الإبداع
طريقك نحو قيادة المستقبل
قبل أن نبدأ
أنوه إلى أن مادة هذا الملف تم تجميعها وترتيبها من المراجع المكتوبة أعلاه، واجتهدت أن أختصر بقدر الإمكان في هذه المادة وكتابة الخلاصة المفيدة ورتبت الملف بحيث يعرف الفرد كيف الإبداع ومعوقاته والطرق التي تجعلك أكثر إبداعاً، وأساليب توليد الأفكار وأخيراً بعض التطبيقات.
ما هو الإبداع؟ وماذا نقصد بالإبداع؟
في الحقيقة هناك تعاريف كثيرة للإبداع، لذلك سنذكر بعض التعاريف، من أيسر هذه التعاريف التعريف التالي "العملية التي تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة، تكون مفيدة ومقبولة اجتماعياً عند التنفيذ" وهناك تعريف شامل للدكتور على الحمادي، أورده ضمن كتابه الأول من سلسلة الإبداع وهو التعريف التالي "هو مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة، أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله" وأعتقد بأن هذا هو التعريف الشامل.
إذاً الإبداع هو إنتاج أفكار جديدة خارجة عن المألوف، على شرط أن تكون أفكار مفيدة، وقد يكون الإبداع في مجال يجلب الدمار والضرر وهذا لا يسمى إبداع بل تخريب، فلو قلنا أن موظف ابتكر طريقة جديدة لتخفيض التكاليف أو لتعزيز الإنتاج أو لمنتج جديد، فتعتبر هذه الفكرة من الإبداع.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب "شرارة الإبداع" د. علي الحمادي حيث ستجد تعريف شامل للإبداع والمفاهيم المتصلة به. وهذا الملف هو تعريف مختصر جداً للإبداع ولا أود الإطالة.
من هو المبدع؟
يظن بعض الناس أن الإنسان المبدع ولد هكذا مبدعاً، وهو مفهوم غير صحيح، وللاختصار أقول كل شخص يستطيع أن يبدع ويبتكر إلا من يأبى!(1/1)
كان أحد رجال الأعمال يقف في طابور طويل في إحدى المطارات، لاحظ الرجل أن أغلفة تذاكر السفر بيضاء خالية، ففكر في طباعة إعلانات على هذه المغلفات وتوزيع هذه الأغلفة مجاناً على شركات الطيران، وافقت شركات الطيران على هذا العرض، وتعاون رجل الأعمال مع مدير إحدى المطابع وتم هذا المشروع، والنتيجة أرباح بملايين الدولارات! الفكرة إبداعية وصغيرة، لكنها جديدة ولم يفكر فيها أحد من قبل، وصار لهذا الرجل زبائن من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة.
الإبداع الفردي
نستعرض في هذا القسم خصائص الشخص المبدع، معوقات الإبداع لدى الأفراد، طرق وأساليب لتصبح أكثر إبداعاً، طرق توليد الأفكار، ثم بعض الأمثلة والمجالات التي يستطيع الفرد أن يبدع فيها.
صفات المبدعين
هذه بعض صفات المبدعين، التي يمكن أن تتعود عليها وتغرسها في نفسك، وحاول أن تعود الآخرين عليها أيضاً.
· ... يبحثون عن الطرق والحلول البديلة ولا يكتفون بحل أو طريقة واحدة.
· ... لديهم تصميم وإرادة قوية.
· ... لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها.
· ... يتجاهلون تعليقات الآخرين السلبية.
· ... لا يخشون الفشل ( أديسون جرب 1800 تجربة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي ).
· ... لا يحبون الروتين.
· ... يبادرون.
· ... إيجابيون ومتفاؤلون.
وإذا لم تتوافر فيك هذه الصفات لا تظن بأنك غير مبدع، بل يمكنك أن تكتسب هذه الصفات وتصبح عادات متأصلة لديك.
معوقات الإبداع
معوقات الإبداع كثيرة، منها ما يكون من الإنسان نفسه ومنها وما يكون من قبل الآخرين، عليك أن تعي هذه المعوقات وتتجنبها بقدر الإمكان، لأنها تقتل الإبداع وتفتك به.
· ... الشعور بالنقص ويتمثل ذلك في أقوال بعض الناس: أنا ضعيف، أنا غير مبدع ... إلخ.
· ... عدم الثقة بالنفس.
· ... عدم التعلم والاستمرار في زيادة المحصول العلمي.
· ... الخوف من تعليقات الآخرين السلبية.
· ... الخوف على الرزق.(1/2)
· ... الخوف والخجل من الرؤساء.
· ... الخوف من الفشل.
· ... الرضى بالواقع.
· ... الجمود على الخطط والقوانين والإجراءات.
· ... التشاؤم.
· ... الاعتماد على الآخرين والتبعية لهم.
طرق وأساليب لتصبح أكثر إبداعاً
· ... مارس رياضة المشي في الصباح الباكر وتأمل الطبيعة من حولك.
· ... خصص خمس دقائق للتخيل صباح ومساء كل يوم.
· ... ناقش شخصاً آخر حول فكرة تستحسنها قبل أن تجربها.
· ... تخيل نفسك رئيس لمجلس إدارة لمدة يوم واحد.
· ... استخدم الرسومات والأشكال التوضيحية بدل الكتابة في عرض المعلومات.
· ... قبل أن تقرر أي شيء، قم بإعداد الخيارات المتاحة.
· ... جرب واختبر الأشياء وشجع على التجربة.
· ... تبادل عملك مع زميل آخر ليوم واحد فقط.
· ... ارسم صوراً وأشكالاً فكاهية أثناء التفكير.
· ... فكر بحل مكلف لمشكلة ما ثم حاول تحديد إيجابيات ذلك الحل.
· ... قدم أفكاراً واطراح حلولاً بعيدة المنال.
· ... تعلم رياضة جديدة حتى إن لم تمارسها.
· ... اشترك في مجلة في غير تخصصك ولم يسبق لك قراءتها.
· ... غير طريقك من وإلى العمل.
· ... قم بعمل السكرتير بنفسك، وأعطه إجازة إجبارية!
· ... قم بترتيب غرفتك، وغسل ملابسك وكيها لوحدك.
· ... غير من ترتيب الأثاث في مكتبك أو غرفتك.
· ... احلم وتصور النجاح دائماً.
· ... قم بخطوات صغيرة في كل عمل، ولا تكتفي بالكلام والأماني.
· ... أكثر من السؤال.
· ... قل لا أعرف.
· ... إذا كنت لا تعمل شيء، ففكر بعمل شيء إبداعي تملء به وقت فراغك.
· ... ألعب لعبة ماذا لو ..؟
· ... انتبه إلى الأفكار الصغيرة.
· ... غير ما تعودت عليه.
· ... احرص أن يكون في أي عمل تعمله شيء من الإبداع.
· ... تعلم والعب ألعاب الذكاء والتفكير.
· ... اقرأ قصص ومواقف عن الإبداع والمبدعين.
· ... خصص دفتر لكتابة الأفكار ودون فيه الأفكار الإبداعية مهما كانت هذه الأفكار صغيرة.
· ... افترض أن كل شيء ممكن.(1/3)
طرق توليد الأفكار
وصلنا إلى التطبيق العملي، كيف نولد ونبتكر افكار وحلول جديدة، إليك هذه الطرق:
· ... حدد هدفاً واضحاً لإبداعك وتفكيرك.
· ... التفكير بالمقلوب، أي إقلب ما تراه في حياتك حتى تأتي بفكرة جديدة، مثال: الطلاب يذهبون إلى المدرسة، عندما تعكسه تقول: المدرسة تأتي إلى الطلاب، وهذا ما حدث من خلال الدراسة بالإنترنت والمراسلة وغيرها.
· ... الدمج، أي دمج عنصرين أو أكثر للحصول على إبداع جديد، مثال: سيارة + قارب = مركبة برمائية، وتم تطبيق هذه الفكرة!
· ... الحذف، احذف جزء أو خطوة واحدة من جهاز أو نظام إداري، فقد يكون هذا الجزء لا فائدة له.
· ... الإبداع بالأحلام، تخيل أنك أصبحت مديراً لوزارة التعليم مثلاً، مالذي ستفعله؟ أو تخيل أننا نعيش تحت الماء، كيف ستكون حياتنا؟
· ... المثيرات العشوائية، قم بزيارة محل للعب الأطفال، أو سافر لبلاد لم تزرها من قبل، أو امشي في مكان لم تراه من قبل، ولا تنسى أن تحمل معك دفتر ملاحظات وقلم لكي تسجل أي فكرة أو خاطرة تخطر على ذهنك.
· ... الإبداع بالتنقل، أي تحويل ونقل فكرة تبدو غير صحيحة أو معقولة إلى فكر جديدة ومعقولة.
· ... زاوية نظر أخرى، انظر إلى المشكلة أو الإبداع أو المسألة من طرف ثاني أو ثالث، ولا تحصر رؤيتك بمجال نظرك فقط.
· ... ماذا لو؟، قل لنفسك: ماذا لو حدث كذا وكذا .. ستكون النتيجة .....
· ... كيف يمكن؟ استخدم هذا السؤال لإيجاد العديد من البدائل والإجابات.
· ... استخدامات أخرى، هل تستطيع أن توجد 20 استخدام آخر للقلم غير الكتابة والرسم؟ جرب هذه الطريقة وبالتأكيد ستحصل على أفكار مفيدة.
· ... طور باستمرار، لا تتوقف عن التطوير والتعديل في أي شيء.
أمثلة وتطبيقات(1/4)
1- تصور أن مؤسستك ققرت الاستغناء عنك، فماذا ستفعل؟ هل ستبحث عن وظيفة جديدة أو ستبدأ مشروعك الخاص، أو لن تفعل أي شيء بالمرة، فكر وابتكر فكرة إبداعية جديدة، وطبقها إذا أمكن، ولا تنسى أن الخوف على الرزق هو من معوقات الإبداع.
2- انظر إلى المخلفات والمهملات التي في المنزل، هل بإمكانك أن تستفيد منها؟ على طاولتي علبة لوضع الأقلام فيها، هذه العلبة كانت في الأصل علبة لطعام!! لكن تم تنظيفها وتزينها حتى أصبحت جميلة ومفيدة.
3- تود أن تذهب مع عائلتك في رحلة إبداعية، كيف ستكون هذه الرحلة؟
4- غرفتك غير منظمة، كيف سترتبها بحيث توفر مساحة كبيرة، ويكون هذا الترتيب عملي أيضاً.
5- سيزورك بعض أصدقائك في المنزل، كيف ستسقبلهم بطريقة إبداعية؟
6- رغبت في تنشيط أفراد أسرتك بنشاط إبداعي جديد، كيف سيكون هذا النشاط؟
7- قررت أن تزرع حديقة منزلك بنباتات الزينة، كيف ستزرعها وكيف سيكون شكلها؟
8- لاحظت أن النفقات المالية كثيرة في منزلك، كيف ستقلص هذه النفقات؟
9- تود أن تتعلم وتزيد ثروتك المعرفية، ابتكر 10 طرق لتزيد من معرفتك.
10- إذا كنت تعتمد على الخادمة في أعمال المنزل، تصور أنك تخليت عنها لمدة اسبوع، كيف ستدبر أعمال المنزل؟ وطبق هذا التمرين عملياً وتخلص من الخادمة ومن سلبيات الخدم.
الخاتمة
كن شخصاً مبدعاً ولا تلتفت إلى ما يقوله غيرك من تعليقات سلبية ومثبطة، وحاول أن تنمي مهارة الإبداع لديك واعلم أنها مهارة تستطيع أن تكتسبها، والإبداع ضروري لحياة الفرد لكسر الروتين والملل، ولتطوير مهاراته ومعارفه، ولإثراء حياته بالتجارب والمواقف الجميلة، لذلك فكر في كل حياتك الشخصية وحاول أن تبدع ولو قليلاً في كل مجال.(1/5)
الإبداع للمؤسسات
طريقك نحو قيادة المستقبل
المراجع:
· ... سلسلة الإبداع والتفكير الابتكاري د. علي الحمادي.
· ... الدليل العملي لتدريب المديرين بل هولتون - شير هولتون ترجمة: د. محمد جمال الدين ثابت.
· ... مجموعة أعداد من خلاصات "كتب المدير ورجل الأعمال" إصدار الشركة العربية للإعلام العلمي "شعاع"
إعداد: عبد الله المهيري
قبل أن نبدأ
لماذا نكتب عن الإبداع؟ ولم هذا الاهتمام بالإبداع؟ بكل بساطة لأن الإبداع يقود إلى التجديد، والتجديد يجعلنا نتقدم على غيرنا، والناس والمؤسسات وحتى الدول يمكن أن نصنفهم ضمن قسمين، قسم متقدم وسائر في ركب التطور، وهؤلاء المبدعون، وقسم وقف وقنع ورضي بما عنده، وهؤلاء الأتباع المقلدون، ففي أي فئة تريد أن تكون؟ وفي أي فئة تريد أن تكون مؤسستك؟ وإذا كنت تبحث عن عمل جديد، فهل تختار مؤسسة مبدعة أم مقلدة؟ أنا متأكد بأن كل الناس يريدون أن يكونوا ناجحين متقدمين مبدعين. وطريق التقدم لا يمكن أن نسير فيه بدون إبداع، فإذا كنت تريد السير في طريق التقدم، فتسلح بالإبداع.
