبد الرزاق هذا ، وكأن البخاري حذفه لكونه مرسلا فاغتنى عنه بطريق مالك الموصولة فأخرجها عقبة .(244/89)
1514 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلمَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(1)
63 ـ بَاب الكَلامِ فِي الطَّوَافِ
__________
(1) هذا طواف الوداع وكان يقرأ بالطور وكتاب مسطور في صلاة الفجر بعد أن طاف الوداع ودخل وقت الفجر صلى الفجر ثم ركب إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه .
سؤال : كيف يفتي بعض المشايخ بالوداع والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة رضي الله عنها وقال لها طوفي من وراء الرجال؟
الجواب : ما له وجه ، ليس له وجه .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يحكي بعض الناس : أن رجلاً معه امرأة من محارمه ومعه نساء أجنبيات ، الرجل إذا معه نساء من محارمه أحياناً يصحبها امرأة أجنبية أو نساء أجنبيات معها ، فيطوف بهن سوياً يكون معهن وعلى مذهبهم أن الاختلاط حرم وسيلة لغيرة وما حرم وسيلة لغيره تبيحه الحاجة ، هل هذا الاستدلال صحيح ؟
الجواب : لا .. حديث الرجل الذي قال خرجت حاجة ، خليه معك دائماً ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يستفصل مع دعاء الحاجة إلى استفصال ، الرجل مكتوب في الغزوة ، خلي هذا أمامك دائماً .
سؤال : هل يؤخذ من الحديث أن المرأة لا يجب عليها صلاة الجماعة ولو كانت في المسجد ؟
الجواب : نعم وهو كذلك .(244/90)
1515 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَال أَخْبَرَنِي سُليْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلكَ فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَال قُدْهُ بِيَدِهِ(1)
64 ـ بَاب إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ
__________
(1) في هذا دليل على حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث يحصل المطلوب بلا ضرر ، هذان رجلان يطوفان قد ربط أحدهما يده إلى يد الآخر بسير أو بحبل أو بأي شيء ، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( قده بيده )) لأنه إذا قاده بيده أمكن عند الحاجة أن يطلقه بسهولة ، لكن إذا كان قد ربط يده بيده بخيط صعب إطلاقه وحصل عليهما وعلى غيرهما مشقة . وأمره أن يمسك بيده لأن ذلك قد تدعو الحاجة إليه والأفضل أن لا يمسك ولا بيده إلا عند الحاجة ، وإذا اُحتيج إلى احتكاكهما فلينفكا .
والشاهد من هذا قوله : ( قده بيده ) فقد تكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يطوف .
سؤال : أحسن الله إليك ، الجماعات الذين يحجون بشكل جماعي يربطن النساء بحبل حتى لا يضعن النساء في الطواف أو في السعي فهل مثل هذا يُنهى عنه ؟
الجواب : نعم يُنهى عن هذا لا شك لأنه إذا سبق ضيق عليهن ، بل كل واحد يأخذ أهله والحمد لله .
سؤال : الوارد في الحديث يقتضيه العمل والكلام في الطواف للحاجة ولغير الحاجة ؟
الجواب : إي نعم لأنه لا حاجة إلى الكلام يستطيع أن يشير بيده ويمسك أحدهما ويدخلها في يد الآخر لو كان الكلام حراماً لأمكن بالإشارة .(244/91)
1516 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُليْمَانَ الأَحْوَل عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلا يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ(1)
65 ـ بَاب لا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلا يَحُجُّ مُشْرِكٌ
__________
(1) وهذا إذا كان للإنسان أُمرة وسلطان فليقطعه ، فإن لم يكن له أُمرة ولا سلطان فلا يقطعه لأنه لو قطعه لحصل بذلك شر كثير وخصام ونزاع عند بيت الله عز وجل ، أما الذي له إمرة وسلطة فلا أحد ينازعه .(244/92)
1517 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ قَال يُونُسُ قَال ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله عَنْه بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ التِي أَمَّرَهُ عَليْهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَبْل حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلا لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ(1)
__________
(1) لا يطوف بالبيت عريان ) وهذا أمر منكر شرعاً وعرفاً ومروءة ، ولكن لو كان فيه ثقب يسير على فخذه أو على أسفل بطنه وطاف أو كان إزاره نازلاً عن صرته فهل طوافه غير صحيح أو طوافه صحيح ؟ الجواب ينبني على هل هذا عريان أو غير عريان ؟ الجواب : ليس بعريان، ولذلك نقول : ليست العورة في الطواف كالعورة في الصلاة ؛ لأن حديث الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يستقيم على عمومه لا سلباً ولا إيجاباً ، فكم من أشياء في الصلاة تحرم وتجوز في الطواف ، وكم من أشياء في الصلاة تجب ولا تجب في الطواف ، فالطواف يفارق الصلاة في أكثر من موافقته إياها ، وعلى هذا فلا يمكن أن نقول إن ستر العورة في الطواف كسترها في الصلاة ، نعم أن يطوف عرياناً لا شك أن هذا محرم لكشف العورة وتحت بيت الله الحرام والإنسان متلبس بعبادة ، هذا غير جائز عقلاً ولا جائز مروءة ولا شرعاً .
وقوله : ( لا يحج بعد العام مشرك ) حتى غير المشرك إذا كان كافراً فإنه لا يحج ، وبناء على ذلك فمن لا يصلي لا يحل له أن يحج ولو حج لن يقبل منه فيكون آثماً ، ولعل هذا يُذكر الذين اُبتلوا بترك الصلاة حتى يصلوا ليتمكنوا من الحج .
سؤال : إذا قال الإنسان كشف العورة محظور عام وليس خاص بالطواف فعلى هذا القول ..... ؟
الجواب : أولاً ما هي العورة التي يجب سترها ويحرم كشفها ؟
السائل : من الصرة إلى الركبة .
الجواب : لا ليس كذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخرج فخذه في حديث أنس بن مالك في خيبر ، فالعورة هي السوءة التي يجب سترها عن كل أحد ، وأما الفخذ فلا يجب ستره إلا إذا خيفت الفتنة كأفخاذ الشباب مثلاً أو الفخذ عند امرأة أجنبية ، فهذا معلوم وهو لازم لأن الفتنة حاصلة به .
سؤال : ما هي أدلة وجوب الوضوء في الطواف ؟
الجواب : ما في دليل . القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام والذي نختاره نحن أنه لا يجب لاسيما إذا دعت الحاجة إلى هذا ، أرأيت لو أن إنساناً انتقد وضوؤه أثناء الطواف في الزحام الشديد وقلنا انقطع الطواف اذهب فتوضأ ، متى يخرج من المطاف ؟ إلا بعد تعب شديد ، ثم إذا وصل إلى الحمامات متى يحصل له أن يتوضأ ؟ يحتاج إلى انتظار طويل ، ثم إذا رجع وقلنا ابدأ بالطواف من الأول ، ابتدأ وفي أثناء الطواف انتقض وضوؤه أو احتاج إلى خروج ففعل ، بكل مشقة خرج من المسجد ، وبطول زمان انتظر الحمامات ، وبالرجوع أيضاً قلنا له ابتدئ من الأول ففعل ، وفي أثناء الطواف أحدث ، مشكل معناه يبقى طول النهار متيقظاً لأن يصح طوافه . ولو كان هناك نص صريح مثل الشمس في وجوب الوضوء للطواف لقلنا في هذه الأحوال الضنكة الصعبة يحل التيمم ، لكن ما في نصح صريح والحمد لله ، هذا من نعمة الله .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم ، هل يُشرع الإفتاء بذلك ؟
الجواب : لا .. لا .. هذه قاعدة خذوها بارك الله فيكم : إذا كان الناس على شيء احتياطي فلا تتحير له، لكن هذا ينفعك في الضنك ، لو جاءك إنسان بعد أن انتهى من الطواف والسعي وقال لك إنه أحدث في أثناء الطواف لا تأمره بالإعادة لأنك ستكلفه مشقة شديدة بدون علم ، وهذه اجعلوها أمام أعينكم ، كل شيء الناس فيه ماشون على الاحتياط وليس حراماً دعهم ، لكن إذا اُستفتيت في حال الضنك والضيق في تلك الساعة أفتي بما تراه .
سؤال : في أثناء مثلاً لو واحد ألقى كلمة أو ما شابه ذلك ثم تكلم عن السنن والواجبات في الطواف هل يأتي بعبارة موهمة بحيث العوام يفهمون إنه واجب ؟
الجواب : أنا أرى لا تفتحون الباب ، ما دام الناس ماشيين على الاحتياط خلهم ماشيين عليه .
السائل : الآن يا شيخ بدأت كتب كثيرة أخذت هذا القول تنشره وبدأ الناس يسألون عنه ، وكلما تكلم إنسان كيف تقولون وفلان يقول كذا ؟
الجواب : على كل حال هذا شيء ثاني .
السائل : هذا اشتهر يا شيخ ؟
الجواب : اشتهر إيش ؟
السائل : أن الوضوء لا يجب في الطواف ؟
الجواب : طيب ، الحمد لله إذا اشتهر من غير وضوء أحمد الله أن الله ينشره ، لكن أنا ولاسيما الإنسان المعتبر الذي تؤخذ فتواه ما نفتي بهذا ، لو سُئلنا الآن ونحن نرى الوضوء غير واجب أيهما أفضل الوضوء أو عدمه ؟ الوضوء ، طيب هل نفتح لهم باب يتنازلون عن الأفضل ؟ لا .. لكن إذا وقعت الواقعة فلها من الله كاشفة إن شاء الله .
سؤال : بعض العوام يقول هو لازم أو ما هو بلازم ، هو حرام أو ما هو بحرام ؟
الجواب : أحسنت ، هذه يسألونها دائماً ، إذا قلنا له افعل قال هو حرام؟ أقول له لا تفعل ، كلما قال هو حرام قل لا تفعل . هو بلازم إنه حرام ؟! نعم إذا علمت إن رجل وقع في المسألة حينئذٍ أفتي بما أرى ، هذا إذا كان الناس سائرين على الاحتياط . أما إذا كانوا سائرين على خلاف الاحتياط فحينئذٍ لا بد أن تبين . عرفت الفرق ؟ مثلاً الآن بعض الناس يرون جواز الربا في الأوراق ربا النسيئة وربا الفضل واشتهر عند الناس وأنت تعلم أن هذا حرام وعندك دليل ، بين أنه حرام وعندك دليلك . كذلك اشتهر عند الناس أنه يجوز للإنسان أن يشتري سبعة معينة ويقول للتاجر يا فلان أنا أريد السلعة المعينة وأنا ما عندي فلوس ، فيقول التاجر أنا أشتريها ثم أبيعها عليك بالزيادة ، اشتهر عند الناس أن هذه مرابحة حلال ، هذه يجب أن نبينها ؛ لأن الناس في هذا سلكوا طريق الاحتياط أو طريق التساهل ؟ طريق التساهل ، نقول هذه خلوها على بالكم ، ولما ظهرت الفتوى من بعد العلماء المعتبرين بأن وجه المرأة لا يجب ستره قال بعض العلماء الذين درسونا ونعتبرهم رحمهم الله من أشياخنا ، قال : عجباً لهذا المفتي أن يفتي بهذا والناس سائرون على ستر وجوههن ، وستر الوجوه أفضل حتى الذي أفتى بجواز كشف الوجه يقول الستر أفضل ، فيقول عجباً له كيف يحول الناس من شيء ماشيين عليه بالاحتياط وعلى الأفضل حتى يتحولوا ؟ وهذا في الحقيقة تربية وما ضرنا إلا أن بعض الناس يعامل المسلمين في العموم حسب النظر فقط دون التربية ، مع أن الإنسان إذا تأمل القرآن والسنة وهدي السلف يجد أنهم يلاحظون التربية ملاحظة عظيمة ، فهمت ؟
سؤال : عفا الله عنك ، الذي يرخص بكشف الوجه ويعمل بتغطية الرجل هل هذا معه فك ونظر ؟
الجواب : لله درك من الليلة إن شاء الله سأسميك ابن حزم ، على كل حال أنا مع الأخ السائل ، في أنه سبحان الله كيف يُعقل أن نقول للمرأة اكشفي هذا الوجه الجميل الجذاب واستري الرجل ؟ الرجل القبيحة التي لو شفتها تجري ونقول استريها ؟ وهذا الوجه الجميل الذي كالبدر اكشفيه، من يقول هذا؟ يعني هل يمكن أن تأتي الشريعة بهذا ؟ والله لا تأتي به ، أكبر استنادهم على حديث ضعيف أو على رأي ابن عباس رضي الله عنه .
ش8 ـ وجه أ :
الحديث الضعيف أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثياب رقاق شفافة فأعرض وقال : (( إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصح أن يُرى منها إلا هذا وهذا )) وأشار إلى وجهه وكفيه ، هل هذا معقول ؟ أولاً الحديث ضعيف السند وفيه انقطاع ، والثاني : هل يعقل أسماء بنت أبي بكر من أفضل النساء تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق يرى من ورائها الجلد ؟ هذا غير معقول . فهو منكر متناً وضعيف سنداً ، أما ابن عباس فإنه لما فسَّر قوله تعالى : {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال الوجه والكفان . والذين رووا عنه هذا قالوا يحتمل أنه أراد تفسير الآية قبل نزول الحجاب ، ومعلوم أن مسألة ستر الوجه له حالان حال قبل نزول الحجاب وحال بعده . وبعضهم قال : أراد التمثيل بما لا يظهر ليشير إلى أن الوجه والكفان يجب سترهما . وعلى كل حال عندنا أحاديث كثيرة تدل على الوجوب ، والدليل العقلي الذي ذكره الأخ سليم نوافق عليه ، الشريعة حكيمة ما هي هينة { من لدن حكيم خبير} وإذا قيل رُخص لها بالوجه من أجل أن تستدل بالنظر على الطريق . قلنا : الحمد لله يُغني عن هذا النقاب ، ثم ما للكفين ؟ فإذا قالوا إن الكفين آلة الأخذ والعطاء وما أشبه ذلك . قلنا : هذا في البيت ، والأمر والحمد لله واضح والآن الأمم التي أباحت الكشف للوجه الآن هي تئن وتحن إلى العادات الأولى ، تئن من حالها اليوم وتحن إلى حالها الأولى ؛ لأن النساء ما اقتصرن على الوجه ولا اقتصرن على الوجه الطبيعي ، بدأت تكشف الرأس والرقبة وإلى المرفق ، وليتها تبقي الوجه على حاله تضفي عليه شيئاً من التجميل ، مكياج تحمير شفاه وتسويد أجفان وتزجيج حواجب وما أشبه ذلك . نسأل الله أن يوفق أمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح .
سؤال : في المسألة هذه يا شيخ أقول العامي لا يصدق كالعالم في مثل هذه المسألة ؟
الجواب : العامي الذي ما له هوى ، وإلا الذي له هوى يحتج .
سؤال: أثابك الله يا شيخ، بعض الناس إذا سافر البلاد خارج المملكة إذا غطت المرأة وجهها يكون عليها رقابة ويكون عليها شيء ، وبعض الناس أيضاً يحتار أيتبع العلماء الذين هنا أو يتبع العلماء الذين هناك ؟
الجواب : هل رأيت هذا؟ هل رأيته .. أسألك هل رأيته، قل نعم أو لا.
السائل : ما رأيته .
الجواب : طيب ، لا تصدقه ، أجل أنا حدثني من أثق به أنه كان يدرس في ألمانيا مدة طويلة حسب الدراسة ومعه امرأته تحتجب كما تحتجب في بلده ، قال : وكان الناس إذا رأوها يتميزون عنها حتى تعبر احتراماً لها . هذا في ألمانيا ما أدري عن بقية البلاد . أفهمت ؟
سؤال : رأيت هذا بعيني .
الجواب : رأيت هذا بعينك ؟ فرنسا وبريطانيا أكبر دولتين أوربيتين .
السائل : مدرسة في بريطانيا بالحجاب الإسلامي كامل يا شيخ .
الجواب: لكن بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ له هوى وعنده ضعف إذا رأى الناس يشوفون المرأة هذه قال هذا معناه يريدون يفعلون بها الأفاعيل .
السائل : يا شيخ انتشر والحمد لله في كل مكان الآن الحجاب .
الجواب : الحجاب ؟ الحمد لله .
السائل : لا إشكال هذا لضعف شخصية .
الجواب : أي نعم ، أنا حدثني ، سمعت في الإذاعة والله ما أدري عدد كبير من النساء تظاهرن عند بيت الرئيس الأمريكي البيت الأبيض يردن الحجاب ، والحمد لله عندنا شهادة رجلين من جهتين متفرقتين لا يمكن التواطؤ بينهما ، هذا أكبر دليل .(244/93)
66 ـ بَاب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ
وَقَال عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلمَ يَرْجِعُ إِلى حَيْثُ قُطِعَ عَليْهِ فَيَبْنِي ، وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهم(1)
__________
(1) قال البخاري : ( إذا وقف الطواف ) يعني إذا قطعه أو وقف .... فماذا يصنع ؟ ( وَقَال عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ إِذَا سَلمَ يَرْجِعُ إِلى حَيْثُ قُطِعَ عَليْهِ فَيَبْنِي وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهم ) هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله عن قطع الطواف ، إذا قطع الطواف فهل يعود ويُكمل أو يستأنف ، أو يُفرق بين طول الزمن وقِصره ؟ والصحيح أنه إذا قطعه لغرض شرعي كصلاة الجماعة وجنازة حضرت وما أشبه ذلك وخصام وقع حوله فذهب يصلح بينهم ، المهم لغرض شرعي فلا بأس به ، ثم هل يستأنف الشوط الذي قطع فيه الطواف أو يُكمل من حيث وقع ؟ فيه خلاف أيضاً ، منهم من قال لابد أن يعيد الشوط من أوله ، فإذا قُدر أنه قطع الطواف من الباب الغربي للحجر أو من عند الركن اليماني فإنه إذا زال العارض يعود إلى الحجر ويستأنف الشوط ، إن شاء عاد وإن شاء استمر ماشياً من مكانه إذا كان الحجر أقرب إليه استمر ماشياً من مكانه بغير نية الشوط ، فإذا وصل الحجر نوى الشوط الذي قطعه . ولكن القول الراجح الذي لا شك فيه أنه لا يستأنف الشوط بل يبتدئ من حيث قطع ، ولا حاجة إلى أن يستأنف الشوط لأنه لم يبطل ، ولو قلنا ببطلانه لقلنا يبطل السبع كله، ولكنه لا يبطل لا السبع كله ولا الشوط .
أما إذا قطعه بحدث مثلاً فعلى قول من يقول يُشترط الطهارة ينقطع ويتطهر ويستأنف السبع من جديد ، وعلى القول الراجح أنه إذا أحدث في أثناء الطواف استمر ولا حاجة أن يخرج ، يستمر ويُكمل لأنه ليس هناك دليل يدل على إبطال الطواف بالحدث أو على أنه يُشترط الوضوء للطواف. فهو ذكرها بصيغة التعريض ، وهو إذا ذكر الشيء معلقاً بصيغة التعريض يدل على أنه ضعيف عنده لكنه يذكره لعل أحداً يطلع على طرق أخرى تكون صحيحة .(244/94)
67 ـ بَاب صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ
وَقَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُصَلي لكُل سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَال إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قُلتُ للزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فَقَال السُّنَّةُ أَفْضَلُ لمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلا صَلى رَكْعَتَيْنِ .(244/95)
1518 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) قَال وَسَأَلتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
__________
(1) هذه المسألة الطواف هل يسن له ركعتان في كل أسبوع أو له أن يجمع عدة أسابيع ، يعني مثلاً سبع ثم سبع ثم سبع ثم يصلي ركعتين ؟ كلام المؤلف رحمه الله يدل على أنه لكل سبوع ركعتين ، ولا فرق بين طواف النسك وطواف التطوع ولا بين طواف الإفاضة وطواف الوداع ، كلها يسن أن يصلي ركعتين خلف المقام ، وهل تجزئ عنه المكتوبة ؟ نستمع : ( قُلتُ للزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ) مثل أن يفرغ من طوافه ثم تقام صلاة الفجر فيصلي الفجر ، هل تُجزئ أو لا ؟ عطاء يقول إنها تُجزئ وقاس ذلك على تحية المسجد تُجزئ عنها المكتوبة لأن المقصود أن يصلي بعد الطواف وقد حصل . لكن الزهري رحمه الله يقول : (السُّنَّةُ أَفْضَلُ ) يعني أن تأتي بركعتين خاصة للطواف . ولا شك أنه أفضل كما قال الزهري رحمه الله ، لكن إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة لابد أن تصلي المكتوبة أولاً ثم تصلي ركعتي الطواف ثانياً ، حتى ولو كانت المكتوبة الفجر لأن ركعتي الطواف من ذوات الأسباب وذوات الأسباب على القول الراجح تُصلى في وقت النهي . ثم استدل قال : ( لمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سُبُوعًا قَطُّ إِلا صَلى رَكْعَتَيْنِ ) وهذا عام ، والزهري من أتقى التابعين ، يقول : ( ما طاف سبوعاً إلا صلى ركعتين ) وهذا يشمل طواف الفرض والواجب والسنة . طواف الفرض مثل طواف الإفاضة وطواف العمرة ، الطواف المسنون : التطوع وطواف القدوم لمن كان مفرداً أو قارناً ، وطواف الواجب : طواف الوداع .
ثم ذكر حديث عبد الله بن عمر : ( أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلى امْرَأَتِهِ فِي العُمْرَةِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ) وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل العمرة شيئاً واحداً له أجزاء : الطواف والصلاة خلف المقام والطواف بين الصفا والمروة ، فهذه أجزاء العمرة فلا يصح أن يقع الرجل على زوجته بين أجزائها ، وقال رضي الله عنه : { لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌْ} سبحان الله استدلال الأولين مبارك وواضح وثلج على القلب ، هو ما ذهب يعلل ويدلل ويقول حل التحلل أو ما حل .. لا ، ذكر السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف وصلى ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة ، فجعل العمرة مكونة من أجزاء ، وإذا كان كذلك فلا يصح أن الإنسان يقع بين الطواف بالبيت والطواف بالصفا والمروة ، لكن لو فعل ماذا يكون ؟ إن فعل إن كان ناسياً أو جاهلاً فالقول الراجح أنه لا شيء عليه ؛ لأن جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه . أما إذا كان متعمداً عالماً فهل تفسد العمرة أو لا تفسد ؟ نقول : العمرة تفسد . وماذا يجب ؟ هل نقول اقطعها الآن لأنها فسدت كسائر العبادات إذا فسدت فسدت لا يجوز المضي في فاسد وهذا رأي ابن حزم رحمه الله ، يرى أن الحج إذا فسد ما يمكن يستمر فيه فسد خلاص ، ولكن أهل العلم على خلاف قوله رحمه الله يقولون إنه يفسد بمعنى أنه يلزم قضاؤه ولكن يستمر فيه ويكمله ويلزمه الفدية والقضاء .
طيب الآن في هذه المسألة نقول استمر واسعى وقصر ثم أعد العمرة أحرم من الميقات الذي أحرمت منه أولاً لا من التنعيم أو أدنى الحل بل من الميقات الذي أحرمت منه أولاً ولو كان ذا الحليفة ، ثم اقضها طف واسعى وقصر . طيب وماذا عليه من الفدية ؟ الفدية على المذهب يقولون ما عدا الجماع وما عدا جزاء الصيد فالفدية فيه فدية أذى ، معنى فدية أذى أنه يُخير بين صيام وصدقة ونسك ، صيام ثلاثة أيام ، صدقة إطعام ثلاثة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والثالث النسك . ولكن هل لنا أن نسوس الناس ونلزم من تعمد بالشاة أولاً ؟ الجواب : نعم لنا هذا لأن بعض الناس يقول إذا كانت المسألة صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين المسألة هينة ولا يبقى للإحرام عنده حرمة . لكن إذا جاءنا تائباً نادماً حزيناً وعلمنا صدقه فهنا نقول بالتخيير .
وقَال : ( وَسَأَلتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ) وظاهر أثر جابر أنه يجوز قبل أن يحلق ويقصر ، لقوله : ( حتى يطوف ) وهذا مبني على أن الحلق أو التقصير ليس نسكاً ولكنه إطلاق من محظور ، ومعنى إطلاق من محظور أنه يتبين به الإنسان أنه تحلل ، لكن هذا القول ضعيف والصواب أن الحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة لأن الله تعالى أشار إليه في القرآن : {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين } ولم يقل طائفين ساعين ، وهذا يدل على أهمية التقصير أو الحلق . ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين والمقصرين وكرر الدعاء للمحلقين مما يدل على أهمية ذلك ، فالصواب أن الحلق أو التقصير نسك وليس مجرد إطلاق المحظور ، لو كان مجرد إطلاق المحظور لقلنا لا تحلق ولا تقصر وجامع زوجتك لأن الجماع يدل على الحل .
سؤال : بارك الله فيك ، الفدية وكل مستلزمات المحظور تسقط بالجهل والنسيان والخطأ ؟
الجواب : لا .. الخطأ هو الجهل والإكراه .
السائل : لماذا فسدنا عقد زواج الناس إذا عقد الإنسان وهو ناسي ؟
الجواب : ناسي إيش ؟
السائل : أنه مثلاً محرم أو جاهلاً ؟
الجواب : لأن النكاح وقع في غير محله وإن كان هو ناسياً ليس عليه كفارة لكن يلزمه أن يُتمم النُسك .
سؤال : هل يُطلق الدم على من ترك واجباً أو فعل محظوراً ؟
الجواب : ما معنى يُطلق ؟
السائل : بعض المفتين يقول عليك دم ؟
الجواب : كل شيء ؟
السائل : نعم .
الجواب : من جهلهم ، في شيء ما أصلاً ما فيه فدية كعقد النكاح ، هذا ما فيه فدية أصلاً أو الخطبة خطبة المحرم .
السائل : ترك الواجب يقول في دم على رأي الفقهاء ، والمحظور يقول عليك فيه فدية ؟
الجواب : نحن نعرف أن المحظورات أربعة أنواع .
سؤال : أحسن الله إليك ، من عليه فدية أذى فذبح بقرة ، هل له أن يتصرف فيما زاد عن سبع البقرة ؟
الجواب : هل نوى البقرة كلها أو السبع ؟ أسألك هل نوى أنه إنما ذبح الواجب فقط السبع ، فالباقي يتصرف فيه كيف يشاء ، أو نواها عن الواجب كله فإنه تكون كلها فدية ، فهمت ؟ بقي أن العلماء قالوا : هل يثاب على كل البقرة ثواب الواجب أو يثاب على سبعها ثواب الواجب والباقي ثواب تطوع؟ فهمت أو لا ؟ فهمت الفرق ؟ طيب منهم من يقول إنه يثاب ثواب الواجب على ما كان للواجب فقط وهو السبع ، ومنهم من قال يجري حكم الواجب عليها جميعاً لأن الواجب هنا لم يتميز ، وليس كمن أخرج صاعين عن الفطرة . لو أخرج صاعين عن الفطرة أُثيب عن الصاع ثواب الواجب والثاني التطوع لأنه متميز ، لكن هذا غير متميز مشاع . والأقرب أن نقول فضل الله واسع هو إذا نوى عن الواجب أُثيب ثواب الواجب .
سؤال : أحسن الله إليك ، هكذا يقال في جزاء النسك ؟
الجواب : جزاء الصيد ؟
السائل : يعني إذا ذبح شيئاً كبيراً عن الصغير ؟
الجواب : إذا كان في جزاء الصيد لابد من المماثلة ، يعني لو ذبح بقرة عن شيء آخر لا يماثلها ما أجزأ ، أفهمت ؟ وبعضهم يقول مجزئ ومن ذلك مثلاً لو ذبح عن النعامة سبع شياه ، ما هي النعامة بدنة ؟ بعضهم يقول مجزئ وبعضهم يقول لا يجزئ لأنه المماثلة فاتت ، وهذا أحوط .(244/96)
68 ـ بَاب مَنْ لمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ وَلمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّل
1519 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ(1)
__________
(1) يعني معناه ( باب من لم يقرب ) جعله على الشك ، ولكن استدل بالحديث مما يدل على أنه لا بأس ، فهو يقول لا بأس أن لا يطوف ولا طواف القدوم ، يعني لو أنه أحرم من الميقات واتجه إلى منى فلا بأس ، ودليله حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه أنه قدم من طي محرماً فما وترك جبل إلا وقف عنده حتى أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الصبح في مزدلفة وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما جرى له فقال : (( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه )) ولم يذكر طواف القدوم . وهو كذلك لأن طواف القدوم سنة ، فلو ذهب من الميقات إلى منى رأساً فلا بأس . والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في الأبطح قبل الحج ثلاثة أيام ولم يطف بعدها مع تيسر الطواف له ، لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد أن يدع المكان لمن هو أولى به وهم الذين جاءوا بالنسك .
سؤال : لماذا لا نسوي بين الحج والعمرة بإيجاب بدنة على المجامع مع أن هذا المحظور يفسد الحج ويفسد العمرة ؟
الجواب : لكن يكون في العمرة أهون ، العمرة نسك حج أصغر فليس كالحج . واقتصاراً عن ما ورد عن الصحابة .
سؤال : ذكرنا تخطئة عالم من العلماء الذي أفتى أميراً من الأمراء حين جامع زوجته في نهار رمضان بأن عليه صيام ولم يبدأ بالكفار ، قال ترضية له وتأديباً له ، وذكرنا خطأه ، ومنذ قيل ـ أحسن الله إليك ـ ذكرنا بأننا لنا أن نؤدب الناس بأن نقول من جامع في العمرة فعليه الدم مباشرة ولا نخيره ، فما الفرق ؟
الجواب : الفرق واضح ـ سبحان الله ـ فدية الأذى على التخيير الإنسان مخير ، وهناك على الترتيب . ولا يمكن أن نتعدى ما رتبه الله .
السائل : وهذا يا شيخ أيضاً مُخيَّر ؟
الجواب : لا ما هو مُخير .
السائل : وهنا .....
الجواب : مخير لأن الفدية أصلها التخيير فنحن ألزمناها بأشد الأمور الثلاثة وكلها جائزة هذه وهذه وهذه ، لكن في نسك العتق والصيام ما خُير الإنسان .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض الناس يرون أن طواف القدوم هو الواجب وطواف الوداع سنة ، هل يُتركون على ما يعتقدون أم لابد أن يُبين لهم ؟
الجواب : إذا كان الإنسان مقبول القول فلا بد أن يبين الحق ، وأما إذا لم يكن مقبولاً فليترك الناس على مذهبهم ، كذلك عند الاستفتاء إذا استفتاك إنسان وأنت تعرف أن مذهبه مالكي مثلاً فهنا قل له هل أفتاك أحد ؟ إذا قال نعم أفتوني بأن طواف الوداع سنة وطواف القدوم واجب . نتركه ولا نلزمه بشيء فيه خلاف وقد استفتى عالماً يعتقد أنه مصيب .
أما ما يفعله بعض المفتين إذا جاءه يستفتيه واحد ، قال : تعال ما مذهبك ؟ إذا قال : مذهبي مثلاً حنفي . أفتاه على المذهب الحنفي . هذا ما يجوز ، لكن إذا كان الإنسان قد فعل الشيء وقال إنما فعل هذا تقليداً للمذهب الفلاني نتركه . واضح ؟(244/97)
69 ـ بَاب مَنْ صَلى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ
وَصَلى عُمَرُ رَضِي الله عَنْه خَارِجًا مِنَ الحَرَمِ
1520 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ح .
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ رَضِي الله عَنْهَا صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الخُرُوجَ وَلمْ تَكُنْ أُمُّ سَلمَةَ طَافَتْ بِالبَيْتِ وَأَرَادَتِ الخُرُوجَ فَقَال لهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلونَ فَفَعَلتْ ذَلكَ فَلمْ تُصَل حَتَّى خَرَجَتْ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن صلاة الجماعة ليست واجبة على النساء لأنها لو وجبت لأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تصلي ثم تطوف ، وهو كذلك فصلاة الجماعة غير واجبة على النساء في المساجد . لكن هل تجب عليهن في البيوت ؟ لا تجب ، وهل تُسن أو لا تُسن ؟ فيه خلاف ، فالمشهور من مذهبنا الحنابلة أنها تُسن للنساء منفردات عن الرجال، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها ، يعني أهل حيها ، ومنهم من قال إنها لا تُسن للنساء لأن هذا هو الغالب على نساء الصحابة . والأمر في هذا سهل إن صلين جماعة رأين أن هذا أنشط لهن وأقوم فهذا خير ، وإن كانت كل امرأة مشتغلة بما تشتغل به من البيت فكل واحدة تصلي وحدها .
وقوله : ( فلم تصل حتى خرجت ) هل المعنى لم تصل الفجر أم المعنى لم تصل ركعتين ؟ إن كان الأول فلا شاهد في الحديث الترجمة ، وإن كان الثاني فنعم . ولكن ظاهر السياق أنها لم تصل صلاة الفجر حتى خرجت . ولنرجع إلى الباب في فتح الباري .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب من صلى ركعتي الطواف خارجاً من المسجد ) هذه الترجمة معقودة لبيان إجزاء صلاة ركعتي الطواف في أي موضع أراد الطائف وإن كان ذلك خلف المقام أفضل وهو متفق عليه إلا في الكعبة أو الحجر ، ولذلك عقبها بترجمة : ( من صلى ركعتي الطواف خلف المقام ) .
قوله : ( وصلى عمر خارجا من الحرم ) سيأتي شرحه في الباب الذي يلي الباب بعده ، قوله : ( عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن حرب ... الخ ) هكذا عطف هذه على التي قبلها وساقه هنا على لفظ الرواية الثانية وتجوز في ذلك فإن اللفظين مختلفان وقد تقدم لفظ الرواية الأولى في باب طواف النساء مع الرجال ويأتي بعد بابين أيضا . قوله : ( يحيى بن أبي زكريا الغساني ) هو يحيى بن يحيى اشتهر باسمه واشتهر أبوه بكنيته والغساني بغين معجمة وسين مهملة مشددة نسبة إلى بني غسان . قال أبو علي الجياني وقع لأبي الحسن القابسي في هذا الإسناد تصحيف في نسب يحيى فضبطه بعين مهملة ثم شين معجمة ، وقال ابن التين قيل هو العشاني بعين مهملة ثم معجمة خفيفة نسبة إلى بني عشانة ، وقيل هو بالهاء يعني بلا نون نسبة إلى بني عشاه . قلت : وكل ذلك تصحيف والأول هو المعتمد .
قال ابن قرقول : رواه القابسي بمهملة ثم معجمة خفيفة وهو وهم .
قوله: ( عن هشام ) هو بن عروة ، قوله : ( عن عروة عن أم سلمة ) كذا للأكثر ، ووقع للأصيلي عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة وقوله : ( عن زينب ) زيادة في هذه الطريق فقد أخرجه أبو علي بن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه ليس فيه زينب . وقال الدارقطني في كتاب التتبع في طريق يحيى بن أبي زكريا هذه هذا منقطع فقد رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة ولم يسمعه عروة عن أم سلمة .ا.هـ.
ويحتمل أن يكون ذلك حديثا آخر فإن حديثها هذا في طواف الوداع كما بيناه قبل قليل ، وأما هذه الرواية فذكرها الأثرم قال : ( قال لي أبو عبد الله ) يعني أحمد بن حنبل ( حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة ) قال أبو عبد الله : هذا خطأ فقد قال وكيع عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة . قال وهذا أيضا عجيب ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة وقد سألت يحيى بن سعيد يعني القطان عن هذا فحدثني به عن هشام بلفظ ( أمرها أن توافى ) ليس فيه هاء . قال أحمد وبين هذين فرق فإذا عرف ذلك تبين التغاير بين القصتين فإن إحداهما صلاة الصبح يوم النحر والأخرى صلاة صبح يوم الرحيل من مكة .
وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد ، وقد تقدم الكلام على حديث أم سلمة في باب طواف النساء مع الرجال وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجا من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وفي رواية حسان عند الإسماعيلي : ( إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ) أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة وفيه رد على من قال يحتمل أن تكون أكملت طوافها قبل فراغ صلاة الصبح ثم أدركتهم في الصلاة فصلت معهم صلاة الصبح ورأت أنها تجزئها عن ركعتي الطواف وإنما لم يبُت البخاري الحكم في هذه المسألة لاحتمال كون ذلك يختص بمن كان له عذر لكون أم سلمة كانت شاكية ولكون عمر إنما فعل ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى التنفل بعده مطلقا حتى تطلع الشمس كما سيأتي واضحا بعد باب . واستُدل به على أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم وهو قول الجمهور ، وعن الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم ، وعن مالك إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم ، قال ابن المنذر ليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة وليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها .
الشيخ : الإشكال في قوله : ( لم تصل حتى خرجت ) .
القارئ : ذكرناه يا شيخ .
الشيخ : في الفتح ؟
القارئ : أعيد يا شيخ ؟
الشيخ : طيب .
القارئ : قوله : وموضع الحاجة منه هنا قوله في آخره : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي من المسجد أو من مكة فدل على جواز صلاة الطواف خارجاً من المسجد إذ لو كان ذلك شرطا لازما لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . وفي رواية حسان عند الإسماعيلي : ( إذا قامت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وهم يصلون قالت ففعلت ذلك ولم أصل حتى خرجت ) أي فصليت وبهذا ينطبق الحديث مع الترجمة.
الشيخ : ما هو بظاهر . في شيء يدل على هذا ؟
القارئ : هذا العيني ، يقول : مطابقته للترجمة في قوله : ( فلم تصل حتى خرجت ) أي لم تصل ركعتي الطواف حتى خرجت من الحرم أو من المسجد ثم صلت ، فدل هذا على جواز تأخير ركعتي الطواف إلى خارج الحرم وأن تعيينها بموضع غير لازم لأن التعين لو كان شرطاً لازماً لأقرها النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : بس الحديث ما فيه دليل .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، المسألة ما تحتاج دليل لأنها لازمة عليها وعلى غيرها لأنها ولو كان يحتاج دليلاً لكان هو ركعتي الطواف ؟
الجواب : يعني ما جرى لها ذكر ركعتي الطواف ما جرى لها ذكر . على كلٍ يراجع في الأمهات .(244/98)
70 ـ بَاب مَنْ صَلى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَلفَ المَقَامِ
1521 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يَقُولُ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلى الصَّفَا ، وَقَدْ قَال اللهُ تَعَالى : ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
71 ـ بَاب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالعَصْرِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُصَلي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ مَا لمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى
1522 حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ البَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالبَيْتِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ قَعَدُوا إِلى المُذَكِّرِ حَتَّى إِذَا طَلعَتِ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلونَ فَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ التِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلاةُ قَامُوا يُصَلونَ(1)
__________
(1) كأنها أنكرت ورأتهم يصلون قضاء ، وهذا هو الصواب متى وُجِد سبب صلاة التطوع في أي وقت فصليها لأنها قُيدت بسبب واحتمال أن يكون الإنسان سجد للشمس بعيد مع وجود السبب الظاهر . ولهذا كما قلنا القول الراجح في هذه المسألة أن جميع ذوات الأسباب ليس عنها نهي في أي وقت وُجِد السبب فصلي .(244/99)
1523 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَنْهَى عِنِ الصَّلاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا(1)
1524 حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَال رَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهما يَطُوفُ بَعْدَ الفَجْرِ وَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ قَال عَبْدُالعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَدْخُل بَيْتَهَا إِلا صَلاهُمَا .
72 ـ بَاب المَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا
1525 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ طَافَ بِالبَيْتِ وَهُوَ عَلى بَعِيرٍ كُلمَا أَتَى عَلى الرُّكْنِ أَشَارَ إِليْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ .
__________
(1) صدق ، والمراد الصلاة التي ليس لها سبب .(244/100)
1526 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلمَةَ عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(1)
__________
(1) ش8 ـ وجه ب :
قوله : ( بَاب المَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا ) يشير إلى أن الطواف راكباً لا يجوز إلا لعذر كالمريض والكبير والأعرج والأشل وضعيف البنية الذي لا يستطيع المزاحمة وما أشبه ذلك ، المهم أنه لا يكون إلا لعذر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف على البعير خشية التأذي فكيف بمن لا يستطيع ؟ وعلى هذا فنقول : يشترط في الطواف أن يكون الطائف ماشياً ولا يجوز أن يطوف محمولاً ولا على بعير ولا على عربية إلا لعذر . يجب أن يكون ماشياً ولا يجوز راكباً إلا لعذر .
فإن قال قائل : أرأيتم لو أن هذا الطائف ابتدأ الطواف ثم مع اللين والهدوء نام ولم يستيقظ إلا قيل له يا فلان صلي ركعتين خلف المقام ، ما الحكم ؟ الحكم أنه يجزئه ، إذا قلنا بأنه لا تُشترط الطهارة واضح ، وإذا قلنا تُشترط نظرنا هل نام نوماً عميقاً بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فالطواف غير صحيح ؛ لأنه انتقض الوضوء ، وإن كان نوماً خفيفاً يعني ينعس ويسمع الكلام ويسمع لو حدث منه شيء فإن طوافه صحيح .
سؤال : إذا قال قائل النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً والزحام الآن أكثر زحاماً فهل يطوف راكباً في الزحام ؟
الجواب : لو قلنا إن الزحام يجوز معه ـ الزحام المعتاد يعني ـ يجوز أن يركب معه الإنسان ويكون على عربية لامتلأ المسجد عربيات وامتلأ من هؤلاء القوم الذين كسروا رؤوس الناس وخشب خشب وصار فيه تعب عظيم ، لكن نقول إذا خرج الإنسان عن المعتاد كما قلت لكم لمرض أو شلل أو عرَّض أو ضعف قلنا لا بأس أن يُحمل .
سؤال : حفظك الله ، من قال الحج والعمرة تامة تامة تامة بعد صلاة الصبح أن يجلس في المكان الذي صلى فيه ثم يسبح ثلاثاً وثلاثين ويكبر ثلاثاً وثلاثين؟
الجواب : أولاً أن هذا الحديث فيه نظر بعض العلماء ضعفه ، وثانياً الذي يظهر أنه ليس المراد أن يبقى في المسجد مكانه وأنه إذا قام عن مكانه إما لأنه أريح له أو لاستماع ذكر فلا بأس .
سؤال : أحسن الله إليكم ، مداومة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه على ركعتي بعد صلاة العصر سبق أن هذه من خصائص ابن الزبير .
الجواب : اقرأ أثر عبد الله بن الزبير .
السائل : قَال عَبْدُالعَزِيزِ وَرَأَيْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَدْخُل بَيْتَهَا إِلا صَلاهُمَا .
الجواب : ما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ذلك فقال لا وأن الدوام عليهما من خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : بارك الله فيك كيفية المسح والتقبيل للحجر الأسود؟
الجواب : المسح يمر يده عليه .
السائل : كل الحجر ؟
الجواب : لا .. يكفي على أدنى جزء منه .
السائل : وكذلك اليماني ؟
الجواب : وكذلك اليماني . وأما التقبيل معروف أن يضع شفتيه عليه، وأيضاً يُقبل بلا صوت ، العلماء يقولون : يضع شفتيه عليه بلا صوت .
سؤال : من أحرم من الميقات ثم ذهب إلى عرفة ولم يطف طواف القدوم هل يرمل في طواف الإفاضة أو لا يرمل ؟
الجواب : لا يرمل لأن بعد الوقوف بعرفة والرمي والنحر والحلق يتحلل فلا يرمل .(244/101)
73 ـ بَاب سِقَايَةِ الحَاجِّ
1527 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلبِ رَضِي الله عَنْه رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى مِنْ أَجْل سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لهُ(1)
__________
(1) وقوله : ( استأذن من أجل سقايته ) يدل على أن المسجد الحرام فيه أُناس يحتاجون للسقاية ، وهؤلاء إما أن لا يكونوا حجاجاً ، وإما أن يكونوا معذورين ، وإما أن يكونوا في أول الليل في مكة وفي آخره في منى أو بالعكس . وفي قوله : ( استأذن فأذن له ) استدل به بعض العلماء على أن المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب ، ولكنه ليس صريحاً في هذا لأن الاستئذان قد يكون على الشيء المشروع الذي ليس بواجب لئلا يقال إن الرجل تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهذا لا يمكن أن يكون دالاً على الوجوب ؛ لأن الإذن قد يكون في الأمر المستحب بل قد يكون في الأمر المباح . وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ـ أعني المبيت بمنى ـ المبيت بمنى قبل عرفة سنة لا إشكال فيه دليله حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه ، ليالي منى اختلف فيها العلماء ، منهم من قال إن المبيت سنة ، ومنهم من قال إنه ليس بسنة . وليس هناك دليل واضح يدل على الوجوب إلا أن يتعلق متعلق بقوله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } لأن قوله من تعجل في يومين فلا إثم معناه أن من ترك فهو آثم ، ولكن هل إذا ترك ليلة من الليالي يجب عليه دم ؟ الجواب : لا .. وإن كان بعض العلماء قال به لكن الصحيح أنه لا يجب فيه دم . الليلة الواحدة يجب فيها كما روي عن الإمام أحمد قبضة من طعام أو ما أشبه ذلك ، أما لو ترك الليلتين كلتيهما فهنا يقال إنه ترك نسكاً تاماً فعليه دمٌ على قول من يرى وجوب الدم في ترك الواجب .
سقاية العباس ، هل هو يسقي بثمن أو تطوعاً ؟ الثاني ، وكانوا يفتخرون أن يخدموا الحجاج فهم يتطوعون ، كان الناس فيما سبق أدركناهم يبيعون الماء ماء زمزم في وقت الحر ، تجده يدور على الناس ومعه إناء من خزف يصب بالكأس فإذا شرب قال سلم ! يأخذ عليك قرشاً أو قرشين حسب ما تشرب . لكن الحمد لله الآن الحكومة وفقها الله وفرت ماء زمزم توفيراً تاماً ولم يكن هناك أجرة ولا شيء . وإلا فقد أشكل على أهل العلم في ذلك الوقت هل يجوز للإنسان أن يشرب وهو يعلم أن الساقي يحتاج إلى أجرة ؟ كصاحب الذي يغسل الثياب ، تعطيه ثوبك وأنت تعرف أنه سيأخذ عليه أجرة لأنه معتاد ، هذا أيضاً يصب عليك الماء وأنت تعرف أنه سيأخذ عليك أجره ، فمن العلماء من قال : لا يجوز لأن هذا أجرة في وسط المسجد ، ومنه من قال إنه جائز للضرورة لأن الإنسان قد يكون عطشاناً .(244/102)
1528 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ خَالدٍ الحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ جَاءَ إِلى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى فَقَال العَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَال اسْقِنِي قَال يَا رَسُول اللهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَال اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَال اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلى عَمَلٍ صَالحٍ ثُمَّ قَال لوْلا أَنْ تُغْلبُوا لنَزَلتُ حَتَّى أَضَعَ الحَبْل عَلى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلى عَاتِقِهِ(1)
__________
(1) في هذا فوائد : أولاً : منها جواز طلب الماء ، يعني جواز طلب الاستسقاء ، ولا يُعد هذا من المسائل المذمومة لأنه جرى به العرف أنه أمر يسير ، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسقى أي طلب السقيا . ومنها تعظيم العباس رضي الله عنه وهو عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ لأنه ـ أي العباس ـ تابع له ، فإمامه هو ابن أخيه .
ومنها أنه لا ينبغي للإنسان أن يستنكف عن ما شرب الناس به ؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سنة بمعنى أنه يدل على أنه لا ينبغي للإنسان الاستنكاف وأن يقول لا أشرب من الكأس الذي شرب منه الناس ولا أشرب من الكأس الذي يضع الناس فيه أيديهم وما أشبه ذلك . وهذا لا شك أنه أنفع بكثير وأصح ؛ لأن الأطباء قالوا إن الإنسان إذا تحرز من كل شيء في مأكله ومشربه لم يكن عنده المناعة لاستقبال الجراثيم وغيرها ، وإذا كان لا يهمه فإنه يكون عنده مناعة ، ولهذا سمعت أنهم في الدول المتقدمة في دنياها بدءوا بدلاً من المناشف هذه بدءوا يتمسحون بالمناشف التي يتمسح منها كل الناس ويقولون إن هذا أولى لما في ذلك من المقاومة . وهذا ليس ببعيد لأن الداء الباطن كالداء الظاهري ، فالإنسان إذا عود قدميه على الممشى على الحصى والجنادل صارت أقوى مما لو عودها على لباس الكندرة وما أشبه ذلك ، ولهذا تجد الذي يعتاد الكنادر تجده جلده ضعيفاً ما يستطيع أن يمشي على الأرض ولو مسفلتة .
ومن فوائد هذا الحديث جواز تخزين ماء زمزم لأن العباس طلب من الفضل أن يأتي بماء من عندها ، وهذا يدل على أنه كان عندهم ماء يخزنونه في بيوتهم . ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى المستقبل وليس ممن ينظر إلى الحاضر بدليل أنه كان يرغب أن يشارك في السقاية ولكن يخشى أن يغلب الناس بني العباس على سقايتهم ، لماذا ؟ لأنهم يقتدون به ويريدون أن يفعلوا فعله وحينئذٍ يحولون بين بني المطلب وسقايتهم .
وهذا ينبغي للإنسان طالب العلم أن يكون له نظرة بعيد ة وأن لا يزن الأمور بالحاضر ، بمعنى أن لا يُفتي في شيء يكون يترتب عليه أشياء ضارة حتى وإن كانت تظهر في الوقت الحاضر لكن في المستقبل .
سؤال : أحسن الله إليك ، بيع ماء زمزم بماء آخر مفاضلة ، عنده كاس ماء عادي ويبادله بكأس ماء زمزم ؟
الجواب : يعني في نفس الحرم ؟
السائل : لا .. خارج الحرم .
الجواب : يعني كأنه يقول هل يجري ربا الفضل في بيع ما يزيد منها؟ هذا لا يجري ربا الفضل ، خذ مائة كأس بعشرة كاسات ، أفهمت ؟ كما لو اشتريت ماءً عذباً كأساً منه بعشرة كاسات من المالح .
سؤال : ما حكم ما يقدمه الإنسان لآخر إذا نزل به ضيف لو يعلم أن هذا الطعام على هذه الصفة ما أكله لكن ليس ضاراً به ؟
الجواب : يقول هذا رجل نزل به ضيف وقدم له شراباً أو طعاماً يعلم أن الضيف لو علم ما حصل في هذا الطعام لم يأكل ولم يشرب ، فهل له أن يقدمه بدون أن يعلمه مع العلم بأنه لن يضره ؟ الظاهر أنه لا يلزمه ما دام لا يضره وليس هذا متضمناً لشيء محرم ، بخلاف ما لو أعطيته شيئاً مختلفاً في حله فهذا لابد أن تعلمه .
سؤال : بارك الله فيكم ، الذي عنده نية إتمام الحج وترك المبيت في منى الليلتين ، هل يعتبر ترك النسك كاملاً ؟
الجواب : نعم النسك من هذا النوع ، ليس الحج كله لا .(244/103)
74 ـ بَاب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ
وَقَال عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال أَنَسُ بْنُ مَالكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِي الله عَنْه يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَل جِبْرِيلُ عَليْهِ السَّلام فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَال جِبْرِيلُ لخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ قَال مَنْ هَذَا قَال جِبْرِيلُ(1)
__________
(1) هذه من آيات الله عز وجل أنه شق صدره شقاً حقيقاً وغسله بماء زمزم لبركته ثم أطبقه ، عملية في أقل من ليلة ، وعملية صعبة وبدون بنج لكن الظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحس بألم، لا يُقال إن هذا من جنس الرؤيا وأنه لا حقيقة له لأن الأصل أنه حقيقة .
وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُسري به من المسجد الحرام نفسه ، وما ورد من بعض الطرق أنه من بيت أم هانئ فإن صح فالمعنى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان نائماً في أول الليل في بيت أم هانئ ثم قيل له أن يذهب إلى المسجد الحرام وينام فيه ، فنام وأُسري به من الحجر كما صح ذلك في رواية البخاري . وإنما قررنا هذا لأن بعض أهل العلم رحمهم الله قال إن تضعيف الصلاة بمائة ألف صلاة عام في جميع مكة وفي جميع ما أدخل حدود الحرم واستدلوا بقوله : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام } وقالوا إنه أُسري به من بيت أم هانئ ، فيقال : الأمر ليس كذلك ، أُسري به من نفس المسجد . والتضعيف بمائة ألف صلاة جاء صريحاً في أنه خاص بالمسجد الذي فيه الكعبة كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة )) فالتضعيف بمائة ألف خاص بمسجد الكعبة . ولكن إذا قال قائل : إن حضرت إلى مسجد الكعبة تعبت وأتعبت وصارت صلاتي في تشويش وإن صليت في المساجد الأخرى صليت بطمأنينة ، فأيهما أفضل ؟ الثاني أفضل ، نقول صلي في المساجد الأخرى بالطمأنينة خير من أن تأتي إلى المسجد الحرام وتتأذى وتؤذي وربما لا يحصل لك الركوع والسجود ؛ لأن المحافظة على ذات العبادة أفضل من المحافظة على مكانها .
سؤال : بارك الله فيكم ، استدلالهم بقاعدة ما يدل على قوله من المسجد الحرام ، والحرم ليس مسجد ؟
الجواب : لا .. هم على قول إن الحرم مسجد مثل قوله : (( جُعلت لي الأرض مسجداً )) الأرض كلها مسجد ، وهذه ينكرها بعض الأخوة إنكاراً شديداً أن يخصص التضعيف بنفس المسجد مع أنه في الحديث صحيح ، وصاحب الفروع رحمه الله يقول : هذا ظاهر كلام أصحابي ـ أصحاب الإمام أحمد ـ إن التضعيف خاص بنفس المسجد .
سؤال : أحسن الله إليكم ، كم عدد المرات التي شُق فيها صدره صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : هذه نرجع للترجمة إذا كان ابن حجر ذكرها .
سؤال : ما فضل الصلاة في المسجد الأقصى ؟
الجواب : خمسمائة صلاة .(244/104)
1529 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما حَدَّثَهُ قَال سَقَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ قَال عَاصِمٌ فَحَلفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلا عَلى بَعِيرٍ(1)
__________
(1) سبحان الله، وظاهر الحديث أنه ليس على بعير وإنما شرب قائماً، فإذا قال قائل : ما الجمع بن شربه قائماً وبين نهيه عن الشرب قائماً ؟ فقيل الجواب : إنه كان في مكان ضيق والناس حوله ويشق عليه أن يجلس على الأرض ثم يتناول الدلو ويشرب ، وهذا كما شرب من شن معلق في بيته ؛ لأن الشن المعلق رفيع فيكون شربه قائماً من أجل الحاجة . وزعم بعضهم أنه شرب قائماً من أجل أن يشرب كثيراً لأن الإنسان إذا شرب قاعداً انضغط بطنه ولم يشرب كثيراً وإذا كان قائماً شرب كثيراً . ولكن في هذا نظر فالأقرب أنه شرب قائماً للحاجة . شوف الأثر .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير ) عند ابن ماجه من هذا الوجه : ( قال عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف بالله ما فعل ) أي ما شرب قائما لأنه كان حينئذ راكبا .ا.هـ. وقد تقدم أن عند أبي داود من رواية عكرمة عن ابن عباس أنه أناخ فصلى ركعتين فلعل شربه من ماء زمزم كان بعد ذلك ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائما لنهيه عنه لكن ثبت عن علي عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما فيحمل على بيان الجواز .
القارئ : ذكره في الأشربة .
الشيخ : الباب ؟
القارئ : نعم .
الشيخ : على كل حال الصحيح إنه ما هو لبيان الجواز ، كيف يكون لبيان الجواز وقد أمر من شرب قائماً أن يستقي ، لكن على سبيل الحاجة .
في شيء فيه بحث ؟
القارئ : في المسألة هذه ؟
الشيخ : نعم .
القارئ : لا في الأشربة يا شيخ .
الشيخ : هذه ما هي في الأشربة ؟
القارئ : لا .
الشيخ : أجل وإيش الكتاب الذي أخذته ؟
القارئ : العيني .
الشيخ : يا عبد الله بأكرر ، أنت تبي ساقي ، اسقني أو اسقني ؟
الطالب : واسقني .
الشيخ : أو أسقني ؟
الطالب : الله أعلم .
الشيخ : الله أعلم ، أليس الله قال في القرآن : { وأسقيناكم ماءً فراتاً } وقال : { وسقاهم ربهم } ؟ ماذا تقول ؟ يعني فيه لغتان : أسقى والأمر منه أسقي ، وسقى والأمر منه اسق .
تعليق من شرح العيني :
ويستفاد منه فيه الرخصة بالشرب قائماً ، فقيل إن الشرب من ماء زمزم من غير قيام يشق لارتفاع ما عليها من الحائط ، وقال ابن بطال : أراد البخاري إن الشرب من ماء زمزم من سنن الحج ، فإن قلت روى ابن جرير عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب منها في الحج ، قلت : لعله إنما تركه لئلا يُظن أنه شربه من الفرض اللازم ، وقد فعله أولاً مع أنه كان شديد الاتباع للآثار بل لم يكن أحداً أتبع لها منه ، وقد نص أصحاب الشافعي على شربه ، وقال وهب بن منبه : نجدها في كتاب الله شراب الأبرار وطعام طعم وشفاء سقم لا تنزح ولا تزم ، من شرب منها حتى يتولى أحدثت له شفاءً وأخرجت عنه داءً .
واعلم أنه قد روي في الشرب قائماً أحاديث كثيرة ، منها النهي عن ذلك ، وبوب عليه مسلم بقوله باب الزجر عن الشرب قائماً وحدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً . وفي لفظ له عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً . قال قتادة : فالأكل ، قال ذاك أشد وأخبث . وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً . وفي لفظ نهى عن الشرب قائماً . وفي رواية له عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يشربن أحدكم قائماً فمن نسي فليستقي )) . وروى الترمذي من حديث الجارود بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً .
ومنها إباحة الشرب قائماً فإن ذلك ما رواه البخاري وبوب عليه : باب الشرب قائماً ـ على ما يأتي ـ قال حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزار قال : أتى علي رضي الله عنه على باب رحبة بماء فشرب قائماً فقال : إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني فعلت النبي صلى الله عليه وسلم فعله كما رأيتموني فعلت . ورواه أبو داود أيضاً . وروى الترمذي من حديث ابن عمر قال : كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام . وقال هذا حديث حسن صحيح غريب .
الشيخ : في فائدة : جواز الأكل ماشياً ، والإنسان قد يحتاج إليه أحياناً يكون معه كسرة خبز يريد أن يكملها ويأكلها وهو يمشي .
متابعة التعليق : وروى أيضاً من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً . وقال هذا حديث حسن . وروى الطحاوي وقال : حدثنا ربيع الجيزي حدثنا إسحق بن أبي فروة المدني حدثتنا عبيدة بنت نابل عن عائشة بنت سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائماً . ورواه البزار أيضاً في مسنده نحوه ، وروى الطحاوي أيضاً فقال : حدثنا ابن منذور حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم بن مالك أخبرني البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من قربة . وفي لفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي بيتها قربة معلقة فشرب من القربة قائماً . وأخرجه أحمد والطبراني أيضاً .
قال النووي : اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالاً باطلة ، والصواب منها أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وأما شربه قائماً فلبيان الجواز ، ومن زعم نسخاً فقد غلط فكيف يكون النسخ مع إمكان الجمع ؟ وإنما يكون نسخاً لو ثبت التاريخ ، فأنى له ذلك ؟ وقال الطحاوي ما ملخصه : إنه صلى الله عليه وسلم أراد بهذا النهي الإشفاق على أمته لأنه يخاف من الشرب قائماً الضرر وحدوث الداء كما قال لهم : (( أما أنا فلا آكل متكئاً )) .ا.هـ.
قلت : اختلفوا في هذا الباب بحسب اختلاف الأحاديث فيه فذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة إلى كراهة الشرب قائماً ، ورُوي ذلك عن أنس رضي الله عنه ، وذهب الشعبي وسعيد بن المسيب وزادان وطاووس وسعيد بن جبير ومجاهد إلى أنه لا بأس به ، ويُروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وسعد وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم .
الشيخ : الذي يظهر أنه مكروه لكن للحاجة لا بأس به ، هذا الأقرب .
سؤال : في الوقت الحاضر الثلاجات في الطرق في بعض الأحيان تصير مثل ماء زمزم هذه بهاماءوهذه بها ماء وليس هناك كوب ليشرب نته ويشرب بيده ، فهل فيها كراهة ؟
الجواب : لا ما فيها كراهة للحاجة ، أحياناً يصير فيها كوب لكن مربوط بسلسلة قصيرة لو جلست ما ينفع .
سؤال : الماء الماء فقط أو أي شيء ؟
الجواب : أي شيء لكن كما قلت لكم للحاجة لا بأس ، يعني مثل الآن بعض الناس عندما تنتهي الوليمة ويخرج الناس يقف واحد ويصب القهوة يصب للناس وهو قائم ، إن جلست فهو غير مناسب ، أنت تجلس وهو واقف ؟ ما هو مناسب ، فتجد بعض الناس يشرب وهو واقف يقول هذا للحاجة . قد يقول قائل : ليش تشرب ما هو لازم . نقول صحيح لكن بعض الناس ما يتأتى له ذلك لو لم يشرب قالوا هذا متكبر . لكل مقام مقال والدين والحمد لله في غير الأشياء التي نص على تحريمها الأصل في ذلك الإباحة ما عدا العبادات فالأصل فيها التحريم .
سؤال : في الحديث : ( ماء زمزم لما شرب له ) هذا خاص بالحرم أو عام ؟
الجواب : عام في كل شيء ، لكن هل لما شرب له يعني هل المعنى إن شربته للعطش أزال عنك العطش وللأكل أزال عنك الجوع أو حتى للأمراض ؟ من العلماء من يقول عام حتى إن بعضهم شربه ليحفظ صحيح البخاري فماء زمزم لما شُرب له ، وعلى هذا الطالب عنده امتحان يشربه علشان ينجح ، والذي يطلب الزوجة يشربه ليسهل له الزواج . وعندي أنه ما يكون العموم إلى هذا الحد ، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه لما شرب له مما ينتفع به البدن خاصة غما شبع من جوع وإما ري من عطش وإما دواء من مرض ، أما الشيء الخارج ففي نفسي من هذا شيء .
سؤال : أنا جربته أنا تقريباً حليب الناقة وماء زمزم له مزاق خاص.
الجواب : على كل حال الذي يظهر لي لما شرب له إنه ما يتعلق بالجسد فقط . والله أعلم .
السائل : حتى الذكاء يا شيخ ؟
الجواب : لا من الأمور المعنوية الذكاء ما هو من الأمور الحسية .(244/105)
75 ـ بَاب طَوَافِ القَارِنِ
1530 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَأَهْللنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَال مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَليُهِل بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ ثُمَّ لا يَحِل حَتَّى يَحِل مِنْهُمَا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلنِي مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَال صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الذِينَ أَهَلوا بِالعُمْرَةِ ثُمَّ حَلوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا(1)
__________
(1) طواف واحد يعني السعي لأن الذين جاءوا بالحج والعمرة مع الرسول طافوا طوافين طواف القدوم وطواف الإفاضة ، لكن مرادها الطواف بين الصفا والمروة .(244/106)
1531 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما دَخَل ابْنُهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَال إِنِّي لا آمَنُ أَنْ يَكُونَ العَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنِ البَيْتِ فَلوْ أَقَمْتَ فَقَال قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ البَيْتِ فَإِنْ حِيل بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ثُمَّ قَال أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا قَال ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى وجوب التمتع بخلاف قرينه ابن عباس فإنه يرى وجوب التمتع إلا لمن ساق الهدي، والصواب أن التمتع ليس بواجب وإنما هو سنة مؤكدة إلا للذين واجههم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخطاب وهم الصحابة ، ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه : ( إنها لنا خاصة ) يعني الصحابة ، ويريد بذلك الوجوب . ولا يخفى أن هناك فرقاً بين من لا ينفذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاً لوجه وهم أول القرون والأمة ستقتدي بهم وبين من يأتي بعد ذلك ، أيهما أشد ؟ الأول أشد مخالفة ، ولهذا اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي واجب على الصحابة فقط وسنة في حق غيرهم .
ومراده رضي الله عنه في قوله : ( افعل كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه يحل إذا أُحصر ، حل ووجب عليه الهدي إن استطاع، لقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي } وكان رضي الله عنه ـ أعني ابن عمر ـ كان لا يرى الاشتراط وينكره غاية الإنكار ، فتأمل ـ سبحان الله ـ ابن عمر ينكره غاية الإنكار ومن العلماء من يرى أنه مستحب على كل حال ، والصواب أن الاشتراط سنة إذا خاف الإنسان أن لا يتم نسكه ، غير سنة إذا لم يخف . فالرجل الصحيح مثلاً نقول أحرم ولا تشترط والمريض الذي يخشى أن لا يُتم نقول اشترط ، وبهذا تجتمع الأدلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بضاعة بنت الزبير أن تشترط وهي شاكية وهو لم يشترط ولا أصحابه الذين معه لأنهم ليسوا على خوف من عدم إتمام النسك .
سؤال : بالنسبة للمحصر إذا أُحصر وليس معه مال في ذاك الوقت لكي يشتري الهدي ، ويستطيع إذا رجع لبلده أن يحصل المال ، هل له أن يرسل المال لأحد ليشتري له الفدية ؟
الجواب : يعني بعد ما رجع ؟
السائل : نعم .
الجواب : لا .. إذا لم يجد فقيل إنه يصوم عشرة أيام قياساً على هدي التمتع ، وقيل لا يجب عليه شيء . وهو الصحيح لقول الله تعالى : { فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي } ولم يذكر شيئاً آخر .
سؤال : بارك الله فيكم ، هل ماء زمزم إذا خُلط بماء آخر هل يكون له حكم ماء زمزم ؟
الجواب : أيهما أكثر ؟
السائل : يأتون الحجاج لمدة سنة أو سنتين يخلطون كل وقت ويغسلون به أولادهم ؟
الجواب : إذا غلب ماء زمزم لا بأس ، وإن لا فلا .
سؤال : بارك الله فيكم ، أشكل عليَّ جداً قول العلماء أنه إن قال عند الاشتراط إن حصل لي كذا وكذا فلي أن أحل، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي فمحلي حيث حبستني) وقلنا إن حصل شيء حلت، بينما قول بعض العلماء إن حصل شيء حل إن شاء . ولو قلنا بقول العلماء اقتضى هذا أن لفظهم أوسع من اللفظ النبوي ، وهذا ما يُسن ؟
الجواب : لا .. العلماء ما قالوا هذا ، العلماء يقولون الاشتراط له صيغتان : الأولى أن يقول إن حبسنى حابس فمحلي حيث حبستني . كما جاء في الحديث ، فهذا يحل بمجرد وجود الحابس ، والصيغة الثانية أن يقول فلي أن أحل . وهذا يُخير إن شاء حل وإن شاء بقي مع المشقة .
السائل : من أين أخذوا الأخير ؟
الجواب : لأنه جاز قطعه جاز الاستمرار فيه .
السائل : لكن النبي صلى الله عليه وسلم ما أرشدها للثاني وأرشدها للأول ؟
الجواب : نعم أرشدها لأن هذا أسهل عليها .
السائل : على هذا من قال بالأخير فإنه يخالف لفظ النبي ؟
الجواب : لا .. الذي يقول لي أن أحل . لا نقول حرام ، وإلا فلا شك أن اللفظ النبوي فمحلي حيث حبستني ، لكنه ليس بحرام .(244/107)
ش9 ـ وجه أ :
1532 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما أَرَادَ الحَجَّ عَامَ نَزَل الحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقِيل لهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أسوة حَسَنَةٌ ) إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ قَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلمْ يَزِدْ عَلى ذَلكَ فَلمْ يَنْحَرْ وَلمْ يَحِل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلمْ يَحْلقْ وَلمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّل وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما كَذَلكَ فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن الإنسان لا باس أن يستعمل الألفاظ المؤكدة؛ لأنهم لما قالوا له هذا أعلن إعلاناً وأشهدهم أنه أوجب عمرة حتى لا يبقى لأحد كلام أو مشورة . وفيه أيضاً دليل على جواز إدخال الحج على العمرة بدون ضرورة لأن إدخال الحج على العمرة للضرورة جائز في قصة من ؟ في قصة عائشة ، لكن بدون ضرورة هذا قد يقول قائل لا يجوز ، ولكن العلماء أجمعوا على جواز ذلك ، اللهم من قال بوجوب التمتع . والصواب أن هذا جائز يعني أن يدخل الحج على العمرة قبل أن يشرع في الطواف ويكون قارناً . وفيه دليل على أن القارن يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة ويكفيه أيضاً طواف واحد لكن الطواف الذي قبل السعي طواف قدوم سنة . طيب لو أن القارن سعى قبل أن يخرج إلى عرفة بدون أن يطوف طواف القدوم ؟ فلا يجوز ؛ لأن السعي لابد أن يسبقه طواف نسك كطواف القدوم أو طواف الإفاضة .(244/108)
76 ـ بَاب الطَّوَافِ عَلى وُضُوءٍ
1533 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَل عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَال قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنْه فَكَانَ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه مِثْلُ ذَلكَ ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ رَضِي الله عَنْه فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ فَكَانَ أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلكَ ثُمَّ لمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَل ذَلكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلا يَسْأَلُونَهُ وَلا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ ثُمَّ لا يَحِلونَ وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّل مِنَ البَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُمَا لا تَحِلانِ وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ بِعُمْرَةٍ فَلمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلوا(1)
__________
(1) الشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ للطواف ، لكن هل مجرد الفعل يدل على الوجوب ؟ المعروف أنه لا يدل على الوجوب ؛ لأنه لم يأمر به ، ما قال لمن أراد أن يطوف توضأ لكنه فعل ، ثم إنه يفعله أيضاً من أجل ركعتي الطواف لأن ركعتي الطواف لابد فيهما من وضوء . هل تكلم على هذه في الفتح ؟
القارئ : مسألة الطهارة ؟
الشيخ : الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الطواف على وضوء ) أورد فيه حديث عائشة : ( إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف ) الحديث بطوله وليس فيه دلالة على الاشتراط إلا إذا انضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم : (( خذوا عني مناسككم )) .
الشيخ : حتى لو انضم قوله : (( خذي عني مناسككم )) لأن هذا ليس على إطلاقه بالاتفاق ، وإلا لقلنا إن كل شيء فعله الرسول في الحج يكون واجباً ولا قائل به . فهذا الظن لا يفيد .
متابعة التعليق : وباشتراط الوضوء للطواف قال الجمهور وخالف فيه بعض الكوفيين .
الشيخ : الكوفيون من ؟ أصحاب أبي حنيفة .
متابعة التعليق : ومن الحجة عليهم قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : (( غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) وسيأتي بيان الدلالة منه بعد بابين .
الشيخ : لكن هذا ليس حجة لأنه قال : (( حتى تطهري )) وطهارتها انقطاع حيضها ، بدليل قول الله تعالى : { فلا تقربوهن حتى يطهرن } يعني ينقطع الحيض { فإذا تطهرن } أي اغتسلن ، فليس فيه دليل ، والحائض فرق بينها وبين الطاهر ، الحائض لا تمكث في المسجد ، نعم تعبره لا بأس أما تمكث فلا ، وهذا وجه نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عائشة عن الطواف بالبيت ، وكذلك قوله لصفية لما قيل إنها حائض ، قال : (( أحابستنا هي )) لأنها لا يمكن أن تطوف .
متابعة التعليق : ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة وفيه : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) وهو بفتح التاء والطاء المهملة المشددة وتشديد الهاء أيضا أو هو على حذف إحدى التاءين وأصله تتطهري ، ويؤيده قوله في رواية مسلم : (حتى تغتسلي ) والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور وذهب جمع من الكوفيين إلى عدم الاشتراط قال ابن أبي شيبة حدثنا غندر حدثنا شعبة سألت الحكم وحمادا ومنصورا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة فلم يروا به بأسا وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها وفي هذا تعقب على النووي حيث قال في شرح المهذب انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف واختلف أصحابه في وجوبها وجبرانه بالدم إن فعله.اهـ
ولم ينفردوا بذلك كما ترى فلعله أراد انفرادهم عن الأئمة الثلاثة لكن عند أحمد رواية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وعند المالكية قول يوافق هذا .
الشيخ : انتهى ؟ غريب إنه ما ذكر قول شيخ الإسلام مع أن شيخ الإسلام رحمه الله نصره نصراً عظيماً وذكر له أدلة وشواهد أعني عدم وجوب الوضوء للطواف .
سؤال : بارك الله فيكم ، هل يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم منع عائشة من الطواف وهي حائض لأجل ركعتي الطواف لأنها يلزمها إذا طافت أن تصلي ركعتين ؟
الجواب : لا ما هو بلازم الصلاة ركعتين ليس بلازم .
السائل : يعني تسقط عنها ؟
الجواب : إي نعم ، لكن لا نرى جواز طواف الحائض ، لكن إذا طافت وهي طاهر على غير وضوء أو طاف الرجل على غير وضوء هذا محل الخلاف .
سؤال : عمرة الفرض واجبة على الفور ، فمن حج الفريضة فهل يجب عليه التمتع أو القران أو له أن يفرد ؟
الجواب : الظاهر أنه يجب عليه إما التمتع أو القران للفورية .
شوف عنده يقول لم تكن عمرة هل مراده أنهم لم يتمتعوا ؟
القارئ : ما ذكر شيئاً .
الشيخ: الظاهر إن قوله: (لم تكن عمرة) أنهم قرنوا لأن معهم الهدي .
سؤال : أشكل علي أن الصحابة رضي الله عنهم أن منهم من أفرد ؟
الجواب : أليسوا اعتمروا بالحديبية ؟ لكن كثير منهم أيضاً تمتعوا وقرنوا ، أكثرهم تمتع لأن الرسول لما أمرهم أن يجعلوها عمرة جعلوها عمرة .
تعليق من شرح العيني : قوله ( ثم لم تكن عمرة ) بالرفع والنصب على تقدير كون لم تكن تامة أو ناقصة .(244/109)
77 ـ بَاب وُجُوبِ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَجُعِل مِنْ شَعَائِرِ اللهِ
1534 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال عُرْوَةُ سَأَلتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا فَقُلتُ لهَا أَرَأَيْتِ قَوْل اللهِ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) فَوَاللهِ مَا عَلى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالتْ بِئْسَ مَا قُلتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّ هَذِهِ لوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلتَهَا عَليْهِ كَانَتْ لا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ لا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا وَلكِنَّهَا أُنْزِلتْ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا قَبْل أَنْ يُسْلمُوا يُهِلونَ لمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلل فَكَانَ مَنْ أَهَل يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا أَسْلمُوا سَأَلُوا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلكَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) الآيَةَ .(244/110)
قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ فَقَال إِنَّ هَذَا لعِلمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلقَدْ سَمِعْتُ رِجَالا مِنْ أَهْل العِلمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِل بِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلهُمْ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالى الطَّوَافَ بِالبَيْتِ وَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ فِي القُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَإِنَّ اللهَ أَنْزَل الطَّوَافَ بِالبَيْتِ فَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا فَهَل عَليْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ) الآيَةَ .(244/111)
قَال أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِليْهِمَا فِي الذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالجَاهِليَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَالذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلامِ مِنْ أَجْل أَنَّ اللهَ تَعَالى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالبَيْتِ وَلمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالبَيْتِ (1)
__________
(1) الذي يقرا آية { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } يفهم أن الطواف بهما ينتفي به الجناح وكان بصدد أن يأثم ، ولكن من عرف سبب النزول زال سبب الإشكال ، وسبب النزول أنهم كانوا يتحرجون الطواف بهما لأنهم يهلون من مناة الطاغية بالمشلل ، فتحرجوا . وفيه أيضاً سبب آخر لم يذكره البخاري ولعله ليس على شرطه أنه كان على الصفا والمروة صنمان وكانوا في الجاهلية يطوفون بهما ، فلما جاء الإسلام تحرجوا أن يطوفوا بهما لأنهما كان فيهما الصنمان .
هناك السبب الثالث وهو أن الأصل في العبادات المنع ، فلما ذكر الله الطواف بالبيت وسكت عن الطواف بالصفا والمروة تحرجوا وقالوا إذا لم يُذكر الطواف بالصفا والمروة فالأصل في العبادات المنع والتحريم فيكون من طاف بهما عليه جناح . فنفى الله ذلك وقال : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فهذه ثلاثة أسباب .
ثم يُقال : إن قوله عز وجل : { من شعائر الله } يدل على أن قوله : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ليس على ظاهره ؛ لأن كونهما من شعائر الله يقتضي الندب للطواف بهما ، ولهذا قالت عائشة لابن أختها قالت : بئس ما فعلت أو ما فهمت ، لو أراد الله ما فهمه عروة لقال فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما لا أن يدعهما .
على كل حال هي رضي الله عنها أقسمت في محل آخر أنه ما أتم الله حج إنسان ولا عمرة حتى يطوف بالصفا والمروة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قال بعض الناس العمرة ليست واجبة على الإنسان ولكن الله سبحانه وتعالى قال : ( ولله على الناس حج البيت ) وفي الحديث ( بني الإسلام على خمس ) ذكر الحج ولم يذكر العمرة ، ولم يرد دليل نصي من الرسول صلى الله عليه وسلم أو آية على وجوبها ، فبماذا نجيب على هذا ؟
الجواب : نجيبهم بأشياء :
أولاً : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمى العمرة حجاً أصغر فتدخل في عموم الحج .
ثانياً : أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أعلى النساء جهاد؟ قال: (( عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة )) وعلى تفيد الوجوب .
ثالثاً : أن الله قال : { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فجعل حكم الحج والعمرة واحداً في السعي ، ومن قال إنه سنة فنعم له وجهة نظر لكن الواضح أنها واجبة إلا أنها ليست كفريضة الحج ، يعني ليست من أركان الإسلام .
سؤال : يا شيخ آخر وقت لطواف القدوم متى ؟ بالنسبة للخروج إلى عرفة ؟
الجواب : ما له وقت إذا دخل وقت الحج خلاص ما في شيء في مكة لا طواف قدوم ولا عمرة ولا شيء ، ولهذا الذين يأتون في اليوم الثامن ويتمتعون ليس لتمتعهم وجه ، نقول إما أن تقرنوا أو تفردوا لأن الله قال : {من تمتع بالعمرة إلى } وإلى للغاية فيفيد أن بين العمرة والحج في هذه الحال زمن له أول وله غاية .
السائل : ومن طاف طواف القدوم بعد ذهاب الناس لعرفة ؟
الجواب : أرى أن لا يطوف ، إذا دخل وقت الحج يخرج للمناسك .
القارئ : قوله ( ثم لم تكن عمرة ) تكلم عليها يا شيخ .
الشيخ : من ، العيني ؟
القارئ : لا .. ابن حجر في الفتح ، يقول : وبذلك احتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة ، وكذا أبو بكر وعمر فمعنى قوله : ( ثم لم تكن عمرة ) أي لم تكن الفعلة عمرة هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان ويحتمل أن تكون كان تامة والمعنى ثم لم تحصل عمرة وهي على هذا بالرفع ، وقد وقع في رواية مسلم بدل عمرة غيره بغين معجمة وياء ساكنة وآخره هاء قال عياض وهو تصحيف وقال النووي لها وجه أي لم يكن غير الحج وكذا وجهه القرطبي .
الشيخ : يعني ( لم تكن عمرة ) عمرة تمتع لأنهم قد ساقوا الهدي .
سؤال : هل هناك تغير في المعنى أو لا لأنها زوالي أو غروبي ؟
الجواب : لها حافظ ورقيب وعتيد ، ولهذا شوفوا إن تقدمت أو تأخرت لا تطالبوا غيرها .
سؤال : هذه الساعة هل هي على الزوال ؟
الجواب : لا .. الغروب ، لكن كيف نعرف الغروب ؟ عندنا الساعة العصرية الآن ساعة العصر توقيت أم القرى ، ساعة العصر فيها ثلاثة اصطلاحات : توقيت أم القرى وتوقيت الرابطة ، وتوقيت الرابطة أضبط من أم القرى ، في توقيت ثالث ما أدري إيش اسمه .(244/112)
78 ـ بَاب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنٍ.
1535 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّل خَبَّ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَقُلتُ لنَافِعٍ أَكَانَ عَبْدُاللهِ يَمْشِي إِذَا بَلغَ الرُّكْنَ اليَمَانِيَ قَال لا إِلا أَنْ يُزَاحَمَ عَلى الرُّكْنِ فَإِنَّهُ كَانَ لا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلمَهُ(1)
__________
(1) قوله رحمه الله : ( باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة ) يشمل السعي كله ويخص السعي بين العلمين يعني في بطن الوادي ، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسعى شديداً في بطن الوادي حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي . وأما سؤال ابن عمر رضي الله عنهما (هل كان يمشي إذا بلغ الركن اليماني ) يعني بناء على الطواف الذي كان في عمرة القضاء ، فيقول : لا .. إنه يرمل إذا زوحم على الحجر ؛ لأنه رضي الله عنه متمسك باستلام الحجر لابد أن يستلمه ، وحينئذٍ لا يمكن أن يرمل وهو يحاول أن يصل إلى الحجر الأسود .
فإن قال قائل : هل الأفضل اتباع ابن عمر في هذا بمعنى أن لا نرمل من أجل أن نصل إلى استلام الحجر أو الأفضل أن نرمل ؟ فالجواب : الثاني هو الأفضل لأن الرمل صفة في كيفية الطواف فهو أولى للمراعاة من سنة في نفس الطواف ليست في كيفيته .(244/113)
1536 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) وَسَأَلنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما فَقَال لا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(1)
1537 حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ صَلى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ تَلا ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
1538 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَال قُلتُ لأَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَال نَعَمْ لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِليَّةِ حَتَّى أَنْزَل اللهُ ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) .
__________
(1) هذا سبق الكلام عليه .(244/114)
1539 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهما قَال إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ليُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ زَادَ الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ عَطَاءً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلهُ(1)
79 ـ بَاب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلهَا إِلا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ
وَإِذَا سَعَى عَلى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
__________
(1) شوف الكلام على الحديث هذا .
تعليق من فتح الباري : الحديث الرابع حديث ابن عباس إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته والمراد بالسعي هنا شدة المشي وقد تقدم القول فيه في باب بدء الرمل.
الشيخ : نعم بالنسبة للرمل في الطواف مُسلم ، لكن بالنسبة للسعي بين الصفا والمروة في نفسي منه شيء لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سعى من أجل أن أم إسماعيل سعت في بطن الوادي ، ومن أجل ذلك سعى الناس .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، بعض الصحابة يرد عليه سؤال فيقول لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، فيسأل أو المسؤول يعرف أن هناك بعض الناس لا يعرفون ، كيف يرد عليهم ؟
الجواب : يرد عليهم أنهم يعرفون ، بمعنى أنك لا تحل ولا تحل لك امرأتك حتى تطوف بالصفا ، هذا مرادهم .(244/115)
1540 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالتْ فَشَكَوْتُ ذَلكَ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال افْعَلي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي(1)
__________
(1) هي ذكرت أنها لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة لأن السعي لا يصح إلا بعض طواف ، وإلا فاشتراط الطهارة له ليس بواجب ، يعني الطهارة غير واجبة للسعي لكن لا يمكن أن تسعى إلا بعد طواف ، فلهذا لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، وقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) وإذا قال : (( غير أن لا تطوفي بالبيت )) يعني ولا بين الصفا والمروة كما ورد ذلك صريحاً في موطأ مالك رحمه الله .
