سلسلة نصائح للشباب والفتيات
( 2 )
فحتى لا نفقدها
بقلم /
متعب بن سريان العصيمي
تقديم /
فضيلة الشيخ الدكتور / ستر بن ثواب الجعيد
حقوق الطبع لكل مسلم
دار الطرفين
الطائف - ت / 7329572 / 02
جوال / 0505704808 - 05035124990
موقعنا على الإنترنت www.tarafen.com
البريد الإلكتروني tarafen @ maktoob .com
حقوق الطبع لكل مسلم
فحتى لا نفقدها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله عدد خلقه ، زنة عرشه ، مداد كلماته ، رضا نفسه ، وصلى الله على عبد
الله ورسوله ، وعلى آله وصحبه القائل : " أفلا أكون عبداً شكوراً " رواه الشيخان .
وبعد ...
فإني قرأت رسالة الأخ / متعب العصيمي ، - وفقه الله - ( فحتى لا نفقدها ) ،
وموضوعها التذكير بنعم الله وشكرها ، وهي محاولة جادة لتقريب المعاني المؤثرة ،
والكلمات الدالة إلى الخير بطريقة سهلة تلامس القلب ، وتذكر بالحقائق ، فجزى الله
كاتبها خيراً ، ونسأل الله أن نراه كاتباً متميزاً مؤثراً ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه .
كاتبها :
د / ستر بن ثواب الجعيد
كلية الشريعة بجامعة أم القرى
26 / 6 / 1424 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله أهل الحمد والثناء والتمجيد ، وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد ، وأشهد أن لا
إله إلا الله ، فلا كفو له ولا نديد ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، الداعي إلى التوحيد ،
الساعي بالنصح للقريب والبعيد ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الوعيد .
أما بعد ..
فمع تتابع النعم ، وضعف الهمم ، قل الشكر للمنعم ، مما قد يؤذن بزوال النعم ، وحلول
النقم ، (( فحتى لا نفقدها )) آثرت أن أنشرها بين أيديكم رسالة عاجلة ، براءة للذمة ،
ونصيحة للأمة من سوء كفران النعمة وجحودها .
والله أسأل أن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وأن يعيننا على شكرها .
إن وجدت عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا(1/1)
فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله
ورسوله منه بريئان ، والله المستعان ، وعليه التكلان .
وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة (حرسها الله )
في 15 / 6 / 1424 هـ
لما ذا الحديث عن الشكر ؟
من الأسباب التي دعتني إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع ما يلي /
1. الشكر أصل من أصول الإيمان التي يجب العمل بها ، فكما قيل : الإيمان نصفان
نصف شكر ، ونصف صبر .
2. ورود نصوص كثيرة من القرآن والسنة تحثنا على الشكر ، وتحذرنا من الجحود .
3. قلة السالكين في طريق الشكر ، كما قال تعالى : (( وقليل من عبادي الشكور)) (1)
4. انتشار ظاهرة الإسراف والتبذير في مجتمعنا مما قد يؤذن بأن ما نحن فيه من نعم
في خطر فلنتنبه جيداً . قال تعالى : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم )) (2).
5. غفلة كثير من الناس عن مثل هذا الموضوع ، وعده نافلة من نوافل القول والعمل .
6. إن الشكر من أخلاق الأنبياء ، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (( .. شاكراً
لأنعمه )) (3) ، وقال عن نوح عليه السلام : (( إنه كان عبداً شكوراً )) (4) .
(1) سورة سبأ ، (13) .
(2) سورة الرعد ، ( 11) .
(3) سورة النحل ، ( 121) .
(4) سورة الإسراء ، (3) .
7 . إن الله وعد الشاكرين بالمزيد ، والجاحدين بالوعيد الشديد ، قال تعالى : (( وإذ تأذن
ربكم لئن شكرتم لأ زيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) (1).
8. عدم شكر النعم هدف يسعى الشيطان إلى تحقيقه . قال تعالى : (( ... ولا تجد أثرهم
شاكرين )) (2).
9. الشكر يجلب النعم ويزيدها ، ويدفع حلول النقم .
10. مدى أهمية حاجتنا إلى معرفة نعم الله علينا ، فنرد الجميل إلى المنعم بالشكر
والعرفان بفضله ، قال تعالى : (( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا
يشكرون )) (3) .
