سلسلة نصائح للشباب والفتيات
( 1 )
فليس منّا
بقلم /
متعب بن سريان العصيمي
تقديم /
فضيلة الشيخ / علي بن عبد الخالق القرني
يطلب من دار القاسم
الرياض . طريق الملك فهد ( رحمه الله )
موقعنا على الإنترنت www.dar-algassem.com
البريد الإلكترونيsales @ dar-algassem .com
الطبعة الأولى
1423 هـ /2002م
حقوق الطبع محفوظة
عنيت بالطبع دار القاسم للنشر والتوزيع
هاتف / 4092000 / 01
فاكس / 4033150 /01
فليس منا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فمن المعلوم أن الإنسان قد خلق محدود العمر ، تتناوشه النزعات ، والأطماع والشهوات ،
ضعيف الحول والقوة ، التبعات الملقاة على عاتقه ضخمة ثقيلة ، كيف وقد عرضت على
السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها الإنسان .
إنها الأمانة وضدها الخيانة ، ومن الخيانة الغش بجميع أشكاله في البيع والشراء ،
والامتحان والتربية وغيرها .
وحول هذا الأمر كانت هذه الرسالة التي تحمل عنوان ( فليس منا ) للأخ / متعب العصيمي
- وفقه الله - وهي لبنة في التحذير من الغش ، داعية إلى الأمانة ، كتب الله لها القبول ،
والصلاة والسلام على الرسول .
كاتبها :
علي بن عبد الخالق القرني
المعهد العلمي في مكة المكرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
إن المتأمل والناظر بعين البصيرة في حال كثير من الناس يجدهم قد ابتلوا
بداء عظيم وأمر خطير ألا وهو الغش - نسأل الله العافية - فلا تكاد تجد من
يسلم من هذا البلاء إلا من رحم الله .
ولتنبيه الغافل وتعليم الجاهل بحرمة هذا الأمر وخطورته سطرت هذه الوريقات(1/1)
والتي أسأل الله العلي القدير أن يجعلها - وسائر أعمالنا - خالصة لوجهه
الكريم ، وأن يجعلها مفتاحا في يد التائبين من هذا البلاء ، لا أقول ليفتحوا به
باب التوبة - لأن باب التوبة
مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها أو ما لم تغرغر - وإنما ليقفلوا به بابا
قد حرمه الله عليهم ( الغش ) فلا يقربوا منه أبداً .
فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسي
والشيطان ، والله بريء منه ورسولُه ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
كتبه أخوك المحب لك
… متعب بن سريان العصيمي
………………… مكة المكرمة 1423 هـ
تمهيد
يعد الغش ظاهرة سلبية تفشت في مجتمعنا حتى صارت عند بعض ضعاف
النفوس مهنة يمتهنها في بيعه ومعاملته للناس ، فالطالب في امتحانه قد غش ،
ورب الأسرة بسوء تربيته قد غش ، والتاجر في ترويج بضاعته قد غش - إلا
من رحم الله - فإلى المشتكى .
أخي الحبيب:
تصور أن هناك امتحانا ً خالطه الغش كيف لك أن تميز بين المجتهد والبليد؟
تصور لو أنه عرضت عليك بضاعة مغشوشة لتشتريها أتستطيع أن تفرق بين
القديم والجديد ، والصرف من الزائف إذ الأمر سواء في نظرك ، وفي الحقيقة
شتان بينهما.
الغش صفة ذميمة اتصف بها المنافقون ، فهم
غششة ، والمؤمنون نصحة ، والغاش ممقوت عند الله وعند خلقه ، وممحوق
البركة في عمله وماله ، ولهذا يجب علينا أن نحد من انتشار هذه الظاهرة
بتوعية الناس وتحذيرهم منها ومن سوء عاقبتها(1) .
(1) وذلك بالكتابة والنصيحة ، والخطبة وغير ذلك .