تعليق من شرح العيني :
وقول ابن عباس : ( ليري المشركين قوته ) فيه حصر السبب فيما ذكره على ما هو المشهور في ( إنما ) من إفادة الحصر ، وقد جاء عن ابن عباس سبب آخر وهو سعي أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فيجوز أن يكون هو المقتضي لمشروعية الإسراع على ما رواه أحمد في مسنده من حديث ابن عباس .
قوله : ( قال إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أُمر بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسبقه فسابقه إبراهيم عليه السلام ) وقد ورد أيضاً سبب آخر وهو سعي هاجر عليها السلام على ما صرح به البخاري عن ابن عباس : ( جاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ... ) الحديث ، وفيه : ( فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها وسعت سعي إنسان مجهود حتى إذا جاوزت الوادي ... ) الحديث ، وفيه ( ففعلت ذلك سبع مرات ) قال ابن عباس : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما ) فإن كان المراد في قوله ( فلذلك سعى الناس بينهما ) الإسراع في المشي فهذه العلة من نص الشارع فهي أولى ما يُعلل به السعي، وإن أراد بالسعي مُطلق الذهاب فلا ، ويدل عليه رواية الأزرقي : (فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة ) والله أعلم .
الشيخ : الصواب ( ولذلك سعى الناس ) يشمل السعي بين الصفا والمروة عموماً وكذلك السعي في الوادي الذي هو الركض الشديد .(244/116)
1541 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ قَال ح .
وَقَال لي خَليفَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ المُعَلمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهما قَال أَهَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ وَليْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَلحَةَ وَقَدِمَ عَليٌّ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَقَال أَهْللتُ بِمَا أَهَل بِهِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلقُ إِلى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلغَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال لوِ اسْتَقْبَلتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلهَا غَيْرَ أَنَّهَا لمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ فَلمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالبَيْتِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ تَنْطَلقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلقُ بِحَجٍّ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ(1)
__________
(1) إلا أن الذين ساقوا الهدي كانوا قليلين لأنه لم يسق الهدي إلا الأغنياء وعامة الصحابة فقراء ، فيكون عامتهم فسقوا الحج إلى عمرة وفسقوا القران إلى عمرة ليصيروا متمتعين . فإن قلت : هل يجوز أن يفسخ الإنسان الحج إلى العمرة ليتحلل منها وينصرف على أهله؟ فالجواب : لا .. لأنه إنما أُمر بفسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً والتمتع أفضل ، ولم يُرخص له أن يفسخ الحج إلى عمرة ليتحلل عن قرب ويرجع إلى أهله .(244/117)
1542 حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلتْ قَصْرَ بَنِي خَلفٍ فَحَدَّثَتْ أَنَّ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَدْ غَزَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالتْ كُنَّا نُدَاوِي الكَلمَى وَنَقُومُ عَلى المَرْضَى(1) فَسَأَلتْ أُخْتِي رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالتْ هَل عَلى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لمْ يَكُنْ لهَا جِلبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَال لتُلبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلبَابِهَا وَلتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ فَلمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِي الله عَنْهَا سَأَلنَهَا أَوْ قَالتْ سَأَلنَاهَا فَقَالتْ وَكَانَتْ لا تَذْكُرُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَبَدًا إِلا قَالتْ بِأَبِي فَقُلنَا أَسَمِعْتِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالتْ نَعَمْ بِأَبِي فَقَال لتَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ أَوِ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ وَالحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلمِينَ وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلى فَقُلتُ الحَائِضُ فَقَالتْ أَوَليْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا(2)
__________
(1) الكلمى) يعني الجرحى .
(2) هذا الحديث فيه فوائد على ما سبق وفيه إشارة إلى أن منع الحائض من الطواف لا لاشتراط الطهارة ولكن لكونها حائضاً والحائض لا تدخل المسجد على وجه المكث فيه ، والداخل للمسجد الحرام ليطوف سيمكث مدة الطواف قد تطول وقد تقصر . ففي هذا إشارة إلى ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أن منع الحائض من الطواف ليس لأنها غير طاهر ولكن لأنها سوف تمكث بالمسجد والحائض ممنوعة من المكث في المسجد.
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز غزو النساء مع الرجال ولكن لا يباشرن القتال اللهم إلا عند الدفاع عن النفس فهذا شيء آخر ، وإلا فلا يباشرن القتال ابتداءً لقلة صبر المرأة ولاستعلاء الرجل عليها ، فإذا استعلى عليها رجل من العدو ثم قتلها صار في هذا كسر لقلوب المجاهدين ، نعم لو هاجمها أحد فيجب عليها أن تدافع عن نفسها .
وفي هذا الحديث دليل على جواز مداواة النساء للجرحى والمرضى لقولها : ( كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى ) . فإذا قال قائل : يلزم من هذا أن تباشر المرأة علاج الرجل ؟ فالجواب : وإن لزم لأن هذا حاجة أو ضرورة . ولهذا لو رأت المرأة رجلاً غريقاً وهي تعرف أن تسبح وجب عليها أن تنزل وتخرجه ، وكذلك العكس ، ولكل مقام مقال .
وفي التفريق بين الرجال والنساء في القتال دليل على أن المرأة إنما تُمكن من العمل الذي يليق بها لا أن تشارك الرجل في كل أعماله ومسؤولياته ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) وهذا الحديث سواء كان المراد بهم الفرس الذين ولوا عليهم ابنة كسرى أو إنه عام ، فإن قال الأول فيقال ما الفرق بين هذه وغيرها ؟ المرأة لا تتولى ولاية عامة في الحكومة الإسلامية أبداً ، ومن ولاها فقد خالف لأنها قاصرة التفكير والعقل وإذا وُجد نابغة من النساء فهذا نادر ، والنادر لا حكم له .فإن قال قائل : أرأيت لو كان هناك طبيب وطبيبة فأيهما الذي يداوي الرجل ؟ الطبيب الرجل لا شك في هذا لأن مداواة المرأة للرجل إنما تكون عند الحاجة والضرورة ولابد من قيد في مداواة المرأة للرجل وهو أن لا يخلو بها فإن خلا بها فهو حرام . فإن قال قائل : التهمة هنا بعيدة لأن الرجل مريض قد انشغل بنفسه فهو بعيد أن يحصل منه تحرك شهوة ؟ فالجواب : لا تسلم ، إذا خلت امرأة ممرضة برجل ولو كان مريضاً فإنها لاشك إذا قامت تمس جلده سوف تحرك شهوته، ولا تقل إن هذا مريض فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فلا يجوز أن تخلو المرأة بالرجل لمداواته ولا أن يخلو الرجل بالمرأة لمداواتها .
سؤال : هل من ذلك للحاجة أو للضرورة ما نقع فيه اليوم من وجود الممرضات المستشفيات وهل الخلوة تنفك بفتح الباب ؟
الجواب : أما ما نحن فيه اليوم ما نستطيع نحكم لأن في بعض المستشفيات فيها رجال ومع ذلك يجعلون النساء هي التي تعالج وبالعكس ، حتى قيل لي إن بعض المستشفيات يرسلون النساء للرجال والرجال للنساء. وهذا والعياذ بالله مُحرم لا شك ، أما الباب المفتوح فإن كانت الحجرة كلها باب فنعم ما في خلوة ، أو كان الباب في جانب ولكن الباقي زجاج فهذا أيضاً لا خلوة ، وأما إذا كان باب وحجرة عليها جدران لا يُرى من ورائها فهذا خلوة .
سؤال : أحسن الله إليك ، قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : (( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )) هل يُفهم من ذلك أن الآن أن تسعي بين الصفا والمروة وهي داخل سور المسجد الآن ؟
الجواب : لا .. ولا يمكن تسعى بين الصفا والمروة حتى لو كان خارج السور ، وذكرنا ذلك من قريب يا جماعة وقلنا إنها هي تقول لم أطف ولم اسعى ، وقلنا في رواية مالك صريحة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها (( غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري )) .
السائل : لكن الحديث الذي معنا هذا ....؟
الجواب : الذي معك حديث ما هو ؟ هي قالت قدمت مكة ولم أطف بالبيت ولم أطف بين الصفا والمروة . هي قالت هذا ، وقلت لك إن رواية مالك يقول لها : (( غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري )) أين أنت ؟ ولا يمكن أن يصح سعي إلا إذا سبقه طواف ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال : (( لا حرج )) في سعي الحج إذا قدمه على طواف الإفاضة . على أن بعض أهل العلم قال : ولا سعي الحج لا يُقدم على طواف الإفاضة ، وأن معنى قول السائل : سعيت قبل أن أطوف يعني بذلك القارن الذي سعى عند طواف القدوم ، فهنا يكون سعى قبل طواف الإفاضة ، لكن عندي هذا التأويل بعيد مستبعد لأن مثل هذا لا يُسأل عنه وقد جرى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة . أفهمت الآن أو لا ؟
سؤال : في رواية جابر يا شيخ يقول : ( قدم علي من اليمن ومعه هديه ) وفي رواية رأينا النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه في هديه كيف الجمع ؟
الجواب : معه الهدي من النبي صلى الله عليه وسلم وتشريكه إياه في الهدي يحتمل أنه مشاع ويحتمل أنه خص له شيئاً معيناً .
بقي أن نزيد فوائد ، يقول : ( فَقَالتْ هَل عَلى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لمْ يَكُنْ لهَا جِلبَابٌ أَنْ لا تَخْرُجَ قَال لتُلبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلبَابِهَا ) هذا في صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يخرجن حتى الحُيَّض وذوات الخدور ، فسألن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يكن لها جلباب، الجلباب هو الذي يغطي الجسم كله، قال: (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها )) يعني تعيرها ، وهذا يدل على أن المرأة لا تخرج بلا جلباب ، بمعنى لا تخرج بالدرع الذي هو القميص ولا بشيء لا يسترها جميعاً .(244/118)
80 ـ بَاب الإِهْلال مِنَ البَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا للمَكِّيِّ
وَللحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلى مِنًى
وَسُئِل عَطَاءٌ عَنِ المُجَاوِرِ يُلبِّي بِالحَجِّ قَال وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما يُلبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلى رَاحِلتِهِ وَقَال عَبْدُالمَلكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَحْللنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لبَّيْنَا بِالحَجِّ وَقَال أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَهْللنَا مِنَ البَطْحَاءِ وَقَال عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَل النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلال وَلمْ تُهِل أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَال لمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُهِل حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلتُهُ(1)
__________
(1) ش9 ـ وجه ب :
هذه آثار ليس فيها حديث مرفوع ، الإحلال : الإهلال يوم التروية ، يكون قبل الظهر لمن كان متمتعاً ، وأما القارن والمفرد فهو أحرم من الميقات لكن إذا نزل القارن والمُحرم في مكة فمتى يُهل ؟ نقول : يُهل إذا ركب راحلته متجهاً إلى منى . وظاهر أثر ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أنه كان يصلي الظهر ثم يخرج إلى منى ، وظاهر حديث جابر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى منى قبل صلاة الظهر ، حيث قال : ( فلما كان يوم التروية توجه إلى منى فصلى بها النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ) فعلى هذا يكون الإحرام بالحج للمتمتع قبل الظهر ويكون خروج القارن والمفرد قبل الظهر فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء . إيش الكلام على أثر ابن عمر في الفتح ؟
القارئ : وقت الإهلال ؟
الشيخ : نعم .
تعليق من فتح الباري :
واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا وأنتم تنضحون طيباً مدهنين إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج وهو قول ابن الزبير ومن أشار إليهم عبيد بن جريج بقوله لابن عمر أهل الناس إذا رأوا الهلال وقيل أن ذلك محمول على الاستحباب وبه قال مالك وأبو ثور . وقال ابن المنذر الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم . واحتج الجمهور بحديث أبي الزبير عن جابر وهو الذي علقه المصنف في هذا الباب .
وقوله في الترجمة : ( للمكي ) أي إذا أراد الحج ، وقوله : ( الحاج ) أي الآفاقي إذا كان قد دخل مكة متمتعا .
الشيخ : والصواب أن لا يُهل إلا يوم الثامن ، ومن قال من العلماء إنه يُهل يوم السابع إذا لم يجد الهدي ليصوم السابع والثامن والتاسع فقوله ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : { ثلاثة أيام في الحج } يشمل من ابتداء العمرة إلى أيام التشريق حتى لو كان محلاً ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( دخلت العمرة في الحج )) . وعلى هذا فالصحيح في هذه المسألة أن من لم يجد الهدي من متمتع وقارن فالمتمتع لا يُحرم إلا يوم التروية والقارن لا يخرج إلى منى إلا يوم التروية .
أنا أريد حديث ابن عمر أنه صلى الظهر ثم خرج .
القارئ : قوله : ( باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي والحاج إذا خرج من منى ) كذا في معظم الروايات وفي نسخة معتمدة من طريق أبي الوقت ( إلى منى ) وكذا ذكره ابن بطال في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه ولا إشكال فيها ، وعلى الأول فلعله أشار إلى الخلاف في ميقات المكي قال النووي ميقات من بمكة من أهلها أو غيرهم نفس مكة على الصحيح وقيل مكة وسائر الحرم اهـ .
والثاني مذهب الحنفية واختلف في الأفضل فاتفق المذهبان على أنه من باب المنزل وفي قول للشافعي من المسجد ، وحجة الصحيح ما تقدم في أول كتاب الحج من حديث ابن عباس : ( حتى أهل مكة يهلون منها ) وقال مالك وأحمد وإسحاق يهل من جوف مكة ولا يخرج إلى الحل إلا محرما واختلفوا في الوقت الذي يهل فيه فذهب الجمهور إلى أن الأفضل أن يكون يوم التروية وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل....
الشيخ : هذا الذي قرأته من قبل ؟
القارئ : نعم هذا الذي قرأته .
الشيخ : الإشكال الإهلال قبل صلاة الظهر أو بعدها ، هذا الإشكال والصحيح أنه قبل صلاة الظهر وأنه يُحرم إن كان متمتعاً أو كان من أهل مكة وأراد الحج يُحرم يوم ثمانية قبل الظهر ويخرج إلى منى ويصلي بها.
القارئ : سيأتي في الباب الذي بعده .(244/119)
81 ـ بَاب أَيْنَ يُصَلي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ
1543 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَال سَأَلتُ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه قُلتُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيْنَ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَال بِمِنًى قُلتُ فَأَيْنَ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَال بِالأَبْطَحِ ثُمَّ قَال افْعَل كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ(1)
__________
(1) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب أين يصلي الظهر يوم التروية ) أي يوم الثامن من ذي الحجة وسمي التروية بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية لأنهم كانوا يُروون فيها إبلهم ويرتوون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء . وقد روى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مجاهد قال قال عبد الله بن عمر يا مجاهد إذا رأيت الماء بطريق مكة ورأيت البناء يعلو أخاشبها فخذ حذرك وفي رواية فاعلم أن الأمر قد أظلك .
وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة منها أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه فأصبح متفكرا يتروى ومنها أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج ومنها أن الإمام يُعلم الناس فيه مناسك الحج . ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية أو الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو أو من الثالث لكان من الرؤيا أو من الرابع لكان من الرواية .
قوله : ( حدثني عبد الله بن محمد ) هو الجعفي ( وإسحاق الأزرق ) هو ابن يوسف ( وسفيان ) هو الثوري ، قال الترمذي بعد أن أخرجه صحيح يستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري يعني أن إسحاق تفرد به . وأظن أن لهذه النكتة أردفه البخاري بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز ورواية أبي بكر وإن كان قصر فيها كما سنوضحه لكنها متابعة قوية لطريق إسحاق وقد وجدنا له شواهد .
الشيخ : الأحاديث متابعة كما هو المصطلح .
القارئ : من كان قصر ؟
الشيخ : لا أنا قصدي متابعة قوية .
متابعة التعليق : منها ما وقع في حديث جابر الطويل في صفة الحج عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث . وروى أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث بن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى خمس صلوات وله عن ابن عمر أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى وحديث ابن عمر في الموطأ عن نافع عنه موقوفا ولابن خزيمة والحاكم من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة قوله يوم النفر بفتح النون وسكون الفاء يأتي الكلام عليه في أواخر أبواب الحج .
قوله : ( حدثنا علي ) لم أره منسوبا في شيء من الروايات والذي يظهر لي أنه ابن المديني وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش وعبد العزيز وهو ابن رفيع ، قوله : ( فلقيت أنسا ذاهبا ) في رواية الكشميهني ( راكبا ) ، قوله : ( انظر حيث يصلي أمراؤك فصل ) هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو بمنى كما تقدم ، ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون . وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أفضل .
ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم قال صلي حيث يصلي أمراؤك قال الإسماعيلي قوله صلي غلط قلت ويحتمل أن يكون كانت صل بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام فكتب بعدها ياء فقرأها الراوي بفتح اللام وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر بن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط .
وقال أبو مسعود في الأطراف جود إسحاق عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش ، قلت وهو كما قال .
وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة . وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز . وروى ابن المنذر من طريق بن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلى مني . قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير أن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى قال به علماء الأمصار ، قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ، ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه . قال ابن المنذر والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن وعطاء قالا لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج .
الشيخ : هذا الذي أوصى به العلماء رحمهم الله في وقت السعة ، يعني كرهوا أن يخرج الإنسان إلى منى قبل يوم التروية لأنهم يشغلون مكاناً فيما ليس مشروعاً فيه في ذلك الوقت ، كما كرهوا أن يتأخر عن يوم التروية أن يتأخر عن الخروج إلى منى ، فالسنة أن تخرج ضحى إلى منى وتصلي الظهر هناك ، وإن تأخرت إلى أن تزول الشمس ثم تخرج قبل صلاة الظهر وتصلي في منى فلا بأس . وكانت منى فيما عهدنا ونحن قريبو عهد كان بينها وبين مكة مسافة طويلة صحراء وأودية لكن الآن اتصلت .
وفي هذا الحديث دليل على ورع الصحابة وحسن سيرتهم ومنهجهم حيث بينوا السنة ونهوا عن المخالفة . بينوا السنة أن تُصلى الظهر في منى، ونهوا عن المخالفة مخالفة الأمراء أمراء الحجيج ، فصلي حيث صلوا إن صلوا في منى فصلي في منى وإن صلوا في مكة صلي في مكة ؛ لأن المخالفة شر ، ولكن من يفقه هذا من بعض الناس اليوم حيث يريدون أن يطبقوا السنة لو كان فيها مشاقة ، وهذا غلط عظيم لاسيما من يؤبه له أو من يسعى بين الناس بأعلى صوته : خَالَفوا السنة ، السنة كذا . يترتب على هذا من المفاسد أكثر مما يترتب على المصلحة . هذا أحد الصحابة يبين لنا السنة ويقول لا تخالف أميرك .
متابعة التعليق : وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة. ا.هـ.
الشيخ : سبقناه بالتعليل .(244/120)
1544 حَدَّثَنَا عَليٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ لقِيتُ أَنَسًا ح و حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ قَال خَرَجْتُ إِلى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلقِيتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه ذَاهِبًا عَلى حِمَارٍ فَقُلتُ أَيْنَ صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَذَا اليَوْمَ الظُّهْرَ فَقَال انْظُرْ حَيْثُ يُصَلي أُمَرَاؤُكَ فَصَل(1)
82 ـ بَاب الصَّلاةِ بِمِنًى
1545 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَال صَلى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ(2)
__________
(1) كأن أنس رضي الله عنه فهم من هذا السائل أنه يريد المخالفة ولهذا لم يبين له أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في منى بل قال : ( صلي حيث يصلي أمراؤك ) فالسؤال ليس سؤال استشكال بل لعله سؤال إثارة ، لماذا يصلي الأمير مثلاً في مكة ثم يخرج ؟ ولهذا لم يُخبره بل قال : ( صلي حيث يصلي أمراؤك ) .
سؤال : قلنا إنهم كانوا في الجاهلية يهلون من عند أصنامهم على الصفا لهذا أنزل الله عز وجل قوله في الصفا ، هل هذا هو العلة أو غير ذلك ؟
الجواب : يجوز أن تتعدد العلل في حكم واحد .
(2) هذا الباب في قوله ( بمنى ) بمعنى في ، ومن المعلوم أن الحروف المعاني لها معاني متعددة تأتي بمعنى كذا وبمعنى ومعنى كذا . قال الله تعالى : { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل } أي وفي الليل . كما تأتي في بمعنى الباء مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( عُذبت امرأة في هرة حبستها )) أي بسبب .(244/121)
1546 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رَضِي الله عَنْه قَال صَلى بِنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ(1)
__________
(1) هذا فيه يبين أن قول الله تبارك وتعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } هذا الشرط أُلغي والحمد لله كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )) وهنا يقول : ( وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ) .(244/122)
1547 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال صَليْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْه رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَيَا ليْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلتَانِ(1)
83 ـ بَاب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
__________
(1) رضي الله عنه ، وهذا يدل على أنه كان يصلي أربع مع أنه ذكر أن صلاة الأربع مما تفرقت فيه الطرق ، وكان يُنكر هذا حتى أنه استرجع لما بلغه أن عثمان يصلي أربعاً ومع ذلك يصلي خلفه أربعاً . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ما هذا كيف تنكر على عثمان ثم تصلي خلفه أربعاً ؟ فقال رضي الله عنه الخلاف شر . وصدق ، فانظر كيف يتابع الصحابة في الزيادة التي يرونها خلاف السنة . وهو المتبع عند بعض العلماء الذين يرون أن القصر واجب ، ومن الناس من يُنكر متابعة الإمام في رمضان في صلاة التراويح إذا صلى ثلاث وعشرين فتجده جالساً والناس يصلون ولا يُتابع ، فيُقال له : يا أخي اتق الله لا تفرق المسلمين وانظر إلى هدي الصحابة رضي الله عنهم كيف يتقون الخلاف اتقاءً بالغاً .(244/123)
1548 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَالمٌ قَال سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلى أُمِّ الفَضْل عَنْ أُمِّ الفَضْل شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَبَعَثْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ(1)
84 ـ بَاب التَّلبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلى عَرَفَةَ
__________
(1) في هذا دليل على أن ما يفعله بعض الناس من صوم يوم عرفة استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه إنه يُكفر السنة التي قبله والتي بعده فتجده يصوم في يوم عرفة ، فيُقال له : كيف تفعل هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصومه ؟ ادعى أن الرسول ترك صومه رفقاً بالأمة ، فيُقال : سبحان الله يترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صومه مع أنه مستحب رفقاً بالأمة ؟ الأمة ليس عليها مشقة إذا صامت ، وإذا قُدر أن فيه مشقة فالأمة كلها تعلم أن صوم هذا اليوم سنة ليس بواجب ، فالصواب أن صوم يوم عرفة للحجاج مكروه ، أدنى ما يكون أن يكون مكروهاً لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ورد أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .(244/124)
1549 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَأَل أَنَسَ بْنَ مَالكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا اليَوْمِ مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال كَانَ يُهِل مِنَّا المُهِل فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ وَيُكَبِّرُ مِنَّا المُكَبِّرُ فَلا يُنْكِرُ عَليْهِ(1)
__________
(1) لأن كله ذكر الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية والتكبير ، وفي هذا نص صريح على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يجتمعون على التلبية أي التلبية الجماعية بل كل إنسان يلبي بنفسه ويذكر بنفسه ، وفي أيضاً إشارة أيضاً من البخاري من الحديث إلى أن التلبية إنما تكون في حالة السير بين المشاعر من مكة إلى منى ومن منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى إلى رمي جمرة العقبة ، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال لا تكون التلبية لحال . يعني ما دمت مستقراً في منى أو عرفة فلا تلبي إنما تلبي إذا توجهت ومشيت ، فالتلبية تحتاج إلى حركة ، كيف تقول لبيك اللهم لبيك وأنت جالس ؟ فشيخ الإسلام رحمه الله يستدل بمثل هذه الأحاديث وبالمعنى على أن التلبية إنما تكون لمن؟ للذي يسير .
وذهب بعض العلماء إلى أنه يلبي ولو كان جالساً ولو كان قاراً ، واستدلوا بعموم : (فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ) لكن هذا الذي قاله يحكي سير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مزدلفة إلى منى ، فيقول : ( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . لكن مع ذلك لا يُنكَر من سُمِع يلبي وهو مقيم مستقر .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض طلبة العلم إذا رأوا أحد من الناس خالف السنة مثل إذا شرب قائماً مثلاً قالوا : ( ومن يشاق الرسول من بعد ما تبين له من الهدى ) وقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (من رغب عن سنتي فليس مني ) هل يصح هذا يا شيخ ؟
الجواب : لا ما هو بصحيح ، إذا رغب رغبة مطلقة عن سنة الرسول فنعم يكون كافراً أما في بعض الجزئيات فلا يكون كافراً . وهذا رأيته في جماعة من الإفريقيين متشادين جداً جداً كل واحد يقول أنتم كفار ، ما هي العلة ؟ نراهم مختلفين هل المصلي يضع يديه على صدره أو يرسل ؟ الذين يقولون يرسل يقولون هذه السنة وأنت إذا ضممت خرجت عن السنة فلست من الرسول ومن ليس من الرسول فهو كافر . سبحان الله ، والجماعة الثانية كذلك بالعكس مشاجرة قوية في منى حتى جاء مدير التوعية وتكلم معهم وخوفهم بالله وقال هذه المسألة سنة إن فعلها الإنسان فهو يثيب وإن تركها فلا إثم عليه . واستدلوا بهذا بحديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) . وهذا غلط عظيم .
سؤال : بارك الله فيكم ، الأحاديث التي فيها اتباع الصحابة للأمراء مع مخالفتهم للسنة كيف يجمع بينها وبين حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ؟
الجواب : ما هي معصية ، يرون صلاتهم في مكة أو في منى ليست بمعصية .
سؤال : أثابكم الله ، بعض الحجاج يضع على بطنه خيطاً وعلى خصره ويتدلى من وسط الخيط خرقة تستر السوأتين ، هل هذا يُعد من السراويلات المنهي عنها ؟
الجواب : يلبس الإزار ؟
السائل : إي نعم يلبس الإزار ثم يضع الخيط .
الجواب : الخيط أين ؟
السائل : على خصره .
الجواب : يتحزم به وكذا ؟
السائل : إي نعم ، وفي وسط الخيط هذا تُدلى خرقة تستر السوأتين.
الجواب : يعني معه الإزار قصير ما ينضم ؟
السائل : لا .. الإزار قصير لكن تحت .
الجواب : يعني عريض ممكن يلويه مرتين أو ثلاث ؟
السائل : لا الإزار عادي لكن من تحت الإزار يضع خيطاً على الخصر يتدلى من هذا الخيط خرقة تستر السوأتين .
الشيخ : السوأتين مستورة بالإزار .
السائل : لا .. يعني حتى إذا جلس ما تنكشف العورة وإذا نام أو كذا فيستر السوأة تماماً .
الشيخ : تصورتم هذا ؟
طالب : نعم ، يعني من تحت الصرة حتى يرجع إلى الخلف .
الشيخ : يعني مثل الحفاضة . والله ما أعرف هذا ، أرى هذا من التكلف والتعمق ، والحمد لله أن تحرص على أن لا تبين منك العورة .
سؤال : إذا وافق يوم التروية يوم الجمعة والحاج في مكة هل الأولى أن يصلي في المسجد الحرام ؟
الجواب : لا .. الأولى أن يذهب إلى منى لأن هذا متعلق بالنسك .(244/125)
85 ـ بَاب التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ
1550 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ قَال كَتَبَ عَبْدُالمَلكِ إِلى الحَجَّاجِ أَنْ لا يُخَالفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الحَجِّ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الحَجَّاجِ فَخَرَجَ وَعَليْهِ مِلحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَال مَا لكَ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ فَقَال الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ قَال هَذِهِ السَّاعَةَ قَال نَعَمْ قَال فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَل حَتَّى خَرَجَ الحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّل الوُقُوفَ فَجَعَل يَنْظُرُ إِلى عَبْدِاللهِ فَلمَّا رَأَى ذَلكَ عَبْدُاللهِ قَال صَدَقَ(1)
__________
(1) انظر للأمراء كيف طاعتهم للخلفاء ، وانظر للخلفاء أيضاً كيف رجوعهم إلى أهل العلم ؛ لأنه كتب عبد الملك بن مروان رحمه الله إلى الحجاج بن يوسف الثقفي ـ المعروف بالجبروت والظلم ولا حاجة إلى ذكر ما يفعل ـ أن لا يُخالف ابن عمر رضي الله عنه في الحج ، وحصل ما سمعتم وتوقف ابن عمر حتى خرج الحجاج وسار ، وهذا كله مما يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على عدم مخالفة الأمراء إلا أن يأمروا بمعصية فلا طاعة لهم فيما أمروا به .
وفيه أيضاً دليل على جواز نصح الابن مع وجود أبيه ، وجه الدلالة أن سالم تكلم على الحجاج مع وجود أبيه ، ولعل أباه رضي الله عنه سكت عن هذه المسألة لأنها مسألة سهلة وخاف أن يشق على الحجاج فيأمره بكل شيء . وإلا فلا يخفى علينا جميعاً قوة وغيرة ابن عمر رضي الله عنه . وفيه أيضاً الدليل على العمل بالقرائن لأن الحجاج جعل ينظر إلى ابن عمر ولكن إذا قال قائل : لماذا لم يقل الحجاج لابن عمر أصدق سالم ؟ فالظاهر لم يقل هذا احتراماً لأبيه ابن عمر وكفاه النظر .
سؤال: بارك الله فيك، هل نقول لتارك الصلاة لا تحج مع أن في نيته أنه إذا حج سيصلي باعتبار الحج يُكفر ما قبله ، أو نقول صلي ثم حج ؟
الجواب : نعم نقول صلي ثم حج ؛ لأنه لا يمكن أن يحج وهو كافر ، تارك الصلاة كافر ولا يمكن أن يحج وهو كافر فنقول إن كنت تريد الحج فصلي أولاً .
سؤال : أثابكم الله ، هل هذا الذي لا يصلي نقول إذا صلى فرضاً واحداً يكون دخل في الإسلام ؟
الجواب : هذا فيه خلاف ، من العلماء السابقين واللاحقين من يرى أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر كفر .
السائل : لا .. هو ما يصلي لكن لما أراد الحج صلى مثلاً الظهر وراح يحج ؟
الجواب : من حين صلى رجع عن الكفر .
سؤال : بارك الله فيك ، بعض الفقهاء يذكر الغسل يوم عرفة ، يعني من المستحبات هل هذا صحيح ؟
الجواب : ابن عمر أقر الحجاج على هذا ، وهو فيما نرى من الأمور التي إذا احتاج الإنسان إليها اغتسل ، يعني إذا كان ينشطه اغتسل ، أما إذا كان لا يحتاج إليه فلا يغتسل .
سؤال : استدل بعض أهل العلم أن المراد الإحرام بأشهر الحج قبل أشهر الحج أي أن الإحرام قد يقع قبل أشهر الحج ؟
الجواب : أنت ما سألتني عن هذا من قبل ؟ على أي حال يمكن واحد غيرك ، على كل حال هذه الآية تدل على أنه لا يصح الحج في غير أشهر الحج ؛ لأنه رتب أحكام النسك على من فرض فيهن ، قال : { من فرض فيهن الحج فلا رفث} ومفهوم الشرط أن من فرض في غيرهن الحج فإنه لا يصح إحرامه، ضرورة أنه إذا انتفت الأحكام المبنية على الإحرام فقد انتفى الإحرام .
السائل : من أحرم من خراسان أليس قد أحرم قبل الميقات كما فعل الصحابي ؟
الجواب : قبل الميقات لا شك ، لكن أولاً نقول : فعل الصحابي ليس حجة إذا خالف النص ، هذه واحدة ، وثانياً : لعله أحرم من خراسان أي نوى الإحرام من خراسان . المهم القول الراجح في هذه المسألة قول الشافعي أنه إذا أحرم بالحج قبل أشهره انعقد عمرة .(244/126)
86 ـ بَاب الوُقُوفِ عَلى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ
1551 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلى عَبْدِاللهِ بْنِ العَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الفَضْل بِنْتِ الحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَال بَعْضُهُمْ ليْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلتُ إِليْهِ بِقَدَحِ لبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ(1)
87 ـ بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِعَرَفَةَ
__________
(1) هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله هل الأولى أن يقف راكباً أو أن يقف ماشياً ؟ والصحيح أن هذا يرجع إلى حال الإنسان ، إذا كان أخشع لقلبه وأفضل أن يكون راكباً على السيارة سواء فوق السطح أو في جوفها فليفعل ، وإن كان الأفضل أن ينفرد بمكان ويدعو الله عز وجل إن كان هذا أخشع لقلبه فليفعل . والصواب أن هذا يختلف باختلاف حال الحاج.(244/127)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهما إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَال الليْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال أَخْبَرَنِي سَالمٌ أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَل بِابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهما سَأَل عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْه كَيْفَ تَصْنَعُ فِي المَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَال سَالمٌ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ صَدَقَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ فِي السُّنَّةِ فَقُلتُ لسَالمٍ أَفَعَل ذَلكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال سَالمٌ وَهَل تَتَّبِعُونَ فِي ذَلكَ إِلا سُنَّتَهُ(1)
__________
(1) الجمع بين الصلاتين يعني صلاة الظهر والعصر ، فالجمع بينهما ثابت بالسنة وهو جمع تقديم ، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مقيماً بعرفة لكن هذا الجمع له أسباب ، منها : أن الناس مجتمعون وسيتفرقون إلى مواقفهم وصلاتهم جماعة مجتمعين أفضل من كونهم يصلون الظهر مجتمعين والعصر متفرقين ، ولهذا جاز الجمع في المطر يعني في البلدان مع إمكان أن يصلي كل واحد في بيته للعذر ، لكن الجمع للمطر هو من أجل تحصيل الجماعة وإلا لقيل صلوا المغرب ثم قل صلوا في رحالكم . ومنها أن يتسع وقت الوقوف لأن الناس لهم أغراض من غداء أو نوم أو غير ذلك فقُدمت صلاة العصر حتى يأتي وقت الدعاء وهم متفرغون .
وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصلي جمعة مع أن اليوم كان يوم الجمعة ؛ لأن المسافر لا يصلي الجمعة ، ولو صلى المسافر الجمعة لأمرناه بإعادتها ، يعيدها إيش ؟ ظهراً ، هذا إذا كان على ظهر سير أونازل في البر ، أما إذا نزل في البلد فإنه يلزمه أن يحضر الجمعة ويصلي مع المسلمين ، وأما في حال خروجه خارج البلاد فإنه لا يجوز أن يصلي جمعة وإن صلى فصلاته باطلة وعليه أن يعيدها ظهراً . ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل جمعة أنه خطب الناس بعد أن صلى الظهر والعصر ، وخطبة الجمعة تكون قبل الصلاة ، ويدل لهذا أيضاً أن الجمعة لا تُجمع إليها العصر فتعين أن تكون صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عرفة هي صلاة الظهر .
وقال: (كان ابن عمر إذا فاتته الصلاة جمع بينهما) كأن ابن عمر رضي الله عنه يرى أن الجمع سنة على كل حال في عرفة، حتى إذا فاتته مع الإمام وصلى في خيمته فإنه يجمع، وهذا هو الأقرب أن الإنسان يجمع في عرفة سواءً صلى مع الإمام في مسجد عرنة أو صلى في خيمته.(244/128)
ش10 وجه ـ أ :
89 ـ بَاب قَصْرِ الخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ
1552 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ عَبْدَالمَلكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلى الحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ فِي الحَجِّ فَلمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ زَالتْ فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ إِليْهِ فَقَال ابْنُ عُمَرَ الرَّوَاحَ فَقَال الآنَ قَال نَعَمْ قَال أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَليَّ مَاءً فَنَزَل ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا حَتَّى خَرَجَ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ اليَوْمَ فَاقْصُرِ الخُطْبَةَ وَعَجِّل الوُقُوفَ فَقَال ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ(1)
__________
(1) سبق هذا الحديث في نحو هذا السياق تماماً.
سؤال: خطبة عرفة هل هي خطبة مقصودة ليوم الجمعة؟
الجواب: لا ..الخطبة هذه من أجل موعظة الناس وإعلامهم بما يجب عليهم فقط، فلو صلى ولم يخطب فلا حرج.
سؤال: الاستماع إليها، وهل يستحب له الاستماع إليها ولو من الراديو ؟
الجواب: الاستماع لا يجب، ما فيه شك استحباب الاستماع ما فيه إشكال، ولكن هل يأثم الإنسان إذا أغلق الراديو وترك الاستماع لا يأثم.
سؤال: ما معنى قوله: (وعجل الوقوف) ؟
الجواب: يعني معناه تقدم اجمع جمع تقديم من أجل أن يتسع الوقت.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك، مسافر جاء إلى ناس يصلون الجمعة فقدموه لصلاة الجمعة، هل لهم ذلك؟
الجواب: المذهب لا ؛ لأنها لا تصح إمامة غير المستوطن، ولا خطبة غير المستوطن، ولهذا عمل بعض الناس الآن يعني يأتي أناس من الدعاة يحضرون إلى المسجد فيقدمهم الإمام يخطبون ويصلون الجمعة، على المذهب لا تصح صلاتهم؛ لأنه يُشترط في الإمام والخطيب أن يكون مستوطناً، ولكن القول الراجح خلاف ذلك، وأنه إذا تقدم المسافر وصلى بالمستوطنين الجمعة وخطب بهم فلا حرج.(245/1)
90ـ بَاب التَّعْجِيل إِلى المَوْقِفِ(1)
91ـ بَاب الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
__________
(1) كأن البخاري رحمه الله لم يسق الحديث؛ لأن الحديث الذي قبله صريح في هذا.
تعليق قراءة من فتح الباري :
قوله: (باب التعجيل إلى الموقف) كذا للأكثر هذه الترجمة بغير حديث وسقط من رواية أبي ذر أصلاً ووقع في نسخة الصغاني هنا ما لفظه: (يدخل في الباب حديث مالك عن بن شهاب) يعني الذي رواه عن سالم وهو المذكور في الباب الذي قبل هذا، ولكني أريد أن أدخل معاد، يعني حديثا لا يكون تكرر كله سنداً ومتناً، قلت: وهو يقتضي أن أصل قصده أن لا يكرر فيُحمل على أن كل ما وقع فيه من تكرار الأحاديث إنما هو حيث يكون هناك مغايرة إما في السند وإما في المتن، حتى أنه لو أخرج الحديث في الموضعين عن شيخين حدثاه به عن مالك لا يكون عنده معاداً ولا مكرراً وكذا لو أخرجه في موضعين بسند واحد لكن اختصر من المتن شيئا أو أورده في موضع موصولاً وفي موضع معلقاً، وهذه الطريق لم يخالفها إلا في مواضع يسيرة مع طول الكتاب إذا بعد ما بين البابين بعداً شديداً، ونقل الكرماني أنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة: قال أبو عبد الله ـ يعني المصنف ـ يزاد في هذا الباب هم حديث مالك عن بن شهاب ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادا أي مكررا قلت كأنه لم يحضره حينئذ طريق للحديث المذكور عن مالك غير الطريقين اللتين ذكرهما، وهذا يدل على أنه لا يعيد حديثا إلا لفائدة إسنادية أو متنية كما تقدم، وأما قوله في هذه الزيادة التي نقلها الكرماني (هم) فهي بفتح الهاء وسكون الميم، قال الكرماني: قيل إنها فارسية، وقيل عربية، ومعناها قريب من معنى أيضا قلت: واحد من علماء العربية ببغداد بأنها لفظة اصطلح عليها أهل بغداد وليست بفارسية، ولا هي عربية قطعاً.
الشيخ: إذاً هي عرفية.(245/2)
1553 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لي ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَال أَضْللتُ بَعِيرًا لي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقُلتُ هَذَا وَاللهِ مِنَ الحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا(1)
__________
(1) الحمس: يعني قريش، كانوا لا يقفون بعرفة عصبية جاهلية، يقولون: نحن أهل الحرم فلا نقف إلا في الحرم، وكانوا يقفون في المزدلفة، ولهذا قال جابر (: (فأجاز) يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (حتى أتى عرفة، وكانت قريش لا تشك إلا إنه واقف) يعني بمزدلفة كما كانت قريش تفعل في الجاهلية.(245/3)
1554 حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَال عُرْوَةُ كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الجَاهِليَّةِ عُرَاةً إِلا الحُمْسَ وَالحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلدَتْ وَكَانَتِ الحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلى النَّاسِ يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُل الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا وَتُعْطِي المَرْأَةُ المَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا فَمَنْ لمْ يُعْطِهِ الحُمْسُ طَافَ بِالبَيْتِ عُرْيَانًا(1) وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ قَال وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلتْ فِي الحُمْسِ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قَال كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلى عَرَفَاتٍ(2)
92ـ بَاب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ .
__________
(1) يعني ما يطوفون إلا بثياب من قريش، ومن لم يحصل له هذا طاف عرياناً، ولكن يقولون: (يحتسبون) والظاهر أن يحتسبون يعني يعطينهم بدون عوض.
(2) وفي قوله: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) دليل على أن مزدلفة بعد عرفة، فلو أن إنساناً وقف في مزدلفة قبل عرفة ثم ذهب إلى عرفة ووقف بها، ثم خرج من طريق آخر لا يأتي مزدلفة إلى منى فإنه لا يعتبر واقفاً في مزدلفة، لابد أن تكون مزدلفة بعد عرفة.
سؤال : هذا في حجة الوداع؟
الجواب : لا .. قالها بنفسه ما أظن أن يخفى عليه أو أن الرسول ما حج إلا هذه الحجة ولا وقف بعرفة إلا تلك الحجة .
سؤال: الحائض المرأة إذا انقطع عنها العذر ولم تغتسل فهل إذا توضأت لها أن تبقي في المسجد؟
الجواب: لا... ليست كالجنب.(245/4)
1555 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال سُئِل أُسَامَةُ وَأَنَا جَالسٌ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ قَال كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ قَال هِشَامٌ وَالنَّصُّ فَوْقَ العَنَقِ قَال أَبو عَبْد اللهِ فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ وَالجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ وَكَذَلكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ مَنَاصٌ ليْسَ حِينَ فِرَارٍ(1)
93ـ بَاب النُّزُول بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ .
__________
(1) يشير إلى قوله: (ولا تحين مناص) أي لا تحين فرار، هذا كيفية الدفع من عرفة فيما إذا كانت الأمور تأتي للإنسان على هواه فإنه يدفع بسير مطمئن، وإذا وجد فجوة أسرع أي متسع، وكان النبي ( حين دفع من عرفة قد شنق لبعيره الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحمه، يعني إنه جلب رقبتها حتى وصل الرأس إلى موقع الرحم، ويقول بيده: ((السكينة السكينة)) ولكن هذه تغيرت الآن، اللهم إلا يُهيأ لشخص طريق خاص به فيمكن.(245/5)
1556 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ ( حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَال إِلى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَتُصَلي فَقَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ(1)
__________
(1) وعلى هذا فلا يصلي الإنسان إذا دفع من عرفة إلا بمزدلفة ولو تأخر ما لم يخشَ خروج الوقت أي منتصف الليل فإن خشي خروج الوقت نزل وصلى في أثناء الطريق فإن لم يتيسر له لكثرة الزحام بالسيارات فليصلي على راحلته للضرورة، ويفعل ما يستطيع من الواجبات، ولكن لو صلى في الطريق مع السعة، فهل تصح صلاته؟ قال ابن حزم: صلاته لا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (( الصلاة أمامك)) يعني في مزدلفة، فلو صلى بالطريق لم تصح صلاته، ولكن قوله ضعيف رحمه الله لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وإنما قال: (( الصلاة أمامك)) ؛ لأنه أرفق بالناس أرأيتم لو وقف الحجيج ليصلوا المغرب والعشاء، والليل قد أسدل ظلامه، أيكون في هذا مشقة؟ نعم، لاشك إنه يكون فيه مشقة، وأيضاً مشقة لمن حج على الإبل، والنبي ( يريد أن يصير بأمته الرفق، فأخر صلاة المغرب حتى يصل إلى المزدلفة وينزل الناس مرة واحدة.
فالصواب: أن الصلاة تصح في كل مكان إلا في الأماكن الممنوعة وأن الناس لو صلوا فيما بين عرفة ومزدلفة فلا بأس ، ويكون قوله: ((الصلاة أمامك)) من باب الرفق بالناس.
سؤال: يا شيخ، حفظك الله كأن الحديث الذي قبل هذا ظاهره التناقض كأنه، لأنه يا شيخ الرسول ( قال: ((السكينة السكينة)) وإذا وجد فجوة أسرع، كيف؟
الجواب: ((السكينة السكينة)) لأن الناس إذا انصرفوا انصرفوا بعنف وتزاحم، فهمت وضرب للإبل فأمرهم بالسكينة، والسكينة في كل موضع بحسبه قد تكون نسبية فهو يسير.... فإذا وجد فجوة نص من أجل أن يبادر الليل.
سؤال: الآن طريق المشاة فسيح جداً يعني كله فجوات، فهل إذا كان الطريق فسيح هل يمسي نصاً؟
الجواب: أي نعم ، هذا ظاهر السنة.
سؤال: يا شيخ أحسن الله إليك، إن كان في مطار جدة وحضرت صلاة المغرب، فهل الأولى له أن يصلي أم يصبر حتى إذا خرج وقت المغرب إذا ذهب إلى الحرم؟
الجواب: لا .. الأفضل أن يصلي المغرب في وقتها .(245/6)
1557 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَال كَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ وَلا يُصَلي حَتَّى يُصَليَ بِجَمْعٍ(1)
__________
(1) هذا مما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما يتوخى مواضع النبي ( حتى في الشيء الذي وقع اتفاقه فيفعله، وهذا من شدة محبته لاتباع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الأصل خالفه غيره من الصحابة، وقالوا: من لم يظهر فيه نية التعبد فإنه لا يُشرع.
والذي يظهر لي أن ابن عمر لقوة محبته لإتباع آثار النبي ( يكون معذوراً، وإن كنا لا نرى أن يتعبد الإنسان بمثل هذا، نظير ذلك ما مر علينا من قبل وهو تتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للدُباء على الطعام، يتتبعه ويأكله، فبعض الناس يقول: يُسن أن يتتبعه، فنقول: لا..هذا مما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمقتضى شهيته، لكن قد يكون الإنسان لقوة محبته لإتباع الرسول أفعل هذا لأن الرسول فعله، وأنا ارتاح وأفرح بهذا لا على سبيل التعبد، كما أن الإنسان إذا أحب شخصاً اقتدى به حتى في نبرات صوته، وحتى في كل أفعاله.
سؤال: من لم يقف على الصفا والمروة ويدعو بالدعاء المعروف، هل يصح سعيه؟
الجواب: يصح؛ لأن هذا على سبيل الاستحباب، والناس الآن مع الزحام الشديد يشق عليهم أن يقفوا، ثم إنه ربما لا يدعه الناس يقف.
سؤال: مع الزحام في الدفع من عرفة إلى المزدلفة، أظن الماشي يصل قبل الراكب، فأصحاب السيارات ما يدرون هل يصلون قبل منتصف الليل أم لا، من أجل إدراك الصلاة يعني، فإذا خافوا فهل لهم أن يصلوا بعرفة؟
الجواب: لا بأس؛ لأنه لو خاف أن يدفع من عرفة أن لا يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فليصليها في عرفة ولابد.(245/7)
.
1558 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ قَال رَدِفْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَلمَّا بَلغَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الذِي دُونَ المُزْدَلفَةِ أَنَاخَ فَبَال ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَليْهِ الوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا فَقُلتُ الصَّلاةُ يَا رَسُول اللهِ قَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَتَّى أَتَى المُزْدَلفَةَ فَصَلى ثُمَّ رَدِفَ الفَضْلُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ غَدَاةَ جَمْعٍ قَال كُرَيْبٌ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ الفَضْل أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى بَلغَ الجَمْرَةَ(1)
__________
(1) في هذا الحديث فوائد: منها تواضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أردف غيره على راحلته، ولو كان عنده من الكبرياء شيء، لقال: لا يركب معي أحد.
ومنها تواضع آخر، حيث أردف أسامة بن زيد، وهو مولى من الموالي، ولم يردف أهل الجاه والشرف من الصحابة.
ومنها: شدة حياء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث مال إلى الشعب ونزل وبال، وهكذا ينبغي أن الإنسان إذا أراد أن يبول أو يتغوط فليُبعد حتى لا يراه الناس، أو يستتر بما يستره عن الناس؛ لأن ذلك أبلغ في الأدب والحياء.
ومنها جواز التصريح بكلمة (بال) وإذا خاطبت إنسان تقول: هل بُلْتَ؟ ولا يُعد هذا سوء أدب، ولهذا قال صاحب الفروع، الأولى أن يقول: أبول ولا يقول: أريق الماء؛ لأنه ما أراق الماء، وإنما أراق البول، الناس الآن عندنا يستنكرون من هذا، أبول ما عندك أدب لماذا تقول: أبول، ما أقول؟ قال: قل طير الماء ، وبعضهم يقول: أنقض الوضوء، هل نقول: إذا جرى العرف بالاستحياء من الذكر الصريح في هذا فالأولى إتباع العرف، أو نقول الأولى أن يُصرح تبعاً للسلف؟ فيه تردد عندي، ولكني أميل إلى الأول، ما دام الناس ما يعرفون هذا ويستنكفون الإنسان، وإذا فارقوه قالوا: والله شوف فلان والله ما أحسب عنده حياء ما أحسب عنده أدب يقول: أذهب أبول؟، فأظن أن الأولى اتباع العرف في هذا فهي ليست مسألة تعبدية، ولكنها مسألة يُنطق بها الناس حسب أعرافهم.
ومنها جواز معونة المتوضئ؛ لأن أسامة ( صب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضوءه، وكما فعل المغيرة (. ومنها أن الوضوء يكون خفيفاً ويكون سابغاً، الوضوء الخفيف ليس معناه أنه يقتصر على بعض الأعضاء ، معناه أن لا يكرر الغسل، هذا الظاهر، وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم لئلا يتأخر الناس في السير، والوضوء الخفيف أعجل من الوضوء المسبغ. ومنها أنه لا يُسن أن يصلي صلاة المغرب في أثناء السير من عرفة إلى مزدلفة.
ومنها أن الرواة رحمهم الله قد يحذفون بعض الأشياء إما نسيانهم إياها، أو لأنهم لم يطلعوا عليها، أو لسبب من الأسباب، فهنا قال: (فصلى) ولم يذكر لا أذان ولا إقامة ولا جمعاً ، لكن الأحاديث الأخرى بينت هذا.
ومنها تواضع النبي ( مرة أخرى في أرداف الفضل بن عباس من صغار بني المطلب، بل من صغار بني هاشم ، أردفه.
ومنها أن التلبية لا تُقطع في الحج، سواءً كان قراناً أو إفراداً أو حج تمتع، إلا إذا شرع في رمي جمرة العقبة، ولهذا قال: (حتى بلغ الجمرة)؛ لأن الجمرة ابتداء التحلل فإنه إذا رمى وحلق حل، فهيا ابتداء التحلل، والتلبية إنما تكون في ابتداء النسك.
سؤال: ذُكر في هذا الحديث وغيره استحباب الوضوء لمن لا يريد الصلاة، فما المراد بهذا؟
الجواب: ما سمعت بهذا، وضوء من لا يريد الصلاة ما سمعت بهذا.
سؤال: من أحرم في اليوم السابع، هل يجوز له التمتع؟
الجواب: نعم يجوز، وهو أفضل؛ لأن معه وقتاً يتمتع به.
سؤال: التسميات الموجودة في عصرنا الآن، مثل أن يُسمى الكبير عم ، وأبو الزوجة خال أو عم في بعض الناس هل الأولى متابعة الناس في هذا.
الجواب: أما ما يتغير به الحكم فلابد أن يُعدل، وأما ما لا يتغير به الحكم فلا بأس، كلمة عم شرعية، تُقال للكبير، وإن لم يكن عم نسب، عم الرضاعة أيضاً، لكن كون أبي الزوجة يسمى عماً هذا لا أصل له، بعضهم يسميه عماً وبعضهم يسميه خال.(245/8)
94ـ بَاب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الإِفَاضَةِ
وَإِشَارَتِهِ إِليْهِمْ بِالسَّوْطِ
1559 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلى المُطَّلبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ ابْنُ جُبَيْرٍ مَوْلى وَالبَةَ الكُوفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا للإِبِل فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِليْهِمْ وَقَال أَيُّهَا النَّاسُ عَليْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ البِرَّ ليْسَ بِالإِيضَاعِ(1) أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا (خِلالكُمْ) مِنَ التَّخَلُّل بَيْنَكُمْ ( وَفَجَّرْنَا خِلالهُمَا ) بَيْنَهُمَا(2)
95ـ بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِالمُزْدَلفَةِ .
__________
(1) يعني الإسراع.
(2) هذا كل ما سبق، أن النبي ( أمر بالسكينة؛ لأن الناس كانوا يضربون الإبل ضرباً شديداً، ويزجرونها زجراً شديداً، وهذا يؤلمها لاشك.
سؤال: يا شيخ، حديث أن النبي ( لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رمى جمرة العقبة، في البداية أو في النهاية؟
الجواب: إذا شرع، إذا شرع فيها توقف، ولهذا هنا قال: (حتى بلغ الجمرة) أي وصل إليها، ثم إنه إذا وصل إليها سوف يشتغل بذكر أخر، وهو التكبير.(245/9)
1560 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ فَنَزَل الشِّعْبَ فَبَال ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلمْ يُسْبِغِ الوُضُوءَ فَقُلتُ لهُ الصَّلاةُ فَقَال الصَّلاةُ أَمَامَكَ فَجَاءَ المُزْدَلفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلى وَلمْ يُصَل بَيْنَهُمَا(1)
__________
(1) هذا فيه زيادة عن ما سبق، إنه توضأ مرة أخرى وضوءً سابغاً في مزدلفة، وفيه أيضاً دليل على أنه لا يُشترط التوالي بين المجموعتين، إذا كان الجمع جمع تأخير؛ لأن جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مزدلفة بين المغرب والعشاء جمع تأخير بلا شك، لأنه دفع من أقصى عرفة، من شرقيها، ولا يصل إلى مزدلفة إلا متأخراً لاسيما أنه وقف وأناخ بعيره في أثناء الطريق وبال وتوضأ، فيكون الجمع جمع تأخير بلا شك.
وهنا ( صلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله) وهذا يحتاج إلى وقت، فيُستفاد منه أن جمع التأخير لا يُشترط فيه الموالاة بين المجموعتين، وأما جمع التقديم فقيل: إنه يُشترط الموالاة بين الصلاتين، وهو قول الأكثر من أهل العلم، وقيل: لا يُشترط، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ووجه اختياره إنه إذا وجد سبب الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً فصلي الصلاتين جميعاً أو فردهما، المهم أنك الآن في في سعة، الوقت وقت واحد، وقوله رحمه الله قوي، قوله قوي لاشك؛ لأن معنى الجمع إنه ضم الوقت إلى الوقت، فيجوز أن تصلي في أول الوقت، وفي أوسط الوقت، وفي آخر الوقت، أو تصلي واحدة في أول الوقت، وواحدة في آخره؛ لأن معنى الجمع التوسعة على الناس في هذا، إلا أنه إذا رأى الإنسان الاحتياط، وأن لا يفصل بين المجموعتين إذا كان الجمع مع تقديم، فهذا خير.
سؤال: يا شيخ حفظك الله، من وصل مزدلفة في وقت المغرب قبل العشاء، هل يؤخر الصلاة ؟
الجواب: بيأتي.(245/10)
96ـ بَاب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلمْ يَتَطَوَّعْ .
1561 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال جَمَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلا عَلى إِثْرِ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا(1).
1562 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَال أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ الخَطْمِيُّ قَال حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ جَمَعَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِالمُزْدَلفَةِ(2)
97ـ بَاب مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
__________
(1) يُسبح: يعني يتنفل.
(2) أولاً المكان هذا يُسمى المزدلفة، ويُسمى جمعاً ، فسُمي المزدلفة من الازدلاف وهو الاقتراب؛ لأنه قريب من مكة، وسمي جمعاً ؛ لأن الحجاج يجتمعون فيه قريش وغير قريش، وسمي المشعر الحرام؛ لأنه في الحرم، والمشعر الحرام هو عرفة. إذاً له ثلاثة أسماء ، وربما يكون أكثر، ولكن هذا الذي يحضرني الآن.
سؤال: أحسن الله إليك يا شيخ، هل يؤاخذ من فعل الرسول ( إنه أثناء سيره إلى مزدلفة توضأ، فإنه يجوز وأنه من السنة ان الإنسان يتوضأ كلما أحدث؟
الجواب: هو لاشك أفضل، أن الأفضل أن يتوضأ الإنسان كل ما أحدث لاسيما في السفر، ولكن ليس بواجب؛ لأن عائشة تقول: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
سؤال: يا شيخ أحسن الله إليك، إذا جمع بين الصلاة، التسبيح يعني ما يذكر الله بعد الصلاة الأولى؟
الجواب: لا..يقيم على طول ثم يجتمع التسبيح بعد الصلاة الثانية.(245/11)
1563 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبْدُاللهِ رَضِي الله عَنْه فَأَتَيْنَا المُزْدَلفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلكَ فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلى المَغْرِبَ وَصَلى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ أُرَى رجلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَال عَمْرٌو لا أَعْلمُ الشَّكَّ إِلا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فَلمَّا طَلعَ الفَجْرُ قَال إِنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ لا يُصَلي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا هَذِهِ الصَّلاةَ فِي هَذَا المَكَانِ مِنْ هَذَا اليَوْمِ قَال عَبْدُاللهِ هُمَا صَلاتَانِ تُحَوَّلانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلاةُ المَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ المُزْدَلفَةَ وَالفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الفَجْرُ قَال رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُهُ(1)
__________
(1) هذا سؤالك يا فيصل، ابن مسعود ( وصل المزدلفة قريباً من العتمة يعني قريباً من وقت العشاء، فصلى المغرب وحدها، بأذان وإقامة، ثم تعشى ثم صلى العشاء وحدها بأذان وإقامة، فيؤخذ من هذا إنه إذا وصل إلى مزدلفة قبل خروج وقت المغرب إنه يصلي المغرب أولاً، ثم ينتظر حتى يأتي وقت العشاء، ولكن هذا ليس على سبيل الوجوب؛ لأنه مسافر وله الجمع وإن لم يكن هناك مشقة، ثم إنه في الوقت الحاضر فيه مشقة، لو صلى المغرب ثم أنتظر إلى العشاء فيه مشقة من جهة الماء، الماء قد يكون معدوماً في المكان الذي ينزل فيه، وقد يكون بعيداً ، وإذا ذهب الإنسان إلى الماء ربما يضيع عن صحبه، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، فنقول: متى وصلت على مزدلفة صلي المغرب والعشاء.
سؤال: عفا الله عنك ، طيب أهل مكة ؟
الجواب: يجمعون في المزدلفة.
السائل: من أجل النسك يعني؟
الجواب: لا ..لأجل السفر.
سؤال: فيه ناس يسكنون حول المشاعر ويحجون.
الجواب: السفر قد يكون سفراً لطول المسافة ، وقد يكون سفراً لطول المكث، والحجاج يبقون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، خمسة أيام.
السائل: شيخينا بارك الله فيك بعض الناس إذا جمعوا بين المغرب والعشاء، يصلون العشاء أولاً ثم يصلون المغرب.
الجواب: من هؤلاء؟
السائل: نعم يا شيخ، رأيتهم والله بعيني.
الجواب: رأيتهم؟ إذا جمعوا بين المغرب والعشاء يقضون العشاء، في أي مكان؟
السائل: يأتون من بلاد أخرى، يقولون: المغرب فات وقتها، نصلي العشاء أولاً لأن وقتها باقي، ثم نصلي المغرب.
الجواب: هذا غلط، ولا يحل لهم هذا، بلغهم عاد الآن أن يعيدوا صلاة العشاء، أتعرفهم؟
السائل: نعم، ولكن لا يقبلون هذا يا شيخ.
الجواب: لا يا شيخ الله يهديهم ، مرهم بالمعروف والحمد لله، وقول لهم: ما يجوز هذا الرسول كان يقدم المغرب.
نعود للشرح:
هناك فائدة من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُبكر بصلاة الفجر يوم العيد، صباح المزدلفة، يُبكر من أجل أن يتسع الوقت للذكر والدعاء؛ لأن ما بين صلاة الفجر ودفع الناس إلى منى محل ذكر ودعاء، فكان ( يُبكر بالصلاة من أجل اتساع الوقت.(245/12)
98ـ بَاب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلهِ بِليْلٍ فَيَقِفُونَ بِالمُزْدَلفَةِ
وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ القَمَرُ
1564 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال سَالمٌ وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِالمُزْدَلفَةِ بِليْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْل أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَقَبْل أَنْ يَدْفَعَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لصَلاةِ الفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلكَ فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الجَمْرَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَرْخَصَ فِي أُولئِكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) لاشك أن الأفضل البقاء في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ويدعو ويذكر الله عند المشعر الحرام، وله أن يدعو الله في أي مكان من مزدلفة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((وقفت ها هنا وجمع كلها موقف)) ولكن إذا كان هناك ضعفة إما لكبر أو لمرض أو لكونهم إناثاً فلهم أن يتقدموا أن يدفعوا من مزدلفة إلى منى؛ لأجل أن يرموا قبل زحام الناس، ولكن متى ينصرفون؟ قال كثير من العلماء: ينصرفون إذا انتصف الليل؛ لأنه إذا انتصف الليل صار مكثهم في مزدلفة أكثر الليل، وقال بعضهم: بل ينصرفون إذا غاب القمر، وهذا يكون إذا مضى ثلثي الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تفعل هذا، ولهذا قال البخاري رحمه الله: (إذا غاب القمر).
وفي هذا الحديث دليل واضح على أن من جاز له أن يتقدم من مزدلفة إلى منى، فإنه يرمي متى وصل، حتى ولو وصل قبل الفجر بساعة، ولهذا قال في هذا الحديث (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لصَلاةِ الفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلكَ) لصلاة الفجر: يعني وقت صلاة الفجر فَإِذَا وصولوا رَمَوُا ، وأما قول بعض العلماء: إنهم إذا وصولوا لا يرمون حتى تطلع الشمس، فضعيف، وحديث .....(لا ترموا حتى تطلع الشمس) ضعيف، والصواب أن من وصل إلى منى ممن يُرخص له أن يتقدم فإنه يرمي متى وصل، وإلا ما الفائدة من تقدمه؟ قليلة الفائدة، وأيضاً رمي جمرة العقبة تحية منى، ولهذا رماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله.
وفي قوله ابن عمر رضي الله عنهما: (أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) دليل على هذا مرفوع، أن يُقدم الضعفة من الأهل بالليل، في الوقت الحاضر الواقع إن تكاد تكون كل الناس ضعفة؛ لأنهم يحصل من المشقة الشديدة ما لا يحصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وجوه:
الأول: كثرة الحجاج.
والثاني: غُشم الحجاج وعنفهم .
والثالث: اختلاف اللغات؛ لأنك لو زاحمك أحد ليس على لغتك، ثم صرخت، تقول: انقذني انقذني ، يظن أنك تسبه، ما يعرف لغتك، فيظن أنك تسبه يرصك زيادة، وأنت تستنقذ به . وفي عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلهم عرب يفهمون، وأيضاً كانوا يعتقدون أنهم يرمون الشياطين، ويقول أحدهم: رميت الشيطان الكبير، والثاني يقول: رميت الصغير، والثالث يقول: رميت الأوسط، ويُحكى أن بدوياً أخذ واحد وعشرين حصاة يوم الحادي عشر، ورماها جميعاً يداً واحداً على جمرة العقبة، وقال له: خذ تقاسم أنت وعيالك. إلى هذا الحد يعني جهل عظيم، فإذا كان يعتقد إنه يرمي الشيطان فسيكون معه عنف شديد، ونسمع أن بعضهم ـ والعياذ بالله ـ إذا أقبل على الجمرة يشتم ويلعن، ويقول: أنت الذي فرقت بيني وبين زوجتي، أنت الذي نكدت عليَّ حياتي وكما تشاهدون يضربون بالنعال، والحجر الكبير والشماسي، وشاهدت بعيني قبل أن تُبني الجسور هذه ، شاهدت رجلاً وامرأة ما أدري أهي زوجته أو غير زوجته، راكبين على حصان في جمرة العقبة، والناس يرمون ويضربون الرجل والمرأة، وهما معهما جزمتان يضربون العامود هم يضربون العمود ، والناس يضربوهم بالحصى، وكأنهم يقولون:
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
صابرين على الحصى أتعجب، فلهذه الأسباب نرى أن الناس الآن معذورون إذا انصرفوا قبل الفجر، أما من كان ضعيفاً فهذه هي السنة، وأما من لم يكن ضعيفاً فهو تابع لضعيف، أو هو نفسه يرى إنه إذا ذهب قبل الوقت ورمى بطمأنينة وتكبير وتعظيم للشعائر أحسن من كونه يدخل غمار الزحام، لا يدري أيخرج أو يموت.(245/13)
.
1565 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ(1) .
1566 حَدَّثَنَا عَليٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ أنه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليْلةَ المُزْدَلفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلهِ.
__________
(1) ش10 ـ وجه ب :
لأنه رضي الله عنه كان صغيراً قد ناهز الاحتلام، وهل يُقال: إن هذا البعث رخصة أو سنة بمعنى أن نقول: يُسن للضعفاء الذين لا يستطيعون المزاحمة أن يتقدموا فيرموا قبل حطمة الناس، أو نقول: إن هذا من باب الجائز فقط؟ الذي يظهر لي الأول إنه يُسن لهؤلاء أن يتقدموا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث الضعفة ، ثم إنه أي تقدمهم لأمر يتعلق بالعبادة وهو الرمي عن طمأنينة وسكون وهدوء، فيكون أفضل من مراعاة الوقت، كما هي القاعدة في العبادات كلها، ولهذا قلنا صلاة العشاء الآخرة الأفضل فيها ماذا؟ التأخير، وإذا شق على الناس فالأفضل التقديم ، فالأفضل التقديم مراعاة لأحوال الناس.(245/14)
1567 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ مَوْلى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلتْ ليْلةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلفَةِ فَقَامَتْ تُصَلي فَصَلتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالتْ يَا بُنَيَّ هَل غَابَ القَمَرُ قُلتُ لا فَصَلتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالتْ يَا بُنَيَّ هَل غَابَ القَمَرُ قُلت نَعَمْ قَالتْ فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلهَا فَقُلتُ لهَا يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلسْنَا قَالتْ يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ للظُّعُنِ(1)
__________
(1) اللهم صل وسلم عليه، هذا الحديث فيه فوائد منها:
جواز قيام ليلة المزدلفة يعني إحياءها بالقيام، ولكن هل هذا أفضل، أو الأفضل أن ينام الإنسان ويرتاح؟ الثاني أفضل؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغاية ما يُقال في هذا: إنه لا بأس به، ولكن لو نام الإنسان وأرتاح لكان أفضل؛ لأن إنسان قدم من عرفة مع تعب وجهد، ثم سيكون يوم العيد أيضاً تعب وجهد، رمي ونحر وطواف وسعي فالأفضل هو أن ينام، ولكن لو جلس يقرأ كتاباً، أو يتلو كتاب الله أو يصلي فإننا لا نبدعه ولا نخطئه؛ لأن هذا ورد عن بعض الصحابة.
ومنها جواز بخير الثقة في المواقيت؛ لأنها أسماء رضي الله عنها كانت تسأل تقول: هل غاب القمر) حتى أخبرت بأنه غاب، ولاشك أن العمل في المواقيت، مواقيت الصلاة، والصيام والدفع من مزدلفة بخبر الثقة جائز ، ولو كان واحداً، وليس هذا من باب الشهادة حتى نقول: لابد من اثنين، قال أهل العلم: لأن الخبر الديني يكفي فيه الواحد، ولهذا نبني على رواية الواحد في الأحاديث، وقد يروي حديثاً فيه قصاص أو قطع أو ما أشبه ذلك ، فنبي على خبره، والقاعدة عندهم أن الخبر الديني يكفي فيه الواحد.
ومنها تقييد الوقت التي يدفع فيه الضعفاء والنساء بغيبوبة القمر، غيبوبة القمر ليلة العاشر لا تكون إلا بعد مضي نحو ثلثي الليل؛ لأن القمر أول ليلة يهل يغيب متى؟ عند غروبه يغيب، ثم إذا مضى عشرة أيام يغيب عند ثلثي الليل، ثم إذا مضى خمسة عشرة يوم يغيب عند الفجر، فكان هذا دليل على أن الدفع يكون بعد مضي ثلثي الليل، القمر في الوقت الحاضر قد لا يهتدي الإنسان لمكانه وقد لا يراه لكثرة الأنوار، فنقول: الحمد لله عندنا الساعات ننظر فيها، ولكن مع ذلك لو أن إنسان دفع قبل غيبوبة القمر، ولكن بعد مضي أكثر الليل أي بعد أن انتصف الليل فلا بأس به، ولكن من احتاط ولم يدفع إلا عند غروب القمر فهو أفضل.
وفيه أيضاً من الفوائد، أن صلاة الفجر يوم العيد تجوز في منى، أن صلاة الفجر يوم العيد تجوز في منى، وهو كذلك؛ لأن من دفع قبل الفجر وصل إلى منى فليصلها.
وفيه أيضاً، أن جمرة العقبة يجوز أن تُرمى قبل الفجر لمن جاز له أن يدفع من مزدلفة قبل الفجر؛ لأن أسماء رضي الله عنها رمت قبل الفجر ثم صلت، وهذا هو الحكمة لاشك، وأما أن يُقال للناس: ادفعوا ولا ترموا حتى تطلع الشمس، فهذا ينافي الحكمة إذاً ما الفائدة من الدفع، إذا دفعوا ثم بقوا حتى تطلع الشمس واختلطوا بالناس بعد ذلك، ما صار هناك تيسير لا على الدافعين، ولا على المقيمين، فالصواب الذي لا شك فيه إنه متى وصل إلى مزدلفة ولو قبل الفجر بساعة فليرمي الجمرة.
وفيه أيضاً قال: (يَا هَنْتَاهُ) يعني يا هذه ( ما أرنا إلا قد غلسنا ) ، وفيه أيضاً أن الرسول ( أذن للظعن، والظعن جمع ظعينة وهي المرأة، وهذا كما دل عليه حديث عبد الله بن عمر ( ، إذاً فالنساء يعتبرن من الضعفة، لكن المرأة النشيطة قد نقول: إن الأفضل في حقها أن تبقى في مزدلفة حتى تصلي الفجر هناك.
السؤال: دخول منى بعد الصبح ؟
الجواب: الأحسن أن يكون على طرف المزدلفة، والمزدلفة ترى واسعة لا تعتقد أنها صغيرة واسعة جداً جداً يكون في آخر المزدلفة ما بينه وبين منى إلا وادي محسر، ما عليهم خطر إذا دفعوا بعد منتصف الليل ما عليهم خطر.
السائل: أول الليل ينزلوا هناك ؟
الجواب: هذا غلط لا يجوز.
سؤال: ما هو الأفضل في حق الضعفاء أن يدفعوا بالليل لرمي الجمرة أو المبيت في مزدلفة ثم رمي الجمرة في منى متأخراً يوم العيد؟
الجواب: الأفضل أن يتقدموا ويرموا الجمرة بليل، والحكمة في هذا أن يحصل لهؤلاء الفرح بالعيد؛ لأنهم إذا رموا وحلقوا الرجال أو قصروا وقصرت النساء، شعر الإنسان بأنه أدى النسك، فيكون عيده عيداً، ولا بأس أن يؤخر إلى آخر النهار أو إلى الليل إلى الفجر .
سؤال: هل المبيت في المزدلفة واجب من واجبات أم أن الأمر فيه سعة؟
الجواب: لاحظوا أن المبيت في مزدلفة أُكد بكثير من المبيت في منى، وإن كان الفقهاء رحمهم الله يساوينه به، ولكنه غلط، لأن بعض أهل العلم يقول: إن الوقف في مزدلفة ركن كالوقوف بعرفة؛ لأن الله أمر بذكر الله تعالى عند المشعر الحرام، ولأن النبي ( قال: ((من أدرك صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) فهو مؤكد، وأدنى ما نرى أنه بعد منتصف الليل يجوز الدفع في الأوقات هذه، ولكن في أوقات السعة نقول: اصبر إلى الفجر، بعض العلماء رحمهم الله يقول: إن ذكر الله عند المشعر الحرام يحصل بصلاة المغرب والعشاء وأن الإنسان إذا صلى في مزدلفة المغرب والعشاء فله الدفع، لكنها أقوال ضعيفة.(245/15)
.
1568 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ القَاسِمِ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتِ اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليْلةَ جَمْعٍ وَكَانَتْ ثَقِيلةً ثَبْطَةً فَأَذِنَ لهَا(1) .
__________
(1) سودة إحدى نساء النبي ( ، وكانت امرأة عاقلة وهي كبيرة في السن فخافت أن يُطلقها النبي (، خافت والظاهر إنه لم يطلقها ولكنها امرأة خافت فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقسم لعائشة يومين يومها الأصلي ويوم سودة. هي ( ثبطة ثقيلة) كبيرة في السن استأذنت النبي ( أن تدفع ليلة الجمع فأذن لها.(245/16)
1569 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ نَزَلنَا المُزْدَلفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْل حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لهَا فَدَفَعَتْ قَبْل حَطْمَةِ النَّاسِ وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ(1)
__________
(1) عائشة رضي الله عنها تمنت لو أنها استأذنت كسودة، وقالت: (أحب إليَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ) من شيء أفرح به، وهذا إما لأنها ثقلت رضي الله عنها، وإما لأن الناس كثروا وشق عليها الزحام، فإذا قال قائل: هذا يؤذن بأن البقاء إلى الفجر . واجب فالجواب: ليس فيه دليل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لا يحبون أن يدعوا شيئاً فارقوا عليه رسول الله ( وإن لم يكن واجباً، فها هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في الصيام، لما أُخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه يقول: (لأقم الليل ما عشت، ولأصومن النهار ما عشت) دعاه وبين له الأفضل وهو أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهذا ليس بواجب، لما كبر صار يشق عليه أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، فجعل يوم خمسة عشرة يوماً ويفطر خمسة عشرة يوماً، وقال: (لا أدع شيئاً فارقت عليه رسول الله () وإلا فالأحاديث السابقة واضحة بأن الرسول ( أذِن للنساء بالدفع قبل الفجر.
سؤال: بارك الله فيكم بالنسبة للذي دفع بالليل، بعد منتصف اللي ورمى وحلق وطاف طواف الإفاضة قبل الفجر هل يعتبر تحلل التحلل الأكبر؟
الجواب: الثاني، إذا رمى وحلق وطاف وسعى، أربعة حل التحلل.
السائل: ولو قبل الفجر؟
الجواب: ولو قبل الفجر ، وبلغني أن أناساً هداهم الله ممن اتخذوا الحج مجرد عادة، وهم من بلد قريب من مكة، إذا غابت الشمس يوم عرفة طبخوا عشائهم وذبائحهم وأحرموا من بلدهم ثم خرجوا إلى عرفة في هذا الليل الرائق الجميل ، ونزلوا تعشوا واستأنسوا وهم محرمين بالحج، ثم إذا انتهوا من العشاء والأنس دفعوا إلى مزدلفة فصلوا بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ومشوا على طول إلى منى، فرموا الجمرة وحلقوا ثم نزلوا إلى مكة وطافوا وسعوا قبل الفجر، ثم ذهبوا على أهليهم في بلدهم ونام الرجل مع امرأته ليلة العيد، هذا حج؟ هذا اختصار مخل، اختصار مخل غير مقبول كيف يفعل هذا، وذلك لأنه مع الأسف الشديد أن الناس ـ اللهم أعفو عناـ يحجون وكأنه شيء عادي ما يشعر الإنسان إنهم في عبادة وأنه الآن لابس لباس الميت، ما عليه لا قميص ولا سراويل ولا شيء، لاف نفسه بالإزار والرداء، ولا يتذكر هذا الجمع العظيم هؤلاء يذهبون وهؤلاء يجيئون ما يتذكر يوم القيامة، لو وقفت بعرفة وجدت الناس هؤلاء الذين يمشون على أقدامهم لتذكرت يوم القيامة بلا شك، إلا رجل مات قلبه، فلأجل هذا صار الناس يقولون هو حاج حاج . وقد بينا لكم من قبل الرجل الذي وقف بعرفة ثم من عرفة على طول على مكة فطاف وسعى ، ورجع إلى بلده، يا رجل كيف؟ قال انتهى الحج وقفت بعرفة وطفت وسعيت ووكلت واحد يرمي عني أو قال ذبحت شاة عن الرمي ، وليلة المزدلفة ذبحت عنه شاة، والمبيت في منى ذبحت عنه شاة، وطواف الوداع ذبحت عنه شاة، وقضيت، هذا حج؟ والله إنه من اتخاذ آيات الله هزواً، ما خُيرت بين هذا وهذا حتى تفعل. اللهم اهدنا فيمن هديت .
سؤال: يحدث كثير من البدع، بعض الناس يُلقن المبيت في مزدلفة بسماعات مكبرات صوت، حتى النساء ، قول إني نويت كذا وأشياء عجيبة من البدع.
الجواب: ما نويت كذا ؟
السائل: يعني يلقنونه، قل: إني نويت المبيت بمزدلفة من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، وأشياء كثيرة من البدع ما حفظتها، ولكنهم يلقنون حتى النساء، من لم يقل النية؟ يقول: أنا، يقول: تعالى ألقنت النية، يا شيخ، هذه البدع الموجودة في المزدلفة والتي تحدث في موسم الحج، هل إنكاره من الجدال الممنوع؟
الجواب: لا .. لا .. من الجدال المأمور به، ولكن إذا رأيت الرجل يُجادل ويماري أتركه، ونحن ذكرنا لكم إن من العلماء من قال إن الطواف والسعي لا يُشرط فيه النية، أي نية أن يكون للحج أو للعمرة ما دام متلبساً بالعمرة فهو للعمرة، وإن لم ينوه، وكذلك ما دام متلبساً بالحج فهو للحج وإن لم ينوه، وقلنا: إن هذا قول أكثر أهل العلم، وإنه قول قوي ؛ لأن هذا أجزاء العبادة، فأنت إذا نويت الصلاة هل تنوي للركوع لهذه الصلاة؟ لا ، تأتي بأجزاء العبادة.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله، من وصل إلى مزدلفة في منتصف الليل، هل يدفع على طول؟
الجواب: إي نعم، يصلي المغرب والعشاء، أو قد صلوا، الأولى أن يبقوا يذكروا الله ويسبحوا الله قليلاً ثم ينصرفون، كما فعل عبد الله بن عمر بأهله أمرهم أن يذهبوا إلى المشعر الحرام ويقفوا عنده....(245/17)
99ـ بَاب مَتَى يُصَلي الفَجْرَ بِجَمْعٍ
1570 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهم قَال مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صَلى صَلاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلا صَلاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ وَصَلى الفَجْرَ قَبْل مِيقَاتِهَا(1)
__________
(1) أراد رضي الله عنه بالميقات: يعني الوقت الذي يعتاد الصلاة فيه، وإلا من المعلوم أن الصلاة لا تصح قبل الوقت، ولكن أراد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقدم، هنا يرد علينا في إسناد البخاري رحمه الله عن عبدالرحمن عن علي عن فلان عن فلان، ويُشكل على الإنسان ما هذا، وما السبب، لماذا لا ينسبونه؟ الجواب أنهم يدعون نسبته اختصاراً؛ لأنه لو جاء بالاسم الثلاثي أو الرباعي طال الكتاب، ويُعرف المبهم بشيوخه وتلاميذه، فإذا قال مثلاً حدثنا عمرو حدثني مثلاً عن عبد الله عرفنا من هو ابن المديني؛ لأنه من شيوخ البخاري، وهذا فيه فائدة وهي أولاً الاختصار وأن لا يطول الكتاب، والثاني أن يشد الإنسان نفسه في البحث عن هذا المبهم.(245/18)
1571 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَال خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهم إِلى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلى الصَّلاتَيْنِ كُل صَلاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالعَشَاءُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صَلى الفَجْرَ حِينَ طَلعَ الفَجْرُ قَائِلٌ يَقُولُ طَلعَ الفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ ثُمَّ قَال إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ حُوِّلتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا المَكَانِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ فَلا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا وَصَلاةَ الفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ ثُمَّ قَال لوْ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِي الله عَنْهم فَلمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ(1)
100 ـ بَاب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ .
__________
(1) رضي الله عنهم، الحديث واضح في أن عبد الله بن مسعود لم يجمع بين المغرب والعشاء؛ لأنه قدم قريباً من العتمة فأراد أن يصلي المغرب في وقتها رضي الله عنه، وسبق الكلام في هذه المسألة، وقلنا: إن الأرفق بالناس اليوم أن يُقال: اجمعوا من حين تصلوا، وفي هذا أيضاً دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على عدم المخالفة لولاة الأمور، كان بإمكان ابن مسعود أن يدفع، ولكنه لم يدفع حتى يدفع عثمان رضي الله عنه الخليفة، وكانوا الخلفاء في ذلك الوقت هم أمراء الحج، يعني هم الذين يحجون بالناس، وما قال هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.(245/19)
1572 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْه صَلى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَال إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ ( خَالفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ(1)
101 ـ بَاب التَّلبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الجَمْرَةَ
وَالارْتِدَافِ فِي السَّيْرِ.
__________
(1) كان المشركون في الجاهلية يدفعون من عرفة إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال، يعني أنها على وشك المغيب فيدفعون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبقي حتى غربت الشمس، مع أن الدفع قبل الغروب أسهل لكن مخالفةً للمشركين، في مزدلفة بالعكس كانوا يتأخرون يقولون: أشرق ثبير كي ما نغير، أي كي ما ندفع، وما هذه زائدة والمعنى كي نغير ، وثبير: جبل كبير معروف في الجبال هناك، هو أعلاها وأرفعها تبين الشمس على رأسه قبل أن تبين على ما حوله، أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخالفهم، ولكنه خالفهم بما فيه الرفق على الأمة لم يتأخر حتى تبرز الشمس للعالي وللنازل بل تقدم؛ لأن ذلك أرفق بالأمة عليه الصلاة والسلام، ومن هنا نعرف إنه يجب علينا أن نخالف المشركين في هديهم وألا نوافقهم في هديهم لاسيما العبادات؛ لأن الأمر خطر خطر عظيم.
سؤال: هل الوقوف بالمزدلفة إلى ثلث الليل الأخير هل هذا خاص بمن وصل في أول الليل ووقف عامة الليل أم إنه بكل من وقف؟
الجواب: ظاهر كلام العلماء إنه عام حتى من لم يأتِ إلا بعد منتصف الليل يكفيه أن يبقى برهة من الزمن ثم يدفع.(245/20)
1573 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَرْدَفَ الفَضْل فَأَخْبَرَ الفَضْلُ أَنَّهُ لمْ يَزَل يُلبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ.
1574 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْليِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلى المُزْدَلفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْل مِنَ المُزْدَلفَةِ إِلى مِنًى قَال فَكِلاهُمَا قَالا(1) لمْ يَزَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُلبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.
