|
المؤلف : محمد نصر الدين محمد عويضة
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، واشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار شهادةٌ أدخرها ليومٍ تذهل فيه العقول وتشخص فيه الأبصار شهادةٌ أرجو بها النجاةَ من دار البوار وأؤمل بها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، هو الأولُ فليس قبله شيء والآخرُ فليس بعده شيء والظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء ، ليس كمثلهِ شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى المختار الماحي لظلام الشرك بثواقب الأنوار صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه البررة الأطهار صلاةً تدوم بتعاقب الليل والنهار .
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران ـ102 ]
( يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاً ) [النساء/ 1 ]
( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[ الأحزاب 70 - 71 ]
أما بعد
[*] لما كان الزواجُ من مِنِنِ الله العَظيمة وَنِعَمِه الجَسِيْمَة ، لأنه يحصلُ به التعفف للمسلم ، وبه يجمع شتات قلبه ، ويسكن به قلبه عن الحرام لأن النكاح معينٌ على الدين ، ومهينٌ للشياطين ، وحصنٌ دون عدو الله حصين، وسببٌ للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين ، ولأنه خيرُ زادٍ ليوم الميعاد بعد تقوى الله تعالى حيث يتعاونا معاً على الطاعة،ويُعِدَّا معاً لقيام الساعة .
[
(1/1)
*] ولما كان منتهى أمل الزوج وأقصى غايته في الزواج أن يرزقه الله تعالى زوجةً تقيةً نقية ، عفيفةً حَيِيَّة ، حُرَةً أبيَّة ، لا يطمع فيها طامع ، ولا يرتع حول حماها راتع ، يهنأُ بها و تحفظ غيبته ، وتصون كرامَته ، وتُرَافِقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، وتصْاحِبهُ بالقناعة ، وتَعِيْنُه على الطاعة ، وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة ، زوجةً تتدفق حياءاً وتشرق طهرا ونقاءا .
[*] ولأن صلاح الأسرة طريق أمان الجماعة كلها ، وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه حبال الأسرة ، فالأسرة المؤمنة تربى الأجيال، ومن مثل هذه الأسرة يتخرج القادة والمصلحون ، كيف وقد امتنَّ اللّه سبحانه بهذه النعمة.. نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها قال تعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [سورة: النحل - الآية: 72] إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة، وإن الوالدين وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير. والواقع المعاصر خيرُ شاهد.
فرَحِمَ اللّه رجلًا محمود السَيرة، طيِّب السريرة، سهلًا رفيقًا، ليِّنًا رؤوفًا، رحيمًا بأهله حازمًا في أمره، لا يكلف شططا ولا يرهق عُسرًا، ولا يهمل في مسؤولية ، ورَحِمَ اللّه امرأة لا تطلب غلطًا ولا تكثر لغطًا صالحةً قانتةً حافظةً للغيب بما حفظ اللّه.
[
(1/2)
*] ولما كان هذا لا يتأتى إلا بتقوى الله تعالى والعلم بحقوق الزوجين لأن التقوى والعلم قرينان في كتاب الله تعالى مصداقاً لقوله تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة البقرة/282] ، وما أحرانا أن نتعلم سننه وآدابه، ونشرح مقاصده وآرابه .
[*] لهذه الأمور مجتمعة أردت أن أقدِّم هذا الجهد المُقِل والمسمى _ تَذكِيْرُ البَرِية بالحُقوقِ الزوجية _ مبتدأً بمقدمة عن مكانة المرأة في الإسلام ثم تعريف الزواج وفضله ، ثم أعرَِض أسس اختيار الزوج لزوجته وأسس اختيار الزوجة لزوجها ، ثم أورد حقوق الزوجين لكي تكون تذكرةً لكلٍ منهما لأن التذكرة نفعها عميم وفضلها جسيم لقوله تعالى: (وَذَكّرْ فَإِنّ الذّكْرَىَ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55] فإن التذكرة تُذَكِر العاقل وتُنَبِه الغافل وتُقَوِّم المائل ، فأبدأ بحقوق الزوجة ثم حق الزوج ثم الحقوق المشتركة بين الزوجين ، فأضعُ هذا الكتاب بين يدي كل زوجين داعياً الله تعالى أن يجعله عوناً لهما بعد الله تعالى في أن يهنأ كلٌ منهما بالآخر في حياة يسودها المودةُ والرحمة ، والحياء والعفة ، مع زوجةٍ تقية نقية ، عفيفةٍ حَيِيَّة ، حُرةٍ أبيَّة ، وأن يعيشا معاً في عِزةٍ ووقار ، وسكينة واستقرار ، ونقاءٍ يُشْبه الأبرار .
عملي في هذا الكتاب :
(1) التذكير بمكانة المرأة في الإسلام ثم تعريف الزواج وفضله وحِكَمَه البالغة، ثم أعرَِض أسس اختيار الزوج لزوجته وأسس اختيار الزوجة لزوجها ، ثم إيراد حقوق الزوجين مبتدأً بحقوق الزوجة ثم حقوق الزوج ثم الحقوق المشتركة بينهما.
(
(1/3)
2) إن هذا الكتاب خلاصةٌ انتَخَلْتها وزبدةٌ استخلصتها مما يزيد على مائة كتاب عن الزواج ، عدا كتب التفسير والحديث والفقه ونحوها ، أخذتُ منها لباب النقول من الكتب الفحول ، أهديها لكل ِلسَانٍ سَؤوْلٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ ، سائلاً الله تعالى أن يُلْبِسَها حُلَل القبول وأن يرزقني وإياكم الثواب المأمول ، وهآنذا أضعها بين يدي القارئ الكريم من باب الذكرى لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ، يجد فيه وصايا ذهبية صادرة عن إخلاصٍ وحُسنِ طوية أقدمها للزوجين الكريمين لعلها تجد لهما في سمعهما مسمعا وفي قلبهما موقِعاً عسى الله أن ينفعهما بها ويُوَفِقْهما إلى تنفيذها .
(
(1/4)
3) أنني لا أورد حديثاً إلا عزوته إلى بعض الكتب الصحيحة على المنهج الآتي : ما كان في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك ، وما لم يكن في الصحيحين أو أحدهما أعزوه إلى صحيح السنن الأربعة إن كان موجوداً بها كلها ، وإن كان موجوداً في بعضها فإنني أعزوه إلى كتابين فقط منهم وإن كان موجوداً في ثلاث ، وإن كان موجوداُ في كتاب واحد منهم أعزوه إليه ، وهكذا تجدني أقدم الكتب الستة على غيرها لأنها عماد طالب العلم في الحديث - بعد الله تعالى - ، وما لم يكن في الكتب الستة فإنني أعزو الحديث إلى غيرها من الكتب الصحيحة مثل صحيح الجامع ، صحيح الأدب المفرد ، السلسلة الصحيحة ، كما أنك تجدني أيها القارئ الكريم أحيل في تصحيح الحديث وتضعيفه على العلامةِ الضياءِ اللامعِ والنجم الساطع الشيخ الألباني حفظه الله ، ونحن حينما نحيل على الشيخ الألباني فإننا - ولاشك - نحيلُُ على مليٍّ لأنه كوكبُ نظائره وزهرةُ إخوانه في هذا الشأن في زماننا هذا العالم الجليل الذي وسَّع دائرةَ الاستفادةِ من السنة بتقديمه مشروع ( تقريب السنة بين يدي الأمة ) ذلك المشروع الذي بذل فيه أكثر من أربعين سنة ، ومن أراد أن يعرف هذه الفائدة العظيمة فلينظر على سبيل المثال إلى السنن الأربعة التي ظلَّت مئات السنين محدودة الفائدة جداً حيث كانت الاستفادة منها مقتصرة على من كان له باع في تصحيح الحديث وتضعيفه ولكن بعد تقديم الشيخ الألباني لصحيح السنن الأربعة اتسعت دائرة الاستفادة حتى تعم كل طالب أراد أن يستفيد وهذا ولا شك فائدة عظيمة جداُ عند من نور الله بصيرته وأراد الإنصاف ، ومن المؤسف في زماننا هذا أن نرى بعض طلبة العلم ممن لا يقام لهم وزناً في العلم يتطاولون على الشيخ الألباني ويجترئون عليه ويترقبون له الهفوات ويتصيدون له الأخطاء ويلتمسون العثرات ليشهروا به وهذا - ولا شك - يدل على فسادِ النية وسوء الطوية وسقامةِ الضمائر ولؤم السرائر ويدل كذلك على
(1/5)
أن قلبه أخلى من جوف البعير ، إذ لو تعلم العلم لعلم أن من أدب العلم التوادَ فيه ، ولقد كان ابن عباس - رضي الله عنهما - يأخذ بركاب زيد ابن ثابت - رضي الله عنه - ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء ، وكان الشافعي رحمه الله يقول لعبد الله ابن الإمام أحمد : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل يوم عند السحر ، ولا أدري كيف سوَّلت لهم أنفسهم أن يتطاولوا على عالم صاحب حديث رسول الله أكثر من نصف قرن ولا أدري كيف يتطاولون على العالم والكتاب والسنة طافحين بما يدل على احترام أهل العلم وتوقيرهم ، ألا فليحذر طالب العلم من أن يكون سيئ الخلق ناطحاً للسحاب يترقب للعالم الهفوات ويلتمس العثرات ليشهر به فإن ذلك ينقصُ من مقدار التقوى عنده مما يكون سبباً في حرمانه من العلم ، بل ينبغي لطالب العلم أن يكون كريمَ الطباع حميدَ السجايا مهذبَ الأخلاق سليمَ الصدر مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إذا تكلم غَنِم وإذا سكت سَلِم وينبغي له أن يعرف أن العالم مع جلالته وعظم قدره قد يخطأ في اجتهاده فإن لكل جوادٍ كبوة ولكل عالم هفوة وسبحان من له الكمال ، فلا يكن خطأ العالم سبب لانتقاصك لحقه أو فرصة للنيلِ منه ، وليكن نصب أعينك أن العالم مثابٌ على اجتهاده سواء أصاب أم أخطأ وحسبُك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيحين عن عبد الله ابن عمرو - رضي الله عنهما -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر . ، ثم عليك بعد ذلك أن تترك العالم هو الذي يحكم على العالم و أخرج من بين النسور ولا تناطح السحاب .
(1/6)
أنا أقدم هذا الكتاب كتمرين لطالب العلم على حفظ المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة الصحيحة حتى ينشأ طالب العلم على هذا النحو وحتى يصل إلى أن يكون ذلك طبعاً له لا تكلفاً ويكون الكتاب والسنة له كالجناحين للطائر يتمسك بهما ويعض عليهما بالنواجذ لأن ذلك سبيل النجاةِ من الضلال لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في صحيح الجامع عن أبى هريرة رضي الله عنه (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )
ويجب التنبيه على طالب العلم أن يتمسك بالوحيين كليهما (الكتاب والسنة) وليس الكتاب فقط لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في صحيح أبي داوود عن المقدام ابن معد يكرب رضي الله عنه (ألا وإني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه ) من المؤسف فى زماننا هذا تجرئ بعض الجهلة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون انه بشر مثلنا هات الدليل من القرآن فقط ــ وهذا يدل ولا شك ـــ على أن قائل هذه العبارة جاهل جهلا مركب بل هو أضل من حمار أهله ، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -
النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا سيقع في أمته فقال فيما ثبت في صحيحي أبى داود و الترمذي عن المقدام ابن معد يكرب رضي الله عنه (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحَدَثُ بحديثٍ من حديثٍ فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ،فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله )
) ولقد كان السلف الصالح يدعون إلى التمسك بالوحيين كليهما ويُضَلِلُون من يتمسك بالكتاب فقط ، قال أبو قلابة: إذا رأيت رجل يقول هات الكتاب ودعنا من السنة فاعلم أنه ضال .
وقال الإمام احمد رحمه الله:
دين النبي محمدٍ أخبارُ ... نعم المطيةُ للفتى الآثارُ
لا ترغبَّنَّ عن الحديثِ وأهله ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
وقال الشافعي رحمه الله
(1/7)
كُلُ العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ ... إلا الحديثِ وعلم الفقه في الدين
العلمُ ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواسِ الشياطين
4- أختم الكتاب بفهرس مزود بأرقام الصفحات لسهولة الحصول على العنصر المراد من الكتاب .
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وسبباً لنيلِ جناتِ النعيم وأن يعصمني وقارئه من الشيطان الرجيم ، وما كان في هذا الكتاب من صوابٍ فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان ، والله برئ منه وأنا راجعٌ عنه بإذن الله ، فنسأل الله أن يحملنا على فضله ولا يحملنا على عدله إنه سبحانه على من يشاءُ قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
20/9/1416 هجرية
[*] { مكانة المرأة في الإسلام } ¢ [*]
لم تعرف البشرية ديناً ولا حضارة عنيت بالمرأة أجمل عناية وأتم رعاية وأكمل اهتمام كتعاليم الإسلام ... تحدثت عن المرأة وأكدت على مكانتها وعظيم منزلتها جعلتها مرفوعة الرأس موفورة الكرامة عالية المكانة مرموقة القدر .
لها في شريعة الإسلام الاعتبار الأسمى والمقام الأعلى تتمتع بشخصية محترمة ذات حقوق مقررة وواجبات معتبرة .
لقد كانت المرأة في الجاهلية، تعد من سقط المتاع لا يقام لها وزن، حتى بلغ من شدة بغضهم لها آنذاك أن أحدهم حينما تولد له البنت يستاء منها جدا ويكرهها ولا يستطيع مقابلة الرجال من الخجل الذي يشعر به.
(1/8)
ثم يبقى بين أمرين إما أن يترك هذه البنت مُهَانَة، ويصبر هو على كراهيتها وتنقص الناس له بسببها. وإما أن يقتلها شر قتله، بأن يدفنها وهي حية ويتركها تحت التراب حتى تموت، وقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: (وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُنْثَىَ ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىَ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوَءِ مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىَ هُونٍ أَمْ يَدُسّهُ فِي التّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:58-59]. وأخبر سبحانه أنه سينصف هذه المظلومة ممن ظلمها وقتلها بغير حق، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوير:8-9].
وكانوا في الجاهلية إذا لم يقتلوا البنت في صغرها يهينونها في كبرها، فكانوا لا يورثونها من قريبها إذا مات ، بل كانوا يعدونها من جملة المتاع الذي يورث عن الميت، كما روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها، فنزلت : (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآءَ كَرْهاً ) [النساء:19].
وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العدد الكثير من النساء من غير حصر بعدد ويسيء عشرتهن ، فلما جاء الإسلام حرم الجمع بين أكثر من أربع نساء واشترط لجواز ذلك تحقق العدل بينهن في الحقوق الزوجية قال تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ) [النساء:3].
(1/9)
نعم لقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الوضع السيئ ، فأنقذها منه وكرمها، وضمن لها حقوقها، وجعلها مساوية للرجل في كثير من الواجبات الدينية، وترك المحرمات وفي الثواب والعقاب، وعلى ذلك: قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
وقال تعالى: (إِنّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِينَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35].
وفضل الله الرجل على المراة في مقامات، ولأسباب تقتضي تفضيله عليها، كما في الميراث والشهادة والدية والقوامة والطلاق، لأن عند الرجل من الاستعداد الخلقي ما ليس عند المرأة وعليه من المسؤولية في الحياة ما ليس على المرأة، كما قال تعالى قال تعالى: (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
وقال تعالى: (وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) [البقرة:228].
وجعل الله للمرأة حقا في الميراث فقال سبحانه قال تعالى: (لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مّفْرُوضاً) [النساء:7]،
(1/10)
وجعل الله لها التملك والتصدق والإعتناق كما للرجل قال تعالى :(وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ) [الأحزاب:35].
وجعل لها الحق في اختيار الزوج فلا تزوج بدون رضاها، صانها الله بالإسلام من التبذل، وكف عنها الأيدي الآثمة، والأعين الخائنة، التي تريد الاعتداء على عفافها، والتمتع بها على غير وجه شرعي، وهكذا عاشت المرأة تحت ظل الإسلام وكرامته. أماً وزوجةً وقريبةً وأختاً في الدين. تؤدي وظيفتها في الحياة ربة بيت وأسرة ، وتزاول خارج البيت ما يليق بها من الأعمال إذا دعت الحاجة إلى ذلك مع الاحتشام والاحتفاظ بكرامتها ومع التزام الحجاب الكامل الضافي على جسمها ووجهها، وتحت رقابة وليها. فلا تخلو مع رجل لا يحل لها الا ومعها محرمها. ولا تسافر إلا مع محرمها. هذا وضع المراة في الإسلام الذي هو دين الرحمة والكمال والنزاهة والعدل، وأوصى بها نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام وصية خاصة حين كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً، فإِنّمَا هُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهِنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ وَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّا، فأَمّا حَقّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوْطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلاَ وَإِنّ حَقّهُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنّ في كِسْوَتِهِنّ وَطَعَامِهِنّ" .
عَوَانٌ : أي أسيرات. هذا وصف تقريبي لوضع المرأة في الإسلام.
(
(1/11)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
والحق الذي لا مِراء فيه أنَّ البشريةُ لم تعرف ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة أجملَ عناية وأتمَّ رعايةٍ وأكملَ اهتمام كالإسلام ، تحدَّث عن المرأة، وأكّد على مكانتها وعِظم منزلتها، وأحاطها بسياج منيع من المكرمات والفضائل، وجعلها مرفوعةَ الرأس، عاليةَ المكانة، مرموقةَ القدْر، لها في الإسلام الاعتبارُ الأسمى والمقامُ الأعلى، تتمتّع بشخصيةٍ محترمة وحقوقٍ مقرّرة وواجبات معتبرة. نظر إليها على أنها شقيقةُ الرجل ، خُلِقاَ من أصل واحد، ليسعدَ كلٌّ بالآخر ويأنس به في هذه الحياة، في محيط خيرٍ وصلاح وسعادة .
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن النساء شقائق الرجال .
فالمرأة شقيقة الرجل وهي نصف المجتمع وتلد النصف الآخر ، فهي البنت المرحومة والأخت العطوفة والزوجة الحنون والأم الرءوف ، هي البنت المرحومة والأخت العطوفة والزوجة الحنون والأم الرءوف .
[*] قال ابن الجوزي رحمه الله :
إن النساء شقائق الرجال فكما أن الرجل تعجبه المرأة فكذلك الرجل يعجب المرأة فقد صار من حق المرأة أن تختار الرجل الذي ستقاسمه حياته وتظل تحت سلطانه بقية عمرها .
لقد أشاد الإسلام بفضل المرأة، ورفع شأنَها، وعدَّها نعمةً عظيمةً وهِبةً كريمة، يجب مراعاتها وإكرامُها وإعزازها، يقول المولى جل وعلا: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً [الشورى:49،50]،
(1/12)
فالمرأةُ في ظل تعاليم الإسلام القويمة وتوجيهاتِه الحكيمة تعيش حياةً كريمة في مجتمعها المسلم، حياةً مِلؤها الحفاوةُ والتكريم من أوَّل يوم تقدُم فيه إلى هذه الحياة، ومُرورًا بكل حال من أحوال حياتها.
رعى حقَّها طفلةً، وحثَّ على الإحسان إليها:
( حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه .
ورعى الإسلام حقَّ المرأة أُمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا، وحثَّ على العناية بها، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
بل جعل حقَّ الأمّ في البرّ آكدَ من حقِّ الوالد كما بينته السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :(حديث أبي هريرة في الصحيحين) قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك . الشاهد : هذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب ، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط . وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان . وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب ، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب . وهذا الحديث يدل على أن الأم لها ثلاثة أرباع البر .
ورعى الإسلامُ حقَّ المرأة زوجةً : وجعل لها حقوقاً عظيمة على زوجها، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام وأوصى بها النبي وصيةً خاصة كما في الأحاديث الآتية:
(
(1/13)
حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي .
وفي حال كونِها أجنبيةً فقد حثَّ على عونها ومساعدتها ورعايتها،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل والصائم النهار).
فالمكانةُ الاجتماعية للمرأة في الإسلام محفوظةٌ مرموقة، منحها الحقوقَ والدفاعَ عنها والمطالبةَ برفع ما قد يقع عليها من حرمان أو إهمال، فأعطاها حقَّ الاختيار في حياتها والتصرّف في شؤونها وفقَ الضوابط الشرعية والمصالح المرعية، قال جل وعلا: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ [النساء:19]،
(
(1/14)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تنكح البكر حتى تُستأذن ولا الثيب حتى تُستأمر ".
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تُنكح الأيمُ حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟قال : أن تسكت ".
والمرأةُ في نظر الإسلام أهلٌ للثقة ومحلٌّ للاستشارة، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكملُ الناس علما وأتمُّهم رأيًا يشاور نساءَه ويستشيرهن في مناسبات شتى ومسائل عظمى.
وللمرأة في الإسلام حريةٌ تامة في مناحي الاقتصاد كالرجل سواءً بسواء، هي أهلٌ للتكسُّب بأشكاله المشروعة وطرقه المباحة، تتمتّع بحرية التصرف في أموالها وممتلكاتها، لا وصايةَ لأحدٍ عليها مهما كان وأينما كان، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء:6].
بل إن الإسلامَ يفرض للمرأة من حيث هي ما يسمَّى بمبدأ الأمن الاقتصادي مما لم يسبق له مثيلٌ ولا يجاريه بديل حينما كفل للمرأة النفقةَ أمًّا أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً وحتى أجنبية، لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغةُ البال من هموم العيش ونصب الكدح والتكسُّب.
{ تنبيه } : هذا غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة ولقد كان الصحابة رضوان الله تعالى حريصين تمام الحِرص على تكريم المرأة ، وهآنذا أسوق لك هذه القصة ليتبدى هذا المعنى واضحاً جلياً .
(1/15)
يمشي أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه فتستوقفه المرأة فيقف لها، وتقول له: "يا عمر كنت تدعى عميرًا ، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب". وهو واقف يسمع لكلامها فقيل له: يا أمير المؤمنين .. رجال .. على هذه العجوز فقال: (والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما تحركت من مكاني ، أتدرون من هذه العجوز ؟، هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات. أيسمع رب العالمين قولها ، ولا يسمعه عمر)
[*] تعريف النكاح
مسألة : ما هو النكاح لغةً وشرعا؟
النكاح في اللغة يطلق على أمرين:
الأول: العقد.
الثاني: الجماع.
والأصل فيه الأول، وأنه للعقد، فقول الله تعالى: { { وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } } [النساء: 22] يعني لا تعقدوا عليهن، وأما قوله تعالى: { { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } } [البقرة: 230] ، فهنا قال بعض العلماء: المراد بالنكاح الجماع، وأن الذي حرَّفه عن المعنى الأول هو السُّنَّة، وقال آخرون: وأن الذي حرَّفه عن المعنى الأول هو قوله: { { زَوْجًا } } لأن الزوج لا يكون زوجاً إلا بعقد، وحينئذٍ يتعين أن يكون المراد بالنكاح في قوله: { { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا } } الوطء، ومعنى ذلك أن الزوجية سابقة على النكاح، ولا تكون زوجية سابقة على النكاح إلا إذا كان النكاح هو الوطء.
فإذا قيل: نكح بنت فلان، فالمراد عقد عليها، وإذا قيل: نكح زوجته، فالمراد جامعها.
فهو إذاً مشترك بين المعنيين بحسب ما يضاف إليه، إن أضيف إلى أجنبية فهو العقد، وإن أضيف إلى مباحة فهو الجماع.
أما في الشرع فهو : أن يعقد على امرأة بقصد الاستمتاع بها، وحصول الولد، وغير ذلك من مصالح النكاح.
[*] مشروعية النكاح
(1/16)
قال الله تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء:3].
وقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً } [الرعد:38].
[*] قال القرطبي رحمه الله تعالى: "فيه مسألتان:
الأولى: قيل: إن اليهود عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج وعيَّرته بذلك، وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله هذه الآية وذكَّرهم أمرَ داود وسليمان، فقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً } أي: جعلناهم بشرا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا، وإنما التخصيص في الوحي.
الثانية: هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه، وتنهى عن التبتل وهو ترك النكاح، وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية، والسنة واردة بمعناها أهـ .
والسنة طافحةٌ بما يدل على مشروعية النكاح منها ما يلي :
(حديث أبي ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
يا معشر الشباب لِلَّهِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
والمراد بالباءة النكاح بحيث يكون عنده قوة بدنية وقدرة مالية، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان اختلاف العلماء في هذه المسألة.
(
(1/17)
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي ، يسألون عن عبادة النبي ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا: { يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين } .*
، ولأن عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال: لو أذن لنا رسول الله لاختصينا، ولكن نهانا عن التبتل ، يعني ترك النكاح؛ وذلك لما في النكاح من المصالح الكثيرة التي من أجلها صار سنة، ولأنه من ضرورة بقاء الأمة؛ لأنه لولا النكاح ما حصل التوالد، ولولا التوالد ما بقيت الأمة، ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة، والشيء قد يكون مطلوباً وإن لم ينص على طلبه لما يترتب عليه من المصالح والمنافع العظيمة.
(حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في الصحيحين ) يقول: رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
( حديث سعيد بن جبير الثابت في صحيح البخاري )قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: فتزوج، فأن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
(
(1/18)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ثَلاَثَةٌ حَقّ على الله عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِ الله، والمُكَاتَبُ الّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، والنّاكِحُ الّذِي يُرِيدُ العَفَافَ" .
( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي )
[*] قال الحافظ: "في الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه".
[*]وقال ابن قدامة: "وأجمع المسلمون على مشروعية النكاح، واختلف أصحابنا في وجوبه .
[*] حُكْم النِكَاح
مسألة : ما حُكْم النكاح ؟
الأصل فيه أنه سنة ، بل من آكد سنن الأوليين
والدليل على أنه من آكد سنن المرسلين لقوله تعالى: { { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } } [الرعد: 38] ، وقال: { { وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } } [النور: 32] ، وقال ـ عزّ وجل ـ: { { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } } [النساء: 3]* وقد حث النبي عليه، ولما فيه من المصالح العظيمة التي ستتبين فيما بعد.
(حديث أبي ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
يا معشر الشباب لِلَّهِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
والمراد بالباءة النكاح بحيث يكون عنده قوة بدنية وقدرة مالية، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان اختلاف العلماء في هذه المسألة.
(1/19)
أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي ، يسألون عن عبادة النبي ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا: { يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين } .*
، ولأن عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال: لو أذن لنا رسول الله لاختصينا، ولكن نهانا عن التبتل[(2)]، يعني ترك النكاح؛ وذلك لما في النكاح من المصالح الكثيرة التي من أجلها صار سنة، ولأنه من ضرورة بقاء الأمة؛ لأنه لولا النكاح ما حصل التوالد، ولولا التوالد ما بقيت الأمة، ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة، والشيء قد يكون مطلوباً وإن لم ينص على طلبه لما يترتب عليه من المصالح والمنافع العظيمة.
(حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في الصحيحين ) يقول: رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
( حديث سعيد بن جبير الثابت في صحيح البخاري )قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: فتزوج، فأن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :* الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.
مسألة : هل الزواج أفضل أم نوافل العبادات؟
(1/20)
ما دام الإنسان ذا شهوة وعندك ما تقوم به بواجبات النكاح فإن الأفضل أن تتزوج؛ لأن فيه من المصالح العظيمة ما يربو على نوافل العبادة ، لكن ليس أفضل من واجباتها
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
مسألة : ما حكم الزواج في حق من يخاف زناً بتركه؟
الصحيح أنه يجب على من يخاف زنا بتركه؛ وذلك لشدة شهوته، ولتيسر الزنا في بلده؛ لأن الإنسان ربما تشتد به الشهوة ويخشى أن يزني، لكن لا يتيسر له؛ لأن البلد محفوظ، لكن مراده إذا اشتدت شهوته في بلد يتيسر فيه الزنا، أما إذا لم يتيسر فهو وإن اشتدت به الشهوة لا يمكن أن يزني، فإذا خاف الزنا لوجود أسبابه وانتفاء موانعه، صار النكاح في حقه واجباً دفعاً لهذه المفسدة؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مسألة : متى يكون الزواج مباحاً ؟
يباح لمن لا شهوة له إذا كان غنياً ؛ لأنه ليس هناك سبب يوجب، ولكن من أجل مصالح الزوجة بالإنفاق عليها وغير ذلك.
فإن قصد بذلك إعفاف الزوجة وتحصين الفرج كان مسنوناً لمصلحة الآخرين، وهكذا المباحات إذا كانت وسيلة للمحبوبات صارت محبوبة ومطلوبة.
مسألة : متى يكون الزواج مكروهاً ؟
يكره لفقير لا شهوة له؛ لأنه حينئذٍ ليس به حاجة، ويُحَمِّل نفسه متاعب كثيرة، فإن كانت المرأة غنية لا يهمها أن ينفق أو لا ينفق، فالنكاح في حقه سنة.
مسألة : متى يكون الزواج محرماً ؟
(1/21)
يحرم بدار حرب، إذا صار الإنسان في دار الكفار يقاتل في سبيل الله، فإنه لا يجوز أن يتزوج؛ لأنه يخشى على عائلته في هذه الدار، ومن ذلك إذا كان الإنسان معه زوجة وخاف إذا تزوج ثانية ألا يعدل، فالنكاح حرام لقول الله تعالى: { { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } } [النساء: 3] ، فأمر الله ـ تعالى ـ بالاقتصار على الواحدة إذا خفنا عدم العدل، ويستحب فيما عدا ذلك؛ لأنه هو الأصل.
(ولهذا ذكر الفقهاء أن النكاح تجري فيه الأحكام الخمسة، تارة يجب، وتارة يُستحب، وتارة يُباح، وتارة يُكره، وتارة يَحْرُم).
{ تنبيه } : وينبغي لمن تزوج ألا يقصد قضاء الشهوة فقط، كما هو مراد أكثر الناس اليوم، إنما ينبغي له أن يقصد بهذا التالي:
أولاً: امتثال أمر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"
ثانياً: تكثير نسل الأمة؛ لأن تكثير نسل الأمة من الأمور المحبوبة إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ولأن تكثير نسل الأمة سبب لقوتها وعزتها، ولهذا قال شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقومه: { { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } } [الأعراف: 86]، وامتن الله به على بني إسرائيل في قوله: { { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا } } [الإسراء: 6] .
ثالثاً: تحصين فرجه وفرج زوجته، وغض بصره وبصر زوجته، ثم يأتي بعد ذلك قضاء الشهوة.
[*] الحكمة من النكاح وفوائده
مسألة : ما هي الحكمة من النكاح و ما هي فوائده ؟
[*] للنكاح حِكَمٌ وفوائد عديدة منها ما يلي :
(
(1/22)
1) الزواج هو أعظم رباط إنساني يجمع بين شخصين، ولهذا سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، قال تعالى: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء: 21]، والإسلام يعتبر الزواج شِرعة دينية وسنة اجتماعية وسنة كونية أيضاً، فالكون كله يقوم على نظام الازدواج وقاعدة الزوجية، فالمتأمل في هذا الكون يدرك بسهولة أن الله خلق الأشياء أزواجاً متقابلة، الأحياء ذكر وأنثى ، والجمادات موجب وسالب، حتى الذرة التي هي أساس البناء الكوني كله فيها موجب وسالب، [إلكترون وبروتون]، شحنة كهربائية موجبة وشحنة كهربائية سالبة، وهذا ما قرره القرآن منذ أكثر من أربعة عشر قرناً بقوله تعالى: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات:49] ومن هنا كانت حاجة الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل تسير وفق هذه السُنَّة الإلهية، فضلاً عن الحاجة الفطرية، فقد فطر الله الجنسين على الانجذاب لبعضهما، فالرجل منجذب للمرأة، والمرأة منجذبة للرجل، وبهذا الانجذاب بين الطرفين يحصل التواصل والتزاوج، ومن خلال هذه العلاقة القدسية يتحقق قدر الله في استمرار النوع البشري وبقائه إلى ما شاء الله، ليعمر الأرض وليقوم بحق الخلافة فيها، كما قال تعالى { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة:30] ولا يستغني أحدهما عن الآخر مهما كانت تقواه ومهما كانت عفته، ولهذا كان عموم الأنبياء والرسل عليهم السلام المعصومون متزوجين إلا القليل منهم، كيحيى وعيسى - عليه السلام - قال تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38] كما لا يستغني أحدهما عن الآخر مهما كان منعما، ولهذا لما خلق الله آدم - عليه السلام - وأسكنه الجنة لم يدعه وحده في الجنة، إذ لا
(1/23)
معنى لجنة بلا جليس ولا أنيس، وإن كان فيها ما لذ وطاب من الطعام والشراب، لذلك استوحش آدم - عليه السلام - في الجنة حتى خلق الله له حواء،
[*] قال ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - :
لما أسكن آدمُ الجنة مشى فيها مستوحشاً، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القُيَصْرى [أسفل الأضلاع] من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها، فلما قام وجدها، فقال من أنت؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وهو معنى قوله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا... } (الأعراف: 189)
(2) الزوج سكن:
قال الله تعالى: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف:189].
قال الطبري: "ليأوي إليها لقضاء حاجته ولذَّته .
وقال ابن كثير: "أي: ليألفها ويسكن بها"
(3) تكثير نسل الأمة:
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
[*] قال المناوي رحمه الله تعالى :
"وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد، وفي ضمنه نهي عن العزل، وتوبيخ على فعله، وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية" .
[*] وقال شمس الدين آبادي:
"((الودود)) أي: التي تحب زوجها، ((الولود)) أي: التي تكثر ولادتها، وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودودا لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض" .
[
(1/24)
*] وقال السندي: "((الودود)) أي: كثيرة المحبة للزوج، كأن المراد بها البكر، ويُعرف ذلك بحال قرابتها. وكذا معرفة ((الولود)) أي: كثير الولادة، يعرف بذلك في البكر. واعتبار كونها ودودا مع أن المطلوب كثرةُ الأولاد كما يدل عليه التعليل لأن المحبة هي الوسيلة إلى ما يكون سبباً للأولاد .
(4) فيه غض للبصر وإحصان للفرج:
(حديث أبي ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
يا معشر الشباب لِلَّهِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
[*] قال الصنعاني:
"فيه الحث على تحصيل ما يغض به البصر ويحصن الفرج" .
[*] قال أبو حامد الغزالي في بيان فوائد النكاح: "وفيه فوائد خمس: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن.
الفائدة الأولى: الولد، وهو الأصل، وله وضع النكاح، والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحِثَّة كالموكَّل بالفحل في إخراج البذر، وبالأنثى في التمكين من الحرث، تلطفاً بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع. وفي التوصل إلى الولد قربةٌ من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة، حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزباً: الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان. والثاني: طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير مباهاته. والثالث: طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده. والرابع: طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.
(1/25)
أما الوجه الأول: فهو أدقُّ الوجوه وأبعدُها عن أفهام الجماهير، وهو أحقُّها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه، وبيانه أن السيد إذا سلَّم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيَّأ له أرضا مهيأة للحراثة، وكان العبد قادرا على الحراثة، ووكل به من يتقاضاه عليها، فإن تكاسل وعطَّل آلة الحرث وترك البذر ضائعا حتى فسد، ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحِقا للمقت والعتاب من سيده، والله تعالى خلق الزوجين، وخلق الذكر والأنثيين، وخلق النطفة في الفقار، وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري، وخلق الرحم قرارا ومستودَعا للنطفة، وسلَّط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى، فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها، وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أُعدَّت له...
الوجه الثاني: السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ما به مباهاته؛ إذ قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ويدل على مراعاة أمر الولد جملةٌ بالوجوه كلها... قال عليه السلام: ((خير نسائكم الولود الودود)).
الوجه الثالث: أن يُبقي بعده ولدا صالحا يدعو له، كما ورد في الخبر أن جميع عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثا، فذكر: الولد الصالح. وقول القائل: إن الولد ربما لم يكن صالحا، لا يؤثر، فإنه مؤمن، والصلاح هو الغالب على أولاد ذوي الدين، لا سيما إذا عزم على تربيته وحمله على الصلاح. وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد براً كان أو فاجراً، فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه، وغير مؤاخذ بسيئاته، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى. ولذلك قال تعالى: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء } أي: ما نقصناهم من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيدا في إحسانهم.
(1/26)
الوجه الرابع: أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعاً، قال صلى الله عليه وسلم: ((من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم))، قيل: يا رسول الله واثنان؟ قال: ((واثنان)). فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة، أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد.
الفائدة الثانية: التحصُّن من الشيطان، وكسر التَّوَقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر وحفظ الفرج، وإليه الإشارة بقوله: ((عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء)).
الفائدة الثالثة: ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة، وإراحة للقلب وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول، وهي عن الحق نفور؛ لأنه على خلاف طبعها. فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت، وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروِّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى: { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف:189]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرَّب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال، وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين.
الفائدة الرابعة: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس والفرش، وتنظيف الأواني، وتهيئة أسباب المعيشة. فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده، إذ لو تكفَّل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرَّغ للعلم والعمل. فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق، واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوِّشات للقلب ومنغِّصات للعيش. ولذلك قال أبو سليمان الداراني: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة. وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا.
(1/27)
الفائدة الخامسة: مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده. فكل هذه أعمال عظيمة الفضل، فإنها رعاية وولاية، والأهل والولد رعية، وفضل الرعاية عظيم، وإنما يحترز منها من يحترز خيفةً من القصور عن القيام بحقها، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).
فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكَم له بالفضيلة" .
[*] وقال ابن القيم في ذلك:
(1/28)
"استدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة بأن الله تعالى عز وجل اختار النكاح لأنبيائه ورسله، فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً } [الرعد:38]، وقال في حق آدم: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف:189]، واقتطع من زمن كليمه عشر سنين في رعاية الغنم مهرَ الزوجة، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات، واختار لنبيه محمد أفضلَ الأشياء فلم يحب له ترك النكاح بل زوَّجه بتسع فما فوقهن، ولا هدي فوق هديه. ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي يوم المباهاة بأمته، ولو لم يكن فيه إلا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته، ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد بالله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله تعالى، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ويثيبه على قضاء وطره ووطرها فهو في لذاته وصحائف حسناته تتزايد، ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها، ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام، ولو لم يكن فيه إلا ما يترتَّب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل، ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه، فإن تعلُّق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصدّه عن تعلّقه بما هو أنفع له، فإن الهمة متى انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره، ولو لم يكن فيه إلا تعرُّضُه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن كنَّ له سترا من النار، ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدَّم له فرطين لم يبلغا الحنث أدخله الله بهما الجنة، ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له فإن في الحديث المرفوع
(
(1/29)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ثَلاَثَةٌ حَقّ على الله عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِ الله، والمُكَاتَبُ الّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، والنّاكِحُ الّذِي يُرِيدُ العَفَافَ" .
(5) امتثال أمر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الحث على النكاح
لقوله تعالى: { { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } } [الرعد: 38] ، وقال: { { وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } } [النور: 32] ، وقال ـ عزّ وجل ـ: { { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } } [النساء: 3]* وقد حث النبي عليه، ولما فيه من المصالح العظيمة التي ستتبين فيما بعد.
(حديث أبي ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
يا معشر الشباب لِلَّهِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
والمراد بالباءة النكاح بحيث يكون عنده قوة بدنية وقدرة مالية، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان اختلاف العلماء في هذه المسألة.
أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي ، يسألون عن عبادة النبي ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
(
(1/30)
حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال: كنا نغزو مع رسول الله وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا: { يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين } .*
، ولأن عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال: لو أذن لنا رسول الله لاختصينا، ولكن نهانا عن التبتل ، يعني ترك النكاح؛ وذلك لما في النكاح من المصالح الكثيرة التي من أجلها صار سنة، ولأنه من ضرورة بقاء الأمة؛ لأنه لولا النكاح ما حصل التوالد، ولولا التوالد ما بقيت الأمة، ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة، والشيء قد يكون مطلوباً وإن لم ينص على طلبه لما يترتب عليه من المصالح والمنافع العظيمة.
(حديث سعد بن أبي وقاص الثابت في الصحيحين ) يقول: رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
( حديث سعيد بن جبير الثابت في صحيح البخاري ) قال: قال لي ابن عباس : هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: فتزوج، فأن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
(6) المرأة الصالحة خير متاع الدنيا بنص السنة الثابت الصحيحة :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة .
( حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أربع من السعادة: المرأة الصالحة و المسكن الواسع والجارالصالح و المركب الهنيء و أربع من الشقاء: المرأة السوء و الجار السوء و المركب السوء و المسكن الضيق .
(7)الزواج علاج فتنة النساء التي هي أضرّ فتنة على الرجال بنص السنة الثابت الصحيحة.
(حديث أسامة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
[
(1/31)
*] قال مجاهد : إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر فإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر . ا.هـ تفسير القرطبي ج: 12 ص: 227
[*] وقال المناوي :ما يثق [ أي الشيطان ]في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء .
( حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء .
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه.
(9)أن الله تعالى أوجب على نفسه إعانة الناكح الذي يريد العفاف مما يدل على فضل النكاح :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ثَلاَثَةٌ حَقّ على الله عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِ الله، والمُكَاتَبُ الّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، والنّاكِحُ الّذِي يُرِيدُ العَفَافَ" .
[*] الأسس التي يقوم عليها نظام الحياة الزوجية
مسألة : ما هي الأسس التي يقوم عليها نظام الحياة الزوجية ؟
(1) النكاح في الإسلام مبني على أساس عقدي:
قال الله تعالى واصفا عقد النكاح بالميثاق الغليظ: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء:21].
[*] قال الطبري:
"وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قول من قال: الميثاق الذي عني به في هذه الآية هو: ما أخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقر به الرجل؛ لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجال في نسائهم .
(1/32)
وفي خطبة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)).
والكلمة: قوله تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء } [النساء:3].
(2) النكاح طاعة وعبادة :
( حديث أبي ذر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( وفي بُضع أحدكم صدقة ) فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )
( وفي بُضع أحدكم صدقة ) : أي في جماعه لأهله
فياله من فضل ، قضاء وأجر ....
[*] قال النووي: "((بُضع)) هو: بضم الباء، ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، وكلاهما تصح إرادته هنا. وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاءَ حقِّ الزوجة ومعاشرتَها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلبَ ولدٍ صالح أو إعفافَ نفسه أو إعفافَ الزوجة، ومنعَهما جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به، ذلك من المقاصد الصالحة .
(3) العدالة التامة بين الزوجين:
قال الله تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة:228].
[*] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحبُّ أن أتزيَّن للمرأة،كما أحبُّ أن تتزيَّن لي؛ لأن الله تعالى ذكره يقول: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } .
[*] وقال ابن الجوزي: "وهو المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة"[8].
[*] وقال ابن القيم: "ودخل في قوله: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } جميع الحقوق التي للمرأة وعليها، وإن مردَّ ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم، ويجعلونه معروفاً لا منكراً، والقرآن والسنة كفيلان بهذا أتمَّ كفالة" .
[
(1/33)
*] وقال ابن كثير: "أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤدِّ كلُّ واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف" .
[*] وقال الألوسي: "كأنه قيل: ولهن عليهم مثل الذي لهم عليهن، والمراد بالمماثلة: المماثلة في الوجوب لا في جنس الفعل، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال" .
[*] وقال ابن سعدي: "أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة .
(4) مبدأ الشورى بين الزوجين:
قال الله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْرِ } [آل عمران:159].
[*] قال ابن جرير الطبري: "وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزَبَه من أمر عدوِّه ومكايد حربه ، تأليفاً منه بذلك مَن لم تكن بصيرتُه بالإسلام البصيرةَ التي يؤمَن عليه معها فتنةَ الشيطان، وتعريفاً منه أمتَه ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزَبَه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك، وأما أمتُه فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادق وتوخٍّ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسدِّدُهم وموفِّقهم" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn13#_ftn13.
[*] وقال ابن سعدي: "أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره .
وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [الشورى:38].
[
(1/34)
*] قال الطبري: "يقول: وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn15#_ftn15.
[*] وقال البغوي: "أي: يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون".
[*] وقال الألوسي: "أي: ذوو شورى ومراجعة في الآراء بينهم... وفي الآية مدح للتشاور" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn17#_ftn17.
وفي قصة الحديبية، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا))، قال: فوالله، ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلمالم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحداً منهم كلمةً حتى تنحر بدنك، وتدعوَ حالقَك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحدا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمًّا .
قال ابن حجر: "وفيه: فضل المشورة، وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد، وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول، وجواز مشاورة المرأة الفاضلة .
(1/35)
وفي حادثة نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: ((زملوني زملوني)) فزملوه، حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: ((لقد خشيت على نفسي))، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرَأً قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أومخرجيَّ هم؟!))، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرْك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفيhttp://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn20#_ftn20.
(5) المحبة والرحمة بين الزوجين:
قال الله تعالى: { وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [القصص:21].
[*] قال الطبري: "يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودّةً تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمةً رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض" .
[
(1/36)
*] وقال الألوسي: "فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا، أي: جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم تواداً وتراحماً من غير أن يكون بينكم سابقةُ معرفة، ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم"http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn22#_ftn22.
(حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كنت أشربُ وأنا حائض ثم أناوِلُهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضعُ فاهُ على موضِع فيَّ فيشرب ، وأتعرَّقُ العَرْقَ وأنا حائض ثم أناوِلَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضعُ فاه على موضعِ فيَّ .
{ العَرْق } عظم أُخذ منه اللحم وبقيت عليه بقية .
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أنها:كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك .
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كل شيء ليس من ذكر الله لهو و لعب إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته و تأديب الرجل فرسه و مشي الرجل بين الغرضين و تعليم الرجل السباحة .
[*] وقال ابن القيم:
"فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل، فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتمَّ وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل .
(6) درجة الرجل على المرأة:
قال الله تعالى: { وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة:228].
[*] قال ابن كثير:
"أي: في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة .
[*] وقال الألوسي:
(1/37)
"زيادة في الحق؛ لأن حقوقهم في أنفسهن، فقد ورد أن النكاح كالرق. أو شرف فضيلة؛ لأنهم قوام عليهن وحراس لهن يشاركونهن في غرض الزواج من التلذذ، وانتظام مصالح المعاش، ويخَصُّون بشرفٍ يحصل لهم لأجل الرعاية والإنفاق عليهن" .
[*] وقال ابن سعدي:
"أي: رفعة ورياسة وزيادة حق عليهن" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn29#_ftn29.
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه .
(فلحستها) : أي بلسانها غير متقذرة لذلك ( ما أدت حقه )
( حديث معاذ الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه و عشاؤه حتى يفرغ منه .
( لم تقعد ) أي تقف ( ما حضر غداؤه وعشاؤه ) أي مدة دوام حضوره ( حتى يفرغ منه ) لما له عليها من الحقوق وإذا كان هذا في حق نعمة الزوج وهي في الحقيقة من اللّه تعالى فكيف بمن ترك شكر نعمة اللّه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لَوْ كُنْتُ آمراً أحَداً أنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ، لأمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا".
(لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) فيه تعليق الشرط بالمحال لأن : السجود لمخلوق لا يجوز وأخبر المصطفى أن ذلك لا يكون ولو كان لجعل للمرأة في أداء حق الزوج ، وفيه تأكد حق الزوج وحث على ما يجب من بره ووفاء عهده والقيام بحقه ولهن على الأزواج ما للرجال عليهن .
(حديث مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لاَ تُؤْذِي امْرَأةٌ زَوْجَهَا فِي الدّنْيَا. إِلاّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا".
(
(1/38)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود علي زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غُمضاً حتى ترضى .
العؤود : التي تعود علي زوجها بالنفع .
لا أذوق غمضاً : لا أذوق نوماً حتى ترضى .
(7) قوامة الرجل على المرأة:
قال الله تعالى: { الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ } [النساء:34].
[*] قال الطبري:
"يعني بقوله جل ثناؤه: { الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء } الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم؛ { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم، من سوقهم إليهن مهورَهن وإنفاقِهم عليهن أموالهَم وكفايتِهم إياهن مؤنهتَن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُواماً عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن" .
[*] وقال ابن كثير: "يقول تعالى: { الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء } أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدِّبها إذا اعوجَّت؛ { بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصةً بالرجال، وكذلك الملك الأعظم... وكذا منصب القضاء وغير ذلك، { وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوالِهِمْ } أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/4.htm - _ftn34#_ftn34.
{ أُسس اختيار الزوجة }
(1/39)
مسألة : ما هي أُسس اختيار الزوجة ؟
مما لا شك فيه أن حُسن اختيار الزوجة هو طريق إلي السعادة حتى تبنى الأسرة على أسسٍ سليمة وحتى تكون الرابطة الأسرية راسية القواعد مشيدة الأركان ثابتة الوطائد ، فالمرأة الصالحة من سعادة الإنسان في هذه الحياة وهي خير متاع الدنيا بنص السنة الصحيحة كما في الأحاديث الآتية :
( حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة من السعادة و ثلاثة من الشقاء فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك و تغيب عنها فتأمنها على نفسها و مالك و الدابة تكون و طيئة فتلحقك بأصحابك و الدار تكون واسعة كثيرة المرافق و من الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك و تحمل لسانها عليك و إن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك و الدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك و إن تركتها لم تلحقك بأصحابك و الدار تكون ضيقة قليلة المرافق .
( حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا : المرأة الصالحة ".
فالمرأة الصالحة في هذا الزمان وفي كل زمان كنز ينبغي أن تَكِد في البحث عنه حتى تجده
( حديث أبي أمامة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قلب شاكِر ولِسان ذاكر وزوجة صالحه تعينك علي أمر دُنياك ودينك خير ما اكتنز الناس "
فهيا لنتعرف علي صفات المرأة الصالحة والتي إن مَنَّ الله عليك بها تكون قد حوزت هذا الكنز ونسأل الله أن يبارك لك فيه.
[*] صفات المرأة الصالحة جملةً :
أولاً: أن تكون صالحة ذات دين :
ثانياً: أن تكون ولود :
ثالثاً: أن تكون ودود :
رابعاً: أن تكون بكراً :
خامساً: أن تكون جميلة حسنة الوجه :
سادساً: أن تكون ذات حسب :
سابعاً:أن تكون عفيفة محتشمة (متحجبة غير متبرجة ):
ثامناً : أن تقَرَّ في بيتها فلا تخرج لغير حاجة :
(1/40)
تاسعاً : أن تكون عابدة لله، كثيرة الذكر، متهجدة بالليل .
[*] وهاك صفات المرأة الصالحة تفصيلاً :
أولاً: أن تكون صالحة ذات دين :
صالحة : أي صاحبة دين، لقول النبي : "تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" .
فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتصلح من يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله وتحفظ بيته، بخلاف غير الدينة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "فاظفر بذات الدين" ، فإذا اجتمع مع الدين جمال ومال وحسب فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة.
فلو اجتمع عند المرء امرأتان: إحداهما جميلة وليس فيها فسق أو فجور، والأخرى دونها في الجمال لكنها أدين منها، فأيهما يختار؟ يختار الأدين.
قال تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [ الحجرات/ 13]
و قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) [ النور/ 32]
و قال تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ )[ النساء/ 34]
[*] قال ابن كثير (رحمهُ الله)
( فالصالِحاتُ) : أي من النساء .
( قانتات) : يعني المطيعات لأزواجهم .
( حافظاتُ للغيب) : قال السدي وغيرهُ :أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
فمن تحلت بهذه الصفات كانت مطيعة لله ورسولهِ - صلى الله عليه وسلم - ومن فعلت ذلك فهي في الجنة فهنيئا لهذه الزوجة العفيفة.
فهذه بعض صفات المؤمنات الممدوحات مع أزواجهن :
(أ) صالحات بعمل الخير والإحسان إلى الأزواج.
(ب) مطيعات لأزواجهنَّ فيما لا يسخط الله .
(
(1/41)
ج) محافظات على أنفسهم في غيبة أزواجهنَّ .
(د) محافظات على ما خلفهُ الأزواج من أموال .
(ه) لا يرين أزواجهنَّ إلا ما يسرهم من طلاقة الوجه وحسن المظهر وتسلية الزوج.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"
[*] قال الحافظ في الفتح :
وهو بمعنى الدعاء لكن لا يراد حقيقته ، فالدين هو العنصر الأساسي في اختيار الزوجة ، ذلك أن الزوجة سكن لزوجها وحرثُ لهُ وهي مهوى فؤاده وربَّة بيته وأم أولاده، عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم فإن لم تكن على قدر عظيم من الدين والخلق فشل الزوج في تكوين أسرة مسلمة صالحة
أما إذا كانت ذات خلقٍ ودين كانت أمينةَ على زوجها في ماله وعرضه وشرفه ، عفيفة في نفسها ولسانها ، حسنة لعشرة زوجها فضمنت لهُ سعادتهُ وللأولاد تربية فاضلة وللأسرة شرفها وسمعتها فاللائق بذي المروءة والرأي أن يجعل ذوات الدين مطمح النظر وغاية البُغية لأن جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْقِ ، وغنى النفس أولى من غنى المال وأنفس والعبرة في الخصال لا الأشكال وفي الخلال لا الأموال وصدق ربنا حيث قال تعالى: (يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات / 13]
وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الزواج من المرأه الصالحة وبين أنها خير متاع الدنيا......
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :* الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.
[*] قال ابن عثيمين كما في (الشرح الممتع)
(1/42)
الدَّينة ( ذات الدين) تعينهُ على طاعة الله وتصلح من يتولى على يدها من الأولاد وتحفظهُ في غيبته وتحفظ ماله وتحفظ بيته بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل.
ومن هنا فضل الإسلام صاحبة الدين على غيرها ولو كانت أمه سوداء ....
" كانت لعبد الله بن رواحه أَمة سوداء فلطمها في غضب ثم ندم فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهُ فقال ما هيَ يا عبد الله ؟ قال " تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد الشهادتين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه مؤمنة فقال عبد الله لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل . فطعن عليه ناسُ ُ من المسلمين وقالوا نكح أمَة وكانوا ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم فنزل قوله تعالى ( وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) [ البقرة /221]
وقيل أن هذه الآية نزلت في " خنساء" وليده سوداء لحذيفة بن اليمان فقال لها حذيفة يا خنساء قد ذكرت في الملأ الأعلى مع دمامتك وسوادك وأنزل الله ذكرك في كتابه ِفأعتقها وتزوجها.
فهؤلاء كانوا يتمثلون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
الثابت عند البخاري ومسلم عن أبي بُرده عن أبيه قال:
(حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها، فأدبها فأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران).
فخير رفيق في هذه الدنيا الزوجة الصالحة المؤمنة التي تعين زوجها علي أمر دينه .
( حديث ثوبان رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) قال :" لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قالوا فأيُّ المالِ نتخذُ ؟؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - :
ليتخذ أحدكم قلبا شاكراَ ولساناً ذاكراً وزوجةً مؤمنةً تُعينُ أحدكم علي أمر الآخرة ".
(1/43)
فالزوجة الصالحة هي جنة السعادة التي تخلع أحزانك علي أعتابها فإن المرأه إذا كانت صالحةً مؤمنةً تقَيه وَرِعة كانت كبنت خويلد( خديجة) - رضي الله عنه - التي آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كفر الناس وصدَّقته إذ كذبوه وواسته بما لها إذ حرموه فكانت خيرَ عونٍ له في تثبيته أمام الصعاب والشدائد.
وكانت كأسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما ) :
مثال المرأة الحرَّة الأبية التي دفعت بولدها إلي طريق الشهادة وحرَّضته علي الصمود أمام قوى الجبروت والطغيان ليموت مِيتة الأحرار الكرام.
أو كانت كصفية بنت عبد المطلب:
التي دفعت بنفسها إلي غمار الوغى لتدفع يهود عن أعراض المسلمين.
أو كانت كالخنساء :
التي جاءت بأولادها الأربعة في سبيل الله وعندما جاءها نبأُ استشهادهم قالت: الحمد لله الذي شرَّفني باستشهادهم وإني لأرجو الله أن يجمعني بهم مستقر رحمته.
وخير ما يستشهد به على فضل المرأة الصالحة قصة شُريح القاضي، لما تزوج بامرأة من بني تميم، فيقول: لما دخلت عليها قمت أتوضأ، فتوضأت معي، وصليت فصلت معي، فلما انتهيت من الصلاة دعوت بأن تكون ناصية مباركة، وأن يعطيني الله من خيرها، ويكفيني شرّها، قال: فحَمِِدَت الله، وأثنت، ثم قالت: إنني امرأة غريبة عليك فماذا يعجبك فآتيه، وماذا تكره فأجتنبه، قال: فقلت: إني أحب كذا، وأكره كذا، فقالت: هل تحب أن يزورك أهلي. فقلت: إنني رجل قاضٍ، وأخاف أن أملَّهم، فقالت: من تحب أن يزورك من جيرانك، فأخبرتها بذلك.
قال شريح: فجلست مع هذه المرأة في أرغد عيش وأهنئه حتى حال الحول، إذ دخلت البيت فإذا بعجوز تأمر وتنهى، فسألتُ: من هذه؟ فقالت: إنها أمي. فسألته الأم: كيف أنت وزوجتك؟ فقال لها: خير زوجة، فقالت: ما حوت البيوت شرّاً من المدللة، فإذا رابك منها ريب فعليك بالسوط.
(1/44)
قال شريح: فكانت تأتينا مرة كل سنة، تنصح ابنتها، وتوصيها، ومكثتُ مع زوجتي عشرين عاماً، لم أغضب منها إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالماً(1).
ألا ما أسعد الزوج بالزوجة الصالحة التي نشئت تنشئة إيمانية عرفت حق زوجها وبيتها وأبنائها وإليكم
مثلا آخر مما يملأ تاريخنا العظيم، كان عبد الله بن وداعة ممن يتلقون العلم عن الإمام سعيد بن المسيب، وحدث أن تأخر عن الدرس أياما فسأله الإمام عن سبب تخلفه، فقال: توفيت زوجتي فشغلت بأمرها، فلما انتهى الدرس وهمّ عبد الله بالانصراف، ناداه الإمام: هل تزوجت يا عبد الله بعد وفاة زوجتك، قال عبد الله: يرحمك الله ومن يزوجني ابنته وأنا لا أملك غير درهمين أو ثلاثة، فقال سعيد: أنا أزوجك ابنتي فانعقد لسان عبد الله، ذلك أن الوليد ابن عبد الملك بن مروان كان قد خطبها فأبى سعيد. ثم التفت الإمام إلى من كان قريبا وناداهم فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه وعقد له على ابنته وجعل مهرها درهمين.
__________
(1) - القصة مذكورة بطولها في العقد الفريد 6/92.
(1/45)
يقول عبد الله: فقمت وأنا لا أدري ما أقول من الدهشة والفرح ثم قصدت بيتي وكنت يومئذ صائما فنسيت صومي وجعلت أقول: ويحك يا أبا وداعة ما الذي صنعت بنفسك، ممن تستدين، وممن تطلب المال، وظللت على حالي هذه حتى أذن للمغرب فأديت المكتوبة وجلست إلى فطوري وكان خبزا وزيتا، فما إن تناولت منه لقمة أو لقمتين حتى سمعت الباب يقرع، فقلت: من الطارق، فقال: سعيد، فوالله لقد مر بخاطري كل إنسان اسمه سعيد أعرفه إلا سعيد بن المسيب ذلك لأنه لم ير منذ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، ففتحت الباب فإذا بي أمام سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له في أمر زواجي من ابنته شيء، وقلت له: يا أبا محمد، هلا أرسلت إلي فآتيك، فقال: بل أنت أحق بأن آتي إليك وقال: إن ابنتي أصبحت زوجة لك وأنا أعلم أنه ليس معك أحد يؤنس وحشتك فكرهت أن تبيت وحدك، فقلت: ويحي جئتني بها فقال: نعم.
ثم انصرف سعيد ودخل عبد الله على زوجته فإذا هي أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله وبحقوق الزوجية، وما إن أسفر الصبح حتى نهض عبد الله يريد الخروج فقالت زوجته: إلى أين، قال: إلى مجلس أبيك أتعلم العلم، فقالت: اجلس أعلمك علم سعيد.
هذه سير سلفكم أيها الإخوة في الله فمنها اقتبسوا وعلى نهجهم سيروا لتبلغوا المرتقى الذي وصلوا إليه.
{ تنبيه } مما يندى له الجبين أننا نجد أنّ كثيراً من الناس يغلب على اهتماماتهم شأن الجمال، أو الحسب، أو المال، وهذا ليس خطأ في حد ذاته، ولكن الخطأ أن يتنازل الرجل عن أهمّ مواصفات الزوجة، وهو (الدين) على حساب وجود المواصفات الأخرى كلّها أو بعضها، فالدّين، الدّين، تَرِبَتْ يداك.
وكما أن الرجل مطالب أن يُحسن اختيار شريكة حياته. وأمّ أولاده. يجب على وليّ المرأة أن يُحسِنَ اختيار الرجل المناسب، ليكون زوجاً لموليته.
(1/46)
وإنه لمن المؤسف حقاً أن يستحوذ السؤال عن المكانة والوظيفة والمال والمنصب على ذهن الولي، ويتناسى الدِّين الذي لا يجوز التنازل عنه ألْبَتة، وليس اهتمامه بالأمور الأخرى مضراً إلا إذا اقتصر عليها، وتنازل عن رأس الأمر كلِّه ألا وهو الدين، والذي إذا تخلى الناس عنه حصل في الأرض الفتنة والفساد الكبير كما في الحديث الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي ) قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ".
وحسن الاختيار لا يقتصر فيه كل من الزوجين على صاحبه فقط، بل ينبغي أن يتعداهما إلى ذويهما وأهلهما، فقد تكون أم الزوجة امرأةَ سوء، تؤثِّر على ابنتها بأخلاقها، وتزرع الشقاق بين ابنتها وزوجها. وقل مثل ذلك فيمن عداها مما يتصل ببيئة الزوجين، وإيّاكم وخضراء الدِّمَنْ.
ثانياً: أن تكون ولود :
فقد ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة من تحبيب بطلب الذرية الصالحة وحثٍ علي التكاثر في النسل بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج والمتمثل في استمرار النوع البشرى ودوام عمارة الأرض.
ففي القرآن
قال تعالى:
( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) [ الكهف/ 46]
وقال تعالى:
( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) [ آل عمران /14 ]
وحكي سبحانه وتعالى علي لسان زكريا - عليه السلام - أنه كان يتوجه إلي ربه بهذا الدعاء:
(
(1/47)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) [ مريم 6:4 ]
وقال علي لسان إبراهيم:
( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) [ إبراهيم / 40]
وذكر أن طلب الذرية الصالحة من أمنيات المؤمنين:
( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [ الفرقان/ 74 ]
وحتى الملائكة إذا أرادت الاستغفار للمؤمن استغفرت له ولزوجه ولأولاده:
( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [ غافر8:7 ]
فقد بينت الآيات الكريمات أن البنين من متاع الحياة الدنيا وزينتها وأن طلب النسل من الأمور التي حببها الله إلي خلقه وطبعهم في ابتغائه وجعله جِبلَة فطريه فيهم كما جعله أمنية للرسل وللمؤمنين.
ومن السنة علي استحباب طلب الولد:
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
[*] ملحوظة:
س: كيف تعرف أنها ولود؟
(1/48)
وتعرف الولود بالنظر إلي حالها في كمال جسمها وسلامة صحتها من الأمراض التي تمنع الحمل أو الولادة وبالنظر إلي حال أمها وقياسها علي مثيلاتها من أخواتها وعمَّاتها وخالاتها المتزوجات فإن كُنَّ ممن عادتهن الحمل والولادة كانت (في الغالب) مثلهن.
ثالثاً: أن تكون ودود :
وهي المرأة التي تتودد إلي زوجها وتتحبب إليه وتبذل وسعها في مرضاته.
والودود:هي التي تقبل علي زوجها فتحيطه بالمودة والحب والرعاية وتحرص علي طاعته ومرضاته ليتحقق بها الهدف الأساسي من الزواج وهو السكن.
قال تعالى : (فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ) [ الواقعة 37:36]
العَرُوب : هي المرأة المتحببة إلي زوجها ، الودودة .
[*] وقد وردت أحاديث عديدة تؤكد علي ضرورة مراعاة هذه الصفة في المرأة:
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" خيرُ نساءِ ركبن الإبل صالحُ نساءُ قريش ، أحناه علي طفل في صغره وأرعاه علي زوج في ذات يده".
فقد وصفهنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفقة علي أطفالهن والرأفة بهم والعطف عليهم وبأنهن يراعين حال أزواجهن ويرفقن بهم ويخففن الكُلَف عنهم فالواحدة منهن تحفظ مال زوجها وتصونه بالأمانة والبعد عن التبذير وإذا افتقر كانت عوناً له وسنداً لا عدواً وخصماً.
والمرأة الودود تكون مطيعة لزوجها لا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
(
(1/49)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود علي زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غُمضاً حتى ترضى .
العؤود : التي تعود علي زوجها بالنفع .
لا أذوق غمضاً : لا أذوق نوماً حتى ترضى .
والمرأة الودود هي المرأه التي يُعهدُ منها التودد إلي زوجها والتحبب إليه ، وبذل ما بوسعها من أجل مرضاته لذا تكون معروفة باعتدال المزاج وهدوء الأعصاب بعيدة عن الانحرافات النفسية والعصبية تحنو علي ولدها ورعاية لحق زوجها أما إذا لم تكن المرأه كذلك كثر نشوزها وترفَّعتْ علي زوجها وصعب قيادها لشراسة خلقها مما يفسد الحياة الزوجية بل ويدمرها بعد استحالة تحقق السكن النفسي والروحي للزوج بسببها.
مثال رائع... سُعدى تتفقد زوجها:
[*] دخلت سُعدى على زوجها طلحة بن عبيد الله، فرأت على محياه سحابة هم لم تعرف سببها، وخشيت أن تكون قد قصرت في حق أو فرطت في واجب، فبادرت قائلة: "ما لك!! لعلك رابك منا شيء فنعتبك"(1). قال: "لا، وَلَنِعْمَ حليلة المرء المسلم أنتِ. ولكن اجتمع عندي مال ولا أدري كيف أصنع به؟"، قالت: "وما يغمك منه؟ ادع قومك فاقسمه بينهم".
قال: "يا غلام عليَّ بقومي، فقسّم أربعمائة ألف".
وهذه الصورة المضيئة التي تظهر لنا في بيت سُعدى وزوجها طلحة لتبرز لنا بعض أهم الأسس المفتقدة في كثير من البيوت الآن في العشرة بين الزوجين:
أولاً: سُعدى تتفقد زوجها في مشاعره وأحاسيسه، فهي تشعر بمعاناته، وتعيش همومه وغمومه، فتفرح لفرحه وتحزن لحزنه، ليس هذا فحسب، بل إنها قد ارتابت في نفسها أن تكون هي سبب همه وغمه. كذلك هي مستعدة للرجوع عن الخطأ والإساءة من أجل أن تُرجع لذلك المحيا ابتسامته وسروره.
__________
(1) أي: لعلي قصرت في حقك فأعتذر عن تقصيري وأعود عن إساءتي.
(1/50)
فنعتبك :أي لعلي قصرت في حقك فأعتذر عن تقصيري وأعود عن إساءتي
ثانيًا: تكشف سُعدى عن خلة أخرى في نفسها، حيث حثت زوجها على الصدقة والإنفاق، فهي الزاهدة الصالحة، التي تجاوزت حظوظ نفسها، وتخطت لذائد ذاتها في فستان جديد أو حُلي جميل، أو سفر مع الزوج أو غير ذلك من متاع الدنيا مما تفكر فيه الكثيرات من النساء اليوم، إنها حملت همَّ أصحاب البطون الخاوية والأقدام الحافية، والثياب البالية، فقالت دون تلجلج: "ادع قومك فاقسمه بينهم".
ثالثًا: لا يمكن أن نغض الطرف عن ذلك الزوج الصالح الذي امتدح زوجته فقال: "وَلَنِعْمَ حليلة المرء المسلم أنتِ"، ويا له من أسلوب آسر لقلب الزوجة حين تسمع مثل هذا الكلام الطيب من أعز الناس عليها.
فما أجمل المرأة حسنة الخلق، والتي تزن به الدنيا وما عليها.
وما أجمل المرأة الهينة اللينة السهلة القانتة لربها ولزوجها.
وما أجمل المرأة المتواضعة، والتي لا يعرف الكبر ولا العجب ولا الغلُّ طريقًا إلى قلبها.
وما أجمل المرأة المتواضعة، صاحبة الصوت الهادئ.
وما أجمل المرأة حسنة الظن بزوجها.
وما أجمل المرأة حين تشعر بكل قول وفعل، يرقى بها إلى درجة الخوف من الله.
رابعاً: أن تكون بكراً :
حتى تكون المحبة بينهما أقوى والصلة أوثق ، إذ البكر مجبولةٌ علي الأنس بأول أليف لها وهذا يحمي الأسرة من كثير مما يُنغصُ عليها عيشها ويُكدّر صفوها وبذا نفهم السَّر الإلهي في جعل نساء الجنة أبكاراً
قال تعالى:( إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ) ( الواقعة37:35 )
وقد وردت في الحث علي انتقاء البكر أحاديث كثيرة منها:
(
(1/51)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال:هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله: (تزوجت يا جابر). فقلت: نعم، فقال: (ابكرا أم ثيبا). قلت: بل ثيبا، قال: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، تضاحكها وتضاحكك). قال: فقلت له: إن عبد الله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: (بارك الله لك، أو قال: خيرا).
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين )قالت:قلت يا رسول الله، أرايت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال: (في التي لم يرتع منها). تعني أن رسول الله لم يتزوج بكرا غيرها.
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاما و أعذب أفواها و أقل خبا و أرضى باليسير .
( عليكم بالأبكار ) قال القاضي : حث وإغراء على تزوجهن ( فإنهن أنتق أرحاماً ) أي أكثر حركة والنتق بنون ومثناة الحركة ويقال أيضاً للرمي وأراد أنها كثيرة الأولاد ( وأعذب أفواهاً ) قال الطيبي : أفرد الخبر وذكره على تقدير كقوله تعالى { هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم } قال القاضي : إضافة العذوبة إلى الأفواه لاحتوائها على الريق وقد يقال للريق والخمر الأعذبان ( وأقل خباً ) بالكسر أي خداعاً (وأرضى باليسير ) من الإرفاق لأنها لم تتعود في سائر الأزمان من معاشرة الأزواج ما يدعوها إلى استقلال ما تصادفه .
وفي صحيح مسلم في (كتاب النكاح) عن علقمة قال: كنت أمشى مع عبد الله بن مسعود بمنى فلقيه عثمان فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ، ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك ببعض ما مضى من زمانك؟؟"
[*] قال النووي في (شرح مسلم) :
(1/52)
فيه استحباب نكاح الشابة لأنها المحصِّلة لمقاصد النكاح فإنها ألذ استمتاعاً وأطيب نكهة وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح وأحسن عشرة وأفكه محادثة وأجمل منظراً وألين ملمساً وأقرب إلي أن يعوّدها زوجُها الأخلاق التي يرتضيها.
[*] وبعد هذه الجملة من الأحاديث التي تحث علي التزوج من البكر لِما تمتاز به البكر من:
(1) كثرة الملاطفة لزوجها وملاعبتها له ومرحها معه.
(2) عذوبة ريقها وطيب فمها بما يحقق لزوجها متعةً عظيمة وحب معاشرتها (حديث جابر) كما أن عذوبة الأفواه تفيد حسن كلامها وقلة بذائتها وفحشها مع زوجها وذلك لكثرة حيائها لأنها لم تخالط زوجا قبله.
(3) كونها ولوداً حيث لم يسبق لها الحمل والولادة.
(4) رضاها باليسير من الجماع والمال والمؤنة ونحو ذلك - لأن هذا ما وجدته ولم تعرف غيره ولكونها (بسبب حداثة سنها) أقل طمعاً وأسرع قناعة فلا ترهق زوجها ما لا يطيق لكثرة مطالبها.
(5) كونها أقل خبَّاً (أي مكرا وخداعا)ً لِمَا جُبِلَتْ عليه من براءة القصد وسذاجة الفكر فهي في الغالب غُفْلٌ لا تزال علي فطرتها لا تعرف حيلة ولا تحسن مكراً.
[*] قال ابن القيم كما في ( روضة المحبين) :
س: لما فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - البكر علي الثيب وهذه الصفة تزول بأول وطء فتعود ثيباً ؟
ج: قيل الجواب من وجهين:
الأول:
أن المقصود من وطء البكر أنها لم تذق أحداً قبل وطئها فتزرع محبته في قلبها وذلك أكمل لدوام العشرة فهذه بالنسبة إلي الوطء فإنه يراعي روضة لم يرعها أحدٌ قبله وقد أشار تعالى إلي هذا المعني بقوله( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) [ الرحمن/ 79 ]
ثم تستمر له لذة الوطء حال زوال البكارة.
الثاني :
أنه قد ورد : أن أهل الجنة كلما وطئ أحدهم امرأة عادت بكراً كما كانت.
[*] وقال الغزالي في ( الأحياء) في الأبكار ثلاث فوائد:
(1) أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في هذا الود ...
(1/53)
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - " عليك بالودود" والطباع مجبولة علي الأنس بأوّل مألوف وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتُقلى الزوج.
(2) أن ذلك أكمل في مودته لها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما.
(3) أنها لا تحن إلا إلي الزوج الأول وأكثر الحب ما يقع مع الحبيب الأول غالباً.
[*] في زواج الثيبات:
الثيب: وهي المرأة التي تزوجت ثم ثابت إلى بيت أبويها فعادت كما كانت غير ذات زوج .
[*] قال الشيخ الإستانبولي في ( تحفة العروس):
ومهما كان من شأن البكر فإن للثيب مزاياها من الممارسة والخبرة من حسن معاملة الزوج وقد أخبر اللهُ سبحانه وتعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) [ التحريم/50]
عُرضت علي الخليفة المتوكل جارية فقال لها ، أبكر أنت أم أيش ؟
فقالت : أنا أيش يا أمير المؤمنين ، فضحك واشتراها.
وعلى كلٍّ فإنه يجوز للرجل اختيار الثيب إذا توفرّ لديه من الأسباب ما يدعوه إلي ذلك:
كطلب مصاهرة الصالحين أو جبر من توفي عنها زوجها أو لإعالة أيتام أو لكونها خير معين علي تربية أولاده أو أخواته الصغار كما حَدَث لجابر:
(حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال:هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله: (تزوجت يا جابر). فقلت: نعم، فقال: (ابكرا أم ثيبا). قلت: بل ثيبا، قال: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، تضاحكها وتضاحكك). قال: فقلت له: إن عبد الله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: (بارك الله لك، أو قال: خيرا).
[*] قال صاحب عون المعبود في التعليق علي حديث جابر:
(1/54)
وفيه دليل علي استحباب نكاح الأبكار إلا المقتضى لنكاح الثيب كما وقع لجابر ، فجابر مات أبوه وترك له تسع أخوات يتيمات يحتجن منه إلي رعاية وعطف وخدمة فكان من الموائم له أن يتزوج ثيباً تقوم علي أمرهن وتفي بشأنهن"
[*] قال ابن عثيمين كما في (الشرح الممتع 5/124) :
فإذا اختار الإنسان ثيباً لأغراض أخرى فإنها تكون أفضل.
خامساً: أن تكون جميلة حسنة الوجه :
هذا بجانب الدين ، لتحصل بها للزوج العِفة ويتم إسعاد النفس ، ومن هنا كان جزاء المؤمنين في الجنة الحور العين وهن غاية الحسن والجمال.
قال تعالى :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ) [ الدخان 54:51]
وفي آية أخرى قال تعالى ( وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ )[ الواقعة23:22]
قال مجاهد: سُميت الحوراء حوراء لأنه يَحَارُ الطرفُ في حسنها.
وقيل : هي من حَوَرِ العين: وهي شدّة بياضها مع شدة سوادها.
وقد أشارت بعض الأحاديث النبوية الشريفة إلي اعتبار عنصر الجمال في المرأه عند الاختيار:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
فالجمال:
وإن لم يكن أساسي لكنه أمر معتبر، لذا ندب الشارع إلي مُراعاة أسباب الألفة فأباح النظر إلي المخطوبة.
(حديث الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة )أَنّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فقَالَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "أنْظُرْ إِلَيْهَا فإِنّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا".
(
(1/55)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم )قال * كنت عند النبي فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا .
أي يؤلف بينهما من وقوع الأدمة علي الأدمة وهي الجلدة الباطنة والجلدة الظاهرة وإنما ذُكِر ذلك للمبالغة في الائتلاف.
[*] قال الأعمش:
كلَّ تزويج يقع من غير نظر فأخره هم وغم.
[*] قال صاحب عون المعبود:
يؤخذ من الأحاديث استحباب تزوج الجميلة إلا إذا كانت الجميلة غيرَ ديّنه والتي أدني منها جمالاً متدينة فتقدم ذات الدين. أما إذا تساوتا في الدين فالجميلة أولي.
والجمال بالنسبة للمرأة ما لم يكن محصناً بالنشأة الدينية والتربية القويمة والأصل العريق قد يصبح وبالاً عليها إذ يغرى الفسَّاق بالطمع فيها ويهوَّنُ عليها التفريط بشرفها مما يؤدى بها إلي التردي في هوّة الفاحشة دون مبالاة بما يعود علي الأسرة من دمار وما يلوث سمعتها من عارٍ وشنار وقد كان بعض السلف يفضل الدميمة ذات الدين علي الجميلة حتى لا تشغله الجميلة عن طاعة الله.
[*] قال مالك بن دينار:
يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا فتشتهي عليه الشهوات وتقول أكسنى كذا وكذا .
[*] قال أبو سليمان الدارانى:
الزهد في كل شيء حتى في المرأه يتزوج الرجل العجوز إيثاراً للزهد في الدنيا وكان بعض السلف يختار اللبيبة العاقلة علي الجميلة وذلك لمنفعتها الأكثر في حقه.
فهذا هو الإمام بن حنبل - رضي الله عنهم - أختار عوراء علي أختها وكانت أختها جميلة فسَألَ مَن اعقلهما؟
فقيل : العوراء ، قال: زوجني إياها.
[*] يقول ابن عثيمين:
ومن المعروف أن جمال المرأة جمال حسي وجمال معنوي.
فالجمال الحسي :
(1/56)
كمال الخِلقة لأن المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطلق قَرَّت العين بالنظر إليها وأصغت الأذنُ إلي منطقها فينفتح لها القلب وينشرح لها الصدر وتسكن إليها النفس ويتحقق فيها قوله تعالي:
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الروم/ 21 ]
والجمال المعنوي:
كمال الدين والخُلُق فكلما كانت المرأة أدين وأكمل خُلُقاً كانت أحب إلي النفس فالمرأة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وأولاده وماله مُعينة له علي طاعة الله تعالي إن نسى ذكرته وإن تثاقل نشَّطته ، وإن غضب أرضته.
فإذا أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال الظاهر وجمال الباطن فقد تمت سعادة الرجل .
وينبغي علي المرأة ألا تتفاخر علي الزوج بجمالها ولا تزدريه لقبحه.
[*] فقد روى الأصمعي فقال:
دخلت البادية فإذا أنا بامرأةٍ من أحسن الناس وجهاً تحت رجلاً من أقبح الناس وجهاً
فقلتُ لها: يا هذه أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله؟
فقالت: يا هذا أسكت فقد اسأت في قولك ، لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه ، فجعلني ثوابه أو لعلي اسأت فيما بيني وبين خالقي فجعله عقوبتي
أفلا أرض بما رضي الله لي
قال الأصمعي: فأسكتتني .
سادساً: أن تكون ذات حسب :
والحسب:
هو الشرف بالآباء والأقارب ، مأخوذ من الحِساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدَّدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيُحكم لمن زاد عدده علي غيره.
فينبغي أن تكون حسيبة كريمة العنصر حسنةُ المنبت لأن من اتصفت بذلك فإنها تكون حميدة الطباع ودودة للزوج رحيمة بالولد حريصة علي صلاح الأسرة وصيانة شرفُ البيت وفي كل الأحوال فإن أصالة الشرف وحسن المنبت أمرٌ مرغوب ومطلبٌ محمود .
(
(1/57)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" خيرُ نساءِ ركبن الإبل صالحُ نساءُ قريش ، أحناه علي طفل في صغره وأرعاه علي زوج في ذات يده".
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مدحهن بشيئين:
الأول : حنوهن علي أولادهن والمقصود كثرة الشفقة عليهم.
[*] قال الحافظ :
" والحانية علي ولدها : هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية ".
الثاني: رعايتها لزوجها في ذات يده يعني ماله وذلك بحفظه وصونها له بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق.
ويلاحظ في الأمر الأول:
أن هذا لا يعني تحريم زواج الأرملة بل أنه مباح لها ولكنها إن قامت علي أولادها فهو أفضل إلا أن تخاف على نفسها فتنه فيكون طلبها للزواج أفضل والله اعلم.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ".
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" تَخَيَّروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ".
فيؤخذ من هذا أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج بذات حسب ونسب مثله إلا أن تعارض نسيبة غير دينه وغير نسيبة دينه فتقدم ذات الدين .
[*] وقد قال أكثم بن صيفي لبنيه كما في (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني):
{ يا بنيَّ لا يغلبنَّكم جمالُ النساء علي صراحة النسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف } .
(1/58)
وبديهيُ أن الرجل إذا تزوج المرأه الحسيبة المنحدره من أصل كريم أنجبت له أولاداً مفطورين علي معالي الأمور متطبعين بعاداتٍ أصيلة وأخلاقٍ قويمة لأنهم سيرضعون منها لِبانَ المكارم ويكتسبون خِصال الخير .
أما أهل الدنيا :
فإنهم يجعلون المال حسبهم الذي يسعون إليه لا يعرفون شرفاً آخر مساوياً له أو مدانياً إياه فصاحب المال فيهم عزيزٌ كيفما كان والمُقِلَّ عندهم وضيع ولو كان ذا نسب رفيع .
أخرج ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني في (الأرواء) عن أبي بُرَيده عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه ....المال "
والحق الذي ينبغي أن يُصار إليه أن حسب المرء لا يكون بكثرة ماله ووفرة رعائه بل بنبل أصله وحسن منبته وكريم عنصره.
سابعاً:أن تكون عفيفة محتشمة (متحجبة غير متبرجة ) فأحذر المتبرجة
فينبغي أن تكون ممن وقع الاختيار عليها عفيفة محتشمة ذات أخلاق فاضلة لا يُعرف عنها سفور أو تبرج بحيث لا يحجزها حياؤها عن إبراز مفاتن جسدها أمام كل ناظر فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حذر من هذا الصنف وبيَّن أنهن من أهل النار.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البُختِ(4)المائلة لا يدخلنَ الجنةَ ولا يجدنَ ريحها ، وإن ريحها لتوجدُ من سيرة كذا وكذا "
كاسيات عاريات : أي يلبسن ثياباً رقيقة تصف ما تحتها فهي في الظاهر كاسية وفي الحقيقة عارية.
مائلات: متبخترات في مشيتهنَ .
مميلات : يملن أعطافهنّ وأكتافهنَّ .
أسنمة البُخت : أسنمة الجمل لما يضعنه في رؤوسهن من وصل الشعور ونفشها وتضخيم العمائم ووصفهم بأنهم منافقات .
[
(1/59)
*] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10 /375) : " هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين قيل معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا بحالها ونحوه وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها وأما مائلات فقيل معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم وقيل مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن وقيل مائلات يمشطن المشطة المائلة وهى مشطة البغايا مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها "(1) ا.هـ.
[*] وقال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص406) :
" ويجب عليه - ولي الأمر - منع النساء من الخروج متزينات متجملات ، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات ، كالثياب الواسعة والرقاق ، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك.
وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه ،فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب. وهذا من أدنى عقوبتهن المالية.وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ، ولاسيما إذا خرجت متجملة ، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية ، والله سائل ولي الأمر عن ذلك " ا.هـ. مختصراً.
وقد أحسن من قال:
وعباءةٍ شفافةٍ قد صَوَّرَتْ ... جسمَ الفتاة بقالب الإغراءِ
وغطاءُ شعرِ الرأس ليس بساترٍ ... فكلاهما وزرُ بلا استثناءِ
والضابط الشَّرْعي لذلك كلّه ... صدقُ العقيدةِ مُفْعَمٌ بحياءِ
{
__________
(1) ينظر كتاب الكبائر للإمام الذهبي (ص134) .
(1/60)
تنبيه } : ينبغي أن يحَّذر الشاب من الفتاة التي تلبس الحجاب لا لله ولكن من أجل الزواج فإنها إذا أرادت الحجاب لغير الله فإنها ستخلعه في أول ليلة أو أقرب فرصة ، ومن هنا فإن علي خاطب المتبرجة أن يدقق ويحقق هل سترتدي مخطوبته الحجاب من أجل الله أم من أجله.
ومن مظاهر حِشمة المرأة وصونها وعدم ابتذالها:
(1) عدم إكثار الخروج من بيتها وتجوالها بين الرجال في الأسواق ومجامع الطرق:
( حديث بن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" المرأة عوره إذا خرجت استشرفها الشيطان".
استشرفها : أي تعرَّض لها واطلع عليها ينظر إليها يحاول غوايتها .
(2) عدم اعتراضها الرجال مستعطرة:
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
( أيما امرأة استعطرت ) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه ( ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ) أي بقصد ذلك
( فهي زانية ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا ،
( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
[*] قال الإمام الذهبي في كتاب الكبائر (ص134) :
(1/61)
" ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة ، إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب ، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت ، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار ، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت ، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة ، وهذه الأفعال التي غلبت على أكثر النساء " ا.هـ.
(3) أن لا تتشبه بالرجال في لبسها أو حركتها:
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلَ يلبس لِبْسةَ المرأة والمرأة تلبس لِبْسَة الرجل"
( حديث بن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) قال :" لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .
(4) لا تكون ممن يلبس ثياب شهرة :
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار .
(من لبس ثوب شهرة ) الشهرة ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به
( ألبسه اللّه يوم القيامة ثوب مذلة) ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن في ذلك الجمع الأعظم بأن يصغره في العيون ويحقره في القلوب لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره .
( ثم يلهب فيه النار ) عقوبة له بنقيض فعله والجزاء من جنس العمل فأذله اللّه كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
(5) أن لا تكون ممن يتزين بالوشم أو الوصل أو تفليج الأسنان :
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لعن الله الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة
( لعن اللّه الواصلة ) التي تحاول وصل الشعر بيدها والوصل هو وصل الشعر بشعر آخر ليطول
(
(1/62)
والمستوصلة ) التي تطلب ذلك وتطاوعها على فعله بها قال القرطبي : ووصله
أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به ، هذا نص في تحريم وصل الشعر بشع
( والواشمة والمستوشمة ) وذلك كله حرام
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لعن الله الواشمات و المستوشمات و النامصات و المتنمصات و المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
( لعن اللّه الواشمات ) جمع واشمة وهي التي تشم غيرها
( والمستوشمات ) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم ، والوشم هو تغير لون الجلد بزرقة أو خضرة أو سواد وذلك بغرز الإبرة فيه وذرَّ النَّيلَج عليه حتى يزرق أثره أو يخضرَّ .
( والنامصات ) جمع متنمصة المتنمصات بتاء ثم نون قال في التنقيح : وروى بتقدم النون على التاء ومنه قيل للمنقاش منماص لأنه ينتف وهي التي تطلب إزالة شعر الوجه والحواجب بالمنقاش
( والمتفلجات ) بالجيم ( للحسن ) أي لأجله جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة وذلك بترقيق الأسنان ، الفلج : تباعد ما بين الثنايا.
المتفلّجة : التي تتكلف في فعل ذلك بصناعة وهو محبوب إلي العرب مستحسن إليهم فمن فعلت ذلك طلبا للحسن فهو مذموم.
[*] قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (5/369) :
" وهذه الأمور قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر ، واختلف في المعنى الذي نهى لأجلها . فقيل : لأنها من باب التدليس . وقيل : من باب تغيير خلق الله تعالى كما قال ابن مسعود وهو أصح وهو يتضمن المعنى الأول " .
ثامناً : أن تقَرَّ في بيتها فلا تخرج لغير حاجة :
من أعظم صفات المرأة الصالحة أن تكون قارَّةً في بيتها ، فلا تخرج إلا لحاجة، لا للهو ولا لإضاعة الأوقات ،
فالمرأة لم تُخلق لكي تكون بارزة للمجتمع ، إنما خلقها الله تعالى لكي تكون سكناً لزوجها ومربية لأولادها.
(1/63)
ورضي الله عن الصحابيات الجليلات أمثال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فخديجة رضي الله عنها شَدَّت من عزم النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع خائفاً مضطرباً مما جرى في غار حراء مع جبريل عليه السلام، فأخبرها كيف غطه ثلاث مرات آمراً إياه أن يقرأ، وأخبرها بالقرآن الذي سمعه منه، وعندما أخبرها أنه خشي على نفسه قالت له بكل ثقة: (كلا والله ما يُخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتَقري الضيف وتُعين على نوائب الدهر)، فكانت لكلماتها أفضل أثر على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم، فهدأ وسكن رَوْعُه، وواست النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بمالها ونفسها وهيئت للنبي صلى الله عليه وسلم البيت المريح الذي يجد فيه السكينة بعد المشقة والأذى الَّلذَيْن كان يجدهما من دعوة المشركين، فكانت خير معين على نشر الإسلام .
وإذا خرجت الزوجة من منزلها لحاجةٍ طلبت الإذن من زوجها، وخرجت في لباسها الساتر، غير متعطرة، تمشي متواضعة في أدب وحياء وسكينة، لا تسمع لها صوتًا في الطريق، ولا تتخذ خلاخل ولا حذاء مما يضرب في الأرض.
من فساد أخلاق المرأة، كثرة خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، وعدم تأدبها بالآداب الشرعية عند الخروج.
[*] تفسير قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب:33]:
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33]، أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطين متلازمين هما :
(1) أن يتجنبن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب
(2) أن يخرجن وهن تفلات ، كما في الأحاديث الآتية
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
(
(1/64)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد و بيوتهن خير لهن .
[*] قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: { وقرن } ، قرأ الجمهور { وقِرن } ، وقرأ عاصم ونافع بفتحها. فأما القراءة الأولى فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الوقار ، تقول: وقَرَ يَقر وقارًا أي سكن، والأمر قِرْ، وللنساء قِرْن .
والوجه الثاني: أن يكون من القرار.
ثم قال رحمه الله: معنى هذه الآية، الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة. فأمر الله تعالى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفًا لهن، ونهاهن عن التبرج .
ثم قال رحمه الله أيضًا: ذكر الثعلبي وغيره عن عائشة رضي الله عنها، كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها.
وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها، حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها.
ثم قال رحمه الله: ليس المراد بحكم { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ، أن لا تتخطى النساء عتبة بيتهن أبدًا، بل الأمر أن قد أُذن لهن أن يخرجن لحوائجهن.
(1/65)
ولكن هذا الإذن ليس بمطلق غير محدود، ولا هو غير مقيد بشروط، فليس جائزًا للنساء أن يطفن خارج بيوتهن كما شئن، ويخالطن الرجال بحرية في المجالس والنوادي، وإنما مراد الشرع بالحوائج: هو الحاجات الحقيقية التي لابد معها للنساء من أن يخرجن من البيوت ويعملن خارجها.
ومن الظاهر أنه لا يمكن استيعاب جميع الصور الممكنة لخروج النساء وعدم خروجهن، في جميع الأزمان، ولا من الممكن وضع الضوابط والحدود لكل مناسبة من تلك المناسبات، غير أن المرء يستطيع أن يتفطن لروح القانون الإسلامي ورجحانه، إذا نظر فيما قرره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، من الضوابط لخروج المرأة من البيت في عامة أحوال الحياة، وما تناول به حدود الحجاب من الزيادة والنقص بين آونة وأخرى، وأن يستخرج بنفسه حدود الحجاب للأحوال الفردية والشئون الجزئية، وقواعد الزيادة فيها والنقص منها تبعًا للحالات والملابسات.
ومن ذلك، الإذن في حضور المساجد وحدوده، وخروج النساء في الحج والجمعة والعيدين، وكذلك في زيارة القبور واتباع الجنائز، وكذلك شهودهن الحرب، ففي كل ذلك ضوابط وحدود، وفي أخرى موانع.
ومما يستدل به على جواز خروج النساء لحاجتهن، ما رواه مسلم عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب ـ لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تَخفى على من يعرفُها ـ فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْقٌ، فَدَخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفع عنه وإنَّ العَرْقَ في يده ما وضَعه فقال: "إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن"(1).
والمرأة المسلمة المستقيمة على شرع الله إذا خرجت لحاجة التزمت بالضوابط الآتية:
(
__________
(1) رواه مسلم 02170)، وعند البخاري، الفتح (1/249).
(1/66)
1) خرجت لحاجة، لا للهو ولا لإضاعة الأوقات، انطلاقًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أذن لكن في الخروج لحاجتكن"(1).
(2) وتستأذن زوجها أو وليها قبل الخروج، أما المرأة التي تدخل بيتها وتخرج في أي وقت دون مبالاة بأمر الزوج، فهي امرأة شقية تجلب لنفسها المشاكل والخراب.
(3) وتستتر بحجابها الشرعي الكامل، فلا تكون من الكاسيات العاريات، اللائي يرتدين من الملابس الشفاف أو الضيق أو المزركش، ولا تتعطر عند خروجها، أو تلبس ملابس الرجال، فالمرأة الصالحة المتدينة في منأى عن هذه الصورة السيئة.
(4) تغض من نظرها في سيرها فلا تنظر هنا أو هناك لغير حاجة، فضلاً عن النظر للرجل الأجنبي لغير حاجة، وإذا احتاجت إلى محادثته، تتحدث إليه بما تحتاجه فقط، ولا تلين بصوتها ولا تخضع به لئلا يطمع فيها من في قلبه مرض.
(5) تمشي متواضعة في أدب وحياء وسكينة، ولا تتخذ خلاخل ولا حذاء يضرب على الأرض بقوة، فيُسمع قرع حذائها فربما وقعت الفتنة، وقد قال الله تعالى: { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور: 31].
(6) ولا تسافر سفر يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الآتية :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )
[
__________
(1) جزء من حديث أخرجه البخاري.
(1/67)
*] قال ابن العربي: لقد دخلت نيفًا على ألف قرية، فما رأيت نساء أصون عيالاً، ولا أعف نساء من نساء نابلس، التي رُمي الخليل - صلى الله عليه وسلم - بالنار فها، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلا الجمعة الأخرى(1).
[*] ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: ويقول التابعي والمفسر الشهير قتادة بن دعامة: إن مقامة المرأة ومستقرها في البيت، وما وضعت عنهن واجبات خارج البيت إلا ليلازمن البيوت بالسكينة والوقار، ويقمن بواجبات الحياة العائلية، أما إن كان بهن حاجة على الخروج، فيجوز لهن أن يخرجن من البيت، بشرط أن يراعين جانب العفة والحياء، فلا يكون في لباسهن بريق أو زخرفة أو جاذبية، تجذب إليهن الأنظار، ولا في نفوسهن من حرص على إظهار زينتهن، فيكشفن تارة عن وجوههن، وأخرى عن أيديهن، ولا في مشيتهن شيء يستهوي القلوب، ولا يلبسن كذلك من الحلي ما يحلو وسواسه في المسامع، ولا يرفعن أصواتهن بقصد أن يسمعها الناس. نعم، يجوز لهن التكلم في حاجتهن، ولكنه يجب أن لا يكون في كلامهن لين وخضوع، ولا في لهجتهن عذوبة وتشويق.