وقفة مع طالب مجتهد
أخي الطالب المجتهد:
يا من طلب العلا فسهر الليالي ، جد واجتهد ، وقام وقعد كل ذلك من أجل أن
ينال أعلى الدرجات ويحصل على أرفع الأوسمة بكل شرف وطموح ، ولكن في
الامتحان لماذا . . . ؟
نعم لماذا أراك قد تنازلت عن جهدك وتخليت عن مضمار السباق و
أعلنت الاستسلام لوساوس الشيطان من الإنس الجن ؟
قل لي كيف ترضى لنفسك أن ترهقها وتحرمها لذة النوم والراحة وغيرك(1/2)
(هامل ) يتجول في الشوارع أو متسلق ٍ على ظهره في سبات عميق ثم تأتي
في ساعة الامتحان وبكل بساطة لتقدم له الخدمة الشيطانية ( الغش ) .
أخي:
العاقل العامل لا يكون فريسة الخامل.
وقفة مع .........
أخي /
لم أستطع أن أصفك بالغاش لأنني أرجو أن تصبح غدا ً أمينا ً إن شاء الله.
أخي /
الغش من الإثم هو قول نبيك ( " البر حسن الخلق والإثم ما حاك (1) في نفسك
وكرهت أن يطلع عليه الناس " (2) .
أخي /
هل تحب أن يطلع عليك المراقب في الامتحان أو السوق ويكشف أمرك للناس ؟
الجواب : بالطبع لا . بل أنت تكره ذلك وتخشى على نفسك الفضيحة .
وهذا دليل على أن الغش من الإثم وعلى هذا فاسمع إلى قوله تعالى :
(( ... وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد
العقاب )) (3) .
( 1) حاك : أي تردد فيه .
(2) رواه مسلم ، ( 45/ 2553 ) .
(3) سورة المائدة (2) .
مظاهر الغش(1)
أولاً / غش الراعي لرعيته ، والقائد لجنوده ، والرئيس لمرؤوسيه ، ورب
الأسرة لأبنائه .
فعن معقل ابن يسار المزني - رضي الله عنه - قال : سمعت الرسول (
يقول : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته
إلا حرم الله عليه الجنة " (2)
ثانياً/ الغش التجاري الذي يعتدي فيه المسلم على مال غيره ولو كان شيئاً
يسيراً ليحصل عليه بالحرام عن طريق الكذب والكتمان ، أو إخفاء عيوب
السلعة أو البخس في الميزان .
خرج النبي ( ذات يوم إلى الناس في سوقهم في حملة تفتيشية للبضائع
والسلع ، وفي أثناء حملته ( مر ّ على صبرة طعام ، فأدخل يده فنالت
بللاً ، فقال :
(1) الغش في الاختبارخيانة وانهيار ، أحمد كرزون ، ص 33- 36 ( بتصرف ) .
(2) رواه مسلم ، ( 33 / 1829 ) .
ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ! فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ فقال : أصابته
السماء يا رسول الله ، فقال ( " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ! من
غشنا فليس منا " (1)(1/3)
ثالثاً / الغش في العلم وهو من أخطر أشكال الغش وأبلغها أثرا ً وضرراً ،
فعندما يحصل الغاش على شهادة تعليمية بالغش فإنه يكتسب بها مالا ً حراما ً .
وعملية الغش في الاختبارات تعد من أخطر الكوارث التربوية التي تتعرض لها
مسيرة التربية والتعليم ، فتعرقل تقدمها ، وتخل موازينها ، وتؤدي بالطالب
الغاش إلى حياة الخمول والانحراف .
رابعاً / الغش في القول ، كالإدلاء بالشهادات ، والأقوال والمعلومات التي
يقدمها المسلم أمام القضاء ، أو أي جهة مسؤولة بشكل مخالف للحقيقة ، ليوقع
الضرر بالناس ظلما ً وزورا ً .
خامساً / الغش في الصداقة والصحبة ، وهو الأمر الذي غفل عنه كثير من
الشباب ، بل تساهلوا في هذا الأمر ، حتى بلغوا درجة كبيرة من الضياع
والخسران المبين .
( رواه مسلم ، ( 1 / 102 ) .
وفي ذلك يقول الله جل وعلا : (1)
(( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27)
يا ويلتاي ليتني لم أتخذ فلانا ً خليلا ً ( 28 ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني
وكان الشيطان للإنسان خذولاً )) (29) .
فليس من أهداك سواكا ً وشريطا ً نافعا ً كمن أعطاك سيجارة وشريطاً ماجناً ،
فالأول ناصح ومحب لك ، والآخر عدو غاش لك .