__________
(1) قالا) وفي نسخة (قال) ؛ لأن كلا يجوز في عود الضمير عليها أن يكون مفرداً، وأن يكون مثنى، وقد أنشدناكم بيتاً في درس النحو فيه شاهد للغتين، فمن يحفظه؟ يقول الشاعر يصف فرسين استبقا قال:
كلاهما حين جد الجري بينهما قد اقلعا وكلا أنفيهما رابي
(قد أقلعا) مثنى، (وكلا أنفيهما رابي) مفرد.(245/21)
102 ـ بَاب (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) (1)
__________
(1) قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ) واضح أن هذا في المتمتع اصطلاحاً؛ لأنه قوله: (بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ) يدل على أن بينهما حلاً؛ لأنه تمتع بالعمرة حين أحل منها إلى الحج، ولهذا قال الإمام أحمد في وجوب الهدي على القارن، قال: ليس القارن كالمتمتع، يعني وجوب الهدي على القارن ليس كوجوب الهدي على المتمتع؛ لأن القارن في الواقع ما تمتع، إذا أنه سيبقى على إحرامه إلى أن يوم العيد، لكن هذا المتمتع تمتع فيما بين العمرة إلى الحج، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ أي فيه ما استيسر من الهدي ، أي ما كان يسيراً عليه بأن يكون عنده ثمنه، ويكون الهدي موجوداً، فإن لم يكن عنده الثمن فإنه لا يلزمه أن يستقرض ولا من أدنى الناس إليه، وإن كان عنده المال ولكن ليس هناك هدي فإنه لا يلزمه، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ إذاً (ما) مبتدأ، وخبره محذوف والتقدير فعليه ما استيسر من الهدي، وقوله: مِنَ الهَدْيِ (الـ) هنا لم؟ للعهد، العهد الذهني المعلوم شرعاً، وعليه فيُشترط في هذا العهد ما يُشترط في الأضاحي؛ لأنه دم واجب شكراً لله على هذه النعمة، فيكون الهدي هنا سالماً من العيوب بالغاً للسن المعتبر، وأما ما فهمه بعض العوام بأن قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ يعني أي شيء حتى ولو يذبح ما له شهر واحد أجزأ، وهذا غلط، لو قال: (ما استيسر من هدي) ربما يُقال: إن هذا صحيح، ولكن لما قال: (من الهدي) وجب أن يُحمل على الهدي المعروف شرعاً، وهو ما بلغ السن الواجب ، وسلم من العيوب.
فَمَنْ لمْ يَجِدْ يجد ماذا؟ الهدي أو ثمنه فَصِيَامُ أي فعليه صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ كلمة (في الحج) تعني ما بين إحرامه بالعمرة إلا آخر أيام التشريق، كل هذا داخل في الحج، (وسبعة إذا رجعتم) يعني إلى أهليكم تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ تلك: أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة، إنما كان هذا لئلا يظن الظان أن يُحسب الثلاثة وحدها ، والسبعة وحدها فبين الله عز وجل إنها وإن تفرقت فهي كالعشرة المجموعة تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلةٌ فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: إنه لابد أن يُحرم بالحج قبل أن يصوم الثلاثة؛ لأنه قال: (في الحج) ؟ فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج)) ووصفها أنها حج أصغر فمتى أحرم بها فقد دخل في الحج، طيب فإن قال قائل: لماذا لا تقولون إن هذه الثلاثة تُصام من حين ينشا السفر من بلده؛ لأنه الآن مسافر للحج؟ فالجواب: أن ذلك لا يصح؛ لأنه لو فعل لكان قد قدم الواجب على سببه، وتقديم الواجب على سببه غير صحيح، فتعين الآن أن تكون هذه الثلاثة ما بين إحرامه بالحج إلى آخر أيام التشريق، ولذلك يحرم أن يؤخرها عن أيام التشريق، ويجوز أن يصوم أيام التشريق للحاجة، فإن قال قائل: لماذا لا تقولون له أحرم بالحج في اليوم السابع، وصم السابع والثامن والتاسع حتى يكون صامها في الحج، نقول: لا حاجة لهذا وهو مخالف للسنة من وجهين:
الوجه الأول: أن السنة لمن أراد الإحرام بالحج أن يُحرم متى؟ في اليوم الثامن.
الوجه الثاني: أن السنة يوم عرفة أن لا يصوم، وهذا صام.
فصار الصواب: إنه يصوم الثلاثة من حين أن يُحرم بالعمرة إلى آخر أيام التشريق، لا يؤخرها عن أيام التشريق.
طيب، هل يجب أن يصومها متتابعة أم يجوز التتابع والتفريق؟ الثاني ؛ لأن الله أطلقها سبحانه وتعالى، ولو أراد التتابع لقيده كما في قوله تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ والنصوص المطلقة تبقى على إطلاقها، ولو لا قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ لو لا قراءة ابن مسعود متتابعة لقلنا أيضاً كفارة اليمين لا يجب فيها التتابع.
ثم قال عز وجل: ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ . (ذلك) هل المشار إلى التمتع، أو المشار إليه وجوب الهدي؟ وما المراد (بحاضري المسجد الحرام) كل هذا سبق، وقلنا: إنه عائد على التمتع ووجوب الهدي؛ لأن أهل مكة لا يمكن المتعة في حقهم اللهم إلا أن يكون أحد منهم قد سافر إلى المدينة أو إلى الرياض مثلاً ثم عاد في أشهر الحج وأتى بعمرة ثم حل، فهنا نقول: هذا الرجل تمتع بالعمرة، مع انه يمكن أن يتمتع بدون عمرة؛ لأنه إذا رجع إلى مكة فقد رجع إلى بلده، ولا يلزمه الإحرام إلا يوم ثمانية، ولكن إذا قُدر إنه رجع يوم ثمانية مثلاً ونوى الحج فقد حج ولا هدي عليه، كذلك أيضاً لو فرض أن أهل مكة قرنوا بين الحج والعمرة فليس عليهم حج؛ لأنه قال: ذَلكَ لمَنْ لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ تفسير الآية في الشرح.
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 534 :
قوله: بَاب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ إلى قوله تعالى: حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ حاضري المسجد الحرام كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت وساق في طريق كريمة ما بين قوله: (الهدي) وقوله: (حاضري المسجد الحرام) وغرض المصنف بذلك تفسير الهدي وذلك أنه لما انتهى في صفة الحج إلى الوصول إلى منى أراد أن يذكر أحكام الهدي والنحر؛ لأن ذلك يكون غالباً بمنى، والمراد بقوله : (فمن تمتع) أي في حال الأمن، لقوله: (فإذا أمنتم فمن تمتع) وفيه حجة للجمهور في أن التمتع لا يختص بالمحصر، وروى الطبري عن عروة قال في قوله تعالى: (فإذا أمنتم) أي من الوجع ونحوه قال الطبري: والأشبه بتأويل الآية أن المراد بها الأمن من الخوف؛ لأنها نزلت وهم خائفون بالحديبية، فبينت لهم ما يعملون حال الحصر وما يعملون حال الأمن.
الشيخ: ما تكلم عن الآية، مما سبق إنه قيل: إنه ما كان دون المواقيت، وقيل: من كان دون مسافة القصر، وقيل: أهل مكة خاصة، وقيل: أهل الحرم خاصة، والأرجح أنهم أهل الحرم أو أهل مكة بمعنى إنه لو قدر أن مكة اتسعت حتى خرجت عن حدود الحرم فإن أهلها من (حاضري المسجد الحرام)؛ لأن البلد واحدة، وهذا الآن موجود من أي جهة؟ من جهة التنعيم، فإن بيوت مكة وصلت التنعيم وتعدته.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك بالنسبة للذي تهاون في صيام ثلاثة أيام في الحج تسقط عليه أو عليه ان يصوم عشرة أيام إذا رجع؟
الجواب: على المذهب يجب عليه صيامها وهدي أيضاً لتأخيره إياها عن وقتها، والذي نرى إنها لا تُقبل منه لو صام ثلاثين سنة؛ لأنه أخرها عن وقتها بلا عذر، والقاعدة الشرعية تقتضي أن كل عبادة موقتة، إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر فإنها لا تُقبل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فيصوم السبعة، فإذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى قال: {تلك عشرة كاملة} نقول: نعم، الثلاثة التي أخرها بلا عذر يُعاقب عليها، والسبعة التي صامها بعد الرجوع تُقبل.
سؤال: على القول بأن الناس ضعفاء الحين، يتسابقون الناس على الدفع من مزدلفة، فالقاعدة أن السنة تترك لدفع المفسدة، وهو صار مفسدة الحين أن الناس يتسابقون حتى قبل منتصف الليل ، فهل نقول يا شيخ: للضعفاء تأخروا وإن كان يعني نقص ؟
الجواب: يعني تقول: إن الزحام إذا أُذن لهم أن يدفعوا في آخر الليل، سيكون الزحام قبل طلوع الشمس كذا؟ هذا لن يكون؛ لأنه لن يدفع أكثر من ثلاثين بالمائة (30 %) فيما نظن.
سؤال: يا شيخ، ما هو الفرق بين المتمتع والمقرن؟
الجواب: الفرق بينهما أن المتمتع يأتي بعمرة أولاً ثم يحل منها ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن، أما المقرن فيحرم بالعمرة والعمرة من أول ما يأتي من الميقات، ما يحل إحرامه إلا يوم العيد.(245/22)
1575 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَال سَأَلتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ المُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلتُهُ عَنِ الهَدْيِ فَقَال فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ(1) قَال وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلةٌ فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَحَدَّثْتُهُ فَقَال اللهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال وَقَال آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلةٌ وَحَجٌّ مَبْرُور(2)
__________
(1) شرك في دم) يعني البقرة أو البعير، كل واحدة تجزئ عن سبع، طيب لو أن هذا الذي عليه هدي شارك جزاراً يريد أن يذبح البقرة للبيع، فهل يجوز أو لا يجوز؟ بعد الذبح يشتري اللحم ويقول هذا عني، ما يصلح، غير وارد أصلاً لأنه لحم، ولكن قبل أن يذبحها، قال: أنا عليَّ شاة بأشتري منك سبع البقرة هذه ، سبعها لي هدي ، وستة من سبعة لك تبيعها، يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأن عمق قول ابن عباس: (أو شرك في دم) يشمل هذا، يعني سواءً شاركه من يريد الهدي ، أو شاركه من يريد البيع، فتكون أربعة: إما بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم.
(2) تقديم وتأخير، قوله: (الله أكبر) كبر تعجباً مما حصل حيث أُيِّد ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الرؤية ، وقال للرجل : تبقى عندنا حتى إذا جاءنا شيء ـ يعني من الفيء ـ أعطيناك منه، ففي هذا دليل على أن فرح الإنسان بإصابة الحق في فتواه من الأمور التي يُفرح بها، وينبغي لمن أخبره بذلك أن يكافئه بما شاء.
وقوله: (الله أكبر، سنة أبي القاسم) هو رضي الله عنه لم يكبر لأن قوله أصاب فقط، ولكن لأنه أصاب السنة.
الشريط الحادي عشر ـ الوجه الأول.
سؤال: يا شيخ حفظك الله، الآن الواقع في حملات الحج إن الحملة جميعها تدفع؟
الجواب: تدفع ماذا؟
السائل: تدفع من مزدلفة، في منتصف الليل حتى إن الإدارة، إدراة الحملة وقد يكون أكثرهم عزاب وأقوياء، يقولون: نحن السقاية ويمشون.
الجواب: سقاية ماذا؟
السائل: يعني هم يأخذون يحملون على السقاية، وأيضاً يا شيخ الله يغفر لك يقولون: كل باص إذا كان في الباص خمس نساء أو عشر نساء يمشي الباص كله بما فيه، وقد يكون بعضهم يعني قول: أنا أبقى من يحملني.
الجواب: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، على كل حال شوفوا يا جماعة، في الوقت الحاضر كل معذور في الحقيقة حتى الشاب الجلد، ولهذا أنا لا أشدد في دفع الناس قبل الفجر مطلقاً؛ لأننا إذا سمعنا إنه يموت الناس تحت أقدام الرجال، كان من يرخص للناس، وقال: الأمر واسع، ولا أدري لعله يأتي يوم ونذهب لمذهب مالك، نقول: صلي المغرب والعشاء وتوكل على الله، حقيقة يعني ، وهذا مما ذهب إليه بعض الناس في الحديث ((اختلاف أمتي رحمة)) قال: من الرحمة أن تأخذ بأحد الأقوال إذا كان فيه تيسير للناس، فأنا فيما شاهدت وفيما بلغني لا أشدد في عدم الدفع من مزدلفة قبل الفجر، وكل مقام له مقال، يعني في يوم من الأيام في سنة من السنوات قد أقول: لابد أن تبقى إلى الفجر إلا إذا كنت من الضعفة، فهمت، وهذا الذي عليه كتابتنا في المنهج في من يريد العمرة والحج، ولكن تغيرت الأحوال الآن.
السائل: الكتاب هذا ما طُبع وحاجة الناس إليه كبيرة .
الجواب: إن شاء الله تعالى، وكنت أظن أن الإخوان عندنا في التوعية، كنت أظنهم أنهم يطبعونه كما طبعوه من قبل، وراحت الأيام ونسيت، وإلا فهو في الحقيقة مفيد؛ لأنه مختصر وعباراته واضحة، إن الله تعالى يعاد طبعه في المستقبل بإذن الله.
سؤال: الذي يدعو للحاج، ويُقال له: حج مبرور.
الجواب: ربما يؤخذ، أو يُقال: إن هذه كلمة يقصد بها الدعاء له سواءً بهذا اللفظ أو بغيره، يؤخذ الدعاء له والتهنئة في الحقيقة هذا متضمن للدعاء وللتهنئة.(245/23)
103ـ بَاب رُكُوبِ البُدْنِ لقَوْلهِ ( وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلكَ سَخَّرَهَا لكُمْ لتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ ) قَال مُجَاهِدٌ سُمِّيَتِ البُدْنَ لبُدْنِهَا وَالقَانِعُ السَّائِلُ وَالمُعْتَرُّ الذِي يَعْتَرُّ بِالبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ وَشَعَائِرُ اسْتِعْظَامُ البُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا وَالعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ وَيُقَالُ وَجَبَتْ سَقَطَتْ إِلى الأَرْضِ وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ(1)
__________
(1) بَاب رُكُوبِ البُدْنِ) يعني جوازه، ركوب البدن يعني المراد به هنا المهداة إلى الحرم هل يجوز أو لا يجوز؟ والحكم: إنه يجوز بشرط أن لا يلحق البدنة شيء من الضرر أو التعب، يقول عز وجل: وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ نصب (البدنَ) بفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا يسمى عند النحويين الاشتغال؛ لأنه جاء الضمير ولو حذف الضمير لكان من باب تقديم المفعول وليس من باب الاشتغال، جَعَلنَاهَا لكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ جمع شعيرة: وهي المشروعات العظيمة التي يجب تعظيمها.
لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ اللهم لك الحمد، صدق الله، لنا فيها خير عظيم، تحمل أثقالنا إلى بلد لا نصل إليه إلا بشق الأنفس، ونحلب لبن، فيها خير كثير ووبر، وبعر، يعني شيء كثير.
لكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَليْهَا صَوَافَّ يعني إذا أردتم نحرها فاذكوا اسم الله عليها، صواف: يعني مقيدة إحدى اليدين، وهي اليد اليسرى، فتكون قائمة على كم؟ ثلاثة قوائم، ويأتيها الناحر من الجانب اليمن فينحرها بيده اليمنى حتى تسقط على الأرض، ولهذا قال: (صواف) أي على ثلاثة قوائم فقط فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا أي سقطت جنوبها على الأرض؛ لأنه إذا نحرها تسقط حالاً فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ فسر المؤلف القانع: بأنه السائل، والمعتر: الذي يعتريك ولكنه لا يسأل ولكن تعرف من حاله أنه يريد الإطعام، فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلكَ سَخَّرْنَاهَا لكُمْ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ أي مثل هذا التسخير سخرناها لكم، أي ذللناها لكم (لعلكم) أي لأجل أن تشكروا الله عز وجل ، ثم بين تبارك وتعالى إنه ليس المقصود اللحم والدم ، المقصود شيء آخر، فقال: لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ هذا هو الغرض من نحرها، وفي هذا إشارة إلى أن نحر الإبل عبادة مستقلة، وكذلك الأضاحي، ويُفهم منه خطأ أولئك القوم الذين إذا جاء وقت الأضحية دعوا الناس إلى التبرع بالمال، وليُضحى في أمكنة أخرى، وهذا فيها مفسدة وفوات مصلحة، وكذلك إننا إذا سرنا بالناس على هذا المنهج صار الناس يعتقدون إن الأضاحي مجرد صدقة ولا يشعر إنه يتقرب إلى الله بذبحها، وهذا هو المهم أن يتقرب إلى الله بذبحها.
ثانياً: إننا إذا سرنا بالناس على هذا المنهج لتعطلت البلاد الإسلامية من شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وهي الأضحية؛ لأن كل أحد يسهل عليه أن يُعطي مائتي ريال أو ثلاثمائة ريال ويسلم من الذبح والتعب والرائحة والدم، فتتعطل البلاد عن هذه الشعيرة.
ثالثاً: ومنها أنه يفقد الإنسان الذكر عليها وهي مصلحة عظيمة تسمي الله عليها، ولذلك كان الذكر له أثر عظيم في هذه النحيرة أو الذبيحة لو ترك التسمية حرمت وصارت ميتة، هذا الذكر الذي هو شرط في حلها سيفقده إذا أعطاها دراهم وضحى في بلاد ما ندري بعد من ينتفع بها المسلم أو الكافر.
رابعاً: أن هذه الشعيرة تُفقد في الأهل؛ لأن الأضحية إذا جاءت إلى البيت فرح بها الأهل والصبيان، وقالوا: هذه أضحيتنا، وكل واحد يقول: هذه لي، وهذا يقول: هذه لي، فيشعرون بالفرح وربما يركبونها، يتمتعون بركبوها، فإذا ذهبت دراهم إلى محلات أخرى، ذهب هذا ونسيت في الأجيال القادمة.
خامساً ومن ذلك أيضاً أن الله أمر بالأكل منها {فكلوا منها} ، والهدي الذي يذهب به إلى أماكن بعيد، لا يأكل منه، مع أن الأكل منها واجب عند كثير من العلماء يرون أن الأكل منها واجب، لأمر الله به، ولأن الله قدم الكل على إطعام الفقير فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ وهذا يفوت.
سادساً: ومنها أنك لا تدري ماذا يُضحى لك به، ربما يأتي إنسان بأضحية لا تجزي، أما لصغر سنها، وإما لعيوب فيها ، وهذا واضح، ما كل من وكل يعرف الواجب.
سابعاً: ومنها أن هؤلاء الذين يتقبلونها يلمون الدراهم جميعاً ، ويشترون قطعان الغنم، ويذبحونها عن أصحاب هذه الدراهم ، فلا يعينون أن هذه لفلان ، وهذا يعني أن الشاة الواحدة تجزي عن كم؟ عن آلاف الناس مشاعاً، كل واحدة تجزي عن آلاف الناس؛ لأنهم جعلوها هذا مشاعاً لا يعرفونه، كأنها كومة من طعام يأخذونها ويتصدقون بها، وهذا لا يجزئ، أصلاً لا يجزئ، وبذلك يجب على هؤلاء الذين يتلقونها أن يضعوا قوائم بأسماء الناس، فيفتح القائمة ويقول : تعالى حضر الغنم، هذه عن فلان، باسم الله اذبح، هذه عن فلان، هذه عن فلان، لابد وإلا لذبح الواحدة لآلاف البشر، والبعير وهي البعير لا يجزئ فيها إلا سبعة .
ثامناً: ومنها أن هذه الدراهم للأضاحي ربما يكون الوارد على الهيئة المسؤولة آلاف لا تجدها في هذا البلد الذي أرسلت الدراهم له، كما جرى قبل سنوات بالنسبة للهدي في منى، عدمت المواشي ، انتهت واضطروا إلى تأخيرها على ما بعد أيام التشريق، فمن يضمن إنه توجد هذه الآلاف المؤلفة في هذا البلد، ثم إذا وجدت من يضمن أن هناك جزارين يستوعبون أن يضحوا بهذه الأضاحي في أوقات الذبح.
ثم من يأخذ اللحم، لذلك أرى أن طلبة العلم عليهم واجب في هذه المسألة، أن يبينوها للناس؛ لأن الناس انجفلوا في هذا الأمر وكل واحد يسهل عليه أن يأخذ ستمائة أو خمسمائة ريال، ويقول: خذ هذه أضحيتي ضحها في أقصى الشرق أو أقصى الغرب، لماذا؟ إذا أردت أن تنفع إخوانك فأرسل لهم دراهم طعام لباس فرش خيام .. الأمر واسع . أما شعيرة من شعائر الإسلام أنزل الله فيها آيات متعددة، ونوه بها وأمر بذكره عليها نرسلها للناس؟ شيء عجيب، ولكن الناس انجفلوا ما عادوا يفكرون وطلبة العلم قل من ينبه على هذا.
طيب نرجع للآيات، يقول: لنْ يَنَال اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ما التقوى؟ التقوى بدلاً من أن يُذبح للأصنام اتقى المسلمون ذلك، وذبحوا لله الملك العلام عز وجل، فهذا من تقوى الله تبارك وتعالى.
كَذَلكَ سَخَّرَهَا لكُمْ لتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ كرر هذا تسخيره لنا هذه الإبل، أرأيتم لولا تسخير الله لها، من يقدرها؟ لا أحد إذا كان الذئب كفخذ الناقة لا يستطيعه الإنسان، فكيف بالناقة؟ فلولا تسخير الله لها ما قدرناها، الناقة الكبيرة القوية يقودها صبي صغير له سبع سنوات، ويقودها إلى أين؟ إلى لمصلحته، كأن يريد أن يشد عليها أو يحمل عليها، أو إلى مجزرها يعني محل نحرها، وهي تابعة مذللة والحمد لله، وإلا لعجزنا عنها. قال: وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ من المحسنون؟ الذين ينحرونها تقرباً إلى الله، ويذكرون اسم الله عليها، بشرهم بالقبول، والثواب.(245/24)
.
1576 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَال ارْكَبْهَا فَقَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا وَيْلكَ فِي الثَّالثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ.
1577 حَدَّثَنَا مُسْلمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالا حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا ثَلاثًا(1)
__________
(1) البدنة: هي الهدي، وكأن الرجل تحاشا أن يركب الهدي الذي نواه لله، فيعود بعض نفعه إليه، إلى نفسه، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أن هذا النفع لا يضر الهدي ما دامت تطيقه، أي تطيق الركوب فقال: ((اركبها)) من باب التيسير.
وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس أن يُراجع المفتي ويبين له، وهذا كثير في السنة، راجع الصحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أمرهم بالتحلل من لم يسق الهدي، ولما أمرهم بكسر القدور التي طبخوا فيها لحوم الحمر، قالوا : أو نغسلها؟ قال: ((أو أغسلوها)) وما دام الإنسان يقصد معناً صحيحاً في مراجعة المفتي فلا حرج عليهن هذا من باب الطمأنينة، إن الرسل راجعوا الله عز وجل فيما أخبرهم به، لما بشرت الملائكة امرأة إبراهيم بالولد قالت: قَالَتْ ياوَيْلَتَا ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَاذَا بَعْلِى شَيْخًا وقالت مريم: أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ ، وقال زكريا: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ فالمراجعة التي يُقصد بها الاستيضاح والخير لا بأس بها.
هذا الرجل قال له النبي ( في الثالثة: ((ويلك)) في الثالثة أو في الثانية ويلك يعني ألزمك الله ويلك، والويل: هو العذاب، وفُسر بأنه وادي في جهنم، والصحيح أنها كلمة وعيد، وهي هنا ليست للوعيد وإنما يجري عليها اللسان بدون قصد كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) وقال لمعاذ حين قال له: يا رسول الله، هل يؤاخذ الناس بما يقولون؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم )) .
طيب هل يجوز أن يحلبها إذا كان فيها حليب، وهي هدي؟ الجواب: نعم، وهل يلزم أن يتصدق به أو له أن ينتفع به؟ الجواب: الثاني له أن ينتفع به ؛ لأنه إنما أهدى البدنة، وأما منافعها المنفصلة فإنها لم تُهدى ، كذلك لو أوجبها وفيها حمل، دخل في ضمن الهدي، ولو حملت بعد ذلك دخل في كونه هدياً.(245/25)
.
104ـ بَاب مَنْ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ
1578 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُليْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَل بِالحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لمْ يُهْدِ فَلمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ قَال للنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَليَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَليُقَصِّرْ وَليَحْلل ثُمَّ ليُهِل بِالحَجِّ فَمَنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا فَليَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلى أَهْلهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلمَ الرُّكْنَ أَوَّل شَيْءٍ ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيْتِ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لمْ يَحْلل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَفَعَل مِثْل مَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الهَدْيَ مِنَ النَّاسِ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ(245/26)
رَضِي الله عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْل الذِي أَخْبَرَنِي سَالمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) هذا الحديث سياق جيد، ولكن فيه إشكالات:
أولاً: قوله: (متمتع) النبي ( بالعمرة إلى الحج، من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتمتع بين العمرة والحج، ولم يحل، فكيف يُخرَّج هذا اللفظ؟ يمكن أن يُخرَّج بأن معنى تمتع بالعمرة إلى الحج أي ضم العمرة إلى الحج فصار قارناً، هذا جواب.
فيه إشكال ثاني، قوله: (فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) هذا إشكال، فيه إشكال؛ لأن عائشة رضي الله عنها حين قسمت الناس إلى ثلاثة أقسام حين خرجوا مع النبي ( ، منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بحج وعمرة، قالت: (وأهل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحج) وهذا صريح، وتقسيم واضح، والتقسيم يدل على حقيقة الواقع، ليس كسياق جاء غير مقسم، فإن التقسيم يعتبر تفصيلاً فيكون معارضاً لحديث ابن عمر؛ لأن ظاهر حديث ابن عمر أنه أهل أولاً بعمرة، ثم أهل بالحج فيحتاج إلى جواب، عندك؟
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 539 :
قوله: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة إلى الحج) قال المهلب: معناه أمر بذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله: إنه قرن ويقول: بل كان مفرداً ، وأما قوله: (وبدأ فأهل بالعمرة) فمعناه أمرهم بالتمتع.
الشيخ: هذا لاشك إنه صرف للكلام عن ظاهره.
متابعة التعليق : وهو أن يهلوا بالعمرة أولاً ويقدموها قبل الحج، قال: ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر قلت: لم يتبين هذا التأويل المتعسف، وقد قال بن المنير في الحاشية: إن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله: (رجم) وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات؛ لأن الرجم من وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه.
الشيخ: الرجم يقصد بذلك رجم الزاني ما هو رمي الجمار؛ لأنه قال : رجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماعزاً ، يعني أمر برجمه، والاستشهاد بهذا ليس بواضح.
متابعة التعليق : وأما أعمال الحج من إفراد و قران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أجاز تأويلاً أخر، وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لاسيما مع قوله: ((خذوا عني مناسككم)) فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه عليه الصلاة والسلام تمتع فأطلق ذلك، قلت: ولم يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله: (تمتع) محمولاً على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيرها بل قال النووي: إن هذا هو المتعين، قال: وقوله: (بالعمرة إلى الحج) أي بإدخال العمرة على الحج، وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل.
الشيخ: (بإدخال العمرة على الحج) يعني أحرم أولاً بحج ثم أحرم بعمرة، ولكن هذا يعكر عليه قوله في نفس الحديث (فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)، فلا يستقيم.
متابعة التعليق : وقد قدمنا في باب التمتع والقرآن تقرير هذا التأويل وإنما المشكل هنا قوله: (بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) ؛ لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولا بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس.
الشيخ: على كل حال يمكن أن يكون أهل أولاً بعمرة ثم أهل بالحج يعني عند الإهلال بدل أن يقول: لبيك حجاً وعمرة صار يقول: لبيك عمرة وحجاً ، فيبدأ بالعمرة في التلبية خاصة وليس في عقد النية، وما ذكره من انه أحرم أولاً بحج ثم أحرم بعمرة، هذا هو الذي يستقيم، ولكنه على قواعد مذهب الإمام أحمد لا يصح؛ لأنه يكون إذا أدخل العمرة على الحج لم تنعقد ولا يكون قارناً، ولكن لو أدخل الحج على العمرة صح، ولكن ما دل عليه الحديث وهو مذهب الشافعي أصح أنه يجوز إدخال العمرة على الحج، كما يجوز إدخال الحج على العمرة.
القارئ: وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال: لبيك بعمرة وحجة معاً، وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم، لكن قد أنكر بن عمر ذلك على أنس، فيحتمل أن يُحمل إنكار بن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث: (وتمتع الناس) إلى آخره، فإن الذين تمتعوا إنما بدءوا بالحج لكن فسخوا حجهم إلي العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا من عامهم.
الشيخ: على كل حال لابد من التأويلات ، لابد من التأويل ليزول الإشكال، فنقول: إنه إذا كان هذا اللفظ محفوظاً (بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) فالمعنى المراد بذلك صفة الإهلال فقط، فيقول: لبيك عمرة وحجاً ، بدل أن يقول: لبيك حجاً وعمرة، وأما نفس العقد ، فالذي دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحرم بالحج، ثم قيل له: قل عمرة وحج، فقرن وعليه فيكون في ذلك دليل على مذهب الشافعي رحمه الله من جواز إدخال العمرة على الحج، وعليه فيكون للقران ثلاث صور:
الأول: أن يحرم بهما جميعاً، فيقول: لبيك عمرةً وحجاً.
الثاني: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، كما فعلت عائشة رضي الله عنها.
الثالث: أن يحرم أولاً بالحج ثم يدخل العمرة على الحج، فيكون قارناً.
سؤال: عفا الله عنك، هل مفاهيم، مفاهيم أهل العلم تختلف يا شيخ؟ هل هو اختلاف كثير من يتبعها تصير عنده بعض الأفكار، إذا كان يا شيخ عرفنا النص، وعرفنا ما ذهبوا إليه رحمهم الله.
الجواب: صحيح، نتبع للموافقين للنص، ونعتذر عن المخالفين للنص؛ لأن هذا منتهى علمهم ومنتهى فهمهم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
سؤال: مثل الاعتراضات يا شيخ، مثل إذا اختلفوا في شيء، ما الذي نرجحه؟
الجواب: نرجح الأقرب للأدلة.
نعود للشرح:
وفيه هنا أمر النبي ( بالتقصير لمن أحلوا بالعمرة، مع أن الحلق أفضل، فيُقال: إنما أمر بالتقصير ليكونوا في وقت الحج ، فهم ليس بينهم وبين الحج إلا أربعة أيام، ولو حلقوا ما بقي للحج شيء ، فأمر بالتقصير ليتوفر الشعر للحلق في الحج.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك، ابن عمر سمى القران تمتعاً ، بعضهم استدل بهذا على أن إيجاب الهدي على القارن بالنص، أن قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ تشمل القرآن والتمتع، ما يكون بالقياس؟
الجواب: له وجه ، ولكن عبارات الصحابة أو ألفاظ الصحابة في صفة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مختلفة بعضهم يقول: تمتع، وبعضهم يقول: قارن، وبعضهم يقول: أفرد، وما دامت المسألة فيها احتمال أن هذا من تصرف الرواة الصحابة أو من دونهم يكون في ضيق .
سؤال: أحسن الله إليك يا شيخ، الصورة الثالثة التي ذكرناها إنه يُهل بالحج أولاً ثم يدخل العمرة عليهن هي نفس الصورة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب: إي نعم، هي نفس الصورة.
نعود للشرح:
وفي حديث ابن عمر دليل صريح على أن التحلل نوعان: كامل وناقص، ولكن بماذا يكون التحلل الأول؟ الصحيح أنه يكون بالرمي والحلق، ولكن من ساق الهدي فالظاهر أنه لابد أن ينحر لقول النبي :( ((فلا أحل حتى أنحر)) ، ولو قلنا: هذا خاص بالذي ساق الهدي، وغيره يحل بالرمي والحلق، وقال بعض أهل العلم: إنه يحل بالرمي وإن لم يحلق، أيهما أفضل؟ الأول إنه لا يحصل إلا لمن رمي وحلق، تقولون: إنه الأحوط، وأنا أقول: ليس هذا على إطلاقه، قد يكون الأحوط أن نقول: إنه يحل بالرمي فيما لو جامع الإنسان بين الرمي والحلق، إن قلنا: إنه حل التحلل الأول بالرمي لم يفسد النسك، ولم يلزمه بدنة ولا إعادة النسك؛ لأن الجماع صار بعد التحلل الأول، وإن قلنا: لا يمكن التحلل الأول إلا بالحلق مع الرمي فقد فسد نسك هذا الرجل ولزمه المضي فيه وقضاءه وبدنة.
سؤال: هل صحيح ما قاله البعض، يقول: إني سمعت الشيخ ابن عثيمين أفتى بأن الذي فوق بيته دش حرام عليه الجنة؟
الجواب: لا...قلنا إن الإنسان الذي يموت وهو الذي جاب الدش لأهله هو غاش لهم أو ناصح؟ طيب في الحديث ((ما من عبد استرعاه على راعية يموت يوم يموت وهو غاش لراعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) هذا على سبيل العموم ، أما الشخص المعين فلا، ما نقول: هذا الرجل حرمه الله على الجنة، ففرق بين العموم وبين التخصيص.
سؤال: الذي عليه هدي تمتع هل يتحلل قبل أن يذبحه؟
الجواب: أي نعم، ما دام لم يسق الهدي يتحلل.
سؤال: يا شيخ، معلوم أن إي شعر ولو كان قصيراً، يجزئ عن النسك بالحلق، التحلل بالحلق يعني، فالآن المتمتع إذا جاء بالعمرة في أشهر الحج خصوصاً إذا كان بين هذه العمرة وبين شهره فترة شهر مثلاً، فألا نقول له إن الأفضل الحلق؟
الجواب: إذا أمكن فيحلق.
السائل: كذلك أشكل عليَّ يا شيخ أن النبي ( أمرهم بالحلق وفي فترة أربعة أيام سينشأ شعر يعني؟
الجواب: لا..ما ينشأ شعر، أربعة أيام ما فيه شعر ولا يسود الرأس؛ لأنه لو بعض أن بعض الناس نمو شعره سريع ما يمكن أن يحمم رأسه.
سؤال: هل الأحوط إنه يتحلل بالرمي أو بالرمي والحلق؟
الجواب: تكلمنا إنه يتحلل بالرمي والحلق، ولكن سألتكم أيهما أحوط؟ قد يقول بعض الناس: الأحوط أن لا يحل حتى يرمي ويحلق، ولكن كما ذكرنا لكم إنه قد يُعارض هذا فيما لو حصل الجماع بين الرمي والحلق، إلا إن هذا الرمي غير معتبر ، والصحيح إنه لا يحل إلا بالرمي والحلق.(245/27)
105ـ بَاب مَنِ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ
1579 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَال قَال عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهممْ لأَبِيهِ أَقِمْ فَإِنِّي لا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ البَيْتِ قَال إِذًا أَفْعَلُ كَمَا فَعَل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ قَال اللهُ: *لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلى نَفْسِي العُمْرَةَ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ مِنَ الدَّارِ قَال ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالبَيْدَاءِ أَهَل بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ وَقَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فَلمْ يَحِل حَتَّى حَل مِنْهُمَا جَمِيعًا(1)
106ـ بَاب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلدَ بِذِي الحُليْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ
وَقَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا إِذَا أَهْدَى مِنَ المَدِينَةِ قَلدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الحُليْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ وَوَجْهُهَا قِبَل القِبْلةِ بَارِكَةً.
1580 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ مِنَ المَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الحُليْفَةِ قَلدَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ.
__________
(1) سبق هذا الحديث وتكلمنا عنه.(245/28)
1581 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِل لهُ(1)
__________
(1) الهدي إما أن يكون من الإبل أو البقر أو الغنم، هه الثلاثة تشترك في أنها تُقلد، يعني يُجعل في عنقها قلادة يكون فيها أشياء تدل على أنها هدي، ومثلوا لذلك بآذان القرب البالية، وبالنعال البالية، حتى يعرف الفقراء أنها هدي فيترقبوها وينتفعوا بها، وأما الإشارة ففي الإبل خاصة وهو أن يشرط الجانب الأيمن من السنام حتى يسيل الدم فيعرف الفقراء أنها هدي، هذا الألم الذي يحدث لها ألم يسير في مقابل منفعة عظيمة، كما أن الكي بالوسم مع إنه يؤلم الحيوان جائز من أجل المصلحة، ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الصغار إذا اشترى حمامة فإنه ينتف قوادمها ، قوادم الجناح، من أجل ما تطير، هذا فيه ألم بلا شك، ولكن لمصلحة ليحفظ الإنسان ماله، كالوسم يحفظ الإنسان به ماله.
أما حديث عائشة رضي الله عنها ففيه أنه يجوز للإنسان أن يرسل الهدي من بلده إلى مكة ولا يحرم عليه شيء بذلك، لأن التحريم إنما يكون بالإحرام، والذي بعثه من بلده لم يحرم ، فيبعث بالهدي ويكون حلاً حلالاً تاماً.
سؤال: الرسول ( قال: ((لا أحل حتى أنحر))، عندنا كثير من الناس الحين ما هو معروف هذا.
الجواب: السبب بارك الله فيك إنهم ما يساقون الهدي، وهذه في من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه.
الشرط الحادي عشر ـ الوجه الثاني.
سؤال: في الجماع، لو أن رجلاً جامع في نهار رمضان قلنا: لا نعفيه مما يترب على ذلك، إذا إنسان جامع في نهار رمضان، قلنا لا نعفيه مما يترتب على الجماع من كفارة ولو كان جاهلاً.
الجواب: لا....ولو كان جاهلاً بالكفارة لا بتحريم الجماع، هذا رجل يعرف إن الجماع في حال الصيام حرام هل هو جاهل أو عالم؟ عالم، ولكنه لا يدري إنه يترتب عليه هذه الكفارة فيكون جاهلاً بما يترتب على العمل، غير جاهل في حكم العمل، واضح الآن؟ ومثله الزاني إذا زنى المحصن يعرف أن الزنا حرام، ولكنه لا يعرف إنه يترتب عليه إنه يُرجم، ولو علم إنه يترتب عليه الرجم ما زنا، فهل نرجمه أو لا نرجمه؟ الجواب: نرجمه.
سؤال: أمس قلنا: إذا أرسل الدراهم في بلاد في الخارج، فالحكم في تحريم أن يأخذ من شعره وأظافره حتى يتقين من ذبح أضحيته، فكيف نجمع بينه وبين الحديث، حديث عائشة رضي الله عنها (بأنه عندما قلدها وأرسلها فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِل لهُ)؟
الجواب: هذا هدي، ما هي أضحية.
سؤال: نحر الهدي لابد أن يكون وجهها قبل القبلة؟
الجواب: كونها كذلك هذا أضمن لشقها، يعني شق السنام ، وأما كونها مستقبلة القبلة فلا أعلم في هذا نص ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينحر هديه في منى مستقبل القبلة، ولكن لعل ابن عمر قال: إنها طاعة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وقال: كل طاعة فالأفضل فيها استقبال القبلة إلا بدليل، حتى قالوا: ينبغي لمن يتوضأ أن يستقبل القبلة حال وضوءه إلا بدليل.(245/29)
.
107ـ بَاب فَتْل القَلائِدِ للبُدْنِ وَالبَقَرِ
1582 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِاللهِ قَال أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله عَنْهمْ قَالتْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلمْ تَحْلل أَنْتَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَحِل مِنَ الحَجِّ.
1583 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الليْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيِهِ ثُمَّ لا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ(1)
__________
(1) قولها رضي الله عنها، حفصة: (فلا أحل حتى أحل من الحج) أكثر الروايات (فلا أحل حتى أنحر) فعلى هذا يكون من ساق الهدي لا يحل إلا بالنحر، وأما من لم يسق الهدي فإنه إذا رمى وحلق وإن لم ينحر حل التحلل الأول.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله هل يفرق بين الأنثى والذكر في الهدي؟
الجواب: نعم، الأنثى أطيب لحماً وأغلى ثمناً في الغالب فتكون أفضل.
سؤال: ما معنى لم يجز ولد الناقة أن ينتفع به؟ يعني لم يجوز للذي أهدى البدنة أن ينتفع بابن الناقة بولدها يعني.
الجواب: ما معناها لم يجز هل انفصل قبل أن يهديها ، أي ولدها؟
السائل: لا ..هو أشعرها وولدت بعدها .
الجواب: يدخل معها، لأنه في بطنها.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليكم من أرسل دراهم ليُذبح له هدي في مكة، هل يُساق ما اشتراه للهدي من الحل، أم يسقه من الميقات.
الجواب: كيف؟
السائل: من أرسل دراهم مع واحد من الحجاج ليذبح له هدي.
الجواب: يجوز إنه يشتري في مكة ويذبح، ويجوز أن يشتري من قبل حدود الحرم يعني من الحل، ويجوز من الميقات حسب ما يتيسر.
السائل: وهل يجمع له ما بين الحل والحرم، يعني يخرجه إلى الحل ثم يدخله إلى الحرم.
الجواب: هذا السياق، ما يحتاج ، هذا إذا قلنا يسوق الهدي بمعنى أنه يأتي به من الحل هذا أدنى شيء.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك من ساق الهدي هل له الحلق قبل النحر؟
الجواب: هذه مشكلة عويصة، كررت هذا في هذا المجلس أكثر من مرة، أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة والحلق، إلا من ساق الهدي فلابد من النحر.
السائل: هناك إشكال، أن الصحابي لما سأل النبي ( فقال: إني حلقت قبل أن أنحر، النبي ( ما سأله هل سقت الهدي أم لا.
الجواب: الأصل عدم السوق، ثم عندنا النص صريح (أن من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر) ما يحتاج ، مايرد هذا الإشكال .(245/30)
108ـ بَاب إِشْعَارِ البُدْنِ َقَال عُرْوَةُ عَنِ المِسْوَرِ ( قَلدَ النَّبِيُّ ( لهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ
1584 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلدَهَا أَوْ قَلدْتُهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلى البَيْتِ وَأَقَامَ بِالمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَليْهِ شَيْءٌ كَانَ لهُ حِلٌّ(1)
109ـ بَاب مَنْ قَلدَ القَلائِدَ بِيَدِهِ.
1585 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلى عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا إِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَليْهِ مَا يَحْرُمُ عَلى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ قَالتْ عَمْرَةُ فَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا ليْسَ كَمَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلتُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلمْ يَحْرُمْ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ شَيْءٌ أَحَلهُ اللهُ لهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ(2)
__________
(1) سبق.
(2) قولها: (حتى نحر الهدي) ليس المعنى ثم لما نحره حرم عليه، بل المراد استمرار هذا الحكم إلى نحر الهدي فقط.
وفي هذا السياق من الفوائد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث بهذا الهدي مع أبي بكر ( .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 547 :
قولها: (مع أبي) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها أبا بكر الصديق، واُستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس، قال بن التين: أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نُسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها: (فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي) أي وانقضى أمره ولم يحرم وترك إحرامه بعد ذلك أحرى وأولى؛ لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى.
الشيخ: هذه الفائدة قد تكون عزيزة؛ لأن هذا الحديث يمر كثيراً ولم يُبين فيه متى كان بعثه، وهذا كما قال الحافظ رحمه الله يدل على أن ذلك كان في سنة تسع من الهجرة حينما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا بكر الصديق أميراً على الحاج في تلك السنة؛ لأن بعد الرمي والحلق تحلل التحلل الأول، فيخف التحريم.
سؤال: وجه ما قاله؟
الجواب: بعد الرمي لا يحل إلا بالحلق مع الرمي؛ لأنه ما بعد حل التحلل الأول.
سؤال: في كل هدي يُقلد ويشعر؟
الجواب: عام في كل الهدي؛ لأن في الحديبية قلد الرسول وأشعر في الحديبية ليس في حج.(245/31)
110ـ بَاب تَقْليدِ الغَنَمِ
1586 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ أَهْدَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَرَّةً غَنَمًا.
1587 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كُنْتُ أَفْتِلُ القَلائِدَ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيُقَلدُ الغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلهِ حَلالاً.
1588 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ الغَنَمِ للنَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَيَبْعَثُ بِهَا ثُمَّ يَمْكُثُ حَلالاً.
1589 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ لهَدْيِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ تَعْنِي القَلائِدَ قَبْل أَنْ يُحْرِمَ(1)
__________
(1) هذا غير الأول؛ لأن قولها: (قبل أن يحرم) يدل على أنه كان في عمرة أو حج، أما ما سبق فإنه يدل على انه كان يبعث بالهدي من المدينة ويبقى في المدينة.
سؤال: يقول: يقلد لغيره، ألا يجب أن يقلدها هو بنفسه.
الجواب: لا بأس ولكن بشرط أن يكون له ميانة عليه حتى لا يسأل الناس، وعائشة معلوم أنها في خدمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
سؤال: إرسال الهدي والرجل حلال هل هي نفس الأضحية أم غيرها
الجواب: لا ..هدي الأضحية لا تكون إلا في أيام العيد، عيد الأضحى، يرسل هديه لمكة يُذبح هناك ويوزع على الفقراء.
السائل: يعني صدقات.
الجواب: أي نعم.
سؤال: تقليد الهدي سنة، الآن الناس يأخذون الهدي بسيارات مغلفة لا يُرى الهدي، هذه ظاهرة يا شيخ.
الجواب: هذا سؤال جيد، يقول: يحمل الهدي في السيارة وهي مغلقة لا يراها الفقراء فهل نقول: إن هذه السنة باقية أو لا؟ هذه لها نظر، مثلاً الميكرفون الآن يؤذن المؤذن فيه فهل يلتفت يميناً وشمالاً كما لم يؤذن بدون ميكرفون أم نقول هذه سنة فات محلها بمعنى لا يوجد لها محل؟ نقول: يلتفت ولو في الميكرفون؟ ما يلتفت؛ لأنه ربما لو التفت صار أخفض لصوته، لكن الهدي أرى إنه يقلدها ولو كانت في السيارة؛ لأنها لابد أن تنزل يوماً ما ، أفهمت؟ .
سؤال: جزاك الله خيراً، لو قلنا في الأذان ما يلتفت، نقول: تفوت هذه السنة، لأجل غالب المؤذنين يؤذن في المكبرات، وكونه ينخفض صوته هذه فقط في أربع جمل الباقي موجود، السنة قد تموت بهذا الشكل.
الجواب: لا...ما تموت إن شاء الله، طيب وضع اليدين في الأذان؟ يضعها لأن هذا لاشك إنه أندى للصوت وأجمع للصوت.(245/32)
111ـ بَاب القَلائِدِ مِنَ العِهْنِ
1590 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ فَتَلتُ قَلائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي(1)
112ـ بَاب تَقْليدِ النَّعْل
1591 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُالأَعْلى بْنُ عَبْدِالأَعْلى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَال ارْكَبْهَا قَال إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال ارْكَبْهَا قَال فَلقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَليُّ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
113ـ بَاب الجِلال للبُدْنِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا لا يَشُقُّ مِنَ الجِلال إِلا مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلالهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا.
__________
(1) ما هو العهن؟ الصوف، يعني الحبل التي تقلد به فتلته عائشة رضي الله عنها من هذا الصوف.(245/33)
1592 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْه قَال أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلال البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا(1)
__________
(1) قال رحمه الله (باب جلال البدن) الجلال: ما تجلل به البعير أي تغطى به، يغطونها إما عن الشمس أو عن البرد، ويفتحون للسنام، حتى يبقى الجلال لا يسقط؛ لأنهم لو جلوها بدون أن يفتحوا للسنام سقط، لكن السنام يمنعها، فكانوا يجلونها، هذا الجلال إذا ذُبحت البدنة فإنه يُتصدق به تبعاً لها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي بن أبي طالب أن يتصدق بجلال الإبل التي أهداها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفيه توقي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الدم لئلا يتلطخ به الجلال، لاحتمالين:
الاحتمال الأول: إنه يخشى من الدم المسفوح، والدم المسفوح نجس لا إشكال فيه لقول الله تبارك وتعالى: قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ، هذا قوله عز وجل: لا أَجِدُ فِى مَا أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أي هذا المطعوم نجس، الدم المسفوح: هو الذي يسيل عند النحر أو والذبح، فيُحتمل أن الجلال الذي جلل به عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بدنته واسع يصل إلى حد المنحر.
ويحتمل إنه رضي الله عنه أراد أن لا يتلوث الجلال بالدم الطاهر؛ لأن الدم الذي يبقى بعد زهوق النفس في كل مزكى أو منحور طاهر، انتبه لهذا، حتى لو أنك لما طبخته ظهر أن الدم في القدر فإنه طاهر لماذا؟ لأن المزكي أو المنحورة لما تفرغ الدم صار الباقي في اللحم طاهر حلال حتى الكبد ، وحتى دم القلب حلال، مع أن دم القلب كثير، ولكنه حلال طاهر.
وفيه، في أثر ابن عمر رضي الله عنهما دليل على أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتصدق بشيء أن يتصدق به نظيفاً غير ملطخ بشيء، لأن هذا أبلغ في الإخلاص.
أما حديث علي بن أبي طالب ( قال: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلال البُدْنِ التِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا) هو نحر رضي الله عنه كم؟ سبعة وثلاثين بدنة؛ لأن الذي أهداه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع مائة بعير، انتبه، مائة بعير؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكرم الخلق، أهدى مائة بعير، وذبح ثلاثة وستين بيده الكريمة، نحر ثلاثة وستين بيده الكريمة، وأعطى علي بن أبي طالب وكله أن ينحر الباقي، كم الباقي؟ سبعة وثلاثين بدنة، قال أهل العلم رحمهم الله: في هذا إشارة أو موافقة بدون قصد لعمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن عمره كان ثلاثة وستين سنة، أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها، أما الجلال فينفع ماذا يُتخذ؟ يُتخذ لباساً، يُتخذ فِراشاً، ويُتخذ أكياساً يحفظ بها الطعام، أو ما أشبه ذلك.
وأما الجلود فإنه ظاهر أيضاً إنه ينتفع به مدبوغة أو غير مدبوغة، وكان الناس في هذه البلاد قبل أن تنفتح علينا الصناعات المتنوعة، كانوا يخرزون النعل من جلود الإبل؛ لأنها قوية ، فلذلك كان يأمره أن يتصدق بالجلود، أرأيتم لو أن الإنسان لم يتصدق بالجلود ولكن تصدق باللحم، يجوز؟ نعم يجوز من باب أولى؛ لأن اللحم في الغالب أغلى عند الناس من الجلد.(245/34)
114ـ بَاب مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلدَهَا
1593 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَال أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا الحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله عَنْهمَا فَقِيل لهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَال ( لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ قَال مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلدًا اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلمْ يَزِدْ عَلى ذَلكَ وَلمْ يَحْلل مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلقَ وَنَحَرَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّل ثُمَّ قَال كَذَلكَ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) في هذا الحديث ما سبق من فوائده، لكن فيه تعين الحجة متى كانت، وذلك يوم حج الحَرُورِيَّةِ ، والحَرُورِيَّةِ: نسبة إلى مكان يُقال له حَرورَى بظاهر الكوفة، اجتمع هؤلاء الخوارج على علي بن أبي طالب ( لقتاله، والخوارج قوم أشداء في القتال، أشداء في الأعمال صبَّارون عليها، حتى إن أحدهم ليصلي الصلاة يحقر الصحابة صلاتهم عند صلاته، وقراءتهم عند قراءته، ولكن وصفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن القرآن لا يتجاوز حناجرهم ـ والعياذ بالله، اللهم أعذنا من هذاـ ، وهذا الإنسان كلما قرأه خاف، خاف على نفسه، يخشى أن يكون علمه على لسانه فقط، وقراءته على لسانه فقط، اللهم أدخل الإيمان في قلوبنا يا رب العالمين، المسألة خطيرة،ربما تجد هذا الرجل عنده غيرة وقوة في الحق ، وصوم وصلاة وصدقة، ولكن لا يصل إلى القلب أعوذ بالله؛ لأنه ما عنده الإيمان الذي يصلح به نفسه أولاً، يريد من الناس أن يصلحوا وأما نفسه فقد أهملها، هؤلاء القوم عندهم جلد ، وعندهم صبر، حجوا أيام ابن الزبير رضي الله عنهما وخاف الناس أن يكون قتال، وابن عمر رضي الله عنهما كما تعلمون صحابي جليل عنده من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يحتاج الناس إليه، فخافوا إن حصل قتال أن يُقتل هذا الحبر العالم فأشاروا عليه أن لا يحج، ولكنه رضي الله عنه صمم أن يحج، والحمد لله وقاه الله اللهم إلا شيئاً يسيراً حصل على قدميه، فأوجب العمرة أولاً، ثم بدا له أن يقرن ويسوق الهدي، ففعل قرن وساق الهدي واشتراه من كُدى كما مر ، وقدم مكة وطاف وسعى ولكن لم يحل إلا يوم النحر.
في هذا السياق يقول: إنه حلق ونحر والواو لا يلزم منها الترتيب، ويجوز أن يكون الترتيب على ظاهر الحديث ، ويكون ابن عمر فعل الرخصة؛ لأنه يجوز أن يحلق قبل أن ينحر، ولكن قوله هكذا فعل النبي ( ظاهره أنه قدم النحر على الحلق، مع أنه يجب أن تعلموا أنهم أحياناًً يقولون: هكذا فعل النبي(، أو هكذا صلاة النبي (، ومرادهم في الجملة لا في التفصيل.
سؤال: بالنسبة للذي فعل ابن عمر ( لما أوجب العمرة، هل أراد العمرة لوحدها أو أراد التمتع؟
الجواب: هو يريد التمتع؛ لأنه أسمع كل من اعتمر في أشهر الحج وهو يريد الحج فهو متمتع، هو جاء للحج، نعم ربما يكون إنسان مثلاً ذهب في أشهر الحج يريد العمرة فقط، ولا على باله أن يحج، ثم طرأ له أن يحج هذا نقول إنه مفرد.
سؤال: غفر الله لك يا شيخ بالنسبة لعمل الآخرة، في قوله : (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم ) الذي يظهر لي هل من أراد أن يعمل عمل الآخرة لوجه الله أو أراده لكي يذكر؟
الجواب: هذه غيرة معهم ولكنها غيرة هوجاء متشددة في الدين، فلذلك لا يُنسب إليهم الإيمان الذي هو غاية السعادة.
السائل: الذي يسوق الإنسان للعمل.
الجواب: قد يسوق الإنسان العمل وإرادة وجه الله، لكن قد يضل، أليس النصارى ابتدعوا الرهبانية ما كُتب عليهم.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيكم، لم يتضح لي كلامكم قبل قليل، وهو أن الإنسان إذا اعتمر ولم يطرأ على باله الحج، ثم بدا له أن يحج، في سفرة واحدة، فهو مفرد، مع أنه جاء بها في سفرة واحد في أشهر الحج، وبين كون النية ليست شرطاً في التمتع.
الجواب: يعني لا يُشترط أن تكون نويت التمتع، يعني بعض الناس يظنون إن التمتع لابد أن تقول بلسانك وبقلبك: نويت التمتع، فنحن نقول: لا حاجة لنوي التمتع، هو بمجرد أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج فهو متمتع؛ لأن بعض الناس يقول: إن معنى قول العلماء أن ينوي التمتع معناه أنه ينوي العمرة ناوياً التمتع أيضاً، وهذا لا حاجة، هو إذا نوى العمرة وأحل منها فقط تمتع.(245/35)
115ـ بَاب ذَبْحِ الرَّجُل البَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ
1594 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ لا نُرَى إِلا الحَجَّ فَلمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِل قَالتْ فَدُخِل عَليْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلحْمِ بَقَرٍ فَقُلتُ مَا هَذَا قَال نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَال يَحْيَى فَذَكَرْتُهُ للقَاسِمِ فَقَال أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ(1)
__________
(1) يعني معناه أنها ضبطت ...وهذا واضح، إذا ذبح الرجل عن أهله بدون عملهم فإنه يُجزئ؛ لأنه هو راعيهم والمسؤول عنهم، وهم آذنون له في الواقع، ولكن ما تقولون: لو أن رجلاً ضحى عن شخص بدون أذنه وأمره، وليس بينه وبينه صلة كصلة الرجل مع أهله، فهل يجزئ أو لا يجزئ؟ نقول: إن ذبحه ناوياً عنه ، يعني ناوي أن هذه الأضحية عن الأول كوكيل عنه، فهذا لا يصح إلا على قول من يرى جواز التصرف الفضولي، وأما إذا نوى الثواب له، الثواب لأنه ذبح له لا أنه كالمنفذ الوكيل فهذا لا بأس به، فهمتم الفرق؟ طيب، هذا الإنسان ذبح أضحية لشخص كأنه وكيل عنه يذبح له بدون وكالة، هذا نقول: إنه لا يصح؛ لأنه عبادة لم يؤذن له فيها، إلا إذا قلنا بجواز التصرف الفضولي، يعني التصرف الذي يتوقف على إجازة من تُصرف له، وهو الصحيح فإنه يجزئ، أما إذا ذبحها على أنه هو المضحي ولكن نوى ثوابها لفلان فهنا لا يُشترط إذنه ولا إشكال فيه.
سؤال: هل يشترك معه في الأجر ؟
الجواب: لا .. ما يشترك في الأجر ، إنما يكون له الإحسان فقط، أجر الإحسان فقط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمرأة التي رفعت يديها بالصبي، وقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) ولم يقل : لك أجر الحج؛ لأن أجر الحج لمن نوى له، ولكن هذا يؤجر أجر المحسن.
تعليق فتح الباري ج: 3 ص: 551 :
القارئ: قوله: (باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن) عم التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح، وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها.
الشيخ: الذي استحب نحرها كأنه قاسها على الإبل التي تجزئ عن سبع، ولكن القياس في غير محله والفرق ظاهر، الفرق أن عنق الإبل طويل فلو ذبحت من عند الرأس لشق ذلك مشقة عظيمة عليها؛ لأنه يبقى سيل الدم طويلاً فتتألم، ولكن لو نحرها في أسفل الرقبة فهو قريب من القلب، بمجرد أن يضخ القلب أول مرة يندفع الدم، ولهذا كان موت الإبل أسرع من موت الشاة، لماذا؟ لأن المسافة بين القلب وبين ذبح الشاة طويلة نسبياً وأما النحر فهو قريب جداً من القلب، وهذا من حكمة الله عز وجل، أن الإبل تُنحر وما سواها يُذبح.
القارئ: وأما قوله: (من غير أمرهن) فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دُخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام، لكن ليس ذلك دافعاً للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك.
قوله: (عن عمرة) في رواية سليمان المذكورة (حدثتني عمرة).
قوله: (لا نُرى) بضم النون أي لا نظن، وقوله: (إلا الحج) تقدم القول فيه في الكلام على باب التمتع والإفراد والقرآن.
وقوله: (فدُخل)علينا بضم الدال على البناء المجهول.
قوله: (بلحم بقر) قال بن بطال: أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة، وأما رواية يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره، انتهى، ورواية يونس أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا، ولفظه أصرح من لفظ يونس. قال: (ما ذُبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة) وروى النسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ابنة من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن) صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري، وأما ما رواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: (ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة) أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ مخالف لما تقدم، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق بن عيينة عن عبدالرحمن بن القاسم بلفظ (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر) ولم يذكر ما زاده عمار الدهني، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن لكن بلفظ (أهدى) بدل (ضحى) والظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ (أهدى) وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله: (لا ضحايا على أهل منى) وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم.
واُستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتُعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة، وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية، وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب.
الشيخ: يكون فيه إشكال من جهة زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كن تسعاً، والبقرة لا تجزئ إلا عن سبع، ولكن قد يُقال: إن الثنتين الباقيتين ذبح عنهما شاة، شاة شاة، وهذا سهل، الجمع على هذا سهل ما هو مشكلة.
سؤال: أحسن الله إليك أخذ من هذا الحديث بعض الناس أن الأضحية بالبقرة أفضل من البدنة.
الجواب: لا حجة فيه؛ لأن هذا ليس أضحية هذا هدي، وأما لفظ (ضحى) فكما قال ابن حجر من تصرف الرواة؛ لأن هذا الذبح وقع في الضحى فتصرف بعض الرواة وقال: ضحى، وإلا فهو هدي.
سؤال: والشاة يا شيخ، الأضحية بالشاة.
الجواب: الأفضل الأضحية بالشاة، هذا الأفضل، ثم سبع البدنة، ثم سبع البقرة.
سؤال: هل الأضحية لا تُضحى إلا بعد طلوع الشمس؟ لا تُذبح إلا بعد طلوع الشمس، من بكر يا شيخ ـ أحسن الله إليك ـ إلى منى فإنه لا يحل إذا كان ساق الهدي إلا بنحر، فهل يبقى إلى طلوع الشمس على إحرامه؟ إذاً ما استفاد من التعجيل هذا، ما استفاد من الدفع قبل الناس؟
الجواب: نعم، استفاد الرمي، النحر ما فيه إشكال؛ لأن النحر ينحر الإنسان في أي مكان ولو على سفوح الجبال، ولكن المشكلة الرمي لأنه محصور في مكان معين.
السائل: الآن النحر محصور في مكان مثل الرمي.
الجواب: معلوم الآن للمصلحة؛ لأنه لو بقي كل إنسان ينحر أو يذبح هديه عند خيمته لحصل ضرر عظيم، ونحن أدركنا بعضه، لما كان الناس كلٌ ينحر أو يذبح عند خيمته حصل رائحة كريهة ما يقدر الإنسان أن يبقى في منى ولا يوم، ويحصل أوبئة، ولكن الحمد لله الآن كما ترون.
السائل: ما يذبح للحاجة؟
الجواب: لا ، لا يذبح للحاجة.
سؤال: ما الذي يجوز إلقاءه يعني رميه من الدماء التي يتقرب بها إلى الله؟
الجواب: ما يجوز، يجب على الإنسان أن يأكل ويُطعم ، إلا إذا كان المساكين حوله وقال: يا جماعة خذوا فلا بأس.
السائل: الجلود والأكارع ؟
الجواب: الجلود والأكارع وما أشبه ذلك مشقة على الناس الآن، فنقول : خليها إما أن تشتغل بها الحكومة أو الفقراء يأتون ويأخذونها.
السائل: إذا رماها أعليه حرج؟
الجواب: هو يخليها فيما يسمونه بالشبك كل ما لا ينتفع به فلا بأس بإلقائه ورميه في البر إذا كان لا ينتفع به، وإن كان يُنتفع به فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلخوا جلد الشاة الميتة ويدبغوه وينتفعوا به.
ش12 ـ وجه أ :
سؤال: الأضحية يا شيخ حفظكم الله، تجب على كل مسلم بالغ؟
الجواب: لا ..هي سنة مؤكدة، ولكن أهل البيت يكيفهم واحد.
السائل: هل الوالد يضحي عني؟
الجواب: لكن إذا كنت عنده في البيت يضحي عنك وعن زوجتك.
السائل: أما إذا خرجت فأضحي عن نفسي.
الجواب: عن نفسي وعن زوجتك جميع.
السائل: ولكن هو واجب يا شيخ إني أضحي أو لا؟
الجواب: لا..قلت لك سنة مؤكدة.(245/36)
116ـ بَاب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى
1595 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالدَ بْنَ الحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ رَضِي الله عَنْهم كَانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ قَال عُبَيْدُاللهِ مَنْحَرِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1596 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ الليْل حَتَّى يُدْخَل بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الحُرُّ وَالمَمْلُوكُ(1)
__________
(1) لاشك إنه إذا أمكن النحر في منحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أفضل، لكنه إذا كان في المكان هذا ضرر فلينحر في المكان الذي ليس فيه ضرر، كما هو معمول به الآن.
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نحرت ها هنا)) ويشير إلى مكانه ((ومنى كلها منحر)) وهل يجوز أن ننحر في مكة؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: مكة ومنى واحد، يعني إنه يجوز أن ينحر في مكة، وفي السنن أن النبي ( قال: ((فجاج مكة طريق ومنحر)) وعلى هذا فلك أن تنحر في مكة، وهل الأفضل في مكة أو في منى؟ للمسألة مراتب:
المرتبة الأولى: منحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الثاني: منى، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومنى كلها منحر)).
الثالث: مكة.
فأيها أفضل؟ نقول الأفضل ما كان أنفع وأقرب للمقصود، ومعلوم أن مكان نحر النبي ( اليوم لا يمكن النحر به، ولكن منى في المكان المعد للنحر يمكن، إلا أنه إذا كان نحرك في منى أو ذبحك يتضمن التعب والمشقة، وعدم التصرف في اللحم كما ينبغين وفي مكة أهون وتجد فقراء تعطيهم كما تريد فهنا نقول: الفضل المتعلق بذات العبادة أفضل من الفضل المتعلق بمكانها، ولهذا كان كثير من الناس الآن الذين لهم معارف في مكة يوكلونهم بأن يذبحوا لهم هديهم، ويقولوا: اذبحوا الهدي عنا، وادخروا لنا ما نأكله من هذا الهدي، فيفعلون، فيحصل بهذا راحة للجميع ويطمئن الإنسان إلى الانتفاع باللحم كله.
سؤال: وإن كان خارج الحرم؟
الجواب: أين في مكة خارج الحرم؟ الأولى أن لا يخرج عن الحرم؛ لأن العلماء يقولون: إن هدي التمتع يجب أن يكون في الحرم، ولهذا انتبه لمسألة فعلها بعض الناس وذهبت عليهم هدراً، ذبحوا في عرفة قالوا: لأنه أوسع وأحسن، ذبحوا في عرفة وجاءوا باللحم هؤلاء لا يصح هديهم، الهدي حلال يؤكل، ولكن لا يصح لأنه في غير مكانه، وإلا لجاز أن يوصي الإنسان أهله في أقصى الدنيا ، ويقول: اذبحوا هدي عندكم ، وهذه نقطة يجب التنبه لها، بناءً على هذا نقول: الذين خارج الحرم في التنعيم، يعني خارج الحرم فهؤلاء لا يذبحون هديهم في مكانهم، يذبحونه في منى أو في أي طريق آخر.
سؤال: يعني الغيرة في الحق، وليس عن إيمان، هل هذا صحيح؟
الجواب: أي نعم، ما دام النبي ( يقول: ((إنه لا يتجاوز حناجرهم)) ويقول: ((إنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) .
السائل: يُمدح عليه ؟
الجواب: لابد إذا كان على حسب السنة، أما على الهوى فلا، ولهذا تجد أهل الخوارج استباحوا دماء الصحابة استحلوها، ولهذا يقول شيخ الإسلام أو بعض العلماء: هؤلاء استحلوا دماء المسلمين وامتنعوا عن دماء المشركين.
سؤال: إذا نظرنا إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من بعيد ؟
الجواب: لا يجب كثير يأخذ يداً بجنبها ويمشي ، مع إني أقول لك حسب ما سمعت، يقولون: إذا خرجت من المجزرة ومعك اللحم لا تخطو خطوات إلا والفقراء كلهم أخذوه منك، هكذا سمعت، وعلى هذا استعن بالله واحمله على ظهرك، والدم طاهر والحمد لله.
السائل: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو واجب أو مستحب ، حيث أكل من كل بعير ؟
الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس امتثالاً لأمر الله، وقد قال الله تعالى: {فكلوا منها} ما هو مثلنا إذا جاء الأمر نقول هو للوجوب أو للاستحباب، كلوا كلوا، والله أنا أرى إن أردت السلامة فكل ولو في كيس صغير، مع أني قلت فيه ناس الآن يقولون: إذا خرجوا من المجزرة ما يمشوا خطوات إلا وقد أُخذ كله، هات فعل الرسول ونرى أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة .(245/37)
117ـ بَاب مَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ بِيَدِهِ
1597 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَذَكَرَ الحَدِيثَ قَال وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مُخْتَصَرًا(1)
118ـ بَاب نَحْرِ الإِبِل مُقَيَّدَةً
1598 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَتَى عَلى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَال ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَال شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ(2)
__________
(1) شوف الذبح هذا هل هو في الحديبية أو في أي مكان؟
القارئ: يقول سيأتي بعد باب بتمامه.
الشيخ: ننتظر.
(2) هذا الإبل الأفضل أن ينحرها وهي قائمة مقيدة في أي اليدين؟
طالب: اليد اليسرى
الشيخ: التي تُعقل اليد اليسرى أو اليمنى تأكد ؟
طالب: اليسرى.
الشيخ: تأكد، على كل حال الذي ذكره العلماء رحمهم الله إنه يعقل اليسرى من أجل أن يأتيها من الجانب الأيمن ويضربها بيده بالحربة، وتسقط من هناك ما تسقط عليه؛ لأن المعقول يكون السقوط من جهته، ولكن إذا كان أعسر يعني لا يعرف إلا باليد اليسرى، فيه ناس الآن لا يعرفون أن يأخذون ولا يعطون ولا يرمون بل ولا يكتبون إلا باليد اليسرى، أليس كذلك؟ بلى، فيه ناس ما يكتبون إلا باليد اليسرى.
طيب على كل حال هذا الذي لا يعرف أن يعمل إلا باليد اليسرى أيسر له ولناقته، أن يأتيها من الجانب الأيسر ويعقل اليمنى، نظير ذلك الشاة تُضجع على أي الجنبين؟ الجانب الأيسر؛ لأنه إذا أضجعها وطأ بقدمه على العنق، ثم ذبحها باليمنى، طيب وإذا كان أعسر بالعكس يضجعها على الجانب الأيمن؛ لأنه لا يتسنى له إلا هكذا، فيضع يديه ورجله على صفحة عنقها ويذبحها، وهنا سؤال: لو أن الإنسان ذبح البعيرة باركة، هل يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن المسألة على السنة، ثم هي على السنية، إذا كان الإنسان يعرف كيف ينحرها قائمة؛ لأن بعض الناس لا يعرفون أن ينحروها قائمة، أبداً ولا يستطيعون إلا وهي باركة، هؤلاء نقول: بركوها، طيب هذه واحدة، ثانياً: هل الأفضل أن نجعل قوائمها تتحرك وتضطرب أو نُمسك بقوائمها؟ الأول خلاف ما يظنه بعض الناس الآن، يقول: دعها، اجعل قدمك على صفحة العنق ودعها؛ لأنها إذا قامت تضطرب بقوائمها فهو أريح لها، من جهة، وأسرع لتفرغ الدم منها من جهة أخرى فدعها، وأما ما يفعله بعض الناس الآن حسب ما نسمع وقد رأينا تجد يكون الرجل النشيط يمسك يدها ورجليها ويبرك عليها بروكاً، فهذا غلط ، ورأيت بعض الناس إذا أراد أن يذبح يأخذ بيدها اليسرى ويلويها على عنقها، على ظاهر العنق من أجل أن لا تضطرب يدها فتلطخه بالدم، هذا أيضاً غلط، لقول النبي(: ((إذا ذبيحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
طالب: فيه تفصيل يا شيخ ذبح الشاة.
الشيخ: نعم، فصل، يمكن بعض الناس سوت ذلك، ولكن الأفضل أنك تضع رجلك على العنق، وتذبحها، فيه بعض الناس قوي، وفيه بعض الذابحين أيضاً ضعيف.
سؤال: شيخ بارك الله فيك، حديث ابن عمر يقول: (ورأى أن قضى طوافه للحج والعمرة) طوافه الأول يقصد السعي هنا؟
الجواب: إي نعم.
سؤال: شيخ بارك الله فيك، بعض البلدان إذا ذبح الشاة يسوي لها خرم في يدها، ويبدأ في النفخ، ينفخ الجلد حتى تتفرق الجلد عن اللحم، وفي أثناء النفخ يضرب الشاة، فهل هذا جائز؟
الجواب: هذه لا تجوز لاسيما التي تُباع، يُباع لحمها؛ لأن هذا النفخ يبهي اللحم، وإذا رأى الإنسان هذه لحمها سمينة وطيبة، ولذلك يعتبر عندنا غشاً، أما إذا كان من أجل أن يسهل السلخ، فهذا لا بأس به، ولكنه لا تُنفخ إلا بعد أن تموت.
السائل: إي نعم، بعد الموت، ولكن يا شيخ الآن معروف، يعني في بعض البلدان الآن معروف هذا النحر، يستحيل أن تُذبح الآن شاة في هذه البلدان إلا ويعرفون أن السلخ يكون هكذا.
الجواب: إذاً ما صار فيها غش ما دام معروف عند الناس، ليس فيه غش مع أن تركه أحسن؛ لأن بعض الناس ما يعرف يسلخ، رأيت رجلاً، رأيته بعيني ولكن ما شاهدت فعله في يوم عيد الأضحى، بعد الصلاة والخطبة يذبح عشرين شاة قبل الظهر ويتممها كلها، هذا غريب، أنا لو أذبح شاة من صلاة العيد انتهى عند أذان الظهر، ومع ذلك الجلد ما يسلم من الشحوم .
سؤال: هل يمكن أن يحصل بالبوية مثلاً على الظهر؟
الجواب: لا...هذه علامة مثل الوسم، التقييد لابد من شيء يعلق عليها.
سؤال: حفظكم الله، الآن أكثر الغنم خصوصاً التي في المغرب أو الاسترالية، يأتي غزلها قصير جداً، وإذا سلخوه نصف ما يُسلخ في العادة يعني في الجزيرة يذهب كثير من اللحم مع الجلد، فينفخونها حتى ينعزل الجلد ويسهل على من كان يسلخ، أنا رأيت هذا بنفسي، وهذا موجود في المسالخ الحديثة، ولكن الآن يا شيخ الله يغفر لك، في الحج في الهدي نجد بعض الغنم البربرية الأبيض الذي رأسه أسود هذا، وهو الموجود حتى الإنسان يريد هدي إما مثل نجدي ولا يجد إلا هذا البربري وهو صغير الجسم يا شيخ.
الجواب: ما تم ستة أشهر؟ إذا كان من الضأن يتم ستة أشهر من الماعز يتم سنة.
السائل: ولكن جسمه صغير يا شيخ.
الجواب: ما يضر.
السائل: وأحياناً نجد واحد كبير وسمين ولكن أو يكون فيه مرض وتعبان ومريض ؟
الجواب: المريض لا يجزئ، إذا كان بيِّن المرض لا يجزئ.(245/38)
119ـ بَاب نَحْرِ البُدْنِ قَائِمَةً وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا سُنَّةَ مُحَمَّدٍ (، وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا (صَوَافَّ) قِيَامًا.
1599 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ ( قَال صَلى النَّبِيُّ ( الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا فَلمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلتَهُ فَجَعَل يُهَللُ وَيُسَبِّحُ فَلمَّا عَلا عَلى البَيْدَاءِ لبَّى بِهِمَا جَمِيعًا فَلمَّا دَخَل مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا وَنَحَرَ النَّبِيُّ ( بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا وَضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ.
1600 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه قَال صَلى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالعَصْرَ بِذِي الحُليْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْهم ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ البَيْدَاءَ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ(1)
120ـ بَاب لا يُعْطَى الجَزَّارُ مِنَ الهَدْيِ شَيْئًا
__________
(1) الشيخ: يمكن هذا الباب الذي يشير إليه ابن حجر، سبع بدنات؟
القارئ: أحال، يقول: سيأتي في الباب الذي بعده، في الباب الذي بعده يقول: إنه نحر مائة.
الشيخ: على كل حال إن كان هذا اللفظ محفوظاً، فأنس ما ذكر إلا ما رأى.(245/39)
1601 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَال أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْهم قَال بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُمْتُ عَلى البُدْنِ فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلالهَا وَجُلُودَهَا قَال سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُالكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ عَليٍّ رَضِي الله عَنْهم قَال أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ أَقُومَ عَلى البُدْنِ وَلا أُعْطِيَ عَليْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا(1)
__________
(1) يعني لا يجوز أن يُعطى الجزار شيئاً من الأجرة من اللحم، فمثلاً إذا كان هذا الجزار ينحر البعير ويقسم لحمه بمائة، وأعطيناه لحماً يساوي خمسين ، وخمسين ريالً ، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا رجوع فيما أخرجه الإنسان لله عز وجل، وهو كالعود في الصدقة، أما لو أعطى له هدية فلا بأس، أو أعطاه صدقة فلا بأس، وعلامة ذلك أن يكون قد أعطاه أجرة الجزارة تامة بلا نقص، فحينئذٍ لا بأس أن يعطيه هدية أو صدقة.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيك، هل هذا خاص بما يُتقرب به إلى الله عز وجل أم في جميع الذبائح؟
الجواب: خاص بما يُتقرب به إلى الله، وأما إذا كان للحم فله أن يعطيه من اللحم مقابل الأجرة أو بعضها.
سؤال: : يا شيخ بارك الله فيك، إذا وكل أحداً يذبح بدنة للسبع، هل يذكر أسماءهم جميعاً أم لا؟ يقول لفلان لفلان.
الجواب: لا تكفي النية، ويقول بلسانه: اللهم هذه منك ولك، اللهم هذه عن من وكلني بنحرها، وإن فسر فبحسب.
سؤال: الأضحية
الجواب: إذا حج إنسان وله أهل في البلد، فإنهم يوكلهم أن يضحوا وهو يُهدي.
سؤال: الآن في منى أكثر الجزارين لا يأخذون أجرة ويذبحون ثم هذا الهدي، يتتركونه الناس عندهم، ثم هم يبيعونه لأهل مكة.
الجواب: لكن الأجرة على الحكومة الظاهر، ما هي على الحكومة؟
السائل: لا...، في بعض المسالخ، الحكومي على الحكومة، وفي مسالخ فقراء تدفع للجزار.
الجواب: إذا دفعت للجزار لابد أن تعطيه الأجرة كاملة، ثم إن تركتها له فلا بأس.
السائل: يبيعونها؟
الجواب: كما أن الرجل الذي تعطيه من الأضحية له أن يبيع اللحم؛ لأنه ملكه ودخل ملكه فيتصرف فيه كما يشاء، كما جاء في حديث بريرة ((هي لها صدقة ولنا هدية)).
السائل: هل يكفي الذبح فقط أم يسلخها أيضاً؟
الجواب: حسب الشرط، فإن لم يكن شرط فحسب العرف، والظاهر لي أنا أن الجزارين حسب العرف لابد من السلخ والتقطيع وكل شيء.(245/40)
121ـ بَاب يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الهَدْيِ
1602 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مُسْلمٍ وَعَبْدُالكَرِيمِ الجَزَرِيُّ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي ليْلى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَليًّا رَضِي الله عَنْه أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلى بُدْنِهِ وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلالهَا وَلا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا.
122ـ بَاب يُتَصَدَّقُ بِجِلال البُدْنِ
1603 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُليْمَانَ قَال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ليْلى أَنَّ عَليًّا رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ قَال أَهْدَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلالهَا فَقَسَمْتُهَا ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا(1)
__________
(1) سؤال: بعض الحجاج يأتون الجزار ويتركون الهدي، يأتي بعض الناس ويذبح هديه ويتركه للجزار ويمشي، ما أكل.
الجواب: فاته الأكل فقط والجزار غالب الجزارين فقراء.
سؤال: عفا الله عنك يا شيخ، الجزارين يا شيخ أكثر الجزارين ما أحتملهم كلهم، ولكن الغالب منهم ، يقول أنا أقسمهم وإذا ذهب صاحب الهدي، باعه هو، يبيعها هذه على الناس.
الجواب: ما فيه بأس.
سؤال: بالنسبة لمن أراد الأضحية ثم خرج للحج، هل نقول: الفضل أن يكون قارناً حتى ....
الجواب: لا ..الأفضل أنه يكون متمتعاً، وتقصيره بعد العمرة لا يضر؛ لأنه نسك.
سؤال: بعض الجزارين بيأخذ أجرة الجزار، ثم يأخذها معها الجلد، جلد الشاة، فلو قلت: أعطني الجلد. ما رضي ؟
الجواب: هذا يُخشى أن يكون عده من الأجرة، وهذه مشكلة، لكن هل يأخذه بناءً على انه من الأجرة أو هكذا؟ إذا كان بناءً على أنه من الأجرة فهو لا يجوز .
سؤال: موضوع الجزارين يا شيخ فيه إشكال، وهو أنهم يأخذون الأجرة معروف هذا لمن أخذ أنه يقسمه، أما من ترك اللحم ما سأله عن الأجرة، يا شيخ أنا كنت عندي هدي ذبحه واحد، ولما خرجت أخذ يبيعه، قلت: ما تبيعه، أنا بأقسمه ، قال: أعطني الأجرة؛ لأنه كل من يريد أن يقسم اللحم يوفي بالأجرة، ولهذا نحن نبيعه ويكون بدل الأجرة، الناس يخافون من دفع الأجرة، يتركون اللحم خوفاً من دفع الأجرة ، هكذا إلا إذا كان واحد يريد يوزع كما أنا أريد، يقول: هات الأجرة إذاً.
الجواب: هذا ما يجوز، هذا حرام، أعطيه الأجرة، وإن يسر الله وأخذته فهذا المطلوب، وإن ما أخذته ففي ذمته، يكون غصباً.
سؤال: يا شيخ حفظكم الله بعض الحملات وهذا أمر شاهدته أنا بنفسي، يسمحون خصوصاً للعامة لابد أن يأكل منها فيذبحون الهدي ثم يأكلونه، يأكلونه في الأيام كلها، الحملة تأكل ثلاثمائة خروف أو مائتي خروف، ما يوزعون شيء.
الجواب: لعلهم يقولون: كل واحد منا يُهدي للآخر، نعم ومنا فقراء تكون لهم صدقة، هذا لا يجوز، في الواقع أنا سمعت أفظع من هذا ، هناك قول مشهور للشافعي رحمه الله: إنه يجوز ذبح هدي التمتع من حين الإحرام بالعمرة أو التحلل منه، قياساً على الصيام؛ لأن صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي يجوز من حين أن يحرم بالعمرة، وقد أفتى به بعض العلماء قبل سنوات، قبل أن تأتي المسالخ الحديثة هذه، وجاء الناس يسألون: نحن ذبحنا من قبل بناءً على فتوى فلان أو فلان، فأفتيناهم بأنه لا حرج ما داموا مستندين إلى فتوى عام وهم فرض أن يسألوا أهل العلم ولا حرج.
سؤال: يا شيخ، في يوم الأضحى الناس إذا صاروا محلهم يسهل عليهم الذبح ، ولكن الذي يتصدق في النهار في يوم عرفة يكون أيسر .
الجواب: لا ما يجوز أن يذبح في عرفة .
السائل: لا ما هو أضحية، صدقة.
الجواب: حتى ولو تصدق قبل عرفة ما فيه إشكال على خير، لكن الذي يجعله هدياً أو يجعله أضحية ما يشرع، هو على كل حال عرفة خارج حدود الحرم، فلا يتناولها التغليظ الذي يحصل لمكان داخل الحرم.
سؤال: أحسن الله إليك ، الذبح خارج الحرم في عرفة، قلتم: الأولى أن لا يذبح.
الجواب: ما هو الأولى، قلنا: لا يجزئ ، لا يجزئ أصلاً، فمن ذبح هناك، قلنا أعد ، أعد للذبح.
السائل: لو ذبح ونقل اللحم إلى الحرم.
الجواب: لا ما يصلح؛ لأنه في الحقيقة المقصود هو الذبح، ولهذا لو ذبح داخل حدود الحرم ونقل اللحم إلى الخارج فلا بأس.(245/41)
123ـ بَاب ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ للطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ ذَلكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لهُ عِنْدَ رَبِّه) (1)
__________
(1) قال البخاري رحمه الله تعالى فيما ساقه من كلام الله تبارك وتعالى: باب (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ) يعني هذا باب في هذه الآيات، فهو خبر لمبتدأ محذوف ولا يُضاف إلى ما بعده؛ لأنه مستقل.