كل هذه الضوابط والحدود إن راعتها النساء، جاز لهن أن يخرجن لحوائجهن(2)
[*] وقد كتب أحدهم عن أوصاف الزوجة الصالحة فقال:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/5450)، ط. دار الغد العربي.
(2) الحجاب ص308.
(1/68)
"هي الناظرة في عيبها، المفكرة في دينها، المقبلة على ربها، الخفي صوتها، الكثير صمتها، اللينة الجناح، العفيفة اللسان ، الظاهرة الحياء، الورعة عن الخنا ، الواسعة الصدر، العظيمة الصبر، القليلة المكر، الكثيرة الشكر، النقية الجيب ، الطاهرة من العيب، الحبيبة، الكريمة، الرضية، الزكية، الرزينة، النجيبة، السهلة الخُلُق، الرقيقة، البريئة من الكذب، النقية من العُجب، التاركة للقذى، الزاهدة في الدنيا، الساكنة، الستيرة، لا متفاكهة، ولا متهتكة، قليلة الحيل، وثيقة العمل، رحيمة القلب، خليصة الوَد، إن زُجرت انزجرت، وإن أُمرت ائتمرت، تشنأ الصلف ، وتبغض السرف، وتكره المكروه، وتمقت الفخر، وتتفقد نفسها بطيب النساء والكحل والماء، قنوعة بالكفاف، ومستترة بالعفاف، لها رحمة بالأهل ، ورفق بالبعل ، تضع له خدها ، وتخلص له ودها ، وتملكه نفسها ، ولا تملأ منه طرفها ، وتترك لأمره أمرها، وتخرج لآرائه عن رأيها، وتوكله عن نفسها، وتأمنه على سرها، وتصفيه غاية الحب ، وتؤثره على الأم والأب ، لا تلفظ بعيبه ، ولا تخبر بسره، تحسن أمره ، وتتبع سروره ، ولا تجفوه في عسر ولا فقر، بل تزيده في الفقر ودًا وعلى الافتقار حبًا، تَلْقى غضبه بحلم وصبر، تترضاه في غضبه، وتتوقاه في سخطه، وتستوحش لغيبته، وتستأنس لرؤيته، قد فهمت عن الله ذكره وعلمه، فقامت فيه بحق فضله ، فعظم بذلك فاقتها إليه ، ولم يجعل لها مُعولاً إلا عليه ، فهو لها سمع ولُب ، وهي له بصر وقلب".
{
(1/69)
تنبيه } يُلبِّس إبليس على بعض الشباب فكرة مغلوطة، وهي أن يرى أحدهم فتاة جميلة ليست ذات دين، ولكن جمالها يجذبه إليها، فيريد أن يتقدم للزواج منها مُدعيًا أنه سيأخذ بيديها إلى طريق الالتزام والاستقامة، وأنَّ فيها خيرًا كثيرًا، إلى غير ذلك من الأفكار الواهية في الغالب ، وهذه الفكرة غير مأمونة ولا مضمونة، فما أدراك أن تفسد هي عليك دينك، وتُبعدك عنه، وماذا تفعل لو فشلت أنت فيما كنت تريد أن تصل إليه ؟ في الوقت الذي نرى فيه في واقعنا أمثالاً من ذلك ونماذج ، ولم يجدوا في النهاية إلا أن يَعَضوا الأنامل من الفشل، فإما أن يصبروا ويتحملوا خسارات جسيمة، أو ينتهي الأمر بالانفصال.
فهذه بعد أن وعدته بالالتزام بالنقاب وحضور مجالس العلم، أصبحت مشغولة بالزيارات والزينة، ثم بعد ذلك بالأولاد.
وهذه بعد الزواج، ضعفت همتها، وأصبحت امرأة عادية لا تبحث إلا عن مقومات الحياة فقط.
وأخرى توارت عن الأعين، وأصبحت في عداد المنسيات.
إلى آخر هذه الصور، التي يتعجل أصحابها في الزواج، فمهلاً مهلاً أيها الشباب، ودققوا في الاختيار، فأمر الزواج ليس بالشيء الهين.
تاسعاً : أن تكون عابدة لله، كثيرة الذكر، متهجدة بالليل :
ومن يُمن المرأة وفضلها أن تكون عابدة لله، كثيرة الذكر، متهجدة بالليل، متصدقة، صوَّامة خاشعة، عليها لباس الوقار والسكينة، همتها عالية كلما أدت عبادة طلبت ما بعدها، لا تمل ولا تكسل، قدوتها أمهات المؤمنين ونساء السلف العابدات الصالحات.
[*] عن عروة قال: كنت إذا عزمت أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها، فأسلم عليها فغدوت يومًا، فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ رضي الله عنها: { وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [الطور: 27] ، وتدعو وتبكي وترددها، فقمتُ حتى مللتُ القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت، فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي.
[
(1/70)
*] وعنه قال: كانت عائشة رضي الله عنها لا تمسك شيئًا مما جاءها من رزق الله تعالى إلا وتصدقت به.
[*] وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: "ما هذا الحبل؟" قالوا: حبلٌ لزينب، فإذا فترت تعلقت به. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا, حُلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد".
[*]وقال عون بن عبد الله: كنا نأتي أم الدرداء (زوجة أبي الدرداء) فنذكر الله عندها.
[*] وقال يونس بن ميسرة: كنا نحضر أم الدرداء، وتحضرها نساء عابدات، يقمن الليل كله، حتى إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام.
[*] وهذه امرأة صالحة تسمى "عجردة" كانت تحيي الليل، وكانت مكفوفة البصر، فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون:
إليك قطع العابدون دجى الليالي، يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك، فبك يا إلهي أسألك لا بغيرك أن تجعلني في أول زمرة السابقين، وأن ترفعني لديك في عليين في درجة المقربين، وأن تُلحقني بعبادك الصالحين، فأنت أرحم الرحماء، وأعظم العظماء، وأكرم الكرماء، يا كريم، ثم تخر ساجدة فيُسمع لها وجبة (صوت)، ثم لا تزال تدعو وتبكي إلى الفجر.
[*] وعن عبد الله المكي أبي محمد قال: كانت "حبيبة العدوية" إذا صلَّت العتمة قامت على سطح لها، وشدَّت عليها درعها وخمارها، ثم قالت: إلهي قد غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.
ثم تقبل على صلاتها، فإذا طلع الفجر قالت: إلهي هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري أقَبِلْتَ مني ليلتي فأهنأ، أم رددتها عليّ فأعزى؟ وعزتك لهذا دأبي ودأبك ما أبقيتني، وعزتك لو انتهرتني عن بابك ما برحت، لما وقع في نفسي من جودك وكرمك.
[
(1/71)
*] وقال الهيثم بن جماز: كانت لي امرأة لا تنام الليل، وكنت لا أصبر معها على السهر، فكنت إذا نعستُ ترشُّ عليّ الماء في أثقل ما أكون من النوم، وتنبهني برجلها، وتقول: "أما تستحيي من الله؟ إلى كم هذا الغطيط؟ فوالله إن كنت لأستحيي مما تصنع".
[*] وقال بعض الصالحين: خرجت يومًا إلى السوق ومعي جارية حبشية، فاحتبست في موضع بناحية السوق، وذهبت في بعض حوائجي، وقلت: لا تبرحي حتى أنصرف إليك، قال: فانصرفت، فلم أجدها في الموضع، فانصرفت إلى منزلي وأنا شديد الغضب عليها، فلما رأتني عرفت الغضب في وجهي، فقالت: يا مولاي لا تعجل عليّ، إنك أجلستني في موضع لم أر فيه ذاكرًا لله تعالى، فخفت أن يُخسف بذلك الموضع. فعجبت لقولها، وقلت لها: أنت حرة.
فقالت: ساء ما صنعت، كنت أخدمك فيكون لي أجران، وأما الآن فقد ذهب عني أحدهما .
إن الزوجة الصالحة العابدة، التي تسلك طريق العابدات الخاشعات، لهي القدوة الصالحة لأبنائها، وهي أم لجيل صالح عابد إن شاء الله تعالى.
إن خضوع المرأة لربها في محراب العبادة، معناه أنها عرفت الطريق، واستقامت عليه، وأنابت إلى دار الخلود، وتجافت عن دار الغرور.
إن كثيرًا من الزوجات اليوم كُتبن عند الله من المقصرات، إن لم يكن حالهن التفريط، وذلك بسبب غفلتهن وكثرة ذنوبهن وإقبالهن على الدنيا.
[*] قالت فاطمة النيسابورية رحمها الله تعالى:
من لم يكن الله عز وجل منه على بال، فإنه يتخطى في كل ميدان، ويتكلم بكل لسان، ومن كان الله منه على بال، أخرسه إلا عن الصدق، وألزمه الحياء منه والإخلاص.
[*] وقالت معاذة العدوية رحمها الله تعالى لابنتها :
يا بنية، كوني من لقاء الله عز وجل على حذر ورجاء، فإني رأيت الراجي له محقوقًا يحسن الزلفى لديه يوم يلقاه، ورأيت الخائف له مؤملاً للأمام يوم يقوم الناس لرب العالمين.
(1/72)
فيا من صحيفتها من الطاعات خاوية، وبكبار الذنوب حاوية، هلمي في ركاب العابدات الصالحات سيري، وإلا فإن الهاوية مصير كل غاوية.
هيا جددي العهد مع ربك، فإن العمر قصير، والطريق إلى الآخرة طويل، ويهوِّن عليك الطويل إحسانك في القصير.
هلمي جددي العهد مع الصالحات العابدات، وابتعدي عن الطالحات الغافلات.
{ أُسس اختيار الزوج }
[*] مما عمت به البلوى في هذا الزمان التساهل في اختيار الزوج :
فكما أن الإسلام أمر الخاطب أن يتحرى الدقة في اختيار الزوجة وجعل لذلك شروطا ينبغي التزامها لتكوين الأسرة المسلمة ، كذلك فإن اختيار الزوج الصالح مسئولية مشتركة بين المرأة أو الفتاه ووليها، فاختيار الزوج حق للمرأة فينبغي أن تحسن الاختيار ولا تتساهل في هذا الأمر ، لأن الله عزَّ وجل كرم المرأة وجعلها شقيقة للرجل في الحقوق والواجبات بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن النساء شقائق الرجال .
[*] قال ابن الجوزي رحمه الله :
إن النساء شقائق الرجال فكما أن الرجل تعجبه المرأة فكذلك الرجل يعجب المرأة فقد صار من حق المرأة أن تختار الرجل الذي ستقاسمه حياته وتظل تحت سلطانه بقية عمرها .
وعلى الولي أن يختار لكريمته فلا يزوجها إلا لمن له دين وخلق وشرف وحسن سمت فإن عاشرها عاشرها بمعروف وإن سَرَحَها سَرَحَها بإحسان .
[*] قال الغزالي في ( الإحياء )
والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها ، والزوج قادر على الطلاق بكل حال .
[*] قالت عائشة ( رضي الله عنها)
النكاح رِق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته .
ومن هنا وجب على الولي وعلى المرأة أن يتخيرا طيبا أصيلاً .
[*] قال رجلٌ للحسن بن علي : إن لي بنتاً فمن ترى أن أزوجها له ؟ قال: زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها .
(1/73)
ومن هنا وجب على الولي وعلى المرأة أن يتخيرا زوجاً طيبا أصيلاً
وللمرأة حق في أن تختار الرجل الذي ستقاسمه حياته وتظل تحت سلطانه بقية عمرها.
وعلى الولي أن يختار لكريمته فلا يزوجها إلا لمن له دين وخلق وشرف وحسن سمت فإن عاشرها عاشرها بمعروف وإن سرحها سرحها بإحسان .
ولا يتساهل في تزويجها من عاص أو فاسق أو تارك للصلاة أو مبتدعا أو شارب خمر أو صاحب وظيفة مشبوهة أو يملك الأموال الكثيرة دون دين فإن فعل ذلك فقد جني على دينها وتعرض لسخط الله وكانت فتنة في الأرض وفساد كبير من قطع للأرحام ، وإن يخرج من صلب هذا الرجل من لا يعرفون لله حقا فيتجرءون على معاصي الله تعالي فينتشر الفساد في الأرض .
وصدق الحبيب - صلى الله عليه وسلم - حيث بين أن المسلمين إذا لم يزوجوا بناتهم لمن يرضون دينه وخلقه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض كما في الحديث الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي ) قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ".
[*] فما هي الصفات التي ينبغي أن تتوفر في شريك الحياة ورفيق العمر والذي ستسلمينه رايتك وتبايعينه على قيادة سفينة حياتك وستكونين معه يأخذ بيدك في ضروب الحياة حتى تسمعا معاً أدخلوها بسلام آمنين .
إن حسن الاختيار هو البوابة الأولى التي تدخلين منها إما إلى السكن والمودة والرحمة وإما إلى الشقاق وعدم الوفاق .
فما أُسُس اختيار الزوج ؟
هاك أُسُس اختيار الزوج جملةً وتفصيلاً :
أُسُس اختيار الزوج جملةً :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) أن يكون صاحب دين :
(2) أن يكون حاملاً لقدر من كتاب الله عزَّ وجلَّ :
(3) أن يكون من بيئة كريمة :
(4) أن يكون رفيقاً لطيفاً بأهله ( حسن الخلق) :
(
(1/74)
5) أن يكون مستطيعاً للباءة بنوعيها ( وهي القدرة على الجماع وعلى مؤن الزواج وتكاليف المعيشة)
(6) أن يكون قوياً أميناً :
(7) أن يكون كفؤاً :
أُسُس اختيار الزوج تفصيلاً :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) أن يكون صاحب دين :
لقوله تعالى ( وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) [ البقرة 221 ]
فالزوج صاحب الدين هو الذي إذا أحب زوجته أكرمها وإن كرهها لم يظلمها ..
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي ) قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ".
فصاحب الدين لا يظلم إذا غضب ولا يهجر بغير سبب ولا يسئ معاملة زوجته ولا يكون سبباً في فتنة أهله عن طريق إدخال المنكرات وآلات اللهو في البيت بل يعمل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ".
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي.
فينبغي لولي المرأة أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه لأن المرأة تصير بالنكاح مرقوقة ومتى زَوَجَهَا وليُّّها مِنْ ظَالم أو تاركاً للصلاة أو فاسقاً أو مبتدعاً أو شارب خمر أو مخدرات فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله لأنه كان سبب لقطع الرحم بسبب سوء الاختيار .
- قال رجل للحسن : قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوَّجها ؟
قال: ممَّن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها .
[*] قال القرطبي في ( تفسير قوله تعالى )
( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ )[ القصص /27 ]
وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريباً طريداً خائفاً وحيداً جائعاً عرياناً فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك .
(1/75)
فمما لا شك فيه أن التساهل في عدم الاهتمام بتدين الخاطب أساس الضياع والشقاء في الدنيا والآخرة .
فينبغي الحرص على صاحب الدين وإن كان فقيراً
( حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال:" مَرَّ رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجلٍ عنده جالس ما رأيك في هذا ؟
فقال : رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ إن خطب أن يُنكحَ وإن شفعَ أن يُشفع
فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مرَّ رجلٌ آخرُ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما رأيك في هذا ؟
فقال : يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ (1) إن خطب أن لا يُنكح وإن شفع أن لا يُشفع وإن قال لا يُسمع لقوله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مثل هذا " .
(حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال :أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ، فقال: (ما لي في النساء من حاجة). فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطيها ثوبا). قال: لا أجد، قال: (أعطها ولو خاتما من حديد). فاعتل له، فقال: (ما معك من القرآن). قال: كذا وكذا، قال: (فقد زَوَجْتُكَهَا بما معك من القرآن).
[*] وانظر لحرص السلف على اختيار الزوج صاحب الدين وإن كان فقيراً :
[*] فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علماً وفقهاً كانت له ابنة من أحسن النساء وأكثرهن أدباً وعلماً وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأبنه الوليد بن عبد الملك ابن سعيد ولكن سعيد بن المسيب أبىَ أن يُزوجه إياها وزوجها لتلميذ من تلامذته ( وهو كثير بن أبي وداعة )
وكان فقيراً فأرسل إليه بخمسة الآف درهم وقال استنفق هذه فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب
فقالت له : إلى أين ؟
قال : إلى حلقة سعيد أتعلم العلم
__________
(1) ... حري : أي حقيقة .
(1/76)
فقالت : اجلس أعلمك علم سعيد بن المسيب فجلس فعلمته
فانظر كيف فضل سعيد العبد التقي على الجبار الغني ، وأن هذا العبد التقي يعرف حقها ويرعى حق الله فيها .
[*] وها هو ثابت بن إبراهيم
يمر على بستان من البساتين وكان قد جاع حتى أعياه الجوع فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه ، فدخل البستان فوجد رجلاً جالساً
فقال : أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر
فقال الرجل : أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له
فقال : أين هو ؟ ، قال : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة
فقال : لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيداً لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به " .
( حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به " .
حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص قال صاحب البستان:
والله لا أسامحك إلا بشرط واحد فقال ثابت : خذ لنفسك ما رضيت من الشروط
فقال : تتزوج ابنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة
فقال ثابت : قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج
فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة
فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها
فعلم أنها ليست كما قال الأب فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا :
عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله
صماء من كل ما لا يرضي الله
بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله
مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله
ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام ، ودخل بها وأنجب منها مولوداً ملأ طباق الأرض علماً إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان
فمن نسل الورع جاء الفقيه
(
(1/77)
2) أن يكون حاملاً لقدر من كتاب الله عزَّ وجلَّ :
فلقد كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ( ذلك الصحابي المهاجري ) من أوائل المهاجرين والمسلمين وأبو عتبة وعمه شيبه وأخوه الوليد بن عتبة كانوا جميعاً من أسياد مكة وأغنيائها إلا أن أبا حذيفة زوَّج أخته (هند) من ( سالم مولاه) سالم مولى أبي حذيفة لأنه كان واحداً من حفظة القرآن ليهدم كل أصل من أصول الجاهلية ويعلن بداية فجر جديد من المساواة التي لا تعترف بالفوارق إلا بالتقي والعمل الصالح فالكل عبيد في مملكة الله تعالي.
(حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال :أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ، فقال: (ما لي في النساء من حاجة). فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطيها ثوبا). قال: لا أجد، قال: (أعطها ولو خاتما من حديد). فاعتل له، فقال: (ما معك من القرآن). قال: كذا وكذا، قال: (فقد زَوَجْتُكَها بما معك من القرآن).
(3) أن يكون من بيئة كريمة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ".
(4) أن يكون رفيقاً لطيفاً بأهله ( حسن الخلق) :
( حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم ) أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما معاوية فرجل ترب لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء ولكن أسامة بن زيد
فقالت : بيدها هكذا أسامة أسامة
فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قالت فتزوجته فاغتبط ".
(1/78)
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - (وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء) فحذرها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تتزوج من أبي جهم لأنه ضرَّاب للنساء .
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي.
[*] جاء في كتاب ( تحفة العروس ص77)
أن أعرابية تقدم لخطبتها شاب فأعجبها جماله ولم تهتم بأخلاقه وسلوكه فنصحها والدها بعدم صلاحه ، فلم ترضى فأكد عليها عدم قبوله فرفضت وأخيراً تزوجته ، وبعد شهر من زواجها زارها أبوها في دارها فوجد جسمها عليه علامات الضرب من زوجها فتغافل عنه
وسألها : كيف حالك يا بُنيتي ؟
فتظاهرت بالرضا فقال لها أبوها وما هذه العلامات التي في جسدك ؟
فبكت ونحبت طويلاً ثم قالت: ماذا أقول لك يا أبتاه ؟
إني عصيتك واخترته دون أن أهتم بمعرفة الأخلاق وحُسن المعاملة
(5) أن يكون مستطيعاً للباءة بنوعيها ( وهي القدرة على الجماع وعلى مؤن الزواج وتكاليف المعيشة)
فلقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس كما في صحيح مسلم :
" أما معاوية فصعلوك لا مال له ".
ولقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - الشباب على الزواج عند استطاعتهم الباءة
(حديث أبي ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا معشر الشباب لِلَّهِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
[*] قال الشوكاني في ( نيل الأوطار)
نقلاً عن الخطابي قوله : المراد بالباءة ( النكاح )
[*]قال النووي رحمه الله تعالى :
أختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلي معني واحد :
أصحهما
(1/79)
أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من أستطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع لعجزه عن مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء .
والقول الثاني أن المراد بالباءة مؤنة النكاح ، سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم .
(6) أن يكون قوياً أميناً :
قال تعالى : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ( القصص/ 26)
فالرجل الغير أمين يضرب المرأة ويهينها فأين هي كلمة الله إذاً فلا يحل له أن يضربها بغير جريرة
ولا يحل له أن يهجرها بغير جريرة وينبغي أن يتلطف معها .
وهذا كله داخل تحت الأمانة ومن يفعل فهو خائن لأنه أخذها بكلمة الله فهو إما أن يعاشرها بالمعروف أو يسرحها بإحسان .
فالمرأة تبذل مجهود غير طبيعي من تربية الأولاد وترتيب البيت وتعليم الأولاد والله عزَّ وجلَ أعطاك القوامة وأعطاك من سعة الصدر لما يسع أربعة نسوة
فكيف لا تصبر على امرأة واحدة ...... إذاً هناك خلل .
[*] يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في ( عودة الحجاب 2 /357 )
يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به وأن يراعي خصال الزوج فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها
فإن النكاح يشبه الرق والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها والزوج قادر على الطلاق بكل حال ، وأما النساء فإنهن عوان عند أزواجهن كما بينته السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(
(1/80)
حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
فالمرأة عند زوجها تشبه الأسير والرقيق فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة .
(7) أن يكون كفؤاً :
ومعنى الكفاءة : المساواة والمماثلة
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" المسلمون تتكافأ دماؤهم "
[*] فصل الخِطاب في الكفاءة المعتبرة بين الزوجين :
الكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي الكفاءة في الدين
بل هي شرط في صحته باتفاق أهل العلم فلا يجوز للمرأة أن تتزوج كافراً بالإجماع .
وكذلك لا ينبغي للمسلم أن يُزوج موليته الصالحة من رجل فاسق فقد قال تعالي :
( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) [ النور/ 26 ]
وإن كان هذا لا يشترط في صحة العقد إلا أنه من الأهمية بمكان .
(1/81)
فإن الرجل يدفع بموليته إلى فاسق ويقدمه على صاحب الدين ويكون الدافع لذلك إما لكثرة ماله وإما لمنصبه وربما كانوا أصحاب وظائف محرمة ومُعِرضون عن طاعة الله عزَّ وجلَّ ومُضيعون أوامره وهؤلاء الأولياء سيُسألون أمام الله عزَّ وجلَّ عن تضيعهم لبناتهم.
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
فالكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي الكفاءة في الدين وليس الفقر عيباً يُرّدُّ به الزواج .
[*] قال القرطبي معلقاً ومُعقباً على قصة موسى - عليه السلام - مع صالح مدين :
الكفاءة في النكاح معتبرة واختلف العلماء هل هي في الدين والمال والحسب أو في بعض ذلك ، والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات لقوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
وقد جاء موسى - عليه السلام - إلى صالح مدين غريباً طريداً خائفاً وحيداً جائعاً عُرياناً فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك.
[*] قال ابن حجر كما في ( فتح الباري 9/1329)
واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلاً .
[*] وقال ابن القيم كما في ( زاد الميعاد 5/159)
والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج عفيفة لفاجر ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك.
والأدلة على ذلك متوافرة في الكتاب والسنة :
أما الأدلة القرآنية
1. فقوله تعالى : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) [ النور/ 26 ]
2. وقوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [ الحجرات/ 13 ]
وأما الأدلة النبوية
(
(1/82)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي ) قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذَا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَزَوّجُوهُ. إلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسَادٌ عرِيضٌ".
[*] قال رجلٌ للحسن بن علي : إن لي بنتاً فمن ترى أن أزوجها له ؟ قال: زوجها ممن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
[*] وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : النكاح رقٌ فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته.
[*] لكن يُستحب لأولياء المرأة النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في بعض الأمور ( بجانب الدين ) والتي تناسب المرأة وحتى تستمر الحياة الزوجية ولا يحدث نُفرة وشِقاق لوجود فوارق مالية أو علمية أو اجتماعية أو ما شاكل ذلك .
فعلى سبيل المثال إذا تزوجت طبيبة ( مديرة مستشفى مثلاً ) بعامل نظافة في تلك المُستشفى ( ولا شك أن هذا حلال وجائز ) فسيحدث نشوز وتعالٍ ونفور من مثل هذه الزوجة على الزوج في غالب الأحوال
كذلك إذا كانت المرأة أكثر مالاً أو تعمل وتنفق في البيت فسيفقد الرجل جزءاً من القوامة ولا يستطيع أن يسيطر عليها وخصوصاً مع قِلة الوازع الديني في هذا الزمان .
قال تعالى :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) [ النساء 34/ ]
فقوامة الرجل على المرأة تكمن في شيئين:
أحدهما : شيء جبلي ( وهي ما أختص الله به الرجل في خِلقته حيث أن الرجل أرجح عقلاً وأكمل ديناً من المرأة )
الثاني: شيء خارج وهو الإنفاق من الأموال سواء كان في الصداق أوفي الإنفاق على البيت .
فبهذين تتم القوامة وتتحقق فإذا أختل أحدهما أختلت القوامة .
فإذا كانت المرأة هي التي تنفق على البيت فلا شك حينئذٍ أنه سيكون لها نصيب من القوامة مما يُحدث مشاكل في البيت وهذا في الغالب ...
(1/83)
وكذلك فالطبيبة لا يحسن بحال أن تتزوج القهوجي والسمكري والصرَّمَي والحذَّاء ( مع احترامنا لأصحابها وهذا ليس تقليلاً من شأنهم ) وهذا لا يكون في الغالب لاختلاف المستوى الخُلقي والعلمي ولا تقبل وهي صاحبة المنصب والجاه والمال والعلم أن تخضع لمن تفوقت عليه علمياً ومالياً وأخلاقياً وتربوياً ، وإن خضعت في مبادئ الزواج فستتضح صورتها عند الشدائد الصِلاب والمشكلات الصِعاب .
وبهذا يتضح لنا مما سبق أنه يستحب لنا النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في باقي الأمر وإن كان هذا ليس شرطاً في صحة النكاح إلا أنه أساساً في استمرار الحياة وعدم النُفرة والشِقاق وهناك أدلة تشهد لما نقول :
( حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم ) أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما معاوية فرجل ترب لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء ولكن أسامة بن زيد ، فقالت : بيدها هكذا أسامة أسامة
فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قالت فتزوجته فاغتبط ".
الشاهد : " أنها جاءت تستشير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خطبها معاوية وأبو جهم ( ولا شك أن الكفاءة من حيث الدين هنا موجودة فضلاً عن شرف الصحبة ) ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها :
" أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء ".
[*] ونقل النووي في ( روضة الطالبين 7/183) :
رأى الشافعي أن الشيخ لا يكون كفؤاً للشابة على الأصح ( وقلنا من قبل أن هذا ليس شرطاً ) فكيف سيكون هناك وِفاق بين شيخ فاني له عادات وتقاليد غير عادات عصر الفتاة بل وقدرات تقل عن الوفاء بحاجاتها من الناحية الجنسية ، والله تعالى يقول:
(
(1/84)
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [ البقرة / 228 ]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تنكح البكر حتى تُستأذن ولا الثيب حتى تُستأمر ".
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تُنكح الأيمُ حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟قال : أن تسكت ".
ومما يندى له الجبين أن نجد ولي المرأة يحملها على الزواج من رجلٍ طاعنٍ في السن وليس بينها وبينها أي تكافؤ من أي ناحية فكأنما يذبحها بغير سكين ، وهآنذا أسوق ل: هذه القصة المُبْكِية ليتضح لك مدى ظلم بعض الآباء ممن لا يرعى لابنته حقها وأخذ رأيها فيمن تتزوجه بل ويحملها على زوجٍ لا تريده حملاً
{ القصة } :
نشرت إحدى صحفنا المحلية هذا المقال: أقدمت فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً على الانتحار في محاولة لوضع نهاية لحياتها المأساوية والتخلص مما تعانيه من مشاكل حياتية واضطرابات نفسية.
وفي التفاصيل، أن الفتاة زوّجها والدها على عجوز يبلغ من العمر تسعين عاماً وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل أمام رفضها لهذا الزواج حيث لم يجد والدها بُداً من زواجها من هذا العجوز قسراً. وازداد الأمر سوءاً، وازدادت الفتاة إحباطاً عندما علمت بعد الزواج أن زوجها عقيم ولا ينجب وقد طلّق ثلاث زوجات قبلها، وفي هذه الظروف العصيبة على الفتاة المكلومة لم تمكث سوى شهور حتى طلبت الطلاق الذي ظفرت به بعد محاولات عديدة، ثم عادت لمنزل والدها وهي تحمل اللقب المؤلم (مطلقة).
(1/85)
ولم تجد سوى موجة قوية من الغضب من والدها الذي كان لا يريد طلاقها من هذا الرجل، عند ذلك حاولت الفتاة وضع نهاية لحياتها ولمشاكلها عندما اتجهت صوب أحد الآبار الملاصقة لمنزلهم في مساء أحد الأيام بعدما خرج الجميع من المزرعة وقبل أن تقذف بنفسها في قاع تلك البئر التي وقعت على حافتها استطاعت والدتها الإمساك بها ومنعها من البئر قبل الوقوع فيها، انتهى الخبر.
ولكن المعاني التي حفل بها لا تنتهي، وما هذه إلا ضحية واحدة وقد نشر أمرها، وإلا فكم في البيوت من أنثى مظلومة تبكي حقوقها المهضومة وتشتكي إلى ربها، والله تعالى سامع لكل شكوى، وهو سبحانه رافع الضر وكاشف البلوى، وكفى به حسيباً وكفى به وكيلاً.
خلاصة ما سبق :
أن الكفاءة في الدين هي الشرط الوحيد في النكاح وأما فيما عدا ذلك فليس بشرط ، لكن لكل من الزوجين وأولياء الزوجة الحق باختيار من يناسبها ويساويها وتحسن معه العشرة وتتحقق معه دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة وتجنب دواعي الشِقاق والضرر والتنغيص لكنها إن تنازلت عمّن يناسبها من حيث الحسب والصنعة والمال ونحو ذلك فزواجها صحيح لا شيء فيه .
{ تنبيه } : الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة :
فإذا تزوج الرجل امرأة ليست كفؤاً له فلا غبار عليه لأن القوامة بيده والأولاد يُنسبون إليه والطلاق بيده ، وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحياء العرب - ولا مكافئ له في دين ولا نسب وترَّى بالإماء
(حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها، فأدبها فأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران).
{ تنبيه } ويجوز للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح وليس في هذا دليلٌ
(1/86)
على قلة حياؤها عند من فهم السنة ويجوز كذلك للإنسان أن يعرض ابنته أو أخته على أهل الصلاح والتقوى فإن ذلك من السنة .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال:جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها، قالت يا رسول الله، ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءك، وسوأتاه ، قال هي خير منك، رغبت في النبي فعرضت عليه نفسها.
( حديث ا بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) يحدث: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله ، فتوفي بالمدينة، فقال عمر ابن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ، ولو تركها رسول الله قبلتها.
[*] فينبغي للمرأة أن تختار صاحب الخلق والدين ولو كان فقيراً بل إنها لو كانت غنية واختارته لدينه واستعملت مالها له في الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ لكانت مُثابة عند الله ولكان لها أسوة بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد .
الرجل العالم كفء لكل امرأة
[*] قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم كما في ( عودة الحجاب 2/253)
أعلم أن الفقهاء الذين تشددوا في اشتراط الكفاءة وتوسعوا فيه قالوا : الرجل العالم كفء لكل امرأة مهما كان سنها وإن لم يكن له نسب معروف وذلك لأن شرف العلم دونه كل نسب وكل شرف .
(1/87)
قال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الزمر/ 9]
وقال تعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) [ المجادلة / 11]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ:
" من أكرم الناس ؟ ، فقال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك
قال : فأكرمهم عند الله اتقاهم ، قالوا : وليس عن هذا نسألك ، فقال : عن معادن العرب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ".
[*] الخِطبة ومسائلها
مسألة : ما هي الخِطبة ؟
الخِطبة : بكسر الخاء هي طلب التزوج من المرأة ، فالخِطبة طلب الزواج ولا ينعقد بها النكاح فتظل المرأة أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
مسألة : وهل للخِطبة صيغة معينة؟
لم يرد عن الرسول " - صلى الله عليه وسلم - " أو أحد من أصحابه الكرام " - رضي الله عنهم - " أو أحد الفقهاء تقييد الخطبة بلفظ محدد تبطل الخِطبة بدونه بل تتم الخِطبة بأي تعبير يدل على طلب التزويج.
مسألة : ما حكم الخِطبة؟
الخِطبة ليست شرطاً في صحة النكاح فلو تم بدونها كان صحيحاً لكنها في الغالب وسيلة للنكاح. فهي سنة مستحبة لقوله تعالي:
{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } (البقرة 235)
ولفعله " - صلى الله عليه وسلم - " حيث خطب عائشة بنت أبى بكر " - رضي الله عنه - "، وخطب حفصة بنت عمر " رضي الله عنها " هذا إذا لم يقْم بالمرأة مانع من موانع النكاح وإلا لم تجز الخِطبة.
مسألة: إذا أراد رجل أن يخطب امرأة فممن يخطبها ؟
يخطبها من وليَّها:
(
(1/88)
حديث عُروة بن الزبير رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري )أن النبي " - صلى الله عليه وسلم - " خطب عائشة "رضي الله عنها " إلى أبى بكر " - رضي الله عنه - " فقال أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال " - صلى الله عليه وسلم - ":- أخي في دين الله و كتابه وهى لي حلال".
{ تنبيه } : يجوز للولي عرض موليته على أهل الصلاح كما فعل عمر - رضي الله عنه - حين عرض ابنته حفصة" رضي الله عنها " على عثمان ثم أبي بكر رضي الله عنهما :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) يحدث: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله ، فتوفي بالمدينة، فقال عمر ابن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ، ولو تركها رسول الله قبلتها.
قال الحافظ بن حجر تعليقاً على هذا الحديث كما في ( فتح الباري ) ( 9 / 178 )
وفي الحديث عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروض عليه وأنه لا استحياء في ذلك ، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجاً لأن أبا بكر كان حينئذٍ متزوجاً ، وهذا الأمر أيضاً كان معهوداً في شرع من كان قبلنا فها هو شعيب الرجل الصالح يقول لموسى - عليه السلام - كما جاء في القرءان :
{
(1/89)
قَالَ إنِي أُرِيدُ أَن أُنكِحَكَ إِحدَى ابنَتي هَاتَين عَلَى أَن تَأجُرَنِي ثمانيَ حِجَج }
( القصص /27 )
كما يجوز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها إذا أمنت الفتنة ، كما حدث في قصة الواهبة وعرضها نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث عند البخاري ومسلم ، " باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح من حديث سهل بن سعد الآتي :
(حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال :أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ، فقال: (ما لي في النساء من حاجة). فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطيها ثوبا). قال: لا أجد، قال: (أعطها ولو خاتما من حديد). فاعتل له، فقال: (ما معك من القرآن). قال: كذا وكذا، قال: (فقد زوجتكها بما معك من القرآن).
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال:جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها، قالت يا رسول الله، ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءك، واسوأتاه، قال هي خير منك، رغبت في النبي فعرضت عليه نفسها.
مسألة : هل هناك من النساء من لا يجوز خِطبتهنَّ ؟
نعم هناك أنواع ثلاث لا يجوز خِطبتهنَّ:-
أولاً : المحرمات من النساء.
ثانياً : المرأة المعُتدة.
ثالثاً : المخطوبة للغير.
أولاً : المحرمات من النساء:
وسواء كان هذا التحريم على التأييد أو التأقيت لأن الخطبة مُقدمة إلى النكاح وما دام النكاح ممنوع فتكون الخطبة كذلك.
ثانياً : المرأة المُعتدة (في فترة العدة):
حكم خطبة المرأة المُعتدة على التفصيل الآتي :
(1) إن كانت المعتدة من طلاقٍ رجعي فإنه يحرم خطبتها تصريحاً وتعريضاً لأنها مازالت زوجة .
(2) وإن كانت معتدة من طلاقٍ بائن أو من وفاة يحرم خطبتها تصريحاً ويجوز تعريضاً
،
(1/90)
والدليل قوله تعالى: { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } } [البقرة: 235] ، فقوله: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } } مفهومه عليكم جناح إذا صرَّحتم.
( حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها لما طلقها زوجها ثلاثاً : اعتدَّى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني"
وفي لفظ "لا تسبقينى بنفسك". وعند أبى داود بلفظ "لا تفوتينا بنفسك".
[*] وقال النووي رحمه الله تعالى :-
وفيه جواز التعريض بخطبة البائن وهو الصحيح عندنا.
ولأن هذه المرأة لا تجوز رجعتها إلى مطلقها كما لا يمكن للمُعتدة من وفاة زوجها أن تعود إليه فهما في معنى واحد بخلاف المُعتدة من طلاق رجعى.
مسألة : ما هو التصريح في الخطبة وما هو التعريض؟
التصريح : ما لا يحتمل غير الزواج مثل زوجيني نفسك ، أطلبك للزواج
التعريض : ما يحتمل غير الزواج مثل أن يقول لها: والله إن امرأة مثلك غنيمة، أو: إذا انقضت العدة فأخبريني، أو: أم العيال كبرت وأنا محتاج لزوجة، أو ما أشبه ذلك،
ثالثاً: ومن النساء اللآتي لا تجوز خِطبتهنَّ مخطوبة الغير :-
إذا خطب المسلم امرأةً فلا يحلُّ لغيره أن يتقدم ليخطبها على خطبة أخيه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانا ولا يخطب أحدكم على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك".
وهذا النهى للتحريم عند جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم لأنه نهى عن الإضرار بالآدمى المعصوم فكان على التحريم ولِما يفضى إليه هذا الفعل من العداوة والبغضاء والإيذاء والتعدي على المسلم ولإفضائه إلى تزكية النفس وذم الغير واغتيابه .
[
(1/91)
*] قال البهي الخولي في كتابه ( المرأة بين البيت والمجتمع )
ولا يحل لذي مرؤة أن يذهب لخطبة امرأة يعلم أن سواه يخطبها لنفسه فإن ذلك يقطع الأواصر ويورث العداوات والشحناء إلي أنه حطة في الخلق وفساد في العقل إذ أن من يغشي ميدان هذه المنافسة الوضيعة لابد له أن يمدح نفسه ويذم غريم ، فيسند إلى نفسه من المزايا ما لو كان صادقاً فيها لكفاه إثماً أنه مغتاب .
مسألة: من التي تباح خطبتها؟
لا تباح خطبة امرأةِ إلا إذا توافر شرطان :
(1) أن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع زواجها في الحال
(2) ألا يسبقه إليها غيره بخطبةِ شرعية فإن ذلك لا يحل
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يخطب أحدكم على خطبة على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك.
مسألة : هل تستحب الاستشارة في الخِطبة؟ وهل يجوز ذكر عيوب الخاطب ؟
نعم يجوز الاستشارة في الخطبة وهى من الأمور المُستحبة فعلها وإذا استشير إنسان في خاطب أو مخطوبة فعليه أن يصدق ولو بذكر مساوئه ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة إذا قصد بذلك النصيحة والتحذير لا الإيذاء كما في الحديث الآتي :
( حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم ) أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكنى ولا نفقة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما معاوية فرجل ترب لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء ولكن أسامة بن زيد ، فقالت : بيدها هكذا أسامة أسامة ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قالت فتزوجته فاغتبط ".
(1/92)
الشاهد : " أنها جاءت تستشير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خطبها معاوية وأبو جهم ( ولا شك أن الكفاءة من حيث الدين هنا موجودة فضلاً عن شرف الصحبة ) ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها :
" أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء ".
مسألة: هل يجوز أن يختار ويعضد ذلك بالاستخارة ؟
الجواب : لا يجوز ذلك فقد نقل الشوكاني كما في نيل الأوطار ( 3 / 90 ) عن النووي أنه قال :
ينبغي للمستخير ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيراً لله بل يكون مستخيراً لهواه ، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبرئ من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى ، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه .
ويعرف دق هذا إذا جاء اختيار الله تعالى على غير هوى العبد فعليه أن يُسلم لأنه قد يرى أمراً يظن من وراءه خير وفيه هلاكه أو العكس وصدق ربنا حين قال : { وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئَاً وَهَوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُوا شَيئَاً وَهَوَ شَرٌ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُون }(1)
مسألة : هل دعاء الاستخارة يكون في الصلاة وقبل السلام أم بعد الصلاة ؟
الجواب : ذهب بعض أهل العلم إلى أن الدعاء يكون في الصلاة وقبل السلام منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال كما في الفتاوى الكبرى ( 2 / 215 ) :
يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده والدعاء قبل السلام أفضل ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر دعائه قبل السلام ، والمُصلي قبل السلام لم ينصرف فهذا أحسن ..... أهـ
- لكن الظاهر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء الاستخارة " ثم ليقل " أن دعاء الاستخارة كون بعد أداء الركعتين أي بعد السلام .
مسألة : هل يستحب الاستخارة في الخِطبة وأمر الزواج لكل من الخاطب والمخطوبة ؟ وهل هناك دليل على ذلك؟
__________
(1) البقرة 216
(1/93)
نعم يستحب لكل من الخاطب والمخطوبة ومن يهمهما أمرهما الاستخارة والتوجه إلى الله.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال لما انقضت عدة زينب يعنى زينب بنت جحش قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد : أذكرها علىَّ ، قال زيد : فانطلقتُ فقلتُ : يا زينب أبشرى أرسلنى إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك، فقالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى استأمر ربى فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بغير إذن)).
[*] قال النووي تعليقاً على ذلك:
ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه - صلى الله عليه وسلم - وأما معنى قولها (أستأمر ربى) أي أستخيره.
مسألة : وهل للاستخارة حديث معين؟
نعم هناك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي أخرجه البخاري
( حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، فقال : إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول : اللهم إنى أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لى في دينى ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال في عاجل أمري وآجله، فاقدره لى وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لى في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عنى واصرفني عنه، واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضني به، ويسمى حاجته).
مسألة : هل يلزم لمن صلى الاستخارة أن يرى رؤيا ؟
(1/94)
لا يلزم ذلك إذ لا دليل على ذلك وإنما الاستخارة في نفسها دعاء كسائر الأدعية فإن يسرَّ الله عزَّ وجلَّ الأمور بعد صلاة الاستخارة فله الحمد وإن أراد الله شيئاً آخر فهو العليم الخبير وله الحمد أولاً وآخراً ، فعلى كل من يستخير أن يمضي لحاجته آخذاً بالأسباب متوكلاً على الله وليحرص على ما ينفعه فإذا قُضى الأمر فبها ونعمت وإن صرف عنها فلا يجزع بل عليه أن يرضى ويسلم ، وعلى هذا فالاستخارة أولها توكل وآخرها استسلام ورضا .
مسألة : هل يشرع تكرير صلاة الاستخارة ؟
نعم يشرع تكرير صلاة الاستخارة إذ هي دعاء وتكرير الدعاء والإكثار منه مشروع والله تعالي أعلم.
مسألة: هل تشرع الاستخارة في كل الأحوال عند تقدم رجل لامرأة؟
لا تكون الاستخارة في المكروهات ولا المحرمات ولا تكون في الواجبات إنما تكون في المباحات أو في المستحبات عند عجزه أيهما يقدم ، وعلى هذا فلا تشرع في كل الأحوال فإذا تقدم لامرأة رجلٌ فاسق فاجر خمَّار سكَّير عربيد فلا تستخير الله عزَّ وجلَّ في شأنه أصلاً إذ هناك من النصوص العامة من كتاب وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يشجع على رد الفاسق قولاً واحداً.
وكذلك لا يعمد رجل إلى الاستخارة للزواج من بغى من البغايا فالله سبحانه وتعالي يقول:
(الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ ) [ النور/ 3]
مسألة : أيهما أفضل وأحب في الخطبة : أن تكون بدايتها في سرية أم لابد من الإشهار والإعلان ؟
(1/95)
الجواب : يستحب في بداية الخطبة السرية لأنه قد تتم الرؤية الشرعية ولا يتم القبول ، فإذا أعلنا في كل مرة عن مجيء خاطب ثم لا يحدث قبول ثم نعلن عن مجيء آخر ثم لا يحدث قبول فهذا فيه حرج للفتاة ويكثر عليها الكلام ظناً عدم رغبة الخطاب فيها ، وما علم هؤلاء أن الزواج هذا مقدر عند الله عز وجل كالرزق فلا يستطيع رجل أن يتزوج امرأةَ غيره بل هي مُقدرة عليه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة فقد يرى الخاطب الفتاة ولا تعجبه أو العكس ، فإذا تم هذا الأمر في سرية حتى يقدر الله الخير لكان أفضل وحتى لا نجرح مشاعر الفتاة أو الشاب خصوصاً إذا عُلم عنه أنه دخل أكثر من بيت ولم يوفق فيُظن فيه أيضاً السوء ..
ومما يزيد هذا الأمر تأكيداً قول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما " فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علىَّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلتُها ".
( حديث ا بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) يحدث: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله ، فتوفي بالمدينة، فقال عمر ابن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ، ولو تركها رسول الله قبلتها.
(1/96)
مسألة : ماحكم النظر إلى المخطوبة ؟
النظر إلى المخطوبة سنة؛ وهذه المسألة من المسائل التي صار الناس فيها على طرفي نقيض، ما بين مُفْرِط ومُفَرِّط،فمن الآباء من يعتبر رؤية الخاطب لابنته عيباً كبيراً، وأمراً عسيراً، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حثَّ عليه، ورَغَّب فيه، وأمر به وقال: "إنه أحرى أن يؤدم بينكما" ، أي: يؤلف بينكما.
كما في الأحاديث الآتية :
(حديث الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة )أَنّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فقَالَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "أنْظُرْ إِلَيْهَا فإِنّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا".
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم )قال * كنت عند النبي فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله أنظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا .
[*] والحاصل: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أمر برؤية المخطوبة لأنه سبب في دوام العشرة، وبقاء المودة، وطول الأُلفة.
وعدم السماح بالرؤية مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم، ومجانبة لسنته، والخير كل الخير في اتّباع نهجه، واقتفاء أثره.
[*] قال الأعمش رحمه الله :
كلَّ تزويج يقع من غير نظر فأخره هم وغم.
[*] وفرّط آخرون ففتحوا الباب على مصراعيه، وتركوا الحبل على الغارب، فالخاطب لا ينظر فقط، بل يخلو بالمخطوبة ويحادثها ويضاحكها، وقد يصل الأمر إلى الخروج بها، واصطحابها إلى المتنزّهات والأسواق وغيرها، مما يسفر عن محاذير وفجائع، يذهب ضحيتها الفتاة المسكينة؛ والأب المخدوع.
ولا خير إلا في سلوك الصراط السوي، واتباع المنهج النبوي، حيث يُمَكّن الخاطبُ من رؤية ما يُرَغِّبه في مخطوبته، كالوجه واليدين والشعر وما إلى ذلك، بحضور أحد محارمها.
مسألة : كيف ينظر الخاطب إلى مخطوبته ؟
(1/97)
إذا أمكن أنه ينظر إليها باتفاق مع وليها، بأن يحضر وينظر لها فله ذلك، فإن لم يمكن فله أن يختبئ لها في مكان تمر منه، وما أشبه ذلك، وينظر إليها، لقول النبي : "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما بن عبد الله الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها.
مسألة : ما هي المواضع التي ينظر إليها الخاطب إلى مخطوبته ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابت الصحيحة: أن ينظر الخاطب إلى ما يدعوه إلى نكاحها مثل الوجه، والرقبة، واليد والقدم، ونحوها ، أما تقييد النظر في الوجه والكفين فهو تقييد عموم السنة بغير دليل.
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما بن عبد الله الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها.
مسألة : ما هي شروط جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته؟
الأول: أن يكون بلا خلوة بلا خلوة" لأنها لم تزل أجنبية منه، والأجنبية يحرم على الرجل أن يخلو بها؛ (حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم" ، والنهي للتحريم، و(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" ، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
الثاني: أن يكون بلا شهوة، فإن نظر لشهوة فإنه يحرم؛ لأن المقصود بالنظر الاستعلام لا الاستمتاع.
(1/98)
الثالث: أن يغلب على ظنه الإجابة،
فإن قيل كيف يغلب على ظنه الإجابة؟
فالجواب: الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل الناس طبقات، كما قال تعالى: { { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } } [الزخرف: 32] ، فلو تقدم أحد الكنَّاسين إلى بنت وزير، فالغالب عدم إجابته، وكذلك إنسان كبير السن زمِن، أصم، يتقدم إلى بنت شابة جميلة، فهذا يغلب على ظنه عدم الإجابة.
الرابع: أن ينظر إلى ما يظهر غالباً.
الخامس: أن يكون عازماً على الخطبة، أي: أن يكون نظره نتيجة لعزمه على أن يتقدم لهؤلاء بخطبة ابنتهم، أما إذا كان يريد أن يجول في النساء، فهذا لا يجوز.
السادس: ـ ويخاطب به المرأة ـ ألا تظهر متبرجة أو متطيبة، مكتحلة أو ما أشبه ذلك من التجميل؛ لأنه ليس المقصود أن يرغب الإنسان في جماعها حتى يقال: إنها تظهر متبرجة، فإن هذا تفعله المرأة مع زوجها حتى تدعوه إلى الجماع، ولأن في هذا فتنة، والأصل أنه حرام؛ لأنها أجنبية منه، ثم في ظهورها هكذا مفسدة عليها؛ لأنه إن تزوجها ووجدها على غير البهاء الذي كان عهده رغب عنها، وتغيرت نظرته إليها، لا سيما وأن الشيطان يبهي من لا تحل للإنسان أكثر مما يبهي زوجته، ولهذا تجد بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ عنده امرأة من أجمل النساء، ثم ينظر إلى امرأة قبيحة شوهاء؛ لأن الشيطان يبهيها بعينه حيث إنها لا تحل له، فإذا اجتمع أن الشيطان يبهيها، وهي ـ أيضاً ـ تتبهى وتزيد من جمالها، وتحسينها، ثم بعد الزواج يجدها على غير ما تصورها، فسوف يكون هناك عاقبة سيئة.
{ تنبيه } : يُستحب للخاطب القصد في الكلام حال الخطبة ولا يتقعر في الكلام أو يتكلم بكلام يوهم السامعين أنه في مستوى أعلى من مستواه .
(
(1/99)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري ) قال :جاء رجلان من المشرق فخطبا، فقال النبي : (إن من البيان لسحرا).
الحكمة من النظر إلى المخطوبة :
مسألة : ما الحكمة من مشروعية النظر؟
والحكمة من مشروعية النظر إلى المخطوبة أن يحصل له اطمئنان النفس إلى الإقدام على الزواج منها وهذا يؤدى (في الغالب) إلى دوام العشرة بخلاف إذا لم يراها حتى عقد عليها فإنه ربما أن يُفاجأ بما لا يناسبه فتجفوها نفسه أو يجدها بخلاف ما وُصِفت له فيصاب بخيبة أمل وانقطاع رجاء فتسوء الحالة بينهما ويحل الخصام محل الوئام ويكون الفشل والفرقة خاتمة ما بينهما.
وكذلك فهو له أن يتعرف على الطرف الأخر الذي سيشاركه حياته في مجلسه ومخدعه ويقظته ومنامه وهكذا شأن المسلم دوماً لا يقدم على أمر حتى يكون على بصيرة منه فإذا كان مشتملاً على ما يدعوه لنكاحها كان أرجى أن تطيب العشرة وتدوم المودة وتحصل السكينة التي أرادها الله تعالي في قوله عزَّ وجلَّ:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم /21)
وهذا ما قصد إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث الآتي :
(حديث الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة )أَنّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فقَالَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : "أنْظُرْ إِلَيْهَا فإِنّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا".
فالحاصل: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أمر برؤية المخطوبة لأنه سبب في دوام العشرة، وبقاء المودة، وطول الأُلفة.
[*] قال الأعمش رحمه الله تعالى :
كلَّ تزويج يقع من غير نظر فأخره هم وغم.
مسألة : هل يجوز تكرار النظر المخطوبة ؟
(1/100)
يجوز للخاطب أن يُكرر النظر إلى المخطوبة (إن احتاج لذلك) ليتأمل محاسنها ويرى منها الملامح التي تستريح إليها نفسه.
" وقد ورد في الحديث الذي تقدم معنا:
" فإذا استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
فينظر إليها بلا إذن وهو أولى ليتبين هيئتها فلا يندم بعد النكاح إذ لا يحصل الغرض غالباً بأول نظرة، لكن ينبغي أن يتقيد في هذا بقدر الحاجة وهى التأكد من مدى قبوله لها.
{ تنبيه } :لو اكتفي بنظرة أو أكثر وحصل له قبول حَرُمَ ما زاد على ذلك لأنه نظر أُبيح لحاجة فيتقيد بها وتعود أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
مسألة: ما الوقت المناسب للنظر؟ ولماذا شرع في هذا التوقيت ؟
النظر يكون قبل الخطبة حتى إذا لم يرى ما يرغبه في المرأة لم يتقدم لخطبتها ابتداء وحينئذ لن يصيب المرأة بشيء ، أما إذا كان بعد الخطبة أو في أثنائها فإن العدول عن إتمام الخطبة يكسر قلب المرأة ويطلق ألسنة الجيران عليها وفي هذا إيذاء لها ولأهلها.
ويتأيد هذا بما كان يحدث من الصحابة - رضي الله عنهم - حين كانوا يختبأون لرؤية من يرغبون في نكاحهم.
وبناءً على ذلك تحمل ألفاظ الأحاديث الورادة في مشروعية النظر عند الزواج أو بعده على العزم، أي فمن عزم على خطبة امرأة أو على نكاحها فلينظر إليها قبل أن يخطبها أو يتزوجها ، لذلك كان القول بالنظر قبل الخطبة فيه أخذ بالسنة وفيه كذلك حفظ لمشاعر المرأة وأوليائها.
مسألة : وهل يشرع للمرأة المخطوبة أن تنظر إلى الخاطب ؟
اتفق الفقهاء علي مشروعية نظر المرأة واختلفوا في تحديد درجة هذه المشروعية ما بين الندب أو الإباحة ولعل القول بالندب هو الأقرب قياساً علي ما قررناه في نظر الرجل إليها ولقوله تعالي:
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (البقرة 229)
(1/101)
- فحكم نظر المخطوبة إلى خاطبها كحكم نظرة إليها لأنه يُعجبها منه ما يعجبه منها بل هي أولي منه في ذلك لأنه يمكنه مفارقة من لا يرضاها بخلافها ويمكن أن يُقال : إن الشارع لم يوجه المرأة إلى النظر إلى الخاطب لأن الرجال ظاهرون بارزون في المجتمع الإسلامي لا يختفون كما تختفي النساء وبذلك تستطيع المرأة إن شاءت أن تنظر إلى الرجل بسهولة ويسر إذا تقدم لخِطبتها.
[*] قال الصنعاني في (سبل السلام (3/111) :-
ويثبت مثل هذا الحكم للمرأة فأنها تنظر إلى خاطبها ، فأنه يعجبها منه ما يعجبه منها ، كذا قيل ولم يرد به حديث والأصل تحريم نظر الأجنبي والأجنبية إلا بدليل كالدليل علي جواز نظر الرجل لمن يريد خِطبتها.
مسألة : ماذا علي الخاطب أن يفعل إذا لم تعجبه المخطوبة ؟
إذا نظر الخاطب إلي ما يريد نكاحها فلم تعجبه فليسكت ولا يجوز له أن يُذيع ما يسؤوها وأهلها ، فربما أعجب غيره ما ساءه منها ولا ينبغي أن يقول لا أريدها لأنه إيذاء(1).
(حديث سهل ابن سعد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) " أن امرأة وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فصعًّد فيها النظر وصوَّبه ثم طأطأ رأسه".
[*] قال الحافظ كما في (فتح الباري 9/175):-
لا ينبغي أن يصرح لها بالرد بل يكفي السكوت.
مسألة : هل يجوز للمرأة أن تتجمل و تتهيأ للخاطب؟
نعم يجوز هذا في حدود المأذون فيها شرعا فلها أن تختضب و تكتحل وتحسن من هيئتها. و دليل ذلك ما جاء في صحيح البخاري من حديث سبيعة الاسلمية :
" أنها بعد انقضاء عدتها اكتحلت أو اختضبت و تهيأت".
و في رواية: " وتجملت للخطاب "
__________
(1) روضة الطالبين 7/21.
(1/102)
وأفضل ما تتجمل به المرأة الماء فهو يجعل في الوجه نضارة مع إذابة للرائحة الغير مرغوب فيها وعلى هذا فيجوز للأخت آن تخرج بملابس ملونة بشروطها الشرعية و هذا من التجمل و ألا تغطى الجبهة حتى يتمكن الخاطب من رؤية وجهها ، ويستحب ألا تتجمل بالمكياج منعاً من التدليس كما يحرم عليها النمص ( وهو الأخذ من الحواجب بدافع التجمل فهذا لا يجوز شرعاً )
مسألة : هل للخاطب أن يأخذ أحد من أقاربه أو أبيه عند الرؤية الشرعية ؟
لا يجوز لأقارب الخاطب من الرجال كأبيه و أعمامه و إخوانه أن يروا المخطوبة قبل العقد تحت أي ادعاء ، كما لا يجوز لهم ذلك بعد العقد إلا للأب فقط فانه يصبح محرما لها .
وكذلك لا يجوز أن يرى الخاطب أم المخطوبة وأخواتها وخالاتها قبل العقد ، كما لا يجوز ذلك أيضاً بعد العقد إلا للأم فقط لأنها تصير محرمة عليه تأبيداً بمجرد العقد ويصبح هو محرما لها .
مسألة : هل الخاطب مطالب أن يقدم هدية في ما يسمونه بالمواسم ؟
لا فمن البدع تخصيص أيام معينة يهدى فيها الخاطب أو العاقد هدايا لها و ذلك ما يسمونه (المواسم) وقد تكون هذه المواسم غير شرعية بل أعياد مبتدعة و إرغام الزوج بهذه الهداية يثقل كاهله و قد تسبب مشاحنات عند البعض إذا لم يقدمها أو لم يعتن و يغالي في ثمنها.
" علما بان أصل التهادي مباح و مستحب لكن بلا تخصيص مناسبات.
مسألة: هل للخطاب أن يخلو بالمخطوبة بحجة التعرف على أخلاقها و دراسة شخصيتها ؟
لا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنظر و لا غيره لأنها محرمة وما زالت أجنبيةً عنه .
[*] قال ابن قدامه في (الكافي 3/504) : -
ليس له الخلوة بها لان الخبر إنما ورد بالنظر فبقيت الخلوة على أصل التحريم.
[*] وقال في (المغنى 7/749):-
ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعه المحظور فإنه ما خلا رجل بامرأة ألا كان ثالثها الشيطان
(
(1/103)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"
وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
[*] قال الدكتور عمر الأشقر في كتابه (أحكام الزواج ص 58):-
- ويزعم الذين أنحرف بهم المسار عن دين الله وشريعة آن مصاحبة الخاطب المخطوبة و الخلوة بها و السفر معها أمر لابد منه لأنه يؤدى إلى تعرف كل واحد منهما على الآخر !
- ومن نظر في سيرة الغرب في هذه المسالة وجد أن سبيلهم لم يؤد إلى التعرف و التالف بين الخاطبين فكثيرا ما يهجر الخاطب خطيبته بعد أن يفقدها شرفها و قد يتركها و يترك في رحمها جنينا تشقى به و حدها و قد ترميه من رحمها من غير رحمة .
[*] يقول الشيخ سيد سابق ( رحمه الله ) في فقه السنة ( 2 / 349 - 350 )
درج كثير الناس على التهاون في هذا الشأن ، فأباح لأبنته أو قريبته أن تخالط خطيبها ، وتخلو معه دون رقابة ، وتذهب معه حيث يريد من غير إشراف ، وقد نتج عن ذلك أن تعرضت المرأة لضياع شرفها ، وفساد عفافها وإهدار كرامتها ، ولا يتم الزواج ، فتكون قد أضافت إلى ذلك فوات الزواج منها ، وعلى النقيض من ذلك طائفة جامدة لا تسمح للخاطب أن يرى بنانها عند الخطبة وتأبى إلا أن يرضى بها ويعقد عليها دون أن يراها أو تراه إلا ليلة الزفاف ، وقد تكون الرؤية مفاجئة لهما غير متوقعة فيحدث ما لم يكن مقدراً من الشقاق والفراق .
(1/104)
وبعض الناس يكتفي بعرض الصورة الشمسية وهي في الواقع لا تدل على شيء يمكن أن يُطمئن ، ولا تصور الحقيقة تصويراً دقيقاً وخير الأمور هو ما جاء به الإسلام ، فإن فيه الرعاية بحق كلا الزوجين في رؤوية كل منهما الآخر مع تجنب الخلوة حماية للشرف وصيانة للعِرض ".
مسألة : هل للخاطب أن يُصافح مخطوبته أو يمسك يدها أو يمس شيء منها حتى ولو أمن الشهوة؟
اتفق الفقهاء على عدم جواز لمس الخاطب خطيبته بيد أو غيرها في الخطبة أو قبلها أو بعدها قبل عقد النكاح وذلك لأنها أجنبية عنه وإنما أبيح النظر للحاجة لأنها وسيلة إلى الترغيب في عقد النكاح وعلى هذا فالمصافحة والمس حرام.
(حديث أميمة بنت رقيقة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني لا أصافح النساء .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير :
( إني لا أصافح النساء ) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك باللّه شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فيما استطعتنّ وأطقتنّ فقلنا : اللّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال : إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمائة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه .
(حديث معقل بن يسار في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لأن يطعن في رأس أحدكم بمِخْيَطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له .
[*] قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/448) :
" وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء،لأن ذلك مما يشمله المس بلا شك ، وقد بلى بها كثير من المسلمين في هذا العصر " .
وكان رسول الله ? لا يصافح النساء .
(1/105)
في صحيح البخاري (4609 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة " .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير :
( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط ) بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها ( من حديد ) خصه لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في الإيلام ( خير له من يمس امرأة لا تحل له ) أي لا يحل له نكاحها وإذا كان هذا في مجرد المس الصادق بما إذا كان بغير شهوة فما بالك بما فوقه من القبلة والمباشرة في ظاهر الفرج .
مسألة : هل للخاطب أن يتحدث مع المخطوبة مشافهة أو عبر الهاتف ؟
نعم يجوز للخاطب أن يتحدث مع المخطوبة لكن بشروط :
(1) أن يكون في وجود محرم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم". ولابد أن يكون المحرم رجلاً بالغاً رشيداً وأما جلوسه معها في وجود نساء أخريات فلا يجوز لأن الحديث نصَّ على (ذي محرم).
(2) أن يكون الكلام ليس للتسلية ولا فائدة فيه بل يكون له سبب وحاجة ومثلاً للتعرف على صوتها أو ليقف على رأيها فيما له أثر في الحياة الزوجية المُقبلة لمعرفة مدى النضج العقلي لها، أسلوبها في الكلام .. وغير ذلك.
(3) أن يكون الكلام منضبط بالضوابط الشرعية فيكون بقدر الحاجة ومن غير خضوع بالقول أو لين وتميُع وتكسر لقوله تعالي: { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً } (الأحزاب 32)
وقد يحتاج في بعض الأحيان محادثاتها عن طريق الهاتف فلا حرج في ذلك على أن تراعى الضوابط السابقة مع وجود الداع لذلك وينبغي أن تكون هذه المحادثة بعلم أهل المخطوبة والأفضل سماع المَحرم للكلام وأن تكون بقدر الحاجة.
(1/106)
أما إذا كان الهاتف سيُحدث بينهما جواً مشابهاً لجو الخلوة التي ، نُهينا عنها شرعاً وكانت ستتمكن هي وهو من الحديث الذي يجرهما إلى مُحرَّم فترك ذلك متعيَّن والله أعلم.
[*] وقد سُئل الشيخ صالح الفوزان عن حكم مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف هل هو جائز شرعاً أم لا ؟
فأجاب قائلاً : مكالمة الخطيب الخطيبة عبر الهاتف لا بأس به إذا كان بعد الاستجابة له ، وكان الكلام من أجل المفاهمة وبقدر الحاجة وليس فيه فتنة ، وكون ذلك عن طريق وليها أتم وأبعد عن الريبة .
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات وهم لم تجر بينهم خطبة وإنما من أجل التعارف كما يسمونه فهذا منكر ومحرم ومدعاة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة ، يقول الله تعالى : { فَلا تَخضَعنَ بِالقَول فَيَطمَعَ الذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوُفَا }
فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة
- وقد نص العلماء على أن المرأة المُحْرِمَة تُلبي ولا ترفع صوتها وفي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إذا أنابكم شيءٌ في صلاتكم فلتسبح الرجال ولتصفق النساء"
مما يدل على أن المرأة لا تُسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة والله أعلم .
[*] لبس دبلة الخطوبة:
مسألة : ما حكم لبس دبلة الخطوبة؟
وهذا أمر غير جائز لأنه تقليد أجنبي.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم .
[*] قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل فعله التحريم .
هذا بجانب الاعتقاد الفاسد أنها تسبب محبة بين الزوجين فإنها تكون في هذه الحالة تميمة وهى محرمة بل تصل لدرجة الشرك الأصغر إن كانت بهذه النية .
(
(1/107)
حديث ابن مسعود في صحيح ابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن الرُقى والتمائمَ والتِوَلَةَ شرك .
فالتوله: شيء يعلقونه على الزوج يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها ، والزوج إلى امرأته وهذا شرك لأنه ليس بسبب شرعي ولا قدري للمحبة.
[*] قال ابن عثيمين - كما في القول المفيد على كتاب التوحيد صـ 142:
والدبلة خاتم يشترى عند الزواج يوضع في يد الزوج وإذا ألقاه الزوج قالت المرأة أنه لا يحبها فهم يعتقدون فيه النفع والضرر ويقولون أنه مادام في يد الزوج فإنه يعني أن العلاقة بينهما ثابتة والعكس بالعكس .
فإذا وجدت هذه النية فإنه من الشرك الأصغر.
فإن المسبب للمحبة هو الله وإن لم توجد هذه النية - وهى بعيده إلا تصاحبها - ففيه تشبه بالنصارى فأنها مأخوذة منهم .
[*] وقال الألباني - رحمه الله - كما في آداب الزفاف صـ140:
لبس الدبلة لا يجوز فإن هذا من تقليد الكفار
- فهذه العادة سرت إليهم من النصاري .
[*] وقال ابن باز - رحمه الله - كما في كتاب الدعوة ( 2/208) فتاوى
لا نعلم لهذا العمل - دبلة الخطوبة - أصلاً في الشرع والأولي ترك ذلك سواء كانت الدبلة من فضه أو غيرها.
[*] وقال الشيخ صالح بن فوزان - حفظه الله - كما في المنتقي من فتاوى صالح بن فوزان( 3/243)
هناك تقليد فاسد وقع فيه كثير من الناس اليوم في أمور الزواج من أنه يشتري لها دبلة تلبسها ويكون هذا سببا في زعمهم في عقد المحبة في القلب وتآلف الزوجين فهذا من عقائد الجاهلية وهذا يكون من الشرك لأن التعلق بالحلقة والخيط والخاتم والدبلة في أنها تجلب المودة أو تذهب العداوة بين الزوجين وهذا من الشرك لأن الأمر بيد الله.
مسألة : ما حكم العدول عن الخطبة؟
بداية ينبغي أن تعلم أن الخطبة ليست عقداً ولكنها وعد بعقد والوعد بالعقود غير ملزم بعقدها عند جمهور أهل العلم ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة إذا رأي المصلحة للمخطوبة في ذلك.
(1/108)
ولا يكره لها أيضاً الرجوع إذا كرهت الخاطب لأن النكاح عقد عمري يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها والنظر في حظها.
وإن رجعا لغير غرض كره ذلك لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمها كمن سام سلعة ثم بدا له ألا يبيعها.
ويُكره كذلك أن يتركها الخاطب إذا ركنت له المرأة وانقطع عنها الخُطاب لركونها إليه.
وعلى هذا نقول:
أن حكم الفسخ بعد ركون كل منهما للآخر يختلف باختلاف السبب:
(1) فإن كان لغرض صحيح ومصلحة فلا كراهة في ذلك.
(2) إن كان بلا سبب فهو مكروه لأن فيه كسر لقلب الآخر، وقد يصل لدرجة الحرمة وذلك إذا ركنت المرأة إليه وانقطع عنها الخطاب ثم بعد ذلك يتركها.
قال تعالي : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } (الصف 3)
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف)).
1. وإذا كان الفسخ بسبب أن خاطباً تقدم لها فهذا حرام لما تقدم معنا لأنه لا يجوز أن يخطب على خطبة أخيه .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يخطب أحدكم على خطبة على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك.
[*] عقد النكاح ومسائله
يستحب الخطبة بين يدي العقد بخطبة الحاجة "بخُطبة ابن مسعود" التي رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(
(1/109)
لحديث ابن مسعود الثابت في صحيح السنن الأربعة ) قال : علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة الحاجة أن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله !< يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون >! !< يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا >! !< يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون >! !< يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
ثم يقال للولي: زوِّج الرجل، فيقول: زوجتك بنتي فلانة، ولا حاجة أن يقول: على سنة الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الأصل في المسلم أنه على سنة الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ويقول الزوج: قبلت، ثم يقال للزوج: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير،
( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير. ، وبعض الناس يقول ما يقوله أهل الجاهلية: "بالرفاء والبنين"، نسأل الله ألا يعمي قلوبنا، يأتي لفظ عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ خير وبركة ونعدل عنه، ربما لا يكون هذا رفاء، فربما يحصل من الخروق أكثر من الرفاء بين الزوج والزوجة، وقد تكون البنت خيراً من الابن بكثير.
(1/110)
ثم إذا زفت إليه يأخذ بناصيتها، ويقول: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه (لحديث أبي عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه .
[*] أركان عقد النكاح
مسألة : ما هي أركان عقد النكاح؟
أركان عقد النكاح :
(1) الزوجان
(2) الإيجاب والقبول ، الإيجاب هو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه، والقبول هو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه.
فيقول ـ مثلاً ـ الولي، كالأب، والأخ، وما أشبه ذلك: زَوَّجْتك ابنتي، زوجتك أختي، وسمي إيجاباً؛ لأنه أوجب به العقد، والقبول هو اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه.
[*] شروط صحة النكاح
مسألة : ما هي شروط صحة النكاح؟
شروط صحة النكاح :
(1) تعيين الزوجين، ، لأن عقد النكاح على أعيانهما، الزوج والزوجة؛ والمقام مقام عظيم يترتب عليه أنساب، وميراث، وحقوق، فلذلك لا بد من تعيين الزوجين، فلا يصح أن يقول: زوجت أحد أولادك، أو زوجت أحد هذين الرجلين، أو زوجت طالباً في الكلية، بل لا بد أن يعين، وكذلك الزوجة فلا بد أن يعيِّنها فيقول: زوجتك بنتي.
والأدلة الواردة في الكتاب والسنة تدل على التعيين، قال الله تعالى: { { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } } [النساء: 25] ، وقال: { { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } } [الأحزاب: 37] ، وقال: { { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } } [النساء: 12] وإن كان هذا حكاية عن عقد تام.
(
(1/111)
حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال :أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ، فقال: (ما لي في النساء من حاجة). فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطيها ثوبا). قال: لا أجد، قال: (أعطها ولو خاتما من حديد). فاعتل له، فقال: (ما معك من القرآن). قال: كذا وكذا، قال: (فقد زوجتكها بما معك من القرآن).
ولأن النكاح لا بد فيه من الإشهاد، والإشهاد لا يكون على مبهم، بل لا يكون إشهاد إلا على شيء معين.
(2) رضا الزوجين : (لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيِّم حتى تستأمر" ، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال: "أن تسكت. حتى لو كان الأب هو الذي يزوج، والدليل العموم "لا تنكح البكر" لم يستثن الأب
وإذا كان الإنسان لا يمكن أن يجبر في البيع على عقد البيع ففي النكاح من باب أولى؛ لأنه أخطر وأعظم؛ إذ إن البيع إذا لم تصلح لك السلعة سهل عليك بيعها، لكن الزواج مشكل، فدل هذا على أنه لا أحد يجبر البنت على النكاح، ولو كانت بكراً، ولو كان الأب هو الولي، فحرام عليه أن يجبرها ولا يصح العقد.
وقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لا تنكح" ، لو قال قائل: هذا ليس نهياً، هذا خبر، فما الجواب؟ نقول: هذا الخبر بمعنى النهي، واعلم أن الخبر إذا جاء في موضع النهي فهو أوكد من النهي المجرد، فكأن الأمر يكون مفروغاً منه، ومعلوم الامتناع؛ لأن النفي دليل على الامتناع، والنهي توجيه الطلب إلى المكلف، فقد يفعل وقد لا يفعل، ولهذا قلنا في قوله تعالى: { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } } [البقرة: 228] إنه أبلغ مما لو قال: وليتربَّص المطلقات؛ لأن قوله: { { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ } } كأن هذا أمر واقع لا يتغير.
(
(1/112)
حديث خنساء بنت خدام الأنصارية الثابت في صحيح البخاري ) أن أباها زوجها وهي ثيِّب فكرهت ذلك، فأتت النبي فردَّ نكاحها.
(3) الولي: الثالث من شروط النكاح الولي، يعني أن النكاح لا ينعقد إلا بولي، والدليل على ذلك القرآن والسنة، والنظر الثابت الصحيح.
أما القرآن فقوله تعالى: { { وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } } ، [البقرة: 220] ، وقوله: { { وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ } } [النور: 32] . "وأنكح" فعل متعدٍ يتعدى إلى الغير، والخطاب للأولياء فدل هذا على أن النكاح راجع إليهم، ولذلك خوطبوا به، فيكون هذا دليلاً على أن المرأة لا يمكن أن تزوج نفسها، بل لا بد من أن ينكحها غيرها، وقوله تعالى: { { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } } [البقرة: 232] ، { { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } } أي: لا تمنعوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، ووجه الدلالة من الآية أنه لو لم يكن الولي شرطاً لكان عضله لا أثر له.
وفي قوله تعالى: { { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } } دليل على أنه لا فرق في اشتراط الولي بين الثيب والبكر؛ لأن قوله: { { أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } } دليل على أنهن قد تزوجن من قبل، وعلى هذا فنقول: إن الآية دلالتها صريحة على أن الولي شرط في النكاح، سواء في البكر أو في الثيب.
وقال تعالي { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (النساء: 5)
وقال تعالي حكاية عن صالح مدين { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } ( القصص :27)
فقد تولى هو النكاح فدل على أن لاحظ للمرأة فيه وهو مقتضي قوله تعالى
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } ( النساء: 31)
(1/113)
أما السنة ( لحديث عائشة الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل .
و"لا" نافية للجنس، والنفي هنا منصب على الصحة وليس على الوجود؛ لأنه قد تتزوج امرأة بدون ولي، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما يخبر عن شيء فيقع على خلاف خبره.
وعلى هذا فقوله: "لا نكاح إلا بولي" ، أي: (لا نكاح صحيح إلا بولي).
فلو قال قائل: لِمَ لا نقول: لا نكاح كامل، ونحمل النفي على نفي الكمال لا على نفي الصحة؟
قلنا: هذا غير الثابت في صحيح؛ لأنه متى أمكن حمله على نفي الصحة كان هو الواجب؛ لأنه ظاهر اللفظ، ونحن لا نرجع إلى تفسير النفي بنفي الكمال، إلا إذا دل دليل على الصحة، ولأن الأصل في النفي انتفاء الحقيقة واقعاً أو شرعا.
وهذه القاعدة تقدمت لنا مراراً، وقلنا: إن النفي يحمل على نفي الوجود، فإن تعذر فنفي الصحة، فإن تعذر فنفي الكمال.
( حديث عَائِشَةَ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا. فإنِ اشْتَجَرُوا، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَهُ".
[*] قال الأمام الشافعي - رحمه الله - كما في كتابه الأم ( 5/169)
فالنكاح لا يثبت إلا بأربعة أشياء " الولي، ورضا المنكوحة ، ورضا الناكح ، وشاهدي عدل"
[*] قال ابن حزم - رحمه الله- كما في المحلى( 9/453)
ولا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بني الأعمام وإن بعدوا الأقرب فالأقرب أولي.
[*] وقال ابن قدامه - رحمه الله - كما في المغني ( 9 / 345)
(1/114)
النكاح لا يصح إلا بولي ، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح
وروي هذا عن عمر و علي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة(رضي الله عنهم)
وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والحسن ، وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى ، وابن شبرمه ، وابن المبارك ، وعبيد الله العنبري ، والشافعي ، إسحاق ، وأبو عبيد .
[*] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى( 32/131)
أن ذكر الولي دل عليه القرآن في غير موضع والسنة في غير موضع وهو عادة الصحابة إنما كان يزوج النساء الرجال
لا يعرف أن المرآة تزوج نفسها وهذا مما يفرق فيه بين النكاح ومتخذات الأخدان،
[*] وبهذا قالت عائشة - رضي الله عنها - لا تزوج المرأة نفسها فإن البغي هي التي تزوج نفسها.
(4) شاهدي عدل : أي: مستقيمين ديناً ومروءة أن يشهد على عقد النكاح شاهدان مستقيمين ديناً ومروءة، ودليل ذلك قوله تعالى: { { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } } [الطلاق: 2] .
فأمر الله ـ تعالى ـ بالإشهاد على الرجعة، والرجعة إعادة نكاح سابق، فإذا كان مأموراً بالإشهاد على الرجعة، فالإشهاد على العقد ابتداءً من باب أولى؛ لأن المراجَعة زوجته، وهذه أجنبية منه
( حديث عائشة الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل .
[*] شروط الولي
مسألة : ما هي شروط الولي ؟
شروط الولي خمسة :
(1)أن يكون مكلف ،أي بالغاً عاقلاً، فالذي دون البلوغ لا يعقد لغيره، والمجنون لا يعقد لغيره؛ لأنهما يحتاجان إلى ولي، فكيف يكونان وليين لغيرهما؟!
(
(1/115)
2)أن يكون ذكرا : لأنه إذا كانت المرأة لا تزوج نفسها فكيف تزوج غيرها؟! وعلى هذا فالأم لا تزوج بنتها لاشتراط الذكورية ، فلو كان لها أم وابن عم، وجاءت تسأل من وليها؟ نقول: ابن عمها، أما الأنثى فلا تكون ولياً.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا تزوج المرأة المرأة و لا تزوج المرأة نفسها .
(3)أن يكون راشد العقل : وهذا من أهم الشروط أن يكون الولي رشيداً، والرشد في كل موضع بحسبه، الرشد في العقد بأن يكون بصيراً بأحكام عقد النكاح، بصيراً بالأكْفَاء، ليس من الناس الذين عندهم غِرَّة وجهل، بل يعرف الأكفاء ومصالح النكاح، وهذا في الحقيقة هو محط الفائدة من الولاية؛ لئلا نضيع مصالح المرأة، فإذا لم يكن رشيداً، ولا يهمه مصلحة البنت، ولا يهمه إلا المال، وجاء إليه شخص، وقال: أنا أعطيك مليون ريال وزوجني بنتك، وهذا الرجل ليس كفؤاً، فوافق الأب وزوج ابنته، وقال: أنا لي إجبار بنتي، وأخذ المليون، فهذا لا يمكن أن يولى، ولا تصح ولايته، فلا بد أن يكون عنده رشد في العقد، ولو فرضنا أن هذا الولي عنده رشد في العقد، ويعرف مصالح النكاح، ويعرف الأكفاء ويعرف الناس معرفة تامة، لكنه في بيعه وشرائه ليس برشيد، فلا يحسن البيع ولا الشراء، فهذا لا يضر؛ لأن الرشد في كل موضع بحسبه، فما دام أن الرجل يعرف مصالح النكاح والكفء، وما يجب للزوجة وجميع ما يتعلق بالنكاح فهو رشيد ويزوِّج.
(4)اتفاق الدين بين الولي والمرأة : يعني أن يكون الولي والمرأة دينهما واحد، سواء كان دين الإسلام أو غير دين الإسلام؛ وذلك لانقطاع الولاية بين المختلفين في الدين، ويدل على انقطاع الولاية أنه لا يتوارث أهل ملتين، فإذا انقطعت الصلة بالتوارث، فانقطاعها بالولاية من باب أولى، فعلى هذا يزوج النصراني ابنته النصرانية، وكذلك يزوج اليهودي ابنته اليهودية.
(
(1/116)
5)العدالة : "والعدالة" ، وهي استقامة الدين والمروءة، فغير العدل لا يصح أن يكون ولياً؛ لأنها ولاية نظرية، ينظر فيها الولي ما هو الأصلح للمرأة؟ فيشترط فيها الأمانة، والفاسق غير مؤتمن حتى في خبره، فكيف في تصرفه؟! والله ـ عزّ وجل ـ يقول: { { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } } [الحجرات: 6] ، إذاً الفاسق لا يصح أن يكون ولياً على ابنته، ولا على أخته، ولا على بنت أخيه، وما أشبه ذلك .
[*] سلم الترتيب في الولي للمرأة
مسألة : ما هو سلم الترتيب في الولي للمرأة ؟
يقدَّم أبو المرأة في إنكاحها" ثُمَّ جَدُّهَا لأَبٍ وَإنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهَا، ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَخُوهَا لأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لأَِبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمُّهَا لأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةٍ نَسَباً كَالإِرْثِ ، ثُمَّ الْمَوْلَى المُنْعِمُ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ نَسَباً، ثُمَّ وَلاَءً، ثُمَّ السُّلْطَانُ.
{ تنبيه } : في باب الولي يقدم الأب على الإبن بعكس الإرث لأن الأب أكمل نظراَ وأشد شفقة .
مسألة : إذا لم يكن للمرأة ولي فمن يزوجها ؟
السّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَهُ( حديث عَائِشَةَ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا. فإنِ اشْتَجَرُوا، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَهُ".
[*] المحرمات في النكاح
مسألة : ما هي المحرمات من النساء ؟
المحرمات من النساء على قسمين :
( 1) تحريم مؤبد ( أي يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات .
(
(1/117)
2) تحريم مؤقت ( أي يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة قائمة بها ، فإن تغير الحال زال التجريم و صارت حلالاً .
[*] أسباب التحريم
( 1 /2 ) النسب و الرضاعة
( 3) المصاهرة
وهي المذكورة في آية النساء ،
قال تعالى : (حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الاُخْتِ وَأُمّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مّنَ الرّضَاعَةِ وَأُمّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مّن نّسَآئِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَإِن لّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً) [النساء / 23]
أولاً : المحرمات بالنسب :
( سبع / الأمهات و البنات و الأخوات / العمات و الخالات / بنات الأخ و بنات الأخت )
ثانياً : المحرمات بالرضاعة :
( أيضاً سبع ، فيحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ،
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يحرُمُ من الرَّضاع ما يحرُمُ من النسب .
وعلى هذا يحرم على الرجل أمه من الرضاع و بنته من الرضاعة و أخته من الرضاعة و عمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته من الرضاعة .
[*] الرضاع الذي يثبت به التحريم
الرضاع الذي يثبت به التحريم ( خمس رضعات معلومات ، وأن تكون قبل الفطام
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : كان فيما أنزل من القرآن عشْرَ رضعات يُحِّرمنَّ، ثم نُسخن بخمسٍ معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يقرأ من القرآن .
{ تنبيه } : معنى ( فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يُقرأ من القرآن ) :
(1/118)
المعنى أن النسخ تأخر حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وبعض الناس لم يعرف ، فكان يقرأها على أنها آية من كتاب الله .
( حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تحرم الإملاجةُ ولا الإملاجتان )
( الإملاجة ) الإرضاعة .
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تُحِّرم المصَّة ولا المصَّتان)
(حديث أم سلمة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يُحِّرم من الرضاعة إلا ما فتَّقَ الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام .
[*] المحرمات بالمصاهرة
مسألة : اذكر المحرمات بالمصاهرة ؟
( 1) أم الزوجة ( تحرم بمجرد العقد
( 2) زوج البنت ( يحرم بمجرد العقد
( 3) ابنة الزوجة المدخول بها ، لقوله تعالى (وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مّن نّسَآئِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَإِن لّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) ( النساء / 23)
( 4) زوجة الأب ( تحرم على الابن بمجرد عقد الأب عليها .
[*] ثانياُ : المحرمات مؤقتاً
مسألة : ما معنى المحرمات مؤقتا ً ؟
المحرمات مؤقتاً : أي المحرمات لسبب ، وبزوال السبب يزول التحريم .
مسألة : ما هي المحرمات مؤقتاً ؟
المحرمات مؤقتاً خمسة :
( 1) الجمع بين الأختين ، لقوله تعالى : (وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً) [النساء / 23]
( 2) الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يُجمعُ بين المرأةِ و عمتها و لا بين المرأةِ و خالتها .
( 3) زوجة الغير ومعتدته ، لقوله تعالى : (قال تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ) (النساء / 24)
(1/119)
والمعنى أي حُرم عليكم المحصنات من النساء أي المتزوجات منهنَّ ، إلا المسبية ( ملك اليمين ) فإنها تحلُ لسابيها بعد الإستبراء وإن كانت متزوجة .
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله بعث جيشاً إلى أوطاس ، فلقوا عدواً فقاتلوهم ، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا وكان ناسٌ من أصحاب رسول الله تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ ) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن ، ويكون الستبراء بحيضة .
( 4) المطلقة ثلاثاً : لا تحلُ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً الثابت في صحيحاً .
لقوله تعالى : (قال تعالى: (فَإِنْ طَلّقَهَا فَلاَ تَحِلّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّىَ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة / 230]
( 5) زواج الزانية : فإنه لا يحل للرجل أن يتزوج بزانية ، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزانٍ إلا أن يحدث كلُ منهما توبة ،
لقوله تعالى : قال تعالى: (الزّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور / 3]
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن مَرثَد بن أبي مرثد الغنوي كان يحملُ الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغيٌ يقال لها عَناق وكانت صديقته ، قال جئت إلى النبي فقلت يا رسول الله أنكح عناقاً ؟ قال فسكت عني . فنزلت ( وَالزّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فدعاني فقرأها علىَّ وقال : لا تنكحها .
(1/120)
مسألة : لو أن إنساناً وطئ أخت زوجته بشبهة أو زنا , هل تحرم عليه زوجته ؟
الصحيح أن الزنا لا أثر له ، ولا يمكن أن نجعل الزنا السفاح كالنكاح الثابت الصحيح.
مسألة : لو أن إنساناً طلق زوجته وما زالت في عدتها ثم تزوج أختها هل يصح النكاح ؟
لا يصح النكاح ، لأن المطلقة إن كانت رجعية فهي في حكم الزوجة ، وإن كانت بائناً لم ينقطع عنها عِلقُ النكاح .
مسألة : ما معنى الإستبراء ؟
الإستبراء : طلب براءة الرحم وتكون بحيضة ، بمعنى أننا ننتظر حتى تحيض حيض حتى نعرف أنها ليس بها حمل .
مسألة : ما هي عدة المراة ؟
[*] عدةُ المرأة على التفصيل الآتي:
[1] إن كانت تحيض ( ثلاثة قروء )
لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) [البقرة / 228]
[2] الآيسة من الحيض و التي لا تحيض عدتها ( ثلاثة أشهر )
لقوله تعالى : (قال تعالى: (وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّتِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق / 4]
[3] و الحامل عدتها بوضع الحمل :
لقوله تعالى: (وَأُوْلاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق /4]
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تُوطأ حاملٌ حتى تضع ولا ذاتِ حملٍ حتى تحيض حيضة .
( حديث رُوَيفع بنت ثابت الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحل ُ لامرئٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يَسْقيَ ماءَهُ زرع غيره .
[*] الأنكحة الفاسدة
مسألة: ما الفرق بين النكاح الباطل والفاسد ؟
النكاح الباطل : ما أجمع العلماء على فساده مثل أن ينكح الرجل امرأةً ثم يتبين له أنها أخته من الرضاعة .
(1/121)
أما النكاح الفاسد : ما اختلف العلماء في فساده مثل النكاح بلا ولي ولا شهود.
مسألة : ما هي الأنكحةُ الفاسدة ؟
الأنكحةُ الفاسدة هي ما يلي :
(1) نكاح الشغار : وفُسِّر الشغار بأن يزوجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر بينهما.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق.
(2) نكاح المحلل: وهو أن يتزوج (المطلقة ثلاثا) بعد انقضاء عدتها ثم يطلقها لتحل للزوج الأول.
( حديث عليّ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لعن الله المحلِّل والمحلَّل له .
( حديث عقبة بن عامر الثابت في صحيح ابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل ، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له .
(3) نكاح المتعة : هو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو غير ذلك من الآجال المعلومة ، فالقاعدة إذاً كل نكاح موقت بعمل، أو زمن فإنه نكاح متعة لا يجوز.
(حديث عليّ رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الأنسية .
(1/122)
و ثبت عن النبي ، كما في حديث مسلم عن سبرة بن معبد الجهني ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب، وقال عن المتعة: "إنها حرام إلى يوم القيامة" فصرح النبي بحرمتها، وصرح بقوله: "إلى يوم القيامة" ، وهذا خبرٌ، والخبر لا يدخله النسخ، ثم هو خبرٌ مقيد بأمد تنتهي به الدنيا، فما دام الرسول حرمه إلى يوم القيامة، فمعنى ذلك أنه لا يمكن أن ينسخ هذا الحكم أبداً، فلو أن أحداً قال: إنها حرام، وهذا خبر الثابت في صحيح لكن بمعنى الحكم، والخبر الذي بمعنى الحكم يدخله النسخ، قلنا: لكن هذا ما يمكن دخول النسخ فيه؛ والسبب أنه قال: "إلى يوم القيامة".
[*] الشروط في النكاح
مسألة : ما الفرق بين شروط النكاح و الشروط في النكاح ؟
الشرط في اللغة العلامة، ومنه قوله تعالى: { { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } } [محمد: 18] أي: علاماتها، أما الفرق بين شروط النكاح والشروط في النكاح، فهو من أربعة أوجه:
أولاً: أن شروط النكاح من وضع الشارع، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي وضعها وجعلها شروطاً، وأما الشروط في النكاح فهي من وضع العاقد، وهو الذي شرطها.
ثانياً: شروط النكاح يتوقف عليها صحة النكاح، أما الشروط فيه فلا تتوقف عليها صحته، إنما يتوقف عليها لزومه، فلمن فات شرطه فسخ النكاح.
ثالثاً: أن شروط النكاح لا يمكن إسقاطها، والشروط في النكاح يمكن إسقاطها ممن هي له.
رابعاً: شروط النكاح لا تنقسم إلى الثابت في صحيح وفاسد، والشروط في النكاح تنقسم إلى الثابت في صحيح وفاسد.
مسألة : ما حكم الشروط؟
حكم الشروط : يجب الوفاء بها إذا صح .والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: { { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } } [المائدة: 1] ، { { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } } [الإسراء: 34]
(
(1/123)
حديث عقبة ابن عامر الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"
(حديث عمرو ابن عوفٍ المُزَني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً .
مسألة : إن كانت المرأة اشترطته على زوجها أن تعمل دائماً أو وقتاً معيناً فهل يجب على الزوج أن يوفي بهذا الشرط ؟
إن كانت المرأة اشترطته على زوجها أن تعمل دائماً أو وقتاً معيناً ، فإن عليه أن يلتزم بالشرط كما اتفقا عليه حين العقد ورضيا به، للأحاديث الآتية :
(حديث عقبة ابن عامر الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"
(حديث عمرو ابن عوفٍ المُزَني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً .
وإن اشترط الزوج على زوجته ألا تعمل، أو لم يكن هناك شرطٌ سابق لكنه رفض عملها، لزمها أن تطيع وتسمع؛ لأنه بَعْلها، وطاعته واجبة عليها.
ولكن على المرأة ألا تركب رأسها حين يكون العمل مضرّاً بحياتها الزوجية مرهقاً للزوج، بل ينبغي لها أن تتنازل عن شرطها، وتتخلى عن عملها، لأن الإبقاء على الزوج، وتقدير مصلحة البيت خير لها من لزوم العمل، وهذا كله إنما يتم بطريق المفاهمة والمشاورة ومبادلة الرأي.
[*] أنواع الشروط
...
مسألة : ما هي أنواع الشروط في النكاح ؟
والشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الثابت في صحيحة، وفاسدة غير مفسدة، وفاسدة مفسدة.
(الأول): شروط ثابتة صحيحة، يصح معها العقد :
(1/124)
والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: { { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } } [المائدة: 1] ، { { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } } [الإسراء: 34]
(حديث عقبة ابن عامر الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"
(حديث عمرو ابن عوفٍ المُزَني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً .
(الثاني) : شروط فاسدة مفسدة : تبطل العقد ولا يجب الوفاء بها . مثل نكاح الشغار ونكاح المحلل ونكاح المتعة .
(الثالث) شروط فاسدة غير مفسدة :[هو ما كان منافياً لمقتضى العقد] وهو لا يبطل العقد ولا يجب الوفاء به .مثل أن يشترط أن لا نفقة لها ومثل أن تسأل المرأة طلاق ضرتها عند النكاح.
والدليل على أنه لا يجب الوفاء بهذه الشروط
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط ، شرط الله أحق وأوثق .
مسألة : لو شرط الزوج أن تكون الزوجة بكراً فباتت ثيباً فهل له الفسخ؟
له الفسخ لأن الشرط الثابت في صحيح ويرجع بالمهر على من غرّه
(حديث عقبة ابن عامر الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"
(حديث عمرو ابن عوفٍ المُزَني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً .
مسألة : هل يجوز للمرأة أن تشترط طلاق ضرتها؟
لا يجوز للمرأة أن تشترط طلاق ضرتها ولا يجب الوفاء بهذا الشرط، فكل شرطٍ ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط .
(
(1/125)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط ، شرط الله أحق وأوثق .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :نهى رسول الله أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، وتسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها).
[*] العيوب في النكاح
مسألة : ما هو العيب الذي يثبت به الخيار؟
العيب الذي يثبت به الخيار : [هو كل ما يفوِّت مقصود النكاح]
وأهم مقاصد النكاح : الاستمتاع والإنجاب والخدمة .
مسألة : ما هي أقسام العيوب في النكاح التي يثبت بها الفسخ؟
أقسام العيوب في النكاح التي يثبت بها الفسخ :
(1) عيوب تختص بالرجل .
(2) عيوب تختص بالمرأة .
(3) عيوب مشتركة بينهما
[*] أولاً العيوب التي تختص بالرجل و التي يثبت بها الفسخ :
[1] أن يكون مجبوباً" أي: مقطوع الذكر ،
قوله: "أو بقي له ما لا يطأ به فلها الفسخ" ، أي: ما بقي له من ذكره جزء صغير، لا يتمكن من الوطء به، فهذا وجوده كالعدم.
[2] أن يكون عنيناً : أي محبوس عن الجماع أي لا يتمكن من جماع زوجته .
[3] أن يكون به خِصاء أو وِجاء (رض الخصيتين) أي رض عروق الخصيتين كأن يضربه إنسان فيكون شبيه بالخصاء .
وهذه العيوب يثبت للمرأة الخيار فيها ؛ لأنهه تفوت مقصود النكاح ، من الاستمتاع، والإنجاب .
[*] ثانياً : العيوب التي تختص بالمرأة و التي يثبت بها الفسخ :
(1) أن يكون بها رَّتَقُ : والرتق معناه أنه يكون فرج المرأة مسدوداً، ما يسلكه الذكر، فهذا يثبت للزوج الخيار؛ لأنه يفوت مقصود النكاح من الولد والاستمتاع.