قال تعالى :
(( الأخلآء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) .
(1) سورة الفرقان ( 27 ، 28 ، 29 ) .
(2) سورة الزخرف (67) .
أسباب الغش
من الأسباب التي تدعو الإنسان إلى الغش سواء في المعاملات أو الامتحانات /
(1) ضعف الإيمان ، وقلة الخوف من الله ، والتهاون بنظره ، وعدم
مراقبته في كل دقيقة وجليلة .
(2) جهل بعض الناس بحرمة الغش ، وأنه من خصال المنافقين .
(3) عدم الإخلاص لله في العمل - سواء طلب علم ، أو تجارة - فمتى
قل حظ الإنسان من الإخلاص ، أو فقده فإنه لا تردعه نفس أبية ، ولا
ضمير يؤنبه ، فتراه يغش ويخدع على مرأى من الناس ومسمع .
(4) الحرص على جمع المال من أي طريق كان ، فنجد بعض الناس(1/4)
أكبر همه هو جمع المال ، وتحصيل الربح الأكثر ، سواء عن طريق
بضاعة مغشوشة ، أو شهادة مزيفة يحصل بها على وظيفة ، أو أي
وسيلة أخرى .
قال الرسول ( : " يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن
الحلال أم من الحرام " رواه البخاري .
(5) وجود المراقب المتساهل بظاهرة الغش في قاعة الامتحان ، أو في
الأسواق العامة ، فوجود مثل هذا النوع من المراقبين يتيح لضعاف النفوس
الطمع في الغش .
(6) عدم الجدية ، ترى الغاش مخفق الاهتمامات ، فكل همه إضحاك
زملائه في الفصل بكثرة مشاغباته ، فإذا جاء الامتحان أتت عليه ساعة
الصفر ، فطأطأ رأسه يقلب عينيه يمنة ويسرة ، لعله يظفر بشيء ينجو به
من الرسوب .
(7) مصاحبة ( الهمل ) وجاملتهم ، والاستماع لوساوسهم الشيطانية
- الغش - فمتى طلب منه الغش ، أو المساعدة في ذلك أومأ برأسه
متناسيا ً قول ربه :
(( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ' إن
الله شديد العقاب )) (1) .
( 8 ) ضعف التربية منذ الصغر في المنزل ، والمدرسة ، بحيث يراه أستاذه
في المرحلة الابتدائية يغش ، فلا ينهاه بالتي هي أحسن ، بل ربما شجعه
على ذلك ، وكذلك وليه .
( 1) سورة المائدة ، (2) .
( 9 ) ضعف الثقة في النفس ، فمتى شعر بأنه لا يستطيع أن يكون مثل
أقرانه المجتهدين في التحصيل العلمي ، لجأ إلى الغش ليكمل النقص في
شخصيته .
( 10 ) الاتكالية على غيره ، وعدم تحمل المسئولية ، بحيث أنه إذا جاء وقت
الاختبارات كان همه البحث عن وسائل جديدة للغش 0
( 11 ) عدم الرضا بما قسم الله له ، فتجد بعضهم ممن ليست لد يه قناعة بما وهبه
الله من تحصيل علمي أو كسب تجاري فيطمع في المزيد فيقع في الوعيد :
(( من غشنا فليس منا )) (1)
( 12 ) ترك معاقبة الغاش يساعد على انتشار الظاهرة وتفاقمها ، لأن من أمن
العقوبة أساء الأدب 0
( 13) الغفلة عن الموت ، وهذا - والله - سبب وقوع العبد في المعاصي(1/5)
وتماديه فيها ، فمتى قلّ تذكر العبد للموت كثر تجرؤه على حدود الله 0
(1 ) رواه مسلم ،(1/102)0
حكم الغش(1)
الغش حرام بإجماع أهل العلم من خلال الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة من
الكتاب والسنة ، وأقوال العلماء في ذلك .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : مر ّ رسول الله ( على صبرة (2) طعام
، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال : " ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ، قال :
أصابته السماء (3) يا رسول الله . فقال : ( " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه
الناس ! من غشنا فليس منا " (4) .