في ملف الإبداع الأول، عرفنا بشكل سريع الإبداع وعرفنا بالمبدعين، وكتبنا عدة طرق لتصبح أكثر إبداعاً، وبينا طرق توليد الأفكار الإبداعية - إذا لم تقرأ الملف الأول أسرع الآن واقرأه - وكل هذا كان يدور حول إبداع الفرد، وهنا نتحدث عن الإبداع في المؤسسات.
ماذا نعني بالمؤسسات؟ المؤسسات تعني هنا الشركات الخاصة، والدوائر الحكومية والمؤسسات ذات النفع العام مثل الجمعيات الخيرية واللجان والجمعيات المتخصصة، وحتى الأسرة تعتبر مؤسسة بل هي أهم مؤسسة.
بيئة إبداع(1/1)
حتى يبدع الفرد لمؤسسته، يجب أن توفر المؤسسة بيئة تتقبل الإبداعات على أنواعها، إذ لا يمكن أن يبدع المرء في بيئة ترفض الجديد، وحتى تصبح بيئة المؤسسة بيئة إبداعية، يجب على المدير وفريق إدارته أن يقتنعوا بأن موظفيهم بإمكانهم أن يبدعوا ويبتكروا حلولاً لمشاكل تواجههم، بل ويجب أن يلغوا الكثير من القواعد العقيمة التي تضع حدود حول الموظفين تعيقهم في عملية الإبداع، ولما كان الإنسان عدو ما يجهل، فإن المدراء والإدارات يتخوفون من إعطاء صلاحيات للموظفين، ويجعلون عملية تسيير دفة المؤسسة تأتي عن طريق واحد، من الأعلى إلى الأسفل فقط، أعني الأوامر والتخطيط من الإدارة، والتنفيذ على الموظفين، وهذا ما يسبب مشكلة تبدو صغيرة، لكنها تتفاقم حتى تؤدي في بعض الأحيان إلى موت المؤسسات.
عندما يخوض الموظف ميدان العمل فإنه يرى متغيرات وفرص لا يراها المدير أو الإدارة، فيجب أن يتصرف لوحده هنا أو أن يكون هناك تواصل مع الإدارة لتقرير المبادرة التي ستتخذ إزاء هذه المتغيرات أو الفرص.
وقد أخذت عهد على نفسي أن لا أطيل أو أعقد المسائل، وأن أكتب الخلاصة المفيدة فها هي الخطوات والأفكار التي تجعل في مؤسستك بيئة ترعى وتنمي الإبداع:
· ... لا تجعل القواعد تعيق أي فكرة إبداعية، القواعد لا بد أن تكون ناقصة وفيها ثغرات، وأيضاً القواعد قد تعيق المؤسسة عن استغلال الفرص الجديدة، تصور مثلاً أنك وجدت صفقة ستربح فيه الكثير وبالتالي تربح فيها مؤسستك، لكن هناك قاعدة تعيق إنجاز هذه الصفقة، ماذا ستفعل؟ هل ستكسر القاعدة لتكسب أم تجعل القواعد تتحكم فيك؟ أنت مبدع لذلك ستكسر القواعد التي تعيقك.(1/2)
· ... أنشأ نظام لتلقي الأفكار والاقتراحات، هذا النظام يجب أن يوفر فرصة للموظف لتجربة فكرته بشكل مصغر ثم تنفيذ الفكرة بشكل واسع على المؤسسة بأكملها، بل ويجب أن يحصل الموظف على التكريم المعنوي الذي يستحقه، ويستحسن أن يحصل على فائدة مالية من اقتراحه، وهذا النظام مطبق في شركة تويوتا اليابانية، حيث تتلقى الإدارة 1500000 اقتراح!! مليون ونصف اقتراح سنوياً! ويتم تطبيق 98% منها، ويكرم الموظف معنوياً ومادياً.
· ... أغرس في عقول وأنفس الموظفين بأن لا مستحيل على الإنسان، ونبههم بأن لا يفرطوا في الواقعية، حدث مرة في مؤسسة جنرال إلكتريك أن طلب مديرها من الموظف الجديد أن يبتكر طلاء يزيل الحرارة عن الزجاج الخارجي للمصباح الكهربائي، والموظفين القدامة يعلمون تماماً أن من المستحيل صنع هذا الطلاء، لكن المفاجئة فجرها الموظف الجديد عندما استطاع ابتكر طلاء يخفف من حرارة المصباح الكهربائي، إذاً لا مستحيل أبداً.
· ... ضع طرق وأساليب رسمية وغير رسمية لتحفيز وتكريم الموظفين، فمهما كان الموظف متميز ومجتهد فأنه يحتاج إلى الإحساس بأن المدير والآخرين يقدرونه.
· ... طبق أسلوب الإدارة على المكشوف، هذا يعني أن تجعل جميع المعلومات المتعلقة بالمؤسسة يعلمها الموظفين، وقد يقول المدراء التقليديون أن الموظفين لا يحتاجون إلى معرفة الوضع المالي للمؤسسة، لكن المبدع يعمل على إخبارهم بالوضع المالي للمؤسسة ويعلمهم كيف يكون مجهودهم مؤثر بالسلب أو الإيجاب على وضع المؤسسة، وأعطي فرصة لموظفيك لمقابلة الإدارة والمسؤولين على مختلف مستوياتهم الإدارية، يعين أن تفتح باب الاتصال بين جميع جهات المؤسسة حتى تخلق وعي بوضع المؤسسة في قلب وعقل كل موظف.(1/3)
· ... علم الموظفين نظام (كايزن kaisen)، وهذه كلمة يابانية تعني التطوير المستمر، يجب أن لا يتوقف الإبداع أبداً، هذا النظام يعني إدخال تحسينات صغيرة وبسيطة على الخدمات والمنتجات وبشكل دائم، وبهذا لن يستطيع أحد ما اللاحق بك، وهذا المبدأ تعمل به مؤسسة سوني، حيث(1/4)
الوقت الابداعي.
ويقصد بالوقت الإبداعي؛ ذلك الذي يخصص لعملية التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، أو ذلك الذي يصرف في تحسين وضع الأداء وتطوير الإنجاز، أو ذلك الذي نحقق منه مرابح أفضل.. وليس بالضرورة أن يكون الإنجاز فورياً، لأن الوقت الذي يصرف لأجل ضمان المكاسب في المستقبل، كحل أزمات أو تقويم ارتباطات أو تكوين روابط وعلاقات، هو أيضاً وقت إبداعي.
والملحوظ أن أفضل الإنجازات الإدارية تتحقق في هذا الوقت، كما أن المدراء الناجحين يحققون أفضل نجاحاتهم فيه، خصوصاً إذا أعطوا الوقت الكافي لكل عمل أو فكرة أو مشروع..
ففي دراسة أجراها (129) عالماً بمركز القيادة الإبداعية في جامعة برانديز، تبين فيها أن أكثر معوقات الإبداع تعود لعدم توفر الوقت، أي إن الوقت غير كاف لهذا الإبداع، أو إن عبء العمل كثيف جداً، فقد قال أحد المشاركين في الدراسة:
(عندما ترزح تحت عبء مشكلة ما، ويطلب منك إيجاد شيء جديد في وقت قصير، فإنك تبدأ بالبحث عما أنجز من قبل، والحقيقة أن الأمور الجديدة لا تأتي تحت الضغط) .
إذن ينبغي إعطاء الوقت الكافي لكل ما نريد تحقيقه حتى نضمن النجاح الباهر فيه.
إن أجمل ما في التفكير المبدع هو أنه يعبر عن قوة الرؤية المستقبلية، ويعطي أصحابه ملكة جيدة على التنبؤ بالقادم، أو القدرة الذهنية والفكرية على إيجاد الترابط والاتصال بين أجزاء الأعمال والخطط المختلفة.
وتتمثل هذه الملكة بموهبة رؤية الذات بشكل منطقي ومتوازن ثم رؤية الغير كذلك.. بلا إفراط أو تفريط ولا غرور أو تهاون.
إن الدراسات المطبقة في التطوير الذاتي تعترف بالملكات والمواهب والقدرات الإبداعية لدى الأفراد بشكل أحادي أو جماعي، لأنها في مجموعها تشكل جوهر القيادة الذاتية الخلاّقة التي تتكون من ملكات أو قدرات أربع هي:
1- رؤية الذات رؤية تحليلية قويمة تشخص أمراضها وتضع معالجاتها وتتعرف على نقاط قوتها ومكامن ضعفها.(1/1)
2- الضمير النزيه، ويمثل جوهر الالتزام بالقيم الإنسانية ومكارم الأخلاق والجوانب النبيلة التي تبني شخصيات الناجحين في الحياة والمجتمع.
3- الإرادة المستقلة، وتمثل قوة العزم والتصميم والحسم في التنفيذ بلا ميوعة أو تردد أو تهاون، وهي أكبر قدرة يمتلكها كل إنسان لدى مصارعة الحياة للحصول على ما يريد.
4- الخيال المبدع؛ وتمثله قوة العقل المتمثلة بدورها في التفكير الإيجابي والتأثير النفسي على اكتشاف مناطق الفراغ وملئها بالفكرة أو الخطة أو الإنجاز المناسب.
ومن ذلك تأتي الأجواء التسامحية التي تبديها الإدارة في زمن الإخفاق لتساعد على المزيد من الموفقية والنجاح؛ من هنا يرى العديد من مدراء الشركات والمؤسسات الابتكارية أن وضع علامة واحدة للفشل يمكن أن تصم بها الأفراد حينما يفشلون في تجربة أو مشوار أو تحسبها عليهم نقصاً يمكن أن يذكروا به أو يؤاخذوا عليه، يجعل الأفراد يترددون في السعي والبحث لاكتشاف الفرص الأفضل وبذل المزيد لأجل التطوير والخلاقية.
إن الكثير من الأفراد يكونون مبدعين إذا وجدوا أجواء مشجعة لذلك، وهذا لا يتم إلا إذا كانت الأجواء تسامحية والميدان مفتوحاً للتنافس الحر، أما الأجواء المغلقة أو الصدور الضيّقة والحساسة تجاه الخطأ أو الفشل، فإنها لا تجيد أن تصنع من أفرادها عناصر مبدعة وخلاّقة، لأن القليل من الأفراد يعملون بروح الفاتح العظيم لما تتطلبها هذه الروح من نبوغ وشدة بأس وقوة وتصميم وإرادة وصدر رحب لتحمل الأعباء ومواجهة المشاكل والانتكاسات، والقليل من الأفراد يتحلون بهذه الدرجة من الصبر والمثالية.(1/2)
لذا ينبغي أن نؤمن بأن جميع الأفراد مبدعون إذا وجدوا أجواء لذلك والعكس صحيح، على أي حال فإن الملكات الإبداعية تنمو إذا وجدت التربة والمناخ الصالحين وتموت في غيرهما.. كما أن تعاضد هذه العناصر والملكات وانسجامها يكوّن الشخصية القيادية للفرد المبدع، سواء كان إبداعه على مستوى الفكر والتخطيط، أو على مستوى العمل والإنجاز، أو على مستوى السلطة الروحية وقدرة النفوذ والتأثير.
فإذا اجتمعت هذه طرّاً في مؤسسة أو جماعة، فإنها كفيلة بتسليمها زمام الإبداع وزمام القيادة معاً مما يجعلها في قمة الحياة لا في سفوحها
اكتشاف العناصر المبدعه .
إن الابتكار والإبداع شكل راق من النشاط والخلاقية الإنسانية وقد أصبح منذ الخمسينات من القرن الماضي مشكلة هامة من مشكلات البحث العلمي في العديد من الدول والمؤسسات.. فبعد أن حلّت الآلة في المصانع والإدارات والمؤسسات لم تعد الحاجة إلى العضلات البشرية بتلك الأهمية وإنما نحت الضرورة إلى الطاقة المفكرة الخلاقة إذ تجاوزت تقنيات الآلة الزمان والمكان في السرعة على الإنجاز في المصانع والشركات الصناعية والتجارية فضلاً عن الإتقان والجودة كما تجاوزت معرقلات التواصل والارتباط ونقل المفاهيم والمؤثّرات في المؤسسات البشرية والفكرية..