(2) أن يكون بها قَرَن: وهو لحم ينبت في الفرج فيسده، وحكمه كالأول، وهو طارئ، والأول أصلي.
(
(1/126)
3) أن يكون بها عَفَلُ : وهو ورم في اللحمة التي بين مسلكي المرأة، فيضيق منها فرجها، فلا ينفذ فيه الذكر.
(4) أن يكون بها فَتْقُ : وهو انخراق ما بين سبيليها، أي: ما بين مخرج بول ومَنِيٍّ، وهذا يمنع التلذذ، وربما يؤدي إلى تسرب البول إلى مخرج المني، وأيضاً قد يمنع الحمل، بحيث يكون هذا الانفتاق سبباً لضياع المني، فلا يصل إلى الرحم، وحينئذٍ يكون هذا عيباً.
وهذه العيوب يثبت للمرأة الخيار فيها ؛ لأنهه تفوت مقصود النكاح ، من الاستمتاع، والإنجاب .
[*] ثالثاً : العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة و التي يثبت بها الفسخ :
(1) استطلاق بول أو غائط، ومعنى استطلاقهما أنه لا يمكن أن يحبسهما، يعني هو السلس، فسلس البول أو الغائط عيب، من أشد ما يكون من العيوب، وهذا يثبت به الخيار لما فيه من النفرة .
(2) أن يكون بأحدهما باسوراً أم ناصوراً ، وهما داءان يصيبان المقعدة ،الباسور يكون داخل المقعدة، والناصور يكون بارزاً، ودائماً يكون ملوثاً، ومع أنهما لا يحدثان أي شيء بالنسبة للجماع، ولا يشوهان المنظر أيضاً، ومع ذلك يقولون: إن هذا من العيوب؛ لأنه إذا ذكر أن بامرأته باسوراً أو ناسوراً لا يرتاح لها، وكذلك بالنسبة للمرأة مع الرجل، وهذا يثبت به الخيار لما فيه من النفرة .
(3) أن يكون بأحدهما برصٌ أو جذام، وهذا يثبت به الخيار لمل فيه من النفرة .
{ تنبيه } : البرص : مرضٌ معروف وهو بياض الجلد، فهذا البرص ولو بقدر رأس الإبرة يعتبر عيباً، سواء كان بالزوج أو بالزوجة، ولهذا جاء في الحديث في قصة الثلاثة الذين كان أحدهم أبرص قال: "ويذهب عني الذي قذرني الناس به" وهذا العيب أيضاً يثبت به الخيار لما فيه من النفرة .
(1/127)
والجذام : داءٌ معروف تتساقط منه الأطراف ويتناثر منه اللحم ، وهو لا شك عيب، وهو ـ أيضاً ـ معدٍ، وقد جاء في السنة أن النبي أمر بالفرار من المجذوم، كما في * ( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :قال رسول الله : (لا عدوى ولا طيَرة، ولا هامة ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد).
حتى إن العلماء قالوا: يجب على السلطان أن يعزل الجذمي في مكان واحد؛ لئلا يختلطوا بالناس فينتشر هذا الداء.
مسألة : هل العيوب محصورةٌ فيما سبق ؟
ليست العيوب التي يثبت بها الفسخ محصورةٌ فيما سبق وإنما العيوب التي يثبت بها الفسخ لها ضابط معين هو ( كل ما يفوت به مقاصد النكاح من الإستمتاع والإنجاب والخدمة).
مسألة : لو وجد الزوجة عمياء هل يعد هذا عيباً يثبت به الفسخ؟
نعم هذا عيبٌ يثبت به الفسخ لأنه يفوت مقصودين من مقاصد النكاح هما (الإستمتاع والخدمة).
مسألة : لو وجد أحد الزوجين عقيماً هل يعد هذا عيباً يثبت به الفسخ؟
نعم هذا عيبٌ يثبت به الفسخ لأنه يفوت أهم مقصود من مقاصد النكاح وهو الإنجاب .
مسألة : ما هي الصيغة التي يفسخ بها النكاح؟
يقول فسخت نكاحي من فلانة للعيب الذي فيها ، فيكون قد باشر الفسخ بنفسه أو يوكل أحد الزوجين بذلك.
مسألة : لو فسخ الزوج الزواج بعد الدخول وبعد ظهور العيب فهل للزوجة المهر؟
(1/128)
للزوجة المهر المسمى في العقد بعد الدخول وبعد ظهور العيب ، نأخذ ذلك من مفهوم قوله: { { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } } [البقرة: 237] ، فمفهوم قوله: { { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } } أنه من بعد المسيس يثبت المهر، وهو كذلك، و( لحديث عَائِشَةَ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"أيّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهَا، فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فَنِكاحُهَا بَاطِلٌ. فإنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا. فإنِ اشْتَجَرُوا، فالسّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لاَ وَلِيّ لَهُ".
، فالمهر إذاً يثبت بعد الدخول ، ولكن للزوج أن يرجع بالمهر على من غرَّه.
آداب الزِفاف
[*] لا شك أن زِفاف العروس إلى زوجها هي منتهى أمله في هذا الشأن حيث يشعر أن الله تعالى قد وفقه إلى أن يظفر بزوجةٍ ( تقيةٍ نقية ، عفيفةً حييِّة ، حرةً أبيَّة ، تحفظ غيبته وتصون كرامته وترافقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، وتُصاحِبه بالقناعة وتُعِينه على الطاعة وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة) ولكي يعيش الزوج مع زوجته الصالحة في سعادة ومودة ولاحمة يجب عليه أن يعرف آداب الزفاف ، وهآنذا أُقدم آداب الزفاف جملةً وتفصيلا لعلها تجد لهما في سمعهما مسمعا وفي قلبهما موقِعاً عسى الله أن ينفعهما بها ويُوَفِقْهما إلى تنفيذها
وهاك هذه الآداب :
وتتضمن آداب الزِفاف الآداب الآتية :
(أولاً) : آداب ليلة البناء بالعروس
(ثانياً) : آداب الجماع
(ثالثاً) : أفضل أنواع الجماع
(رابعاً) : ما يباح في الجماع
(خامساً):فوائد المعاشرة الجنسية
(سادسا)ً : وجوب الوليمة
(سابعاً : وصايا إلى الزوجين
(ثامناً): الحقوق الزوجية
(تاسعاً): علاج الخلافات الزوجية
(عاشراً) :صفات المرأة القاتلة للسعادة الزوجية
(
(1/129)
الحادي عشر) : صفات المرأة التي تجلب السعادة الزوجية
[*] أولاً : آداب ليلة البناء بالعروس
لقد رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم بِهَدْيِه الشريف ، وطريقته الغراء طريقة التعامل مع الزوجات في ليلة البناء.
فهذه الليلة من أهم ليالي الحياة الزوجية، والتي تتم فيها أكثر الانطباعات بين الزوجين في طريقة التعامل بينهما فيما بعد من أيام حياتهما.
وكم كانت هذه الليلة نذير بؤس ، وبداية شقاء وعذاب لكثير من الأزواج والزوجات ، وكم كانت عتبةَ حياة هنيئة لأزواجٍ وزوجات آخرين.
والهدي النبوي المسنون في هذه الليلة هو أتم الهدى وأكمله ، وكيف لا وهو هدي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه ، فقال:( وإنك لعلى خلق عظيم ) [القلم/:4]. ووصفت زوجه وَحِبَه عائشة- رضي الله عنها- خلقه صلى الله عليه وسلم
فقالت:" القرآن ".
أي كان خلقه- صلى الله عليه وسلم- القرآن. فلقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً
(حديث أنس في الصحيحين) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً .
وقد بينت السنة الصحيحة آداب ليلة البناء ووضحته وضوحاً جلياً وهاك تلك الآداب:
(1) ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها، كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه ، فلا شك أن المرأة إذا ما فارقت بيت أهلها إلى بيت زوجها ليلة البناء بها تصيبها الرهبة ، فإنها مُقْدِمَةٌ على حياةٍ جديدة في كَنَفِ شريك لم تعلم من طِبَاعِه شيئاً إلا القدر اليسير.
(1/130)
ولذلك كان من أهم ما يجب على الزوج في هذه الليلة أن يُْذهِبَ هذه الرهبة ، أو يُقَلِلْهَا إلى أقل درجة ممكنة ، فلابد للزوج أن يلاطفها ، ويمازحْها ، ويداعِبْها، فالخجل سمة من سمات النساء وخلق من أخلاقهن ، وهو في العروس البكر أكثر منه في الثيب : التي سبق لها الزواج ، ولذلك كان للممازحة والملاطفة أثر كبير في تقليل درجة خجل العروس ، ولذا: يستحب للزوج أن يقدم لأهله في ليلة البناء بها كوباً من اللبن أو العصير أو ما قام مقامهما ، وأن يتجاذب معها أطراف الحديث ، لكي يقلل من حيائها وخجلها ، وأن لا يثب عليها وثب البعير على أنثاه ، فإن المرأة يمنعها حياؤها وخجلها من الانصياع لزوجها في أول طلبه لها ، فتتمنع عنه تدللا وخجلاً ، فالواجب على الزوج أن لا يباغتها بما تحذر منه ، وأن يداريها ويلاطفها حتى يبلغ مراده .
لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت:
((إني قيّنت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعُس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: فأخذت، فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك(1)، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ((ناوليهن ))، فقلن: لا نشتيه لِلَّهِ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تجمعن جوعاً وكذباً )) قال الألباني رحمه الله في آداب الزفاف :
أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر. والحميدي في مسنده. وله شاهد في الطبراني.
(2) وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
(1/131)
ويُسْتَحَب للزوج أن يدعو لزوجته ليلة البناء بها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث من أراد الزواج ثم زُفَّت إليه زوجته يأخذ بناصيتها ، ويدعو لها بالدعاء المأثور:
" اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
(لحديث أبي عبد الله ابن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه .
(3) صلاة الزوجين معاً:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معاً، لأنه منقول عن السلف. وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:
((تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني فقالوا:
((إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك )). أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف. وعبد الرزاق.
الثاني: عن شقيق قال:
((جاء رجل يقال له: أبو حريز، فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكراً]، وإني أخاف أن تفركني، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود ):
((إن الإلف من الله، والفرك من الشيطان، يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم؛ فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين )). زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود:
((وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛ وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير )).
قال الألباني رحمه الله في آداب الزفاف : عبد الرزاق وسنده صحيح، والطبراني بسندين صحيحين.
(4) التسمية عند الجماع :
(1/132)
فإن أمكنته من نفسها، وطاعته ، فعليه أن يسم الله سبحانه وتعالى عند غشيانها ويدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا".
فإنه إن قدر بينهما في ذلك ولد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبداً.
(لحديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لو أن أحدكم إذا أتي أهله قال : بسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا،فإنه إن يُقدَّر بينهما ولدٌ في ذلك، لم يضره شيطانٌ أبداً)
{ تنبيه } : ويجب عليه أن لا يقوم عنها حتى تقضي منه وطرها ، كما قضى
وطره ، وأن لا يعجلها في ذلك.
فيُكره النزع قبل فراغها ، أي قبل أن تُنزل لأنه يحرمها من كمال الإستمتاع ، وربما يحصل لها ضرراً إذا كان الماء متهيأ للخروج ثم ينزع الرجل قبل إنزالها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) كما في الحديث الآتي :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
أما حديث ( ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ) فهو ضعيف .
... [*][*][*][*]
[*] ثانياً :آداب الجماع
مسألة : ما هي آداب الجماع ؟
اعلم أخي الزوج أختي الزوجة
أن الجماع من أهم الأمور التي راعاها الشرع الحكيم وجعل لها ضوابط وآداب ، حتى لا تكون طبية الإنسان كالبشر ، فقد كرم الله هذا الإنسان وفضله على كثير ممن خلق ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70]
وغرس سبحانه في الإنسان غريزة الشهوة وجعل له السبيل الشرعية التي يقضي فيها وطره وشهوته ، وهذا القضاء لا يكون فوضوياً ... لا ... بل جعل له ضوابط وآداب منها ما يلي :
(
(1/133)
1) إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر : فينوي بفعله حفظ نفسه وأهله وإعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع عن الحرام ، وأن يساهم في تكثير النسل ، فقد حث صلى الله عليه وسلم بالزواج ، وأخبر أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة ... وفيه كذلك عز للأمة وتكثير لسوادها ....
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
وأنت أخي الكريم مأجور على ذلك متى أحسنت النية فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما بدلالة الحديث الآتي :
( حديث أبي ذر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( وفي بُضع أحدكم صدقة ) فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )
( وفي بُضع أحدكم صدقة ) : أي في جماعه لأهله
فياله من فضل ، قضاء وأجر ....
(2) المداعبة والملاطفة :
نعم المداعبة والملاطفة أدب ينبغي مراعاته فكثير من الأزواج لا يهتم بهذا الأمر ، أهم شئ يقضي وطره فقط ، وينسى أن المداعبة قبل الجماع لها أثر في تحريك شهوة المرأة وزيادة رغبتها حتى تستعد له ، وتتبادل معه لذة الجماع ، أما إذا بدا بالجماع مباشرة ، فقد ينتهي من شهوته وقضاء وطره قبل أن تصل هي إلى ذلك ، و المداعبة والملاطفة من السنة بدلالة الحديث الآتي :
(
(1/134)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال:هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله: (تزوجت يا جابر). فقلت: نعم، فقال: (ابكرا أم ثيبا). قلت: بل ثيبا، قال: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، تضاحكها وتضاحكك). قال: فقلت له: إن عبد الله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: (بارك الله لك، أو قال: خيرا).
الشاهد : قوله (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، تضاحكها وتضاحكك)
[*] قال ابن قدامة رحمه الله : ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها ، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله،
[*] وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك، لكيلا لا تسبقها بالفراغ.
ومن الملاطفة : القبلة ، وتحريك الثديين ، وإلصاق البشرة بالبشرة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل أهله قبل الجماع
(3) تُسن التسمية وقول الذكر الوارد في ذلك عند الجماع :
( بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا )
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لو أن أحدكم إذا أتي أهله قال : بسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا،فإنه إن يُقدَّر بينهما ولدٌ في ذلك، لم يضره شيطانٌ أبداً)
ومعنى قوله:( لم يضره شيطان أبداً ) أي: لم يضر الولد المذكور، بحيث يتمكن من إضراره في دينه أو بدنه، وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها. فتح الباري .
( 4) يُكره النزع قبل فراغها : أي قبل أن تُنزل لأنه يحرمها من كمال الإستمتاع ، فيجب عليه أن لا يقوم عنها حتى تقضي منه وطرها ، كما قضى
وطره ، وأن لا يعجلها في ذلك. وربما يحصل لها ضرراً إذا كان الماء متهيأ للخروج ثم ينزع الرجل قبل إنزالها ، و النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
كما في الحديث الآتي :
(
(1/135)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
أما حديث ( ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ) فهو ضعيف .
{ تنبيه } : شرع الله سبحانه وتعالي للرجال الزواج أكثر من زوجة ، أما الزوجة فليس لها إلا زوجها ، لذا يجب عليه أن يشبع رغبتها الجنسية متى احتاجت ذلك ، حتى يقوم بواجبه في إعفافها وكمال استمتاعها به .
(4 ) استحباب التستر عند الجماع :
( حديث معاوية بن حيده رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [ الله أحق أن يستحيا منه من الناس ]
(5) جواز التجرد من الثياب عند الجماع : وحكم نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسة .
( لحديث عائشة- رضي الله عنها- الثابت في الصحيحين ) أنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة" .
[*] قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري )) (1/ 290):
[*] استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق: سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ، فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة ". قلت: ويدل عليه أيضاً حديث معاوية بن حيدة الآتي :
( حديث معاوية بن حيده رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
(1/136)
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك]
{ تنبيه } :وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم في أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله، فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين) . فمنكر، ولا يصح في المنع حديث.
( 6) يُسْتَحَبُ أن يتعاهد الجماع في بعض الأيام وليس كل يوم :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : زُر غِباً تزدد حُباً )
( 7) يكره كثرة الكلام عند الجماع ، لأن لكل مقامٍ مقال :
أما حديث ( لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإن منه يكون الخرس والفأفأة )فهو ضعيف .
( 8) يحرم الوطء بمرأى أحدٍ أو مسمعه : إلا إذا كان طفلاً لا يدري ولا يتصور ما يُفعل ، ففي حالة وجود أطفال فإن من الأدب الجماع بمنأى عنهم ، والحذر من عبارات الغرام أمامهم ا ولايستثنى من ذلك إلا من كان لا يعي وهو الطفل حتى ثلاث سنوات كحد أقصى . وقد روي أن ابن عمر كان إذا أراد الجماع أخرج الرضيع .
(9) ويحرم على الزوج- وكذلك على الزوجة- نشر ما يكون بينهما من أسرار الاستمتاع إلا لمصلحة شرعية .
فكثير من الناس يظن أن إفشاء ما يدور بينه وبين أهله من أمور الجماع ، أنه جائز ، والبعض يرى أنه من الرجولة ، بل وحتى بعض النساء تتحدث بذلك بين بني جنسها ... ولا شك أن هذا خطأ ومحرم وصاحبه من أشر الناس
( لحديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها .
(1/137)
قال الإمام النووي- رحمه الله- في " شرح صحيح مسلم " (3/610): ((في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه ". فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجه فمكروه لأنه خلاف المروءة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) . وإن كان إليه حاجه أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إني لأفعله أنا وهذه ) . وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : ( أعرستم الليلة ؟) . وقال لجابر: (الكيس الكيس ) والله أعلم .اهـ
ولهذا لا يجوز نشر مثل هذه الأسرار إلا لمصلحة شرعية .
فهؤلاء هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يذكرن هديه صلى الله عليه وسلم في معاشرته ، وتقبيله ومباشرته لهن ، وذلك كله لرجحان المصلحة من ذكره.
بل أبلغ من ذلك:
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه .
فدل ذلك على جواز ذكر ما يدور بين الرجل والمرأة من أسرار الجماع للمصلحة الشرعية الراجحة من ذكرها.
وهذا ما فهمه الإمام النسائي، فذكر هذا الحديث في ((عشرة النساء )) من ((السنن الكبرى )) ، وبوب له: (الرخصة في أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين زوجته) .
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها .
( 10) ويجوز له أن يجمع بين وطء نسائه في غسل واحد :
ويجوز للرجل أن يطوف على نسائه- يجامعهن- بغسل واحد:
(
(1/138)
لحديث أنس- رضي الله عنه- الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان
يطوف على نسائه بغسل واحد .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة، من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، وفي رواية تسع نسوة ، قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقُه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
(وحديث عائشة- رضي الله عنها-:الثابت في صحيح البخاري ) قالت :
كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً .
وقد أورد النسائي- رحمه الله- هذا الحديث في سننه (( المجتبى ))،في باب: (الطواف على النساء في غسل واحد).
[*] قال الإمام السندي- رحمه الله- في حاشيته على (( سنن النسائي )):
((قوله: (ينضح) أي يفوح،... وأخذ منه المصنف وحدة الاغتسال ، إذ العادة أنه لو تكرر الاغتسال عدد تكرر الجماع لما بقى من أثر الطيب شيء، فضلاً عن الانتفاح )).
{ تنبيه } : وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال- في الغسل عند كل
مرة يجامع ((هذا أزكى وأطهر)). فلا حجة فيه لضعفه، ولمخالفته الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في طوافه على نسائه بغسل واحد كما ورد من حديث أبى سعيد- رضي الله عنه- المتقدم،
( 11) إذا أراد أن يعاود الجماع يُستحب له أن يتوضأ :
( حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ .
(12) وجوب الغسل بالتقاء الختانين :
يجب على الزوجين الغسل بالتقاء الختانين ، وإن كسلا فلم ينزلا .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل .
{ جهدها } أي بلغ منه الجهد حال المعالجة والإدخال .
(
(1/139)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل .
{ تنبيه } :لا يحصل التقاء ختان الرجل بختان المرأة إلا بتغيب حشفة الرجل في فرج المرأة ، لأن ختان الرجل فوق الحشفة ، وعلى هذا فيُحمل مس الختان على أنه مس وتغييب للحشفة بدلالة الحديث الآتي :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل .
(13) من أراد النوم يستحب له أن يتوضأ قبل نومه استحباباً مؤكداً لحديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) رواه ابن حبان
(14) اغتسال الزوجين معاً :
ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ولو رأى منه ورأت منه
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت: ((كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه.)
( حديث معاوية بن حيده الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
(15) توضؤ الجنب قبل النوم:
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام .
{ تنبيه } :حكم هذا الوضوء: ليس ذلك على الوجوب ، وإنما للاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال:
((نعم، ويتوضأ إن شاء ))ابن حبان في صحيحه
( 16 ) إتيان المرأة في الموضع الذي الطبيعي وهو الفرج :
(1/140)
ويجوز له أن يأتيها من أي جهة إذا كان في الفرج ، قال تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة:223)
(حديث جابر بن عبد الله الثابت في الصحيحين ) * أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول قال فأنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )
( 17 ) العزل عن الزوجة الحرة يكون برضاها :
واختار هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله ،
(حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال : كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا
مسألة : ما هو العزل ؟
العزل هو أن يخرج عضو الذكورة قرب الإنزال فينزل المني بالخارج .
(18) الأولى ترك العزل لأمور هي :
الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي، وهو:
الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، ( لحديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل، فقال: ((ذلك الوأد الخفي )).
( حديث جدامة بنت وهب أخت عكاشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم )
قالت : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي .
ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري الآتي لأنه من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة:
(
(1/141)
حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، فاشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة .
[*] وهنا سؤالٌ يطرحُ نفسه ؟
هل طلب الولد حق للزوج أو للزوجة ؟.
أولا:ً وقبل كل شيء الشريعة رغبت في تكثير النسل، كما في الحديث الآتي :
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
فزيادة النسل أمر مطلوب في الشرع .
ثانيا: طلب الأولاد حق للزوج كما هو حق للزوجة، ولا يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته، أو يلزمها باستخدام موانع حمل وهي ترغب في حصول الولد، وكذلك الزوجة لا يجوز لها أن تستخدم موانع الحمل إذا كان الزوج يرغب في الولد.
[*] قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : في أحد أجوبته لشخص سأل العزل عن أهله- فقال: لا يجوز لك أن تستخدم العزل، ولا أن تجبرها على أخذ الحبوب إذا كانت تريد الأولاد، لأن لها حقاً فيهم، ولذا قال العلماء: يحرم عزل الرجل عن زوجته إلا برضاها. كذلك يجب أن تحترم شعورها لأنك لو كنت تريد الإنجاب وهي لا تريد، فإنك لا تقبل أن تمنعك عن رغبتك، فعليك أن تحترم رغبتها أيضاً، فإذا أرادت الإنجاب فلا يجوز منعها من ذلك، ولا يجوز إكراهها على تعاطي حبوب منع الحمل أو غيرها (1) .
{ تنبيه } :استخدام موانع الحمل من أجل تحديد النسل خوفاً من الفقر؛ حرام ولا يجوز فعله، فإن الله تكفل بأرزاق العباد، قال تعالى - يذم أهل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر- : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم } .
__________
(1) . كتاب الدعوة (1/1118) والعزل: هو إن ينزل الرجل ماءه خارج فرج المرأة .
(1/142)
أما إن كان استخدام موانع الحمل لعارض صحي، أو لا تتحمل الزوجة الحمل كل سنة، فإنه يرخص لها في تعاطي موانع الحمل ، وهو من باب العلاج والوقاية لا من باب تحديد النسل .
(19) وجوب اتخاذ الحمّام في الدار:
ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق، فإن ذلك حرام،
(حديث جابر رضي الله عنهما الثابت في صحيحي الترمذي والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤممن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ))
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى )).
[*] ثالثا : أفضل أوضاع الجماع
[*] أفضل أوضاع الجماع أن يعلو الرجل المرأة :
[*] يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد:
( وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشا لها بعد الملاعبة والقبلة، وبهذا سميت المرأة فِراشا، كمال قال صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش"، وهذا تمام قوامة الرجل على المرأة ، كما قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء)، وكما قيل:
إذا رمتها كانت فراشا يقلني وعند فراغي خادم يتملق
وقد قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) وأكمل اللباس وأسبغه على هذا الحال، فإن فراش الرجل لباس له، وكذلك لحاف المرأة لباس لها، فهذا الشكل الفاضل مأخوذ من الآية ، وبه يحسن استعارة اللباس من كل من الزوجين للآخر، وفيه وجه آخر وهو أن تنعطف عليه أحيانا فتكون عليه كاللباس. قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ثنى حيدها تثنت كانت عليه لباسا
(1/143)
وأردأ الأشكال أن تعلوه المرأة ويجامعها على ظهره، وهو خلاف الشكل الطبيعي، الذي طبع الله عليه الرجل والمراة، بل نوع الذكر والأنثى، وفيه من المفاسد أن المني يتعسر خروجه كله، فربما بقي في العضو منه فيتعفن ويفسد فيضر. وأيضا فإن الرحم لا يتمكن من الاشتمال على الماء واجتماعه فيه، وانضمامه عليه لتخليق الولد، وأيضا فإن المرأة مفعول بها طبعا وشرعا، وإذا كانت فاعلة خالفت مقتضى الشرع والطبع.
[*] رابعاً : ما يباح في الجماع وما يحرم
مسألة : ما هي الأمور التي تُباح في الجماع ؟
(1) ويباح للرجل في جماع زوجته جسد امرأته كله- إلا الدبر- مقبلة أو مدبرة، لقوله تعالى: ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [البقرة: 223].
(حديث جابر بن عبد الله الثابت في الصحيحين ) * أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول قال فأنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )
تحريم الدبر :
وأما تحريم الدبر فالنصوص دالة عليه.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً أو أتى امرأة في دبرها فقد برئ مما أُنزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - .
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه-: أن رجلاً قال له: آتي امرأتي أنى شئت، وحيث شئت، وكيف شئت؟ قال: نعم، فنظر له رجل فقال له : إنه يريد الدبر!
قال عبد الله: محاش النساء عليكم حرام .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ملعون من أتى امرأته في دبرها .
[
(1/144)
*] قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله : وطء المرأة في الدبر من كبائر الذنوب ومن أقبح المعاصي لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ملعون من أتى امرأته في دبرها) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها) والواجب على من فعل ذلك البدار بالتوبة النصوح والإقلاع عن الذنب وتركه تعظيماً لله، وحذراً من عقابه والندم على ما قد وقع فيه من ذلك، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إلى ذلك مع الاجتهاد في الأعمال الصالحة... وقال: وليس على من وطئ في الدبر كفارة في أصح قولي العلماء، ولا تحرم عليه زوجته بذلك، بل هي باقية في عصمته، وليس لها أن تطيعه في هذا المنكر العظيم، بل يجب عليها الامتناع من ذلك والمطالبة بفسخ نكاحها منه إن لم يتب، نسأل الله العافية من ذلك (1) .
وأما الاستمتاع بالإليتين ، وجعل الذكر بينهما ، فلا شيء فيه ، وهو مباح كما ما لم يولج في الدُبُر.
(2) جواز التجرد من الثياب عند الجماع وحكم نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسة
وأما تجرد الزوجين عند الجماع فجائز،
( حديث عائشة- رضي الله عنها- الثابت في الصحيحين ) أنها قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة" .
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري )) (1/ 290):
" استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق: سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ، فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة ". قلت: ويدل عليه أيضاً حديث معاوية بن حيدة الآتي :
(
__________
(1) . فتاوى إسلامية (1/114)
(1/145)
حديث معاوية بن حيده رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
{ تنبيه } :وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم في أنه قال:(إذا أتى أحدكم أهله، فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين)) . فمنكر، ولا يصح في المنع حديث.
الوضوء لمن جامع وأراد المعاودة
ويستحب الوضوء لمن جامع امرأته، وأراد أن يعاودها قبل أن يغتسل: فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود، فليتوضأ))
(3) طواف الرجل على نسائه بغسل واحد :
ويجوز للرجل أن يطوف على نسائه- يجامعهن- بغسل واحد:
(لحديث أنس- رضى الله عنه- الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان
يطوف على نسائه بغسل واحد .
{ تنبيه } : وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال- في الغسل عند كل
مرة يجامع ((هذا أزكى وأطهر)). فلا حجة فيه لضعفه، ولمخالفته الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في طوافه على نسائه بغسل واحد كما في الحديث الآتي :
( وحديث عائشة- رضى الله عنها-:الثابت في صحيح البخاري ) قالت :
كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً .
وقد أورد النسائي- رحمه الله- هذا الحديث في سننه (( المجتبى ))،في باب: (الطواف على النساء في غسل واحد).
قال الإمام السندي- رحمه الله- في حاشيته على (( سنن النسائي )):
((قوله: (ينضح) أي يفوح،... وأخذ منه المصنف وحدة الاغتسال ، إذ العادة أنه لو تكرر الاغتسال عدد تكرر الجماع لما بقى من أثر الطيب شيء، فضلاً عن الانتفاح )).
(4) وجوب الغسل بالتقاء الختانين :
(1/146)
يجب على الزوجين الغسل بالتقاء الختانين ، وإن كسلا فلم ينزلا .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل .
{ جهدها } أي بلغ منه الجهد حال المعالجة والإدخال .
( حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل .
{ تنبيه } :لا يحصل التقاء ختان الرجل بختان المرأة إلا بتغيب حشفة الرجل في
فرج المرأة ، لأن ختان الرجل فوق الحشفة ، وعلى هذا فيُحمل مس الختان على أنه مس وتغييب للحشفة بدلالة الحديث الآتي :
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل .
(5) تحريم إتيان المرأة وهي حائض :
مسألة : ما هو حكم من أتى حائضاً ؟
المسألة على التفصيل :
إن اعتقد حلَ الجماع للحائض في فرجها كان كافراً لاستحلاله شيئاً حرمه الله تعالى .
وإن فعله غير معتقداً حِله : فإن كان ناسياً أو جاهلاً فلا إثم عليه ،
( لحديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
وإن تعمد ذلك فإنه يحرم جماع الحائض لقوله تعالى: { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } [البقرة: 222].
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً أو أتى امرأة في دبرها فقد برئ مما أُنزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - .
(حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اصنعوا كل شئٍ إلا النكاح . [ أي إلا الوطء]
مسألة : ما هي كفارة من أتى حائضاً ؟
(1/147)
من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها، فعليه أن يتصدق يتصدق بدينار أو بنصف دينار ،
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، يتصدق بدينار أو بنصف دينار .
{ تنبيه } :التخير في حديث ابن عباس راجع إلى التفريق بين أول الدم وآخره لما
ثبت الثابت في صحيح أبي داوود موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن أصابها في فور الدم تصدق بدينار ، وإن كان في آخره فنصف دينار ، والدِّينار: العُملة من الذَّهب، وزِنَةُ الديِّنار الإسلاميِّ مثقالٌ من الذهب، والمثقالُ غرامان وربع، والجنيه السعودي: مثقالان إلا قليلاً، فنصف جنيه سعودي يكفي، فيُسأل عن قيمته في السُّوق.
فمثلاً: إذا كان الجنيه السعودي يساوي مائة ريال، فالواجب خمسون أو خمسة وعشرون ريالاً تقريباً، ويُدفع إلى الفقراء.
مسألة : المرأةُ إذا وُطئت في فرجها وهي حائض هل عليها كفارة ؟
إن كان باختيارها كان عليها كفارة لأن شروط الكفارة( أن يكون الإنسان عالماً ، ذاكراً ، مختاراً )
وإن كانت مكرهة فليس عليها كفارة .
( لحديث أبي ذر الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
مسألة : ما الذي يحلُ للرجل من زوجته وهي حائض ؟
ويجوز للرجل من زوجته وهي حائض كل جسدها إلا الفرج والدبر، فأما الفرج فلورود الأمر من الكتاب والسنة باعتزاله في الحيض ، وأما الدبر فلما ذكرناه آنفاً من الأدلة.
ويحل للرجل أن يستمتع بجسد امرأته- إلا ما ذكرنا- كيفما شاء
(لحديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اصنعوا كل شئٍ إلا النكاح . [ أي إلا الوطء]
(
(1/148)
ولحديث عائشة- رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها، أمرها أن تتزر في فور حيضتها ، ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه.
فيجوز للرجل أن يتلذذ بجسد امرأته كله إلا الفرج في وقت حيضتها .
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه .
مسألة : إذا استمتع الزوج بزوجته فيما بين الفخذين هل يجب على أحدهما الغسل؟
لا يجب على أحدهما غسلُ إلا إذا حدث إنزال .
مسألة : متى يجوز إتيانها إذا طهرت :
فإذا طهرت من حيضها، وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت، جاز له إتيانها، لقوله تعالى : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحبّ المتطهرين } .
مسألة : إذا انقطع الدم ولم تغتسل المرأة ماذا يحل لها ؟
لا يحلُ إلا الصيام والطلاق ،
دليل الصيام :
أنها إذا انقطع الدم ولم تغتسل تكون كالجنب ، والجنب يصح منه الصوم .
( حديث عائشة متفق عليه ) قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم .
الدليل على جواز الطلاق إذا انقطع الدم .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما متفق عليه ) أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء .
(1/149)
مسألة : هل يجوز جماع المرأة إذا انقطع الدم قبل أن تغتسل ؟
لا يجوز ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ) [ البقرة / 222]
والتطهر لا يكون إلا من حدث ، وهذا حدثٌ أكبر لا يحصل التطهر منه إلا بغسل
لقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ ) [ المائدة /6]
(فدل على أن الطهارة من الحدث الأكبر لا تكون إلا بالغسل )
(6) يجوز جماع المستحاضة
( لحديث فاطمة بنت أبي جيش الثابت في الصحيحين ) قالت : يا رسول الله إني امرأة ُاُستحاضُ فلا أطهر أفأدعُ الصلاة قال إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهبت قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي .
قال الإمام الشافعي- رحمه الله- في ((الأم)) (1/ 50):
" لما أمر الله تعالى باعتزال الحيض، وأباحهن بعد الطهر والتطهير، ودلت السنة على أن المستحاضة تصلي ، دل ذلك على أن لزوج المستحاضة إصابتها- إن شاء الله تعالى- لأن الله أمر باعتزالهن وهن غير طواهر، وأباح أن يؤتين طواهر)).
(7) تحريم نشر أسرار الاستمتاع بين الزوجين إلا لمصلحة شرعية
ويحرم على الزوج- وكذلك على الزوجة- نشر ما يكون بينهما من أسرار الاستمتاع.
( لحديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها .
قال الإمام النووي- رحمه الله- في " شرح صحيح مسلم " (3/610): ((في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه ".
ولكن يجوز نشر مثل هذه الأسرار لمصلحة شرعية .
فهؤلاء هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يذكرن هديه صلى الله عليه وسلم في معاشرته ، وتقبيله ومباشرته لهن ، وذلك كله لرجحان المصلحة من ذكره.
بل أبلغ من ذلك:
(
(1/150)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه .
فدل ذلك على جواز ذكر ما يدور بين الرجل والمرأة من أسرار الجماع للمصلحة الشرعية الراجحة من ذكرها.
وهذا ما فهمه الإمام النسائي، فذكر هذا الحديث في ((عشرة النساء )) من ((السنن الكبرى )) ، وبوب له: (الرخصة في أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين زوجته) .
[*] خامساً :فوائد المعاشرة الجنسية
يقضي الزوجان يومياً أكثر من ست ساعات في غرفة النوم لذا كان لابد من تخصيص زاوية للحديث عنها . حيث لازال كثير من الأزواج والزوجات ينظرون إلى المعاشرة الزوجية على أنها أمر ثانوي لا يتعدى التخلص من هذه الهرمونات التي زادت نسبتها في الدم وقد يحسبون أن فائدتها الوحيدة هي هذه الراحة النفسية التي تعقب انتهاءها ونتيجة لتلك النظرة الخاطئة وهذا الحسبان غير الصحيح يهمل الزوجان المعاشرة ولا يمنحانها الاهتمام اللازم لها بينما الدراسات العلمية والطبية والنفسية والجسدية تؤكد أن الآثار الايجابية الناتجة عن المعاشرة الزوجية كثيرة وعظيمة وهذا بعض تلك الآثار :-
(1) سبب للمصالحة : ما أكثر ما يختلف الزوجان وما أكثر ما يسبب هذا الاختلاف من قطيعة بينهما فلا يحادث أحدهما الآخر ويأتي الدافع الجنسي ليذيب تلك الحواجز التي ظلت ترتفع بين الزوجين منذ أن بدأت القطيعة فتراهما يتصالحان لتلبية هذا الدافع ومما يعبر عن هذا حير تعبير ما قالته امرأة لزوجها الذي طعن في السن ما عدت تصالحني كما كنت تفعل فرد عليها مات الذي كنت أصالحك من أجله .
(
(1/151)
2) صحة بدنية للزوجين : أوردت المجلة الطبية البريطانية دراسة تؤكد أن الأزواج الذين يكثرون من معاشرة زوجاتهم هم أطول عمراً من الرجال العزاب أو الأزواج الأقل معاشرة لزوجاتهم ( الأعمار بيد الله ولا شك في ذلك ، وإن الله تعالى إذا قدَّر شيئاً هيئ له الأسباب ) . ووجد الباحثون الذين درسوا الحالات الصحية والأنشطة الجنسية ل 918 زوجاً تتراوح أعمارهم بين 45-59 عاماً أن الأزواج الذين يعاشرون زوجاتهم مرتين في الأسبوع على الأقل تنخفض لديهم حالات الوفاة المبكرة بنسبة 50% بالمقارنة مع الرجال الذين يعاشرون زوجاتهم مرة في الشهر.
(3) وسيلة صحية لنوم هانىء : يلجأ كثير من الذين يعانون من الأرق الى الحبوب المنومة التي زادت أنواعها وتضاعف استهلاكها وأقل أضرارها الإدمان عليها بينما المعاشرة الزوجية وسيلة صحية لا أعراض جانبية لها ومجانية للوصول إلى نوم هانىء سعيد مريح . فقد أكد الأطباء أن المعاشرة تفرز هرمون السيروتونين ( serotonin) في الدم وهذا يؤدي إلى الاسترخاء والنوم .
(4) أجمل وأمتع هواية : الهوايات في حياتنا الدنيا كثيرة ومتعددة لكنها جميعها أو أكثرها تحتاج نفقات مالية إضافية وأوقاتنا طويلة لممارستها وكثيراً ما تكون فردية أي أنها تخص الزوج وحده أو تخص الزوجة وحدها ومن ثم فأنها تنعكس سلبا على حياتهما الزوجية من مثل هواية المطالعة لدى الزوج أو هواية الخياطة والتريكو لدى النساء وتأتي المعاشرة لتكون أجمل هواية بين الزوجين فهي لا تكلفهما مالاً ولا تحتاج وقتاً طويلاً ويشتركان فيها معاً .
(5) تكسب البشرة نعومة والوجه تألقا : المعاشرة الزوجية تطلق في الجسم هرمونات منعشة تسمى الأمينات ( amines) وهذه الهرمونات تكسب الوجه مزيداً من الإشراق والتألق وتجعل البشرة أنضر و أنعم وتشيع في القلب السعادة والانشراح .
(
(1/152)
6) تقوية عضلات المرأة الداخلية : تساعد المعاشرة على تقوية العضلات السفلية للحوض عند المرأة وهذه العضلات تضعف عادة بعد الولادة مباشرة ومن شأن المعاشرة تنشيط هذه العضلات وإعادتها إلى حالتها السابقة الطبيعية .
(7) مسكن فعال لبعض الأمراض : ثبت علميا أن المعاشرة الزوجية تساعد على إفراز الأندورقينات المهدئة للأعصاب وهذا يعنى أنها أي المعاشرة الزوجية تخفف كثيراً من الأوجاع والآلام مثل التهاب المفاصل والصداع النصفي .
(8) تحول دون جمود الصلة بين الزوجين : يكون التواصل بين الزوجين في القمة في أشهر الزواج الأولى ثم يبدأ التواصل بالانحدار ولولا المعاشرة الزوجية التي تجدد هذا التواصل لوصلت العلاقة بين الزوجين الى الحضيض .
[*] سادساً : وجوب الوليمة
مسألة : ما الدليل على وجوب الوليمة ؟
ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن عوف في الحديث الآتي :
(حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال :لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟. قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجت). قال: نعم، قال: (ومن). قال: امرأة من الأنصار، قال: (كم سقت). قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة).
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - (أولم ولو بشاة) والأصل في الأمر الوجوب
مسألة : ما هي السنة في الوليمة ؟
[*] السنة في الوليمة:
من السنة أن يُراعى فيها الأمور الآتية :
(
(1/153)
الأول) أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول : لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم
( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال : ((بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم بامرأة، فأرسلني فدعوت رجالاً على الطعام ))
(الثاني) أن يدعو الصالحين إليها، فقراء كانوا أو أغنياء:
للحديث الآتي :
( حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي .
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - [ ولا يأكل طعامك إلا تقي ] لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة بل هي أوثق عرى المداخلة ومخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه ، والحاصل أن مقصود الحديث كما أشار إليه الطيبي النهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتقي ، فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعاً ولا تخالل إلا تقياً .
(الثالث) أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة:
(
(1/154)
حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال :لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟. قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجت). قال: نعم، قال: (ومن). قال: امرأة من الأنصار، قال: (كم سقت). قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة).
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه كما أولم على زينب، أولم بشاة.
(الرابع) جواز الوليمة بغير لحم :
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولم لم يكن فيه لحم :
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفيه، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بالأنطاع فبُسِطَت، فألقى عليها التمر والأقط والسمن .
(الخامس) مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها؛ لحديث أنس الثابت في الصحيحين في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية:
(
(1/155)
حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : حتى إذا كان بالطريق، جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا، فقال: (من كان عنده شيء فليجيء به). وبسط نطعا، فجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، قال: وأحسبه قد ذكر السويق، قال: فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(السادس) تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(السابع) وجوب إجابة الدعوة:
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها .
(حديث أبي موسى الأشعري الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس).
(الثامن) إجابة الدعوة ولو كان صائماً:
( حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل و إن كان صائما فليدع بالبركة .
(التاسع) ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:
فلا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها، فإن أُزيلت؛ وإلا وجب الرجوع
(حديث علي رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه ) قال:((صنعت طعاماً فدعوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع .
(
(1/156)
حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال هذه النمرقة). قالت: فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال أن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة).
(العاشر) ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران:
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ
( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة .
( حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) قال * نزل رسول الله على أبي قال فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال أبي وأخذ بلجام دابته ادع الله لنا فقال اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم
الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة،
(حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) قال: هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيباً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: أبكراً أم ثيباً، قلت: بل ثيباً، قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له: إن عبد الله هلك وترك [تسع أو سبع] بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال:
((
(1/157)
بارك الله لك ))، أو قال لي خيراً.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت : تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي كان إذا رَفّأ الإنسان إذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير. ،
{ تنبيه } : وبعض الناس يقول ما يقوله أهل الجاهلية: "بالرفاء والبنين"، نسأل الله ألا يعمي قلوبنا، يأتي لفظ عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ خير وبركة ونعدل عنه، ربما لا يكون هذا رفاء، فربما يحصل من الخروق أكثر من الرفاء بين الزوج والزوجة ، وقد تكون البنت خيراً من الابن بكثير.
(الحادي عشر) قيام العروس على خدمة الرجال:
ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة وأمنت الفتنة، لحديث سهل بن سعد الآتي:
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس، قال سهل: تدرون ماسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل، فلما أكل سقته إياه .
(الثاني عشر) الغناء والضرب بالدف:
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور،
( حديث الرُبَيَِّع بنت معوذ رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين)
(
(1/158)
حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة! ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو؟ ))
(الثالث عشر) الامتناع عن مخالفة الشرع:
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة، حتى ظن كثير منهم- بسبب سكوت العلماء- أن لا بأس فيها، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها:
1- تعليق الصور:
الأول: تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز
(حديث عائشة رضي الله عنها عنه الثابت في الصحيحين ) قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله). قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان على الباب تماثيل و كان في البيت قرام ستر فيه تماثيل و كان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت فليقطع فيصير كهيئة الشجرة و مر بالستر فليقطع فيجعل وسادتين منبذتين توطئان و مر بالكلب فليخرج .
2- ستر الجدران بالسجاد:
الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه، ولو من غير الحرير، لأنه سرف وزينة غير مشروعة
( حديث عائشة رضي الله عنها رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم )
(1/159)
قالت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزاته فأخذت نمطا فسترته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين قالت فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي .
ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها، قال سالم بن عبد الله:
((أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، وكان أبو أيوب فيمن آذنّا، وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فدخل، فرآني قائماً، واطلع فرأى البيت مستتراً بنجاد أخضر، فقال: يا عبد الله! أتسترون الجدر؟! قال: أبي: - واستحى- غلبنا النساء أبا أيوب! فقال: من أخشى أن تغلبنه النساء فلم أخشى أن تغلبنك! ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً، ولا أدخل لكم بيتاً. ثم خرج رحمه الله )) الطبراني وابن عساكر .
3- نتف الحواجب وغيرها!
الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال، يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن!
وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لعن الله الواشمات و المستوشمات و النامصات و المتنمصات و المتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .
( لعن اللّه الواشمات ) جمع واشمة وهي التي تشم غيرها ( والمستوشمات ) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم
( والنامصات ) جمع متنمصة المتنمصات بتاء ثم نون قال في التنقيح : وروى بتقدم النون على التاء ومنه قيل للمنقاش منماص لأنه ينتف وهي التي تطلب إزالة شعر الوجه والحواجب بالمنقاش
( والمتفلجات ) بالجيم ( للحسن ) أي لأجله جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة وذلك بترقيق الأسنان
(
(1/160)
المغيرات خلق اللّه ) هي صفة لازمة لمن تصنع الثلاثة فلا يجوز للمرأة تغير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص التماساً للتحسن للزوج ولا غيره.
4- تدميم الأظفار وإطالتها:
الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ( مينيكور )، وإطالتهن لبعضها- وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً- فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفاً، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم : ((... ومن تشبه بقوم فهو منهم ))؛ فإنه أيضاً مخالف للفطرة { فطرة الله التي فطر الناس عليها } ،
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تشبه بقومٍ فهو منهم .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل فعله التحريم .
( لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خمس من الفطرة : الختان والاستحداد و قص الشارب و تقليم الأظفار و نتف الإبط .
( حديث أنس الثابت في صحيح مسلم ) قال : وُقِّتَ لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة )
[*] سابعاً : وصايا إلى الزوجين
هاك وصايا ذهبية صادرة عن إخلاصٍ وحُسنِ ذهبية أقدمها للزوجين الكريمين
لعلها تجد لهما في سمعهما مسمعا وفي قلبهما موقِعاً عسى الله أن ينفعهما بها ويُوَفِقْهما إلى تنفيذها :
أولاً: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس، أو مذهباً فقد قال عز وجل: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهُم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } [الأحزاب: 36].
(1/161)
ثانياً: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة- مثلاً- أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة ؛ فيظلمها، ويضربها بدون حق، فقد قال الله عز وجل:
{ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم } [البقرة: 228]، وقال:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيراً } [النساء: 34].
(حديث معاوية ابن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال قلت * يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت .
( حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا .
فإذا هما عرفا ذلك وعملاً به، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة، وعاشا- ما عاشا معاً- في هناء وسعادة، فقد قال عز وجل: { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم أحسن ما كانوا يعملون } [النحل: 97].
(1/162)
ثالثاً: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فَضَّل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين: { الرجال قوامون على النساء } ، { وللرجال عليهن درجة } ، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة، وما عليها؛ إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل
فيها تذكيراً لنساء زماننا، فقد قال تعالى: { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } .
وسوف نبين ذلك بالتفصيل إن شاء الله تعالى في حقوق الزوج .
{ ثامناً : الحقوق الزوجية }
جعل الله تعالى لكلٍ من الزوجين حقوقاً وواجبات تجاه الآخر حتى تديم المودة والرحمة بينهما ، وجمع هذه الحقوق في قوله تعالى: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) [سورة: البقرة - الآية: 228]
وجاءت السنة الثابتة الصحيحة بتفصيل حقوق الزوجين
(حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
وهاك شيئاً من التفصيل في حقوق الزوجين مبتدأَ بحقوق المرأة ثم حقوق الزوج ثم الحقوق المشتركة بين الزوجين .
{
(1/163)
أولاً : حقوق الزوجة }
[*] لقد حفظ الإسلام للمرأة حقها بعد إذ كانت تباع وتشترى وتورث في المجتمعات الجاهلية، وقد وردت في الشريعة الغراء عدة نصوص تبين هذه الحقوق ، وتثبتها للمرأة ، ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى وعلمه أن يجعل القوامة للرجال على النساء، وذلك بما فضلهم به عليهن من النفقة وغيرها قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنففوا من أموالهم } [النساء:34].. ولكن لم يجعل سبحانه وتعالى مثل هذه القوامة سبباً للاستهانة بحقوق النساء ، أو لعضلهن إياها ، كما كان الحال في المجتمعات الجاهلية ، إن النساء أمانات في أيديكم، وإن الله قد استرعاكم هذه الأمانات فصونوها، وأحسنوا رعايتها يحسن الله إليكم ، وإنكم مسئولون عنها يوم القيامة، هل أديتم حقوقها أم فرطتم وضيّعتم؟!
و بين النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة شرعية هي أن خير الناس من كان خيراً لأهله ، فكلما كان الإنسان أقرب إلى هذا القول كان أكثر امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر تأسياً به - صلى الله عليه وسلم - .
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي.
وحرص سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حفظ هذه حقوق النساء وتأديتها إليهن على الوجه الشرعي المسنون ، وهاك حقوق الزوجة جملةً وتفصيلا :
[*] حقوق الزوجة جملةً :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق .
(2) المهر
(3) القوامة عليها وتأديبها إذا خاف نشوزها
(4) النفقة والسُكْنَى
(5) حق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر
(6) التأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح:
(7) عدم الهجر في غير البيت
(8) مداراتها وملاطفتها
(9) أن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها :
(
(1/164)
10) النهي عن التماس عثرات النساء
(11) أن يعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة
(12) أن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها
(13) الغَيْرة عليها
(14) أن يعلمها الخير ويأمرها به ولاسيما الضروري من أمور دينها
(15) ألا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها :
(16) أن يعدل بينها وبين ضرتها
(17) أن يتعاهدها بالهدايا التي تجلب المحبة :
(18) ألا يمنعها من زيارة أهلها
(19) المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها :
(20) حق الخلع :
[*][*][*][*]
{ وهاك حقوق الزوجة بشيءٍ من التفصيل } :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق :
قال الله تعالى مبيِّناً هذا الحقّ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19).
[*] قال ابن كثير ( رحمه الله تعالى :
وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة:228]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي .
وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك كما في الحديث الآتي :
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أنها:كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك .
(
(1/165)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كل شيء ليس من ذكر الله لهو و لعب إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته و تأديب الرجل فرسه و مشي الرجل بين الغرضين و تعليم الرجل السباحة .
ومن المعاشرة بالمعروف أن يتصنع لها كما تتصنع له:
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: " إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي ". الجامع لأحكام القرآن
[*] وقال ابن سعدي رحمه الله:
"وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال".
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله)).
[*] قال النووي رحمه الله :
"فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف. وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن، وبيان حقوقهن، والتحذير من التقصير في ذلك.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضي منها آخر .
[*] قال الشوكاني رحمه الله :
"فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها، وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغي ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة".
{ تنبيه } وليعلم أن الناس في العشرة طرفان مذمومان ، فمنهم من لا تعرف الرحمة والعطف إلى قلبه سبيلاً ، ومنهم من يفرط في التساهل والتسامح حتى ينفلت زمام الأمور من يده، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
[
(1/166)
*] وجعل العلماء المحاور التي تكون بها العشرة بالمعروف في الأقوال بين الزوجين في أربع أحوال:
الأول: في النداء، إذا نادى الزوج الزوجة، وإذا نادت الزوجة زوجها.
الثاني: في الطلب عند الحاجة، تطلب منه أو يطلب منها.
والثالث: عند المحاورة، والكلام، والحديث، والمباسطة.
والرابع: عند الخلاف والنقاش.
الحالة الأولى : عند النداء. إذا نادت المرأة بعلها فإنه ينبغي لكل من الزوجين أن يحسن النداء، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيقول: (يا عائش!)
قال العلماء: إن هذا اللفظ يدل على الإكرام والملاطفة، وحسن التبعُّل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهله،
فالغلظة والوحشية في النداء بأسلوب القسر والقهر من الرجل أو بأسلوب السخرية والتهكم من المرأة تفسد المحبة، وتقطع أواصر الألفة بين الزوج والزوجة...
ومن الأخطاء كذلك أن الزوجة تختار لزوجها كلمة تنتقصه أو تحقِّره بها، وكان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تناديه وألا يناديها بالاسم المجرد، فمن أكرم ما يكون في النداء النداء بالكنية، فهذا من أفضل ما يكون.
وقال العلماء: إنه ما من زوج يألف ويعتاد نداء زوجته بالملاطفة إلا قابلته المرأة بمثل ذلك وأحسن، فإن النساء جبلن على الملاطفة، وجبلت على حب الدعة والرحمة والألفة، فإذا قابلها الزوج بذلك قابلته بما هو أحسن وأفضل.
الحالة الثانية: عند الطلب. إذا خاطب الرجل امرأته عند الطلب وأراد منها أمراً، يطلب ذلك منها بأسلوبٍ لا يشعرها بالخدمة والإذلال والامتهان والانتقاص، والمرأة إذا طلبت من بعلها شيئاً لا تجحفه ولا تؤذيه ولا تضره، ولا تختار الكلمات والألفاظ التي تقلقه وتزعجه، فهذا مما يحفظ اللسان، ويعين على العشرة بالمعروف في الكلمات، وانظر إلى الحديث الآتي :
(
(1/167)
حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم ) قالت : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فقال يا عائشة ناوليني الثوب فقلت : إني حائض فقال : إن حيضتك ليست في يدك فناولته .
فانظر إلى رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم، يسأل حاجته من أم المؤمنين، فلما اعتذرت، اعتذرت بالعذر الشرعي، وما قالت: لا أستطيع إبهاماً، أو معللة عدم استطاعتها بشيءٍ مجهول، وإنما قالت: إني حائض، فبماذا تأمرني؟ وماذا تريد؟ وكيف أفعل؟ فقال: (إن حيضتك ليست في يدك)، أي إذا ناولتينيها فإن دخول اليد ليس كدخول الكل.
الحالة الثالثة: حالة الحديث والمباسطة، فلا ينبغي للمرأة ولا ينبغي للرجل أن يُحدِّث كلٌ منهما الآخر في وقتٍ لا يتناسبُ فيه الحديث؛ ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن من الأذية بالقول أن تتخير المرأة ساعات التعب والنصب لمحادثة الزوج، أو يتخير الزوج ساعات التعب والنصب لمحادثة زوجته، فهذا كله مما يحدث السآمة والملل، ويخالف العشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها، وقالوا: إذا باسط الرجل امرأته فليتخير أحسن الألفاظ، وإذا قص لها تخير أحسن القصص وأفضلها، مما يحسن وقعه ويطيب أثره.
الحالة الرابعة: عند الخصومة والنزاع، فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته، وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوبٍ بعيدٍ عن التعنيف والتقريع إذا أراد أن يقرِّرها، وبعد أن تقر وتعترف إن شاء وبخها وإن شاء عفا عنها، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة ويمنع من العشرة بالمعروف؛ لأنها تحس وكأنها مظلومة،
والأفضل والأكمل: أن الرجل إذا عتب على امرأته شيئاً أن يتلطف في بيان خطئها، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم متى تكون أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها راضيةً عنه ومتى تكون ساخطة، فإن كانت راضيةً عنه قالت: (ورب محمد)،
(1/168)
وإن كان في نفسها شيئاً قالت رضي الله عنها: (ورب إبراهيم)، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها ما اختارت الحلف
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك .
[*][*][*][*]
(2) المهر :
وهو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء ، فهو المال الذي يجب في عقد النكاح على الزوج لزوجته، ويسمى " الصداق" لإشعاره بصدق رغبةٍ بَاذِلِه في النكاح، وهو حق خالص للمرأة كما قال تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [ النساء/ الآية4]
والنحلة تعني الهبة؛ لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه، وجعل الصداق للمرأة، فكأنه عطية بغير عوض .
(حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال :لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟. قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجت). قال: نعم، قال: (ومن). قال: امرأة من الأنصار، قال: (كم سقت). قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة).
[*] قال الطبري رحمه الله :
"يعني بذلك تعالى ذكره: وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة وفريضة لازمة".
[
(1/169)
*] قال ابن عبد البر قال : "أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق ديناً أو نقداً".
وهذا المهر حق للمرأة أثبته الشارع لها توثيقاً لعقد الزواج الذي هو أخطر العقود، وتأكيداً على مكانة المرأة، وشرفها، ودليلاً على صدق رغبة الرجل في الارتباط بها حيث بذل لها المال الذي هو عزيز على النفس، ولا يبذل إلا فيما هو عزيز، كما إنه سبب لديمومة النكاح واستمراره.
[*] قال الكاساني رحمه الله: "إن ملك النكاح لم يشرع لعينه، بل لمقاصد لا حصول لها إلا بالدوام على النكاح والقرار عليه، ولا يدوم إلا بوجوب المهر بنفس العقد؛ لما يجري بين الزوجين من من الأسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة والخشونة، فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما، لأنه لا يشق عليه إزالته لما لم يخف لزوم المهر فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح، ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرَّمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها، ولا يكون ذلك إلا بمال له خطر عند الزوج لأن ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعزّ به إمساكه وما يتيسر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في عين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة ولا تحصل مقاصد النكاح، ولأن الملك ثابت في جانبها - أي الزوجة - إما في نفسها وإما في المتعة، وأحكام الملك في الحرة تشعر بالذل والهوان، فلا بد أن يقابله مال له خطر لينجبر الذل من حيث المعنى .
[*] وقال ابن تيمية رحمه الله :
(1/170)
"والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحوا من تسعة عشر دينارا، فهذه سنة رسول الله من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله في الصداق... فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين. وهذا مع القدرة واليسار. فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة".
{ تنبيه } :مما تَجْدُرُ الإشارة إليه في موضوع المهر أنه ينبغي عدم المغالاة في المهور وحفلات الزواج:
بوب الإمام مسلم رحمه الله : باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به .
(حديث سهل بن سعد الثابت في الصحيحين ) قال :أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله ، فقال: (ما لي في النساء من حاجة). فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطيها ثوبا). قال: لا أجد، قال: (أعطها ولو خاتما من حديد). فاعتل له، فقال: (ما معك من القرآن). قال: كذا وكذا، قال: (فقد زَوَجْتُكَهَا بما معك من القرآن).
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النكاح أيسره .
( حديث عقبة ابن عامر رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير الصداق أيسره .
(
(1/171)
حديث عمر رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا لا تغالوا بِصُدُقِ النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية .
( حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أنه قال سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم * كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش قال قلت لا قالت نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه
{ تنبيه } : "إن التوسط والبعد عن الإفراط والخيلاء وحب المظاهر، من أسباب السعادة الزوجية والتوفيق بإذن الله، وهو أمر مطلوب من الأغنياء والوجهاء قبل غيرهم؛ لأنهم هم الذين يصنعون تقاليد المجتمع، والآخرون يتشبهون بهم".
إن بساطة المهر، وحفل الزفاف، خطوة تحتاج إلى عزيمة صادقة، وهمّة عالية، لا تبالي بأقوال سفهاء الناس ودَهْمائهم.
وأكثر الناس في قضية المهر، طرفان: غالٍ، وجافٍ ، وكلاهما مذموم، فبينما نرى رجلاً يُبالغ في التبسيط حتى يصل مهر ابنته إلى ريال واحد، نجد آخر يغلو ويسرف حتى تبلغ نفقات ليلة الزفاف ما يكفي لزيجات كثيرة.
سُئل سعيد بن المسيب رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم : (خير النساء أيسرهن مهورا) فقيل له : كيف تكون حسناء ورخيصة المهر ؟ فقال : يا هذا ، انظر كيف قلت أهم يساومون في بهيمة لا تعقل أم هي بضاعة طمع صاحبها يغلب على مطامع الناس لِلَّهِ ثم قرأ : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها )
[*][*][*][*]
(3) القوامة عليها وتأديبها إذا خاف نشوزها :
(1/172)
قال تعالى: (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [سورة: النساء / 34]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .
[*] وقد بين الجصاص وابن العربي رحمهما الله :
المقصود بقوامة الزوج على زوجته: بأنه قيامه عليها بالتأديب والتدبير، والحفظ والصيانة، وتولي أمرها وإصلاح حالها، آمراً ناهياً لها كما يقوم الولاة على الرعايا.
والقوامة أمر منطقي، إذ لا بد لكل كيان من قيادة تدير شؤونه، والأسرة أعظم كيان إنساني، فلا بد لها من قائد، وقد حسم القرآن هذه القضية بتولية الرجل هذه القيادة بصريح العبارة، وعلل ذلك بأمرين: أمر فطري وأمر كسبي, فالأمر الفطري: هو التهيئة النفسية والجسمانية لتولي القيادة، حيث يفوق الرجل المرأة في البنية الجسمانية والقدرة على التحمل، وتغلب عقلانيته عاطفته، مما يجعله أقدر منها على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية ، والأمر الثاني: تحمله للأعباء المالية من مهر ونفقة وتكاليف أخرى ألزمه الشرع بها، في حين لم يلزمها الشارع بأي نفقة وإن كانت أغنى منه،
وعلى كل حال فالقوامة في الإسلام تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا وجاهة.
{ تنبيه } وهذا حق تنازل عنه كثير من الرجال بمحض اختيارهم، مما سبب كثيراً من المشكلات العاصفة باستقرار عش الزوجية، وقد يظن قوم أن في تنازل الرجل عن قِوامته لزوجته إسعادٌ لها، وهذا ظنٌّ خاطئ ، ذلك لأن المرأة بفطرتها تحب أن تأوي إلى ركن تلجأ إليه، حتى وإن تحدثت بعض النساء أمام صويحباتها بفخر أن زوجها يطيعها، ولا يعصي لها أمراً، مما يوحي بضعف قوامته عليها، فإنها في داخل نفسها تشعر بضعف وخلل في بنية الأسرة.
(1/173)
وعلى العكس منها، تلك المرأة التي تظهر الشكوى من زوجها ذي الشخصية القوية، والقوامة التامة، فإنها وإن باحت بذلك، تشعر براحة توائم فطرتها، وسعادة تناسب ما جُبلت عليه.
ولعلي أوضح هذه القضية بمثالٍ يسفر عن وجه الحق فيها فبالمثال يتضح المقال: إذا انفلت زماما الأمن في بلد ما، فإن للشعب أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يشعر بالاستقرار النفسي، وسيلاحقه خوف مقلق، وجزع مؤرق من جراء ذلك، وقل ضد ذلك إذا ضبطت أركان الدولة، وتولى زمام الأمور رجال أقوياء، مع أنه سيضايق فريقاً من الناس، إلا أنهم سيشعرون باستقرار داخلي، وراحة وأمن وهدوء بال.
ولذلك فإن تنازل الرجل عن قوامته أمر يُشقي المرأة ولا يُسعدها، ويُسبب وهناً في بناء الأسرة، وتقويضاً في أركانها لأنه لن يُفلح قومٌ وَلّوْا أمرهم امرأةً بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي بكرة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة .
وأرى من أجل استقرار الحياة الزوجية أن تُطالب المرأة زوجها بالقيام بقوامته على الأسرة كما تُطالبه بالنفقة إذا قصّر فيها.
[*] تأديبها إذا خاف نشوزها :
على الزوج أن يؤدب زوجته إذا خاف نشوزها وأن يقوِّمها إذا اعوجت وأن يقوم بواجب القوامة الذي أُنِيطَ به وأن يمتثل قوله تعالى : (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [سورة: النساء / 34]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .
(1/174)
قال تعالى: (وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنّ سَبِيلاً إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [سورة: النساء - الآية: 34]
فيعظها وينصحها ويرشدها، والله مع النية الطيبة ييسر الأمر.
( وتأديب الرجل للمرأة على نشوزها يكون على ثلاثة مراحل مرتبة) :
أن يعظها موعظةٍ حسنةٍ من غير سب ولا شتم ولا تقبيح ، فإن أطاعت وإلا هجرها في الفراش ، فإن أطاعت وإلا ضربها في غير الوجه ضرباً غيرُ مبرح.
والكلام على هذه الآية على ثلاثة مقامات:
الأول: قوله تعالى: ( واضربوهن ) لفظ عام ، وقد قيدته السنة بالضرب غير المبرح كما في حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الآتي :
(حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً، فإِنّمَا هُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهِنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ وَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّا، فأَمّا حَقّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوْطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلاَ وَإِنّ حَقّهُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنّ في كِسْوَتِهِنّ وَطَعَامِهِنّ" .
الشاهد : ( وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ ) فهذا الضرب مما يكسر النفس، وليس مما يكسر العظم، فهو ضرب تأديب، لا ضرب انتقام وتشويه.
الثاني: أن ضرب المرأة للتأديب لا يكون إلا بعد عدم جدوى الموعظة والهجر لها في المضجع.
(1/175)
فإن الهجر في المضجع قد يؤثر في المرأة ما لا يؤثره فيها الضرب ، فإنها تحس أنها غير مرغوبة من زوجها ، فلا تنشغل إلا بالتفكير في حالها وما آل إليه، فتنزجر بهجره ، وترتدع بتركه لها.
الثالث: وجوب رفع الضرب عنها في حالة الطاعة ، ويدل عليه قوله تعالى: { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ) ثم إن النبي نهى الرجل أن يجلد جلد العبد بدلالة الحديث الآتي :
(عبد الله بن زمعة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم).
[*] وهاك صفوة المسائل في نشوز المرأة تعريفاً وَحُكْمَاً وعلاجاً في إيجازٍ غيرِ مُخِّل :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
[*] معنى نشوز المرأة :
والنشوز (لغة) معناه الارتفاع والعلو يقال أرض ناشز يعني مرتفعة ومنه سميت المرأة ناشزا إذا علت وارتفعت وتكبرت على زوجها .
والنشوز في اصطلاح الشرع هو امتناع المرأة من أداء حق الزوج أو عصيانه أو إساءة العشرة معه ، فكل امرأة صدر منها هذا السلوك أو تخلقت به فهي امرأة ناشز ما لم تقلع عن ذلك أو تصلح خلقها
[*] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : "معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله عليها من طاعته".
[*] وقال الواحدي رحمه الله تعالى : النشوز هنا معصية الزوج وهو الترفع عليه بالخلاف
[*] مظاهر نشوز المرأة:
1- إمتناع المرأة عن المعاشرة في الفراش ، وقد ورد ذم شديد لمن فعلت ذلك (حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(
(1/176)
فأبت) : امتنعت بلا عذر ( فبات ) أي فبسبب ذلك بات وهو ( غضبان عليها ) فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة . قال العراقي : وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها .
فيحرم على المرأة الإمتناع عن زوجها إذا دعاها للفراش على أي حالت كانت إلا إذا كانت مريضة أو بها عذر شرعي من حيض أو نفاس ولا يحل لها حينئذ أن تمنعه من الإستمتاع بما دون الفرج ، ولا يجوز للمرأة أن تتبرم أو تتثاقل وتتباطأ أو تطلب عوضا أو تنفره بأي طريقة وكل ذلك يدخل في معنى النشوز ، والواجب عليها أن تجيبه راضية طيبة نفسها بذلك محتسبة الأجر.
2- مخالفة الزوج وعصيانه فيما نهى عنه كالخروج بلا إذنه وإدخال بيته من يكرهه وزيارة من منع من زيارته وقصد الأماكن التي نهى عنها والسفر بلا إذنه وقد نص الفقهاء على تحريم ذلك
(حديث هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره).
(
(1/177)
حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
3- ترك طاعة الزوج فيما أمر به وكان من المعروف كخدمته والقيام على مصالحه وسائر حقوقه وتربية ولده ، والإمتناع عن الخروج معه إلى بيت آخر أو بلد أخرى آمنة ولا مشقة عليها في مصاحبته ما لم يكن قد اشترطت على الزوج في العقد عدم إخراجها من بيتها أو بلدها إلا برضاها ،
[*] وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " { الرجال قوامون على النساء } يعني أمراء ، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلت المرأة خمسها, وصامت شهرها, وحفظت فرجها, وأطاعت زوجها, قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت) رواه أحمد .
والضابط في حدود طاعة الزوج ما تعارف عليه أوساط الناس وكان شائعا بينهم ، ويختلف ذلك بحسب غنى الزوجين وفقرهما والبيئة التي يعيشون فيها.
(1/178)
4- سوء العشرة في معاملة الزوج والتسلط عليه بالألفاظ البذيئة وإغضابه دائما لأسباب تافهة وإيذائه ، ويدخل في ذلك إيذاء أهل الزوج ، وقد فسر ابن عباس وغيره الفاحشة في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) بما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال.
[*] خطورة النشوز :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما : عبد آبق من مواليه حتى يرجع و امرأة عصت زوجها حتى ترجع .
(لا تجاوز صلاتهما رءوسهما ) :لا ترفع إلى الله تعالى في رفع العمل الصالح بل أدنى شيء من الرفع أحدهما ( عبد ) يعني قن ولو أنثى ( آبق) أي هارب ( من مواليه ) أي مالكيه إن كانوا جماعة ومن مالكه إن كان واحداً فلا ترفع صلاته رفعاً تاماً ( حتى يرجع ) إن الطاعة إن هرب لغير عذر شرعي ( و ) الثاني ( امرأة عصت زوجها ) بنشوز أو غيره مما يجب عليها أن تطيعه فلا ترفع صلاتها كما ذكر ( حتى ترجع ) إلى طاعته ، فإباقه ونشوزها بلا عذر كبيرة قالوا : ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة الثابت في صحيحة لا يجب قضاؤها لكن ثوابها قليل أو لا ثواب فيها أما لو أبق لعذر كخوف قتل أو فعل فاحشة أو تكليفه على الدوام ما لا يطيقه أو عصت المرأة بمعصية كوطئه في دبرها أو حيضها فثواب صلاتهما بحاله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال في المهذب : هذا الحديث يفيد أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه.
( حديث حصين بن محصن الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
انظري أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك و نارك .
(
(1/179)
انظري أين أنت منه ؟ ) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودّة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه ( فإنما هو ) أي الزوج ( جنتك ونارك ) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال : أذات زوج أنت؟ قالت : نعم قال : كيف أنت منه؟ قالت : لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة .
[*] علاج نشوز المرأة :
قال تعالى: (وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنّ سَبِيلاً إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [سورة: النساء - الآية: 34]
بينت الآية الكريمة إجراءات علاج نشوز المرأة على الترتيب الآتي :
الخطوة الأولى : يبدأ بالموعظة الحسنة والنصح والإرشاد، بأن يعظ الزوج زوجته ويبين لها وجوب طاعته، وما افترضه الله عليها وعليه من الحقوق، مترفقا بها تارة، وزاجراً لها أخرى بحسب المقام والأحوال. فإن استجابت فبها ونعمت وإن لم تستجب ولم تجدي نفعاً انتقل إلى الخطوة الثانية
الخطوة الثانية الهجر في المضجع :
فيسوغ له عند تعذر الأمر الأول أن يهجرها في الفراش، إظهاراً لها منه بعدم الرضا عنها، والاستياء من معاملتها.
[*] قال ابن عباس : هو أن يوليها ظهره على الفراش ولا يكلمها
[*] وقال الشعبي ومجاهد : هو أن يهجر مضاجعتها فلا يضاجعها
{ تنبيه } : معنى قوله تعالى (وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ) : أي لا تجامعها في فراشك سواء نمت معها في الحجرة أو في حجرةٍ أخرى ، لأن الله تعالى قال : (وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ) والمضاجع جمع مضجع ، فلا يلزم أن ينام معها في نفس الفراش ، وقد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه فلم يدخل عليهن شهرا .
(
(1/180)
حديث أم سلمة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف أن لا يدخل على بعض أهله شهرا، فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا عليهن أو راح، فقيل له: يا نبي الله حلفت أن لا تدخل عليهن شهرا؟. فقال: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما).
الخطوة الثالثة الضرب غير المُبَّرِح في غير الوجه :
فإن استوفى الزوج هاتين الخطوتين، وبذل وسعه في ذلك ولم ينصلح الأمر، جاز له أن يضربها تأديباً لها مراعيا جملة أمور في ذلك:
أولاً : أن لا يكون الضرب مبرحا، أي شديداً ، بل يكون على وجه التأديب والتأنيب ضرباً غير ذي إذاية شديدة، ضربا خفيفا لا يكسر عظما ولا يسم لحما ويتجنب الوجه والمقاتل ويكون في ملاين الجسم .
[*] قال الخلال " سألت أحمد بن يحي عن قوله (ضربا غير مبرح) قال غير شديد ".
[*] وقال ابن عباس وعطاء: " الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد".
ثانياً : أن لا يضربها على وجهها.
ثالثاً : أن لا يشتمها بالتقبيح.
رابعاً : أن يستصحب أثناء هذه المعاملة، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام.
خامساً : أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود.
سادساً : لا يجوز أن يزيد على عشر ضربات .
(حديث عبد الله بن زمعة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم).
(حديث عبد الله بن أبي أوفى الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله).
{ تنبيه } : ليس الضرب اعتداء علي حرية المرأة ، ولكنه علاج والعلاج انما يحتاج اليه عند الضرورة فالمرأة اذا أساءت عشرة زوجها وركبت رأسها ، وسارت وراء الشيطان ، وبقيادته ، لا تكف عن غيها وضلالها فماذا يصنع الرجل ؟
(1/181)
وإن أمر الضرب في شريعة الله ( تعالي ) ليس الا طريقا" من طرق الإصلاح ومعلومٌ من الدين بالضرورة أن الله تعالى لا يأمرنا إلا بما فيه صلاحنا .
والأصل في كل ما قدمناه قوله ـ عزَّ من قائل ـ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرون في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليا كبيراً) [النساء :34].
(حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
{ تنبيه } : فمتى أطاعت الزوجة، فليس للزوج أن يعاود ضربها أو أن يسخر منها ويهزأ بها، فالله تعالى الذي أباح له تأديبها هو الذي أمره في قوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].
أحكام المرأة الناشز:
إذا نشزت المرأة سقط عنها حقوق لا تثبت لها إلا إذا تركت النشوز:
1- النفقة.
2- السكنى والقسم لها.
[
(1/182)
*] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : فمتى امتنعت من فراشه أو خرجت من منزله بغير إذنه أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو من السفر معه فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم " .
والأصل في ذلك عند الفقهاء أن هذه الحقوق تثبت للمرأة في مقابل استمتاع الرجل بها وتمكينه له فإذا زال زالت الحقوق .
وما سوى ذلك فهي زوجة يثبت لها سائر الأحكام من المحرمية والإرث وغير ذلك.
مسألة : ما معنى نشوز الرجل ؟
[*] معنى نشوز الرجل : هو أن تخاف المرأة إعراض زوجها عنها، لكبر سنها، أو لمرض بها، أو غير ذلك، فللمرأة أن تسقط بعض حقوقها تسترضي زوجها إن كانت تريد أن تبقى في عصمته، كما فعلت أم المؤمنين سودة رضي الله عنها، فإنها لما كبرت وخشيت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسكها ولا يفارقها وتهب يومها وليلتها لعائشة رضي الله عنها، وذلك رغبة منها رضي الله عنها أن تكون من زوجاته في الآخرة؛ فوافق النبي صلى الله عليه وسلم .
[*] تصرف المرأة عند نشوز الزوج :
في نشوز الرجل وإعراضه عن المرأة أرشد الكتاب والسنة الصحيحة المرأة أن تبادر إلى المصالحة مع زوجها إن خشيت أن يطلقها ولا تنتظر حتى تقع المفارقة .
فقد بيَّن الكتاب والسنة الصحيحة كيفية معالجة نشوز الرجل عند خوف المرأة من وقوع هذا النشوز بأن رأت بوادره، فالقلوب- كما قلنا- تتقلب، والمشاعر تتغير، فإن خافت المرأة من أن تصبح مجفوة أو أن يعرض عنها زوجها فليس هنالك حرج عليها ولا على زوجها، أن تتنازل له عن شيء من فرائضها المالية أو غير ذلك ؛ كأن تترك له جزءًا أو كلاً من نفقتها الواجبة عليه، أو تترك له ليلتها إن كانت له زوجة أخرى يؤثرها عليها، وكانت هي قد فقدت حيويتها وجمالها، وذلك بكامل اختيارها ورضاها، فذلك خير لها من طلاقها.
(1/183)
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشّحّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [سورة: النساء - الآية: 128]
( حديث ابنِ عَبّاسٍ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال :"خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلّقَهَا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ: لاَ تُطَلّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ } فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ جَائِزٌ" .
فيقول الله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ أي خير من الجفوة والإعراض والطلاق، ثم يحث الله تعالى الرجل على الإحسان إلى هذه المرأة الراغبة فيه وقد تنازلت عن بعض حقوقها لتبقى في عصمته.
[*] الحكمان سبيل شرعي إذا استنفذت وسائل الإصلاح :
قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) [ النساء / 35]
[*] قال ابن كثير رحمه الله :
وقال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم، إلى جانب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم، فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق، وتشوف الشارع إلى التوفيق، ولهذا قال تعالى : { إن يريدا إصلاحاً يوفق بينهما } (1) .
__________
(1) . تفسير القرآن العظيم (1/482)
(1/184)
ولا ينبغي للزوجين أن يصل بهما الأمر إلى هذه الحالة، فإن مرحلة تعيين الحكمين؛ مرحلة تدل على فقدان كلا الزوجين لمعاني حسن العشرة؛ من الرحمة والمودة، والتغاضي عن الهفوات، وإقالة العثرات، والعفو عن الزلات.
[*] دور الأصهار في استمرار الحياة الزوجية
يطلق الصهر على زوج بنت الرجل وزوج أخته، وقد يطلق أيضاً على أبو امرأة الرجل، وأخو امرأته (1). وللأصهار دور عظيم في استمرار العشرة بين الزوجين، وأبو الزوجة ينبغي له أن يتلمس حال ابنته مع زوجها، وكذلك أخو الزوجة . وكما مر معنا أن الحياة الزوجية لا تستقيم على حال واحدة، فيوم صفاء، ويوم كدر، ويوم رضا، ويوم غضب . فإن كانا على الحال المكروه، فإن على أبي الزوجة أو أخيها أن يعمل جاهداً للقضاء على أسباب الخصومة، وملاطفة الزوج، لا سيما في المسائل المعتادة التي يكثر وقوعها بين الزوجين . وسوف نسوق نماذج تبين دور الصهر أبي الزوجة أو أخيها في حل بعض المشاكل والخلافات الزوجية .
فمن ذلك ما يلي :
الموقف الأول :
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: ( أين ابن عمك ؟ ). قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان : ( أنظر أين هو ؟ ). فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: ( قم أبا تراب، قم أبا تراب )
__________
(1) . انظر : لسان العرب، مادة ( صهر) ( 4/ 471)
(1/185)
وفي هذا الحديث فوائد: فمنها سؤال أبو الزوجة عن حال ابنته مع زوجها ، وفيه تسكين غضب الزوج وملاطفته، وفيه أن الخلافات المعتادة بين الأزواج لا ينبغي أن تضخم ويؤجج نارها، فقول فاطمة رضي الله عنها : ( كان بيني وبينه شيء فغاضبني) دليل على أن سبب غضب زوجها كان بسبب أمر معتاد بين الأزواج، ولو كان بسبب أمر مخل بالدين أو المروءة لبينته .
أقول: كثير من آباء الزوجات، أو إخوانهن، إذا حدث بين الزوجة وزوجها خلاف وخصام، فإنهم ينتصرون لبناتهم سواء كان الحق لهن أو عليهن. والمنهج القويم هو الإصلاح وملاطفة الزوج، وهو السبيل الأقوم لحياة زوجية سعيدة .
الموقف الثاني:
موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما علم أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه، فخرج حتى أتى ابنته حفصة فقال لها : أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟ قالت: نعم، فقلت : قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي ؟
[ ثم قال لها وهو موضع الشاهد] : لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك ... الحديث (1) .
فانظر إلى حرص عمر على ابنته، وكونه يرغب في بقاء ابنته تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أبو الزوجة وأخوها ، ليرغب كل واحد منهما في توثيق الصلة بين ابنته وزوجها، ولو بدفع شيء من المال لها لقضاء بعض حوائجها التي لم تقضى . ويتأكد هذا الأمر إن كان الزوج من أهل التدين والأمانة والمروءة، فإن مثل هذا الزوج لا ينبغي التفريط فيه .
الموقف الثالث :
__________
(1) . رواه البخاري (5191)
(1/186)
هو من جانب الزوج؛ فعلى الزوج الأدب مع أهل زوجته، وإكرامهم، ومراعاة شعورهم، فهم قد سلموه شرفهم، وقطعة قلوبهم . فلا يقابل الإحسان بالإهانة والتجريح وسوء الأدب . وسنذكر جانباً من أدب علي بن أبي طالب مع صهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف راعى علي بن أبي طالب مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( حديث علي الثابت في الصحيحين ) قال كنت رجلاَ مذاءاً ، وكنت أستحي أن أسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته فأمرت المقداد بن ألأسود فسأله فقال { يغسل ذكره ويتوضأ }
فَعَلِي بن أبي طالب كان محتاجاً لسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر يشكل عليه دائماً، ولكنه تردد لكون بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند علي بن أبي طالب فاستحيا من ذلك ولم يباشر سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بل جعل ذلك عن طريق واسطة .
أقول: يعمد بعض الأزواج إلى ذكر شيء مما يكون بينه بين وأهله، وذلك بمشهد من أبي الزوجة أو أخيها، وهذا الفعل جمع بين أمرين مذمومين، الأول: ارتكاب ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من التحدث بما يكون بين الرجل وأهله في أمر الفراش- وسبق بيانه-، والثاني: هو جرح مشاعر أبا الزوجة أو أخاها بذكر مثل هذه الأمور أمامهم .
[*] الطلاق آخر الحلول :
رغب الله عز وجل عباده إلى إمساك الزوجة وعدم تطليقها حتى مع الكراهة، قال تعالى: ( فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ فَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)
[ النساء / 19]
[*] قال ابن كثير رحمه الله : أي فعسى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس في هذه الآية: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، ( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضي منها آخر .
(1/187)
معنى [ لا يفرك مؤمن مؤمنة ] _ يعني لا يبغضها _ إن كره منها خلقاً لا توجد امرأة إلا ولها بعض المزايا، وفيها بعض العيوب، وإن من التمس امرأة كاملة من جميع النواحي، فقد التمس محالاً، وهب الله هذه حظاً من الجمال وإن كان في خلقها شيء، ووهب هذه حظاً من الخلق وإن كان في جمالها شيء، وفاوت بين هذه الحظوظ والأقسام كما قضت بذلك مشيئته (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (القصص/ 68)
هذه حقيقة من عرفها استراح وأراح، وأمكنه أن يغض عن العيوب المحتملة بجانب المزايا، وأن يغفر بعض نواحي الضعف لما يجبرها من نواحي القوة، وهذا هو معنى قوله (ص): "إن كره منها خلقاً رضي منها غيره" وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) (النساء/ 19)
فلا ينبغي أن يطلق الزوج زوجه لكونه وجد فيها خلقاً سيئاً، فإنه لو نظر إليها من جوانب أخرى لوجد فيها محاسن أخلاق، وجميل صفات خُلقية أو خلقية .
وليعلم الزوج الذي أمسك أهله وصبر عليهم مع كراهيته لذلك، أنه موعود بنص القرآن بخير كثير، قال تعالى: ( فَإِن كَرِهْتُمُوهُنّ فَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [ النساء / 19]
وإن تعذر الصبر، وساءت العشرة، فالطلاق سبيل شرعي لحياة أخرى لكل من الزوج والزوجة :
قال تعالى: (وَإِن يَتَفَرّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً)
[ النساء / 130]
فيعوض الله الزوج خيراً منها، ويعوضها خيراً منه . فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وما أعظم جميل صفات رجلٍ فارق أهله فما وجدوا منه كلمة نابية، أو فعالاً قبيحة، ورحم الله رجلاً فارق أهله وهم يذكرونه بالخير، ويدعون له بظهر الغيب .
[*] أمر الوالدان أو أحدهما الابن أن يطلق زوجته :
فصلُ الخِطاب في هذه المسألة :
(1/188)
إن أمر الوالدان أو أحدهما الابن أن يطلق زوجته فلا يخلو من حالين :
الأول : أن يبين الوالد سبباً شرعياً يقتضي طلاقها وفراقها، مثل أن يقول: طلق زوجتك، لأنها مريبة في أخلاقها كأن تغازل الرجال أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة وما أشبه ذلك . فطلاقها في هذا الحال يجيب والده ويطلقها، لأنه لم يقل طلقها لهوى في نفسه ولكن حماية لفراش ابنه من أن يكون فراشه متدنساً هذا الدنس فيطلقها .
الثانية: أن يقول الوالد لولده: طلق زوجتك لأن الابن يحبها، فيغار الأب على محبة ولده لها، والأم أكثر غيرة، فكثير من الأمهات إذا رأت الولد يحب زوجته غارت جداً حتى تكون زوجة ابنها ضرة لها -نسأل الله العافية- ففي هذه الحالة لا يلزم الأبن أن يطلق زوجته إذا أمره أبوه بطلاقها أو أمه ولكن يداريهما ويبقي الزوجة ويتألفهما ويقنعهما بالكلام اللين حتى يقتنعا ببقائها عنده ولا سيما إذا كان الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها
[*][*][*][*]
(4) النفقة والسُكْنَى : فيجب عليه يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى :
بمجرد تمام عقد الزواج وتمكن الزوج من الاستمتاع بالزوجة يلزم الزوج الإنفاق على زوجته، وتوفير ما تحتاجه من مسكن وملبس ،
قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لقوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233).
وقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (*) (الطلاق: 6).
: فمن حقوق المرأة وجوب نفقتها على زوجها وإن كانت غنية، وهي مقدرة شرعاً بكفايتها من الطعام واللباس والسكن على قدر حال الزوج يساراً وإعساراً، وهي واجبة،
[*] قال ابن قدامة رحمه الله:
(1/189)
نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، واحتج بقوله تعالى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا } (الطلاق: 7)،
(حديث معاوية ابن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال : قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت .
[*] قال الصنعاني رحمه الله :
"دل الحديث على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وأن النفقة بقدر سعته لا يكلَّف فوق وسعه، لقوله: ((إذا طعمت)) كذا قيل، وفي أخذه من هذا اللفظ خفاء، فمتى قدر على تحصيل النفقة وجب عليه أن لا يختص بها دون زوجته، ولعله مقيد بما زاد على قدر سدِّ خلته لحديث: ((ابدأ بنفسك))، ومثله القول في الكسوة. وفي الحديث دليل على جواز الضرب تأديبا إلا أنه منهي عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها. وقوله: ((لا تقبح)) أي: لا تسمعها ما تكره وتقول: قبَّحكِ الله ونحوه من الكلام الجافي، ومعنى قوله: ((لا تهجر إلا في البيت)) أنه إذا أراد هجرها في المضجع تأديبا لها كما قال تعالى: { وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ } [النساء:34] فلا يهجرها إلا في البيت، ولا يتحول إلى دار أخرى أو يحوِّلها إليها".
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت .
وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على وجوب إنفاق الزوج على الزوجة.
[*] قال ابن قدامة : "اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين ، إلا الناشز منهن... وفيه ضرب من العبرة وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب، فلا بد من أن ينفق عليها".
(1/190)
ولا شك أن إنفاق الرجل على زوجته من أعظم أسباب استقرار الأسرة واستدامة الزواج، كما إنه دليل على علو مكانة المرأة ورفيع منزلتها.
لكن ينبغي أن يعلم أن النفقة على الزوجة والأولاد يكون بقدر كفايتهم وأن ذلك بالمعروف، دليل ذلك قوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق:7]
{ تنبيه } : بعض الناس يأخذه الكرم والسخاء مع الأصدقاء وينسى حق الزوجة، مع أن المرء يؤجر على إنفاقه في بيته أعظم من غيره كما بينته السنة الصحيحة ومن ذلك ما يلي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك .
(حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في امرأتك)).
{ تنبيه } : ويجوز للمرأة أن تأخذ نفقتها ونفقة أولادها من مال زوجها بالمعروف- بغير إذنه- إذا كان بخيلاً.
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
(1/191)
ولكن لتنتبه النساء أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((بالمعروف)) أي في غير إسراف ولا تبذير ، ولا مجاوزة الحد ، بل تأخذ من ماله نفقة مثيلاتها ، ولا تزيد كما يفعل بعض النساء اليوم من إطلاق أيديهن في أموال أزواجهن دون إذنهن بدعوى أنه بخيل ، فيأخذن من ماله ما ينفقنه فيما يغضب الله من الذهاب إلى صالونات تصفيف الشعور ، وصالات التجميل ، والتبذير في الملبس والمشرب ، فهؤلاء محاسبات على تعديهن على أموال أزواجهن لغير حاجة شرعية، ولإفسادهن هذه الأموال.
{ تنبيه } : أن النفقة على الزوجات وإن كانت واجبة على الزوج؛ إلا أن شريعة الله جعلت للمنفق على أهله أجراً، وهذا فضل من الله ، لكن حصول الأجر في النفقة على الأهل مرتب على احتساب تلك النفقة، وابتغاء وجه الله، ومن أنفق على أهله ذاهلاً عن الاحتساب فقد برأت الذمة، وفاته أجر الاحتساب للأحاديث الآتية :
(حديث أبي مسعود الأنصاري الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( إذا أنفق الرجلُ على أهله يحتسبها فهو له صدقة )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( دينارٌ أنفقته في سبيل الله ، و دينارٌ أنفقته في رقبة ، و دينارٌ تصدقت به على المسلمين ، و دينارٌ أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك )
(حديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك).
{ تنبيه } : وتجب النفقة على الزوجة ولو كانت موظفة ؛ فإن النفقة عليها هو في مقابل الاستمتاع، فهو حق لها، ولا ينظر في هذه المسائل إلى ضعف دخل الزوج من عدمه . أما إن طابت نفس الزوجة وتسامحت عن حقها فيما يتعلق بالإنفاق عليها، فالأمر يعود إليها والحق لها .
(1/192)
وإن كان عند الرجل أكثر من زوجة؛ فهو مطالب بالعدل بينهن في النفقة، ولا يقول هذه غنية وهذه فقيرة، فالجميع أزواجه .
[*] قال ابن سعدي رحمه الله :
الصحيح الرواية التي اختارها شيخ الإسلام أنه يجب التسوية في ذلك، لأن عدم التسوية ظلم وجور ليس لأجل عدم القيام بالواجب، لأن كل عدل يقدر عليه بين زوجاته فإنه واجب عليه، بخلاف ما لا قدرة له عليه كالوطء وتوابعه (1) .
[*] وتسقط نفقة الزوجة عن زوجها بعدة أسباب:
منها ما يلي :
(1) إذا امتنعت الزوجة من تسليم نفسها لزوجها، فلا نفقة لها .
(2) وإذا سافرت لحاجتها ، فلا نفقة لها، لأنها قد منعت زوجها حقه منها؛ إلا أن تطيب نفسه بذلك .
(3) وإذا نشزت الزوجة على زوجها فلا نفقة لها - أيضاً- .
(4) المطلقة حكم النفقة عليها على التفصيل الآتي :
(1) المطلقة طلاقاً رجعياً يجب لها النفقة ما دامت في العدة لأنها زوجة ،
لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوَاْ إِصْلاَحاً) [البقرة / 228]
فدلَّ ذلك على أنها زوجة .
(2) والمطلقة طلاقاً بائناً ، سواء كان بينونة صغرى أم كبرى ، فلا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاملاً فينفق عليها حتى تضع حملها .
( حديث فاطمة بنت قيس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما النفقة و السكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرَّجعة .
والدليل على أن المطلقة طلاقاً بائناً إذا كانت حاملاً ينفق عليها حتى تضع حملها.
قوله تعالى: (وَإِن كُنّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنّ حَتّىَ يَضَعْنَ حَمْلَهُ[ الطلاق / 6]
[*][*][*][*]
(5) حق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر :
فيجب على الزوج أن يَتعاهد زوجته بالجماع ويقضى وطرها كما قضى وطره ، وأن لا يعجلها في ذلك.
__________
(1) . الفتاوى السعدية . ص 117
(1/193)
فيُكره النزع قبل فراغها ، أي قبل أن تُنزل لأنه يحرمها من كمال الإستمتاع ، وربما يحصل لها ضرراً إذا كان الماء متهيأ للخروج ثم ينزع الرجل قبل إنزالها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) كما في الحديث الآتي :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ضرر ولا ضرار )
أما حديث ( ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ) فهو ضعيف .
{ تنبيه } الوطء واجب على الرجل، وهو من مقاصد الزواج الكبرى ،
[*] قال ابن قدامة رحمه الله : والوطء واجب على الرجل - أي تجاه زوجته- إذا لم يكن له عذر، وبه قال مالك. ومن أدلته قوله تعالى { فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } (النساء: 129)، قال الجصاص - رحمه الله: إن عليه وطأها بقوله { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } يعني لا فارغة فتتزوج ولا ذات زوج إذا لم يوفها حقها من الوطء.
(1/194)
ويجب على الزوج أن يُراعي حق الوطء لزوجته حتى لا يضطر حليلته إلى الخروج عن حيائها . وهذا الحق من الحقوق التي يقع الخلل في أدائها من قبل بعض الأزواج ، فتراه في دنياه لاهثاً أو يدمن السهرات مع الأصحاب والخلان ولا يَؤوب إلا في ساعة متأخرة من الليل، قد أرهقه التعب وأضناه اللعب، واستنفد ما في جعبته من المرح واللهو مع مسامريه، فيدخل بلا سلام ولا كلام، ويرتمي على فراشه كالجيفة، ولو قُدّر له أن يقضي وَطَرَه منها، قضاه على وجه لا تشعر معه المرأة بسعادة، وكأنها ما بقيت في البيت إلا للكنس والطبخ والخدمة وتربية الأطفال ، فهي في نظره أو كما يعبر عنه واقعه معها ليست بحاجة إلى قلب يعطف عليها ورجل يداعبها ويحنّ إليها ، ويروي عاطفتها، ويُشبع غريزتها . وإذا كان الرجل يُنهى عن الانهماك في العبادة لأجل إتمام هذا الحق لزوجته فكيف بإهدار الوقت وإضاعته في السهرات العابثة والليالي اللاهية؟ وكيف يتناسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ولأهلك عليك حقاً كما في الحديث الآتي :
( حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟. قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
(
(1/195)
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير قال فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولجسدك عليك حقا .
شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من زوجها فأحال القضاء إلى
كعب الأسدي ، فلما جيء بالرجل قال القاضي : إن امرأتك تشكوك .
قال : أفي طعام أو شراب ؟ لِلَّهِ
قال : لا .
فقالت المرأة:
أَلْهَى خليلي عن فِراشي مسجدُه
ولستُ في أمرِ النساءِ أحْمَدُه ، يا أيها القاضي الحكيم أرْشِدُه ،
زَهَدَه في مضجعي تَعَبُدُه
فقال زوجها :
إني امرؤ أذهلني ما قد نزل
وفي كتاب الله تخويفٌ جَلَل ، زَهدتُ في فِراشِها وفي الحُجَل
في سورة النحل وفي السبع الطول
فقال كعب :
تصيبها في أربعٍ لمن عَقَل ، إن لها عليك حقاَ يا رجل
فأعطها ذاك وَدَعْ عنك العِلل .