يقول سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) :
( فالواجب على البائع أن يبين العيوب الخفية في السلعة للمشتري والمستأجر ،
وكذلك يبين حقيقة الثمن
(1) آثرت أن لا أطيل هنا ، لأنني سأذكر جملة من الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع .
(2) أي كومة من طعام .
(3) أي نزل عليه المطر .
(4) رواه مسلم ، ( 1/102 ) .
والسوم عند الإخبار عنهما ، لأن ستر عيوب السلعة أو الزيادة في السوم ، أو
الثمن ليبذل المشتري أو المستأجر مثل ذلك أو قريبا ً منه يعد من الغش .
وقد حرم الله الغش لما فيه من الفساد والضرر بالعباد بظلم بعضهم لبعض ،
وبإجاد الشحناء بينهم ، أو بأكل أموالهم بالباطل ، فذلك يجب على جميع المسلمين تقوى
الله في المعاملة ، والحذر من أسباب غضب الله ، وأليم عقابه الذي توعد به أصحاب
الغش (1) .
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ، الجزء الرابع للشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) ، بتصرف .
أضرار الغش
(1) اكتساب الإثم من فاعله ومن رضي به .
(2) براءة النبي ( من فاعله ، وذلك في قوله : " من غشنا فليس منا " .
(3) مقت الناس للغاش ، وكراهية التعامل معه .
(4) الغش خيانة للأمة ، وضياع للأمانة .
(5) الغش صفة من صفات المنافقين .
(6) الغش سبب في محق البركة .
(7) الغش يضعف الثقة فيما بين المسلمين .(1/6)
(8) الغش سبب في إيجاد مجتمع فاشل في كافة المجالات .
(9) ظلم الآخرين ، وذلك بالتعدي عليهم بغير حق .
(10) ضعف التحصيل العلمي لدى الغاش .
(11) إيجاد الشحناء والبغضاء بين المسلمين .
(12) الوقوع في التهاون بنظر الله .
(13) الوقوع في المجاهرة عند التحدث بالذنب لغير حاجة .
(14) كسب الحرام من وراء شهادة مزيفة ، أو بضاعة مغشوشة .
علاج الغش
1. الاقتناع التام بحرمة الغش ، وأنه خيانة لله ولرسوله ( . (
قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون )) (1) .
2. استشعر مراقبة الله واطلاعه عليك ، فلا تجعله أهون الناظرين إليك ، قال الله
تعالى : (( إن
الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) (2) .
3. اخلص العمل فإن الناقد بصير ، فإن من قل أو عدم نصيبه من الإخلاص
دفعته نفسه الأمارة بالسوء إلى الغش والتحايل على أوامر الله .
4. ابتعد عن الكسب الحرام القائم على الغش في البيع والشراء ، أو الحصول
على شهادة مزيفة لكسب المال بها ، مهما كانت الظروف المادية ، لأن ذلك ينافي
حقيقة التوكل ، قال الله تعالى : (( ... وعلى الله فليتوكل المؤمنون ))(2) .
(1) سورة الأنفال (27) .
(2) سورة آل عمران (5) .
5 . عليك بالرفقة الصالحة ، فإنها خير معين بعد الله بالنصح والتذكير متى هممت
بأمر سوء .
6 . الدعاء وسؤال الله أن يتوب عليك ، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه .
7 . تذكر اليوم الآخر ، فإن النفس إذا ذكرتها بيوم الحساب فإنها تلجم عن المعصية
لخوفها من شديد العقاب .
8 . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنه ما حل في بلاد إلا وقل فيها الفساد ،
ومتى عدم منها طم الفساد فيها وعم .
9 . اتخاذ الإجراءات اللازمة والعقوبات الصارمة وتطبيقها في حق من غش لردعه
وزجره ، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، وذلك لضعف إيمان الناس في هذا
الزمان .(1/7)
10 . الهمة العالية والمصابرة في تحصيل العلم ، وكسب الرزق الحلال يبعدك عن
الوسائل غير المشروعة في ذلك .