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ) أي اذكر يا محمد إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، أي هيأناه له وبيناه له، والمراد بالبيت الكعبة.
(أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) يعني أن هذا التبويء مبني على التوحيد، أن لا تشرك بي شيئاً، وليس لإقامة أحجار تُعبد من دون الله، ولكن للتوحيد، وقوله: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) نكرة في سياق النفي، أو في سياق النهي؟ النهي بدليل أنها جزمت (أَنْ لا تُشْرِكْ) جزم الفعل فدل على أن (لا) ناهية وليست نافية، (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا شجراً ، ولا حجراً، ولا شمساً، ولا قمراً، ولا شيئاً، ففي العبادة فلا يُستثنى من هذا شيء، لا يجوز للإنسان أن يعبد أحداً بأي عبادة كانت، تطوعاً كانت او واجباً، وأما فيما يتعلق بالربوبية فلا بأس أن يُنسب الشيء إلى مخلوق إذا صح إنه قائم به، مثل إضافة الأشياء إلى أسبابها بشرط أن يؤمن أن يعتقد الإنسان أن هذا السبب من عند الله عز وجل وليس مستقلاً بالتأثير بالمسبب، ولهذا يجوز للإنسان أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، ويجوز للإنسان أن ينسب الشيء إلى سببه المعلوم حساً أو شرعاً، فمثلاُ ينسب الشفاء إلى العسل؛ لأنه معلوم شرعاً وحساً، ينسب الشفاء إلى دواء لم يُذكر في القرآن ولكنه مؤثر، يصح، ولكن بشرط أن يكون عند الإنسان عقيدة بأن هذه الأسباب لا تؤثر بذاتها ولكن بما أودع الله فيها من القوة، ويدخل في قوله: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) النهي عن تمثيل المخلوق بالخالق في الأفعال أو في الأوصاف، ولهذا قال الله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} فلا يحل لأحد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى مماثل لحد من المخلوقين ولا أن أحداً مماثل لله.
(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أضافه الله إليه تشريفاً وتكريماً ، كما أضاف الناقة إليه تشريفاً وتكريماً، مثل قوله: {ناقة الله} وليس المراد أنه بيت يسكنه حاشا وكلا ، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته، وهو في السماء على العرش، كذلك الناقة ليس المعنى أنها ناقة الله التي يركبها كلا وحاشا، ولكن هذه الإضافة من باب التشريف، إضافة هذا البيت إلى الله يوجب أن يتعلق به نسك، وأن نعظمه؛ لأن الله عظمه بإضافته إليه، وقد قال الله تعالى عن إبراهيم: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليه}
(للطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) بدأ بالطواف؛ لأن الطواف أخص عبادة تتعلق بهذا البيت، لا يُطاف بغيره، لا يُطاف إلا بهذا البيت، فقدمها؛ لأنها أخص عبادة تتعلق به، ويُذكر أن بعض الخلفاء نذر أن يتعبد لله عبادة لا يشاركه فيها أحد فسأل كثير من العلماء، فقالوا: لا يمكن، إن صليت فلعل غيرك يصلي ، إن صمت فلعل غيرك يصوم، إن تصدقت فلعل غيرك يتصدق، ففتح الله على بعضهم وقال له: يُخلى لك المطاف ـ يعني أمنع الناس من الطوافـ وطف وحدك، حينئذٍ لا يشاركك أحد؛ لأن الطواف خاص بالبيت، وقوله: (وَالقَائِمِينَ) أي المقيمين فيه، ويحتمل القائمين بالصلاة لقرينة قوله: (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وفي الآية الأخرى {والعكافين} بدل القائمين، فإذا قلنا: القيام بمعنى المكث صارت الآيتان بمعنى واحد، وإذا قلنا: القيام يعني القائم في الصلاة، اختف المعنى، ويكون تطهير البيت للطائف والمعتكف والقائم في الصلاة والراكع والساجد.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ) يعني أعلمهم به على وجه الإعلام والإبانة بالحج يعني إلى هذا البيت.
(يَأْتُوكَ رِجَالاً) سبحان الله، (يأتوك) هذه مجزومة ، ما الذي جزمها؟ لأنها جواب الأمر، يعني كأنه قال: إن تؤذن يأتوك، ولهذا ذهب بعض النحويين إلى أن الجزم هنا لشرط محذوف معلوم من السياق، والتقدير إن تعظم يأتوك، لكننا نركب السهل في خلاف النحو، وأيهما أسهل عدم التقييد ، فنقول: هي جواب الأمر، والمعنى واضح المعنى واحد أذن في الناس بالحج يأتوك، وهذا يدل على أن أذان إبراهيم عليه السلام سيؤثر في الناس.
(يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلى كُل ضَامِرٍ) رجالاً: أي يمشون على أرجلهم، وهي حال؛ لأنها وإن كانت اسماً جامداً، لكنها بمعنى مشتق إذ المعنى يأتوك راجلين، (وَعَلى كُل ضَامِرٍ) يعني ويأتوك أيضاً (وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ) الضامر: الناقة المضمرة التي يخف لحمها وشحمها وتكون مستعدة تماماً للسير، وهذا معنى تضمير الإبل، الناقة المضمرة في عهد الإبل كالسيارة التي تسمى في الوقت الحاضر الشبح، أحسن السيارات وأسوقها.
وقوله: (مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ) أي من كل ناحية بعيدة، كان الناس يأتون من أقصى الصين، ومن أقصى أفريقيا، قبل أن تُفتح قناة السويس، كانت أفريقيا وآسيا ملتحمة بعضها مع بعض، ثم حُفرت القناة من اجل أن يسهل عبور هذه القناة من البحر الأبيض إلى البحر الأحمر، ولكن يأتي هؤلاء على كل ضامر من كل فج عميق، وشاهدناهم يعني قبل يأتون على أرجلهم من الهند وباكستان وما وراء ذلك ، يأتون على أرجلهم، يمشون ستة أشهر من بلادهم على مكة، كل ما مروا ببلد بقوا فيها ما شاء الله أن يبقوا، ومنهم من يكون لدية صناعة يستأجر دكان صغير ويصنع، أذكر أنهم يصنعون لنا شيء مثل اللعبة كذا ويجر الحبل ويبيعون علينا، يبيعون أيضاً أشياء حاويات صغيرة كالفناجيل وغيرها، المهم أنهم يمشون من بلادهم، ويتكسبون في البلاد التي يتوقفون فيها حتى يصلوا إلى الحج على أرجلهم، ثم يرجعون كذلك ستة أشهر، سبحان الله القلب هو الذي يمشي الإنسان
بعيد على كسلان أو ذي ملالة فأما على المشتاق فهو قريب
(وَعَلى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ) اللهم لك الحمد، بدأ بنصيبنا قبل نصيبه عز وجل، (ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهُمْ) أي يحضروها بماذا؟ بالبيع والشراء والتكسب، كما قال عز وجل: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات} كذلك أيضاً منافع بمعرفة المسلمين لأحوال إخوانهم، وما يلزمهم نحوهم، كذلك منافع بالإلفة والمودة والمحبة وشكاية الأحوال على الآخرين، المهم أن كلمة منافع كلنا يعرف أنها صيغة منتهى الجموع، فتشمل منافع عظيمة جداً.
(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) بعض العلماء يقول: كما أشرت إليه أولاً إن هذا دليل على أن فوائد الحج العامة أهم من ذكر اسم الله وهو النحر، ولكني عندي أننا نقول: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) من باب عطف الخاص على العام؛ لأن ذكر اسم الله عز وجل على بهيمة الله منفعة.
ش12 ـ وجه ب :
دينية ودنيوية، وهذا أولى أن نقول: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) من باب عطف الخاص على العام، يعني نص عليه؛ لأنه أهم المنافع، أهم المنافع ذكر الله عز وجل. (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) أي يقولوا: بسم الله (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) الرزق بمعنى العطاء، كما قال تعالى: { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم فيها} أي أعطوهم، وقوله: (مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) هي الإبل والبقر والغنم بالاتفاق، وسميت بهيمة؛ لأنها عجماء لا تتكلم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((العجماء جُبار)).
وقوله: (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) هذا بالإجماع، أي أنه لا يُتقرب إلى الله بالهدي إلا من بهيمة الأنعام، وكذلك الأضاحي، ولابد فيها من أن تكون بالغة السن الواجبة، وهي في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنة، وفي الضأن نصفها، قال بعضهم: ويُعرف بلوغ الضأن نصف السنة بأن ينزل شعره، إذا كان واقفاً ينزل شعره إذا بلغ ستة أشهر نزل على ظهره، كان بالأول قائماً فإن صح هذا فهي علامة، وقرينة ليست شيئاً مؤكداً.
الشرط الثاني: أن تكون سليمة من العيوب، العيوب التي تمنع من الإجزاء، وهي أربع بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء ـ يعني الهزيلةـ التي لا مخ فيها)) عرفتم؟ أربع، ما سوى ذلك من العيوب فهو منقص لا مانع من الإجزاء إلا أن يساوي هذه العيوب، وهنا سؤال: لو أن شخصاً أراد أن يهدي أو أن يضحي بعمياء ما تشوف أبداً، تجزئ أو لا تجزئ؟ لا تجزئ، والعجب أن بعض العلماء قال: تجزئ، وعلل تعليلاً يصح أن يكون في أيام الصيف الحارة، ما المعنى؟ بارد جداً، قال: لأن العمياء ما فيها نقص؛ لأن مالكها سوف يحضر لها الطعام والشراب، والعوراء يأتيها النقص لأن صاحبها يكلها إلى نفسها، والعوراء ما تشوف إلا من جهة واحدة فيفوتها شيء كثير من المرعى، ولكن هذا القول كما قلت لكم: قول باطل.
طيب، مقطعة الأربع، ما لها رجلين ولا يدين تجزئ؟ على قياس الأول تجزئ؛ لأنه يأتي لها علف وتأكل، ولكن هذا كله غير صحيح، لولا إنه قيل ما صدق الإنسان أن يقوله عاقل فضلاً عن عالم.
طيب، أورد شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله مسألة، فقال: إنه إذا كان قحط وجدب والأرض لا تنبت، ثم جاء المطر وأنبتت الأرض، ورعت المواشي، وكانت الأول المواشي من الهُزال ما فيها مخ، لأنها ما ترعى، ثم نزل المطر، ونبتت الأرض ورعت وسمنت سمن كبيرة، ولكن ما فيها مخ فهل تجزئ أو لا تجزئ؟ تجزي؛ لأن الحديث ((العجفاء التي لا مخ فيها)) وهذه ليست عجفاء، قال شيخنا: وهذا يقع كثيراً، حدثه بذلك أهل البادية، (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) لها شروط ، فقيل: الهدي هل له أوقات معلومة كالأضحية؟ الجواب: لا، إلا هدي التمتع والقرآن فقد دلت السنة على أن له أوقات معلومة وهي أوقات ذبح الأضحية، أما هدي التطوع، والهدي الواجب لجبران أو لفعل محظور فهذه مقيدة بأوقاتها حتى ولو أحرم الإنسان بعمرة في نصف السنة وترك واجباً أو فعل محظوراً فإنه يفدي في وقته، (عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) طيب، على ما رزقهم (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)، الأيام المعلومات هي أربعة أيام أولها العاشر من ذي الحجة وآخرها غروب الشمس ثالث أيام التشريق، وقوله: (فِي أَيَّامٍ) لا يعني أنها لا تصح في الليالي؛ لأن العرب تُطلق الأيام وتريد الأيام والليالي وبالعكس.
قال الله عز وجل: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) كلوا منها: أي من هذه البهائم، والأمر هنا للاستحباب عند أكثر العلماء، وذهبت الظاهرية إلى وجوب الأكل منها، قالوا: إذ لا صارف لهذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وقالوا أيضاً: إن النبي ( أمر من كل بدنة مما أهداه وهي مائة بعير ببضعة فجُعلت في قدر فطُبخت، فأكل من لحمها، وشرب من مرقها، فلا يُكلف أصحابه بأخذ هذه القطع حتى تُجعل في القدر مائة قطعة ثم يأكل من لحمها ويشرب من مرقها، إلا لأن الأمر للوجوب، والقول: بأن الأمر للوجوب، ليس بعيداً؛ لأنك لا تستطيع أن تعرف صارفاً عن الوجوب، ولكن جمهور العلماء على أنه للاستحباب.
(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) البائس: يعني المعدم، الفقير: الذي ليس عنده مال، والمعنى متقارب كما قال الشاعر:(فألف قولها كذبا ومينا) الكذب والمين بمعنى واحد. طيب، (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) لو نظرنا إلى ظاهر الآية الكريمة لقلنا: يأكل النصف ويُطعم النصف، ولو نظرنا إلى إطلاق الأكل، وإطلاق الطعام، قلنا: إن الأمر مطلق المهم أن يأكل وأن يتصدق، ولا يحتاج إلى التقييد بنصف أو ثلث أو ربع، ولكن كثيراً من السلف يستحبون أن تكون أثلاثاً، ثلث للأكل، وثلث للصدقة، وثلث للهدية، والأمر في هذا واسع، لكن لو أكلها كلها ماذا يصنع؟ نقول: يجب عليه أن يضمن حق الفقير من مثل ما أكل، فمثلاً إذا كانت ضأن يضمن بلحم ضأن، إذا كانت بعيراً يضمن بلحم بعير، ولحم الغنم أطيب.
(ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) ثم: أي بعد ان يأكل ، ومعلوم أن هذا النحر ما يكون تحلل إلا بعد النحر؛ لأن النحر سيتقدم على الحلق حسب الترتيب الأفضل، فيكون مثلاً الحجاج يرموا رمية العقبة، ثم ينحر، ثم يحلق، وحينئذٍ يحل، ولهذا قال: (ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ) يعني بعد أن يذبحوا ويتصدقوا ويأكلوا (ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ) التفث: يعني إلقاء الأوساخ مثل قص شعره ظفره وما أشبه ذلك.
(وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي يوفوا نسكهم؛ لأن النسك نذر فإن من تلبث بالنسك فقد أوجب على نفسه أن يتمه، لقوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج} فجعل الإحرام فرضاً، ولذلك لا يوجد عبادة إذا شرع فيها الإنسان لزمه أن يتمها وهي نفل إلا الحج والعمرة، وكذلك الجهاد إذا حضر الصف.
(وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) يطَّوفوا: ضعف الفعل، إما أن يكون يطوفوا، وإما لكثرة الطائفين؛ لأن الفعل قد يُشدد لكثرة الفاعل لا لكثرة الفعل، انتبهوا لهذه النكتة، قد يُضعف الفعل لكثرة الفاعل لا لكثرة الفعل، ومنه على القول الراجح ما ورد في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زوارات القبور) زوارات، وفي لفظ (زائرات) ، لفظ (زائرات) ما فيه إشكال؛ لأنه يصدق عليه إذا زارت مرة واحدة، ولكن (زوارات) بعض العلماء من المتأخرين والمتقدمين يقولون: إن هذا ينصب على من تكثر الزيارة، ولكن شيخ الإسلام أبطل هذا، وقال: إن الفعل قد ضُعف لكثرة الفاعل، لا لكثرة الفعل، فيكون (لعن زوارات) يعني كل زائرة، كل زائرة للقبور، وما قاله رحمه الله صحيح، ما قاله فهو صحيح، وهو مسلم أيضاً، فإن لم نسلم فترجيح المخفف واضح أيضاً، لماذا؟ لأنك إذا قلت: من زارت مرة واحدة فهي ملعونة يكون أخص مما قلت: إن كررت فهي ملعونة، فيكون اللَّعنة حق عليها من مرة واحدة.
طيب، (وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ)يطوفون به، والبيت العتيق: قيل: إن معناه القديم، وقيل معناه: المعتق من الجبابرة؛ لأنه ما قصده جبار إلا قصمه الله، وأنظر أصحاب الفيل، طيب لو قلنا بالمعنيين فحسن، وقيل: العتيق الغالي في الصدور، فإن الشيء الغالي في الصدور يُقال: هذا عتيق، ويُقال للحر: عتيق، وهذا أيضاً معنى ثالث نضيفه إلى المعنيين السابقين، نسال الله تعالى أن يحميه من أعدائه الظاهرين والباطنين.
(وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) وقوله: (بالبيت) الباء هنا للاستيعاب، كما في قوله تعالى: {امسحوا برؤوسكم} الباء هنا للاستيعاب، ولهذا يجب مسح الرأس كلها، طيب، أرأيتم لو قال: وليطوفوا في البيت، فهل يجب الاستيعاب؟ لا، لأن في للظرفية، يُستفاد من قوله: (بِالبَيْتِ العَتِيقِ) أن الإنسان لو طاف دخل من بين الحجر والكعبة القائمة، فشوطه غير صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود، طيب، لو سمتعم قارئ يقرأ : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا نُذُورَهُمْ وَليَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ) صحيح أو خطأ؟
طالب: خطأ.
الشيخ: اللهم أهدنا، خطأ، لماذا؟ لأن المعنى أختلف، لو قال: ثم لْيقضوا صارت اللام للتعليل لا للأمر؛ لأن الذي يُسكن بعد ثم هي لام الأمر، ولذلك يغلط بعض الناس في تلاوة قول الله تبارك وتعالى: {هذا بلاغ للناس وليُنذروا به وليعلموا إنما هو إله واحد وليتذكر أولوا الألباب} فتجده يُسكن اللام وهذا غلط، إذا جعلها لام التعليل فهذا غلط بلا شك، لماذا؟ لأن لام التعليل تُكسر ولو ...الحروف، ولكن لا استبعد وأنا لا أدري أن تكون فيها قراءة {هذا بلاغ للناس وليُنذروا به } هذه بعيدة أن تكون لام الأمر، (وليعلموا) يمكن أن تكون للأمر، وكذلك (وليتذكروا)، لكني لا أدري هل فيها قراءة بالسكون أو لا .
سؤال: قوله سبحانه: { (ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَليُوفُوا) فيه قراءة يا شيخ.
الجواب: فيها، للتعليل، إذا كُسرت فهي للتعليل.
نعود للشرح: قال الله تعالى: (ذلك) يعني ذلك حكم الله، أي ذلك المذكور هو حكم الله عز وجل وشريعة الله، (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لهُ عِنْدَ رَبِّه) (من) شرطية، و(يعظم) فعل الشرط، (فهو خير له) جواب الشرط، وكلمة (حرمات الله) عامة، فيه حرمات الحرم المكين وفيه حرمات الشريعة كلها، من يعظمها ويحترمها إن كانت مأموراً بها عظمها فلا يخل بها، وإن كانت منهياً عنها عظمها فلا ينتهكها، (فهو خير له عند ربه)، ولا شك أن قول الله عز وجل يستلزم أن يحث الإنسان نفسه على تعظيم حرمات الله عز وجل.
سؤال: قوله تعالى : (وإذ بوأنا لإبراهيم) أن الله بين لإبراهيم بإرسال سحابة حتى وقفت على موضع البيت وظللت، هل هذه الرواية صحيحة يا شيخ؟
الجواب: يجب أن تعلموا أن ما أبهمه الله، ولم ترد السنة ببيانه، فالواجب إبهامه، لم يبين لك كيف بوأه له، فالواجب أن نقول: بوأه بأي سبب، إما بكونه أكمة كما قيل إنها أكمة مرتفعة عن ما حولها، أو بغير ذلك، ولا حاجة أن نعرف إنما المقصود أن الله تعالى بوأه وهيأه له، وأنه عليه السلام لم يتجاوز ما بينه الله عز وجل، فلم يزد ولم ينقص ولم يغير.
سؤال: مسألة البيت يا شيخ، فيه خصوصية لإبراهيم عليه السلام، ومحمد (، خصوصية عن الأنبياء كلهم لأن الله ذكر أن إبراهيم هو الذي يعمره، ومحمد ( يعتني به؟
الجواب: لا ، على القول الراجح، أول من بناه إبراهيم، وأما القول بأنه مبني من قبل بناه آدم وأنه من قبل بنته الملائكة فهذا لا دليل يعتمد عليه.
السائل: .............؟
الجواب: إبراهيم وإسماعيل لا تنسى، ومحمد عليه الصلاة والسلام لاشك أنه أنقذه من المشركين.
سؤال: هل من أراد التمتع، وأحرم بالعمرة متمتعاً، ثم بعد ذلك بدا له أن يسوق الهدي لا بنية أنه هدي التمتع، وإنما هدي مطلقاً، هل له ان يتمتع، أو لابد أنه يقرن؟
الجواب: هل له أن يتمتع؟ إذا أحرم العمرة ثم اشتراه من أثناء الطريق قبل أن يبدأ الطواف فلا بأس أن يكون قارناً.
السائل: لا..هل له أن يتمتع؟
الجواب: كيف يتمتع وهو معه الهدي؟
السائل: معه الهدي ولكنه طرأ بعدما أحرم بالعمرة.
الجواب: ما يمكن.
السائل: الهدي ألا يصح مطلقاً ويصح معيناً؟
الجواب: بلى.
السائل: فلماذا لا نتركه على إطلاقه ويستفيد؟
الجواب: لا يستقيم، إذا ساق الهدي فلا يمكن له أن يحل.
سؤال: بارك الله فيك، أمر الله عز وجل إبراهيم أن يؤذن في الناس، فهل أذان ، كيف كان تأذين إبراهيم؟
الجواب: ما ندري، الله أعلم، أذانه في الناس إما أنه كما قيل: إنه أذان بالحج وسمعه الناس كلهم، حتى إن بعضهم بالغ وقال: إنه سمعهم من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وإما إنه أذن أعلم بما ورث عنه من الوحي.
سؤال: قال تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} هل فيه إشارة إلى أن المحرم المؤمن تقليم أظافره
الجواب: ما يدل على هذا؛ لأن أمره بهذا على سبيل الاستحباب.
سؤال: يا شيخ، المراد بقوله تعالى:{ إن أول بيت للذي وضع ببكة مباركاً} الأولية هنا.
الجواب: نسبية، أول بيت وُضع للعبادة.
سؤال: أحسن الله إليكم، بالنسبة للطواف، هذا الطواف بالبيت خاص بالله سبحانه وتعالى، فكيف يكون الإنسان إذا طاف بالقبور، أو غير ذلك، هل يكون شركاً أكبر أم أصغر؟
الجواب: إذا طاف بالقبور إذا نوى إنه يتعبد لهذا المقبور كما يتعبد الطائف لله، فهذا شرك أكبر لا شك، وإن كان يطوف على القبور يظن أن هذا أقرب إلى الإجابة، وأن الذي يُطاف له ويُسأل هو الله فليس شركاً أكبر يعني حسب نيته فيه، إذا كان يطوف ويقول: أنا أرجو من هذا النفع والضرر والثواب ودرأ العقاب فهو كافر.
سؤال: يا شيخ بارك الله فيكم، يُشكل أحياناً التفريق بين (من) الموصولة، والشرطية، حتى الموصولة تجد مجزوم ما بعدها
الجواب: مثل .
السائل: أنا ما استحضر ولكن يمر كثيراً، ونقول: هذا بسبب العموم، يعني يُلحق ما بعدها ...
الجواب: أنا بينت هذا بالنسبة لما ذكرت ارتباط الفاء بالخبر بمن الموصلة قالوا: لأنها تُشبه الشرطية في العموم، فهمت، ولذا الفرق والواضح بأن من الشرطية إذا كان مضارعاً جُزم .
السائل: هل يكون فعل الشرط هو مضارع ؟
الجواب: ......يبقى الجواز ما هو إشكال؛ لأن لك أن تجعلها موصولة ولك أن تجعلها شرطية، إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحدهما.
السائل: يا شيخ، هل فيه فرق جوهري في المعنى.
الجواب: ما فيه شيء، الفرق في الحكم، ولكن من حيث التأثير الشرطية أبلغ؛ لأن ترتب الشيء على الشيء أبلغ من الخبر بأن هذا الشيء يكون بعده شيء.
سؤال: هل يُشترط في هدي التطوع، السن المعتبر؟
الجواب: إي نعم، إنما قصد به التقرب بالصدقة به، إن كان مقصوده التطوع بالصدقة به فهذا جنس هدي الدجاج والبيضة كما جاء في حديث في صلاة الجمعة، وأما إذا كان القصد التقرب بذبحه، فلابد من هذه الشروط التي ذكرت، فهمت، ولكن أحياناً تكون المواشي هزيلة ما ترعى ويذهب مخها، تبقى هزيلة، ثم يأتي الربيع بسرعة تأكل ثم تسمن قبل أن يصل أثر الشحم إلى عظامها، فتكون سمينة وليس فيها مخ، ولهذا عن هذا النوع يقول شيخنا رحمه الله: هذا النوع ما يستطيعيقوم ، إذا ربضت لازم تقومها ، من أجل ماذا ؟ ضعيفة ليس فيها مخ.
السائل: المخ يا شيخ، المراد به ماذا ؟
الجواب: ما تعرف المخ، ما عمرك كسرت ساق البهيمة؟ مر علينا إن شاء الله تعالى في منى، ونكسر عظمة ونريك إياه، صحيح ما عمرك رأيت هذا؟
السائل: لا.. والله، أنا فكرت المخ الذي في العقل.
الجواب: الراس يعني ؟ لا ..المخ الذي في الأعضاء، فهمت الآن، وأفهم أيضاً فهماً جيداً أنه لا عقل في البهائم لا السمينة ولا غير السمينة.
سؤال: يا شيخ، أحسن الله إليك، قلنا إنه يجوز أن يُنسب الشيء إلى سببه سواءً كان شرعاً أو حساً، وهذا لا يؤثر بنفسه، متى ينكر على من يقول: هذه الأشياء، يعني يُنسب الشيء إلى سببه متى يُنكر عليه إذا كان يعتقد أن الشيء يؤثر بنفسه ؟
الجواب: ما يُنكر عليه إذا عُرف أن السبب صحيح، مثل أن يكون واحد حصل له حادث، قال: لولا أن السيارة انضطجعت على حجر وارتفع عني لهلكت، ما في هذا شيء.
السائل: إذا اعتقد في السبب متى يُنكر عليه ؟
الجواب: يعني بمعنى مستقلة عن الله، ما هو الذي قدرها الله.
السائل: متى يُنكر عليه؟
الجواب: متى اعتقد هذا، الطبائعيون الآن لا يرون أسباباً ومؤثرات بتأثير خارج، بكونها تؤثر بأمر خارج بل بذاتها.
سؤال: إذا قال قائل قلنا يا شيخ، أحسن الله إليك إن الجزار لا يُعطى من الهدي شيء، إذا قال قائل: إن الجزار إذا أعطيناه شيئاً ولو كان فقيراً والأصل في الجزار إنه فقير إذا أعطيناه شيء، استثنيناه، يعني الفقير عموم الجزار ، فما الصارف من النهي أن نُخرج الفقير من عموم المنع؟
الجواب: أحسنت، النهي عن أن يُعطى الجزار منها شيئاً لئلا يقطعه الإنسان من الأجرة، هذا السبب، وهو لا يجوز أن يقتطعه من الأجرة، وقد أخرج الشاة لله عز وجل.(245/42)
124ـ وَمَا يَأْكُلُ مِنَ البُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ وَقَال عُبَيْدُاللهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا لا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلكَ وَقَال عَطَاءٌ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ المُتْعَةِ(1)
__________
(1) هذا واضح، جزاء الصيد لا يؤكل منه؛ لأنه كفارة فلا يؤكل منه الإنسان شيئاً، وإنما يُهدى لأهل الحرم حتى ولو فرض أن المحرم قتل الصيد خارج الحرم وجب أن يعطيه أهل الحرم، وهذا مما يخص به الصيد من المحظورات، المحظورات تؤدى في مكان المخالفة ولكن الصيد جزاءه لابد أن يصل إلى مكة ، لقوله تبارك وتعالى: {هدياً بالغ الكعبة}.
كذلك أيضاً النذر، النذر لا يأكل منه شيئاً، إذا نذر أن يتقرب إلى الله تعالى بالذبح، بذبح أضحية أو هدي، فإنه لا يأكل منه شيئاً، ولكن الصحيح في مسألة الأضحية أنه إذا نذر أن يذبح أضحية وجب عليه الذبح فقط، أما الأكل فيكون كما أنه لم يُنذر بمعنى أنه يأكل ويتصدق ويهدي؛ لأن الناذر نذر أضحية لا يريد إنه لا يأكل، هو نذر أضحية، والمشروع في الأضحية ماذا؟ الأكل والإطعام صدقة وهدية، أما المتعة فكما قال، كما في النص عندي عطاء يقول: يأكل من دم المتعة، ونقول: صحيح، كما أكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هدي القران، فإذا قال قائل: ما الفرق بين الدم الواجب لفعل محظور، أو ترك واجب وبين دم المتعة والقران وكلاهما واجب؟ فالجواب: قال أهل العلم بأن دم المتعة والقرآن من باب شكر الله تعالى على النعمة وهي نعمة التمتع، وأما الدم الواجب لترك واجب أم فعل محظور فهو جزاء وفدية.(245/43)
1604 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ كُنَّا لا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلنَا وَتَزَوَّدْنَا قُلتُ لعَطَاءٍ أَقَال حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةَ قَال لا(1)
1605 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى قَال حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ وَلا نُرَى إِلا الحَجَّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا فَدُخِل عَليْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلحْمِ بَقَرٍ فَقُلتُ مَا هَذَا فَقِيل ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَال يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ للقَاسِمِ فَقَال أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ(2)
__________
(1) كل هذا جائز، يعني دم المتعة والقران لك أن تأكله كله في مكة، ولك أن تأكل بعضه وتحمل بعضه إلى بلدك؛ لأنه ملكك تقربت به إلى الله وأباح لك الله أكله.
(2) سؤال: من أكل من جزاء الصيد هل يجزئه أم يعيد؟
الجواب: من أكل يضمن ما أكل، يضمن ما أكل من جنس ما فدى به، ويتصدق به.
سؤال: أحسن الله إليك هل يجوز تقديم السعي للمتمتع والطواف للحج للقارن والمفرد؟
الجواب: لا...هذا لا يجوز، إذا كنت تريد إنه يجوز أن يقدم السعي على الطواف يوم النحر؟ فهذا لا بأس.
السائل: بعض الناس قبل أن ينزلوا إلى منى يطوفون ويسعون ؟
الجواب: لا بأس.
السائل: حتى المتمتع؟
الجواب: والمتمتع لا بأس، الطواف والسعي هذا للحج، سيأتينا بعد الآن إن شاء الله.(245/44)
125ـ بَاب الذَّبْحِ قَبْل الحَلقِ
1606 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سُئِل النَّبِيُّ ( عَمَّنْ حَلقَ قَبْل أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ فَقَال لا حَرَجَ لا حَرَجَ.
1607 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال رَجُلٌ للنَّبِيِّ (زُرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال لا حَرَجَ قَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال لا حَرَجَ قَال ذَبَحْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال لا حَرَجَ وَقَال عَبْدُالرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ (وَقَال القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ (وَقَال عَفَّانُ أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ ( وَقَال حَمَّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ ((1)
__________
(1) هذا ما فيه إشكال إلا قوله: (ذبحت قبل أن أرمي) فإن ظاهر هذا إنه ذبح مبكراً، والفقهاء يقولون: لا يذبح إلا إذا مضى قدر صلاة العيد، ما عندك كلام عليه.
تعليق قراءة من فتح الباري ج: 3 ص: 559 :
قوله: (باب الذبح قبل الحلق) أورد فيه حديث السؤال عن الحلق قبل الذبح، ووجه الاستدلال به لما ترجم له أن السؤال عن ذلك دال على أن السائل عرف أن الحكم على عكسه، وقد أورد حديث بن عباس من طرق ثم حديث أبي موسى، فأما الطريق الأولى لحديث بن عباس فمن طريق منصور بن زاذان عن عطاء عنه بلفظ: (سُئل عمن حلق قبل أن يذبح) ونحوه والطريق الثانية من طريق أبي بكر وهو بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن بن عباس فذكر فيه الزيارة قبل الرمي، والحلق قبل الذبح، والذبح قبل الرمي، وعرف به المراد بقوله في رواية منصور ونحوه.
الشيخ: ما ذكر الفوائد؟
القارئ: طرق الحديث فقط يا شيخ.
الشيخ: طيب، هل نقول: إن هذا ظاهر أنه لا بأس أن ينحر ولو في الليل؛ لأن الرمي يجوز في آخر الليل للضعفاء، ويجوز أن يرمي من حين أن تطلع الشمس كغيرهم، فهل نقول: إنه يجوز النحر ، ويكون هذا مستثنى من أجل التسهيل على الخلق؛ لأن معروف ـ أن الأضاحي لا يصح ذبحها قبل الصلاة، إذا ذُبحت قبل الصلاة فهي شاة لحم، فهذا يحتاج إلى تحرير، من لنا به؟(245/45)
1608 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلى حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سُئِل النَّبِيُّ ( فَقَال رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَال لا حَرَجَ قَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَنْحَرَ قَال لا حَرَجَ(1)
1609 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَال أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي الله عَنْهم قَال قَدِمْتُ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَ(2)
__________
(1) الأحاديث واضحة، يعني ما فيها إشكال، يعني إنه سواءً كان الإنسان متعمداً أو غير متعمد، جاهلاً أو عالماً، ناسياً أو ذاكراً، فالأمر فسيح ولله الحمد، قال بعض أهل العلم: وفي قوله : (بعدما أمست) دليل على جواز الرمي في الليل يوم الحادي عشر والثاني عشر؛ لأن المساء يُطلق على آخر النهار، ويُطلق على أول الليل، فيكون فيه دليل على جواز الرمي ليلاً، والبيان الذي ظهر من هيئة كبار العلماء فيما سبق، يقولون: أن النبي ( حدد أول الرمي وهو بعد الزوال، ولم يحدد آخره، فدل هذا على أنه مطلق، وينبني على هذه المسألة، مسألة مهمة وهي إذا تعجل الإنسان في اليوم الثاني عشر وتأهب، ولكن حبسه السير حتى غابت الشمس قبل أن يرمي، فهل نقول: ارم واستمر، أم نقول: أرم وبات في منى؟ الأول، نقول: أرم وأستمر، ولا يلزمك البقاء؛ لأنك تعجلت، ورميت في وقت الرمي.
القارئ: يقول: وأما إذا ذبح قبل أن يرمي فقال مالك وجماعة من العلماء لا شيء عليه؛ لأن ذلك نص في الحديث، والهدي قد بلغ محله، وذلك يوم النحر كما لو لم ينحر المتمتع هدياً ساقه قبل أن يطوف بعمرة. انتهى.
الشيخ: قول مالك، يجوز ولكن هل هذا قبل أن تشرق الشمس ؟ هذا هنا إشكال .
(2) الشيخ: (بم) بدون ألف.
القارئ: عندي بألف يا شيخ.
الشيخ: لا ..غلط ؛ لأن ما الاستفهامية إذا جرت بإلى أو بالباء أو بعلى تًحذف ألفها.(245/46)
أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ انْطَلقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهم فَذَكَرْتُهُ لهُ فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَحِل حَتَّى بَلغَ الهَدْيُ مَحِلهُ(1)
126ـ بَاب مَنْ لبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَحَلقَ
1610 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله عَنْهم أَنَّهَا قَالتْ يَا رَسُول اللهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلمْ تَحْلل أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَال إِنِّي لبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلدْتُ هَدْيِي فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ(2)
__________
(1) ش13 ـ وجه أ :
كأن عمر لم يرض بهذا ؛ لأن عمر ( ممن يرى عدم التمتع، ويرى الإفراد فقط؛ لأنه يريد أن يُعمر المسجد الحرام طول السنة، وفي الحديث أشياء نذكرها فيما بعد إن شاء الله .
(2) قوله صلى الله عليه وسلم: ((لبدت رأسي)) أي وضعت عليها ما يلبده من صمغ ونحوه، وهو إشارة إلى أنه لن يحل، فبقي على ما كان عليه. وفي هذا الحديث دليل على أن ما يُلبد على الرأس لا يمنع من صحة الوضوء، فمثلاً بعض النساء تُلبد على رأسها شيئاً من الحناء فيجوز أن تمسح عليه ولا حرج عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبد رأسه وهو يمسح عليه قطعاً، ولأن طهارة الرأس في الأصل مخففة فلا غسل فيها ولا تكرار للمسح ، فلذلك لم يُشترط أن لا يكون هناك حائل، شوف الترجمة.
تعليق من فتح الباري :
قوله: (باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق) أي بعد ذلك عند الإحلال ، قيل أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف فيمن لبد هل يتعين عليه الحلق أو لا؟ فنقل ابن بطال عن الجمهور تعين ذلك حتى عن الشافعي وقال أهل الرأي لا يتعين بل إن شاء قصر.ا.هـ. وهذا قول الشافعي في الجديد وليس للأول دليل صريح وأعلى ما فيه ما سيأتي في اللباس عن عمر: (من ضفر رأسه فليحلق ) وأورد المصنف في هذا الباب حديث حفصة وفيه (إني لبدت رأسي) وليس فيه تعرض للحلق إلا أنه معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه حلق رأسه في حجه، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث ابن عمر كما في أول الباب الذي بعده وأردفه ابن بطال بحديث حفصة فجعله من هذا الباب لمناسبته للترجمة . وقد قلت غير مرة : إنه لا يلزمه أن يأتي بجميع ما اشتمل عليه الحديث في الترجمة بل إذا وجدت واحدة كفت، وقد تقدم الكلام على حديث حفصة في باب التمتع والقرآن.
الشيخ : في حديث أبي موسى قال : ( قَدِمْتُ عَلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ ) وذلك بعد أن أنهى طوافه وسعيه خرج إلى البطحاء ونزل فيها إلى يوم منى ( فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَ أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ ) أحججت : يعني نويت الحج ، وأراد بهذا التوطئة للاستفهام الذي بعده ، وإلا فهو يعرف إن أبا موسى أتى محرماً، والمحرم لابد أن يكون إما بحج أو بعمرة. وفيه استحسان النبي صلى الله عليه وسلم لفعله حيث قال : ( أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أو (كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) لأن هذا يدل على حسن التأسي والمتابعة ، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يختار إلا ما هو أفضل .
( قَال أَحْسَنْتَ انْطَلقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ ... إلى آخره) أمره بأن يذهب ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة ليحل . قال : ( ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ ) فلت رأسي : معناه أن الرجل قصَّر لأنه لو حلق ما بقي للقمل مكان ، وفل الرأس يعني تتبع القمل وإتلافه ، وهذا يدل على أن الرأس باقٍ ولكنه مقصر . ( ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهم فَذَكَرْتُهُ لهُ فَقَال إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ ) في قوله : { وأتموا الحج والعمرة لله } ( وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لمْ يَحِل حَتَّى بَلغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) كأن عمر رضي الله عنه لا يرى جواز الفسخ ويقول إن نأخذ بالقرآن فالقرآن يقول الله فيه : {أتموا الحج والعمرة لله } فأنت أتيت بحج أتمه ، وإن نأخذ بالسنة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحل ، وكان عمر رضي الله عنه لا يرى متعة الحج بحجة أن ذلك يؤدي إلى هجران البيت في بقية السنة .
ولكن الجواب عن ما قال عمر رضي الله عنه أن نقول إن انتقال الإنسان من الحج إلى العمرة ليصير متمتعاً إتمام للحج لأن الرجل يريد أن يتحلل من العمرة لماذا ؟ ليأتي بالحج ، ولهذا لو أراد أن يفسخ العمرة لا ليتمتع حرم عليه ، فهذا يقال إنه أتم الحج ولكنه انتقل من صفة إلى صفة أفضل منها . هذا الجواب عن رأي عمر رضي الله عنه .
سؤال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : ( طف بالبيت وبالصفا والمروة ) وهو أهل كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : أهل كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يعني لو كان قد ساق الهدي لكان قد قال له استمر في الإحرام .
السائل : وهو مفرد الآن ؟
الجواب : لا .. أبو موسى أهل بإهلال الرسول لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حوله إلى أن يجعله تمتعاً .
السائل : يعني في أول الأمر هو اتبع الرسول يعني أهل بإهلال الرسول ؟
الجواب : هو أصله جاء من اليمن لم يأت مع النبي من المدينة ، جاء من اليمن وصادف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأبطح ، ما الإشكال ؟
السائل : الإشكال أنا اعتبرت أنه هو ما دام أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يعني كأنه مقرن ..... ؟
الجواب : لا .. هو ما يدري ، ولهذا لما قال بما أهللت لم يقل أهللت بالقران ، قال : كإهلال النبي ، وهو مجهول عنده .
سؤال : أحسن الله إليك ، هل تلبيد الرأس سنة عند الإحرام ؟
الجواب: إي نعم سنة إذا كان الإنسان لا يريد الحل أما إذا أراد الحل لا يلبده لأنه إذا أراد الحل لابد أن يقصر تقصير الملبد صعب أو متعذر .
سؤال : الرسول صلى الله عليه وسلم أقر علي رضي الله عنه على ما أهل عليه وهو ما ساق الهدي؟
الجواب : لا .. ساق الهدي ، علي قد ساق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشركه في هديه وهو قد جاء ببعض الإبل من اليمن على حساب الرسول لكن الرسول أشركه فصار هذا الإشراك إلى أول النسك .
السائل : لكنه قال لأبي موسى اجعلها عمرة ؟
الجواب : لأن أبا موسى ما معه هدي ، الفرق أن علياً معه هدي .(245/47)
127 ـ بَاب الحَلقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلال
1611 حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَال نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ حَلقَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي حَجَّتِهِ .
1612 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال اللهُمَّ ارْحَمِ المُحَلقِينَ قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللهِ قَال اللهُمَّ ارْحَمِ المُحَلقِينَ قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللهِ قَال وَالمُقَصِّرِينَ.
وَقَال الليْثُ حَدَّثَنِي نَافِعٌ رَحِمَ اللهُ المُحَلقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَال وَقَال عُبَيْدُاللهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَال فِي الرَّابِعَةِ وَالمُقَصِّرِينَ(1)
__________
(1) جزم إنها في الرابعة وعلى كل حال في الثالثة أو في الرابعة يدل على أن المحلقين أفضل لأنه دعا لهم من أول الأمر بدون سؤال ، ولم يدع للمقصرين إلا بعد أن سُئل وأُلح عليه في السؤال ، ثم قال أيضاً لما أراد أن يدعو للمقصرين قال: (( والمقصرين )) إشارة إلى أنهم تبع لمن ؟ للمحلقين حيث أتى بالواو ولم يقل اللهم ارحم المقصرين قال : ((والمقصرين )) ، ومعلوم أن تكرار العامل أبلغ من العطف كما يشهد لهذا قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وهذا يدل دلالة واضحة على أن الحلق أفضل ، فلا تبخل يا أخي على نفسك بشعرات تبقى على رأسك ، احلقها وسوف تنبت ، لكن بعض الناس تجده يشح يذهب مثلاً ويقصر بالماكينة نمرة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربع .(245/48)
1613 حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَليدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ القَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اللهُمَّ اغْفِرْ للمُحَلقِينَ قَالُوا وَللمُقَصِّرِينَ قَال اللهُمَّ اغْفِرْ للمُحَلقِينَ قَالُوا وَللمُقَصِّرِينَ قَالهَا ثَلاثًا قَال وَللمُقَصِّرِينَ(1)
1614 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ قَال حَلقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ .
1615 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِي الله عَنْهمْ قَال قَصَّرْتُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِشْقَصٍ(2)
__________
(1) يقال في الجمع بين حديث ابن عمر وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا مرة بالرحمة ومرة بالمغفرة وهما متلازمان ، أما الرحمة فإنها تدخل فيها المغفرة ؛ لأن الرحمة هي جلب المنافع ودفع المضار والمغفرة دفع المضار ، فالرحمة أبلغ .
(2) هذا في غير حجة الوداع ؛ لأنه في حجة الوداع لم يقصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث إنه لم يحل إلا يوم النحر ، وإحلاله يوم النحر بالحلق . شوف الشرح في إشكال في الوقت .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( قصرت ) أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك إما في حج أو عمرة ، وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولاسيما وقد روى مسلم في هذا الحديث أن ذلك كان بالمروة ولفظه : ( قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة ) أو ( رأيته يُقَصَّر عنه بمشقص وهو على المروة ) وهذا يحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة لكن وقع عند مسلم من طريق أخرى عن طاوس بلفظ : ( أما علمت أني قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص وهو على المروة فقلت له لا أعلم هذه إلا حجة عليك ) وبين المراد في ذلك في رواية النسائي فقال بدل قوله : (فقلت له لا ... الخ ) يقول ابن عباس : وهذه على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولأحمد من وجه آخر عن طاوس عن ابن عباس قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات الحديث وقال وأول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجبت منه وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص .ا.هـ.
وهذا يدل على أن ابن عباس حمل ذلك على وقوعه في حجة الوداع لقوله لمعاوية إن هذه حجة عليك إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة .
وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم ، وفي كونه في حجة الوداع نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة . وقد بالغ النووي هنا في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا وثبت أنه حلق بمنى ، وفرَّق أبو طلحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان . هذا هو الصحيح المشهور ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظاهرت الأحاديث في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : (( أني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر )) قلت : ولم يذكر الشيخ هنا ما مر في عمرة القضية والذي رجحه من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند لكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في عمرة القضية مكة خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت ، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاه ولا يعارضه أيضا قول سعد بن أبي وقاص فيما أخرجه مسلم وغيره : ( فعلناها ـ يعني العمرة ـ في أشهر الحج وهذا يومئذ كافر بالعرش ) بضمتين يعني بيوت مكة يشير إلى معاوية لأنه يحمل على أنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه . ويعكر على ما جوزوه أن تقصيره كان في عمرة الجعرانة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب من الجعرانة بعد أن أحرم بعمرة ولم يستصحب أحدا معه إلا بعض أصحابه المهاجرين فقدم مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها كبائت فخفيت عمرته على كثير من الناس . كذا أخرجه الترمذي وغيره ولم يُعد معاوية فيمن صحبه حينئذ ولا كان معاوية فيمن تخلف عنه بمكة في غزوة حنين حتى يقال لعله وجده بمكة بل كان مع القوم وأعطاه مثل ما أعطى أباه من الغنيمة مع جملة المؤلفة .
وأخرج الحاكم في الإكليل في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل .
الشيخ : هذا ضعيف لأنه إذا قَصَّر أولاً حل ولم يبق للحلق فائدة ولا يكون الحلق نُسكاً لأنه حلل .
متابعة التعليق : وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم لله الحمد أبدا . قال صاحب الهدي الأحاديث الصحيحة المستفيضة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه إلى يوم النحر كما أخبر عن نفسه بقوله فلا أحل حتى أنحر وهو خبر لا يدخله الوهم بخلاف خبر غيره ، ثم قال ولعل معاوية قصر عنه في عمرة الجعرانة فنسي بعد ذلك وظن أنه كان في حجته. ا.هـ.
الشيخ : على كل حال سمعتم في بعض روايات مسلم يقول : ( رأيته يُقصر ) فيحتمل إن معاوية رضي الله عنه رآه في عمرة القضاء وهو على كفره أو على إسلامه سراً والذي قصره غيره ، وأما عمرة الجعرانة فيه .... المهاجرين الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .... يدل على ..... لأن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم . وأما ما أبداه ابن القيم رحمه الله من الاحتمال فالأصل عدم الاحتمال ، احتمال أنه نسي ونقل تقصيره في الجعرانة إلى تقصيره في الحج ، فالأصل عدم هذا ، فالذي يظهر أن يقال : إن معاوية رضي الله عنه إن صح أنه رآه فقط فلا يمنع أن يكون ذلك في عمرة القضاء قبل أن يسلم معاوية ؛ لأن معاوية ما أظهر إسلامه إلا عام الفتح ولا يمنع أن يرى أحداً يقصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا مانع ، فأما إذا لم يستقم هذا وكان هو الذي قصَّر أي كان ذكر تقصيره إياه أرجح من ذكر رؤيته إياه يُقصر فتُحمل على الجعرانة وليس في هذا إشكال.
سؤال : الذين يقصرون الشعر إلى آخر درجة وتبقى شعيرات صغيرة جداً هل يعتبر حلق هذا ؟
الجواب : لا .. تقصير ، حتى إذا نمرة واحد تقصير .
سؤال : من المعلوم أن النسك إذا دُفع فيه أكثر كالأضحية مثلاً كان أعظم الأجر ويترتب على هذا ألا يساوم عليه ؟
الجواب : لا .. هو أولاً ليس الأكثر قيمة هو الأفضل بل الأفضل لحماً هو الأفضل وإن لم ترتفع قيمته ، لكن عند التساوي يقال إن الأكثر قيمة أفضل من حيث الدلالة على أن هذا الذي ضحى مثلاً بذل المال المحبوب إليه في محبة الله عز وجل .
السائل : لكن هل له أن يساوم أو الأفضل عدم المساومة ؟
الجواب : لا .. يساوم ولا بأس لاسيما في هذا الوقت .
السائل : حتى في الحلق ؟
الجواب : في الحلق غالب الناس يعرفون الأجرة ، الأجرة معروفة ما يمكن يزيد الحلاق .
السائل : لكن قول بعض العلماء إن النسك لا يشارط عليه ؟
الجواب : ما هو بصحيح ، هم قالوا لا يجوز في الحلق لكن ما هو بصحيح . ولاسيما الآن الهدي لو قلنا لا تشارط يجيء واحد يريد يبيع الهدي يحب مالاً كثيراً يقول مثلاً هذا بألفين . تقول لا .. كثير ، قال أنزل لك مائتين بثمانمائة ، .. كثير ، قال : أنزل لك مائتين . كم صار ؟ ستمائة، قلت : يا رجل خليه بخمسمائة . شوف كيف نزل ؟ وهذا شيء مجرب .
سؤال : بارك الله فيك ، من لبد رأسة ووضع دهان على يديه أو رجليه يمنع من وصول الماء هل يعتبر .... ؟
الجواب : الدهن ما يمنع وصول الماء ، إذا كان مائعاً ما يمنع وصول الماء ، أما إذا جمد على العضو منع وصول الماء .
سؤال : الذين يذهبون للحج ومعهم الهدي يركب في السيارة ، ما يكون من السنة تقليد السيارة التي يركبها الهدي ؟
الجواب : إي نعم يكون من السنة تقليد السيارة إذا صار بيذبحها !
السائل : يعني ما يضع عليها خطوط ؟
الجواب : لا .. العلامة لا بأس من العلامة ، مثل الكتابة الآن يعني مثلاً سيارة الهدي لا بأس .
سؤال : أبو طلحة قال : إنه فرَّق شعر النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس ، الآن في بعض المتاحف في بعض الدول تجد عندهم من الشعر هذا ، في متاحف الآن في تركيا تجد عندهم من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وتصور توزع على بعض المدار على الطلاب ؟
الجواب : هذا ما يجوز ، أولاً : من يقول هذا ؟ ........... والثاني : هل يجوز أن نتبرك برؤية شعر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الحقيقة إن الاتجاه للآثار الحسية يؤدي إلى غفلة القلوب عن الآثار المعنوية الشرعية ، يصير الإنسان يتعلق قلبه بهذا الشعر أو بهذا النعل أو بهذا القدم ، لكن ما سمعت إنه يُعرض في المدارس ، هنا في السعودية ؟! بعد تثبت يا رجل إنه يعرض .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يقول تكفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى القران ........؟
الجواب : من ؟ عمر ؟ المعروف أن عمر وأبا بكر رضي الله عنهما يأمرون بالإفراد لأن القران أصلاً لا يكون إلا لمن معه الهدي ، فكانوا يأمرون بالإفراد يقولون حج الآن واعتمر في الشهر الثاني . لا ما قصده هذا ، قصده ألا يحل .
سؤال : تلبيد الرأس قلنا لا يمنع من صحة الوضوء ، إذا احتاج بعد أن لبد رأسه إلى غسل الجنابة ؟
الجواب : هذا لابد أن يزيل التلبيد ويغسل كل الشعر حتى الجلد .
السائل : ومثله المرأة ؟
الجواب : ومثله المرأة .
سؤال : الهدي في أول يوم يكون غالياً جداً فهل لنا أن نؤخره إلى آخر يوم ؟
الجواب : لا تفعل ، أحياناً تكون في أول اليوم أرخص من ثاني يوم وفي ثاني يوم أرخص من الثالث .
السائل : مجرب العكس ؟
الجواب : لا .. مجرب هذا وهذا ، كيف العكس ؟
السائل : أول يوم كانت رخيصة .
الجواب : هي الحقيقة العرض والطلب ، لا شك أن طلب الناس في أول الأيام لأن كل واحد يحب أن يتقدم ، لكن العرض له تأثير ، أحياناً تنفذ البهائم ولا يجد منها شيئاً ، وأحياناً يوجد قليل ويكون كثير الثمن .
أنا أرى أنه إذا كان عندك قدرة مالية أن تبدأ بأول يوم ، أولاً لأنه أفضل ، وثانياً لأنه احتياطاً ، والثالث أنه ربما لا يوجد شيء .(245/49)
128 ـ بَاب تَقْصِيرِ المُتَمَتِّعِ بَعْدَ العُمْرَةِ
1616 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُليْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا .
129 ـ بَاب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَقَال أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمْ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الزِّيَارَةَ إِلى الليْل وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ يَزُورُ البَيْتَ أَيَّامَ مِنًى .
1617 وَقَال لنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَرَفَعَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُاللهِ .(245/50)
1618 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَال حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلهِ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّهَا حَائِضٌ قَال حَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَال اخْرُجُوا وَيُذْكَرُ عَنِ القَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ(1)
__________
(1) وهذا هو المتعين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف يوم النحر ، وفي السياق الطويل المتقن الذي رواه مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما حل أولاً نزل إلى مكة فطاف وحان وقت صلاة الظهر فصلى الظهر في مكة ثم خرج . وفي الصحيحين عن أنس أنه صلى الظهر بمنى ظهر العيد ، والجمع بينهما أنه صلى الظهر أولاً في مكة ثم خرج إلى منى فوجد أصحابه ـ يعني بعضهم ـ لم يصلوا فصلى . وأما زيارته في الليل فهذه شاذة ليست صحيحة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في منى ليلاً ونهاراً ولم ينزل إلى مكة إلا حين أتم حجه ، نزل وبات في المحصب إلى آخر الليل ثم ارتحل وطاف للوداع ومشى . ولهذا البخاري رحمه الله الرواية الأولى عن أبي الزبير علقها ، ثم إن أبا الزبير رواه عن عائشة وهو مُدلس لا يُحمل حديثه على الاتصال إلا إذا قال حدثنا أو نحوه . ثم الأثر الثالث يُذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى . يُذكر بصيغة التعريض ، وذكر البخاري له مع أنه ضعيف عنده لينبه على أن هذا ضعيف حتى لا يأخذ به أحد لو قرأه في كتاب آخر . ( وَقَال لنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ ) هذا ما فيه إشكال .(245/51)
130 ـ بَاب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى
أَوْ حَلقَ قَبْل أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً
1619 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قِيل لهُ فِي الذَّبْحِ وَالحَلقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَال لا حَرَجَ.
1620 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ لا حَرَجَ فَسَأَلهُ رَجُلٌ فَقَال حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال اذْبَحْ وَلا حَرَجَ وَقَال رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَال لا حَرَجَ(1)
__________
(1) الحديث الأول والثاني ليس فيه ذكر ناسي أو جاهل ، لكن البخاري رحمه الله ذكر الترجمة إشارة إلى لفظ آخر للحديث ، قال : ( لم أشعر ففعلت كذا ) وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة فقيل إنه لا يُعذر إلا من كان ناسياً أو جاهلاً وحملوا هذه المطلقات على العذر بجهل أو نسيان ، ولكن هذا ضعيف جداً لأن قوله : ( لم أشعر ) حكاية حال ، وقوله : ( لا حرج ) لفظ عام . وأيضاً فإنه قال : ( لا حرج ) ولم يقل ولا تعد كما في قصة أبي بكرة حين ركع قبل أن يصل الصف قال : (( زادك الله حرصاً ولا تعد )) . فالصواب الذي لا شك فيه أن تقديم هذه الأنساك بعضها على بعض ليس فيه حرج سواء كان ناسياً أو جاهلاً أو عالماً أو ذاكراً لا حرج والحمد لله الأمر سهل .
سؤال : إذا كان المتمتع في غير أشهر الحج ساق الهدي ، فهل لا يحل حتى ينحره أو لا ؟
الجواب : إذا ساق الهدي ينحره في وقته ، ما يبقى إلى الحج ، إي نعم يذبحه بعد انتهاء العمرة .
سؤال : مراد البخاري تكرار المعنى الواحد في الأحاديث ؟
الجواب : مقصده لابد أن يكون هناك سبب إما في الإسناد وإما في المتن ، لكن البخاري رحمه الله له فهم عميق في هذه المسائل قد يخفى على كثير من الناس .
سؤال : بالنسبة للحلق هل يكون في العمرة كذلك ؟
الجواب : إي نعم أفضل في العمرة إلا المتمتع فالأفضل في حقه التقصير ، أليس إذا صادف الإنسان صلاة العيد يوم النحر فهل يصلي ؟ نعم يصلي .(245/52)
131 ـ بَاب الفُتْيَا عَلى الدَّابَّةِ عِنْدَ الجَمْرَةِ
1621 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلحَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ فَقَال رَجُلٌ لمْ أَشْعُرْ فَحَلقْتُ قَبْل أَنْ أَذْبَحَ قَال اذْبَحْ وَلا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَال لمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ قَال ارْمِ وَلا حَرَجَ فَمَا سُئِل يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إِلا قَال افْعَل وَلا حَرَجَ
1622 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلحَةَ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِليْهِ رَجُلٌ فَقَال كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْل كَذَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَال كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْل كَذَا حَلقْتُ قَبْل أَنْ أَنْحَرَ نَحَرْتُ قَبْل أَنْ أَرْمِيَ وَأَشْبَاهَ ذَلكَ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ افْعَل وَلا حَرَجَ لهُنَّ كُلهِنَّ فَمَا سُئِل يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلا قَال افْعَل وَلا حَرَجَ .(245/53)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَال أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِي الله عَنْهمَا قَال وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَلى نَاقَتِهِ فَذَكَرَ الحَدِيثَ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ(1)
132 ـ بَاب الخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى
__________
(1) فيه دليل على جواز الخطبة على الراحلة ، أما السيارة فلا إشكال لأنها لا تتعذب ولا يشق عليها ، وأما البعير فهذا مقيد بما إذا لم يشق عليه فإن شق عليه فلا ؛ لأنه لا يجوز الإشقاق على البهائم . وفيه دليل على طلب ارتفاع الخطيب وذلك لفائدتين :
الفائدة الأولى : انه أبلغ في إسماع الصوت .
والثانية : أن مشاهدة الخطيب لها تأثير بالنسبة للإنصات والمتابعة .
فلهذا ينبغي أن يكون على علو .
سؤال : بالنسبة لحديث حفصة النبي صلى الله عليه وسلم في الإحرام بالتلبيد لمن ساق الهدي ، هل في هذا دليل على قول من قال إن التحلل الأول يكون بالرمي والحلق ، لأن هذا الحديث فيه دلالة ـ الذي مر معنا ـ على أن الإنسان إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحر ، هل نقول أيضاً إن الإنسان لا يحل التحلل الأول حتى يحلق ؟
الجواب : هذا هو الراجح إنه ما يمكن أن يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق . وما فيه دليل ، هذا قد يقول قائل فيه دليل على أنه إذا نحر وإن لم يحلق حل لأنه قال : (( حتى أنحر )) لكن مر علينا في بعض السياقات أنه قال : (( حتى أحل )) .(245/54)
1623 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَال يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَال فَأَيُّ بَلدٍ هَذَا قَالُوا بَلدٌ حَرَامٌ قَال فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَال فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال اللهُمَّ هَل بَلغْتُ اللهُمَّ هَل بَلغْتُ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوَصِيَّتُهُ إِلى أُمَّتِهِ فَليُبْلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ(1)
__________
(1) هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) يضربُ : يتعين أن تكون بالرفع لأنها صفة للكفار ، ولا يجوز الجزم على أنها جواب النهي لأنه يختلف المعنى كثيراً . وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( كفاراً )) إن كانوا يفعلون ذلك على سبيل الاستحلال فهو كفر أكبر ، وإن كانوا يفعلون ذلك لعصبية أو تأويل أو ما أشبه ذلك فهو كفر أصغر إذا لم يوجد ما يقتضي أن يكون كفراً أكبر ، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم } .(245/55)
1624 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَال سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو.
1625 حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَال أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَال أَليْسَ ذُو الحَجَّةِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ بَلدٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَتْ بِالبَلدَةِ الحَرَامِ قُلنَا بَلى قَال فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا إِلى يَوْمِ تَلقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلا هَل بَلغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَال اللهُمَّ اشْهَدْ فَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ(1)
__________
(1) خطب بعرفة اليوم التاسع ، وخطب يوم النحر اليوم العاشر .(245/56)
1626 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِمِنًى أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ فَقَال فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلدٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ قَال بَلدٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ قَال شَهْرٌ حَرَامٌ قَال فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا وَقَال هِشَامُ بْنُ الغَازِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَّةِ التِي حَجَّ بِهَذَا وَقَال هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ اللهُمَّ اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا هَذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) ش13 ـ وجه ب :
يقول : ( وقف يوم النحر بين الجمرات ) البينية الآن هل هي بين الأولى والثانية أو بين الثانية والثالثة ؟ فيه احتمال لكن في بعض طرق الحديث أنه خطب عند الجمرة الكبرى ، فيكون مبين لهذا أي بين الوسطى والأخيرة . وفي قوله : ( أي يوم هذا ، أي شهر ، أي بلد ) تنبيه المخاطب واستدعاء إنصاته ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم هذا ولم يغيره عن أصله ، لكن من أجل أن ينتبهوا ويؤكد حرمة الدماء والأموال والأعراض .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، بالنسبة لتسمية الجمرة الشمالية بالكبرى ، ما أعرف هل بسبب أنها تُرمى يوم العيد يوم النحر ؟
الجواب : هذا هو الظاهر أنها الكبرى لأنها تُرمى من دون أخواتها وأيضاً الناس ينحصرون فيها لأن مكانها ضيق فسُميت كبرى لمشقة رميها.
سؤال : التخيير بين الأنساك في يوم النحر ؟
الجواب : في يوم النحر ، كيف ؟ عرفة فاتت ومزدلفة .
السائل : ثم بعده النحر .
الجواب : لكن التخيير بين الأنساك ، الأنساك ثلاثة التمتع والقران والإفراد .
السائل : لا يا شيخ ، ما يفعله الحاج يوم العيد ، التخيير بين أعمال الحج يوم العيد .
الجواب : أكمل السؤال .
السائل : أقول يا شيخ التخيير في هذه الأمور لم أفهم كيف يدخل فيه القارن الذي الساق الهدي لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قيده بالحل ؟
الجواب : هذا إما أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه التخيير فيما بعد ؛ لأنه قال هذا الكلام قل أن يخرج فرخص للأمة بعد أن قال هذا ، وإما أن يقال هذا خاص فيمن ساق الهدي لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .
السائل : يعني يُستثنى من ساق الهدي ؟
الجواب : لا .. هذا على الاحتمال الثاني ، أما على الاحتمال الأول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُذن له بالترخيص بعد ذلك فلا يرجع لهذا. دليل ذلك حديث ابن عمر لما سُئل ما يلبس المُحرم ؟ قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين)) هذا في المدينة ، في عرفة وهو بعد حديث ابن عمر حديث ابن عباس ، قال : (( من لم يجد نعلين فليلبس الخفين )) ولم يذكر القطع ، فصار القطع منسوخاً بعد أن كان واجباً .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، أيام منى بعض الناس يشتغلون بالمديح ؟
الجواب : مدح من ؟
السائل : مدح النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب : ما سمعنا بهذا إلا منك .
السائل : في ناس يفعلون هذا ويقولون هذا من الذكر ، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أيضاً من الذكر .
الجواب : قل لهم لماذا لا تمدحون الله كما تزعمون ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ؟
السائل : يقولون لهذا المديح ؟
الجواب : المديح ما هو بلازم ولا ورد عن الصحابة ، لكن مساكين هؤلاء لعب عليهم الشيطان فجعل تعظيم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قلوبهم أشد من تعظيم الله ، ولهذا رأينا من يبكي إذا مُنع من السفر إلى المدينة لتأخرهم ، رأينا منهم من يبكي ويقول فاتتني الأنوار وفاتني كذا وفاتني كذا ! .. يا رجل الكعبة عندك . قال : لا .. الأنوار في زيارة المختار ! أنا رأيته والله يبكي . مساكين .. ولذلك حق عليكم أنتم أيها الذين اُبتليتم بمثل هؤلاء أن تنصحوهم دائماً ، تقولون لهم من تتبعون ؟ تتبعون الرسول أو أهواءكم ؟ عرفت ؟
بحث مقدم من أحد الطلاب :
الباحث : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فهذا بحث مختصر في الضعفة الذين يسرعون من مزدلفة بعد منتصف الليل هل لهم أن ينحروا هديهم قبل طلوع الشمس أما لا ؟
فنقول وبالله التوفيق : السادة العلماء رحمهم الله هل للضعفة أن يفعلوا من أعمال يوم النحر إذا وصلوا منى ؟ فمنع منهم الإمام مالك وأبو يوسف كما ذكر ذلك ابن هبيرة في الإفصاح . قال القاضي عبد الوهاب ـ وهو من علماء المالكية في كتابه ( المؤونة ) : ولا يجوز هدي التمتع والقران قبل يوم النحر لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم قبل أن يبلغ الهدي محله } وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر . وقال القرافي في ( الذخيرة ) : وفي الكتاب لا يُجزئ ذبح الهدايا قبل الفجر لقوله تعالى : { في أيام معلومات } واليوم النهار لقوله : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً } ولأنه السنة . ا.هـ.
وقال الكمال بن الهمام من الحنفية في شرح فتح القدير : ولا يجوز ذبح هدي التطوع والمتعة والقران ، أما دم المتعة والقران فلقوله تعالى : {فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير ثم ليقضوا تفثهم } وقضاء التفث مختص بيوم النحر كالأضحية . وأجاز الإمام أحمد والشافعي الرمي بعد نصف الليل وكذلك الطواف ، وقال في ( الإنصاف ) : وهو الصحيح من المذهب مطلقاً ، وقال في الطواف : وهو الذي عليه أصحابي . وكذا في مغني المحتاج للشربيني : وأما الحلق فأجازه الشافعية قياساً على الرمي . قال : وقيس الطواف والحلق على الرمي بجامع أن كلاً من أسباب التحلل ا.هـ.
واُعترض عليه في الطواف لأن ثبوته بالنص كما في قصة أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت . ولم أجد كلاماً في الأصحاب في جواز تقديم الحلق بعد نصف الليل وكلهم اتفقوا على تحريم نحر الهدي بعد نصف الليل . وكلهم ـ أي المتقدمين من المالكية والأحناف والحنابلة ـ منعوا نحر الهدي بعد منتصف الليل ، قبل طلوع الفجر من يوم النحر . وأما الشافعي وابن حزم واختاره ابن الخطاب من الأصحاب كما في الإنصاف ، قالوا : وقت استحباب ذبحه يوم النحر ووقت جوازه بعد الفراغ من العمرة وبعد الإحرام بالحج .
الشيخ : هدي التمتع .
الباحث : إي نعم ، وهل يجوز بعد الفراغ من العمرة ؟ وجهان كما ذكر النووي في ( المجموع ) قال ابن حزم في ( المحلى ) : ولا يجزئه أن يهدي إلا بعد أن يحرم بالحج ، وقولنا لا يجزئه أن يهديه إلا بعد أن يحرم بالحج وأن له أن يذبحه أو ينحره متى شاء بعد ذلك ولا يجزئه أن يهديه أو ينحره إلا بمنى أو مكة فلأن الله تعالى قال : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وإنما أطلقه تعالى على من تمتع بالعمرة إلى الحج، وهو قول الشافعي وأبي سليمان . وقال أبو حنيفة ومالك لا يجزئه الهدي قبل يوم النحر ، وهذا القول لا دليل على صحته بل هو دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو ساقط . انتهى كلامه .
وقالوا أيضاً في الاستدلال عليه : إنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر وهو أولى من الصوم لأنه مُبدل . قال الشنقيطي في ( أضواء البيان ) : القول بعدم الاختصاص بيوم النحر ويمين أو يوم بعده ظاهر البطلان لأن عدم الاختصاص بجعل زمن النحر مطلقاً ليس مقيداً بزمان وهذا يرد صريح قوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فجعل وقته أياماً معلومات يرد الإطلاق بالزمن رداً لا ينبغي أن يُكتب فيه كما ترى . ا.هـ.
وهنا تنبيه : قول الفقهاء إن وقت ذبح الهدي كوقت الأضحية قياساً عليه اختلفوا فيه ، فقال آخرون : يصح من بعد فجر يوم النحر . وهو ظاهر كلام القاضي عبد الوهاب من المالكية وابن الهمام من الأحناف وكلام القاضي أبي يعلى وأصحابه من الحنابلة . وهو الظاهر لأن الله قال : { في أيام معلومات } وإقرار شيء منها يفتقر إلى دليل . وقياسه على الأضحية معارض بدعاء الحاجة إلى بيانه ، ولما لم يُبين دل على جوازه من طلوع الفجر . والله أعلم .
هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقني وشيخنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرزقنا علماً نافعاً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ : ولا شك الاحتياط أن لا يذبح إلا إذا ارتفعت الشمس ، لكن لو أن أحداً سألنا بعد أن وقع منه الفعل فلا نتجاسر فنقول إن هديك لا يُقبل ؛ لأن عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن نحر قبل أن يرمي تقتضي إجزاءه ، لاسيما وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أن من الناس من يتقدم قبل الفجر . فيُقال : الأولى أن لا يذبح إلا بعد ارتفاع الشمس وإن ذبح وجاء يسأل بعد أن ذبح فلا نتجاسر على وجوب إعادة الهدي .
سؤال : بعد منتصف الليل أو بعد الفجر لا نتجاسر أن نقول أعد ؟
الجواب : إي .. إذا جاز الرمي ونحر في وقت يجوز فيه الرمي على حسب حال الحاج فهنا لا نتجاسر على أنه يعيد .(245/57)
133 ـ بَاب هَل يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى
1627 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ح .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ ح .
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ قَال حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ العَبَّاسَ رَضِي الله عَنْه اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليَبِيتَ بِمَكَّةَ ليَاليَ مِنًى مِنْ أَجْل سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لهُ تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ(1)
__________
(1) هذا الباب وما فيه من الأحاديث ظاهر الأحاديث أنه لا يجوز أن يبيت إلا في منى لأن ( أذن ) و( استأذن ) و( رخص ) وما أشبه ذلك إنما تكون في أمر واجب فيستأذن منه . فيُستفاد من ذلك أن من يشتغل لمصالح الحجاج فإن له أن يدع المبيت كما يشهد لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للضعاف أن يدعوا المبيت .
وعلى هذا فنقول الشرطة في المرور والنجدة وما أشبه ذلك يحل لهم ترك المبيت لأنهم يشتغلون لصالح الحجيج ، والأطباء والممرضون وما أشبه ذلك يحل لهم أن يدعوا المبيت لأنهم يشتغلون بمصالح الحجيج . الدعاة هل نلحقهم بهذا أو يُقال إن الدعاة يحصل أو يدركون عملهم في أي مكان ؟ الثاني ، الظاهر إن الدعاة لا يُرخص لهم لأنهم يدعون إلى الخير في أي مكان . هذا مع إمكان المبيت في منى ، أما إذا لم يمكن المبيت امتلأت منى ولم تجد مكاناً إلا على الأرصفة أو في الشوارع على وجه تتأذى وتؤذي ، فهل يسقط المبيت ونقول الآن بت في أي مكان تريد أو نقول إنه يجب أن تبيت عند آخر خيمة سواء من جهة مزدلفة أو من جهة مكة ؟ الذي يظهر لي أنه يجب أن يبيت عند آخر خيمة ؛ لأن هذا ـ أعني المبيت عند آخر خيمة ـ نظير ما إذا امتلأ المسجد بالمصلين فإنهم لا نقول تسقط عنكم الجماعة ، نقول صلوا متصلين بالمصلين . لكن لو قال إنه لا يتمكن فحينئذٍ يسقط وإذا سقط يبيت في أي مكان . انظر ترجمة البخاري في الفتح .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى ) مقصوده بالغير من كان له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاة. قوله : ( عن عبيد الله ) هو بن عمر العمري ، قوله : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كذا اقتصر عليه وأحال به على ما بعده ، ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى عن عيسى بن يونس المذكور في الإسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته . قوله في طريق ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن كذا اقتصر عليه أيضا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر المذكور في الإسناد أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية . قوله : ( تابعه أبو أسامة ) أي تابع ابن نمير وصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله ولفظه مثل رواية ابن نمير .
وفي الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن ، وبالوجوب قال الجمهور وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة ، ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل . وهل يختص الإذن بالسقاية وبالعباس أو بغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم ، فقيل يختص الحكم بالعباس وهو جمود ، وقيل يدخل معه آله وقيل قومه وهم بنو هاشم ، وقيل كل من أحتاج إلى السقاية فله ذلك ، ثم قيل أيضا يختص الحكم بسقاية العباس حتى لو عملت سقاية لغيره لم يرخص لصاحبها في المبيت لأجلها ، ومنهم من عممه وهو الصحيح في الموضعين . والعلة في ذلك إعداد الماء للشاربين وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره محل احتمال ، وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يتعاهده بأهل السقاية كما جزم الجمهور بإلحاق الرعاء خاصة وهو قول أحمد واختاره ابن المنذر أعني الاختصاص بأهل السقاية والرعاء للإبل .
والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني ، وقال المالكية يجب الدم في المذكورات سوى الرعاء .
الشيخ: كلام الإمام أحمد رحمه الله أنه عام لكل من كان لسقاية أو رعاية.
متابعة التعليق : قالوا ومن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة ، وقال الشافعي عن كل ليلة إطعام مسكين ، وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دم وهي رواية عن أحمد ، والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه وقد تقدم الكلام على سقاية العباس في الباب المشار إليه في أول الكلام على هذا الباب . وفي الحديث أيضا استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من استؤمر إلى الأذن عند ظهور المصلحة والمراد بأيام منى ليلة الحادي عشر والليلتين بعده ووقع في رواية روح عن ابن جريج عند أحمد أن مبيت تلك الليلة بمنى وكأنه عنى ليلة الحادي عشر لأنها تعقب يوم الإفاضة وأكثر الناس يفيضون يوم النحر ثم في الذي يليه وهو الحادي عشر والله أعلم .
الشيخ : الصحيح أنه لا يجب الدم إلا إذا ترك المبيت ليلتين وأما واحدة فلا يجب ، لكن هل يتصدق بدرهم أو يتصدق بقبضة من طعام ؟ الظاهر إنه يتصدق بما يُسمى صدقة وأما أن نوجب عليه فيما لو ترك ليلتين شاتين فهذا بعيد ، مع أني لا أظن من قال بأن كل ليلة فيها شاة لا أظنه يقول إذا اجتمعت الليلتان فعليه شاتان ، لكن مهما كان الصواب أنه لا يجب دم إذا قلنا بوجوب الدم بترك الواجب إلا إذا ترك الثنتين لأنهما نسك مجتمعتين ، أما إذا ترك واحدة فلا نتجاسر ونقول عليك دم .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، رجال الأعمال كرجال الأمن والمرور والأطباء ، هل يُرخص لهم ترك لباس الإحرام ؟
الجواب : أما رجال الأمن والمرور وما أشبه ذلك فلا بد أن يلبسوا الزي العسكري ؛ لأنهم إن لم يفعلوا ما بقي لهم قيمة أبداً ، وأما الأطباء فيمكن أن يشتغلوا بدون اللباس المعروف ولا يُرخص لهم في أن يلبسوا القميص ونحوه مما مُنع ، ويبقى إذا رخصنا للشُرط من أصحاب المرور وغيرهم بهذا اللباس هل عليهم فدية أو لا؟ الظاهر لي أنه لا فدية عليهم هذا إذا قلنا بوجوب الفدية في اللباس ، والمسألة من أصلها فيها نظر ، لكن حتى لو قلنا بوجوب الفدية فيها ففي إيجابها على هؤلاء نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل )) ولم يذكر فدية ، وهؤلاء محتاجون كأنهم لم يجدوا الإزار لأن عدم لبسهم لهذا اللباس المعين لا يُهيب .
سؤال : أحسن الله إليك ، بعض الناس يترك المبيت بمنى لأنه تاجر يبيع ويشتري في مكة أو لأنه سائق ينقل الناس ؟
الجواب : أما السائق فقد يُقال إنه يُلحق بالرعاة ، وأما التاجر فلا ، التاجر ما جلس إلا يريد المصلحة لنفسه ، نعم لو هو بالدكان ثم إن جاءه الحجاج أعطاهم مجاناً فلا بأس ، كلامك على أنه يعطي مجاناً أو لا ؟
السائل : لا .. والسائق يا شيخ يريد يكتسب ؟
الجواب : حتى الرعاة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظاهرهم يأخذون على رعايتهم .
سؤال : عفا الله عنكم ، في أيام منى بعض الحجاج يذهب لأجل الطواف في أول الليل وأحياناً لا يأتي إلا بعد الفجر ، هل يلزمه شيء ؟
الجواب: لا شيء عليه لكن الأحسن لهؤلاء أن يبقوا إلى أن ينتصف الليل فيكونون معظم الليل في منى ثم ينزلوا إلى مكة ومتى خرجوا خرجوا، هذا الأولى .(245/58)
134 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ
وَقَال جَابِرٌ رَمَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلكَ بَعْدَ الزَّوَال .
1628 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَال سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا مَتَى أَرْمِي الجِمَارَ قَال إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ فَأَعَدْتُ عَليْهِ المَسْأَلةَ قَال كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا(1)
__________
(1) باب رمي الجمار ) أولاً : ما هي الحكمة من مشروعيته ؟ والجواب : أن الحكمة إقامة ذكر الله عز وجل وكمال التذلل والتعبد له ، أما الأول فلقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )) وأما الثاني فظاهر لأن كون الإنسان ينقاد إلى أن يأخذ حجرات يرمي بها هذا المكان دون أن يفهم لهذا علة حسية يدل على كمال انقياده لربه عز وجل وأنه منقاد للشرع على أي حال كان . كما قال عمر في الحجر الأسود : ( لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
وأما عدد الجمار فهي سبع ، لكن كان الصحابة إذا رموا رجعوا يقولون : رمينا خمساً رمينا ستاً ، وهذا يدل على أن الأمر في هذا هين ، يعني نقص حصاة أو حصاتين لا بأس به ولا شيء على الإنسان فيه . وأما مكان الرمي فمكان الرمي يكاد الإنسان يجزم بأنه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوسع من الموجود الآن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى جمرة العقبة على بعيره والناس كذلك ، وهذا يقتضي أن يكون المكان واسعاً . ولكن المسلمون تحجروا هذا المكان المعين من زمان ومشوا عليه وجعلوا الواجب في الرمي أن يقع في هذا الحوض وأنه إن وقع دونه أو تجاوزه لم يصح الرمي . ولا ينبغي الخروج عن إجماعهم، وإلا فالإنسان يشك كثيراً أن يكون موضع الرمي هذا المكان الصغير .
وأما رمي الشاخص فليس بمشروع ؛ لأن هذا الشاخص ما جُعل ليُرمى إنما جُعل علامة على مكان الرمي . وأما هل يرمي أو يضع ؟ الأول يرمي ، فلو فُرض أن الإنسان وقف على الحوض وأخذ الحصى بدأ ينقطها هكذا فإن ذلك لا يُجزئ لأنه لم يرم ، لابد أن يشد يده ويرمي . وهل يسمى هذا رجماً ؟ سُئل سائل متى نرجم ؟ قال إذا وجدت زانياً محصناً . هذا لا يُسمى رجماً إنما يُسمى رمياً كما جاءت به السنة وأما الرجم لم يأت بالسنة وإن قُدر أنه ورد في بعض الألفاظ فإنه من تصرف الرواة .
وأما الصِغر والكِبر فلا تكون كبير ولا صغيرة جداً ، يعني لا تجعلها كحبة ذرة لا تنفع ولا كحبة شعيرة لا تنفع ، لكن اجعلها فوق الحمصة الصفراء ودون البندقة ، لا تكبرها ، وأما ما يفعله بعض الجهال فيرمي بحجر كبير وينفعل ويشتم ويلعن فهذا حرام من اتخاذ آيات الله هزواً .
أما الزمن فقد بينه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي يوم النحر ضحى إذا ارتفعت الشمس لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم جلس في مزدلفة حتى أسفر جداً ثم دفع ولم يصل إلى الجمرة إلا حين ارتفع النهار وصار ضحى ، فيرميها ضحى ، أما بعد ذلك فإذا زالت الشمس ، إذا زالت الشمس رمى ولا يرمي قبلها . وكون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤخر الرمي إلى زوال الشمس يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يُجزئ . وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن ليختار هذا الوقت الذي هو أشد ما يكون حرارة ويدع أول النهار الذي فيه البرودة والراحة. وعليه فلا يجوز أن يرمي قبل الزوال إلا يوم العيد كما هو ظاهر. وأما ترخيص بعض العلماء للرمي إذا تعجل قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال فقول لا دليل عليه ولا دليل على أن النافر يرمي ثم يمكث في منى ، بل يرمي ويخرج من منى ، وقد سبق أن بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث من أيام التشريق رمى بعد الزوال ثم نزل إلى مكة وصلى بها الظهر .
فإذا قال قائل : فهمنا أن وقت الرمي في أيام التشريق من الزوال ، فمتى ينتهي ؟ عند فقهائنا رحمهم الله ينتهي بغروب الشمس ، وهذا يُمكن أن يكون بلا مشقة ولا ضرر لو كان عدد الحجاج لا يبلغ هذا المبلغ العظيم ، أما الآن فهل يمكن أن يُقال إن مليون نفر يمكنهم أن يرمي كل واحد منهم سبع حصيات ؟ هذا مستحيل وتعب شديد ، لذلك أفتى العلماء عندنا وهم يفتون على مذهب الحنابلة أنه لا بأس بالرمي ليلاً للحاجة إلى ذلك والمنع ليس مجمعاً عليه والنصوص محتملة ، الابتداء موقت والانتهاء غير موقت ، إلى الفجر ، وهذا هو الذي نفتي به وكنا نتوقف فيه ، وكان أحد طلبة الشيخ عبد الرحمن رحمه الله البارزين رحم الله الجميع ......
إذا عرفنا الآن إن القول الراجح الذي تدعوا الحاجة إليه اليوم أن آخر الرمي طلوع الفجر من اليوم الثاني ، وليُعلم أن للحاجة أثراً في الأحكام الشرعية ، انظر إلى نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجلوس في الطرقات ، نهى عن الجلوس في الطرقات ، قالوا : يا رسول الله هذه مجالسنا ليس لنا منها بد ، قال : (( إن كان ولا بد فأعطوا للطرق حقه )) وذكر حق الطريق . وانظروا إلى العرايا بيع الرطب بالتمر ، غير العرايا جائز أو غير جائز ؟ غير جائز ، في العرايا جائز لدعاء الحاجة ، فالفقير الذي ما عنده دراهم وهذه الرطب على رؤوس النخل الناس يتفكهون في الرطب وهو لا يستطيع لأنه ليس عنده إلا تمر قديم يجوز له أن يشتري تمراً على رؤوس النخل بهذا النخل القديم لكن إذا كان الرطب يساوي القديم كيلاً . لماذا ؟ للحاجة .