{ تنبيه } : ومن كمالات قضاء الوطر تجمل الزوجين لبعضهما : فينبغي أن يحرص كلٌ من الزوجين أن يبدو جميلاً في نظر صاحبه، لئلا يتنافرا، وليزداد قرباً وتألفاً، وأعظم طيب الماء وأعظم تجمل النظافة، ولقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرجل شعره، ويكثر دَهنَ رأسه وتسريحَ شعره، وأنه كان كثير الاكتحال، وكثير الاستياك وكثير التطيب، لذلك لم يشم من في رسول الله ولا من جسمه رائحة تكره، وإذا كان التقصير غالباً ما يكون من الرجال
[*] قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله يقول : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
[*][*][*][*]
(6) التأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح :
(1/196)
لما في ذلك من الاستهانة بالمرأة، وتحقيرها، وإنزالها غير المنزلة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لها من الاحترام فينبغي على الزوج في معاملته مع زوجته أن يكون حسن الخلق، هين لين قريب سهل، حديثه عذب، كلامه حلو، لا يعرف السب ولا الشتم ولا الألفاظ النابية ولا الوجه المكفهر.
وكذلك فالتعرض للوجه بالضرب أو التقبيح مناف لما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي :
(حديث معاوية ابن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت .
وأن هذا مخالفاً لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - تقويم النساء عند النشوز .
فالذي أمر به الله سبحانه وتعالى من ضرب النساء لتقويمهن عند النشوز هو الضرب غير المبرح، لقوله تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً ) [النساء: 34].
والكلام على هذه الآية على ثلاثة مقامات:
الأول: قوله تعالى: ( واضربوهن ) لفظ عام ، وقد قيدته السنة بالضرب غير المبرح كما في حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الآتي :
(
(1/197)
حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً، فإِنّمَا هُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهِنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ وَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّا، فأَمّا حَقّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوْطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلاَ وَإِنّ حَقّهُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنّ في كِسْوَتِهِنّ وَطَعَامِهِنّ" .
الشاهد : ( وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ ) فهذا الضرب مما يكسر النفس، وليس مما يكسر العظم، فهو ضرب تأديب، لا ضرب انتقام وتشويه.
الثاني: أن ضرب المرأة للتأديب لا يكون إلا بعد عدم جدوى الموعظة والهجر لها في المضجع.
فإن الهجر في المضجع قد يؤثر في المرأة ما لا يؤثره فيها الضرب ، فإنها تحس أنها غير مرغوبة من زوجها ، فلا تنشغل إلا بالتفكير في حالها وما آل إليه، فتنزجر بهجره ، وترتدع بتركه لها.
الثالث: وجوب رفع الضرب عنها في حالة الطاعة ، ويدل عليه قوله تعالى: { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً )
ثم إن النبي نهى الرجل أن يجلد جلد العبد بدلالة الحديث الآتي :
(عبد الله بن زمعة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم).
[*][*][*][*]
(7) عدم الهجر في غير البيت :
هذا هو الأصل في المسألة ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تهجر إلا في البيت ".
(
(1/198)
حديث معاوية ابن حيدة الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت .
{ تنبيه } الأصل في المسألة عدم الهجر في غير البيت ولكن يجوز هجر المرأة في غير البيت بحسب المصلحة المترتبة على ذلك، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هجر أزواجه شهراً في غير بيوتهن .
(حديث أم سلمة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف لا يدخلُ على بعض أهله شهراً ، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يوماً غداً عليهن أوراح ، فقيل له : يا نبي الله حلفت أن لا تدخل عليهن شهراً ، قال : إن الشهر يكونُ تسعةً وعشرين يوماً .
[*][*][*][*]
(8) مداراتها وملاطفتها :
والمداراة : هي المجاملة والملاينة لاستمالة النفوس وتأليف القلوب .
وقد ندبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مداراة النساء، لما علم منهن من تسرع ، وسوء تصرف في بعض المواقف ، فالزوج مطلوب منه أن يداري زوجه ويستميل قلبها، وأن يصبر على ما يبدر منها- مالم يكن فيه تضييع لحق الله أو حقه-، والزوجة كذلك مطالبة بحسن التبعل والطاعة في غير معصية الله، وبهذا وذاك تستقيم الحياة الزوجية، ويسعد أهلها .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
* وهذا الحديث يرشدنا إلى ثلاثة أمور رئيسية وهي:
الأمر الأول: أن الوصية بالنساء واجبة لأن قوله صلى الله عليه وسلم " استوصوا " أمر ، والأمر يقتضي الوجوب، ما لم ترد قرينة تصرفه عن ذلك.
الأمر الثاني: بيان قصور النساء عن الرجال ، واختلاف بعض طبائعهن عن طبائع الرجال.
(1/199)
الأمر الثالث: جواز مداراة النساء، والاستمتاع بهن على عوجهن.
ولا شك أن في هذا الحديث قاعدة أساسية في معاملة النساء، والوصية بهن، عند الصحابة رضوان الله عليهم- ومن تبعهم من الرجال في كل عصر، وما دام هذا الدين قائما ، فإن الإنسان إذا لم يغضُّ الطرف عن زلات النساء وأراد أن يحاسبها على كل ما يصدر منها أفضى ذلك إلى كسرها وكسرها طلاقها كما بينته السنة الصحيحة في حديث مسلم الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها .
ولا شك أن تقويم المرأة واجب ، ولكن على النحو الذي لا تتضرر به المرأة أو الرجل أو الحياة الزوجية ما دام هذا التقويم يتم حسب الحدود الشرعية.
وأما المبالغة في التقويم- كالتشديد عليهن كما يشدد على الرجال- للوصول بها إلى المرتبة العليا من التقويم بحيث لا يصدر منها ما يدل على نقصان عقلها أو كفران عشيرها ، ففيه الخاطرة بالحياة الزوجية من حيث احتمال وقوع الطلاق بين الزوجين، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها .).
فإن كانت المرأة على دين وخلق كريم ، إلا أنها يصيبهما ما يصيب باقي النساء من التضجر، أو طلب ما لا يقدر الزوج عليه، أو التنكر له، فلا شك أن مثل هذه يندب المداراة معها ويستحب الإبقاء عليها، حفاظاً على رباط الزوجية، لما لها من خلق كريم ودين متين.
* ثم إن التلطف معها ومداعبتها اقتداءاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يتلطف مع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها ويسابقها .
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أنها:كانت مع النبي في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك .
(
(1/200)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :كل شيء ليس من ذكر الله لهو و لعب إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته و تأديب الرجل فرسه و مشي الرجل بين الغرضين و تعليم الرجل السباحة .
ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله لقد كان ضحوكاً إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير سائل عما فقد.
رَحِمَ اللّه رجلًا محمود السَيرة، طيِّب السريرة، سهلًا رفيقًا، ليِّنًا رؤوفًا ، رحيمًا بأهله حازمًا في أمره، لا يكلف شططا ولا يرهق عُسرًا، ولا يهمل في مسؤولية.
[*][*][*][*]
(9) أن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء).
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها .
وهذا الحديث يرشدنا إلى ثلاثة أمور رئيسية وهي:
الأمر الأول: أن الوصية بالنساء واجبة لأن قوله صلى الله عليه وسلم " استوصوا " أمر ، والأمر يقتضي الوجوب، ما لم ترد قرينة تصرفه عن ذلك.
الأمر الثاني: بيان قصور النساء عن الرجال ، واختلاف بعض طبائعهن عن طبائع الرجال.
الأمر الثالث: الصبر على النساء وتحمل الأذى منهن ، والاستمتاع بهن على عوجهن.
(1/201)
ولا شك أن في هذا الحديث قاعدة أساسية في معاملة النساء، والوصية بهن، عند الصحابة رضوان الله عليهم- ومن تبعهم من الرجال في كل عصر، وما دام هذا الدين قائما ، فإن الإنسان إذا لم يغضُّ الطرف عن زلات النساء وأراد أن يحاسبها على كل ما يصدر منها أفضى ذلك إلى كسرها وكسرها طلاقها كما بينته السنة الصحيحة في حديث مسلم الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ان المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها .
{ تنبيه } إن من أفضل ما يُعين على الصبر على النساء وتحمل الأذى منهن هذا
الحديث العظيم ، لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى منها آخر ، فإذا صدر من المرأة ما يُعَكِّرُ صَفو زوجها أحياناً فليتذكر دينها وعفتها وفضلها على النساء اللاتي تنكرن للأدب وانسلخن من الفضيلة ، ويتذكر أنها طبُّاخة طعامه غَسَّالة ثيابه وبها يسكن قلبه عن الحرام ، ففي هذا ما يكون عوناً بعد الله تعالى في الصبر عليهن وتحمل الأذى منهن
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضي منها آخر .
معنى [ لا يفرك مؤمن مؤمنة ] _ يعني لا يبغضها _ إن كره منها خلقاً لا توجد امرأة إلا ولها بعض المزايا، وفيها بعض العيوب، وإن من التمس امرأة كاملة من جميع النواحي، فقد التمس محالاً، وهب الله هذه حظاً من الجمال وإن كان في خلقها شيء، ووهب هذه حظاً من الخلق وإن كان في جمالها شيء، وفاوت بين هذه الحظوظ والأقسام كما قضت بذلك مشيئته (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (القصص/ 68)
(1/202)
هذه حقيقة من عرفها استراح وأراح، وأمكنه أن يغض عن العيوب المحتملة بجانب المزايا، وأن يغفر بعض نواحي الضعف لما يجبرها من نواحي القوة، وهذا هو معنى قوله (ص): "إن كره منها خلقاً رضي منها غيره" وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) (النساء/ 19)
[*] وهآنذا أسوق لك قصصاً عَطِرةً في تحمل الأذى من الزوجة وأنه سيكون له عاقبةً حسنة إن شاء الله تعالى في الدنيا والآخرة ، أسوقها لك لعلها تجد لك في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً عسى الله أن ينفعك بها ويفقك إلى تنفيذها :
القصة الأولى :
قد روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال ما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طبَّاخة لطعامي خبَّازة لخبزي غسَّالة لثيابي مُرْضِعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة .
القصة الثانية :
(1/203)
حكي أن بعض الصالحين كان له أخ في الله وكان من الصالحين ، وكان يزوره في كل سنة مرة فجاء لزيارته فطرق الباب فقالت امرأته من ؟ فقال أخو زوجك في الله جئت لزيارته ، فقالت راح يحتطب لا رَدَهُ الله ولا سَلَمَه وفَعَل به وفعل وجعلت تذمذم عليه ، فبينما هو واقف على الباب وإذا بأخيه قد أقبل من نحو الجبل وقد حمل حزمة الحطب على ظهر أسد وهو يسوقه بين يديه فجاء فسلم على أخيه ورحب به ودخل المنزل وأدخل الحطب وقال للأسد اذهب بارك الله فيك ثم أدخل أخاه والمرأة على حالها تذمذم وتأخذ بلسانها وزوجها لا يرد عليها فأكل مع أخيه شيئا ثم ودعه وانصرف وهو متعجب من صبر أخيه على تلك المرأة
(1/204)
قال فلما كان العام الثاني جاء أخوه لزيارته على عادته فطرق الباب فقالت امرأته : من بالباب ؟ قال أخو زوجك فلان في الله ، فقالت مرحبا بك وأهلا وسهلا اجلس فإنه سيأتي إن شاء الله بخير وعافية ، قال فتعجب من لطف كلامها وأدبها ، إذ جاء أخوه وهو يحمل الحطب على ظهره فتعجب أيضا لذلك فجاء فسلم عليه ودخل الدار وأدخله وأحضرت المرأة طعاما لهما وجعلت تدعو لهما بكلام لطيف ، فلما أراد أن يفارقه قال يا أخي أخبرني عما أريد أن أسألك عنه ؟ قال وما هو يا أخي ؟ قال عام أول أتيتك فسمعت كلام امرأة بذيئة اللسان قليلة الأدب تذم كثيرا ورأيتك قد أتيت من نحو الجبل والحطب على ظهر الأسد وهو مسخر بين يديك ؟ ورأيت العام كلام المرأة لطيفا لا تذمذم ورأيتك قد أتيت بالحطب على ظهرك فما السبب قال يا أخي توفيت تلك المرأة الشرسة وكنت صابرا على خلقها وما يبدو منها كنت معها في تعب وأنا أحتملها فكأن الله قد سخر لي الأسد الذي رأيت يحمل عني الحطب بصبري عليها واحتمالي لها فلما توفيت تزوجت هذه المرأة الصالحة وأنا في راحة معها فانقطع عني الأسد فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه المرأة المباركة الطائعة فنسأل الله أن يرزقنا الصبر على ما يحب ويرضى إنه جواد كريم .
[*][*][*][*]
(10) النهي عن التماس عثرات النساء :
اعلموا- رحمنا الله وإياكم-:
أن في التماس عثرات النساء وتتبع زلاتهن هدم للحياة الزوجية ، فالمرأة خلقت من ضلع أعوج ، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فلا شك أن عثراتها وزلاتها أكثر من الرجل ، وتتبع مثل هذه العثرات والزلات يوغر صدر الزوج عليها شيئاً فشيئاً ، حتى يؤدى به ذلك إلى طلاقها.
وقد نهينا عن تتبع زلات النساء ، والتماس عثراتهن ، أو تخوينهن ، ولذا نهى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم
(
(1/205)
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم .
وكذلك فطرقه لها ليلاً يكون مظنة رؤية ما لا يستحب له رؤيته منهم ، ففيه من تخونهن ، وتلمس العثرات لهن ما يبعث إلى نفسه استقباح بعض أمورهن ، أو كراهية بعض أخلاقهن ، فتضطرب بذلك حياتهما الزوجية ، وقد يؤدي ذلك إلى كثرة المشاكل ، بل قد يصل الحد إلى الطلاق.
وكذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يطرق الرجل أهله إذا قدم من سفره ليلاً من أجل أن تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، أي لكي تتهيأ لزوجها بالامتشاط والتزين، والاستحداد له ، فيراها في أحسن صورة، وفي أجمل حلة ، فتبعث في نفسه السرور، بعد طول التعب والإرهاق الذي ناله في سفره هذا.
(حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دخلتم ليلا، فلا تدخل على أهلك، حتى تستحد المغيبة ، وتمتشط الشعثة). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فعليك بالكيس الكيس).
{ تنبيه } ولكن من الله علينا في هذا العصر بكثير من المخترعات التي تسهل علينا طرق الاتصال بالأهل والأزواج والأولاد ، كالهاتف، والبرق ، والتلكس ، فإذا استطاع الرجل إخبار أهله بموعد قدومه من الليل ، فلا مانع من أن يطرقهم في هذا الوقت من الليل ، لأنه قد زالت علة النهي بالاتصال بهم ، وإخبارهم بموعد القدوم ، فليس في طرقهم في هذا الوقت ما يجعله تخوناً لهم، أو التماساً لعثراتهم، والله أعلم .
[*][*][*][*]
(11) أن يعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة :
( حديث الأسود بن يزيد الثابت في صحيح البخاري ) قال :سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
(
(1/206)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت:كان النبي يصلي وأنا راقدة، معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت.
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت: كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا لَيْلَه، وأيقظ أهله.
[*][*][*][*]
(12) أن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها :
ومن حق المرأة على الرجل أن يحفظها ويصونها من كل ما يخدش دينها وشرفها فيمنعها من السفور والتبرج ويحول بينها وبين الإختلاط بغير محارمها من الرجال لأنه هو الراعي الذي سوف يُسأل أمام الله تعالى عن رعيته.
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
[*][*][*][*]
(13) الغَيْرة عليها :
من أبرز حقوق الزوجة وواجبات الزوج أن يصون كرامتها ويحفظ عِرْضها، ويَغَار عليها.
ومن المؤسف أن بعض حيوانات الغابة أكثر غِيرةً على زوجاتهن من بعض الرجال، فتراه يطلق العنان لزوجته تختلط مع الرجال وتحادثهم، وتذهب للأسواق وحدها، وقد تركب مع السائق وحده،
عن علي (رضي الله عنه) قال: " بلغني أن نسائكم يزاحمن العلوج في الأسواق، ألا تستحون؟ ألا تغارون ؟ يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال ". المغني
وإذا كان الحمو هو الموت كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي :
(
(1/207)
حديث عقبة بن عامر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الدخول على النساء قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
( إياكم والدخول على النساء ) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول النساء ،وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
(قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت) والحمو أخو الزوج وقريبه ، الحمو الموت : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية.
{
(1/208)
تنبيه } :فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : ( وإذا سألتموهن متاعاً
فسألوهن من وراء حجاب ) ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : ( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) [ الأحزاب 53 ] ، وحرَّم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للانجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات .
قال تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهِنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: النور - الآية: 31]
{ تنبيه } : إنَّ الغَيْرَة المباحة شرعًا من شيم النفوس الكريمة ،ولكن منها ما هو محمود وما هو مذموم وهاك فصل الخطاب في موضوع الغيرة وبيان المحمود والمذموم منها:
(1/209)
والغَيْرَة هي: ما ركّبه الله في العبد من قوة روحية تحمي المحارم والشرف والعفاف من كل مجرم وغادر، والغيرة في الإسلام خلق محمود، وجهاد مشروع؛
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله .
[*] الغيرة صفة من صفات الله عز وجل :
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله .
[*] فالمسلم يحب زوجته ، ويتمنى لها الخير والصلاح ، ويكره لها الفحش والمجون ، وكل ما يهون من رفعتها ومقدارها عنده ، فغيرة الزوج على زوجته من الإيمان ، وبها تسعد وتفخر كل زوجة مسلمة ، فالغيرة المعتدلة شيء مطلوب ومهم ، ومن لا يغار على أهله فهو ديوث ومطرود من رحمة الله تعالى ، فغيرة الرجل على أهله أن يأتين ما حرم الله أو يخلون مع غير ذي محرم ، أو يتحدثن مع أحد بخضوع في القول .. واجبة لحماية شرفه وصيانة عرضه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله).
والرجل الذي لا يغار على أهله ، ولا يغضب إذا رأى زوجته متبرجة ، أو رآها وهي تحدث الرجال في ميوعة أو خضوع فإنه ديوث يقبل الفحش والسوء على أهله ،
(
(1/210)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر و العاق و الديوث الذي يُقرُّ في أهلهِ الخَبث .
[*] من مواقف الغيورين:
[*] غيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النساء :
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه . قالت : فقلت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة . قالت : فقال : انظرن إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة .
[*] غيرة داود - عليه السلام - :
كان داود - عليه السلام - فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع . قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار . فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود . فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب . فقال داود : أنت والله إذن ملك الموت ، مرحباً بأمر الله ، ثم مكث حتى قبضت . البداية والنهاية ج: 2 ص: 17
[*] في قصة موسى - عليه السلام - مع المرأتين :
روى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس قال : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } . قال : فأحفظته الغيرة أن قال : لا ، وما يدريك ما قوته وأمانته ؟ قالت : أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه ، وأما أمانته فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك ، ثم قال امشي خلفي وانعتي لي الطريق ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين . فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت . تفسير الطبري ج: 20 ص: 63
[*] غيرة الصديق رضي الله عنه:
(
(1/211)
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس رضي الله عنها ، فدخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك . فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لم أر إلا خيراً . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد برأها من ذلك . ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال : لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان .
[*] غيرة الفاروق رضي الله عنه :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته، فوليت مدبرا). فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله.
[*] غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه:
(حديث سعد بن عبادة الثابت في الصحيحين ) أنه قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ، فبلغ ذلك النبي فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني ).
(سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج وأحد نقبائهم
(غَيْرَ مُصْفَّحٍ) : صفح السيف أي عرضه ، ومعنى غَيْرَ مُصْفَّحٍ أي لا أضربه بعرض السيف بل بحدِّه .
[*] وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [ 6 / 120 ] اتصاف الله تعالى بهذه الصفة ، والأدلة على ذلك ، وأنها صفة كمال ، كما رد على من زعم أنها انفعالات نفسية .
(حديث سعد بن عبادة الثابت في الصحيحين ) أنه قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ، فبلغ ذلك النبي فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني ).
(سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج وأحد نقبائهم .
(
(1/212)
غَيْرَ مُصْفَّحٍ) : صفح السيف أي عرضه ، ومعنى غَيْرَ مُصْفَّحٍ أي لا أضربه بعرض السيف بل بحدِّه .
[*] أنواع الغَيرة :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يكره الله، فأمَّا ما يحبُّ الله فالغيرة في الريبة وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة)
فالغيرة في الريبة : أي: في مواطن الشك.
[*] عن علي بن أبي طالب قال : الغيرة غيرتان غيرة حسنة جميلة يصلح بها الرجل أهله ، وغيرة تدخله النار تحمله على القتل فيقتل . رواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ج: 2 ص: 226 وقال : إسناده صحيح .
[*] قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالغيرة المحبوبة هي ما وافقت غيرة الله تعالى وهذه الغيرة هي أن تنتهك محارم الله وهي أن تؤتى الفواحش الباطنة والظاهرة . لكن غيرة العبد الخاصة هي من أن يشركه الغير في أهله فغيرته من فاحشة أهله ليست كغيرته من زنا الغير لأن هذا يتعلق به وذاك لا يتعلق به إلا من جهة بغضه لمبغضة الله ولهذا كانت الغيرة الواجبة عليه هي في غيرته على أهله وأعظم ذلك امرأته ثم أقاربه ومن هو تحت طاعته ، ولهذا كان له إذا زنت أن يلاعنها لما عليه في ذلك من الضرر بخلاف ما إذا زنا غير امرأته ، ولهذا يحد قاذف المرأة التي لم يكمل عقلها ودينها إذا كان زوجها محصناً في أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد .اهـ
{ تنبيه } ويجب على المسلم أن لا يغار على زوجته إلا في موطن يستحق
الغيرة -وكذا الزوجة بدلالة الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يكره الله، فأمَّا ما يحبُّ الله فالغيرة في الريبة وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة)
فالغيرة في الريبة : أي: في مواطن الشك.
(1/213)
فأنت أيها الزوج المسلم قد اخترت زوجتك على أساس الدين كما أمر الشرع فهي بإذن الله مسلمة مؤمنة عفيفة ، ولم يرد منها ما يستدعي ذلك الشك وتلك الغيرة الحمقاء ، فلا تعذب نفسك ولا تعذبها معك ..
وقد عُلم أنَّ حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها، إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظنّ.. يحمله على تأويل الكلام والشك في التصرفات، مما ينغص العيش ويقلق البال من غير مستند صحيح.
{ ويجب على كل زوجين أن يبتعدا عن مواطن الشبهات } .
(لحديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الحلال بين و الحرام بين و بينهما مشبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه و عرضه و من وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب .
ولذا يجب على المسلم أن يبتعد عن دور اللهو والفساد ، فيراه الله حيث أمره ، ويفتقده حيث نهاه.
والمرأة تمنع الغيرة والريبة عن زوجها إذا تحلتْ بالفضائل ، والتزمتْ بأوامر الشرع في خروجها من بيتها ، وفي زيها ، وقولها ، وفعلها ، ومِشْيَتها ، وفي سائر أخلاقها، والرجل يدفع الغيرة عن زوجته ، إذا تمسك بأوامر الله، وانتهى عن نواهيه في كل أحواله.
(1/214)
والغيرة المعتدلة تحفظ العلاقة الزوجية ، وتوفر السعادة ، وتقضي على كثير من المشكلات، أما إذا اشتدتْ الغيرة (وهي الغيرة في غير ريبة) ، فأصبح كل من الزوجين يشك في الآخر ، ويتمنى أن يكون شرطيًّا على رفيقه ، يراقبه في كل أعماله ، ويسأله عن كل صغيرة وكبيرة ، فهذا مما يوجد أسباب الخلاف، فتكون الغيرة مدخلاً للشيطان بين الزوجين ، وربما أحدث الفرقة من هذه السبيل، وعلى الزوجين أن يثقا في بعضهما البعض ، فلا يكثرا من الظن والشك ، فذلك وسوسة ، وعليه أن يطرح عن نفسه الظن فإنه أكذب الحديث بنص السنة الصحيحة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا).
والزوجة الفَطِنَة هي التي تبعد الغيرة عن زوجها ، فلا تصف رجلا أمامه ، ولا تمدحه ولا تثني عليه؛ فذلك مما يسبب غيرته ، وضيق صدره ، مما قد يدخل التعاسة بين الزوجين ، بل تمتدح زوجها وتثني عليه بما فيه من خير، وتعترف بفضله ، وعلى الزوجة أن لا تمنع زوجها من زيارة أهله بدافع الغيرة ، وليكن شعارها: من أحب أحدًا أحب من يحبه. وهذا يساعد على استقرار الحياة الزوجية ودوام المودة والقربى.
[*][*][*][*]
(14) أن يعلمها الخير ويأمرها به ولا سيما الضروري من أمور دينها:
ومن حق المرأة على الرجل أن يعلمها الخير ويأمرها به ولا سيما الضروري من أمور دينها وليضع نصب عينيه أن حاجة المرأة لإصلاح دينها لا يقل أهمية عن حاجتها للطعام والشراب ، فلا ينظر للمرأة على أنها مجرد خادم بالنهار وفراش بالليل ، فيجب عليه تعليمها العلم الشرعي وما تحتاج إليه من أمور العبادات وحثها وتشجيعها على ذلك،
(1/215)
قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه:132].
[*] قال الطبري رحمه الله :
"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأمر ـ يا محمد ـ أهلك بالصلاة واصطبر عليها، يقول: واصطبر على القيام بها وأدائها بحدودها أنت".
[*] وقال ابن كثير رحمه الله : "وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على فعلها".
وقال تعالى: { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6].
[*] قال الطبري رحمه الله :
"قوله: { وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار".
[*] وقال ابن سعدي رحمه الله :
"قوله: { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة. ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله امتثالا، ونهيه اجتنابا، والتوبة عما يسخط الله، ويوجب العذاب. ووقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر الله. فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه وفيمن تحت ولايته وتصرفه".
قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه:132].
[*] قال الطبري رحمه الله :
"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأمر ـ يا محمد ـ أهلك بالصلاة واصطبر عليها، يقول: واصطبر على القيام بها وأدائها بحدودها أنت".
[*] وقال ابن كثير رحمه الله : "وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على فعلها".
(1/216)
وقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
[الأحزاب:34]
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: ( نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) [رواه البخاري]. وعلى الزوج أن يتابع تعليمها القرآن الكريم والسنة المطهرة ويشجعها ويعينها على الطاعة والعبادة،
قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [ طه:132]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبتْ نضح في وجهها الماء ، و رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجَها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أيقظ الرجلُ أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .
قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [سورة: التحريم - الآية: 6]
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
[*] قال النووي رحمه الله :
(1/217)
"قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره. ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته".
{ تنبيه } :إن تعليم الزوج لزوجته الضروري من أمور دينها أهم من النفقة والمبيت أن يعلمها الزوج أمور دينها وبخاصة إذا كانت المرأة لم تأخذ من التعليم الشرعي ما يكفيها في أمور دينها ودنياها، وعلى الزوج أن يتخذ من الوسائل الشرعية ما يُكمّل به هذا الجانب، والرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعلم نساءه أمور دينهن، وزوّج رجلاً من الصحابة امرأة على ما معه من القرآن.
وهذا الأمر تساهل فيه كثير من الأزواج فالله المستعان.
[*] قال ابن الجوزي في أحكام النساء (22) : " المرأة شخص مكلف كالرجل ، فيجب عليها طلب علم الواجبات عليها ، لتكون من أدائها على يقين.فإن لم يكن لها أب ، أو أخ ، أو زوج ، أو محرم ، يعلمها الفرائض ، ويعرفها كيف تؤدي الواجبات كفاها ذلك ، وإن لم تكن سألت وتعلمت ، فإن قدرت على امرأة تعلم ذلك ، تعرفت منها ، وإلا تعلمت من الأشياخ ، وذوي الأسنان من غير خلوة بهم ، وتقتصر على قدر اللازم ، ومتى حدثت حادثة في دينها سألت عنها ، ولم تستح ، فإن الله لا يستحي من الحق " ا.هـ.
وقال رحمه الله في كتاب "صيد الخاطر " (110) : " نظرت في أحوال النساء فرأيتهن قليلات الدين ، عظيمات الجهل ، ما عندهن من الآخرة خبر لِلَّهِ إلا من عصم الله " .
[*][*][*][*]
(15) ألا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها :
ألا يفشي سرها وألا يذكر عيبها إذ هو الأمين عليها والطالب برعايتها والزود عنها ، ومن أخطر الأسرار أسرار الفراش ولذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - إذاعتها .
( حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها .
(
(1/218)
حديث أسماء بنت يزيد الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :عسى رجل يحدث بما يكون بينه و بين أهله أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها و بين زوجها فلا تفعلوا فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في ظهر الطريق فغشيها و الناس ينظرون .
[*][*][*][*]
(16) أن يعدل بينها وبين ضرتها :
من حقوق الزوجة التي عدّد زوجها ، فإن كان للرجل أكثر من زوجة وجب عليه العدل بينهن ، وقد علق الشارع إباحة التعدد أصلاً على العدل فقال تعالى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } (النساء: 3) ، وقد مال كثير من المعددين وقد ثبت في السنة الصحيحة النكير الشديد على ذلك كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقُه مائل ) معنى شقُه مائل : أي أحدى جنبيه و طرفه مائل أي مفلوج ،
والله تعالى يقول : (وَلَن تَسْتَطِيعُوَاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً) [النساء/ 129]
{
(1/219)
تنبيه } : المقصود بالعدل: التسوية في حقوقهن التي يمكن للزوج التسوية فيها بينهن ؛ من القَسْم والنفقة والكسوة ، فيعدل بينهن في المأكول والمشروب والملبوس والسكنى والبيتوتة ، وفي تهيئة مسكن لكل واحدة منهن على حدة، لكنه لا يطالب بالعدل فيما لا يملك كميل القلب والمحبة ونحوها، لقوله تعالى { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } (النساء: 129)، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه- أي المبيت- فيعدل ويقول(اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) رواه ابن حبان .
[*] قال الإمام الترمذي رحمه الله : فلا تلمني فيما لا أملك: يعني الحب والمودة.
مسألة : لو تبرعت إحدى الزوجات بيومها إلى أخرى فهل يجوز ذلك ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أنه يجوز ذلك ،
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة ، تبتغي بذلك رضا رسول الله .
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) خَشيَت سودةُ أن يطلقها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : (لاَ تُطَلّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ } )
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد السفر أقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه،
(
(1/220)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة ، تبتغي بذلك رضا رسول الله .
وكان عليه الصلاة والسلام يراعي العدل وهو في مرض موته حتى أذن له زوجاته فكان في بيت عائشة، وكان لمعاذ بن جبل امرأتان فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء.
وهاك صفوة المسائل في القَسْمِ بين الزوجات حتى يتضح لك الأمر وضوحاً جلياً :
مسألة : هل يجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في القسم ؟
نعم يجب ذلك ، لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء / 19]
وليس من المعروف أن يقسْم لهذه ليلة و لهذه ليلتين ، وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الميل إلى إحدى الزوجات عن الأخرى ،
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقُه مائل ) معنى شقُه مائل : أي أحدى جنبيه و طرفه مائل أي مفلوج ،
والله تعالى يقول : (وَلَن تَسْتَطِيعُوَاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً) [النساء/ 129]
و المراد بالعدل هنا : في القسم و الإنفاق لا في المحبة لأنها مما لا يملكه )
مسألة : لو تبرعت إحدى الزوجات بيومها إلى أخرى فهل يجوز ذلك ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أنه يجوز ذلك ،
(
(1/221)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة ، تبتغي بذلك رضا رسول الله .
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) خَشيَت سودةُ أن يطلقها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : (لاَ تُطَلّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ } )
مسألة : ما هو عماد القسم ؟
من كان عمله بالنهار ( يكون القسم بالليل )
ومن كان عمله بالليل ( يكون القسم بالنهار )
مسألة : هل يجب القسمة للزوجة المريضة ؟
يجب على الزوج إن كان له أكثر من زوجة أن يساوي بينهن في القسم ، أي في توزيع الزمن بينهن . فيقسم بين أزواجه بلا استثناء، سواء كانت مريضة أو حائضاً أو نفساء أو غير ذلك ، فإن المراد بالقسم هو حصول الأنس بالزوج ولو لم يحصل الوطء .
مسألة : هل يقسم الرجل لحائض أو نفساء ؟
نعم يقسم الرجل للحائض و النفساء ، وإن كان لا يتمتع بالوطأ ، لأن القسم هو أن يأتي إليها و ينام عندها ويؤنِسُها .
{ تنبيه } : النفساء إذا كانت في بيت زوجها فلها القسم ، وأما إذا كانت في بيت أهلها فلا تُلزمه بالقسم ولا تطالبه بالقضاء على ما فات )
مسألة : هل يعني القسم لزوم حصول الجماع من الزوج ؟
ولا يعني القسم لزوم حصول الجماع من الزوج، فإن جامع بعض أزواجه وترك بعضهم فإنه غير آثم، إلا أن يضر ببعض أهله .
ويحرم على الزوج أن يدخل على أحد نسائه في غير ليلتها إلا لضرورة .
[
(1/222)
*] قال الشيخ محمد بن إبراهيم : إذا كانت الليلة المعينة ليلة ضرتها فيحرم عليه أن يفعل ذلك لأنه ظلم للضرة فلم يجز له إلا لضرورة . أما إن كان ضرورة دعت إلى أن يأتي بيتها فإن الضرورات لها أحكامها والضرورات جنسها معروف: كحدوث حريق، أو مرض مفاجئ لها، أو لمن تبعها، وقد تكون ضرورات دون ذلك (1) .
وأما الدخول نهاراً على المرأة في غير ليلتها فجائز للحاجة، لقضاء حوائج ، أو سؤال عن مريض ، أو تفقد لأحوال أهل البيت ، ونحو ذلك
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح أبي داوود ) قالت :
وقالت رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها.
فالحديث مصرحٌ بأنه يجوز للزوج أن يطوف على نسائه نهاراً وأن يقبل ويفعل كل شيء إلا الجماع .
مسألة : لو كانت امرأةٌ كبيرة في السن وقال لها زوجها إني لا أريد أن أقسم لك ، فهل تُحبين أن تبقي عندي في عصمتي بدون قسم وإلا طلقتك ، واختارت أن تبقى في عصمته بدون قسم ، فهل يجوز ذلك ؟
القول الصحيح الذي دلت عليه السنة الثابتة الصحيحة أن هذا جائز :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) خَشيَت سودةُ أن يطلقها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : (لاَ تُطَلّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ } )
مسألة : هل يجوز أن يبدأ بإحداهن في القسم بدون قُرعة ؟
لا يجوز إلا برضاهن ، لأن البدأ بها تفضيلٌ لها و التسوية واجبة .
مسألة : هل يجوز أن يسافر بإحداهن بدون قرعة ؟
لا يجوز إلا برضاهن ، لأن السفر بإحداهن بدون قرعة تفضيلٌ لها و التسوية واجبة .
(
__________
(1) . فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم (10/281-282)
(1/223)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة ، تبتغي بذلك رضا رسول الله .
مسألة : إذا سافرت المرأة بغير إذن زوجها فهل لها قسم ؟
لو سافرت بغير إذنه فليس لها ( قسم ولا نفقة ) لأنها ناشز من ناحية ، ولأنها فوتت فرصة الاستمتاع مختارة لذلك .
{ تنبيه } المقصود بـ( ليس لها قسم ) أي لا يلزمه القضاء إذا رجعت من السفر لأنها هي التي اختارت ذلك .
مسألة : إذا سافرت بإذنه في حاجة خاصة بها مثل أن تزور والديها ، فهل لها قسم ؟
ليس لها قسم في الأيام التي سافرت فيها ، بمعنى أنها لا تلزمه بقضاء هذه الأيام وذلك لأنها اختارت ذلك بسفرها ، ولكن لها النفقة ، لأنها سافرت بإذنه .
مسألة : إذا كان للإنسان إماء كثيرة فهل يجب أن يقسم بينهن ؟
لا يجب عليه أن يقسم بينهنَّ ، بل يطأ من شاء متى شاء .
لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ) (النساء / 3)
فدلَّ ذلك على أن ملك اليمين لا يجب فيه القسم وكذا أمهات الأولاد لا يجب القسم بينهن .
مسألة : إن تزوج الرجل بكر وعنده زوجات كيف يقسم ؟
يقيم عند البكر سبعاً ثم يقسم .
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاث ثم قسم.
مسألة : إذا تزوج ثيباً و عنده زوجات كيف يقسم ؟
يقيم عندها ثلاثة ثم يقسم ،
(حديث أنس الثابت في الصحيحين ) قال : من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاث ثم قسم.
مسألة : ما هي الحكمة من الفرق بين البكر و الثيب في ذلك ؟
(1/224)
الحكمة في ذلك لأمرين :
( 1) رغبة الرجل في البكر أكثر من رغبته في الثيب فأعطاه الشارع مهلة حتى تطيب نفسه .
( 2) أن البكر تنفر من الرجل أكثر من نفور الثيب ، فجعلت هذه المدة حتى تطمئن ولا تنفر من الزوج .
مسألة : لو أحبت الزوجة الثيب أن يقيم الزوج عندها أكثر من ثلاث ، هل يجوز ذلك ؟
يجوز ذلك ، بشرط أن يقضي مثلهن لبقية الزوجات ، بمعنى أنه إذا أقام عندها سبعاً يقيم عند كل زوجة سبعاً ،
( حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال : ليس بك على أهلكِ هَوَان ، إن شئتِ سبَّعتُ لكِ ، وإن سبَّعتُ لكِ سَّبعتُ لنسائي .
مسألة : ما الحكمة في أن الزوج إذا سبع للثيب سبع للباقيات ، مع أن حقها ثلاث فيكون الزائد على حقها أربعة أيام ؟
الحكمة أولاً : هي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سلمة رضي الله عنها ،
( حديث أم سلمة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال : ليس بك على أهلكِ هَوَان ، إن شئتِ سبَّعتُ لكِ ، وإن سبَّعتُ لكِ سَّبعتُ لنسائي .
ثانياً : ولأنها لما أخذت الزيادة على الأخريات وكانت الأخريات في انتظار الزوج أن يأتي لهن عن قريب ، صار نصيبها أن حصل لها سبع أيام ، ثم هي في الحقيقة لا تُجبر على ذلك بل باختيارها فلا ظلم عليها .
{
(1/225)
تنبيه } :وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس بك على أهلك هوان) أي لن ينقص شيء من حقك، فحقك كامل غير منقوص . والسنة كما جاء في الحديث، أن الرجل يمكث عند الثيب ثلاث ليال متواليات وهذا حق لها ، ثم يدور على نسائه ليلة ليلة، أو يمكث عندها سبع ليال متواليات، ثم يطوف على نسائه الأخريات سبعاً ثم يقسم لها معهن، فالحق للمدخول بها إن شاءت سبعاً وإن شاءت ثلاثاً، على التفصيل السابق. وإن كان المدخول بها بكراً فإن الرجل يمكث عندها سبع ليال متوالية بلا قضاء، ثم يقسم، وهو حق البكر .
مسألة : إذا مرض الرجل هل يسقط القسم ؟
إذا مرض الزوج فإن مرضه لا يسقط القسم، فيدور على نسائه، ولا يمكث عند إحداهن إلا إذا أُذِنّ له.
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: ( أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ ) يريد يوم عائشة . فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
فانظر رعاك الله ، إلى عدله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه حتى في حال مرضه ، مما يدل على أن الزوج مطالب ببذل الجهد في تحقيق العدل بين زوجاته .
[*][*][*][*]
(17) أن يتعاهدها بالهدايا التي تجلب المحبة :
فالهدية لها أثرٌ بالغ في تحقيق السعادة ودوام المحبة والألفة ، إن الهدية تذهب السخيمة، وتزيل البغضاء، ومهما كانت الهدية بسيطة ويسيرة فإن لها من الآثار النفسية ما يصعب حصره وتعدد مزاياها. فتهادوا تحابوا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تهادوا تحابوا.
[*][*][*][*]
(18) ألا يمنعها من زيارة أهلها :
(1/226)
أن لا يمنعها من زيارة أهلها لأن هذا ينافي العشرة بالمعروف إلا إذا خشيَ مفسدةَ كما لو علم أن أمها تفسدها عليه فهنا يجوز منعها من ذلك إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درءا للمفسدة ، وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذورا لقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، والله أعلم .
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ويخببها عليه ، فقد جاء في الحديث : " ليس منا من خبب امرأة على زوجها " ، ومعناه أفسد أخلاقها عليه وتسبب في نشوزها عنه ، والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم .
[*] يجب على أم الزوجة تنصح ابنتها بما فيه مصلحتها، وينبغي أن لا تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في بيت ابنتها.. وما يقال عن أم الزوجة يقال أيضاً عن أم الزوج .. مع الفرق في المنزلة إذ أن أم الزوج لها من الحقوق على ابنها في بيته ما ليس لأم الزوجة في بيت ابنتها.
وإنما ذكرنا ذلك لأن هناك بعض الأمهات لا تترك شاردة ولا واردة في بيت ابنها أو ابنتها إلا وتتدخل فيها، بل ربما توغر صدر ابنتها على زوجها، أو توغر صدر ابنها على زوجته، فتتسبب في تشتيت أسرة وتفريق جمعها، وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم ممن سعى للإفساد بين الرجل وزوجته فقال عليه أفضل الصلاة والسلام : "ليس منا من خبب امرأة على زوجها".
وأسوق هذه القصة لتتأسى بها كل امرأةٍ تريد الخير لابنتها : في قصة القاضي شريح :
.. فلما كان رأس الحول .. جئت من عملي .. وإذا بأم الزوجة في بيتي..
فقالت (أم الزوجة) لي : كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة .... قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب..
(
(1/227)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده .
{ تنبيه } : هذا ما تبين لي من حقوق المرأة على زوجها على سبيل المثال لا
الحصر ، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة شرعية هي أن خير الناس من كان خيراً لأهله ، فكلما كان الإنسان أقرب إلى هذا القول كان أكثر امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر تأسياً به - صلى الله عليه وسلم - .
(حديث عائشة الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلي .
(19) المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها :
(1/228)
فقد يكون لها مال من إرث أو عطية أو راتب شهري تأخذه من عملها، فاحذر التعرض له لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا وعداً ولا وعيداً إلا برضاها، قال الله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً [النساء:4] وقد كان رسول الله أميناً على مال زوجته خديجة فلم يأخذ إلا حقه ولم يساومها ولم يظهر الغضب والحنق حتى ترضيه بمالها! قال تعالى محذراً عن أخذ المهر الذي هو مظنة الطمع وهو من مال الزوج أصلاً: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:22،21]. فما بالك بأموال زوجتك التي تكد وتتعب لتجمعها. وأخذ المال منها ينافي قيامك بأمر القوامة، ووجوب النفقة عليها حتى وإن كانت أغنى منك، وليحذر الذين يتعدون على أموال زوجاتهم ببناء مسكن أو استثمار ثم يضع مالها باسمه ويبدأ يستقطعه، فإنه مال حرام وأخذ مال بدون وجه حق، إلا بإذن صاحبه.
(20) حق الخلع :
ولنا هنا وقفة عظيمة مع موضوع الخلع فقد صار الناس فيه على طرفي نقيض بين إفراطٍ وتفريط ، والحق هو الحسنة بين السيئتين ، وفصل الخطاب في موضوع الخلع من حيث جوازه وعدمه أنه على التفصيل الآتي :
أولاً الأصل في المسألة النهي عن طلب الخلع من غير بأس فقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن طلب الطلاق من أزواجهن من غير بأس ، وعليه يحمل :
( حديث ثوبان الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أيُما امرأةٍ سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرامٌ عليها رائحة الجنة.
(
(1/229)
حديث ثوبان الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
المختلعات هن المنافقات .
( المختلعات هن المنافقات ) أي اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن لغير عذر هنّ منافقات نفاقاً عملياً .
ولا شك أن هذا الحديث الشريف يدل على حرمة طلب المرأة الطلاق من زوجها من غير بأس ، ولكن إذا ترجحت في ذلك مصلحة شرعية، أو إذا ترجحت في استمرار الزواج مفسدة شرعية، جاز لها أن تطلب الطلاق.
قال الله تعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } [البقرة:229].
[*] قال ابن كثير رحمه الله :
"وقوله: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } أي: لا يحل لكم أن تضاجِروهن وتضيِّقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه كما قال تعالى: { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } . فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها فقد قال تعالى: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هُنِيئًا مَّرِيئًا } . وأما إذا تشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها، ولهذا قال تعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ.. } الآية".
(
(1/230)
حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله : (أتردين عليه حديقته). قالت: نعم، قال رسول الله : (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة).
ولأن المرأةً إذا أقدمت على طلب الخلع فقد انقطعت أعذارها عند زوجها فلم يبقَ لها عذراً يلتمسه لها ، وتكون قد أزالت نعمتها بيدها طواعيةً ، فوجب على زوجها أن يُسارع في تلبيةِ طلبها للخُلْعِ بسرعةٍ وإنجاز دون تروي ، ووجب عليه أن يزهدَ فيها زُهْدَ مَنْ في القبور طالما أنها طلبت مثل هذه الأمور واجترئت على ذلك ولم ترى أن ذلك أمرٌ محظور أو أنه من دواهي الأمور ، وليس له أن يقول ربما تقصد أو لا تقصد لأنها تكون ذبحت نفسها بغير سكين ثم هي التي أدخلت نفسها هذا المضيق باختيارها، ومن زرع الشوك لا يجني عنبا ، ومن ألقى بنفسه في النار احترق بها ، وليس له أن يقول لها: كوني بردا وسلاما علي كما كنت على إبراهيم ، فإذا أحرقته النار وهو يصرخ ويطلب الإنقاذ دون جدوى ، كان هو الذي أحرق نفسه ، لأنه الذي عرضها للنار بإرادته واختياره .
[*][*][*][*]
{ ثانياً :حقوق الزوج على زوجته }
{ عِظَم حق الزوج }
[*] بيان عظم حق الزوج :
حق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة/228.
[*] قال الجصاص :
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه .
[*] وقال ابن العربي : هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها .
ودلت السنة الثابتة الصحيحة على أن حق الرجل على المرأة عظيم وهاك غيضٌ من فيض ونقطةٌ من بحر مما ورد في ذلك :
(
(1/231)
حديث أبي سعيد الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه .
(فلحستها) : أي بلسانها غير متقذرة لذلك ( ما أدت حقه )
[*] حكى البيهقي في الشعب أن أسماء بنت خارجة الفزاري لما أراد اهداء ابنته إلى زوجها قال لها : يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً ولا تدني منه يملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلت لأمك :
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
( حديث معاذ الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لو تعلم المرأة حق الزوج لم تقعد ما حضر غداؤه و عشاؤه حتى يفرغ منه .
( لم تقعد ) أي تقف ( ما حضر غداؤه وعشاؤه ) أي مدة دوام حضوره ( حتى يفرغ منه ) لما له عليها من الحقوق وإذا كان هذا في حق نعمة الزوج وهي في الحقيقة من اللّه تعالى فكيف بمن ترك شكر نعمة اللّه .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لَوْ كُنْتُ آمراً أحَداً أنْ يَسْجُدَ لأِحَدٍ، لأمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا".
(لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) فيه تعليق الشرط بالمحال لأن : السجود لمخلوق لا يجوز وأخبر المصطفى أن ذلك لا يكون ولو كان لجعل للمرأة في أداء حق الزوج ، وفيه تأكد حق الزوج وحث على ما يجب من بره ووفاء عهده والقيام بحقه ولهن على الأزواج ما للرجال عليهن .
(حديث مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لاَ تُؤْذِي امْرَأةٌ زَوْجَهَا فِي الدّنْيَا. إِلاّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا".
[
(1/232)
*] وبينت السنة الثابتة الصحيحة أن طاعة الزوج من موجبات الجنة كما أن معصيته تكون سبباً في سخط الله ولعنة الملائكة له.
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(فأبت) : امتنعت بلا عذر ( فبات ) أي فبسبب ذلك بات وهو ( غضبان عليها ) فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة . قال العراقي : وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها .
[*] قال الإمام النووي - رحمه الله - كما في شرح مسلم ( 5/261)
هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع، لأن له حقا في الاستمتاع بها فوق الإزار
ومعني الحديث: أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية لطلوع الفجر والاستغناء عنها أو توبتها ورجوعها إلى الفراش.
( حديث حصين بن محصن الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
انظري أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك و نارك .
(
(1/233)
انظري أين أنت منه ؟ ) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودّة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه ( فإنما هو ) أي الزوج ( جنتك ونارك ) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال : أذات زوج أنت؟ قالت : نعم قال : كيف أنت منه؟ قالت : لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما : عبد آبق من مواليه حتى يرجع و امرأة عصت زوجها حتى ترجع .
(لا تجاوز صلاتهما رءوسهما ) :لا ترفع إلى الله تعالى في رفع العمل الصالح بل أدنى شيء من الرفع أحدهما ( عبد ) يعني قن ولو أنثى ( آبق) أي هارب ( من مواليه ) أي مالكيه إن كانوا جماعة ومن مالكه إن كان واحداً فلا ترفع صلاته رفعاً تاماً ( حتى يرجع ) إن الطاعة إن هرب لغير عذر شرعي ( و ) الثاني ( امرأة عصت زوجها ) بنشوز أو غيره مما يجب عليها أن تطيعه فلا ترفع صلاتها كما ذكر ( حتى ترجع ) إلى طاعته ، فإباقه ونشوزها بلا عذر كبيرة قالوا : ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فالصلاة الثابت في صحيحة لا يجب قضاؤها لكن ثوابها قليل أو لا ثواب فيها أما لو أبق لعذر كخوف قتل أو فعل فاحشة أو تكليفه على الدوام ما لا يطيقه أو عصت المرأة بمعصية كوطئه في دبرها أو حيضها فثواب صلاتهما بحاله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال في المهذب : هذا الحديث يفيد أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه.
[
(1/234)
*] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج" [مجموع الفتاوى 32/260].
[*] قال الإمام أحمد -رحمه الله- عن زوجته عباسة بنت الفضل -رحمها الله-، أم ولده صالح: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة. ثم ماتت -رحمها الله-. [تاريخ بغداد].
[*] قالت أم حُميد: كن نساء المدينة إذا أردن أن نبنين بامرأة على زوجها بدأن بعائشة فأدخلنها عليها، فتضع يدها في رأسها تدعو لها وتأمرها بتقوى الله وحق الزوج.
[*] حقوق الزوج على زوجته جملةً وتفصيلا
{ حقوق الزوج على زوجته جملةً } :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) طاعة الزوج في غير معصية :
(2) حفظ غيبة الزوج في نفسها وماله :
(3) أن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما :
(4) أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه حتى تصل إلى النتيجة المرجوة [ تسرك إذا أبصرت ]
(5) أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه :
(6) أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق
(7) ألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش :
(8) و أن لا تسأل الطلاق من غير بأس :
(9) أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد .
(10) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه :
(11) أن تشكر له ولا تكفره :
(12) أن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه:
(13) أن تحد عليه إذا مات أربعة أشهر وعشرا:
(14) وجوب خدمة المرأة لزوجها
(15) لا تصف امرأةٍ لزوجها كأنه ينظر إليها فربما وقعت في قلبه ، ويجب ذلك عليها لأنه يجب عليها أن تعمل على ما يصون دينه .
(16) أن تبر أهله من والدين وأخوات .
[*] وإليك حقوق الرجل على زوجته بشيءٍ من التفصيل لأهميته البالغة :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) طاعة الزوج في غير معصية :
(1/235)
من حق الرجل على المرأة أن تكون دائمة الطاعة : قال تعالى: (فَالصّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [سورة: النساء - الآية: 34]
فقد امتدح الله تعالى المرأة الصالحة بصفتين صفة يحبها الزوج حال وجوده وهي أن تكون قانتة أي دائمة الطاعة و صفة يحبها الزوج حال غيابه وهي أن تحفظ غيبته .
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
(وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك ) ومن فاز بهذه فقد وقع على أعظم متاع الدنيا وعنها قال في التنزيل : { قانتات حافظات للغيب }
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت .
[*] قال الرازي رحمه الله:
إن الزوج كالأمير والراعي، والزوجة كالمأمور والراعية، فيجب على الزوج بسبب كونه أميراً وراعياً أن يقوم بحقها ومصالحها، ويجب عليها في مقابلة ذلك إظهار الانقياد والطاعة للزوج. وقد علق الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخولها الجنة بطاعة زوجها كما في الحديث الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت .
ولقد بلغ حقه عليها في الطاعة أن يمنعها من نوافل العبادات، ويجب عليها الطاعة كما في الحديث الآتي :
(حديث هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره).
(1/236)
والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون إذن زوجها الحاضر، وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور، فلا يجوز لها أن تفوته عليه بانشغالها بالنوافل، وعلى هذا إذا أراد الاستمتاع جاز ولو بفساد صيامها، وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها أن تصوم تطوعاً إذا كان الزوج غائباً.
[*] قال ابن الجوزي رحمه الله:
"وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها، أن تجتهد في مرضاته، وتتجنب ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكره، أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها أو آثر غيرها"(1).
ومعرفة الزوجة لما يحبه زوجها ويكرهه من الأقوال والأعمال فتقوم به، إنما هو من أركان سعادتها داخل بيتها ومما يكون عوناً لها بعد الله تعالى على طاعة زوجها .
( حديث حصين بن محصن الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
انظري أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك و نارك .
(انظري أين أنت منه ؟ ) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودّة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه ( فإنما هو ) أي الزوج ( جنتك ونارك ) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال : أذات زوج أنت؟ قالت : نعم قال : كيف أنت منه؟ قالت : لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع و امرأة عصت زوجها حتى ترجع .
{
__________
(1) أحكام النساء.
(1/237)
تنبيه } ومما يساعد المرأة على طاعة المرأة لزوجها أن تتعرّف على طِباع فتعرفُ ما يُحِبُ فتأتيه وما يكره فتجتنبه فإنه أحرى أن يؤدمَ بينهما ، وهآنذا أسوق لكِ أختي المسلمة (التقيةٍ النقية ، العفيفةً الحييِّة ، الحرةً الأبيَّة) أسوق لكِ هذه القصة المباركة (قصةُ شُرَيْحٍ القاضي وزوجته)لعلها تجد لكِ في سمعكِ مسمعاً وفي قلبك موقِعا عسى الله أن ينفعكِ بها ويوفِقِك إلى تطبيقها لأن حسن تبعل المرأة لزوجها يُسْدِل الله به عليها البركة والرحمة والخير .
{ قصةُ شُرَيْحٍ القاضي وزوجته }
[*] روي أن شريحاً القاضي قابل الشعبي يوماً ، فسأله الشعبي عن حاله في بيته فقال له: من عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي!
قال له: وكيف ذلك؟
قال شريح : من أول ليلة دخلت على امرأتي رأيت فيها حسناً فاتناً، وجمالاً نادراً، قلت في نفسي: سوف أتطهر وأصلي ركعتين شكراً لله ، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي . فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء قمت إليها فمددت يدي نحوها ، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، كما أنت، ثم قالت الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأصلي على محمد وآله، أما بعد: إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك ، فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأتركه، وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم ، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي ، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً ، وقد ملكت فاصنع ما أمرك به الله ، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.
قال شريح : فأحوجتني- والله- يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأصلي على النبي وآله وسلم، وبعد: فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظك ، وإن تدّعيه يكن حجة عليك . أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
(1/238)
فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟
قلت: بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء .
قال شريح : فبت معها بأنعم ليلة ، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب.. فلما كان رأس الحول .. جئت من عملي .. وإذا بأم الزوجة في بيتي..
فقالت (أم الزوجة) لي : كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة .... قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب.. قال الزوج: فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً.
[*] لله درُّ هذه المرأة الصالحة ما أشدَّ حِرصَها على الخير في التعرف على طِباع زوجها من أول ليلةٍ في زواجها فتتعرف على ما يُحب لتأتيه وما يكره فتجتنبه لأن ذلك هو السبيل الموصل إلى طاعة زوجها لله درُّها من امراةٍ كانت كما أرادها ربها ثم زوجها ( تقيةٍ نقية ، عفيفةً حييِّة ، حرةً أبيَّة ، تحفظ غيبته وتصون كرامته وترافقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، وتُعِينه على الطاعة وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة)
بخلاف بعض النساء اللاتي تنكرن للأدب رافعةً شعار الندية لزوجها ضاربة بمبدأ القوامة الذي أقره القرآن الكريم عرض الحائط فهي دوما تحرص علي أن تكون صاحبة القرار في إدارة حياتها الأسرية مستشعرة دائما أنها في صراع لابد أن يكون لها الغلبة فيه متناسية أبسط قواعد طاعة الزوج والتفاهم والحوار متمسكة بحبال الغرب مستجيبة لدعاوى المساواة العمياء
{ تنبيه } إن الحياة المشتركة ينبغي أن تكون مبنية على التفاهم والتحاور والتشاور، ولكن القوامة ينبغي أن تكون للرجل كما قال ربنا تبارك وتعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } [النساء: 34].
(1/239)
وهناك حقيقة لابد أن تعلمها المرأة المثقفة، وأن تتذكرها دائمًا، وهي أن الرجل السويّ لا يحب المرأة المسترجلة التي ترفع صوتها على صوته، والتي تشاجره في كل أمر، وتخالفه في كل رغبة، وتسارع إلى ردِّ رأيه أو ما يقول، إن هذا الرجل ـ إن لم يطلقها ـ عاش معها كئيبًا عابسًا كارهًا، فتكون بذلك قد حرمت نفسها رؤية البهجة المرحة في وجه زوجها ومعاملته، وحرمت بيتها التمتع بالحنان الدافئ، وهي الخاسرة سواء شُرِّد أولادها بالطلاق، وتحطمت نفسيتها بالترمُّل، أم بقيت في بيت تعلوه سحب المصادمات اليومية، والحرائق النزاعية.
إن الزوجة الزكية هي التي لا تتخلى عن طبيعتها الرقيقة الهادئة الطيبة، إنها كما صورها الحديث الشريف راعية في بيت زوجها، تصونه، وترعاه، إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) .
{ تنبيه } : من أعظم أسباب الألفة بين الزوجين ، واستمرار المحبة بينهما ، هو موافقة الزوجة لزوجها ، وطاعته في غير معصية الله ، ومن أعظم أسباب الشقاء بين الزوجين ؛ مخالفة الزوجة لزوجها، وعصيانه وترك طاعته؛ بل لو أمراها أبواها بفراق زوجها لسببٍ غير قادح في دينه، فإنها لا تطيعهما في ذلك، بل طاعة زوجها أحق وأوجب.
ولتعلم المرأة المتزوجة أن طاعتها لزوجها هو تعبد لله ، فالله هو الذي خلق الذكر والأنثى، وهو -سبحانه- الذي جعل القوامة للرجل، بما أعطاه الله تعالى من المقومات الحسية والمعنوية، والتركيب البدني. فإذا نظرت الزوجة إلى قضية طاعة الزوج على أنها تعبد لله، وطاعة له، سكن قلبها، وتلذذت بتلك الطاعة، وإن نظرت من جهة أنه لا فرق بين الذكر والأنثى في مسألة القوامة والطاعة، لم تستقر سفينة الحياة الزوجية على قرار، وأوشكت على الغرق .
{ تنبيه } : هذه الطاعة للزوج مشروطة بما ليس فيه معصية لله عز وجل، فإنه إن أمرها بما فيه معصية لله عز وجل فلا طاعة له في هذا الأمر .
(
(1/240)
لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف).
( حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
[*] قال ابن الجوزي في (أحكام النساء) (ص 81):
((على ما ذكرنا من وجوب طاعة الزوج ، فلا يجوز للمرأة أن تطيعه فيما لا يحل، مثل أن يطلب منها الوطء في زمان الحيض، أو في المحل المكروه، أو في نهار رمضان، أو غير ذلك من المعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى )).
[*][*][*][*]
(2) حفظ غيبة الزوج في نفسها وماله :
من حق الرجل على المرأة أن تحفظ غيبة الزوج في نفسها وماله: قال تعالى: (فَالصّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [سورة: النساء - الآية: 34]
فقد امتدح الله تعالى المرأة الصالحة بصفتين صفة يحبها الزوج حال وجوده وهي أن تكون قانتة أي دائمة الطاعة و صفة يحبها الزوج حال غيابه وهي أن تحفظ غيبته .
( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ): ومن طبيعة المؤمنة الصالحة ومن صفتها الملازمة لها بحكم إيمانها وصلاحها كذلك أن تكون حافظة لحرمة الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته فلا تبيح نفسها في نظرة أو نبرة ما لا يباح إلا له، بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
( وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك ) ومن فاز بهذه فقد وقع على أعظم متاع الدنيا وعنها قال في التنزيل : { قانتات حافظات للغيب }
{ تنبيه } : لقد كان القرآن مبدعًا أيما إبداع حين سمى ما بين الزوج وزوجه من
(1/241)
خصائص وحرمات 'غيبًا' ليضفى على الحياة الزوجية مسحة من القداسة، ويسبغ عليها لونًا من الصون والمهابة، وتكون هذه الأسرة آمنة على أسرارها حافظة لأعراضها حرية بالاحترام والتقدير.
مسألة : ما معنى حفظ غيبة الزوج ؟
معنى حفظ غيبة الزوج : أي يحفظن أنفسهن عن الفاحشة وأموال أزواجهن عن التبذير والإسراف، ويحفظن ما بينهن وبين أزواجهن من أسرار وخصوصيات ، إن عدم حفظ غيبة الزوج تقلع جذور المحبة من قعر قلب الزوج لا محالة لأنها تتعلق بأنفس شيء عند الزوج وهو شرفه وعِرْضه .
أن حفظ الغيب أن تحفظ الزوجة تتضمن :
1ـ حفظ نفسها عن الفاحشة في غياب زوجها.
2ـ حفظ ما بينها وبين زوجها من أسرار وخصوصيات.
3ـ حفظ أموال زوجها عن التبذير والإسراف.
وإليك شرح ذلك بشيءٍ من التفصيل :
[1] أن تحفظ الزوجة نفسها عن الفاحشة في غياب زوجها:
حفظ الغيب عزيزتي الزوجة خاص بالزوج والزوجة ، فلماذا اختص الله المرأة في القرآن بهذه الصفة فقال: { حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ } [النساء:34] ولم يخص الرجل بآية بأنه حافظ للغيب، مع أنه شريك لها في هذا الغيب، ووارد أنه قد يتحدث فيه ويكشفه لغيره ؟
والجواب أنه لما كان الزوج كثير الغياب عن بيته، كثير الأسفار جعل القرآن حفظ هذا الغيب من خصوصيات الزوجة، لأنها تستطيع إن أرادت أن تعبث بهذا الغيب فتمارس الفاحشة أو تسرف في المال أو تهتك حجب الأسرار دون علم أحد.
ولا شك أن هناك من الرجال من لا يحفظ الغيب كاشف للسر، هاتك للعرض، ولكن تظل المرأة هي عصب هذا الأمر، لذلك بدأ الله بالمرأة عند توقيع العقوبة في هذا الأمر فقال: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [النور:2]
والمرأة عزيزتي الزوجة درة مصونة في الإسلام لها كرامتها وحرمتها، لأنها الزوجة والأم والمحضن النفسي والعاطفي وأيضًا التربوي، فإن كانت خائنة للغيب اختلطت الأنساب وتفككت الأسرة وضاع المجتمع.
(1/242)
وفي زماننا نسمع ونقرأ ونشاهد من حالات الخيانة الزوجية واتخاذ الخدن والصديق وارتكاب الفواحش على أسرة الغائبين ما يحزن القلوب.
وخص الله أيضًا المرأة بحفظ الغيب لأن الله يعلم طبيعة المرأة { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]
[2] أن تحفظ الزوجة وما بينها وبين زوجها من أسرار وخصوصيات:
إن إفشاء أسرار الفراش حرام بإجماع العلماء.
وقد أورد الشوكاني في 'نيل الأوطار' وجه التحريم في إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع، قيل: وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الاستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع.
وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة أو من التكلم بما لا يعني [[ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ]
وهذا لا يعني أيضًا ـ حتى لا يفهم البعض خطأ ـ أننا لا نعلم من أمور دنيانا ومنها الجماع وأحكامه ما ينفعنا، وقد يظن بعض الناس أن الحديث عن الجماع وآدابه وحكمه مناف للوقار والورع، والحقيقة أن ذلك ظن في غير محله، ذلك أن الدين لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحاط بها إما تفصيلاً أو إجمالاً، فالحديث عنه ليس بدعًا من القول بل نطقت به أدلة الشرع وتكلم فيه علماء السلف بما يشفي ويلم. والذي ينافي المروءة والوقار والورع إنما هو الإسفاف وكثرة الكلام فيه بلا داع.
وهنا نقف ونسأل متى تكشف المرأة هذا الغيب؟
الأصل أن المرأة المسلمة تحفظ الغيب وتصون الحرمات وتمسك لسانها، فلا تكشف سرًا ولا تهتك غيبًا، ولو إلى أقرب الناس إليها إلا:
[1] في حالات الضرورة التي بها تقام بها الحقوق وتستبين بها الأمور.
[2] عند حل مشكلة من المشاكل الزوجية بغرض إيجاد الحل المناسب لا بغرض التشهير وكشف عيوب الطرف الآخر، ويقول تعالى: { وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [البقرة:237].
[
(1/243)
3] إذا احتاج الإنسان للفتيا أو العلاج فله أن يتحدث عن أمر الفراش بما تدعو إليه الحاجة.
[4] أن تحفظ الزوجة أموال زوجها عن التبذير والإسراف:
الزوجة المسلمة الحافظة للغيب تحفظ أموال زوجها عن التبذير والإسراف قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [الفرقان:67] ولقد أعجبتني وصية امرأة عوف الشيباني لابنتها قبل زواجها في قولها:وأما السابعة والثامنة فالعناية ببيته وماله والرعاية لنفسه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير.
ماذا تفعل الزوجة في حال بخل الزوج ؟
على الزوجة المسلمة أن تأخذ من أموال زوجها بالمعروف وما يكفي فقط دون علمه، ولا يعتبر هذا خيانة للأمانة ، للحديث الآتي :
( حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
ولكن ليتنبه النساء أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((بالمعروف)) أي في غير إسراف ولا تبذير ، ولا مجاوزة الحد ، بل تأخذ من ماله نفقة مثيلاتها ، ولا تزيد كما يفعل بعض النساء اليوم من إطلاق أيديهن في أموال أزواجهن دون إذنهن بدعوى أنه بخيل ، فيأخذن من ماله ما ينفقنه فيما يغضب الله من الذهاب إلى صالونات تصفيف الشعور ، وصالات التجميل ، والتبذير في الملبس والمشرب ، فهؤلاء محاسبات على تعديهن على أموال أزواجهن لغير حاجة شرعية، ولإفسادهن هذه الأموال.
{
(1/244)
تنبيه } هناك أمران إن امتثلتهما المرأة وحافظت عليهما وعضَّت عليهما بالنواجذ تكون قد صانت حِصنَ غيبة زوجها في نفسها وكانت جوهرةً مصونة ودُرَةً مكنونة ، وكانت عند زوجها في حِصْنٍ ومَنَاعة ، وظلت تعيشُ مع زوجها في عِزَةٍ ووقار وسكينةٍ واستقرار ونقاءٍ يُشبه الأبرار ، وكانت كما أرادها ربها ثم زوجها ( تقيةٍ نقية ، عفيفةً حييِّة ، حرةً أبيَّة ، تحفظ غيبته وتصون كرامته وترافقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، وتُعِينه على الطاعة وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة) وهذان الأمران هما :
(1) : أن لا تكلم رجلاً أجنبياً إلا بإذنه
(2) : وألا تسمح لأحدٍ أن يُخَبِبْهَا على زوجها، وسوف أتكلم عنهما بشيءٍ من التفصيل لخطورتهما
أولاً : من حفظ غيبته ألا تكلم رجلاً أجنبياً إلا بإذنه
( حديث عمرو ابن العاص رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن .
[ نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن ] لأنه مظنة الوقوع في الفاحشة بت سويل الشيطان ، ألا فلتحذر العاقلة ولْتَنْتَبه الغافلة فلا تتساهل في الكلام مع
رجلٍ أجنبيٍ عنها بغير إذن زوجها فربما أفضى ذلك بها إلى الهوةِ السحيقة ، وربما كان ذلك سبباً في هلاكها في الدنيا والآخرة ، وربما زَلَّت قدمُها بعد ثبوتها وانزلقت في ورطةٍ لا مخرج لها منها أبدا ، ولا تنسى أن الله تعالى يقول : (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ وَمَن يَتّبِعْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ) [سورة: النور : 21]
{ تَذْكِيْرُ التَقِيَة بِخُطُورَةِ المُكَالِمَات الهَاتِفيَة }
{
(1/245)
كلام المرأة مع الرجل عن طريق الهاتف أو غيره من الأمور العاطفية من الحب والغرام والتعلق ، والوصف يدعو للفتنة لها أو بها ، وهو محرم ، وهو ولا شك مقدمة الفاحشة والعياذ بالله ، وهو من خطوات الشيطان لاصطياد العفيفات الغافلات ، فلا يزال الذئب يلين الكلام ، وينسج الخيال ، ويكثر الوعود ، ويحلف الأيمان ، حتى تقع المرأة فريسة بين يديه ، فيا لله كم من أعراض انتهكت ، وكم من محارم اقترفت ، وكم من مصائب وآهات وآلام ، والخطوة الأولى كانت اتصالا عن طريق الهاتف ، . }
وهؤلاء الذئاب الغارقون في سقامة الضمائر ولؤم السرائر وفساد النية وسوء الطوية ، استحوذ عليهم الشيطان والخذلان والطغيان فصدَّهم عن خشية الرحمن وامتثال القرآن ، ران على قلوبهم قبائح الأعمال ، وضُرِب على قلبهم وسمعهم من الذنوب أقفال ، فأعمى بصرهم وبصيرتهم عن رؤية قُبْحِ الفِعَال
وهم يستوطئون الحيلة ويَسْعَوْنَ للرذيلة فهم لا شك كاذبون مخادعون مُصانعون ينصبون المكائد والفخاخ ويدسون السم في العسل لإيقاع الفريسة ، وقد صرح بعضهم أنه يفعل ذلك تارة للعبث ، وتارة لحب السيطرة والإغواء ، وتارة للفخر بأنه أوقع فلانة وفلانة ، والله المستعان .
فيا أيتها الأخت المسلمة الحذر الحذر ، والنجاة النجاة ، فإن من أعز ما تملك المرأة شرفها وحياءها وعفتها ، وهذا الذئب اللئيم لا يتورع عن ذكر فريسته بين المجالس وأنه قال لها كذا ، وفعل بها كذا ، حتى يغدو ذكرها على لسان الفسقة مستباحا ، وربما استدرجها للقاء ، أو سجل صوتها ، أو أخذ صورتها ، فجعل ذلك مادة للابتزاز والتخويف والتوصل إلى ما هو أعظم ، عافاك الله وصانك من كل سوء .
(1/246)
وهذا الذي نذكره ليس كلاما يراد منه تخويفك ، ولكنه إشارة إلى عشرات القصص الواقعية التي وقعت في هذا الزمان ، مع انتشار الهواتف ، وهي قصص محزنة مخجلة ، تدل على مدى قسوة هؤلاء العابثين ، ومدى ضعف المرأة أمام استدراجهم ومكرهم ، وتدل أبين دلالة على عظمة قول ربنا سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 ، فإن الكلمة في الهاتف قد تكون خطوة من خطوات الشيطان ، وهكذا النظرة ، والابتسامة ، ولين الكلام ، يتلقفها من في قلبه مرض ، ويبني عليها جبالا من الأوهام والظنون والخيالات ، تُنتج طمعاً وسعياً ومكراً وتدبيراً في الباطل ،
قال الله تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [ الأحزاب/32]
أي لا تلن في الكلام فيطمع الذي في قلبه فجور ،وإذا كانت الآية في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فغيرهن من باب أولى !
[*] قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/409):
" ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ، أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها " ا.هـ.
[*] قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/14) :
" أمرهن أن لا يلن كلامهن كما تلين المرأة المعطية الليان في منطقها فيطمع الذي في قلبه مرض الشهوة " .
والمرأة ينبغي لها إذا خاطبت الأجانب أن تقوي كلامها ، فإن ذلك أبعد من الريبة والطمع فيها ،ولا تلينه وتكسره ، لأن ذلك يغري بها الرجال وتكون فتنة لهم (1) .
__________
(1) ينظر : مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم (1/368) الكلام على مرض الشهوة .
(1/247)
وهنا سؤالٌ مُلِّحٌ يطرح نفسه - هل تخلو مكالمة هاتفية بين شاب وشابة من الخضوع بالقول ، والضحك وترقيق الكلام وتزيينه ؟! فكيف لا تكون الفتنة ، وكيف لا يكون التعلق ، وكيف لا يطمع القلب المريض ؟!
فلتحرص كلُ امرأةٍ مسلمة على سَدِ كل باب للفتنة السحيقة ولتكن كما أرادها الله تعالى
{ تقيةً نقية ، عفيفةً حييَّة ، حرةً أبيَّة ، لا يطمع فيها طامع ، ولا يرتع حول حِمَاها رَاتِع ، ليست كلأً مُبَاحَا ولا سِلعةً مُتَاحَة }
{ تنبيه } :ألا فلتحذر كلُ امرأةٍ مسلمة من أن تكلِّم أي رجلٍ بغير إذن زوجها لأنها بذلك تفتح على نفسها باب الفتنة السحيقة ، وتغلق بابها أما رياح الفتن المتلاطمة؟!. حتى لا تكون فريسة لأهل المكر والكيد، الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر ، حتى لا يستعصي الداء فلا ينفع دواء
وما أخبار المُعَاكَسَات وما آلتْ إليه من عواقب وخيمة مِنَّا ببعيد ، وسأسوق إليكِ قِصَصٌ تُدْمِي القلوب لما آل إليه حال من استسهلت بفتح باب الفتنة عليها وَكَلَّمَت رجلاً بغير إذن زوجها ، فأسوق هذه القصص تذكرةً للعاقلة وتنبيهاً للغافلة وتقويماً للمائلة :
قصة ضحيةٍ سقطت جريحة ، جرحها ينزف ، ودموعها تذرف، وقلبها منكسر، بسبب ما فقدته من الكرامة ؛ وعلوّ الهامة ؛ فتبدّل ذلك ، فأصبحت ذليلةً، مطأطئة الرأس، مسوّدة الوجه؛ هل يعقل أن تكون قد سقطت من غير سبب ولا مقدمات؟!
كلا.. بل إن لسقوطها بداية ، وهي ( قصة معاكسة).. ربّما ابتدأت بابتسامة، أو كلمة؛ أو رقم هاتف ، ، عادت من بعدها ( ضحية)؛ فجنت على نفسها وعلى غيرها..
فتأمل ما يلي فإن فيه عبرة...
[*] قد لا تتصور إحدى النساء وهي تنزلق في مزالق المعاكسات مع الشباب العابث ما قد يصل إليه أمرها من السوء والخطر الجسيم، حيث تجد نفسها يوماً من الأيام في مأزق عظيم لا مفرّ منه ولا مناص ، ولربما تقع في ورطةٍ لا مخرج لها منها أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة .
(1/248)
ولو أنها تصوّرت ونظرت إلى هذه الخطوة الجريئة من جميع جوانبها لما أقدمت عليها؛ لأن العاقبة الوخيمة ؛ والمصير والمآل الذي تؤول إليه معروف 0
فإما فضيحة وخزي وعار يلحق بهذه المرأة وأهلها، وقد يصل الحال إلى أن يقوم أهلها بقتلها ؛وهذا حدث وليس بدعاً من القول ؛ وإما أن يصرف عنها المعاكس نظره، لأنه إذا حصل على مطلوبه فإنه ليس بحاجة إلى أن يتزوج امرأة ( خائنة ) ، خانت أهلها وثقتهم بها0
ولو حدث وتزوجها فإنه مع ذلك لا يحس بطمأنينة معها، لأنه غالباً ما يعيش خائفاً أن تكرر ذلك الفعل مع غيره؛كما قال القائل:
من أطلعوه على سرٍّ فباح به ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
ولكن يجب أن تعرف المرأة المعاكسة ؛ أن الأصل فيها أنها مرحلة عبور، ووسيلة لقضاء وقت الفراغ ؛ فلا تطمع بأكثر من هذا!
ولو تصوّرت نفسها بغير هذه المنزلة فهي ( مخطئة) ؛ وهذا قول الشباب أنفسهم الذين مرّوا بهذه التجربة.
فالشاب يحتقر المرأة - دون أن يخبرها بذلك- التي تأخذ رقم هاتفه أمام الناس ، لا يثق بها إطلاقاً، لأنه سيسأل نفسه: لماذا وافقت على مبدأ التعارف ؟!، إذن ستوافق مستقبلاً على أن تتعرّف على شاب آخر ؛ وحتى لو حصل وتزوّجا فإنه سيظل يشك في سلوك زوجته ، ويعيد شريط ذكرياته منذ أول لقاء أو اتصال هاتفي!!.
والحقيقة أن هناك أمرا يفعله بعض الشباب المعاكس ، الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وتغفل عنه النساء الساذجات ؛ لأنهن لا يُحطن علماً بما يراد بهن ، ولا يعلمن بما وصل إليه هؤلاء الشباب من المكر والكيد والخديعة0
وهذا الأمر الخطير هو أن بعض الشباب، وأثناء مكالمة الهاتفية مع ( صديقة الغفلة ) يقوم بتسجيل شريط كاسيت بما يدور بينهما من الحديث الغرامي والكلام الفاحش، بل وأحيانا يكون الكلام من أشنع الكلام أقبحه ، وخالياً من الحياء والعفّة، ثم يحتفظ هذا ( الوغد) بذلك الشرط معه.
(1/249)
فإذا فكّرت هذه المرأة أن تُنهي علاقتها معه، وأخبرته بذلك، أظهر ذلك الشريط وهددها به !!
وهنا تنقلب حياتها رأساً على عقب، وتصطدم بجدار الحقيقة ، وتصحو من سباتها العميق، ويحيط بها الخوف والحزن من كل جانب، وتعضّ أصابع الندم على قبيح فعلتها، ولكن حين لا ينفع الندم ، فتعيش صراعاً مريراً، وهي لا تعرف كيف الخلاص ؟ .
فما إن تفكّر بإنهاء علاقتها معه، إلاّ هدّدها بأن يفضح أمرها ويُخْبِرُ زوجها بالشريط، أو أن تبقى صديقة له لتلبّي غرائزه البهيمية !! .
وإذا أرادت التوبة، وترك هذا الطريق الموحش، والرجوع إلى الله، والاستغفار عما كان منها ؛ هددها بالشريط!!0
ومن أسوأ ما تقع فيه بعض النساء الجاهلات : أنها إذا تعرّفت على أحد المعاكسين العابثين الواقعين في أعراض المسلمين أعطته صورها أو صورت معها.
وهذه الصور ستظهر عاقبتها عليها بعد حين، حين تجد أن هذا الحقير قد أمسك لها هذه الصور ممسك الذلة ، فما إن تفكر أدنى تفكير بإنهاء علاقتها معه إلاّ هددها بالصور التي يحتفظ بها0
فلو أرادت أن تتوب هددها بتلك الصور ، فتجد أن هذه المرأة تعاني من الصراعات النفسية التي تثور في داخلها، وقد أوقعت نفسها في متاهة ؛ فإنها تجد أن هذا الحقير مترصّد لها يهددها بصوره معها ؛ إمّا أن تستجيب لمطالبه الدنيئة ؛ أو أنه يوصل هذه الصور إلى زوجها ويدمّر حياتها.
ولعل هذا السفيه تطاوعه في هذا المطلب القذر نظير سكوته، وتظن أن هذا هو الحل، فيزداد في غيّه وتهوّره، وما إن أراد منها شيئاً إلا هددها بالصور؛ وتبقى هي ترضخ لتهديده ، خوفاً من أن ينتشر أمرها، وتفتضح أمام الناس؛ على أن الفضيحة واقعة لا محالة، طال الزمان أو قصر،
(1/250)
فصارت تنتقلُ من دمارٍ إلى دمار ، ومن خِزيٍ إلى عار ، ومن عارٍ إلى شَنَار ، وبعد أن كانت في حَرَمِ زوجها جوهرةً مصونة ، ولؤلؤةً مكنونة ، صارت بفُحْشها خائنةً مفتونة ، وسِلْعَةً مَعْفُونة ، وسِيرتها بين الناسِ سِيِرَةً ملعونة * وبعد أن كانت في حُرمةِ زوجها في حِصنٍ ومَناعة ، صيََّرت نفسها كلأً مباحا ، وسلعةً متاحة * وبعد أن كانت مع زوجها في عزةٍ ووقار ، وسكينةٍ واستقرار ، ونقاءٍ يُشْبِهُ الأبرار ، صيَّرت نفسها في ذِلةٍ وَصَغَار ، وتَشَتُتٍ ودَمَار ، وخِزيٍ وعار ، كأنها مَطْلِيَةٌ بالقار *
(1/251)
والحاصلُ أنها لمَّا جَحَدَت ما أنعم الله عليها من النِعَم وتناست ما غمَرها من المِنَنْ ، وألْقَت بنفسها في براثنِ الفتن ، صارت أهونَ على الله تعالى من الجِعْلان (الخُنْفِساء) التي تدفَعُ بأنفها النَتَن ، ولا عجَب فقد زهدت في الطهارة وغَرِقت في القذارة ، كحالِ الفئران تماماً فإنها لاتجد بُغْيَتها إلا في مواضع القَذرِ والنَتَن ، وما ذلك إلا لِخِسَةِ نفْسِها ودناءةِ طَبْعِها وسواد قلبها ورداءةِ معدنها ، ولو أحبها ربها لعَصَمَها وحَفَظَها عن سُوء فِعْلِها ، وكان سَمْعَها التي تسمعُ به وبصرَها التي تُبْصِرُ به ، ويدها التي تبطشُ بها ورِجلها التي تمشي بها ، ولئن سألته لَيُعْطِيَنَّها ، ولئن اسْتَعاذَته لَيُعِذَنَّها ، لكنه سبحانه أبْغَضَها لسوادِ قلبها فصارت أهونَ على الله تعالى من الجِعْلان (الخُنْفِساء) التي تدفعُ بأنفِها النَتَن * وبعد أن كان زوجُها يفتخرُ بها ، ويتقرَبُ إلى الله بِودِّها ، ويبذلُ نفسَه من أجلها ، عسى الله أن ينفَعَه بها ، صار أشقى الناس بِجُرْمها ، وأبغضَ الناسِ لها ، وصار يختفي من ذِكْرِها ، ويتبرأ إلى الله من فِعلها ، وتقرَّب إلى الله بطلاقها ، وطهَّر اسمه من دنسِ الاقتران بها ، وكَرِه الدنيا كلَّها من أجلها ، فَلَيْتَهَا ماتت قبل ذلك ، قبل أن تُوْرِد نفسَها المهالك ، وتصيرَ مَطْمَعَاً لكلِ هالك .
[*] يجب أن تعرف كل امرأة أنها عندما تخرج من منزل أهلها أو منزل زوجها فإنها تحمل معها شرفها وشرف أهلها ... فعليها ألاّ تفرط في هذا الكنز الثمين تحت نزوة شيطانية، وأن لا تُقدم على أي عمل يخدش هذه السمعة.
(1/252)
وهذه الحقيقة ليست غائبة عن الكثيرات، فإنه أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة فلا يحتاج إلى زيادة عِلم ، ويستوي في عِلمِه المتعلمة و الأُمِيَّة ، والمَدَنيَّة و القرَوِيَّة ، والحَضَرِيَّة و البدويَّة ، فهو أمرٌ واضحُ البيان ولا يحتاجُ إلى برهان ولا مزيد عِرفان ، ولكن بعض النساء ممن تنكرن للأدب وانسلخن من الفضيلة تتغافل أو تتجاهل هذه الحقيقة، فما إن تسمع داعي الرذيلة من أهل المعاكسات إلا استجابت لهم، _ لأن فيها مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله تعالى _ كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) ولكنها نسيت أمراً مُهِماًّ ، وهو أنه لابد في هذا الطريق من ضحية ، والضحية ستكون (هي)، لأنها ستجد الكلام المعسول الذي سمعته من ذلك المعاكس لم يكن إلا استدراجاً لسذاجتها، وللحصول على مبتغاه منها، فإذا أخذ ما يريده منها ألقاها، وقد تلوثّت سمعتها؛ وهذا ليس بمستغرب، لأن ( العِلْكَ) يُمضغ حتى إذا ذهبت حلاوته أُلقِيَ في أقرب صندوق قمامة؛
فإنه كما قيل:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظنن أن الليث يبتسم
فإن هذه الابتسامات لا تلبث أن تتحول إلى وحشيّة ، وتلك الكلمات لا تمضي إلا ويحلّ مكانها المواجهة بالحقيقة، التي طالما أخفاها الرجل المحتال عن تلك المرأة ، حتى يبلغ منها مبلغه، ثم يولِّي مدبراً عنها ولا يعقِّب.
ولله درُّ القائل :
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ... عند التقلب في أنيابها العطبُ
تقول إحدى الضحايا:
(المعاكسة أدخلتني السجن..) :
بعد أن فقدَت كل شيء..؛ وقفت إحدى الضحايا لتقول:
( دخلت السجن بجريمة الزنا، والسبب معاكسة هاتفية رفضتها أولاً، واستجبت لها بعد إلحاح المعاكس ، وذلك أن زوجي يعمل لأوقات طويلة، وأحياناً يقضي الليل في عمله؛ وفي هذه الأوقات بدأ شخص ما بمعاكستي بالهاتف0
(1/253)
كنت في البداية أرفض هذه المعاكسة، وأغلق الهاتف في وجهه، ولكنه كان مصراً على الاتصال ؛ خِفْتُ أن أخبر زوجي ولا يفهمني إذ كان بيننا بعض المشكلات؛ ونظراً لكوني وحيدة وإصرار المعاكس استجبت له، وتطوّرت المعاكسة إلى تعارف، ثم طلب لقائي خارج المنزل، قلت له: لا أستطيع أن أخرج.
ولأن زوجي يعمل أحياناً في الليل، هيّأت له أن يدخل المنزل عندما ينام الجميع.. وتكررت زياراته الليلية حتى شاهده الجيران ؛ فأبلغوا والد زوجي الذي أخبر زوجي بدوره؛ فلم يصدق في البداية.. حتى نصبوا لنا كميناً مع الشرطة التي ضبطته يخرج من المنزل ، وكانت نهايتي السجن0
بالطبع طلّقني زوجي ؛ وفقدت أسرتي وأطفالي ؛ وما كان حصادي إلا الندم ؛ ولا أعرف من ألوم؟! ...
نفسي؟ ؛ أم الشخص المعاكس ؟ أم الهاتف؟ ) ا هـ .
كانت هذه الكلمات اعتراف باحَتْ به إحدى ضحايا المعاكسات، قد تسببّت معاكسة في تحطيم حياتها وضياع أسرتها، وفضيحتها بين الناس، حتى صارت الفضيحة قرينة لاسمها كلما ذكر؛ ولكن هل انتهى الموضوع عند هذا الحد؟!.
كلا، إن الموضوع لم ينته بعد ؛ بل زاد على ذلك وصمة العار التي ستلاحق أبناء هذه المرأة حين يُعَيَّرون بأمّهم التي سجنت بسبب فعلتها النكراء ؛ ولك أن تتصور موقف هؤلاء الأبناء حين تشير إليهم الأصابع ، ويلمزهم الناس بأنهم أبناء فلانة..!.
ولك أن تتصور موقف الأب إذا اسودّ وجهه ، وطأطأ رأسه خجلاً وذِلَّة بسبب فعلة ابنته0
وما هو حال إخوتها إذا ذكرت قصة أختهم في المجالس، وتندّر بها المتكلمون؟0
وما هو حال شقيقاتها وأزواجهن حين تكون هذه المرأة خالة أولادهم؟ ..
وما هو موقف أبناء شقيقاتها إذا قيل : إن فلانة خالتهم، هل سيطيقون ذلك أو سيضيقون بها ذرعاً كلما ذكرت بأنها خالتهم؟.
(1/254)
وهو حال أبنائها وبناتها التي تسبب لهم بعد الذل والوبال الصدمات النفسية التي ترافقهم طوال حياتهم حتى إنهم لا يستطيعون الثقة بأي أحد فتصبح حياتهم جحيم وهآنذا لأقدم لك هذه القصة بما فيها من مأساة لتعلم كيف تسببت امرأةٌ خائنة في شِقْوةِ أبنائها وبناتها :
[*] كان هناك طبيب نفسي يعالج فتاة منذ كان عمرها سبع سنوات، كانت تلك البنت قد ائتمنته على سر لم يعلمه أحد، وهو أنها كانت شديدة التعلق بالأم ، خاصة أنها البنت الوحيدة مع أخوين يكبرانها في العمر.. كانت طوال الوقت بجوار الأم ، وتريدها أن تكون هي أيضًا معها دائمًا.
لكن تلك الفتاة وجدت أن أمها تكون في غياب الأب مع رجل آخر، يتبادلان العناق والقبلات أمامها، ويعاملها كأنها زوجته ، وكانت البنت تعتقد بأنه يضرب أمها التي تحبها وتتعلق بها.
بعد أن أمضت البنت سنوات من عمرها في العلاج النفسي ، ما زالت تعاني حتى الآن بعد أن وصلت أمها إلى عمر الكبر من أنها لا تستطيع أن تبرها ؛ لأنها دائما تحس بأنها السبب فيما حدث لها ، بل إنها تحس بأن أمها دائما كانت خائنة للأمانة التي ائتمنها عليها زوجها.
لم يقف الموضوع إلى هذا الحد، بل إن البنت بدأت تشك في نسبها ، وتريد أن تقوم بعمل تحاليل لمعرفة من هو والدها، إلا أن طبيبها يمنعها من فعل ذلك.
ولم يقف فساد الأم إلى هذا الحد بل طال الأبناء الذكور أيضا، فالولد الكبير تعيش زوجته في جحيم لأنه يشك فيها طوال الوقت ، ولا يستطيع أن يعطيها الأمان لما كان يشاهده أمام عينيه، أما الأخ الأصغر فقرر عدم الزواج نهائيا حتى لا يظلم معه أحدا.
كل ما ذكر- وغيره أيضاً- من الآثار السلبية التي تجنيها المرأة المنحرفة على غيرها، ولذلك فقد حرم الله -تعالى- الزنا ودوافعه، فقال عز من قائل:" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " (سورة الإسراء/32) ؛
وشدّد الوعيد كما جاء في الحديث الآتي :
(
(1/255)
حديث أبي سَمُرَة بن جُنْدب رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ..." إلى أن قال: " فانطلقا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع ، يتوقّد تحته ناراً، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا ، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة..." . حتى ذكر في تمام الحديث: " وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني 0 وفي رواية أخرى للبخاري ؛ ما يدل على أن ذلك العذاب يُصنع بهم في القبر إلى يوم القيامة.
فهذه بعض نتائج الزنا: اختلاط أنساب ؛ موت فضيلة وحياء ؛ وذَلَّة وانقياد للشهوة ؛ وفي الآخرة عذاب أليم وجحيم لا يُطاق؛ والكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَه ومن يتقِ الشرَ يُوَقَّه مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه .
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفط
والمأساة لم تنته بعد..
إن من المحزن حقاً تلك الأخبار المؤلمة التي نسمعها من حين لآخر، والتي تتحدث عن الخيانات الزوجية.
ومما أذهلني هذا الخبر الذي نشرته إحدى الصحف ، فجعلني عاجزاً عن تصورّه على الرغم من كثرة المشاكل والفتن التي تعصف بالأمة يميناً وشمالاً0
ولكن الذي جعلني في هذه الدرجة من الذهول هو قوة الخبر التي تُصوّر الدرجة العالية من الانحراف والقسوة والشذوذ التي وصل إليها البعض..
(1/256)
فقد نشرت أحدى الصُحف : ( أن الأجهزة الأمنية المختصة عثرت على طفل رضيع اختطف منذ حوالي عشرة أيام من أحد الأعراس بمنطقة (...) ، وذلك لأن الخاطفة هي صديقة لأم زنت مع صديق لها أسمر اللون، وهي امرأة متزوجة فحملت سفاحا، فلما ولدت فوجئت بأن الصغير أسمر مثل صديقها وليس مثل زوجها، فاتفقت مع صديقتها على استبدال الطفل!!..
وفعلاً بعد نجاح عملية الاختطاف بادرت المرأتان إلى إلقاء الطفل الأسمر في البحر، إلا أنه عثر عليه وما زال حياً..)
إلى هنا انتهى هذا الخبر، ولكن هل انتهت المأساة؟!..
تخيّل لو أن هذا الطفل الذي وُلِدَ كان أبيض اللون مثل زوج المرأة الفاسقة، فما هو الحال إذن؟!..
انظر إلى ما قد تفعله هذه المرأة الفاسدة اللئيمة الخائنة الأثيمة ومثيلاتها.
إن الذي جعلها تلقي بذلك الطفل هو اختلاف لونه عن زوجها، ولو أنه جاء أبيض اللون لسكتت، ولأوهمت ذلك الرجل بأن هذا ابنه.
فتجد الرجل يحمله ويحتضنه ويضمّه إلى صدره ويلاعبه على أنه ابنه؛ وهو ليس كذلك.
وتجده يسارع باستخراج أوراق الولادة له وينسبه إلى نفسه على أنه فلان بن فلان؛ وهو ليس كذلك.
وتخيّل لو أن هذا الطفل كبر في بيت الزوج حتى أصبح رجلاً، وبعدما كبر كان عاقاً له يسيء الأدب معه ؛ويشتمه أو يركله، أو يلقي به في دارٍ للعجزة، فما هو موقف هذه الخائنة؟!.
هل ستخبر الزوج أنه ليس ابنه بعد صمتها الطويل؟!؛ أم ستسكت وهي تراه يسومه سوء العذاب ؟!.
أو ماذا ستفعل لو صار هذا (اللقيط) سببا في شقاء إخوته ؟؟..
ولو قُدِّر أن هذا الرجل توفي وكان من أرباب الأموال؛ فبأي حق يرث هذا الطفل ويزاحم أولاد الرجل الحقيقيين في ميراثهم وكأنه أخ شرعي لهم ؛ وهو ليس له حق في الميراث؟!.
(1/257)
بل قِفْ طويلاً وتخيّل العواقب الوخيمة التي تنتج من جراّء هذه الفِعلة ؛كل ذلك بسبب ماذا؟!..إن ذلك كله بسبب شهوة ركضت وراءها أولئك النسوة الفاسقات المنحرفات، وأولئك الفاسقون المنحرفون الذين صاروا عبيداً للشهوة ؛ فظنوا أن جريمتهم انتهت حين قضوا شهوتهم، ولكن الجريمة لا تزال مستمرة ؛ حتى صار ضحيتها أطفال في دور الرعاية، صاروا ( لقطاء) لا يعرفون أماً ولا أباً؛ أو أطفال عاشوا في البيوت ؛ يظن أحدهم أنه في بيت أبيه، وهو لقيط جاءت به أمه الفاسدة اللئيمة الخائنة الأثيمة من نتاج مغامراتها الطائشة مع بعض الكلاب المسعورة، الذين تتبعوا عورات المسلمين؛ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خاطب أمثال هؤلاء ؛ فقال :
(حديث أبي برزة الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه لِلَّهِ لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم ، فمن اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته .
{ قصة المرأة مع طبيب الأسنان }
كانت إنسانة من أسرة محترمة وعريقة، ومتدينة نوعا ما، وكانت طوال عمرها تبحث عن المركز والمنصب، وتسعى لتحقيق أهدافها وطموحاتها إلى أن وصل عمرها أول الثلاثين ولم تتزوج.
وطبعا طلب منها الأهل حفاظا على سمعة العائلة أن تتزوج، وبالفعل اختارت زوجها بعقلها وإرادتها وتزوجا، وأثمر هذا الزواج ولدا وبنتا، ولكن الزوجة ظلت مشغولة بالمنصب والوظيفة، وأهملت نفسها وزوجها.
(1/258)
تقول تلك الزوجة: إنها لم تعطِ زوجها فرصة للجلوس والتحدث معها، أو الخروج معها إلى مكان ما، ولم يتضايق الزوج؛ بل كان يساعدها على النجاح، ويشاركها تربية أبنائها، إلى أن أتى يوم ذهبت الزوجة إلى طبيب الأسنان، والذي تلبسه الشيطان في ذلك الوقت، وبدأ في مغازلتها مغازلة خفيفة، بعدها قالت: إنها أعجبها الكلام، وإنها بدأت في وضع مساحيق التجميل على وجهها، وارتداء أجمل الملابس عند الذهاب إلى الطبيب؛ حتى يقول لها الكثير من كلام الغزل.
وبالطبع كان يفعل هذا الشيطان كل ما تتوقعه بل أكثر، وبقي الحال هكذا إلى أن فرطت في نفسها، وحدث ما حدث، وليس مرة بل عدة مرات، حتى أحست بأنه من حقها أن تعيش مع من تحب، واختلقت مشكلة مع زوجها الذي كان يعتذر لها عن أي شيء لم يبدر منه؛ فقط من أجل أن تعود إلى المنزل، ويتربى أبناؤهما بينهما، ولم يكن يعلم بالقطع أن زوجته قد وقعت في غرام شخص آخر.
رفضت الزوجة الرجوع للبيت، ونفذت ما أرادت (وهو الطلاق)، وبعد ذلك ذهبت إلى حبيب القلب وطلبت منه أن يتزوجها، وكان رد فعله -بعد أن نهرها- أن أخبرها أنه متزوج من سيدة محترمة لا تفرط في نفسها ، ولديه منها ثلاثة أبناء.
قال لها أيضا: "حتى إن لم أكن متزوجا فمن المستحيل أن أتزوج من امرأة مثلك".. وقتها بدأت تحس هذه الزوجة بأنها فقدت حياتها؛ لأنها تركت أعز وأحن شخص وهو زوجها الذي لم يعلم شيئا عما حدث، بل ما زال يحاول أن يعيدها إلى البيت، ولكنها تقول إنها تحتقر نفسها، ولن تستطيع أن تستمر معه بعد ما فعلت به، إلا أنها ستظل تحترمه طوال عمرها بعدما أحست أنه الحب الحقيقي الوحيد الذي كان في حياتها.
للأسف أحست تلك الزوجة بذلك بعد فوات الأوان ، لهذا بدأت في كتابة قصتها لتكون عبرة أمام كل من تسول لها نفسها الوقوع في هذه الخطيئة.
(1/259)
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : من الذي فتح المجال للمُعَاكِس المُحْتال والذي هو أساس الأنذال ومنبع الأرذال ؟ أليست هي المرأةُ اللئيمة الخائنة الأثيمة ؟ إذ لو كانت تقيةً نقية ، عفيفةً حَيِيَّة ، حُرَةً أبيَّة لما استطاع المُعاكِس المُحتال أن يصلَ إليها ولو كان من أفسقِ عباد الله وأجرئهم على المعاصي ، وأنه لم يطمعُ فيه إلا بعد أن رأى منها اللين ولولا أنها ألانَت الجانب ما اقترب منها أحدٌ من الأجانب ، ولا أظهروا لها المخَالب ، والحاصلُ :أنهم لم يفترسوها إلا لأنها كانتْ ممن (إذا خلوْا بمحارِم اللهِ انتهكوها) ، ولو كانت غيرَ ذلك ما اقترب منها هالك ، فلما قدَّمت اللين ، فعلوا بها الفعلَ المَشِين ، وخانت زوجَها الأمين ، فخَسِرت الدنيا والدين ، وتَعَرَضت إلى سخط الجبارِ ذِي القوةِ المتين ، صَبَّ الله عليها أشدَّ العذابِ في كلِ وقتٍ وحين ، وأذاقها ألواناً شَتى من العذاب المُهين
إلى هذه المرأة اللئيمة الخائنة الأثيمة ، هذه المرأة التي تسلقت جدران العفة، وتعرفت على شاب غريب عنها، ولم تراع عند ذلك حياءً ولا خجلاً قد انسلخت من فطرتها، وخلعت جلباب حيائها وثوب عفتها ،
أقولُ لها :
[
(1/260)
*] هل سَيْطَرت الدناءةُ على نفسِكِ في كلِ حال ، ألم تَتْرُكْ الخِسةُ منكِ شيئاً يُقال ، يا من أهدرتِ كرامةَ زوجِكِ من أجلِ رجلٍ مُحْتال ، خَوَّانٍ مُخْتَال ، أفَّاكٍ من الأرذال ؟ وأنتِ أخْبَثُ منه بكلِ حال ، لأنَّكِ التي فتحتِ له المجال ، ومنحتيه السلاح القتَّال ، ليهدِرَ كرامةَ زوجِك بين الرجال ، فأهدَرَ كرامَته بكلِ اختيال ، صبَّ الله عليكما لعائِنَه تترى من غيرِ انفصال ، وسلَّط عليكما ذُلاً تتقلبون فيه في الحالِ والمآل ، وأصابكما بمصائبٍ عِظام أمثال الجبال ، ودمركما ببطشٍ شديدِ المِحَال ، جزاءاً بما انتهكتم محارمه بكلِ احتيال ، وألحقتم بعبدهِ الخزي والنكال ، والذُلَ والوبال ، اعلموا أنه من خان الله سراً هتك سِتْرَه علانيةً لا مَحال ، فإنها سنةُ الكبيرِ المُتعال ، في هتكِ سِتْرِ المُحتال هتكاً بيناً لا يَخْطُرُ على بال ، هتكاً واضحاً يزول معه أي لَبْسٍ أو إشكال ، ولا ينفعُ معه حِيْلَةً أو جِدال ، أسأل الله أن يَكِبَّكُم على وجوهِكم في النار، وأن يجعل مأواكم دار الخزي والبوار ، وأن يصليكم نار جهنم وبئس القرار *
وأنتِ يا مَنْ أعْمَاكِ سوادُ قلبكِ عن رؤيةِ قٌبْحِ الفِعال ؟ هل تعرفين ما فعلتِ بزوجكِ في هذا الحال ؟ من الذلِ والوبال ، والخِزي والنكال ؟ أتى الذلُ منكِ لزوجكِ فوق ما يخطرُ ببال أو يدور في الخيال ، فصار زوجُك خَصِيمَك عند ربكِ الكبيرِ المُتَعَال ، يقتصُ منك على سوء الحالِ وقُبْحِ الفِعَال ، و يقتصُ منك على ذَنبكِ العِضال وجُرْمِكِ القَتَّال ، و يقتصُ منك على أن أهدرتِ كرامَتَه بين الرجال ، فصار مَذْلولاً بكلِ حال ،اعلمي علم اليقين أنك ستذُوقين عاقبة بَغيِكِ لا مَحال ، في الحالِ والمآل *
(1/261)
لقد نَكَّستِ رأسَه بين الرجال ذليلاً ، وحكايتَه صارت أُحْدُوثةً لكلِ قِيلا ، فكان بِجُرْمِكِ قَتِيلا ، فكيف بك إذا سألك الجبارُ عن هذا الفعلِ الوبيلا ، ثم لم تجدِي لكِ مَقِيلا ، فلم تجدي للسؤالِ جوابا ، ولا للجوابِ صوابا ، ولا تملكين حينذاك توبةً أو مآبا ، فأُسقط في يَدَيْكِ ، ولا ينفَعُكِ من حَوَالَيْكِ ، فعند الله تجتمعُ الخصوم ، ويُقْتَصُ من الظالمِ للمظلوم ، هنالك ينتصرُ زوجُك لجُرحِه المَكْلوم وحقِ كرِامَتِهِ المهضوم من فعلك المشئوم *
لماذا الميلُ إلى الحرام ، يا مَنْبَعَ اللئام ، يا شرَ الأنام ، يا نَفْساً مفلوتةً بلا خِطَام ، ولماذا الإقدامُ على هذا الإجرام ، ولماذا لم يُوَفِقِكِ الملكُ العلاّم إلى الإحجامِ عن الرزايا والآثام ، هل سألتِ نفسَكِ عن ذلك ؟ أما زال لديكِ بقيةُ إفهام لِلَّهِ أهو من سَوَادِ قلبكِ أم كان على قلبِكِ أختام ؟ ،
يا مَنْ اسْتَهَانَتْ بمراقبةِ الملكِ العلاّم ، الحَيِّ القَيُّومِ الذي لا يغفل ولا ينام ، كيف نسَيْتِ عِقَابَ رَبُكِ يَوْمَ يُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ، أمَا عَلِمْتِ أن الله عزيزٌ ذو انتقام ، سَيُهْتِكُ الله سِتْرَكِ يوماً مَا مهما مَرَتْ السنون وانْصَرَمَتْ الأيام ، جزاءاً على هذا الإجْرام ، اعلمي أن الله لا يُسَدِدُ صنيعَ من خان ولا يجعله أبداً يعيشُ في أمان وسَيَهْتِكُ سِتْرَه في أي زمانٍ أو مكان ،
يا مَنْ سَقَطَتْ في الخيانةِ بِمَسْلَكِهَا المشين ،وكانت ممن قال الله فيهم :
(إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ) (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، اعلمي علم اليقين أنَّ الله تعالى سَوف يُظْهِرُ الحقَ ولو بعد حِيْن ، ولو طَال ذلك الحِيْن إلى بِضْعِ سنين ،
(1/262)
فالموعدُ ( الآن حصحص الحق ) حينما يأذن خالقٌ الخلق ، فيأذنُ للقَضَاء أن يَكْشِفَ الغِطاء ، فانكشَفَت السرائر وبَدَتْ سَقَامَةَ الضمائر ، وَهُتِكَتِ الحُجُبُ وَالأَسْتَار وَظَهَرتْ العُيُوبُ وَالأَسْرَار .
[*] وهنا نذكر آيةً من كتاب الله تعالى لو كتبت بماء الذهب لما وفيْناها حقها لأنها تحافظ على الأخيار وتدفع شر الأشرار .
قال تعالى : (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ وَمَن يَتّبِعْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ فَإِنّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ) [سورة: النور : 21]
تحذيرٌ إلى المعاكس المُحتال الذي هو منبع
ا الأرذال وقدوة الأنذال
هذا المعاكس الذي تتبع عورات المسلمين بدون أي وازعٍ ديني عليه أن يعلم أن الجزاء من جنس العمل ، ومن تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته حتى يكشفها .
ألا فليعلم هذا المُعاكِس المُحتال الفاسد المروءة والضمير الشقي التَعِس أنه صيَّر نفسه جندٌ من جنود إبليس ، فلقد زاد فساده واستشرى وتمادى في غَيِّه وأصرَّ على باطله ، وأظهر العداوة وكشف فيها قِناعه وحَسَر لِثَاَمه وكشف عن أنيابه يلتمس العثرات ويترقب الهفوات وتناسى مراقبة ربِ الأرضِ والسماوات ، فورب السماوات والأرضِ إنما توعدون لآت ، هذا المُخادع المُصانع الذي ينصب المكائد والفِخَاخ ويَدُسُّ السمَّ في العسل لأنه أروغ من ثعلب وأحقدُ من جمل وأكذب من مُسَيلمة ، وهو كذلك أذل من نعل وأهونُ من المَهَانة وأضلُ من حِمارِ أهله ، وهو كذلك أعقُّ من ضَب وأضرُّ من الجرب وأشرُ من البرص ، هذا العتي الغوي الظالم الغاشم المتغطرس ، بظلمه وبطشه أورد نفسه المهالك وحملها على الأمورِ الموبقة ، استحوذ عليه الشيطان واتخذه مَرْكَباً فصَدَّه عن الإنابة وأملى له فورَطَّه في الغرور وزين له سوء عمله فصدَّه عن سواء السبيل
قد صَادَهُ إبليسُ في فِخاخه ... بل قَدْ صَار من أفْرَاخِه
(1/263)
فليتَ شِعْري من أباح ذلك ... وأورد نفسه في المَهالك
قاتله الله وصدَّع بنيانه ، وأتلفه وشلَّ أركانه ، كسر الله ظهره وأعمى بصره ودمَّر أعضائه وهتك ستره وأتلفَه كلَه ، اللهم العنه لعنةً تُدَمِرْه في نفسهِ وتَدْخُلُ معه في قبرهِ وَتُهْلكْه يوم عَرْضِه على ربه ، اللهم اجعل الدائرةَ عليه وأصبْه بنفسه وأهله ودمرْه تدميرا ، اللهم أنزل عليه بأسك الذي لا يُرَد عن القومِ المجرمين ، لا رَحِمَ الله فيه مَغْرِزَ إبره ، حتى يكون عبرةً لمن يعتبر لئلا يستشرى هذا المرضِ العِضَال بين المسلمين ، ولئلا يستهينُ بِفِعْله من سِوَّلَت له نفسه أن يفعل هذا الفعل المَشِين .
و ليعلم هذا الشقي المَهين علم اليقين أنه سيرى عاقبة ظلمه وبغيه في الدنيا قبل الآخرة لا محالة مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم وليس هناك ظلمٌ أفحش من خياتة
وليضع نصب عينيه أن الجزاء من جنس العمل وأنه من ضَارَّ أضرَ الله به .
(حديث أبي صِرْمَةَ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ضَارَّ أضرَ الله به و من شاقَّ شاقَّ الله عليه .
( من ضارّ ) بشد الراء أي أوصل ضرراً إلى مسلم بغير حق
(أضرَ الله به اللّه به ) أي أوقع به الضرر وشدد عليه عقابه في العقبى
( ومن شاق ) بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة أو غيرها
( شق اللّه عليه ) أي أدخل عليه ما يشق عليه مجازاة له على فعله بمثله وأطلق ذلك ليشمل المشقة عليه
نفسه وعلى الغير بأن يكلف نفسه أو غيره بما هو فوق طاقته .
(
(1/264)
حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من امرئ يخذُل امرءاً مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ و يُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيه نُصْرتِه و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته .
(ما من امرئ يخذل ) بذال معجمة مضمومة قال تعالى { وإن يخذلكم }
( امرءاً مسلماً ) أي لم يحل بينه وبين من يظلمه ولا ينصره
( في موضع ينتقص فيه من عرضه ) بكسر العين ( وينتهك فيه من حرمته ) بأن يتكلم فيه بما لا يحل والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه قال الجوهري : انتهك عرضه بالغ في شتمه ( إلا خذله اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه أو أخروياً كأن يقدر على نصحه من غيه بنحو وعظ فيترك
( وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) وهو يوم القيامة .
( حديث المستورد رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :من أكل برجل مسلم أكله فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة .
عفوا تعف نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته ... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزني يُزنى به ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
من يزني بألفي درهمِ ... يُزنى به بغير الدرهمِ
(1/265)
يا أسوةً للمفسدين ، ويا قدوةً للطاغين ، يا أساس الفاسقين ، ويا إمام الخائنين الذين هُمْ لِنِعَمِ الله جاحدين ، والذين هم للرذائل ناشرين ، وللفضائلِ مُدْبِرين ، وعلى انتهاكِ الحُرُمات مُقْبِلين ، ولتوفيق الله وعِصْمَتِه محرومين ، يا مَنْبَعَ الأرذلين ، ويا خَصِيمَ الأكرمِين بِمَسْلَكِك المَشين وفِعْلِك المُهِين ، يا جُنْدَ الشيطانِ اللعين ، يا شرَ الناسِ أجمعين ، يا عدوٌ مبين لأعراضِ المسلمين ، سَلَّطَ الله عليك سخطَ الجبارِ ذي القوةِ المتين ، وصبَّ عليكِ أشدَّ العذاب في كل وقتٍ وحين ، وأذاقكِ ألواناً شتى من العُذابِ المُهِين ، حتى تكون عبرةً للناسِ أجمعين .
شناعة الخيانة الزوجية
مسألة : إذا ارتكبت الزوجة جريمة الزنا _ والعياذ بالله _ وتبين زوجها من زناها ، فهل يجب أن يطلقها زوجها ؟
إذا ارتكبت الزوجة جريمة الزنا والعياذ بالله _ والعياذ بالله _ وتبين زوجها من زناها ، فإنه يجب أن يطلقها زوجها للأسباب الآتية :
(1) حتى لا يكون ديوثاً والعياذ بالله .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر و العاق و الديوث الذي يُقرُّ في أهلهِ الخَبث .
[*] روي عن الحسن، وجابر بن عبد الله : أن المرأة المتزوجة إذا زنت يفرق بينهما، واستحب الإمام أحمد مفارقتها وقال: ( لا أرى أن يُمسك مثل هذه، فتلك لا تؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولداً ليس منه .
(
(1/266)
2) [*] ولأنها بارتكابها لجريمة الزنا الشنعاء النكراء _ والعياذ بالله _ قد قضت على العلاقة الزوجية وأتلفتها وطعنتها في مقتلٍ عظيم ، وقتلت المودةَ والرحمةَ بينهما ، وذبحت الثقةَ بينهما بسكين البأس * فتستحيل العشرة بينهما لأنها لم تخشَ ربها ، فَوَكَلَهَا إلى نفسها ، وسلبَ حفظَه عن فعلِها، فدمَّرت وأوبقت نفسَها حين دنست طهارةَ بيتها ، وانتهكت حُرمةَ زوجِها ، واستخفت بحقه ، وأسقطت هيبتة من عينها حين مَكَّنت غيرَه من نفسها ، فسقطت في الرذيلة بِوَحْلِهَا ، وَصَيَّرَتْه ذليلاً بين الناس بجُرْمها، وصارت عاراً عليه بفُحشها [*] صيَّرت منزلتَه بين الناس ما بين مُشفقٍ عليه مُطْرِقِ الرأسِ صامت ، و متغامزٍ عليه للخوضِ في عِرْضِه متهافت ، وثالثٍ حقيرٍ فيه متشامِت ، ورابعٍ لئيم يَدَّعِي لها المروءةَ لأنه عن إخبار زوجها بفعلها ساكت ، ثم تراه يطلب منها المُقابِل ، لأنه لسكوته عن إخبار زوجها قابل ، فصارت تنتقلُ من دمارٍ إلى دمار ، ومن خِزيٍ إلى عار ، ومن عارٍ إلى شَنَار ، صار أشقى الناس بِجُرمها لأنه لم تُكْسَرْ شوكَتُه إلا بها ، كسر الله ظهرها ، وأعمى بصرها ، ودمَّر أعضاءَها ، وهتك سِتَرها ، وأخرجها من الدنيا كلِّها * فتعساً لها بشنيعِ فِعلها ، وسحقاً لها لشؤمِها ولؤمِها وخيانتِها لزوجها ، وتَبَّاً لها من امرأةً دنيئةٍ خسيسةٍ لم تخش ربها ولم تحفظ غَيبةَ زوجها * وتقشعرُ الفضيلةُ من فعلها ، واحتوتها الرزيلةُ لقبحها ، لم تمتثل للفضيلة طاعة ، ولها في الرزيلة باعا * * لمَّا تَخَلَّت عن خشيةِ الرحمن وامتثال القرآن ، و لما جحدت معنى قوله تعالى هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان ، وَكَلَها الملك الديَّان إلى العصيان والخذلان واستحواذِ الشيطان ، فصارت ممقوتةً عند ربها في كلِ زمان * قاتلها الله وصدَّع بنيانها ، وأتلفها وشَلَّ أركانها ، فلا تُؤتمنُ مثلُها ، ولا تُُصانُ من كانت على شاكِلَتِها ، ولا يُشْغَلُ
(1/267)
البالُ لحظةً بها ، لعن الله كل خائنة لعنةً تُدَمِرْها في نفسها وتدخل معها قبرها وتهلكها عند عرضها على ربه .
[*] هذه الجِبِلة النَكِدة الشقية التَعِسة التي فيه عِوَجٌ لا يُرجَى اعتداله * لقد استبدلت بالاستقامة روغانَ الثعالب ، ورَاحَت تبحثُ عن المثالب ، ولولا أنها ألانَت الجانب ما اقترب منها أحدٌ من الأجانب ، ولا أظهروا لها المخَالب ، والحاصلُ :أنهم لم يفترسوها إلا لأنها كانتْ ممن (إذا خلوْا بمحارِم اللهِ انتهكوها) ، ولو كانت غيرَ ذلك ما اقترب منها هالك ، فلما قدَّمت اللين ، فعلوا بها الفعلَ المَشِين ، وخانت زوجَها الأمين ، فخَسِرت الدنيا والدين ، وتَعَرَضت إلى سخط الجبارِ ذِي القوةِ المتين ، صَبَّ الله عليها أشدَّ العذابِ في كلِ وقتٍ وحين ، وأذاقها ألواناً شَتى من العذاب المُهين
[*] فلما خضعت بالقول أنشأت في نفسِ كلِ هالكٍ منها غَرَض وتناست أن الله تعالى يقول " فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ "
[
(1/268)
*] ولما زهدت في الأخلاقِ النبيلة ، واستوطئت الحِيلة ، وقعت في الرزيلة ، وكان عاقبتها وبيلا ومن سَوادِ قلبها الحَاِلك ، مكَّنَت من نفسها خَبِيثاً مثلها هالك ، مكان زوجها المالك ، واستغفلت زوجها بذلك ، وقالت مستخفةً في نفسها : وكيف يعرِفُ زوجي ذلك ؟ وليس لديه بينةٌ تُثْبِتُ ذلك ، وتناست أن ربَها مُطَّلِعٌ على كلِ ذلك ، وهو سبحانه أغيرُ على محارِمِه من زوجها المالك ، ولو شاء لهَتَكَ سِترَها ودمَّرَها ببطشِه الفَاِتك ، أولم تعلم هي أن من خان الله سراً هَتَكَ سِرَهُ علانيةً مهما احتاط لذلك ، فافتضح أمرُهُ وكان ظلامُه حَالِك ، وهذه هي سنةُ الله في كلِ هَالِك ، يهتِكُ سِتْرَه هتْكاً لا يخطُرُ على بَالِك ، حتى يكون عبرةً لمن هو في طريقه سالك ، أم تَحْسَبُ أن الأمورَ مفلوتةٌ بلا مَالِك ، أو أنه سبحانه سيترُكُها تُدَنِسُ عِرضَ زوجها ثم تعيشُ مُطْمَئِنَةً بعد ذلك ، حاش لله أن يرضى بذلك ، فإن من خان الله سراً هتك سِتْرَه علانيةً لامحال ، فإنها سنة الكبيرُ المُتعال ، في هتكِ سِتْرِ المُحتال هتكاً بيناً لا يَخْطُرُ على بال، هتكاً واضحاً يزول معه أي لَبْسٍٍ أو إشكال ، ولا ينفعُ معه حِيْلَةً أو جِدال ، وأهلكَهُ الكبيرُ المُتعال ، ببطشٍ شديدِ المحال
[
(1/269)
*] وكأن لسانَ حالِ زوجِها يقول بعدما أطْلَعَه الله على ذلك : يقولُ وهويتضرعُ إلى ربه شاكياً باكياً فقد صارت أعياده أتراح وأحزان ، وأفراحه هموم وأشجان وصار في قلقٍ دؤوبٍ وهمٍ مستمرٍ وحَيْرَةٍ لا تنقطع ، يقولُ وهو مَقْهُورٌ مَنْحُور ، يقولُ وحالُهُ من الكَربِ يُبْكِي الصخور ، يقولُ وهو يتقلب في همٍ وغم كأنما يبكي الدم ( ربي إن قوماً استغفلوني واستخفوا بحقي وانتهكوا حُرْمَتي وطعنوني في عِرْضِي دون رادِعٍ يردعهم ، واستوطئوا الحيلةَ ليقعوا في الرذيلة ، اعتماداً منهم على أني لا أعلم بذلك ، فإن كان علمي قاصِراً _ وهو كذلك _ فإني أُحيلُ ذلك على علمك الذي أحاط بكلِ شيء و أُحيلُ ذلك على غَيْرَتِك على مَحارمِك فانتقم لي منهم ودمرهم تدميراً ولا ترحم فيهم مَغْرِزَ إبرة واقْصِم ظهَورهم وأعْمِي أبصارهم ودمِّر أعضاءَهم واهتك سترهم واجعل الدائرة عليهم ، اللهم اقتُلهم الله وصدَّع بنيانهم وأتلفهم وشلَّ أركانهم .
[*] لماذا الميلُ إلى الحرام ، يا مَنْبَعَ اللئام ، يا شرَ الأنام ، يا نَفْساً مفلوتةً بلا خِطَام ، ولماذا الإقدامُ على هذا الإجرام ، ولماذا لم يُوَفِقِكِ ربُكِ إلى الإحجامِ عن الرزايا والآثام ، هل سألتِ نفسَكِ عن ذلك ؟ أما زال لديكِ بقيةُ إفهام لِلَّهِ أهو من سَوَادِ قلبكِ أم كان على قلبِكِ أختام ؟ ، يا مَنْ اسْتَهَانَتْ بمراقبةِ الملكِ العلاّم ، الحَيِّ القَيُّومِ الذي لا يغفل ولا ينام ، سَيُهْتِكُ الله سِتْرَكِ يوماً مَا مهما مَرَتْ السنون وانْصَرَمَتْ الأيام ، جزاءاً على هذا الإجْرام ، اعلمي أن الله لا يُسَدِدُ صنيعَ من خان ولا يجعله أبداً يعيشُ في أمان وسوف يُهْتِكُ سِتْرَه في أي زمانٍ أو مكان ،
[
(1/270)
*] يا مَنْ سَقَطَتْ في الخيانةِ بِمَسْلَكِهَا المشين ، وكانت ممن قال الله فيهم (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، اعلمي علم اليقين أنَّ الله تعالى سَيُظْهِرُ الحقَ ولو بعد حِيْن ، ولو طَال ذلك الحِيْن إلى بِضْعِ سنين ، فالموعدُ ( الآن حصحص الحق ) عندما يأذن خالقٌ الخلق فيأذنُ للقَضَاء أن يَكْشِفَ الغِطاء ، فانكشَفَت السرائر وبَدَتْ سَقَامَةَ الضمائر ، وَهُتِكَتِ الحُجُبُ وَالأَسْتَار وَظَهَرتْ العُيُوبُ وَالأَسْرَار .
[*] واستهانت بمراقبةِ الملكِ الوهَّاب ، وتناست أن رؤيته لِجُرْمِها لا تُحْجَبُ بِحِجَاب ، وأصَرَّت على الخيانة دون إياب ، وخانت زوجها حال الغياب ، صَبَّ الله عليها ألوان العذابِ من كلِ باب ، وحَشَرَها يوم القيامة مع كلِ مُسْرِفٍ كذاب ، وأصْلاها نارَ جهنم يوم يقوم الحساب *
[*] جعلت الله أهون الناظرين إليها ، وهو سبحانه قادرٌ عليها ، ولو شاء لأهلكها ومن حَوَالَيْها ، وتناست مِنَتَه عليها بزوجٍ صالحٍ يأوي إليها ، وتحتمي به دون من حَوَالَيْها ، فبدَّلت الشكر الجزيل ، والعرفان بالجميل ، بالفعلِ الوبيل
[*] وبعد أن كانت في حَرَمِ زوجها جوهرةً مصونة ، ولؤلؤةً مكنونة ، صارت بفُحْشها خائنةً مفتونة ، وسِلْعَةً مَعْفُونة ، وسِيرتها بين الناسِ سِيِرَةً ملعونة .
[*] وبعد أن كانت في حُرمةِ زوجها في حِصنٍ ومَناعة ، صيََّرت نفسها كلأً مباحا ، وسلعةً متاحة .
[*] وبعد أن كانت مع زوجها في عزةٍ ووقار ، وسكينةٍ واستقرار ، ونقاءٍ يُشْبِهُ الأبرار ، صيَّرت نفسها في ذِلةٍ وَصَغَار ، وتَشَتُتٍ ودَمَار ، وخِزيٍ وعار ، كأنها مَطْلِيَةٌ بالقار .
[
(1/271)
*] والحاصلُ أنها لمَّا جَحَدَت ما أنعم الله عليها من النِعَم وتناست ما غمَرها من المِنَنْ ، وألْقَت بنفسها في براثنِ الفتن ، صارت أهونَ على الله تعالى من الجِعْلان (الخُنْفِساء) التي تدفَعُ بأنفها النَتَن ، ولا عجَب فقد زهدت في الطهارة وغَرِقت في القذارة ، كحالِ الفئران تماماً فإنها لا تجد بُغْيَتها إلا في مواضع القَذرِ والنَتَن ، وما ذلك إلا لِخِسَةِ نفْسِها ودناءةِ طَبْعِها وسواد قلبها ورداءةِ معدنها ، ولو أحبها ربها لعَصَمَها وحَفَظَها عن سُوء فِعْلِها ، وكان سَمْعَها التي تسمعُ به وبصرَها التي تُبْصِرُ به ، ويدها التي تبطشُ بها ورِجلها التي تمشي بها ، ولئن سألته لَيُعْطِيَنَّها ، ولئن اسْتَعاذَته لَيُعِذَنَّها ، لكنه سبحانه أبْغَضَها لسوادِ قلبها فصارت أهونَ على الله تعالى من الجِعْلان (الخُنْفِساء) التي تدفعُ بأنفِها النَتَن *
[*] وبعد أن كان زوجُها يفتخرُ بها ، ويتقرَبُ إلى الله بِودِّها ، ويبذلُ نفسَه من أجلها ، عسى الله أن ينفَعَه بها ، صار أشقى الناس بِجُرْمها ، وأبغضَ الناسِ لها ، وصار يختفي من ذِكْرِها ، ويتبرأ إلى الله من فِعلها ، وتقرَّب إلى الله بطلاقها ، وطهَّر اسمه من دنسِ الاقتران بها ، وكَرِه الدنيا كلَّها من أجلها ، فَلَيْتَهَا ماتت قبل ذلك ، قبل أن تُوْرِد نفسَها المهالك ، وتصيرَ مَطْمَعَاً لكلِ هالك *
[*] لم تعرف للطهارة طريقا ، ولم تسلك للنقاء سبيلا ، وليس بينها وبين الصدقِ قِيلا .
[
(1/272)
*] كم أوصاها زوجها بفعل المأمور وتركِ المحظور والبعدِ عن دواهي الأمور ، وكم أوصاها أن تحفظ غَيْبَتَه في كلِ الأمور ، وأن لا تُشِينَ عِرْضه بأي محظور ، لكنْ لأن قلبَها خَرِبٌ وبور ، وما فيه من نور ، أَبَتْ كلَ ذلك وأصَرَتْ على الفجور ، مع خَبيثٍ مثلها مَحْقور ، وتناست أن الله تعالى يعلمُ خائنةَ الأعْيُنِ وما تُخْفِي الصدور ، فكيف بها إذا دخلت قبرها المحفور ، وما فيه من الدواهي والأمور ، تحت الجنادلِ والصخور ، ثم سُئِلت عن هذه الأمور، أم كيف بها حين تقفُ بين يدي ربها ويسألها عن هذه الأمور ، وما ارتكبته في حقِ زوجها المقهور ، والذي جعلته بفعلها مَنْحُور ، ثم لم تجد جواباً على هذه الأمور ، هنالك تعرفُ أنها ما كانت إلا في غرور ، فتندم ندماً لا يخطرُ على الصدور ، ولا يُكْتَبُ بالسطور ، لكنه ندمٌ لا ينفعُ في أي أمرٍ من الأمور ، لا تجدُ للسؤالِ جوابا ، ولا للجواب صوابا ، ولا تملكُ حينذاك توبةً أو مآبا ، فأُسقط في يَدَيْها ، ولا ينفَعُها من حَوَالَيْها ، فحينذاك تندمُ ندماً فوقَ ما يخطرُ ببالٍ أو يدورُ في الخيال ، لأنها بين يدي ربها الكبير المُتَعال ، بذنبها العِضَال ، وجُرْمِها القتَّال ، لكنه ندمٌ لا يَنفعُ بأي حال ، فلا تُجْدِي هنالك الحسرات ولا تشفعُ الآهات ، ولا تنفعُ الحِيَلُ مع ربِ الأرضِ والسماوات ، لأن علمَه محيطٌ بكلِ شيءٍ ماضٍ وحاضرٍ وآت ، هنالك تعلم علم اليقين أن خيانتها لزوجها هي بئس الزاد ليوم الميعاد ، فورب السماواتِ والأرضِ إنما توعدون لآت ، *
[
(1/273)
*] أما زوجها المقهور فإذا رأيته وجدَتَه من جُرْحِه مَنْحُور ، وكَرْبَه يُبْكِي الصُخور ، وَزَهدَ فيها زهدَ من في القبور ، حالُه يبكي الفؤاد ويَفْري الأكباد ويُذيب الأجساد ، حالُه يخْلَعُ القلوب من حقِ كرامته المسلوب ، عاش يطْمَح في زوجةٍ تقيةٍ نقية ، عفيفةٍ حَيِيَّة ، حُرِةٍ أبيَّة ، تحفظ غيبته وتصون كرامته وترافقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، زوجةٍ تحْفَظُه في نفسها ، ويبذلُ نَفْسَه من أجلها ، زوجةٍ تُعِينُه على الطاعة ، وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة ، لكن خاب أملُه بها ، وكَرِه الدنيا من أجلِها ، وقَتَلَه سَوَادَ قلبِها ، قلبٌ لم يؤثر القرآن فيه ولم يعي معانيه ، قلبٌ لم تدخل الخشيةُ فيه ولا التقوى تحتويه ، قلبٌ لم يُلَيِنْه القرآن ولم يخش الرحمن ، قلبٌ جحد معنى قوله تعالى " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" ، قلبٌ صار أسيرَ العصيان والخذلان واستحواذ الشيطان ، صار حالُه يُنَغَصُ من ذِكْرِها ، فلا يهنأُ بنومٍ كلما ذكر فعلَها ، ولا ينطفئُ لهيبُ صدرِه من فُحْشِها ، ولا يغيبُ فكرُه عن جُرْمها ، يتقلبُ في همٍ وغم ، كأنما يبكي الدم .
[*] ثم إن هذا أمرٌ شنيعٌ لا يطيقه رجلٌ مسلمٌ حرٌ حيِّي يخشى الله تعالى ، فما من مسلم إلا يغارُ على عِرضه وشرفه ، بل وعِرضه وشرفه أغلى عنده من حياته كما هو معلوم شرعأً وعقلاً وبداهةً ويتضح هذا وضوحاً جلياً في (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عِرْضه أو شيء فليتحَلَلْه منه اليوم قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهما ، إن كان له حسناتٌ أُخِذَ منه بقدرِ مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ من سيئاته فَحُمِلت عليه ).
(1/274)
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - : [ مظلمة لأخيه من عِرْضه أو شيء ] فقدَّم العرض على كل شيء لأنه أعز ما يملكه الإنسان وأعز من كل شيء بل ويضحي الإنسان من أجله بالنفس والنفيس ويتضح ذلك من ( حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قتل دون أهله فهو شهيد .
ولذا قال سعدُ بن عُبادة رضي الله تعالى عنه قولةَ الرجلِ الحرِّ الحيِّي الأبيِّ التقي النقي
[ لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ ] أي لَضَرَبْتُهُ بِحَدِّ السيف لا بعرضِه ، ولا عجب فإنه الأنصاري سيد الخزرج وأحد نقبائهم،
(حديث سعد بن عبادة الثابت في الصحيحين ) أنه قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ، فبلغ ذلك النبي فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني ).
(سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج وأحد نقبائهم
(غَيْرَ مُصْفَّحٍ) : صفح السيف أي عرضه ، ومعنى غَيْرَ مُصْفَّحٍ أي لا أضربه بعرض السيف بل بحدِّه .
[**] وإذا كان هذا هو حال من تصوَّر حالَه من تمَّعْرِ وجهِهِ وفورانِ دمِّهِ ولهيبِ صدرهِ إذا رأى رجلاً مع امرأته فكيف بمن تحقق من زناها والعياذ بالله تعالى من ذلك ، إنه أمرٌ مشينٌ وفعلٌ مُهِين لا يتحمله رجلٌ مسلم
[*] ثم هل يصير الرجل رجلاً حراً أبِّياً إلا بهذه المشاعر النبيلة (من تمَّعْرِ وجهِهِ وفورانِ دمِّهِ ولهيبِ صدرهِ غَيْرةً على زوجته) ، وهل هو إذا فقد هذه المشاعر إلا خِنزيراً مَسخاً ميتَ الحِس .
[**] وهل تُصانُ المرأةُ إلا بعِفتها لِلَّهِ فإذا انسلخت المرأةُ من عِفتها كان ذلك في حقِ زوجها ( كسراً لا ينجبر وجُرحاً لا يَنْدَمِل ولهيباً في صدرِه لا يَنْطَفئ ) وعلى هذا فلا يُتصَّورُ الرأفةُ بها ولا الإبقاء عليها ووجب طلاقها .
(
(1/275)
3) ولا تنسى أن الله تعالى قال في شأن هذه الجريمة الشنعاء النكراء
(وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ)
[ النور / 2]
(وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ) : أي لا تأخذكم بهما رقة ورحمة .
(إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) : هذا من باب الإلهاب والتهييج أي إن كنتم مؤمنون حقاً تصدقون بالله وباليوم الآخر فلا تأخذكم شفقة بالزناة ، فإن جريمة الزنى النكراء أشنع من أن تستدر العطف أو تدفع إلى الرحمة .
{ تنبيه } للمرأة في هذه المسألة بعد ارتكابها لجريمة الزنا الشنعاء حُكمين:
حكمها مع زوجها و حكمها مع ربها على التفصيل الآتي :
(أما حكمها مع زوجها) : لا يُتصَّورُ الرأفةُ بها ولا الإبقاء عليها ووجب طلاقها للأسباب السالف ذكرها .
(وأما حكمها مع ربها) : حكمها حكم مرتكب الكبيرة ، و حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار ما دام قد مات على التوحيد ، وأنه مستحقٌ للعقوبة لكنه تحت مشيئة الله النافذة إن شاء عفا عنه وإن شاء آخذه بذنبه ، لكن مآله إلى الجنة ما دام قد مات على التوحيد [ يدخل الجنة يوماً من الأيام أصابه قبل ذلك اليوم ما أصابه ]
لقوله تعالى : (إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: من الاية48) .
مسألة : هل المرأة إذا ارتكبت جريمة الزنا _ والعياذ بالله _ ثم تابت إلى الله تعالى ، هل يسقط حق زوجها في الآخرة؟
فصلُ الخطابِ في هذه المسألة : أن حق زوجها لا يسقط في الآخرة بتوبتها إلى ربها تعالى لأن توبتها إلى ربها تعالى تتعلق بحق ربها تعالى حيث أنها ارتكبت كبيرة من الكبائر وهي تحت مشيئة الله النافذة إن شاء عفا عنها وإن شاء آخذها بذنبها ، لكن مآلها إلى الجنة ما دامت قد ماتت على التوحيد
[
(1/276)
تدخل الجنة يوماً من الأيام أصابها قبل ذلك اليوم ما أصابها ]
أما حق زوجها المكلوم المطعونُ في شرفه فلا يسقط أبدا لأنها انتهكت حُرمته ، واستخفت بحقه ، وأسقطت هيبتة من عينها حين مَكَّنت غيرَه من نفسها ، وطعنته في أعز ما يملكه الإنسان وهو شرفه وعرضه * وصيْرَتْه ذليلاً بين الناس بجُرْمها ، وصارت عاراً عليه بفُحْشها ، وألصقت به ذُلاً لا يزال محفوراً في ذاكرته حتى يموت ، وألهبت في صدره لهيباً لا ينطفئُ مادام حيا * صيَّرت منزلتَه بين الناس ما بين مُشفقٍ عليه مُطْرِقِ الرأسِ صامت ، و متغامزٍ عليه للخوضِ في عِرْضِه متهافت ، وثالثٍ حقيرٍ فيه متشامِت ، ورابعٍ لئيم يَدَّعِي لها المروءةَ لأنه عن إخبار زوجها بفعلها ساكت ، ثم تراه يطلب منها المُقابِل ، لأنه لسكوته عن إخبار زوجها بفعلها قابل ، فصارت تنتقلُ من دمارٍ إلى دمار ، ومن خِزيٍ إلى عار ومن عارٍ إلى شنار * وصار زوجها أشقى الناس بِجُرمها لأنه لم تُكْسَرْ شوكَتُه إلا بها ، كسر الله ظهرها ، وأعمى بصرها ، ودمّر أعضاءها ، وهتك سِتْرَها ، وأخرجها من الدنيا كلِّها ،
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله ، فحق العبد باق ، فإن ظلم الزوج بإفساد حليلته ، والجناية على فراشه أعظم من ظلم أخذ ماله ، بل لا يعدل عنده إلا سفك دمه!.
فالحاصلُ أن هذه الشقِيَّة التَعِسَة لقد أورطت نفسها في ورطةٍ لا مخرج لها منها أبدا في الدنيا والآخرة على التفصيل الآتي :
[*] فأما في الدنيا : فإن زوجها متى تبين من جنايتها وخيانتها تقرَّب إلى الله تعالى بطلاقها ، وطهَّر اسمَه من دَنَسِ الاقتران بها ، وتبرأ إلى ربه من فِعلها، وصبَّ عليها الدعاء صبَّا حتى ينفَرِطَ عِقدُها ، جزاءاً لارتكابها لأشنعِ جنايةٍ في حقه .
(1/277)
وهي كذلك لابد أن ترى عقوبة خيانتها لزوجها في الدنيا قبل الآخرة إيماناً وتصديقاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم وليس هناك ظلمٌ أفحش من خيانة الزوجة لزوجها .
[*] وفي الآخرة : يأخذ من حسناتها بقدر مظلمتها له ، فعند الله تجتمعُ الخُصوم ويُقْتَصُ من الظالمِ للمظلوم ، فيقتصُ لجُرْحِه المكلوم وحقِ كرامته المهضوم من فعلها المشئوم ، وليس هناك أبشع من مظلمةِ خيانةِ الزوجةِ لزوجها وهنا نذكر الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من كانت له مظلمة لأخيه من عِرْضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون ديناراً ولا درهما، إن كان له حسنات أُخِذَ منه بقدرِ مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ من سيئاته فَحُمِلت عليه ).
{ تنبيه } : هذه الفاحشة لا يصبر عليها ولا يقرها في أهله إلا الديوث الذي يقر الخنا في أهله ، فهذان اثنان من الصحابة هلال وعويمر ، كل منها صبر على فراق زوجته وادعى أنها زانية ولاعنها ولم يقرها أن تبقى معه وهو يعلم أنها قد فجرت، ولو مرة واحدة، وذلك دليل على حماستهم وغيرتهم على نسائهم، لا يرضى أحدهم أن يشاركه في امرأته شخص أجنبي يفسد عليه فراشه ، ولا يرضى أن امرأته تخونه فتدخل في بيته من لا يرضاه، وتجلس على فراشه غيره، وتمكن من نفسها غير زوجها، فإن ذلك حرام، وفعلها يعتبر خيانة لزوجها، وإقرار الزوج على ذلك يعتبر دياثة وإقراراً للإثم والحرام، ولم يكن الصحابة يقرون شيئاً من ذلك. وهكذا أيضاً كل غيور، وكل من عنده حماسة وغيرة على محارمه لا يقر الخنا في أهله .
(1/278)
وعلى هذا إذا تحقق الزوج أن الزوجة قد خانته في فراشه إن عليه أن يفارقها وألا يكشف سترها ، ولكن يخبرها فيما بينه وبينها حتى يكون ذلك عذراً له عندها، فيخبرها بأنه قد اطلع على كذا وكذا .
مفاسد الزنا والعياذ بالله
مسألة : ما هي مفاسد الزنا والعياذ بالله ؟
مفاسد الزنا والعياذ بالله : الزنا حرامٌ ، وهو من كبائر الذُّنوب ، حتى إن الله عزَّ وجلَّ قد قَرَنَهُ مع الشرك بالله والقتل في قوله تعالى : (( والذينَ لا يَدْعونَ معَ اللهِ إِلهاً آخرَ ولا يَقتُلونَ النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ ولا يَزْنونَ ، ومَنْ يفعلْ ذلكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لهُ العذابُ يومَ القيامةِ ويَخْلُدْ فيهِ مُهاناً * إلا مَنْ تابَ وآمنَ وعَمِلَ عملاُ صالحاً فأُولئكَ يبدَّلُ اللهُ سيئاتِهم حسناتٍ وكانَ اللهُ غفوراً رحيماً )) الفرقان 68 - 70 .
والزنا فعلٌ يُسيء للمجتمع أشدَّ الإساءة فهو يؤدي لاختلاط الأنساب ، وينتهي إلى خراب البيوت وهو من أكثر العوامل التي تدفع إلى الجريمة ، فكم من جنين أُجهض لأنه كان ثمرةً للزنى لِلَّهِ وكم من بنت قُتلت دفاعاً عن شرف العائلة وسُمعتها لِلَّهِ وكم من زوج قَتَلَ زوجتَهُ أو عشيقها أو قتلهما معاً ، وكم من زوجة قتلت زوجها وعشيقته أو قتلتهما معاً انتقاماً للخيانة الزوجية .
[*] وقد تحدث الإمام ابن القيم عن مفاسد الزنا فقال رحمه الله تعالى :
(1/279)
والزنا يجمع خلال الشرِّ كلها ، من قلة الدين وذهاب الوَرَع ، وفساد المروءة وقلة الغَيرة ، فلا تجد زانياً معه ورع ولا وفاء ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غَيْرَة تامة على أهله لِلَّهِ ومن موجباته غضب الربِّ بإفساد حرمة عياله ، ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت ، ومنها ظلمة القلب وطمس نوره .. ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ، ويسقط من عين ربه ومن أعين عباده ، ومنها أن يسلبه أحسن الأسماء ويعطيه أضدادها ، ومنها ضيق الصدر وحرجه ، فإن الزناة يعامَلون بضدِّ قصدهم ، فإنَّ من طلب لذة العيش وطيبه بما حرَّمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده ، فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قطّ .
[*] والزنا يجمع خلال الشر كلها منها ما يلي :
(1) الزنا يجمع خلال الشر كلها من : قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد المروءة ، وقلة الغيرة ، ووأد الفضيلة
(2) يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة
(3) سواد الوجه وظلمته ، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين
(4) ظلمة القلب ، وطمس نوره
(5) الفقر اللازم لمرتكبيه ، وفي أثر يقول الله تعالى : (( أما مهلك الطغاة ، ومفقر الزناة)
(6) أنه يذهب حرمة فاعله ، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده ، ويسلب صاحبه اسم البر، والعفيف ، والعدل ، ويعطيه اسم الفاجر ، والفاسق ، والزاني ، والخائن
(7) الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني ، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه؛ فالعفيف على وجهه حلاوة ، وفي قلبه أنس ، ومن جالسه استأنس به ، والزاني بالعكس من ذلك تماماً
(8) أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة ، ولا يأمنه أحد على حرمته وأولاده
(9) ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاني ، يشمها كل ذي قلب سليم ، تفوح من فيه ، ومن جسده
(
(1/280)
10) ضيقة الصدر وحرجه ؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم ؛ فإن من طلب لذة العيش وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده ؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط
(11) الزاني يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن
(12) الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وكسب الحرام ، وظلم الخلق ، وإضاعة الأهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام ، وربما استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو لا يدري ؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها ؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند من المعاصي بعدها ، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة ، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة
(13) الزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عاراً لا يقف عندها ، بل يتعداها إلى أسرتها ؛ حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها ، وأقاربها ، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق
(14) أن العار الذي يلحق من قذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من رمي بالكفر وأبقى ؛ إلا إن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه شرعاً ، وتغسل عاره عادة ، ولا تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزنا ؛ فإن التوبة من ارتكاب فاحشته ـ وإن طهرت صاحبها تطهيراً ، ورفعت عنه المؤاخذة بها في الآخرة ـ يبقى لها أثر في النفوس ، ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم العفاف من أول نشأتهم
وانظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وإن ظهرت توبتها ؛ مراعاة للوصمة التي أُلصقت بعرضها سالفاً ، ويرغبون أن ينكحوا المشركة إذا أسلمت رغبتهم في نكاح الناشئة في الإسلام 0
(
(1/281)
15) إذا حملت المرأة من الزنا ، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل ، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم ، فورثهم ورآهم وخلا بهم ، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها
(16) أن الزنا جناية على الولد ؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء ، والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به فعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه ،، كذلك فيه جناية عليه ، وتعريض به ؛ لأنه يعيش وضيعاً في الأمة ، مدحوراً من كل جانب ؛ فإن الناس يستخفون بولد الزنا ، وتنكره طبائعهم ، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتباراً ؛ فما ذنب هذا المسكين ؟ وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟!
(17) زنا الرجل فيه إفساد المرأة المصونة وتعريضها للفساد والتلف
(18) الزنا يهيج العداوات ، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني ، ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته على موطوءته ، فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلات وانتشار المحاربات ؛ لما يجلبه هتك الحرمة للزوج وذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى ، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت ، وكان لسان حاله يقول : ليتها ماتت قبل ذلك قبل أن تورد نفسها المهالك وتكون مطمعاً لكلِ هالك .
(حديث سعد بن عبادة الثابت في الصحيحين ) أنه قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ، فبلغ ذلك النبي فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني ).
(سعد بن عبادة ) هو الأنصاري سيد الخزرج وأحد نقبائهم
(
(1/282)
غَيْرَ مُصْفَّحٍ) : صفح السيف أي عرضه ، ومعنى غَيْرَ مُصْفَّحٍ أي لا أضربه بعرض السيف بل بحدِّه .
(19) للزنا أثر على محارم الزاني ، فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانباً من مهابتهن ـ كما مر ـ ويسهل عليهن بذل أعراضهن ـ إن لم يكن ثوب عفافهن منسوجاً من تربية دينية صادقة بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه ، ولا يرضاه لغيره ؛ فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلوب محارمه ، وتساعده على أن يكون بيته طاهراً عفيفاً .
(20) للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها ، بل ربما أودت بحياة الزاني ، كالإيدز ، والهربس ، والزهري ، والسيلان ، ونحوها
(21) الزنا سبب لدمار الأمة ؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله ـ عز وجل ـ ويشتد غضبه ، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة
[*] قال ابن مسعود : (( ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .
(22) وَهُوَ فاحشة مهلكة وجريمة موبقة وفساد لا تقف جرائمه عَنْدَ حد ولا تنتهي آثاره ونتائجه إلى غاية وَهُوَ ضلال في الدين وفساد في الأَخْلاق وانتهاك للحرمَاتَ والأعراض واستهتار بالشرف والمروءة ، وداعية للبغضاء والعداوة .
(
(1/283)
23) عاره يهدم البيوت الرفيعة ويطأطئ الرؤس العالية ويسود الوجوه البيض ويصبغ بأسود من القار أنصع العمائم بياضًا ويخرس الألسنة البليغة ويبدل أشجع النَّاس من شجاعتهم جبنًا لا يدانيه جبن ويهوي بأطول النَّاس أعناقًا وأسماهم مقامًا وأعرقهم عزًّا إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة لَيْسَ لها من قرارٍ .
وَهُوَ أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما تسع ونباهة الذكر مهما بعدت وإلباس ثوب من الخمول ينبو بالعيون عن أن تلفت إلى من كَانَ في بيوتهم لفتة احترامٍ وَهُوَ أي الزنا لطخة سوداء إذا لحقت تاريخ أسرة غمرت كُلّ صحائفه البيض وتركت العيون لا تَرَى منها إِلا سوادًا حالكًا .
(24) وَهُوَ الذنب الظلوم الَّذِي إن كَانَ في قوم لا يقتصر على شين من قارفته من نسائهم بل يمتد شينه إلى من سواها مِنْهُمْ فيشينهن جميعًا شينًا يترك لهن من الأثر في أعين الناظرين ما يقضي على مستقبلهن النسوي وَهُوَ العار الَّذِي يطول عمره طولاً فقاتله الله من ذنب وقاتل فاعَلَيْهِ .
[*] ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المؤدية إلى الزنا ، وجميع الدوافع الدافعة إليه
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير : ...
(أيما امرأة استعطرت ) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه ( ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ) أي بقصد ذلك
(
(1/284)
فهي زانية ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديداً وتشديداً عليها ( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
وحذر نبي الأمة والرحمة من الدخول على النساء أو الاختلاط لأن ذلك مما قد يدفع ضعاف النفوس إلى ممارسة هذه الفاحشة العظيمة المشينة المحرمة
(حديث عقبة بن عامر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الدخول على النساء قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
( إياكم والدخول على النساء ) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول النساء ،وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
(
(1/285)
قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت) والحمو أخو الزوج وقريبه ، الحمو الموت : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في
الاستقباح والمفسدة فهو محرم
شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية.
{ تنبيه } :فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
ولهذا قال تعالى محذراً من الدخول على النساء : ( وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ) ثم ذكر المولى جل وعلا الحكمة البالغة من ذلك فقال : ( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) [ الأحزاب 53 ] ، وحرَّم الإسلام على المرأة أن تخرج أمام الرجال الأجانب وهي متخذة زينتها لما في ذلك من جنوح إلى الذنب والمعصية ، وإقبال على الفاحشة والرذيلة ، واستمالة ضعاف النفوس والإيمان والتقوى للانجراف في بحر الفاحشة ، والوقوع في براثن الزانيات العاهرات الداعيات إلى البعد عن عالم الخفيات فاطر الأرض والسموات ،
(1/286)
قال تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهِنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة: النور - الآية: 31]
ثم أمر المولى جلت قدرته عباده الذين لا يستطيعون النكاح ولا يجدون له طريقاً ومسلكاً ، أمرهم بالعفة إلى أن يكتب الله لهم ذلك ،
قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) [سورة: النور - الآية: 33]
وحذر الله تعالى عباده من كل ما من شأنه أن يكون ذريعة إلى فعل فاحشة الزنا ، من الستر وعدم الاختلاط بين الرجال والنساء ، وعدم التكسر في كلام النساء مع الرجال ، وعدم خروج المرأة من بيتها بغير محرم لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة ، فيه فساد هذه الأمة ، وجاء الخطاب صريحاً لأمهات المؤمنين ، وقصد به نساء الأمة أجمعين ،
قال تعالى: (يَنِسَآءَ النّبِيّ لَسْتُنّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَآءِ إِنِ اتّقَيْتُنّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ وَأَقِمْنَ الصّلاَةَ وَآتِينَ الزّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب 32/33]
[
(1/287)
*]والزنا من أكبر الكبائر بعد الكفر والشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وهو محرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة الذي نقله كثير من أهل العلم ،
قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً) [ الإسراء / 32]
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إِذَا زَنَى العَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الاْيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الإيمان".
فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية ، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة ، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية ، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم ، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات ، وتفكك الأسر ، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا ، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية ، ولذاته الجنسية ، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط ، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم . فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه .
(1/288)
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان ، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح ، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض ، كيف سيكون المصير ؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت ؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية ؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب ، فالله يمهل للظالم ولا يهمله ، وإذا أخذه لم يُفلته ، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
( إن اللّه تعالى لَيملي ) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر ( للظالم ) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } فإمهاله عين عقابه
( حتى إذا أخذه ) أي أنزل به نقمته ( لم يُفلته ) أي لم يفلت منه .
فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له ؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له ؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة ؟ كيف سيكون الخلاص ؟ وأين المهرب والملتجأ ؟ وأين الناصرون ؟ وأين المنقذون ؟ وأين الآمرون بالزنا ؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة ؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب ، ومن ينفع إذا جاء الموت ، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم ، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ
(1/289)
ماذا سيقول الزناة لهادم اللذات ؟ ومفرق الجماعات ؟ ماذا سيقولون لملك الموت ؟ أيقولون أمهلنا حتى نتوب إلى الله ، أم يقولون انظرنا حتى نعاهد الله ألا نعود لمثل ذلك ؟ يقول الله جل شأنه في أمثال أولئك :
(حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * قال تعالى: (لَعَلّيَ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
[ المؤمنون 100،99]
أتدري ما البرزخ ؟ إنه حياة القبر وما أعده الله للزناة والزواني فيه من ألوان العذاب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ،
قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ * ثُمّ رُدّوَاْ إِلَىَ اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [ الأنعام 61/62 ] ،
قال تعالى: (قَالُواْ رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ) [سورة: المؤمنون - الأية: 106]* رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ) ( المؤمنون 106/107/108 ) .
إن هناك من العذاب مالا تطيقة الجبال الراسيات ، فضلاً عن أن يطيقه إنسان اكتسى لحماً وعظماً ،
(1/290)
أما كان لهؤلاء أن يصبروا على طاعة الله ، ويصبروا عن معاص الله ، ويعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، وقد أمروا بترك الزنا والابتعاد عنه وأوجد لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام طريقاً ومسلكاً يتبعه من لا يستطيع الباءة والقدرة على الزواج من البنين والبنات ، فبين نبي الرحمة والهدى معالم الدين الحنيف لكافة الأمة ، كيف لا ؟ وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ) [سورة: التوبة - الآية: 128]
، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين الطريق الأمثل لمن لم يستطع الزواج والقدرة عليه في الحديث الآتي :
( حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - شبابا لا نجدُ شيئاً فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)
ثم ماذا بعد الموت ؟ أين مصير الزناة والزواني ؟
قال تعالى: (وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [سورة: المؤمنون - الآية: 100]
البرزخ كما قلنا هو حياة القبر ، فماذا سيكون مصيرهم هناك ، إنه تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق يوضع فيه الزناة والزواني ويأتيهم العذاب والنار من تحتهم وهم يصرخون ويصيحون ، فمن ينصرهم في ذلك الموقف العسير ؟ فلا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . اللهم أجِرْنَا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ثم كيف بالزناة والزواني يخشون الناس ولايخشون الله ، ويستحيون من الناس ولايستحيون من الله ، ويستخفون من الناس ولايستخفون من الله . فتراهم يهربون إلى أماكن بعيدة حتى لا يراهم أحد من الناس ، ونسوا بل تناسوا أن الله يراهم وينظر إليهم في تلك اللحظات المشينة ،
(1/291)
قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىَ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) [سورة: النساء - الآية: 108]
قال تعالى: ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مّؤُمِنِينَ) [سورة: التوبة - الآية: 13]ولكنه اتباع الهوى والشهوات ، والبعد عن خالق الأرض والسموات ،
قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصّلاَةَ وَاتّبَعُواْ الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً) [ مريم / 59]
مسألة : ما هو الغي في قوله تعالى : ( فسوف يلقون غياً ) ؟
الغي في قوله تعالى : ( فسوف يلقون غياً ) : هو وادٍ في جهنم بعيد قعره ، فيه من ألوان العذاب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، نسي أولئك أنهم سيعودون إلى الله سبحانه وتعالى فيجازيهم بأعمالهم ،
قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ)
[ المؤمنون / 115]
وأنه سبحانه سيُذَكِّرْهُم ويُقَرِّرْهُم بما عملوا ، فإن نسوا هم فإن الله لا ينسى
قال تعالى: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّي فِي كِتَابٍ لاّ يَضِلّ رَبّي وَلاَ يَنسَى) [سورة: طه - الآية: 52] ، نسوا أن الله سيسجل عليهم ذلك ويجدونه في صحائف أعمالهم ، قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَوَيْلَتَنَا مَا لِهََذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبّكَ أَحَداً) [سورة: الكهف - الآية: 49]،
وقال تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوَاْ أَحْصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة: المجادلة - الآية: 6]
(1/292)
والآيات الدالة على البعث والحساب كثيرة وأن هؤلاء العصاة والبغاة سيعودون إلى الله ويحاسبون على أعمالهم الشنيعة التي أغضبت المولى جل وعلا ، وسيحاسبون على أفعالهم القبيحة التي لا يرضى عنها حتى من لا يؤمن بالله ، فالطباع السليمة لا ترضى مثل هذه الفاحشة التي توجب غضب الله وعقابه وسخطه ومقته ، وعندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء على ألا يشركن بالله شيئاً ولايسرقن ولا يزنين ، قالت هند بنت عتبة : أوَ تزني الحُرة ؟ تقول وبكل تعجب أو تزني الحرة يا رسول الله ؟!، أي أن المرأة الحرة لا تزني أبدا ، ما كان نساء الصحابة رضوان الله عليهن يصدقن أن الحرة تزني ، ما كن يعرفن الزنا ، لأنه لم يكن موجوداً عند أهل الإيمان والتقوى ، فصاحب الزنا يشعر بأنه من أفسق الناس ومن أفجرهم ومن أجرم الناس على الإطلاق ، فهو أيضاً يُحس بوحشة وضيق في صدره من شناعة الجُرم والفاحشة التي قام بها فيتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه من قُبح ما فعل ، فإذا فعل فعلته التي فعل ، وانتهى من جرمه الذي عمل ، ضاق صدره وتألم قلبه لسوء فعلته ، وَخَسَاسَةِ عمله فيُحس بقذارة ما فعل من فاحشة ( الزنا ) ويتمنى لو أنه لم يفعلها فيريد التوبة والعودة والإنابة إلى الله سبحانه ، والإقلاع عن تلك المعصية ، ولكن يأتيه الشيطان فيهون عليه تلك المعاصي والآثام ، ويُطمئِنُ قلبه بفعل تلك الذنوب العظام ، والكبائر الجسام ، والموبقات المهلكات ، فيهلكه بفعلها ويغرقه في لجج المعاصي والآثام فيقع فريسة سهلة للشيطان ، فتضيق عليه معيشته ويصبح كثير الشكوك وافر الظنون ، لأنه يخاف أن يفعل الناس بأهله الفاحشة كما يفعلها هو بمحارم الناس ( فكما تدين تدان ) ،
(حديث سهل بن سعد في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من يضمن لي ما بين لحييه و ما بين رجليه أضمن له الجنة .
(
(1/293)
حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : تقوى الله وحسن الخلق , وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ قال الفم والفرج .
فص(4) الزنا يعيش بصير العين أعمى القلب ، ومن عمي قلبه فحياته فيها من التعاسة الشيء الكثير ، فهو خائف وقلق وفزع من هول تلك المعصية فيخاف من العقوبة في الدنيا ، أما الآخرة فقد نسيها ونسي الخالق سبحانه فالله سوف ينساه لأنه ما عرف لله حقاً ، وما ترك لله حداً ، فالجزاء من جنس العمل .
قال تعالى: (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ) [سورة: التوبة - الآية: 67]
قال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُوْلََئِكَ حِزْبُ الشّيْطَانِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ الشّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ) [سورة: المجادلة - الآية: 19]
تفاوت فاحشة الزنا والعياذ بالله
تتفاوت فاحشة الزنا والعياذ بالله بحسب مفاسدها ؛ والزنا بذات الزوج أشد من الزنا بالتي لا زوج لها ؛ لما فيه من الظلم ، والعدوان عليه ، وإفساد فراشه ، وقد يكون هذا أشد من مجرد الزنا أو دونه
والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار ، لما يقترن بذلك من أذى الجار ، وعدم حفظ وصية الله ورسوله
وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثماً عند الله من الزنا بغيرها ، ولهذا يقال للغازي : خذ من حسنات الزاني ما شئت
وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرماً ، وأشنع ، وأفظع ؛ فهو الهلك بعينه
وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها ، فكذلك تتفاوت درجاته بحسب الزمان والمكان ، والأحوال ؛ فالزنا في رمضان ليلاً أو نهاراً أعظم إثماً منه في غيره ، وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم منه فيما سواها
(1/294)
وأما تفاوته بحسب الفاعل : فالزنا من المحصن أقبح من البكر ، ومن الشيخ أقبح من الشاب ، ومن العالم أقبح من الجاهل ، ومن القادر على الاستغناء أقبح من الفقير العاجز
وقد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق ، وتأليهه ، وتعظيمه ، والخضوع له ، والذل له ، وتقديم طاعته وما يأمر به على طاعة الله ، ومعاداة من يعاديه ، وموالاة من يواليه ، ما قد يكون أعظم ضرراً من مجرد
تنبيه : ونظراً للمفاسد العظيمة التي تنتج عن الزنا والعياذ بالله فقد حذَّر الشارع من مقاربة الزنا أو من الظروف والدواعي التي يمكن أن تقود إليه ، فقال تعالى : (ولا تَقربوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحشةً وساءَ سبيلاً )) الإسراء 32 ، وجعل حواجز تحول دون الوقوع في الفواحش ، فدعا إلى الزواج للمستطيع ، وحذَّر من العقوبة الدينية والدنيوية ، وحض على العفة ، وجعل هناك عدداً من الأمراض الجنسية الخطيرة التي تصيب بصورة خاصة أولئك الذين يرتكبون الفواحش ..
قصص وعبر لسوء عاقبة الزناة
[*] قيل أن راهباً يُسمى برصيصاً كان يعبد الله ستين سنة ، وأن الشيطان أراد أن يغويه فما استطاع ، فعمد الشيطان إلى امرأة فأجنها وكان لها أخوة فقال الشيطان : لإخوتها عليكم بهذا القُس ، فيداويها ، فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها فطلبوها ، فقال الشيطان للراهب أنا من عمل بك هذا لأنك أتعبتني ، فأطعني أنقذك منهم ، فاسجد لي سجدة ، فلما سجد له ، قال : إني برئ منك ، إني أخاف الله . ( رواها بن جرير في تفسيره (
[
(1/295)
*] وفي واقعنا وفي زماننا هذا كثيرٌ من مآسي الزناة والزواني( الجبلة النَكِدَة الذين فيهم عِوجٌ لا يُرجى اعتداله والذين لا يهناؤون ، ولا يهدأ لهم بال ، ولا يقر لهم حال إذا لم يرتكبوا الفاحشة ) ، يُحكى أن شاباً سافر إلى بلاد الكفر والفجور والفسق والسفور ، من أجل الزنا وشرب الخمور ، سافر هذا الشاب إلى تلك البلاد ، وفي يوم من الأيام وبينما هو في غرفته ينتظر تلك العاهرة أن تأتيه ، إذا بها قد تأخرت عن موعدها ، وعندما أتت ودخلت عليه غرفته ، شهق شهقة عالية وسجد لها ، فكانت هذه السجدة هي السجدة الأولى والأخيرة في حياته ، لكن لمن كانت هذه السجدة ؟ وما سببها ؟ وما نتائجها ؟
أخي الحبيب : إنه سوء الخاتمة ، أعاذنا الله من ذلك .
أين أولئك من أولئك الرجال الذين ملأ الإيمان بالله والخوف منه سبحانه ملأ قلوبهم وجوارحهم ، وأين أولئك النساء عن تلكم اللاتي منعهن تقوى الله والحياء منه ، وخوفهن من عذاب القبر وشدة الحساب وعظمة الوقوف بين يديه الله سبحانه ، كل ذلك ، فأين الخائفون من عذاب الله وسخطه ومقته وعقابه ، إذ كيف يُنعم الله على هؤلاء بشتى النعم ، من مأكل ومشرب وملبس ، وغير ذلك من النعم التي لا تُعد ولا تُحصى ، ثم يستغلون هذه النعم في معصية الخالق المنعم تعالى وتقدس ، فبدل أن يقابلوا هذه النعم وهذا الإحسان بالشكر والعرفان لله جل وعلا ، قابلوا ذلك كله بالكفر والعصيان وارتكاب المعاصي والآثام ، بدلوا نعمت الله كفراً وأحلوا أنفسهم دار البوار . أهكذا يكون جزاء هذا الإحسان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
مسألة : هل يجوز لعن بعض عصاة المسلمين ؟
لعن بعض عصاة المسلمين على سبيل العموم
جاءت النصوص الشرعية بلعن أصحاب بعض المعاصي على سبيل العموم والإطلاق، بذكر وصف المعصية.
ومما ورد في ذلك ما يلي:
قول الله تعالى: { أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [هود: 18].
(1/296)
و قول الله تعالى: { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران: 61].
ومن السنة الصحيحة ما يلي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده).
(حديث ابن عمر -رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) .
( حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير منار الأرض) .
(8) ( حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء .
(9) ( حديث ابن عمر -رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه) .
فهذه النصوص ونحوها تدل على جواز لعن فاعل تلك المعاصي لا على جهة التعيين للأشخاص، بل يلعن العاصي بوصفه لا بشخصه، فيقال مثلاً: لعن الله آكل الربا، ولعن الله السارق، أو أكلة الربا ملعونون، والسارقون ملعونون، ولعنة الله على الظلمة، وعلى الكاذبين ونحو ذلك.
{ تنبيه } : وهذا اللعن على سبيل العموم لأصحاب المعاصي التي جاءت النصوص بلعن فاعليها لا خلاف في جواز
قال الإمام النووي في شرحه لحديث: "لعن الله السارق" " هذا دليل لجواز لعن غير المعين من العصاة؛ لأنه لعن للجنس لا لمعين، ولعن الجنس جائز كما قال الله تعالى: { أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ }
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (واللعنة تجوز مطلقاً لمن لعنه الله ورسوله }
(1/297)
اللعن العام يدل على أن من فعل تلك المعصية فهو مستحق للعنه، ومعرض للعقوبة، فيحصل من هذا الإطلاق الزجر والردع عن ارتكاب تلك المعصية، وهذه اللعنة العامة المذكورة في النص قد تلحق بعض الأشخاص فتكون سبباً في عذابه ويكون معه إيمان يمنعه من الخلود في النار، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة .
[*] قال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد" (1/226)
"الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم ؛ فالأول (لعن المعين) ممنوع ، والثاني (لعن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز ، فإذا رأيت محدثا ، فلا تقل لعنك الله ، بل قل : لعنة الله على من آوى محدثا ، على سبيل العموم ، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله : (اللهم لِلَّهِ العن فلانا وفلانا وفلانا ) نهي عن ذلك بقوله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) رواه البخاري" اهـ .
التفسير الشرعي لوقوع العصاة في جريمة
الزنا الشنعاء والعياذ بالله
مسألة : ما هو التفسير الشرعي لوقوع العصاة في جريمة الزنا الشنعاء والعياذ بالله ؟
فصل الخطاب في هذه المسألة :
[*] أن ما يحصل من وقوع العصاة في جريمة الزنا الشنعاء والعياذ بالله ما هو إلا من سقامة الضمائر ولؤمِ السرائر وفسادِ النية وسوءِ الطوية ، بل هو من دناءة نفوسهم وخِسةِ طبعهم وسواد قلوبهم ورداءةِ معدنهم وهوانهم على ربهم
، إذ لو علم الله في قلوبهم خيراً لعصمهم من الزلل ، ووفقهم لصالح العمل والله تعالى يقول: (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً) [الأنفال / 70]
فإنه من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه ومن يتقِ الشرَ يُوَقَّه مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(
(1/298)
حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه .
ولو أحبهم الله تعالى لصانَهم بصيانتِه وحفَظَهم بحفظه وكان سبحانه سمعهم الذي يسمعون به ويدهم التي يبطشون بها ورجلهم التي يمشون بها مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي : (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
ولكنه سبحانه لما اطَّلع على قلبك ووجده خربٌ وبور وما فيه من نور ، ورأى فيه المَيلُ إلى الحرامِ سَقَطتِ من عين الملكِ العلاّم ، وتركَكِ فريسةً للرزايا والآثام ، ثم يُحَاسبكِ لا مَحالةَ على هذا الإجرام ، فسلب حفظه عنك وَوَكَلكِ إلى نفسك لأنك صِرْتِ بسواد قلبك أهون على الله من الجِعلان (الخُنْفِساء) التي تدفع بأنفها النَتَن والتي لا تجد بُغْيَتَها إلا في مواطن القذر والنَتَن ،
ولو علم الله تعالى من قلبهم الصدق في النجاة من الزلل لنجَّاهم من الزلل ، ووفقهم لصالح العمل ، وعصَمهم
الملكُ العلاّم من الرزايا والآثام على مدى انصرامِ العمرِ ومرورِ الأيام فإن الصدق منجاة وإن العبد إذا صدق مع الله تعالى صدقه الله مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن تصدق الله يصدقك .
[
(1/299)
*] كان الحسن البصري إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
فإذا اطَّلع الله تعالى على قلوبهم ووجد فيه صدق النية في عدم الوقوع في الفاحشة كتب الله تعالى لهم
النجاة لا محالة ، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو ، فلا يتوهم إنسان أن الله تعالى يعلمُ من عبده ِصدق النية في عدم الوقوع في الرذيلة ثم يتركه يقع فيها ، هذا أمرٌ مُحال عند ربنا الكبير المُتعال ، بل هو فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال ، والله ما وقع إنسانٌ في الحرام إلا كان عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله، ولا يظلمُ ربُك أحدا ، لكنَّ الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته تراه يقيم العذر لنفسه و يلتمس لها الدليل وَيُلَفِق لها بزعمِهِ التأويل ، ويريد أن يُحَمِلَّ الناس جميعاً السبب في خطأهِ ويقول : هم السبب في زَلتي وهم الذين دفعوني إلى شِقْوَتي ، وأحياناً يلقي اللوم على القدر فيقول هو السبب في ذلك كما حصل في عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب حينما أتوْا بسارق فسأله عمر رضي الله تعالى عنه : ما حَمَلَك على ذلك ؟ فقال له : قَدَرُ الله يا أمير المؤمنين فقال له الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ونحن نقطع يدك بِقَدِرِ الله ، وهكذا تجد الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته يُعَلِقُ أخطاءه على شماعاتٍ وهمية ليُخْفي الحقيقة المُرَّة الكامنة بداخله المستقرة بين جَنْبَيْه والتي دفعته إلى الفجور وهي أنَّ عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله ، فلَيْتَه أحْسَنَ الظن بربه تعالى كما أحسن الظن بنفسه اللئيمة الخائنة الأثيمة التي أهلكته ورَمَتْ به في مستنقع الرذائل والآثام ، لكن هيهات فإن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً بل هو يزيد الأمرُ سوءاً ويزيدُ الطينُ بِلَة ، ويُضِيفُ إليه ذنباً إلى ذنوبه وَعَيْبَاً إلى عيوبه } .
(1/300)
* وهآنذا أسوق لك أروع القصص في رجالٍ ونساء صدقوا مع الله في العفاف فصدقهم ونجاهم من الزلل ووفقهم لصالح العمل :
[*] الصدق في العَفاف
{ قصة يوسف عليه السلام }
وَتَأَمَّلْ قِصَّة امْرَأَةِ العَزِيزِ مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامِ حَيْنَ رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْ شَرِّهِنَّ وَكَيْدِهِنَّ فَعَصَمَهَ اللهُ عِصْمَةً عَظِيمَةً وَحَمَاهُ فامْتَنَع أَشَدَّ الامْتِنَاعِ عَنْهَا وَاخْتَارَ السِّجْنَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا في غَايَةِ مَقَامَاتِ الكَمَالِ أَنَّهُ مَعَ شَبَابِهِ وَجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ تَدْعُوهُ سَيِّدَتُهُ وَهِي امْرَأَةُ عَزِيزِ مَصْرَ وَهِيَ مَعَ هَذَا في غَايَةِ الْجَمَال وَالْمَالَ وَالرِّيَاسَةِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْتَارُ السِّجْنَ عَلَى ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ اللهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ ، فانظر إلى طهارة قلبه عليه السلام وصدقه مع الله في عدم الوقوع في الفاحشة : عندما دعته امرأة العزيز إلى نفسها ، وهيأت له جميع الوسائل المعينة على هذا الفعل ، وكانت على قدر من المال والجمال ، ولكن عندما وقر الخوف من الله سكنات القلب والجوارح فسيكون الجواب : معاذ الله ) ، كان هذا هو جواب يوسف عليه السلام ، جاء كالصاعقة ، لتلك المرأة ، لم تتوقع أن يكون الرفض هو الجواب ، لكنه الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن الإنسان لابد وأن يعود إلى خالقه ليجازيه على ما قدم في دنياه ، والخوف من عذاب الله ، ومن النار وعذابها وحميمها وزقومها .
وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ مِنْ السَّبْعَةِ الذِينَ يُظلُّهُمْ اللهُ فِي ظِلِّهِ : " رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ مَنْصَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافَ اللهُ "
(
(1/301)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(سَبْعَةٌ يُظِلّهُمُ الله في ظِلّهِ يَوْمَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ في ِعِبَادَةِ الله، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلّقٌ في المَسْاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله اجْتَمعَا عَلَيه وَتَفَرّقَا عليه ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امرأة ذَاتُ منصبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنّي أَخَافُ الله ، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَهُ )
[*] قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد (4/268) : " وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه , المتعوِّضة بغيره عنه , فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه , دفع ذلك عنه مرض عشق الصور , ولهذا قال تعالى في يوسف : { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته " ا.هـ (1) .
وقفة مع امرأةِ العزيز :
إنها المرأةُ المتكلمة التي هي أكفأ الناس على الخروج من الموقف كالشعرة من العجين في أحلكِ المواقف فتجد الجواب حاضراً على السؤال الذي يهتف به المنظر المريب ، ليس هذا فحسب بل تخلع جُرْمَهَا وَتُلْبِسْه إنساناً بريئاً لتصرف التهمةَ عن نفسها
قال تعالى: ( وَأَلْفَيَا سَيّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ يوسف / 25]
__________
(1) ينظر لزاماً : المفاسد العاجلة والآجلة من عشق الصور . في الجواب الكافي للإمام ابن القيم (ص319) .
(1/302)
وهنا يجب أن نحذر المسلمين من هذا السلاح الفتَّاك ومن هذا الداء العِضال الذي يفتك بصاحبه ويُدَمِر دينه ودنياه ، مرض (الخروج من الموقف) لأنه سلاحُ يضرُ صاحبه ويدمره من ثلاثة أوجه هي :
(أولاً) يجعل صاحبه من أجرئ الناس على المعاصي اعتماداً منه على كفاءته في الخروج من الموقف حتى في أحلك المواقف ، حتى في مواطن الريبة كما فعلت امرأة العزيز التي كانت أُمَّةً في هذا المجال ، ويجعل صاحبه يُقْدِمُ على معصية الله تعالى في الخلوات الأمر الذي يُدمر نفسه ودينه ويجعل حسناته هباءاً منثوراً ولو كانت مثل جبال تهامة بيضاً ، وتأمل الحديث الآتي :
(حديث ثوبان رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها .
قال ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ : الحذر الحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب ، والحذر الحذر من الذُّنُوب خصوصًا ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تَعَالَى تسقط الْعَبْد من عينه سُبْحَانَهُ ولا ينال لذة المعاصي إِلا دائم الغَفْلَة ، فأما المُؤْمِن اليقظان فإنه لا يلتذ بها ، لأنه عَنْدَ التذاذه يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها ، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي وَهُوَ الله فيتنغص عيشه في حال التذاذه فإن غلبه سكر الهوى كَانَ الْقَلْب متنغصًا بهذه المراقبات وإن كَانَ الطبع في شهوته فما هِيَ إِلا لحظة ثُمَّ خزي دائم وندم ملازم وبُكَاء متواصل وأسف على ما كَانَ مَعَ طول الزمان حتى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها وأسوء وأخبارها . انتهى .
(
(1/303)
ثانياً) أن مستخدم هذا السلاح (الخروج من الموقف) يصير الكذب طبعاً له لا تكلفاً لأن غالب الخروج من الموقف يكون عن طريق الكذب ، ولا تنسى أن الكذب يهدي إلى الفجور بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )
(ثالثاً) : أن مستخدم هذا السلاح (الخروج من الموقف) يكون قد أوتيَ جَدَلا بالباطل ليخرج من الموقف ، ولا تنسى أن الجدال بالباطل يفسد القلب والدين ويسبب الضلال كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي أمامة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا قوله تعالى ( بل هم قومٌ خَصِمون )
{ هند بنت عتبة رضي الله عنها }
لمعرفة معدنها النفيس والذي هو أنفس من الذهب الخالص يكفينا ردها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حين سمعت منه - صلى الله عليه وسلم - ، بنهي المرأة عن الزنا في مبايعتهن للنساء
فردَّت هند بنت عتبة بروح المرأة (التقيةٍ النقية ، العفيفةً الحييِّة ، الحرةً الأبيَّة)
قالت رضي الله عنها : وهل تزني الحرة يا رسول الله ... ؟
(1/304)
قالتها متعجبة !استفهام استنكاري يفيد الاستنكار ، تقول وبكل تعجب أو تزني الحرة يا رسول الله ؟! أي أن المرأة الحرة لا تزني أبدا، تأنف باستنكارٍ واضحٍ رذيلةً تَعَافها المرأة في جاهليتها وحتى يوم أباحت مضغ أكباد الرجال وأباحت لنفسها السجود للأصنام !! لنقف هنا وقفة مع المرأة الحرة حين تعاف الرذيلة وتبغضها قبل أن تعتنق الإسلام ، وتصفها بالقبح والإسلام بعدُ حديث عهد في قلبها لم يبلغ بها مبلغ السابقين.. تقوله وهي حديثة عهد بكفر وجاهلية!! لكنها الفطرة التي لم تتلوث بالعهر والدناسة !لكنها العفة التي لم يخدشها نزوة أو طيش! أو مَيلٌ إلى الحرام كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) ،
بالله عليكم كيف حال هذه العفة بعد الإسلام وقد سقاها بماء الإيمان والحياء
فزادها جمالا وأسبغ عليها رونقا وإجلالا .
هذه من ضُرِب بعفتها الأمثال وتغنى بشرفها الأبطال
تصبر ولا تدنس ذيلها وتموت ولا تأكل بثدييها
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ؟
فهل يعني هذا أن العفة تسكن قلب المرأة الحرة بغض النظر عن دينها ؟ وأن دماثة الخلق يُمْكِن أن تأنس لقلوب لم يسكنها الإيمان بالله بعد ؟
الجواب : نعم.. وهند بنت عتبة أصدق دليل!!!
فكيف بنا نحن المجتمع المسلم وهذه الرذيلة تنهش في أعراضنا وتستشري نارها في ديارنا.. حين تغرق بعض النساء من مجتمعاتنا في خصلةِ هي قبيحة في الجاهلية فكيف بها في الإسلام. قاتلها الله من امرأةٍ ذات نفسٍ خسيسة دنيئةٍ رديئةِ المعدن فلقد انغمست في رذيلةٍ نهانا الله تعالى عن مجرد الاقتراب منها فضلاً عن الانغماس فيها . يعلق البعض السقوط بها على شماعة الفقر والظروف أو الانتقام من الزوج في محاولةٍ منهن في إخفاء الحقيقة المُرَّة الكامنة بداخلها والمستقرة بين جنبيها وهي أنها خسيسة دنيئةٍ رديئةِ المعدن فيها ميلٌ إلى الحرام كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) !!!
(1/305)
وما ظنك بامرأةٍ انغمست في هذه الخصلة الدنيئة التي تأنف منها الأحرار النساء الجاهليات ، وصدق لسان العرب حين قال : (تموت الحرة ولا تأكل بثدييها)، فكيف بنا ونحن نعيش في ظل مجتمعاتنا المسلمة التي ولدنا وتربينا في أحضانها.
{ تنبيه } :
هل يًعْقَل من تَرَبتْ تربيةً جادةً وان لم تكن صالحة أن تمكن غيرها من نفسها وهو لا يحل لها ؟
هل تقبل أن تكون محلا للاستمتاع لمن لا يجوز لها ؟
هل يمكن لامرأة أن تذبح حياءها وتهتك عفتها وتمزق دينها
قديما قالوا .. تموت الحرة ولا تأكل بثديها
أي لا تبيع جسدها وان ماتت من الجوع
فأين أولئك المفسدين من ذلك
الم يسمعوا ما قالته هند بنت عُتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية وأم زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (أم حبيبة) حينما بايعهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم اشترط شروطا ألا يفعلن كذا
وكذا ومنها قوله ولا تزنين فقالت هند وهل تزني الحرة ؟؟
نعم ... رضي عنها تلك الشريفة التي أنكرت الزنا لمن هي حرة ...
لأن الحرة ترى الزنا _ والعياذ بالله _ إهانة لعفتها بل ولآدميتها المَحْضَة قبل النظر عن كونه من الخبائث وإن المرأة الحرة تعافُه ويَقْشَعِرُّ بدنُها من ذِكْره فضلاً عن الاقتراب منه أو الانغماس فيه وان لم تكن صالحة .
{ قصة الربيع بن خيثم وامرأة بارعة الجمال }
أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه ، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم لِلَّهِ
فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب ، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده . فنظر إليها، فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة.
فقال لها الربيع : كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك ، فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟
أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت ، فقطع منك حبل الوتين ؟
أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟
(1/306)
فصرخت المرأة صرخة، فخرت مغشيا عليها، فوالله لقد أفاقت ، وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق .
تفسير موقف المجرمين الذين أرادوا افتتان الربيع ابن خيثم :
{ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا } ( سورة النساء/27)
{ تنبيه } :للافتتان بالمرأة شرطان متلازمان :
(1) أن تخضع بالقول
(2) أن يكون الرجل في قلبه مرض مصداقاً لقوله تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } (سورة الأحزاب/32)
فالمرأةُ خضعت بالقول لكن الربيع ابن خيثم لم يكن في قلبه مرض كحال الذين يسيل لعابهم وراء الشهوات والعياذ بالله فحصل له النجاة لذلك .
[*][*][*][*]
{ قصة أبو زرعة }
قال أبو زرعة الخيني مكرت بي امرأة فقالت يا أبا زرعة ألا ترغب في عيادة مبتلي تتفط برؤيته فقلت بلى فقالت أدخل إلى الدار فلما دخلت الدار أغلقت الباب ولم أر أحدا فعَرَفْتُ قصدها فقلت اللهم سودها فاسودت فحارت وفتحت الباب فخرجت وقلت اللهم ردها إلى حالتها فردها إلى ما كانت
[*][*][*][*]
{ قصة عطاء بن يسار }
خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ، ومعهم أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا لهم . فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم ، وبقي عطاء قائما يصلي . فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة! فلما شعر بها عطاء ظن أن لها حاجة، فخفف صلاته ، فلما قض صلاته . قال لها : ألك حاجة؟
قالت : نعم .
فقال : ماهي ؟
قالت : قم . فأصب مني ، فإني قد ودقت (أي رغبت في الرجال) ولا بعل لي .
فقال : إليك عني . لا تحرقيني ونفسك بالنار.
ونظر إلى امرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه ،وتأبى إلا ما تريد ، فجعل عطاء يبكي ويقول : ويحك لِلَّهِ إليك عني . إليك عني .
(1/307)
واشتد بكاؤه ، فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه لِلَّهِ لِلَّهِ
فبينما هو كذلك إذ رجع سليمان بن يسار من حاجته ، فلما نظر إلى عطاء يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت ، بكى لبكائهما، لا يدري ما أبكاهما .
وجعل أ صحابهما يأتون رجلا رجلا، كلما أتاهم رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم ، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء، وعلا الصوت .
فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت ، وقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة .
ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما، فلبثا بها ما شاء الله ، فبينما عطاء ذات ليلة نائما استيقظ وهو يبكي : فقال سليمان : ما يبكيك يا أخي ؟
قال عطاء : رؤيا رأيتها الليلة.
قال سليمان : ما هي ؟
قال عطاء : بشرط أن لا تخبر بها أحدا مادمت حيا .
قال سليمان : لك ما شرطت .
قال عطاء: رأيت يوسف النبي عليه السلام في النوم ، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر، فلما رأيت حسنه ، بكيت ، فنظر إلي في الناس .
فقال : ما يبكيك أيها الرجل ؟
قلت : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ، ذكرتك وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن ، وفرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وجعلت أتعجب منه .
فقال يوسف عليه السلام : فهلا تعجب من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكيا .
فقال سليمان : أي أخي وما كان حال تلك المرأة ؟ فقص عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء، فحدث بها امرأة من أهله .
{ تنبيه } : انظر رحمك الله كيف كان موقف عطاء بن يسار رحمه الله لم يجترئ على معصية الله في الخلوات لأنه رحمه الله لم يكن ممن (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) لعلمه بشناعة معصية الله في الخلوات ،
(حديث ثوبان رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(1/308)
لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها .
قال ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ : الحذر الحذر من المعاصي فإنها سيئة العواقب ، والحذر الحذر من الذُّنُوب خصوصًا ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تَعَالَى تسقط الْعَبْد من عينه سُبْحَانَهُ ولا ينال لذة المعاصي إِلا دائم الغَفْلَة ، فأما المُؤْمِن اليقظان فإنه لا يلتذ بها ، لأنه عَنْدَ التذاذه يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها ، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهي وَهُوَ الله فيتنغص عيشه في حال التذاذه فإن غلبه سكر الهوى كَانَ الْقَلْب متنغصًا بهذه المراقبات وإن كَانَ الطبع في شهوته فما هِيَ إِلا لحظة ثُمَّ خزي دائم وندم ملازم وبُكَاء متواصل وأسف على ما كَانَ مَعَ طول الزمان حتى إنه لو تيقن العفو وقف بإزائه حذار العتاب فأف للذنوب ما أقبح آثارها وأسوء وأخبارها . انتهى .
[*][*][*][*]
{ قصة المرأة المُتَعَبِدة البصرية }
كانت بعض المتعبدات البصريات جميلة وكانت تُخْطَبُ فتأبى ،وأنها وقعت في نفس رجل مهلبي فبلغ المهلبي أنها تريد الحج فاشترى ثلاثمائة بعير ونادى من أراد الحج فليكتر من فلان المهلبي فاكترت منه فلما كان في بعض الطريق جاءها ليلا فقال إما أن تزوجيني نفسك وإما غير ذلك فقالت ويحك اتق الله فقال ما هو إلا ما تسمعين والله ما أنا بِجَمَّال ولا خرجت في هذا إلا من أجلك فلما خافت على نفسها قالت ويحك انظر أبقي في الرجال أحد لم ينم قال لا
قالت عد فانظر ،
فمضى وجاء فقال ما بقي أحد إلا وقد نام فقالت ويحك أنام رب العالمين ثم شهقت شهقة وخرت ميتة
(1/309)
وخر المهلبي مغشيا عليه ثم قال ويحي قتلت نفسا ولم أبلغ شهوتي فخرج هاربا
{ فانظر رحمك الله كيف يفعل الصدق بأهله وكيف يكون سبباً في النجاة من الزلل والتوفيق لصالح العمل ، وانظر إلى حال الصادقين في حصول العفاف وأن الموت أحبُ إليهم من أن يقعوا في الرذيلة ، فلما اطَّلع الله تعالى على قلوبهم ووجد فيها النور نجاها بفضلهِ تعالى من كلِ خرابٍ وبور ومن كل فعلٍ محظور ، ونجاهم من دواهي الأمور }
[*][*][*][*]
{ قصة المرأة الصالحة التي تسأل عن حمام منجاب }
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي "أن رجلا كان واقفًا بإزاء داره (باتجاهها)، وكان بابها يشبه باب حمّام منجاب (حمام كان مخصصًا للنساء) فمرت جارية لها منظر ، فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب ؟ فأشار إلى بيته وقال لها: هذا حمام منجاب، فدخلت الدار وهي لم تعرف أنه خدعها ودخل وراءها، فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها، أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه ، وقالت له: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقرُّ به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين، وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها ، فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم يجد لها أثر .
فهام الرجل بها وذهبت بلبه فأكثر الذكر لها والحزن والجزع عليها وجعل يمضي في الطرق ويقول:
يا رُبَّ قائلةٍ يوْمًا وقد تَعِبَتْ ... أيْنَ الطَّرِيقُ إلى حمام مَنْجَابِ
ومر من عند بيتها وهو ينشد هذا البيت وإذا بها تجاوبه من داخل دارها وتقول بصوت سمعه:
هَلا جَعَلْتَ سَرِيْعًا إذْ ظَفِرْتَ بِهَا ... حِرْزًا عَلَى الدارِ أَوْ قُفْلاً عَلى البابِ
إنْ يَنْفَذَ الرِّزْقُ فالرَّزَاقُ يَخْلِفُهُ ... والعِرْضُ مِنْ أيْنَ يَا مَغْرُوْرُ يُنْجَابُ
{
(1/310)
تنبيه } : { انظر رحمك الله إلى هذه المرأة التي وقعت في ورطة وخداع من إنسانٍ ماجن أراد أن يقع بها ، ولكن لما اطَّلع الله تعالى على قلب هذه المرأة التقيَّة النقيَّة العَفيفة الحييَّة الحُرةُ الأبيّةَ ووجد فيه صدق النية في عدم الوقوع في الفاحشة كتب الله تعالى لها النجاة لا محالة وأنْجَاهَا من هذا المأزق المهين كما تخرج الشَّعْرةُ من العجين ، والسؤال الذي يطرح نفسه : من الذي أنْسَى هذا الشَقِي أن يضع قُفلاً على الباب ؟ أنه الله العلي الكبير ، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو ، فلا يتوهم إنسان أن الله تعالى يعلمُ من عبده ِصدق النية في عدم الوقوع في الرذيلة ثم يتركه يقع فيها ، فمن توهم ذلك فقد كذَّب بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن تصدق الله يصدقك ) .
(1/311)
ثم إنَّ هذا أمرٌ مُحال عند ربنا الكبير المُتعال ، بل هو فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال ، والله ما وقع إنسانٌ في الحرام إلا كان عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله، ولا يظلمُ ربُك أحدا ، لكنَّ الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته تراه يقيم العذر لنفسه و يلتمس لها الدليل وَيُلَفِق لها بزعمِهِ التأويل ، ويريد أن يُحَمِلَّ الناس جميعاً السبب في خطأهِ ويقول : هم السبب في زَلتي وهم الذين دفعوني إلى شِقْوَتي فيُعَلِق ذنزبه ومعاصيه على شماعاتٍ وهمية ، وأحياناً يلقي اللوم على القدر فيقول هو السبب في ذلك كما حصل في عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب حينما أتوْا بسارق فسأله عمر رضي الله تعالى عنه : ما حَمَلَك على ذلك ؟ فقال له : قَدَرُ الله يا أمير المؤمنين فقال له الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ونحن نقطع يدك بِقَدِرِ الله ، وهكذا تجد الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته يُخْفي الحقيقة المُرَّة الكامنة في نفسه المستقرة بين جنبية والتي دفعته إلى الفجور ، الحقيقة التي دفعته إلى الفجور وهي أنه عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله ، فلَيْتَه أحْسَنَ الظن بربه تعالى كما أحسن الظن بنفسه اللئيمة الخائنة الأثيمة التي أهلكته ورَمَتْ به في مستنقع الرذائل والآثام ، لكن هيهات فإن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً بل هو يزيد الأمرُ سوءاً ويزيدُ الطينُ بِلَة ، ويُضِيفُ إليه ذنباً إلى ذنوبه وَعَيْبَاً إلى عيوبه } .
ثانياً : من حِفظ غيبة زوجها ألا تسمح لأحدٍ أن
يخببها على زوجها
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس منا من خَبََّبَ امرأة على زوجها أو عبدا على سيده .
[
(1/312)
*] (من خَبََّبَ امرأة على زوجها) : التخبيب هو إفساد الزوجة على زوجها بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها أو حَسَنَ إليها الطلاق ليتزوجها هو أو يزوجها لغيره أو غير ذلك .
{ تنبيه } وإفساد المرأة علي زوجها له صور وأشكال متعددة : بالتعريض أو والتلميح أو التحريض. والتعالي لإظهار عجز الطرف الآخر.. إلي غير ذلك من هذه السلوكيات وأمثالها التي تدفع صاحبها بأنه يسعى لتعكير صفو العلاقة بين المرأة وزوجها، والتخبيب من كبائر الذنوب وفواحش العيوب لاحتوائه على ثلاثة جرائم هي [ تخبيب وخائنة أعين وخيانة] .