(1) سورة إبراهيم (11)
وقفة تأمل
إن وجدان المسلم المرهف الصادق لا يطيق الغش ولا يصبر عليه ، بل إنه ليرتجف
هلعا ً منه ، إذ يرى في ارتكابه انخلاعا ً من الانتساب للإسلام ، كما يقرره رسول الله (
في الحديث الذي رواه مسلم : " من حمل علينا السلاح فليس منا ، ومن غشنا فليس
منا " (1) .
فإذا تأملنا هذا الحديث العظيم وجدنا أن الرسول ( قرن وساوى في الجزاء والوعيد
بين صنفين من الناس لكل منهما عمله ظاهرهما الاختلاف في المقصد والهدف ، ولكننا
إذا أمعنا النظر قليلا ً وجدنا بينهما الائتلاف في تحقيق الأهداف ، وذلك من عدة أمور
منها /
(1) اشتراكهما في العداوة للمسلمين ، فالأول أظهرها برفعه للسلاح عليهم ، والآخر
أسرها في نفسه ولم يبدها لهم ، وتلك خصلة المنافق ، إظهار الخير
والصلاح وإبطان الشر والفساد .
(1) انظر شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة ، ص ، 164 ، محمد الهاشمي .
(2) اشتراكهما في الفساد المتحقق من مزاولتهما لعملهما ولهذا نجد أن الله
- عز وجل - قال في كتابه على لسان شعيب - عليه السلام - :
(( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا
في الأرض مفسدين )) (1)
فسمى عملهم - الغش في الموازين - فساداً في الأرض .
(3) شدة خطورتهما علينا ، ولهذا يجب علينا أن نحد من هذه الظاهرة ، ونحذر
منها ، ومن أولئك الغششة ومن التعامل معهم بقدر حرصنا وحذرنا ممن
حمل السلاح علينا .
(4) مما لا شك فيه أن حامل السلاح لا بد من ردعه ، وإيقافه عند حده ،
فكذلك - أيضاً - الغاش يحتاج إلى من يردعه ، ويقف له بالمرصاد لكفه
من الإفساد ، ومن ثم لا يبقى للغششة مكان بيننا .
(1) سورة هود ، ( 85) .
لا تجاهر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله ( يقول : " كل أمتي معافى(1/8)
إلا المجاهرين ، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ً ثم يصبح قد ستره ربه -
عز وجل - ، فيقول : يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه -
عز وجل - ويصبح يكشف ستر الله عنه " . (1) .
قال النووي ( رحمه الله ) : عن قوله " إلا ّ المجاهرين " :
هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها ، وكشفوا ستر الله عليهم ، فيتحدثون بها لغير
ضرورة و لا حاجة (2) .
فاحذر يا من وقعت في الغش وقد ستر الله عليك من أن تتبجح أمام أقرانك وتكشف
ستر ا لله عليك بأنك فعلت كذا و كذا ، بل وربما تقول ذلك وأنت تضحك ، فلا حول ولا
قوة إلا بالله 0
موقف تربوي
روى أسلم قال : كنت مع عمر - رضي الله عنه - وهو يعس(1) بالمدينة ، إذ سمع
امرأة تقول لابنتها : قومي يا بنية إلى هذا اللبن فامذقيه (2)
فقالت البنت : إن عمر نهى عن ذلك0
فقالت الأم : - التي غفلت عن نظر الله - وما يدري عمر ؟!!
فقالت لأمها : - وهي تعظها - إن لم يدر عمر فرب عمر يدري0
أخي/
أليس الغش من محارم الله والتي تنتهك حرمتها في الخلوات بعيداً عن أنظار الناس
والمراقبين منهم خاصة ؟
أقول لك :
بلى وربي ، ووالله أخشى ما أخشاه أن يعمك قول الرسول ( وأنت لا تعلم !
(1) أي يتفقد أحوال الناس ليلاً .
(2) هو خلط اللبن بالماء .
عن ثوبان ، عن النبي ( أنه قال :
" لأعلمن أقواما ً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيض ،
فيجعلها الله هباءً منثوراً "
قال ثوبان :
صفهم لنا ، جلّهم لنا ألا ّ نكون منهم ونحن لا نعلم .
قال :
" أما إنهم إخوانكم ، ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ،
ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها " (1) .
(1) صحيح ابن ماجه ، كتاب الزهد ، ص 417 للألباني ( رحمه الله ) .