11. إن كثيراً من النعم - وللأسف الشديد - استعملت في معصية الله ، وهذا من أشد(1/2)
أنواع الجحود والكفران .
(1) سورة إبراهيم ، ( 7) .
(2) سورة الأعراف ، ( 17) .
(3) سورة البقرة ، ( 243) .
تعريف الشكر
الشكر لغة /
مصدر شكر يشكر ، وهو عرفان الإحسان ونشره .
والشكر من الله / المجازاة والثناء الجميل .
والشكور / كثير الشكر ، والجمع شُكُر ، وفي التنزيل : (( إنه كان عبداً شكوراً )) (1) ،
وهو من أبنية البالغة .
وأما الشكور في صفات الله - عز وجل - فمعناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد
فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده مغفرته لهم ، وقولهم :
( شكر الله سعيه ) أي بمعنى أثابه الله على ذلك . (2)
( 1) سورة الإسراء ،3 .
(2) لسان العرب ، ابن منظور ( 4/426 ) ، تاج العروس ، الزبيدي ( 6/50 ) مادة شكر .
الشكر اصطلاحاً /
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبه ثناءً واعترافا ً ، وعلى قلبه شهوداً ومحبة ،
وعلى جوارحه انقياداً وطاعة . (1)
وقال السعدي - رحمه الله - في تفسيره :
( الشكر / اعتراف القلب بمنة الله تعالى ، وتلقيها افتقاراً إليها ، وصرفها في طاعة الله
تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية ) (2)
وعرفه آخرون بقولهم : الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف .
حقيقة الشكر /
أخي الحبيب :
إن حقيقة الشكر لا يمكن لنا أن نحيط بها إلا إذا أمعنا النظر في النعم وعرفنا قيمتها إذ لو
فقدت مثلاً ، ولكن قبل هذا وذاك دعونا نتأمل ما قاله صاحب كتاب إذا صح الإيمان عن
حقيقة الشكر فيقول :
(( إذا صح إيمان العبد قامت في قلبه حقيقة الشكر لله و الاعتراف له بالفضل و المنة
واستشعر قوله
(1) مدارج السالكين ، ( 2/244 ) .
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، ( 623 )
تعالى : ((وما بكم من نعمةٍ فمن الله )) (1) واستحضر أن كل ما به من قوة وسمع و بصر
و حركة و قدرة، و ذكاء و عقل، و أكل و شرب، و نفس وأن ما احتوى عليه هذا الجسم(1/3)
من خلايا وعروق ، وأنسجة و أعصاب ، وما يجري فيه من دماء ، أن كل ذلك وغيره
مما نعلم وممالا نعلم أنه من الله وبتدبيره و فضله ، و رعايته وحفظه ، ليس فقط على
المتقين بل على الناس أجمعين .
قال الله تعالى : ((إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ))(2)
ويقول أيضاً :
" إن من قامت في قلبه حقيقة الشكر استشعر أنه بين نعمة و ذنب ولا تصلح
النعمة إلا بالحمد و الشكر، ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار" (3).
(1)سورة النحل :53
(2)سورة النحل :18
(3)إذا صح الإيمان ، عبدالله السلوم (91،93)
فضل الشكر
لقد ذكر الله الشكر في اكثر من خمسين موضعاً من كتابه الكريم ، فمرة قرنه سبحانه
بالإيمان به وأخبر أنه لا غرض ولا حاجة له في عذاب خلقه إن شكروا و آمنوا به ،
فقال تعالى : (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم ....)) (1)
وتارة أخرى يخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده
فقال تعالى:
(( وكذالك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهولاء من الله عليهم من بيننا أليس
الله بأعلم بالشاكرين))(2)
بل إن الله وصف عباده الشاكرين بأنهم قلة من عباده فقال تعالى :
((وقليل من عبادى الشكور ))(3)
ومما يدل على فضل الشكر وعلو منزلته أن رضا الله معلق بالشكر .