بما جعل الاستغناء عن الكثير من الطاقات والكفاءات العضلية والوظيفية أمراً طبيعياً.. وفي المقابل ازداد الطلب أكثر فأكثر على النشاط الابتكاري والإبداعي الفذ فبات من الضروري على كل مؤسسة إيجاد قدرات خلاّقة في أفرادها تعينها على مواكبة التطور السريع كضرورة اهتمامها في تطوير القدرات المبدعة لبذل المزيد حتى تبقى في القمة دائماً..(1/3)
وهذا ما يدعو إلى اكتشاف العناصر الخلاقة المبدعة في كل تجمع وجماعة فإن كل جماعة لا تعدم أن توجد بين عناصرها العديد من الطاقات الخلاقة ولكن في مرحلة الولادة أو الكمون فتحتاج إلى الفرص المناسبة والرعاية الكافية حتى تولد وتنمو وتكبر وتأخذ موقعها في مجالات العمل المختلفة..
ومن هنا ينبغي - دائماً - التوجّه إلى صفات الأفراد وخصوصياتهم لاكتشاف الطاقات المبدعة فيهم حتى لا نحرمها من العناية ولا نحرم العمل من فرص أفضل للتقدم.. وتتمثل صفات المبدعين بجملة من المظاهر في السلوكيات والأنشطة اليومية في البيت ومكان العمل والشارع والنادي وغيرها من مواقع النشاط وقد حدّد بعض علماء النفس الصفات الإبداعية في الأفراد في عدّة مظاهر نذكر منها ما يلي:
1- النهم إلى المعرفة والاستطلاع الشخصي وفي التجمّعات يميل المبدعون غالباً إلى الفضول الإيجابي والبحث وعدم الرضا عن الأوضاع الراهنة طلباً للتجديد والتطوير..
2- الالتزام بهدف سام والتفاني في العمل من أجل الوصول إليه..
3- القدرة على تقديم الأفكار والاقتراحات المقنعة أو الخطط البديعة..
4- التلقائية والمرونة في التعامل والثقة في النفس في العلاقة مع الأفراد والتعاطي مع الأزمات. إن العمل الجاد يعتبر متعة لدى المبدعين وذلك لقوة الشعور لديهم بإنجاز شيء ما حتى يخلّدوا أنفسهم وينزعوا الاعتراف من المجتمع بجهودهم ومكانتهم فضلاً عن تحقيق الأهداف، وهنا تكمن أبرز مظاهر الإبداع والخلاقية.. كما تكمن أهمية الرعاية والترشيد فإن الفرد المبدع عصامي يعتمد على قدراته وكفاءاته في تحقيق النجاحات لا عظامياً يعيش على عظمة الآخرين ويستفيد من جهودهم. لذلك فإن من حقه علينا أن نرعاه ونرشده لكي يبدع وينتج..
5- تشجيع تبادل الرأي والمشاركة فيه والنقد الذاتي..(1/4)
ويتنزه الفرد المبدع في الغالب عن السلبية والتزلّف والنفاق، لأنها مساوئ تتنافى مع شعوره بالثقة وتفكيره المتحرّر وطموحه العالي إلى الكمال وتحسين الأوضاع وتوجيهها إلى الأفضل..
لذلك فإن المبدعين في الغالب يتسمون بالصدق والبحث عن الحقيقة. فيرفضون مواراتها أو تجاوزها فقد ينتقدون المستويات الأعلى إذا وجدوا خللاً في أدائهم أو سلوكهم كما يطرحون البدائل الإيجابية ويساهمون فيها فلا يكتفون بالنقد لمجرّد النقد بلا تفاعل ومشاركة في تحسين الأوضاع..
كما لا يبطنون شيئا ويظهرون خلافه.. لأن هذه صفات تنشأ من النقص والعجز وهو أمر يتنافى مع الإبداع.
نعم قد يتصف بعض المبدعين بعدم الحكمة أو الخلل في التدبير في مجالات العمل أحياناً لقلة التجربة ونحو ذلك..
وهذا أمر طبيعي ويمكن أن يقع في كل مؤسسة لذا فإن المنطق السليم يفرض على القائمين السعي الدائم لوضعهم في صور بعض الأعمال والاستفادة من آرائهم حتى ينضجوا كأفراد مبدعين كما نضمنهم كأصدقاء وعناصر إيجابية صادقة في العمل.
6- قراءة الماورائيات لدى الاستماع إلى محاضرة أو خطبة أو قراءة فكرة ومراقبة عمل أو سلوك.. وعدم الوقوف إلى حدّ الظاهرة من دون تحليل وتعمّق.
7- الاستقلالية.. إذ أن المبدعين يتميّزون - في الغالب - بالتحرّر من النزعة التقليدية والتصورات الشائعة ليس حباً بالخروج عن المألوف دائماً بل لتطلّعهم الدائم وطموحهم العالي في التفكير والتعبير ورسم الأهداف ومن الواضح أن لبعض التقاليد والنمطية أهميّتها وحكمتها التي تستدعي احترامها وعدم تجاوزها.(1/5)
وفي نفس الوقت قد تتحكم بعض النمطيات الجامدة في علاقات العمل فتشكل مانعاً قوياً أمام الطاقات الإبداعية، لذلك فإن الأفضل هو مراعاة الإبداع بمشاركته في الأدوار العملية حتى يختمر أكثر بالتجارب ويصبح أكثر إنتاجاً وأفضل ثماراً، فإن للتجربة والخبرة الدور البارز في صياغة عقلية المبدعين الناجحين وإضفاء سلوكهم بالمزيد من التدبير والتوازن.. لكي لا يشطوا عن الأعراف الصحيحة والتقاليد القيّمة.
وهذا هو الذي نقصده من الاستقلالية أي استقلالية إيجابية وبنّاءة.. تقود المجتمع إلى المزيد من التطور والرقي.
أما الشذوذ عن الأعراف الصحيحة فهو خروج عن المألوف ولكن في بعده السلبي وهو مرفوض ويؤدي في الغالب إلى عزل أصحابه عن المجتمع ويصبح دورهم عديم التأثير، إن الفرد المبدع لا يمكن أن يكون منقاداً لأنه إنسان قوي الشخصية متمرّد في أغلب الأحيان على القيود الحديدية وعلى المعايير النمطيّة الجامدة للجماعة..
لذا قد يتّسم بعدم النظامية وتجاوز المقرّرات وإن كان في الواقع لا يريدها أو يهتم لتغييرها إلا أن روحه المتطلّعة وتفكيره المتفوّق يحدوان به إلى الأسبقية في كل شيء وحقاً أن الفرد المبدع قد تضيّعه اللوائح الجامدة والعلاقات الروتينية الصلبة.. والإنصاف أن كلا النمطين من الأفراد صاحب حق في مجاله لأن الإداري يهتمّ للمزيد من النظام والتسلسل المنطقي في العمل وهذا قد يخرّبه المبدع في تحرّره ولكن في نفس الوقت فإن تقييد المبدع بروتين وقواعد إدارية مغلقة قد تكبت فيه المزيد من الطاقات والتطلّعات وهذا خسارة للجميع.(1/6)
ولعلّ أفضل طريقة للجمع بين الأمرين هو تحرير الطاقات المبدعة في أعمال أكثر تحرّراً وانفتاحاً من الأعمال والوظائف التي تقوم على قواعد العمل ونظام الإدارة فإن في هذا تسوية للمشاكل مع الأفراد الإداريين الذين اعتادوا على النمطية في إنجاز الأدوار. في نفس الوقت كسب المزيد من الإمكانات والفوائد التي يعود عليها الفرد المبدع إلى العمل.
8- القدرة العالية على تفهّم المشكلات ومناقشتها بسعة صدر والتعامل معها بإيجابية وحكمة فلا تعود الأزمات المستعصية على المبدعين بالإحباط أو الشعور بالفشل والنقص في أغلب الأحيان.. بخلاف الكثير من الأفراد الذين تزيدهم صلابة الأزمات تراجعاً ونكوصاً إلى الوراء أو شعوراً شديداً بالإحباط فينهزمون في ذواتهم أولاً ثم أمام خصومهم ومنافسيهم..
بينما التطلّع إلى الإصلاح وتغيير الأوضاع تفجر طاقات المبدعين فتجعلهم أكثر تفكيراً وتخطيطاً للمعالجة، وطبعاً فإن الذين يقودون أممهم إلى التحرير ويضعون جماعاتهم في القمم هم المبدعون لما لهم من وعي وإدراك وإحساس مرهف وحماس متدفق يؤرقهم من وطأة المشاكل وانعكاساتها لذا فإنهم يشعرون وكأنهم هم المسؤولون عن حلها ونظراً لما يملكه المبدع من ثقة والتزام في حل المشكلات حتى ولو استلزم ذلك خسارة له، فإنه سيكون مساهما حقيقياً في الحلول.(1/7)
9- وضوح الرؤية وصلابة الموقف وثبات القدم.. إن الشخصيات المبدعة تنظر إلى الزمن كمورد إنتاجي يجب استثماره في تحقيق المزيد من الفتوحات والانتصارات وتنظر دائماً إلى الأمام للسبق والتقدم ولا تجعل للماضي أو الحاضر قيوداً عليها.. إن بعض الأفراد يعيش في قيود الماضي وأزماته وآخرون يعيشون في قيود الحاضر وأزماته فينشغلوا في هموم اليوم متناسين آمال الغد وهذا خطأ كبير يعود عليهم بالفشل في آخر المطاف وكم من الأفراد المهمّين الذين شعروا بمرارة الندم على فترات مهمة من حياتهم مرّت، كان فيها المزيد من الفرص الثمينة لم يستثمروها وانشغلوا بالهوامش وتوافه الأمور ولكن الندم بعد فوات الأوان لا ينفع ولا يعود عليهم بالفرج من جديد بينما الأفراد المبدعون ينظرون دائماً إلى الأمام ويعيشون الأولويات القصوى فيمسكون بها ومن بعد ذلك تحظى الأمور الأخرى ببعض العناية، وأنت ترى أن مجمل هذه الصفات وغيرها تصوغ الشخصية الخلاقة والمبدعة القادرة على المساهمة في التطوير والرقي.. ولعلّ شخصاً واحداً مبدع ينفع المؤسسة ويساهم مساهمة فعّالة في إيصالها إلى النجاح كما أن انعدامه قد يصيبها في الفشل خصوصاً في أوقات الأزمة.
مقوّمات الإبداع
إن المؤسسات الأفضل هي التي تكون قادرة على الابتكار والتجديد على أسأس نام ومتطور، والمدراء الأفضل هم الذين يكونون قادرين على مساعدة الأفراد والاستفادة من مواهبهم الإبداعية..
وعلى هذا فإنه ينظر إلى الابتكار على أنه عملية إيجاد وخلق الأفكار الجديدة ووضعها في الممارسة الصحيحة ونعني بها:
- أن تحدّد طرقاً لعرض الأفكار والخطط بحيث تقنع الآخرين.
- وإيجاد أفكار جديدة تساعد المؤسسة على أن تكون في وضع أفضل.
- كما تكون بدرجة من المنطقية والتوازن بحيث تلقى التجاوب الأمثل من العاملين والمدراء وتحفّزهم لاستثمار قدراتهم ومواهبهم لتحقيق الأهداف.(1/8)
وهذا ما يستدعي التأكيد على أهمية استثمار الأفكار البناءة لدى الفرد في تحريك مواهب الآخرين ومهاراتهم بشكل يخدم الجميع وهذا ما لا يتمّ إلا إذا توفّرت المقوّمات الأساسية للابتكار وارتفعت معرقلاته..
- وتتلخص مقوّمات الابتكار في عدة أمور من أهمها:
1) الانتماء الروحي للمؤسسة..
ونعني به شدة الارتباط بالمؤسسة حتى تصبح مهامها جزءاً من مهام الفرد نفسه فيصيبه ما يصيبها من نفع ومن ضرر.
إن الشعور بالانتماء الروحي للجماعة أو المؤسسة هو شعور جميل إذا كان متوافقا مع الحق والمنطقية.. وهو الذي يساهم في الإبداع أما إذا صار هذا الشعور نوعا من التعصب والتحزّب فهو أمر يعود معكوسا وينقلب إلى الضرر أكثر من النفع.
ويعتبر الشعور الوطني العميق في نفوس المواطنين من أهم الدوافع نحو الإبداع والخلاقية في زمان السلام، والدفاع والحماية والتفاني في زمان الحرب وهو الآخر نوع من الإبداع والخلاقية.. وهكذا الأمر يصح في الانتماء القوي للأسرة والجماعة..
فالشعور الشديد بالانتماء يساهم مساهمة كبيرة وفعالة في دفع الأفراد نحو الابتكار والخلاقية. وعلى سبيل المثال تعد اليابان مجتمعاً ومؤسسات مثالاً حياً لهذا المفهوم فقد تمكنت اليابان من الاستفادة من هذه القيمة الإنسانية وتسخيرها في زيادة إخلاص الفرد أياً كان موقعه في العمل فتمكنت أن تحظى بقمة في التقدم الصناعي والتقني في فترة قياسية بعد الحرب العالمية وبعد أن حطمتها القنابل الذرية الأميركية.