فتاوى في الغش
س / ما حكم الغش في أوقات الامتحانات علما ً بأني أرى كثيراً من الطلبة يغشون
وأنصح لهم ، ولكنهم يقولون ليس في ذلك شيء ؟(1/9)
ج / الغش في الامتحانات ، وفي العبادات ، والمعاملات محرم لقول النبي ( : " من
غشنا فليس منا " ، ولما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة في الدنيا والآخرة ، فالواجب
الحذر منه والتواصي بتركه .
وقول الرسول ( : " من غشنا فليس منا " يعم الغش في المعاملات ، والامتحانات ،
ويعم اللغة الإنجليزية وغيرها ، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد
لعموم الحديث ، وما جاء في معناه . والله ولي التوفيق .
( فتاوى وتنبيهات ونصائح لسماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ، ص 438 )
س / ما حكم الغش في الامتحانات ؟
ج / الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه
أجمعين .
في ظني أن السائل ينبئ عن الجواب ، بحيث إن السائل يقول : ما حكم الغش في
الامتحان ؟ فالسائل مقر بأنه غش ، والغش أمره بين ، وحكمه ظاهر ، وقد قال النبي
( : " من غشنا فليس منا " ، ثم إن الغش في الامتحان من أعظم ما يكون خطراً ،
لأن خطره ليس كخطر المال الذي من أجله ورد الحديث ، بل هو أعظم لأنه خيانة للأمة
جميعا ً .
فالطالب الذي ينجح بالغش معناه أنه هيأ نفسه لأن يتبوأ مركزاً عظيماً بقدر ما تؤهله
هذه الشهادة ، وهو في الواقع لا يستحقه ، وحينئذ يكون وجوده في هذا المركز الذي لا
يناله إلا من نال هذه الشهادة ضرراً على المجتمع ، وضرر آخر للغش وهو من الناحية
الثقافية ، فالأمة إذا خرج مثقفوها بالغش صار مستواهم الثقافي هابطا ً لا ينبئ عن علم ،
فيكونون عالة على غيرهم ، لأنه من المعلوم أن من ينجح بالغش لا يستطيع أن يجابه
الطلاب في التعليم والتثقيف ، ناهيك عما في ذلك من غش للدولة التي لا ترضى بهذا
أبداً ، فاتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع هذا الغش من المراقبين وغيرهم ، فإن غش أحد
فقد ناقض الحكومة في هدفها وخانها ، وقد قال الله تعالى : (( يا أيها آمنوا لا تخونوا(1/10)
الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ... )) ، ولا فرق في هذا بين مادة وأخرى ،
فلا فرق مثلاً بين أن نغش في مادة التفسير أو مادة اللغة الإنجليزية ، لأن الكل يترتب
عليه صعود الطالب من مرحلة إلى مرحلة أخرى ، ويتوقف عليه إعطاء الطالب وثيقة
الشهادة ، فالكل غش والكل محرم ، وإني أربأ بشبابنا أن يكونوا منحطين إلى هذا الحد ،
وأهيب بهم أن يكونوا حريصين جدا ً على أن ينالوا المراتب بجدارة ، فذلك خير لهم
في دينهم ودنياهم .
( الشيخ / ابن عثيمين ، فتاوى إسلامية - المجلد الرابع - ص 331 ، 332 )
س / فضيلة الشيخ / أنا ممن غش في الامتحانات ونجح ، وغش ونجح ، حتى توظف
في إحدى الشركات حتى بدأ يأخذ مالاً . هل هذا المال يكون حراما ً ؟ وهل هو من
أكل الربا ؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً .
ج / أقول : إذا كان الطالب نجح بغش فما قبل الشهادة تكفي فيه التوبة ، يعني
مثلا ً نجح في السنة الأولى والثانية والثالثة ، هذا في الثانوي ، ولكن في الثالثة
لم يغش .