(1) سورة النساء :147
(2) سورة الأنعام :53
(3) سورة سبأ:13
يقول ابن القيم : ( رحمه الله )
ومن منازل (( إياك نعبد وإياك نستعين )) منزلة الشكر ، وهي من أعلى
المنازل ، وهي فوق منزلة (( الرضا )) وزيادة فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل
وجود الشكر بدونه (1)
وقال رسول الله ( :
( إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة
فيحمده عليها ) ( 2)
وعلق سبحانه زيادة النعم بشكره عليها ومن جحدها كان له العذاب الشديد من الله ،
فقال تعالى :
( ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد))(3).(1/4)
فبين سبحانه أنه متى ما شكرت نعمه يزيدك بغير حساب ، وزيادته لا حد لها ، كما أنه لا
نهاية لشكره .
قال علي بن أبي طالب ( لرجل من همذان :
( 1) مدارج السالكين، (2/244 ) .
(2) رواه مسلم ، (2734) .
(3) سورة إبراهيم ، 7 .
" إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع
المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد " (1)
وقال الحسن البصري - رحمه الله - : ( إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر عليها
قلبها عذاباً ) .
وعن معاذ ( أن رسول الله ( أخذ بيده وقال :
" يا معاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " (2)
فهذا الحديث يدل على عظم منزلة الشكر وفضله ، إذ جعل الشكر مدار الخير وعنوانه ،
ولهذا أوصى معاذاً بطلب العون من الله على هذه العبادة ، وجعل موضع الطلب في دبر
كل صلاة تشريفاً ، وتكرار الطلب في اليوم خمس مرات دلالة على أهميته وفضله .
(1) كتاب الشكر ، ابن أبي الدنيا ، ص 16 .
(2) رواه أبو داوود (1522) ، والنسائي (3/53 ) ، بإسناد صحيح .
الشيطان يحول بينك وبين الشكر
ولما عرف عدو الله إبليس - اللعين - قدر مقام الشكر وفضله ، وأنه من أجل المقامات
وأرفعها ، جعل غايته ومناه أن يحول بين العباد وبين الشكر ، وصرفهم عنها بأي وسيلة
كانت ، فعندما أمره الله - سبحانه وتعالى - بالسجود لآدم - عليه السلام - امتنع
للاستجابة لهذا الأمر ، فطرده وجعله من الملعونين وتوعده بدخول النار ، ولكنه لم يكتف
بسماع أوامر الطرد والإبعاد ، وإنما قام بكل وقاحة وخبث بسرد خطته لإغواء بني آدم .
يقول الله تعالى :
(( لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم
وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )) (1) .
فهنا يكشف إبليس حقيقة تخفى على كثير من الناس وهي أن معظم الناس لا يقومون بشكر(1/5)
الله والناجي منهم هو الذي يقوم بأداء الشكر .
(1) سورة الأعراف ، 16 -17
يقول الشيخ / عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله ) :
" وإنما نبهنا الله على ما قال وعزم على فعله لنأخذ حذرنا ونستعد لعدونا ، ونحترز
منه بعلمنا بالطريقة التي يأتي منها ، ومداخله التي ينفذ منها ، فله تعالى علينا بذلك
أكمل نعمة . (1)
وذكر الأستاذ / سيد قطب ( رحمه الله ) كلاماً لطيفاً حول هذه الآية فقال :
" ويجيء الشكر تنسيقاً مع ما سبق في مطلع السورة (( ولقد مكناكم في الأرض
وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون )) ] الأعراف [ لبيان السبب الحقيقي في قلة
الشكر ، وكشف الدافع الحقيقي الخفي من حيلولة إبليس دونه وقعوده على الطريق إليه
ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الشكر والهدى . (2)
(1) تيسير الكريم الرحمن ، (247 ) .
(2) في ظلال القرآن الكريم ، ( 2/1267 ) .
أمور معينة على الشكر
الأمور المعينة على الشكر كثيرة ، ولكن نجملها في هذه الأسباب على سبيل المثال لا
الحصر لها /
(1) إمعان النظر في كثرة النعم التي نرفل فيها ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً ، وأننا
مطالبون بشكر الله عليها سواءً كانت حسية أو معنوية .
(2) النظر في أمور الدنيا إلى من هو دونك ، وإلى أمور الآخرة في من فوقك ،
كما أرشدنا إلى ذلك النبي ( في قوله : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ،
ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " (1) .
(3) مقارنة ما نحن اليوم فيه من النعم وبين ما كان عليه سلفنا وأجدادنا في
الماضي .
(4) التحدث بالنعم ، قال تعالى : (( وأما بنعمة ربك فحدث )) (2)
قال الحسن البصري : " أكثروا من ذكر هذه النعم ، فإن ذكرها شكر " .