وعلى العكس من ذلك فإن الشعور باللامبالاة يفسر تخلف الكثير من الدول النامية حيث لا يفكر الفرد إلا بالطرق التي تمكّنه من تحقيق رغباته وطموحاته الشخصية على حساب المؤسسة التي يعمل فيها والدائرة التي ينتمي إليها - في الغالب -.(1/9)
ومن الواضح أن هذا ليس ذنب الأفراد بل ذنب أنظمة الحكم السائدة في تلك الدول.. لأن الديكتاتورية المستشرية في العالم النامي والثالث تعلّم أبناءها على المصلحية والأنانية الفردية وتجعل الانتماء الوطني فيهم أضعف من الانتماء للذات وذلك لأن الديكتاتورية تحوّل البلد والشعب إلى بستان يملكها الحاكم ويجبي خراجها وأكلها كل حين من أجل نفسه وأفراده وأسرته ويجعل الآخرين تحت وطأة التخلف والفقر والأزمات .
ومن المعلوم أن هذه العقلية والمفهوم تضعف من حسّ الانتماء الشديد للوطن في مقابل الانتماء للنفس فيصبح منطق الأنانية والمصلحية فوق الجميع..
وتسلسل الانتماء يبدأ واسعاً بسعة الوطن ثم يتضائل حتى يعود على الشخص نفسه وحينئذٍتصبح الاثرة هي الحاكمه ، فالأهم مصالح الوطن ثم يتلخص الوطن في العشيرة أو الأسرة ثم تتلخّص مصلحة العشيرة والأسرة في جماعة الرئيس ثم تتلخّص مصالح هؤلاء أيضاً في الرئيس نفسه فتصبح المعادلة هكذا:
الوطن = الرئيس والرئيس = الوطن وليذهب المواطنون إلى ما يريده الحاكم.. وإلا فإلى الجحيم!!.
ومن الواضح أن هذا النوع من السياسة من شأنه أن يحطم روح الانتماء وحب الآخرين بما يفكك الأواصر ويجعل الأفراد مصلحيين أكثر من كونهم مبدأيين.
فالشعور بالانتماء أمر جوهري في تفجير الإبداع وإنمائه ما دام في خدمة المؤسسة والمؤسسة في خدمة الحق والعدالة وأما إذا انقلب إلى تعصّب وتحزب وأنانية فهو عامل هدم لا بناء.
2) العقلية العلمية في التعامل مع الأزمات..
قد يصحّ أن نقول أن زمن الأعمال الفردية والجهود الشخصية قد ولّى وانصرم، وقد أصبح اليوم مهمة الجماعة، والتنظيم المشترك أقوى من أي مهمة أخرى في الإدارة الأحسن والأبقى.. التنظيم المشترك الذي يقوم على الجهود المتكاملة لكافة الأفراد والعاملين على اختلاف مستوياتهم وتطلعاتهم..(1/10)
وهذه نقطة جوهرية ينبغي الالتفات إليها في تحديد مقوّمات الإبداع إذ يجب اعتماد الطرق العلمية الصحيحة للوصول إلى الأهداف بجدارة وهذا لا يتم إلا عبر التنسيق والتكامل بين مختلف الأفراد.
3) الانفتاح على الرأي الآخر..
فإنه لابدّ للابتكار والإبداع من أجواء حرة يسودها احترام الآراء والمواقف وإن كانت تخالفنا..
والحنكة والخلاقية تتجلى في سلوكنا أكثر إذا تمكنا من ترويضها وإقناعها على التعاون والتنسيق.. فالحوار هو الذي يوصل إلى الأفضل والمفيد..
ومن هنا فإن المؤسسات الإبداعية والمدراء الخلاقون هم الذين يزيدون من فرص التفاهم ويعملون على تشجيع الأفراد إلى تطوير أفكارهم وإبداع اقتراحاتهم لتحسين ظروف العمل وفتح المجالات الأوسع للمزيد من البذل والعطاء..
أما المؤسسات المنغلقة على نفسها أو المدراء الذين لا يجدون للآخرين موقعاً بينهم ولا يحترمون آراء الآخرين فإنهم يحكمون على أعمالهم بالفشل وعلى أنفسهم بالتراجع شيئاً فشيئاً.(1/11)
ومن الواضح.. أن الانفتاح على الآخرين واحترام آرائهم أمر ليس من السهل قبوله أو الاعتراف به لأنه يتوقف على الإيمان بمواهب الآخرين وقدراتهم.. وهذا هو الآخر أمر صعب ما لم يؤمن أصحاب القرار بواقعية وإنصاف بهذه الحقيقة.. لقد أصبح اليوم العمل الجماعي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الانتصارات الكبرى على أي صعيد ومعترك فإذا لا نؤمن بذلك بمنطقية فإن الواقع والتجربة والنتائج هي الحكم الفيصل الذي سيضطرنا إلى القبول بها أخيراً وحينئذٍ فإما نقبلها بسعة صدر أو تتجاوزنا المرحلة لتجد بدائل أفضل. باعتبار أن الإدارة الخلاقة هي الجهد الجماعي المتكامل فلا يمكن للإبداع والابتكار أن يظهر ويأخذ دوره في مجالات العمل إلا بتشجيع الجميع لتقديم أقصى ما عندهم من جهود وإمكانات في تحقيق الأهداف ولكي يتحقق ذلك فإنه يجب على الإدارة أن تولي الاهتمام الأكثر لتشجيع روح الفريق.. بكل ما فيه من تماسك معنوي وتعاضد في الجهود وتكامل في النشاطات وهذا يتطلب منا حقاً الإيمان بحق الآخرين في الرأي والانفتاح على الرأي الآخر والاعتراف بالحقيقة القائلة:
إن الكفاءات والطاقات مواهب إلهية وزّعها ربنا تبارك وتعالى على الجميع فكل فرد منا لا يخلو من موهبة أو أكثر يتفوق فيها على غيره فإذا استغنينا عنها أو لم نشجعها نكون قد ظلمناه وبخسناه حقه كما نكون قد حرمنا المؤسسة والعمل من فرص أكثر للنجاح فضلاً عن حرمان الآخرين.
وإذا جمعنا مجموع المواهب كم ستكون المحصلة في الحرمان والتراجع؟
وعلى عكس ذلك إذا جمعنا هذه المواهب المتفرقة في فريق واحد فإنه سيشكل قدرة أكبر وتكاملية أقوى على الأداء والإنجاز الناجح الخلاّق..(1/12)
إن بعض المدراء السلطويين بل بعض المسؤولين وأصحاب المراكز والقرار قد تدفعهم أنانيتهم أو شكوكهم بكفاءات الآخرين ومواهبهم إلى إخفاء جهود الآخرين حتى يظهروا أنهم وحدهم المبدعون في تحقيق الإنجازات وأنهم النسخة الفريدة في البلد التي لا يضاهيها أحد في المهارة والقدرة أو أنها القدرة الأكبر التي على الجميع الإذعان لها.. متناسين أن هذه الحالة من شأنها التراجع بالمؤسسة إلى الوراء لأنها تؤثر على الروح المعنوية للعاملين فتصيبهم بالإحباط كما قد تعود على المؤسسة الواحدة بالانقسامات المتعددة وحتى إذا شكلوا فريق عمل فإنهم يحبذون الفريق التابع المقود الذي لا قرار له ولا استقلال في الرأي والتفكير.. ليكون آلة سهلة لرغباتهم وأفكارهم وحدهم متصوّرين إن هذا هو الإبداع ولو أعطوا لأنفسهم فرصة أكبر للتأمل والتفكير في النتائج وتناولوا الأمور بعقلية أن (الكل أفضل من الفرد) لوجدوا أن الإبداع الحقيقي هو في إيجاد فريق عمل واثق من نفسه وقادر على الأخذ بزمام المبادرة في تحقيق الانتصارات لأن هذا الفريق هو الأكمل والأبقى والأجدر على القيادة والرقي، وهو الذي يؤخذ في المنظور القريب والبعيد على أنه من آثار الخلاقية والإبداع التي يتصف بها المدير الذي أوجده وأسسه وساهم في تفعيله في ميادين العمل..
إن الإداري المبدع هو الذي يرى جهده متكاملاً مع الجهود التي يقدمها الآخرون ويرى في إنجازات الآخرين إنجازات للمؤسسة وإنجازات المؤسسة في المحصلة النهائية هي إنجازات الجميع..
4) البعد الإنساني في التعامل مع الأفراد..
لا شك أن الإنسان هو جوهر الإبداع والابتكار وتتحقق الفرص الأكبر للإبداع في ظل الاهتمام المتزايد بالأبعاد الإنسانية في التعاطي الإداري مع الأفراد..(1/13)
فإن الأفراد هم أدوات الابتكار الحقيقية كما هم أدوات تحقيقه وتطبيقه بأسلوبه الأمثل.. فكلما زاد الاهتمام بهم وشعروا أنهم محل اهتمام الإدارة كلما تماسكوا أكثر وشعروا بشدة بالانتماء إلى المؤسسة والعمل فاجتهدوا أكثر فأكثر لتحقيق المزيد من الإنتاج وتقديم الخدمات في مستواها الأرقى..
إن من أهم العوامل المساعدة التي تجعل من الابتكار داخل المؤسسات ظاهرة متأصلة وراسخة هو المظاهر الإنسانية في التعاطي مع الأمور.. لأن سلامة المؤسسة وقوتها من سلامة أفرادها وقوتهم..
ولا تتحقق أهداف المؤسسة المرسومة إلا إذا صيّرت أفرادها هادفين حتى يتجاوزوا الهامشيات وينشغلوا بالجذور.. وهذا أمر يتطلب أسلوباً خاصا بالإدارة هو ما يطلق عليه (الإدارة بالأهداف) ويراد منه:
السعي الحثيث لتحقيق أهداف المؤسسة من خلال التركيز على الطاقة البشرية والروح الإنسانية في العاملين لرفع مستوى التزام العاملين بالأهداف ومشاركتهم الفعلية في تحقيقها
معوقات الإبداع
إن كل عمل لابد أن يواجه صعوبات كثيرة تعيقه حتى يولد وحتى ينمو ويتكامل فعليه أن يتجاوز الكثير من ذلك بروح الصبر والمثابرة والتحدي..
وكلما كان العمل أكثر نفعاً وأعمق أثراً خصوصاً إذا تجاوز المألوف فإن الصعوبات التي ستواجهه أكثر أيضا، وحيث أن الابتكار يمثّل أحد أشكال التغيير للأفضل لذا فإن صعوباته ومعرقلاته أقسى والأفراد الذين يواجهونه أكثر وأقوى..
لذلك يلاحظ أن الكثير من الأفراد المبدعين والمبتكرين لا يجدون أحياناً مجالات جيّدة تلبّي طموحاتهم وتنسجم مع أفكارهم كما قد لا يجدون صدوراً رحبة تستوعبهم وتستثمر طاقاتهم فيعيشون في عزلة روحية وهم بين زملائهم وإخوانهم وهذه مأساة حقيقية تعود عليهم وعلى المؤسسات التي ينتمون إليها بالأضرار الوخيمة.(1/14)
لذلك قد يشكّلون أوائل الضحايا التي تفقدهم المؤسسة ليحظى بهم الآخرون الأقدر على استيعابهم واستثمار مواهبهم وخلاقيتهم.. وهذا هو أحد الأسباب الملحوظة في العالم الثالث أيضا الذي يقف وراء هجرة العقول والأدمغة إلى الدول الأكثر تقدماً وحرية.. كما هو أحد أبرز مظاهر التخلف أيضا.
ومن هنا ينبغي أن نبحث في بعض معوّقات الإبداع التي تسبّب فقدان العناصر المبدعة وخلو المؤسسات منهم بما يسبب لها المراوحة في مكانها أو التراجع إلى الوراء.. لكي نسعى لمكافحتها دوماً إلى الصعود.. نذكر منها ما يلي:
1- مقاومة الجهات الإدارية المسؤولة وعدم رغبتها في التغيير الإبداعي..
ربّما لعدم إيمانها بذلك لما يسببه التغيير من خروج عن المألوف المعتاد عليه وربما لاعتقادها بأن كل تغيير جديد يشكّل خطراً عليها أو على المؤسسة وهذا ما يصطلح عليه بـ(جمود الإدارة) ومن الواضح أن المؤسسات تنعم وتكبر وتتطور بأجواء السلام والتفاهم والتعاون والتكامل بين عناصرها فإذا وقع بينهم التنافر وصار البعض معيقاً لمسيرة البعض الآخر فإن هذا يهدد الجميع بالخطر وأول الأفراد سيصابون بالمأساة هم المفكرون والمبدعون لأنهم سوف لا يجدون لأنفسهم مكانا في الأجواء المتوترة.
والحل هو تعامل المسئولين مع الأفراد الطموحين وأصحاب التطلعات بالمزيد من المرونة والتفهّم والإقناع فهم بهذا يضمنونهم كعناصر مبدعة مخلصة في العمل كما يضمنون الهدوء والتماسك داخل المؤسسة.