[*] وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن إمام المسلمين : خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها ، فهل يُصَلَّى خلفه ؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه ) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين ، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو ، مع إصراره على الخلوة بها ، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك ، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب ، فان تاب الله عليه ، فإذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه ، فلا يصلَّى خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة ، والله أعلم .
" مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 )
[*] وقال ابن القيم - رحمه الله - :
(1/313)
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، وتبرأ منه ، وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بها ، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا ؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حليلته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة ، وقيل له : خذ من حسناته ما شئت ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : فما ظنكم ؟! أي : فما تظنون تبقى له من حسناته ؟،
( حديث بريدة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حُرْمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم و ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وُقِفَ له يوم القيامة يأخذُ من عمله ما شاء فما ظنكم ؟
فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا يأمن جاره بوائقه .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .
" الجواب الكافي " ( ص 154 ( .
[*] ويقول الدكتور أحمد الشرباصي ـ رحمه الله ـ من علماء الأزهر:
(1/314)
لقد حَرَّمَ الله - جلَّ جلاله - زَوَاجَ المرأة المتزوجة، وذلك بنص القرآن الكريم، حين ذَكَرَ ذلك ضمن المُحَرَّمَات بقوله تعالى : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) (النساء: 24)
ومن الكبائر التي يلجأ إليها مَن ليس له دين ولا خُلُق ولا ضمير أن تتطلَّع عينُ الإنسان الخبيثة إلى زوجة غيره، فيطمع فيها، ثم يُحاول هَدْمَ بيت الزوجية، مُنْدفعًا بشيطانه وشهوته، يُريد مِن وراء ذلك أن يُفسد الحياة الزوجية؛ وأن يَهدم بيتها الذي حَصَّنَه الله ورسوله، وإنما يُريد ذلك الأثيم من وراء محاولته أن يستجيب لشهوته المُنْحَرِفَة التي لا يرضى عنها الله ولا رسوله .
ولا ندري كيف يستحق وصف الإسلام مَن يفكر في ذلك الإثم، و يقدم على ارتكابه؟ إن مثل هذا الإنسان الدنيء يُسيء إلى دينه أولًا، وهو الإسلام الحنيف، ويُسيء إلى الزوج ثانيًا؛ لأنه يسعى في خراب بيته، وإفساد زوجته عليه، وهذا من أقبح أنواع السعي بالفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل، وهو يُسيء كذلك إلى الزوجة المسكينة المُضَلَّلَة؛ لأنه يهدم بيت زواجها، ويُغريها حتى تستجيب له، وترتكب الجريمة الفاحشة، بقطع ما وَصَلَهُ الله من مِيثاق الزواج بينها وبين زوجها، دون أن ترى من هذا الزوج انحرافًا، أو اعتسافًا يستدعي إصلاحَه أنْ نُفَرِّقَ بينه وبين زوجته .
[
(1/315)
*] ألا فليعلم هذا المُخَبِّب الفاسد المروءة والضمير الشقي التَعِس أنه صيَّر نفسه جندٌ من جنود إبليس ، فلقد زاد فساده واستشرى وتمادى في غَيِّه وأصرَّ على باطله ، وأظهر العداوة وكشف فيها قِناعه وحَسَر لِثَاَمه وكشف عن أنيابه يلتمس العثرات ويترقب الهفوات وتناسى مراقبة ربِ الأرضِ والسماوات ، فورب السماوات والأرضِ إنما توعدون لآت ، هذا المُخادع المُصانع الذي ينصب المكائد والفِخَاخ ويَدُسُّ السمَّ في العسل لأنه أروغ من ثعلب وأحقدُ من جمل وأكذب من مُسَيلمة ، وهو كذلك أذل من نعل وأهونُ من المَهَانة وأضلُ من حِمارِ أهله ، وهو كذلك أعقُّ من ضَب وأضرُّ من الجرب وأشرُ من البرص ، هذا العتي الغوي الظالم الغاشم المتغطرس ، بظلمه وبطشه أورد نفسه المهالك وحملها على الأمورِ الموبقة ، استحوذ عليه الشيطان واتخذه مَرْكَباً فصَدَّه عن الإنابة وأملى له فورَطَّه في الغرور وزين له سوء عمله فصدَّه عن سواء السبيل ،
قد صَادَهُ إبليسُ في فِخاخه ... بل قَدْ صَار من أفْرَاخِه
فليتَ شِعْري من أباح ذلك ... وأورد نفسه في المَهالك
قاتله الله وصدَّع بنيانه ، وأتلفه وشلَّ أركانه ، كسر الله ظهره وأعمى بصره ودمَّر أعضائه وهتك ستره وأتلفَه كلَه ، اللهم العنه لعنةً تُدَمِرْه في نفسهِ وتَدْخُلُ معه في قبرهِ وَتُهْلكْه يوم عَرْضِه على ربه ، اللهم اجعل الدائرةَ عليه وأصبْه بنفسه وأهله ودمرْه تدميرا ، اللهم أنزل عليه بأسك الذي لا يُرَد عن القومِ المجرمين ، لا رَحِمَ الله فيه مَغْرِزَ إبره ، حتى يكون عبرةً لمن يعتبر لئلا يستشرى هذا المرضِ العِضَال بين المسلمين ، ولئلا يستهينُ بِفِعْله من سِوَّلَت له نفسه أن يفعل هذا الفعل المَشِين .
و ليعلم هذا الشقي المَهين علم اليقين أنه سيرى عاقبة ظلمه وبغيه في الدنيا قبل الآخرة لا محالة مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(
(1/316)
حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم وليس هناك ظلمٌ أفحش من خيانة المرأة لزوجها .
وليضع نصب عينيه أن الجزاء من جنس العمل وأنه من ضَارَّ أضرَ الله به .
(حديث أبي صِرْمَةَ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ضَارَّ أضرَ الله به و من شاقَّ شاقَّ الله عليه .
( من ضارّ ) بشد الراء أي أوصل ضرراً إلى مسلم بغير حق
(أضرَ الله به اللّه به ) أي أوقع به الضرر وشدد عليه عقابه في العقبى
( ومن شاق ) بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة أو غيرها
( شق اللّه عليه ) أي أدخل عليه ما يشق عليه مجازاة له على فعله بمثله وأطلق ذلك ليشمل المشقة عليه
نفسه وعلى الغير بأن يكلف نفسه أو غيره بما هو فوق طاقته .
(حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من امرئ يخذُل امرءاً مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ و يُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيه نُصْرتِه و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته .
(ما من امرئ يخذل ) بذال معجمة مضمومة قال تعالى { وإن يخذلكم }
( امرءاً مسلماً ) أي لم يحل بينه وبين من يظلمه ولا ينصره
(
(1/317)
في موضع ينتقص فيه من عرضه ) بكسر العين ( وينتهك فيه من حرمته ) بأن يتكلم فيه بما لا يحل والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه قال الجوهري : انتهك عرضه بالغ في شتمه ( إلا خذله اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه أو أخروياً كأن يقدر على نصحه من غيه بنحو وعظ فيترك
( وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) وهو يوم القيامة .
( حديث المستورد رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :من أكل برجل مسلم أكله فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة .
[*] والمرأة التي تقبل التخبيب محرومة من توفيق الله تعالى وعصمته إذ لو وفقها الله تعالى لعلمت أن من السعادة في الدنيا والآخرة قناعة المرأة بزوجها ؛ فلا تمتد عينها إلى غيره فقد مدح الله عز وجل نساء الجنة بتلك الصفة فقال الله تعالى : فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ) [ الرحمن/ 56]
قال ابن عباس -رضي الله عنه معناها :- لا يرين شيئاً في الجنة أحسن من أزواجهن ..
[*] والمرأة هي المسئولة عن قبولها التخبيب :
(1/318)
وذلك لأن الحلال بَيِنْ والحرام بَيِنْ ، فمن الحلال البين أن تحب المرأة زوجها ، ومن الحرام البين أن تحب المرأة رجلا غير زوجها، تفكر فيه، وتنشغل به، وتعرض عن زوجها وشريك حياتها. وقد يدفعها ذلك إلى ما لا يحل شرعا من النظر والخلوة، واللمس ، وقد يؤدي ذلك كله إلى ما هو أكبر وأخطر، وهو الفاحشة، أو نيتها. فإن لم يؤد إلى شيء من ذلك أدى إلى تشويش الخاطر، وقلق النفس، وتوتر الأعصاب ، وتكدير الحياة الزوجية ، بلا ضرورة ولا حاجة ، إلا الميل مع الهوى، والهوى شر إله عبد في الأرض.
ثم إن المرأة هي المسئولة عن الوصول إلى هذه النتيجة لأنها هي التي أورطت نفسها في هذه الورطة، وأدخلتها هذا المضيق باختيارها، والذي يرمي بنفسه في النار لا يملك أن يمنع النار من إحراقه، ولا أن يقول لها: كوني بردا وسلاما علي كما كنت على إبراهيم ، فإذا أحرقته النار وهو يصرخ ويطلب الإنقاذ دون جدوى، كان هو الذي أحرق نفسه، لأنه الذي عرضها للنار بإرادته.
[*] ثم إن هذه الحقيقة ليست غائبة عن الكثيرات، فإنه أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة فلا يحتاج إلى زيادة عِلم ، ويستوي في عِلمِه المتعلمة و الأُمِيَّة ، والمَدَنيَّة و القرَوِيَّة ، والحَضَرِيَّة و البدويَّة ، فهو أمرٌ واضحُ البيان ولا يحتاجُ إلى برهان ولا مزيد عِرفان ، ولكن بعض النساء ممن تنكرن للأدب وانسلخن من الفضيلة تتغافل أو تتجاهل هذه الحقيقة، فما إن تسمع داعي الفتنة إلا استجابت لهم وفتحت باب الفتنة على مصرعيه .
[ * ] والمرأة بفعلها ذلك ذات نفسٍ لئيمةٍ خائنةٍ أثيمة أقول لها الآتي لأطْلِعها على حقيقتها المُرَّة :
(1/319)
أنتِ أيتها اللئيمة الخائنة الأثيمة يا من استجبت إلى من خببَّك على زوجك وامتدت عينك اللئيمة الخائنة الأثيمة إلى غير زوجك ، فلم تَقْصِري طرفُك عليه ، وطمحتِ ببصرك إلى غيره ، أسأل الله تعالى أن يفقأ عينكِ جزاءاً بما امتدت إلى غير زوجك ، أيتها الشقية التَعِسَة المحرومةُ من توفيق الله تعالى وَعِصْمَتِه ، قاتلك الله وصدّع بنيانك ، وأتلفكِ وشلَّ أركانك ، ولا أرى ذلك يُطْفئُ لهيبَ صدرِ زوجك الذي التهب من جُرمُك ، فلقد ألهبتِ في صدره لهيباً لا ينطفئُ ما دام حيا ، وألصقت به ذلاً لا يزال محفوراً في ذاكرته حتى يموت ، أيتها الشقية التَعِسَة عجِبتُ لجرأتِكِ على الله مع حلمِهِ عليكِ ، ولو شاء لأهلكَكِ ومن حوالَيكِ ، وجَحِدِتِ مِنَته عليكِ بزوجٍ صالحٍ يأوي إليكِ وتحتمي به دون من حَوَاليكِ ، فبدلتِ الشكر الجزيل والعرفان بالجميل بالفعلِ الوبيل *
[*] أين الصُحْبَة بالقناعة والمعاشرةُ بحُسنِ السمعِ والطاعة ؟ هل زَهِدَتْ فيهما نفسُك الطمَّاعة ، الخائنة المُبَاعة ؟ * وأين الوفاءُ والأمانة ، من نفسكِ الخَوَّانة ، اللئيمةِ المُهَانة ؟ *
[*] وأين رعايتُك للحَشَمِ والعيال ،[ وأين صيانَتُكِ لكرامةِ زوجك بين الرجال؟ أكان ذلك منكِ على بال ؟]
(1/320)
هل سَيْطَرت الدناءةُ على نفسِكِ في كلِ حال ، ألم تَتْرُكْ الخِسةُ منكِ شيئاً يُقال ، يا من أهدرتِ كرامةَ زوجِكِ من أجلِ رجلٍ مُحْتال ، خَوَّانٍ مُخْتَال ، أفَّاكٍ من الأرذال ؟ وأنتِ أسوءُ منه بكلِ حال ، لأنَّكِ التي فتحتِ له المجال ، ومنحتيه السلاح القتَّال ، ليهدِرَ كرامةَ زوجِك بين الرجال ، فأهدَرَ كرامَته بكلِ اختيال ، صبَّ الله عليكما لعائِنَه تترى من غيرِ انفصال ، وسلَّط عليكما ذُلاً تتقلبون فيه في الحالِ والمآل ، وأصابكما بمصائبٍ عِظام أمثال الجبال ، ودمركما ببطشٍ شديدِ المِحَال ، *، وصيّر الله كَيدَكم في ضلال، وأمركم إلى زوال، ونعمتكم إلى انتقال، وجدّكم في سفال ، وعافيتكم إلى شر مآل ، * يا منبع الأنذال والأرذال .
جزاءاً بما انتهكتم محارمه بكلِ احتيال ، وألحقتم بعبدهِ الخزي والنكال ، والذُلَ والوبال ،
[*] اعلموا أنه من خان الله سراً هتك سِتْرَه علانيةً لامَحال ، فإنها سنةُ الكبيرِ المُتعال ، في هتكِ سِتْرِ المُحتال هتكاً بيناً لا يَخْطُرُ على بال ، هتكاً واضحاً يزول معه أي لَبْسٍ أو إشكال ، ولا ينفعُ معه حِيْلَةً أو جِدال ، أسأل الله أن يَكِبَّكُم على وجوهِكم في النار، وأن يجعل مأواكم دار الخزي والبوار ، وأن يصليكم نار جهنم وبئس القرار *
[*] وأنتِ يا مَنْ أعْمَاها سوادُ قلبها عن رؤيةِ قٌبْحِ الفِعال ؟ يا من ران على قلبها قبائح الأعمال ، يا من ضُرِبَ على قلبها وسمعها من الذُّنُوب أقفالٌ،
(1/321)
هل تعرفين ما فعلتِ بزوجكِ في هذا الحال ؟ من الذلِ والوبال ، والخِزي والنكال ؟ أتى الذلُ منكِ لزوجكِ فوق ما يخطرُ ببال أو يدور في الخيال ، فصار زوجُك خَصِيمَك عند ربكِ الكبيرِ المُتَعَال ، يقتصُ منك على سوء الحالِ وقُبْحِ الفِعَال ، و يقتصُ منك على ذَنبكِ العِضال وجُرْمِكِ القَتَّال ، و يقتصُ منك على أن أهدرتِ كرامَتَه بين الرجال ، فصار مَذْلولاً بكلِ حال ، وستذُوقين عاقبة بَغيِكِ لا مَحال ، في الحالِ والمآل * لقد نَكَّستِ رأسَه بين الرجال ذليلاً ، وحكايتَه صارت أُحْدُوثةً لكلِ قِيلا ، فكان بِجُرْمِكِ قَتِيلا ، فكيف بك إذا سألك الجبارُ عن هذا الفعلِ الوبيلا ، ثم لم تجدِي لكِ مَقِيلا ، فلم تجدي للسؤالِ جوابا ، ولا للجوابِ صوابا ، ولا تملكين حينذاك توبةً أو مآبا ، فأُسقط في يَدَيْكِ ، ولا ينفَعُك من حَوَالَيْكِ ، فعند الله تجتمعُ الخصوم ، ويُقْتَصُ من الظالمِ للمظلوم ، هنالك ينتصرُ زوجُك لجُرحِه المَكْلوم وحقِ كرِامَتِهِ المهضوم من فعلك المشئوم *
[*] لماذا الميلُ إلى الحرام ، يا مَنْبَعَ اللئام ، يا شرَ الأنام ، يا نَفْساً مفلوتةً بلا خِطَام ، ولماذا الإقدامُ على هذا الإجرام ، ولماذا لم يُوَفِقِكِ الملكُ العلاّم إلى الإحجامِ عن الرزايا والآثام ، هل سألتِ نفسَكِ عن ذلك ؟ أما زال لديكِ بقيةُ إفهام لِلَّهِ أهو من سَوَادِ قلبكِ أم كان على قلبِكِ أختام ؟ ،
[*] يا مَنْ اسْتَهَانَتْ بمراقبةِ الملكِ العلاّم ، الحَيِّ القَيُّومِ الذي لا يغفل ولا ينام ، كيف نسَيْتِ عِقَابَ رَبُكِ يَوْمَ يُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ، أمَا عَلِمْتِ أن الله عزيزٌ ذو انتقام ، سَيُهْتِكُ الله سِتْرَكِ يوماً مَا مهما مَرَتْ السنون وانْصَرَمَتْ الأيام ، جزاءاً على هذا الإجْرام ، اعلمي أن الله لا يُسَدِدُ صنيعَ من خان ولا يجعله أبداً يعيشُ في أمان وسَيَهْتِكُ سِتْرَه في أي زمانٍ أو مكان ،
[
(1/322)
*] يا مَنْ سَقَطَتْ في الخيانةِ بِمَسْلَكِهَا المشين ، وكانت ممن قال الله فيهم (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، اعلمي علم اليقين أنَّ الله تعالى سَوف يُظْهِرُ الحقَ ولو بعد حِيْن ، ولو طَال ذلك الحِيْن إلى بِضْعِ سنين ،
فالموعدُ ( الآن حصحص الحق ) حينما يأذن خالقٌ الخلق ، فيأذنُ للقَضَاء أن يَكْشِفَ الغِطاء ، فانكشَفَت السرائر وبَدَتْ سَقَامَةَ الضمائر ، وَهُتِكَتِ الحُجُبُ وَالأَسْتَار وَظَهَرتْ العُيُوبُ وَالأَسْرَار .
[*] واعلمي أن حقَّ زوجِكِ عند ربِكِ باقٍ لم يُسْقِطْهُ ، وإن الله تعالى يُملي للظالمِ حتى إذا أخذَهُ لم يُفْلِتْهُ ، واعلمي كذلك أن خِيانتكِ لِزوجِكِ هي بئس الزادُ ليومِ المِعاد ، فكيف بكِ وأنت بين يدي ربُكِ يوم المَعَاد ، ويسألك لماذا نَكَّستِ رأسَ زوجك بين العباد ، فصار حالُهُ يُبْكي الفؤاد ويُفْري الأكباد ويُذِيبُ الأجساد ، صار حالُه يخلعُ القلوب من حقِ كرامتهِ المَسْلوب ، لأنه لم تُكْسَرْ شوكَته إلا بِكِ كَسَرَ الله ظَهْرَكِ وأعمى بصركِ ودمَّر أعضائكِ وأتلفكِ كُلَكِ ،
[*] كان زوجكِ يطْمَح في زوجةٍ تقيةٍ نقية ، عفيفةٍ حَيِيَّة ، حُرِةٍ أبيَّة ، تحفظ غيبته وتصون كرامته وترافقه حتى تأتيه المَنِيَّة ، زوجةٍ تحْفَظُه في نفسها ، ويبذلُ نَفْسَه من أجلها ، زوجةٍ تُعِينُه على الطاعة ، وتُعِدُّ معه لقيامِ الساعة ، لكن خاب أملُه بك ، وكَرِه الدنيا من أجلِكِ ، وقَتَلَه سَوَادَ قلبِك ، قلبٌ لم يؤثر القرآن فيه ولم يعي معانيه ، قلبٌ لم تدخل الخشيةُ فيه ولا التقوى تحتويه ، قلبٌ لم يُلَيِنْه القرآن ولم يخش الرحمن ، قلبٌ جحد معنى قوله تعالى " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" ، قلبٌ صار أسيرَ العصيان والخذلان واستحواذ الشيطان ،
،
(1/323)
صار حالُه يُنَغَّصُ مِن ذِكْرِك ، فلا يَهْنأُ بنومٍ كلما ذكر فِعلك ، ولا ينطفئُ لهيبُ صدرِه من فُحْشِك ، ولا يغيبُ فكرُه عن جُرْمك ، يتقلبُ في همٍ وغم ، كأنما يبكي الدم * قَتَلَه سوادُ قلبكِ الحالِك كيف أوردكِ المهالك ، وصيَّركِ مطمعاً لكلِ هالك ، هل أعددت لهذا السؤال جوابا ، وللجواب صوابا ، وأنت لاتملكين حينذاك توبةً أو مآبا *
[*] يا أسوةً للمفسدين ، ويا قدوةً للطاغين ، يا أساس الفاسقين ، ويا إمام الخائنين الذين هُمْ لِنِعَمِ الله جاحدين ، والذين هم للرذائل ناشرين ، وللفضائلِ مُدْبِرين ، وعلى انتهاكِ الحُرُمات مُقْبِلين ، ولتوفيقِ الله وعِصْمَتِه محرومين ، يا مَنْبَعَ الأرذلين ، ويا خَصِيمَةَ الأكرمِين بِمَسْلَكِك المَشين وفِعْلِك المُهِين ، يا جُنْدَ الشيطانِ اللعين ، يا شرَ الناسِ أجمعين ، يا عدوٌ مبين لأعراضِ المسلمين ، سَلَّطَ الله عليكِ سخطَ الجبارِ ذي القوةِ المتين ، وصبَّ عليكِ أشدَّ العذاب في كل وقتٍ وحين ، وأذاقكِ ألواناً شتى من العُذابِ المُهِين ، حتى تكوني عبرةً للناسِ أجمعين .
[*] اعلمي أيتها اللئيمة الخائنة الأثيمة أنك ستذُقِين مرارةَ خيانتك لزوجك وامتداد عينك لغيره _ فقأ الله عينك _ ستذُقين عاقبة بغيك في الدنيا قبل الآخرة لا محالة مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
[ * ] وأسوق إليكِ هذه القصة لتعلمي علم اليقينِ مدى خِسْةَ نَفْسِكِ ودناءة طبعك وسوادِ قلبكِ وَرَدَاءَةِ مَعْدَنكِ بين الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله :
[*][*][*][*]
{ الأصمعي والمرأة الصابرة }
كان الأصمعي وزيراً للمأمون ، ذلك المأمون الذي كان أحد شياطين عصره، وأحد دهاة زمانه، وكان الأصمعي عالماً يُشكّ في أمره.
(1/324)
قال الأصمعي : كنت أرافق المأمون في قافلة صيد ترفيهية ـ والصيد الترفيهي الذي كان يقوم به حكام بني أمية وبني العباس حرام بنظر الإسلام، كونه تبذير وإسراف وإتلاف لثروات وأموال المسلمين ـ، وفي أثناء المسير أضعت القافلة لأرى نفسي وحيداً في صحراء قاحلة، وبعد مسيرة تحمّلية شاهدت من بعيد خيمة تلوح في الأفق فتحركت صوبها لأجد فيها امرأة شابة جميلة فسلمت عليها، وجلست في ظل خيمتها وقلت لها : هل لي شربة ماء؟ فتغيّر لونها وقالت: لم اكتسب إذناً من زوجي في مثل هذا الأمر ، وإن كان لك أن تشرب شيئاً فهذا غدائي أقدّمه لك وهو ضياح من لبن.
يقول الأصمعي : شربتُ اللبن وجلست في ظل الخيمة ساعة، بعدها شاهدت فارساً على جمل ، فقامت المرأة من جلساتها وحملت بيدها قليلاً من الماء وكأني بها تنتظر ذلك الفارس .
نعم ، وصل الفارس إلى الخيمة وكان زوجها ، فقدمت له الماء ليشرب ثم نزل من جمله وإذا به رجل عجوز ، أسود الشكل قبيح، لا يُطاق منظره ، سيء الخلق والأخلاق ، فَهَمّت المرأة نفسها وجاءته بطبقٍ وإبريقٍ لتغسل له يديه ورجليه ووجهه .
بدأ زوجها بالتحجج ، وإثارة ما لا يثيره العاقل الفطن ، حيث كان يسيء مخاطبتها، وتتلطف له بالردّ ، ولسوء خلقه لم أتحمل الجلوس في ظل خيمته بل فضلت الجلوس في الشمس المحرقة بعيداً ، على أن أجلس إلى خيمته واستمع إلى سوء أدبه.
وما إن تحركت حتى قامت امرأته لتوديعي ، حيث لم يكن هو مهتماً لهذا الموضوع بالمرة ، وعندما دنت المرأة مني قلت لها .
أيها المرأة ، إنك شابة جميلة ، فلِمَ ارتباطك بهذا الشيخ العجوز الذي لا يمتلك من حطام الدنيا إلاَّ أخلاقاً سيئة وجملاً هزيلاً ، بالإضافة إلى شكله القبيح؟!.
فأجابت بعد أن بان عليها الامتعاض : أيها الرجل أتريد الإيقاع بيني وبينه، ألم تعلم بأن الدنيا زائلة والآخرة دائمة ، وإنني بعملي هذا أروم رضا الله تعالى، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله:
(1/325)
"الإيمان نصفان: نصف في الصبر، ونصف في الشكر".
وإن تحمّلي لسوء خلقه يصل بي إلى درجات الصبر الساميات ، وعليه يجب أن أشكر الباري تعالى على هذه النعمة، فنعمة الصبر تحتاج إلى شكر، لذا سأديم خدمتي لزوجي حتى يكتمل إيماني.
هذه هي المرأة المسلمة الحقيقية ، لا تلك التي تنساق وراء المغريات بسهولة، ولا التي تمتد عينها إلى غيرِ زوجها ، وهذا ما شاهدناه ـ مع الأسف ـ في بعض النساء اللواتي تنكّرن للأدب ، وانسلخن من العِفة والفضيلة واستوطئن الرزيلة ، وكان فيهن مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) .
[ ثم أرى أنه لِزاماً عليّ أن أبين أصناف النساء في حفظهن لغيبة أزواجهن ]:
[*] أصناف النساء في حفظها لغيبة زوجها
[*] للنساء في حفظها لغيبة زوجها صنفان لا ثالث لها :
( صنفٌ نفيس وآخر خسيس )
فأما الصنف الأول : صنفٌ نفيسٌ أنفسُ من الذهب الخالص ، مهما قَسِيَ عليها زوجُها _ وهو حاصل من أي زوج أحياناً _ ألْجَمَتْ نفْسَها بِلِجَامِ الخشيةِ المُحْكَم ، وحفظت غيبة زوجُها أيَّما حفظ ولم تلتفت إلى غَيْرِه ، ولم تمتد عينها إلى غير زوجها صيانةٍ لدينها وحفظاً لغيبة زوجها ، وذلك لأنها تخشى ربها قبل زوجها ، ولأن قلبَها عامِرٌ بالإيمان ، قلبٌ يخشى الرحمن ويمتثل القرآن ، قلبٌ معمورٌ بالعِفةِ والعِرْفان ، قلبٌ يَمْلَؤُه الرِضْوان بما قَسَمَ الرحمن ، قلبٌ ذاق حلاوة َالإِيمَانِ ، ولذةَ العبودية للرحمن ، قلبٌ يخشى لَفَحَاتِ النِّيرَان ، قلبٌ لا يعرفُ العصيان والخذلان واستحواذ الشيطان .
(1/326)
وأما الصِنْف الثاني : صِنفٌ خَسِيْس ، أخسُّ من الخِنْزِير ، بل أخسُّ من الجِعْلانِ (الخُنْفِساء) التي تَدْفَعُ بأنفِها النَتَنْ ، تَتْرُكُ الطهارةَ ولا تَجِدُ بُغْيَتَهَا إلا في القَذِارةِ ومواطِنِ النَتَنْ ، هذا الصنف الحْقِير إذا قَسِيَ عليها زوجُها_ وهو حاصل من أي زوج أحياناً _ خَلَعَتْ ِلِجَامِ الخشيةِ عن نفسِها ، وصارت مَفْلُوتةَ الزِمام بلا خِطام [*] _ وذلك لأنها في الأساس عندها مَيْلٌ إلى الحرام ولا يظهر ذلك إلا في هذه المواطن _ كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) ، فلم تَحْفظ غيبةَ زوجُها ، والتَفَتْ إلى غَيْرِه ، وامتدت عينها اللئيمةِ الخائنة الأثيمة إلى غير زوجها ، وتَشَوَفَتْ إلى الحرام ، وسَعتْ إلى الفِجُورِ بكلِ طريق ، و استبدلت بالاستقامة روغانَ الثعالب ، ورَاحَت تبحثُ عن المثالب ، ولولا أنها ألانَت الجانب ما اقترب منها أحدٌ من الأجانب ، ولا أظهروا لها المخَالب ، والحاصلُ : أنهم لم يفترسوها إلا لأنها كانتْ ممن (إذا خلوْا بمحارِم اللهِ انتهكوها) ، ولو كانت غيرَ ذلك ما اقترب منها هالك ، فلما قدَّمت اللين ، فعلوا بها الفعلَ المَشِين ، وخانت زوجَها الأمين ، فخَسِرت الدنيا والدين ، وتَعَرَضت إلى سخط الجبارِ ذِي القوةِ المتين ، صَبَّ الله عليها أشدَّ العذابِ في كلِ وقتٍ وحين ، وأذاقها ألواناً شَتى من العذاب المُهين * فلما خضعت بالقول أنشأت في نفسِ كلِ هالكٍ منها غَرَض وتناست أن الله تعالى يقول " فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ " وما ذلك إلا لِخِسةِ طَبْعِها ودناءةِ نفسها وسوادِ قلبِها ، ورداءةِ معدنها، فما أحْلَكَ سوادِ قَلبِها،
(1/327)
قلبٌ خَرِبٌ وبور ، وما فيه من نور ، قلبٌ لم يؤثر القرآن فيه ولم يعي معانيه ، قلبٌ لم تدخل الخشيةُ فيه ولا التقوى تحتويه ، قلبٌ لم يُلَيِنْه القرآن ولم يخش الرحمن ، قلبٌ جحد معنى قوله تعالى " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" ، قلبٌ صار أسيرَ العصيان والخذلان واستحواذ الشيطان ، لعن الله كلَّ خائنةٍ لعنةً تُدَمِرْها في نفسها ، وتدخل معها قبرها ، وتُهْلِكْها يوم عرضها على ربها .
{ تنبيه } :هذه الشقية التَعِسة _ قاتلها الله _ تناست أن الله تعالى أمرها بحفظ عن الحرام سواء كان لها زوج أم لا ، وإنما جُعلت عقوبة الزنى في المرأة المتزوجة أشنع عقوبة (الرجم) لحصول تمام النعمة على المرأة بالزواج والإحصان ، فمن التفتت بعد ذلك إلى الحرام دلَّ ذلك على أنها جِبِلةٌ نَكِدةٌ فيها عِوَجٌ لا يُرْجى اعتداله وفيها مَيلٌ إلى الحرام كقوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم ( مائلاتٍ مميلات ) ، وكان ذلك دليلاً على دناءةِ نفسها وخِسة طبعِها وسوادِ قلبها ورداءة مَعْدَنِها وهوانها على ربِها فصارت أهون على الله من الجِعلان (الخُنْفِساء) التي تدفع بأنفها النَتَن لأنها كفرت بنعمةِ الله تعالى و تناست منته إليها بزوجٍ صالحٍ يأوي إليها وتحتمي به دون من حوَاليها فبدلت الشكر الجزيل والعرفان بالجميل بالفعل الوبيل ،
(1/328)
وأنت إذا أمعنت النظر في حال هذه الشيطانة المَرِيدة _ قاتلها الله _ وجدت حالها أنها تناءت عن شرع الحميد المجيد وكأنها جاءت بشرعٍ جديد مصدره إبليس عليه لعنة الله فقد صيَّرت نفسها أحد جنوده تقول فيه لزوجها بلسان حالها : إذا عاملتني كما أريد صِرتُ مُخلِصةً لك وإلا قمت بالخيانة مع غيرك ، وكأنها قاتلها الله جعلت حفظها لنفسها عن الحرام مكافأةً لزوجها إذا عاملها كما تريد هي بتفكيرها المذموم وعقلها المشئوم ، فهي لا تريد تقويماً ولا تفهيماً ولا تقبل تأديباً ولا تهذيبا ، تريد أن تكون مفلوتة الزِمام بلا خِطام _ فإذا قسي عليها أحياناً _ ذهبت إلى الحرام وكأنها تُعاقِبه أو تنتقم منه فتطعنه في أعز ما يملك وهو عِرْضه وشَرَفه ، وتناست هذه الشيطانة المريدة الشقية التَعِسة المحرومة من توفيق الله وعِصْمَته أنها لم تنتقم إلا من نفسها ولم تُفْسِدْ إلا قلبها ولم تُهْلِك إلا دينها ودنياها لأنها بِفُحْشِها قد أوقعت نفسها في ورطةٍ لا مخرج لها منها أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة على التفصيل الآتي :
[*] فأما في الدنيا : فإن زوجها متى تبين من جنايتها وخيانتها تقرَّب إلى الله تعالى بطلاقها ، وطهَّر اسمَه من دَنَسِ الاقتران بها ، وتبرأ إلى ربه من فِعلها، وصبَّ عليها الدعاء صبَّا حتى ينفَرِطَ عِقدُها ، جزاءاً لارتكابها لأشنعِ جنايةٍ في حقه .
وهي كذلك لابد أن ترى عقوبة خيانتها لزوجها في الدنيا قبل الآخرة إيماناً وتصديقاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم وليس هناك ظلمٌ أفحش من خياتة الزوجة لزوجها .
[
(1/329)
*] وفي الآخرة : يأخذ من حسناتها بقدر مظلمتها له ، فعند الله تجتمعُ الخُصوم ويُقْتَصُ من الظالمِ للمظلوم ، فيقتصُ لجُرْحِه المكلوم وحقِ كرامته المهضوم من فعلها المشئوم ، وليس هناك أبشع من مظلمةِ خيانةِ الزوجةِ لزوجها وهنا نذكر الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (من كانت له مظلمة لأخيه من عِرْضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لايكون ديناراً ولا درهما، إن كان له حسنات أُخِذَ منه بقدرِ مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ من سيئاته فَحُمِلت عليه ).
التفسير الشرعي لامتداد عين المرأة اللئيمة إلى غير زوجها
مسألة : ما هو التفسير الشرعي لامتداد عين المرأة اللئيمة الخائنة الأثيمة إلى غير زوجها ؟
[*] اعلمي أن ما حصل منك من امتداد عينك اللئيمة الخائنة الأثيمة إلى غير زوجك ما هو إلا من سقامة الضمائر ولؤمِ السرائر وفسادِ النية وسوءِ الطوية ، بل هو من دناءة نفسك وخِسة طبعك وسواد قلبك ورداءةِ معدنكِ وهوانك على ربك ، إذ لو علم الله في قلبك خيراً لعصمك من الزلل ، ووفقكِ لصالح العمل والله تعالى يقول: (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً) [الأنفال / 70]
فإنه من يتحرَّ الخيرَ يُعطَه ومن يتقِ الشرَ يُوَقَّه مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه .
[
(1/330)
*] ولو أحبك الله تعالى لصانَكِ بصيانتِه وحفَظَكِ بحفظه وكان سبحانه سمعك الذي تسمعين به ويدكِ التي تبطشين بها ، ورجلك التي تمشين بها مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي : (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
[*] ولكنه سبحانه لما اطَّلع على قلبك ووجده خربٌ وبور وما فيه من نور ، ورأى فيه المَيلُ إلى الحرامِ سَقَطتِ من عين الملكِ العلاّم ، وتركَكِ فريسةً للرزايا والآثام ، ثم يُحَاسبكِ لا مَحالةَ على هذا الإجرام ، فسلب حفظه عنك وَوَكَلكِ إلى نفسك لأنك صِرْتِ بسواد قلبك أهون على الله من الجِعلان (الخُنْفِساء) التي تدفع بأنفها النَتَن والتي لا تجد بُغْيَتَها إلا في مواطن القذر والنَتَن ،
[*] ولو علم الله تعالى من قلبك الصدق في النجاة من الزلل لنجَّاكِ من الزلل ، ووفقكِ لصالح العمل ، وعصَمكِ الملكُ العلاّم من الرزايا والآثام على مدى انصرامِ العمرِ ومرورِ الأيام فإن الصدق منجاة وإن العبد إذا صدق مع الله تعالى صدقه الله مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن تصدق الله يصدقك .
[*] كان الحسن البصري إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
[
(1/331)
*] فإذا اطَّلع الله تعالى على قلبها ووجد فيه صدق النية في عدم الوقوع في الفاحشة كتب الله تعالى لها النجاة لا محالة ، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو ، فلا يتوهم إنسان أن الله تعالى يعلمُ من عبده ِصدق النية في عدم الوقوع في الرذيلة ثم يتركه يقع فيها ، هذا أمرٌ مُحال عند ربنا الكبير المُتعال ، بل هو فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال ، والله ما وقع إنسانٌ في الحرام إلا كان عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله، ولا يظلمُ ربُك أحدا ، لكنَّ الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته تراه يقيم العذر لنفسه و يلتمس لها الدليل وَيُلَفِق لها بزعمِهِ التأويل ، ويريد أن يُحَمِلَّ الناس جميعاً السبب في خطأهِ ويقول : هم السبب في زَلتي وهم الذين دفعوني إلى شِقْوَتي ، وأحياناً يلقي اللوم على القدر فيقول هو السبب في ذلك كما حصل في عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب حينما أتوْا بسارق فسأله عمر رضي الله تعالى عنه : ما حَمَلَك على ذلك ؟ فقال له : قَدَرُ الله يا أمير المؤمنين فقال له الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ونحن نقطع يدك بِقَدِرِ الله ، وهكذا تجد الإنسان إذا اتبع هواه وسار أسيراً ذليلاً وراء شهواته يُخْفي الحقيقة المُرَّة التي دفعته إلى الفجور وهي أنَّ عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله ، فلَيْتَه أحْسَنَ الظن بربه تعالى كما أحسن الظن بنفسه اللئيمة الخائنة الأثيمة التي أهلكته ورَمَتْ به في مستنقع الرذائل والآثام ، لكن هيهات فإن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً بل هو يزيد الأمرُ سوءاً ويزيدُ الطينُ بِلَة ، ويُضِيفُ إليه ذنباً إلى ذنوبه وَعَيْبَاً إلى عيوبه } .
مسألة : هل المرأة إذا كلمت رجلاً أجنبياً بغير إذن زوجها وَقِبلَت منه تخبيباً ، هل تكون قد حفظت غيبةَ زوجها ؟
الجواب : لا تكون هذه الشقية التعسة حفظت غيبة زوجها لسببين ؟
(1/332)
أولاً : أنها كلمت رجلاً أجنبياً بغير إذن زوجها وهذا مما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه كما في الحديث الآتي :
(حديث عمرو بن العاص في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
...
( نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن ) لأنه مظنة الوقوع في الفاحشة بتسويل الشيطان ومفهومه الجواز بإذنه وحمله الولي العراقي على ما إذا انتفت مع ذلك الخلوة المحرمة والكلام في رجال غير محارم .
ثانياً : أن التخبيب من أكبر الكبائر وهو يحتوي على ثلاث جرائم هي ( التخبيب وخائنة الأعين والخيانة)
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس منا من خَبََّبَ امرأة على زوجها أو عبدا على سيده .
(من خَبََّبَ امرأة على زوجها) : التخبيب هو إفساد الزوجة على زوجها بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها أو حَسَنَ إليها الطلاق ليتزوجها هو أو يزوجها لغيره أو غير ذلك .
{ تنبيه } وإفساد المرأة علي زوجها له صور وأشكال متعددة : بالتعريض أو والتلميح أو التحريض . والتعالي لإظهار عجز الطرف الآخر.. إلي غير ذلك من هذه السلوكيات وأمثالها التي تدفع صاحبها بأنه يسعى لتعكير صفو العلاقة بين المرأة وزوجها ، والتخبيب من كبائر الذنوب وفواحش العيوب لاحتوائه على ثلاثة جرائم هي [ تخبيب وخائنة أعين وخيانة] .
[*] قال ابن القيم - رحمه الله - :
(1/333)
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، وتبرأ منه ، وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بها ، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا ؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حليلته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة ، وقيل له : خذ من حسناته ما شئت ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : فما ظنكم ؟! أي : فما تظنون تبقى له من حسناته ؟،
( حديث بريدة الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حُرْمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم و ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وُقِفَ له يوم القيامة يأخذُ من عمله ما شاء فما ظنكم ؟
فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا يأمن جاره بوائقه .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .
{
(1/334)
تنبيه } : ولعل المرأة الفاسدة الذي قَبِلَت التخبيب وامتدت عينها اللئيمة الخائنة الأثيمة إلى غير زوجها لعلها تقول مستخفةً : وكيف يعرف زوجي ذلك ؟!، وليس لديه بينةٌ تثبت ذلك ، فنقول هذا صحيح لكنه وإن لم يكن لديه بينة لكن لديه أقوى سلاح وهو تعليق الدعاء (اللهم إن كان قومٌ استغفلوني وتجرؤا على عِرْضي وأهدروا كرامتي دون رادعٍ يردعهم اعتماداً منهم على أني لا أعلم بذلك ، فإن كان علمي قاصرٌ _ وهو كذلك _ فإني أُحيلُ ذلك على علمك الذي أحاط بكل شيء وأُحيلُ ذلك على غَيْرَتك على محارمك فانتقم لي منهم ودمرهم تدميراً ولا ترحم فيهم مغرز إبرة ، واحرمهم من عافيتك في الدنيا واحرمهم من جنتك يوم القيامة ، واجعلهم يطلبون فلا يجدوه ، واكسر ظهورهم وأعمي أبصارهم ودمِّر أعضائهم ، اللهم اقتلهم وصدِّع بنيانهم وأتلفهم وشِلَّ أركانهم واجعل الدائرةَ عليهم .
{ تنبيه } : المرأةُ إذا كانت فاسدة ارتكبت في معاملتها مع زوجها ثلاث جنايات كلُ جنايةٍ منها كافيةٌ لإهلاكِ أمَّة ، وهذه الجنايات هي :
الجناية الأولى : أنها تطيل لسانها على زوجها الذي هو أعظم الناس حقاً عليها
الجناية الثانية : إذا أراد زوجها تقويمها أو تأديبها على ذلك استنكفت واستكبرت وذهبت إلى رجلٍ أخر تكلمه بغيرِ إذنه وقبلت منه تخبيباً ، واستكبرت على شرع الحميد المجيد الذي يأمر بالصبر على الزوج وأتت بشرعٍ جديد مصدرُه إبليس لعنه الله ، ولسان حالها يقول :
أيها الزوج : اعلم علم اليقين أنك إذا عاملتني كما أريد بدون تقويم ولا تهذيب ولا تأديب كنتُ مخلصةً لك وإلا ذهبت إلى غيرك وكلمته بدون إذنك وتطلعت إليه وقبلت منه تخبيباً ، وكأن الصبر على الزوج ليس شرعاً ،لأنها تريد أن تكون مفلوتةَ الزِمام بلا خِطام .
(1/335)
وكأنها قاتلها الله جعلت حفظها لنفسها عن الحرام مكافأةً لزوجها إذا عاملها كما تريد هي بتفكيرها المذموم وعقلها المشئوم ، فهي لا تريد تقويماً ولا تفهيماً ولا تقبل تأديباً ولا تهذيبا ، تريد أن تكون مفلوتة الزِمام بلا خِطام _ فإذا قسي عليها أحياناً _ ذهبت إلى الحرام وكأنها تُعاقِبه أو تنتقم منه فتطعنه في أعز ما يملك وهو عِرْضه وشَرَفه ، وتناست هذه الشيطانة المريدة الشقية التَعِسة المحرومة من توفيق الله وعِصْمَته أنها لم تنتقم إلا من نفسها ولم تُفْسِدْ إلا قلبها ولم تُهْلِك إلا دينها ودنياها ، فانظر كيف سوَّت نفسها بالعشيقة التي لا تريد إلا كلاماً معسولاً أو أوقاتاً خلاَبة دون أدنى استعداد للصبر على الزوج ، وكأن الصبر على الزوج الذي هو أعظم الناس حقاً عليها لا يخطرُ لها على بال، فانظر إليها كيف جعلت زوجها ليس له وزناً بين الرجال وخفضت مكانته بعد أن صانها ورفعها ،
ثم انظر إليها كيف أهدرت كرامة زوجها وصيرته ذليلاً بعد أن أعزها ، وألصقت به ذُلاً لا يزال محفوراً في ذاكرته حتى يموت ، وألهبت في صدره لهيباً لا ينطفئُ مادام حيا
صيَّرت منزلتَه بين الناس ما بين مُشفقٍ عليه مُطْرِقِ الرأسِ صامت ، و متغامزٍ عليه للخوضِ في عِرْضِه متهافت ، وثالثٍ حقيرٍ فيه متشامِت ، ورابعٍ لئيم يَدَّعِي لها المروءةَ لأنه عن إخبار زوجها بفعلها ساكت ، ثم تراه يطلب منها المُقابِل ، لأنه لسكوته عن إخبار زوجها بفعلها قابل ، فصارت تنتقلُ من دمارٍ إلى دمار ، ومن خِزيٍ إلى عار ومن عارٍ إلى شنار * وصار زوجها أشقى الناس بِجُرمها لأنه لم تُكْسَرْ شوكَتُه إلا بها ، كسر الله ظهرها ، وأعمى بصرها ، ودمّر أعضاءها ، وهتك سِتْرَها ، وأخرجها من الدنيا كلِّها ،
(1/336)
فتعساً لها بشنيعِ فِعلها ، وسحقاً لها لشؤمِها ولؤمِها وخيانتِها لزوجها ، وتَبَّاً لها من امرأةً دنيئةٍ خسيسةٍ لم تخش ربها ولم تحفظ غَيبةَ زوجها * وتقشعرُ الفضيلةُ من فعلها ، واحتوتها الرزيلةُ لقبحها ،
لم تمتثل للفضيلة طاعة ، ولها في الرزيلة باعا * * لمَّا تَخَلَّت عن خشيةِ الرحمن وامتثال القرآن ، و لما جحدت معنى قوله تعالى هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان ، وَكَلَها الملك الديَّان إلى العصيان والخذلان واستحواذِ الشيطان ، فصارت ممقوتةً عند ربها في كلِ زمان * قاتلها الله وصدَّع بنيانها ، وأتلفها وشَلَّ أركانها ، فلا تُؤتمنُ مثلُها ، ولا تُُصانُ من كانت على شاكِلَتِها ، لعن الله كل خائنة لعنةً تُدَمِرْها في نفسها وتدخل معها قبرها وتهلكها عند عرضها على ربه .
هل يخطرُ ببال امرأةٍ تربت في بيت أهلها تربيةً جادةَ _ وإن لم تكن صالحة _ أن تتفق مع عدو زوجها علي زوجها لتقتله هماً وغماً ، أيحميه الناس وتُسْلِمُه ، أيُعزونه وتُذِله، أيرفعونه وتخفِضه ، أيُعلون قَدْرَه وتجعله هي في ذِلةٍ وصغار كأنه مّطْليٌ بالقار ، هل هذه امرأةٌ تُقْتَنى ؟! لا والله بل هي امرأةٌ لا تُؤتَمَنُ مِثْلُها ولا تُصانُ من كانت على شاكِلَتها ، بل ولا يُشْغَلُ البالُ لحظةً بها ، فقد لبست ثِيَابَ أَهْلِ الإِيمَانِ عَلَى قُلُوبِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْخُسْرَانِ ، فمَا أَبْعَدَهُاْ عَنْ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ لِلَّهِ وَمَا أجحدها لقوله تعالى (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ، ولبئس ما اختارت لنفسها مِنْ الْهَوَانِ ، وَالْخِزْيِ وَالْخُسْرَانِ ، قاتلها الله وصدّع بنيانها وأتلفها وشلَّ أركانها .
الجناية الثالثة :
(1/337)
أنها بعد أن أهدرت كرامة زوجها ولم تجعل له وزناً بين الرجال وخفضت مكانته بعد أن صانها ورفعها ، و وأذلته بعد أن أعزها ، وبعد أن صدر منها خائنة الأعين بامتداد عينها اللئيمة الخائنة الأثيمة إلى غير زوجها ، وحصل منها ذلك في شيء معلوم من الدين بالضرورة فلا يحتاج إلى زيادة عِلم ، ويستوي في عِلمِه المتعلمة و الأُمِيَّة ، والمَدَنيَّة و القرَوِيَّة ، والحَضَرِيَّة و البدويَّة ، فهو أمرٌ واضحُ البيان ولا يحتاجُ إلى برهان ولا مزيد عِرفان ،
تراها بعد ذلك تخلع جريمتها لتلبسها لزوجها المكلوم وتقول أنت الذي دفعتني إلى ذلك لأنك أدبتني حين أطلت لساني عليك وليس لك حق في القوامة أو التأديب ، فليتها أحسنت الظن بربها كما أحسنت الظن بنفسها اللئيمة الخائنة الأثيمة إذ لو الله من قلبها خيراً لعصمها من الزلل ووفقها لصالح العمل والله تعالى يقول: (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً) [الأنفال / 70]
ولو أحبها الله تعالى لصانَها بصيانتِه وحفَظَها بحفظه وكان سبحانه سمعها الذي تسمع به ويدها التي تبطش بها ورجلها التي تمشي بها مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي : (حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه ، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته .
(1/338)
ولكنه سبحانه لما اطَّلع على قلبك ووجده خربٌ وبور وما فيه من نور ، ورأى فيه المَيلُ إلى الحرامِ سَقَطتِ من عين الملكِ العلاّم ، وتركَكِ فريسةً للرزايا والآثام ، ثم يُحَاسبكِ لا مَحالةَ على هذا الإجرام ، فسلب حفظه عنك وَوَكَلكِ إلى نفسك لأنك صِرْتِ بسواد قلبك أهون على الله من الجِعلان (الخُنْفِساء) التي تدفع بأنفها النَتَن والتي لا تجد بُغْيَتَها إلا في مواطن القذر والنَتَن ،
ولو علم الله تعالى من قلبها الصدق في النجاة من الزلل لنجَّاها من الزلل ، ووفقها لصالح العمل ، وعصَمها الملكُ العلاّم من الرزايا والآثام على مدى انصرامِ العمرِ ومرورِ الأيام فإن الصدق منجاة وإن العبد إذا صدق مع الله تعالى صدقه الله مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(حديث شداد بن أوس في صحيح النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن تصدق الله يصدقك .
[*] كان الحسن البصري إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
فإذا اطَّلع الله تعالى على قلوبهم ووجد فيه صدق النية في عدم الوقوع في الفاحشة كتب الله تعالى لهم
النجاة لا محالة ، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو ، فلا يتوهم إنسان أن الله تعالى يعلمُ من عبده ِصدق النية في عدم الوقوع في الرذيلة ثم يتركه يقع فيها ، هذا أمرٌ مُحال عند ربنا الكبير المُتعال ، بل هو فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال ، والله ما وقع إنسانٌ في الحرام إلا كان عنده مَيلٌ إلى الحرام والعياذ بالله، ولا يظلمُ ربُك أحدا .
[*] سوء عاقبة التخبيب
(1/339)
ألا فليعلم هذا المُخَبِّب الفاسد المروءة والضمير الشقي التَعِس أنه صيَّر نفسه جندٌ من جنود إبليس ، فلقد زاد فساده واستشرى وتمادى في غَيِّه وأصرَّ على باطله ، وأظهر العداوة وكشف فيها قِناعه وحَسَر لِثَاَمه وكشف عن أنيابه يلتمس العثرات ويترقب الهفوات وتناسى مراقبة ربِ الأرضِ والسماوات ، فورب السماوات والأرضِ إنما توعدون لآت ، هذا المُخادع المُصانع الذي ينصب المكائد والفِخَاخ ويَدُسُّ السمَّ في العسل لأنه أروغ من ثعلب وأحقدُ من جمل وأكذب من مُسَيلمة ، وهو كذلك أذل من نعل وأهونُ من المَهَانة وأضلُ من حِمارِ أهله ، وهو كذلك أعقُّ من ضَب وأضرُّ من الجرب وأشرُ من البرص ، هذا العتي الغوي الظالم الغاشم المتغطرس ، بظلمه وبطشه أورد نفسه المهالك وحملها على الأمورِ الموبقة ، استحوذ عليه الشيطان واتخذه مَرْكَباً فصَدَّه عن الإنابة وأملى له فورَطَّه في الغرور وزين له سوء عمله فصدَّه عن سواء السبيل ،
قد صَادَهُ إبليسُ في فِخاخه ... بل قَدْ صَار من أفْرَاخِه
فليتَ شِعْري من أباح ذلك ... وأورد نفسه في المَهالك
قاتله الله وصدَّع بنيانه ، وأتلفه وشلَّ أركانه ، كسر الله ظهره وأعمى بصره ودمَّر أعضائه وهتك ستره وأتلفَه كلَه ، اللهم العنه لعنةً تُدَمِرْه في نفسهِ وتَدْخُلُ معه في قبرهِ وَتُهْلكْه يوم عَرْضِه على ربه ، اللهم اجعل الدائرةَ عليه وأصبْه بنفسه وأهله ودمرْه تدميرا ، اللهم أنزل عليه بأسك الذي لا يُرَد عن القومِ المجرمين ، لا رَحِمَ الله فيه مَغْرِزَ إبره ، حتى يكون عبرةً لمن يعتبر لئلا يستشرى هذا المرضِ العِضَال بين المسلمين ، ولئلا يستهينُ بِفِعْله من سِوَّلَت له نفسه أن يفعل هذا الفعل المَشِين .
[*] و ليعلم هذا الشقي المَهين علم اليقين أنه سيرى عاقبة ظلمه وبغيه في الدنيا قبل الآخرة لا محالة مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي :
(
(1/340)
حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
الشاهد :
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا ) أي قبل موت فاعليها
( البغي ) أي مجاوزة الحد والظلم وليس هناك ظلمٌ أفحش من خياتة
[*] وليضع نصب عينيه أن الجزاء من جنس العمل وأنه من ضَارَّ أضرَ الله به.
(حديث أبي صِرْمَةَ في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ضَارَّ أضرَ الله به و من شاقَّ شاقَّ الله عليه .
( من ضارّ ) بشد الراء أي أوصل ضرراً إلى مسلم بغير حق
(أضرَ الله به اللّه به ) أي أوقع به الضرر وشدد عليه عقابه في العقبى
( ومن شاق ) بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة أو غيرها
( شق اللّه عليه ) أي أدخل عليه ما يشق عليه مجازاة له على فعله بمثله وأطلق ذلك ليشمل المشقة عليه
نفسه وعلى الغير بأن يكلف نفسه أو غيره بما هو فوق طاقته .
(حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من امرئ يخذُل امرءاً مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرْضِهِ و يُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا خَذَلَه الله تعالى في مَوْطِنٍ يُحِبُ فيه نُصْرتِه و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته .
(ما من امرئ يخذل ) بذال معجمة مضمومة قال تعالى { وإن يخذلكم }
( امرءاً مسلماً ) أي لم يحل بينه وبين من يظلمه ولا ينصره
(
(1/341)
في موضع ينتقص فيه من عرضه ) بكسر العين ( وينتهك فيه من حرمته ) بأن يتكلم فيه بما لا يحل والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه قال الجوهري : انتهك عرضه بالغ في شتمه ( إلا خذله اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان مثل أن يقدر على دفع عدو يريد البطش به فلا يدفعه أو أخروياً كأن يقدر على نصحه من غيه بنحو وعظ فيترك
( وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه في موطن يحب فيه نصرته ) وهو يوم القيامة .
( حديث المستورد رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :من أكل برجل مسلم أكله فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة .
وهآنذا أسوق لك قصصاً تبين سوء عاقبة التخبيب لعلها تجد لك في سمعك مسمعاً وفي قلبك موقعاً عسى الله أن ينفعك بها ويفقك إلى تنفيذها :
{ قصة صاحب المِسحاة }
عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال كان رجل من بني إسرائيل من عباد بني إسرائيل يعمل بالمسحاة وكانت له امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل فبلغ جبارا من جبابرة بني إسرائيل جمالها فأرسل إليها عجوزا فقال خببيها عليه وقولي لها ترضين أن تكوني عند مثل هذا الذي يعمل بالمسحاة ولو كنت عندي لحليتك بالذهب وكسوتك بالحرير وأخدمتك الخدم يعني فقالت لها
وكانت تقرب إليه فطره وتفرش له فراشا فلم تفعل وتغيرت عليه فقال يا هنتاه ما هذا الخلق الذي لا اعرفه قالت هو ما ترى قال فطلقها فتزوجها جبار بني إسرائيل فلما دخلت عليه وأرخيت الستور عمي وعميت فأهوى بيده ليلمسها فجفت يده وأهوت بيدها تلمسه فجفت يدها وصما وخرسا ونزعت منهما الشهوة
(1/342)
فلما أصبحا رفعت الستور فإذا هم صم عمي خرس فرفع خبرهما إلى نبي بني إسرائيل فرفع خبرهما إلى الله تعالى فقال إني لست أغفر لهما أبدا ظنا أن ليس بعيني ما عملا بصاحب المسحاة .
[*][*][*][*]
{ قصة أبو مسلم الخولاني }
كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته فإذا بلغ باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد فلما كان في باب بيته كبر فلم يجبه أحد وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه
قال فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة في البيت منكسة تنكت بعود معها
فقال لها مالك فقالت أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم فلو سألته فأخدمنا وأعطاك فقال اللهم من أفسد علي امرأتي فاعم بصره ، قال وقد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية يخدمه ويعطيه عشتم
قال فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت ما لسراجكم طفئ قالوا لا فعرفت ذنبها فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي تسأله أن يدعو الله عز و جل لها يرد عليها بصرها
قال فرحمها أبو مسلم فدعا الله عز و جل لها فرد عليها بصرها .
[*] فتنة النساء وكيفية النجاة منها
فتنة النساء :
لقد أشار القرآن الكريم إلى خطر الافتتان بالمرأة فقال سبحانه: زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالانْعَامِ وَالْحَرْثِ ذالِكَ مَتَاعُ الْحياةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ [آل عمران:14]،
(1/343)
فقدم سبحانه النساء لأن أكثر الرجال إنما دخل عليهم الخلل من قبل هذه الشهوة، فمن المعلومِ شرعاً أن فتنة النساء التي هي أضرّ فتنة على الرجال بنص السنة الثابت الصحيحة ،
ويؤكد هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - ناصحاً ومحذراً في الحديث الآتي :
(حديث أسامة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) لأن المرأة لا تأمر زوجها إلا بشر ولا تحثه إلا على شر وأقل فسادها أن ترغبه في الدنيا ليتهالك فيها وأي فساد أضر من هذا مع ما هنالك من مظنة الميل بالعشق وغير ذلك من فتن وبلايا ومحن يضيق عنها نطاق الحصر ، قال الحبر رضي اللّه عنه : لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء وكفر من بقي من قبل النساء ، وأرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها وردها الفضيل فقالت له امرأته : ترد عشرة آلاف وما عندنا قوت يومنا؟ فقال : مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها فلما هرمت ذبحوها وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني موتوا جوعاً قبل أن تذبحوا فضيلاً ، وكان سعيد بن المسيب يقول وقد أتت عليه ثمانون سنة منها خمسون يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء وهو قائم على قدميه يصلي : ما شيء أخوف عندي عليَّ من النساء ، وقيل : إن إبليس لما خلقت المرأة قال : أنت نصف جندي وأنت موضع سري وأنت سهمي الذي أرمي بك فلا أخطئ أبداً ، وقال في الحديث بعدي لأن كونهن فتنة صار بعده أظهر وأشهر .
( حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء
(
(1/344)
حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه.
( إن المرأة تقبل في صورة شيطان ) أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة ، فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي : جعل صورة الشيطان ظرفاً لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر ( وتدبر في صورة شيطان ) لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضاً بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فساداً لحصول المواجهة به
( فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته ) أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه ( فليأت أهله ) أي فليجامع حليلته
( فإن ذلك ) أي جماعها
( يردُّ ما في نفسه ) أرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكيناً لها وجمعاً لقلبه ودفعاً لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي المبارك .
[*] فالنساء حبائل الشيطان وما خلا رجل بامرأة إِلا وثالثهما الشيطان وأنهن من أضر ما على الرجل وأن لذة الرجل عندهن ولذاتهن عنده لا يخالف في ذَلِكَ أحد إِلا معتوه أو نحوه فإذا رأت المرأة شابًا ولا ثالث لهما فلا يبعد أن تدعوه لذَلِكَ فما موقف هَذَا المغفل أمام بديع السماوات والأرض الَّذِي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
ولعل جواب هَذَا الجاهل أنه لا يدور في خلده أن امرأته تقدم على مثل هَذَا لأنها معصومة قولوا له أما سمعت بقصة امرأة العزيز اقرأها لعلك تأخذ حِذرك وتعلم أنه لا يسلم من فتنهن إِلا عباد الله المخلصين .
(1/345)
قولوا له تأمل الْقِصَّة لعلك تفهم أن الله جلا وعلا لم يذكرها في القرآن إِلا ليعتبر أولو الأبصار فيحترس الرِّجَال علي نسائهم من الخدم ونحوهم .
إن امرأة العزيز كانَتْ ذات مركز عَظِيم في مصر وكَانَ يوسف عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام في بيتها كخادم لها ومَعَ ذَلِكَ لم تسأل عن شرفها وكرامتها ولا شرف زوجها بل داستهما بنعل الشهوة دوسًا ولم تتوقف في بذل كُلّ ما تستطيع من قوة وحيلة لإخضاع يوسف عَلَيْهِ السَّلام ولولا أن الله عصمه وصرف عَنْهُ السُّوء والفحشاء لوصلت إلى ما تريد قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوَءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [ يوسف / 24]
{ تنبيه } : الافتتان بالنساء له ركنان متلازمان أحدهما من المرأة ولابد أن تكون هي البادئة والثاني من الرجل .
[*] فأما الركن الذي من المرأة : فهي أن تخضع بالقول _ والعياذ بالله _
والخضوع بالقول هو أن تلين الكلام وترقق الكلام مع الرجال الأجانب ، (والمرأة إذا ألانت الجانب اقترب منها الأجانب ، ولا أظهروا لها المخالب ) ( ولو كانت غير ذلك ما كانت مطمعاً لكلِ هالك )
[*] وأما الركن الذي من الرجل : أن يكون الرجل مريض القلب _ والعياذ بالله _ ومرض القلب هنا هو التشوفُ للفجور ، _ والعياذ بالله تعالى من ذلك _ ، فلو كان الرجل تقياً نقياً لما تَهَافَت على كل من ظهر منها اللين ، فلو كان عنده صلابةٌ في الدين لصان أعراض المسلمين ، ونأى بنفسه عن أي فعلٍ مَشِين ،
والجدير بالذكر أن هذين الركنين مجتمعين في قوله تعالى من سورة الأحزاب: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مّعْرُوفاً)
[ الأحزاب / 32]
(فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : أي مرض الشهوة .
{ وسائل حماية المجتمع من خطر هذه الفتنة } :
(1/346)
جاء الشرع بغلقِ منافذ الفتنة وسدِّ الذرائع التي توصل إلى الفساد مهما كان مصدرها أو حجمها ، وحفلت الشريعة الإسلامية بالعديد من وسائل حماية المجتمع من خطر هذه الفتنة، تمنع وقوعها، وتسد المنافذ الموصلة إليها، متى ما رعاها المجتمع المسلم بقي محافظاً على نظافته الخلقية وطهارته الحسية والمعنوية فعليه أن يتبعها وألا يتساهل في أي خطوة لأنها ستجر الخطوة التي بعدها كما قال تعالى : ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ ) [النور:21]
وإليه وسائل الحماية من فتنة النساء جملةً وتفصيلا :
وسائل الحماية من فتنة النساء جملةً :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(أولاً) شرع الله تعالى الحجاب ونهى عن التبرج والسفور :
(ثانياً) جعل قرار المرأة في بيتها هو الأصل :
(ثالثاً) أمر الله تعالى بالاستئذان على النساء وبَيَّن أن الاستئذان من أجل البصر :
(رابعاً) النهى عن إطلاق البصر في المحرمات، والأمر بغض البصر:
(خامساً) نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية :
(سادساً) نهى عن سفر المرأة لوحدها بلا محرم :
(سابعاً ) عدم اختلاط المرأة بالرجال :
(ثامناً) لا تُكلَّم النساء إلا بإذن أزواجهن :
(تاسعاً) النهي عن مصافحة النساء :
(عاشراً) نهى المرأة عن الخروج من منزلها متعطرة :
(الحادي عشر) نهي المرأة عن الخضوع في القول في مخاطبة الرجال الأجانب:
وسائل الحماية من فتنة النساء تفصيلا :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(أولاً) شرع الله تعالى الحجاب ونهى عن التبرج والسفور :
(
(1/347)
حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح أبي داوود ) :أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه .
وفَرْضِِِيَّةُ الحجاب على نساء المؤمنين أمرٌ يعلمه كلُّ من نوَّر الله بصيرته وأراد هدايته ، بأدلة ظاهرة الدلالة من الوحيين الشريفين الكتاب والسنة الصحيحة، وبدلالة القياس الصحيح، والاعتبار الرجيح للقواعد الشرعية العامة، ولذا جرى على موجبه عمل نساء المؤمنين من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين ،
ولقد تعبَّد اللهُ تعالى نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبداً يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل: تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الآخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب .
فعلى نساء المؤمنين الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله عز شأنه: { وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمراً أن يُّكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالاً مبيناً } [الأحزاب: 36] .
(1/348)
ويجب على المؤمنين الذي مسَّ نساءهم طائف من السفور أو الحسور أو التكشف أن يتقوا الله ، فيحجبوا نساءهم بما أمر الله به بالجلباب -العباءة- والخمار، وأن يأخذوا بالأسباب اللازمة لأطرهنَّ وتثبيتهن عليه، لما أوجبه الله على أوليائهن من القيام الذي أساسه: الغيرة الإسلامية، والحميَّة الدينية، ويجب على نساء المؤمنين الاستجابة للحجاب -العباءة- والخمار، طواعية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتأسياً بأمهات المؤمنين ونسائه، والله ولي الصالحين من عباده وإمائه .
وإليك بعض فضائل الحجاب الشرعي :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـ
(1) الحجاب طاعةٌ لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أوجب الله تعالى طاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - :
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً) [سورة: الأحزاب - الآية: 36]
الشاهد قوله تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ]
فأعلم الله تعالى أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله .
(1/349)
وقد أمر الله تعالى بالحجاب فقال تعالى: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهِنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور / 31]
الشاهد قوله تعالى [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ]
(وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع ، والخُمُر جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، ومنه اختمرت المرأة ، والجيوب: جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص،
قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن، وكانت جيوبهن من قدام واسعة.
وقال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
(
(1/350)
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يأمر النساء المؤمنات المسلمات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهم من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء والجلباب هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة (ذلك أدنى) أقرب إلى (أن يعرفن) بأنهن حرائر (فلا يؤذين) بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن فكان المنافقون يتعرضون لهن (وكان الله غفورا) لما سلف منهن لترك الستر (رحيما) بهن إذ سترهن
(2) الحجاب إيمان :
لأن الله تعالى لم يخاطب به إلا المؤمنات لقوله تعالى (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ) [سورة: النور - الآية: 31]
وقال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
(3) الحجاب طهارة :
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ ً) [سورة: الأحزاب - الآية: 53]
الشاهد قوله تعالى : (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ ً) [ الأحزاب / 53]
فبين الله تعالى أن الحجاب طهارةٌ لقلوب المؤمنين والمؤمنات .
(1/351)
و آية الحجاب هذه مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال وافق ربي عز وجل في ثلات قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي "وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن "فنزلت كذلك .
(4) الحجاب عفة :
لقوله تعالى يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
الشاهد قوله تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ) أي ذلك أحرى أن يعرفن بأنهن عفيفات بلبسهن الحجاب ، (فَلاَ يُؤْذَيْنَ) أي لا يتعرضُ لهن الفساق بأذى من قولٍ أو فعل .
(5) الحجاب ستر :
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 26]
[*] قال عبد الرحمن بن أسلم : يتقي فيواري عورته ، فذاك لباس التقوى ، ولذلك تجد وظيفة اللباس عند من لا يتقون الله تعالى ولا يستحون منه كعامة الغربيين مثلاً لا يتجاوز غاية الزينة والرياش ، وأما المؤمنون المتقون فإنهم يحرصون على اللباس أولاً لستر العورة التي يستحي من إظهارها ثم بعد ذلك لهم سعة في إظهار الزينة والتجمل .
(حديث يعلى بن أمية في صحيحي أبي داوود والنسائي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله حييٌ سِتِّير يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر .
(
(1/352)
6) الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد .
(7) الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من التَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد .
(8) الحجاب علامة على العفيفات : الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك : { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } ، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء .
(9) الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وَإِدباب قالة السوء، ودَنَس الريبة والشك، وغيرها من الخطرات الشيطانية .
... ولله درُّ من قال :
حُورٌ حرائر ما هَمَمْنَ بِريبةٍ ... كَظِبَاء مَكَّة صيدهنَّ حرامُ
(10) الحجاب وسيلة فعالة لحفظ الحياء: وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في النفوس التي أراد سبحانه تكريمها، فيبعث على الفضائل، ويدفع في وجوه الرذائل، وهو من خصائص الإنسان، وخصال الفطرة، وخلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإسلام ودعا إليها،
قال عنترة العبسي :
وأَغضُّ طَرفي إن بَدَت لي جارتي ... حتى يُواري جارتي مأواها
فآل مفعول الحياء إلى التحلي بالفضائل، وإلى سياج رادع، يصد النفس ويزجرها عن تطورها في الرذائل .
وما الحجاب إلا وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء .
(11) الحجاب يمنع نفوذ التبرج والسفور والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام .
(12) الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ.
(
(1/353)
13) المرأة عورة، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير } [الأعراف: 26]،
[*] قال عبد الرحمن بن أسلم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (( يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى )) .
[*] شروط الحجاب الشرعي :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
للحجاب الشرعي شروطٌ ثمانية هي :
(1) استيعاب جميع البدن حتى الوجه على الراجح
(2) أن لا يكون زينةً في نفسه
(3) أن يكون صفيقاً لا يشف
(4) أن يكون فضفاضاً لا يصف .
(5) أن لا يكون مُبخراً مطيباً
(6) أن لا يشبه لباس الرجال
(7) أن لا يشبه لباس الكافرات
(8) أن لا يكون لباس شهرة
وإليك تفصيل ذلك :
[الشرط الأول] استيعاب جميع البدن حتى الوجه على الراجح
قال تعالى: (يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 59]
الشاهد قوله تعالى [يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ]
والجلباب : ثوبٌ أكبر من الخمار تستر به جميع بدنها حتى وجهها إلا ما ترى به الطريق .
{ تنبيه } : ممن قال أن المقصود بقوله تعالى [يُدْنِينَ عَلَيْهِنّ مِن جَلاَبِيبِهِنّ] هو ستر جميع البدن حتى الوجه إلا ما ترى به الطريق جملةٌ من الأئمة منهم الإمام الطبري والقرطبي وابن كثير والرازي والزمخشري والنسفي وابن حبان ، وجلال الدين المحليّ وجلال الدين السيوطي والشنقيطي وعبد الرحمن بن ناصر السعدي وغيرهم .
(1/354)
و قال تعالى: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ )
الشاهد قوله تعالى[وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ]
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : [ الخُمُر] التي تغطي الرأس والوجه والعنق ،والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لا بسها إلا العينان .
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [المرأة عورة] وهو قول عام يشمل جميع البدن حتى وجهها .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : كل شيءٍ منها عورة حتى ظفرها .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القُفازين)
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [ولا تنتقب المرأة المحرمة] هذا دليلٌ واضح على لبس النقاب في غير الإحرام لأنه من محظورات الإحرام .
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة : يا رسول اللّه فكيف تصنع النساء بذيولهن قال : يرخين شبراً قالت : إذن تنكشف أقدامهن قال : فترخيه ذراعاً لا يزدن عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى : في الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه معلوم عند نساء الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين إتفاقاً ، وعليه فيجب ستر الوجه من باب أولى .
[ الشرط الثاني] أن لا يكون زينةً في نفسه
لقوله تعالى: (وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ ) [ النور /31]
(1/355)
قال العلامة الألباني حفظه الله تعالى : المقصود من الأمر بالجلباب سترُ زينة المرأة فلا يعقل حينئذٍ أن يكون الجلباب نفسه زينة .
[*] قال الذهبي رحمه الله تعالى : ومن الأفعال التي لعنت المرأة عليها أظهار زينتها كذهب أو لؤلؤ من تحت نقابها وتطيبها بطيب كمسك إذا خرجت وكذا لبسها عند خروجها كل ما يؤدي إلى التبرج كمصوغ براق وإزار حرير وتوسعة كم وتطويله. وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه فاعله في الدنيا والآخرة ولتجرأ النساء في فعل هذه الأمور وغيرها من الأمور المحرمة أعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري:
" أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء."
[ الشرط الثالث] : أن يكون صفيقاً لا يشف :
وذلك لأن الستر لا يتحقق إلا بالصفيق ، أما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنةً وزينة
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ]
( ونساء كاسيات ) في الحقيقة ( عاريات ) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة ، يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال
( مائلاتٌ مميلاتٌ) مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن ،أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن .
( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل
( لا يدخلن الجنة ) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن .
[
(1/356)
الشرط الرابع] : أن يكون فضفاضاً لا يصف .
أي غير ضيق حتى لا يصف شيئاً من جسمها أو يظهر أماكن الفتنه من الجسم ،
وذلك لأن الغرض من الثياب رفع الفتنة ، واللباسُ الضيقة يحصل بها الفتنة لأنها وإن كانت تستر لون البشرة إلا أنها تصف حجم الجسم أو بعضه .
(حديث أسامة بن زيد في المسند) قال : كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُبطيةً كثيفةً مما أهداها له دحيةُ الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : ما لك لم تلبس القُبطية ؟ قلت كسوتها امرأتي . فقال : مُرْها فلتجعل تحتها غِلاله فإني أخافُ أن تصف حجم عِظامها .
{ تنبيه } : من أسوء ما ابتلي به كثير من النساء - هداهن الله - لبس المرأة البنطلون فهو وإن كان يتستر العورة إلا أنه يصفها وصفاً مهيجاً للغرائز ومثيراً للشهوات
[*] هذا وقد وجه سؤال إلي اللجة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن ترتدي بنطلون كالرجال
فكانت الإجابة كما يلي :
ليس للمرأة أن تلبس الثياب الضيقة لما في ذلك من تحديد جسمها وذلك مثار الفتنة والغالب في البنطلون انه ضيق يحدد أجزاء البدن التي يحيط بها ويسترها
كما انه قد يكون في لبس المرأة للبنطلون تشبه من النساء بالرجال وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المتشبهات بالرجال.
[*] وقد سئل فضيلة الشيخ ابن جبرين في كتاب النخبة من الفتاوى النسائية:
ما حكم لبس البنطلون للنساء عند غير أزواجهم؟
فقال الشيخ وأجاب:
لا يجوز للمرأة عند غير زوجها مثل هذه اللباس لأنه يبين تفاصيل جسمها والمرأة مأمورة أن تلبس ما يستر جميع بدنها لأنها فتنة وكل شيء يبين من جسمها يحرم لبسه عند الرجال أو النساء أو المحارم أو غيرهم إلا الزوج الذي يحل له النظر إلى جميع بدن زوجته فلا بأس أن تلبس عنده الرقيق أو الضيق ونحوه - والله أعلم
[ الشرط الخامس أن لا يكون مبخراً ] :
(
(1/357)
حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
) أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال .
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
( أيما امرأة استعطرت ) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه ( ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها ) أي بقصد ذلك
( فهي زانية ) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت لأن فاعل السبب كفاعل المسبب قال الطيبي : شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغة وتهديداً وتشديداً عليها ( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
[ الشرط السادس أن لا يشبه لبس الرجل ] :
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري) قال لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .
[*] قال الحافظ في الفتح (10 / 345)
قال الطبري رحمه الله تعالى : المعني لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس. ، ثم قال الحافظ وكذا في الكلام والمشي .
[*] وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (22/154) :
(1/358)
" والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجال ، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء ، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة.وإذا تبين أنه لا بد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يميز بين الرجال والنساء ، وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب " .
وقال أيضاً في الاختيارات الفقهية (117) عن تشبه النساء بالرجال :
" والصحيح : أنه محرم . وحكى بعض أصحابنا التحريم رواية. وما كان من لبس الرجال ، مثل العمامة والخف والقباء الذي للرجال، والثياب التي تبدي مقاطع خلقها ، والثوب الرقيق الذي لا يستر البشرة وغير ذلك ، فإن المرأة تنهى عنه ، وعلى وليها كأبيها وزوجها : أن ينهاها عن ذلك .وهذه العمائم التي تلبسها النساء على رءوسهن حرام بلا ريب " .
[*] قال الإمام الذهبي في كتاب " الكبائر " (ص134) :
" فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة ، فقد شابهت الرجال في لبسهم ، فتلحقها لعنة الله ورسوله ، ولزوجها إذا أمكنها من ذلك ، أو رضي به ولم ينهها ، لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ، ونهيها عن المعصية ، لقول الله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } , ولقول النبي ? : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الرجل راع في أهله ومسؤول عنهم يوم القيامة " متفق عليه " ا.هـ. (1)
{ تنبيه } :هناك من النساء من تخرج عن فطرتها وتتمرد على أنوثتها وتتشبه بالرجال فهذه المرأة ملعونة.
[ الشرط السابع أن لا يشبه لبس الكافرات ] :
مثل أن يكون قصيراً أو سافراً
(
__________
(1) ينظر كتاب جلباب المرأة المسلمة , للعلامة الألباني رحمه الله (ص141) .
(1/359)
حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم) قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ ثوبين مُعَصْفَرين فقال :إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ، قلت أغسلها ؟ قال : لا أحرقها .
(حديث ابن عمر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تشبه بقوم فهو منهم .
(من تشبه بقوم ) أي تزيا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن
( فهو منهم ) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : هذا الحديث أقل أحواله التحريم
[*] قال الإمام ابن القيم في " إغاثة اللهفان " (1/364) :
" ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة ؛ لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدي الهدي أشبه القلب القلب " ا.هـ.
وقد وقع في ذلك بعض الفتيات - وللأسف - محاكاة لنساء الغرب من الكافرات في الملابس , وتسريحات الشعر , وأدوات التجميل والزينة !! والمحاكاة والتقليد دليل على الانهزامية والتبعية !
[ الشرط الثامن أن لا يكون لبس شهرة ] :
فكم من النساء حرصت على مثل هذه الثياب الملفتة للنظر تحت مسمى الأزياء والموضة !
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار . (من لبس ثوب شهرة ) الشهرة ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به
( ألبسه اللّه يوم القيامة ثوب مذلة) ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن في ذلك الجمع الأعظم بأن يصغره في العيون ويحقره في القلوب لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره .
( ثم يلهب فيه النار ) عقوبة له بنقيض فعله والجزاء من جنس العمل فأذله اللّه كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
[
(1/360)
*] قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى (22/138) :
" وتكره الشهرة من الثياب وهو المترفع الخارج عن العادة والمنخفض الخارج عن العادة فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين المرتفع والمنخفض . وفي الحديث " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة " وخيار الأمور أوساطها " .
[*] وقال الإمام ابن القيم في " زاد المعاد " (1/137) :
" قال بعض السلف : كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض . وفي السنن عن ابن عمر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة ثم تلهب فيه النار " وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر فعاقبه الله بنقيض ذلك فأذله " .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/310) : " وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب " .
[*] قال الشوكاني في نيل الأوطار (2 /111) مختصراً :
" والحديث يدل على تحريم لبس ثوب الشهرة وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها والموافق لملبوس الناس والمخالف لأن التحريم يدور مع الاشتهار والمعتبر القصد وإن لم يطابق الواقع " .
مسألة : ما هو لبس الشهرة ؟
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (2/515 ) : " الشهرة ظهور الشيء ، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم فيرفع الناس إليه أبصارهم ، ويختال عليهم بالعجب والتكبر ".
[*] وقد وجه سؤال لفضية الشيخ عبد الله الفوزان:
ما حكم لبس ثوب الشهرة؟
الجواب :
لا يجوز لامرأة مسلمة أن تختار من ألوان الثياب ما ترضي به رغبة الدعابة ولا يتعلق بضرورة اللباس أو حسنة وجماله في حدود المباح وإنما لأجل أن يرفع الرجال إليها أبصارهم وتفتن تلك النظرات الجائعة
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار .
[
(1/361)
*] قال ابن الأثير رحمه الله تعالى : ثوب الشهرة: "هو الذي إذا لبسه الإنسان افتضح به وأشتهر بين الناس"
[*] من مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب
ومن مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب، ما يفعله بعض النساء من وضع العباءة على كتفها ولف الطرحة على رأسها ليبدوا قوامها ويمتشق قدها، ولا شك أيها الإخوة أن هذا الفعل فتنة للمرأة وفتنة للرجل،
[*] وقد أفتى الشيخ عبد الله بن جبرين بحرمة هذا الفعل، سئل ـ حفظه الله ـ: إنه انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرحة والتي تكون زينة في نفسها، وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة، ما حكم هذا اللباس وهل هو حجاب شرعي؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما..))؟
قال ـ حفظه الله ـ: قد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ. والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها، فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير من التطلع ومد النظر قال تعالى: ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ، ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها، فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبها بالرجال، وكان منه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين، وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه، مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخولها في الحديث المذكور السابق ذكره، انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
(1/362)
ومن مظاهر الحجاب العصري الفاسدة المنتشرة بين كثير من الفساد بداعي التقليد والإثارة أو الجهل، ما يفعله كثير منهن من إظهار العينين وجزء من الوجه وربما اكتحلت إحداهن أو وضعت الأصباغ على وجهها لتبدوا بشكل لافت ومثير.
أيها الاخوة الكرام، إن إطلاق المرأة لبصرها تنظر في الرجال وينظرون إليها، لهو فتنة لها ولقلبها، والنساء ضعيفات سريعات التأثر، فينتج عن ذلك فتنة وفساد كبير ـ أعاذنا الله وإياكم ـ.
[*] وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن ما يسمى بالنقاب وطريقة لبسه، ففي بداية الأمر كان لا يظهر إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة، ولا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه.
فأجاب فضيلته: في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه، فيما بعد الأسواق والحدائق الأماكن العامة.
ومن مظاهر التناقص في لبس الحجاب، أن ترى المرأة المسلمة بلبس حجابها ولكن فوق ثوب مشقوق الجانبين أو فوق تنورة مفتوحة من الخلف، وربما تلبس عباءتها فوق بنطلون يكون في بعض الأحيان ضيقا، أو تسير بين الرجال ورائحة الطيب تفوح منها، وربما تجد امرأة قد أكملت حجابها ولمت عباءتها ولكنها تتحدث مع صاحب المحل بصوت متكسر يطمع الرجال فيها.
{ تنبيه } : إن أول فتيلٍ أشعله [أدعياء تحرير المرأة] هو الحجاب والسخرية منه والنيل من لابِسَتِه بالسب والشتم أو بالسخرية والذمّ.
(1/363)
تقول إحدى الهالكات: إنني ضد الحجاب ، لأن البنات المحجّبات يُخِفْن الأطفال بمظهرهن الشاذ، وقد قررت بصفتي مدرسة بالجامعة، أن أطرد أي طالبة محجبة في محاضرتي، فسوف آخذها من يدها وأقول لها: مكانك في الخارج.
أيها الأخوة ، إن مسالة الحجاب ما هي إلا بوابةٌ يدلُف منها هؤلاء إلى الانحلال من الإسلام بالكلية، فهم لا يكتفون أبدًا بأن تلبس المرأة زيًّا فاضحًا دونما حجاب؛ بل لا يكتفون حتى يعلموا أنهم مسخوا بحق حقيقة الإسلام من قلب المرأة المسلمة.
أيها الأخوة : وإن المرأة متى تخلَّت عن حجابها ، فإنها قد فتحت بابًا من الشر لا يقفل أبدًا، ولذلك لما علم رسول الله ضرر النساء على الرجال كما في الحديث الآتي :
(حديث أسامة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
فإن المسلمة إن تبرجت بلباسها وألقت حجابها، إنها إن فعلت ذلك، فقد فاز الأعداء في مخططاتهم، وكسبوا مكسبًا عظيمًا. وإن المرأة متى ما تبرجت فقد هدمت المجتمع ونشرت الرذيلة، وأشاعت الفاحشة.
[*] يقول سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : في رسالة له اسمها [التبرج] ، أنصح الجميع بقراءتها, فقد بين فيها الشيخ رحمه الله البيان الشافي في حكم الحجاب وحرمة السفور، يقول رحمه الله:
"فلا يخفى على كل من له معرفةٌ ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن، وعدم تحجبهم من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها، ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة، ومن أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات، لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد".
(1/364)
ثم يقول رحمه الله: "فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته،
(حديث أبي بكر الصديق في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .
ويقول رحمه الله رادًّا على دعاة الاختلاط ونزع الحجاب: "إن ثمرات الاختلاط مُرة ، وعواقبه وخيمة, رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه، ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى ؛ فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم بإنصافٍ من نفسه وتجرد للحق عما عداه، فسيجد التحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر" ا.هـ
ونحن نقول لهؤلاء الناعقين: أي حريّة للمرأة تريدون؟!
أتريدونها أن تكون ألعوبة في يد القاصي والداني؟!
أم تريدونها أن تكون ورقةً مبذولةً تطؤها الأقدام وتمزقها الأيدي، بعد أن كانت جوهرةً مصونةً لا يكاد يرى أحد منها شيئًا من غير محرمها إلا بعقد صحيح؟
أيّ حرية في أن تكون المرأة مع الرجل جنبًا إلى جنب في كل شيء ؟!
عجبًا! ثم عجبًا!
(1/365)
لقد عرف أعداءُ الإسلام ما يحمله هذا الدين للمرأة من سموّ كرامةٍ وعظيم صيانة، علموا في مقرراته المأصَّلة أن الأصلَ قرارُ المرأة في مملكة منزلها، في ظل سكينة وطمأنينة، ومحيط بيوتٍ مستقرةٍ، وجوِّ أسرة حانية. رأوا حقوقَ المرأة مقرونةً بمسؤوليتها في رعاية الأسرة، وخروجها في الإسلام من منزلها يؤخَذ ويمارَس من خلال الحشمة والأدب، ويُحاط بسياج الإيمان والكرامة وصيانة العرض، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى [الأحزاب:33]، وبينت السنة الصحيحة أن بيوت النساء خيرٌ لهن من الخروج حتى للمسجد كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد و بيوتهن خير لهن .
حينذاك ضاقوا من ذلك ذرعاً، فراحوا بكلِّ وسيلة وسعوا بكل طريقة ليخرجوا المرأةَ من بيتها وقرارِها المكين وظلِّها الأمين، لتطلق لنفسها حينئذ العنانَ لكل شاردةٍ وواردة، ولهثوا لهثاً حثيثاً ليحرّروها من تعاليم دينها وقيم أخلاقها، تارةً باسم تحرير المرأة، وتارةً باسم الحرية والمساواة، وتارةً باسم الرقي والتقدم الكاذب. مصطلحاتٌ ظاهرها الرحمة والخير، وباطنُها شرٌّ يُبنى على قلبِ القيم، وعكس المفاهيم، والانعتاق من كل الضوابط والقيم والمسؤوليات الأسَرِية والحقوقِ الاجتماعية، وبالتالي تُقام امرأةٌ تؤول إلى سلعةٍ تُدار في أسواق الملذَّات والشهوات.
فالمرأةُ في نظر هؤلاء هي المتحرِّرةُ من شؤون منزلها وتربية أولادها، هي الراكضةُ اللاهثة في هموم العيش والكسب ونصب العمل ولفْت الأنظار وإعجاب الآخرين، ولو كان ذلك على حساب تدمير الفضيلة والأخلاق ، وتدمير الأسرة والقيم، فلا هي حينئذ بطاعة ربٍّ ملتزمةٌ، ولا بحقوق زوجٍ وافية، ولا في إقامة مجتمع فاضلٍ مُسهِمة، ولا بتربية نشءٍ قائمةٌ.
(1/366)
فدعواتهم تهدف لتحرير المسلمة من دينها والمروق من إسلامها، مبادئُ تصادم الفطرة وتنابذ القيمَ الإيمانية. دعواتٌ من أولئك تنبثق من مبادئَ مُهلكةٍ ومقاييسَ فاسدة وحضاراتٍ منتنة، تزيِّن الشرورَ والفساد بأسماء برّاقة ومصطلحات خادعة. وللأسف تجد من أبناء المسلمين من في فكره عِوَجٌ وفي نظره خلل ينادي بأعلى صوتٍ بتلك الدعوات، ويتحمّس لتلك الأفكار المضلِّلة والتوجُّهات المنحرفة، بل ويلهج سعياً لتحقيقها وتفعيلها. لذا تجد أقلامَهم تُفرز مقتاً للأصيل من أصولهم والمجيد من تراثهم.
وقد قال أحد اليهود قديماً من الذين تخصصوا وتفننوا في إفساد الشعوب الإسلامية ماذا قال: إن مكسبنا في الشرق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها، فإذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها كسبنا القضية واستطعنا أن نستولي على الشرق .
وقال أحد قادة الماسون قال: كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها، أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات.
{ تنبيه } :وجدير بنا هنا أن نلفت النظر إلى تعريف التبرج ثم ذكر مساوئ التبرج حتى تجتنبه المؤمنات وتحترز منه وتفرُ منه فرارها من الأسد فإنه من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، ومن صفات الجاهلية الأولى التي أتى الإسلام لتطهير النفوس من دنسها .
التبرج : هو إظهار الزينة وإبراز المرأة لمحاسنها و ما يجب أن تستره مما تستدعي به شهوة الرجال.
تحريم التبرج
وقد دلَّ الكتاب والسنة والإجماع على تحريم تبرج المرأة، وهو إظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة التي حرَّم الله عليها إبداءها أمام الرجال الأجانب عنها.
(1/367)
فهو محرّم بوازع الإيمان، ونفوذ سلطانه على قلوب أهل الإسلام طواعية لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحلياً بالعفة والفضيلة، وبعداً عن الرذيلة، وانكفافاً عن الإثم، واحتساباً للأجر والثواب، وخوفاً من أليم العقاب، فَعَلى نساء المسلمين أن يتقين الله، فينتهين عما نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى لا يُسهمن في إدباب الفساد في المسلمين، بشيوع الفواحش، وهدم الأسر والبيوت، وحلول الزنا، وحتى لا يكنَّ سبباً في استجلاب العيون الخائنة، والقلوب المريضة إليهن، فيَأْثمن ويُؤثِّمن غيرهن .
والأدلة على تحريم التبرج آيات من كتاب الله، منها آيتان نصٌّ في النهي عن التبرج، وهما:
قول الله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الأحزاب: 33] .
وقول الله تعالى : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم } [النور: 60] .
وآيات ضرب الحجاب وفرضه على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين ونهيهن عن إبداء الزينة، نصوص قاطعة على تحريم التبرج والسفور .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ]
( ونساء كاسيات ) في الحقيقة ( عاريات ) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة ، يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال
(
(1/368)
مائلاتٌ مميلاتٌ) مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن ،أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن .
( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل
( لا يدخلن الجنة ) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن .
وهذا نص فيه وعيد شديد، يدل على أن التبرج من الكبائر؛ لأن الكبيرة: كل ذنب توعد الله عليه بنار أو غضب أو لعنةٍ أو عذابٍ أو حِرمانٍ من الجنة.
وقد أجمع المسلمون على تحريم التبرج،
وكما حكاه العلامة الصنعاني في حاشيته [منحة الغفار على ضوء النهار: 4/ 2011 ـ2012] .
وبالإجماع العملي على عدم تبرج نساء المؤمنين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى ستر أبدانهن وزينتهن، حتى انحلال الدولة العثمانية في عام 1342هـ وتوزع العالم الإسلامي وحلول الاستعمار فيه .
وليحذر المسلم من بدايات التبرج في محارمه، وذلك بالتساهل في لباس بناته الصغيرات بأزياء لو كانت على بالغات لكانت فسقاً وفجوراً، مثل: إلباسها القصير، والضيق، والبنطال ، والشفاف الواصف لبشرتها، إلى غير ذلك من ألبسة أهل النار، كما تقدم في الحديث الصحيح، وفي هذا من الإلف للتبرج والسفور، وكسر حاجز النفرة، وزوال الحياء، ما لا يخفى، فليتق الله من ولاّه الله الأمر .
وهاك بعض مساوئ التبرج والعياذ بالله :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
(1) التبرج من صفات أهل النار :
قد بين لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مآل وعاقبة المتبرجة السافرة كما في الحديث الآتي :
(
(1/369)
حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صنفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [و نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهُن كأسنمةِ البُخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا ]
( ونساء كاسيات ) في الحقيقة ( عاريات ) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة ، يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال
( مائلاتٌ مميلاتٌ) مائلات متبخترات في مشيتهن مميلات أكتافهن وأكفالهن ،أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن .
( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل
( لا يدخلن الجنة ) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن .
( ولا يجدن ريحها ) أي الجنة ( وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) كناية عن خمسمائة عام أي يوجد من مسيرة خمسمائة عام كما جاء مفسراً في رواية أخرى .
أختاه يا من خلعت حجابك ولم تستحي من ربك ألست حفيدة خديجة وعائشة وفاطمة ؟ ألست من نساء المؤمنين ؟
إذا قلت نعم فعليك أن تنصاعي لقول رب العالمين:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (الأحزاب 59)
من خلعت حجابها خلعت معه حيائها ومن خلعت حياءها خلعت معه إيمانها
(
(1/370)
حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر .
{ تنبيه } :الحياءُ خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم تستح فاصنع ما شئت كما في الحديث الاتي :
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
وأفضلُ الحياء أن تستحي من الله :
(حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : استحيوا من الله تعالى حق الحياء ، قلنا يا نبي الله إنا لنستحي والحمد لله ، قال : ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس و ما وعى والبطن و ما حوى وتذكر الموت و البِلى و من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء .
وهل المرأة إذا كانت متبرجةً تكون قد استحت من الله تعالى
أختاه: اسمعي هذا الحديث وعيه جيدا وانظري أين أنت من هذا:
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: يا رسول اللّه فكيف تصنع النساء بذيولهن قال : يرخين شبراً قالت : إذن تنكشف أقدامهن قال : فترخيه ذراعاً لا يزدن عليه .
{ تنبيه } :( الذراع يقاس من منتصف الساق)
ولعل بعض النساء تتسأل وتقول لو فعلت ذلك سيصيب ثوبي النجاسة كما قالت أم سلمه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فما الجواب ؟
الجواب هو ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - { يطهره ما بعده }
( حديث أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة أَطيَل ذيلي وأمشي في المكان القذر ، فقالت أم سلمة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { يطهره ما بعده }
[
(1/371)
*] يا سبحان الله لِلَّهِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لأم سلمه يرخينه شبراً ولكنها تقول أن النساء لا يطيقن هذا لأن أقدامهن ستنكشف عند المشي فلم ترضي أن يرخي الثوب شبراً يجرجر في الأرض ولكن فتيات هذا الزمان رضين بهذا الشبر ولكنه ليس شبراً يجرجر في الأرض ولكنه شبراً فوق الركبتين
لحد الركبتين تشمرين ... بربك أي نهر تعبرين
كأن الثوب ظل في صباح ... يزيد تقلصا حيناًَ فحيناً
تظنين الرجال بلا شعور ... أم لأنك ربما لا تشعرين
وانظري أختاه إلى هذه المرأة السوداء. امرأة من أهل الجنة. تعالي لنري قصتها لنعلم شدة حيائها
(حديث عطاء ابن أبي رباح الثابت في الصحيحين) قال : قال لي ابن عباس رضيَ الله عنهما ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة ؟ قلتُ بلى ، قال هذه المرأةُ السوداء ، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت إني أُصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي . قال إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيكِ فقالت أصبر ، فقالت إني أتكشف فادعُ الله لي ألا أتكشف فدعا لها .