(1) متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم ( 2963 ) .
(2) سورة الضحى ، 11
(5) الاقتصاد في النعمة وصرفها في الخير .
(6) النظر في سير الصالحين ، وكيف كانوا يشكرون الله على نعمه .(1/6)
(7) زيارة دور الإعاقة والمصحات النفسية وغيرها ، والنظر في حال أولئك
المرضى لنستشعر قيمة ما نحن فيه من نعم كثيرة قلّ لها شكرنا . (1)
(8) محبة النعمة واحترامها طريق إلى الشكر .
(9) تذكر الماضي من جاهلية وضلال وفقر ، وكيف توالت عليك نعم الله ، قال
تعالى مذكراً نبيه ( بعض نعمه عليه : (( ألم يجدك يتيماً فأوى ، ووجدك
ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى )) (2) .
(10) التفكر في حقيقة الشكر .
(1) مأجوراً غير مأمور ، استمع إلى شريط بعنوان دار أهلها يتكلمون ،عبدالله المطرود.
(2) سورة الضحى :6-7-8
كيف يتحقق الشكر لله؟
لكي يتم لك تحقيق الشكر على أكمل وجه لا حظ أن الشكر يقوم على ثلاثة
أركان وهي :
الركن الأول :
الاعتقاد الصادق بالقلب بأن الله وحده هو واهب النعم فيزداد
معها حبك للمنعم ، لأن القلوب جلبت على محبة من أحسن إليها .
الله أكبر كم يكون حبنا لله مقابل نعمه علينا ، وهو الذي قال : (( وما بكم من
نعمه فمن الله ))(1)
الركن الثاني :
الاعتراف باللسان ، أي بالتحدث بالنعمة ونسبتها إلى منعمها وكثرة
الحمد والثناء عليه كلما لاحت لنا نعمة نقول : الحمد لله....الحمد لله
الركن الثالث :
استعمال النعم في طاعة الله وبذلها فيما يرضيه ، وكفها عن
معاصيه ، فاليحذر المسلم من أن يستعين بنعم الله على معاصيه أو يتقوى بها
لبلوغ شهواته فهذا عين النكران والجحود
(1) سورة النحل :53.
الشكر والبلاء
اعلم أن النعمة ليست وحدها التي تستحق الشكر فقط ، بل اعلم أن في كل فقر ومرض
وخوف وأي بلاء في الدنيا كان خمسة أشياء ينبغي أن يفرح العاقل بها ويشكر الله عليها .
الأولى :
أن كل مصيبة ومرض يتصور أن يكون هناك أكثر منها شناعة وفداحة لأن
مقدرات الله لا تتناهى فلو ضاعفها الله على العبد فما كان يمنعه؟! فليشكر العبد ربه إذ لم
تكن أعظم .
الثانية :
أن المصيبة لم تكن في الدين ، قال رجل لسهل بن عبد الله : دخل اللص بيتي(1/7)
وأخذ متاعي ، فقال ، اشكر الله تعالى ، لو دخل الشيطان قلبك فأفسد عليك إيمانك ماذا
كنت تصنع ؟!.
الثالثة :
أنه ما من عقوبة أو مرض إلا كانت للمؤمن كفارة له ورفعة في درجاته يوم
القيامة ، كما جاء ذلك عن النبي ( أنه قال : (( ما يصيب المسلم من نصبِِ ولا وصبِ ولاهم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ))(1) [متفق عليه]
(1) النصب : التعب ، الوصب : المرض .
الرابعة :
أن هذه المصيبة كانت مكتوبة عليه في أم الكتاب ولا بد أن تصل إليه فقد
وصلت ولم يعدم الرضا واستراح منها فهي نعمة .
الخامسة :
أن الابتلاء دلالة على محبة الله للعبد ،ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه.
قال( : (( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم ،
فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ))(1)
قال الغزالي : ( رحمه الله )
" وكل عبد سئل عن حاله فهو بين أن يشكر أو يشكو أو يسكت ، فالشكر طاعة
، والشكوى معصية قبيحة من أهل الدين ، وكيف لا تقبح الشكوى من ملك
الملوك وبيده كل شيء؟! فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء
وأفضى به
(1) رواه الترمذي ،قال : حديث حسن ، والحديث صحيح بشواهده .
الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى فهو القادر على إزالة البلاء،
وذل العبد لمولاه عز والشكوى إلى غيره ذل " (1)
أخي المسلم :
إذا أصبت ببلاء فعليك بالصبر والشكر ،ثم وإياك والتسخط والضخر ، ( واعلم
أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك )(2).
(1) المهذب من إحياء علوم الدين ، صالح الشامي (2/288).
(2) رواه أحمد (1/293)، وأبو يعلى (2556) بسند صحيح .
موانع الشكر
الأمور التي تمنع المسلم من الشكر وتصرفه عن هذه العبادة كثيرة ، ومنها :
1. عدم استشعار قيمة النعمة ، وما ذاك إلاّ أنه لم يذق طعم حرمانها ، أو لجهله بحقيقة
الشكر .(1/8)
2. الغرور بدوام النعمة ، وكثرة التقلب فيها ، فيغفل عن زوالها أو مفارقته إياها .
3. طلب المثالية في النعم ، فإما أن يطلب المستحيل أو ما ليس له وجود على أرض
الواقع (1) فيشغل نفسه عن شكرها .
4. عدم القناعة بما هو فيه من نعمة ، فتجده ينظر إلى من هو أحسن منه حالاً وأوفر
نعمة ، فيزدري نعمة الله عليه فلا يرى لها حق شكر عليه .
(1) فمثلا : نحن في هذه البلاد - حرسها الله - نعيش في نعم كثيرة لا تجدها في أي بلد من البلدان ، ومع هذا ترى بعض الناس - هداهم الله - ممن لا يقدرون هذه النعم ، فيتحدث بسخط ، وينظر إليها بعين الشؤم ، ويطالبون بالأمر المستحيل والمثالية الخيالية في النعم .
5. الأمن من مكر الله ، فترى كثيراً من ضعاف الإيمان ينظر إلى الكفرة والطغاة وهم
يرفلون بوافر من النعم مع ما هم عليه من الكفر والطغيان ، فيأمن على نفسه ،
لأنه يرى أنه أحسن منهم حالاً .
6. عدم أخذ العظة والعبرة ممن حُرم بعض النعم ، إما وُلد فاقداً لها ، أو قدر الله عليه
بحادث أفقده بعض ما كان ينعم به .
7. الكِبر والبطر ، فتجد بعض من اغتنى بعد فقر يرى أنه اغتنى على استحقاق منه
، كما قال تعالى على لسان قارون : (( قال إنما أوتيته على علم عندي ... )) (1) .
8. الاستهزاء بأصحاب البلاء وعدم ذكر الدعاء الوارد عند رؤية المبتلى . (2)
(1) سورة القصص ، 78 .
(2) كان النبي ( إذا رأى مبتلى قال في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء : " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً "
العلاقة بين الحمد والشكر
الفرق بين الحمد والشكر محل نزاع بين أهل العلم واللغة ، فمنهم من قال : أن الشكر مثل
الحمد إلاّ أن الحمد أعم منه ، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة ، وعلى معروفه ولا
تشكره إلا على معروفه دون صفاته .
قال ثعلب : " الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد " .(1/9)
وقال القرطبي : " وتكلم الناس في الحمد والشكر ، هل هما بمعنى واحد ؟ أو بمعنيين ؟ .
فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما بمعنى واحد سواء ، وهذا غير مرضي ، والصحيح أن
الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما
أولى من الإحسان ، وهذا قول علماء اللغة الزجاج والقتبي وغيرهما "
وقال ابن القيم ( رحمه الله ) :
الحمد أخص من الشكر مورداً ، وأعم منه متعلقاً ، فمورد الحمد اللسان فقط ،
ومتعلقه النعمة وغيرها ، ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ، ومتعلقه
النعمة ، والفرق بينهما /
أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه ، وأخص من جهة متعلقاته ، والحمد أعم
من جهة المتعلقات ، وأخص من جهة الأسباب . (1)
فالحمد لا يكون إلاّ باللسان فقط ، وأما الشكر فإنك تشكر بلسانك وبقلبك بحبك له
، وبفعلك تعبيراً لصاحب المعروف عن شكرك له .
(1) مدارج السالكين ، 2/ 246 .