2- التطبيق الحرفي للقوانين والحديدية في الروتين الإداري..
وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب إزعاجاً للأفراد وتسبيباً للتذمّر والنقمة وإبعاد المخلصين والعاملين..(1/15)
ومن الواضح أن القوانين والتعليمات الإجرائية هي مجرد وسائل وجسور للإدارة الأفضل وليست غايات بذاتها فإذا شكلت عائقاً أمام الأفضل فليس من الحكمة التوقف عندها.. ولو تتبعنا سلوك الأفراد الحديديين في تعاملاتهم الإدارية نجد أنهم في الغالب انشغلوا بالمظاهر والشكليات وتركوا المضامين والأهداف بعيداً بل كثيراً ما يقعون في أزمات الفوضى واللانظام بحجة إيجاد النظام الحديدي الصارم وهذا نقض للغرض والحكمة من إيجاد النظام.. وبعض المؤسسات تعتبر أن معيار التقييم والتمايز بين الأفراد هو مدى انضباطهم والتزامهم بالأنظمة الإدارية الموضوعة كالالتزام بأوقات حضور الدوام والمغادرة ونحو ذلك.
ومع أن هذا أمر مهم إلا أن مجرد الالتزام بالدوام لا يؤدي إلى النتائج المطلوبة فقد يِأتي العامل في وقته ولكنه من دون أن يقوم بأي عمل أو يلتزم بمظاهر القانون ويخل بجوهره في عدم الإتقان أو عدم الإخلاص في العمل وغير ذلك من مساوئ وأضرار. إن القوانين وجدت للتنظيم الأفضل والأداء الأكمل فإذا صارت صارمة وروتينية فإنها تشكل عقبة تسبب الكثير من المفاسد.
وأولها كبت الطاقات الخلاقة أو هروبها إلى المؤسسات الأخرى الأفضل تعاملاً..
3- عدم تمتع القادة بمؤهلات قيادية وإدارية جيدة..
لا شك أن القيادة الإدارية تعتبر أحد أهم العوامل في تطوير المؤسسات لأنها صاحبة الدور الرئيس في تحفيز العاملين وتوجيههم ودفعهم إلى الأمام ومن المعلوم أن الأفراد تحفزهم قناعاتهم وأفكارهم أكثر مما يحفزهم المال أو العوامل الأخرى وينبغي أن يتمتع القائد والمدير بمؤهلات عديدة حتى يحظى بثقة أفراده والعاملين معه وإذا انعدمت الثقة فإن ذلك يشكل عاملاً أساسياً في عدم تماسك الأفراد بل وإحباطهم وعدم انشدادهم إلى العمل وتطبيق خططه.
مثلاً: إذا اعتقد المرؤوسون أن رئيسهم وصل إلى منصبه الإداري لاعتبارات غير منطقية لأنه بلا مؤهلات..(1/16)
فإنهم لا يجدون لأفكاره وآرائه قيمة تستحق الاحترام والتقدير خصوصاً مع وجود بعض الأفراد من بينهم من يرى نفسه أكفأ وأفضل من الرئيس نفسه. خصوصاً إذا خرج المدير نفسه عن المنطقية وأساء التصرف في إدارة أفراده فإن ذلك سيسبب انفراط النظام وتنامي التسيب والإحباط وفي هذه الأجواء يموت الإبداع وتنتهي حوافزه.
فالرئيس الذي لا يعتبر نجاح موظفيه نجاحاً للجميع ويحرص فقط على التفتيش عما يسيء إليهم هو شخص يمارس سياسة هدّامة من حيث يدري أو لا يدري ولا يؤهل المؤسسة إلى البقاء فضلاً عن التنامي والرقي.
إن من أهم حوافز الابتكار أن يرى العاملون أن العمل الجاد يكافأ وان الفرد الكفوء يحترم ويقدر وبعكسه الكسل والأفراد السلبيين كل يجازى بعمله وهمته - بالحق والحكمة -.
ولكن حينما يلاحظ في بعض المؤسسات أن مؤهلات الانقياد والخنوع والتزلّف هي شروط
أساسية للجزاء بالحسنى، والجدية والهمة والإخلاص مع احترام النفس وحفظ الكرامة تؤدي إلى المعاناة فإنه يبدأ العد التنازلي للعمل وللمؤسسة لأن طول اللسان والتردد على المسؤولين وإبداء المزيد من المجاملات الفارغة ستكون هي الطريقة الأقصر والأسهل والأكثر أمنا للوصول إلى المناصب العالية..
وهذا أسلوب لا يجيده كل أحد بل لا يحسنه أولئك الذين يحترمون أنفسهم ويحبذون التقدير بالاستحقاق، ولذا فإن حنكة المدير يجب أن تميز بين الأفراد المتزلفين والآخرين الكفوئين حتى تحافظ على مستويات عالية من الإبداع والخلاقية وإلا فإنها ستكون قد ساهمت في هدم المؤسسة من حيث لا تعلم.
4- القيم الاجتماعية..
قلنا أن الابتكار نوع من الخروج على المألوف لذا فإنه قد يتعارض مع التقاليد والأعراف والقيم الاجتماعية السائدة مما يسبب للمبتكرين المتاعب والأزمات.
ومعظم المبدعين والعلماء والمفكرين لاقوا أشدّ الصعوبات في مجتمعاتهم العامة والخاصة لأنهم خالفوا المألوف - أحياناً -.(1/17)
ولا زال الكثير من الناس يتصور أن الحكمة والحنكة والمهارة والإبداع تتنزل على الإنسان حينما يتقدم به السن ويبلغ من العمر عتيّا أما مرحلة الشباب فهي مرحلة الصباوة وعدم النضج ولعلّ هذه من أبرز السمات الظاهرة في المجتمعات المستبدّة أو التي تتغلب فيها العادات والتقاليد ومع أن هذه قد تصحّ عند البعض إلا أنها ليست قاعدة كلية يمكن الاعتماد عليها دائماً.. كما ليس اقتران الشباب بالصباوة وقلّة الخبرة والنضج قاعدة كلية يمكن الاعتماد عليها دائماً.. بل ينبغي أن يلاحظ الفرد مع حكمته ومنطقيته وقوة تفكيره وخبرته كان شابا أم كهلاً أو شيخاً كبيراً.. ما دامت الكفاءة الواقعية هي المعيار.
إن تقييم الإبداع على أساس السن وأن المبدع هو الشخص الكبير فقط هذه من العوامل التي تعيق الإبداع والخلاقية عند الأفراد..
ومع الأسف أنها إحدى القيم التي تقوم عليها بعض المجتمعات النامية والمؤسسات العاملة فيها فغالباً لا يحظى صغار السن بالاحترام اللائق بهم كما يحظى به الكبار.. كما أن إمكاناتهم الإبداعية لو وجدت لا تكتسب اعترافاً وقبولاً غالباً إلا في وقت متأخر إذ ينظرون إلى محاولاتهم وكفاءاتهم أنها تخيلات أو تهوّرات لاتستحق الاهتمام والرعاية. لذلك نجد قلّما يحتل الشباب المراكز الإدارية القيادية في أمثال هذه المجتمعات إذ يعتبر شرط التقدم في السن أحد أهم المؤهلات القيادية للأفراد الأمر الذي لا يقبله الشباب لما يرون لأنفسهم من الحق الطبيعي أن يحظون بما يستحقون وأن يحققوا أهدافهم وطموحاتهم بجدارة فيؤدي الأمر إلى الانقسام والتشتت أو هروب طاقات الشباب لوجدان مجالات أفضل تتفهمهم وتلبّي رغباتهم.. وهذا ما يفسر أيضا سبب الانقسامات المستمرة في المؤسسات العاملة في العالم المتخلف.(1/18)
كما يفسر سبب وقوع الكثير من الشباب ضحية الشباك الغربية والصهيونية بينما يتطلب الأمر بعض الحكمة في احتواء كلا السنّين وإعطاء كل سن ما يليق به من أجل تشجيع الإبداع وتحفيز المبدعين واستثمار الخبراء وتقدير أصحاب التجارب وصبّ طاقات الجميع في خدمة الأهداف العليا للمؤسسة..
5- الظروف المعيشية..
إذ لا يلقى الابتكار والإبداع الاهتمام الكافي فإنه يموت خصوصاً مع تردّي الأوضاع المعيشية للأفراد لأن الابتكار لا ينمو إلا في الانشغال بالجذور والانشغال بالجذور لا يكتمل إلا في راحة البال من الهوامش والفرد المبدع إذا لا يصرف اهتمامه وعنايته في ما يهم الجميع قد يصرفها في العناية بنفسه خصوصاً وأن ضرورات المعيشة تلحّ على الإنسان وتضغط عليه بالاستجابة ولا يمكن له أن يتخلى عنها أو يهملها وقوام حياته اليومية يعتمد عليها.. لذا قد يستثمر الفرد المبدع قدرته الإبداعية في محاولة سد النقص المادي أو الاقتصادي الخاص وهذا يفقد المؤسسة الكثير كما يربّي الفرد نفسه على المصلحية والذاتية ومن هنا ينبغي السعي الحثيث لإشباع الأفراد في المهم لكي يبدعوا في الجذور ويتفانوا في الوصول إليها التي هي الأهم حتى نبني مؤسسات مبدعة وناجحة في مختلف المجالات .(1/19)
أزماتنا ... كيف نديرها؟
الإبداع يخنق الأزمات
رؤية جديدة في إدارة الأزمات
المؤلف: عبد الله بن عبد الرحمن البريدي.
دار النشر: بيت الأفكار الدولية، 1999م.
عدد الصفحات: 178 من القطع المتوسط.
مدخل:
كانت الحياة ـ ولا تزال ـ تعصف بها ألوان من المشاكل، وأشكال من الأزمات، وكان الإنسان ولا يزال يقاوم أحداثها، وينازل أطرافها، ويكابد نتائجها، يستمر تارة، وينقطع تارة، يبلغ به ذكاؤه إلى أهدافه حيناً، ويقصر به حيناً، ينجح مرة، ويخفق أخرى.
وأخذت الأزمات تتنوع في مجالاتها، وتشتد في خطرها، فجعل الإنسان يستفيد من تجاربه - الناجحة والمخفقة على السواء - وأخذ يصهر ركام خبراته بالنقد البناء، ثم تلقف بعد ذلك اللبنات الصالحة الباقية فشيّد بها بناءاً علمياً تراكمت أجزاؤه عبر الأبحاث العلمية الرصينة والخبرات الحياتية الرائدة، فعلا بناؤه في فضاء المعرفة الإنسانية، واصطُلح على تسميته بـ "إدارة الأزمات".
وبِلُغة ميسرة وأسلوب رصين يهدف المؤلف بكتابته في هذا الموضوع الذي نحن بصدده الآن إلى محاولة إكساب القارئ منهجية إدارة الأزمات من خلال الإجابة على سؤالين رئيسين هما:
1 - كيف ندير الأزمات التي تواجهنا بشكل مباشر في مختلف مناحي حياتنا: في شركتنا، منظمتنا، جامعاتنا، منطقتنا، بيتنا؟
2 - كيف نحلّل الأزمات التي لا تواجهنا مباشرة ولا نشارك في إدارتها، ولكن نتائجها تهمُّنا وتؤثر علينا في أشكالها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، والسياسية.
وبعد هذه المقدمة السريعة، ومن أجل الإفادة من بعض أجزاء الكتاب، يمكنني الولوج إلى الموضوع عبر تلخيص بعض النقاط محافظاً في أكثر المواطن وبشكل كبير على أسلوب المؤلف المتميز "مع الإشارة إلى الموطن الذي أنقل منه بين قوسين":
بعد تجوال في إشكالية التعريف ينتهي المؤلف إلى تعريف مختار للأزمة قائلاً:(1/1)
"الأزمة هي فترة حرجة أو حالة غير مستقرة يترتب عليها حدوث نتيجة مؤثرة، وتنطوي في الأغلب على أحداث سريعة وتهديد للقيم أو للأهداف التي يؤمن بها من يتأثر بالأزمة".
ثم يعرج المؤلف على أنواع الأزمات:
فيبين أن تصنيف الأزمات وتقسيمها يفيدنا في تعميق التفكير في الأزمة ويلفت الانتباه إلى بعض القضايا الهامة، كأن يقال: هذه أزمة شاملة، أزمة جزئية، أزمة عنيفة، هادئة ونحوها، كما يفيدنا هذا التصنيف في توحيد المفاهيم والمصطلحات عندما نفكر أو نتناقش في أزمة معينة، أما في حالة غياب مثل ذلك التوحيد، فسيكون التفكير الجماعي والنقاش حينذاك كمن يتكلمون بلغات مختلفة غير مفهومة، ومن ثم سيظفر أولئك المتناقشون بـ "لا شيء"!!