[*] سبحان الله تخاف أن يظهر شيء وجسدها وهى تعاني من مرض الصرع وهى معذورة ولكنها تقيةٍ نقية ، عفيفةً حييِّة ، حرةً أبيَّة ، فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله ألا تتكشف فهي تصبر على المرض و آلامه ولكنها لا تصبر على التكشف فما بال الذين يكشفون عن أجسادهم بلا مرض و لا صرع .
لله درها كان همها والذي أقلقها أن تتكشف فيخرج شيئاً من جسدها مع أنها معذورة بالمرض ويصيبها الصرع !
هل رأيتم مثل حرص هذه المرأة على ستر جسدها وحفظ نفسها ؟!
واليوم وللأسف كم من فتاة تقوم وهى في كامل صحتها وعافيتها بمخالفة أمر ربها ورسوله ؟!
فتكشف عن شيء من جسدها ،وتبرز مفاتنها ، وتعصي الله جل وعلا بنعمه عليها !
أو ليس الذي وهبها هذه النعم قادرا على أن يسلبها منها؟!
{
(1/372)
تنبيه } : فتذكري أخيتي دائما أن هناك جنة ونار ، وجزاء وحساب ، فهذا مما يبعث على العمل والزهد في الدنيا ، وترك الذنوب والمعاصي..
[*] قال الإمام ابن القيم في " مدارج السالكين " (2/79) :
" وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهروب من هذه فترت عزائمه وضعفت همته ووهن باعثه، وكلما كان أشد طلبا للجنة وعملا لها كان الباعث للطاعة أقوى، والهمة أشد، والسعي أتم " .
(2) التبرج فعل الجاهلية الأولي والتي نهي الله عنه:
قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ) [الأحزاب / 33]
الشاهد قوله تعالى : [ وَلاَ تَبَرّجْنَ تَبَرّجَ الْجَاهِلِيّةِ الاُولَىَ]
(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال .
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبغض الناس إلى الله ثلاثة : مُلْحِدٌ في الحرم ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية ومُطَّلِبٌ دمَ امرئٍ بغير حق ليهريق دمه .
الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - [ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية]
( مبتغ ) طالب ( في الإسلام ) أي في دينه ( سنة الجاهلية ) أي إحياء طريقة الجاهلية ، ومنها التبرج والعياذ بالله .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
[سنة الجاهلية] : اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه .
(3) التبرج معصيةٌ لله ورسوله :
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل: ومن يأبى يا رسول اللّه؟ من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى .
(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) بفتح الهمزة والموحدة بامتناعه عن قبول الدعوى أو بتركه الطاعة التي هي سبب لدخولها لأن من ترك ما هو سبب شيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع .
(1/373)
قال : ( من أطاعني ) أي انقاد وأذعن لما جئت به ( دخل الجنة ) وفاز بنعيمها الأبدي ، بين أن إسناد الامتناع عن الدخول إليهم مجاز عن الامتناع لسببه وهو عصيانه بقوله ( ومن عصاني ) بعدم التصديق أو بفعل المنهي ( فقد أبى ) فله سوء المنقلب بإبائه والموصوف بالإباء إن كان كافرا لا يدخل الجنة أصلا أو مسلماً لم يدخلها مع السابقين الأولين .
والمعنى : من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة دخل الجنة ومن اتبع هواه وزل عن الصواب وخل عن الطريق المستقيم دخل النار .
(4) التبرج هلاكٌ مُحَقق بنص السنة الصحيحة :
(حديث فضالة بن عبيد في صحيح الأدب المفرد) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ثلاثةٌ لا تسأل عنهم : رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً ، وأمةٌ أوعبدٌ أبق فمات ، وامرأةٌ غاب عنها زوجها فتبرجَّت بعده ، فلا تسأل عنهم .
معنى [ لا تسأل عنهم : أي لا تسأل عن هلكتهم] أي هلاكهم محقق ، ومن بينهم المرأة المتبرحة.
[
(1/374)
*] وقد سئل فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين عن اللباس الضيق والمفتوح للمرأة فقال: هذا اللباس لباس أهل النار، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((صنفان من أهل النار لم أرهما..) ، وذكر الحديث السابق، فهذه المرأة التي تلبس هذا اللباس كاسية عارية، لأن اللباس إذا كان ضيقا فإنه يصف حجم البدن ويبين مقاطعه، وكذلك إذا كان مفتوحا، فإنه يبين ما تحته، لأنه ينفتح، فلا يجوز مثل هذا اللباس، وقال ـ حفظه الله ـ في موضع آخر: أرى انسياق المسلمين وراء هذه الموضة من أنواع الألبسة التي ترد علينا من هنا وهناك، وكثير منها لا يتلاءم مع الزي الإسلامي الذي يكون فيه الستر الكامل للمرأة، مثل الألبسة القصيرة أو الضيقة جدا أو الخفيفة، ومن ذلك لبس البنطلون فإنه يصف حجم رِجل المرأة، وكذلك بطنها وخاصرتها وغير ذلك، فلابسته تدخل تحت الحديث الصحيح السابق، فنصيحتي لنساء المؤمنين ولرجالهن أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ، وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة، أما عن حكم لبس مثل هذه الملابس عند المحارم والنساء فقال: وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان الضيق شديدا يبين مفاتن المرأة انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
[*][*][*][*]
(ثانياً) جعل قرار المرأة في بيتها هو الأصل :
قرار المرأة في بيتها عزيمةُ شرعية، وخروجها منه رخصةٌ تُقَدَّر بقدرها
فالأصل لزوم النساء البيوت، لقول الله تعالى: { وَقرْنَ في بيُوتِكنَّ } [الأحزاب:33].
فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة.
ولهذا جاء بعدها: { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية .
(1/375)
والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة .
ومَن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة -والله أعلم- مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك .
قال الله تعالى : { وقرن في بيوتكن } [الأحزاب: 33] ، وقال سبحانه: { واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات الله والحكمة } [الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: { لا تخرجوهن من بيوتهن } [الطلاق: 1] .
فمن أعظم صفات المرأة الصالحة أن تكون قارَّةً في بيتها امتثالاً لقوله تعالى :
وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى [الأحزاب:33]
تفسير قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب:33]:
[*] قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33]، أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطين متلازمين هما :
(1) أن يتجنبن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب
(2) أن يخرجن وهن تفلات ، كما في الأحاديث الآتية
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات .
(
(1/376)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد و بيوتهن خير لهن .
[*] قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: { وقرن } ، قرأ الجمهور { وقِرن } ، وقرأ عاصم ونافع بفتحها. فأما القراءة الأولى فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الوقار ، تقول: وقَرَ يَقر وقارًا أي سكن، والأمر قِرْ، وللنساء قِرْن(1).
والوجه الثاني: أن يكون من القرار.
ثم قال رحمه الله: معنى هذه الآية، الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة. فأمر الله تعالى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفًا لهن، ونهاهن عن التبرج.
ثم قال رحمه الله أيضًا: ذكر الثعلبي وغيره عن عائشة رضي الله عنها، كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها.
وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خرجت من باب حجرتها، حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها.
ثم قال رحمه الله: ليس المراد بحكم { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ، أن لا تتخطى النساء عتبة بيتهن أبدًا، بل الأمر أن قد أُذن لهن أن يخرجن لحوائجهن.
ولكن هذا الإذن ليس بمطلق غير محدود، ولا هو غير مقيد بشروط، فليس جائزًا للنساء أن يطفن خارج بيوتهن كما شئن، ويخالطن الرجال بحرية في المجالس والنوادي، وإنما مراد الشرع بالحوائج: هو الحاجات الحقيقية التي لابد معها للنساء من أن يخرجن من البيوت ويعملن خارجها.
__________
(1) يقول الشيخ المودودي رحمه الله: فمعنى الآية إذًا: عشن في بيوتكن بالسكينة والوقار. الحجاب ص307.
(1/377)
ومن الظاهر أنه لا يمكن استيعاب جميع الصور الممكنة لخروج النساء وعدم خروجهن، في جميع الأزمان، ولا من الممكن وضع الضوابط والحدود لكل مناسبة من تلك المناسبات، غير أن المرء يستطيع أن يتفطن لروح القانون الإسلامي ورجحانه، إذا نظر فيما قرره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، من الضوابط لخروج المرأة من البيت في عامة أحوال الحياة، وما تناول به حدود الحجاب من الزيادة والنقص بين آونة وأخرى، وأن يستخرج بنفسه حدود الحجاب للأحوال الفردية والشئون الجزئية، وقواعد الزيادة فيها والنقص منها تبعًا للحالات والملابسات.
ومن ذلك، الإذن في حضور المساجد وحدوده، وخروج النساء في الحج والجمعة والعيدين، وكذلك في زيارة القبور واتباع الجنائز، وكذلك شهودهن الحرب، ففي كل ذلك ضوابط وحدود، وفي أخرى موانع.
ومما يستدل به على جواز خروج النساء لحاجتهن، ما رواه مسلم عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب ـ لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تَخفى على من يعرفُها ـ فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْقٌ، فَدَخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفع عنه وإنَّ العَرْقَ في يده ما وضَعه فقال: "إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن" .
والمرأة المسلمة المستقيمة على شرع الله إذا خرجت لحاجة التزمت بالضوابط الآتية:
(1) خرجت لحاجة، لا للهو ولا لإضاعة الأوقات، انطلاقًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أذن لكن في الخروج لحاجتكن .
(2) وتستأذن زوجها أو وليها قبل الخروج، أما المرأة التي تدخل بيتها وتخرج في أي وقت دون مبالاة بأمر الزوج، فهي امرأة شقية تجلب لنفسها المشاكل والخراب.
(
(1/378)
3) وتستتر بحجابها الشرعي الكامل، فلا تكون من الكاسيات العاريات، اللائي يرتدين من الملابس الشفاف أو الضيق أو المزركش، ولا تتعطر عند خروجها، أو تلبس ملابس الرجال، فالمرأة الصالحة المتدينة في منأى عن هذه الصورة السيئة.
(4) تغض من نظرها في سيرها فلا تنظر هنا أو هناك لغير حاجة، فضلاً عن النظر للرجل الأجنبي لغير حاجة، وإذا احتاجت إلى محادثته، تتحدث إليه بما تحتاجه فقط، ولا تلين بصوتها ولا تخضع به لئلا يطمع فيها من في قلبه مرض.
(5) تمشي متواضعة في أدب وحياء وسكينة، ولا تتخذ خلاخل ولا حذاء يضرب على الأرض بقوة، فيُسمع قرع حذائها فربما وقعت الفتنة، وقد قال الله تعالى: { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور: 31].
(6) ولا تسافر سفر يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الآتية :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )
[*] قال ابن العربي: لقد دخلت نيفًا على ألف قرية، فما رأيت نساء أصون عيالاً، ولا أعف نساء من نساء نابلس، التي رُمي الخليل - صلى الله عليه وسلم - بالنار فها، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلا الجمعة الأخرى(1).
[
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/5450)، ط. دار الغد العربي.
(1/379)
*] ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: ويقول التابعي والمفسر الشهير قتادة بن دعامة: إن مقامة المرأة ومستقرها في البيت، وما وضعت عنهن واجبات خارج البيت إلا ليلازمن البيوت بالسكينة والوقار، ويقمن بواجبات الحياة العائلية، أما إن كان بهن حاجة على الخروج، فيجوز لهن أن يخرجن من البيت، بشرط أن يراعين جانب العفة والحياء، فلا يكون في لباسهن بريق أو زخرفة أو جاذبية، تجذب إليهن الأنظار، ولا في نفوسهن من حرص على إظهار زينتهن، فيكشفن تارة عن وجوههن، وأخرى عن أيديهن، ولا في مشيتهن شيء يستهوي القلوب، ولا يلبسن كذلك من الحلي ما يحلو وسواسه في المسامع، ولا يرفعن أصواتهن بقصد أن يسمعها الناس. نعم، يجوز لهن التكلم في حاجتهن، ولكنه يجب أن لا يكون في كلامهن لين وخضوع، ولا في لهجتهن عذوبة وتشويق.
كل هذه الضوابط والحدود إن راعتها النساء، جاز لهن أن يخرجن لحوائجهن .
[*] وبحفظ هذا الأصل تتحقق المقاصد الشرعية الآتية :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـ
(1) مراعاة ما قضت به الفطرة، وحال الوجود الإنساني، وشرعة رب العالمين، من القسمة العادلة بين عباده من أن عمل المرأة داخل البيت، وعمل الرجل خارجه.
(2) مراعاة ما قضت به الشريعة من أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي -أي غير مختلط- فللمرأة مجتمعها الخاص بها، وهو داخل البيت، وللرجل مجتمعه الخاص به، وهو خارج البيت .
(3) قرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوقه من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل.
... وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها )) متفق على صحته.
(
(1/380)
4) قرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضات وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطاً بوجود محرم لها.
( حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأزواجه في حجة الوداع: (( هذه ثم ظهور الحصر )) .
[*] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير : ( يعني: ثم الْزَمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت ) انتهى .
[*] وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى معلقاً على هذا الحديث في [عمدة التفسير: 3/11] :
(( فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة -على أن الحج من أعلى القربات عند الله- فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات إلى بلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟! أين الرجال؟!! )) انتهى .
وأسقط عنها فريضة الجهاد، ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة واختلال تصوراتها.
( حديث أم سلمة رضي الله عنها الثابت في صحيح الترمذي ) أنها قالت: يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } .
[
(1/381)
*] قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث في [عمدة التفسير: 3/ 157] : (( وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين -في عصرنا- الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر الله به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج، عليهن لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة )) انتهى .
(5) تحقيق ما أحاطها به الشرع المطهر من العمل على حفظ كرامة المرأة وعفتها وصيانتها، وتقدير أدائها لعملها في وظائفها المنزلية .
وبه يُعلم أن عمل المرأة خارج البيت مشاركة للرجل في اختصاصه، يقضي على هذه المقاصد أو يخل بها، وفيه منازعة للرجل في وظيفته، وتعطيل لقيامه على المرأة، وهضم لحقوقه؛ إذ لا بد للرجل من العيش في عالمين:
عالم الطلب والاكتساب للرزق المباح، والجهاد والكفاح في طلب المعاش وبناء الحياة، وهذا خارج البيت.
وعالم السكينة والراحة والاطمئنان، وهذا داخل البيت، وبقدر خروج المرأة عن بيتها يحصل الخلل في عالم الرجل الداخلي، ويفقد من الراحة والسكون ما يخل بعمله الخارجي، بل يثير من المشاكل بينهما ما ينتج عنه تفكك البيوت، ولهذا جاء في المثل : ( الرجل يَجْنِي والمرأة تَبْني ) .
ومن وراء هذا ما يحصل للمرأة من المؤثرات عليها نتيجة الاختلاط بالآخرين.
إن الإسلام دين الفطرة، وإن المصلحة العامة تلتقي مع الفطرة الإنسانية وسعادتها؛ إذاً فلا يباح للمرأة من الأعمال إلا ما يلتقي مع فطرتها وطبيعتها وأنوثتها؛ لأنها زوجة تحمل وتلد وتُرضع، ورَبَّة بيت، وحاضنة أطفال، ومربية أجيال في مدرستهم الأولى المنزل .
(1/382)
وإذا ثبت هذا الأصل من أمر النساء بالقرار في البيوت، فإن الله سبحانه وتعالى حفظ لهذه البيوت حرمتها، وصانها عن وصول شك أو ريبة إليها، ومنع أي حالة تكشف عن عوراتها، وذلك بمشروعية الاستئذان لدخول البيوت من أجل البصر، فقال سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون . فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم . ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاعٌ لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } [النور: 27ـ29] .
حتى تستأنسوا : أي تستأذنوا، وتسلموا، فيؤذن لكم ويرد عليكم السلام .
وقد تواردت السنن الصحيحة بإهدار عين من اطلع في دار قوم بغير إذنهم، وأن من الأدب للمستأذن أن لا يقف أمام الباب، ولكن عن يمينه أو شماله، وأن يطرق الباب طرقاً خفيفاً من غير مبالغة، وأن يقول: السلام عليكم، وله تكرار الاستئذان ثلاثاً .
كل هذا لحفظ عورات المسلمين وهن في البيوت، فكيف بمن ينادي بإخراجهن من البيوت متبرجات سافرات مختلطات مع الرجال؟ فالتزموا عباد الله بما أمركم الله به .
وإذا بدت ظاهرة خروج النساء من بيوتهن من غير ضرورة أو حاجة، فهو من ضعف القيام على النساء، أو فقده، وننصح الراغب في الزواج، بحسن الاختيار، وأن يتقي الخرَّاجة الولاّجة، التي تنتهز فرصة غيابه في أشغاله، للتجول في الطرقات، ويعرف ذلك بطبيعة نسائها، ونشأة أهل بيتها .
[*][*][*][*]
(ثالثاً) أمر الله تعالى بالاستئذان على النساء وبَيَّن أن الاستئذان من أجل البصر :
(حديث عبد الله بن بسر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر و يقول : السلام عليكم السلام عليكم .
(
(1/383)
حديث سهل بن سعد في الصحيحين) قال : اطَّلع رجلٌ من جحرٍ في حجرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مِدْرى يحكُ به رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
[*][*][*][*]
(رابعاً) النهى عن إطلاق البصر في المحرمات، والأمر بغض البصر:
أمر الله تعالى ونبيه - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين بغض البصر في آيات وأحاديث كثيرة منها :
قال تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إن الله خبير بما يصنعون } [ النور/30 ]
وقال تعالى { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }
[ النور/31 ]
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم
[*] قال القرطبي رحمه الله : البصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله وفي صحيح مسلم عن جرير عن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري وهذا يقوي قول من يقول إن من للتبعيض لأن النظرة الأولى لاتملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف .
[ وقال:]وبدأ بالغض قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحمى رائدة الموت وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال: ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف ا.هـ تفسير القرطبي 12 /222
[*] ويقول ابن القيم كذلك كما في كتابه الجواب الكافي عندما تكلم عن الزنا فقال:
(1/384)
ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حفظ الفرج فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة - ثم تكون خطرة - ثم خطوة - ثم خطيئة فإما اللحظات فهى رائدة الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظرة أورد نفسه موارد الهلاك والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته. أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه وهذا من أعظم العذاب.
(حديث ابن عباس في الصحيحين) قال كان الفضلُ رَدِيْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقدمت امرأةٌ من خثعم ، فجعل الفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليه ، وجعل رسول الله يصرفُ وجه الفضل إلى الشقِ الآخر ، فقالت يا رسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت شيخاً كبيراً لا يثبتُ على الراحلة ، أفأحجُ عنه ؟ قال نعم . وذلك في حجة الوداع .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ، فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر و الأذنان زناهما الاستماع و اللسان زناه الكلام و اليد زناها البطش و الرجل زناها الخطا و القلب يهوى و يتمنى و يصدق ذلك الفرج أو يكذبه .
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - [فالعينان زناهما النظر] فبدا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزنى العين لأنه اصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصى بالنظر وان ذلك زناها .
[
(1/385)
*] قال الغزالي رحمه الله تعالى : ونبه به على أنه لا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر وحفظ القلب عن الفكرة وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع فإن هذه محركات للشهوة ومغارسها قال عيسى عليه السلام : إياكم والنظر فإنه يزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة ثم قال الغزالي : وزنا العين من كبار الصغائر وهو يؤدي إلى الكبيرة الفاحشة وهي زنا الفرج ومن لم يقدر على غض بصره لم يقدر على حفظ دينه .
فيض القدير ج: 4 ص: 65
( حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهة أن يرين من عورات الرجال .
بل جعل الرسول غض البصر من حقوق الطريق التي تلزم كل جالس فيها حتى لا تتخذ الطرقات ذرائع للترفه بمحاسن النساء وتأمل مفاتن الغاديات والرائحات.
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الجلوس في الطرقات ، قالوا يا رسول الله مل لنا منها بدٌ إنها مجالسنا نتحدثُ فيها ، قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما هو حقُ الطريق ؟ قال : غض البصر و كف الأذى و رد السلام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
[*] قال النووي رحمه الله تعالى :
وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علة النهي من التعرض من الفتنة و الإثم بمرور النساء وغيرهن وقد يمتد النظر إليهن أو فكر فيهن .
{
(1/386)
تنبيه } : وفي الحديث مشروعية سد الذرائع التي بنيت عليها فروع كثير فقهية ، فهذه الخصال من حقوق الطريق التي يُلزم بها الجالس عليها ومنها غض البصر وكفه عن النظر إلى النساء وذلك في الأماكن العامة التي هي مظنة مرور العرايا والمتبرجات فان الجلوس في مثل هذه الأماكن جريمة ومنكر ولاسيما إذا اعتاده الإنسان فانه يفسق بذلك وهذه صرخة إنذار لمن يعتادون الجلوس على الطرقات ويتخذون من المقاهي مجالس للتسلية والنظر لما حرم عليه.
وقد كان السلف الصالح أشد إيمانا وأكثر عملا ومع هذا فإنهم لا يأمنون على أنفسهم فتنة النساء.
فكان انس يقول: إذا مرت بك امرأة فغض عينك حتى تجاوزك
وكان الربيع ابن خثيم:
يمشى فمر به نسوه فغض بصره وأطرق حتى ظن النسوة انه أعمى فتعوذن بالله من العمى.
وقال وكيع خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا
وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد : فلما عاد فقالت له امرأته كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك.
الله اكبر إنها قلوب غفت عن الحرام فعوضها الله خيرا وأذاقها حلاوة الإيمان.
أين هؤلاء ممن يطلقون البصر ليل نهار.
أين هؤلاء ممن يتابع مشاهد الفجور في التلفاز والفضائيات.
أين هؤلاء ممن يجلسون على المقاهي والطرقات ينظرون إلى الغاديات والرائحات.
أين هؤلاء ممن يجلسون في الأندية ينظرون إلى كل رائحة وغادية.
قال الأصمعي : رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها فقالت لي :يا هذا ما شأنك قلت :وما عليك من النظر فأنشأت تقول :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
نظر رجل إلى امرأة عفيفة فقالت : يا هذا غض بصرك عما ليس لك تنفتح بصيرتك فترى ما هو لك . نفح الطيب للتلمساني 5 / 314
(1/387)
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فإن لم تقتله جرحته وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل :
كل الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين الغير موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر فهو إنما يرمي قلبه ولي من أبيات :
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا ... ... أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له ... ... توقه إنه يأتيك بالعطب .
روضة المحبين ج: 1 ص: 9
مسألة : ماذا يصنع الإنسان إذا وقع نظره فجأة على ما لا يحلُ له دون قصدٍ منه ؟
الجواب : أنه يجب عليه أن يصرف بصره مباشرة بنص السنة الصحيحة
(حديث جرير بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
(حديث بُريدة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي يا علي لا تتبع النظرةَ النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة .
{ تنبيه } : ويجب على المسلم أن يغض بصره عن بيوت الناس :
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ومن النظر الحرام النظر إلى العورات وهي قسمان :عورة وراء الثياب ،وعورة وراء الأبواب. ا.هـ مدارج السالكين ج: 1 ص: 117
[
(1/388)
*] وقال ابن تيمية : وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما اشبهها من النظر إلى المحرمات فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان ، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التي على البدن ، كما جمع بين اللباسين فى قوله تعالى { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فكل منهما وقاية من الأذى الذى يكون سموما مؤذيا كالحر والشمس والبرد وما يكون من بنى آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك . ا.هـ مجموع الفتاوى 15/ 379
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته الصحيحة أنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
(حديث سهل بن سعد في الصحيحين) قال : اطَّلع رجلٌ من جحرٍ في حجرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مِدْرى يحكُ به رأسه فقال : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر .
(حديث عبد الله بن بسر في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه و لكن من ركنه الأيمن أو الأيسر و يقول : السلام عليكم السلام عليكم .
كلمة إلى الذين يُطْلِقون أبصارهم ولا يغضونها :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
إلى كل رجل أو امرأة نظرا إلى الحرام فليعلم الجميع :
أن هذه النظرة ما هي إلا سهم مسموم فان أصابك سهم قتلك فكيف وان هذا السهم مسموم.
لا تظن أن هذه النظرة ستروى ظمئك فما أنت بذلك إلا كالذي يشرب ن ماء البحر فكلما ازداد شربا ازداد عطشا ويظل هكذا حتى يقتله.
ولخطورة الأمر انظر إلى هذا الرجل الذي نظر إلى امرأة نصرانية فأعجبته ووقع حُبُها في قلبه فراودها عن نفسها فطلبت منه أن يتنصر فتنصر ومات على النصرانية ولو غض الطرف ما كان هذا.
(1/389)
ألم تسمع قوله تعالي: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [غافر/19]
[*] قال ابن عباس في هذه الآية: هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فان رأى منهم غفلة نظر إليها فان خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز وجل من قلبه انه يود لو نظر إلى عورتها.
[*] سئل الجنيد بما يستعان على غض البصر؟
قال بعلمك أن نظر الله إليك اسبق إلى ما تنظر إليه.
[*] قال الإمام احمد :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفي عليه يغيب
[*] وصدق أبو الأعلى المودودي حيث قال :
من الذي يكابر في أن كل ما يحدث في الدنيا إلى هذا اليوم ولا يزال يحدث فيها من الفحشاء والفجور باعثه الأول والأعظم هو فتنة النظر.
[*] غض البصر للنساء :
[*] قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (10/96) :" الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولأن الفتنة مشتركة " .
[*] قال ابن الجوزي في أحكام النساء (60 ):
" وينبغي للمرأة أن تغض طرفها عن الرجال ، كما يؤمر الرجال بالغض عنها ، وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - فيما يجوز للمرأة أن ترى من الرجل الأجنبي ، فروى عنه ، أنه يجوز لها أن ترى منه ما ليس بعورة ، وروي عنه أنه يحرم عليها أن تنظر منه ما يحرم عليه أن ينظر منها. واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر ، وكما يخاف على الرجل من ذلك يخاف على المرأة ، وقد ذهب دين خلق كثير من المتعبدين بإطلاق البصر وما جلبه ، فليحذر من ذلك " .
(1/390)
وقال أيضاً في (43 ) : " ومن المنكرات اطلاع النساء على الشباب إذا اجتمعوا في الدعوات لأنه لا يؤمن الفتنة " (1) .
[*][*][*][*]
(خامساً) نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية :
مسألة : ما هي الخلوة المحرمة ؟
الخلوة المحرمة : هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه ، في غيبة عن أعين الناس ، وهي من أفعال الجاهلية وكبائر الذنوب .
مسألة : ما هو الدليل على تحريمها ؟
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" ، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
فقوله - صلى الله عليه وسلم - " إلا كان ثالثهما الشيطان " يشمل أتقى الناس ، وأفجر الناس ، والشريعة لا تستثني من مثل هذه النصوص أحداً .
فلا يحل للمرأة أن تخلو برجل أجنبي عنها سواء في بيت أو سيارة أو غير ذلك .
وهذا يعم جميع الرجال , ولو كانوا صالحين أو مسنين ، وجميع النساء ، ولو كنَّ صالحات أو عجائز .
(حديث عقبة بن عامر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الدخول على النساء قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير : ...
(
__________
(1) ينظر لزاماً : أحكام النظر وغائلته وما يجني على صاحبه , وفوائد غض البصر في فتاوى ابن تيمية (15/140) تفسير سورة النور , وكتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين للإمام ابن القيم (ص83) .
(1/391)
إياكم والدخول على النساء ) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول النساء ،وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
(قال : الحمو الموت) والحمو أخو الزوج وقريبه ، الحمو الموت : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية.
[*] قال النووي في شرحه على مسلم (14/154) :
" الحمو الموت " معناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي ".
وقوله الحمو الموت له عدة معان منها :
أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية .
أو تؤدي إلى الموت إن وقعت الفاحشة ، ووجب حد الرجم .
أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها لها إذا حملته الغيرة على تطليقها .
(1/392)
أو المقصود احذروا الخلوة بالأجنبية كما تحذرون الموت .
أو أن الخلوة مكروهة كالموت .
وقيل أي فليمت الحمو ولا يخلو بالأجنبية .
وكل هذا من حرص الشريعة على حفظ البيوت ، ومنع معاول التخريب من الوصول إليها .
مسألة : بعض الناس يتذرعون بمسألة الثقة ، ويقولون أنا أثق بزوجتي ، وأثق بأخي ، وابن عمي فما الجواب ؟
الجواب أن نقول : لا ترفعوا ثقتكم ولا ترتابوا فيمن لا ريبة فيه ، ولكن اعلموا
أنه من المعلوم شرعاً أنه لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" ، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
فقوله - صلى الله عليه وسلم - " إلا كان ثالثهما الشيطان " يشمل أتقى الناس ، وأفجر الناس ، والشريعة لا تستثني من مثل هذه النصوص أحداً .
فلا يحل للمرأة أن تخلو برجل أجنبي عنها سواء في بيت أو سيارة أو غير ذلك .
[*] قال شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية (291) :
" وتحرم الخلوة بغير محرم ، ولو بحيوان يشتهي المرأة ، أو تشتهيه ، كالقرد " (1) !
فإذا كان أهل العلم ينهون عن خلوة المرأة بحيوان يشتهيها، فكيف بخلوتها بالخادم والسائق؟!
وقد صرح الإمام القرطبي في تفسير سورة الممتحنة أن الخلوة بغير محرم من الكبائر ومن أفعال الجاهلية (2) .
والحكمة من تحريم الخلوة هي: سد الذّريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها , حتى يظل المرء واقفاً على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية , { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } [البقرة: 187] .
[*][*][*][*]
(سادساً) نهى عن سفر المرأة لوحدها بلا محرم :
(
__________
(1) ينظر كتاب أحكام النساء لابن الجوزي (33)
(2) انظر كتاب تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين (ص 227) للإمام ابن النحاس رحمه الله .
(1/393)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
(حديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم ) سمعت ُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك )
[*][*][*][*]
(سابعاً ) عدم اختلاط المرأة بالرجال :
الاختلاط أمره خطير، وشره مستطير ، بل هو أصل كل بلية ومنبع كلِ رذية :
وإليك فصلُ الخِطاب في موضوع الاختلاط تعريفاً وحُكماً لعلك تجد فيه ما يَبِلُ الصدى ويروي الغليل :
تعريف الاختلاط
[*] قال بعض العلماء:
الاختلاط هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم منه الاتصال فيما بينهم بالنظر والإشارة أو الكلام أو البدن من غير حائل أو مانعاً يدفع الريبة والفساد.
[*] خطورة الاختلاط :
الاختلاط باب من أبواب الزنا والعياذ بالله يلج الإنسان من خلاله إلى هذه الفاحشة ، والعفة حجاب يمزقه الاختلاط والذي هو بمثابة غدة سرطانية تسرى في كيان المجتمع فتوهنه وتضعفه.
جاء في بروتوكولات زعماء صهيون قولهم :
(1/394)
يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا- وأن فرويد منا نحن اليهود- وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى- عند الإنسان- شيء مقدس ويصبح همه الأكبر إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهدَّ الأخلاق".
[*] نظرية فرويد الخبيثة تقول:
إن الاختلاط يُهَذِّبُ المشاعر ويقلل من فرصة الفتنة والاستثارة .
ولكن: رداً على هذه النظرية نقول :
وهل تهذيب المشاعر وتقليل الفتنة والاستثارة في دول الغرب والتي تشجع على الاختلاط المفتوح قد هذبت! وهل الاختلاط قَلَلَّ من فرصة الفتنة والاستثارة كما يزعمون .. الحقيقة تثبت عكس ذلك. والشاهد والإحصائيات على جرائم الزنا خير دليل على أن الخلاص هو عدم الاختلاط.
ومن المعلوم شرعاً وعقلاً وبداهةً أن أشد الفتن على الرجال هي فتنة النساء ولذا حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(حديث أسامة الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
[*] قال مجاهد : إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر فإذا أدبرت جلس على عجزها فزينها لمن ينظر . ا.هـ تفسير القرطبي ج: 12 ص: 227
[*] وقال المناوي :ما يثق [ أي الشيطان ]في صيده الأتقياء بشيء من آلات الصيد وثوقه بالنساء .
( حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء .
( حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه.
(1/395)
ولهذا شرع لنا الدين التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها لكن هناك من يحاول تحطيم هذه الموانع والفواصل بين المرأة والرجل بدعوى التقدم والحضارة أو تأثراً بالغرب ودعاة الإباحة مثل فرويد ، ونجح القوم في غياب الوعي الديني أن يخترقوا هذه الحواجز ويزيلوا هذه الموانع فكان الاختلاط والذي يبدأ في رياض الأطفال مروراً بالمدارس والكليات وانتهاء بالاختلاط في العمل. فضلاً عن الاختلاط في وسائل المواصلات وشتى نواحي الحياة. فأصبح الاختلاط ظاهرة اجتماعية مألوفة وأن الدعوة إلى عدم الاختلاط يعُد تخلف ورجعية.
أمَا عَلِمَ دُعَاةُ الاختلاط أن الله - عز وجل - جبل الرجل للميل إلى النساء وجبل النساء للميل إلى الرجال مع وجود في كلاً من الجنسين ضعف ولين ومع وجود النفس الأمارة بالسوء ومع وجود الهوى الذي يعمى ويصم ومع وجود الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر ، وأن الشرع الحنيف أمرنا باجتناب الفتن وأن ننأى بنفسنا عنها وليس أن ننغمس فيها
( حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات
وعلى هذا فإنه يجب علينا أن نجتنب الفتن لأن من زرع الشوك لا يجني عنباً وأن من ألقى بنفسه في النار أحرقته وليس له أن يقول للنار كوني برداً وسلاماً كما كنت على إبراهيم .
ولا شك أن الرجل الذي يأذن بخروج امرأته من غير ضرورة يكون فاقد الغيرة ذاهب الحياء.
ومن المعلوم شرعا إن الحياء الإيمان فإذا فقد المرء الحياء يوشك أن يتبعه الإيمان
(حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر .
(1/396)
فالحذر الحذر يا أولياء الأمور من السماح للنساء بالخروج من غير ضرورة متبرجات متعطرات حتى ننأى بأنفسنا من الدخول فيمن حذر منهم النبي وحرم عليهم الجنة ،
واعلموا أنكم موقوفون بين يدي الله تعالى غداً ، ومسئولون عنهن ،
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كلكم راع مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
احذروا: " الخلوة ، والاختلاط ، والتبرج " فإنها والزنى رفيقان لا يفترقان ، وصنوان لا ينفصمان غالباً .
واعلموا: أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة ، وأن احترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار ، والفضيحة والخزي .
احذروا: أجهزة الفساد السمعية منها والبصرية التي تغزوكم في عقر داركم ، وهي تدعو نسائكم وأبناءكم إلى الافتتان ، وتُضعفُ منهم الإيمان ، وقد قيل: حسبك من شرٍّ سماعُه ، فكيف رؤيته؟! صونوا بناتكم وزوجاتكم ولا تتهاونوا فتعرضوهن للأجانب .
[*] قال ابن القيم رحمه الله عليه.
أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج.
[*]ولله در القائل
إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل السباع تطوف باللحمانِ
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عِوض ولا أثمان
(1/397)
فيا أيها الرجال أنتم المسئولون بين يدي رب العلمين عن نساءكم وما يفعلن فقد جعل الله لكم القوامة عليهن وجعل أمر تأديبهن وتهذبين في أيديكم وأوجب عليكم إرشادهن والمحافظة عليهن فكل وزر يقع منهن واقع على رءوسكم وانتم مؤاخذون به يوم القيامة
وأذكركم بقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم 10)
[*] من صور الاختلاط المحرم :
[*] ومن صور الاختلاط المحرم والتي انتشرت في المجتمع الإسلامي ما يلي :
(1) اختلاط الأولاد الذكور والإناث بعد التمييز- ولو كانوا أخوه- في المضاجع فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع.
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع .
(2) اتخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء والعكس.
(3) استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب أو أصدقائه في حال غيابه ومجالستهم والكلام معهم بلْ وممازحتهم (ولو كان صاحب أو صديق لأصبحت خلوه).
(4) الاختلاط في دور التعليم كالمدارس والجامعات والمعاهد والدروس الخصوصية.
(5) الاختلاط في وسائل المواصلات.
(6) الاختلاط في الوظائف والأندية والأسواق والمستشفيات.
(7) الاختلاط بين الجيران وفي الزيارات العائلية.
الاختلاط في الأعراس (الأفراح) والحفلات.
[*] أدلة تحريم الاختلاط ¢[*]
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
ثبت تحريم الاختلاط بالكتاب والسنة الصحيحة بما يقطع ألسنة الذين في قلوبهم مرض والداعين إلى الاختلاط ، وهاك فصل الخطاب في الأدلة من الوحيين الشريفيين الكتاب والسنة الصحيحة :
(1/398)
أولاً الأدلة من كتاب الله تعالى :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
الدليل الأول :
قوله تعالي (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) [لأحزاب /53]
تقرر هذه الآية أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" فلا يقل أحد غير ما قال الله .
لا يقل أحد إن الاختلاط وإزالة الحجب والترخص في الحديث والنقاش والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب وأعف للضمائر وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلي إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف الهزيل الجهال المحجوبين ، لا يقل أحد شيئا من هذا والله يقول:
(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ( الأحزاب 53 )
فإن الله تعالى يقول هذا عن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات أمهات المؤمنين وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق .
وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلقه قولاً فالقول لله سبحانه وكل قول آخر هراء لا يردده إلا من يجرؤ علي القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد. والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله وكذب المدعين .
[*] قال ابن جرير في تفسير هذه الآية:
وإذا سألتم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ، يقول : من وراء ستر بينكم وبينهن .
[*]الدليل الثاني :
قوله تعالى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [ النور/31 ]
وجه الدلالة:
(1/399)
أنه تعالي منع النساء من الضرب بالأرجل - وإن كان جائزا في نفسه - لئلا يكون سببا إلى فتنة الرجال وذلك بسماع صوت الخلخال فيثير دواعي الشهوة عندهم فكيف برؤية وسماع المرأة.
[*]الدليل الثالث :
قوله تعالى { وَرَاوَدَتْهُ الَتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) [ يوسف/23] )
وجه الدلالة:
أنه لمل حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامنا فطلبت منه أن يوافقها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها وذلك في قوله تعالي:
{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } ( يوسف )
[*] الدليل الرابع: قوله تعالي:
{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } ... ... ( النور 30 ، 31 )
وجه الدلالة:
أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأمره يقتضي الوجوب ثم بين تعالي أن هذا أزكي وأطهر ولم يَقْفُ الشارع إلا عن نظر الفجأة.
(حديث جرير بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
(حديث بُريدة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي يا علي لا تتبع النظرةَ النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة .
وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليها زنا
(
(1/400)
حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ، فهو مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر و الأذنان زناهما الاستماع و اللسان زناه الكلام و اليد زناها البطش و الرجل زناها الخطا و القلب يهوى و يتمنى و يصدق ذلك الفرج أو يكذبه .
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - [فالعينان زناهما النظر]
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الجلوس في الطرقات ، قالوا يا رسول الله مل لنا منها بدٌ إنها مجالسنا نتحدثُ فيها ، قال فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما هو حقُ الطريق؟ قال : غض البصر و كف الأذى و رد السلام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
الشاهد : قوله - صلى الله عليه وسلم - [فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما هو حقُ الطريق ؟ قال : غض البصر]
( حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها الثابت في صحيح أبي داوود ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهة أن يرين من عورات الرجال .
وإنما كان زنا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها.
{ تنبيه } : فإذا نهي الشارع عن النظر إليهن لما يؤدى إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط فكذلك الاختلاط ينهي عنه لأنه وسيلة إلى مالا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه.
ومن المعروف أن المرأة عورة ويجب عليها ستر جميع بدنها لأن كشف شيء منه يؤدى إلى النظر إليها والنظر إليها يؤدى إلى تعلق القلب بها ثم تُبذل الأسباب للحصول عليها .
[*] الدليل الخامس: قوله تعالي:
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ( غافر /19)
[*] فسرها ابن عباس - رضي الله عنه - فقال :
(1/401)
هو الرجل يدخل علي أهل البيت بينهم المرأة الحسناء وتمر به فإذا غفلوا لحظها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظها فإذا فطنوا غض وقد علم الله من قلبه أنه لو اطلع علي فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها؛ ومن المعلوم أن عزل الرجال عن النساء يمنع ذلك كله.
وجه الدلالة:
أنه تعالي وصف العين التي تسرق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالاختلاط ؟!
ثانياً الأدلة من السنة الصحيحة :
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
الدليل الأول:
(حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن خزيمة): أنها جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك و صلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك و صلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي. قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصي بيت من بيوتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى ماتت ".
(حديث بن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن خزيمة): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أحب صلاه المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمه ".
وجه الدلالة من الحديث :
أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل ومع الرسول ، فلئن يُمنع الاختلاط من باب أولي .
فانظر أيها المسلم إلى ما يرشد إليه الحبيب الناصح نساء أمته وماذا يختار لهن فيقول بيوتهن خير لهن، وخير مساجد النساء مقر بيوتهن، وصلاتها في مخدعها خير من صلاتها في مقر بيتها.
ونحن بالرغم من هذا نترك هذه التوجيهات السامية ونأذن لهن في الخروج لا إلي الصلاة في المساجد ولكن للشارع والإدارة والمحكمة والجامعة والى الشواطئ والمنتزهات.
(1/402)
فهل يعقل أن تمنع المرأة من الذهاب لعبادة الله تعالى في المسجد مع تحجبها ثم يؤذن لها بالخروج عروسة عارية تخالط الرجال وتضاحكهم.
إننا والله انقلبت أوضاعنا رأسا على عقب وذلك بإتباع أهواء النساء وطاعتهن وبعدنا عن منهج ربنا وإرشادات رسولنا - صلى الله عليه وسلم - .
الدليل الثاني :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خير صفوف الرجال أولها و شرها آخرها و خير صفوف النساء آخرها و شرها أولها .
ووجه الدلالة من الحديث علي منع الاختلاط :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة علي حده.
ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخير وما ذلك إلا لبعد المتأخرات عن الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك.
ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللاتي يشغله البال وربما أفسدت صلاته وأذهبت بالخشوع.
فإذا كان في العبادة قد يحدث ففي غيرها أكبر وحاصل فمنع لذلك الاختلاط والحمد لله ففي هذا الزمان النساء بمنأى عن الرجال.
فان الصلاة هي العروج الروحي للعبد فيلزمه أثناءها تمام الخشوع والتنصل من الشواغل وكل ما يصرفه عن هذا العروج الروحي من مفاتن وملذات الحياة.
ووجود المرأة بجنب الرجل في الصلاة أعظم المفاتن وأخطر الشواغل ولهذا أمر الشرع بتأخر صفوف النساء تحقيقا للغاية المُرادة من الصلاة ومنعا للخطرات والشهوات أن تنبعث لتشغل المصلي وهو في أعظم المواطن .
[*] قال النووي رحمه الله:
(1/403)
أما صفوف الرجال فهي علي عمومها فخيرها أولها أبدا وشرها آخرها أبدا، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال وإما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها. وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم...... ونحو ذلك. وذم أول صفوفهن لعكس ذلك أي لكونها قريبة من الرجال وفي ذلك من الفتن ما لا يخفي (شرح مسلم 4/159)
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
( وخير صفوف النساء آخرها ) لبعده عن مخالطة الرجال وقربهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك
( وشرها أولها ) لكونها بعكس ذلك قال النووي : وهذا على عمومه إن صلين مع الرجال فإن تميزن فهن كالرجال خيرها أولها وشرها آخرها .
بل ولو أجتمع أطفال ونساء يجعل النساء خلف الأطفال لان الأطفال ليسوا في الشعور الجنسي كالرجال وفتنة النساء لهم ضعيفة أو منعدمة.
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه - قال:
" صليت أنا ويتم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم سليم خلفنا ".
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقمتُ أن ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا .
الدليل الثالث :
( حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به لِلَّهِ .
تحققن الطريق : أي تمشين وسط الطريق.
[
(1/404)
*] وقال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص406) : " ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ، ومجامع الرجال. فالإمام مسؤول عن ذلك ، والفتنة به عظيمة وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال ، والاختلاط بهم في الطريق . فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك.
[*] قيل للإمام أحمد رحمه الله :
" الرجل يكون في السوق ، يبيع ويشتري ، فتأتيه المرأة تشتري منه ، فيرى كفها ونحو ذلك ، فكره ذلك ، وقال: كل شيء من المرأة عورة ، قيل له : فالوجه ؟ قال : إذا كانت شابة تُشتهى فإني أكره ذلك ، وإن كانت عجوزاً رجوت " (1) .
( ولفظ الكراهة عند المتقدمين يطلق على المحرم) (2) .
[*] وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في أحكام النساء (42): " ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها ، فإنها إن سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها. فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة ، وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق ، واحترزت من سماع صوتها ، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه " ا.هـ.
[*] فالمرأة لا يليق بها الاحتكاك بالرجال والدنو منهم ولو في دور العبادة لأنها تشوش عليهم وتفسد قلوبهم. فما بالك لو كان هذا الاختلاط في غير دور العبادة وفي أماكن اللهو والفجور.
[*] تقريع إلى الناعقين بدعوى الاختلاط أقول لهم هذا كتاب الله يدمغهم وسنة نبيه تصفعهم .
فالله يقول : (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهم) ( الأحزاب53).
وهم يقولون: لا بأس. ولا ضير.
والله يقول : (ذلك أزكى لهم إنه خبير بما يصنعون) (النور 30)
وهم يقولون : لا مانع ولا حرج
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" إن الشيطان يجرى من أبن آدم مجرى الدم من العروق ".
وهم يقولون: لا خطر للشيطان ولا وجود للفتنة.
__________
(1) ينظر كتاب أحكام النساء (10) للإمام أحمد .
(2) ينظر إعلام الموقعين(2/75) .
(1/405)
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" إياكم ومجالس الطريق إلا بحقها " - خوفا من التعرض إلى النساء.
وهم يقولون : لا بأس بمجالس البيوت بين الرجال والنساء.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
" ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء " دون تقيد بين امرأة وأخري
وهم يقولون : لا وجود للضرر بالجلوس مع النساء مادامت النية سليمة والقلب أبيض.
كيف هذا والنبي يقول أنهم فتنة فكيف نجمع بين الفاتن والمفتون؟
وتقول لا تخف أنا قلبي أبيض.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما عند مسلم :
" اتقوا الدنيا واتقوا النساء فأن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء "
وهم يقولون : المرأة نصف المجتمع ولا غناء عنها في العمل والإعلانات
كيف يسلم لهم هذا والنبي أمر باتقاء النساء وهذا الأمر يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط.
[*] وبعد كلام رب العالمين ورسوله الأمين فهذه طائفة من أقوال أهل العلم الطيبين عن الاختلاط.
[*] قال الشافعي رحمه الله كما في الأم :
ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال وإن كان ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها وهي خلفه ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب.
يا الله : هم في القبر أموات غير أحياء لا يشعر أحدهما بالآخر ولكن لا اختلاط ولا تلامس بينهما حاجز من تراب فما بال طلبة الجامعات يلصق فخذه بفخذ صديقته وهم أحياء تجري في عروقهم الشهوة ويطلب كل واحد منهما الآخر.
[*] قال ابن القيم كما في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
إن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بالحبر ونحوه. فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء و أصاب وهذا من ادني عقوبتهن المالية وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق.
[*] قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالي في الفتاوى 15/297
(1/406)
لأن المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة وترك التبرج فيجب في حقها الاستئثار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل ولأن ظهور النساء سبب الفتنة والرجال قوامون عليهن.
[*] قال العلامة أحمد شاكر ( رحمه الله)
في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمه رضي الله عنها قالت:
" يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث؟ فانزل الله عز وجل :
{ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } ".
فقال أحمد شاكر رحمة الله عليه تعليقاً على هذا الحديث :
وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين في عصرنا الذين يحرصون علي أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين فيخرجون المرأة من خدرها وعن صونها وسترها الذي أمر الله به فيدخلونها في نظام الجند عارية الأذراع والأفخاذ بارزة المقدمة والمؤخرة متهتكة فاجرة يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية تشبها بفجور اليهود والإفرنج عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
[*]قال الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات:
إن أعداء الإسلام بل أعداء الإنسانية اليوم من الكفار والمنافقين الذين في قلوبهم مرض غاظهم ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزه وصيانة في الإسلام لان أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يريدون أن تكون المرأة أداة تدمير وشبك يصطادون بها ضعاف الإيمان وأصحاب الغرائز الجانحة بعد أن يُشبعوا منها شهواتهم المسعورة كما قال تعالي:
{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً } (النساء 28 )
(1/407)
والذين في قلوبهم مرض من المسلمين يريدون من المرأة أن تكون سلعة رخيصة في معرض أصحاب الشهوات والنزعات الشيطانية سلعة مكشوفة أمام أعينهم يتمتعون بجمال منظرها أو يتوصلون منها إلى ما هو أقبح من ذلك.
ولذلك حرصوا على أن تخرج من بيتها لتشارك الرجال في أعمالهم جنبا إلى جنب أو لتخدم الرجال ممرضة في المستشفي أو مضيفة في طائرة أو مدرسة في فصول الدراسة المختلطة أو ممثلة في المسرح أو مغنية، أو مذيعة في وسائل الإعلام المختلفة سافرة فاتنة بصوتها وصورتها.
واتخذت المجلات الخليعة من صور الفتيات الفاتنات العاريات وسيلة لترويج مجلاتهم وتسويقها.
واتخذ بعض التجار وبعض المصانع من هذه الصور أيضا وسيلة لترويج بضائعهم حيث وضعوا هذه الصور في معروضاتهم ومنتجاتهم.
وبسبب هذه الإجراءات تخلت المرأة عن وظيفتها الحقيقة في البيت مما اضطر أزواجهن إلى جلب الخادمات الأجنبيات لتربية أولادهم وتنظيم شؤون بيوتهم مما سبب كثيرا من الفتن وجلب عظيما من الشرور .
[*] ويقول الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم في عوده الحجاب:
إن الذين يتهاونون في الاختلاط الآثم بين النساء والرجال بدعوى أنهم ربو على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار موقدة ثم ادعوا أن الانفجار لا يكون لان على البارود تحذيرا من الاشتغال والاحتراق إن هذا خيال بعيد عن الواقع ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثها. إن الذين ابتدعوا الاختلاط يعانون الآن من آثاره الوخيمة مما دعاهم إلى الدعوة لعدم الاختلاط.
تحريم الأسباب المفضية إلى الاختلاط ومنها :
(1) تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، ، ومنها: خلوة السائق، والخادم، والطبيب وغيرهم بالمرأة، وقد تنتقل من خلوة إلى أخرى، فيخلو بها الخادم في البيت، والسائق في السيارة، والطبيب في العيادة، وهكذا!! .
(1/408)
من المعلوم شرعاً أنه لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : ارجع فحج مع امرأتك )
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" ، وهذا يدل على أن تحريمه مؤكد.
فقوله - صلى الله عليه وسلم - " إلا كان ثالثهما الشيطان " يشمل أتقى الناس ، وأفجر الناس ، والشريعة لا تستثني من مثل هذه النصوص أحداً .
فلا يحل للمرأة أن تخلو برجل أجنبي عنها سواء في بيت أو سيارة أو غير ذلك .
[*] قال شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية (291) :
" وتحرم الخلوة بغير محرم ، ولو بحيوان يشتهي المرأة ، أو تشتهيه ، كالقرد " (1) !
فإذا كان أهل العلم ينهون عن خلوة المرأة بحيوان يشتهيها، فكيف بخلوتها بالخادم والسائق؟!
وقد صرح الإمام القرطبي في تفسير سورة الممتحنة أن الخلوة بغير محرم من الكبائر ومن أفعال الجاهلية (2) .
(2) تحريم سفر المرأة بلا محرم :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )
__________
(1) ينظر كتاب أحكام النساء لابن الجوزي (33)
(2) انظر كتاب تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين (ص 227) للإمام ابن النحاس رحمه الله .
(1/409)
)3) تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء -وهم أقارب الزوج- فكيف بالجلسات العائلية المختلطة، مع ما هن عليه من الزينة، وإبراز المفاتن، والخضوع بالقول، والضحك .. ؟!!
عن علي (رضي الله عنه) قال: " بلغني أن نسائكم يزاحمن العلوج في الأسواق، ألا تستحون؟ ألا تغارون ؟ يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال ". المغني
وإذا كان الحمو هو الموت كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي :
(حديث عقبة بن عامر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم و الدخول على النساء قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
( إياكم والدخول على النساء ) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول النساء ،وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم ، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان : اسجد لي تنج فسجد له ، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده
(قالوا : يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال : الحمو الموت) والحمو أخو الزوج وقريبه ، الحمو الموت : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو
(1/410)
محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية.
{ تنبيه } :فإذا كان هذا مع أخ الزوج ، فما بالنا بمن يتركون الرجال الأجانب يدخلون على نساءهم ومحارمهم دون أن يحرك ذلك ساكناً فيهم من شعور بالغيرة على أعراضهم ومحارمهم ، مدعين بذلك العفة لدى الجنسين ، وأقول : والله إنه ضعف في الدين ، وقلة حيلة لدى أولئك المساكين .
{ تنبيه } : إنَّ دعاة الإباحية، لهم بدايات تبدو خفيفة، وهي تحمل مكايد عظيمة، منها في وضع لبنة الاختلاط، يبدؤون بها من رياض الأطفال، وفي برامج الإعلام، وركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم طاقات -وليس باقات- الزهور من الجنسين في الاحتفالات .
وهكذا .. من دواعي كسر حاجز النفرة من الاختلاط، بمثل هذه البدايات، التي يستسهلها كثير من الناس .
فليتق الله أهلُ الإسلام في مواليهم، وليحسبوا خطوات السير في حياتهم، وليحفظوا ما استرعاهم الله عليه من رعاياهم، والحذر الحذر من التفريط والاستجابة لفتنة الاستدراج إلى مدارج الضلالة، وكل امرئٍ حسيب نفسه .
[*][*][*][*]
(ثامناً) لا تُكلَّم النساء إلا بإذن أزواجهن :
(حديث عمرو بن العاص في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير: ...
...
(
(1/411)
نهى أن تكلم النساء إلا بإذن أزواجهن ) لأنه مظنة الوقوع في الفاحشة بتسويل الشيطان ومفهومه الجواز بإذنه وحمله الولي العراقي على ما إذا انتفت مع ذلك الخلوة المحرمة والكلام في رجال غير محارم .
[*][*][*][*]
(تاسعاً) النهي عن مصافحة النساء :
(حديث معقل ابن يسار في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له .
*معنى مخيط : هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة
من حديد : خصَّه لأنه أصلب من غيره وأشد في الطعن وأقوى في الإيلام
(حديث أميمة بنت رقيقة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني لا أصافح النساء .
[*] قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/448) :
" وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء،لأن ذلك مما يشمله المس بلا شك ، وقد بلى بها كثير من المسلمين في هذا العصر " .
وكان رسول الله ? لا يصافح النساء .
في صحيح البخاري (4609 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة " .
[*][*][*][*]
(عاشراً) نهى المرأة عن الخروج من منزلها متعطرة :
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
)أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال .
(حديث أبي موسى في صحيح النسائي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية و كل عين زانية .
) [*] قال المناوي رحمه الله :
(
(1/412)
فهي زانية كما في فيض القدير معللاً لماذا وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها زانية لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر اليها فكل من ينظر إليها فقد زني بعينية ويحصل لها إثم ذلك لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه. أ هـ
( وكل عين زانية ) أي كل عين نظرت إلى محرم من امرأة أو رجل فقد حصل لها حظها من الزنا إذ هو حظها منه وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن اللّه إذا حرم شيئاً زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي اللّه عنه ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد .
ومن الأخطاء كذلك:
خروج المرأة من بيتها - غير متعطرة- ولكنها تحمل طفلها الذي عطرته وهذا لا يجوز
لأن كله لفت أنظار الرجال إليها بسبب الرائحة مازالت موجودة فبقي حكم التخريج ولا شك أن هذا من التحايل المذموم على أوامر الشرع الحنيف .
وقد وجه سؤال للجنة الدائمة للإفتاء:
هناك حديث يمنع النساء من استعمال الطيب والروائح المعطرة وخاصة عن الذهاب إلى المسجد فهل يجوز التطيب لتخفيف رائحة جسدها التي لا يزيلها الصابون؟
الجواب: الأصل أنه لا يجوز للمرأة التطيب بماله رائحة عطرة إذا أرادات الخروج من بيتها سواء كان خروجها إلى المسجد أم إلى غيره لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - " أيما امرأة أستعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية" رواه أحمد والنسائي والحاكم من حديث أبي موسي رضي الله عنه. وليس هناك رائحة في الجسد لا يزيلها الصابون فيما نعلم حتى تحتاج بعد اغتسالها إلى استعمال الطيب وليست المرأة أيضاً مطالبة بالذهاب إلى المسجد بل صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد
[*][*][*][*]
(الحادي عشر) نهي المرأة عن الخضوع في القول في مخاطبة الرجال الأجانب:
(1/413)
قال تعالى :(فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مّعْرُوفاً)
[ الأحزاب / 32]
إلى غير ذلك من الآداب والحدود التي ورد الأمر بمراعاتها. ، ولنتعاهد أنفسنا وأهلينا به، ففيه الخير والصلاح، والبعد عن طرق الشيطان وغوايته. ولنحذر ممن حذرنا الله تعالى منهم فقال: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:27، 28].
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه .
المكافأة في الآخرة لمن صان نفسه عن الحرام في الدنيا
الذين صانوا أنفسهم عن الحرام رغم كثرة المغريات والصور والأفلام والتبرج الحادث في الشوارع والأسواق والطرقات وهذه الاتصالات وتطور وسائل الاتصالات، وما فيها من الجاذبية والإغراءات، ورغم ما في هذه المجلات والشاشات، ورغم ما في هذه السبل الكثيرة للحرام الموجودة، هؤلاء الذين صانوا أنفسهم عن الحرام، خشيةً من الملك العلاّم ،?فلا بد أن يكون لهم مكافأة.
وعد الله الصالحين بالزوجات الجميلات، كما وعد الصالحات بأنه ليس منهن امرأة عازبة، ولا رجل أعزب، كلهم في الجنة كلهم ذوو أزواج، من النساء ومن الرجال، قال تعالى:( كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ ) [ سورة الدخان/54 ?
والحور: جمع حوراء، وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة، نقية اللون والجلد لبياضها، شديدة بيضاء العين وسواد سوادها، شديدة بياض البياض، وشديدة سواد السواد، وقد شبههن تعالى بأنهن كأمثال اللؤلؤ المكنون، فقال تعالى :( وَحُورٌ عِينٌ ) [ سورة الواقعة/22]
قال تعالى : ( كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) [سورة الواقعة/23] ، واللؤلؤ المكنون هو المصون الذي لم يخرج من صدفه، وهو في غاية الحسن والجمال والبهاء، واسمع لهذا الحديث الشريف :
(
(1/414)
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) وحسبك شهادة لجمالهن الباهر، وأنه بلغ الغاية في الحسن والمنتهى في الجمال أن الله شهد بهذا فقال: ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ) [ سورة الرحمن/70] ، فيهن خيرات في الخلقة والأخلاق، جمعن بين جمال الظاهر وجمال الباطن.
{ تنبيه } :أما نساء الدنيا الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، نساء
أهل الدنيا من الصائمات القانتات، الذاكرات لله كثيراً فهن أفضل من الحور العين جمالاً وجلالاً وقدراً وأخلاقاً، ومن كانت منهن ليست ذات زوجٍ في الدنيا فإنها تزوج يوم القيامة في الجنة إذا دخلت الجنة، فقد تزوج بمن لم يتزوج ومات وهو من أهل الجنة، أو بغير ذلك مما يريده الله تعالى.
{ صفات الحور العين الخَلْقية }
أولاً: بياض البشرة وصفاؤها : كما قال تعالى (َعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ) [ سورة الصافات 48،49 ]
قال السدي: "بياض البيض حين ينزع قشره إذا نزعت القشرة كيف ترى هذه البيضة في صفائها ولينها ونعومتها وطراوتها؟ هي أعظم من ذلك، لكن يريد أن يقرب لك الصورة كي تحس أن هذا النعيم حقيقي، وليس نعيماً وهمياً، لا، (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) [ سورة الصافات 49 ] ، واختاره ابن جرير لقوله: "مكنون" قال: "والقشرة العليا يمسها جناح الطائر، والعش وتنالها الأيدي بخلاف داخلها ( تفسير ابن كثير)
وقيل: "إنه بيض النعام المكنون في الرمل، وهو عند العرب أحسن ألوان البياض وقيل: "اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفته" هذا البيض المكنون، وقيل غير ذلك.
(1/415)
وقال الله تعالى أيضاً في وصفهن:(كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) [سورة الرحمن/58 ] ، قال مجاهد والحسن والسدي وابن زيد: "في صفاء الياقوت، وبياض المرجان، فالحور العين، بشرتهن بيضاء صافية كالمرآة يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ، ويستدل لذلك بالحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
قال في أهل الجنة:(ولكل واحدٍ منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن)
وقوله:(مخ سوقهما من وراء اللحم) المخ : ما في داخل العظم، والمراد وصفها بالصفاء البالغ، وأن ما في داخل العظم لا يستتر باللحم والعظم والجلد، من رقتها ونعومتها وصفائها ما في داخل العظم لا يستتر بالجلد. وهذا في الداخل في غاية الجمال، فيراه من خارج،
وقد فسر بعض المفسرين معنى الحور العين بالبياض وصفاء اللون، قال ابن عباس:"الحور في كلام العرب البيض" وكذا قال قتادة: "الحور البيض" وقال مقاتل: "الحور بيض الوجوه" وقال مجاهد: "الحور العين التي يحار فيهن الطرف بادياً مخ سوقهن من وراء ثيابهن من رقة الجلد.
ثانياً : جمال العيون واتساعها:
(1/416)
قال تعالى:(وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) [ سورة الصافات /48] ، جمع عيناء وهي الواسعة العين، وجمعت أعينهن مع السعة صفات الحسن والملاحة، قال ابن القيم عند شرحه لمعنى الحور العين: "والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين، وهو شدة بياضها مع قوة سوادها، فهو يتضمن الأمرين، والحور في العين معنىً يلتئم من حسن البياض والسواد، وتناسبهما" - هذا البؤبؤ شديد السواد في هذه العين شديدة البياض واكتساب كل واحدٍ منهما الحسن من الآخر، هذا شدة السواد يكتسب حسن من شدة البياض، وشدة البياض يكتسب حسن من شدة السواد، هذا الحسن المركب بعضه من بعض هو بذاته جميل جداً، وإذا اجتمع مع غيره أجمل وأجمل - قال: "وعين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد، والعين جمع عيناء وهي عظيمة العين من النساء، ورجل أعين إذا كان ضخم العين، وامرأة عيناء والجمع عين، والصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة، قال مقاتل: العين حسان الأعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طول، طول شق العين، وضيق العين في المرأة من العيوب.
ثالثاً في صفات الحور العين أنهن مطهرات من الأنجاس والأقذار:
قال تعالى:( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [ سورة البقرة/25]
قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس: "مطهرة من القذر والأذى، فلا يحضن، ولا يحدثن، ولا يتنخمن"
قال مجاهد: "لا يَبُلْنَ ولا يتغوّطنَ ولا يحضْنَ ولا يلدن ولا يُمْنِين ولا يبزُقنَ"
وقال قتادة: "طهرهن الله من كل بولٍ وغائطٍ وقذرٍ ومن كل مأثم"
رابعاً: أتراب في السن:
قال تعالى :( وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) [ سورة ص/52] ، وقال سبحانه:( إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا)
[الواقعة/ 35-37]
(1/417)
قال ابن عباس وسائر المفسرين: "مستويات على سنٍ واحد، وميلادٍ واحد، بنات ثلاث وثلاثين سنة" وقال مجاهد: "أتراب: أمثال" قال إسحاق: "هن في غاية الشباب والحسن .
وقال أبو عبيدة وأبو إسحاق: "أقران، أسنانهن واحدة
والمعنى من الإخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز، قد فات حسنهن، ولا ولائد لا يطقن الوطأة
خامساً : أبكار
قال تعالى: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) [سورة الواقعة /35 -36 ]، وقال تعالى :( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ )[ سورة الرحمن/56]
قال المفسرون: "لم يطأهن ولم يمسهن ولم يجامعهن أحد" وقال أبو الهيثم: "يقال للمرأة طمثت إذا أدميت بالافتضاض
والبكر أفضل من الثيب، وعندما يطأ الرجل حوريته في الجنة ترجع بكراً مرةً ثانية، هذا من أعجب العجب،
سادساً: كواعب
قال تعالى :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ) [سورة النبأ/ 31-33 ]
الكواعب: جمع كاعب، وهي المرأة التي تكعب ثديها، وأصل اللفظة من الاستدارة، والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان، ليست متدلية إلى أسفل، ويسمين
نواهد وكواعب، هذا بالنسبة للخلقة،
{ صفات الحور العين الخُلُقية }
أولاً: قاصرات الطرف:
وصفهن الله تعالى بقصر الطرف في ثلاثة مواضع،
قال تعالى:( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) [سورة الرحمن /56] ، وقال تعالى :( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ) [سورة الصافات /48] وقال تعالى :( وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) [سورة ص/52 ] والمفسرون كلهم على أن المعنى: قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم، ولا يردن غيرهم، فلا يرين شيئاً أحسن في الجنة من أزواجهن ، قاله ابن عباس وقتادة وعطاء الخرساني وابن زيد.
(1/418)
وأنت تعلم يا أيها الرجل أن من أعظم النعيم في الحياة الزوجية أن المرأة لا ترى رجلاً أحسن من زوجها، وأن تكون مقتنعة به تمام الاقتناع ، هذا متحقق تماماً في الجنة إلى أقصى درجة، وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: "والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك، ولا في الجنة شيء أحب إليّ منك، فالحمد لله الذي جعلك لي، وجعلني لك" وقيل: قصرن طرف أزواجهن كلهن فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن ، فهي قصرت طرف زوجها عليها من شدة جمالها.
ثانياً: أنهن عرباً:
قال تعالى : (عُرُبًا أَتْرَابًا ) [سورة الواقعة /37 ] ، والعروب هي المرأة المتحببة إلى بعلها بحسن لفظها، وحسن هيأتها ودلالها وجمالها ومحبتها، فهي إن تكلمت سلبت العقول، وود السامع أن كلامها لا ينقضي ، خصوصاً عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة، والنغمات المطربة، وإن نظر إلى أدبها وصمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحاً وسروراً، وإن برزت من محلٍ إلى آخر امتلأ ذلك الموضع منها ريحاً طيباً ونوراً، ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع
قال صاحب تاج العروس: "العربة: هي الغُنِجة، والغنج في الجارية تكسرٌ وتدللٌ وقال في أبجد العلوم: "هي الأصوات التي تصدر عن العذارى والنساء الجميلات المهيجة للشوق، وهذا الغنج إن وقع أثناء المباشرة وحال المخالطة والتقبيل وغير ذلك كان محركاً أقوى لقوة الوقاع " إذاً الآن هو لو قال: الآن في نساء يتصلن بالهاتف ، ونساء وصوت الواحدة يسبي العقل ، وهذا خضوع بالقول، وهذا يفسد القلب، وهذا يجعل الإنسان كالأسير فنقول: اصبر، اصبر عنه، فإنك ستسمع ما هو ألذ من هذا بكثير، وإنما الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، وبعد ذلك فإنما في الجنة سينسي كل ما في الدنيا من الصبر عن المحرمات وعلى الطاعات.
ثالثاً: طاهرة من جميع الأخلاق السيئة:
(1/419)
قال تعالى: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [سورة البقرة/25 ] مطهرات من الأنجاس والأقذار هذه طهارة حسية، لكن أيضاً مطهرات من الأخلاق السيئة.
قال ابن القيم - رحمه الله - : "وكذلك طهر باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ" حتى الثياب.
[*] ما جاء في التمتع بالحور العين
ثم ماذا جاء من التمتع بالحور العين، لا شك أنه يكون بالحواس المختلفة، في البصر لا يقع على أجمل منها، ولا يطمح إلى غيرها من جمالها، والكلام يلتذ بسماعه والغناء، وهذا الغناء من أعظم النعيم من الحور العين، قال تعالى: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) [سورة الزخرف /70]، هذا الدليل على أن الجنة فيها غناء، وأنهن يسمعن غناء الحور العين لأن قوله:( تُحْبَرُونَ) الحبر: اللذة والسماع ، قال مجاهد وقتادة: ينعمون لذة الأذن بالسماع هذا الحبور، وهذا النعيم، حبرة ، وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن العين في الجنان يغنين بأصواتٍ جميلة عذبة، كما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصواتٍ ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قومٍ كرام، ينظرن بقُرّة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يضعنه).
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ويا لذة الأسماع حين تكلمِ
أما الشم:
فأطيب ريحٍ يشم منهن، ( لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)
(1/420)
أما الملامسة فبجميع معانيها:
قال تعالى: ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) [سورة يس /55]
ما هو الشغل؟ ما معنى فاكهون؟ ( هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ ) [ سورة يس /56] ، قال ابن عباس وغيره: "شغلهم افتضاض الأبكار
ويعطى الرجل في الجنة قوة مائة،
( حديث أَنَسٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
َ: "يُعْطَى المُؤمِنُ في الْجَنّةِ قُوّةَ كَذَا وكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ، قيِلَ يَا رَسُولَ الله أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُعْطَى قُوّةَ مِائَةٍ".
هذه الحوراء إذا كانت لزوجٍ صالحٍ له زوجة في الدنيا تؤذيه فإنها تغار عليه من المؤذية هذه وتقول : تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا.
(حديث مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"لاَ تُؤْذِي امْرَأةٌ زَوْجَهَا فِي الدّنْيَا. إِلاّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا".
وحديثها السحر الحلال إن طال لم يمل:
وود المتحدث أنها لا توجز، وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المآنسة والإمتاع:
فيا خاطب الحسناء إن كنت باغياً ... فهذا زمان المهر فهو المقدمُ
وكن مبغضاً للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعمُ
وصم يومك الأدنى لعلّك في غدٍ ... تفوز بعيد الفطر والناس صومُ
[*][*][*][*]
(
(1/421)
3) من حق الرجل على المرأة أن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما فالمرأة في بيت زوجها أمينة على ماله، وراعية وحافظة لكل ما يودعه في البيت من متاع أو مال أو غير ذلك، ولا يجوز لها التصرف في ذلك إلا بإذنه، فالمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها بدلالة الحديث الآتي :
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كلكم راع مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
زوجة مقتصدة غير مسرفة، لا تتباهى بمال زوجها إن كان غنيًا، ولا تشكو من قلته إن كان فقيرًا، لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها وتعرف متى تنفق، كريمة غير بخيلة، مدبرة غير مسرفة، راضية بقسمة الله لها في كل شيء، قنوعة بما رزقها الله تعالى.
(لحديث أبي أمامة الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ولا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها فقيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا ثم قال العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم* الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - ولا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها
(حديث هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره).
[*] قال النووي رحمه الله :
(1/422)
"قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ((وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإنّ نصف أجره له)) فمعناه: من غير أمره الصّريح في ذلك القدر المعيّن, ويكون معها إذن عامٌّ سابقٌ متناولٌ لهذا القدر وغيره, وذلك الإذن الّذي قد أوّلناه سابقًا إمّا بالصّريح وإمّا بالعرف, ولا بدّ من هذا التّأويل, لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل الأجر مناصفة, وفي رواية أبي داود: ((فلها نصف أجره)), ومعلوم أنّها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها, بل عليها وزر, فتعيّن تأويله. واعلم أنّ هذا كلّه مفروض في قدرٍ يسيرٍ يعلم رضا المالك به في العادة, فإن زاد على المتعارف لم يجز , وهذا معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة)) فأشار صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أنّه قدر يعلم رضا الزّوج به في العادة, ونبّه بالطّعام أيضًا على ذلك; لأنّه يسمح به في العادة بخلاف الدّراهم والدّنانير في حقّ أكثر النّاس, وفي كثير من الأحوال".
[*] والزوجة الصالحة تكون مدبرة في غير بخل، منفقة في غير إسراف، قنوعة وراضية برزق الله تعالى لها ولزوجها ولأسرتها، وهذا ناشئ عندها من عدة منطلقات:
أولها: ذم الله المسرفين، كما في قوله تعالى: { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } [الإسراء: 27].
ثانيها: مدح الله وثناؤه للمقتصدين، كما في قوله: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [الفرقان:67].
ثالثها: معرفتها بآثار السرف الذميمة، كالغفلة عن الله والدار الآخرة، والتكبر، وطول الأمل، وحب الدنيا، والعجب، والغرور.
رابعها: زهدها في الدنيا، ونفسها القنوعة التي لا تحملها على البذخ والسرف.
(1/423)
لذلك فإن هذه الأسباب تحملها على ألا تتباهى بمال زوجها إن كان غنيًا، أو أن تسرف في الإنفاق لاسيما أمام الناس، وأمام النساء خاصة، فهي تعلم أن المال عارية زائلة، وقد جعلها الله تعالى خليفة عليه ومسئولة عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟"، فضلاً عن علمها أنها عمَّا قريب راحلة عن هذه الدنيا الزائلة، مُخلفة وراءها المال والمتاع.
كذلك قناعتها تحملها على ألا تشكو زوجها إن كان فقيرًا، ولا أعني بهذه القناعة البخل وقبض اليد عن الإنفاق، بل أعني الاقتصاد والتدبير والإنفاق في غير سرف ولا مخيلة.
ومن مظاهر قناعة الزوجة الصالحة، ورضاها بما قسمه الله تعالى لها ولزوجها من الرزق أنها تُقدر طاقته المالية (وتقتصد في ماله، فلا تهدره بطرًا وبغير حق،
ولا ترهقه بطلباتها غير الضرورية من متاع الدنيا خصوصًا إذا فاقت إمكاناته، فذلك يزعجه ويؤلمه؛ لأنه لا يستطيع تحقيق هذه المطالب، ويعز عليه أن يظهر أمام زوجته بمظهر العاجز الذي لا يملك تنفيذ ما تطلب.
وعليها أن تصحب زوجها بالقناعة، فلا تتطلع إلى ما عند الغير، ولا تحاكي أترابها من نساء الأقارب والجيران والمعارف في اقتناء الكماليات، بل عليها أن توجه مال الله للبذل في سبيل الله عز وجل ليكون لهما رصيدًا يوم القيامة)(1).
ألا فلتتق الله تعالى النساء في أزواجهن، ولا ترهقهم من أمرهم عسرًا، ويعشن مع أزواجهن بالقناعة والرضا، فإن القناعة سبب السعادة.
[*] قال بعض الصالحين: يا ابن آدم إذا سلكت سبيل القناعة، فأقل شيء يكفيك، وإلا فإن الدنيا وما فيها لا تكفيك.
__________
(1) عودة الحجاب (2/491).
(1/424)
إن الزوجة العاقلة هي التي تنظر إلى من هي أقل منها عيشًا، وأضيق رزقًا، فيحملها ذلك على شكر الله تعالى، والرضا بما قسمه لها، والقناعة بكل شيء انطلاقًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم" .
[*][*][*][*]
(4) ومن حق الرجل على المرأة أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه :
ومن حق الرجل على المرأة أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه حتى تصل إلى النتيجة المرجوة [ تسرك إذا أبصرت ]
[*] والاهتمام بالزينة جبلة وطبيعة عند المرأة قال تعالى : (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف/ 18].
وأحقُ من تتزين له المرأة زوجها فإن هذا من حسن تبعُلها له لتعِفُه عن الحرام ، ولتصل إلى الغاية المنشودة في قوله - صلى الله عليه وسلم - (إن نظر إليها سرّته). كما في الحديث الآتي :
( حديث عبد الله بن سلام الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير النساء من تسرك إذا أبصرت و تطيعك إذا أمرت و تحفظ غيبتك في نفسها و مالك .
فعلى المرأة الصالحة أن تهتم بزينتها ورائحتها ونظافاتها وطهارتها ، فالزوجة تعلم أن للزينة في قلب زوجها أثرًا عظيمًا يحببها إليه أكثر وأكثر، لذا يجب عليها أن تكون حريصة على ذلك حرصًا شديدًا، في ملابسها، في رائحتها، في نظافتها، وهي تعرف أيضًا أن للزينة دورًا فعالاً في إعفاف زوجها وقناعته بها والرغبة فيها، وكذلك في دوام العشرة معها بالمعروف، ومتانة سياج المودة والمحبة والألفة.
ولعل من أهم أسباب نفرة الرجل من زوجته، وحدوث مشاكل بينهما، ما يقع منها من إهمال زينتها أمامه، وهو صاحب الحق بالزينة، بل قد تمر بالواحدة الأيام والليالي لم تَبدُ خلالها بمظهر حسن لبعلها
(1/425)
وهذا لا شك ظلم من الزوجة لزوجها، وتقصير في حقه، مضر لسعادتها معه، يحمل الزوج على الانصراف عنها والزهادة فيها، لينظر إلى غيرها من النساء فيقع في الإثم، أو ليتطلع بالزواج بأخرى تروي عاطفته، وتُشبع غريزته، وتملأ عينه.
وقد تزوج أحدهم بامرأة أخرى لهذا السبب، فما كان من الأولى إلا أن تزينت وتجملت، فلما دخل الزوج عليها ظنَّها امرأة أجنبية من عظم الفوارق بين حالتيها، ودهش حينما رآها بهذا التألق الذي ظنَّ أنها تفتقده، وأخبرها أنه ما كان ليتزوج لو كانت معه على تلك الحال قبل ذلك، ولكن على نفسها جنت براقش .
[*] قال أبو الفرج في كتابه النساء ما معناه:
عن المرأة تحظى عند زوجها بعد تمام خَلْقها وكمال حسنها، بأن تكون مواظبة على الزينة والنظافة، عاملة بما يزيد في حسنها من أنواع الحلي واختلاف الملبس، ووجوه التزين بما يوافق الرجل، ويستحسنه منها في ذلك، ولتحذر كل الحذر أن يقع بصر الرجل على شيء يكرهه من وسخ، أو رائحة مستكرهة، أو تغير مستنكر.
{ تنبيه } إن التزين للتزوج والتجمل له، واجبٌ على المرأة، وحقٌ له، لا يسقط وإن مضى الشطر الأعظم من الحياة، وكم من رجل تزوج وهو في الخمسين ويزيد بسبب إهمال زوجته لمظهرها وهيئتها ورائحتها وزينتها.
ولعل من صور نظافة المرأة: نظافة البدن والبشرة، والعناية بنظافة الأسنان ورائحة الفم، وبتنقية العين وتكحيلها، وبتقليم الأظافر وتسويتها، وكذلك نتف الإبط وشعر العانة.
فهيَّا يا نساء المسلمين تجملن لأزواجكن، وتطيبن، واعلمن أن ذلك خير رائد لقلب الزوج، ومن أفضل الطرق السهلة لطلب رضاه، بل لحل المشاكل بينكما.
[*] وعجبًا لبعض الزوجات اللائي لا يهتممن بأنفسهن وقت الحيض، فلا تتنظف الزوجة لزوجها أثناء الحيض، ولا تتزين عنده، وتظن أن الحيض معناه خصام وانفصال بين الزوجين.
أين زينة المرأة في وجهها وشعرها وثوبها ورائحتها؟!
وهل هناك تعارض بين ذلك وبين الحيض؟!
(1/426)
لا، بل كان يجب عليها أن تضاعف الاهتمام بزوجها وبجمالها وزينتها ورائحتها لتعوض الزوج حاجته.
أين أناقة الحائض، وطيب ريحها، وحسن مظهرها يا إماء الله!
[*] ونجد مع الأسف كثيراً من النساء لا تعرف الزينة والتجمل إلاّ عند الخروج من المنزل والزيارات والسهرات، والزوج نصيبه ملابس تخرج منها رائحة الطبخ ، وهذا تقصير تُلام عليه المرأة ، بل عليها أن تقترب من قلب زوجها بالألوان التي يحب والرائحة التي يرغب ، فهو أحق من تتزين له ، فإن بعض النساء تحب التزين أمام النساء ، نقول بتوفيق الله أن هذا قد لا يكون فيه غَضاضة إن كُنَّ نساء صالحات لا تصف المرأة ولكن زوجك هو أحق من تتزينين له ،
[*] ثم أن أي زينة تريدينها راعي فيها الضوابط التالية:
* ألا تكون منهياً عنها في شرعنا وذلك كالنمص والتفلج للسن والوشم والوصل للشعر وغيرها.
* ألا يكون فيها تشبه بالكفار.
* ألا يكون فيها تشبه بالرجال.
* ألا يكون فيها ضرر على الجسم.
* ألا يترتب عليها محظور شرعي : فإذا كان سيترتب على هذه الزينة محظور شرعي فإنها حينئذ لا تجوز.
وهذا كما لو كانت تمنع وصول الماء إلى الجسم فتمنع الطهارة وكما لو كان فيها إضاعة للوقت ، أو كان فيها إسراف وتبذير وهدر للمال وكما لو كان يؤدي استعمالها إلى الغرور والتكبر وغمط الآخرين ، وكما لو أدى استعمالها إلى تضييع شيء من أوامر الله أو التهاون فيه كأن تؤجل صلاة العشاء إلى نهاية وقتها بحجة أنها لا تريد الوضوء فيزيل ما عليها من ماكياج.
وكما لو كان اللباس شهرة فإنه حينئذ يحرم بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن عمر في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس ثوبَ شُهْرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مَذَلةٍ ثم يُلْهِبُ فيه النار .
(من لبس ثوب شهرة ) الشهرة ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به
(
(1/427)
ألبسه اللّه يوم القيامة ثوب مذلة) ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل الثوب البدن في ذلك الجمع الأعظم بأن يصغره في العيون ويحقره في القلوب لأنه لبس شهوة الدنيا ليفتخر بها على غيره .
( ثم يلهب فيه النار ) عقوبة له بنقيض فعله والجزاء من جنس العمل فأذله اللّه كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
وإليك أختي المسلمة هذه النصائح الذهبية حتى تكوني أنيقة الملبس :
[*] حتى تكوني أنيقة الملبس ..!!
كثيرات من بنات حواء يحرصن على كيفية وضع الماكياج بكل دقة .. ويبحثن عما يتناسب مع لون بشرتهن ونوعيتها .كذلك بالنسبة لتسريحات الشعر .. وقد تتناسى الواحدة منا طريقة لبسها ومدى تناسق ألوانه ومقاساته .. فقد يكون هناك خلل في طريقة ملبسها يقلل من أناقتها .. !!
فحتى تكتل أناقة ملبسك تجنبي الآتي :
1- ثيابك لا تطابق مقاسك :
إن ارتداء الملابس الواسعة قد يجعلك تبدين أكثر امتلاء ، كما أن الملابس الضيقة أكثر من اللازم قد تظهر مناطق أو بروزات قبيحة .
2- ثياب مجعدة :
لن تظهر أناقة ملبسك إلا إذا كانت خالية من التجاعيد ، تجنبي هذا الخطأ أو اشتري ثياباً مصنوعة من أقمشة لا تتجعد أو اجعلي المكواة في متناول يدك دائماً .
3- التشتت في اتباع الموضة :
لا تحاولي أن تتبعي جميع الموضات في يوم واحد ، فمن الأرجح أن مظهرك سيبدو غير لائق في النهاية .
4- لا تمزجي فصلين في زي واحد :
سوف تتعارض كل قطع الثياب مع بعضها ، التزمي بزي يعبر عن فصل واحد من فصول السنة .
5- ظهور خطوط الملابس الداخلية :
اختاري ملابس داخلية تطابق مقاسك ، أما إذا كانت تناسبك ومع ذلك تظهر خطوط فذلك يعني أن ثيابك أضيق من اللازم .
6- لا تجعلي اللون الأبيض طاغياً على مظهرك :
(1/428)
إن اللون يضيف إليك وزناً ويجعلك تبدين أكثر حجماَ مما أنت علية لذا قللي من هذا اللون ، ولا تفكرين أن ترتدي ملابس بيضاء واسعة أو جوارب بيضاء داخلية إلا إذا كنت ترغبين بأن تبدي أكثر امتلاء .
7- ارتداء تنورة أو فستان أقصر من اللازم :
كوني مسترخية وتأكدي أن باستطاعتك الجلوس دون أن تشعري بالقلق أو الحرج من المناطق التي سوف تظهر فيها .
8- ارتداء الكثير من الألوان في الوقت ذاته :
سيجعلك ذلك تبدين مترددة .. اكتفي بلون إلى ثلاثة ألوان .
9- صور عديدة :
لا تحاولي أن تمزجي الصور مع بعضها وإلا فسوف تبدين مكتظة إذا لا تبدو صور الأقمشة المطبعة جيدة على الجميع ، وإن كنت ممن يبدين رائعات مهما ارتدين ، فاختاري صورة أو قماشا ً مطبعاً إما في القطعة العلوية أو السفلية من زيك . وليس في كليهما .
10- ارتداء الحلي غير المناسبة :
أكملي زيك بحلي تناسب مظهرك ، اختاري عقد بطول مناسب فالعقود الضيقة أو الملتفة حول العنق تظهره أكبر مما هو عليه .
11- ارتداء ثياب داكنة اللون مع أحذية فاتحة اللون ، أو العكس :
اجعلي ثيابك وأحذيتك من الدرجة اللون نفسها ، باستثناء الأبيض والأسود اللذين يتماشيان مع كل الألوان .
12- ارتداء دعامات كبيرة للكتفين :
لقد ولى زمن هذا الموضة منذ الثمانينيات ، وإن قمت بارتداء دعامات للكتفين فتأكدي من كونها رقيقة وغير ملحوظة .
وإليك أيضاً نصائح ذهبية بالنسبة للألوان التي تقربك من زوجك :
ألوان تقرّبك من زوجك..وألوان تبعده عنك!
بين الألوان نحيا، ومنها نختار ما نميل إليه فنحب لوناً، ونكره آخر دون معرفة السبب.. فنحن لا نعرف أسرار كل لون ومدى ارتباطه بشخصياتنا.. لذلك سنساعدك على معرفة ماذا تفضلين لوناً دون آخر؟ وكيف تكسبين زوجك من خلال الألوان.
(1/429)
من أجمل الطرق لحياة أسرية سعيدة أن نفهم ذواتنا، ثم من يعيش معنا لنحسن عملية التواصل معهم من خلال العديد من الطرق التي من أجملها فن الألوان وكيف يمكن أن يكون سبباً في إضفاء لمسة من السعادة علينا في حياتنا الأسرية، هذا ما قاله عوض محمد مرضاح، مدرب مهارات الحياة الأسرية في دراسته التي أعدها بهذا الخصوص، وبرأيه أن اختيار المرء للألوان فيه دلالة على وجود ميول معينة لديه، فاللون يلعب دوراً في التأثير على حالته النفسية وبمقدورنا أن نتعرف على طبيعة كل شخصية من خلال ما تفضل من ألوان.
الأحمر (لون التحكم والسيطرة):
هو لون الأشخاص الذين يتصفون بالعزم والحيوية الدافقة، فإن كنت تفضلينه فمعنى ذلك أنك قوية وشجاعة وجريئة وتحبين المغامرة والآخرين، وأنك تتمتعين بالخيال المجنح - وتميلين إلى التفاؤل.
البرتقالي (لون هدوء العقل والود):
هو لون الأشخاص الطموحين - فإن كنت تحبين اللون البرتقالي فأنت تعتزين بكرامتك لديك كفاءة وقدر كبير من الإحساس، وفي ذات الوقت غيورة والنجاح هو ما تسعين إليه، وتحبين لفت الأنظار وممارسة النفوذ على الآخرين، أما إذا كنت تكرهين هذا اللون فيعني ذلك أنك جدية في حياتك، وتحبين الأعمال العظيمة والأشخاص غير السطحيين.
الأصفر (لون التلقائية والنشاط):
كان يدل على الغيرة والحسد.. أما اليوم فإنه صار اللون المفضل للأشخاص الأذكياء وأصحاب التلقائية والنشاط، وإذا كنت تطمئنين إليه فيعني هذا أنك خجولة وبحاجة إلى مساعدة دائمة ومشاركة الآخرين، وإن كنت تنفرين منه فيعني أنك عملية وموضوعية وتحبين كل شيء تنتفعين منه.
الأخضر (لون التملك):
إن كنت تحبينه فلديك حب التملك سواء للأشياء الحسية أو المادية. عاطفية تحبين خدمة الآخرين والهدوء وتحنين على كل إنسان، كما أنك صاحبة طبيعة لطيفة، وإذا كنت لا تحبينه فهذا يعني أنك بحاجة إلى أصدقاء يكونون قريبين منك.
الأزرق (لون الأمومة والصفاء الروحي):
(1/430)
هو لون النفوس الحساسة والصادقة والقريبة إلى الله وإذا كنت تميلين إليه في ملابسك فأنت تفتشين بشكل خاص عن المباهج الفكرية، وإذا كنت تكرهينه فمعنى ذلك أنك تميلين إلى الاستقلال وأن طبيعتك غير مستقرة.
البنفسجي (لون الصعوبة):
هو لون العظمة يدل حبك له على أنك ذات شخصية صعبة غير أنك مثالية، ميالة إلى الفن والابتكار وثقتك بنفسك قوية - وإذا كنت تكرهين هذا اللون يعني أنك بحاجة إلى إعادة التركيز حتى تجدي ذاتك.
البني (لون القوة):
نساء هذا اللون ذوات شخصيات حازمة وقوية فهن يعتنين بمظهرهن وعندهن أذواق خاصة بهن، كما أن إحساسهن بضرورة التغير قوية.
الأبيض ( لون العمق)
هو لون صاحبات الفكر الواضح، المنتبهات لكل شاردة وواردة، ومحبات هذا اللون لديهن رغبة عميقة في أن يستحوذن على الإعجاب، وهن حريصات على النظافة والكارهات له يكرهن السذاجة والمظاهر البراقة.
الأسود (لون الإرادة):
يرمز للتقاليد ويدل على احترام النفس ومحبات هذا اللون إرادتهن قوية، ويعرفن كيفية فهم الآخرين، لكنهن غامضات ويردن أن يحترم غيرهم حياتهن الخاصة، وهن يعرفن كيف يحترمن حياة الآخرين وكارهاته يعشقن المرح والدعابة والطبيعة ولا يشعرن بالملل، وكل شيء يثير اهتمامهن.
كيف تكسبين زوجك من خلال الألوان
الأسود:
لون (رائع) يعتبره مصممو الأزياء (اللون السحري) فمن المحبب أن ترتديه عندما تمضين مع زوجك أمسية مختلفة هادئة، فهذا اللون يجعله يشعر أنك أكثر جمالاً وتشعين تألقاً وروعة.
الأحمر:
يمنحك إحساساً بالدفء، وينشط الدورة الدموية ارتديه عندما تشعرين بانخفاض مستويات الطاقة بداخلك، فيزيدك حيوية، وينعكس في الوقت نفسه على زوجك فيراك أكثر شباباً ومليئة بالطاقة الحيوية حتى وإن كنت تعديت سن 45 عاماً.
(1/431)
البرتقالي: عندما تلاحظين على نفسك أو على زوجك علامات عصبية فإن اللون البرتقالي يساعد كثيراً في تعديل المزاج إذ يقوي جهاز المناعة وشعور المرأة بالثقة الدائمة في نفسها مما يقلل من احتمالات الشك التي تنتابها حيال زوجها.
الأخضر:
احرصي على أن تضميه إلى خزانة ملابسك وارتديه عندما تشعرين بالقلق، أو في حالة وجود غيمة تعكر صفاء العلاقات بينك ويبن زوجك، فهو يخفف من حدة هذا التوتر، كما يخفف من الإحساس والارهاق لارتباطه بالطبيعة.
التراكواز:
ننصح دائماً المرأة بارتدائه من حين لآخر، فهو يساعد على مهارة التواصل بين الزوجين واستمرار حلقات النقاش بينهما، بل وإحساس كل منهما بالآخر، كما أنه يحسن الصحة العامة بشكل مباشر.
الأبيض :
يشع صفاء ونقاء ويعكس ملامحك الطفولية ويظهرك أمام زوجك طيبة بريئة لا تعرف المشاكل.
الوردي:
لون شديد التأثير على الرجال فهو ينمي المشاعر الإيجابية يبن الزوجين ويزيد من الارتباط العاطفي، وهو لون مثير للانتباه ومحفز قوي للمشاعر، وننصح أن ترتديه المرأة عندما ترغب في جذب انتباه زوجها.
الأزرق:
لون الاسترخاء ويخفض درجة حرارة الجسم درجتين، وننصح المرأة بارتدائه لتمضية نهاية الأسبوع في مكان هادىء والدرجات الفاتحة منه تشعرك بأنك جزء من الفضاء والبحر مما يضفي عليك حالة رومانسية تنعكس فيما بعد على زوجك.
الأصفر :
عندما تحتاجين للصفاء الفكري ورؤية الأشياء بواقعية وتحديد نقاط تميزك وإخفاقك مع أسرتك ارتدائه فهو يساعدك على ذلك لأنه يخلص الجسم من السموم والشوائب.
البنفسجي:
جميل وناعم ارتديه في وقت العصر لارتباطه بالهدوء. لكن ابتعدي عنه إن لم يكن مزاجك مرتاحاً تماماً لأن كثرة النظر إليه تحرك الكآبة والحزن.
الرمادي:
تجنبيه إن كنت تعانين من فتور أو برود في علاقتك مع زوجك، لأنه لون بارد ويزيد الفتور بين الزوجين وللتغلب على ذلك عليك بالألوان النارية لتحريك مشاعر زوجك.
(1/432)
يقول الدكتور المرضاح: إن معظم أطباء علم النفس يركزون على الألوان وعلاقتها الوثيقة بالمزاج العام للإنسان خاصة المرأة لأنها أكثر تقلباً من الرجل نتيجة ما تمر به من تغيرات بيولوجية، فقوة اللون تقرز هرمونات معينة تحدث مجموعة من العمليات الفسيولوجية، وهنا يشرح لماذا تسيطر الألوان المباشرة على أفكارنا ومزاجنا وسلوكياتنا.
[*][*][*][*]
(5) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه :
(حديث هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره).
والحكمة في ذلك لأن صيام التطوع قد يُفَوِّت على الزوج كمال الاستمتاع بزوجته ويحرمه منها أثناء صيامها، فإن رضي به فقد أسقط حقّه باختياره، وهذا إنما هو في الصيام النافلة دون الواجب.
[*] قال النووي رحمه الله :
"هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهى للتحريم صرَّح به أصحابنا، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقّه فيه و(3) على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فان أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها؟ فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وزوجها شاهد)) أي: مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم؛ لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه".
{ تنبيه } : فتأملوا حرص الشريعة على تحقيق الألفة بين الزوجين، وسد باب النفرة بينهما لِلَّهِ . ثم تأملن أيتها النساء أدب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،كما في الحديث الآتي :
(
(1/433)
حديث عائشة الثابت في الصحيحين ) قالت : كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيعُ أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله صلى الله عليه وسلم .
[*] قال النووي رحمه الله :
وتعني بالشغل ، وبقولها في الحديث الثاني، فما تقدر على أن تقضيه أن كل واحدة مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك ، ولا تدري متى يريده ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه، وهذا من الأدب . أهـ .