التفكر يقودك إلى الشكر
فيم تفكر ؟ .......... وعلام تشكر ؟
أخي الحبيب /
إنك إذا أطلقت العنان للفكر ، واستدام بك النظر في نعم الله عليك ، فلا بد أن يدفعك إلى
الشكر .
أخي الحبيب /
دعني أحلق بك سريعاً في نظرة تأمل خاطفة لنعمة واحدة من بين سائر النعم لنرى عجيب
صنع الله ومنته علينا ، فمع نعمة الأكل فإلى هناك .
خلق الله لك الطعام ، ومن ثم خلق لك شهوة إليه ، ولا يكفي بل خلق لك حس الذوق إذ به
تعلم ما ينفعك وما يضرك ، ثم خلق لك الأعضاء التي تتناول بها الأكل ، ثم هب أنك
أخذت الطعام باليد فكيف يصل إلى بطنك ؟!
فجعل لك الفم واللحيين وركب فيهما الأسنان ، ثم انظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان
فإنه يطوف في جوانب الفم ويحرك الأكل بحسب الحاجة ، ثم هذا الطعام المطحون من
يوصله إلى المعدة وهو في الفم ؟!
فهيأ الله لك المريء والحنجرة ، فإذا ورد الطعام إلى المعدة وهو خبز وفاكهة مقطعة فكيف
يصير لحماً ودماً ؟؟!(1/10)
فجعل الله المعدة كالقدر يقع فيها الطعام فينضج بالحرارة ويصير مائعاً يصلح للنفوذ في
تجاويف العروق ثم ينصب الطعام من العروق إلى الكبد فيستقر فيها ريثما ينضج تماماً ،
ثم يتفرق في الأعضاء ويبقى منه الرجيع ، فيخرج فضلة زائدة عن حاجتك إليها .
كل ذلك يصير وأنت بمجرد أن بلعت اللقمة لا تشعر بها ، من أدار هذه المصانع ؟ ؟!
وأنت لا تعرف سوى أنك تجوع فتأكل ، والبهيمة تعرف أيضاً أنها تجوع فتأكل ، وتتعب
فتنام ، فإذا أنت لم تعرف من نفسك إلاّ ما يعرف الحمار ، فكيف تقوم بشكر الله على نعمه
التي لا تحصى ؟؟! (1) .
(1) مختصر منهاج القاصدين ، المقدسي ، ص 311 - 314 بتصرف.
لماذا لا نشكر ؟
إننا حينما نشاهد المرضى والمبتلين ، وقد فقدوا الصحة والعافية ، والذين يُقتّلون
ويُشرّدون ، وقد فقدوا نعمة الأمن والاستقرار وغيرهم ، فنشكر الله على اللطف والسلامة
، إذ لم نكن نحن هم ، ونحضر إلى المقابر فنعلم أن أحب الأشياء إلى الموتى هو أن
يرجعوا إلى الدنيا ليتدارك من عصى عصيانه ، وليزيد في الطاعة من أطاع ولكن هيهات
لهم .
فالواجب علينا أن نشكر الله الذي بسط علينا الحياة والصحة والفراغ لنعمل صالحاً ونتوب
إليه .
معاشر الإخوة /
إن من نعم الله علينا أنه ما من أحد إلاّ ويعرف من دسائس أمور نفسه وخفاياها الكثير من
القبائح والذنوب المستورة ، ولو كشف الغطاء ورفع الستير ستره عنا ، واطلع عليها فرد
من الخلق لا فتضحنا وما ربحنا ، فكيف لو اطلع الناس كلهم عليها في (( يوم تبلى السرائر
)) ، فلماذا لا نشكر الله بالستر الجميل على مساوئنا حيث أظهر الجميل وستر القبيح ؟
بل إننا قبل هذا وذاك نشاهد خلقاً كثيراً قد ابتلوا ببلاء أفظع وصنيع أشنع من ذلك
كله ، ألا وهو الانحراف في الدين والوقوع في الشرك والبدع والخرافات (1) وفي
قاذورات المعاصي ، والله قد حفظك منها ، فلماذا لا تشكر الله على جميل فضله
وإنعامه ؟(1/11)
وهاهو الرسول ( يترجم لنا الشكر إلى عمل ، فحينما سألته أم المؤمنين - رضي
الله عنها - وهي تتعجب من قيامه حتى تتفطر قدماه فتقول له : وتفعل هذا وقد غفر
الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!