وبعد أن يستعرض المؤلف "دور حياة الأزمة" التي يشبهها بالكائن الحي في ولادته ونموه وفتوته ثم ضعفه واضمحلاله، ينتقل بنا في الفصل الثاني إلى معالجة مصطلحين مرتبطين بالأزمات وهما:
إدارة الأزمات أم الإدارة بالأزمات؟
ثمة فرق بين هذين المصطلحين يمكن توضيحه عبر التعريف بهما، وذلك كما يلي:
فإدارة الأزمات Crisis Management بعبارة يسيرة هي: معالجة الأزمة على نحو يمكن من تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف المنشودة والنتائج الجيدة.
من يدير الأزمة: مدير أم فريق الأزمة؟
والأزمة يجب ألا تدار فقط من خلال المدير الخارق "السوبرمان"، وإنما من خلال فريق خاص Task Force يُُختار أعضاؤه بعناية فائقة، ليتم بعد ذلك تدريبهم ورفع مستوياتهم وإكسابهم المهارات اللازمة لإدارة الأزمة.
من هو مدير الأزمة الفعال؟
ومع ضرورة إدارة الأزمة من خلال فريق متكامل، إلا أن مدير الأزمة بذاته يكتسب أهمية خاصة، ويلزم اتصافه بصفات معينة من أهمها أنه ينبغي أن يكون:
- قوي الإيمان بقضية الأزمة، شديد التحمل، ماضي الإرادة.
- يمتلك القدرة على التفكير الإبداعي.(1/2)
- يتسم بالمهارات القيادية في إدارة فريق الأزمة، وفي الاتصال مع كافة الأطراف ذات الصلة بالأزمة بما في ذلك الطرف الآخر "أو الخصم".
أما الإدارة بالأزمات Management by Crisis فمصطلح يشير إلى: "افتعال أزمة من أجل تحقيق هدف معين".
ومن هذين التعريفين ندرك أنه في "الأزمات المفتعلة" يستخدم مفتعل الأزمة "الإدارة بالأزمات" في حين أن الطرف الآخر يلجأ إلى "إدارة الأزمات"، وهذا لا يعني أن جميع الأزمات مفتعلة من قبل أحد أطراف الأزمة؛ بل قد تكون الأزمة حدثت من جراء عوامل خارجة عن سيطرة ونطاق طرفي الأزمة، ومن ثم يلجأ كلاهما إلى "إدارة الأزمات".
وفي الفصل الثالث يدخل بنا المؤلف إلى صلب الموضوع الهام والذي عنون به الكتاب "الإبداع يخنق الأزمات" كيف ندير أزماتنا؟
إنه يصل بنا إلى كيفية إدارة الأزمات، والتي يقرر أنها ليست أكثر من أن تكون لوناً من ألوان التفكير الإبداعي الذي:
\ يتفهم طبيعة الأزمة وإفرازاتها، ويدرك أنواعها ودورة حياتها.
\ يتعرف على استراتيجيات التعامل معها وكيفية رسم سيناريوهاتها.
\ ويستبطن الوصايا المرعية في إدارة الأزمات.
إذاً فإدارة الأزمات - في رأي المؤلف - تفكير إبداعي واعٍ، ومن ثم يجب التعرف على هذا اللون من التفكير، ونرى الاكتفاء بتلخيص أبرز النقاط المتعلقة بهذا اللون من التفكير، وذلك كما يلي:
التفكير الإبداعي هو: "عملية ذهنية مصحوبة بتوتر وانفعال صادق ينظم بها العقل خبرات الإنسان ومعلوماته بطريقة خلاقة تمكنه من الوصول إلى جديد مفيد".
ويتميز المبدع بمزايا عقلية ونفسية كثيرة، من أبرزها:
الخصائص العقلية:
أ - الحساسية في تلمس المشكلات.
ب - الطلاقة.
ج - المرونة.
د - الأصالة.
هـ - الذكاء.
الخصائص النفسية:
أ - الثقة بالنفس.
ب - قوة العزيمة وحب المغامرة.
ج - القدرة على نقد الذات.
د - الإيمان غالباً بأنه في "الإمكان أبدع مما كان".
هـ - البذل بإخلاص وتفان.(1/3)
و - دائم التغلب على "العائق الوحيد".
ز - حب الاستكشاف والاستطلاع بالقراءة والملاحظة والتأمل.
ح - الميل إلى الانفراد في أداء بعض أعماله، مع مهارات اجتماعية.
وفي الفصل الرابع يبدأ المؤلف في تناول كيفية إدارة الأزمات والتي تنتظم خمس خطوات بتفصيل معقول كما يلي:
أولاً: تشخيص الأزمة وتحديد أسبابها:
في هذه الخطوة يجب تحديد الأزمة بدقة، وهنا يجب أن نفرق بين "الأزمة الظاهرية" و "الأزمة الحقيقية"، فالأولى قد يفتعلها الخصم من أجل المناورة وكشف بعض الأوراق بل ربما من أجل استنزاف الموارد وإنهاك القوى.
ومدير الأزمة المبدع يمتلك حساسية بالغة تجاه المشاكل والأزمات، كما أنه يعايشها بصدق وحرارة؛ ليستكشف بهذه المعايشة جوهرها وأبعادها، ويستبصر اتجاهها ومراحلها، ويتلمس أسبابها ونتائجها.
ويُفضّل عند تحديد الأزمة أن تُصاغ في ظل أسوأ الاحتمالات وأفضلها، مما يساعد على الاستعداد لها ورسم كافة السيناريوهات الممكنة.
كيف نشخص الأزمة؟
يفهم من كلام المؤلف أن الأزمة في حقيقتها ليست أكثر من مرض خطير هاجم جسداً فوجده منهك القوى ضعيف المقاومة، ومن ثم كان بدهياً القول بأن التشخيص السليم للأزمة هو بداية الاهتداء للأسلوب الأمثل للتعامل معها، ويمكن تشخيص الأزمة عبر ما يسمى بـ "المنهج الشامل" الذي يقوم على المحاور الآتية:
1 - استقراء تاريخ الأزمة وتصنيفه إلى مراحل.
2 - عند وصف المراحل التاريخية للأزمة وتحليلها يمكن تفكيك الأزمة إلى الأجزاء المنطقية التي تفاعلت على نحوٍ معين أدى إلى حدوثها، وهذا التفكيك يعرف "بمنهج النظم".
ثانياً: تحديد الأهداف "لماذا ندير الأزمة؟"
ماذا نريد؟ لماذا ندير هذه الأزمة ونتحمس لمواجهتها؟(1/4)
سؤال محوري وخطير يستلزم إجابة دقيقة من خلال سلوك المنهج العلمي في تحديد الأهداف، ومثل هذه الإجابة قد تبين لنا في بعض الأزمات التي نديرها أن الأهداف التي يمكن تحقيقها متواضعة، ومن ثم فهي لا تستحق الجهد المبذول والتكلفة المتوقعة.
وعند "صناعة الأهداف" في أجواء الأزمة، يجب التأكد من أنها: واضحة ودقيقة، متناسقة، متكاملة، واقعية، قابلة للقياس، وأن تكون الأهداف من نوع واحد "استراتيجية أو تكتيكية".
ثالثاً: الحد من تفاقم الأزمة:
يقضي التفكير العلمي - بعد تحديد الأهداف - أن نحدّد البدائل الممكنة، غير أن تصاعد أحداث الأزمة يفرض على فريق الأزمة التفكير في "آلية للحد من تفاقمها" من خلال تحديد بدائل "أولية"، أو "علاجات مسكّنة" بغية السيطرة على "فيروس الأزمة" بقدر المستطاع والذي ينشر "الخلايا السرطانية" ويعمل على تضخمها.
وهذه الخطوة يجب ألا ننظر إليها على أنها مستقلة عن خطوة تحديد البدائل؛ وذلك أن الأزمة تتصاعد أحداثها بشكل سريع ومخيف، مما يحتم علينا محاولة دمج هاتين الخطوتين عبر طريقتين هما:
1 - قيام الفريق بـ "التفكير الآني" في كلا العلاجين المسكّن والأساس في وقت واحد أو في أوقات متعاقبة.
2 - تقسيم فريق الأزمة إلى قسمين: يتولى أحدهما العلاج المسكّن، ويتولى الآخر - في الوقت ذاته - العلاج الأساس.
رابعاً: تحديد البدائل الممكنة:
في هذه الخطوة سجل كل ما يعن لك من أفكار، ولا تستعجل في محاكمتها وإعدامها، فلقد أثبتت بعض الدراسات المعنية بالأزمات أن كثيراً من الأفكار والبدائل الجيدة التي نفذت في بعض الأزمات قد هوجمت في البداية ووصفت بأنها مثالية أو مجنونة!!
وعند تحديد البدائل يجب على فريق الأزمة أن يطرحوا على أنفسهم بعض الأسئلة التي تعين على توليد أكبر قدر ممكن من البدائل، ومن تلك الأسئلة مثلاً ما يلي:
\ ماذا لو فعلنا - أو لم نفعل - كذا............؟(1/5)
\ هل نغير زاوية التفكير؟ هل "نفكر رأساً على عقب"؟
\ هل نستطيع تنفيذها؟ وهل الوقت مناسب لتنفيذها؟ ومن يستطيع مساعدتنا؟
ومدير الأزمة - بل فريق الأزمة - المبدع هو الذي يتخلص من أقفال الإبداع التي تحاول أن توحي لفريق الأزمة بإيحاءات سامة تنتشر في جو الأزمة، فيُخنق الإبداع ويخلفه الجمود ويعتل الجو بالبلادة.
عصف الأزمة ذهنياً:
وقد تتطلب بعض الأزمات حلولاً كثيرة، مما يؤيد استخدام ما يسمى "العاصفة الذهنية" Brain Stormin، وتتلخص في طرح أزمة أو مشكلة معينة على مجموعة من الأفراد، وتمر هذه العاصفة بالمراحل الآتية:
أ - توضيح الأزمة وتجزئتها.
ب - توليد الأفكار وعرضها.
ج - تقويم الأفكار المطروحة.
خامساً: اختيار أفضل البدائل:
بعد تحديد البدائل الممكنة يجب إخضاعها لدراسة علمية، يشترك فيها مجموعة من الخبراء والمتخصصين "فريق الأزمة + بعض المستشارين - إن لزم الأمر".
ويمكن تقييم كل بديل من خلال مجموعة من الأسئلة مثل:
- هل يمكن تطبيقه عملياً؟ وهل نملك القدرة والموارد الكافية لتطبيقه؟
- ما هي تكلفة تطبيقه؟ وكم سيستغرق من الوقت؟
- ما هي الآثار والمخاطر المتوقعة؟ وما هي ردة الفعل المتوقعة للخصم؟
وإذا تم اختيار البديل المناسب فثمة أسئلة أخرى نجيب عليها هي:
- من الذي سيشارك في تنفيذ كل خطوة؟ ومتى؟ وكيف؟ وكم ستستغرق هذه الخطوة من الوقت؟
- ما هي المشكلات التي يمكن أن تنشأ بين الأشخاص بسبب التنفيذ؟
ما هي استراتيجيات التعامل مع الأزمات؟
وبعد أن عرفنا الكيفية التي تدار بها الأزمات يجب أن نتعرف على الاستراتيجيات المتاحة للتعامل معها، وفي الفصل الخامس يناقش المؤلف هذه القضية بإسهاب، ويمكننا عرضها كما يلي:
إدارة الأزمات يجب أن تتم في ضوء استراتيجية معينة، بحيث يقتنع فريق الأزمة بضرورة إدارة الأزمة في ضوئها.(1/6)
واستراتيجيات التعامل مع الأزمة كثيرة، ولذا كان من الواجب عند اختيار الاستراتيجية مراعاة الأمور الآتية:
\ تحديد الموقف من الأزمة: من هو صانع الأزمة؟ ومن هو المستهدف بها؟
\ اختيار الاستراتيجية التي تناسب طبيعة الأزمة وإفرازاتها.
\ التأكد من أن الاستراتيجية المختارة يمكن تطبيقها في ظل الإمكانات المادية والبشرية المتاحة.
\ التعرف على استراتيجية الطرف الآخر.
ثم تناول المؤلف أهم الاستراتيجيات على النحو الآتي:
1 - كبت الأزمة:
وتقضي هذه الاستراتيجية بالعنف في التعامل مع الأزمة ومع الطرف الآخر، وذلك بالتدخل السريع ومحاولة وقف أحداثها والقضاء على "مولّداتها" كالأزمة الطلابية التي حدثت في الصين في صيف 1989م.
2 - تفريع الأزمة:
وهذه الاستراتيجية تعتبر امتداداً لما قبلها، إلا أن الفارق بينهما يكمن في أن الاستراتيجية الأولى تهدف إلى القضاء نهائياً على الأزمة دفعة واحدة، بينما الثانية تروم القضاء عليها تدريجياً لقناعة مستخدمها بضرورة التدرج: إما لتماسك الطرف الآخر وقوته وكثرة أتباعه، أو للظهور إعلامياً بمظهر المتسامح، أو لغير ذلك من الأسباب
3 - إنكار الأزمة أو بخسها:
أي أنه لا يتم الاعتراف بوجود الأزمة أصلاً أو التقليل من شأنها بحيث تصور على أنها مجرد "فقاعات هواء" لا تلبث أن تتبدد، ومن ثم فإن هذه الاستراتيجية يصاحبها:
\ تعتيم إعلامي لتفويت الفرصة على الطرف الآخر لإقناع بعض من المستهدفين بالأزمة وبخطورتها.