فالإفتاء بأنه يمتد إلى طلوع الفجر وهو ليس محل إجماع ، أعني من؟ هذا أمرٌ له وجه قوية في الدين الإسلامي .
هذه الأحجار هل يشترط أن تكون من مكان معين أو من أي مكان ؟ الجواب : من أي مكان ، وقد رأيت في منسك ابن حزم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف عند جمرة العقبة يوم العيد وأمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وجعل يقلبها بيده ويقول كأمثال هؤلاء وهؤلاء . إذاً لا تُلقط إلا عند الحاجة إليها ، وهذا هو والحمد لله هو المُفتى به وهو الذي عليه العمل الآن . وكان الناس فيما سبق يقولون القط الحصى من مزدلفة فرأينا الناس في أرديتهم حزم من حصى مزدلفة ، يربطه تجده يتدلى حصى ، ووجدنا الواحد إذا ضاعت منه حصاة جاء لأخيه يقول : جزاك الله خيراً أقرضني حصاةً ! صحيح .. يسلفه حصى يمكن يرجعها له العام القادم أو يرجع إلى في مزدلفة ، ما أدري عنهم إنهم يستقرض بعضهم من بعض لأن الناس يقال لهم الأفضل تأخذ من مزدلفة ويظن هذا واجب .
وأقول : ليس الأفضل أن تأخذه من مزدلفة إن كنت تريد اتباع السنة ولكن الذين استحبوا أن تأخذه من مزدلفة من السلف الصالح رضي الله عنهم قالوا لأن ليس كل إنسان يتمكن من أن يأمر شخصاً يلقط له الحصى ، ومعلوم أن رمي جمرة العقبة تحية منى فيأمرونهم أن يلقطوا من مزدلفة من أجل أن يكونوا مستعدين للرمي من حين أن يصلوا . هذا الظاهر .
هل يمكن أن يلقط الإنسان الحصى من تحت الحوض المملوء الذي تناثر الحصى منه ، هل يمكن أن يأخذ واحدة ويرمي بها ؟ فيه خلاف ، بعض العلماء يقول لا يمكن أن يرمي بحصاة قد رُمي بها ، لماذا ؟ قالوا : لأن هذه الحصاة اُستعملت في عبادة فلا يصح أن تُستعمل في عبادة مرة ثانية . كالماء إذا تُوضئ به صار طاهراً غير مطهر وكالعبد إذا أُعتق لا يمكن أن يعاد فيُعتق مرة أخرى . سمعتم القياس ؟ فيه نظر . أولاً نقول : الأصل الأول الذي قستم عليه هو أن الماء المستعمل في طهارة لا يستعمل مرة ثانية هذا لا نُسلم به ونقول إن الماء المستعمل في الطهارة يُستعمل في الطهارة مرة أُخرى لأنه طهور وانتقاله من الطهورية إلى الطهارة غير مُسلم . فإذا بطل الأصل الذي نقيص عليه بطل الفرع ، وأما قولكم إن العبد إذا أُعتق فلا يمكن أن يُعتق مرة أخرى فنقول إذا أُعتق لم يكن عبداً بل صار حراً ، والحصاة إذا رُمي بها ماذا تكون ؟ حصاة فلم يصح القياس ، ولهذا لو أن هذا العبد الذي أُعتق ذهب إلى الكفار ثم حصل بيننا وبينهم جهاد فاستُرق هذا العبد يُعتق أو لا ؟ يُعتق ، فبطل القياس . فعندنا معشر الحنابلة لا يجوز أن يرمي بحصاة قد رُمي بها وعند الشافعية يجوز ولا حرج .
قال الذين يمنعون : إذا قلتم أنه يجوز أن يرمي بحصاة قد رُمي بها لزمكم أن تكفوا الحجيج كلهم حصاة واحدة . إيش الإلزام هذا ؟ بمعنى أن الحجيج كلهم يقفون ، لو هذا رمى .. الله أكبر ثم أخذها .. الله أكبر ، ثم أخذها .. الله أكبر .. إلى أن يجيئون عن آخرهم . هل هذا إلزام واقعي ؟ لكن الإنسان عند الجدل يغيب عنه بعض الأشياء .
ش14 ـ وجه أ :
نقول إذا أمكن فأهلاً وسهلاً نلتزم بهذا اللازم إذا أمكن ، لكن إذا صاروا مليون نفر كل واحد يبي يرمي بسبع كم يصير ؟ سبعة ملايين ينتظرون ! يرموا إلى أن يهل هلال محرم . فعلى كل حال يعني بعض العلماء اللهم اعفوا عنا وعنهم يلزمون بأشياء غير واقعية ، لكن سبحان الله أرأيت لو أن إنساناً بيده سبع حصيات واقف عند الجمرة فسقطت واحدة منها ثم رمى بست وتدحرجت إحدى الحصيات وهو يشوفها أخذها ورمى بها كيف يكون ما صح رميه ؟ مشكلة هذه لو قلنا لا يصح كان كل الحصى الذي تحدر من قمة الحصاة لا يُرمى به ونقول إذا سقطت منك واحدة اطلع برة مع الزحام الشديد والضنك والشدة علشان تجيب واحدة وترمي بها .
إذاً القول الراجح أنه يجوز أن يرمي الإنسان بالحصاة المرمي بها لأنها لم تزل حصاة ولم تتغير .
سؤال : التقاط الأحجار من داخل المسجد ؟
الجواب : أي مسجد ؟
السائل : مسجد منى .
الجواب : مسجد الخيف فيه أحجار الآن ؟ لا يجوز أخذها من المساجد لأن هذه فُرش بها المسجد وصارت وقفاً على المسجد .
سؤال : هناك أعمال في العشر يا شيخ وعبادات هل تدل على ميزة العشر في هذه العبادات ؟
الجواب : الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إليه من هذه الأيام العشر )) قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : (( ولا الجهاد )) كل شيء ، كل عمل صالح افعله في هذه الأيام العشر .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليكم ، وجدنا من يفتي الناس بمنى بجواز الرمي في الصباح عن الليلة السابقة أو اليوم السابق في الصباح قبل الزوال استناداً إلى أن الرسول حدد بداية الرمي ولم يحدد آخره . ولما قيل له إن هذا اليوم هو اليوم الثاني وهو يرمي عن اليوم الأول . قال : أيضاً الليلة تكون ثانية عن اليوم ومع ذلك أجازت الهيئة الرمي خلال هذه الليلة ؟
الجواب : هو على كل حال إذا فات الرمي عن وقته لعذر فلا أرى مانعاً أن يُقضى في ضحى اليوم الذي يليه ويكون قضاءً ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )) أما أن يتعمد تأخير الرمي إلى طلوع الفجر فلا أراه جائزاً .
السائل : ولو كان بعيداً ؟
الجواب : إي لكن ما هي بصحيحة، الآن في آخر الليلة لن تجد أحداً .
سؤال : هل يلزم أن يبدأ الليل بمنى ؟
الجواب : ذكرنا لكم أن الأولى لمن نزل إلى مكة ليطوف أن لا ينزل إلا بعد منتصف الليل من أجل أن يستوعب معظم الليل في منى .
السائل : في غير هذه الأيام ، في اليوم الثامن مثلاً ؟
الجواب : ما يلزم ، يعني لو أنه مثلاً خارج منى فلما بقيت ثلثي الليل دخل منى وبات فيها .
سؤال : أحسن الله إليك ، من أخرجها عن وقتها عمداً ؟
الجواب : عمداً ؟ لا ...... نحن ذكرنا لكم يا جماعة قاعدة مفيدة : كل عبادة موقتة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بلا عذر فهي غير مقبولة، والدليل واضح: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ولهذا قلنا من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يقضيها، يتوب إلى الله .
سؤال : في الهدي ...؟
الجواب : في إيش ؟ في الصلاة ؟
الجواب : لا .. الهدي، الهدي ما يذبحه ولا يقبل منه فهو يفعله فقط؟
الجواب : ما هو بواجب ما هو مثل الزكاة ، مع أن الزكاة لها وقت .
مسألة : أرأيت لو رمى بدل الحجر ذهباً ، رمى خرز من الذهب واحد عشرين خرزة ، في اليوم الثاني ـ الحادي عشر ـ ذهب ورمى سبع في الأولى وسبع في الوسطى وسبع في الآخرة ، ماذا تقول ؟
طالب : النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرمي بالأحجار ، فهذا كما قلنا : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) .
الشيخ : سمعتم الجواب ؟ يقول : لقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم بالأحجار وقال : (( بأمثال هؤلاء فارموا )) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . فيه محظور آخر ثالث أنه من باب إضاعة المال .(245/59)
135 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي
1629 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَال رَمَى عَبْدُاللهِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي فَقُلتُ يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَال وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ . وَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ الوَليدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا(1)
__________
(1) يريد برمي الجمار من بطن الوادي يريد بذلك جمرة العقبة ؛ لأنها هي التي يحفها الوادي ، الوادي هو مجرى السيل العظيم ، وكانت هذه الجمرة كانت في سفح جبل رأيناها بأعيننا في سفح الجبل ، والجبل رفيع ، ورميها من الجبل فيه صعوبة وفيه خطورة أيضاً ، فوقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوادي ورماها من بطن الوادي. لكن كيف يرميها؟ المشهور من المذهب عند أصحابنا رحمهم الله أنه يرميها مستقبلاً القبلة ويجعلها عن اليمن ، يجعل الجمرة عن اليمين ويرمي مستقبلاً القبلة . كيف يكون الرمي ؟ يكون هكذا وجهه هنا والجمرة هنا هكذا . هذه في الوقت الحاضر لا يمكن وفي الوقت السابق أيضاً ليس بصحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى من بطن الوادي وجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره واستقبل الجمرة لأن لا يمكن للإدراك أن يكون الرمي في مكانه إلا إذا استقبل المكان .
وقول عبد الرحمن لعبد الله بن مسعود : ( وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ ) يعني مقام النبي صلى الله عليه وسلم . أقسم من أجل أن يدفع التردد الذي يحصل عند بعض الناس إذا رأى الناس يرمونها من فوق ، والقسم من أجل دفع التردد جائز بل قد يكون واجباً . وقوله : ( الذي نزلت عليه سورة البقرة ) ولم يقل محمد صلى الله وعلى آله وسلم ؛ لأن البقرة سنام القرآن وأعظم سوره ، ولأن فيها كلاماً كثيراً عن أحكام الحج ، وهذا وإن كان أيضاً في سورة الحج ففيها أحكام كثيرة من الحج لكن البقرة أفضل من سورة الحج . واعلم بهذه المناسبة أن القرآن الكريم يتفاضل لا من جهة المتكلم به لأن المتكلم به رب العالمين واحد ، لكن تتفاضل السور بما تدل عليه من المعاني العظيمة والفوائد والأحكام ، وإلا فهي من حيث المتكلم سواء .
سؤال : بارك الله فيكم ، ما معنى كون الصحابة رضي الله عنهم يرجعون فيقولون رمينا بخمس أو رمينا بست ، هل يا شيخ هذه نتيجة إسهاب أو نسي أو شك ....... ؟
الجواب : لا هو من باب التساهل والتسامح في هذه الأمور .
السائل : طيب يا شيخ، هل التساهل أثناء الرمي أم إذا رجع الإنسان؟
الجواب : لا .. مع أن كلامنا كلام عام لكن ما ينبغي أثناء الرمي الظاهر أثناء الرمي ما أظنه .
السائل : مثل هذا الذي يحاول أثناء الزحام ويريد مجاهدة ليدخل وهي في يده أو جيبه ؟
الجواب : ما يضر .
السائل : يعني الآن دخل يا شيخ وهو في يده حصيات سبع أو ثلاث ثم رمى فظن أنه رمى سبع فلما رجع وجد الباقي في يده حصاتين، فيبقى أنه رمى ست فقط .
الجواب : وجد في يده حصاتين ؟ يعني ممسوكات باليد ؟
السائل : هذا متيقن إنه رمى ست، لكن في زحمة فهل يرجع ليرمي؟
الجواب : الظاهر إن شاء الله تعالى يسامح فيه ، أحوال الناس الآن ما يمكن أن تقاس على ما سبق .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يا شيخ الظاهر أنه ليس هناك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم شاخص ولا حوض؟
الجواب : لا شاخص ولا حوض .
السائل : ما معنى الجمرة ؟
الجواب : الجمرة هي محل الجمار ، والجمار هي الحصى الصغار ، اسم للحصى الصغار .
سؤال : أحسن الله إليكم ، إذا احتاج الحاج أن يلبس سراويلات قصيرة ، هل نقول لمن لا يحسن ستر العورة إذا لبس الإزار نقول له البس هذا ؟
الجواب : لا نقول ، أحياناً بعض الحجاج يحتاج إلى شيء ، يكون بعض الناس مع المشي تتحاك أفخاذه ويتسلخ ، هذا لا نقول لا بأس أن تلف على الفخذ خرقة تلفها لفاً كما تلف على الجبيرة وتبقى من بداية الإحرام إلى آخره .
السائل : ما يلبس لباس قصير ؟
الجواب : هو على كل حال ، ستر العورة غير وارد لأن الإنسان يستطيع أن يستر عورته ، لكن الوارد هو هذا الذي قلت لك أن تتحاك الفخذان ثم تتسلخ . هل نقول إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص في لبس السراويل لمن لم يجد الإزار يدل على أن الإنسان متى احتاج إلى السراويل ولو في غير هذه السورة ؟ فلا بأس .(245/60)
136 ـ بَاب رَمْيِ الجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1630 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه أَنَّهُ انْتَهَى إِلى الجَمْرَةِ الكُبْرَى جَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَال هَكَذَا رَمَى الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) شوف الترجمة .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب رمي الجمار بسبع حصيات ذكره ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ) يشير بذلك إلى حديث ابن عمر الموصول عنده بعد بابين ويأتي الكلام عليه هناك وأشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن ابن عمر قال ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع وأن ابن عباس أنكر ذلك وقتادة لم يسمع من ابن عمر أخرجه بن أبي شيبة من طريق قتادة وروى من طريق مجاهد من رمى بست فلا شيء عليه ومن طريق طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم .
القارئ : نقرأ في الباب الذي بعده يا شيخ .
الشيخ : اقرأ خليه يتواصل يكمل البحث هذا .
القارئ: (باب يكبر مع كل حصاة قاله ابن عمر) في الباب الذي بعده.
الشيخ : ما يخالف كمل البحث .
متابعة التعليق من فتح الباري : قوله : ( جمرة العقبة ) هي الجمرة الكبرى وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة ، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها ، يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارا فسميت تسمية الشيء بلازمه وقيل لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك . قوله : ( فاستبطن الوادي ) في رواية أبي معاوية عن الأعمش فقيل له أي لعبد الله بن مسعود إن ناسا يرمونها من فوقها الحديث أخرجه مسلم. قوله: ( حاذى ) بمهملة وبالذال المعجمة من المحاذاة . وقوله : ( اعترضها ) أي الشجرة يدل على أنه كان هناك شجرة عند الجمرة .
الشيخ : خليه عنك لأنه طويل ، نشوف أحداً يحقق لنا الموضوع هذا .
القارئ : ما هو المطلوب يا شيخنا ؟
الشيخ : المطلوب إذا نقص عن سبع هل يُسامح في هذا ؟
القارئ : قرأناه .
الشيخ : لكن ودي شيء أبسط من هذا ، يعني أوسع . كأنك تشير إلى أنك ستتولى هذا إن شاء الله .(245/61)
137 ـ بَاب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَجَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ
1631 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنْه فَرَآهُ يَرْمِي الجَمْرَةَ الكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَجَعَل البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَال هَذَا مَقَامُ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ(1)
__________
(1) طيب الجمرتان الأوليان أين يكون موقعه ؟ نقول : إذا أمكن أن يجعل الجمرة بينه وبين القبلة فهو أفضل لأنه يكون حينئذٍ تعبد إلى الله عز وجل متجهاً على الكعبة وإذا لم يمكن بأن كان الزحام شديداً ولكن إن أتيتها من الأمام سار أخف فأتها من الأمام ، وهذا أخف بكثير ؛ لأن الناس يقبلون على الجمرة من الشرق فيتجمعون عند طرفها الشرقي ويرميها من هناك، ومنهم من يفعل ذلك قصداً لأنه يرى أنه من السنة ومنهم من يفعل هذا لأنه متجهه ، لكن إذا رأيت أنك إذا أتيتها من الأمام فهو أسهل فافعل .
سؤال : لماذا نفرق بين جمرة العقبة والجمرات الأخرى ؟
الجواب : نفرق بينهما لأن جمرة العقبة ما يمكن تأتيها من الشرق ، هي في مكان منخفض ومستندة على جدار جبل ، رأينا هذا من قبل ، ولهذا تُسمى جمرة العقبة ، العقبة هي الطريق بين جبلين .
بحث مقدم من أحد الطلاب :
المبحث هذا في مسألة عدد حصى الجمار . اختلف العلماء رحمهم الله في عدد الحصيات التي تُرمى بها كل جمرة على أقوال :
القول الأول : أنها سبع ، وهذا مذهب الأمة الأربعة ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وغيره . ومذهب مالك أن من ترك حصاة واحدة فهو كمن ترك رمي الجميع ، ومذهب الثلاثة أن في ترك حصاة واحدة ...... إطعام مسكين وفي ترك حصاتين ....... وهذا إنما ..... في آخر جمرة من آخر يوم عند من يشترط الترتيب ، وإلا لم يصح رمي ما بعدها ، وفي أكثر من حصاتين دم .
القول الثاني : يجزئه ست ، وهو رواية عن أحمد ، لما رواه كعب بن مالك ، قال : رجعنا في حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض . أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي ، وذكره ابن حزم في المحلى والطبري وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : رجاله رجال الصحيح . وأخذ ابن أبي شيبة في الملحق عن قتادة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : لا أبالي رميت بست أو سبع. وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس أنه سُئل عن رمي الجمار فقال : ما أدري رماه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماها بست أو سبع . قال المحب الطبري في الفراء : وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرة بسبع حصيات من ورواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم . وشك الشاك لا يؤثر في جزم الجازم .
القول الثالث : يُجزئه خمس ، وهو رواية عن أحمد لأنه ثبت عن الصحابة التساهل في البعض ، والأكثر هو حكم الجميع ، قال ابن حزم في المحلى : والراوي من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن يوسف أن عبد الله بن عثمان أخبره أنه سمع أبا حباك الأنصاري يفتي بأنه لا يشهد لما رمى به الإنسان من عدد الحصى ، فجاء عبد الله بن عمرو إلى ابن عمر فأخبره فقال : صدق أبو حبة . قال أبو محمد أبو حبة بدري .
ذكر الحافظ الخلاف في كونه صحابياً وأن الواقدي وغيره أنكر أن يكون في البدريين من يُكنى أبا حبة ، وأن الذي شهد بدراً يُكنى أبا حلة واسمه ثابت بن النعمان وليس هو ذاك .
القول الرابع : ذكره المحب الطبري في الفراء ، وقال : أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرات أجزأه ذلك ، وقال إنما جُعل الرمي في ذلك بالحصى سبباً في حفظ التكبيرات السبع .
قال الموفق في المغني : والأولى أن لا ينقص عن سبع حصيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع حصيات فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا باس ولا ينقص أكثر من ذلك ، وهذا قول مجاهد وإسحق . وفي الكافي قال أحمد : إن رمى بست حصيات فلا بأس وخمس حسن وأقل من خمس لا يرمي أحد وأحب إلي سبع .
الشيخ : الخلاف عليها واضح . وكما قال الإمام أحمد أحب إلينا وهو أحوط وأبرأ للذمة ، ولكن أحياناً لا يمكن التدارك ، فتجد مثلاً الناس يرجعون من الحج ويتدارسون ما حصل ويقول بعضهم رميت الجمرة بخمس حصيات أو بست حصيات . فمثل هذا لا يستطيع الإنسان أن يلزمه بدم . وقد جاء عن العلماء رحمهم الله والسلف ما سمعتم . لكن فتح باب التهاون لا أراه إنما إذا وقعت الواقعة فالإنسان له أن يفتي بما يظن أنه أقرب الصواب . وهذا هو طريق أهل العلم أنه قبل العمل يُعطى الحكم الأحوط أما بعده فيُنظر في أمره لأنه وقعت الواقعة ما يمكن رفعها .
الباحث : بقي معنا تاريخ وضع الحوض هذا .
الشيخ : طيب فائدة .
الباحث : قال الشافعي رحمه الله تعالى : الجمرة مجتمع الحصى لا ما سال من الحصى فما أصاب مجتمع الحصى بالرمي أجزأه ومن أصاب سائل الحصى الذي ليس بمجتمعه لم يجزئه فالمراد مجتمع الحصى الذي في موضعه المعروف وهو الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.ا.هـ. قال ابن حجر الهيثمي في حاشيته على الإيضاح : قوله : الجمرة مجتمع الحصى حده ال..... الطبيعي بأنه ما كان بينه وبين أصل الجمرة ثلاثة أذرع فقط ، وهذا التحديد من تفقهه وكأنه قرر به مجتمع الحصى غير السائل والمشاهدة تؤيده فإن مجتمعه غالباً لا ينقص عن ذلك .ا.هـ.
وقال الشيخ سليمان بن علي بن مشرف في منسكه : المرمى الذي تترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني . وقد بقي مكان الرمي طوال هذه القرون غير محاط بشيء وفي عام اثنين وتسعين ومائتين وألف وضع شق حديدي لمنع الزحام وذلك بفتوى من بعض علماء مكة ، فاعترض على هذا العمل بعض العلماء وأشدهم اعتراضاً الشيخ على با.... عالم جدة وقال إن هذا الشق يوهم بأن ما وراءه كله مرمى فأُزيل ووضع الحائط المحيط بالجمرات الآن وذلك في عام ثلاث وتسعين ومائتين وألف .
الشيخ : طيب هذا فائدة .
سؤال : بخصوص الحوض هل يمكن أن يزاد فيه من أجل الزحام ؟
الجواب : هذا بُحث في هيئة كبار العلماء لكن ما رأوه ، رأوا كل شيء يبقى على ما هو عليه ، كرهوا أن يُحدثوا بالمشاعر شيئاً فيكون ألعوبة كما قال مالك لهارون الرشيد لما أراد أن يعيد الكعبة على بناء إبراهيم ، قال له : يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك . فتركه على ما هو عليه .
سؤال : قولهم ورجعنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحجة وكان أحدنا يقول يرمي بسبع ويرمي بست ، هذا إذا رجع من الحج ، طيب إذا كان أثناء الحج ؟
الجواب : ما فهمنا هل رجعوا من المدينة أو رجعوا من المرمى ؟ ما ندري .(245/62)
138 ـ بَاب يُكَبِّرُ مَعَ كُل حَصَاةٍ
قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
1632 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال سَمِعْتُ الحَجَّاجَ يَقُولُ عَلى المِنْبَرِ السُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا البَقَرَةُ وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالسُّورَةُ التِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ قَال فَذَكَرْتُ ذَلكَ لإِبْرَاهِيمَ فَقَال حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنْه حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ قَال مِنْ هَا هُنَا وَالذِي لا إِلهَ غَيْرُهُ قَامَ الذِي أُنْزِلتْ عَليْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
139 ـ بَاب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ
وَلمْ يَقِفْ قَالهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
140 ـ بَاب إِذَا رَمَى الجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ وَيُسْهِلُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ
__________
(1) كان الحجاج يقول لا تضاف إلى البقرة ولا إلى آل عمران بل يقال السورة التي يًذكر فيها كذا ، ولكن هذا من باب الغلو والتعنت والتنطع، فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول البقرة وآل عمران فكيف بمن دونه ، وابن مسعود كذلك يقول هذا فكيف بمن دونه ؟(245/63)
1633 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا طَلحَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلى إِثْرِ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِل فَيَقُومَ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ فَيَقُومُ طَوِيلا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَال فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ فَيَقُومُ طَوِيلا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُهُ(1)
__________
(1) سبق الكلام على هذا والوقوف سنة وليس بواجب ، فلو أن إنساناً رمى ولم يقف بين الأولى والثانية ، والثانية والثالثة ، فلا حرج عليه .
سؤال : الوقوف يكون على اليمين عند الجمرات ؟
الجواب : حيثما يتيسر في ذلك الوقت الأرض ما هي مستوية مجاري أمطار فيتقدمون حتى يُسهلوا ويأخذوا جهة الشمال بالنسبة للوسطى لأنه هو المناسب ، أما الآن فنقول قف حيث كان أسهل لك والسطى أيضاً .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيكم، الأحجار التي تعلق في الكوبري ما تنزل على نفس الجمرة قلنا إنه ما يجزئ إذا ردتها مظلة أو نعل ونحو ذلك؟
الجواب : لأن العلماء يقولون لابد أن تسقط في نفس الحوض .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، مسالة عدد الحصى ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة قولهم أنهم رموا عن سبعة فمن قصر عن سبعة ما له وجه ولا عذر ؟؟
الجواب : يمكن يكون جاهل الإنسان أو أنه يكون سقطت منه حصاة في هذا الزحام لو أهوى ليأخذها دهسوه .
سؤال : عفا الله عنك ، مثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل فعل الصحابة ، ما لهم وجه لأن السبعة وتر ؟
الجواب : والخمس وتر .
السائل : الخمس وتر لكن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، والتهاون في هذا يا شيخ التهاون في العبادة ما هو طيب ؟
الجواب : صحيح إن الذي ينشر هذا حتى يفشى بين الناس يوجب التهاون ، والناس ربما الآن ودهم تطيح الحصاة علشان ينصرفوا . لكن لو جاءك يسأل بعدما رمى ولم يتمكن . مشكل .(245/64)
141 ـ بَاب رَفْعِ اليَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالوُسْطَى
1634 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِاللهِ قَال حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُليْمَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلى إِثْرِ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ قِيَامًا طَوِيلا فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذَلكَ فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَال فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ قِيَامًا طَوِيلا فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ ذَاتَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ.
142 ـ بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ(245/65)
وَقَال مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا رَمَى الجَمْرَةَ التِي تَلي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ مِمَّا يَلي الوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِل القِبْلةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ التِي عِنْدَ العَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُل حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا قَال الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ يُحَدِّثُ مِثْل هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
143 ـ بَاب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الجِمَارِ وَالحَلقِ قَبْل الإِفَاضَةِ(245/66)
1635 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ القَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَكَانَ أَفْضَل أَهْل زَمَانِهِ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا تَقُولُ طَيَّبْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلحِلهِ حِينَ أَحَل قَبْل أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا(1)
__________
(1) قوله رحمه الله : ( باب الطيب عند رمي الجمار والحلق قبل الإحرام ) يحتمل أن يكون قوله : ( والحلق ) معطوفة على ( رمي ) فيكون المعنى : باب رمي الجمار وباب الحلق ، ويحتمل أن المعنى الطيب والحلق قبل الإفاضة ، يعني أنه يحلق قبل أن ُيفيض ، لكن الظاهر المعنى الأول ، رمي الجمار والحلق بدليل أنه ساق حديث عائشة : ( كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) فقولها : (لحله قبل أن يطوف بالبيت ) يدل على أنه لا حل إلا بعد الحلق وإلا لقالت ولحله قبل أن يحلق ؛ لأنه لو كان يحل برمي جمرة العقبة لكان يحل بالرمي قبل الحلق لأنه بعد الرمي نحر ثم بعد النحر حلق ، فلما قالت : (ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) عُلم أن الحل لا يكون إلا بعد الحلق ، فيكون بين الحلق والطواف بالبيت ، وهذا هو الراجح من قول العلماء وهو الأحوط أنه لا يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق . شوف الترجمة في شرحه .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة ) أورد فيه حديث عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف الحديث ، ومطابقته للترجمة من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته وقد ثبت أنه استمر راكبا إلى أن رمى جمرة العقبة ، فدل ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي وأما الحلق قبل الإفاضة فلأنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه بمنى لما رجع من الرمي ، وأخذه من حديث الباب من جهة التطيب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل ، والتحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف .
الشيخ : قوله : ( بأمرين من ثلاثة ) هذا هو المشهور عند الفقهاء لكن ليس عليه دليل ، يقولون اثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف إذا فعل اثنين حل التحلل الأول ، وبناء على هذا لو حلق وطاف حل التحلل الأول قبل أن يرمي ، وفي نفسي من هذا شيء . والذي ينبغي أن يقال إن التحلل الأول يحصل بالرمي والحلق ، وبالنحر لمن ساق الهدي ، هذا الذي يظهر من السنة . وكأن ابن حجر رحمه الله حمل الترجمة على الاحتمال الثاني يعني أن التطييب وباب الحلق قبل أن يفيض إلى البيت . والترجمة محتملة لهذا المعنى وللمعنى الذي ذكرنا أولاً وهو أن أراد بعد الرمي والحلق فيكون قبل الإفاضة وهذا هو ما يدل عليه عائشة رضي الله عنها ، فالظاهر أن البخاري رحمه الله أراد هذا المعنى دون ما أشار إليه الحافظ .
متابعة التعليق : فلولا أنه حلق بعد أن رمى لم يتطيب وفي هذا الحديث حجة لمن أجاز الطيب وغيره من محظورات الإحرام بعد التحلل الأول ومنعه مالك وروى عن عمر وابن عمر وغيرهما وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفي في باب الطيب عند الإحرام وأحلت على هذا السياق هناك .
تنبيه : قوله : ( حين أحرم ) أي حين أراد الإحرام ، وقوله : ( حين أحل ) أي لما وقع الإحلال وإنما كان كذلك لأن الطيب بعد وقوع الإحرام لا يجوز والطيب عند إرادة الحل لا يجوز لأن المحرم ممنوع من الطيب والله أعلم .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، هل يقال لمن ساق الهدي أنه يجوز أن يتحلل التحلل الأول إذا قدم النحر على الرمي والحلق ؟
الجواب : لا .. حتى ينحر حسب فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من كان يقف في بعض الليل في منى ثم يبيت الباقي خارج منى ؟
الجواب : المبيت في منى المبيت معظم الليل سواء من أوله أو من آخره . فإن كان من أوله فلا بد أن يبقى حتى ينتصف الليل ، وإن كان من آخره فلا بد أن يأتي إلى منى قبل أن ينتصف الليل .
سؤال : عفا الله عنك ، بعض الحجاج يأخذ الحصى الذي عند الجمار متعمداً ، لو فعل هذا تعمداً هل يأثم ؟
الجواب : لا .. ما يأثم ، هو الأسهل لأن الذي عند الجمار حصى كثير لكن في الطريق تبقى مدة ما ترى حصاة ، فبعض الناس يفعل هذا وهو الأسهل له ، وربما يكون فقيها ويفعل هذا ليقتضى به ويتبين أن اشتراط أن لا يكون قد رُمي بها ليس عليه دليل .
ش14 ـ وجه ب :(245/67)
144 ـ بَاب طَوَافِ الوَدَاعِ
1636 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ.
1637 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ الليْثُ .(245/68)
حَدَّثَنِي خَالدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ ابْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) طواف الوداع واجب على القول الراجح بدليل قول أنس رضي الله عنه : ( إلا أنه خفف عن الحائض ) والتخفيف ضده التشديد ، ولو كان غير واجب لكان مخففاً على كل أحد ؛ لأن غير الواجب يستطيع الإنسان أن يتركه، فهذا دليل على أن طواف الوداع واجب . ولكن هل يجب في الحج والعمرة أو في الحج فقط ؟ في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من عد طواف الوداع في واجبات الحج وأسقطه في واجبات العمرة ، ومنهم من قال هو واجب في الحج والعمرة ، والراجح أنه واجب في الحج والعمرة لأن عموم قوله: ( أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض ) يشمل هذا وهذا ، فالناس هم الناس في الحج وفي العمرة ، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمى العمرة حجاً أصغر مع أن الحديث لم يُقيد بالحج ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لزياد بن أمية : ((اصنع في عمرتك ما تصنعه في حجك )) وهذا عام ويستثنى منه بالإجماع الوقوف والرمي والمبيت . ولأن المعنى يتقتضيه فهذا الرجل دخل إلى البيت بتحية وهي الطواف والسعي فكان من المناسب أن يخرج بتحية ، فليست الأولى بأهم من الثانية . فهذا هو الراجح فيه . ولكن ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لو أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند السفر أجزأ عن طواف الواداع .
وأشكل على بعض الناس قالوا : إنه إذا طاف طواف الإفاضة ثم سعى بالحج لم يكن آخر عهده الطواف ، والجواب على هذا من وجههين :
الأول : أن عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت تلك الليلة اكتفت بطواف العمرة عن طواف الوداع . وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة نفسها في صحيحه وستأتي إن شاء الله .
والثاني : أن السعي بعد الطواف تابع له ، بدليل إنه لا يجوز إلا بعد طواف نسك ، ويُغتفر بالتابع ما لا يُغتفر في الأصل .
قال الذين لا يوجبون طواف الوداع في العمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنقل عنه أنه طاف الوداع في عُمَره وإنما أمر بذلك في حجة الوداع . والجواب : إن هذا لا يُعارض لأنه من الواجبات التي حدثت أخيراً أي أنه لم يوجب إلا في حجة الوداع . نعم يستقيم هذا الاستدلال لو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر بعد هذا القول ولم يطف صار الدليل واضحاً ، أما أنه لم يعتمر بعد أن أمر الناس فإنه لا يصح أن يكون دليلاً .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هل يُلحق بالحائض بقية الأعذار إذا خاف مثلاً فوات رفقته إذا دخل بطواف الوداع ؟
الجواب : يُلحق بالحائض النفساء على القول الراجح خلافاً لابن حزم، ابن حزم يقول : النفساء ما يحرم عليها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (( غير أن لا تطوفي بالبيت )) وهي حائض وأمر أسماء بنت عميس عند الإحرام أن تستثفر بثوب وتحرم ولم يقل لها لا تطوفي بالبيت . لكن قوله ضعيف الصواب أن النفاس كالحيض .
أما بقية الأعذار كالمرض وما أشبهه فليس بعذر ولهذا لما قالت أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم إنها كانت مريضة في طواف الوداع ، قال لها : (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة )) ولم يعذرها .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، وجهة نظر من أسقط طواف الوداع عن العمرة يا شيخ الذين أوجبوه في الحج وأسقطوه في العمرة هل لهم وجه في إسقاطه عن صاحب العمرة ؟
الجواب : أنا لا أرى لهذا وجه ، أنا أرى أنه يطوف .
سؤال : رجل حج حجة الفريضة وأول ما شرع في سعي الحج وكان مفرداً ولم يطف طواف القدوم، حج بعدها أكثر من حجة فهل عليه شيء ؟
الجواب : بنية القضاء ؟
السائل : لا .
الجواب : هذا على قاعدة المذهب أن كل الحجج التي بعد الأولى كلها فاسدة لأنه أدخل حجة على حجة ولا يزال إحرامه متعلقاً بالحجة الأولى لأن سعيه لم يصح . والذي أرى إن شاء الله أن الحجات التي وقعت بعد ذلك أنها مقبولة لأنه جاهل وقد اعتبر نفسه محلاً ، وربما يقول متأولاً قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قال سعيت قبل أطوف قال : (( لا حرج )) .(245/69)
145 ـ بَاب إِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
1638 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَال فَلا إِذًا(1)
1639 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْل المَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فقَال لهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لا نَأْخُذُ بِقَوْلكَ وَنَدَعُ قَوْل زَيْدٍ قَال إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا المَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُليْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ(2)
__________
(1) يعني فلا حبس لأنها بقي عليها إيش ؟ طواف الوداع ، وطواف الوداع لا يجب على الحائض .
(2) هؤلاء قد جهلوا حال ابن عباس رضي الله عنه وإلا فمن المعلوم أن ابن عباس أفقه من زيد وأعلم لكنهم لعلهم جهلوا هذا وكان عندهم زيد على جانب كبير من العلم فلم يثقوا بابن عباس ، ولكنهم لا ينبغي لهم أن يقولوا مثل هذا مجابهة ، ولعل هؤلاء من جنس الأعراب .(245/70)
1640 حَدَّثَنَا مُسْلمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال رُخِّصَ للحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَال وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَخَّصَ لهُنَّ(1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن المجتهد بالعلم لا حرج عليه إذا رجع عن قوله الأول ، فحال ابن عمر رضي الله عنهما كان يمنع من أن تنفر المرأة وهي حائض قبل طواف الوداع ثم رجع بعد ذلك ، ولهذا تجد العلماء الذين تبحروا في العلم يكون لهم أقوال متعددة في مسألة واحدة لأنهم كلما اطلعوا على علم أخذوا به . المقلد تجده على خط واحد لأنه لا يتعدى أن يرجع إلى كتاب المُقلد ، لكن المجتهد تختلف أقواله أحياناً ، حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما قيل في مسألة الحمارية فإنه كان أولاً يُسقط الأشقاء . أتعرفون الحمارية ؟
الحمارية : أن امرأة ماتت عن زوج وأم وأخوين من أم وأخوين شقيقين . فمسألتها من ستة : للزوج النص ولأمها السدس ، بقي الثلث للأخوة من الأم ، والأخوة الأشقاء ما لهم شيء . هذا أول ما يسمعها الإنسان يستغرب كيف ما لهم شيء؟ أشقاء مدلون بالأم والأب يُطردون والمدلي بالأم وحدها يرث ؟ هذه يستنكرها الإنسان . فقضى فيها رضي الله عنه أنهم لا يرثون ، ثم بعد ذلك وقع في مسألة أخرى . وألحوا على عمر رضي الله عنه وقالوا : يا أمير المؤمنين هم أدلوا بأم ونحن أدليننا بأم وأب. ويذكر الفرضيون أنهم قالوا لعمر : هب أبانا كان حماراً وظنوا أنهم لو صح هذا لحبسهم وقال إذاً أنتم حمير ونحن ما نعرف إلا الآدميين . لكن ما أذاهم إطلاقاً إنما ذكروا له العلة قالوا هم يرثون بأم ونحن لا نرث بأم وأب؟ فرجع رضي الله عنه وشركهم ، ولكن القول بالتشريك ضعيف جداً مخالف للقرآن والسنة . فإذا راجعنا القرآن وجدنا المسألة الزوج كم له بنص القرآن؟ النصف ، والأم ؟ السدس بنص القرآن ، والأخوة من الأم ؟ الثلث بنص القرآن . السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر )) ألحقنا الفرائض بأهلها ولم يبق شيء .
المهم أنه لا لوم ولا ظن على الإنسان الذي يتبع ما صحت به السنة أو ما جاء به القرآن ويعتمد أولاً على فهمه ثم على فهم آخر إذا تعددت عنه الأقوال في مسالة واحدة .(245/71)
1641 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلا نَرَى إِلا الحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَلمْ يَحِل وَكَانَ مَعَهُ الهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَل مِنْهُمْ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ الهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلمَّا كَانَ ليْلةَ الحَصْبَةِ ليْلةُ النَّفْرِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ كُل أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَال مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالبَيْتِ ليَاليَ قَدِمْنَا قُلتُ لا قَال فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَقْرَى حَلقَى إِنَّكِ لحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ بَلى قَال فَلا بَأْسَ انْفِرِي فَلقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلى أَهْل مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَال مُسَدَّدٌ قُلتُ لا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلهِ لا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة يجب عليها أن تنتظر ويجب على وليها أن يمكث ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( أحابستنا هي )) وهذا هو الصريح ، ثم إن صفية من ستحبس ؟ الرسول والناس كلهم من أجل أنها حاضت ، ولكن إذا لم يمكنها الإقامة لا هي ولا محرمها وكانت في بلاد لا يمكن أن ترجع إلى البيت ، فماذا تصنع ؟ قال بعض أهل العلم : تبقى على إحرامها ـ يعني بقي عليها التحلل الثاني ـ تبقى إلى أن تموت . فعلى هذا إن كانت ذات زوج فزوجها لا يقربها وإن كانت بكراً فلا تتزوج ! مشكلة هذه ، مشقة عظيمة . وقال بعض أهل العلم : إنها تبقى محصرة بمعنى أنها تتحلل ويُقال إن حجكِ لم تؤد به الفريضة . وهذا أيضاً مشكل أو غير مشكل ؟ مشكل، هذه المرأة ربما لها سنوات وهي تجمع لحجها ثم يقال ما لك حج ما أديت الفريضة ؟ هذا أيضاً مشكل .
وقال بعض العلماء : تطوف وعليها دم . فإذا قال قائل : ما الدليل على طوافها ؟ فيقال : الدليل أن الله قال : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } فلتطف . هذا لا شك أنه دليل قوي .
بقي أن نقول لهم : من الذي أوجب عليها الفدية ؟ من الذي أوجب ، أنت إما أن تقول طوافها صحيح ، والصحيح لا فدية فيه ، وإما أن تقول غير صحيح فلا تنفع فيه الفدية . لكنه يعارض ويقول إن النسك يُجبر بالدم في ترك الواجب ، وهذه فاتها واجب وهو الطهارة فتجبره بدم .
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه إن لم تمكنها الإقامة فإنها تتلجم بشيء ـ أي تتحفض ـ لئلا ينزل الدم على المطاف ثم تطوف للضرورة . وقال إن هذا من أشد الضرورات . أن تبقى محرمة أو أن تُحصر ويضيع حجها ، فهذا ضرر عظيم ، والقول الذي اختاره هو الصواب ، ولكن مع الأسف أن بعض الناس توسع في هذا وقال إذا لم يمكنها البقاء في مكة فإنها تتحفض ولو كانت من أهل الطائف أو من أهل المدينة أو من أهل القصيم أو في المملكة عموماً . وهذا غلط كبير على العلماء وعلى كتاب الله عز وجل . لكن مشكلتنا سوء الفهم ، شيخ الإسلام رحمه الله لا يقول بهذا ، يقول في امرأة من خارج البلد لا يمكنها أن ترجع ، لكن من كانت داخل المملكة يمكنها أن ترجع ؟ يمكنها أن ترجع بكل سهولة ، فنقول : أنت الآن بالخيار إن شئت أن تبقي فاجلسي وإلا فاذهبي على ما بقي من إحرامك وإذا طهرت فاغتسلي وارجعي .
طيب ، إذا رجعت هل نقول إنها يلزمها أن تُحرم من الميقات بعمرة ثم إذا حلت طافت للإفاضة أو لا يلزمها ؟ الظاهر الثاني إنه لا يلزمها ولكن لو فعلت فلا بأس ، نقول لا يلزمها لأنها أتت لإكمال نسك سابق وليس ابتداء نسك واجب ولها أن تأت بعمرة لأن العمرة بعد التحلل الأول جائزة فلا يقال إن الإنسان أدخل نسكاً على نسك لأن النسك بعد التحلل الأول يضعف جداً ولهذا يباح فيه كل شيء إلا النساء . وهل المحرم في النساء الجماع فقط أو الجماع والمباشرة والخطبة والعقد ؟ فيه خلاف ، بعض العلماء يقول : لا يحرم إلا الجماع فقط وأما المباشرة وعقد النكاح والخطبة فلا بأس بها . لكن الاحتياط ترك الريبة لا شك .
إذاً الصواب في هذه المسألة أن من يمكنها أن ترجع ولو بزيادة نفقة لا يحل لها أن تستثفر بالثوب وتطوف ، ومن لا يمكنها فلها أن تفعل ذلك لعموم قول الله تبارك وتعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
سؤال : من قدم الطواف والحلق هل نأمره بأن يبقى على إحرامه أم نتركه يحل ؟
الجواب : أما على قول من يقول إنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول فقد حل التحلل الأول . فهمت هذا أو لا ؟ وعلى القول الذي يظهر لنا أنه لا يحل حتى يرمي .
سؤال : ما مدى صحة القصة التي ذكرها ابن حجر بأن إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل لما سرد تسمية الجمرات بالجمرات لما عرض لهما إبليس جمرا ؟
الجواب : لا .. القصة ليست صحيحة .
سؤال : شيخ الإسلام رحمه الله أكثر فتاويه تقنع النفس يا شيخ .
الجواب : ولهذا امكث على قراءة مؤلفاته اقرأها كما حث عليها شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ، كان له قصيدة من جملتها الحث على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، امرأة من القصيم حاضت قبل طواف الإفاضة لكنها تعلم أن ولي أمرها لن يعود معها أخبرها بأنه لا يستطيع ؟
الجواب : هذه نقول لها لا تطوفي وإذا وصلت إلى محلها في القصيم وطهرت سيكون هناك شيء آخر ، يُرفع الأمر للقاضي وله أن يُجبر محرمها أن يحج معها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كُتب في الغزوة : (( انطلق وحج مع امرأتك )) وهذا ضروري ما هو باختياره .(245/72)
146 ـ بَاب مَنْ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَبْطَحِ
1642 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَال سَأَلتُ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَيْنَ صَلى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَال بِمِنًى قُلتُ فَأَيْنَ صَلى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَال بِالأَبْطَحِ افْعَل كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ(1)
__________
(1) لما أخبره بالسنة وواجب عليه أن يبينها قال : ( افعل ما يفعل أُمراؤك ) يعني لا تخالف اتبعهم والمسألة مسألة استحباب ، واتباع الإمام وعدم المنابذة واجب . ولكن الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم النفر صلى الظهر والعصر في الأبطح ؛ لأنه حين رمى انصرف إلى مكة وصلى الظهر والعصر .(245/73)
1643 حَدَّثَنَا عَبْدُالمُتَعَال بْنُ طَالبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ صَلى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ(1)
__________
(1) في الحديث الأول فائدة مهمة وهي أن الجواب قد يكون على قدر السؤال وليس قيضاً في الحكم ، فالسائل سأل أنس بن مالك : أن صلى العصر ؟ فقال : ( بالأبطح ) هل نقول يُفهم من هذا أنه صلى الظهر بمنى ؟ نقول لا .. لا يلزم ؛ لأن أنس سُئل عن شيء معين وأخبر به بدليل الحديث الذي بعده عن أنس نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بإيش ؟ بالمحصب صلى الظهر بمنى يوم ثمانية يوم التروية . وهذه دائماً تجدونها مثلاً في المناظرات والمجادلات يقول مثلاً : هذا قُيد بحسب سؤال السائل ، كما ذكروا في سفر المرأة بلا محرم ، بعض روايات الحديث يوم وليلة ، بعضهم ليلة ، بعضهم ثلاثة أيام ، فأجاب العلماء أن هذا التقييد ليس قيداً في الحكم لكن قُيِّد باعتبار السؤال ، وإلا فالحكم العام هو الذي خطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال : (( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )) .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، بما ينقطع طواف الوداع ؟
الجواب : كيف ينقطع ؟
السائل : يعني لو طاف الإنسان طواف الوداع ، كيف نقول له أعد الطواف مرة أخرى ، مثلاً لو نام في مكة ؟
الجواب : طواف الوداع يجب أن يكون آخر أموره كما جاء في الحديث : (( حتى يكون آخر عهدهم بالبيت )) لكن رخص العلماء رحمهم الله في الإقامة لشد الرحل يعني حمل السيارة أو الإقامة لشراء حاجة في طريقه لا لتجارة أو الإقامة لانتهاء الرفقة أو الإقامة لإصلاح الراحلة كإنسان مثلاً راكب السيارة ثم في أثناء الطريق قبل أن يخرج من مكة حصل فيها خلل السيارة ، فبقي يصلح هذا الخلل فلا يعيد الطواف .
سؤال : أحسن الله إليكم ، حديث أنس ( افعل كما يفعل أمراؤك ) الآن ليس هناك أمير عام يؤم الحجاج ويُتبع في الحج ، ويحصل خلاف في الحملات يتخذ قرار راعي الحملة أو المسؤول عن الحملة الصلاة في مكان معين لظرف ما فيحدث خلاف . فهل نلزمهم بهذا الحديث بأن هذا هو أميرهم في الحج ؟
الجواب : نعم نقول افعل ما يقول أمير الحملة إلا إذا علمنا أن أمير الحملة يريد أن يخلي الحج يمشي الحال على ما يقولون ، فهنا يُمنع ، لكن الحمد لله اسمع أن الحملات كلها يكون معها طلاب علم يرجعون إلى طالب العلم وهذه نعمة والحمد لله .
سؤال : أحسن الله إليك ، عائشة رضي الله عنها أليست قارنة ؟
الجواب : بلى .
السائل : كيف تحتج بأن أصحابها يرجعون بحج وعمرة وهي ترجع بحج فقط ؟
الجواب : هي تريد عمرة منفردة ، ولهذا قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : (( غير أن لا تطوفي بالبيت وبالصفا والمروة من حجك وعمرتك )) لكن لتعلم أن هذه امرأة لها نظائر ، والنساء لا يلغن في عقولهن عقول الرجال فربما يأتي يوم من الأيام تفتخر النساء نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيقلن لها أنت ما جئت إلا بحجة . فلذلك ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم إلحاحاً تاماً وكان صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله . ولهذا لو قال لنا قائل : هل يسن للمرأة إذا حاضت وهي متمتعة وقرنت هل يسن لها أن تعتمر بعد الحج ؟ قلنا : لا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن لعائشة إلا بعد الإلحاح تطييباً لقلبها .(245/74)
147 ـ بَاب المُحَصَّبِ
1644 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ليَكُونَ أَسْمَحَ لخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالأَبْطَحِ .
1645 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال ليْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) فهذين اثنين من أفقه الصحابة عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله رضي الله عنهم يقولان إن النزول بالمحصب ليس بسنة إنما نزله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه أسمح لخروجه . وهذا ينبني على قاعدة هل الأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التعبد أو الأصل عدمه إلا بدليل ؟ الظاهر الثاني أن الأصل عدم التعبد إلا بدليل ، فالمحصب نزله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن لم يأمر به ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة حتى نقول هل ورد عليه فيكون مشروعاً أو لا ؟ فالأقرب أن نزول المحصب ليس بسنة . كذلك النزول بنمرة مر علينا أن بعض أهل العلم قال إنه ليس بسنة لكن النبي صلى الله عليه وسلم نزله ليستريح حتى يستقبل الموقف بنشاط والدليل على هذا أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن تُضرب له قبة بنمرة ويأتينا منع أن تُضرب له القبة . قالوا هذا دليل على أنه ليس بنسك .
أما الآن فنزول المحصب مستحيل لأنه صار بنايات وعمارات وأسواق ، لكن لسائل أن يقول إذا كنت أرى أنه سنة أستأجر شقة بهذه العمارت وأنزل بها ؟ فيقال : إذا فعلت هذا فاتك شيء آخر وهو مظهر الحجيج أن يكونوا سواء في هذا المكان لأنه نسك وأنت وحدك في هذه الشقة . فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه من باب تسهيل السير فقط كما قالت عائشة وابن عباس .(245/75)
148 ـ بَاب النُّزُول بِذِي طُوًى قَبْل أَنْ يَدْخُل مَكَّةَ
وَالنُّزُول بِالبَطْحَاءِ التِي بِذِي الحُليْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
1646 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ التِي بِأَعْلى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلا عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلقُ قَبْل أَنْ يَرْجِعَ إِلى مَنْزِلهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ التِي بِذِي الحُليْفَةِ التِي كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يُنِيخُ بِهَا.(245/76)
1647 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَبْدِالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ الحَارِثِ قَال سُئِل عُبَيْدُاللهِ عَنِ المُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ نَافِعٍ قَال نَزَل بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ يُصَلي بِهَا يَعْنِي المُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَال وَالمَغْرِبَ قَال خَالدٌ لا أَشُكُّ فِي العِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
149 ـ بَاب مَنْ نَزَل بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
__________
(1) ابن عمر رضي الله عنه كان حريصاً على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم حتى الأشياء التي ليست بعبادة فكان يتتبع الأثر حتى المكان الذي ينزل فيه فيبول أو ينزل فيه فينام أو ينزل فيه فيصلي ، لكن ابن عمر رضي الله عنهما خالف سائر الصحابة في هذا الموضع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، والأصل أن ما لم يقم الدليل على أنه بعبادة فليس بعبادة لأن العبادة من شرطها أن يُعلم أن الشرع شرعها . وفي هذا دليل على أن المعتمر يبدأ بالطواف والسعي ويكمل العمرة قبل أن يأتي إلى رحله وهذا إذا تيسر هو الأفضل ؛ لأنك لو سألت هذا القادم لمكة ماذا تريد ؟ قال : أعتمر . نقول : إذا كنت تريد أن تعتمر فابدأ بما أتيت من أجله وهذه عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُقدم ما جاء من أجله كما فعل ذلك في حديث عتبان بن مالك حين دعاه رضي الله عنه إلى بيته ليتخذ مصلى له ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت قال : (( أين تريد أن اصلي )) فبدأ بذلك قبل الوليمة التي كان أعدها عتبان .(245/77)
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَل بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَل وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلكَ(1)
150 ـ بَاب التِّجَارَةِ أَيَّامَ المَوْسِمِ وَالبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الجَاهِليَّةِ
1648 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا كَانَ ذُو المَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِليَّةِ فَلمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلكَ حَتَّى نَزَلتْ ( ليْسَ عَليْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ ) فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ(2)
151 ـ بَاب الادِّلاجِ مِنَ المُحَصَّبِ
__________
(1) هذه من جملة القاعدة التي مشى عليها عبد الله رضي الله عنه اقتفاء آثار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى حين ينزل فيبول ، وذي طوى هي الزاهر الآن بمكة ، وهي الآن بيوت وأسواق ، اختلف الوضع .
(2) هذا دليل على أن التجارة في الحج لا بأس بها ولكن ينبغي للإنسان أن يكون قصده الحج ويجعل التجارة تبعاً لا يجعل التجارة أصلاً والحج تبعاً لأن تجارة الآخرة أعظم نفعاً وأفضل من تجارة الدنيا ، ومثل ذلك لو أن الإنسان أجر سيارته في الحج أو في العمرة مع نية العمرة فلا حرج ، لكن يجعل الأصل العبادة الحج والعمرة .(245/78)
1649 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ ليْلةَ النَّفْرِ فَقَالتْ مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَكُمْ قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَقْرَى حَلقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيل نَعَمْ قَال فَانْفِرِي .
قَال أبو عَبْد اللهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا نَذْكُرُ إِلا الحَجَّ فَلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِل فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَلقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَال كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالتْ نَعَمْ قَال فَانْفِرِي قُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنِّي لمْ أَكُنْ حَللتُ قَال فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلقِينَاهُ مُدَّلجًا فَقَال مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا(1)
__________
(1) في هذا دليل على أن الطواف لا يصح مع الحيض وأن طواف الإفاضة لابد منه حتى لو انحبس الناس من أجل النساء اللاتي حضن فإنه واجب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عقرى حلقى )) وهذا يقوله الناس في الجاهلية وفي الإسلام أيضاً لكن لا يقصدون المعنى ، يعني لا يقصدون الدعاء بالعقر والحلق لكنهم يقولون ذلك مما جرى على لسانهم مثل : تربت يمينك ، ثكلتك أمك .
فإذا قال قائل : إذا كان الركب لا يستطيعون أن يبقوا فماذا تصنع ؟ نقول : إذا أمكنها أن تبقى في مكة هي ومحرمها فعلت ، فإن لم يمكن فهنا طريقان :
ش15 ـ وجه أ :
الأول : إن كانت من أهل المملكة المقيمين أو المواطنين فإنها تبقى على ما بقي من إحرامها ، بمعنى أنها حلت التحلل الأول فقط فلا يقربها زوجها في الجماع فإذا طهرت عاد بها .
والثاني : أنها إذا لم تكن من أهل المملكة العربية السعودية فإنه لا شك أنها يشق عليها أن ترجع ، فنقول : الضرورة تبيح المحظورات فتطوف طواف الإفاضة ولكنها تستثفر بثوب لئلا ينزل شيء من الدم على أرض المسجد فقط وتطوف ، هذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو إن شاء الله هو الحق . وقال بعضهم : تكون محصرة فتتحلل بهدي ولا تحسب لها الحجة . وهذا شيء عظيم . وقال بعضهم : تبقى على إحرامها حتى تقبل على البيت أو تموت . وهذا أيضاً مشقة عظيمة . فالقول الصواب ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله .
لكن سمعت أن بعض طلبة العلم يفتون به مطلقاً حتى لو كانت المرأة من أهل المدينة يقول تستثفر وتمشي . وهذا غلط ، غلط على الشرع وغلط على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . فإن قال قائل : قولكم لها أن تخرج على ما بقي من إحرامها فإذا طهرت عادت لماذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم في قضية صفية ، لماذا لم يجعل الناس يخرجون إلى المدينة وإذا طهرت صفية رجعت مع محرمها ؟ فالجواب : أن ذهابها إلى المدينة ورجوعها يستغرق عشرين يوماً وبقاؤها حتى تطهر يستغرق كم ؟ ستة أيام أو سبعة ، ولا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يختار الأشق مع وجود الأسهل .
سؤال : لو بعد خروج الدم أخذت ما يرفعه فارتفع ؟
الجواب : لا حرج ، يعني لو أخذت ما يوقف الدم فوقف فلها أن تطوف كما لها أن تصلي أيضاً وتصوم ويأتيها زوجها .
سؤال : بارك الله فيكم ، في انتظار الفقة بعضها بعضاً قد يتأخرون الساعة والساعتين والثلاث ساعات ، فهل للمنتظرين أن يتسوقوا وأن يأكلوا وأن يشربوا ؟
الجواب : نعم ، يعني إذا بقي الإنسان بعد أن طواف الوداع لانتظار الرفقة فله أن يأكل ويشرب وينام حتى يجتمعوا ويتسوق لا للتجارة . يشتري ما يحتاج إليه .
سؤال : إذا كان من عادة المرأة أن تبقى تطهر شيء من اليوم ليس اليوم كاملاً ثم تعود إليها الدورة ، فهل يسمى هذا طهراً ؟
الجواب : لا .. هذا حيض هذا ليس بطهر ، نصف اليوم أو اليوم كاملاً هذا ليس بطهر لأنه جرت به العادة .(245/79)
بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبْوَاب العُمْرَةِ
1 ـ بَاب وُجُوبِ العُمْرَةِ وَفَضْلهَا
وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا ليْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَليْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا إِنَّهَا لقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللهِ ( وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ ) .
1650 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال العُمْرَةُ إِلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لمَا بَيْنَهُمَا وَالحَجُّ المَبْرُورُ ليْسَ لهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ(1)
__________
(1) هذان الأثران يدلان على وجوب العمرة حديث ابن عمر وحديث ابن عباس ، وهو كذلك ، والصواب أن العمرة واجبة لكنها ليست كوجوب الحج لأن الحج ركن من أركان الإسلام والعمرة ليست ركناً من أركانه إلا أنها واجبة على القادر عليها ويأثم من لم يعتمر .
والعمرة مكونة من إحرام وطواف وسعي وحلق ، أربعة أشياء ، والحج أوسع من هذا . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )) ليس دليلاً على إكثار العُمَر ، بل دل على أن الإنسان متى اعتمر فما بين عمرته الأخيرة والتي قبلها كفارة . وأما كثرة العمرة يعني الإكثار منها فموضع خلاف بين العلماء لكنهم متفقون على أنه لا يُسن فعل ما يفعله العوام الآن يأتي منها في الأسبوع سبع مرات ، كل يوم يعمل عمرة ، والشيء المطلق من الألفاظ يُحمل على المقيد من الأفعال، فهل كان الصحابة يترددون على مكة ليُكفر عنهم ؟ لا .. ولهذا كره بعض الأئمة أن يعتمر في السنة أكثر من مرة ، في السنة كلها أكثر من مرة ، وقال شيخ الإسلام رحمه : إن المولاة بينها والإكثار منها مكروه باتفاق السلف ، وكلام شيخ الإسلام مقبول لأنه رحمه الله كثير الاطلاع على كلام السلف وحريص على اتباعهم . المهم أن المطلق من القول يقيده الفعل فما علمنا أن الرسول كرر العمرة ولا أصحابه وأعلى ما بلغنا من ذلك حديث عائشة وهو في قضية معينة . قوله : ( وَالحَجُّ المَبْرُورُ ليْسَ لهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ ) سبق شرحه ، أليس كذلك ؟
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، ما المراد بقوله : ( كنت طفت يوم النحر قالت نعم ) ؟
الجواب : المراد به أنها طافت طواف الإفاضة ، لأن طواف الإفاضة الأفضل أن يكون يوم النحر .
السائل : والذي تكلمنا عليه يا شيخ ؟
الجواب : وهو ؟
السائل : قبل قليل أن المرأة إذا حاضت ولم تطف طواف الإفاضة قلنا يلزمها أن تبقى إلى غير ذلك من الأقوال هذا ما هو على طواف الإفاضة؟
الجواب : نعم .
السائل : وهي كيف طافت طواف الإفاضة ؟
الجواب : طافت قبل أن تحيض ، صفية طافت قبل أن تحيض .
السائل : وبعد أن حاضت ؟
الجواب : بعد أن حاضت ما بقي إلا طواف الوداع والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلم أنها طافت للإفاضة ، ولهذا سأل قال : ((أطافت يوم النحر )) فيه إشكال ؟
السائل : والله يا شيخ ما فهمت .
الشيخ : ما هو الذي ما فهمته ؟ فهمت أن صفية لو لم تطف طواف الإفاضة لانحبس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معها . طيب لما قالت إنها طافت والمراد طافت قبل أن تحيض أمر بالرحيل ؛ لأن طواف الوداع يسقط عن الحائض . اتضح ؟
السائل : إن شاء الله .
الشيخ : اتضح ؟ قل .
السائل : ما فهمت .
الشيخ : إيش الإشكال عندك ؟
السائل: نحن تكلمنا الآن قبل قليل على طواف الإفاضة أو لا يا شيخ؟
الشيخ : تكلمنا .
السائل : قولنا إن المرأة إذا حاضت ولم تطف طواف الإفاضة إذا ألجأتها الضرورة تتزر وتطوف ، الكلام هذا على طواف الإفاضة أو على الوداع ؟
الجواب : على طواف الإفاضة ، طواف الوداع ما فيه إشكال إذا حاضت تمشي ما يحتاج تطوف . اتضح ؟
السائل : إن شاء الله .(245/80)
2 ـ بَاب مَنِ اعْتَمَرَ قَبْل الحَجِّ
1651 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالدٍ سَأَل ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ العُمْرَةِ قَبْل الحَجِّ فَقَال لا بَأْسَ قَال عِكْرِمَةُ قَال ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَبْل أَنْ يَحُجَّ وَقَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالدٍ سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال عِكْرِمَةُ بْنُ خَالدٍ سَأَلتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا مِثْلهُ(1)
3 ـ بَاب كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ
__________
(1) يعني مراده رحمه الله ( العمرة قبل الحج ) لا في سفر واحد لأن هذا ما فيه إشكال فقد أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة ، لكن مراده هل تُقدم العمرة على الحج في سفر مثل أن تعتمر مثلاً في رجب ثم تحج في ذي الحجة فلا بأس ، يعني لا يقول قائل لماذا قدمتم غير الأوكد على الأوكد ؟ نقول : لا بأس كما نقدم النفل على الفرض . واضح ؟ وليس مراد البخاري من اعتمر قبل أن يحج في سفر واحد لأن هذا شيء معلوم أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع .(245/81)
1652 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال دَخَلتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا جَالسٌ إِلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلونَ فِي المَسْجِدِ صَلاةَ الضُّحَى قَال فَسَأَلنَاهُ عَنْ صَلاتِهِمْ فَقَال بِدْعَةٌ ثُمَّ قَال لهُ كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَليْهِ قَال وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ فِي الحُجْرَةِ فَقَال عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ أَلا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالتْ مَا يَقُولُ قَال يَقُولُ إِنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالتْ يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ (1)
__________
(1) اعتمار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربع عُمَر لا شك :
العمرة الأولى : عُمرة الحديبية وصُد عنها .
والعمرة الثانية : عمرة القضاء ، القضاء يعني المقاضاة أي المصالحة التي جرت بينه وبين قريش ، وهي بعدها بسنة وبقي في مكة ثلاثة أيام حتى أخرجه قريش .
والعمرة الثالثة : عمرة الجعرانة حين رجع من غزوة حنين ، وهذه العمرة خفيت على كثير من الصحابة ؛ لأنها كانت ليلاً نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى مكة واعتمر ولم يعلم به كثير من الصحابة .
العمرة الرابعة : في حجته فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول : (( لبيك عمرة وحجة )) .
ولم يعتمر في رجب ، وفي هذا دليل على أن الإنسان الكبير قد يتوهم فإن عبد الله بن عمر من أحرص الناس على سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن أورعهم ومع ذلك يقول إنه اعتمر في رجب ، وهذا وهم منه رضي الله عنه ، ولهذا وهمته عائشة وساقت أن ابن عمر ما اعتمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا وهو معه ، ومع ذلك خفي عليه الأمر . والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر أربع مرات كلها في أشهر الحج ، لم يعتمر في رمضان ولا في رجب ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التنعيم، يعني لم يخرج فيأتي بعمرة من التنعيم أبداً ، ما اعتمر إلا من خارج الحرم عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يدعو لأخيه إذا أخطأ بالعفو والرحمة وما أشبه ذلك خلافاً لما يفعله بعض الناس حيث يتتبع أغلاط إخوانه وينشرها ولا يترحم عليه ولا يسأل له العفو . والذي ينبغي للمؤمن إذا أخطأ أخوه بشيء ولم يتمكن من مناقشته أن يسأل الله له الرحمة والعفو لاسيما إذا كان عالماً يأخذ الناس بقوله فإن زلة العالم أخف من زلة الجاهل بلا شك .
وفيه أيضاً الكنية، أن الكنية تكريم لقولها: ( يرحم الله أبا عبد الرحمن) ولم تقل عبد الله بن عمر وهي امرأة لكن الكنية عند العرب فيها تفخيم وتكريم ، ولهذا قال الشاعر :
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب
يعني لا ألقبه حين يكون اللقب سوءة وليس المعنى لا يلقبه أبداً لا .. الإنسان يلقب بما يستحق من صفات الكمال ، فالله عز وجل لقب المسيح ابن مريم وكذلك العلماء يلقبون الأئمة ويلقبون الخلفاء ، فقول الشاعر لا ألقبه والسوءة اللقب الواو هذه حالة وليست استئنافية خلافاً لما يظنه بعض قارئي البيت فيقول إن اللقب سوء ، وهذا غلط . المهم أن الكنية تعظيم وتفخيم للمكنى .
قوله : ( وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ ) تسوكها وهذا يدل على قربها منهم ، لأنه لا يمكن يستمع استنانها إلا عن قرب . شوف الشرح إيش قال .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وسمعنا استنان عائشة ) أي حس مرور السواك على أسنانها وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن.
الشيخ : فيه المبالغة بالتسوك لكن بشرط أن لا يلحق اللثة ضرر كما نص عليه العلماء رحمهم الله قالو : يكره أن يتسوك بما يضر اللثة . لأن الإنسان مأمور بالمحافظة على بدنه ، وقال العلماء أيضاً : يستاك عرضاً بالنسبة للأسنان . وقال الأطباء : لا يستاك طولاً لأن من استاك طولاً رفع اللثة عن أصول الأسنان إلا إذا استاك طولاً ينزل يعني مثلاً يضع السواك على أعلى السن ثم ينزل فهذا لا بأس لأنه لا يضر اللثة ، وربما يحتاج الإنسان إليه أكثر إذا كان فيما بين الأسنان شيء من الوسخ فهنا الطول أحسن لكن يجعله كذا .. بعض الناس نشوفه كذا .. هذا يرفع اللثة . بل يضع السواك فوق وينزل به .
سؤال : أحسن الله إليكم ، لما سألوا عبد الله بن عمر صلاة هؤلاء ضحى قال بدعة ؟
الجواب : هذه والله أعلم أنهم كانوا يصلون جماعة فبدعهم .(245/82)
1653 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَال أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَال سَأَلتُ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي رَجَبٍ(1)
__________
(1) في هذه المسألة مسألة أصولية ، لو قال قائل : ابن عمر يثبت وعائشة نافية والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي . نقول : هذه القاعدة يستعملها بعض الناس استعمالاً سيئاً ، معنى المثبت مقدم ما لم يكن الفعل واحداً ، فإن كان الفعل واحداً وجزم النافي بالنفي فهو مثبت في الواقع . مثلاً ذكر ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه إلى حذو منكبيه ثم يكبر للصلاة حين يركع ويحن يرفع من الركوع وحين يقوم من التشهد الأول ، قال : وكان لا يفعل ذلك في السجود . فهنا نقول أي حديث يرد على أنه يفعله في السجود ولا يقاوم أحاديث الصحيحين وغيرهما في أنه لا يفعل يعتبر شاذاً ، أنتم فاهمين الآن؟ لأن ابن عمر يحكي جازماً بالنفي ولا يحتمل أن يكون نفيه لعدم العلم ، لا .. هنا يثبت للنفي متتبع للصلاة يراه يرفع يده عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند القيام من التشهد الأول ولا يفعل ذلك في السجود ، متتبع الرجل ، فنفيه هنا إثبات بخلاف الذي ينفي ويحتمل أن يكون نفيه لعدم علمه فهنا نقدم المثبت . لاحظوا هذه القاعدة وهذه تنفعكم عند المجادلة لأن بعض الناس يجادل ويقول مثلاً المثبت مقدم على النافي وقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع . فيقال : إذا كان هذا الحديث يقاوم حديث ابن عمر صارت المسألة من باب تنوع العبادات مرة يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ومرة لا يرفع ، لكن إذا كان لا يقاومه فيعتبر شاذاً .(245/83)
1654 حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِل فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالحَهُمْ وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلتُ كَمْ حَجَّ قَال وَاحِدَةً(1)
__________
(1) ما ذكر الرابعة احتمال نسي مع أنه صرح بأن العُمَر أربعة ، فيحتمل أن هذا ذهول من أنس ، وهو الأقرب . الرابعة ما هي ؟ الرابعة مع الحج . قوله : ( حجة واحدة ) هذا متفق عليه بإجماع أنه لم يحج بعد الهجرة إلا واحدة ، وسببها ظاهر : قبل الفتح مكة بيد من ؟ بيد المشركين ، وإذا كانوا صدوه عن العمرة وهي أقل من الحج فسيصدونه عن الحج لو حج قبل الفتح، واضح ؟ بعد الفتح لم يبادر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحج أي لم يحج في السنة التاسعة ، فإما أن فرض الحج تأخر العاشرة كما قيل وإما أنه فُرض في التاسعة لكن تأخر من أجل الوفود . وهذا هو الأقرب ، إيش الوفود ؟ الوفود : الذين كانوا يفدون على المدينة يتعلمون دينهم فأراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرحمته ورأفته بالمؤمنين أراد أن يبقى في المدينة لأنها وسط في الجزية ولأن الناس قد يشق عليهم الذهاب إلى مكة ، فبقي في المدينة ليستقبل الوفود ، واستقبال الوفد مهم لأنهم يُعلمون أمر دينهم .(245/84)
1655 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَال سَأَلتُ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه فَقَال اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنَ القَابِل عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي القَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ(1)
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَال اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلا التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ وَمِنَ العَامِ المُقْبِل وَمِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.(2)
__________
(1) أما قبل الهجرة فقد أخرج الترمذي رحمه الله حديثاً فيه نظر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج مرة . هذا قبل الهجرة ، والذي أظن أنه لم يقتصر على حجة واحدة لأنه بقي في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة والحج معروف عند العرب فكيف يقال أنه مع كل هذه المدة لم يحج إلا مرة مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد عُرف بأنه يخرج إلى القبائل يدعوهم ، والقبائل لا يجتمعون في مكة إلا في الحج أو في الأسواق الجاهلية .
(2) قوله رضي الله عنه : ( إِلا التِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ ) يريد أنه لم يعتمر عمرة كاملة في ذي القعدة لأنه ابتدأ عمرته في حجته في آخر ذي القعدة لكن لم ينتهي منها إلا حين طاف وسعى في الحج .(245/85)
1656 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال سَأَلتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْل أَنْ يَحُجَّ وَقَال سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ قَبْل أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ(1)
__________
(1) هذا فيه نظر ( اعتمر مرتين ) إلا أن يريد الاعتمار الذي حصل فيه عمرة كاملة ، وأما العمرة التي تعتبر عمرة مع عدم اكتمالها فإنها عُمَر ثلاثة : عمرة الحديبية ، وعمرة القضية ، وعمرة الجعرانة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، على قولنا أن العمرة واجبة كالحج ، هل فُرضت العمرة قبل الحج ؟
الجواب : أنا ما قلت قبل الحج .
السائل : النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج .
الجواب : عمرة تطوع .
سؤال : ألا يدل كون عمراته صلى الله عليه وسلم أغلبها في ذي القعدة على فضل العمرة فيه ؟
الجواب : بلى يدل على فضل العمرة في أشهر الحج ، وقد توقف ابن القيم رحمه الله هل العمرة في رمضان أفضل أو في أشهر الحج ، توقف في هذا لأن العمرة في رمضان تعدل حجة ، هذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأم سنان ، فقد قال بعض العلماء : إنه خطاب لامرأة فاتها الحج مع الرسول عليه الصلاة والسلام فقالها لها خاصة وليست على الإطلاق . ولكن أكثر العلماء يقولون : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . إنما إذا قلنا إن العمرة في رمضان لا شك أنها فيها فضل عظيم فهل هي أفضل من العمرة في أشهر الحج ؟ ابن القيم توقف في هذا .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة ، هل يؤخذ من هذا دليل على أن الحج ليس واجباً على الفور ؟
الجواب : لا .. لا يؤخذ دليلا ؛ لأن على القول أنه وجب في العاشرة فلا إشكال ، وإذا قلنا وجب في التاسعة قلنا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخره لغرض أهم من تقديمه وهو تلقي الوفود .(245/86)
4 ـ بَاب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ
1657 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يُخْبِرُنَا يَقُولُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا قَالتْ كَانَ لنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلانٍ وَابْنُهُ لزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَليْهِ قَال فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَال(1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة ، وفي هذا دليل على فائدة مهمة وهو أنك إذا نسيت اسم الشخص الصحابي أو غيره فكني عنه بما يدل عليه ، يعني مثلاً نسيت صحابي تقول : قال بعض الصحابة ، فقام رجل من الصحابة ؛ لأنك تعينه وتخطئ فيه وأنت والحمد لله في حل . التعيين ليس واجباً إلا إذا تعلق بقضية بينها المعين .
فهنا يقول : ( سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) وفي الأول قال : (امرأة من الأنصار) . ابن حجر يذكرنا باسمها .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) القائل نسيت اسمها ابن جريج بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه : ( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج .. ) الحديث ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكراً له لما حدث به حبيبا وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال : ( جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي) أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال عن عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي .(245/87)
5 ـ بَاب العُمْرَةِ ليْلةَ الحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا
1658 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال لنَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِل بِالحَجِّ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل بِعُمْرَةٍ فَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ قَالتْ فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجٍّ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ فَلمَّا كَانَ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي(1)
__________
(1) هذا الحديث فيه إشكال ، قوله في الحديث : ( مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) والمعروف إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج يوم خمسة وعشرين من ذي القعدة وليس في يوم خمسة وعشرين موافاة للهلال. ثانياً أن الحديث يقول : ( فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال ارْفُضِي ) والمعروف أنها أصابها الحيض قبل أن تصل إلى مكة في سبع ، فلا أدري أهو محفوظ أو لا ؟ .
القارئ : شرحه بعد بابين في باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( خرجنا موافين لهلال ذي الحجة ) أي قرب طلوعه وقد تقدم أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة .
الشيخ : يعني في نصف الطريق ، إذا أخذنا خمس وأربعة صار في نصف الطريق تقريباً ، فكيف يقال خرجنا ؟ الظاهر إن هذا من جنس ما سبق إن الإنسان قد ينسى ، الرواة . فما دامت هي قد صرحت بأنهم خرجوا يوم خمس وعشرين من ذي القعدة يتبين إن هذا فيه شيء . على كل حال إن شاء الله البحث يأتي ....
.... هذا الحديث سبق لنا الإشارة إلى أن سياقه مخالف لسياق الأحاديث الأخرى من عدة وجوه : منها أنها قالت : (مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) والمعروف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عائشة أيضاً أنه خرج وقد بقي من ذي القعدة خمسة أيام . وحمل موافين أي مقاربين لهلال ذي الحجة فيه نظر .
ثانياً : ( فَقَال لنَا مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِل بِالحَجِّ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل بِعُمْرَةٍ ) قال : ( فَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ ) هذا ما قاله إلا حين طاف وسعى عليه الصلاة والسلام ما قاله قبل أن يصل إلى مكة بل قاله حينما طاف وسعى . وظاهر السياق أنه قاله قبل ذلك ، على أنه يمكن أن يؤول على أن الراوي اختصر الحديث ثم انتقل من تخيير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يهلوا بواحد من الأنساك الثلاثة ثم بعد ذلك قال : ( لولا أني أهديت لأهللت بعمرة ) لكن السياق يبعد هذا .
ثالثاً : ( قَالتْ فَأَظَلنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ) وهذا لا يستقيم أبداً ؛ لأن المعروف المشهور أنها حاضت في سرف قبل أن تصل إلى مكة وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تدخل الحج على العمرة هناك لا في يوم عرفة .
ومنها أنه قَال : ( ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ ) وهذه الكلمة شاذة لأنها لو نفضت عمرتها لكانت مفردة لا قارنة ، وهي بلا شك صارت قارنة لكن لولا أن السياق فيه اضطراب لأمكن بسهولة أن نقول ( ارفضي عمرتك ) أي أفعالها لا تكمليها ، لكن أصل الحديث وسياق الحديث فيه هذا الاضطراب . والرواة كائن بشر قد ينسى الإنسان وقد يتوهم . ويغني عن هذا الحديث الأحاديث الأخرى التي في صحيح البخاري على غير هذا السياق .
وأما قولها : ( فَلمَّا كَانَ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ ) ليلة الحصباء هي ليلة الرابع عشر ، والحصباء هي الحصى الصغار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل في المحصب حين ما تأخر بمنى وخرج نزل هناك . وقولها : ( أرسل معي ) من المعروف أن عائشة هي التي طلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وألحت عليه، لكن هذا لا يمنع أن يقال أرسل معي أخي بعد الإلحاح . لعل ابن حجر يشير إلى هذا .
القارئ : فيه لابن القيم على قوله : ( انفضي رأسك وامتشطي ) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وأما قوله : ( انفضي رأسك وامتشطي ) فهذا مما أُعضل على الناس ولهم فيه أربعة مسالك :
أحدها : أنه دليل على رفض العمرة كما قالت الحنفية .
المسلك الثاني : أنه دليل على أنه يجوز للمحرم أن يمشط رأسه ولا دليل من كتاب ولا سنة والإجماع على منعه من ذلك ولا تحريمه ، وهذا قول ابن حزم وغيره .
المسلك الثالث : تعليل هذه اللفظة وردها بأن عروة انفرد بها وخالف بها سائر الرواة ، وقد روى حديثها طاووس والقاسم والأسود وغيرهم فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة ، قالوا : وقد روى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها حديث حيضها في الحج فقال فيه : حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : (( دعي عمرتك وانفضي رأسك وامتشطي .. )) وذكر تمام الحديث . قالوا : فهذا يدل على أن عروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة .
المسلك الرابع : أن قوله : ( دعي العمرة ) أي دعيها بحالها لا تخرجي منها وليس المراد تركها ، فقالوا : ويدل عليه وجهان : أحدهما قوله : ( يسعك طوافك لحجك وعمرتك ) ، والثاني قوله : ( كوني في عمرتك ) ، قالوا : وهذا أولى من حمله على رفضها لسلامته من التناقض. قالوا : وأما قوله : ( وهذه مكان عمرتك ) فعائشة أحبت أن تأتي بعمرة مفردة فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن طوافها وقع حن حجتها وعمرتها وأن عمرتها قد دخلت في حجها فصارت قارنة فأبت إلا عمرة مفردة كما قصدت أولاً ، فلما حصل لها ذلك قال : ( هذه مكان عمرتك ) .
وفي سنن الأثرم عن الأسود قال : قلت لعائشة اعتمرت بعد الحج ؟ قالت : والله ما كانت عمرة ما كانت إلا زيارة زرت البيت . قال الإمام أحمد : إنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة حين ألحت عليه فقالت : يرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك ؟ فقال : يا عبد الرحمن أعمرها . فنظر إلى أدنى الحل فأعمرها منه .
القارئ : نكمل الكلام على موضع الحيض والطهر ؟
الشيخ : نعم .
القارئ : قال رحمه الله : فصل ، وأما موضع حيضها فهو سرف بلا ريب وموضع طهرها قد اُختلف فيه فقيل بعرفة ، هكذا روى مجاهد عنها وروى عروة عنها أنها أظلها يوم عرفة وهي حائض ، ولا تنافي بينهما والحديثان صحيحان وقد حملهما ابن حزم على معنين ، فطهر عرفة هو الاغتسال للوقوف بها عنده ، قال : لأنها قالت تطهرت بعرفة ، والتطهر غير الطهر . قال : وقد ذكر القاسم يوم طهرها أنه يوم النحر وحديثه في صحيح مسلم ، قال : وقد اتفق القاسم ومسلم على أنها كانت يوم عرفة حائضاً ، وهما أقرب الناس منها . وقد روى أبو داود قال : حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة .. فذكر الحديث وفيه : فلما كانت ليلة البطحاء طهرت عائشة . وهذا إسناد صحيح. لكن قال ابن حزم إنه حديث منكر مخالف لما روى هؤلاء كلهم عنها ، وهو قوله : إنها طهرت ليلة البطحاء . وليلة البطحاء كانت بعد يوم النحر بأربع ليال ، وهذا محال . إلا أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة ليست من كلام عائشة فسقط التعلق بها لأنها ممن دون عائشة وهي أعلم بنفسها . قال : وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا رُهيب بن خالد وحماد بن زيد فلم يذكروا هذه اللفظة .
ش15 ـ وجه ب :
قلت : يتعين تقديم حديث حماد بن زيد ومن معه على حديث حماد بن سلمة من وجوه :
أحدها : أنه أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة .
الثاني : أن حديثهم فيه إخبارها عن نفسها وحديثه فيه الإخبار عنها .
الثالث : أن الزهري روى عن عروة عنها الحديث وفيه : فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة . وهذه الرواية هي التي بينها مجاهد والقاسم عنها لكن قال مجاهد عنها : فتطهرت في عرفة . والقاسم قال : يوم النحر.
الشيخ : على كل حال المشهور هو أنها حاضت في سرف ، والشيخ ابن القيم رحمه الله ما أجاب عن قولهم إنها حاضت في عرفة ، أجاب عن قصة الطهر . هل قصة الطهر هل هي بعرفة أو يوم النحر ؟ هذا يمكن الجمع بأن يقال إنها طهرت يوم عرفة ولم تطهر إلا يوم النحر احتياطاً لئلا يكون هذا جفافاً لا طهراً ، إذا كانت اللفظتان محفوظتين . وأما أنها طهرت ليلة البطحاء هذا لا شك أنه غلط .
طالب : تكلم عليه ابن حزم متى هي طهرت ........
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وأن عائشة حاضت ) في رواية عائشة نفسها كما تقدم أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها وشكواها ذلك له كان يوم التروية ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها كان بعرفة وفي رواية القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حتى قدمنا منى وله من طريقه فخرجت من حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفنا بالبيت الحديث واتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الإفاضة من يوم النحر واقتصر النووي في شرح مسلم على النقل عن أبي محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره يوم النحر وإنما أخذه ابن حزم من هذه الروايات التي في مسلم .
ويُجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهي بعرفة ولم تتهيأ للإغتسال إلا بعد أن نزلت منى أو انقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى وهذا أولى والله أعلم .
طالب : هذا هو ما ذكرتم .
الشيخ : إي هذا هو الظاهر ، المهم إن ـ سبحان الله ـ اختلاف الروايات في الحج كثير ، ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد تتبع هذا الاختلاف واعتمد على المشهور وما خالف المشهور حاول أن يرده إلى المشهور بتأويل قريب أو بعيد .
سؤال : يا شيخ اثابك الله ، بالنسبة للاختلاف في طهر عائشة متى طهرت ما الذي يترتب عليه ؟
الجواب : لا .. بس الروايات ، ولنعلم أن الحائض يجوز أن تقف بعرفة ومزدلفة ومنى .
سؤال : أحسن الله إليكم هل يُفهم من هذا الحديث أن الإمام مسلم رحمه الله قد يعتمد صحة السنة ولو كانت المتن شاذاً ؟
الجواب : الإمام البخاري ترى ، أنت قلت مسلم ، استصحاب الأصل لأنه ربما يكون في هذا السياق فائدة ولو واحدة يستفاد بها على الأحاديث السابقة .
سؤال : أحسن الله إليكم ، ما يمكن الجمع بين الروايات السابقة ؟
الجواب : لا .. لا .(245/88)
6 ـ بَاب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ
1659 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ قَال سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو(1)
__________
(1) لو قال قائل : هل للتنعيم خصيصة في هذا ؟ الجواب : لا ، لكن التنعيم بالنسبة للمحصب هي أقرب الحل ، أقرب من عرفة ، وإلا لو أحرمت من عرفة أو من الجعرانة أو من الحديبية فلا بأس ، المهم أن العمرة لا يمكن أن يُحرم بها من الحرم لا أهل مكة ولا غيرهم .(245/89)
1660 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ بْنُ عَبْدِالمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ المُعَلمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَهَل وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ وَليْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَطَلحَةَ وَكَانَ عَليٌّ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدْيُ فَقَال أَهْللتُ بِمَا أَهَل بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَذِنَ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا إِلا مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالُوا نَنْطَلقُ إِلى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلغَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال لوِ اسْتَقْبَلتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلوْلا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْللتُ وَأَنَّ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حَاضَتْ فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلهَا غَيْرَ أَنَّهَا لمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ قَال فَلمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ أَتَنْطَلقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلقُ بِالحَجِّ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالكِ ابْنِ جُعْشُمٍ لقِيَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَال أَلكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُول اللهِ قَال لا بَل للأَبَدِ(1)
__________
(1) هذا أيضاً خلاف السياق ، في حديث جابر في صحيح مسلم أن سراقة قال ذلك عند المروة لا عند العقبة ، فإما أن يُحمل على أن المروة لها عقبة وإما أن يُقال : يعتمد السياق التام الذي في صحيح مسلم .
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت )) هل يقال إن هذا تمني خلاف الواقع أو يقال إن هذا خبر مجرد ؟ الثاني ، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتمن لأنه يعلم إن هذا هو الأفضل ـ أعني قرانه ـ لكنه قال للصحابة هكذا لتطيب نفوسهم ويحلوا برضا .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قلنا يحتمل أن عند المروة عقبة ، لكن هنا قال : ( وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا ) ؟
الجواب : نعم قلنا احتمال هذا واحتمال هذا . شوف كلام ابن حجر على هذا ، قوله : ( وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا ) .
سؤال : الجعرانة لها خصيصة ؟
الجواب : لا .. ما لها خصيصة .
السائل : أدنى الحل قبل الجعرانة بكثير ؟
الجواب : لأنه كان نازلاً في الجعرانة .
السائل : السؤال عن فعل الناس الآن ؟
الجواب : الناس يأتونها ؟
السائل : يأتونها في مسجد هناك يحرمون منه .
الجواب : لا قصدي يحرمون قبلها أو يمشون ؟
السائل : يحرمون من الجعرانة .
الجواب : طيب وإيش الإشكال ؟
السائل : يظنون أنه السنة .
الجواب : طيب وإيش الإشكال ؟
السائل : يجوز هذا ؟
الجواب : يجوز من أي حل كان .
السائل : حدود مكة قبل حدود الجعرانة .
الجواب : وهل يظن أن غيرها حرام ؟ أقول هل الذين يحرمون من الجعرانة هل يقولون عن التنعيم لا يجوز ؟
السائل : أنا أقصد الجهة .
الجواب : الإنسان يجوز أن يحرم من أي جهة لأنه المشروع ، المشروع أن يُحرم من أقرب حل له ، لو كان ساكناً مزدلفة نقول احرم من عرفة . عرفت ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( وأن سراقة لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهو يرميها ) يعني وهو يرمي جمرة العقبة وفي رواية يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عند المصنف في كتاب التمني وهو يرمي جمرة العقبة هذا فيه بيان المكان الذي سأل فيه سراقة عن ذلك . ورواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء عن جابر كذلك ، وسياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة ، وبذلك تمسك من قال إن سؤاله كان عن فسخ الحج عن العمرة ويحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين لتعدد المكانين .
الشيخ : وربما احتمال آخر أوضح أن يكون سراقة أعاد السؤال مرة ثانية إما لأنه نسي ما قاله عند المروة أو للتأكد ، يعني لزيادة تأكد . وهذا قد يقع .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هؤلاء الحجاج الأفاقيين يا شيخ بعضهم يعتمرون بعد الحج مباشرة من التنعيم ، هل ينهون يا شيخ ؟
الجواب : نعم ينهون عن هذا .
السائل : إذا رجعوا إلى بلادهم لا يستطيعون أن يعتمروا مرة ثانية ؟
الجواب : طيب ما يمكن أن يجعلوه تمتع أو قران ؟
السائل : هم في اعتقادهم أنهم لو جعلوه تمتعاً أو قراناً لزمهم الهدي يفرون من هذا ويجعلونه حجاً مفرداً ؟
الجواب : لزم القادر الهدي والعاجز الصيام .
السائل : إي نعم ، هم يفرون من هذا .
الجواب : هذا غلط ، وأيضاً العمرة ليست متفقاً عليها أنها واجب ، كثير من العلماء يرى أنها سنة وممن يرى أنها سنة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . فالمسألة ما هي واجب ، يعني حتى ولو انصرفوا بدون عمرة فلا شيء عليهم على هذا الرأي ، أما أن يُحدثوا بدعة ما كان الرسول فعلها ولا أصحابه ، هذا غلط . سبحان الله ، ولا يمكن أن يتعلل أحد بحديث عائشة ، إذ أن حديث عائشة قضية عين ، إذا وقع لامرأة مسلمة ما وقع لعائشة قلنا لا بأس ، بمعنى أنها أحرمت بعمرة ثم حاضت وامتنعت من الطواف ثم قرنت ثم لم تطب نفسها إلا أن تأتي بعمرة قلنا لا بأس ، وإن طابت نفسها أن تكتفي بعمرة القران فلا يمكن نقول .
سؤال : ربما يقولون إن العمرة ليست لهم ؟
الجواب : صحيح ، لكن عمل السلف ، العمل الصالح ما له وقت لكن عمل السلف يقيد الموضوع ، والسلف لا شك الصحابة أحرص من غيرهم على الخير ، وليس كلهم كان متمتعاً أو قارناً .(245/90)
7 ـ بَاب الاعْتِمَارِ بَعْدَ الحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
1661 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَال أَخْبَرَنِي أَبِي قَال أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْل أَنْ أَدْخُل مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلكَ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلي بِالحَجِّ فَفَعَلتُ فَلمَّا كَانَتْ ليْلةُ الحَصْبَةِ أَرْسَل مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا فَقَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا وَلمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلكَ هَدْيٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ(1)
8 ـ بَاب أَجْرِ العُمْرَةِ عَلى قَدْرِ النَّصَبِ
__________
(1) قوله : ( هَدْيٌ وَلا صَدَقَةٌ وَلا صَوْمٌ ) يعني زائد عن هدي التمتع لأن الهدي أو الصدقة أو الصوم إنما تكون عند المخالفة فبينت رضي الله عنها أنها لم يلزمها شيء زائد يعني زائداً عن هدي التمتع .(245/91)
1662 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالا قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا يَا رَسُول اللهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقِيل لهَا انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلى التَّنْعِيمِ فَأَهِلي ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلكِنَّهَا عَلى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ.
9 ـ بَاب المُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ العُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ
هَل يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) الترجمة هذه تدل على أن البخاري رحمه الله يرى وجوب طواف الوداع للمعتمر لأنه قال : ( إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يُجزئه عن طواف الوداع ) ويحتمل أنه أراد إذا اعتمر بعد الحج ثم خرج بعد العمرة مباشرة هل يُجزئه عن طواف الوداع . وكلا الأمرين صحيح ، أما أن يطوف طواف الوداع للعمرة سيأتينا إن شاء الله في صحيح البخاري قريباً ما يدل على ذلك ، وأما المعتمر إذا اعتمر وخرج فور انتهائه فكذلك لا يلزمه طواف الوداع وذلك لأنه طاف بالبيت والسعي تابع للطواف بدليل أنه لا يُجزئ قبله إلا في الحج فإنه يُجزئ قبله لأنه في ضمن أفعال النسك . فلو أن إنساناً قدم مكة معتمراً ثم طاف وسعى وقصر وسافر فلا شيء عليه . ما ذكر في الشرح الترجمة ؟
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ) أورد فيه حديث عائشة في عمرتها من التنعيم وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما .. الحديث . قال ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة انتهى . وكأن البخاري لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة وأيضا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى أن يقول بمثل ذلك هنا ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن إن قلنا إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معا .
الشيخ : أحياناً يستشكل بعض الناس بعض طلبة العلم إذا قيل لهم إن المعتمر إذا اعتمر وطاف وسعى وقصر ومشى . يقولون : كيف ؟ آخر شيء السعي والحلق . فيقال هذا تابع . كذلك إذا أخَّر طواف الإفاضة والسعي بعضهم قال : يقدم السعي على الطواف لأن تقديم السعي في الحج على الطواف جائز ويجعل الطواف آخر . نقول : لا حاجة لهذا التكلف طف ثم اسع رتب الترتيب الشرعي ، والفصل بين الطواف والسفر بالسعي لا يضر لأن السعي تابع .(245/92)
1663 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ القَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُهِلينَ بِالحَجِّ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ وَحُرُمِ الحَجِّ فَنَزَلنَا سَرِفَ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لأَصْحَابِهِ مَنْ لمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلهَا عُمْرَةً فَليَفْعَل وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلا وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الهَدْيُ فَلمْ تَكُنْ لهُمْ عُمْرَةً فَدَخَل عَليَّ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَال مَا يُبْكِيكِ قُلتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلتَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ قَال وَمَا شَأْنُكِ قُلتُ لا أُصَلي(1) قَال فَلا يَضِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَليْكِ مَا كُتِبَ عَليْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا قَالتْ فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلنَا المُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ فَقَال اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الحَرَمَ فَلتُهِل بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ الليْل فَقَال فَرَغْتُمَا قُلتُ نَعَمْ فَنَادَى بِالرَّحِيل فِي أَصْحَابِهِ فَارْتَحَل النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بِالبَيْتِ قَبْل صَلاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلى المَدِينَةِ(2)
__________
(1) قولها : ( لا أصلي ) دليل على أن ذكر اللازم يفيد وجوب الملزوم . ومازالت هذه الكلمة تستعمل عند النساء تقول إنها ما تصلي مثلاً؛ لأن ذكر اللازم يدل على وجوب الملزوم
(2) قوله : ( اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ) ظاهر جداً في أن العمرة لا تصح من الحرم وأنه لا بد أن تكون من الحل ، وعلى هذا فيكون قوله صلى الله عليه وسلم : (( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة )) يستثنى من ذلك العمرة فإن أهل مكة لا يحرمون منها . وأي زيارة حصلت لهم وهم محرمون من مكة ؟ والعمرة زيارة ، ولا إشكال عند التأمل في أنه لا يجوز الإحرام بالعمرة من الحرم بل لابد أن يخرج إلى الحل . لكن أي حل ؟ يجوز أن يخرج إلى عرفة ويحرم منها ؟ يجوز ، من الجعرانة من الحديبية من أي مكان ، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو نازل بالمحصب وهو الأبطح أقرب شيء له من الحل هو التنعيم ، فلهذا أمر عبد الرحمن أنم يذهب بها إلى التنعيم . وفي هذا دليل واضح أيضاً على أنه لا يُسن للإنسان أن يأتي بعمرة بعد الحج ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرشد عبد الرحمن لذلك وعبد الرحمن لم يفعل أيضاً مما يدل على أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه أن يحرموا بعمرة بعد الحج .
فإن قال قائل : وعائشة ؟ قلنا : عائشة ألحت إلحاحاً عظيماً على النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يطيب قلبها في أمر ليس بمحرم ، فطيب قلبها وقال : (( اخرج بأختك من الحرم )) .
ثانياً : إذا تنزلنا جدلاً وحصل لامرأة ما حصل لعائشة أحرمت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من أداء العمرة ولم تطب نفسها إلى أن تأت بعمرة مستقلة قلنا في هذه الحال لا بأس أن تفعل . ولا نقل يُسن أن تفعل ، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمرها بذلك وإنما أذن لها ، وهذا لا يعني أنه يُسن .
وإذا نظرنا لحال المسلمين اليوم ـ مع الأسف الشديد ـ تجده بعد فراغ الحج يأتي بعمرة وعمرة وعمرة وعمرة ، وكل يوم يأتي بعمرة فيُتعب نفسه ويُتلف ماله ويُضيق على إخوانه ويخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
سؤال : قولنا إن الإحرام بالعمرة لا يجوز من الحرم ، هل .....؟
الجواب : .......... المشهور من مذاهب الفقهاء فيما نعلم أن الإحرام يصح ولكن عليه دم لأنه ترك واجب ، وفي قول ـ أظنه للظاهرية ـ أن من أحرم من غير الميقات لا ينعقد إحرامه كما لو أحرم قبل أشهر الحج ، فيرون أن الميقات الزمني والمكاني على حد سواء .
السائل : هل العمرة كذلك ؟
الجواب : العمرة كذلك لكن إلى الآن لا أطمئن إلى قول الظاهرية .
سؤال : بالنسبة للعمرة امرأة أتت وحاضت قبل الميقات ، هل تفعل مثل ما فعلت عائشة إذا طهرت تذهب إلى التنعيم ؟
الجواب : لا أبداً ، ما نأمرها لكن إذا لم تطب نفسها فلا بأس .
سؤال : إذا اعتمر المسلم قبل أن يعرف أن العمرة واجبة هل عمرته تجزئه ؟
الجواب : هذا سؤال مهم ، يقول : إذا اعتمر الإنسان قبل أن يعرف أن العمرة واجبة فهل تجزئه عن الواجب ؟ الظاهر إنه يجزئه لأن هي غير موقتة بوقت حتى نقول هذا أحرم قبل وقتها ، الظاهر أنها تجزئه .(245/93)
10 ـ بَاب يَفْعَلُ فِي العُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الحَجِّ(1)
1664 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَال حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ وَعَليْهِ جُبَّةٌ وَعَليْهِ أَثَرُ الخَلُوقِ أَوْ قَال صُفْرَةٌ فَقَال كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَأَنْزَل اللهُ عَلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ أُنْزِل عَليْهِ الوَحْيُ فَقَال عُمَرُ تَعَال أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَدْ أَنْزَل اللهُ عَليْهِ الوَحْيَ قُلتُ نَعَمْ فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِليْهِ لهُ غَطِيطٌ وَأَحْسِبُهُ قَال كَغَطِيطِ البَكْرِ فَلمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ اخْلعْ عَنْكَ الجُبَّةَ وَاغْسِل أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ(2)
__________
(1) انتبه لقول البخاري : ( يفعل في العمرة ما يفعل في الحج ) يفعل ولم يقل يترك ، مما يدل على أن الأصل تساوي العمرة والحج في الأحكام إلا ما قام الدليل على خروج العمرة ، فمثلاً الوقوف بعرفة في الحج وليس في العمرة ، المبيت في مزدلفة في الحج وليس في العمرة ، المبيت في منى في الحج وليس في العمرة ، الرمي في الحج وليس في العمرة ، والباقي افعل ما تفعل في الحج إلا ما قام الدليل على عدمه .
(2) الشاهد قوله : ( اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك ) لكن بعض العلماء قال : اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك يعني في تجنب المحظورات ، لكن نقول ما المانع من أن نجعله عاماً .
في هذا الحديث : أولاً شدة ما يلاقيه النبي صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي ، وقد قال الله تعالى : { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } وفيه أيضاً أنه إذا نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أن يُلحق بالقرآن فإنه لا يكون قرآناً ، بل يكون إلهاماً ويعبر عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنها وجوب التخلي عن محظورات الإحرام فوراً لكن حسب الاستطاعة ، فمثلاً لو كان الإنسان عليه إزار ملطخ بالطيب وقيل له إن هذا حرام ، لأن من المعلوم أننا لن نقول له في الحال اخلع الإزار ، لماذا ؟ لأنه يبقى عارياً ، لكن يجب عليه أن يبادر وأن لا يتأخر .
وفيه أنه لا يجوز لبس الإحرام المطيب خلافاً لمن قال إنه يجوز مع الكراهة إذا لبسه قبل أن يعقد الإحرام . والصواب أنه لا يجوز سواء طيبه بعد الدخول في الإحرام أو قبل الدخول في الإحرام ، وعليه لا تُطيب الإزار ولا الرداء إذا أردت الإحرام لا بدهن ولا ببخور . وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا تلبسوا ثوباً مسه زعفران ولا ورس )) فالصواب أنه لا يجوز لبس المطيب سواء كان ذلك التطييب قبل الإحرام أو بعده .
وفيه أيضاً دليل على أنه لا يجوز أن يلبس الجبة ، لأن الجبة تعتبر لباس وإن كانت قد تكون مفتوحة الوجه فإنها لباس ، ومثل ذلك المشلح لا يجوز للإنسان أن يلبسه لكن لو وضعه على أكتافه على غير لبس تلفع به كرداء فإن ذلك لا يضر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ((لا يلبس القميص )) ومعلوم أن النهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن العام . هل نأخذ من هذا أن من فعل محظوراً جاهلاً فلا شيء عليه أو نقول هذا فعل المحظور قبل أن ينزل حكمه ؟ الظاهر الثاني ، يعني ما نأخذ من هذا الحديث دليلاً على أن من فعل شيئاً من المحظورات جاهلاً فلا شيء عليه ، بل نأخذ أنه متى علم الجاهل أنه على خطأ فليبادر بتصحيحه .
بحث مقدم من أحد الطلاب :
وبعد .. فهذا لفظ مختصر لما أورده البخاري في صحيحه : عن عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال لنا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل . وهو أن فيه إشكال عند الباحث وذهب في الكلام عليه في مسائل : الأولى : ..
الشيخ : يعني الحديث ؟
الباحث : إي نعم .
الشيخ: بس ما ذكرت الحديث، الآن ظننتك تتكلم عن القطعة هذه فقط.
الباحث : على حديث عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِحَجَّةٍ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْل أَنْ أَدْخُل مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ .
الشيخ : يعني سقت الحديث بتمامه .....
الباحث : والكلام على هذا الحديث في مسائل :
المسألة الأولى : من جهة الإسناد ، وهذا الحديث رواه البخاري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، فلا يجوز إسناد عروة بن الزبير الثقة الفقيه المشهور ، قال ابن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة عروة وعمرة والقاسم .
الشيخ : مع أنه الأصح أن يقول أحفظ يعني كان هؤلاء كان عروة و...... أعلم .
الباحث : وأما الكلام على هشام بن عروة فقال الذهبي في السير الرجل حجة مطلقة ولا عبرة لما قاله الحافظ ابن حسن بن قطان من أنه سهيل بن أبي صالح اختلط أو تغير ، فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر وتنقص حدة ذهنه ، فليس هو في شيخوخته كهو في شبابه . وما ثم أحد معصوم من السهو والنسيان ، وما هذا التغير بضار أصلاً وإنما الذي يضر الاختلاط وهشام لم يختلط قط ، هذا أمر مقطوع به ، وحديثه محتج به في الموطأ والصحاح والسنن .
وقال ابن بطال إنه اختلط قول مردود مردود فارني إمام من الكبار سلم من ...... والوهم ، فهذا شعبة وهو في الذروة له أوهام وكذلك معمر والأوزاعي رحمة الله عليهم . وقال في الميزان : ولما قدم العراق في آخر عمره .............. في غضون ذلك أحاديث لم يدونها .ا.هـ.
المسألة الثانية : ذكر من أعل هذا الحديث ـ أعني حديث هشام بن عروة ـ هذا الحديث ضعفه ابن حزم وقال : إنه منكر ، وذكر ابن القيم أن بعضهم أعله مستدلين أن حماد بن زيد رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة روى حديث الحيض في الحج فقال حدثني غير واحد ، فهذا يدل على أن عروة لم يسمع من عائشة زيادة دعي عمرتك .
قال ابن القيم في زاد المعاد : وأما قوله في رواية حماد ( حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها دعي عمرتك ) فهذا إنما يحتاج إلى تعليله ورده إذا خالف الروايات الثابتة عنها ، وأما إذا وافقها وصدقها وشهد لها أنه أحرم بعمرة فهذا يدل على أنه محفوظ وأن الذي حدث به ضبطه وحفظه ، قال : مع أن حماد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعللة وهي قوله : فحدثني غير واحد ، وخالفه جماعة فروه متصلاً عن عروة عن عائشة . انتهى كلامه . قلت : لجاء التصريح بالتحديث على صحيح البخاري .
المسألة الثالثة : ما جاء في حديث عائشة في قولها : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُوَافِينَ لهِلال ذِي الحَجَّةِ ) فهذا ظاهره المعارضة مع ما رواه البخاري عن عائشة قولها : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ) قال ابن حجر في الفتح : قولها : ( خرجنا موافين لهلال ذي الحجة ) أي قرب طلوعه ، وتقدم أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وأقمت قريبة من آخر الشهر . فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة .
المسألة الرابعة : قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ فَليُهِل وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِل بِحَجَّةٍ فَليُهِل وَلوْلا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْللتُ بِعُمْرَةٍ)) متى قاله النبي صلى الله عليه وسلم هل كان بسرف أو بعد فراغه من العمرة ؟ قال ابن القيم في زاد المعاد : فلما كان بسرف قال لأصحابه من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا . وهذه نقطة أخرى فوق نقطة التخيير عند الميقات ، فلما كان بمكة أمر أمراً حتماً من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه ، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه .ا.هـ.
قلت : وقد جاء التصريح أنه كان بسرف كما جاء في البخاري من طريق أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة : فنزلنا بسرف وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه الهدي فلا )) .
المسألة الخامسة : قولها في الحديث في حجة الوداع : ( فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ ) هل هذا يخالف أنها حاضت بسرف ويدل على أن الحيض أتاها في عرفة ؟ الجواب : لا ، وهذا الرواية فيها اختصار وهي رواية أبي معاوية الضرير . وروايته عن هشام قال عنها الإمام أحمد فيها اختلاط ، لكن جاء في رواية يحي القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ما يزيل هذا الاحتمال ، وهو في البخاري ، وهو قولها : ( فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ) ورواية يحيى مقدمة على رواية أبي معاوية ، على أن رواية أبي معاوية لا تدل على ما ذكروه فغاية ما تدل عليه أنها كانت يوم عرفة حائض دون أن يدل ذلك على ابتداء زمن الحيض .
الشيخ : المشكلة هذه أن الظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي في عرفة والمعروف إنها بسرف .
المسألة السادسة : أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الحيض وبوب له باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض ، وباب غسل المرأة شعرها عند غسل المحيض ، فهل هذا يدل على أن البخاري يرى أن طهرها كان يوم عرفة ؟ قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري على صحيح البخاري : وهذا الحديث لا دلالة فيه على واحد من الأمرين ، فإن غسل عائشة التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم به لم يكن من الحيض بل كانت حائضاً وحيضها يومئذٍ موجود فإنها لو كان انقطع حيضها لطافت للعمرة ولم تحتج إلى هذا السؤال ولكن أمرها أن تغتسل في حال حيضها وتُهل بالحيض ، فهو غسل للإحرام في حال الحيض .
وقد ذكر ابن ماجه في كتابه ( باب الحائض كيف تغتسل ) ثم قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعائشة بنت محمد حدثنا وكيع وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وكانت حائضاً : انقضي شعرك واغتسلي . قال علي في حديثه : ( انقضي رأسك ) وهذا أيضاً يوهم أنه قال لها هذا في غسلها من الحيض وهذا مختصر من حديث عائشة الذي خرجه البخاري ، وقد ذُكر هذا الحديث المختصر للإمام أحمد عن وكيع فأنكره ، قيل للإمام : كأنه اختصره من حديث الحج . فقال : أيحل له أن يختصر ؟ نقله عنه المغولي ، ونقله عنه إسحق في مسائله أنه قال : هذا باطل .
قال ابن رجب : وقد يُحمل مراد البخاري رحمه الله على وجه صحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر عائشة بنقض شعرها وامتشاطها عند الغسل للإحرام لأن الغسل للإحرام لا يتكرر فلا يشق نقض الشعر فيه ، وغُسل الحيض والنفاس يوجد فيه هذا المعنى بخلاف غسل الجنابة فإنه يتكرر فيشق النقض فيه ، فلذلك لم يؤمر فيه بنقض الشعر . انتهى كلامه .
المسألة السابعة : قال ابن رجب وقد تكلم بعض العلماء في لفظة ...
الشيخ : بقي كثير ؟ نكمل البحث إن شاء الله في الدرس القادم .(245/94)
1665 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال قُلتُ لعَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْل اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) فَلا أُرَى عَلى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقَالتْ عَائِشَةُ كَلا لوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلونَ لمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ فَلمَّا جَاءَ الإِسْلامُ سَأَلُوا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلكَ فَأَنْزَل اللهُ تَعَالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَليْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلا عُمْرَتَهُ لمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.
ش16 ـ وجه أ :
11 ـ بَاب مَتَى يَحِل المُعْتَمِرُ
وَقَال عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه أَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلوا(245/95)
1666 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَال اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلمَّا دَخَل مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ وَأَتَى الصَّفَا وَالمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْل مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ فَقَال لهُ صَاحِبٌ لي أَكَانَ دَخَل الكَعْبَةَ قَال لا قَال فَحَدِّثْنَا مَا قَال لخَدِيجَةَ قَال بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنَ الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ
1667 حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَال سَأَلنَا ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلى خَلفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَال وَسَأَلنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْهمَا فَقَال لا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ(245/96)
1668 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِي الله عَنْه قَال قَدِمْتُ عَلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَال أَحَجَجْتَ قُلتُ نَعَمْ قَال بِمَا أَهْللتَ قُلتُ لبَّيْكَ بِإِهْلالٍ كَإِهْلال النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال أَحْسَنْتَ طُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِل فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْللتُ بِالحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كَانَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ فَقَال إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَإِنَّهُ لمْ يَحِل حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ(1)
1669 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَاللهِ مَوْلى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ صَلى اللهُ عَلى رَسُولهِ مُحَمَّدٍ لقَدْ نَزَلنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَليلٌ ظَهْرُنَا قَليلةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ فَلمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أَحْللنَا ثُمَّ أَهْللنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ(2)
__________
(1) يوجد انقطاع في شرح الشيخ رحمه الله للأحاديث الثلاثة الأولى من باب متى يحل المعتمر.
(2) أنا عندي : ( فلما مسحنا البيت أحللنا ـ بالحاء ـ ثم أهللنا من العشي بالحج ) شوف الشرح .
تعليق من فتح الباري :
قوله: ( ونحن يومئذ خفاف ) زاد مسلم في روايته : ( خفاف الحقائب) والحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف وبالموحدة وهي ما احتقبه الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف . قوله : ( فاعتمرت أنا وأختي ) أي بعد أن فسخوا الحج إلى العمرة ففي رواية صفية بنت شيبة عن أسماء قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فقال من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل فلم يكن معي هدي فأحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحل.ا.هـ.
وهذا مغاير لذكرها الزبير مع من أحل في رواية عبد الله مولى أسماء فإن قضية رواية صفية عن أسماء أنه لم يحل لكونه ممن ساق الهدي فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع كما أشار إليه النووي على بعده وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء فاقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف .
ويُقوي صنيع البخاري ما تقدم في باب الطواف على وضوء من طريق محمد بن عبد الرحمن وهو أبو الأسود المذكور في هذا الإسناد قال سألت عروة بن الزبير فذكر حديثا وفي آخره وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا . والقائل أخبرتني عروة المذكور وأمه هي أسماء بنت أبي بكر وهذا موافق لرواية عبد الله مولى أسماء عنها . وفيه إشكال آخر وهو ذكرها لعائشة فيمن طاف والواقع أنها كانت حينئذ حائضا . وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن سياق رواية هذا الباب تأباه فإنه ظاهر في أن المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع . والقول فيما وقع من ذلك في حق الزبير كالقول في حق عائشة سواء وقد قال عياض في الكلام عليه ليس هو على عمومه فإن المراد من عدا عائشة لأن الطرق الصحيحة فيها أنها حاضت فلم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها .
قال : وقيل لعل عائشة أشارت إلى عمرتها التي فعلتها من التنعيم ثم حكى التأويل السابق وأنها أرادت عمرة أخرى في غير التي في حجة الوداع وخطأه ولم يعرج على ما يتعلق بالزبير من ذلك .
قوله : ( وفلان وفلان ) كأنها سمت بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي ولم أقف على تعيينهم فقد تقدم من حديث عائشة أن أكثر الصحابة كانوا كذلك . قوله : ( فلما مسحنا البيت ) أي طفنا بالبيت فاستلمنا الركن وقد تقدم في باب الطواف على غير وضوء من حديث عائشة بلفظ مسحنا الركن وساغ هذا المجاز لأن كل من طاف بالبيت يمسح الركن فصار يطلق على الطواف كما قال عمر بن أبي ربيعة :
ولما قضينا من منى كل حاجة ومَسَّح بالأركان من هو ماسح
أي طاف من هو طائف.
قال عياض ويحتمل أن يكون معنى مسحوا طافوا وسعوا وحذف السعي اختصارا لما كان منوطا بالطواف قال ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع وقد جاء مفسرا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين والله أعلم .
الشيخ : عائشة لا شك أنها لم تدخل في هذا في حجة الوداع لأنها ما طافت إلا طواف الإفاضة ، وفي هذا الحديث إذا كان اللفظ محفوظاً دليل على جواز العمرة صباح اليوم الثامن ؛ لأنها تقول : ( أهللنا من العشي بالحج ) لكن الحديث كما سمعتم فيه شيء من القلق والاضطراب .
سؤال : فلما مسحنا البيت أهللنا من العشي ؟
الجواب : لا .. أحللنا ثم أهللنا . أحللنا بالحاء ثم أهللنا .(245/97)
12 ـ بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوِ الغَزْوِ
1670 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا قَفَل مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلى كُل شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ(1)
__________
(1) البخاري رحمه الله يقول : ( إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو ) والحديث قال : ( إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة ) مطابق للترجمة تماماً . لكن هل يقال هذا في كل سفر أو في هذه الأسفار الثلاثة ؟ ظاهر الحديث أنه في هذه الأسفار الثلاثة .
وقوله : ( يكبر على كل شرف من الأرض ) الشرف : المرتفع ، يكبر ثلاث مرات ، ووجه ذلك أن الإنسان إذا علا استعظم نفسه واستكبر نفسه فيقول : الله أكبر لأجل أن يذل نفسه فلا يرتفع ، ويشبه هذا من بعض الوجوه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا يقول : (( لبيك إن العيش عيش الآخرة )) سبحان الله ، لبيك إجابة لك لئلا تفتنه نفسه فيُبعد عن الله ، فيقول لبيك ثم يقول إن العيش عيش الآخرة من أجل أن يُزهد نفسه في عيش الدنيا ويرغبها في عيش الآخرة . وهكذا ينبغي لك إذا رأيت ما يعجبك من الدنيا من قصور أو سيارات أو غير ذلك تقول : لبيك إن العيش عيش الآخرة .
أما البقية يقول : ( آيِبُونَ ) أي راجعون ( تَائِبُونَ ) أي إلى الله عز وجل ، والتوبة هي التخلص من الذنب واستقامة الحال ( عَابِدُونَ ) من العبادة ( سَاجِدُونَ ) خص السجود لأنه مختص بالصلاة التي هي أفضل أنواع العبادة ( لرَبِّنَا حَامِدُونَ ) قدم المعمول لإفادة الحصر أي لربنا وحده حامدون ، والحمد هو عبارة عن إقرار الإنسان بكمال صفات الله عز وجل مع المحبة والتعظيم ( صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ ) لأي شيء ؟ وعدهم بالنصر { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } ( وَنَصَرَ عَبْدَهُ ) المراد الجنس لكن بالنسبة للإنسان إذا كان هو نصره بنفسه فالمراد العين يعني الشخص ( وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) من غير معين ، هزمهم جل وعلا بالأسباب المعلومة المعروفة ، يعني لا بخسف أو وابل من السماء بل بالأسباب المعروفة . وأبلغ مثال على هذا قصة الأحزاب الذين حاصروا المدينة ثلاث وعشرين ليلة فأرسل الله عليهم الريح الشرقية بشدة عظيمة وبرودة عظيمة حتى كفأت قدورهم ونقلت خيامهم وصاروا يصطلون على النار من شدة الهواء وبرودته ، ولعل مر عليكم قصة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حين طلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أصحابه من يذهب يخبره بخبر القوم ، كررها مرتين أو ثلاثة ثم قال : (( قم يا حذيفة )) فقلت : لما قال قم يا حذيفة لم أر بداً من إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال : (( اذهب وأخبرنا عن القوم ولا تُحدث شيئاً )) يقول : فخرجت من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخلت مكانهم مع شدة البرودة كأني في حمام ـ الله أكبر أذهب الله البرودة والريح وكل شيء ـ يقول فجعلت أنظر فإذا أبو سفيان يصطلي على النار يستدبرها ويستقبلها ، يقول : فلو أردت أن أصيبه لأصبته لقربي منه وتمكني لكني قد قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تُحدث شيئاً )) فلم أُحدث ، يقول : ثم صاح أبو سفيان لينظر كل واحد منكم من جليسه . يقول : فأخذت من بجانبي فقلت من أنت ؟ ـ بادره وهذا مما يدل على الذكاء ـ من أنت ؟ قال أنا فلان . يقول : فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلما دخلت ـ يعني تعديت منطقة العدو ودخلت منطقة الصحابة عاد البرد كما كان ، يقول : فجئت للنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع علي من ردائه عليه الصلاة والسلام ليدفأ .
فالحاصل أن الله تعالى نصر المسلمين هنا بشيء خارج عن العادة أو هو المعتاد ؟ معتاد لأن الريح والبرد الشديد معروف أن الناس ما هم صابرين عليها لكن ما نزل من شيء من السماء ، إذاً هزم الأحزاب وحده بما أرسل عليهم من أسباب الهزيمة . نشوف كلامه في الترجمة هل هذا الذكر خاص بمن يرجع من غزو أو حج أو عمرة أو عام ؟
القارئ : يقول : سيأتي في الدعوات . يقول : أورد المصنف هنا تراجم تتعلق بآداب الراجع من السفر لتعلق ذلك بالحاج والمعتمر وهذا في حق المعتمر الآفاقي وقد ترجم لحديث الباب حديث نافع عن ابن عمر في الدعوات ما يقول إذا أراد سفرا أو رجع ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى .
سؤال : أحسن الله إليكم ، يقول إذا قفل من الغزو هل يكون حين قفوله أو إذا رأى مرتفع ؟
الجواب : لا .. إذا قفل ، الحديث يدل على هذا .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، الحديث ظاهر في الدابة التي على الأرض ؟
الجواب : كيف الدابة ؟
السائل : هل يشرع إذا ارتفعت الطائرة عن الأرض أن يُكبر ؟
الجواب : إي نعم حين ارتفاعها يُكبر ، حين نزولها يسبح .
سؤال : ما المناسبة إذا نزل يقول سبحان الله ؟
الجواب : لأن النزول سفول والسفول نقص ، فينزه الله عز وجل عن النقص والسفول . واضحة المناسبة ؟
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، قول سبحان الله في النزول هل هو عام أم في السفر فقط ؟
الجواب : لا .. ورد في السفر فقط .
سؤال : هل للمسلم كلما وجد في نفسه شيء من الكبر والاستكبار أن يفعل من الأذكار من أجل أن تطمئن نفسه ؟
الجواب : إي نعم ، ما يوجب أن يطمئن مثل الله أكبر .
سؤال : بالنسبة للسجود في الصلاة يكون في الصلاة خاصة
الجواب : ولهذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . والظاهر أنه لو سجد سجود تلاوة يدخل في هذا .(245/98)
13 ـ بَاب اسْتِقْبَال الحَاجِّ القَادِمِينَ وَالثَّلاثَةِ عَلى الدَّابَّةِ
1671 حَدَّثَنَا مُعَلى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلتْهُ أُغَيْلمَةُ بَنِي عَبْدِالمُطَّلبِ فَحَمَل وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلفَهُ(1)
14 ـ بَاب القُدُومِ بِالغَدَاةِ
1672 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَجَّاجِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلى مَكَّةَ يُصَلي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلى بِذِي الحُليْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ(2)
15 ـ بَاب الدُّخُول بِالعَشِيِّ
__________
(1) هذا في استقبال القادم من الحج ومن غيره أيضاً ، وكان الناس فيما سبق أدركناهم يفعلون ذلك ؛ لأن ركب الحج يذهبون جميعاً ويرجعون جميعاً . إذا ذهبوا يخرج معهم الناس يشيعونهم وإذا رجعوا خرج الناس خارج البلد يستقبلونهم . لكن الآن فيه استقبال الذين يخرجون للمطار مثلاً يخرجون يستقبلون المسافرين .
(2) تعليق من فتح الباري :
أورد فيه حديث ابن عمر في خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة من طريق الشجرة ومبيته بذي الحليفة إذا رجع وفيه ما ترجم له وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أوائل الحج .
الشيخ : ما شاء الله هذا ابن حجر ؟(245/99)
1673 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي طَلحَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَال كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يَطْرُقُ أَهْلهُ كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً(1)
__________
(1) العشي آخر النهار ، والطرق هو الغدو في الليل ، والآن اختلفت الأمور قد لا يتهيأ للإنسان أن يصل إلى بلده إلا في الليل كما هي مواعيد الطائرات الآن لكن يُخبر أهله بأنه سيقدم عليهم الليلة الفلانية حتى لا يبغتهم وحتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك .
سؤال : هل يخبرهم قبل قدومه بساعة ؟
الجواب : الأفضل أن يخبرهم قبل قدومه بوقت يتمكنون من التهيؤ له.
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة ) قال عياض : هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا ، وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب .
سؤال : هل يصلي المسافر إذا رجع ركعتين في بيته أو يصلي قبل أن يدخل البلد ؟
الجواب : لا .. لابد أن يدخل البلد ، إذا دخل المسافر البلد أول ما يبدأ أن يصلي ركعتين في المسجد .
تعليق من فتح الباري :
قوله : ( باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع ) فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري ومثله في رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ باب ، والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق فيما أظن الحديث الذي أوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر وقد أردف صفية فلما كان ببعض الطريق عثرت الناقة ) فإن في آخره : ( فلما أشرفنا على المدينة قال : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الأدب وفي أواخر اللباس وشرحته هناك إلا الكلام الأخير هنا فوعدت بشرحه هنا .
قوله : ( كان إذا قفل ) بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه ووقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله من الزيادة كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا .. ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( وإذا رجع قالهن وزاد آيبون تائبون .. ) الحديث وإلى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله : ( إذا أراد سفرا ) .
قوله : ( من غزو أو حج أو عمرة ) ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث وليس الحكم كذلك عند الجمهور بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة ، وقيل يتعدى أيضا إلى المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب ، وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لان مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره . وهذا التعليل متعقب لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص ، فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شُرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، ولهذا ترجم بالسفر على أنه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في أواخر أبواب العمرة ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة .
قوله : ( يكبر على كل شرف ) بفتح المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي ، ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ : ( إذا أوفى ) أي ارتفع . قوله : ( على ثنية ) بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة أو فدفد بفتح الفاء بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع ، وقيل هو الأرض المستوية ، وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره ، وقيل غليظ الأودية ذات الحصى .
قوله : ( ثم يقول لا إله إلا الله .. ) إلى آخره ، يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه وإلا فإذا هبط سبح كما دل عليه حديث جابر . ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط . قال القرطبي : وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المتفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن .
قوله : ( آيبون ) جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه وهو خبر مبتدأ محذوف والتقدير نحن آيبون وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة ، وقوله : ( تائبون ) فيه إشارة إلى التقصير في العبادة ، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لأمته أو المراد أمته كما تقدم تقريره . وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب .
قوله : ( صدق الله وعده ) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله : { وعدكم الله مغانم كثيرة } ، وقوله : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ... } الآية ، وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } .
قوله : ( ونصر عبده ) يريد نفسه ، قوله : ( وهزم الأحزاب وحده ) أي فعل أحد من الآدميين ، واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب ، وقد مضى خبرهم مفصلا في كتاب المغازي ، وقيل المراد أعم من ذلك ، وقال النووي المشهور الأول وقيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الدعاء إنما شرع من بعد الخندق والجواب أن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة الأحزاب : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال } وفيها قبل ذلك : { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .. } الآية ، والأصل في الأحزاب أنه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من الناس فاللام إما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار ، وإما عهدية والمراد من تقدم وهو الأقرب . قال القرطبي ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب والأول أظهر .
الشيخ : الأول أظهر لا شك وأيضاً الأظهر إنه عام ليس خاص بالأحزاب الذين حاصروا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بل هو عام .(245/100)
16 ـ بَاب لا يَطْرُقُ أَهْلهُ إِذَا بَلغَ المَدِينَةَ
1674 حَدَّثَنَا مُسْلمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنْه قَال نَهَى النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلهُ ليْلا(1)
17 ـ بَاب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلغَ المَدِينَةَ
1675 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِي الله عَنْه يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا قَال أبو عَبْد اللهِ زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا .
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَال جُدُرَاتِ تَابَعَهُ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ(2)
18 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )
__________
(1) وسبق أن المراد ( لا يطرق أهله ليلاً ) إلا إذا أعلمهم ، إذا أعلمهم فلا بأس . وفي الوقت الحاضر كما هو معلوم تكون مواعيد الطائرات الآن لا تكون إلا في الليل ، لكن يكون عند الأهل خبر باتصال هاتفي أو موعد مقدم يعني سأحضر في الليلة الفلانية فيزول المحظور ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيَّن السبب قال : (( لأجل أن تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة )) .
(2) وهذا يدل على محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمدينة وأنه من شدة الشوق إذا رآها حرك الناقة ، فيستفاد من هذا أنه إذا كان الإنسان يحب بلدته فإنه إذا أقبل عليها يُحرك كما يفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : كيف يُحرك ؟
الجواب : يسرع في المشي .(245/101)
1676 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنْه يَقُولُ نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَل أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَخَل مِنْ قِبَل بَابِهِ فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلكَ فَنَزَلتْ ( وَليْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )(1)
19 ـ بَاب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ
__________
(1) ها يدل على جهل الناس قبل الإسلام وأن الرجل إذا قفل من الحج أو العمرة لا يدخل من الباب المعروف ، يذهب يتسور الجدار ، ويرون أن دخوله مع الباب عيب ، ولكن الله عز وجل بيَّن هذا وأن المشروع أن يأتوا البيوت من أبوابها . وهذه الجملة في الآية صارت نبراساً يتمشى عليه الإنسان في تصرفاته فيأتي البيوت من أبوابها حتى في المعاملات . مثلاً إذا كان عنده إشكال لا يذهب إلى إدارة التعليم مثلاً دون إدارة المدرسة ، يبدأ بإدارة المدرسة . إذا تنتهي إلى إدارة التعليم لا يرفعها للوزارة ، وهكذا ، فصارت هذه الآية مثلاً لكل من أراد أن يعامل معاملة فيأتي البيوت من أبوابها .
كذلك أيضاً لو رأى امرأة متبرجة فلا يتكلم معها ، يتكلم مع من ؟ مع وليها زوجها أو أبيها أو أخيها أو ما أشبه ذلك ، فيكون قد أتى البيوت من أبوابها . كذلك أيضاً في طلب العلم لا يطلب العلم أول ما يطلب يذهب إلى المغني مثلاً أو إلى الشرح المهذب أو إلى التمهيد أو ما أشبه ذلك ، لا .. يبدأ من أسفل . فهذه الآية الكريمة صارت الآن نبراساً يمشي عليه الناس في كل أحوالهم .(245/102)
1677 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ حَدَّثَنَا مَالكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَليُعَجِّل إِلى أَهْلهِ (1)
__________
(1) في هذا الحديث دليل على أن السفر قطعة من العذاب ، يعني من الألم والتعب والتأذي ، وليس المراد العذاب الذي هو عقوبة الله عز وجل ؛ لأن السفر قد يكون سفر طاعة ، سفر حج ، جهاد ، عمرة ، طلب علم ، لكن المراد أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام يمنع الإنسان الراحة ويكون دائماً في هم ، وسبحان الله حتى في وقتنا الحاضر الذي كان السفر على الطائرات هو أيضاً فيه عذاب ، وهو على الطائرة تجده يقول : أخشى أن تقع ، أخشى أن تضل ، وما أشبه ذلك . فالإنسان في قلق ما دام مسافراً ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قضى الإنسان حاجته من سفره أن يُعجل إلى أهله ، ومن ذلك الحج والعمرة إذا انتهيت من الحج والعمرة فعجل إلى الأهل ؛ لأن غرضك الذي جئت من أجله قد انتهى . وفي هذا حسن المعاشرة للأهل أن الإنسان لا يتأخر عنهم ما دام انتهت حاجته فلا يتأخر .
سؤال : أحسن الله إليكم ، بالنسبة للآية { وادخلوا البيوت من أبوابها } الآن إذا جاء شخص يريد شخصاً في الغالب أنه يأتيه من الشباك يناديه ، فهل يدخل في النهي ؟
الجواب: هذا فيمن أراد أن يدخل البيت أما هذا ما أراد أن يدخل البيت
السائل : إذاً لا حرج أن ينادي عليه ؟
الجواب : لا بأس ، بس لا يزعجه فيكون من جنس الأعراب الذين ينادون الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك ، ........... ؟
الجواب : كل مسافر سواء للحج أو عمرة أو زيارة أو تجارة ....
( ملحوظة ) : يوجد انقطاع في الشرح مع نهاية الوجه الأول من الشريط 16 وبداية الوجه الثاني من نفس الشريط )
الشيخ : هل نأخذ بعموم أول الآية ونقول : ثلاثة قروء واجبة على كل مطلقة سواء كان طلاقها بائناً أو رجعياً أو نقول إن هذا خاص بالرجعية ؟ على القاعدة أن يكون عاماً حتى المطلقة ثلاثاً لابد أن تعتد ثلاثة قروء لكن إذا تأمل الإنسان وجد إنها خاصة بالرجعية ، لماذا ؟ لأنه إنما كانت ثلاثة قروء لعله يندم ويرجع ، والبائن ليس فيها رجعة ، فثلاثة قروء زيادة تطويل عليها لا حاجة إليها . ويدل لهذا أنه ثبت أن المخالعة تعتد بحيضة واحدة لأنه لا رجعة لها ، فيكون هذا لم يخرج عن القاعدة إلا لسبب وإلا لكان عاماً .(245/103)
20 ـ بَاب المُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلى أَهْلهِ
1678 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَال أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلمَ عَنْ أَبِيهِ قَال كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَل فَصَلى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَال إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.
بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبْوَاب المُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
وَقَوْلهِ تَعَالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلا تَحْلقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ ) وَقَال عَطَاءٌ الإِحْصَارُ مِنْ كُل شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَال أبو عَبْد اللهِ ( حَصُورًا ) لا يَأْتِي النِّسَاءَ.(1)
1 ـ بَاب إِذَا أُحْصِرَ المُعْتَمِرُ
__________
(1) عطاء رحمه الله يقول : ( الإِحْصَارُ مِنْ كُل شَيْءٍ يَحْبِسُهُ ) يعني عموم ، وقوله هو الصواب .(245/104)
1679 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا حِينَ خَرَجَ إِلى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ قَال إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْل أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ أَهَل بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ .(1)
__________
(1) إذا أُحصر فماذا يصنع ؟ قال الله عز وجل : { فما استيسر من الهدي } يعني يجب أن يفدي بذبح ما استيسر من الهدي ، فإن لم يجد ؟ فقال الفقهاء رحمهم الله : يصوم عشرة أيام قياساً على دم المتعة . ولكن الصواب عدم وجوب الصيام ؛ لأن الله قال : { فما استيسر من الهدي } وسكت فنقف على ما وقف الله عليه ، ولا يصح القياس ؛ لأن دم التمتع دم شكران وهذا دم جبران لما فاته من إتمام النسك . طيب وهل يجب الحلق أو لا يجب ؟ ليس في الآية ما يدل على وجوب الحلق لكن السنة دلت على وجوبه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يحلقوا ولكنهم تأخروا رضي الله عنهم رجاء أن يرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذا الأمر فدخل على أم سلمة متغيراً غاضباً ، فقالت : يا رسول الله اخرج ولا تكلم أحداً وادع بالحلاق فليحلق ، ففعل . فجعل الناس يكادون يقتتلون على المبادرة بالحلق . وهذا يدل على أن تأثير الفعل أقوى من تأثير القول .
سؤال : أحسن الله إليك ، فعل ابن عمر في هذا الحديث أنه في الفتنة ولعله يتوقع أن يُصد ؟
الجواب : نعم هو لا يرى أن يشترط أي واحد ويُنكر الاشتراط غاية الإنكار ويقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . عكس الذين يقولون : اشترط وإن لم تخش ما ينهاك . والصواب أن الاشتراط في الإحرام أن من خشي مانعاً لإتمام نسكه فليشترط ومن لا فلا .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، قوله في الآية ( فما استيسر من الهدي ... ) هذا ليس من المعروف ، فهل يكون أي شيء ؟
الجواب : لا .. فما استيسر من الهدي وجوداً .
السائل : لو أقل شيء ؟
الجواب : لا .. لا تذبح إلا مسنة ، تريد مثلاً تذبح ما له إلا شهر ؟ تذبحه وتهديه في الغنم . ( ما استيسر ) فهم إن المعنى أي شيء ، لكن لابد أن يكون مما يُجزئ في الأضحية .
سؤال : هل الحاج مفرد هل عليه فدية أيضاً ؟
الجواب : المفرد لا ما عليه ، يعني قصدك المحصر أو غير محصر؟
السائل : المحصر .
الجواب : لا .. كلا من أُحصر لابد أن يذبح ما استيسر من الهدي لأجل عدم إتمام النسك .(245/105)
1680 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَاللهِ بْنَ عَبْدِاللهِ وَسَالمَ بْنَ عَبْدِاللهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلمَا عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا ليَاليَ نَزَل الجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالا لا يَضُرُّكَ أَنْ لا تَحُجَّ العَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَال بَيْنَكَ وَبَيْنَ البَيْتِ فَقَال خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ هَدْيَهُ وَحَلقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ العُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْطَلقُ فَإِنْ خُليَ بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيل بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلتُ كَمَا فَعَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَل بِالعُمْرَةِ مِنْ ذِي الحُليْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَال إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلمْ يَحِل مِنْهُمَا حَتَّى حَل يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لا يَحِل حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ . حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِاللهِ قَال لهُ لوْ أَقَمْتَ بِهَذَا .(245/106)
1681 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَال قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَحَلقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلا(1)
2 ـ بَاب الإِحْصَارِ فِي الحَجِّ
__________
(1) وهذا اعتماره للعام القابل ليس قضاءً للعمرة التي أُحصر فيها ؛ لأنه إذا أُحصر انتهت العمرة ، لكنه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً على هذه العمرة فسميت عمرة القضاء أو عمرة القصية ، ويدل لهذا أن الذين اعتمروا عام الحديبية لم يعتمر بعضهم عمرة القضية ولا قال للناس اقضوا عمرتكم . فالصواب أن من أُحصر تحلل بما استيسر من الهدي وبالحلق ولا يلزمه الإعادة إلا إذا كان النسك هذا فَرَضَه فيلزمه أن يحج من العام القابل لا على أنه قضاء ولكن على أنه فريضة . .
سؤال : في الإحصار لو أحرم بالحج ولم يتمكن من الذهاب ؟
الجواب : يجب أن تعرف الفرق بين الإحصار وبين الفوات ، الإحصار أنه يُمنع ، والفوات أنه ما يدرك الوقوف بعرفة . فماذا تريد ؟
السائل : أريد الإحصار وفوات الحج لأنالحج موقت بوقت فهل نقول مثلاً مجرد الإحصار يحل ويفدي أم ممكن أن ينتظر فقد يتمكن من الأداء كما لو جاءه المرض مثلاً في الطريق ؟
الجواب : المذهب لا ترد عليه هذه المسألة ، الذين يقولون إن الإحصار خاص بالعدو يقولون : إذا أُحصر بمرض يبقى على إحرامه حتى يُعافى ثم يقضي ولو بقي عشرين سنة . لكن هذا القول كما ترى أولاً أنه ضعيف والثاني فيه مشقة على الناس .(245/107)
1682 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال أَخْبَرَنِي سَالمٌ قَال كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ أَليْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِاللهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال حَدَّثَنِي سَالمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ(1)
3 ـ بَاب النَّحْرِ قَبْل الحَلقِ فِي الحَصْرِ
1683 حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ المِسْوَرِ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ نَحَرَ قَبْل أَنْ يَحْلقَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلكَ.
1684 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الوَليدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ العُمَرِيِّ قَال وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَاللهِ وَسَالمًا كَلمَا عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا فَقَال خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَال كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بُدْنَهُ وَحَلقَ رَأْسَهُ.
4 ـ بَاب مَنْ قَال ليْسَ عَلى المُحْصَرِ بَدَلٌ
__________
(1) هذا إذا حُصر عن الحج يعني مُنع من الخروج إلى عرفة ومزدلفة ومنى فماذا يصنع ؟ نقول : يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر. وقول ابن عمر رضي الله عنه : ( يَحُجَّ عَامًا قَابِلا ) هذا إذا لم يؤد الفريضة فأمتا إذا أداها فقد تحلل بالإحصار .(245/108)
وَقَال رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا إِنَّمَا البَدَلُ عَلى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلكَ فَإِنَّهُ يَحِل وَلا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لمْ يَحِل حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلهُ وَقَال مَالكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلا قَضَاءَ عَليْهِ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَصْحَابَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلقُوا وَحَلوا مِنْ كُل شَيْءٍ قَبْل الطَّوَافِ وَقَبْل أَنْ يَصِل الهَدْيُ إِلى البَيْتِ ثُمَّ لمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلا يَعُودُوا لهُ وَالحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنَ الحَرَمِ(1)
__________
(1) ظاهر الحديث أنه لا يلزمه البدل ، يعني لا يلزمه أن يأتي بعمرة بدل التي أُحصر فيها .
سؤال : في باب الإحصار في الحج قول ابن عمر : أو يصوموا إن لم يفتدوا .....؟
الجواب : هذا المتمتع ، اقرأ الحديث .
السائل : إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لمْ يَجِدْ هَدْيًا .
الجواب : الظاهر أنه في التمتع .
سؤال : التحلل بالإحصار يكون بالنحر ؟
الجواب: بالنحر والحلق الصحيح أنه بهما جميعاً، وأنه لا بد أن ينحر ويحلق .(245/109)
1685 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال حِينَ خَرَجَ إِلى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَهَل بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْل أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ أَهَل بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَال مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ فَالتَفَتَ إِلى أَصْحَابِهِ فَقَال مَا أَمْرُهُمَا إِلا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الحَجَّ مَعَ العُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى(1)
__________
(1) في هذا دليل على أنه يجوز للإنسان إدخال الحج على العمرة ولو بدون ضرورة. عائشة رضي الله عنها أدخلت الحج على العمرة للضرورة، ما هي الضرورة التي أوجبت لعائشة أن تدخل الحج على العمرة ؟
طالب : كانت عائشة في الحيض .
الشيخ : نعم كانت حائضاً ولم تتمكن من الطواف بالبيت فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تُدخل الحج على العمرة ، لكن إذا لم يكن ضرورة فهل نُدخل الحج على العمرة ؟ الجواب : نعم كما فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه . وهذا أحياناً تأتي عند الحاجة بمعنى أن الإنسان يُحرم بالعمرة متمتعاً بها لإلى الحج فإذا وصل إلى مكة وجد الزحام شديداً ، فهنا نقول : أدخل الحج على العمرة وتكون قارناً وارجع إلى رحلك وإذا كان يوم العيد تطوف طواف الإفاضة لأن طواف القدوم سنة . بمعنى إذاً قد يحتاج الإنسان إلى إدخال الحج على العمرة بدون عذر . فنقول الحمد لله الأمر في هذا واسع .
سؤال : أحسن الله إليكم ، قد يأتي إنسان بنية أن يتمتع لكنه ما يبقى من الوقت إلا ساعة أو ساعة ونصف ويبدأ وقت الإهلال بالحج في اليوم الثامن فهل الأفضل أن يتمتع والبقية من الوقت وهو ضيق جداً ؟
الجواب : إذا أمكن أن يتمتع ولو لساعة واحدة يكفي ، لكن إذا وصل بعد الظهر يوم ثمانية فهنا نقول لا تمتع لأنه دخل وقت الحج وإقامتك في منى أفضل من طوافك. المقصود من التمتع الراحة التمتع، الإنسان إذا تمتع لبس ثيابه وفعل جميع المحظورات حتى لو كانت امرأته معه يتمتع بها.
سؤال : أحسن الله إليك ، بعضهم يتم العمرة ثم يضع رداءه على رأسه ثم يحرم بالحج في الحال ؟
الجواب : غلط ، أنا أرى إذا لم يصل إلى مكة إلا بعد خروج الناس إلى منى يجعلها حجة ويكون قارناً .
سؤال : قول ابن عمر رضي الله عنهما : ( إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ ) هل هي صفة تجمع الصفات كلها أو يختص بعضها عن بعض ؟
الجواب : لا .. هذا كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((دخلت العمرة في الحج )) فمعنى شأنهما واحد أن بعضهما لا يناقض بعض ، فإذا أدخلت الحج على العمرة فإن العمرة لا تبطل ، أكون جامعاً بين الحج والعمرة قراناً .(245/110)
5 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلاثَةُ أَيَّامٍ(1)
1686 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَال لعَلكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَال نَعَمْ يَا رَسُول اللهِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ احْلقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ(2)
__________
(1) قوله : (أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) قال العلماء : كلما جاءت ( أو ) في القرآن فهي للتخيير ، يعني في الأحكام ، كلما جاءت ( أو ) في القرآن في الأحكام فهي للتخيير .
(2) هذا كعب بن عجرة رضي الله عنه كان مع المسلمين في الحديبية وكان مريضاً وكان القمل يكثر في المرضى ، وكان عليهم شعر فيتوارى في هذا الشعر ويكثر ، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمولاً والقمل يتناثر على وجهه ، فقال : (( ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى )) يعني ما كنت أظن أنك وصلت إلى هذا الحال ، ثم أمره أن يحلق وأن يفدي . يحلق لإيش ؟ لإزالة الأذى ، ما في ضرر القمل ما هو متعب ، لكن يتأذى به ، أمره أن يحلق وأن يُطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة ، شاة تُجزئ يوزعها على الفقراء ، هو مُخير في هذا . وبدأ الله تعالى بالصيام لأنه أسهل ، في الغالب أسهل ، ثم بالإطعام لأنه أسهل من الذبح ، ثم بالذبح .
أطلق العلماء على هذه الفدية فدية الأذى ، فكلما سمعت في كتب الفقهاء فدية أذى فهي هذه ، فدية على التخيير والحمد لله .
طيب فإذا قال قائل : بأي شيء تثبت هذه الفدية ؟ فاسمع : قال الفقهاء : الشعرة في إطعام مسكين ، والثانية إطعام مسكينين ، والثالثة فدية أذى . سبحان الله ، ما هو الدليل على أن الشعرة فديتها إطعام مسكين ؟ لا دليل ، والشعرتين إطعام مسكينين ؟ لا دليل ، والثلاث شاة ؟ لا دليل ، هل يمكن أن يُقال لإنسان أخذ ثلاث شعرات واحدة من هنا واحدة من وراء وواحدة من الجانب الثاني هل يُقال إنه حلق ؟ أبداً ولا يُقال إنه حلق ، لو أخذ ثلاثين ما يقال إنه حلق ، فكيف نُلزم عباد الله بما لم يُلزمهم به الله ؟ وهذه الشعرات لا تُزيل الشعر ولا الغبرة ، الشعر باقي لم يتأثر فكيف نوجب الفدية؟ سبحان الله، ثلاث شعرات فيهن شاة بثلاثمائة ريال أو أكثر أو أقل؟ المهم أننا كيف نوجب على عباد الله ما لم يوجبه الله .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه حلق للحجامة وهو مُحرم ، ومعلوم أن الحلق للحجامة واسع يمكن أربعمائة شعرة ، ومع ذلك لم يفدي ، لماذا ؟ لأنه لا يُطلق عليه أنه حلق رأسه ، حلق جزءاً من رأسه لا يفوت به الشعر ولا يختل به النسك لأنه سيحلق الباقي عند انتهاء النسك، فانظر إلى الحجامة كيف حلق النبي صلى الله عليه وسلم لموضعها ولم يفد وهي ليست ثلاث شعرات ولا أربع ولا عشرة ، كثيرة . فالصواب أن يقال إن الفدية لا تلزم إلا من حلق رأسه كلها أو أكثرها ، وما دون ذلك دون أكثر يعني الثلث مثلاً أو الربع فهو آثم لا شك لكن ما فيه فدية ولا يلزم من الإثم ثبوت الفدية ولا من سقوط الفدية سقوط الإثم . المهم أن هذا هو القول الراجح وإنما قلنا إذا حلق الأغلب الأكثر لأن الأغلب ملحق بالكل في كثير من مسائل العلم وإنما قلنا أيضاً لا فدية حتى يحلق الرأس كله هذا هو الصواب وهو الذي تطمئن له النفس وهو الذي يمكن أن يكون حجة للعبد أمام الله عز وجل يوم القيامة كيف أوجبت على عبادي ما لم أوجب عليهم ؟ المسألة ما هي هينة يا جماعة ، إيجاب ما لم يجب كتحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ولا فرق .
طيب إذا قال قائل : هل يجوز حلق الرأس لغير قمل ، مثل لو فرضنا أن الرأس تجرحت نبت فيه جروح كثيرة لا يمكن معالجتها إلا بإزالة الشعر هل يجوز أو لا يجوز ؟ يجوز لكن فيه فدية كما لو حلقه لإزالة القمل . أفهمتم ؟ طيب .
سؤال : أحسن الله إليكم ، ماالقدر الذي يتحلل به المحرم بالحلق ؟
الجواب : كل الرأس .
سؤال : من جامع زوجته في الحج وجب عليه القضاء ؟
الجواب : الجماع ، يعني من أفسد نسكه الجماع وجب عليه القضاء .
سؤال : ولو أدى الواجب ؟
الجواب : أي واجب ؟ ولو أدى الواجب لأن الإنسان إذا شرع في الحج أو العمرة وجب عليه لزمه وصار لازماً في حقه ، وهذا الذي تلذذ بامرأته لا لعذر ليس كالمحصر ، المحصر هو الذي لا يجب عليه إلا قضاء الواجب ، أما هذا فهو أفسده باختياره ، واضح ؟(245/111)
6 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( أَوْ صَدَقَةٍ ) وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
1687 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَال حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَال سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي ليْلى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَال وَقَفَ عَليَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلا فَقَال يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلتُ نَعَمْ قَال فَاحْلقْ رَأْسَكَ أَوْ قَال احْلقْ قَال فِيَّ نَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ) إِلى آخِرِهَا فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ(1)
7 ـ بَاب الإِطْعَامُ فِي الفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
__________
(1) هذا فيه دليل على مقدار ما يتصدق به وهو ( فَرَق ) مقداره ثلاثة أوصع فيكون لكل مسكين نصف صاع . وهذه الكفارة فيها تقدير الآخذ والمعطى، فمن الآخذ ستة مساكين والمُعطى نصف صاع لكل واحد . هناك شيء يُقدر فيه المعطى دون الآخذ وذلك صدقة الفطر فيها صاع من طعام ، تُعطيه كم ؟ أعطه لمن شئت ، أعطه واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة . فهنا قُدر بماذا قُدر ؟ المُعطى .
فيه من قُدر الآخذ دون المُعطى ، يعني الطاعم دون المُطعم وهي كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ولم يُقدر ، فتبرأ ذمته بما يصدق عليه أنه إطعام . فصار ثلاثة أنواع : ما قُدر فيه المطعوم والطاعم ، وما قُدر فيه المطعوم دون الطاعم ، وما قُدر فيه الطاعم دون المطعوم .(245/112)
1688 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَال جَلسْتُ إِلى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه فَسَأَلتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فَقَال نَزَلتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لكُمْ عَامَّةً حُمِلتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهِي فَقَال مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلتُ لا فَقَال فَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لكُل مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ(1)
8 ـ بَاب النُّسْكُ شَاةٌ
__________
(1) هذا من الاختصار ، إلا أنه بدأ بذبح الشاة لأنها أنفع للفقراء ، وليس ذلك بواجب ففي كتاب الله ذكر الشاة بعد الصيام والصدقة فالمسألة ليست على الترتيب إلا على وجه الأفضلية ، الأفضل نسك شاة ثم إطعام ثم صيام .(245/113)
1689 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَال حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلى وَجْهِهِ فَقَال أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَال نَعَمْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلقَ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَلمْ يَتَبَيَّنْ لهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلونَ بِهَا وَهُمْ عَلى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَل اللهُ الفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ(1) وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ليْلى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلى وَجْهِهِ مِثْلهُ.
9 ـ بَاب قَوْل اللهِ تَعَالى ( فَلا رَفَثَ )
__________
(1) والمراد ( يهدي شاة ) أي يفدي بها لأن الفدية ليست هدياً .(245/114)
1690 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلدَتْهُ أُمُّهُ (1)
10 ـ بَاب قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل ( وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ )
__________
(1) الشاهد قوله : ( لمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ ) يعني يعصي ، والرفث الجماع ومقدماته هذا هو الرفث ، فقوله تعالى : { لا رفث } يعني لا جماع ولا مقدمات الجماع ولا ما كان سبباً للجماع ، ولهذا لا يخطب المحرم ولا يعقد ، حتى خطبة النساء حرام على المحرم ، فإذا حل فالتحلل نوعان : التحلل الثاني وهو الأكبر يتحلل من كل شيء حتى من النساء فيجوز له أن يجامع ، وتحلل أصغر وهو الأول يحل من كل شيء إلا الجماع . ولهذا كان الصواب أن من عقد بعد التحلل الأول عقد نكاح فنكاحه صحيح ، ومن باشر ولم يجامع فلا حرج عليه والمحرم هو الجماع فقط . وقال بعض أهل العلم : يحرم عليه بعد التحلل الأول كل ما يتعلق بالنساء من الخطبة والعقد والمباشرة وغير ذلك .
وقوله في الحديث : ( فقد حل لكم كل شيء إلا النساء ) ظاهره النساء يعني الجماع ومع ذلك فهو داخل في التحريم .(245/115)
1691 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْه قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلمْ يَرْفُثْ وَلمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلدَتْهُ أُمُّهُ (1)
__________
(1) كيوم ولدته أمه ) وفي الأول ( كما ولدته ) والمعنى واحد ، المعنى أن الله يغفر له فيرجع نقياً من الذنوب لكن لم يرفث ولم يفسق . الترجمة يقول : (بَاب قَوْل اللهِ عَزَّ وَجَل : وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال فِي الحَجِّ ) لم يذكر الجدال في الحديث ، والجدال نوعان بل ثلاثة أنواع :
الأول : جدال يراد به إثبات الحق وإبطال الباطل وهذا واجب في حال الإحرام وعدمه ولابد منه ، فلو رأينا رجلاً يجادل ببدعة والإنسان محرم فهل يسكت ويقول لا جدال؟ لا .. يجب أن يجادل لعموم قوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } يجب أن يجادل .
الثاني : الجدال المحرم في الإحرام وغيره ، وهو الذي يجادل بالباطل ليدحض به الحق ، كصاحب بدعة يجادل عن بدعته أو إنسان يجادل عن وجوب صلاة الجماعة ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا محرم ، لا في الإحرام ولا في غير إحرام ، وضابطه كل من جادل بباطل ليدحض به الحق .
الثالث : جدال لا لهذا ولا لهذا كما يحدث بين الناس كثيراً في المجالس ، فهذا يُنهى عنه في الحج وأما في غيره فيُنظر ماذا يستفيد منه ، يعني هو من جنس المباح الذي يكون له الأحكام الخمسة لكن في الحج لا جدال ؛ لأنك إذا جادلت انفتح على نفسك باب التفكير ليش يقول كذا ليش يقول كذا ، ثم إن الجدال يوجب أن تحمأ النفس وتنفعل وتغلط ، وهذا لا شك أنه يخفف من هيبة النسك ، ثم إنا لو قدرنا إنك في الطواف وجعلت تجادل بشيء ليس واجباً عليك انشغلت عن أذكار الطواف وانشغل قلبك أيضاً عن مراقبة الله عز وجل فيضيع عليك ، وإذا كان الكلام مطلقاً محرماً في الصلاة فالجدال في الحج محرم ، ولا غرابة أن يحرم الجدال في الحج ويباح في غير الحج ، وهذا في غير الجدال الواجب الذي يُقصد به إبطال الباطل وإحقاق الحق فهذا واجب في كل حال .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، ما هو ضابط الفسوق ؟
الجواب : ضابطه الحرام ، كل شيء حرام فهو فسوق .
سؤال : يا شيخ ، كيومِ أو كيومَ
الجواب : لا .. هو مبني ، والمبني إذا أُضيف الزمان إلى جملة ماضية صار الأشهر بناؤه علىالفتح .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هنا حدد الطاعم والمطعوم والثاني يا شيخ والثالث ؟
الجواب : حُدد الطاعم دون المطعوم ، حُدد المطعوم دون الطاعم .
السائل : الأولى .
الجواب : لماذا لا تقل لي أعدها من الأول بدلاً من أن تذهب يمين ويسار ؟ شيء حُدد في الطاعم والمطعوم كهذه الفدية ، حُدد فيه المطعوم دون الطاعم كصدقة الفطر صاع من طعام لو أطعمت به عشرة ما يخالف أو تعطيه واحد يكفي ، الثالث شيء حُدد فيه الطاعم دون المطعوم وهو كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين وكذلك في الظهار إطعام ستين مسكيناً ولم يبين قدر ما يُطعم .
سؤال : وليس في هذين اللفظين معرفة حتى يُرد بل اللفظة المنكرة هي ما رواها أبو معاوية ؟
الجواب : ش17 ـ وجه أ :
المعتمد أنها حاضت بسرف وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تدخل الحج على العمرة بسرف وقال لها : ((دعي العمرة )) يعني اتركي أعمالها لأنها لما كانت قارنة دخلت أعمال العمرة في الحج فلا تفعل إلا الحج فقط ، وهذا تستقيم به الأدلة ولا يحصل إشكال .(245/116)
1 ـ بَاب جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ
وَقَوْل اللهِ تَعَالى : ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلكَ صِيَامًا ليَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِليْهِ تُحْشَرُونَ )(1)
__________
(1) قال البخاري رحمه الله: ( باب قول الله تعالى : لا تقتلوا الصيد ) حذف أول الآية والأولى ذكرها : { يا أيها الذين آمنوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } جملة ( وأنتم حرم ) حال في موضع نصب ، والمعنى : وأنتم في حال حرمه وهذا يشمل من أحرم بحج أو عمرة ومن كان داخل حدود الحرم وإن كان محلاً . والمراد بالصيد كل حيوان حلال بري متوحش ، كل حيوان حلال بري يعني بحسب الأصل ، متوحش . فخرج بذلك الحرام فهذا لا يحرم على المحرم قتله . ومنه ما هو مأمور بقتله كالخمس الفواسق، وخرج بقولنا بري البحري ، فالبحري لا يحرم سواء كان في الحرم أو خارج الحرم وسواء كان الإنسان محلاً أو محرماً ، حلال لقوله تعالى : { أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } .
الشرط الثالث : متوحش أصلاً ، يعني ليس أليفاً يعيش مع الناس في دورهم وأماكنهم احترازاً من الدجاج وشبهه فإنه حلال بري لكنه ليس متوحشاً . هذا هو الصيد . ( وأنتم حرم ) قلنا أي محرمون أو في الحرم ولو محلين .
( وَمَنْ قَتَلهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ ) أي فعليه جزاء ، ( من قتله منكم متعمداً ) أي متعمداً قتله ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وخرج بذلك من قتله غير متعمد كمن قذف حجراً فأصاب صيداً فهذا لا شيء عليه لأنه غير متعمد . وهل المراد متعمداً للإثم أو متعمداً للقتل ؟ الصواب أنهما جميعاً متعمداً للقتل ومتعمداً للإثم ، فلو قتله غير متعمداً للإثم إما ناسياً وإما جاهلاً يحسبه من الصيود المباحة وإما جاهلاً لمكانه يحسب أنه في الحل وهو في الحرم فالصواب أنه لا جزاء عليه ، والدليل قوله تعلى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } فقال الله : ((قد فعلت )) فالصواب متعمداً للفعل والإثم ، والناسي ليس متعمداً للإثم يكون متعمداً للفعل وينسى أنه محرم ولكن لم يتعمد للإثم . والجاهل كذلك لو تعمد الفعل لكنه لم يتعمد الإثم . وعليه فقوله : ( متعمداً ) يشمل الأمرين جميعاً أي متعمداً للفعل وللإثم .
( فجزاء ) أي فعليه جزاء ( مثل ما قتل من النعم ) المماثلة هنا مشابهة وليست الموازنة ، فالعبرة بالشكل إذا كان مثله في الشكل فهو الجزاء ، فمثلاً النعامة فيها بدنة بعير ، وأيهما أكبر ؟ البعير أكبر من النعامة ، لكنها تشببها في طول الرقبة والسير على الأرض بدون طيران . ففي النعامة بدنة . طيب في الحمامة شاة ، أين المشابهة ؟ يقول المشابهة هنا في الشرب ، كيف تشرب الحمامة ؟ كيف تشرب الشاة ؟
طالب : تضع فمها في الماء وتشرب .
الشيخ : تضع فمها في الماء وتشرب ؟ هذه كلٌ يعرفها ، ما بنحضر رضاعة ونعطيها إياها .
الطالب : هذا من عندي يا شيخ
الشيخ : طيب جزاك الله خيراً . يقولون : الشاة تشرب عباً ، أتدري ما العب ؟ تشرب مصاً تمص مصاً حتى تروى ، الحمامة كذلك تعب الماء عباً، فالمشابهة الآن مشابهة خفية ما يمكن نعرفها، يعني لو عرفنا كيف تشرب الشاة ما عرفنا كيف تشرب الحمامة . الدجاجة ـ سبحان الله ـ ما تشرب عباً وإنما تشرب جرعاً ، يعني جرعة جرعة ، تضع منقارها في الماء وتسحب من الماء ما يملأ فمها ثم تنزله إلى الحوصلة ثم تعود وتشرب الحمامة أبداً ما ترفع رأسها حتى تروى ، الشاة كذلك .
المهم أن الواجب على من قتل صيداً وهو حرم جزاء ، عليه جزاء مثل ما قتل من النعم . إلى أين نرجع في معرفة المشابهة ؟ قال العلماء : نرجع في ذلك إلى ما قضت به الصحابة ، فما قضت به الصحابة وجب تنفيذه لقوله تعالى : {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فإذا حكم به الصحابة وقالوا إن النعامة تشبه البدنة . قلنا خلاص ما عاد فيه تأويل ولا رجوع .
طيب ، الضب ماذا فيه ؟ الضب فيه جدي ، يعني ولد ماعز صغير ، الوبر كذلك ، الفأرة كذلك ؟
طالب : الفأرة ليست صيداً .
الشيخ : ليست صيداً لماذا ؟ لأنها حرام ، كل ما أُمر بقتله من الدواب فهو حرام { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } وقوله ( ذوا عدل ) أي صاحبا عدل أي ثقات ، ولكن لابد من إضافة شيء آخر وهو الخبرة ، وهذا الشرط معلوم من كلمة يحكم لأنه ما يمكن أن يحكم إلا بخبرة فلابد من شرطين : أن يكون عنده خبرة ، والثاني أن يكون عدلاً . الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول وأما الخبرة فبعضهم ذو خبرة وبعضهم ليس له خبرة في مثل هذه الأمور فيُرجع إلى صاحب الخبرة الأمين .
{ هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ } يعني حال كون الجزاء هدياً ( بالغ الكعبة ) أي بالغ المسجد الحرام ، ولذلك يجب جزاء الصيد أن يكون في مكة ولو كان الإنسان قتله في بدر لأن الله صرَّح { هَدْيًا بَالغَ الكَعْبَةِ } هذه واحد ، { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } فعليه جزاء مثل ما قتل أو كفارة يعني عليه كفارة طعام مساكين ، كيف ذلك ؟ لو أن أحداً من العلماء قال : كفارة طعام مساكين أي طعام ثلاثة مساكين أو ستة مساكين كما في فدية الأذى ، إن كان أحد من العلماء قال بهذا فقوله هو الصواب ، لكن الفقهاء يقولون : يقوم هذا المثل من النعم بدراهم ويُشترى بها طعام يُطعم بها المساكين كل مسكين له مُد بر أو نصف صاع بغيره . وقيل الذي يُقوم هو الصيد لأن هذا الصيد هو المُتلف فيُقوَّم الصيد لأنه الأصل ، والقائلون بأنه يُقوَّم المثل يقولون لأنه هو الواجب .
{ أَوْ عَدْلُ ذَلكَ صِيَامًا } يعني أو ما يعادل ذلك من الصيام ، الصيام كل إطعام مسكين يعادل يوماً ، ولهذا في كفارة الظهار صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً بالترتيب ، وعلى هذا فإذا قدرنا أن قيمة هذا الجزاء تساوي ألف ريال وأن إطعام كل مسكين بريال كم يصوم ؟ يصوم ألف يوم ، وهذا أيضاً محل بحث هل المراد ( أو عدل ذلك صياماً ) أي ما يعادل إطعام المساكين الستة أو الثلاثة ؟ إن كان الأمر كذلك فالأمر سهل ، لكن إذا كان الأمر آلافاً ففيه شيء من الصعوبة والمسألة عندي تحتاج إلى تحرير وكل يوم أقول سأفعل ولكن قدر الله وما شاء فعل .
{ ليَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ } اللام للتعليل ، والتعليل يفيد الحكمة وهو أن جميع أحكام الله تعالى مقرونة بالحكمة ( وبال أمره ) أي عاقبة أمره { عَفَا اللهُ عَمَّا سَلفَ } الحمد لله ، عفا الله عما سلف لأنه كان قبل الحكم فيعفو الله عنه { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } من عاد بعد أن علم الحكم فالله ينتقم منه .
وفي هذا دليل على شدة احترام الحرم المكي وأن من قتل فيه متعمداً فعليه الجزاء ، فإن عاد بعد هذا الحكم فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ، فتأمل كيف ينتقم الله عز وجل ممن قتل صيداً فكيف بمن قتل إنساناً ثم كيف بمن قتل ديناً ، أولئك القوم الذين في مكة منهم من يحارب الدين ، ليس يسل السيف ويحارب لكن بالأخلاق السيئة والكتابات السيئة في الصحف والجرائد . ولست أريد أن أهل مكة معظمهم .. لا .. فيهم ناس يقتلون الدين والمعنويات ، كما أن البلاد الأخرى فيها أناس لكن الثوب النظيف يكون العيب فيه أوضح وأبين ، ومكة يجب أن تكون أم القرى في الدين والعبادة والخلق والنصح وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة .
{ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِل لكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ } أُحل : المُحل هو الله عز وجل ، ولم يُسم للعلم به ( صيد البحر وطعامه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : صيد البحر ما صيد حياً ، وطعامه ما وجد ميتاً ، فأباح الله لنا ونحن حُرُم صيد البحر وطعامه ، أي ما أمسكناه حياً أو ما وجدناه ميتاً . ويحتمل أن يكون صيد البحر الحيوان كالسمك والحوت ، وطعامه ما يوجد فيه من الأشجار التي فيها أحياناً فيها أدوية فيها مصالح فيها شيء كثير ، ويكون عموم قوله صيد البحر شاملاً للحي والميت ، وعلى كل حال صيد البحر حلال سواء كان حياً أو ميتاً كما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطهور بماء البحر فقال : (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) .
{ مَتَاعًا لكُمْ وَللسَّيَّارَةِ } متاعاً لكم أيها المقيمين وللسيارة أيها المسافرون { وَحُرِّمَ عَليْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } أي في حرم أو حرام وعرفتم ما هو صيد البر { وَاتَّقُوا اللهَ الذِي إِليْهِ تُحْشَرُونَ } في هذا أمر ووعيد ، الأمر في قوله ( اتقوا الله ) الوعيد في قوله ( الذي إليه تُحشرون ) فإذا علم الإنسان أنه سيُحشر إلى الله فإنه سوف يستقيم لأنه يخشى من هذا الحشر إلى الله عز وجل .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، المعروف حرمة مكة والمدينة يا شيخ ، لكن بعض الناس يفخر فيها بعمل المعاصي داخل مكةوالمدينة ؟
الجواب : نسأل الله العافية ، هذا غلط ، المكان لا يشفع لأي كائن ، السعادة بتقوى الله والقرب من قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع القريب الذي ينفع اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، لكن هذا من جهل الناس ، يقولون الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، وفي جوار الله عز وجل، ثم يتهاون بالمعاصي . سبحان الله ، إذا كنت من أهل مكة فاحترمها أكثر . وكذلك يُقال في المدينة .
سؤال : بعض الناس يا شيخ يقولون في المدينة النائم فيها أفضل من العابد وغيره ؟
الجواب : والله زين هذا ، أقول إذا صح الكلام هذا فهو طيب يروح الواحد ينام الليل والنهار في المدينة ويقول خلاص أحسن من العبادة . والنوم لا شك أنه إذا كان للتقوي على طاعة الله صار عبادة .
سؤال : أحسن الله إليك ، في قوله : ( هدياً بالغ الكعبة ) الهدي لا يبلغ الكعبة نفسها إنما في داخل الحرم ؟
الجواب : إشارة إلى أن أهل الحرم يُعظمون لأن فيهم الكعبة .
سؤال: هل يستدل على أن المضاعف في الصلاة عامة في الحرم جميعاً لقوله : ( هدياً بالغ الكعبة ) مع أنه ما يبلغها نفسها ؟
الجواب : التضعيف إنما جاء في المسجد الحرام ما جاء في الكعبة .