فيقول : ( " أفلا أكون عبداً شكوراً " (1)
أخي الحبيب /
اشكر الله على نعمه ولا تكفرها ، واعقل ولا تغفل عن قول الحق تبارك وتعالى :
(( ... هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن
كفر فإن ربي غني كريم )) (1)
(1) ومن ذلك الطواف على القبور ، وإقامة المواليد .
(2) رواه البخاري ( 8/ 449 ) ، ومسلم ( 282 ) .
(3) من الملاحظ عند كثير من الناس عندما يتم بناء بيته يضع لا فتة مكتوب عليها قوله تعالى : ( هذا من فضل ربي ) ولا يكمل : ( ليبلوني أأشكر أم أكفر ) ، وهذا خطأ ، إذ أن العلة من إسداء النعمة هو الابتلاء ، فإما أن يكون صاحبها من الشاكرين أو من الجاحدين للفضل .
حوار مع نعمة
لو وقفت مع نفسك - أخي الحبيب - وقفة تدبر وتأمل وحاورت النعم التي ترفل فيها
وافترضتها تقبل الحوار ، فليكن هذا الحوار :
من أنت ؟
قالت :
أنا النعمة التي ترفل فيها (( وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة )) . ] لقمان ، 20 [
ومن أين جئت إليّ ؟
قالت :
أتيتك من عند مولاك هبة لك ، (( وما بكم من نعمة فمن الله )) . ] النحل ،53 [
عددك قليل أم كثير ؟
قالت :
لا يحصيني إلاّ الذي خلقني ، (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور
رحيم )) . ] النحل ، 18 [
بم تزيدين وبم تنقصين ؟
قالت :
أزيد بالشكر وأنقص بالكفر ، (( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) ]
إبراهيم ، 7 [
هل أنت خير على كل أحد ؟
قالت :
لا ... فربما كنت نقمة في صورة نعمة ، (( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير
لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين )) ، ] آل عمران 178 [
من المحروم منك ؟
قالت :(1/12)
المحروم من فقدني أو حُرم شكري ، (( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) ] القلم 44[
أي يسبغ عليهم النعم ويحرمون الشكر .
هل نسأل عنك يوم القيامة ؟
قالت :
نعم وربي ، (( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم )) ، ] التكاثر 8 [
الخاتمة
وبعد ..... فإننا والله لفي نعم كثيرة لا تقدر بثمن ، ولا تجزئها أعمالنا مهما طال بنا الزمن
، فإذا كان نبينا محمد ( وهو أعظم الشاكرين ، قد اعترف بتقصيره وعجزه عن شكر
نعم الله فقال : ( لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ، فما ذا نقول نحن ؟ !
وبعد هذا كله اعلموا - يا رعاكم الله - أن الحجة قامت علينا علمنا هذا أم تجاهلنا ، ولا
يبقى إلاّ أن نسأل أنفسنا بكل صراحة ووضوح ، ما هو حالنا مع شكر نعم الله علينا ؟؟!
أخي / إذا لم تسأل نفسك اليوم وتحاسبها ، فسوف تُسأل غدا ً(( ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم )) ]التكاثر 8 [ .
سدد الله الخطى وبارك في الجهود ، وهدى إلى الصواب من القول والعلم والعمل ، والله
أسأل أن ينفعنا بما نقول ونسمع ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قاله وكتبه /
متعب بن سريان العصيمي
مكة المكرمة ( حرسها الله )
ص. ب ( 12680 )
الفهرس
تقديم الشيخ / د . ستر بن ثواب الجعيد .....................................................3
المقدمة ............................................................................................4
لما ذا الحديث عن الشكر ؟ ....................................................................5
تعريف الشكر ....................................................................................7
حقيقة الشكر .................................................................................... 8
فضل الشكر .................................................................................... 10(1/13)
الشيطان يحول بينك وبين الشكر ............................................................13
أمور معينة على الشكر .........................................................................15
كيف يتحقق الشكر لله ..........................................................................17
الشكر والبلاء ...................................................................................18
موانع الشكر ................................................................................... 21
العلاقة بين الحمد والشكر ...................................................................23
التفكر يقودك إلى الشكر .................................................................... 25
لماذا لا نشكر ؟! .............................................................................. 27
حوار مع نعمة .............................................................................. 29
الخاتمة ........................................................................................31(1/14)