\ تحصين الأفراد من هذه الحملات الإعلامية، وإقناعهم بعدم وجود أي أزمة أو التهوين من شأنها.
4 - عزل قوى الأزمة:
هذه الاستراتيجية تؤمن بالحكمة التي تقبع في "اللاشعور الإنساني" والتي تقضي بقطع "رأس الحية" بغية التخلص من شرها!!
وعبر هذه الاستراتيجية يتم تصنيف قوى الأزمة إلى:
أ - القوى الصانعة.
ب - القوى المؤيدة.
ج - القوى المهتمة بالأزمة.(1/7)
وبعد هذا التصنيف يتم عزل القوى الصانعة بطريقة أو بأخرى.
5 - احتواء الأزمة:
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى "محاصرة الأزمة" والعمل على عدم استفحالها، عبر امتصاص الضغط المولد لها؛ ففي الأزمات العمالية - مثلاً - يمكن اتباع ما يلي:
\ إبداء الرغبة في معرفة مطالب العمال عبر مفاوضات ذكية.
\ مطالبة العمال باختيار ممثل لهم في هذه المفاوضات، ومن ثم مطالبة الممثل بتوحيد الرغبات؛ حيث إنها متعارضة، أو المطالبة باستبعاد بعضها؛ لتعذر تنفيذها دفعة واحدة.
\ التفاوض مع الممثل بذكاء والخلوص إلى نتائج جيدة.
6 - تصعيد الأزمة:
وذلك بالعمل على زيادة حدة الأزمة إلى درجة معينة، ويتم اللجوء إلى هذه الاستراتيجية في حالات خاصة ولتحقيق أهداف محددة، مثلاً:
\ في حالة الغموض الشديد في الأزمة وعدم ظهور أطراف الأزمة الحقيقية.
\ عند الرغبة في تصنيف قوى الأزمة.
7 - تفريغ الأزمة من مضمونها:
ليس ثمة أزمة بلا مضمون، ومضمون الأزمة قد يكون دينياً أو ثقافياً أو سياسياً أو اقتصادياً، أو اجتماعياً أو خليطاً، وهذه الاستراتيجية تقضي بـ "خنق الأزمة" وذلك بامتصاص مضمونها، وجعلها تتنفس بلا هواء، أو بهواء بلا رئة!!
استراتيجية "التفريغ" كثيراً ما تستخدم في الأزمات الدينية والثقافية؛ ذلك أن الدين والثقافة يستعصيان على العنف والإكراه في الأغلب، وهو ما يضطر أحد الطرفين إلى تفريغ الأزمة من مضمونها والادعاء بأنها لا تمت إلى الدين أو الثقافة بأدنى صلة، لتبقى بعد ذلك مهمة الطرف الآخر منحصرة بالتأكيد على هذا المضمون، بل ربما امتدت مهمته إلى إيجاد مضامين جديدة لتشتيت خصمه تقكيراً وتنفيذاً.(1/8)
وكلام المؤلف العميق حول هذه الاستراتيجية يجعلني أبادر إلى تقرير أن قضية فلسطين وما انتهجه اليهود تجاهها تعد مثالاً جيداً على هذه الاستراتيجية؛ ذلك أن اليهود ما برحوا منذ بدء الأزمة يصورون الصراع على أنه مسألة سياسية لا عقدية وأن الحل تستحيل بلورته وإنضاجه إلا عبر مجلس الأمن وما يسمى بـ "الشرعية الدولية"، حتى مصطلح الأزمة ذاته بات يمارس دوره التضليلي؛ فالصراع القائم هو "الصراع العربي الإسرائيلي"!!
ثمة وصايا يلزم اصطحابها:
بعد أن تعرفنا فيما سبق على ماهية الأزمة، وعلى خصائص فريق ومدير الأزمة الفعال، وبعد أن استعرضنا كيفية إدارة الأزمات في ضوء استراتيجية معينة، بعد هذا كله نكون قد أنهينا أغلب مفردات الإطار النظري لإدارة الأزمات، ليكون من المنطقي في هذا الجزء أن نتعرف على ما هناك من وصايا يلزم اصطحابها عند إدارتنا لأزماتنا.
يقول المؤلف: إن الأزمة بطبيعتها تخلق جواً مفعماً بالضيق والتوتر والانفعال - وربما صاحبه شيء من الشعور بفقد السيطرة على مجريات الأحداث - جواً مشحوناً بالمعلومات المتضاربة والآراء المتناقضة، جواً ربما يبعث بعض الناس على الانكفاء على الذات والانطواء على مصالحه الخاصة.
من هذا الجو "الخانق" تتجلى أهمية استصحاب وصايا تعيد إلى العقول رشدها وإلى النفوس طمأنينتها وإلى الإدارة حكمتها. وهذه الوصايا نستنبطها من النصوص الشرعية، ونفيد مما هو مبثوث في أدبيات إدارة الأزمات، وهي كثيرة، غير أن من أهمها ما يلي: "ذكر المؤلف في الفصل السادس عشر وصايا نذكر منها ثماني وصايا على سبيل الاختصار":
1 - ما أصابك لم يكن ليخطئك:(1/9)
هذه الوصية تجعلك تظفر بثمرة "الإيمان بالقضاء والقدر"؛ فالأزمة في حقيقتها مصيبة يبتلينا ربنا - عز وجل - بها تمحيصاً للذنوب ورفعة للدرجات، قال - تعالى -: إنا كل شيء خلقناه بقدر {القمر: 49}، وقال: وكان أمر الله قدرا مقدورا {الأحزاب: 38}، وفي حديث جبريل - عليه السلام - أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بقوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(1)، ولذا فإن من الواجب على المؤمن "المتأزم" أن يؤمن بأن أزمته لم تكن لتخطئه، ليستجمع بعد ذلك قواه ويسترد رشده ويلتقط أنفاسه من أجل الشروع في مواجهة أزمته بعد الاستعانة بالقوي الحكيم العليم - جل وعلا -.
2 - لا تغضب!
لِمَ تغضب وعلامَ تطيش ـ إن كنت أيقنت حقيقة بأن أزمتك لم تكن لتخطئك؟! يجب أن تؤمن بأنه ليس ثمة سبيل إلى التفكير السديد في حالة "انقلاب الأعصاب" و "تسرّب الحِلْم" و "تبخّر الهدوء" وقد تقول: لا بد أن أغضب؛ فهذه أزمة، ثم كيف لا أغضب؟ بكل بساطة أقول لك: إن أردت ألا تغضب فلا تغضب!! ليست هذه فلسفة ولا سفسطة، وإنما توجيه نبوي كريم؛ فعن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني! فقال صلى الله عليه وسلم : "لا تغضب" فردد مراراً؛ قال: "لا تغضب"(1).
3 - كن واقعياً؛ فقد لا تستطيع تحقيق كل أهدافك:
بعد أن يثوبَ إليك رشدُك وتُمسِك زمامَ عقلك، عليك أن تبادر نفسك بالسؤال:
ما هدفي؟ ماذا أريد بالضبط؟(1/10)
وبعد أن تحدد أهدافك بدقة احذر من المثالية التي قد توهمك أحياناً بأنك قادر على تحقيقها كلها وفي كل أزماتك التي تديرها، غير أن الواقعية تقضي بغير ذلك؛ فكثيرٌ من الناس - ولعلك كنتَ واحداً منهم - حدَّدوا أهدافاً جيدة ولكنها غير واقعية: إما في عددها أو في مضمونها، ثم راحوا يديرون أزمتهم ويتعبون أنفسهم بغية تحقيقها ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أنهم كانوا يحلُمون!! وربما كان ذلك سبباً في عدم تحقيق شيء من أهدافهم!! إذاً فكن واقعياً من البداية وحدد ما تستطيع تحقيقه من أهدافك في ظل الظروف الراهنة وفي ضوء قدراتك المادية والبشرية.
4 - لا تحرج خصمك!
من الأصول المستقرة في إدارة الأزمات "عدم إحراج الخصم"؛ ذلك أن الخصم في أغلب الأزمات يعتبر شريكاً لا مناص من التنازل له ببعض الأمور، ويرجع هذا إلى عدة أمور من أهمها:
\ انتشار الوعي الإداري والإلمام بأصول إدارة الأزمات.
\ الثورة المعلوماتية أتاحت لطرفي الأزمة معلومات مهمة عن الأزمة وملابساتها.
ليس ذلك فقط هو الذي يدعو إلى "عدم إراقة ماء وجه الخصم"، بل إن إحراج الخصم قد يؤدي به في بعض الأحيان إلى موجة من التهور والطيش تكون سبباً في احتدام الأزمة وإشعال فتيلها.
ويتفرّع عن هذه الوصية ويلزم منها وصية أخرى مفادها:
دع خصمك يتنفس!
ذلك أن الاستعجال في مبادرة الخصم قد يلجئه إلى شيء من الاستعجال الذي قد يصاحبه شيء من التهور؛ وذلك من أجل تقديم الدليل على كامل قدرته على الرد الحاسم والمدروس!!
5 - صعّد تدريجياً:
من الطبيعي في خضم الأزمة أن يحدد كل طرف بدائل متعددة، وتقضي إدارة الأزمات بالبدء بالأخف منها ثم التدرج فيها حتى البديل الأقوى، ومثل هذا التدرج يفيد في:
\ إعطاء الخصم انطباعاً بأنك قادر على الاستمرار في الأزمة بل والتصعيد، مما قد يحمله على التنازل وإنهاء الأزمة بالصورة المطلوبة.
\ تجنب توجيه الأزمة نحو العنف.(1/11)
وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة الاقتصاد في استخدام الموارد المتاحة؛ وذلك أن بعض صانعي الأزمة قد يفتعل في البداية أزمة وهمية (كمين) بقصد استنزاف الموارد وإنهاك القوى، لتظهر بعدُ الأزمة الحقيقة التي قد لا تكفي الموارد الباقية والقوى الخائرة لمواجهتها!!
6 - وسّع نطاق استشاراتك:
قال - تعالى - مبيناً أهمية الاستشارة: وشاورهم في الأمر {آل عمران: 159}، وتنبثق هذه الأهمية من كونها تتيح لمدير الأزمة أن ينظر للأزمة بعقلانية أكثر وطرائق تفكير متعددة، ومن زوايا متعددة، وبنفسيات تختلف تفاؤلاً وتشاؤماً.
إن بعضاً ممن يعانون من الأزمات يستشير الكثير من الناس في أزماتهم، غير أنهم في الحقيقة لا يستشيرون إلا أنفسهم ولا يصدرون إلا عن عقولهم. إنهم أولئك الذين يستشيرون من يحاكونهم في طريقة التفكير والتخصص والخلفية الثقافية والاهتمامات!!
7 - تلمّس دعماً أكبر:
مدير الأزمة الناجح هو من يتلمس دعماً أكبر:
\ باستبقاء المؤيدين بقوة من خلال إقناعهم بالقرار الذي تم اتخاذه وبأهمية تأييدهم للقضية التي آمنوا بمشروعيتها واقتنعوا بضرورتها.
\ وبجذب أكبر عدد ممكن من المترددين والعمل على زيادة تأييدهم؛ وذلك بإطلاعهم على كافة الجوانب التي تزيل اللبس وتقنعهم بسمو القضية، وبالنتائج الطيبة التي ستسفر عنها الأزمة.
\ وبتحييد أكبر عدد ممكن من المعارضين.
8 - استخر واستعن:
لم يبق لك إلا أن تستخير الله - تعالى - وتستعين به؛ فلقد حكى لنا جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلّمهم الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، ولاحظ أنه قال: "في الأمور كلها" هكذا، أي في عظيم الأمر وحقيره؛ فما بالك بقرار يتعلق بأزمة، وها هو صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "إذا هَمَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك" الحديث(1).
ثم ختم المؤلف كتابه بفصلين هامين:(1/12)
الأول: "وهو الفصل السابع" تحدث فيه عن سيناريوهات الأزمة التي عرفها بأنها: "مسلسل متوقع للأحداث والنتائج تجاه قضية معينة"، متناولاً في هذا الفصل كيفية صناعة السيناريوهات وعوامل نجاح مثل هذه الصناعة.
الثاني: "وهو الفصل الثامن": وهو من أهم فصول الكتاب؛ وذلك لأنه يتعلق بالتطبيق العملي، وقد عرض فيه لبعض التطبيقات العملية الناجحة والمخفقة في إدارة الأزمات؛ فقد عرض في التطبيقات الناجحة:
- أزمة بلقيس "قصة سليمان - عليه السلام - مع ملكة سبأ وكيف استطاع أن ينجح في إدارة تلك الأزمة الرهيبة".