السائل : يقول لأن الذبح داخل في حدود الحرم ؟
الجواب : إي نعم لكن ما جاء الآن ذكر الحرم إطلاقاً هذا ذكر الكعبة، هذه واحدة . الشيء الثاني : كيف نعارض حديثاً صحيحاً صريحاً بمثل هذه التأويلات الباردة ؟ أليس الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة )) ؟ صريح. وأنا أقول لكم ـ بارك الله فيكم ـ احملوا المتشابه على المحكم ، النصوص القرآنية والنبوية فيها محكم ومتشابه لا تتبعوا المتشابه بناء على أذواقكم وأهوائكم ، اتبعوا المحكم ، هذا نص محكم ما فيه إشكال . لكن أنا أقول : لا شك أن صلاة في الحرم أي داخل حدود الحرم أفضل من صلاة في الحل بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نزل الحديبية صار مستقراً في الحل لكن يصلي في الحرم يدخل ، وفرق بين الفضل المطلق والفضل المقيد ، نقول الحرم أفضل من غيره مطلقاً ، أما المقيد بمائة ألف صلاة فهذا خاص بالمسجد . وأقول أيضاً : إذا امتلأ المسجد واصطف الناس في خارج حدود المسجد فالأجر واحد ........ انتهينا من الكلام على الآيات التي ذكرها البخاري رحمه الله في جزاء الصيد وشرحناها ، وكأنه رحمه الله لم يكن عنده حديث موصول في هذه المسألة فترك ذكر أحاديث .(246/1)
2 ـ باب إِذَا صَادَ الحَلالُ فَأَهْدَى للمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلهُ
وَلمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الإِبِل وَالغَنَمِ وَالبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالخَيْل يُقَالُ ( عَدْلُ ذَلكَ ) مِثْلُ فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلكَ (قِيَامًا ) قِوَامًا ( يَعْدِلُونَ ) يَجْعَلُونَ عَدْلا(1)
__________
(1) باب إِذَا صَادَ الحَلالُ فَأَهْدَى للمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلهُ ) ظاهر كلام البخاري رحمه الله في هذه الترجمة أنه لا يأكله مطلقاً ، ولكن الصواب في أن في ذلك تفصيلاً ، فإن صاده الحلال للمحرم حرم على المحرم لأنه إنما صيد لأجله ، فهو الأثر في صيده ، وإن صاده الحلال لنفسه وأطعم منه الحرام ـ أي المحرم ـ فإن ذلك جائز . هذا هو القول الراجح في هذه المسألة . وإن كان بعض العلماء قال : إن الصيد حرام على المحرم سواء صاده هو أو صيد له أو صاده حلال فأطعمه .ولكن الصواب التفصيل . ويدل لهذا التفصيل حديث جابر رضي الله عنه في السنن : (( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصد لكم )) وهذا واضح التفسير .
أما أصل المسألة فيدل عليه حديث أبي قتادة رضي الله عنه وحديث الصعب بن جثامة ، فإن أبا قتادة صاد حماراً وحشياً فأكله وأجل اصحابه ، وأما الصعب بن جثامة فإنه أتى بما صاده للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرده وقال : (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم )) والمعلوم إن الصعب بن جثامة إنما ذهب ليصيد للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نزل عليه ضيفاً.(246/2)
1692 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَال انْطَلقَ أَبِي عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ فَانْطَلقَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلتُ عَليْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلنَا مِنْ لحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَطَلبْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلقِيتُ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ الليْل قُلتُ أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ أَهْلكَ يَقْرَءُونَ عَليْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلةٌ فَقَال للقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ(1)
__________
(1) وحُمل ذلك على أن أبا قتادة إنما صاده لنفسه وإن كان يعلم أن أصحابه سيأكلون لكن ما صاده لهم ، وفرق بين ما يُصاد للشخص نفسه وما يصيده الإنسان لنفسه على أنه سيُطعم منه من يُطعم ، أليس كذلك ؟ الفرق واضح إذا صاده له معناه أنه تعين له ، إذا صاده لنفسه ويعرف أنه سيأكل معه من يأكل فهو ما صاده لأجلهم ، ولذلك تجده في ضميره لا يُضمر عشرة ولا عشرين ولا زيداً ولا عمراً ، وهذا واضح في جواز أكل المحرم ما صاده الحلال . فإن قال قائل : لماذا لم يُحرم أبا قتادة ؟ فالجواب : لأنهم ينتظرون عدواً فيخشى أن يحتاج إلى القتال فإذا كان محرماً منعه ذلك بعض الشيء .(246/3)
2 ـ بَاب إِذَا رَأَى المُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الحَلالُ
1693 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَال انْطَلقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَل بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلتُ عَليْهِ الفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلنَا مِنْهُ ثُمَّ لحِقْتُ بِرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَليْهِ شَأْوًا فَلقِيتُ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ الليْل فَقُلتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلحِقْتُ بِرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَليْكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ العَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَل فَقُلتُ يَا رَسُول اللهِ إِنَّا أصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلةً فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ.
3 ـ بَاب لا يُعِينُ المُحْرِمُ الحَلال فِي قَتْل الصَّيْدِ(246/4)
1694 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِي الله عَنْه قَال كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالقَاحَةِ مِنَ المَدِينَةِ عَلى ثَلاثٍ ح .
وحَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِي الله عَنْه قَال كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالقَاحَةِ وَمِنَّا المُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لا نُعِينُكَ عَليْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَال بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَال بَعْضُهُمْ لا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلتُهُ فَقَال كُلُوهُ حَلالٌ قَال لنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلى صَالحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَليْنَا هَاهنا(1)
__________
(1) هذا فيه دليل على أن المحرم لا يعنين المحل في قتل الصيد لأن الصحابة رضي الله عنهم لما سقط رمح أبي قتادة قال ناولوني إياه فأبوا ؛ لأن الإعانة على المحرم حرام وهؤلاء يحرم عليهم الصيد . فإن قال قائل : أليس الصيد حلالاً لأبي قتادة ؟ فنقول : بلى . فيقول : إذاً هم أعانوه على حلال له . فالجواب : أنهم شاركوه في إتلاف هذا الصيد ، شاركوه ما هو مجرد إعانة ، شاركوه لأنهم أدنوا له الرمح .
إذاً نأخذ من هذا أنه إذا ساعد المحرم حلالاً في قتل الصيد حرم عليهم على المعين وعلى غير المعين ، لأنه اجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر وإذا صيد من أجل المحرم حرم على المحرم دون غيره ، وإذا صاده الصائد لنفسه فهو حلال للمحرم على كل حال .(246/5)
3 ـ بَاب لا يُشِيرُ المُحْرِمُ إِلى الصَّيْدِ لكَيْ يَصْطَادَهُ الحَلالُ
1695 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَال خُذُوا سَاحِل البَحْرِ حَتَّى نَلتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِل البَحْرِ فَلمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلهُمْ إِلا أَبُو قَتَادَةَ لمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَل أَبُو قَتَادَةَ عَلى الحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلنَا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِ الأَتَانِ فَلمَّا أَتَوْا رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالُوا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَل عَليْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلنَا فَأَكَلنَا مِنْ لحْمِهَا ثُمَّ قُلنَا أَنَأْكُلُ لحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلنَا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِهَا قَال أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِل عَليْهَا أَوْ أَشَارَ إِليْهَا قَالُوا لا قَال فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لحْمِهَا(1)
__________
(1) هذا واضح أنهم لو قالوا نعم لمنعهم ؛ لأن قوله : ( كلوا من لحمها ) مبني على قوله لا . فلو قالوا نعم لمنعهم ، وهذا واضح في أنه إذا أعان المحرم الحلال على شيء فإنه يحرم عليه .
سؤال : إذا ضحك المحرم ففطن الحلال أليس هذا إشارة للصيد ؟
الجواب : لا .. هم ما ضحكوا لأجل الإشارة إليه ، ما ضحكوا لأجل أن ينبهوه . ولعل الحمار هذا يفعل أشياء تُضحك ، وإلا فلا يظهر لي أنهم بمجرد ما رأوه يضحكون لكن لعله يقفز أو يتدحرج أو يفعل أشياء تُضحك.(246/6)
4 ـ بَاب إِذَا أَهْدَى للمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لمْ يَقْبَل
1696 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِاللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ الليْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لرَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَليْهِ فَلمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَال إِنَّا لمْ نَرُدَّهُ عَليْكَ إِلا أَنَّا حُرُمٌ(1)
__________
(1) كأن البخاري رحمه الله بترجمته يدل على أن الصعب أهدى الحمار حياً فلم يقبله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : (( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم )) فعُلم منه أنه لو كان حلالاً لقبله .
وفي هذا الحديث تغير وجه الإنسان إذا رُدت هديته ، وهذا إذا كان صادقاً في إهدائه ، أما إذا كان مجاملاً أو خجلاً فإنه إذا رُدت إليه الهدية يتغير وجهه بفرح فلكل مقام مقال . إذا علمت أن هذا الرجل أهدى إليك حياءً وأنك لو رددت عليه وتعذرت عليه بأي عذر فرح بهذا وقبل فلا حرج أن ترده ، وإلا فلا .. اقبل وإذا علمت من صاحبك الذي أهدى إليك أنه فقير مثلاً فاردد عليه من النفقة والدراهم ما يقابل هديته لتجمع بين الحسنين بين قبول هبته وبين رد نفقته .
سؤال : ما الفرق بين الحي والميت مع أنه لو أُهدي للمحرم وقد صيد من أجله يحرم عليه ؟
الجواب : هذا الحديث فيه اختلاف ، فبعض الرواة يقول أهداه ميتاً حتى قال إنه جاء به يقطر دماً ، وبعضهم قال إنه حي . بعد ما نستكمل الروايات نرجع نتكلم عليه إن شاء الله .
سؤال : أحسن الله إليكم ، مارأيكم في الذي يقدم هدية لأحد ويطلب منه زيادة ، هل هذا يجوز ؟
الجواب : ما يجوز هذا ، قال تعالى : { ولا تمنن تستكثر } ولا غيره أيضاً هذا من سوء الأدب ، لكن لو فعل أحد هذا فمن أحسن ما يكون أن يقول له المهدى إليه : تفضل خذ هديتك فكنا من شرك .
السائل : ...........؟
الجواب : لا .. لا .. هذه يسمونها هبة الثواب وهي بمعنى البيع ، فلا يجوز أن المُهدي يرضى أن يُرد إليه بشيء يريده وذاك لا يريده . وعلى كل حال هذا يقع .
سؤال : نعم يحصل هذا موجود عندنا ويفعلوه مع السلاطين إذا جاء السلطان قدموا إليه شيئاً وطلبوا ......
الجواب : وقالوا اعطنا ؟
السائل : الذي يخجل طلب والثاني طلب من أحد أن يخبره .
الجواب : عجيب .
ما تكلم الشارح على حديث الصعب ؟
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 32 :
قوله : ( حمارا وحشيا ) لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال : ( لحم حمار وحش ) أخرجه مسلم . لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه . وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف .
وقال إسحاق في مسنده أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال : ( لحم حمار ) وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال : ( حمار وحش ) كالأكثر أخرجه الطبراني من طريق بن إسحاق عن الزهري فقال : ( رجل حمار وحش ) وابن إسحاق حسن الحديث الا أنه لا يحتج به إذا خولف ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال قلت للزهري الحمار عقير قال لا أدري أخرجه ابن خزيمة وابن عوانة في صحيحيهما .
وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب : ( لحم حمار ) فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ) وفي رواية عنده : ( عجز حمار وحش يقطر دماً ) . وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة حمار وحش وتارة شق حمار . ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال : (قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام قال أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله أنا حرم ) .
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال : ( يا زيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) فذكره ، واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه إلا ما رواه ابن وهب والبهيقى من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم . قال البهيقى : إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم .
قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله .
وقد قال الشافعي في الأم : إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدي له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له .
الشيخ : هذا احتمال متعين لأن الصعب رضي الله عنه لما نزل به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان رجلاً عداءً وصياداً ذهب إلى الجبال وأتى بهذا الحمار ، وهذا واضح أنه صاده لأجل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
متابعة التعليق : ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه ، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة ، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان . وقال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا . قال ويحتمل أنه اهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل . قال والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات .
وقال النووي ترجم البخاري بكون الحمار حيا وليس في سياق الحديث تصريح بذلك وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح .ا.هـ.
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولاسيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب . وقد قال الشافعي في الأم حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار . وقال الترمذي روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش محفوظ .
الشيخ : سبحان الله الحديث متعدد الروايات وذلك لأن الرواة ينقلون الحديث بالمعنى غالبهم ، يندر من ينقله بلفظه فلذلك تختلف ، لحم حمار ، أو حمار . وعندي أن هذا ليس فيه اختلاف لأنه قد يُطلق الكل على الجزء كما يقال : أهدى إليه دجاجاً فأكل . لا يلزم أن تكون الدجاجة كاملة بل يُطلق على البعض .
ش17 ـ وجه ب :
لكن المشكل من قال حياً ومن قال إنه يقطر دماً، هذا تعارض واضح. فيقال : يُنظر للأكثر رواية ، والظاهر أنه أثبته وأنه أتى به مصيداً هالكاً ، لأن يضرب بأن يأتي به حياً خصوصاً الرماة الذين يجيدون الرمي ، ويُقال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم ـ لا نقول ظن ـ علم أنه صاده لأجله لأنه إنما صاده ليجعله قرن له وضيافة .
بقي إشكال آخر : قوله : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) ظاهر هذا أن العلة كونه محرماً لا أنه صيد له ، فيقال هذا ذكر جزء العلة ولا ينافي أن تكون العلة مركبة ، فيكون المعنى : إنا لم نرده إلا أنا حرم وقد صدته من أجلنا . وبهذا يحسن الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة رضي الله عنه . وأما من زعم أن حديث الصعب ناسخ لحديث أبي قتادة لأن حديث أبي قتادة كان في العمر عمرة الحديبية وحديث الصعب في حجة الوداع ، فيقال : دعوى النسخ غلط لأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذر الجمع ، والجمع هنا غير متعذر ، فيقال : إن أبا قتادة لم يصده لقومه ولكن صاده لكن يستشعر أنهم سيكونوا معه وأما الصعب فإنه صاده بنية خالصة للرسول صلى الله عليه وسلم . وبينهما فرق واضح .
والخلاصة : أنه يجوز للمحرم أن يأكل الصيد إذا صاده الحلال بشرط أن لا يصيده من أجله ، فإن صاده من أجله حرم على من صيد له ولم يحرم على غيره لأنه ليس في قتله أثر محرم . الذي صاده حلال ولم يعنه أحد من المحرمين .
سؤال : أثابكم الله ، هل يجب على من أثهدي له الصيد أن يسأل هل هو صيد له أم لا ؟
الجواب : لا يحتاج اللهم إلا إذا شك بقرينة واضحة ، وإلا ما يلزم .
سؤال : أحسن الله إليك ، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ويقول في الآية : { يا أيها الذين آمنوا حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ماالمراد يقوله ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ؟
الجواب : المراد بقوله : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } لم يقل لا تصيدون لأن صيده قتل ، ولذلك يعتبر ميتة ، يعتبر الصيد الذي صاده المحرم ميتة ولهذا عبَّر الله عن صيده بكلمة القتل ، أما { حُرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فهذا أعم من القتل ، حُرم علينا أن نقتله ، وحُرم علينا أن ننفره ، وحُرم علينا أن نكسره ، فهو أعم .
طيب إذا وُجد مُضطر للأكل وأمامه ميتة وأمامه صيد فأيهما يُقدم ؟ قال بعض أهل العلم : يُقدم الميتة لأنه ليس في أكلها اعتداء ، وقال بعضهم يُقدم الصيد لأنه طاهر حلال وإنما حُرم لحرمته . والصحيح أنه يحل له أكله ولا جزاء عليه لأنه لم اُضطر إليه صار حلالاً والحلال لا كفارة فيه . فالصواب الذي أقطع به أنه يُقدم الصيد لأنه صيد طيب حلال يعني مذكى أو مصيد وفي حالة الضرورة لا كفارة عليه . والله أعلم .(246/7)
5 ـ بَاب مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ
1697 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ ليْسَ عَلى المُحْرِمِ فِي قَتْلهِنَّ جُنَاحٌ. وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقْتُلُ المُحْرِمُ.
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ قَال أَخْبَرَنِي عَبْدُاللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ قَال قَال عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَالتْ حَفْصَةُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لا حَرَجَ عَلى مَنْ قَتَلهُنَّ الغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالفَأْرَةُ وَالعَقْرَبُ وَالكَلبُ العَقُورُ(1)
__________
(1) هذه الدواب التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تُقتل في الحل والحرم حتى لو وجدت في داخل الكعبة فإنها تُقتل ، والقاعدة في هذا : كل ما أُمر بقتله فإنه يُقتل في الحل والحرم ، كالوزغ مثلاً والعقرب ، فكل ما أُمر به بقتله فإنه يُقتل في أي مكان . وقد جاء في الحديث نفسه أنهن فواسق أي معتديات خارجات عن نظائرهن ، فمن أجل كونهن خُلقن على هذه الجبلة صار لا حرمة لهن .
فإن قال قائل: ما فائدة خلق الله لهذه ما دامت فواسق مؤذية فما الفائدة؟ فالجواب ؟
طالب : فوائد كثيرة .
الشيخ : هات من الفوائد الكثيرة لو عشرة .
الطالب : محافظة الإنسان على الأوراد .
الشيخ : نعم أنها تحمل الإنسان على الأوراد يحتمي بها من شرها . هذه واحدة .
الطالب : فيها بيان عظمة الله في مخلوقاته .
الشيخ : كيف ذلك ؟
الطالب : حيث إن ـ سبحان الله ـ الحيوانات الصغيرة قد يخاف منها الإنسان أكثر من الكبيرة .
الشيخ : يعني بيان عظمة الله وقدرته حيث جعل هذه الحيوانات الصغيرة تؤذي الإنسان وربما تأكله . وفي حيوان كبير أكبر منها بكثير كالإبل مثلاً فيها مصلحة للإنسان . هذه اثنين ، ولابد أن نطالبك بكلمة كثيرة وإلا فانسحب .
طيب ، من الفوائد : أن الإنسان يستدل بهذه الآلام وهذه الأذية على أن ما في الآخرة أشد وأشد من الأذية ؛ لأنه قد جاء في بعض الآثار أن جهنم ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ فيها حيات وفيها عقارب ، فيستدل الإنسان على شدة آلامها في الآخرة بهذا .
ومنها : أن يعلم الإنسان أن مخلوقات الله عز وجل فيها خير فيحمد الله عليه وفيها شر فيسأل الله العافية منه ، وقلنا مخلوقات الله ولم نقل خلق الله؛ لأن خلق الله الذي هو فعله كله خير حتى ما فيه شر فإنه خير بالنسبة لإيجاده لأنه مشتمل على حكم كثيرة وعايات حميدة .
ننظر لهذه الأشياء ، يقول : ( الغراب ) الغراب نوعان : غراب صغير يقال له غراب الزرع يشبه الغداة أي أكبر من العصفور ,اقل من الغراب الكبير ، هذا لا يُقتل لأنه حلال . في الغراب الكبير الذي يعتدي على الإبل إذا وجد فيها الدبر فينزل وينقبه ويؤذي البعير ، يعتدي أيضاً على النخل فيقص الشمراخ ويلقيه في الأرض ، وله عدوان كثير ، هذا يُقتل حتى الصغير منه يُقتل ؟ الجواب : نعم لأن الصغير سيكون كبيراً فأصله وطبيعته الأذية .
الثاني : ( الحدأة ) وهي المعروفة ، معروفة بأن تعدو على اللحم وتأكله وتحمله ، وتعدو أيضاً على الذهب وتحمله ، تحب الذهب ، وحديث الوشاح الذي في البخاري يدل على هذا ، وهي أن أمة عند قوم ضاع لهم وشاح مثل القلادة من الذهب واتهموا الجارية وصاروا يعذبونها كل صباح يقولن الوشاح عندها . لما أراد الله إنقاذ هذه الجارية جاءت الحُدية بالوشاح وألقته بينهم ، وفي هذا تقول : ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا . فهي تختطف الذهب وكذلك اللحم . إذاً هي فاسقة معتدية .
( والفأرة ) الفأرة سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فويسقة تحفيزاً وتلقيفاً أو تحقيراً لها ، يعني مع صغرها فيها فسق ، ولا يخفى ما في الفأرة من الأذية . يعد لنا عبد اله أذاها .
الطالب : تقرض البناء والخشب .
الشيخ : البناء والخشب ؟ الأسمنت تقرضه ؟
الطالب : الحصى الذي عندنا في البلاد يا شيخ ، الظالمين بنوا سجناً عظيماً في الأرض ليعذبوا فيه أولياء الله ثم حتى كاد أن يكتمل وفي صباح يوم وجدوه قد انهدم جميعاً فأرادوا أن ينظروا فوجدوا أن الفأرة فئران كثيرة أكلت البناء من أسفل .
الشيخ : سبحان الله ، كذلك أيضاً ( سيل العرم ) نقضه الجرز وهو نوع من الفئران . كذلك ايضاً هي تقرض الجلود ولاسيما القربة التي كانت أوعية الناس فيما سبق تقرضها تفلقها . كذلك أيضاً تسرق الذهب ، هذا جربناه عندنا في البيت فقدنا خاتم من الخواتم للنساء دورنا ودرونا وإذا في شق في الجدار ، وكان عندي علم إنها تسرق الذهب ، زودنا الشق وجدنا الخاتم في هذا الشق . وحدثنا شيخنا رحمه الله أن رجلاً كان يكتب في حجرته فجاءت فأرة نزلت من السقف وجاءت حوله فوضع عليها إناءً حبسها، لما تأخرت عن زميلاتها جاءت واحدة منهن تبحث عنها أين ذهبت، وعلمت أنها تحت الإناء فصعدت إلى السقف وأتت بدينار ذهب ، الدينار صغير ، يعني تحمله بسهولة ، جاءت بالدينار وألقته إلى جنب الرجل . المهم الرجل قال لن أطلقها انتظرت ما في فائدة صعدت إلى السقف وأتت بدينار آخر ووضعته ولكن الرجل قال وراء الأكمة ما وراءها استمر، فجاءت بثالث ورابع وخامس إلى عشرة ، عشرة دنانير صار كتلة . يقول في النهاية جاءت بالكيس ... إشارة إلى إيش ؟ خلاص خلص الذي عندها ، يقول : لما جاءت بالكيس فتح الإناء وقتلها ، قتل الفأرة والثانية هربت .
فعلى كل حال أنا أتيت بهذا الذي حدثني به شيخنا رحمه الله .. طالب حدثناه .. للإشارة إلى أن من أذية الفأرة أنها تسرق الذهب . كذلك أيضاً تأتي على الدقيق وتلوثه بالبعر وغير ذلك ، فهي من أفسق الحيوان فيسن قتلها ولو في وسط المسجد الحرام .
الرابع : ( العقرب ) معروف العقرب ، العقرب أيضاً تُقتل لأنها لا شك في فسقها وهي من أسرع الحشرات أذية ، مجرد ما تحس بالإنسان على طول تقرصه ، وإذا لدغته أفرغت سماً يأتي من إبرة في ذيلها ثم يسري مع الدم ويؤلم الإنسان ألماً كثيراً ، فهي مؤذية . والعجب أنها من حين ما تصادم البشر على طول تفرغ السم .
( الحية ) بالعكس ، هي لا شك أنها أشد خطراً لكنها سبحان الله إذا لما يحارشها الإنسان ما ترده . شاهدت بعيني امرأة عندنا لما كنا في الزراعة أتت الحية وهي مادة رجليها المرأة فمشت من فوق رجليها ولم تُحدث شيئاً ؛ لأنها يقولون إنها مسالمة إلا من حارشها .
طيب ( الكلب العقور ) الكلب معروف والعقور الذي صفته العقر ، ولهذا جاءت على وزن فعول إشارة إلى أن هذا من خُلقه ، والعقر أنه يعض القدم من العصبة الخلفية التي عند العقب فيقطعها فيعقر الإنسان ، وربما يعض الحيوان الآخر . وأما العاقر وهو أن بعض الكلاب إذا حارشته عقرك فهذه مدافعة عن النفس ، لكن العقور الذي من شيمته العقر فهذا يُقتل في الحل والحرم .
هذه الخمس التي نص عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد من هو أشد منها أذية فهل يُقتل في الحل والحرم ؟ الجواب : نعم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا نص على شيء فما ساواه أو زاد عليه فهو مثله ؛ لأن الله تعالى يقول : { لقد أنزلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } والميزان ما توزن به الأشياء ويقاس بعضها على بعض .
سؤال : في بعض طرق الحديث ورد لفظ الأبقع على الغراب ، هل يقيد بهذا أو يترك على إطلاقه ؟
الجواب : يُنظر إذا كان غير الأبقع لا يؤذي فالقيد مراد ، اقول يُنظر في طبائعه .
سؤال : يا شيخ الله يحفظكم ، لو قال قائل ـ كما لو قلنا بالقياس ـ ما الفائدة من هذا الذي يُعد من الخمس هذه ، لو كان يؤذي ؟
الجواب : كلُ مؤذي ، الفائدة أن هذه أكثر ما تكون موجودة عند الناس والنص عليها بعينها أقوى ؛ لأنها مادامت هي الموجودة بالكثرة عينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن لنعلم أن الشريعة الإسلامية شريعة عدل لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين . وهذا موجود بكثرة في الأدلة ، يُذكر على شيء معين والمراد العموم .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، إذا كنت في الصلاة أقتل هذه الفواسق ؟
الجواب : إي نعم تقتلها إذا لم تحتج إلى عمل كثير وإلا فلا تقتلها إلا إذا هاجمتك واحتجت في الدفاع عن نفسك إلى عمل كثير فلا بأس لأن هذا ضرورة .(246/8)
1698 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُليْمَانَ قَال حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَال أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ الغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأْرَةُ وَالكَلبُ العَقُورُ.
1699 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَال حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه قَال بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَل عَليْهِ وَالمُرْسَلاتِ وَإِنَّهُ ليَتْلُوهَا وَإِنِّي لأَتَلقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَليْنَا حَيَّةٌ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا(1)
__________
(1) هذا معناه أن الدواب تُقتل حتى في الحرم لأن منى من الحرم . وفي هذا تلطف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخطاب وإزالة ما في النفوس ؛ لأنه لا شك أن الصحابة لما ابتدروها وفاتتهم صار في نفوسهم شيء كيف لم ندركها فنفعل ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال لهم : (( إنها وقيت شركم كما وقيتم شرها )) فهذه بتلك .(246/9)
1700 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَال حَدَّثَنِي مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال للوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلهِ قَال أبو عَبْد اللهِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنَ الحَرَمِ وَأَنَّهُمْ لمْ يَرَوْا بِقَتْل الحَيَّةِ بَأْسًا (1)
6 ـ بَاب لا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ(2)
__________
(1) لكن في حديث آخر أنه أمر بقتله وسماه فاسقاً أو فويسقاً . وفي أيضاً أجر إذا قتله الإنسان في أول مرة فهو أفضل مما لو قتله بمرتين وبمرتين أفضل من ثلاثة .
(2) قال ( شجر الحرم ) أضافه إلى الحرم ، وأما شجر الآدمي الذي غرسه بيده فهو له ملكه يعضده ويقطعه فهو ملكه ، لكن المراد شجر الحرم ما نبت بغير فعل الآدمي فإنه لا جوز أن يُعضد أي أن يقطع منه شيء ، ولا الشوك ، حتى الشوك المؤذي لا يُقطع ، وهذا دليل على عِظم حرمة الحرم فإنه إذا كان الشجر وهو جماد يُحترم فكيف بالإنسان ؟ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً )) .(246/10)
1701 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الليْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ أَنَّهُ قَال لعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلى مَكَّةَ ائْذَنْ لي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ للغَدِ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ ثُمَّ قَال إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلا يَحِل لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتَال رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُولُوا لهُ إِنَّ اللهَ أَذِنَ لرَسُولهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلمْ يَأْذَنْ لكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ وَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَال لكَ عَمْرٌو قَال أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلا فَارًّا بِدَمٍ وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ(1)
__________
(1) هذا الحديث حديث عظيم فيه : أولاً : إنكار المنكر ولو علناً ، وفيه أيضاً التلطف مع الأمراء ولو كانوا فساقاً ؛ لأن أبا شريح رضي الله عنه قال : ( ائذن لي أيها الأمير ) ، وفيه بقاء ولاية الأمير ولو فسق لأنه أقره على كونه أميراً ، وفيه أن أدب الصحابة رضي الله عنهم أرفع الأدب لأن هذا الكلام كلام لطف وكلام يجلب القلب ـ أعني قلب المخاطب ـ على المتكلم .
وفيه أيضاً القصة في أن عمرو بن سعيد يقال له الأشدق من بني أمية كان يبعث البعوث إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه ، فقام هذا الرجل ليبلغ بأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (ليبلغ الشاهد الغائب ) . وفيه أيضاً تأكيد الخبر ، وهذا الخبر مؤكد بأمور : أولاً بذكر المكان ، وثانياً بذكر الزمان ، وثالثاً بأداة استماعهم ، ورابعاً بأداة توكيده بالنظر .
أما الأول : فقال : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام به الغد يعني صبح يوم الفتح فتح مكة ، وقام به خطيباً عليه الصلاة والسلام ليعين هذا الحكم العظيم ، وأما المكان فهو مكة ، وأما طريق التحمل فهو السمع ، سمعته أذناي ، يعني ما نُقل إليّ نقلاً أو سمعته ولم أتأكد بل تأكدت . رابعاً : أبصرته عيناي فلا أقول لعله غير الرسول ، لعل هذا صوتاً يُشبه صوت الرسول صلى الله عليه وسلم بل إني أبصرته هو صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس . الخامس : ما ذكره لكن في سياق آخر قال: ( ووعاه قلبي ) يعني صار وعاءً له فلم يتخلف منه شيء .
القارئ : في الحديث مذكورة ( فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ ) .
الشيخ : الحمد لله ، أجل ووعاه قلبي أنه تكلم فحمد الله وأثنى عليه ، وهكذا خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غالباً يبتدئها بحمد اله والثناء عليه ؛ لأنه جل وعلا أهل لأن يُحمد وأهل لأن يُثنى عليه سبحانه وتعالى . ثم قال : ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ) يعني قضى بتحريمها واحترامها وتعظيمها الله عز وجل دون الناس ، ولا ينافي هذا ما جاء في الحدي الصحيح أن إبراهيم حرم مكة ؛ لأن المراد بتحريم مكة إظهار حكم الله تعالى وتحريمه إياها ، وأما الذي حرمها فهو الله تبارك وتعالى ولم يحرمها الناس ، وإنما قال هذا صلى الله عليه وسلم من أجل أن تنال هذه البلدة من الاحترام والتعظيم ما هو لائق بها لأن شيئاً حرمه الله أعظم من شيء حرمه الناس لاشك .
( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ) شوف التأكيد ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ) وهذا الوصف ليس إخراجاً لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ولكن للتأكيد ، أي إن كان مؤمناً حق بالله واليوم الآخر فلا يفعل لا يسفك بها دماً . وقوله : ( لامرئ ) عام في كل امرئ؛ لأن هناك ذكر في سياق النفي فيكون للعموم ( أن يسفك بها دماً) أي دماً معصوماً وأما غير المعصوم فإنه يُسفك دمه ولهذا يُجرى القصاص في مكة ويُجرى رجم الثيب الزاني في مكة ويُجرى قتل قاطع الطريق في مكة ، لكن المراد يسفك بها دماً معصوماً .
( ولا يعضد بها شجرة ) قرن هذا بهذا ليبين احترام ما في مكة حتى الشجر فكيف بالآدمي ؟ فلا يحل قطع الشجرة التي في مكة لاحترامها لمكانها ، ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مورداً إشكالاً ومجيباً عليه ، قال : ( إن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ) يعني إن أحد قاتل في مكة أو قَتَل مترخصاً بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه فعل فالجواب : أن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم . ولله الحكم إيجاباً وتحريماً وتحليلاً ، فإذا أذن لرسوله فهذا من خصائصه . ( وإنما أُذن لي ساعة من نهار ) أُذن للرسول عليه الصلاة والسلام القتال ساعة في مكة ساعة من النهار لا دائماً . قال العلماء : الساعة من طلوع الشمس إلى العصر . يعني يوم الفتح فقط لأن هذا بقدر الضرورة والإنسان لا يستبيح من المحرم إلا قدر الضرورة . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ) يعني عاد تحريمها وتعظيمها اليوم كما عاد بالأمس . ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه : اليوم ـ يعني يوم فتح مكة ـ اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : (( كذب ، اليوم تُعظم الكعبة )) لأنها تُخلص من الشرك إلى التوحيد ومن الكفر إلى الإيمان ، ثم عزله وأقام ابنه قيساً بدله ؛ لأن سعد بن عبادة سيد الخزرج فله شرفه وواجهته لكن عزله تعزيراً وأقام ابنه قيساً فكأنه لم ينزع الإمارة منه لأنه جعلها لابنه قيس .
يقول : ( عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ) أبو شريح شاهد وعمرو بن سعيد غائب فوجب على أبي شُريح أن يُبلغ لاسيما والرجل جاد في تجهيز الجيوش إلى مكة . ( فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَال لكَ عَمْرٌو قَال أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ ) كذب والله ، أنا أعلم بذلك منك ؟ وهو يُحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ لكن هكذا الأمراء الذين عندهم فسوق وخروج عن ما يجب عليهم تأخذهم العزة بالإثم فيقول أنا أعلم بذلك منك ، فنقول له كذبت ، هو يُحدث عن من ؟ عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثاً مؤكداً بزمانه ومكانه وسمعه وبصره وقلبه ، كيف يكون أعلم منه ؟ لكن كما قلت لكم إن هذا من باب خطاب الأمراء الذين تأخذهم العزة بالإثم والعياذ بالله .
ثم قال : ( إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلا فَارًّا بِدَمٍ وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ ) الحرم ـ يقول ـ لا يعيذ عاصياً ، يعني أن ابن الزبير عاصٍ خارج عن البيعة ( ولا فاراً بدم ) يعني لو قتل الإنسان أحداً ولجأ إلى الحرم فإن الحرم لا يعيذه ( ولا فاراً بخربة ) يعني بلية يستعيذ بالحرم من عقوبتها . هكذا رد لكنه رد مردود مخيب قائله لأنه يصادم به من ؟ قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وفي الحديث فوائد إن شاء الله نذكرها في الدرس القادم .
هذا الحديث فيه حسن منهج الصحابة رضي الله عنهم وأنهم يكلمون الأمراء ولو كانوا فسقاء بما يليق بحالهم ، لقوله : ( ائذن لي أيها الأمير ) وفي هذا ثبوت الإمارة ولو كان الرجل فاسقاً ، وهو كذلك . وفي هذا أيضاً دليل على تفخيم البعض للأمراء لقوله : ( ائذن لي أيها الأمير ) أيها للنداء تدل على التفخيم والتعظيم . وربما يقال : إن أبا شريح رضي الله عنه أراد بهذا القول أن يلين قلب عمرو بن سعيد ، أن يلين قلبه لأنه إذا فخمه أمام الناس وهو يريد أن يعظه صار هذا ألين لقلبه ، لكن سيأتينا في آخر الحديث إن هذا الرجل لم يلن قلبه .
وفيه أيضاً تأكيد الخبر بذكر الزمان والمكان والحال لأن أبا شريح أكد هذا الخبر بذكر المكان حيث قال : ( الغد من فتح مكة ) ، والزمان أيضاً حيث جعل ذلك القول يوم فتح مكة ، والحال حين قال إنه أبصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسمعه ووعاه حين تكلم به .
( وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَليْهِ ) هذا فيه دليل على أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبتدئ خطبه بالحمد والثناء على الله ، سواء كانت خطبة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أو غيرها ، المهم أن تُبدأ الخطب بالحمد والثناء على الله لأن الله تعالى أحق أن يُحمد سبحانه وتعالى . ثم إن ذلك فيه استعانة على أن يتكلم بما يريد ، وفي هذا دليل على عظمة حرمة مكة وأن الذي حرمها هو الله عز وجل لم يحرمها الناس . وسياق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الجملة حتى يعظم تعظيم الناس لها .
ش18 ـ وجه أ :
وفي قوله : ( لم يحرمها الناس ) ما ظاهره أنه يعارض قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إن إبراهيم حرم مكة ) والجمع أن يقال : إن الذي حرمها هو الله عز وجل والذي أظهر التحريم هو إبراهيم . ولا بأس أن يضاف الشيء إلى من بلغه ، أليس الله تعالى قال في القرآن الكريم : { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين } وهذا جبريل ، رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغ القرآن . وقال : { إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر } والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأضاف الله القول إلى جبريل ثم إلى محمد ؛ لأن جبريل بلغه محمداً صلى الله عليه وسلم ومحمداً بلغه أمته . فيكون تحريم إبراهيم إضافة التحريم إلى إبراهيم لأنه يبلغ عن الله عز وجل .
وفي هذا أيضاً دليل على تأكيد تحريم مكة وأن تعظيمها وتحريمها من الإيمان بالله واليوم الآخر ولهذا قال : ( فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ) والمراد بذلك الدم المعصوم وإلا فلو ارتد مرتد في مكة قتلناه في مكة ، ولو زنى ثيب في مكة رجمناه بمكة ، ولو سرق سارق بمكة قطعناه بمكة . فإن قال قائل : أرأيتم لو أن أحداً فعل ما يهدر دمه خارج مكة ثم لجأ إليها هل يُقتل أو لا ؟ دمه الآن غير معصوم لأنه فعل ما يوجب القتل هل يُقتل في مكة بعد أن لجأ إليها أم لا ؟ فالجواب : لا يُقتل لأنه لجأ إلى ملاذ . فإن قال قائل : إذا قلتم لا يُقتل لزم من هذا أن جميع الجناة في الدنيا يلجئون إلى مكة لجوءاً شرعياً لا سياسياً ، كل من حصل عليه ما يوجب قتله أتى إلى مكة . فالجواب : نعم هذا يلزم إلا إذا علمنا كيف نعامل هذا الذي لجأ إلى مكة ، هل نعامله على أنه قادم قدوماً عادياً يتمتع بالسكنى في البيوت ويتمتع بالأكل والشرب أو نعامله معاملة تضييق ؟ الجواب : الثاني ، ولهذا قال العلماء : إذا لجأ إليها يُضيق عليه فلا يُآكل ولا يؤكل ولا يُشارب ولا يُشَرَّب ولا يؤى ، يُضيق عليه ، سيبقى في أسواق مكة وحيداً غريباً ، ولن يبقى لأنه ما دام الطعام لا يُقدم إليه والشراب لا يُقدم إليه إن بقي إن كان معه طعام حتى ينفد طعامه وإن لم يكن معه طعام فسيخرج في ثاني يوم أو ثالث يوم ، وحينئذٍ يُقتل . هذا هو المشروع عندنا في مذهب الحنابلة رحمهم الله .
وقوله : ( ولا يعضد بها شجرة ) هذا أيضاً مطلق ، والمراد ... بل هذا عام لأن شجرة ذُكرت في سياق النفي أو النهي ، عام والمراد شجرة الحرم ، أما الشجر الذي غرسه الآدمي فهو له . ولهذا نظائر يفرق فيه بين ما اكتسبه الآدمي وما كان من عند الله عز وجل، أرأيتم نقع الماء في البئر؟ لا يجوز بيعه ، يعني إنسان عنده بئر فيها ماء أراد أحد أن يدلي دلوه ويخرج الماء ، قال : لا .. إلا بفلوس . هذا حرام لا يجوز ، لكن لو أن صاحب البئر أخرج الماء ووضعه في إناء حينئذٍ يجوز بيعه ، كذلك الشجرة إذا غرست شجرة في مكة فهي ملكك افعل بها ما شئت ، وإذا خرجت شجرة من الأمطار بدون غرس آدمي فهي محترمة لا يجوز أن تُقطع . فإن قال قائل : ما تقولون في أرض خططت لتكون مساكن وفيها أشجار حرمية يعني ما هي من إنبات الآدمي ماذا نصنع هل نقطعها ؟ مشكل، هل نبقيها ؟ مشكل . ما هو الإشكال ، قلنا إن قطعناها مشكل وإن أبقيناها مشكل ما هو الإشكال ؟ إن قطعناها ونحن منهيين عن قطعها هذا إشكال . وإن أبقيناها لم ننتفع بالأرض هذا مشكل أيضاً . فأرى في مثل هذا إذا ألجأت الضرورة إلى قطعها تُقطع ؛ لأن الله أباح لنا الميتة أن نأكلها عند الضرورة . فهذه مثلاً إذا كان لابد أن تُخطط الأرض وتُسكن وتُعمر وفيها شجر واضطررنا إلى ذلك فلنقطعها .
كذلك أيضاً في الشارع لو أردنا أن نفتح شارعاً جديداً والطريق كله شجر ، إن أبقينا الشجر في الطريق لم ننتفع بالطريق ، وإن قطعنا الشجر وقعنا في النهي ، فماذا نصنع ؟ فالجواب كما قلنا في الأرض المخططة إذا كان لابد أن نفتح الطريق من هنا قطعنا الأشجار كما يباح لنا أكل الميتة للضرورة . وإذا كان يمكن حرفه إلى جهة أخرى فلا نقطعها .
إذا نبتت في الطريق بعد أن كان طريقاً وضيقت على الناس وليس هناك طريق آخر هل تُقلع أو لا ؟ نعم تُقلع ؛ لأننا إذا أبحنا أن نقلعها ابتداءً فكيف بمن طرأت على الطريق ؟
( فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتَال رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقُولُوا لهُ إِنَّ اللهَ أَذِنَ لرَسُولهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَلمْ يَأْذَنْ لكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ وَليُبَلغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ) هذا الإيراد الذي أورده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حسن تبليغه وتعليمه ، هو عارف إنه صلى الله عليه وسلم قاتل فيها ، متى ؟ في غزوة الفتح ، وعلم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الناس أسوة به فسوف يحتج المحتج ويقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاتل فيها . فأجاب بأن هذا من خصائصه لأن الله أذن له ولم يأذن لغيره ، يعني ما أُحلت لأحد من الأنبياء إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ساعة الفتح ، وهذه الجملة تفيد أن الأصل الاتباع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لم يرد ما يدل على التخصيص ، ففي القرآن الكريم قال الله عز وجل : { وامرأة مؤمنة } يعني أحللنا لك امرأة مؤمنة {إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } فبيَّن الخصوصية ، وهنا بيَّن الخصوصية أيضاً . فهذان المثلان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له خصائص اختص بها. وقد ذكر العلماء رحمهم الله الخصائص التي للنبي صلى الله عليه وسلم وجمعوها في كتاب النكاح من كتب الفقه ؛ لأن أكثر ما اختص به الرسول صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بالنكاح ، فلذلك ذكروها هناك .
وفي هذا دليل على جواز النسخ مرتين ، النسخ الأول إحلالها بعد أن كانت حراماً ، والثاني تحريمها بعد أن كانت حلالاً ، هذا ما لم تكن الإذن من الله عز وجل موقتة ، فإن كانت موقتة فلا نسخ إلا مرة واحدة ، وضاح أو غير واضح ؟ لأن إذا كان الله عز وجل أذن لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقاتل بمكة لفتحها ، ثم لما قاتل في آخر النهار منعه ، فيكون النسخ كم ؟ مرتين ، أول النهار نسخ للتحريم إلى الحل وآخر النهار نسخ من الحل إلى التحريم . أما إذا كان الله عز وجل قد قيدها وأذن له أن يقاتل ذلك النهار فقط فالنسخ مرة واحدة . لكنه نسخ مؤقت .
وأياً كان يعني لو حُرم الشيء ثم أحل ثم حُرم فلن نحجر على الله لله يفعل ما يشاء له الحكم أولاً وآخراً . وأياً كان يعني لو حرم الشيء ثم أُحل ثم حُرم فلن نحجر على الله لله أن يفعل ما يشاء له الحكم أولاً وآخراً . فإن قال قائل : كيف أُحلت للرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحل لأحد قبله من الأنبياء ؟ فالجواب : أُحلت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تعظيماً لها لا استهانة بحرمتها . تعظيماً لها ؟ نعم لأنه خلصها من الشرك ، صارت بلد توحيد بعد أن كانت بلد شرك وبلد إيمان بعد أن كانت بلد كفر ، وهذا لا شك إنه تعظيم ، ولهذا لما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه في ذلك اليوم : ( اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة ) قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((كذب سعد ، اليوم اليوم الذي تُعظم فيه الكعبة )) اللهم صلي وسلم عليه . ثم أخذ الإمرة منه والقيادة إلى ابنه قيس بن سعد .
ما هي الساعة التي أُحل له فيها القتال ؟ قلنا إنها من طلوع الشمس إلى العصر . بقدر الحاجة .
في هذا الحديث : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) وجوب التبليغ على من بلغه من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى من لم تبلغه سواء شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو قرأ سنته ، فالواجب تبليغها للناس حتى يصبح الناس كلهم عارفين بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وفي أمره بتبليغ الشاهد الغائب دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا وأنه ينبغي أن يرثه الآخر عن الأول .
وفي هذا الحديث أيضاً : ( فَقِيل لأَبِي شُرَيْحٍ ) لم يُذكر القائل لكن جرت العادة أن مثل هذه الأمور العظيمة الكبيرة يُستفهم عنها ، وإلا لكان يقول القائل : هذا لا يعني فلماذا يسألون؟ نقول : هذه مسألة كبيرة عظيمة لابد أن يُعرف ما جواب عمرو بن سعيد . جواب عمرو بن سعيد جواب المتعلم المعجب بنفسه الجاهل بالشريعة ، قال : ( أَنَا أَعْلمُ بِذَلكَ مِنْكَ ) وهذا غير صحيح لأن أبا شُريح ينسبه إلى من ؟ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا علم ، أما كلام عمرو بن سعيد إنما قاله من رأيه ، فيكون قول عمرو بن سعيد مبنياً على جهل وقول أبي شريح على علم . ثم قال : (إِنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِيًا ) وعل كلام عمرو لو أن إنساناً عاصياً وجب عليه حد أو تعزير ولجأ إلى الحرم فإنه يُقام عليه الحد أو التعزير ، وليس كما قلنا فيما سبق إنه يضيق عليه حتى يخرج . لكن هذا غلط من عمرو بن سعيد . كذلك أيضاً قال : ( وَلا فَارًّا بِدَمٍ ) يعني لو قتل رجل آخر وثبت عليه القصاص وهرب إلى مكة فالحرم لا يعيذه ، وعلى كلام عمرو يُقتل في الحرم لأنه لا يُعيذه . ( وَلا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَليَّةٌ ) أي بلية توجب أن يُقتل فإن الحرم لا يُعيذه ، وقصده بذلك أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لا يُعيذه الحرم حين خرج عن ولاية بني أمية لأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه كوَّن خلافة في مكة ، في الحجاز مكة والمدينة ، وبنو أمية في الشام فاعتبروه خارجاً عن بيعتهم ولائذاً بالحرم ولذلك قاتلوه . ولكن حسابهم على الله عز وجل ، هم قتلوه واستحلوا الكعبة حتى إن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يضرب الكعبة بالمنجنيق ـ والعياذ بالله ـ .
ويقال ـ والعهدة على التعريف ـ إنهم محاصرين لمكة وأرسل الله عليهم الرعد الخاسف والصواعق ، فقيل لهم للحجاج : ألا تخاف ؟ قال : لا هذه قعقعة الحجاز . فالله أعلم هل هذه مدسوسة عليه أو صحيحة . وعلى كل حال الرجل معروف في أن لديه غشماً وظلماً وله حسنات لكنه سيئاته تغلب على حسناته .
سؤال : عفا الله عنك ( لعن الله من آوى محدثاً ) ما حكم من آوى محدثاً ؟
الجواب : من كبائر الذنوب أن تُغني المحدث ، الواجب أن تطرده وأن لا تنزله بضيافتك .
السائل : ما الفرق بين إقامته عليه وبين من استوجبه ، أي الحد ؟ ثم إن ضيِّق عليه يخرج فيقام عليه ؟
الجواب : الفرق بينهما أن من فعل ما يوجب الحد في الحرم انتهك حرمة الحرم فلا يكون له حرمة جزاءً وفاقاًُ ، وأما إذا كان خارج الحرم ثم لجأ فهذا يعتقد تعظيم الحرم وأنه ملجأ ومعاذ .
سؤال : أحسن الله إليكم ، هذا الحديث : ( فليبلغ الشاهد الغائب ) مثل هذا الحديث ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) البعض يستدل بمثل هذه الأحاديث أن الإنسان العامي الذي ما عنده إلا حديث واحد يقف داعياً في الناس ، هذا المنهج يا شيخ سليم ؟
الجواب : لا .. ما هو سليم ، يُبلغ ما سمع فقط بشرط أن يكون عنده علم ، لعله نُسخ . أنا أرى أن لا يدعوا أحد إلا بشيء يتيقنه ، هذه واحدة ، ثانياً إذا وجهت إليه أسئلة بعد الموعظة فلا يجيب إلا عن ما يتيقنه لا يقل أنا صرت الآن شيخ وسلوني على ما بدا لكم . يقول بلسان حاله : ..... ما تقول في هذا إيه الشيخ ؟ حرام ، ما تقول .. ؟ حلال ، ما تقول .. ؟ واجب، ما تقول .. ؟ فيه تفصيل . فهذا يوجد بعض الوعاظ على هذا الوجه . يوجد هذا وما يجوز ، إذا سُئلت عن شيء تعرفه مثل الشمس أجب وإلا قل والله يا أخي لا علم عندي في هذا وأسأل . تُبرئ ذمتك ويُعرف أنك رجل متثبت ويثقوا بك أكثر . أفهمت ؟(246/11)
7 ـ بَاب لا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ
1702 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلمْ تَحِل لأَحَدٍ قَبْلي وَلا تَحِل لأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلتْ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لا يُخْتَلى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ وَقَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ لصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَال إِلا الإِذْخِرَ وَعَنْ خَالدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَال هَل تَدْرِي مَا لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّل يَنْزِلُ مَكَانَهُ (1)
__________
(1) هذا الباب فيه فوائد منها : أن الله تبارك وتعالى هو الذي حرم مكة ، ونسبة تحريمها إلى إبراهيم نسبة إظهار لا ابتداء ، ومنها أن مكة لم تحل لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تحل لأحد بعده ، وهذا واضح ؛ لأنه لا يحل لأحد أن يستحل مكة بالقتال فهي لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تحل لأحد بعده . لكن لو قاتل أهل الحرم ومنعوا الناس أو جاء الناس من الخارج وقاتلوا أهل الحرم هل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ؟ نعم يقول الله تعالى : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ما قال فقاتلوهم ، اقتلوهم ، بمعنى أنه يباح دماءهم حتى بعد انتهاء القتال لأن هؤلاء مفسدون يقاتلون فيها ، لم يقل إن قاتلوكم فقاتلوهم ، قال اقتلوهم ، وهذا أبلغ .
وعليه فهذا الحديث : ( لا تَحِل لأَحَدٍ بَعْدِي ) هل نقول إنه مقيد أو نقول إن ما ذكرناه من هذه السورة الذي دلت عليه الآية لم يدخل في الحديث أصلاً ؟ الجواب : الثاني ؛ لأن الذين يقاتلون ليدخلوا الحرم أو يقاتلون في دفاع من قدم وقاتل لم يستحلوا مكة ، بل مكة عندهم محترمة لكن يقاتلون ليدافعوا عن أنفسهم إن كان المقاتلون جاءوا من الخارج ، أو يقاتلون ليتمكنوا من حقهم في دخول مكة ، والفرق بين هذا وهذا واضح .
يقول صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّمَا أُحِلتْ لي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) سبق أنها من طلوع الشمس إلى صلاة العصر ( لا يُخْتَلى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ ) هذه أربعة أشياء : لا يختلى خلاها : يعني الحشيش ، فلا يحل لأحد أن يحش من مكة ولو لبهائمه ولو ليبيعه ويقتات به . فإن قال قائل : وهل يجوز أن يرعى إبله وبقره وغنمه فيها أولاً ؟ الجواب : يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ...... والإبل ترعى ، وتعرفون أن الرعاة رُخص لهم بترك المبيت بمنى وتأجيل الرمي . ولا يمكن أن تكمم أفواه الإبل أو الغنم ، فهذا جائز بالإجماع رعي الغنم في مكة أو الإبل أو البقر .
ثانياً : ( لا يعضد شجرها ) لا يعضد يعني يقطع ، والشجر ما له ساق قائم كشجر الطلح والعوشج وما أشبه ذلك لا ينبغي أن يقطع . طيب لو فُرض أن هذه الشجرة على طريق ولها غصن متدلي يؤذي المارة فهل يجوز قطعه ؟ لا يجوز ، فإن قال قائل : ألستم تجيدون قتل الصيد إذا صال على الإنسان في مكة ؟ فالجواب : نعم نجيز هذا لأنه إذا صال على الإنسان الضبع ، الضبع حلال ، وهو محرم أو في مكة صار لا يمكن دفعه إلا بقتله فله قتله . فلماذا لا تقولون في الشجرة إذا تدلى غصنها على الطريق ويؤذي المارة لماذا لا تقولون إنها صائل ؟ الجواب : أنها ليست بصائل ، نعم لو أن الشجرة لما أحست بالآدمي جعلت تمشي من أجل تؤذيه أو تعمى عينيه يجوز لدفعها قطعها أو لا ؟ يجوز . إذاً هي ليست صائلة ، لكن ماذا نصنع هل نبقي على الغصن يؤذي المسلمين ؟ نقول لا نبقيه نلويه لياً ، يعني يحرفه إلى الجهة الأخرى كما قال الفقهاء رحمهم الله : لو تدلى غصن شجرة على جارك وجب عليك إذا طالب الجار أن تلويه حتى لا يتأذى به .
( ولا يُنفر صيدها ) أي يُطرد ، وليس مقيداً بما قال عكرمة رحمه الله أن تطرده لأجل أن تجلس مكانه ، ما هو شرط ، لا تنفر سواء كان الصيد مستظلاً بظل شجرة أو كان على غصن يغرد أو كان على أي شيء ، لا تنفره أي تطرده . ورميه جائز أو غير جائز ؟ غير جائز ، إذا كان تنفيره حراماً فكيف بما فيه قتله ، طيب لونفرته ثم في طيرانه اصطدم بشيء تضمن أو لا تضمن ؟ نقول تضمن لأنك كنت السبب ، لو ما رميته كان بقي مكانه فأنت السبب وأحالت الضمان على غير ممكن .
إذا قال قائل : حمامة وقعت في الدريشة نسيته ، ماذا نقول ؟ فرجة أيضاً نسيته ............ لو أن هذه الحمامة وقعت في الدريشة هل لنا أن ننفرها أو لا ؟إذا كنت تريد أن تُغلِّق الباب باب الرخصة هل ننفرها ؟ الجواب : نعم لأن البيت بيتك وإبقائك إياها إكرام لها منك ، فإذا كنت محتاج إلى إغلاق الفرجة فلا حرج أن تغلقها ، لكن إذا أمكن أن تُغلقها برفق لعلها لا تطير فهو أولى .
فالقول : ( صيدها ) ما هو الصيد ؟ كل حيوان حلال بري وحشي أصلاً . وقوله : ( لا ينفر صيدها ) إذا كان الصيد لك تنفره صيدها أي صيد من مكة ، الطيور التي هي في الغالب في مكة لا تنفره ، إذا كان الصيد لك تنفره ؟ الجواب : نعم أُنفره وأذبحه ، كيف هذا ؟ يكون هذا بأن يدخل الإنسان بصيد من الحل ، كحمامة من الحل أو أرنب أو غزال دخل به من الحل فهي ملكه له أن يذبحها ويأكلها . وكان الناس في عهد عبد الله بن الزبير كانوا يبيعون الصيد في جوف مكة ، لكنهم يأتوا به من الحل ؛ لأنك لما أخذته من الحل ملكته صار ملكاً وليس صيداً صيد مكة .
وقال بعض الفقهاء رحمهم الله : إذا دخلت بالصيد إلى حدود الحرم وجب عليك أن تطلقه . ـ سبحان الله ـ تطلقه ؟ إذا قدرنا أن الغزال يساوي خمسائة ريال تُطلقها ؟ إضاعة مال ، وإذا كانت إضاعة مال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال . طيب ، أتى بحمام معه من القصيم إلى أن أقارب له في مكة في القفص ، عشرين حمامة ، لما وصل بها الحرم على رأي هؤلاء الفقهاء رحمهم الله نقول : افتح القفص وخلي سبيلها ، وإن أحد أخذها مطالبة بهذه الحمامة . لكن هذا قول كما ترون ضعيف والصواب أنه يجوز للإنسان أن يدخل بالصيد إلى مكة ويبقى ملكه عليه يتصرف فيه كما يشاء .
الرابع أو الخامس ؟ ( لا يُخْتَلى خَلاهَا ، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلا تُلتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لمُعَرِّفٍ ) يعني لو وجدت في مكة لقطة دراهم ألف ريال لا تأخذها إلا إذا أردت أن تعرفها ، كم ؟ قال الفقهاء : تعرفها سنة ، وقال الآخرون : تعرفها مدى الدهر حتى بعد موتك توصي بأنهم يعرفونها، أيهما أصح ؟ الثاني لا شك ؛ لأن تعريفها سنة لا يظهر امتياز مكة على غيرها تكون مكة وغيرها سواء وهذا من احترام ما في مكة .
طيب ، عرفت الآن ، قلنا عرفه مدى الدهر ، احفظه في كيس وعرفه للدهر ، أين يعرفه ؟ في مكان وجوده في مكة . نقول هذا فيه مشقة شديدة ، نقول : إذا لزم مشقة شديدة فجوابها أن تتركه . فإذا تركته أنت وجاء الثاني وتركه والثالث وتركه فسوف يعود صاحبه إليه ويجده . وهذا ممكن لما كانت مكة صغيرة ودورها صغيرة والذين فيها عندهم خشية من الله ، لكن في الوقت الحاضر الآن إذا كان في مكة من يقطع الجيب ليسرقه هل أترك هذا في الأرض يأتيه واحد ليتركه والثاني يتركه حتى يجده صاحبه ؟ لا .. اليوم إبقاء اللقطات في الأرض يعني ضياعها على صاحبها . فأنا أقول ـ لكن من فضل الله أن الحكومة وفقها الله جعلت عند الحرم عند المسجد جهة مسؤولة عن تلقي هذه الأموال الضائعة فخذها أنت وأعطهم إياها وتسلم . لو قال قائل : إذا لم يوجد هيئة تقبل هل لي أن آخذها وأتصدق بها على صاحبها ؟ هذا محل نظر واجتهاد ، قد يقول القائل نعم أخذك إياها وتصدقك بها خير من إبقائها حتى تأكلها السباع . وقد يقال : أبقها وأنت لست مسؤولاً .
قال : ( َقَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ لصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا ) هذا مستثنى من قوله : ( لا يختلى خلاها ) يعني الإذخر من هذا النوع ، حشيش وعبارة عن شجرة كلها عيدان لينة وإذا يبست صارت من أحسن ما يكون للوقود تشتعل فيها النار بسرعة ، والنار في ذلك الوقت ليست كوقتنا هذا ، وقتنا هذا ماعليك إلا تطرق الزناد وتشتعل النار ، لكن هناك صعب جداً متى يجنون الزند ومتى يقدحون ومتى تشتعل النار ، فكانوا يستعملون الإذخر . والصاغة جمع صاغ ، صواغ ، وفي لفظ ( لقيلهم ) يعني الحدادين ، ولا مانع أن يكون يستعمله الصواغ والحدادون . لكنه قال : (وقبورنا ) لصاغتنا وقبورنا ، كيف ذلك ؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم القبور تُحفر وتُلحد ويوضع الميت في اللحد ثم يُصف عليه اللبن ثم يوضع في خلل اللبن الإذخر ويُضرب عليه بالطين من أجل أن لا ينهال التراب على الميت في القبر فيستعملونه في القبور . كأن العباس رضي الله عنه يقول يا رسول الله هذه حاجة ملحة يحتاجها الأحياء والأموات واجتنابها صعب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِلا الإِذْخِرَ ) إلا الإذخر مستثنى من قوله : ( لا يُختلى خلاها ) فاستثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإذخر .
يستفاد من هذا الحديث أنه يجوز الاستثناء بعد فراق المستثنى منه وإن لم ينو المستثني إلا بعد فإنه صحيح . وهذه المسالة اختلف فيها العلماء رحمهم الله ، منهم من قال : إن الاستثناء لا يصح إلا إذا نواه المستثني قبل تمام الكلام ، فإذا قال رجل لنسائه الثلاث : أنتن طوالق . فقال له ابنه : يا أبي إلا أمي . قال : إى أمك علشانك . تطلق أو ما تطلق ؟ على القول بأنه لا بد أن ينو المستثنى قبل تمام المستثنى منه تطلق ما ينفع الاستثناء ، وعلى القول الراجح الذي هو مقتضى هذا الحديث لا تطلق لأنه استثناها والكلام لم ينفصل من بعضه .
وعليه فلا يُشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه ولا يُشترط اتصال المستثنى بالمستثنى منه ؛ لأن بين قوله : ( ولا يُنفر صيدها ) وقوله : ( إلا الإذخر ) بينها جُمل ، لكن الكلام واحد . وهذا ينفعك في كل الاستثناءات ، لو قال رجل لآخر : عندي لك عشرة دراهم ، فقال له إلا درهماً أوفيتنيه . فهنا لا يصلح استثناء على رأي من يرى أنه لابد من نيته قبل تمام المستثنى منه لكن يسقط الدرهم لاعتبار أن صاحبه اعترف بأنه وصله . على كل حال القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يُشترط في الاستثناء نية المستثنى قبل تمام المستثنى منه ولا اتصاله به مكادام الكلام واحداً .
ومثل هذا في قصة سليمان عليه السلام لما قال : والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله . من محبته للقتال أقسم أن يطوف على تسعين امرأة كل واحدة تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله ، فقال له الملك : قل إن شاء الله . فلم يقل إن شاء الله ، بناء على ما في قلبه من القوة والعزم . فجامع تسعين امرأة جامعهن في ليلة ، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان . سبحان الخلاق العليم ، يريك عزته ويبدي حتى لا تتألى على الله ، اجعل الأمر منوطاً بمشيئة الله عز وجل . قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( لو قال إن شاء الله لم يحنث )) .(246/12)
8 ـ بَاب لا يَحِل القِتَالُ بِمَكَّةَ
وَقَال أَبُو شُرَيْحٍ رَضِي الله عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا
1703 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لا هِجْرَةَ وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلدٌ حَرَّمَ اللهُ يَوْمَ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَإِنَّهُ لمْ يَحِل القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلي وَلمْ يَحِل لي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلا يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا وَلا يُخْتَلى خَلاهَا قَال العَبَّاسُ يَا رَسُول اللهِ إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لقَيْنِهِمْ وَلبُيُوتِهِمْ قَال قَال إِلا الإِذْخِرَ(1)
9 ـ بَاب الحِجَامَةِ للمُحْرِمِ
وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَتَدَاوَى مَا لمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ
__________
(1) ش18 ـ وجه ب :
هذا سبق الكلام عليه إلا أنه قال : ( لا هجرة ) يعني بعد الفتح ، وهذا النفي الذي يدل على العموم يراد به الخاصة ، أي لا هجرة من مكة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنها لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها ، أو حتى تطلع من مغربها . فيتعين حمله على أن المراد لا هجرة من مكة .
وهذا فيه إشارة إلى أن مكة ستبقى بلد إسلام لأنها لو صارت بلد كفر أعاذها الله من ذلك لهاجر الناس منها .(246/13)
1704 حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِاللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال قَال لنَا عَمْرٌو أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا فَقُلتُ لعَلهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا(1)
__________
(1) احتجم وهو محرم ، ففيه دليل على جواز الحجامة ، ويلزم أن يكون من جواز الحجامة إذا كانت في الرأس أن يُحلق الشعر ، وعلى هذا فحلق الشعر للحجامة في الإحرام لا بأس به ، ولكن هل تجب فيه فدية أو لا؟ الصحيح أنه لا فدية ؛ لأن الله قال : { لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وهذا لم يحلق رأسه إنما حلق جزءاً منه . كثيراً ما يسألنا الناس في يقول : إنه حك جلده فظهر منه دم ، يعني وفي الدم دم . ولكن هذا ليس بصحيح ، لو جرح الإنسان جرحاً وجعل الدم يثعب فإن ذلك ليس حراماً في الإحرام ولا علاقة له بالإحرام .
وفي هذا دليل على جواز التداوي بالحجامة ولكن أن لا يُباشر ذلك إلا حاذق لأنها خطر ، إذا أن الحجامة تفريغ الدم وهذا يحتاج إلى من يعرف الدم الذي يمكن تفريغه والكمية التي يمكن أن تُفرغ . وهل هذا سنة أو لا ؟ الجواب : لا .. ليس بسنة ، بل من احتاج إلى الحجامة فله أن يتداوى بها ، ومن لم يحتج فلا يحتجم .
يقول الناس لنا : إن الإنسان إذا اعتاد الحجامة فلا بد أن يحتجم ، بمعنى أنه إذا جاء وقت هيجان الدم في الربيع والصيف فإنه لا يصبر عن الحجامة بل تصيبه الدوخة وربما الإغماء حتى يحتجم ، وأما من لم يعتدها فلا يهمه .
سؤال : هل صحيح أنه لا ينبغي الحجامة في بعض أيام الأسبوع ؟
الجواب : إي نعم ، ابن القيم تكلم على هذه المسالة ، متى تنبغي الحجامة ومتى تُكره ، يعني من الناحية الطبية .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، بالنسبة للهجرة بعض الناس يُضيق عليه في بلاد معينة في رزقه ولا يستطيع أن يسافر إلى بلاد الإسلام لا يُستقبل فيها وبلاد الكفر مفتوحة له ، فهل مثل هذا يسوغ له الهجرة إلى بلاد الكفر ؟
الجواب : إذا كان لا يظهر دينه وجب عليه أن يهاجر ، أما إذا كان يُظهر دينه فلا فرق بين هذه البلاد وهذه .
السائل : بالنسبة للدين فهو يبين شعائر الدين .
الجواب : الحمد لله لا داعي للهجرة .(246/14)
1705 حَدَّثَنَا خَالدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلقَمَةَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِي الله عَنْه قَال احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ.
10 ـ بَاب تَزْوِيجِ المُحْرِمِ
1706 حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُالقُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ(1)
__________
(1) هذه الترجمة من البخاري رحمه الله غريبة : ( باب تزويج المحرم ) حيث تدل على أنه جائز ، ثم استدل بحديث ميمونة . حديث ميمونة الذي ذكر ابن عباس وميمونة خالته يدل على جواز تزوج المحرم ، ولكن هذا الحديث مُعارَض بقول ميمونة رضي الله عنها نفسها : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوجها وهي حلال ، وبقول السبيل بينها وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني الواسطة وهو أبو رافع قال : إنه تزوجها وهو حلال . فأينا أدرى بالقضية ، من القضية قضيته والسفير بينه وبين الآخر أو من كان بعيداً ؟ الأول لا شك ، ولكننا مع هذا نحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يعلم بتزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميمونة إلا بعد أن أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان لم يعلم إلا بعد أن أحرم قال إنه تزوجها وهو محرم . وهذا كما قلنا في جمعه رضي الله عنه هو من أين أهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بعضهم أهل من مكانه ، وبعضهم قال حين سارت به ناقته على البيداء، وبعضهم قال حين ركب . ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين الروايات بأن كل إنسان حدَّث بما سمع ، فهنا نقول : إن ابن عباس حدَّث بما سمع ، لم يسمع أنه تزوج بها إلا بعد الإحرام فقال إنه تزوج بها وهو مُحرم .
على كل حال بعض العلماء يقول : إن هذه من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج وهو محرم . ولكننا ليس لنا أن نقول ولا علينا أن نقول هكذا إلا إذا علمنا أنه تزوج وهو مُحرم بدون معارض ، أما مع وجود معارض فلا يمكن أن نثبت حكماً قطعياً ونقول هذا من خصائص الرسول ؛ لأن هذا يتطلب منا شيئين : أولاً : جواز التزوج حال الإحرام ، والثاني أن نجعله خاصاً بالنبي صلى عليه وعلى آله وسلم . أفهمتم الآن ؟ إذاً لم يتزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميمونة وهو محرم وإنما تزوجها قبل أن يُحرم ولم يعلم ابن عباس بذلك إلا بعد الإحرام فحكى ما سمعه .
هل يصح أن يتزوج المحرم بعد التحلل الأول ؟ في هذا خلاف ، فالمذهب عندنا أنه لا يحل ، وإذا تزوج بعد التحلل الأول فالنكاح فاسد . والصحيح أنه جائز وأن النكاح صحيح .
سؤال : ما يُحمل حديث ابن عباس على حرم المدينة ؟
الجواب : كيف يقول هو محرم وهو بحرم المدينة ؟ هل يستقيم هذا السؤال ؟ الحديث وهو محرم ، المدينة ما فيها حرم ، يعني ما فيها حرم يُحرم له .
سؤال : الأحكام التي مرت معنا في الحرم هل تشمل حرم المدينة ؟
الجواب : لا ما تشملها .(246/15)
11 ـ بَاب مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ للمُحْرِمِ وَالمُحْرِمَةِ
وَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا لا تَلبَسِ المُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ
1707 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا الليْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَامَ رَجُلٌ فَقَال يَا رَسُول اللهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا تَلبَسُوا القَمِيصَ وَلا السَّرَاوِيلاتِ وَلا العَمَائِمَ وَلا البَرَانِسَ إِلا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ ليْسَتْ لهُ نَعْلانِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَليَقْطَعْ أَسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ وَلا تَلبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا الوَرْسُ وَلا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ وَلا تَلبَسِ القُفَّازَيْنِ تَابَعَهُ مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالقُفَّازَيْنِ. وَقَال عُبَيْدُاللهِ وَلا وَرْسٌ وَكَانَ يَقُولُ لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ وَلا تَلبَسِ القُفَّازَيْنِ وَقَال مَالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لا تَتَنَقَّبِ المُحْرِمَةُ وَتَابَعَهُ ليْثُ بْنُ أَبِي سُليْمٍ(1)
__________
(1) إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سُئل عن ما يأمر به من اللباس حال الإحرام ، ولكنه عدل عن هذا إلى ذكر ما يُمنع ، وإذا علم الإنسان ما يُمنع عرف ما يجوز ، ولما كانت الممنوعات أقل من المحللات ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال : ( لا تلبسوا القميص ) وهو الثوب المعروف الدرع بالأكمام ، الثاني : ( لا تلبسوا السراويلات ) يعني السراويل ، والسراويل في اللغة الفصحى مفرد وليس جمعاً ، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله :
ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع
إذاً إذا كان السراويل مفرداً فالجمع سراويلات .
( ولا العمائم ) معروفة العمائم ، ( ولا البرانس ) وهي الثياب التي يكون غطاء الرأس مشتهراً بها ، واشتهرت عند المغاربة ، ( إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفان وليقطع أسفل من الكعبين ) يعني إنسان ليس معه نعال وليس معه ما يشتري به نعال ومعه خفان فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين . وهذا الحديث منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بعرفة : ( من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ) ولم يذكر القطع ، مع أن الجمع الذين حضروا بعرفة أكثر بكثير من الجمع الذين حضروه في المدينة ، لأن حديث ابن عمر هذا في المدينة ، فدل هذا على النسخ . ولأن إبقاء الخف بدون قطع هو الموافق للشريعة لما في القطع من إتلاف المال ، وإذا كان الإنسان قد أُبيح له أن يلبس الخفين نظراً للحاجة فإنه لا حاجة إلى قطعهما ، فالصواب أنه لا يقطعهما .
يقول في الحديث : ( ولا تلبسوا شيئاً مسه زعفران ولا ورس ) هذا الشاهد أنه لا يجوز للمحرم أن يتطيب بما يعد طيباً وله رائحة الطيب ، والورس ليس هو اللون الأحمر بل الورس نوع من الزهر له رائحة طيبة من جنس الورد ، قال : ( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) لا تنتقب يعني لا تغطي وجهها بنقاب ولا تغطي يديها بقفازين . أما تغطية وجهها بدون نقاب فالصحيح أنه لا بأس به ويجب إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها . وقول من قال من العلماء : إن المرأة إحرامها في وجهها وأنه يحرم عليها أن تغطي الوجه فضعيف ؛ لأن النهي عن النقاب أخص من النهي عن التغطية ، ثم إن النقاب بالنسبة للوجه بمنزلة الثياب واللباس فالنقاب لباس الوجه فلا تنتقب .
وشدد بعض العلماء رحمهم الله فيما إذا وجب عن المرأة أن تستر وجهها في وجود الرجال الأجانب فقال لا بد أن تضع عمامة ـ هكذا ـ من أجل أن لا يمس الخمار وجهها . لكن هذا تشديد ما أنزل الله به من سلطان.
( ولا تلبس القفازين ) القفازان هما لباس الكف بالأصابع ، ويسمى في اللغة العامية شراب اليدين ، هذا هو الممنوع ، وأما لف المرأة بنحو كيس أو لف لفافة عليها فلا بأس به لأن هذا لا يُسمى قفازاً .(246/16)
1708 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَال اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِل(1)
__________
(1) هذا كان في يوم عرفة ، والرجل رضي الله عنه واقف مع الناس فوقصته الناقة اسقطته ومات ، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا يصنعون به فأرشدهم، قال : ( اغسلوه ) والأمر هنا للوجوب، والمراد أن يُغسل كله من هامه إلى إبهامه ، والأفضل عند التغسيل أن يُبدأ بمواضع الوضوء وبالميامن وإن غُسل جملة واحدة فلا بأس . وقال صلى الله عليه وسلم : ( اغسلوه وكفنوه ) وفي سياق آخر : ( كفنوه في ثوبين ) أي استروه ، والمراد بالثوبين الإزار والرداء . ولهذا إذا مات الإنسان قبل أن يحل التحلل الأول فالأفضل أن لا يُكفن إلى في إزاره وردائه كما قلنا في الشهيد إذا قُتل يُكفن بجديد أو في الثياب ؟ في الثياب التي عليه .
قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا تغطوا رأسه ) وسكت عن الوجه ، فهل يقال إذا نهي عن تغطية الرأس فهذا يستلزم النهي عن تغطية الوجه ، أو يمكن أن يُغطى رأسه ووجه باقي ؟ الجواب : الثاني ، يعني يمكن أن يُلف على رأسه خمار ويُغطى والوجه باق ، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لا تخمروا رأسه ، فدل هذا على جواز تخمير الوجه ، ولعل هذا أيضاً أنسب من جهة أخرى ، بل من جهتين : الجهة الأولى أن المحرم لا يحرم عليه تغطية وجهه ، والثاني أنه إذا بقي وجهه مكشوفاً صار في ذلك شيء من الرعب لمن شاهده أو شيء من إساءة الظن به لو كان وجهه متغيراً ؛ لأن الإنسان ـ أحسن الله لي ولكم الخاتمة ـ إذا كانت خاتمته سوءً تغير وجهه والعكس بالعكس . فالصواب أن تغطية الوجه للمحرم الحي والميت لا بأس بها .
( ولا تقربوه طيباً ) هذا الشاهد ، وكان الميت إذا مات يُحنط بالطيب، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال : ( إنه يُبعث مهل ) ومعنى يهل أي يلبي فيُبعث على ما مات عليه . في هذا فوائد كثيرة لا يمكن الآن أن نسوقها لأن الوقت قد انتهى ، لكن أهم ما فيه أنه إذا اشترط عند الإحرام وقال : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني . ثم مات في أثناء العمرة حل من إحرامه وحينئذٍ لا يُبعث يوم القيامة ملبياً ، وهذا من تعليلات من قال : إنه لا يُسن الاشتراط عند الإحرام . وهذا هو الصواب أنه عند الإحرام لا تقول فإن حبسني حابس ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل ذلك ، إلا إذا خاف الإنسان من عدم إتمام النسك فليقل إن حبسني حابس ، كما أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه ضباعة بنت الزبير ، مع أن ابن عمر رضي الله عنه لا يرى الاشتراط ولا لمن خاف ، ولهذا لما أحرم زمن الفتنة لم يشترط وقال : أُهل بكذا فإن أُحصرت فعلت ما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . لكن الصواب الذي تجتمع به الأدلة أن الاشتراط سنة لمن خاف أن لا يُتم النسك . والله أعلم .
سؤال : .............؟
الجواب : ما هو الرسول كره ذلك ورأى الغضب في وجهه ثم أمره أن يقطعها بين النساء ، أين الدليل ؟
السائل : في قوله كساني .
الجواب : إي لكن ما أراد أن يلبسها . أولاً أنا أشك في كلامك لأني ما أظن أن أحداً يشم رائحة العلم يستدل بهذا ، فلابد أن تحقق هذا الكلام . على كل حال تأتي بماذكرت الليلة المقبلة .
ثانياً : أنه كيف يقال هذا والرسول أنكر هذا ؟ وكيف نأخذ بالأحاديث المتشابهة مع الأحاديث المحكمة ؟ لا يغرنكم هؤلاء الذين ليس عندهم إلا نصف علم ونصف فهم أيضاً ، حتى الفهم ما يعرفونه ، انتبهوا لهذا لعلكم تطالعون مثلاً كتب فيها مثل هذه الأقاويل التي لا تساوي نقلها في الورق .(246/17)
12 ـ بَاب الاغْتِسَال للمُحْرِمِ
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَدْخُلُ المُحْرِمُ الحَمَّامَ وَلمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالحَكِّ بَأْسًا(1)
__________
(1) يعني هذه ترجمة في أمرين : أولاً : الاغتسال للمحرم هل هو جائز أو لا ؟ والجواب : جائز ، وإذا كان عن جنابة كان واجباً وإن كان عن حيض كان واجباً . وعلى هذا القول بالجواز يستلزم أن المحرم إذا كان قد تطيب ومس الطيب فإن ذلك لا يضر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُرى وبيص المسك في مفارقه ومع ذلك يغتسل ويخلل الشعر، وهذا يدل على أنه إذا كان المحرم متطيباً وتوضأ ومس الطيب فإن ذلك لا يضره لأنه لم يبتدئ التطيب ، ولأننا لو قلنا بأنه لا يجوز لزم من هذا مشقة وصار الإنسان كلما توضأ ومسح رأسه المطيب يلزمه أن يغسل يديه حتى تذهب الرائحة ، وفي هذا من المشقة ما فيه .
المسألة الثانية : حك الرأس ، حك الرأس لا بأس به للمحرم ويحكه حكاً عادياً ، وليس كما يفعل بعض الناس يحكه بالأنامل لا بالأظافر ، بعض الناس يحكه بالأنامل هكذا لا بالأظافر ، وبعضهم أيضاً أشد من ذلك إذا أراد أن يحكه قام ينقره كالديك ينقر رأساً . لماذا ؟ أخشى أحكه تسقط شعرة ، مع أن الشعرة لا تضر ولو قُدر أنها تضر إذا كانت لم يُقصد قطعها فلا بأس حكك رأسك ، وقد جاء في الأثر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لو لم أحك شعر رأسي إلا برجلي لفعلت .(246/18)
1709 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ العَبَّاسِ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلفَا بِالأَبْوَاءِ فَقَال عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَال المِسْوَرُ لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ فَأَرْسَلنِي عَبْدُاللهِ بْنُ العَبَّاسِ إِلى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلمْتُ عَليْهِ فَقَال مَنْ هَذَا فَقُلتُ أَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلنِي إِليْكَ عَبْدُاللهِ بْنُ العَبَّاسِ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لي رَأْسُهُ ثُمَّ قَال لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَليْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَل بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَال هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ(1)
__________
(1) هذا دليل على جواز غسل المحرم رأسه وتخليله إياه ، وفيه دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا في الأمر رجعوا إلى من هو أعلم ، كما رجع المسور وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم . وفيه أيضاً دليل على جواز التوكيل في العلم فإنهما وكلا عبد الله بن حنين . وفيه دليل أيضاً على أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول ، دليله أن أبا أيوب طأطأ الستر واراه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل . وفيه دليل على ذكاء عبد الله بن حنين لأنهما أرسلاه يسألانه هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل راسه أم لا ؟ لكنه عدل عن ذلك وقال : كيف كان يغسل رأسه، ويعني هذا أنه قد تقرر عنده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه ولكن كيف كان ذلك . فإما أن يقال : إن عبد الله بن حنين وثق بقول ابن عباس أكثر من قول المسور ، وإما أن يقال إن هذا من ذكائه ، وأياً كان ففيه دليل على جواز تصرف الوكيل في صيغة السؤال إذا رأى ذلك من المصلحة .
سؤال : قلنا إن المحرم إذا اشترط ومات حل فيُبعث يوم القيامة لا يُلبي ، عندي في ذلك يا شيخ ثلاثة إشكالات : الأول أنه معلوم أن الذي يصح توجيه الخطاب إليه بالإحلال وعدمه والحل وعدمه المكلف الذي تجب عليه أحكام التكليف ، فالميت إذا مات ارتفعت عليه الأحكام ، فكيف خاطبناه بالإحلال وعدم الفدية وهو ليس بمكلف ؟
الجواب : لأنه هو الذي اشترط قال : إن حبسني حابس عن إتمام النسك فمحلي حيث حبستني . فهنا علَّق الإحلال بالحابس . ثم إن بقاؤه يُبعث يوم القيامة ملبياً فيه دليل على أن بعض الأحكام تبقى مع الميت .
السائل : الإشكال الثاني : هل المحرم إذا مات ولم يشترط هل لوليه أن يفدي عنه ؟
الجواب : لماذا يهدي ؟
السائل : لأنه لم يشترط .
الجواب : إي .. ولا يفدي عنه ولا شيء .
السائل : ألا يعارض هذا قولنا أنه إذا اشترط يحل ولا يفدي ؟
الجواب : لا .. ما يعارض لأن الإحلال هذا من نفسه هو الذي اشترط هذا ، أما الميت فلا يُقضى عنه بقية الحج حتى لو كان فريضة .
السائل : الإشكال الثالث : هل إذا اشترط وحل نُغسله ونحنط رأسه وهكذا ؟
الجواب : نعم هذا مقتضى القاعدة لأنه إذا حل ترتفع عنه محظورات الإحرام .
سؤال : أحسن الله إليك ، عبد الله بن حنين تكلم مع أبي أيوب وهو يغتسل ، مثل هذا يجوز يا شيخ ؟
الجواب : يجوز ، مثل ما كلمت أم هانئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يغتسل .