غش في الأولى والثانية ، وفي الثالثة لم يغش نجح بصدق ، نقول هذا يكفيه أن
يتوب إلى الله ، لأن الوظيفة مثلا ً مرتبة على الشهادة ، والشهادة نظيفة ، وكذلك
لو تخرج من الكلية وكان يغش في الأولى و الثانية و الثالثة ، لكن في ا لرابعة كان
الاختبار نزيها ً فهذا يكفيه أن يتوب لا إشكال فيه عندنا - إن شاء الله تعالى ، أن
ما يأخذه و يتقاضاه من الراتب المبني على هذه الشهادة حلال له ما دامت الشهادة
نزيهة ، لكن المشكل إذا كان الغش في آخر شيء في الشهادة فهذا يعني أن
الشهادة الآن مزيفة و الوظيفة مبنية على هذه الشهادة فيبقى المال الذي يأخذه
فيه شبهة لكن أقول :
إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً وكانت المادة التي غش فيها ليس لها صلة بالعمل
الذي يقوم به ، فنرجو أن يكون راتبه حلالاً 0
مثل أن يكون غش في مادة لا صلة لها بالوظيفة التي توظف فيها ، كأن يكون(1/11)
في ا للغة الإنجليزية مثلا ً، و الوظيفة التي هو فيها لا تحتاج إلى اللغة الإنجليزية و
لا صلة لها بها ، فإننا نرجو إذا تاب أن يكون الراتب الذي يأخذه حلالاً 0
اللقاء الشهري (4) ص15 .
س / فضيلة الشيخ / أرجو التنبيه على ما أشرتم إليه أنه إذا غش في الأولى
والثانية ، فيكون راتبه حلالاً ، فمن الممكن أن يسمع هذا الكلام بعض ضعاف
الإيمان فيقول :
إذن أغش ثم أتوب ، فأرجو - وفقك الله - أن تبين عظم هذا الأمر ؟
ج / هذا وقع في قلبي ، ولكنني قلت : إذا غش في السنة الأولى والثانية دون
سنة الشهادة ، فأرجو أن يكون راتبه حلالاً بعد أن يندم ، ويتوب إلى الله - تعالى
- وتجدون كلمة ( أرجو ) ليس فيها جزم بأن يسلم إذا غش في الأولى والثانية
، وأنا أكرر أن الغش حرام في ا لأولى ، والثانية ، لكن هذا تلميذ وقع منه ا لأمر
لكنه في الشهادة لم يغش ، وجاء يسأل وهو تائب إلى الله ، هل يحل لي الراتب
أم لا .
ولسنا نهون من الغش لا في الأولى ولا في الثانية ولا في ا لثالثة ، لكن هناك
فرق بين إنسان ندم وجاء تائباً ، ويريد أن يحلل الراتب الذي بني على ا لشهادة ،
وهي شهادة نزيهة نرجو ألا ّ يكون عليه حرج فيما يأخذه من الراتب .
( الشيخ / ابن عثيمين - رحمه الله - اللقاء الشهري (4) ، 17 ، 18
الخاتمة
........ وبعد
ها نحن نصل وأنت إلى نهاية المطاف بعد تلك الجولة والصولة التي عشناها سوياً
مع بيان حكم الغش في الكتاب والسنة ، وأقوال العلماء في ذلك .
أخي /
ها أنت قد علمت فاعمل بما علمت ، ثم إياك والتسويف فإنه ينسيك التذكير بالله
والتخويف ، فهب وبادر بالتوبة قبل الحوبة ، وما دام في الحياة بقية تذكر بأن الله
لا تخفى عليه خافية .
وختاماً /
أسأل الله العلي القدير أن يوفقك لكل خير ، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين ، وأن
يوسع لك في رزقك ، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه .(1/12)
هذا وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قاله وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة ( حرسها الله )
ص. ب ( 12680 )
الفهرس
تقديم الشيخ / علي بن عبد الخالق القرني ........................................3
المقدمة ..................................................................................4
تمهيد ....................................................................................6
وقفة مع طالب مجتهد ..............................................................8
وقفة مع 000 ...................................................................... 9
مظاهر الغش ........................................................................ 10
أسباب الغش ........................................................................13
حكم الغش ........................................................................16
أضرار الغش .......................................................................18
علاج الغش .......................................................................19
وقفة تأمل ....................................................................... 21
لا تجاهر .........................................................................23
موقف تربوي ................................................................. 24
فتاوى في الغش ............................................................. 26
الخاتمة ....................................................................... 31
الفهرس ........................................................................32(1/13)