- أزمة دواء التلينول "وقعت أحداثها في الثمانينيات الميلادية وهي أزمة مثيرة".
- أزمة الصواريخ الكوبية والتي تعد الأزمة النموذجية في عالم السياسة والتي وقعت أحداثها في عام 1962م بين القطبين آنذاك.
أما التطبيقات غير الناجحة فقد استعرض المؤلف أزمة واحدة فقط هي "أزمة إدارة الأزمات العربية"!!
وما تم عرضه من الكتاب لا يغني عن قراءته واقتنائه لاكتساب المنهجية العلمية في إدارة الأزمات والتعمق في فهم مفرداتها وخطواتها.
والله ولي التوفيق
عرض وتلخيص: أحمد عثمان البيان 146(1/13)
الإبداع
طريقك نحو قيادة المستقبل
المراجع:
· ... سلسلة الإبداع والتفكير الابتكاري د. علي الحمادي.
· ... الخروج من الصندوق فرانك برنس ترجمة: نسيم الصمادي.
إعداد: عبد الله المهيري
قبل أن نبدأ
أنوه إلى أن مادة هذا الملف تم تجميعها وترتيبها من المراجع المكتوبة أعلاه، واجتهدت أن أختصر بقدر الإمكان في هذه المادة وكتابة الخلاصة المفيدة ورتبت الملف بحيث يعرف الفرد كيف الإبداع ومعوقاته والطرق التي تجعلك أكثر إبداعاً، وأساليب توليد الأفكار وأخيراً بعض التطبيقات.
ما هو الإبداع؟ وماذا نقصد بالإبداع؟
في الحقيقة هناك تعاريف كثيرة للإبداع، لذلك سنذكر بعض التعاريف، من أيسر هذه التعاريف التعريف التالي "العملية التي تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة، تكون مفيدة ومقبولة اجتماعياً عند التنفيذ" وهناك تعريف شامل للدكتور على الحمادي، أورده ضمن كتابه الأول من سلسلة الإبداع وهو التعريف التالي "هو مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة، أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله" وأعتقد بأن هذا هو التعريف الشامل.
إذاً الإبداع هو إنتاج أفكار جديدة خارجة عن المألوف، على شرط أن تكون أفكار مفيدة، وقد يكون الإبداع في مجال يجلب الدمار والضرر وهذا لا يسمى إبداع بل تخريب، فلو قلنا أن موظف ابتكر طريقة جديدة لتخفيض التكاليف أو لتعزيز الإنتاج أو لمنتج جديد، فتعتبر هذه الفكرة من الإبداع.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب "شرارة الإبداع" د. علي الحمادي حيث ستجد تعريف شامل للإبداع والمفاهيم المتصلة به. وهذا الملف هو تعريف مختصر جداً للإبداع ولا أود الإطالة.
من هو المبدع؟
يظن بعض الناس أن الإنسان المبدع ولد هكذا مبدعاً، وهو مفهوم غير صحيح، وللاختصار أقول كل شخص يستطيع أن يبدع ويبتكر إلا من يأبى!(1/1)
كان أحد رجال الأعمال يقف في طابور طويل في إحدى المطارات، لاحظ الرجل أن أغلفة تذاكر السفر بيضاء خالية، ففكر في طباعة إعلانات على هذه المغلفات وتوزيع هذه الأغلفة مجاناً على شركات الطيران، وافقت شركات الطيران على هذا العرض، وتعاون رجل الأعمال مع مدير إحدى المطابع وتم هذا المشروع، والنتيجة أرباح بملايين الدولارات! الفكرة إبداعية وصغيرة، لكنها جديدة ولم يفكر فيها أحد من قبل، وصار لهذا الرجل زبائن من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة.
الإبداع الفردي
نستعرض في هذا القسم خصائص الشخص المبدع، معوقات الإبداع لدى الأفراد، طرق وأساليب لتصبح أكثر إبداعاً، طرق توليد الأفكار، ثم بعض الأمثلة والمجالات التي يستطيع الفرد أن يبدع فيها.
صفات المبدعين
هذه بعض صفات المبدعين، التي يمكن أن تتعود عليها وتغرسها في نفسك، وحاول أن تعود الآخرين عليها أيضاً.
· ... يبحثون عن الطرق والحلول البديلة ولا يكتفون بحل أو طريقة واحدة.
· ... لديهم تصميم وإرادة قوية.
· ... لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها.
· ... يتجاهلون تعليقات الآخرين السلبية.
· ... لا يخشون الفشل ( أديسون جرب 1800 تجربة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي ).
· ... لا يحبون الروتين.
· ... يبادرون.
· ... إيجابيون ومتفاؤلون.
وإذا لم تتوافر فيك هذه الصفات لا تظن بأنك غير مبدع، بل يمكنك أن تكتسب هذه الصفات وتصبح عادات متأصلة لديك.
معوقات الإبداع
معوقات الإبداع كثيرة، منها ما يكون من الإنسان نفسه ومنها وما يكون من قبل الآخرين، عليك أن تعي هذه المعوقات وتتجنبها بقدر الإمكان، لأنها تقتل الإبداع وتفتك به.
· ... الشعور بالنقص ويتمثل ذلك في أقوال بعض الناس: أنا ضعيف، أنا غير مبدع ... إلخ.
· ... عدم الثقة بالنفس.
· ... عدم التعلم والاستمرار في زيادة المحصول العلمي.
· ... الخوف من تعليقات الآخرين السلبية.
· ... الخوف على الرزق.(1/2)
· ... الخوف والخجل من الرؤساء.
· ... الخوف من الفشل.
· ... الرضى بالواقع.
· ... الجمود على الخطط والقوانين والإجراءات.
· ... التشاؤم.
· ... الاعتماد على الآخرين والتبعية لهم.
طرق وأساليب لتصبح أكثر إبداعاً
· ... مارس رياضة المشي في الصباح الباكر وتأمل الطبيعة من حولك.
· ... خصص خمس دقائق للتخيل صباح ومساء كل يوم.
· ... ناقش شخصاً آخر حول فكرة تستحسنها قبل أن تجربها.
· ... تخيل نفسك رئيس لمجلس إدارة لمدة يوم واحد.
· ... استخدم الرسومات والأشكال التوضيحية بدل الكتابة في عرض المعلومات.
· ... قبل أن تقرر أي شيء، قم بإعداد الخيارات المتاحة.
· ... جرب واختبر الأشياء وشجع على التجربة.
· ... تبادل عملك مع زميل آخر ليوم واحد فقط.
· ... ارسم صوراً وأشكالاً فكاهية أثناء التفكير.
· ... فكر بحل مكلف لمشكلة ما ثم حاول تحديد إيجابيات ذلك الحل.
· ... قدم أفكاراً واطراح حلولاً بعيدة المنال.
· ... تعلم رياضة جديدة حتى إن لم تمارسها.
· ... اشترك في مجلة في غير تخصصك ولم يسبق لك قراءتها.
· ... غير طريقك من وإلى العمل.
· ... قم بعمل السكرتير بنفسك، وأعطه إجازة إجبارية!
· ... قم بترتيب غرفتك، وغسل ملابسك وكيها لوحدك.
· ... غير من ترتيب الأثاث في مكتبك أو غرفتك.
· ... احلم وتصور النجاح دائماً.
· ... قم بخطوات صغيرة في كل عمل، ولا تكتفي بالكلام والأماني.
· ... أكثر من السؤال.
· ... قل لا أعرف.
· ... إذا كنت لا تعمل شيء، ففكر بعمل شيء إبداعي تملء به وقت فراغك.
· ... ألعب لعبة ماذا لو ..؟
· ... انتبه إلى الأفكار الصغيرة.
· ... غير ما تعودت عليه.
· ... احرص أن يكون في أي عمل تعمله شيء من الإبداع.
· ... تعلم والعب ألعاب الذكاء والتفكير.
· ... اقرأ قصص ومواقف عن الإبداع والمبدعين.
· ... خصص دفتر لكتابة الأفكار ودون فيه الأفكار الإبداعية مهما كانت هذه الأفكار صغيرة.
· ... افترض أن كل شيء ممكن.(1/3)
طرق توليد الأفكار
وصلنا إلى التطبيق العملي، كيف نولد ونبتكر افكار وحلول جديدة، إليك هذه الطرق:
· ... حدد هدفاً واضحاً لإبداعك وتفكيرك.
· ... التفكير بالمقلوب، أي إقلب ما تراه في حياتك حتى تأتي بفكرة جديدة، مثال: الطلاب يذهبون إلى المدرسة، عندما تعكسه تقول: المدرسة تأتي إلى الطلاب، وهذا ما حدث من خلال الدراسة بالإنترنت والمراسلة وغيرها.
· ... الدمج، أي دمج عنصرين أو أكثر للحصول على إبداع جديد، مثال: سيارة + قارب = مركبة برمائية، وتم تطبيق هذه الفكرة!
· ... الحذف، احذف جزء أو خطوة واحدة من جهاز أو نظام إداري، فقد يكون هذا الجزء لا فائدة له.
· ... الإبداع بالأحلام، تخيل أنك أصبحت مديراً لوزارة التعليم مثلاً، مالذي ستفعله؟ أو تخيل أننا نعيش تحت الماء، كيف ستكون حياتنا؟
· ... المثيرات العشوائية، قم بزيارة محل للعب الأطفال، أو سافر لبلاد لم تزرها من قبل، أو امشي في مكان لم تراه من قبل، ولا تنسى أن تحمل معك دفتر ملاحظات وقلم لكي تسجل أي فكرة أو خاطرة تخطر على ذهنك.
· ... الإبداع بالتنقل، أي تحويل ونقل فكرة تبدو غير صحيحة أو معقولة إلى فكر جديدة ومعقولة.
· ... زاوية نظر أخرى، انظر إلى المشكلة أو الإبداع أو المسألة من طرف ثاني أو ثالث، ولا تحصر رؤيتك بمجال نظرك فقط.
· ... ماذا لو؟، قل لنفسك: ماذا لو حدث كذا وكذا .. ستكون النتيجة .....
· ... كيف يمكن؟ استخدم هذا السؤال لإيجاد العديد من البدائل والإجابات.
· ... استخدامات أخرى، هل تستطيع أن توجد 20 استخدام آخر للقلم غير الكتابة والرسم؟ جرب هذه الطريقة وبالتأكيد ستحصل على أفكار مفيدة.
· ... طور باستمرار، لا تتوقف عن التطوير والتعديل في أي شيء.
أمثلة وتطبيقات(1/4)
1- تصور أن مؤسستك ققرت الاستغناء عنك، فماذا ستفعل؟ هل ستبحث عن وظيفة جديدة أو ستبدأ مشروعك الخاص، أو لن تفعل أي شيء بالمرة، فكر وابتكر فكرة إبداعية جديدة، وطبقها إذا أمكن، ولا تنسى أن الخوف على الرزق هو من معوقات الإبداع.
2- انظر إلى المخلفات والمهملات التي في المنزل، هل بإمكانك أن تستفيد منها؟ على طاولتي علبة لوضع الأقلام فيها، هذه العلبة كانت في الأصل علبة لطعام!! لكن تم تنظيفها وتزينها حتى أصبحت جميلة ومفيدة.
3- تود أن تذهب مع عائلتك في رحلة إبداعية، كيف ستكون هذه الرحلة؟
4- غرفتك غير منظمة، كيف سترتبها بحيث توفر مساحة كبيرة، ويكون هذا الترتيب عملي أيضاً.
5- سيزورك بعض أصدقائك في المنزل، كيف ستسقبلهم بطريقة إبداعية؟
6- رغبت في تنشيط أفراد أسرتك بنشاط إبداعي جديد، كيف سيكون هذا النشاط؟
7- قررت أن تزرع حديقة منزلك بنباتات الزينة، كيف ستزرعها وكيف سيكون شكلها؟
8- لاحظت أن النفقات المالية كثيرة في منزلك، كيف ستقلص هذه النفقات؟
9- تود أن تتعلم وتزيد ثروتك المعرفية، ابتكر 10 طرق لتزيد من معرفتك.
10- إذا كنت تعتمد على الخادمة في أعمال المنزل، تصور أنك تخليت عنها لمدة اسبوع، كيف ستدبر أعمال المنزل؟ وطبق هذا التمرين عملياً وتخلص من الخادمة ومن سلبيات الخدم.
الخاتمة
كن شخصاً مبدعاً ولا تلتفت إلى ما يقوله غيرك من تعليقات سلبية ومثبطة، وحاول أن تنمي مهارة الإبداع لديك واعلم أنها مهارة تستطيع أن تكتسبها، والإبداع ضروري لحياة الفرد لكسر الروتين والملل، ولتطوير مهاراته ومعارفه، ولإثراء حياته بالتجارب والمواقف الجميلة، لذلك فكر في كل حياتك الشخصية وحاول أن تبدع ولو قليلاً في كل مجال.(1/5)