السائل : وإذا كان في قضاء الحاجة ؟
الجواب : حتى لقضاء الحاجة لا بأس به للحاجة ، والممنوع أن يتقارب الرجلان في قضاء الحاجة يتحدث أحدهما إلى صاحبة فإن الله يمقت على ذلك .(246/19)
13 ـ بَاب لُبْسِ الخُفَّيْنِ للمُحْرِمِ إِذَا لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ
1710 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ مَنْ لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَمَنْ لمْ يَجِدْ إِزَارًا فَليَلبَسْ سَرَاوِيل للمُحْرِمِ(1)
__________
(1) وهنا لم يذكر القطع ، قال أهل العلم : إن هذا من باب النسخ وليس من باب المطلق المحمول على المقيد ، وقال آخرون : بل هذا من المطلق المحمول على المقيد . فاهمين الإشكال الآن ؟ حديث ابن عمر الذي مر قال : ( وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ) يعني الخفين ، وهنا قال : ( فليلبس الخفين ) ولم يذكر القطع ، فكيف الجمع ؟ اختلف العلماء رحمهم الله في هذا ، فقال بعضهم : يُحمل حديث ابن عباس المطلق على حديث ابن عمر المقيد ويقال يلبس الخفين ويقطعهما ، وقال بعضهم : لا يُحمل بل هذا من باب نسخ الأمر بالقطع . وهذا هو الصواب لأن هذا الحديث متأخر ، ولأن هذا الحديث وقع في مجمع عظيم أكثر من المجمع الذي كان في حديث عبد الله بن عمر ، فلذلك لا يُحمل هذا على ذاك . نعم لو فُرض أن حديث ابن عمر ورد متأخراً فربما يُقبل القول بالتقييد ، وأما أنه سبق وفي جمع أقل ثم يأتي هذا بعده وفي جمع أكثر فالنسخ فيه واضح. وهنا يكون المنسوخ هو الأمر بالقطع .(246/20)
1711 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالمٍ عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِي الله عَنْه سُئِل رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَا يَلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ فَقَال لا يَلبَسِ القَمِيصَ وَلا العَمَائِمَ وَلا السَّرَاوِيلاتِ وَلا البُرْنُسَ وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسٌ وَإِنْ لمْ يَجِدْ نَعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ وَليَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ.
14 ـ بَاب إِذَا لمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَليَلبَسِ السَّرَاوِيل
1712 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَاتٍ فَقَال مَنْ لمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَليَلبَسِ السَّرَاوِيل وَمَنْ لمْ يَجِدِ النَّعْليْنِ فَليَلبَسِ الخُفَّيْنِ(1)
__________
(1) في هذا من الفوائد : مشروعية الخطبة في عرفة ليُعلم الناس أحكام الوقوف والانصراف من بعده وغيرهما من المناسك ، هذا بعد ذكر القواعد العامة في الشريعة كالتوحيد والعقيدة وما أشبه ذلك . وظاهر قوله : ( إزاراً ) أنه يلبس الإزار على كل حال سواء ربطه بسير أو بعقدة أو بخياطة ما دام يُطلق عليه اسم الإزار فإنه جائز ، ولا يُقال إنه إذا خيط أشبه السروال ، فإن الجواب عن هذا أن نقول : إذا خيط لا يُشبه السروال ، السروال قد خيط على قدر العضو ، الرجل اليمنى لها كم والرجل اليسرى لها كم ، فبينهما فرق عظيم . أما هذا فهو إزار سواء خيط أو لم يُخط .
سؤال : أحسن الله إليك ، في موضوع الستر ، كون الإنسان يستره أحد حتى يغتسل ، في هذا فيه أشياء ثلاثة : بعضهم يقول : الغسل مما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل مع إحدى زوجاته ، قالوا : الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبلس شيئاً يستر عورته المغلظة وإلا ما يجوز أن الإنسان يكشف عورته يغتسل مع زوجته وهم عراة ما عنهم شيء ؟
الجواب : من قال هذا ؟
السائل : وهكذا قرره عندنا بعض ......
الجواب : هذا غلط بل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يغتسل مع أهله في إناء واحد تختلف يده مع يد زوجته ، وقد قال الله عز وجل : {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم } وفي الحديث وإن كان فيه ضعف : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) وأما حديث عائشة الذي ذُكر عنها : ( ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأى مني ... ) هذا ضعيف لا حجة فيه .
السائل : الوجه الثاني : كون الإنسان يستره أحد فإنه متعرض لكشف عورته ، والذي يستر بالثوب ينظر إلى عورة الجالس، فقالوا هذا لا يجوز إلا أن الإنسان الذي يُستر عليه يلبس شيئاً يستر عورته المغلظة.
الجواب : هذا فيه احتمال إنه يلف على عورته المغلظة شيئاً ، لكن ليس كذلك لأنه يمكن يستره هكذا ويكون وجهه بعيداً ليس إلى عورة الرجل.
السائل : يعني يلتفت إلى الجهة الثانية ؟
الجواب : السترة على قدر سترة الإنسان وهو واقف ، هذا الساتر إن كان قصيراً فلن يستطيع النظر إلى عورته وهو داخل السترة ، وإن كان طويلاً يرمي بصره إلى الأمام .
السائل : يتعرض يا شيخ لكشف العورة .
الجواب : ما يتعرض ، إذا قصد يمكن .
السائل : عندنا بعض الناس لا يتروش حتى إلا بسرواله يقول ما يجوز الواحد يكشف عورته الملائكة يرونه ؟
الجواب : إذاً حتى في الغائط الملائكة تراه عن اليمين وعن الشمال قاعدين .
السائل : ما سألناهم عن هذا ، لكن عندنا أنا أعرف كثيراً من الناس يستعملون هذا .
الجواب : على كل حال هذا من تشدد بعض الناس .
سؤال : ما حكم تطيب الرجال بالزعفران ؟
الجواب : تطيبهم بالزعفران لا يجوز ، وهم محرمون يعني ؟
السائل : لا .. في حال الإقامة ؟
الجواب : ما فيه شيء ، الممنوع إنه يلبس الثوب الأحمر كاملاً وأما إنه يتطيب بالزعفران فلا بأس ، حتى عبد الرحمن بن عوف كان فيه من الزعفران لما تزوج .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من لا يُحسن الاتزار في الإحرام هل له أن يلبس السروال ؟
الجواب : كيف لم يُحسن ؟
السائل : بعض الناس لا يُحسن أن يستر عورته في الإحرام ؟
الجواب : يأخذ إزاراً واسع ، أما أن يأخذ إزاراً قصيراً ما ينفع ، يعني يلفه مرتين وثلاثة على جسمه . إلا إذا كان يركب بعير لكن يخاف من جلده فهو يصل واحد بواحد .
ش19 ـ وجه أ :
السائل : هذا يا شيخ في الواقع لو التف به ولف الثاني ما استطاع أن يمشي أو يجري .
الجواب : لا .. يستطيع بس يرفعه شوي إلى نصف الساق ويستطيع .
سؤال : هل يخيط إزاره ويفتحه يا شيخ ؟
الجواب : صحيح إذا خاطه ارتاح .(246/21)
15 ـ بَاب لُبْسِ السِّلاحِ للمُحْرِمِ
وَقَال عِكْرِمَةُ إِذَا خَشِيَ العَدُوَّ لبِسَ السِّلاحَ وَافْتَدَى وَلمْ يُتَابَعْ عَليْهِ فِي الفِدْيَةِ(1)
1713 حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنْه اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي ذِي القَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ لا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاحًا إِلا فِي القِرَابِ(2)
__________
(1) اقرأ الشرح على الترجمة .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 58
قوله : ( وقال عكرمة إذا خشي العدو لبس السلاح وافتدى أي وجبت عليه الفدية ) ولم أقف على أثر عكرمة هذا موصولا . وقوله : ( ولم يتابع عليه في الفدية ) يقتضى أنه توبع على جواز لبس السلاح ثم الخشية وخولف في وجوب الفدية . وقد نقل ابن المنذر عن الحسن أنه كره أن يتقلد المحرم السيف ، وقد تقدم في العيدين قول ابن عمر للحجاج أنت أمرت بحمل السلاح في الحرم ، وقوله له وأدخلت السلاح في الحرم ولم يكن السلاح يُدخل فيه . وفي رواية أمرت بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله . وتقدم الكلام على ذلك مستوفى في باب من كره حمل السلاح في العيد وذكر من روى ذلك مرفوعا ، ثم أورد المصنف في الباب حديث البراء في عمرة القضاء مختصرا .
الشيخ : قوله : ( لم يتابع ) كأن البخاري رحمه الله شبه نقل الإجماع على عدم الفدية ، فعلى هذا نقول : إذا احتاج إلى حمل السلاح حمله بدون فدية .
(2) كل هذا من تعصب الجاهلية ، يقولون لو دخل بالسلاح مسلولاً لكان هذا إهانة لمكة فلا يدخله إلا يغمده .
القارئ : هنا ذكر العيني قال : قوله : ( ولم يتابع عليه في الفدية ) من كلام البخاري ، ولم يتابع على صيغة المجهول أي لم يتابع عكرمة على قوله وافتدى ، وحاصل الكلام لم يقل أحد غيره بوجوب الفدية عليه . قال النووي لعله أراد إذا كان محرماً فلا يكون مخالفاً للجماعة .
الشيخ : المسألة فيها إذا كان محرم ؛ لأنه لو لبس السلاح في مكة بدون إحرام ما أحد يقول عليه فدية . توجيه النووي رحمه الله فيه نظر .(246/22)
16 ـ بَاب دُخُول الحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ
وَدَخَل ابْنُ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِالإِهْلال لمَنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ وَلمْ يَذْكُرْ للحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ(1)
1714 حَدَّثَنَا مُسْلمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَّتَ لأَهْل المَدِينَةِ ذَا الحُليْفَةِ وَلأَهْل نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِل وَلأَهْل اليَمَنِ يَلمْلمَ هُنَّ لهُنَّ وَلكُل آتٍ أَتَى عَليْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ(2)
__________
(1) هذه من المسائل الهامة ، هل يجوز للإنسان أن يدخل مكة بدون إحرام ؟ الجواب : اختلف العلماء رحمهم الله في هذا ، فمنهم من قال لا يجوز إلا في مسائل معينة عينوها كدخولها للحطب ومن روحاته تتكرر وما أشبه ذلك ، ومنهم من قال لا يلزمه الإحرام إلا إذا كان الإحرام فرضه يعني لم يؤد فريضة الحج والعمرة أو أراد الحج أو العمرة ولو تطوعاً . وهذا القول هو الراجح وهو الذي ذكره البخاري رحمه الله . فالصواب أن من أدى الفريضة ـ فريضة العمرة والحج ـ ثم سافر إلى مكة لم يلزمه الإحرام إلا أن يريد الحج أو العمرة فلا يتجاوز الميقات حتى يُحرم . ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سُئل عن الحج أفي كل عام؟ قال : (( الحج مرة فما زاد فهو تطوع )) وهذا عام .
(2) هذا سبق الكلام عليه ، أليس كذلك ؟(246/23)
1715 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ دَخَل عَامَ الفَتْحِ وَعَلى رَأْسِهِ المِغْفَرُ فَلمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَال إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَال اقْتُلُوهُ(1)
17 ـ بَاب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلا وَعَليْهِ قَمِيصٌ
__________
(1) قوله : ( على رأسه المغفر ) هو لباس يُلبس على الرأس من الحديد يتقي به المقاتل السنان والرماح ، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر لأن القتال قد حل له ، وفي هذا دليل على اتخاذ الأسباب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اتخذ المغفر وكان يلبس الدروع في الحرب ، وظاهر بين درعين في غزوة أحد ، لبس درعين . والأخذ بالأسباب كما أنه من طبيعة البشر فهو أيضاً مما أمر به الشرع . ولهذا لما وضع المغفر يعني انتهى القتال ومع ذلك أُتي إليه ابن خطل متعلق بأستار الكعبة تعوذاً بها ، فقال اقتلوه ، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال قبل ذلك : من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، لكن هذا لم يُؤَمنه مع أنه متعلق بأستار الكعبة لأن جرمه عظيم فقد قيل إن هذا الرجل والعياذ بالله كان له جاريتان بعد أن ارتد ـ يعني أسلم أولاً ثم ارتد ـ وكان عنده جاريان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلعظم ذنبه وجرمه لم تُؤمنه الكعبة .(246/24)
وَقَال عَطَاءٌ إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لبِسَ جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا كَفَّارَةَ عَليْهِ(1)
__________
(1) عطاء رحمه الله من علماء مكة وعنده من العلم بالمناسك ما ليس عند غيره ، ويقول : إنه إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه ، فيستفاد من هذا الأثر أنه لا كفارة على من فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً ، ودليل هذا عموم قول الله تبارك وتعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله تعالى : (( قد فعلت )) . وخصوص قوله تعالى في الصيد : { ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم } ويستفاد من الأثر أنه إذا فعل هذه الأشياء عالماً ذاكراً فعليه كفارة ، ولكن ما هي الكفارة ؟ الكفارة فدية الأذى ، يعني أن يصوم ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يذبح فدية شاة يوزعها على الفقراء ، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله .
وفي نفسي من هذا شيء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حرَّم ما حرَّم على المحرم من اللباس والطيب لم يذكر ما يجب عليه والأصل براءة الذمة لكن الإيجاب ـ أعني إيجاب الفدية ـ فيه تربية للنفس فإذا لم يكن عند الإنسان اقتناع بأن فيها فدية فلينسب هذا إلى العلماء ، يقول قال العلماء كذا وكذا ويخرج من عهدته وهذا كما قلت هو تربية ؛ لأنك إذا قلت للعامي البس القميص أو ما أشبه ذلك وليس عليك إلا التوبة سهل عليه هذا ، لكن إذا ألزمته بالكفارة فإنه يحترز ويبتعد عن المحظورات اقرأ في الفتح الكفارة ......
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 63 :
قوله : ( باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص ) أي هل يلزمه فدية أو لا وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية ومن ثم استظهر المصنف الراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث . قال ابن بطال وغيره وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . وفرق مالك فيمن تطيب أو لبس ناسيا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية وقول مالك فيه احتياط ، وأما قول الكوفيين والمزنى فهو مخالف هذا الحديث وأجاب ابن المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا أنتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه .
الشيخ : ما تكلم عن الأثر ؟
القارئ : ما تكلم يا شيخ .
متابعة التعليق : قوله : ( وقال عطاء ... الخ ) ذكره ابن المنذر في الأوسط ووصله الطبراني في الكبير وأما حديث يعلى فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في باب غسل الخلوف في أوائل الحج .
القارئ : تكلم على الحكم ...... في حديث يعلى بن أمية .
الشيخ : ما تكلم عن الأثر .
متابعة التعليق :
قوله : ( وقال عطاء ) مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعطاء هو ابن أبي رباح ، قوله : ( إذا تطيب ) أي المحرم جاهلاً أو ناسياً ، وبقول عطاء قال الشافعي ، وعند أبي حنيفة وأصحابه تجب الفدية بالتطيب ناسياً وباللبس ناسياً قياساً على الناسي في الصلاة .
القارئ : ما تكلم على الكفارة .
الشيخ : على كل حال يُحمل الكلام على أدنى الكفارة وهي فدية الأذى، وقد سبق لنا أن محظورات الإحرام تنقسم إلى أربعة أقسام : قسم ليس فيه شيء ، وقسم فيه الجزاء ، وقسم فيه بدنة ، وقسم فيه التخيير في ثلاث .(246/25)
1716 حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَال حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَال كُنْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَليْهِ جُبَّةٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لي تُحِبُّ إِذَا نَزَل عَليْهِ الوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ فَنَزَل عَليْهِ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَال اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ يَعْنِي فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلهُ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
18 ـ بَاب المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ
وَلمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ
1717 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَال فَأَقْعَصَتْهُ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ أَوْ قَال ثَوْبَيْهِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يُلبِّي.
__________
(1) هذا جمع بين حديثين وإلا فإن قضية العض ما وردت في حديث يعلى بن أمية لكن الظاهر جمع بينهما .(246/26)
1718 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَال فَأَوْقَصَتْهُ فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تَمَسُّوهُ طِيبًا وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلبِّيًا(1)
__________
(1) وهذا الذي ذكره البخاري هو الصواب المتعين أن الإنسان إذا مات في حال الإحرام لا يُقضى ما بقي حتى لو كان فريضة الحج ، خلافاً لمن قال من الفقهاء إنه إذا مات والحج فريضة يجب أن يُقضى عنه ما بقي. فيقال : هذا لا دليل عليه ، ولو قُضي عنه ما بقي لم يُبعث يوم القيامة ملبياً لأنه انتهى حل . فالصواب ما دل عليه الحديث أنه لا يُقضى عنه .
سؤال : هل يختص الحج من بين العبادات أن الإنسان لم يتم فرضه قام يلبي أم يعم جميع العبادات كمن مات وهو يصلي ؟
الجواب : إذا مات وهو يصلي يقوم يلبي ؟
السائل : لا .. إذا كانت لم تنته الصلاة يقوم وهو يصلي يعني مثلاً في حال صلاته .
الجواب : لا .. هذا خاص بالحج والجهاد فقط أن الإنسان يُبعث على ما مات عليه ، ولهذا يُبعث الشهيد وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك ، وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الشهداء أن يدفنوا في ثيابهم ولا يُغسلوا ولا يكفنوا . الحج نوع من الجهاد .
السائل : من قاس هذا في المعاصي قياسه ليس صحيح ؟
الجواب : إيش المعاصي ؟
السائل : قاس بأن مات في معصية قام وهو على تلك المعصية .
الجواب : يعني لو مات فوق المعصية يزني بها يعني يوم القيامة يُبعث هو والمرأة متراكبين .
السائل : هم قاسوا على المغنيين .
الجواب : أنا ذكرت لك العقوبات ما فيها قياس ، ولهذا تجد أحياناً عقوبة عظيمة على عمل صغير في نظر الإنسان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كثير )) .
سؤال : أحسن الله إليك ، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب ابن عجرة بالفدية إلا بعدما حصل به القمل ، لم يأمره بفدية الأذى إلا بعدما وقع هذا المحظور من كعب فهل نقول مثل ذلك في بقية المحظورات يعني حيث إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بها لكن لم تقع هذه المحظورات من أحد فيُحمل أن النهي ................
الجواب : ما فهمت السؤال ، كعب بن عجرة رضي الله عنه حصل له ما حصل فأنزل الله الآية .
السائل : وقبل هذا يا شيخ لم ندري بفدية الأذى .
الجواب : في حلق الرأس ؟
السائل : قبل نزول الآية .
الجواب : قبل نزول الآية ؟ طيب . هذا نقول مثل ما قال ابن بطال ليعلى بن أمية ؛ لأن هذا تلبس بالخلوق قبل أن ينزل حكمه .
سؤال : أحسن الله إليك ، هذا الذي تُوفي وهو مُحرم إذا أتم أهله الحج بعده وهو ما أمر بهذا وهو توفي في الحج ؟
الجواب : إي نعم لكن هو لم يأمر به ، يعني لم يوصي به ، لكنه شرع عند هؤلاء معمول به ، يعني يروا يجب أن يتمه ؟
السائل : فإذا أتموا ؟
الجواب: إذا أتموا نقول لا تتموا وسبحان الله رجل واقف بعرفة، نقول تعال يا رجل احرم وقف بعرفة بقية اليوم وامش ، أو إنسان قد انصرف من عرفة وبات بمزدلفة نقول أيضاً احرم وارم الجمرات وبت في منى ؟
السائل : إذا أتموا جهلاً هل يُبعث ملبياً إذا لم يوص ؟
الجواب : إذا أتموا جهلاً لا يظهر لي هذا ، إذا أتموه له فقد أتموه بمقتضى الشرع عندهم فيكون تحلل .(246/27)
19 ـ بَاب سُنَّةِ المُحْرِمِ إِذَا مَاتَ
1719 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلبِّيًا.
20 ـ بَاب الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَةِ(246/28)
1720 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَالتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَال نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لوْ كَانَ عَلى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ(1)
__________
(1) هذا دليل على أن من مات وعليه حج واجب أنه يحج عنه وليه أو غيره من الناس ، وشبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دين الله بدين الآدمي ثم قال : (( الله أحق بالوفاء )) فاختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا تزاحم دين الله ودين الآدمي في التركة فما الذي يُقدم ؟ قال بعضهم : يُقدم حق الآدمي لأنه مبني على المشاحة ، مثاله : رجل عليه مائة ريال زكاة وعليه مائة ريال دين ولم يترك خلفه إلا مائة ريال ، يقول هؤلاء القوم : تؤدى المائة ريال إلى صاحب الدين لأن حق الله مبني على العفو وحق الله مبني على المشاحة . وقال آخرون : يُقدم حق الله فتُدفع الزكاة وصاحب الدين إن كان المدين قد أخذه يريد أداءه أدى الله عنه . قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( فالله أحق بالوفاء )) . وقال آخرون : بل يتحاصان ، وقالوا إن معنى قوله : (( أحق بالوفاء )) يعني إذا جاز قضاء دين الآدمي فقضاء دين الله من باب أولى . والمرأة ما سألت عن دين الله ودين الآدمي حتى يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم حق الله ، لكنه بيَّن لها أن القياس يقتضي أن دين الله أحق بالوفاء ، لكن الترجمة الآن والحديث البخاري رحمه الله يقول : ( بَاب الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَةِ ) والحديث الذي حج امرأة عن امرأة ، فلابد أن يتكلم عنه الشارح .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 65
قوله : ( والرجل يحج عن المرأة ) يعني أن حديث الباب يستدل به على الحكمين وفيه على الحكم الثاني نظر لأن لفظ الحديث أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول والمرأة تحج عن الرجل وأجاب ابن بطال بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب المرأة بخطاب دخل فيه الرجال والنساء وهو قوله اقضوا الله قال ولا خلاف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح ا.هـ. والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنه قال فيها : ( أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن أختي نذرت أن تحج ... ) الحديث وفيه : ( فاقض الله فهو أحق بالقضاء ) أخرجه المصنف في كتاب النذور وكذا أخرجه أحمد والنسائي من طريق شعبة .
الشيخ : هذا اللفظ واضح .
سؤال : في مسألة قلنا إن الذين استدلوا أن الاشتراط لا يكون إلا عن خوف استدلوا أنه لو اشترط ومات لا يُبعث ملبياً لأنه حل ، الم نقل أنه إذا اشترط بلا خوف لا تنفع ، فإذا كانت لا تنفعه ومات فإنه مات مع إحرامه؟
الجواب : نعم صحيح .
السائل : ألا ينقض هذا القاعدة ؟
الجواب : لا ينقضها ، إلا إذا قلنا إنه يصح الاشتراط ولو بلا عذر ، لكن الذي قال يشترط أو لا يشترط الظاهر إنه على سبيل الأفضلية فقط هل الأفضل أن يشترط أو الأفضل أن لا يشترط .
سؤال : أحسن الله إليك يا شيخ ، بالنسبة للحج عن الغير هل يُقتصر فيه على الفرض أم يتوسع فيه كذلك في النفل ؟
الجواب : إي نعم بيأتي في الباب الذي بعده .
سؤال : أحسن الله إليك ، حج النذر لو مات الإنسان وهو كان عليه حج نذر هل يقضوا عنه أهله ؟
الجواب : إذا شاءوا لا بأس .
السائل : والفريضة ؟
الجواب : والفريضة .
السائل : وهو متلبس يا شيخ بالإحرام يعني في عرفة أقصد .
الجواب : إذا مات في أثناء النسك لا يُقضى عنه لا نذر ولا فريضة .(246/29)
21 ـ بَاب الحَجِّ عَمَّنْ لا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلى الرَّاحِلةِ
1721 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الفَضْل بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمْ أَنَّ امْرَأَةً ح . حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ ابْنَ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ قَالتْ يَا رَسُول اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلى الرَّاحِلةِ فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَال نَعَمْ(1)
__________
(1) هذه المسألة أيضاً إذا كان الإنسان عاجزاً عن الحج نظرنا إن كان العجز يُرجى زواله ، يعني كإنسان أُصيب بزكام أو حمى أثناء وقت الحج فهذا يُرجى زواله ، فيقال لا يُحج عنه لأنه يمكن أن يؤدي الفريضة بنفسه ، أما إذا كان عجزه مستمراً كالكبر والمرض الذي لا يُرجى بُرؤه والهزال الشديد وما أشبه ذلك ، فهذا يُحج عنه ، لكن هل يُحج على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ إن كان عنده مال فإنه يحج عنه على سبيل الوجوب؛ لأن المرأة لما قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدركت أبي فريضة الله على عباده في الحج . أقرها على هذا ، مع أنه في بدنه لا يستطيع لكن عنده مال ، فهنا نقول : يجب أن يُقام من يحج عنه ، أما إذا لم يكن له مال فإنه لا يجب عليه الحج .
بالنسبة لحج النفل ، حج النفل عن الحي المستطيع وغير المستطيع على المشهور في المذهب عندنا الحنابلة أنه جائز ، وعن أحمد رواية أنه لا يجوز الحج عن الغير في النفل ، وقال إن الفريضة جازت للضرورة وأما النفل فلا ضرورة ، فمن أراد أن يحج فليحج ومن لا يريد فلا يقيم من يحج عنه لأن الحج عبادة والعبادة يُقصد أن يقوم الفاعل بها حتى تؤثر على قلبه وصلاحه . أي فائدة للإنسان إذا قال يا فلان حج عني تطوعاً وهو جالس في سهوه ولهوه يتمتع بكل ما يتمتع به ، أي فائدة ؟ وربما يكون يتمتع بأشياء محرمة اعتماداً على أن هذا حج عنه ، هذا ليس عبادة .
فالذي نرى أن حج النفل لا تصح الاستنابة فيه إلا لعاجز ، ويقال للإنسان إما أن تحج بنفسك وإلا فلا ، ثم نُرشده إلى ما هو أفضل ونقول بدلاً من هذا اعط الدراهم التي تريد أن تحج بها إلى شخص فقير ليحج بها الفرض وتكون هنا قد أعنته على حج الفرض ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من جهز غاز فقد غزا ، فيُرجى كذلك أن من أعان شخصاً على غير الجهاد يُرجى له أن يكون له مثل أجره .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليك ، من مات ولم يحج الفريضة لكنه أوصى أن يُبنى مسجد بماله وهذا غير واجب ، هل يُبنى مثلاً ما وصى به أم يُحج عنه ؟
الجواب : يُبدأ بالفريضة أولاً لأن الفريضة دين فإذا فرغ شيء بقيت الوصية من ثلث الباقي فأقل إلا إذا أذن الورثة . مثال ذلك : رجل خلَّف أربعمائة دينار ، مائة دينار يُحج بها عنه ، يبقى ثلاثمائة دينار ، ننظر هذا المسجد الذي أوصى به هل يستغرق أكثر من مائة دينار ؟ إن قالوا نعم قلنا لا تنفذوا الوصية إلا بمقدار مائة دينار ، ما أن يأذن الورثة وهم مكلفون بالغون مرشدون . وأما إذا كان الذي أوصى به يستوعب مائة دينار فأقل فيجب أن يقام به الوصية لأن الوصية من الثلث فأقل جائزة سواء أذن الورثة أم لم يأذنوا .
سؤال : إذا كان هو صحيح ويقدر على الحج ولم يحج ويوصي به ؟
الجواب : هذه المسألة المعروفة عند الفقهاء أنه يجب أن يحج عنه ، ولكن الصواب أنه لا يُحج عنه وأنه لو حُج عنه لم ينفعه ؛ لأن الرجل ترك فريضة من فرائض الإسلام وهو حي صحيح . قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن : وهكذا جميع العبادات الواجبة إذا تهاون الإنسان بها حتى مات لا تُقضى عنه . لكن ينبغي أن نستثني الزكاة ، لو أن الإنسان بخل بها حتى مات فهنا ينبغي أن نقول الزكاة لابد من إخراجها ، لماذا ؟ لأنها متعلقة بحق الغير ، لكن تُخرج ولا تُجزئ عن الميت ، يُعذب عليها يوم القيامة لأنه تركها متعمداً . والله أعلم .(246/30)
22 ـ بَاب حَجِّ المَرْأَةِ عَنِ الرَّجُل
1722 حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلمَةَ عَنْ مَالكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُليْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَجَعَل الفَضْلُ يَنْظُرُ إِليْهَا وَتَنْظُرُ إِليْهِ فَجَعَل النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْل إِلى الشِّقِّ الآخَرِ فَقَالتْ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلى الرَّاحِلةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَال نَعَمْ وَذَلكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ(1)
__________
(1) هذا فيه فوائد منها : أن صوت المرأة ليس بعورة ، وهذا قد دل عليه القرآن الكريم كما قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول } والنهي عن الخضوع بالقول يدل على جواز القول المُطلق ، وما زالت النساء تأتي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مجلسه والناس حوله وتسأل ، والممنوع أن تخضع بالقول وتأتي بقول ليِّن يثير الشهوة .
وفيه دليل على ما ترجم به البخاري رحمه الله من جواز حج المرأة عن الرجل ، وفيه دليل على أن من عجز ببدنه وقدر بماله فالحج فريضة عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقرها على قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي . ولكن يبقى هل هي تريد أن تسأل الحج عنه الآن يعني هذه السنة أو في المستقبل ؟ فيه احتمال ، أما إذا قلنا إن المراد في المستقبل أن تحج عنه فلا إشكال ، وأما إذا قيل المراد هذا العام فيبقى إشكال وهو هل هذه المرأة أدت الفريضة عن نفسها أو لا ؟ يغلب على الظن أن لا ؛ لأن الحج لم يجب إلا في السنة التاسعة ، فإذا قلنا هكذا قلنا كيف تحج عن أبيها ؟ ينبني على خلاف العلماء هل يجوز أن يؤدي الفريضة عن الغير من لم يأت الفريضة عن نفسه ؟ والخلاف في هذا معروف ، وإذا قلنا قد حجت وأن هذه الحجة لأبيها فكيف تسأل تقول أفأحج عنه وقد أحرمت بالحج عن أبيها ؟ فالجواب سهل أن نقول ( أفأحج عنه ) يعني أفأستمر في الحج عنه أو لا ؟ وعلى كل حال الإشكال لا يزال باقياً لأنه في حديث ابن عباس الذي قال الإمام أحمد إن رفعه خطأ ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع من يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة . فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسأل هذه المرأة . موقفنا من هذا الحديث نفسه أن نقول هذه مسألة وقعت على هذا فلا حاجة أن نستفهم ولا حاجة أن نقول حجت أو لم تحج لكننا ننظر إلى القواعد العامة في هذه المسألة وهي حج الإنسان عن الغير قبل أن يحج عن نفسه .
وفيه أيضاً دليل على الإرداف على الدابة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أردف الفضل ابن العباس في دفعه من مزدلفة إلى منى ، لكن اشترط العلماء أن لا يكون في ذلك مشقة على الدابة ، فإن كان فيه مشقة فإنه لا يجوز . وفيه دليل على تحريم نظر الرجل إلى المرأة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل ، ولكن هل هذا على عمومه أو في مثل هذه القضية ؟ الجواب : في مثل هذه القضية ، المرأة قد كشفت وجهها ، والفضل جعل ينظر إليها و( جعل ) من أفعال الدوام تدل على أنه تقصد النظر إليها ، فصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر وإلا فالصواب أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل ولا حرج والرجل لا ينظر إلى المرأة .
فإن قال قائل : في هذا إشكال وهو أن ظاهر الحديث أن وجهها مكشوف فيبقى فيه إشكال ، فالجواب أن نقول : هذه المرأة وقفت تسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكشف المرأة للرسول صلى الله عليه وسلم لا بأس به بدليل أنه يذهب إلى بيت أم هانئ ويبقى عندها وأنه قد يضع رأسه لتفليه المرأة ، فهذا خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام .
يبقى النظر ، فرضنا أنه خاص بالرسول المرأة محرمة وبين الناس ، نقول ما الذي أدرانا أنها قد كشفت وجهها قبل أن تقف تسال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلعلها كانت في الأول قد غطت وجهها ولما أرادت أن تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم كشفت وجهها من أجل أن يتبين كلامها ويكون مقابلتها للرسول صلى الله عليه وسلم أشد وعياً وأفهم . هذا الاحتمال وارد أو غير وارد ؟ وارد ، إذاً مادامت المرأة فيها شك هل هذه المرأة كاشفة وجهها لعموم الناس أو حين وقفت تسال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ والعلماء يقولون : إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .
ش19 ـ وجه ب :
ولا يجوز أن نستدل بهذا الحديث المشتبه ليبطل النصوص المحكمة الدالة على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب .
في الحديث هذا تغيير المنكر باليد ، من أين يؤخذ ؟ من صرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه الفضل إلى الجانب الآخر ، وفي هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أردف معه من صغار بني المطلب بل بني هاشم وهو الفضل كما أنه في الرجوع من عرفة أردف أسامة بن زيد مولى من الموالي ، فهو لا يتخير وجهاء الناس وشرفاء الناس حتى يردفهم ، بل تواضع صلى الله عليه وسلم فأردف في رجوعه من عرفة مولى من الموالي وفي رجوعه من مزدلفة من صغار بني هاشم .
سؤال : إذا قيل بأن المفسدة الموجودة في نظر الرجل للمرأة موجودة في نظر المرأة للرجل ؟
الجواب : فالجواب سهل ، ما دام النصوص دلت على هذا ما يمكن نتجرأ على النصوص ، هذا من جهة ، من جهة أخرى تعلق الرجل بالمرأة أكثر من تعلق المرأة بالرجل ، ولهذا الرجل هو الطالب ، وهو الذي يطلب النساء . أفهمت ؟ ما دام عندنا النصوص فرَّقت بينهما يكفي ، نعم لو فُرض أن المرأة تنظر إلى الرجل نظرة تمتع أو نظرة تلذذ شهوة فهنا نقول : لا .. امنع ، وإلا فلا إشكال أن المرأة يجوز أن تنظر إلى الرجل . المرأة تمشي في السوق والرجال كلهم قد كشفوا وجوههم ، وإذا قلنا بأنها لا تنظر لقلنا للرجل استر وجهك كما قلنا للمرأة تستر وجهها ، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت قيس : (( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده )) ومكن عائشة رضي الله عنها أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد حتى طابت نفسها .
سؤال : في الحديث في صحيح مسلم صاحب الخاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزعه بيده ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صرف وجه الفضل استدل بعض طلبة العلم على أن الداعي إلى الله لا بأس بعض الأحيان أن يكون غليظاً في دعوته إلى الله ، ومثلوا لذلك قالوا رجل مثلاً معروف أنه لا يبالي ولا يحترم كبار القوم فمثلاً يُشعل السيجارة أمامهم ، فقالوا لا بأس أحياناً أن ينهر أو أن يقطع أو يظهر غلظة ؟
الجواب : ما في شك أنه وجيه ، كل حالة لها مقال . الإنسان المعاند الذي نعرف أنه معاند ونحن لنا سلطة نعامله بالأشد ، والإنسان الذي لا يدري يعني لا نعلم أنه معاند نعامله بالأخف ، فالأعرابي بال في المسجد وزجره الناس ونهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام . والرجل تكلم في الصلاة جهراً وكرر الكلام ولم ينهره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
سؤال : المحظور في نظر الرجل إلىالمرأة كذلك يوجد في نظر المرأة للرجل ؛ لأن المرأة بعض الأحيان هي التي تتعدى على الرجل في هذه المسائل ؟
الجواب : صحيح ، امرأة العزيز ماذا فعلت بيوسف ؟ هذا نادر بالنسبة للنساء ، كما قلنا لكم ما دامت النصوص فرقت بينهما ما لنا كلام ولا يمكن أن نعارض النصوص بالقياس الفاسد .(246/31)
23 ـ بَاب حَجِّ الصِّبْيَانِ
1723 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا يَقُولُ بَعَثَنِي أَوْ قَدَّمَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ(1)
1724 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بْنُ عَبْدِاللهِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال أَقْبَلتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الحُلُمَ أَسِيرُ عَلى أَتَانٍ لي وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَائِمٌ يُصَلي بِمِنًى حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّل ثُمَّ نَزَلتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَقَال يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
__________
(1) قوله : ( بليل ) لم يحدد هذا الليل ، ولكن الظاهر أنه إذا مضى معظم الليل جاز الدفع سواء غاب القمر أو أم لم يغب ، وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها أمرت غلامها أن يرقب غروب القمر . هذا من باب الاحتياط ، وإلا ليس في السنة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إذا غرب القمر فادفعوا ، إنما دفع بليل . فالظاهر كما قال الفقهاء رحمهم الله أن المعتبر إذا مضى أكثر الليل سواء كان الثلثان أو ثلاثة أرباع أو ما أشبه ذلك . الشاهد من هذا الحديث قوله : ( قَدَّمَنِي النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِليْلٍ ) المراد بالثقل النساء وما أشبههم ،ولهذا قال لابن عمر : ( إنه قد أُذن للظعن ) جمع ظعينة وهي المرأة .(246/32)
1725 حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيل عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال حُجَّ بِي مَعَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ.
1726 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بْنُ مَالكٍ عَنِ الجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَال سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالعَزِيزِ يَقُولُ للسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَل النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ (1)
__________
(1) هذا مما يدل على حج الصبيان ، أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقد قال عن نفسه إنه في منى حين يسير على أتان إنه قد ناهز الاحتلام ، أي قاربه ، وأما حديث السائب فصريح أنه له سبع سنين ، وعلى هذا فيحج الصبيان . وإذا حجوا فهل تسقط الفريضة أو لا ؟ الجواب : لا تسقط الفريضة لأنهم حجوا قبل أن يكون واجباً عليهم فهو بمنزلة من صام قبل دخول رمضان لا يُجزئه عن رمضان . وإذا حجوا ماذا يفعلون ؟ يجب أن يفعلوا كل ما يقدرون عليه على المشهور من المذهب ، وما عجزوا عنه قام به وليهم كالرمي مثلاً ، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يلزمه إتمام النسك وأن للصبي أن يفسخ النسك . وقوله أقرب إلى الصواب لأن هذا لم يبلغ الحد الذي يُلزم فيه بالعبادات فهن غير مكلف . ثم إنه في عصرنا الحاضر الحاجة داعية لذلك ، كثيراً ما يُحرم الصبيان على أن الأمر سهل وأنهم سيتمون النسك ثم يعجزون من الزحام وشدة الحر في أيام الصيف أو البرد في أيام الشتاء ولا يتحملون ، فماذا نصنع بهؤلاء ؟ نقول : على القول الراجح ما فيه مشكل يتحللون ويلبسون ثيابهم .
سؤال : ما هو القول الراجح في الصبي الذي بلغ في وقت الصلاة وقد صلاها هل القول الراجح أن يعيدها باعتبار أنها واجبة عليه ؟
الجواب : القول الراجح أنها لا تلزمه الصلاة ، نقول صلى الظهر فقام بما أُمر به .
السائل : لماذا لا نقول كذلك في الحج ؟
الجواب : يعني أن تقول إذا حج وأتم الحج هل يلزمه حج آخر ؟ هذا سؤالك . الفرق بينهما أن الصلاة أداها في وقتها على أنها الظهر وعلى أنها الصلاة التي أُمر بها فبرأت ذمته ؛ لأنه لا يُلزم بأكثر من هذا ، أما الحج فلا الحج ليس كالصلوات الخمس كل صلاة لها وقت ، ثم إن فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من حج وهو صغير فعليه إذابلغ أن يحج حجة أخرى .
سؤال : أحسن الله إليك ، قلنا في حديث ابن عباس ، المرأة التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أبيها ، قلنا أنه يؤخذ منه أن من عجز ببدنه واستطاع بماله يجب الحج عليه ، ما وجه ذلك ؟
الجواب : لأنها قالت : ( إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي وهو شيخ كبير ) فأقرها على أن الرجل هذا قد فُرض عليه الحج ، واضح ، ولا يمكن أن يُفرض عليه بدون مال .
سؤال : ....................؟
الجواب : ربع مثقال .
سؤال : هل هذا التحديد شرعي ؟
الجواب : لا .. هذا من جنس الملبوسات ، إن خرج عن العادة وصار إسرافاً حرم وإن كان العادة فليس فيه شيء .
السائل : العامة عندنا يا شيخ أحسن الله إليك يلبسون الإصبع كله ، يعني الفص الداخلي يلبسون قرابة أربعة من الخواتم في هذا وفي الثاني ثلاثة ؟
الجواب : كل اليدين ؟
السائل : لا .. في إصبعين من أصابع اليد .
الجواب : الخنصر والبنصر . يملأون ؟
السائل : يملأون هذا أربع وهذا أربع أحياناً .
الجواب : لا .. لازم خمسة لأن هذا أطول !!
السائل : أحياناً تجد الواحد عنده إصبعين ملآنة ؟
الجواب : هذا لا يجوز .
السائل : نقول لهم حرام ؟
الجواب : إي نعم حرام لأن هذا إسراف فيُقلد في واحد ، أنت تبي تتجمل للناس ؟ المرأة هي التي تنلبس هذه الأشياء .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، لو نظرنا في لبس الخاتم للرجال فهناك حاجة ما هو للزينة ؛ لأن الموضع هذا يخص النساء ما يخص الرجال ؟
الجواب : هو الذي نرى أنه إذا احتاج الإنسان إليه فليلبسه كالرئيس والملك والوزير وما أشبه ذلك وإلا فالأفضل أن يتبع أهل بلده ، عندنا في عرفنا أنه لا يلبسه أهل المروءة إلا من يحتاجون إليه ، أما أهل المروءة على العادة فلا يلبسوه ، مشايخنا ما لبسوه إلا القضاة منهم فإنهم يلبسونه لأنهم يحتاجون لهذا . هذا جوابك(246/33)
24 ـ بَاب حَجِّ النِّسَاءِ
1727 وقَال لي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَذِنَ عُمَرُ رَضِي الله عَنْه لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ(1)
__________
(1) في هذا إشارة إلى ما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزوجاته ، قال : (( هذه )) يعني حجة الوداع (( ثم لزوم الحصر )) جمع حصير ، يعني بعد ذلك لا تحججن ، فلم يحججن في زمن أبي بكر لقوله : (( هذه ثم لزوم الحصر )) ولا في خلافة عمر ، لكن في آخر حياته رضي الله عنه كأنه خاف بمنعهن من الحج فأذن لهن فحججن جميعاً مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعثمان بن عفان .
بقي أن يُقال : هل هذا يدل على أن الأولى للمرأة أن لا تحج بعد الفريضة ؟ أقول : نعم لاسيما في عصرنا الحاضر حيث إن النساء يختلطن اختلاطاً مشيناً مع الرجال في الطواف والسعي والرمي ويلحقهن من المشقة ما يلحقهن ، حتى إن المرأة لتنفلت عليها عباءتها وتبقى بالثياب فقط ، وحتى إن بعض النساء إذا رأى هذا الزحام الشديد يُغمى عليهن قبل أن يدخلن الزحام ، والحمد لله المرأة إذا أدت فريضتها تكفي .
فإذا قال قائل : هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرماً فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين ليس بمحرمية ولكن باحترام ، أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم ؟ الأول محتمل ، والثاني محتمل ، فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول ؟ الاحتمال الأول أو بالثاني ؟ بالثاني ونقول : لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن .(246/34)
1728 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُالوَاحِدِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَال حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ قُلتُ يَا رَسُول اللهِ أَلا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَال لكِنَّ أَحْسَنَ(1) الجِهَادِ وَأَجْمَلهُ الحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَقَالتْ عَائِشَةُ فَلا أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(2)
__________
(1) لَكُنَّ ) لعلها ( لَكِنَّ ) على النصب يمكن ( لَكِنَّ ) .
القارئ : نجعلها ( لَكُنَّ ) أو ( لَكِنَّ ) ؟
الشيخ : الذي عندي ( لَكُنَّ ) . على كل حال إذا كانت ( لَكُنَّ ) تكون ( أحسنُ) بالرفع لأنها مبتدأ والخبر ( لَكُنَّ ) ، وإذا كانت ( لَكِنَّ ) تكون منصوبة اسم لكن .
(2) هذا لا يُشكل في الواقع ؛ لأنه قال هذا لعله قبل أن يبلغها (( هذه ثم لزوم الحصر )) . شوف كلام الحافظ .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 74
قوله : ( ألا نغزو أو نجاهد ) هذا شك من الراوي وهو مسدد شيخ البخاري وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ( ألا نغزو معكم ) أخرجه الإسماعيلي . وأغرب الكرماني فقال ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد فإن الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل النفس في القتال قال أو ذكر الثاني تأكيدا للأول .ا.هـ . وكأنه ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو وقد أخرجه النسائي من طريق جرير عن حبيب بلفظ ( ألا نخرج فنجاهد معك ) ولابن خزيمة من طريق زائدة عن حبيب مثله وزاد ( فإنا نجد الجهاد أفضل الأعمال ) وللإسماعيلى من طريق أبي بكر بن عياش عن حبيب ( لو جاهدنا معك قال لا جهاد لكن حج مبرور ) وقد تقدم في أوائل الحج من طريق خالد عن حبيب بلفظ ( نرى الجهاد أفضل العمل ) فظهر أن التغاير بين اللفظين من الرواة فيقوى أن أو للشك .
قوله : ( لكن أحسن الجهاد ) تقدم نقل الخلاف في توجيهه في أوائل الحج وهل هو بلفظ الاستثناء أو بلفظ خطاب النسوة . قوله : ( الحج حج مبرور ) في رواية جرير ( حج البيت حج مبرور ) وسيأتى في الجهاد من وجه آخر عن عائشة بنت طلحة بلفظ ( استأذنه نساؤه في الجهاد فقال يكفيكن الحج ) .
ولابن ماجه من طريق محمد بن فضيل عن حبيب : ( قلت يا رسول الله على النساء جهاد قال نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ) قال ابن بطال زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى: { وقرن في بيوتكن } يقتضى تحريم السفر عليهن، قال وهذا الحديث يرد عليهم لأنه قال: ( لكن أفضل الجهاد ) فدل على أن لهن الحج والحج أفضل منه.اهـ.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : ( لا ) في جواب قولهن ( ألا نخرج فنجاهد معك ) أي ليس ذلك واجبا عليكن كما وجب على الرجال ولم يُرد عليهن فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد وخُص به عموم قوله : ( هذه ثم ظهور الحصر) وقوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهى كما تقدم .
وقال البيهقي في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال لا المنع من الزيادة ، وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب واستدل بحديث عائشة هذا على جواز حج المرأة مع من تثق به ولو لم يكن زوجا ولا محرما كما سيأتي البحث فيه في الذي يليه الحديث الثالث .
قوله : ( لا تسافر المرأة ) كذا أطلق السفر وقيده في حديث أبي سعيد الآتى في الباب فقال : ( مسيرة يومين ) ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة وعنه روايات أخرى وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام وعنه روايات أخرى أيضا . وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات . وقال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفر فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يُعمل بمفهومه . وقال ابن المنير وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين وقال المنذري يحتمل أن يُقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها وأن يكون ثم جمعهما أشار إلى مدة الذهاب والرجوع وعند إفرادهما أشار إلى قدر ما تُقضى فيه الحاجة .
الشيخ : يعني ثلاثة أيام في الذهاب والرجوع .
متابعة التعليق : قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والاثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد . ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد . فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر خلافا للحنفية ، وحجتهم أن المنع المقيد بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن . ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه . ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد ، وقد خالفوا ذلك هنا والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث الباب فإنه لم يُختلف على ابن عباس فيه . وفرَّق سفيان الثوري بين المسافة البعيدة فمنعها دون القريبة . وتمسك أحمد بعموم الحديث فقال إذا لم تجد زوجا أو محرما لا يجب عليها الحج هذا هو المشهور عنه وعنه رواية أخرى كقول مالك وهو تخصيص الحديث بغير سفر الفريضة ، قالوا وهو مخصوص بالإجماع .
قال البغوي : لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت . وزاد غيره أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة ، قالوا وإذا كان عمومه مخصوصا بالاتفاق فليخص منه حجة الفريضة . وأجاب صاحب المغني بأنه سفر الضرورة فلا يُقاس عليه حالة الاختيار ، ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل ضرر متوهم ولا كذلك السفر للحج .
وقد روى الدارقطني وصححه أبو عوانة حديث الباب من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار بلفظ : ( لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ) فنص في نفس الحديث على منع الحج فكيف يخص من بقية الأسفار؟ والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات . وفي قول تكفى امرأة واحدة ثقة . وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المذهب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا. وهذا كله في الواجب من حج أو عمرة. وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها واستحسنه الروياني قال إلا أنه خلاف النص .
قلت : وهو يُعكر على نفى الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا واختلفوا هل المحرم وما ذُكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة . وعبارة أبي الطيب الطبري منهم الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل يجب بها على المرأة فإذا أرادت أن تؤديه فلا يجوز لهم إلا مع محرم أو زوج أو نسوة ثقات .
ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أُمن الطريق أول أحاديث الباب لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك . ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم لا من جهة توقف السفر على المحرم ، ولعل هذا هو النكتة في إيراد البخاري الحديثين أحدهما عقب الآخر ولم يختلفوا أن النساء كلهن في ذلك سواء إلا ما نُقل عن أبي الوليد الباجي أنه خصه بغير العجوز التي لا تُشتهي . وكأنه نقله من الخلاف المشهور في شهود المرأة صلاة الجماعة .
قال ابن دقيق العيد : الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى يعني مع مراعاة الأمر الأغلب وتعقبوه بأن لكل ساقطة لاقطة والمُتعقِب راعي الأمر النادر وهو الاحتياط . قال والمتعقب على الباجي يرى جواز سفر المرأة في الأمن وحدها فقد نظر أيضا إلى المعنى ، يعني فليس له أن ينكر على الباجي . وأشار بذلك إلى الوجه المتقدم والأصح خلافه ، وقد احتج له بحديث عدي بن حاتم مرفوعا : ( يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوج معها ... ) الحديث وهو في البخاري وتُعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه . وأُجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز .
الشيخ : الرسول أخبر عن شيء عن تمام الأمن فقط بغض النظر عن جوازه ، وقد أخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها ، هل نقول يجوز أن نتبع لأن الرسول أخبر به ؟ لا نقول هذا . بالنسبة لأمهات المؤمنين ما في دليل على أنهن ليس معهن محرم ، الحديث ما فيه ذكر المحرم أبداً ، والقاعدة عندنا أن نحمل المُطلق على المقيد .
متابعة التعليق : ومن المستظرف أن المشهور من مذهب من لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور وكان المناسب لهذا قول هذا وبالعكس .
طالب : بارك الله فيك ، مسألة حج نساء النبي عليه الصلاة والسلام بعده تكلم عليها ابن حجر في الشرح تكلم عليها قبل صفحتين يا شيخ .
الشيخ : يعني قبل هذا البحث ؟
الطالب : إي نعم ، في قوله : ( وعبد الرحمن ..... )
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 73 :
قوله : ( وعبد الرحمن ) زاد عبدان عبد الرحمن بن عوف وكان عثمان ينادي ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب ، وفي رواية لابن سعد فكان عثمان يسير أمامهن وعبد الرحمن خلفهن وفي رواية له وعلى هوادجهن الطيالسة الخضر . في إسناده الواقدي . وروى ابن سعد أيضا بإسناد صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حججن في هوادج عليها الطيالسة زمن المغيرة . أي بن شعبة ، والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها .
ولابن سعد أيضا من حديث أم معبد الخزاعية قالت : رأيت عثمان وعبد الرحمن في خلافة عمر حجا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلن بقُدَيْد فدخلت عليهن وهن ثمان . وله من حديث عائشة أنهن استأذن عثمان في الحج فقال أنا أحج بكن ، فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت وإلا سودة فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع : ( هذه ثم ظهور الحصر ) زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة : ( فكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن إلا سودة وزينب فقالا لا تُحَرِكنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وإسناد حديث أبي واقد صحيح . وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل ، وهو أقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل . والعذر عن عائشة أنها تأولت الحديث المذكور كما تأوله غيرها من صواحباتها ، على أن المراد بذلك أنه لا يجب تلك الحجة وتأيد ذلك عندها بقوله صلى الله عليه وسلم : (لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة ) . ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن على ذلك من ذكر من الصحابة ومن في آلاف نكير .
وقد روى ابن سعد من مرسل أبي جعفر الباقر قال : منع عمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة . ومن طريق أم درة عن عائشة قالت : منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام فأذن لنا . وهو موافق لحديث الباب وفيه زيادة على ما في مرسل أبي جعفر وهو محمول على ما ذكرناه . واستُدل به على جواز حج المرأة بغير محرم . وسيأتى البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث .
سؤال : رواية : ( وكان عثمان ينادي ألا لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن ) معروف أنه إذا كان معهن محرم سيدنو منهن وينظر لهن وقد يكون لحاجة أو كذا ، كذلك رواية : ( إذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلا يصعد إليهن أحد ) معلوم أن النساء قد تكون في حاجة إلى ماء أو كذا ؟
الجواب : عندهن عبد الرحمن بن عوف وعثمان .
السائل : إذا كان موجوداً المحرم يكون أولى من عبد الرحمن بأن يصعد وهو هكذا ؟
الجواب : هذا يظهر منه أنه لا محرم معهم لكن ما هو صريح .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، أمهات المؤمنين أليسوا محارم للمؤمنين ؟
الجواب : لا .. في الاحترام فقط .
سؤال : أحسن الله إليكم يا شيخ ، أم معبد الخزاعية تقول : ( فدخلت عليهن وهن ثمان ) بينما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسع ولم تحج زينب ولا سودة ، فيكون العدد سبع ؟
الجواب: قولها ( وهن ثمان ) يعني الحيات الباقيات، زينب ماتت قبل.
السائل: يعني ليس المراد اللواتي كن في الحج لأن الحديث تقول ..؟
الجواب : لعلها ظنت أن سودة حاجة ، على كل حال مسألة المحرم عندنا حديث محكم وواضح ولاسيما في وقتنا الحاضر فلا نرى جواز سفر المرأة بلا محرم لحديث عبد الله ابن عباس : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) وهو عام ، فأما أمهات المؤمنين فإما أن يُقال : إن المقصود من المحرم هو حماية المرأة وصيانتها وهذا حاصل لاسيما إذا كان عثمان ينادي لا يقربهن أحد ولا ينظر إليهن . فقد حصل المقصود . وإما أن يقال : ليس هناك دليل صريح على أنه لا محرم معهن ، فيمكن يكون معهن محرم ، وكونه لا يُذكر في أنه يأتي في رأس الشعب لأنه ليس كل محرم لواحدة يكون محرماً للجميع ، فبعد المحارم عنهن يكون أصوب .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، إذا قلنا المحرم ، عمر رضي الله عنه محرم لابنته وأخوان عائشة محرم لها؟
الجواب : ممكن .. والله أعلم .
سؤال : يا شيخ أحسن الله إليكم ، في الصبغة الناس يختلفون وبعض الناس يصبغ وعادته الصبغ لكن يريد أن يُنكر على من لا يصبغ ، وآخر يصبغ لكنه يميل إلى اللون البني ربما تقول إن هذا الصبغ بالأسود ...؟
الجواب : هو الممنوع الأسود الخالص وأما إذا خُلط الأسود بلون آخر فلا بأس ، يعني مثلاً الحنة أصفر والكتم أسود إذا خلطهما الإنسان وصبغ بذلك فلا بأس . أما الذين ينكرون على من لا يصبغون إنكاراً شديداً ففيه نظر لأنه قد يكون هناك عذر ، فالإمام أحمد رحمه الله قال في اتخاذ الشعر في الرأس قال : هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة . وإن كان القول الراجح في مسألة الشعر أنه تبع العادة . المهم أنه رحمه الله تعذر بالكلفة وأنه يحتاج إلى ترجيل وتسريح وتطييب وما أشبه ذلك . كثير من علمائنا ـ ولا أحتج بهم على السنة لأن السنة أولى أن تتبع ولا شك ـ لا يفعلون هذا ، لا يغيرون الشيب ، أدركنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وإخوانه عبد اللطيف ، وأدركنا الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ومشايخ آخرين ، كلهم لا يصبغون والظاهر لي ـ والله أعلم ـ أن علتهم هو ما علل به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنها تحتاج إلى عناية وكل يوم يتفقدها الإنسان ، لأن الشعر إذا صُبغ ما يبقى ثلاثة أيام أربعة أيام إلا وقد بان من أسفل الشعر يحتاج على أن يُصبغ مرة ثانية . ثم هل قول الرسول عليه الصلاة والسلام : (( غيروا بياض الشيب خالفوا اليهود فإنهم لا يصبغون )) هل المراد المخالفة أو المراد في عدم الاشتباه في ذلك الوقت، بمعنى أنه إذا وُجد يهود لا يصبغون قلنا للمسلمين اصبغوا أو إنها سنة مستقلة ؟ هذا أيضاً محل نظر إذا قلنا إنه سنة مستقلة فعلناه سواء كان عندنا يهود أو ما عندنا يهود وسواء يصبغون أو لا يصبغون .
ش20 ـ وجه أ :
ولذلك احتج بعض الناس على الذين لا يصبغون يقول : كيف تنكرون علينا حلق اللحية والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خالفوا المجوس اعفوا اللحى )) وهنا قال : (( خالفوا اليهود اصبغوا )) فيجعلون من لم يصبغ كالذي يحلق اللحية ، وهذا احتجاج باطل ؛ لأن الذي يحلق أزال ما أوجد الله فهو مغير لخلق الله عز وجل ، وأما الثاني فلم يزل شيئاً غاية ما هنالك أنه لم يفعل الأمر أو لم يمتثل للأمر في الصبغ فقط ، فجعل هذا مثل هذا ما هو إلا مجادلة فقط .
اليهود الآن ما أدري هم يتخذون اللحى أو لا ؟ يتخذون اللحى ، ويصبغون ؟ ما يصبغون .(246/35)
1729 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَليْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَال رَجُلٌ يَا رَسُول اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ فَقَال اخْرُجْ مَعَهَا(1)
__________
(1) هذا في الأول فيه تحريم سفر المرأة بلا محرم سواء للحج أو لغيره وسواء كان معها نساء أو لا وسواء كانت آمنة أو لا وسواء كانت شابة أو كبيرة وسواء كانت جميلة أو غير جميلة ، الحديث عام ، وكما سمعتم في الليلة الماضية لكل ساقطة لاقطة ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، الواجب الأخذ بالعموم لأن الأمر صعب جداً والفتنة حاصلة ، ولهذا قال الله عز وجل : { ولا تقربوا الزنا } يعني ابتعدوا عنه لا تحوموا حوله ، وهو أبلغ من قوله لا تزنوا .
في هذا الحديث دليل على وجوب اصطحاب المحرم للمرأة التي هو محرمها ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر الرجل أن يدع الغزو ويذهب مع امرأته . هذا واجب ابتداءً أو واجب إذا حصل سفر المرأة فنقول أدرك المرأة واذهب معها ؟ الظاهر الثاني وأنه لو كان ابتداءً بمعنى أن المرأة قالت لزوجها أو محرمها إني أُريد الحج وليس لي محرم إلا أنت وهو في البلد ، فهنا لا نقول إنه يجب عليه أن يسافر ؛ لأنه لو أوجبنا عليه ذلك لأثمناه به والأصل عدم التأثيم ، ولكن إذا وافق فهل نفقة الحج عليه أو على المرأة ؟ فالجواب : على المرأة إلا إذا تبرع ، إذا تبرع فيُشكر على هذا . فصار لو أن إنساناً سافرت محرمه ثم علم أنه لابد من المحرم فهنا يجب عليه أن يسافر أن يلحقها ليمنعها . هل نقول بالعموم في السفر سواء كان قصيراً أو طويلاً ؟ الجواب : نعم ما دام يُسمى سفراً فإنه لا يجوز إلا بمحرم ، فمن المحرم ؟ المحرم هو البالغ العاقل ولا يُشترط إسلامه ، فيكون الأب الكافر محرم لابنته المسلمة وذلك لأنه مؤتمن عليها ومأمون . الفاسق من باب أولى يكون محرماً .
طيب ، المسلم إذا كان يُخشى منه الفتنة يكون محرماً ؟ لا يكون ، ويُتصور هذا في محارم الرضاع ، محارم الرضاع مثلاً كعم من الرضاع أو أخ من الرضاع لأنه ليس بينه وبين المرأة مثلاً قرابة تهيبه من فعل الفاحشة ، وإذا كانت جميلة وهذا الرجل ضعيف الدين فالخطر واقع .
الحكمة من وجوب المحرم هو صيانة المرأة وحمايتها والذب عنها ، هذا هو الحكمة ، إذاً فمنعها من السفر بلا محرم من مصلحتها أو من التضييق عليها ؟ من مصلحتها بلا شك . وأما ما اشتهر عند العوام يقول إن السبب في وجوب المحرم أنها لو ماتت في الطريق فإنه ينزل في قبرها لحل عُقد الكفن . هكذا يعلل العوام عندنا ما أدري هل عندكم هكذا ؟ أجيبوا يا أهل اليمن . ما عندك علم ، طيب أهل مصر . ما يدرون . على كل حال هذا عندنا ، فهذا ليس بصواب لأنه لا يُشترط لمن ينزل في قبر المرأة ليرجعها ويحل رباط الكفن لا يُشترط أن يكون محرماً . ولهذا اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان بن عفان رضي الله عنه في جنازة زوجة عثمان رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( أيكم لم يقارف الليلة )) قال أبو طلحة : أنا يا رسول الله ، قال : (( انزل )) فنزل في قبرها ولحدها وهو ليس بمحرم لها .
سؤال : هل يشترط أن يكون بالغاً ؟
الجواب : يُشترط أن يكون بالغاً عاقلاً .
سؤال : يا شيخ بارك الله فيك بالنسبة للمسلمات إذا كان محرماً كافراً كيف فرضية الحج ؟
الجواب : في الحج ما يمكن لأن الكافر لا يمكن أن يدخل الحرم .
السائل : يعني يعتبر هذا عذر شرعي فتسقط عنها فرضية الحج ؟
الجواب : إي نعم، وهنا سؤال : هل وجوب المحرم شرط للوجوب أو شرط للأداء؟ الصحيح أنه شرط للوجوب وأن المرأة إذا لم تجد محرماً فهي كالمرأة التي لم تجد مالاً ولا فرق ، وقال بعض أهل العلم : إنه من شروط الأداء وأنه إذا لم تجد محرماً وجب عليها الحج فتنيب من يحج عنها.(246/36)
1730 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ المُعَلمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا قَال لمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَال لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ قَالتْ أَبُو فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلى أَحَدِهِمَا وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لنَا قَال فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي . رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ . وَقَال عُبَيْدُاللهِ عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ(1)
__________
(1) اقرأ شرح الحديث .
تعليق من فتح الباري : وقد تقدم الحديث مشروحاً في باب عمرة في رمضان .
الشيخ : لكن ما قرأ الشرح ؟
القارئ : ليس بهذا المجلد ، في المجلد الذي قبل هذا .
تعليق من شرح العيني :
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : ( ما منعك من الحج ) فإنه يدل على أن للنساء أن يحججن ، والترجمة في حج النساء ، والحديث قد مضى في أوائل باب العمرة ، في باب عمرة في رمضان ، فإنه أخرجه هناك عن مسدد عن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ... إلخ . وهنا أخرجه عن عبدان وهو لقب لعثمان بن جبلة بن أبي رواد المروزي عن يزيد بن زُريع مصغر الزرع أبي الحارث عن حبيب ضد العدو المُعلم بلفظ الفاعل من التعليم وهو ابن أبي قُريبة بضم القاف وفتح الفاء الموحدة .
الشيخ : شرح الحديث .
تعليق من فتح الباري ج: 3 ص: 603
قوله : ( لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ) القائل (نسيت اسمها) ابن جريج بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء وإنما قلت ذلك لأن المصنف أخرج الحديث في باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ، ولفظه : ( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج ... ) الحديث ويحتمل أن عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكراً له لما حدث به حبيبا . وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي . أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء ، أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد قال : عن عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة .
فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطأ فلعل حبيبا لم يحفظ اسمها كما ينبغي لكن رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن امرأة من الأنصار يقال لها أم سنان أنها أرادت الحج فذكر الحديث نحوه دون ذكر قصة زوجها . وقد اختلف في صحابيه على عطاء اختلافا آخر يأتي ذكره في باب حج النساء . وقد وقع شبيه بهذه القصة لأم معقل أخرجه النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة . وقد اُختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال : جاءت امرأة فذكره مرسلا وأبهمها ورواه النسائي أيضا من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل . ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل والذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين فعند أبي داود من طريق عيسى بن معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل قالت : ( لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض فهلك أبو معقل فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته جئت فقال ما منعك أن فذكرت ذلك له قال فهلا حججت عليه فإن الحج في سبيل الله فأما إذا فاتك فاعتمري في رمضان فإنها كحجة ) ووقعت لأم طُليق قصة مثل هذه أخرجها أبو علي بن السكن وابن منده في الصحابة والدولابي في الكُنى من طريق طلق بن حبيب أن أبا طليق حدثه أن امرأته قالت له وله جمل وناقة أعطني جملك أحج عليه قال جملي حبيس في سبيل الله قالت إنه في سبيل الله أن أحج عليه فذكر الحديث وفيه : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق ) وفيه : ( ما يعدل الحج قال عمرة في رمضان ) .
وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق لها كنيتان ، وفيه نظر لأن أبا معقل مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين فدل على تغاير المرأتين ، ويدل عليه تغاير السياقين أيضا ، ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث بن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم لما في القصة التي في حديث ابن عباس من التغاير للقصة التي في حديث غيره ، ولقوله في حديث ابن عباس إنها أنصارية وأما أم معقل فإنها أسدية ووقعت لأم الهيثم أيضا ، والله أعلم .
قوله : ( أن تحجي ) في رواية كريمة والأصيلي ( أن تحجين ) بزيادة النون وهي لغة ، قوله : ( ناضح ) بضاد معجمة ثم مهملة أي بعير قال ابن بطال الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه ، لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملا ، وفي رواية حبيب المذكورة ( وكان لنا ناضحان ) وهي أبين ، وفي رواية مسلم من طريق حبيب ( كانا لأبي فلان ) زوجها ، قوله : ( وابنه ) إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانا ، وإن كانت هي أم سليم فلم يكن لها يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس ، وعلى هذا فنسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازا . قوله : ( ننضح عليه ) بكسر الضاد ، قوله : ( فإذا كان رمضان ) بالرفع وكان تامة ، وفي رواية الكشميهني : ( فإذا كان في رمضان ) .
قوله : ( فإن عمرة في رمضان حجة ) وفي رواية مسلم : ( فإن عمرة فيه تعدل حجة ) ولعل هذا هو السبب في قول المصنف : ( أو نحوا مما قال ) قال ابن خزيمة في هذا الحديث : أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها ؛ لأن العمرة لا يُقضى فيها فرض الحج ولا النذر . وقال ابن بطال : فيه دليل على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعا لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة. وتعقبه ابن المنير بأن الحجة المذكورة هي حجة الوداع قال : وكانت أول حجة أقيمت في الإسلام فرضا لأن حج أبي بكر كان إنذارا ،قال فعلى هذا يستحيل أن تكون تلك المرأة كانت قامت بوظيفة الحج .
قلت : وما قاله غير مُسلم إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر وسقط عنها الفرض بذلك ، لكنه بني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور وعلى ما قاله ابن خزيمة فلا يحتاج إلى شيء مما بحثه ابن بطال فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض .
ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها ، وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد . وقال غيره يحتمل أن يكون المراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة ، وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة . وقال ابن التين : قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان ويحتمل أن يكون مخصوصا بهذه المرأة .
قلت : الثالث قال به بعض المتقدمين ، ففي رواية أحمد بن منيع المذكورة قال سعيد بن جبير : ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها . ووقع عند أبي داود من حديث يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل في آخر حديثها قال : فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لي فما أدري ألِي خاصة تعني أو للناس عامة .اهـ. والظاهر حمله على العموم كما تقدم والسبب في التوقف استشكال ظاهره وقد صح جوابه والله أعلم .
الشيخ : الخلاصة أن كونها تعدل حجة لا يعني أنها تجزئ عنها فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وإن قرأها الإنسان ثلاثين مرة في الصلاة لم تجزئ عن الفاتحة ، وقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . عشر مرات يعدل عتق أربعة أنفس من بني إسماعيل ، ولو قال هذا الذكر لإعتاق أربعة رقاب لم يُجزئ بالإجماع . فلا يلزم من المعادلة في الثواب المعادلة في الإجزاء .
أما مسألة الخصوصية الظاهر كما قال ابن حجر العموم ، الظاهر العموم ، يبقى النظر في كلمة معي ، هل هي محفوظة أو شاذة ؟ فإن كان محفوظة فهنا يتوجه القول بأن كونها حجة مع الرسول بالنسبة لهذه المرأة التي تخلفت عن حجها مع الرسول ، وأما أصل الصواب فالظاهر العموم . والله الموفق .(246/37)
1731 حَدَّثَنَا سُليْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِالمَلكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ مَوْلى زِيَادٍ قَال سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِي الله عَنْه وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَال أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَوْ قَال يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي أَنْ لا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ ليْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الأَقْصَى(1)
__________
(1) سبق لنا ذكر حج النساء وما جرى لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهن في حجةالوداع : ((هذه ثم ظهور الحصر )) جمع حصير ، والحديث هذا صحيح وجيد ، وذكر لي بعض الأخوة البارحة أن الشيخ عبد العزيز رحمه الله ضعفه ، من الذي قال هذا ؟ خالد الصايغ أين وجدت هذا ؟
الطالب : موجود يا شيخ في تعليقه على الموطأ .
الشيخ : ماذا قال ؟
الطالب : قال الحديث غير صحيح .
الشيخ : غريب .. لأن العلماء السابقين صححوه .
الطالب : تريد أن آت به ؟
الشيخ : كلامه يعني ؟ لا ... إن شاء الله أنت ثقة ، وهذا خبر ديني يُكتفى فيه بخبر الواحد . لكن على كل حال هذا شيء معروف ومشهور .
القارئ : الحافظ بن حجر يقول : وروى أبو داود وأحمد من طريق ابي واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه ، ثم قال : وإسناد حديث أبي واقد صحيح .
الشيخ : ورأيت العلماء السابقين صححوه .
الطالب : هو يا شيخ قُرئ عليه بحث كامل ثم ذكر رأيه .
الشيخ : بحث من الطلبة ؟
الطالب : نعم من الطلبة .
الشيخ : على كل حال المسألة الآن فيها خلاف وإذا قال أحد عن شيء إنه صحيح أو ضعيف فلا بد من دليل .
الحديث الذي معنا الآن يقول : ( أَنْ لا تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ ليْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ ) سبق الكلام على هذا وبيَّنا أن الأحاديث المقيِّدة اختلف التقييد فيها ، قال العلماء : وهذا يدل على أن القيد غير مراد وإنما هي حسب أسئلة السائل .
الثاني يقول : ( وَلا صَوْمَ يَوْمَيْنِ الفِطْرِ وَالأَضْحَى ) يعني عيد الفطر وعيد الأضحى صومه محرم بالإجماع حتى ولو كان عن نذر ، لو نذر أن يصوم يوم الاثنين فصادف يوم النحر فإنه لا يصومه ، ولو كان متمتعاً ولم يجد الهدي وصام ثلاثة أيام في الحج يوم النحر فإنه لا يجوز ، وكذلك يقال في صوم عيد الفطر . فإذا قال قائل : ما الحكمة في هذا ؟ قلنا : الحكمة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك وكفى بها حكمة . وذكر بعض العلماء أن الناس في هذين اليومين ضيوف الله عز وجل وأنه لا ينبغي أن يدعوا هذه الضيافة فيمسكوا عن الأكل والشرب . فإن كان هذا حقاً فهو حق وإلا فالواجب أن يقال إن هذا مما يُقتصر فيه على النص .
( وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) بعد العصر إلى أن تغرب الشمس ما في صلاة ، والمراد صلاة العصر لا وقتها ، وهذا يختلف إذا وجدنا رجلين أحدهما صلى العصر والثاني لم يصلي ، نقول الأول لا يتطوع والثاني يتطوع لأن الحكم مقيد بالصلاة . كذلك بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وقد جاء في السنة بأن هذا يمتد إلى أن تطلع قيد رمح ، وهذا أيضاً المعتبر في صلاة الفجر ، فلو فُرض أن شخصاً تطوع بعد أذان الفجر وقبل الصلاة فلا بأس لكن الأفضل أن لا يتطوع بشيء إلا سنة الفجر ويخففها أيضاً كما جاء هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا الإطلاق مقيد بما إذا لم يكن لصلاة النفل سبب ، فإن كان لها سبب صُليت لوجود سببها ، مثل تحية المسجد ، سنة الوضوء ، الكسوف على رأي جمهور العلماء على أنه ليس بواجب ، فكل صلاة لها سبب من النوافل فلا نهي عنها ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله وإحدى الروايتين عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي ، وهو الصواب .
بعد ذلك : ( وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ) لا تُشد الرحال أي لا يُسافر وكنى بذلك عن السفر سواء شدت الرحال أو ذهبت في سيارة أو في طيارة ، لا تُشد الرحال إلى أي مسجد إلا المساجد الثلاثة فقط ، فلا تُشد الرحال إلى مسجد قباء مثلاً لأنه ليس من المساجد الثلاثة ، ولا تُشد الرحال إلى أي مسجد في مكة سوى المسجد الحرام ، ولذلك تميز بكون الصلاة فيه بمائة ألف صلاة لأنه تُشد غليه الرحال .
إذا قال قائل : لو شددت الرحل إلى مسجد لطلب العلم فيه لأن فيه درس علم أو لأن خطيبه مؤثر في خطبته فهل يدخل في هذا النهي أو لا يدخل ؟ الجواب : لا .. لأنك لم تشد الرحل إلى المسجد إنما شددته إلى ما يُلقى في المسجد ، ولذلك لو فُرض أنه عُدل الخطيب المؤثر أو درس العلم لم تشد الرحل إليه . هل يؤخذ من هذا تحريم شد الرحل لزيارة القبور ؟ أخذ شيخ الإسلام رحمه الله من ذلك أنه يحرم شد الرحل لزيارة القبور وقال : إن شد الرحل إلى زيارة القبور قد شده على مكان متقرباً على الله عز وجل ، قد شده إلى مكان يتقرب إلى الله تعالى بهذا السفر ، وهذا بدعة فيدخل في النهي ، وما قاله هو الصواب . ولهذا نقول : إذا أردت أن تسافر إلى المدينة فانو بالسفر شد الرحل إلى المسجد ثم بعد ذلك تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه وما تُسن زيارته .
سؤال : أحسن الله إليك ، عندنا كبار رؤوس المبتدعة يبطلون الاستدلال بهذا الحديث على منع الزيارة للقبور ويقولون إن ليس فيه ذكر القبر أبداً إنما هو فيه من شد الرحل إلى مسجد غير هذه المساجد ، وأما القبور فيستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه ليزور قبر أمه فأذن له ، ومثل هذا لا يرد عليه هذا الحديث ، يعني يشوشون على الناس ويخفون كلام الحق ، فمثل هذه الشبه كيف تُدفع ؟
الجواب : تُدفع بأن كل شيء يحصل به التقرب إلى الله في مكان معين فهو داخل ، ولو نظرنا إلى ظاهر اللفظ ( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) لقلنا إن النهي عن شد الرحال إلى المساجد غير الثلاثة ، لكننا إذا أخذنا بالقياس والمعنى صار لا فرق بين أن تشد إلى مسجد من المساجد أو إلى بقعة ترى إنها مباركة أو ما أشبه ذلك . ما هو صحيح استنادهم ، وهل الرسول صلى الله عليه وسلم شد الرحل إلى أمه ، قد يكون شد الرحل أو استأذنه في الطريق إلى مكة ، ما ندري .
سؤال : إذا صلى الإنسان صلاة العصر مثلاً ثم قال له آخر صلي معي حتى نحصل على فضل الجماعة ، فهل هذا ذات سبب ؟
الجواب : إي نعم ، يعني لو صلى العصر ثم دخل آخر وقام يصلي معه يتصدق عليه فهذا جائز له سبب .
سؤال : عفا الله عنك يا شيخ ، مما يستدل يا شيخ بزيارة القبور على نهي الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذا قلنا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن زيارة المساجد وهي يُقصد بها عبادة الله وحده ، ولكن هي ليست سبب من الأسباب يؤدي إلى الشرك بالله ، ولا سيلة من الوسائل بمعنى الشرك ، والقبور هي المعروفة بقصد التبرك مع العامة ، كيف نقيس هذا على ذاك ؟
ش20 ـ وجه ب :
الجواب : إي نعم ، هذا أيضاً وجه ، نقول إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شد الرحال إلى المساجد مع أنها أماكن العبادة ولا يُخشى فيها شرك فشدها للقبور من باب أولى ؛ لأن شد الرحل إلى القبور سوف ينتج عنه تعظيم هذه القبور وأنها جديرة بشد الرحل إليها . ثم قد يكون في هذه المقبرة شخص معين يُشد الرحل إليه وهذا في النهاية يؤدي إلى عبادته والشرك به .
سؤال : أحسن الله إليكم ، بالنسبة لركعتي الفجر هل الأولى أن يصليهما الإنسان غير الإمام في بيته أو في المسجد ؟
الجواب : في بيته ، الأولى أن يصلي في بيته كل النوافل الراتبة في بيته إلا ما شُرعت له الجماعة ففي المسجد كقيام الليل في رمضان .(246/38)
25 ـ بَاب مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إِلى الكَعْبَةِ
1732 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل قَال حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَال مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَال إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ(1)
__________
(1) نذر المشي إلى الكعبة ليس من نذور الطاعة أما نذر السفر إلى الكعبة فهو من الطاعة لأن الكعبة تُشد الرحال إليها ، أما المشي فلا ، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيخ بين ابنيه وسأل عنه قال : ((إن الله تعالى غني عن تعذيب هذا نفسه )) وصدق . فهل يمكن أن نقول : إن كلمة عن تعذيب هذا نفسه تدل على أنه لو كان الإنسان نشيطاً قوياً لا يتعذب يجب عليه أن يوفي بالنذر أو لا ؟ الظاهر أنه لا فرق لأن هذا لابد أن يتعب لابد أن يتعذب لاسيما مع طول المسافة . شوف الكلام عليه في الشرح ، الترجمة أولاً .
تعليق من فتح الباري ج: 4 ص: 79 :
قوله : ( باب من نذر المشي إلى الكعبة ) أي وغيرها من الأماكن المعظمة هل يجب عليه الوفاء بذلك أو لا ؟ وإذا وجب فتركه قادرا أو عاجزا ماذا يلزمه ؟ وفي كل ذلك اختلاف بين أهل العلم سيأتي إيضاحه في كتاب النذر .
الشيخ : خلاص ؟
القارئ : الروايات ، الشيخ هذا من هو ؟
الشيخ : هذا ما يهم، القسطلاني ترى يتكلم عن الحديث وإحالاته قليلة.
تعليق من القسطلاني :
قوله : ( عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً ) قيل هو إسرائيل ، نقله مغلطاي عن الخطيب لكن قال في فتح الباري إنه ليس في كتاب الخطيب ، وقيل اسمه قيس ، وقيل قيصر . (يُهادى ) بضم التحتية وفتح الدال المهملة مبني للمجهول ، ( بين ابنيه ) لم يسميا ، أي يمشي بينهما معتمداً عليهما . ( قال عليه الصلاة والسلام ما بال هذا ) أي يمشي هكذا ، ( قالوا ) وفي مسلم من حديث أبي هريرة : ( قال ابناه يا رسول الله نذر أن يمشي ) أي نذر المشي إلى الكعبة ( قال عليه الصلاة والسلام إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسه لغني ، أمر ) ولأبي ذر عند الكشمهيني ( وأمر أن يركب ) أن مصدرية أي أمره بالركوب ، بينما لم يأمره بالوفاء بالنذر إما لأن الحج راكباً أفضل من الحج ماشياً فنذر المشي يقتضي التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء .
الشيخ : هذا التعليل غلط ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علل بأن ذلك تعذيب للنفس .
متابعة التعليق : أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره وهذا هو الأظهر . قاله في الفتح .
الشيخ : على كل حال في مثل هذا إذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يوفي بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه )) لكن إذا عجز عن الوفاء سقط عنه الوجوب لعموم قول الله تبارك وتعالى : { لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } فإذا سقط الوجوب فهل يلزمه كفارة يمين أو لا ؟ الصحيح أنه يلزمه كفارة يمين لأنه لم يوف بالنذر. ثم يقال : هل نذر الطاعات أمر مطلوب أو غير مطلوب ؟ فالجواب : لا هو غير مطلوب ، دل على ذلك الكتاب والسنة . فمن الكتاب قول الله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن } قال الله تعالى : { قل لا تقسموا طاعة معروفة } وأما السنة فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النذر وقال : (( إنه لا يأتي بخير )) شوف نفى أن يكون فيه الخير ، وقال : (( إنه لا يرد قضاءً )) فما أراد الله أن يكون لا ينفع فيه النذر وما أراد الله أن يمتنع لا ينفع فيه النذر . إذاً ما الفائدة ؟ لا فائدة إلا أن يلزم نفسه بشيء هو عافية منه . ولهذا مال كثير من العلماء رحمهم اله إلى أن النذر محرم . وليس هذا ببعيد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه وقال : (( إنه لا يأتي بخير )) .
وانظر إلى هؤلاء القوم الذين ينذرون ثم إذا حصل ما نذروا عليه قاموا يترددون على العلماء يريدون أن يفكوا أنفسهم من هذا النذر أو قاموا به على وجهٍ شر يتكرهونه . والمسألة خطيرة قال الله تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتاني من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاه من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه } احذر النذر وحَذِّر منه كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . ثم إن النذر عند العلماء على أقسام وليس هذا موضع بسطها ، لكن أهم شيء أن من نذر طاعة وجب عليه الوفاء ومن نذر معصية لم يجب عليه الوفاء بل حرم عليه الوفاء ، ومن نذر مباحاً فهو يمين إن شاء فعله وإن شاء تركه وكفَّر كفارة يمين .
القارئ : العيني تكلم يقول : واحتج أهل الظاهر بهذا الحديث وبالأحاديث الأخرى الآتية فيه فقالوا : من عجز عن المشي فلا هدي عليه ولا يثبت في ذمته شيء إلا بيقين وليس المشي مما يوجب نذراً ، ولأن فيه تعب الأبدان وليس الماشي في حال مشيه في حرمة إحرامه فلم يجب عليه المشي ولا بدل منه . وسائر الفقهاء لهم في هذه المسألة أقوال :
القول الأول : روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم : من نذر المشي إلى بيت الله تعالى فعجز عنه أنه يمشي ما استطاع ، فإذا عجز ركب وأهدى شاة . وهو قول عطاء والحسن وبه قال أبو حنيفة والشافعية . وقال أبو حنيفة : وكذا إن ركب وهو غير عاجز ويكفر عن يمينه لحنثه . حكاه الطحاوي . وقال الشافعي : الهدي في هذه احتياط من قِبل أنه من لم يُطق شيئاً سقط عنه ، وحجتهم قوله : (( فلتركب ولتهدي )) .
والقول الثاني : يعود ثم يحج مرة أخرى ثم يمشي ما ركب ولا هدي عليه ، وهو قول ابن عمر . ذكره مالك في الموطأ .
الشيخ : هذا عجيب ، يعني يحج مرة ثانية ويشوف المواضع التي كان ركب فيها في العام الماضي يمشي ! سبحان الله ، قول غريب .
متابعة التعليق: ورُوي عن ابن عباس وابن الزبير والنخعي وابن جبير
والقول الثالث : يعود فيمشي ما ركب وعليه الهدي ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً ، ورُي عن النخعي وابن المسيب ، وهو قول مالك جمع عليه الأمرين المشي والهدي احتياطاً .
الشيخ : الصواب أنه إذا عجز سقط عنه الوجوب لكن يُكفر كفارة يمين ، أما سقوط الوجوب فلقوله تعالى : { لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها } وأما كفارة اليمين فلأن النذر عبادة يجب أن يوفى به وتعذر الوفاء به شرعاً أو حساً كفَّر كفارة يمين .
سؤال : ما معنى الهدي الذي ذكر ؟
الجواب : الهدي هدي المحصر ، يعني ما استيسر .(246/39)