[*][*][*][*]
(6) ومن حق الرجل على المرأة أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود :
ومن حق الرجل على المرأة أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق .قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمّآ آتَاهُ اللّهُ لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [سورة: الطلاق - الآية: 7]
فعلى المرأة الصالحة أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود تأسياً بأمهات المؤمنين اللاتي هُنَّ أفضلُ النساء وأتقاهن لله تعالى ، وما ظنكِ بنساءٍ اصطفاهن الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - زواجاً وصُحبة ، وإليكِ الحديث الآتي لتعرفي كيف رضاهن باليسير في دنيا مآلها إلى زوال رغبةً فيما عند الله تعالى :
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) : أنها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كان لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه .
(1/434)
ففي هذا الحديث بيان لشدة الحال على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وصبرهن على ذلك ابتغاء ما عند الله، كما جاء في الحديث الآخر أنه يمضي الشهر والشهران ولا يوقد في بيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ناراً .
[*][*][*][*]
(7) ومن حقه عليها ألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش :
[*] ما من شك أن من مقاصد الزواج الرئيسية إحصان الفرج، وهذا لا يتم إلا بجماع الرجل أهله كلما طلب؛ ولذا فإنه لا يجوز لأحدهما أن يمتنع عن الآخر، أو يغمطه صاحبه مع القدرة عليه. فالمرأة يجب عليها أن تلبي زوجها كلما أرادها على ذلك، وإن لم يكن لديها ميل لذلك، إلا من عذر شرعي، فللرجل أن يستمتع بجسد امرأته بجماع أو بمباشرة- بقصد قضاء الوطر، أو طلب النسل- وعليها أن تجيبه متى دعاها إلى فراشه ، ولخطورة هذا الأمر فقد جاءت أحاديث نبوية تحذر المرأة من امتناعها عن فراش زوجها منها ما يلي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(فأبت) : امتنعت بلا عذر
( فبات ) أي فبسبب ذلك بات وهو ( غضبان عليها ) فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم
( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ومعنى اللعن: الدعاء عليها بالطرد من رحمة الله تعالى. ومن منكنَّ أيتها المسلمات- ترضى لنفسها أن تدعوا عليها الملائكة بالطرد من رحمة الله؟! ومن منكنَّ أيتها المسلمات تحتمل عذاب هذا الذنب الكبير يوم القيامة؟! ، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة . قال العراقي : وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق .
(
(1/435)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها .
{ تنبيه } وفي هذه الأحاديث السابقة الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته، وأن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك، أو السبب فيه الحض على التناسل، وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته، جزاءً على مراعاته لعبده؛ حيث لم يترك شيئًا من حقوقه إلا جعل له من يقوم به، حتى يجعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته.
ومما يندى له الجبين أن تجد بعض النساء تمتنع عن زوجها لأنها مشغولة بعمل البيت، وأخرى لأنه ليس لها الآن رغبة، وثالثة لأنها استيقظت من نومها حالاً ، إلى آخر الأسباب الواهية التافهة التي تجعل المرء أمامها يقف متعجبًا تارة، وحائرًا تارة أخرى؛ لذا لابد من هذه الكلمة، وتلك النصيحة؛ إذ إنه لا حياء في الدين، والدين النصيحة.
[*] وإن كان لا يجوز للمرأة أن تمتنع عن زوجها إن طلبها لحاجته، فكذلك يحرم على الرجل أن يتعمد هجر زوجته، فهو مأمور بأداء حقها بقدر حاجتها وقدره... (فإن الشريعة السمحة لم تقتصر على مطالبة المرأة بأن تستجيب لزوجها، بل طالبت الرجل أيضًا أن يؤدي إليها حقها، ويعفها، ويغنيها، وذلك لقوله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } [النساء: 129].
(1/436)
قال الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله: ويدل عليه أن عليه وطأها لقوله تعالى: { فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } يعني: لا فارغة فتتزوج، ولا ذات زوج إذا لم يوفها حقها من الوطء(1)(2).
ولا يخفى على أحد ما يحدث من الاضطراب النفسي والجسدي بسبب امتناع أحد الزوجين عن الآخر، وما يحدث من المشاكل التي تبدو من أول وهلة أنها صغيرة، ثم تتعاظم وذلك بسبب امتناع المرأة عن فراش زوجها خاصة. ألا فليتق الله النساء والرجال وليؤدِ كلُ واحد منهما حق الآخر.
[*][*][*][*]
(8) ومن حقه عليها أن لا تسأل الطلاق من غير بأس :
من جملة العلاقات الأسرية التي اهتم الإسلام بتنظيمها وإرساء القواعد الشرعية التي تحدها: الطلاق.
فلا شك أن الإسلام جعل الطلاق حلا إيجابيا لفض النزاعات الزوجة الناشئة عن عدم ائتلاف الطباع والأخلاق ، ولكن لم يجعل هذا الحل دون قيد أو شرط ، بل جعل له حدوداً وقوانيناً تنظمه بما تقتضيه المصلحة الأسرية.
ومن هذه القوانين : النهي عن طلب المرأة الطلاق من زوجها من غير بأس.
فلا شك أن الإسلام قد جعل الطلاق خلقت المرأة عليها من حيث غلبة العاطفة، ولين الجانب، والتسرع، ربما تجعلها غير حكيمة إذا أقدمت على طلب الطلاق لمجرد مشكلة عابرة ، أو مشادة كلامية بينها وبين زوجها، خصوصاً إذا كان لها أبناء.
فهي بذلك تحطم رباط الزوجية ، والأوامر الأسرية لسبب تافه ، غاب عن عقلها طريقة حله في شدة غضبها ، بالإضافة إلى ما تسببه لزوجها من ضيق وحزن بمثل هذا الطلب.
ومن أجل هذا كله فقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن طلب الطلاق من أزواجهن من غير بأس .
( حديث ثوبان الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أيُما امرأةٍ سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرامٌ عليها رائحة الجنة.
(
__________
(1) أحكام القرآن (1/274).
(2) عودة الحجاب للشيخ محمد إسماعيل (2/278).
(1/437)
حديث ثوبان الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
المختلعات هن المنافقات .
( المختلعات هن المنافقات ) أي اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن لغير عذر هنّ منافقات نفاقاً عملياً .
ولا شك أن هذا الحديث الشريف يدل على حرمة طلب المرأة الطلاق من زوجها من غير بأس ، ولكن إذا ترجحت في ذلك مصلحة شرعية، أو إذا ترجحت في استمرار الزواج مفسدة شرعية، جاز لها أن تطلب الطلاق.
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله : (أتردين عليه حديقته). قالت: نعم، قال رسول الله : (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة).
فالواجب أن تحذر المسلمات من العبث بأزواجهن بطلب الطلاق منهم في غير ما بأس، فالزوج له حق عظيم على زوجته، ومن لا تشكره لا تشكر الله، ومن تكفره، تكون من أهل النار، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .
"أتردين عليه حديقته" ، والحديقة هي المهر، حيث كان قد أمهرها بستاناً، فقالت: نعم، فقال النبي لثابت: "خذ الحديقة وطلقها" فأخذها وطلقها.
الشاهد من هذا الحديث أنها قالت: " ما أعتب عليه في خلق ولا دين "،
[*][*][*][*]
(9) ومن حق الرجل على المرأة أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه :
ومن حق الرجل على المرأة أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ) [سورة: الأحزاب - الآية: 33] ...
فمن أعظم صفات المرأة الصالحة أن تكون قارَّةً في بيتها ، فلا تخرج إلا لحاجة، لا للهو ولا لإضاعة الأوقات ، إذا خرجت طلبت الإذن من زوجها، وخرجت في لباسها الساتر، غير متعطرة، تمشي متواضعة في أدب وحياء وسكينة، لا تسمع لها صوتًا في الطريق، ولا تتخذ خلاخل ولا حذاء مما يضرب في الأرض.
(1/438)
من فساد أخلاق المرأة، كثرة خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، وعدم تأدبها بالآداب الشرعية عند الخروج.
[*] تفسير قوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب:33]:
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33]، أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطين متلازمين هما :
(1) أن يتجنبن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب
(2) أن يخرجن وهن تفلات ، كما في الأحاديث الآتية
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات .
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تمنعوا نساءكم المساجد و بيوتهن خير لهن .
[*] قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: { وقرن } ، قرأ الجمهور { وقِرن } ، وقرأ عاصم ونافع بفتحها. فأما القراءة الأولى فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الوقار ، تقول: وقَرَ يَقر وقارًا أي سكن، والأمر قِرْ، وللنساء قِرْن(1).
والوجه الثاني: أن يكون من القرار.
__________
(1) يقول الشيخ المودودي رحمه الله: فمعنى الآية إذًا: عشن في بيوتكن بالسكينة والوقار. الحجاب ص307.
(1/439)
ثم قال رحمه الله: معنى هذه الآية، الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة. فأمر الله تعالى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفًا لهن، ونهاهن عن التبرج.
ثم قال رحمه الله أيضًا: ذكر الثعلبي وغيره عن عائشة رضي الله عنها، كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها.
وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها، حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها.
ثم قال رحمه الله: ليس المراد بحكم { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ، أن لا تتخطى النساء عتبة بيتهن أبدًا، بل الأمر أن قد أُذن لهن أن يخرجن لحوائجهن.
ولكن هذا الإذن ليس بمطلق غير محدود، ولا هو غير مقيد بشروط، فليس جائزًا للنساء أن يطفن خارج بيوتهن كما شئن، ويخالطن الرجال بحرية في المجالس والنوادي، وإنما مراد الشرع بالحوائج: هو الحاجات الحقيقية التي لابد معها للنساء من أن يخرجن من البيوت ويعملن خارجها.
ومن الظاهر أنه لا يمكن استيعاب جميع الصور الممكنة لخروج النساء وعدم خروجهن، في جميع الأزمان، ولا من الممكن وضع الضوابط والحدود لكل مناسبة من تلك المناسبات، غير أن المرء يستطيع أن يتفطن لروح القانون الإسلامي ورجحانه، إذا نظر فيما قرره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، من الضوابط لخروج المرأة من البيت في عامة أحوال الحياة، وما تناول به حدود الحجاب من الزيادة والنقص بين آونة وأخرى، وأن يستخرج بنفسه حدود الحجاب للأحوال الفردية والشئون الجزئية، وقواعد الزيادة فيها والنقص منها تبعًا للحالات والملابسات(1).
__________
(1) المصدر السابق ص309.
(1/440)
ومن ذلك، الإذن في حضور المساجد وحدوده، وخروج النساء في الحج والجمعة والعيدين، وكذلك في زيارة القبور واتباع الجنائز، وكذلك شهودهن الحرب، ففي كل ذلك ضوابط وحدود، وفي أخرى موانع.
ومما يستدل به على جواز خروج النساء لحاجتهن، ما رواه مسلم عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب ـ لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تَخفى على من يعرفُها ـ فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْقٌ، فَدَخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفع عنه وإنَّ العَرْقَ في يده ما وضَعه فقال: "إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن"(1).
والمرأة المسلمة المستقيمة على شرع الله إذا خرجت لحاجة التزمت بالضوابط الآتية:
(1) خرجت لحاجة، لا للهو ولا لإضاعة الأوقات، انطلاقًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أذن لكن في الخروج لحاجتكن"(2).
(2) وتستأذن زوجها أو وليها قبل الخروج، أما المرأة التي تدخل بيتها وتخرج في أي وقت دون مبالاة بأمر الزوج، فهي امرأة شقية تجلب لنفسها المشاكل والخراب.
(3) وتستتر بحجابها الشرعي الكامل، فلا تكون من الكاسيات العاريات، اللائي يرتدين من الملابس الشفاف أو الضيق أو المزركش، ولا تتعطر عند خروجها، أو تلبس ملابس الرجال، فالمرأة الصالحة المتدينة في منأى عن هذه الصورة السيئة.
(4) تغض من نظرها في سيرها فلا تنظر هنا أو هناك لغير حاجة، فضلاً عن النظر للرجل الأجنبي لغير حاجة، وإذا احتاجت إلى محادثته، تتحدث إليه بما تحتاجه فقط، ولا تلين بصوتها ولا تخضع به لئلا يطمع فيها من في قلبه مرض.
(
__________
(1) رواه مسلم 02170)، وعند البخاري، الفتح (1/249).
(2) جزء من حديث أخرجه البخاري.
(1/441)
5) تمشي متواضعة في أدب وحياء وسكينة، ولا تتخذ خلاخل ولا حذاء يضرب على الأرض بقوة، فيُسمع قرع حذائها فربما وقعت الفتنة، وقد قال الله تعالى: { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور: 31].
(6) ولا تسافر سفر يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الآتية :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يحلُ لامرأةٍ تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرمٍ لها )
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسافر المرأةُ ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم )
[*] قال ابن العربي: لقد دخلت نيفًا على ألف قرية، فما رأيت نساء أصون عيالاً، ولا أعف نساء من نساء نابلس، التي رُمي الخليل - صلى الله عليه وسلم - بالنار فها، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلا الجمعة الأخرى(1).
[
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/5450)، ط. دار الغد العربي.
(1/442)
*] ويقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: ويقول التابعي والمفسر الشهير قتادة بن دعامة: إن مقامة المرأة ومستقرها في البيت، وما وضعت عنهن واجبات خارج البيت إلا ليلازمن البيوت بالسكينة والوقار، ويقمن بواجبات الحياة العائلية، أما إن كان بهن حاجة على الخروج، فيجوز لهن أن يخرجن من البيت، بشرط أن يراعين جانب العفة والحياء، فلا يكون في لباسهن بريق أو زخرفة أو جاذبية، تجذب إليهن الأنظار، ولا في نفوسهن من حرص على إظهار زينتهن، فيكشفن تارة عن وجوههن، وأخرى عن أيديهن، ولا في مشيتهن شيء يستهوي القلوب، ولا يلبسن كذلك من الحلي ما يحلو وسواسه في المسامع، ولا يرفعن أصواتهن بقصد أن يسمعها الناس. نعم، يجوز لهن التكلم في حاجتهن، ولكنه يجب أن لا يكون في كلامهن لين وخضوع، ولا في لهجتهن عذوبة وتشويق.
كل هذه الضوابط والحدود إن راعتها النساء، جاز لهن أن يخرجن لحوائجهن(1)
[*][*][*][*]
(10) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه :
(حديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً، فإِنّمَا هُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهِنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنّ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ وَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّا، فأَمّا حَقّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوْطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلاَ وَإِنّ حَقّهُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهنّ في كِسْوَتِهِنّ وَطَعَامِهِنّ" .
(
__________
(1) الحجاب ص308.
(1/443)
حديث هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بأذنه، ولا تأذن في بيته إلا بأذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره).
[*] قال النووي رحمه الله :
"والمختار أن معناه: أن لا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن والله أعلم".
[*][*][*][*]
(11) ومن حق الرجل على المرأة أن تشكر له ولا تكفره :
فالمرأة الصالحة تعرف لزوجها قَدْرَه الذي عظَّمه الإسلام، وهي تقوم بحقوقه على أكمل وجه من باب أن هذه الحقوق عبادة تتقرب بها إلى الله تعالى ، لا أنها حقوق مجردة.
ولا شك أن من أهم أسباب المودة والسعادة بين الزوجين، معرفة الزوجة عظم قدر زوجها في الإسلام، والذي على أساسه تكون نظرتها إليه، ومعاملتها معه.
[*] قالت أم حُميد: كن نساء المدينة إذا أردن أن نبنين بامرأة على زوجها بدأن بعائشة فأدخلنها عليها، فتضع يدها في رأسها تدعو لها وتأمرها بتقوى الله وحق الزوج.
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على ذلك ومنها ما يلي :
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه.
(1/444)
ويدلنا هذا الحديث الشريف على وجوب شكر المرأة لزوجها المحسن إليها، خصوصاً إذا كان قيامه بأمورها تصل إلى درجة عدم الاستغناء عنه.
ولا يقصد بالشكر هنا مجرد الشكر باللسان، ثم تؤذيه بمساوئ الأفعال والأخلاق والخصال.
بل الشكر يقصد به هنا:
الشكر باللسان، وإظهار السرور والراحة بالحياة في كنفه، والقيام على أموره وأمور ولده، وخدمته، وعدم التخلي عنه في مِحَنِه ، وعدم تتبع عثراته، وترك الإساءة إليه في مواطن خَلَلِه وزَلََلِه وقُصُوره، بل تجعل من نفسها متمماً ومكملاً له ، فتأمره بالمعروف عند وقوعه في المنكر ، وتصلح له إذا فسد عليها في غضب أو ذلة، وتجيبه إذا طلبها ، وتستمع إليه إذا ما فضفض إليها ، وتحفظه إذا أسر إليه ا، وتشكره إذا ما صنع لها معروفاً.
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لا يشكر الناس لا يشكر الله .
معنى [من لا يشكر الناس لا يشكر الله ] : فيها وجهان :
الأول : من كان طبعه وعادته عدم شكر الناس على معروفهم فإنه لا يوفق لشكر الله تعالى
والثاني : أن الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر الناس على إحسانهم إليه .
ولا شك أن شكر الزوج أوجب وألزم.
وأما كفران العشير، فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر النساء منه، وبين لهن عاقبة أمره.
(
(1/445)
حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للبَّ الرجل الحازم من إحداكن قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى . قال فذلك نقصان من عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم ؟ قلن بلى . قال فذلك من نقصان دينها .
وهذان الحديث صريح في النهي عن كفر المرأة لخير زوجها، أو جحودها لحسن صنيعه لها ، فكفران النعمة من أسباب دخول المرأة النار، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإني أريتكن أكثر أهل النار)).
[*] قال الحافظ رحمه الله : "فيه تحريم كفران الحقوق، ووجوب شكر المنعم".
والواجب على كل امرأة أن تنزل زوجها من نفسها منزلة كريمة ، وتتخذ له في قلبها مكاناً عزيزاً بما يبذله لها من حسن المعاملة ، وطيب النفقة، والتعب على قضاء حوائجها ، والعناية بها في حال مرضها، والدعاء لها في حياتها، والصلاة عليها عند موتها.
ولكن وللأسف الشديد، فكثير من النساء لا يراعين لله في أزواجهن حرمة ، ولا يحفظن لهم حقاً ، فإذا رأت منه ما يسوؤها تذمرت ، وضاقت به وبحياته ذرعاً ، وقالت له: ما رأيت منك خيراً قط، والله شهيد على كذبها، وقادر على أخذها بهذا الذنب ، ولكنه سبحانه وتعالى يمهلها لعلها تتوب، أو يحدث بعد ذلك إصلاحا.
فالواجب على كل زوجة تخشى ربها أن تعمل على إرضاء زوجها ، وإذا رأت منه شراً أن تذكر خيره.
{
(1/446)
تنبيه } إذا فقهت المرأة معنى هذه الأحاديث وقامت بها، فإنها إذن لن تنظر إلى حقوق زوجها عليها على أنها حقوق مجردة أو منفصلة عن حقوق الله، إذا أعطاها حقوقها أعطته، وإن لم يعطها لم تعطه، لا بل تقوم بحقوق زوجها عليها من باب أنها قُربى تتقرب بها إلى الله عز وجل ، فتُحسِّنها وتجتهد في القيام بها على أكمل وجه، حتى وإن قصر الزوج نفسه في بعض حقوقها؛ لأنها ترجو الفضل والثواب من الله وحده .
(12) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه:
(لحديث أبا أمامة الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ولا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها فقيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا ثم قال العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم* الشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم - ولا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها
(13) ومن حق الرجل على المرأة أن تحد عليه إذا مات أربعة أشهر وعشرا:
(حديث أم حبيبة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) .
وقد وصف الله سبحانه العلاقة التي بين الرجل وزوجته بالسكن، لما يكون فيها من المودة والرحمة، قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } [الروم:21]
فحري بالزوجة أن تحزن على فراق زوجها الذي كانت تسكن إليه، والذي كان يقوم على أمرها وشؤونها.
{ تنبيه } من أفضل ما يعين المرأة على شكرها لزوجها الاعتراف بفضله وأن
(1/447)
تعلم علم اليقين أنه هو القيِّمٌ عليها ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، وأن يكون ذلك منها عن تمام الرضى والتسليم وأن تجعل الآية الآتية نصب أعينها :
قال تعالى: (الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَآءِ بِمَا فَضّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [سورة: النساء / 34]
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
يقول تعالى { الرجال قوامون على النساء } أي : الرجل قيِّم على المرأة ، أي : هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت .
( بما فضل الله بعضهم على بعض ): أي لأن الرجال أفضل من النساء في أصل خِلْقَتِهِم لأن الرجل أرجح عقلاً وأكمل ديناً من المرأة ، ولذا قال تعالى: (وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ) [البقرة / 228] ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك المُلك الأعظم وكذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي
( حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة "
( وبما أنفقوا من أموالهم ): أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها كما قال الله تعالى (وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنّ دَرَجَةٌ) [البقرة / 228]
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { الرجال قوامون على النساء } يعنى أمراء عليهن أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. .
{ تنبيه } : ومما يخطئ الناس في فهمه قولهم : الإسلام دين المساواة ، والصحيح أن يقولوا : الإسلام دين العدل .
[*] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
(1/448)
وهنا يجب أن نعرف أن من الناس من يستعمل بدل العدل المساواة وهذا خطأ ، لا يقال : مساواة ؛ لأن المساواة تقتضي عدم التفريق بينهما ، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون : أي فرق بين الذكر والأنثى ؟ سووا بين الذكور والإناث ، حتى إن الشيوعية قالت : أي فرق بين الحاكم والمحكوم ؟ لا يمكن أن يكون لأحد سلطة على أحد حتى بين الوالد والولد ليس للوالد سلطة على الولد ، وهلمَّ جرّاً .
لكن إذا قلنا بالعدل وهو إعطاء كل أحدٍ ما يستحقه : زال هذا المحذور ، وصارت العبارة سليمة ، ولهذا لم يأت في القران أبداً : " إن الله يأمر بالتسوية " لكن جاء : قال تعالى: (إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) [سورة: النحل / 90]،
وقال تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) [سورة: النساء / 58]، وكذب على الإسلام مَن قال : إن دين الإسلام دين المساواة ، بل دين الإسلام دين العدل وهو الجمع بين المتساوين والتفريق بين المفترقين .
أما أنه دين مساواة فهذه لا يقولها مَن يعرف دين الإسلام ، بل الذي يدلك على بطلان هذه القاعدة أن أكثر ما جاء في القرآن هو نفي المساواة :
قال تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [سورة: الزمر / 9]،
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُمَاتُ وَالنّورُ) [سورة: الرعد / 16]
قال تعالى: ( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلََئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَىَ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [سورة: الحديد /10]
(1/449)
قال تعالى: (لاّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ) [سورة: النساء / 95]،
ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً إنما يأمر بالعدل ، وكلمة العدل أيضا تجدونها مقبولة لدى النفوس فأنا أشعر أن لي فضلاً على هذا الرجل بالعلم ، أو بالمال ، أو بالورع ، أو ببذل المعروف ، ثم لا أرضى بأن يكون مساوياً لي أبداً .
كل إنسان يعرف أن فيه غضاضة إذا قلنا بمساواة ذكر بأنثى .
" شرح العقيدة الواسطية " ( 1 / 180-181 ) .
???? [*][*][*][*]
(14) وجوب خدمة المرأة لزوجها :
فيجب على المرأة خدمة زوجها في حدود استطاعتها ، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك .
( حديث حصين بن محصن الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
انظري أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك و نارك .
(انظري أين أنت منه ؟ ) أي في أي منزلة أنت منه أقريبة من مودّة مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه ( فإنما هو ) أي الزوج ( جنتك ونارك ) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك وسبب لدخولك النار بسخطه عليك فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية وهذا قاله للتي جاءت تسأله عن شيء فقال : أذات زوج أنت؟ قالت : نعم قال : كيف أنت منه؟ قالت : لا آلوه إلا ما عجزت عنه فذكره وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة .
[*] قال الألباني رحمه الله تعالى :
"والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده، ونحو ذلك" .
(
(1/450)
حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت لعائشة، فلما جاء، أخبرته عائشة، قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء، فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم.
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً كما قال ابن القيم رضي الله عنه ، ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ((زاد المعاد )) ( 4/45- 46 ).
ولأن الزوج سيدها في كتاب الله كما قال تعالى : ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ )
[ سورة يوسف /25 ]، وهي عَانِيَة عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلمكما في الحديث الآتي:
(
(1/451)
حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
، وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف .
[*] قال ابن حبيب رحمه الله :
"حكم النبي بين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عليّ بالخدمة الظاهرة... والخدمة الباطنة العجين والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله".
[*] قال ابن تيمية رحمه الله :
"فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة".
{ تنبيه } : هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك ، إذا وجد الفراغ والوقت ، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، للحديث الآتي :
( حديث الأسود بن يزيد الثابت في صحيح البخاري ) قال :سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الآذان خرج.
{
(1/452)
تنبيه } خدمة الزوجة لزوجها حقٌّ واجب له عليها، وهذه المسألة وإن وقع فيها خلاف بين أهل العلم، إلا أن القول الصحيح ، أنّ خدمة الزوجة لزوجها واجبة من مثلها لمثله ، كما مرّ في قصة عمة حُصين الآنفة الذّكْر، فهي تختلف من بيت لآخر، ومن زوج لزوج، ومع ذلك نجد من النساء من ترهق زوجها، فتطالبه بخادمة مع قدرتها على القيام بشئون البيت، واستغنائها عمّن يخدمها، وما يدعوها لذلك إلا حب المباهاة والمفاخرة والتقليد الأعمى.
وهذا أحد المنغصات للحياة الزوجية السعيدة ، لما فيه من كلفة على الزوج ، وإدخال عنصر غرب لا حاجة له في البيت، وبقاء الزوجة في البيت بلا عمل يشغل بالها ويُولّد في نفسها أعمالاً أخرى هي ثقل على كاهل الزوج لتملأ الفراغ الذي تُحسُّ به.
ولعل الدهشة تصيبك حينما تسمع رجلاً يتحدث في مقابلة أجريت معه في الإذاعة، يحكي فيها أن مرتبه سبعة آلاف ريال، ويسكن في شقة مستأجرة، ولديه خادمتان، ويعلل هذا التصرف بأن زوجته هي التي أرادت ذلك!!
وما يقال للزوجة، يقال للزوج، إذ عليه ألا يكلّفها فوق طاقتها بل يجب أن يراعي قدرتها وطاقتها على العمل.
???? [*][*][*][*]
(15) لا تصف امرأةٍ لزوجها كأنه ينظر إليها :
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تصف المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها ، فربما وقعت في قلبه ، ومن هنا نعلم أن المرأة يجب عليها أن تعمل على صيانة دين زوجها كما هو مأمور بصيانة دينها .
(حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (لا تباشرُ المرأةُ المرأةَ فتنعتها لزوجها كأنه ينظرُ إليها )
{ تنبيه } وعلى المرأة كذلك ألا تصف رجلا أمام زوجها ، ولا تمدحه ولا تثني
(1/453)
عليه؛ فذلك مما يسبب غيرته، وضيق صدره ، ، بل تمتدح زوجها وتثني عليه بما فيه من خير، وتعترف بفضله وتشعره دائماً أنه يملأ عينها وقلبها وفكرها ، وأن تقرر معنى قول النبي ( إن لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَكَانًا مَا هُوَ لأَحَدٍ) وسوف أسوق لك هذه القصة عساها أن لعلها تجد لكِ في سمعكِ مسمعاً وفي قلبك موقِعا عسى الله أن ينفعكِ بها ويوفِقِك إلى تطبيقها لأن حسن تبعل المرأة لزوجها يُسْدِل الله به عليها البركة والرحمة والخير.
???? [*][*][*][*]
(16) أن تبر أهله من والدين وأخوات :
[*] ومن حقه عليها أن تبر أهله من والدين وأخوات، وتصل الرحم، لتُدخل على زوجها الفرح والسرور، وتتقرب إلى الله تعالى بهذه العبادة.
(إن من أدب الإسلام أن تؤثر الزوجة رضا زوجها على رضا نفسها، وأن تكرم قرابته خصوصًا والديه، ويتأكد هذا إذا كانت تقيم معهما، وفي إكرامهم إكرام لزوجها، ووفاء له، وإحسان إليه؛ لأنه مما يفرحه، ويؤنسه، ويقوي رابطة الزوجية، وآصرة الرحمة والمودة بينهما) فإن أبر البر أن يصل الرجل وُدَّ أبيه بنص السنة الصحيحة .
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أبر البر أن يصل الرجل وُدَّ أبيه .
( إن أبر البر ) المراد إن أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة
[*] كما أنه من حسن خلق المرأة المسلمة إكرامها لهما لاسيما وهما في سن والديهما
حديث أنس في صحيح الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يوقر كبيرنا .
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير :
( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) الواو بمعنى أو فالتحذير من كل منهما وحده فيتعين أن يعامل كلاً منهما بما يليق به فيعطى الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه ويعطى الكبير حقه من الشرف والتوقير
[
(1/454)
*] يقول الدكتور محمد الصباغ حفظه الله: (إن على الزوجة الفاضلة أن لا تنسى منذ البداية، أن هذه المرأة التي قد تشعر أنها منافسة لها في زوجها، هي أم هذا الزوج، وأنه لا يستطيع مهما تبلَّد فيه إحساس البر، أن يقبل إهانة توجه إليها؛ فإنها أمه التي حملته في بطنها تسعة أشهر، وأمدته بالغذاء من لبنها، ووقفت على الاهتمام به حياتها حتى أصبح رجلاً سويًا.
واعلمي أيتها الزوجة أن زوجك يحب أهله أكثر من أهلك، كما أنك أيضًا تحبين أهلك أكثر من أهله، فاحذري أن تطعنيه بازدراء أهله أو انتقاصهم أو أذيته فيهم، فإن ذلك يدعوه إلى النفرة منك.
إن تفريط الزوجة في احترام أهل زوجها تفريط في احترامه، وإن لم يقابل الزوج ذلك بادئ الأمر بشيء، فلن يسلم حبه إياها من الخدش والنقص والتكدير.
إن الرجل الذي يحب أهله، ويبر والديه، إنسان صالح فاضل، جدير بأن تحترمه زوجته، وترجو فيه الخير).
والزوجة التي تعتقد أنها بإيقاعها بين زوجها وبين أهله، ليتفرغ لها وحدها، ويكون لأولاده وحدهم، امرأة ساذجة، تدفن رأسها في الرمال، غير صالحة ولا تقية، فيكفيها بهذا العمل معصية الله تعالى، وعونها زوجها على عقوق أهله لا على برهم، فبئست هذه الزوجة.
(إن عقوق الرجل والديه دمار عليه وعلى زوجته وأولاده؛ لأن العقوق من المعاصي التي تُعجل عقوبتها في الدنيا:
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي و العقوق .
[*] إن الزوجة الصالحة التي تخاف الله تعالى، الزوجة الطيبة الخيِّرة، هي التي تكون عونًا لزوجها على كل خير، فتنصحه وتدُّله على كل خير، وتوصيه بالتزام حكم الله في كل شيء، وتحرضه على بره لوالديه وإكرامهما والإحسان إليهما.
(1/455)
وهي بهذا الخلق العالي والسلوك القويم ستجد ثماره في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، ببر أولادها لها لاسيما عندما تهرم وتكبر، وفي الآخرة بالأجر العظيم عند الواحد القهار.
[*] حكى الإمام أبو الفرج ابن الجوزي عن عابدة كانت تصلي بالليل لا تستريح، وكانت تقول لزوجها: قم ويحك إلى متى تنام؟ قم يا غافل، قم يا بطَّال، إلى متى أنت في غفلتك؟ أقسمت عليك ألا تكسب معيشتك إلا من حلال، أقسمت عليك أن لا تدخل النار من أجلي، بِرَّ أمك، صل رحمك، لا تقطعهم، فيقطع الله بك)(1).
{ تنبيه } إنه ينبغي على أم الزوجة دائماً أن تذكر ابنتها بحقوق زوجها عليها لأن ذلك أجدر أن يؤدم بين الزوجين ولأن التذكرة تذكر العاقل وتنبه الغافل وتقوِّم المائل ، وهذا هو ما كان عليه نساء السلف رحمهن الله تعالى ، وإليك وصية جامعة لإحدى نساء السلف أوصت بها ابنتها ليلة زفافها ، وصيةٌ تُذَكِّرُ العاقلة وتُنَبِّه الغافلة وتقوِّم المائلة ، فيها نفعٌ قويم وتوجيةٌ سليم ، فيها فوائدٌ عظيمة ومنافعٌ عميمة ، وصيةٌ حُقَّ لها أن تنقش على الصدور وأن تكتب بماء الذهب فاغتنمها وانشرها بين الناس فإن الدال على الخير كفاعله .
قالت الأم : احفظي له خِصالاً عشراً تكن لك ذخرا
الصحبةُ بالقناعة ... والمعاشرةُ بحسنِ السمعِ والطاعة
لا تقع عيناه منك على قبيح ... ولا يشمُّ منك إلا أطيب ريح
التعاهدُ لوقتِ طعامه ... والتفقد لحين منامه
فإن حرارة الجوع مُلهِبة ... وتنغيص حاله مُكَرِّبة
الاحتفاظُ ببيته وماله ... والرعايةُ لحشمه وعِياله
فإن حفظ المالِ أصلُ التقدير ... والرعايةُ لِحَشَمِه وعياله من حسن التدبير
لا تفشِين له سرا ... ولا تعصين له أمرا
فإنك إن أفشيت سِرَه لم تأمني غدره ... وإن عصيت أمره أوغرت صدره
ثالثاً : الحقوق المشتركة بين الزوجين
هناك حقوق مشتركة تجب لكل واحد من الزوجين تجاه صاحبه، وليست خاصة بأحدهما، نلخصها فيما يلي جملةً وتفصيلاً :
[
__________
(1) صفة الصفوة (4/437).
(1/456)
*] الحقوق المشتركة بين الزوجين جملةً :
(1) إعانة بعضهما على الطاعة :
(2) عدم إفشاء السر:
(3) المناصحة بينهما:
(4) الشورى :
(5) صدق المودة بين الزوجين:
(6) الواقعية في الحياة الزوجية
(7) معرفة كل من الزوجين نفسية صاحبه :
(8) الأولاد :
(9) بِرُّ والديْ كلٍّ من الزوجين وأقاربهما :
(10) الوفاء بشروط العقد:
(11) حق الاستمتاع:
)12) التوارث:
(13) الصبر على الزلات والهفوات من بعضهما .
[*] الحقوق المشتركة بين الزوجين تفصيلاً :
(1) إعانة بعضهما على الطاعة: إذا كان التعاون على البر والتقوى مطلوباً بين عموم المسلمين، فمن باب أولى بين خصوصهم، وخاصة بين الزوجين، وقد أشاد الله بنبيه إسماعيل - عليه السلام - إذ كان يتعاهد أهله على الطاعات، فقال(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّا)[مريم/45]
كما أمر الله نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه/132]
ومن هنا حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزوجين على التعاون على الطاعة كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبتْ نضح في وجهها الماء ، و رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجَها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أيقظ الرجلُ أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .
(2) عدم إفشاء السر:
(1/457)
كل واحد من الزوجين مطالب بكتمان ما يراه من صاحبه، أو يسمعه منه، وهذا أدب عام حثّ عليه الإسلام، ورغب فيه وبخاصة ما يقع بين الزوجين، كما في الأحاديث الآتية :
( حديث أبي سعيد الخدري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها .
[*] قال النووي:
"وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعِّي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه))، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة؟))، وقال لجابر: ((الكيس الكيس)). والله أعلم" .
( حديث أسماء بنت يزيد الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :عسى رجل يحدث بما يكون بينه و بين أهله أو عسى امرأة تحدث بما يكون بينها و بين زوجها فلا تفعلوا فإن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في ظهر الطريق فغشيها و الناس ينظرون .
[*] قال أبو الطيب آبادي:
"والحديث يدل على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع، وذلك لأنَّ كون الفاعل لذلك بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون، وذلك من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته" .
(3) المناصحة بينهما:
(1/458)
للتناصح وبخاصة بين الزوجين دور كبير في الارتقاء بمستوى الأسرة، ورتق الفتوق الواقعة فيها، وإنارة درب السلامة من التردّي في الخطأ، بَيْدَ أن كثيراً نما لأزواج يرى من غير الطبيعي أن تؤدي المرأة دورها في نصيحة زوجها، وأن من السائغ والمعتاد أن تكون من جانبه دونها، ويصل الظنّ بجملة منهم إلى أن قيامها بالنصيحة نوع من التطاول والعجرفة، وخدش لكرامة الرجل، وقوامة الزوج، وهذا خطأ ظاهر، وهدم لعش الزوجية وسعادة الأسرة.
(4) الشورى :
بمعنى أن يكون التشاور وتداول الرأي قائماً بين الزوجين فيما يتعلق بشئون البيت، وتدبير أمر الأسرة، ومصير الأولاد ، وليس من الحكمة في شيء أن يستبد الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة امرأته، لا لشيء، إلا لأنها امرأة، ومشورتها قدح لقوامته عليها في نظره السقيم. فكم من امرأة أدلت برأي صار له أكبر الأثر في استقامة أمور وصلاح الأحوال، وخير من يقتدى به في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن دخل على أم سلمة غاضباً مما فعل أصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطؤوا، فأشارت عليه أم سلمة أن يحلق هو حتى يحلقوا، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورتها، فما كان إلا أن بادروا إلى امتثال أمره عليه الصلاة والسلام.
(5) صدق المودة بين الزوجين:
مما لا تتم السعادة الزوجية إلا به، تحبب كلٍّ من الزوجين إلى صاحبه وإظهار صدق المودة، وتراشق الكلمات الحنونة، فإن ذلك أحسن ما تستقيم به أحوال الزوجين، وأفضل ما تبنى عليه حياتهما، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أزواجه - رضي الله عنهن - ولسنا بخير منه حتى نستنكف عما فعله، ولما امتدح الله حُورَ الجنة ذكر من جميل أوصافهن كونهن (عُرُباً أَتْرَاباً) (الواقعة:37). والعروب: هي المتحببة إلى أزواجها.
(1/459)
والحياة الزوجية التي يُفقد من قاموسها الكلمات الطيبة الجميلة، والعبارات الدافئة حياة قد أَفَلَتْ أنجُم السعادة فيها.
ولا خيرَ في وُدِّ امرئٍ مُتلوِّنٍ ... إذا الريحُ مالتْ مالَ حيثُ تميلُ
وكم من حُسْنٍ في الخُلُق غطى عيباً في الخَلْق.
(6) الواقعية في الحياة الزوجية
للواقعية نصيب وافر في رَفْرَفة أجنحة السعادة على عش الزوجية، ويمكن الحديث عنها عبر المجالات الآتية:
(أ) الواقعية في المهور وحفلات الزواج والهدايا:
إن إثقال كاهل الزوج بمهر باهظ وحفلة زفاف مجحفة لا يعود على الحياة الزوجية إلا بالنكد والهم والتعب، لذا لا بد أن يكون المهر وحفلة العُرس موائمة لحال الزوج مناسبة لوضعه المادي، لنضمن - بإذن الله - هدوء نفسه، وراحة باله، وطمأنينة قلبه، حتى يستقبل حياته الزوجية بانشراح ورغبة.
ومثل ذلك يُقال، فيما تعارف الناس عليه من الهدايا في الأعراس والمناسبات. إذ يجب أن يكن بقدر حال الزوج، وليس من مصلحة المرأة أن تلحّ وتطالب بما هو أغلى ثمناً وأعلى قدراً مما لا تسمح ظروف الزوج المادية به، وكثرة ذلك مؤذنة بغياب السعادة وأفول شمسها من عش الزوجية إن لم يصل الحد إلى أمر لا تحمد عقباه.
(ب) الواقعية في النفقة:
إن من خير ما تحلّت به المرأة المسلمة من الصفات مع زوجها مراعاتها لطاقته وقدرته في النفقة، فلا إلحاح في حالة العسر، ولا شراهة في وقت اليسر، بل تلبس لكل حالة لَبُوسها، وترضى منه باليسير، وشرذث ما اتصفت به المرأة الشراهة وكثرة المطالب وهذا لا يزيدها من زوجها إلا بُعداً، ولا من قلبه إلا بُغْضاً.
(1/460)
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهراً لما سألنه في النفقة، وأكثرن عليه فيها حتى أنزل الله سبحانه قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 28، 29). فخَيَّرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه(1).
وعلى الرجل أيضاً ألا يكون شحيحاً على أهله، مقتّراً عليهم، بل ينفق عليهم من سعته ولا يكلف الله نفساً إلى ما آتاها، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) (الطلاق: 7).
(ج) الواقعية في الصفات وتجنب المثالية:
وهذه الخصلة لا تكاد توجد إلا عند نزرٍ يسير من الناس ممن وفقهم الله، بينما غالبهم عندما يهمَُ بالزواج يرسم الزوجة في ذهنه رسماً يتواءم مع طموحاته الوهمية البعيدة عن أرض الواقع. وكأنه يصور بيده تمثالاً لامرأة وهمية، مما حدا بأحد الأذكياء، عندما أخبره صاحبه بالصفات التي ينشدها في شريكة حياته، أن قال لمحدثه: إن المرأة التي تطلب موجودة، ولكن عليك أن تنتظر إلى أن نُبعث لأن امرأة بمثل ما تذكر لا توجد إلا في الجنة.
نعم إن الاعتدال في المطالب والصفات لا بد وأن يكون مركوزاً في ذهن كل من الزوجين، فلا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر كما في الحديث الآتي :
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأنصاري الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضي منها آخر .
__________
(1) - رواه مسلم (1478).
(1/461)
وتلك هي سنة الله في خلقه ألا يجتمع الكمال في كل الصفات في عامة البشر، فقد تكون المرأة وسطاً في الجمال لكنها ذات دين وخلق عظيم.
ولو وقف نُشّاد الكمال مع أنفسهم وقفة تأمل ومحاسبة لوجدوا أنهم لم ينصفوا، إذ غالب ما يطلبونه قد لا يكون متوافراً فيهم، فكما أنك تريد فغيرك يطلب منك ما تريد وإلا صار مصيرُك مصيرَ ذلك الرجل الذي ظل يطلب الزوجة المثالية في نظره ردهاً طويلاً من عمره فلما وجدها وتقدم لخطبتها، رفضته، لأنها لم تجد بُغْيتها فيه، فعاد بالخيبة والحرمان.
( د) الواقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات:
ليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة.
وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته.
والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله:
فسامح ولا تستوف حقك كله ... وأبق فلم يستوف قط كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
(7): معرفة كل من الزوجين نفسية صاحبه :
وهذه إحدى القضايا التي لا تجد من كثير من الأزواج عناية مع أن دوام العشرة ، وهناءة العيش لا تحصل على أتم وجوهها إلا عندما يدرك كل منهما نفسية صاحبه ومزاجه ، وما يحبه ويكرهه، وما يرضيه ويسخطه، وما يقبله، ويرفضه، وهذه الأمور لا يتحتم إدراكها بالسؤال، بل يعرفها الفَطِن الذّكي من الحال والمقال.
(1/462)
وخير ما يستشهد به على هذا لبيان أثره على حياة الزوجين قصة شُريح القاضي، لما تزوج بامرأة من بني تميم، فيقول: لما دخلت عليها قمت أتوضأ، فتوضأت معي، وصليت فصلت معي، فلما انتهيت من الصلاة دعوت بأن تكون ناصية مباركة، وأن يعطيني الله من خيرها، ويكفيني شرّها، قال: فحَمِِدَت الله، وأثنت، ثم قالت: إنني امرأة غريبة عليك فماذا يعجبك فآتيه، وماذا تكره فأجتنبه، قال: فقلت: إني أحب كذا، وأكره كذا، فقالت: هل تحب أن يزورك أهلي. فقلت: إنني رجل قاضٍ، وأخاف أن أملَّهم، فقالت: من تحب أن يزورك من جيرانك، فأخبرتها بذلك.
قال شريح: فجلست مع هذه المرأة في أرغد عيش وأهنئه حتى حال الحول، إذ دخلت البيت فإذا بعجوز تأمر وتنهى، فسألتُ: من هذه؟ فقالت: إنها أمي. فسألته الأم: كيف أنت وزوجتك؟ فقال لها: خير زوجة، فقالت: ما حوت البيوت شرّاً من المدللة، فإذا رابك منها ريب فعليك بالسوط.
قال شريح: فكانت تأتينا مرة كل سنة، تنصح ابنتها، وتوصيها، ومكثتُ مع زوجتي عشرين عاماً، لم أغضب منها إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالماً(1).
لذا فمعرفة كل من الزوجين لنفسية صاحبه قضية لها أثرها في الحياة الزوجية، وتجاهل هذا الأمر له ما بعده.
(8): الأولاد :
من المعلوم أن من أعظم مقاصد النكاح لب الولد، والإنجاب، وهذا المقصد يتعلق به حقوق ومستلزمات، لها أثر في السعادة الزوجية. نعرض في هذه العجالة لطرف منها، ونبين الموقف الأمثل تُجاهها. والله المستعان.
(1) الإنجاب:
بعض الأزواج يطلب من زوجته التريث في الحمل باستعمال مانع له بعد الزواج مباشرة بحجة طلب المتعة، وهذا فيه ضرر بالغ على الزوجة، إذ من الثابت طبيّاً أن استعمال الحبوب المانعة للحمل من قبل امرأة لم يسبق لها الإنجاب قد يؤدي إلى عقم تحرم معه المرأة من الولد طيلة عمرها.
__________
(1) - القصة مذكورة بطولها في العقد الفريد 6/92.
(1/463)
ومن الزوجات من تفضل الانتظار سنة أو أكثر بدعوى التأكد من توافقها مع زوجها، وهذا تشاؤم بحدوث المكروه:
احذر لسانك أن تقول فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق
وقسم من الزوجات ترفض الحمل؛ لأنه يعيقها عن مواصلة دراستها، مما يسبّب سآمةَ الزوج من رتابة حياته الزوجية معها، لخلوها من مولود يجدد سعادتهما، ويملأ عاطفة الأبوّة لديهما.
وبعضهن تستمرئ هذا الرفض حتى بعد الدراسة بحجة العمل، وهي حجة عليلة خالية المضمون، قد تحدث الفرقة بين الزوجين كما حدثني بذلك أحدهم عن زوجته التي امتنعت عن الحمل بحجة الدراسة، وبعد إتمام الدراسة رفضت الإنجاب بحجة العمل، ويرى الآن أنه لا حلّ للمشكلة إلا بالطلاق، مع أن المسلم مطالب بكثرة الإنجاب - مع عدم الضرر - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة كما في الحديث الآتي :
( حديث معقل بن يسار الثابت في صحيحي أبي داوود و النسائي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
(ب) تربية الأولاد:
من أعظم آثار الزواج: إنجاب الأولاد، وهم أمانة عند مَن ولّي أمرهم من الوالدين أو غيرهما، فواجب شرعاً أداء هذه الأمانة بتربية الأولاد على هدي الإسلام، وتعليمهم ما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، وأول واجب غرس عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعميق التوحيد الخالص في نفوسهم، حتى يخالط بشاشة قلوبهم، وإشاعة أركان الإسلام في نفوسهم، والوصية بالصلاة، وتعاهدهم بصقل مواهبهم، وتنمية غرائزهم بفضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، وحفظهم عن قرناء السوء وأخلاط الردى.
وهذه المعالم التربوية معلومة من الدين بالضرورة، ولأهميتها أفردها العلماء بالتصنيف، وتتابعوا على ذكر أحكام المواليد في مثاني التآليف الفقهية وغيرها.
وهذه التربية من سُنن الأنبياء، وأخلاق الأصفياء .
(1/464)
وانظر إلى هذه الموعظة الجامعة، والوصية النافعة، من لقمان لابنه: { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُنيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكُرْ لي ولِوالديك إليَّ المصير. وإن جاهداك على أن تُشْرِك بي ما ليس لَكَ بِهِ علمٌ فلا تطعهما وَصَاحبْهُمَا في الدُّنيا معروفاً واتَّبِعْ سبيلَ مَن أنابَ إليَّ ثم إليَّ مَرجعُكم فأنبئكم بما كُنتُم تَعمَلون . يا بُنيَّ إنها إِن تكُ مثقالَ حبَّةٍ من خردلٍ فتكُن في صخرةٍ أو في السماء أو في الأرضِ يأتِ بها الله إنَّ الله لطيفٌ خبيرٌ . يَا بُنيَّ أَقِمِ الصَّلاة وأمُرْ بِالمَعروفِ وانهَ عن المنكر واصبِر على ما أصابَكَ إنَّ ذلك مِن عَزْم الأمور . ولا تُصَعِّر خدَّك للنَّاسِ ولا تمشِ في الأرضِ مرحاً إنَّ اللهَ لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فخور. واقصِدْ في مشيكَ واغْضض من صَوتكَ إنَّ أَنكرَ الأصواتِ لصوتُ الحميرِ } [لقمان: 13 - 19] .
قد انتظمت هذه الموعظة من الوالد لولده أصول التربية، وتكوين الولد، وهي ظاهرة لمن تأملها .
وقال الله عز شأنه: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً .. } [التحريم: 6] .
فالولد من أبيه، فيشمله لفظ : { أنفسكم } ، والولد من الأهل فيشمله: { وأهليكم } ، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في تفسير هذه الآية، أنه قال:
((علموهم وأدبوهم)) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 1/ 495] .
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
(1/465)
والله سائلاً كل راع عن رعيته حفظ أم ضيع ، والوالدان يؤثران بلا شك في تربية الولد سلباً أو إيجاباً .
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
وجليٌّ من هذه النصوص، وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أوليائهم من الآباء والأوصياء وغيرهم،
والذرية الصالحة من دعاء المؤمنين :
كما في قول الله تعالى: { والذين يقولون ربنا هبْ لنَا من أزْواجِنَا وذُرِّياتنا قرةَ أعينٍ واجْعلنَا للمتِّقينَ إِمَاماً } [الفرقان:74].
[*] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:
( الرجل يرى زوجته وولده مطيعين لله عز وجل، وأي شيء أقر لعينه من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله عز وجل ذكره ) .
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال: 2/ 617] .
وأنها كذلك من صالح الأعمال التي يتقرب بها الولدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية،
كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم )أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقةٍ جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له .
وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاصٍ لله تعالى، يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده.
( حديث أنس الثابت في صحيح الجامع ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته .
[*] قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى: كان يقال: إذا بلغ الغلام فلم يزوجه أبوه فأصاب فاحشة أثم الأب . رواه ابن أبي الدنيا في [كتاب العيال: 1/172] .
[*] وقال مقاتل بن محمد العتكي: حضرت مع أبي وأخي عند أبي إسحاق
(1/466)
-إبراهيم الحربي- ، فقال إبراهيم الحربي لأبي: هؤلاء أولادك؟ قال: نعم، قال: احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم . كما في [صفة الصفوة] لابن الجوزي.
وغير خافٍ أن الناس يختلفون في طرائق التربية والتوجيه، وهكذا الحال مع الزوجين، فإنهما قد لا يتفقان على منهج واحد في التربية، بسبب اختلاف طبيعة الرجل عن المرأة. إلا أنه من المتفق عليه أن ثمة مجالات تختلف باختلاف سنّ الولد وطبيعته يكون رائد التربية فيها الأب، ومجالات أخرى يكون رائد التربية فيها الأم، فعلى كل من الزوجين احترام وتقدير مجال صاحبه، وعدم التعدي عليه فيه، مع التسليم بأن القِوامة للرجل ، سُنّة الله التي قد حكم بين العباد، وهذا لا يعني - ألْبَتّة - أن يلجأ أحدهما إلى تخطئة الآخر أمام الأولاد، وتجريحه والنيل من كرامته، أو يختلف الأبوان في الأسلوب الأمثل لحل واقعة بين الأولاد بحضورهم، فإن ذلك يؤدي إلى جرح عميق في نفوسهم ، يبقى أثره أبد الدهر، وأقل ما يحصل من ذلك عقوق الأولاد لأحدهما، واستهانتهم بالمهزوم منهما، ولعلكم تُدركون هذا جيداً حينما تسمعون أن امرأة لها أربعة أبناء، كل منهم يملك سيارة خاصة، إلا أنها مع ذلك تستعمل النقل الجماعي وأحياناً تستقدم سائقاً خاصّاً؛ لرفض أولادها خدمتها. ومن أسباب ذلك تصرف زوجها الذي كان يقوم بإهانتها أمام أولادها، حتى فقدت كل مقومات التأثير عليهم، فبدر منهم هذا العقوق لها.
وإذا كان للزوج ملحوظة على زوجته بشأن تربية الأولاد، فلا يبدي هذه الملاحظة أمام الأولاد، ولكن إذا انفرد بها قال لها ما شاء، ومثل ذلك الزوجة من باب أَوْلى.
وهناك أمور يجب مراعتها عند تربية الأولاد :
(1) الحرص على تعويدهم على الطاعة وتحبيبهم فيها ، وتبغيضهم للمعصية وتنفيرهم منها لاسيما في الصغر ومن ذلك ما يلي :
أ - أمرهم بالصلاة وتعويدهم عليها .
(1/467)
وهذا هو شأن المرسلين والصالحين قال جل وعلا عن إسماعيل عليه السلام (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً) [ مريم / 55]
وقال عن لقمان في وصيته لابنه : (يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ)
[ لقمان / 17]
وقال جل شأنه : قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [ طه / 132].
( حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع .
ب - ومن ذلك تعويد البنات على اللباس والتستر والتحشم .
[*] قال شيخ الإسلام في الاختيارات : " يجب على وليهن أن يؤدبهن بآداب الإسلام ، فيأمرهن بأن لا يخرجن إلا ساترات لعوراتهن خشية الفتنة وتعويداً لهن على الأخلاق الفاضلة حتى لا يكن سبباً في انتشار الفساد ، ويأمرهن بالصلاة في خمار ، ولو صلت بدونه صحت صلاتها
(حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمار .
(2) أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأولادهم ،فإن الطفل ينشأ على ما عوده عليه أبواه .
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا ... على ما كان عوَّدهُ أبوه
ومادان الفتى بحجىً و لكن ... يعوِدهُ التدين أقربوه
( حديث عبد الله بن عامر رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود ) أنه قال : دعتني أمي يوما ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما أردت أن تعطيه ؟ " قالت : أعطيه تمراً . فقال لها رسول الله : " أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة " .
[*] قال إبراهيم بن الإمام وكيع بن الجراح : في سير أعلام النبلاء (9/149)
كان أبي يصلي , فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى , حتى جارية لنا سوداء .
[
(1/468)
*] وقال عبدالوارث بن سعيد :
أتتني عُليَة بابنها إسماعيل , فقال : هذا ابني يكون معك , ويأخذ بأخلاقك .. كما في سير أعلام النبلاء (9/115) فكان ابنها إسماعيل بن إبراهيم المعروف بإسماعيل بن عُليَة من كبار أهل العلم بالحديث في زمانه .
[*] قال الفضل بن عياض : في حلية الأولياء (8/299) :
اللهم إني اجتهدت أن أؤدب علياً (ابنه) فلم أقدر على تأديبه , فأدبه أنت لي .
فكان ابنه علياً من العبّاد الزهاد في زمانه رحم الله الجميع .
[*] قال إبراهيم النخعي :
" كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار " البخاري (3451).
[*] قال ابن القيم في تحفة المودود (146) :
" ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه ، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغيره : من حرد وغضب ، ولجاج ، وعجلة ، وخفة مع هواه ، وطيش ، وحدة ، وجشع ، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك ، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له ، فلو تحرز منها غاية التحرز ، فضحته ولا بد يوماً ما ، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم ، وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها ، وكذلك يجب أن يجتنب الصبي إذا عقل : مجالس اللهو ، والباطل ، والغناء ، وسماع الفحش ، والبدع ، ومنطق السوء ، فإنه إذا علق بسمعه ، عسر عليه مفارقته في الكبر ، وعز على وليه استنقاذه منه ، فتغيير العوائد من أصعب الأمور ، يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية ، والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً " .
[*] قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في حراسة الفضيلة (127) : " قال الله عز شأنه : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً... } فالولد من أبيه ، فيشمله لفظ : { أنفسكم } والولد من الأهل ، فيشمله : { وأهليكم } .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية ، أنه قال : " علموهم وأدبوهم " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال (1/495).
(1/469)
والذرية الصالحة من دعاء المؤمنين كما في قول الله تعالى : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً } .
[*] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى :
" الرجل يرى زوجته وولده مطيعين لله عز وجل وأي شيء أقر لعينه من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله عز وجل " رواه ابن أبي الدنيا في ( كتاب العيال : 6172) وفي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله ? يقول : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عنهم " . وجلي من هذه النصوص ، وجوب تربية الأولاد على الإسلام وأنها أمانه في أعناق أوليائهم ، وأنها من حق الأولاد على أوليائهم من الآباء والأوصياء وغيرهم وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الوالدان إلى ربهم ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية ، وقد ثبت عن النبي ? أنه قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية " وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاص لله تعالى يحمل وزر معصيته أمام ربه ، ثم أمام عبادة. وعن حميد الضبعي قال : " كنا نسمع أن أقواماً سحبوهم عيالاتهم على المهالك " رواه ابن أبي الدنيا في (كتاب العيال (2/622) " .
والله سبحانه يقول : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ... } ومن عدواتهم للوالدين : التفريط في تربيتهم ، لما يؤول إليه من التأثيم .
[*] قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى :
" كان يقال : إذا بلغ الغلام فلم يزوجه أبوه فأصاب فاحشة ، أثم الأب " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال (1/172) " ا.هـ.
(9): بِرُّ والديْ كلٍّ من الزوجين وأقاربهما :
(1/470)
بِرُّ والديْ كلٍّ من الزوجين وأقاربهما، وكذا جيرانهما. فعلى كل من الزوجين أن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه، وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بين الزوجين، وكم من زوج تحدث أمام حليلته بمثالب أبيها وسقطاته - وهو مَن هو في جلالة قدره عندها - فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ شمعة السعادة المضيئة في حياتها مع زوجها، وأشد من ذلك الحديث عن أمها.
وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة، فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء.
ولسنا نلزم أحداً منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن، يصرفها كيف يشاء، ولكنا نُحتِّم عليه أن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه.
وأقارب كل من الزوجين يجب احترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم. أما عن علاقة الزوجين بالجيران، فتختلف باختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار مسبق لعلاقتهما بهم.
(10) الوفاء بشروط العقد:
(حديث عمرو ابن عوفٍ المُزَني الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً .
[*] قال الخطابي:
"قد تختلف الشروط في عقود النكاح، فمنها ما يجب الوفاء به، ومنها ما لا يجب.
فأما الذي يجب الوفاء به فهو المهر والنفقة وحسن العشرة، وقد شرط الله تعالى هذه الأمور لهن على الأزواج بقوله: { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة:229].
وأما الذي لا يلزم من الشروط فهو ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتراطه كقوله: كسؤال المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها)) ونحو ذلك من شروط الضرار .
(
(1/471)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :نهى رسول الله أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها).
[*] وقال النووي:
"قال الشافعي وأكثر العلماء: إن هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا يقصِّر في شيء من حقوقها، ويَقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك. وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يَقسم لها، ولا يتسرى عليها، ولا ينفق عليها، ولا يسافر بها ونحو ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل يلغو الشرط ويصحّ النكاح بمهر المثل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) .
(11) حق الاستمتاع:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(فأبت) : امتنعت بلا عذر ( فبات ) أي فبسبب ذلك بات وهو ( غضبان عليها ) فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة . قال العراقي : وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق .
(
(1/472)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها .
( حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟. قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
[*] قال ابن حجر: "وفيه مشروعية تزيُّن المرأة لزوجها، وثبوت حقِّ المرأة على الزوج في حسن العشرة، وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله: (ولأهلك عليك حقا)، ثم قال: (وائت أهلك)، وقرَّره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
[*] وقال ابن حزم: "وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته، وأدنى ذلك مرة في كل طهر إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى" .
( حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير قال فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولجسدك عليك حقا .
(1/473)
شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من زوجها فأحال القضاء إلى كعب الأسدي ، فلما جيء بالرجل قال القاضي : إن امرأتك تشكوك .
قال : أفي طعام أو شراب ؟ لِلَّهِ
قال : لا .
فقالت المرأة:
أَلْهَى خليلي عن فِراشي مسجدُه
ولستُ في أمرِ النساءِ أحْمَدُه ، يا أيها القاضي الحكيم أرْشِدُه ،
زَهَدَه في مضجعي تَعَبُدُه
فقال زوجها :
إني امرؤ أذهلني ما قد نزل
وفي كتاب الله تخويفٌ جَلَل ، زَهدتُ في فِراشِها وفي الحُجَل
في سورة النحل وفي السبع الطول
فقال كعب :
تصيبها في أربعٍ لمن عَقَل ، إن لها عليك حقاَ يا رجل
فأعطها ذاك وَدَعْ عنك العِلل .
{ تنبيه } : ومن حق الاستمتاع التجمل لبعضهما : فينبغي أن يحرص كلٌ من الزوجين أن يبدو جميلاً في نظر صاحبه، لئلا يتنافرا، وليزداد قرباً وتألفاً، وأعظم طيب الماء وأعظم تجمل النظافة، ولقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرجل شعره، ويكثر دَهنَ رأسه وتسريحَ شعره، وأنه كان كثير الاكتحال، وكثير الاستياك وكثير التطيب، لذلك لم يشم من في رسول الله ولا من جسمه رائحة تكره، وإذا كان التقصير غالباً ما يكون من الرجال، فإن ابن عباس - رضي الله عنه - قد حث الرجال على مقابلة التجمل بالتجمل، وحكى عن نفسه قائلاً: إني ألبس وأتجمل لها كما أحب أن تتجمل لي.
[*] قال ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله يقول : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
وهنا سؤالٌ يطرحُ نفسه
[*] ما حدود النظر إلى عورة الزوج والزوجة ؟
فصل الخطاب في هذه المسألة :
أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن زوجها، ويجوز للزوج أن ينظر إلى بدن زوجته،
قال تعالى: (وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [ المؤمنون /5، 6]
(
(1/474)
حديث معاوية بن حيده رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
والحديث فيه بيان جواز اغتسال الرجل مع أهله، وفيه جواز نظر الزوج إلى عورة زوجته والزوجة كذلك .
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت: ((كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه.)
[*] قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري )) (1/ 290):
" استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق: سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ، فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة ". قلت: ويدل عليه أيضاً حديث معاوية بن حيدة الآتي :
( حديث معاوية بن حيده رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أنلا يرينها أحد فلا يرينها قيل : إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
{ تنبيه } :وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم في أنه قال:(إذا أتى أحدكم أهله، فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين)) . فمنكر، ولا يصح في المنع حديث.
)12) التوارث:
(1/475)
قال الله تعالى: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [النساء:12].
[*] قال الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: ولكم ـ أيها الناس ـ نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن من مال وميراث، إن لم يكن لهن ولد يوم يحدث لهن الموت لا ذكر ولا أنثى، { فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ } أي: فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهن الموت ولد ذكر أو أنثى، فلكم الربع مما تركن من مال وميراث، ميراثا لكم عنهن، { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } يقول: ذلكم لكم ميراثا عنهن مما يبقى من تركاتهن وأموالهن من بعد قضاء ديونهن التي يمتن وهي عليهن، ومن بعد إنفاذ وصاياهن الجائزة إن كن أوصين بها.
(1/476)
وقوله تعالى: { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } يعني جل ثناؤه بقوله: { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ } : ولأزواجكم ـ أيها الناس ـ ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مال وميراث، إن حدث بأحدكم حدث الوفاة ولا ولد له ذكر ولا أنثى، { فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ } يقول: فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولد ذكر أو أنثى، واحدا كان الولد أو جماعة، { فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم } يقول: فلأزواجكم حينئذ من أموالكم وتركتكم التي تخلفونها بعد وفاتكم الثمن من بعد قضاء ديونكم التي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة التي توصون بها" http://www.alminbar.net/malafilmy/osool/5.HTM - _ftn12#_ftn12.
(13) الصبر على الزلات والهفوات من بعضهما :
لا بد أن يقع من الزوج هفوات وأخطاء ، والزوجة كذلك، وكثير من الرجال لا يعترف بهفوته وزلته، ويعظم زلة زوجته ولو صغرت، والمقام ليس مقام تجريح أو تأنيب؛ وإنما هو سبيل المسامحة والملاينة ، ما دام أن الأمر ليس فيه تهاون في حق الله أو حق الزوج .
[*] أبي الدرداء : "إذا رأيتني غضبا فرضني " . "وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب .
الزوجية، وأنها لا تستقيم على حال، فيوم رضا ، ويوم غضب، ويوم هناء، ويوم جفاء . وما دام الأمر كذلك، فلا ينبغي إطالة أوقات الغضب والجفاء، والعمل من قبل الزوجين على تقصيرها ما وجدا لذلك سبيلاً .
(1/477)
وسأذكر لك موقفين للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يوضح هذا المعنى وضوحاً جلياً وهو أن الرجل غالباً لا يكون على وتيرةٍ واحدة بل أحياناً يصبر على زوجته وأحياناً يحتد عليها وأنه يجب على الزوجين كليهما أن يصبر على بعضهما حال الغضب فإنه أجدرُ أن يُؤدم بينهما :
القصة الأولى :
قد روي أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعاً وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي ؟ فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه وقال ما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طبَّاخة لطعامي خبَّازة لخبزي غسَّالة لثيابي مُرْضِعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة .
قال عمر بن الخطاب لزوجته: "يا عدوة الله، وفيما أنتِ وهذا، ومتى كنتِ تدخلين بيني وبين المسلمين. إنما أنتِ لعبة يُلعَبُ بكِ ثمَّ تُتْرَكين.."
(من كتاب، تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة) قال عمر ذلك حين أتته امرأته تسأله فيما وجد على قريبها عيّاض بن غنم الذي كان عمر قد ولاّه على الشام ثم بلغه أنه اتخذ لنفسه حماماً ونوّاباً.
وفي "إحياء علوم الدين للغزالي" جاء أن عمراً قال لزوجته: "إنما أنتِ لعبةٌ في زاوية البيت. وجميعُ الملاعبةِ مع النساءِ لهوٌ إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد."
[*][*][*][*]
[*] تاسعاً : علاج الخلافات الزوجية
[
(1/478)
*] إنَّ الحياة الزوجية مبناها على الألفة والمودة والتفاهم، لكن قد يقطع ذلك أمور عارضة للطبيعة البشرية ، وسرعان ما تزول وتتلاشى إذا عولجت بحكمة ورزانة، وما من زوجين إلا ويحدث بينهما ذلك ، فلا يوجد زواج بلا مشاكل وخلافات بين الزوجين ، مهما تقاربت الطباع ، فالخلافات الزوجية أمر طبيعي لن تنجو منه أي علاقة زوجية مهما عظم الحب والاحترام ومقدار التدين ... وحتى البيت النبوي والذي طرفاه نبي وزوجة نبي مبشرة بالجنة لم يسلم منها .... ولكن بالصبر والتحمل وتلمس العذر ، وتوفر الثقة ، وحسن الظن بالشريك ، يمكن أن تزول أغلب الخلافات ويتم التواؤم بين الزوجين .
فقد ذهب أبو بكر - رضي الله عنه - عنه إلى بيت ابنته عائشة ذات مرة فسمعها من خلف الباب وهي ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم غاضبة منه ، فغضب أبو بكر غضباً شديداً وهمَّ أن يضربها لولا أنها هربت واحتمت بظهر زوجها وحبيبها صلى الله عليه وسلم ليحميها .
أيضاً اتفقت زوجاته صلى الله عليه وسلم على أن يطالبنه بتحسين أوضاع بيوتهن ، وزيادة النفقة عليهن ، فما كان منه عليه السلام إلا أن هجرهن شهراً كاملاً حتى نزل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } [الأحزاب: من الآية28] .فاخترن الله ورسوله على الدنيا وزينتها .
[*] فلا شك أن الحياة الزوجية قوامها المودة والرحمة، والحب والتفاهم، وحسن العشرة، والمشاركة، والتعاون، والشياطين تسعى بكل ما أوتيتْ من حيل للإفساد والتفريق بين الأزواج، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين.
وأعلى الشياطين منزلة عند إبليس، وأقربهم إليه، وأدناهم منه منزلة؛ ذلك الذي يفرق بين زوجين.
( حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(1/479)
إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة: أعظمهم فتنة يجيء أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فَرَّقَتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ، فيلتزمه .
[*] معنى سراياه : جنوده
[*] معنى أعظمهم فتنة: أعظمهم إغواءً وإفسادًا
[*] معنى فيلتزمه : أي يحتضنه
وقال تعالى: ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) [ البقرة: 102]
فعلى كل زوجين أن يعلما أن شياطين الجن والإنس لهما بالمرصاد، فهم يتربصون بكل زوجين ، ويضمرون لهما العداوة والبغضاء، فيصعِّدون الخلافات البسيطة مما يجعلها ذات حجم أكبر من أصلها، وربما كانت سببًا في إحداث الفرقة بينهما.
[*] ويجب على الزوجين أن يسرعا في علاج الخلافات في بدايتها وأن يُعالج الخطأ في مَهده قبل أن يستفحل الأمر ويتسع الخَرْقُ على الراقِع وقبل أن يستعصي الداءُ فلا ينْفَعُ دواء ، وليعلما أن التواني والقعود عن حلها يعني تأصيلها وتغلغلها في جسد الحياة الزوجية. وإن الخلافات إذا استشرتْ في الحياة الزوجية؛ هزلت وضعفت ومرضت، وربما انتهت -لا قدر الله-. إنها كالسوس الذي ينخر في الساق المتين، فيجعله هباءً منثورًا، وما أجمل أن يضع الزوجان أسلوبًا أو منهجًا، يتفقان عليه في مواجهة المشكلات الزوجية؛ وذلك من أول أيام الزواج.
[*] ومن هنا يتضح أنه ليست المشكلة في وجود " مشكلة " وإنما المشكلة ومكمن الخطورة في :
(1/480)
كيف نتصرف بشكل إيجابي لحل هذه المشكلة ؟
كيف يمكننا أن نقلل وقتها ، وأن نخرج منها كذلك دون أن نترك أثراً سيئاً يتراكم على هدم حياتنا وعش سعادتنا حتى يدفئه ؟!!
[*] كيفية علاج الخلافات الزوجية
قد تهب بعض عواصف الخلاف على الحياة الزوجية ، فتعكر على الزوجين سعادتها وراحتها وتقضى على أواصر المودة والمحبة بينهما ، وتقلب حياتها من نعيم إلى جحيم . ولقد أرشدنا القرآن الكريم إلى العلاج الناجح ، والدواء الشافي لمثل هذه الحالات فقال تعالى : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّ كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً " (النساء 34 ، 35) .
قال ابن جرير الطبري : نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع وامرأته حبيبة بنت زيد ، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها ، فأنطلق أبوها معها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أفرشته كريمتي فلطمها لِلَّهِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتقتص من زوجها " فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجعوا هذا جبريل أتاني ، وانزل الله : " الرجال قوامون على النساء " الآية فقال صلى الله عليه وسلم " أردنا أمرا وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير " ورفع القصاص ( تفسير الطبري :5/58(
(1/481)
وقد قسم القران الخلاف بين الزوجين إلى درجات ووضع لكل درجة علاجا مناسبا لها.
الدرجة الأولى :-
الخلافات البسيطة بين الزوجين كاختلافهما في الطباع والذوق والمزاج ، وهذه الخلافات الصغيرة المتكررة بين وقت وأخر ، ولا تخلو منها أسرة من البشر ، حتى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم من مثل هذه المنغصات العابرة (حديث عمر رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) قال : كنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على الأنصار إذ قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذون من أدب الأنصار ، فضجت على امرأتي فراجعتني فأنكرتُ أن تراجعني لِلَّهِ فقالت ولِمَ تُنْكِر أن أراجعك ؟! فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك ، فدخلت على حفصة فقلت لها : أى حفصة أتغاضبن إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم حتى الليل ؟ قالت : نعم . فقلت : قد خبت وخسرت (
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين ) قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك .
والعلاج هنا يكون بين التسامح وغض الطرف ، وبين الموعظة والمغاضبة والهجر اللطيف ، ودعوة كل طرف أن يراجع نفسه ،
والحديث فيه استقراء النبي صلى الله عليه وسلم لحال أهله ، ومعرفته بهم في حال الرضا، وفي حال الغضب .
الدرجة الثانية : -
إن يكون الخلاف حول أمر جوهري لا يمكن التغاضي عنه أو التسامح فيه ، وقد نبهت الآية إلى عدة حلول لها:
(1) النصح والإرشاد ، حيث يلفت الزوج نظر زوجته إلى خطئها ، ويبين لها الصواب ، بالقول اللين ، والوعظ الحسن .
(
(1/482)
2) الهجر في المضاجع أي يترك الجماع ، مع الصد والإعراض ، قال ابن عباس يوليها ظهره ولا يجامعها ، وقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا حتى شاع في المدينة انه طلقهن .
(3) الضرب الخفيف [ غير المُبَرِّح ] ، فان لم ترتدع الزوجة بالموعظة ولا بالهجران فله أن يؤدبها بالضرب غير المبرح ضربا رقيقا رحيما يؤدب ولا يحطم ، قال تعالى : " وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًّ كَبِيراً (34) " ( النساء /34 )
{ تنبيه : } وقد وضع الإسلام قيودا وضوابط لهذا العلاج حتى ربط بين الضرب وبين الإتيان بقبائح الأفعال كالفاحشة كما في الحديث الآتي :
(حديث عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"ألاَ واسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيراً، فإنّمَا هُنّ عَوانٌ عِنْدَكمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ، إلاّ أَنّ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ. فَإنْ أطَعْنكُمُ فَلاَ تَبْغُوا علَيْهِنّ سَبِيلاً. أَلاَ إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُم حَقّاً. ولِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَأَمّا حَقكّمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئنَ فُرُشكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِن".
[*] قال ابن حجر : " إن كان لابد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام ، فان اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ، ومهما كان الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجة إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله تعالى " ( فتح الباري :9/204 )
(1/483)
الدرجة الثالثة :-
إذا اشتد الخلاف وعجزت كل الطرق السابقة في العلاج فعلى الحاكم إن يختار حكمين عدلين واحدا من أقرباء الزوجة والثاني من أقرباء الزوج ليبحثا في موضوع الخلاف ويحاولا الإصلاح بين الزوجين بالطرق الحكيمة قال تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً " ( النساء /35 )
[*] قال القرطبي : إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " أي إن يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين وقيل إن يرد الزوجين إصلاحا وصدقا فيما اخبرا به الحكمين يوفق الله بينهما ، والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمراة إذ هما أبصر بأحوال الزوجين ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر والفقه ، فان لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين " ( تفسير القرطبي 5/123 )
الدرجة الرابعة :-
أن تتسع الفجوة بين الزوجين ويقع ما تستحيل معه العشرة وترتفع الألفة والمودة فيلجأ إلى الطلاق ، وأخر الداء الكي كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال صلى الله عليه وسلم طلقها ( رواه النسائي 6/170 )
وكما في حديث ابن عباس الآتي :
( حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري ) أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله : (أتردين عليه حديقته). قالت: نعم، قال رسول الله : (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة).
والله نسال ان يحفظ بيوتنا من الشقاق والخلاف وان يديم بيننا المودة والوفاق .
{
(1/484)
تنبيه } : ومما يساعد الزوجين على حل المشكلات والخلافات الزوجية قبل أن يتسع الخرق على الراقع وقبل أن يستعصي الداء فلا ينفع دواء ويحصل ذلك بأن يكون لديهم القدرة على حل المشكلات ويتم ذلك في نظري بمراعاة الأمور الآتية :
أ- التروي والحِكْمَة:
عندما يمعن المرء النظر في الحياة الزوجية عند عامة الناس لا يكاد يجد بيتاً يسلم من مشكلة تخْبو نارها إلى وأخرى على إثرها يتأجج أُوارُها. وليس هذا غريباً على طبائع البشر، حتى بيت النبوة لم يكن بمنأى عن تلك الخلافات لكنها حكمة الله تتجلى في وجودها، ليظهر للناس كيف يقف المصطفى صلى الله عليه وسلم منها، فتقتدي الأمة به، وتتأسى بهديه، ولو شاء الله لصفّى للمصطفى حياته من الكدر، ومشكلات البشر.
( حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري ) قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت .
فانظر - رحمك الله - إلى هذه الأناة وتلك الحكمة من هادي البشرية في معالجة الخلافات، واحتواء المشكلة قبل أن تكبر وتتعاظم.
إن من أعظم ما يجب الاستمساك به عند اندلاع نار الفتنة في بيت الزوجية هو أن يطفئ المرء نارها بماء الأناة والحكمة وإلا فإن النار قد تزداد اشتعالاً فتُهْلِك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
(1/485)
ولقد حدث لأحد الأزواج خلاف مع زوجته، أثار غضبها، وطلبت منه الطلاق بقوة وإلحاح، فأمرها أن تأتي بورقة وقلم ليكتب ما تريد، فجاءت بهما، فأشار عليها أن يؤجل الكتابة إلى الغد، فوافقت، فما أشرقت شمس غد حتى أشرق نور الوِفاق بينهما، بعد زوال سَوْرة الغضب، وحِدّة التّوَتّر وعلمت الزوجة أثر أناة زوجها في حل المشكلة وتلافيها.
ب- التكيف :
ونقصد به: حمل كل من الزوجين نفسه على التأقلم مع صاحبه ومراعاة اختلاف طبيعته، وطريقته في التعامل.
وهذه المسألة من أخطر المشكلات التي تواجه الزوجين في بداية الزواج، كما حدثني بذلك أحد المختصين، لأن كلاً منهما قد عاش في بيئة تختلف عن بيئة الآخر وعلى منهج مغاير، فهل ينتظر منهما أن يتوافقا في الأذواق والأمزجة والطبائع في غضون ليالٍ قليلة إن لم يحمل كلٌّ نفسه على التكيف مع صاحبه، خصوصاً في بدء حياتهما. وعندما ينعدم التكيف نسمع أن فلاناً طلق عروسه ليلة عرسه، وآخر فارقها بعد أسبوع، وأخرى طلبت الطلاق بعد شهر، وكان الأجدر بهؤلاء أن لو تريثوا وحملوا أنفسهم على الاختلاف الطارئ في التعامل.
(ج) ضبط اللسان :
حفظ اللسان من سيئ الكلام، وبذيء الحديث، والثرثرة أعظم مفتاح يمتلكه المرء لإغلاق باب المنازعات على نفسه، إذ لو تأمل العاقل في غالب منازعات الناس ، فضلاً عن الزوجين، لوجدها من عثرات الألسن لأن اللسان أمره خطير وشرُّه مستطير ،
قال عليُّ رضي الله عنه : اللسان سبْعُ إن خُلِيَ عنه عقر .
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يحث على ضبط اللسان منها ما يلي :
(حديث عقبة بن عامر في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك .
(
(1/486)
حديث أبي سعيدٍ في صحيح الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول : اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا و إن اعوججت اعوججنا .
*معنى تُكَفِّرُ اللسان : أي تذل وتخضع له وتناشده كل صباح بالاستقامة
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم .
(حديث سهل بن سعد في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من يضمن لي ما بين لحييه و ما بين رجليه أضمن له الجنة .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : تقوى الله وحسن الخلق , وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ قال الفم والفرج .
(حديث معاذ في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) قال قلت يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة ويباعدني من النار ؟ قال لقد سألتني عن عظيم و إنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة المكتوبة و تؤتي الزكاة المفروضة و تصوم رمضان و تحج البيت ; ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة و الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار و صلاة الرجل في جوف الليل ; ألا أخبرك برأس الأمر وعموده و ذروة سنامه ؟ رأس الأمر الإسلام و عموده الصلاة و ذروة سنامه الجهاد ; ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ كف عليك هذا - و أشار إلى لسانه - قال : يا نبي الله لِلَّهِ و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ لِلَّهِ و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم .
*معنى مِلاك ذلك : قِوامه أي ما يقوم به كله
(
(1/487)
حديث ابن مسعود في صحيح الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس المؤمن بالطعان و لا اللعان و لا الفاحش و لا البذيء .
نعم إن فلتات اللسان مقاتل الإنسان، وأماني الشيطان، وصدق من قال:
احفظ لسانك أيها الإنسان ... لا يلدغنّك إنه ثُعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءَهُ الشّجعان
وثالث يبيّن مدى السلامة في ترك الثرثرة:
الصمت زَيْنٌ والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
فلئن ندمت على سكوتك مرة ... فلتندمنّ على الكلام مرارا
ولذا فعلى كل من الزوجين حفظ لسانه وبخاصة عند حدوث المشكلات وارتفاع سَوْرَة الغضب، فمنه كلمة ومنها أخرى حتى يقع المحذور.
د- عدم نقل المشكلات خارج البيت :
إن نقل المشكلة خارج نطاق البيت يعني بقاءها، وازدياد اشتعال نارها، وخصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين، لأنهم لا يدركون أبعاد المشكلة وأسبابها، وغالباً ما يسمعون القضية من طرف واحد، هو خصم، والخصم لا يسمع كلامه إلا بحضور خصمه، فيحكمون حكماً جائراً أعور، وقد تأخذهم الحمية لإنقاذ ابنهم أو ابنتهم، فيُضْرمون نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بالبقية الباقية من أواصر المحبة بينهما.
وغالب ما يحدث من منازعات بين الزوجين إنما هي أمور طفيفة لأسباب تافهة، تقوم لسوء مزاج أحدهما في وقت معين أو نحو ذلك، ثم تُصور للآخرين بألفاظ أضخم من حقيقة المشكلة فيظن السامع لها الذي لم يعايشها أنها كبيرة ومستعصية، فتأتي على إثر ذلك حلول شوهاء، يذهب ضحيتها الزوجان. ولذلك كان من المستحسن أن يتواصى الزوجان، ويتعاهدا على عدم نقل مشاكلاتهما خارج عشّ الزوجية، وأن يحرصا كل الحرص على ألا تبيت المشكلة معهما ليلة واحدة.
إن عضّك الدّهر فكن صابراً ... على الذي نالك من عضّته
أو مَسَّك الضر فلا تشتك ... إلا لمن تطمعُ في رحمته
هـ- استشارة ذوي العقول وأهل الاختصاص :
(1/488)
إن التشاور مع ذوي الشأن وأرباب الحِجى عامل مهمّ في كل ما يحدث من خلاف بين الزوجين، ذلك لأن غيرك يعرف من الحلول ما لا تعرفه، وقد يكون ممن وقع في حَدَثٍ مماثل فَوُفِّق للحل المناسب. وعادة ما يصاب المرء حين المشكلة بضيق في الرأي، وتعكير على صفو التفكير، يحتاج معه إلى الاستناد إلى آراء الآخرين، للخلاص مما هو واقع فيه.
وأعرف شابّاً وقع في بيته حدث كاد يُودِي بالحياة الزوجية إلى أمر محزن، لولا أن الله وفقه لاستشارة صاحب رأي من إخوانه، فطمأنه إلى أنه لا مشكلة فيما حدث، إن عمل بمشورته بإذن الله، وفعلاً انقلبت المشكلة إلى سعادة ورضا، وصارت الزوجة تخجل من نفسها إذا تذكرت ما حصل منها، وحمد الزوج ربّه على الأناة، وضبط اللسان، واستشارة ذوي الشأن.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35).
و- الرضا بالقضاء والقدر :
إن من أعظم ثمرات الإيمان بقدر الله وقضائه، الاطمئنان إلى عدل الله وحكمته، فإن أمر المؤمن كلَّه له خير، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيراً له، والصبر على مُرِّ القضاء دليل على قوة الإيمان وهو ابتلاء من الرحمن لعبده، أيقابله بالشكر والرضا، أم بالكفر، والسخط بما قدره الله تعالى، والاعتراض على حكمته وتدبيره.
وليعلم الزوجان أن رضاهما بما قدر عليهما كعدم الإنجاب، أو ضعف الولد أو تشويهه أو نحو ذلك من أسباب المشكلات، واحتسابهما الأجر عند ربهما وصبرهما على بليتهما خيرٌ لهما في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا سعادةٌ وانشراحُ صدرٍ. وفي الآخرة جنة، ورضوان من الله أكبر.
(1/489)
وإنه لينقضي عجبك من قوم تسمع عن أحدهم أنه هدد امرأته بالطلاق، لأنها تنجب البنات. وكأنه لا يدري أن أمر الولد ليس موكولاً إليها، ولا إلى أحد من المخلوقين، بل هو تقدير العزيز العليم (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) (الشورى: الآيتان 49،50). وكأنه أدرى بالحكمة وأعرف بالمصلحة من ربه - جل وعلا -، وهذا التصرف دليل على ضعف الإيمان، وقلة اليقين.
وقد روت كتب الأخبار أن رجلاً سخط على امرأته وهجرها لأنها مئناثٌ لا تَلِدُ إلا البنات، وتزوج من أخرى، فأنشأت أبياتاً تقولها وهي ترقص إحدى بُنياتها وتبين أنه لا مجال للسخط عليها:
مال أبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أنا لا نلدُ البنينا ... تالله ما ذاك في أيدينا
وإنما نحن كالأرض لزارعينا ... ننبت ما زرعوه فينا
فأدرك الزوج خطأه، وعاد إلى زوجته، وعاشرها بالحسنى.
وقد يبتلى بعض الرجال بزوجة دميمة، فعليه أن يصبر على ما ابتلي به (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19). وعليه ألا يُعَيّر المرأة بدمامتها، وهو أمرٌ ليس من تقدريها وخلقها، وقد يؤدي مثل هذا التعيير والتنقص إلى إثارة المرأة ومحاولتها الانتقام من زوجها، كما نشرت جريدة الرياض قصة امرأة مصرية، قتلت زوجها، وقطعته عدة قطع، لأنه كان يعيرها بقبحها، ويهددها بالزواج عليها.
ومثل ذلك إذا أنجبت المرأة أولاداً معوقين، فعليه بالرضا بالقضاء والقدر، ولعل الله أراد به خيراً، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، وعليه بفعل ما يشرع من الأسباب لتلافي مثل ذلك، وقل مثل هذا إذا أصيب أحد الزوجين بمرض أو عاهة فعلى الآخر الرضا والصبر والاحتساب، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
(1/490)
وعلى الزوجة أن تصبر إذا افتقر زوجها بعد غنى، أو ابتلي بمصيبة من مصائب الدنيا كالسّجن والتغرب وغيرها (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق: من الآية7).
[*] عاشراً :صفات المرأة القاتلة للسعادة الزوجية
يوجد صفات قاتلة للسعادة الزوجية وإنما نذكرها لتجتنبها كل امرأة صالحة وتفرُّ منها فِرارها من الأسد منا ما يلي :
[*] عدم مراقبة الزوجة لله في حياتها الزوجية ويعد هذا الداء مكمن الخطر في الحياة الأسرية فإذا استشعرت الزوجة منذ اليوم الأول في حياتها الزوجية بمراقبة الله والاحتساب له في حسن تَبَعُلِها لزوجها أسدَلَ الله عليها البركة والرحمة والخير وتحولت هذه الحياة لجنة عالية تسمو بأصحابها إلى أعلي عليين السعادة وعلي العكس في حالة اختفاء هذه المراقبة تطلق الزوجة العنان لشيطانها ليتلاعب بحياتها كيفما شاء ليخرجها من نور السعادة لظلمات التخبط والتعاسة.
[2] ومن هذه الصفات الفاشلة القاتلة أيضا الكذب علي الزوج فلاشك أن الكذب خلق سيء وعادة خبيثة ، والكذابون ممقوتون من الناس ، بعيدون عن الله والجنة ، قريبون من الشيطان و النار ..
وآفة الكذب أنه يمكن أن يصبح عادة ، فالكذب مرة ثم مرة يحيله إلى عادة من الصعوبة بمكان التخلص منها ، ولا تنسى أن الكذب يهدي إلى الفجور بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
(
(1/491)
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) *فالكذب هو السبب الرئيس لفقد الثقة بين الزوجين واختلال المعادلة الانسجامية بينهما وتفتح الباب علي مصراعيه للشك ولعل ما سمعناه من بعض الأزواج عن تحول حياتهم الزوجية إلى جحيم بسبب الشك القاتل المترتب علي كذب زوجته عليه خير دليل علي خطورة هذا المرض فهذا زوج يؤكد أن كذب زوجته علية دفعه ليتتبع خطواتها ويشك في سلوكها وآخر يؤكد أن كذب زوجته كان السبب الرئيس في طلاقه لها واصفا أنه فقد الأمان معها بسبب مدوامتها علي الكذب.
[2] ومن أخطر الصفات الفاشلة القاتلة التي تدفع الزوج إلى الهروب من حياته الزوجية حرص الزوجة علي اصطناع نقاط الخلاف والضرب علي أوتارها رافعة شعار(النكد أصل في الحياة!) وهذه الصفة تدفع الزوجة إلى التفنن في (العكننة) علي زوجها والحرص علي التشاجر علي أتفه الأسباب وإشعال نيران الخلاف المستمر بينها وبين زوجها مما يُحَوِّل الحياة إلى بيت هَش سرعان ما ينهار مع أول فرصة لهروب الزوج من نكد الزوجة.
[3] و هذه الصفات الفاشلة القاتلة حرص المرأة علي النِدِّيَة لزوجها ضاربة بمبدأ القوامة الذي أقره القرآن الكريم عرض الحائط فهي دوما تحرص علي أن تكون صاحبة القرار في إدارة حياتها الأسرية مستشعرة دائما أنها في صراع لابد أن يكون لها الغَلَبَة فيه متناسية أبسط قواعد طاعة الزوج والتفاهم والحوار متمسكة بحبال الغرب مستجيبة لدعاوى المساواة العمياء .
[
(1/492)
4] و من الصفات الفاشلة القاتلة التي أدت إلى انهيار كثير من بيوت المسلمين إهمال الزوجة في نفسها وزينتها فتتحول إلى طاهية بارعة وعاملة نشيطة ومربية أطفال لا مثيل لها تملأ بيتها بالنشاط لكنها تزهد كل الزهد في مظهرها وأنوثتها معتقدة أنها الشهيدة التي تنتحر من أجل الأخريين ومتناسية أن لزوجها حقوقا أقرها نبينا العظيم بقوله (إذا نظر إليها سرته) ونحن لا نعيب عليها اجتهادها في خدمة بيتها وأولادها ولكن لابد من التوازن في أداء الوجبات فهي في أمس الحاجة لاستشعارها بأنوثتها ورونقها الذي يخطف أبصار الزوج ويحميه من تبرج الجاهلية الذي امتلأت به شوارع المسلمين ويكفي أن نعلم أن الدراسات أثبتت أن 8% من حالات الطلاق في العالم العربي كان سببها إهمال الزوجة في مظهرها وأنوثتها وان نفس السبب ترتب عليه 12% من حالات الزواج الثاني .
[5] ومن هذه الصفات الفاشلة القاتلة أيضاً رفض الزوجة لفراش الزوجية بصورة مباشرة أو غير مباشرة يُعَدُّ من السلوكيات القاتلة للحياة الزوجية فبعض الزوجات تناسين تحذير نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم لنساء أمته من هذه الجريمة التي ترتكبها بعضهن وحذرهن من لعنات الملائكة لهن بل حثتهن الأحاديث النبوية الشريفة علي سرعة التلبية لذلك الأمر ولو كانت علي التنور كما في الأحاديث الآتية :
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه الثابت في الصحيحين ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
(
(1/493)
فأبت) : امتنعت بلا عذر ( فبات ) أي فبسبب ذلك بات وهو ( غضبان عليها ) فقد ارتكبت جرماً فظيعاً ومن ثم ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ، وفيه إرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب رضاه وأن يصبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة ، وأن أقوى المشوشات على الرجل داعية النكاح ، ولذلك حث المرأة على مساعدته على كسر شهوته ليفرغ فكره للعبادة . قال العراقي : وفيه أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطاً عليها من الكبائر وهذا إذا غضب بحق .
( حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها .
( حديث طَلْقِ بنِ عَلي رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذَا دعا الرّجُلُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِه، وإنْ كانَتْ عَلَى التّنّورِ".
ولكن للأسف تأثر بعض النساء بدعوات العلمانيين تارة واليساريين تارة لحقها في تحديد الوقت الذي ترتضيه لهذا الأمر بل وصل الأمر إلى أنهم وصفوا دعوة الزوجة لفراش الزوجية علي غير رغبتها (بظاهرة اغتصاب الزوجة! ) وذلك لقلب موازين الحياة الزوجية وإفسادها ، فليت شعري من أباح لها ذلك وأوردها المهالك .
[6] ومن هذه الصفات الفاشلة القاتلة تَغَافُل بعض الزوجات عن مدى أهمية العاطفة وإظهار مشاعر الحب للزوج مما يشعر كثير من الأزواج بالفراغ العاطفي الذي يحاول البعض إيجاده عند غيرهن فإن كان صالحاً وجد بديلاً في زوجةٍ صالحةٍ أُخرى ، وإن كان فاسقاً وجد بديلاً في امرأةٍ ساقطةٍ والعياذ بالله ، فلابد أن تحرص الزوجة بين الحين والأخر على إظهار مشاعرها نحو زوجها ويتبادلا كلمات الحب.
[
(1/494)
6] ومن هذه الصفات الفاشلة القاتلة إرهاق الزوج بما لا يطيق من المطالب المادية والانغماس في الرفاهيات من السلوكيات التي تؤدي نفور الزوج عن زوجتة خاصة في حالة قصر ذات اليد فلابد أن يظلل بيوتنا الرضا والقناعة التي هي كَنْزٌ لا يفنى ، فكثير من الأسر انفرط عقدها واتسع الخَرْقُ على الراقع واستعصى الداء فلم ينفعُ دواء بسبب عدم الرضا والتطلع لما يتمتع به الغير ويكفي أن نعلم أن أكثر من 20% من حالات الطلاق التي وقعت في العالم العربي في الأعوام الثلاثة الماضية بسبب عدم رضا أطراف الأسرة بحالتهم الواقعية وضيق ذات اليد رغم أن هذا الأمر يخالف ما عاش عليه نبينا وزوجاته فها هي السيدة عائشة تصف صبرهم علي ضيق الحال في بعض الأحيان بقولها كان يمر الهلال والهلالين ولا يوقد نار في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يعيشوا علي الأسودين التمر والماء ضاربين للأمة المثل الأعلى والقدوة في الرضا والقناعة والتكيف مع الواقع بل تَحَوَّل هذا الرضا إلي جنة صعدت بصاحبها إلى أعلي عليين في سماوات السعادة .
[7] ومن هذه الصفات الفاشلة القاتلة تقديم الزوجة رغبات أهلها وأولادها على رغبات الزوج مما يشعره بتدني مكانته عندها ألا فلتعلم المرأة أنَّ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَكَانًا مَا هُوَ لأَحَدٍ وسوف أسوق لك هذه القصة عساها أن لعلها تجد لكِ في سمعكِ مسمعاً وفي قلبك موقِعا عسى الله أن ينفعكِ بها ويوفِقِك إلى تطبيقها لأن حسن تبعل المرأة لزوجها يُسْدِل الله به عليها البركة والرحمة والخير.
*حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ مات له ثلاثةٌ في غزوة أحد (أخوها عبد الله ابن جحش وخالها حمزةُ بن عبد المطلب وزوجها ومصعب ابن عمير )
(1/495)
فَأَقْبَلَتْ أُخْتُهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : " يَا حَمْنَةُ احْتَسِبِي " . قَالَتْ : مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " خَالَكَ حَمْزَةَ " . قَالَتْ : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، غَفَرَ اللهُ لَهُ وَرَحَمَهُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ .
وكذلك قالت عندما نعاها في أخيها :
ثُمَّ قَالَ لَهَاَ : " احْتَسِبِي " . قَالَتْ : مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " مُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ " . قَالَتْ : وَأحَزَنَاهُ . وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ : وَاعَقْرَاهْ ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَكَانًا مَا هُوَ لأَحَدٍ " .
ثُمَّ قَالَ لَهَا : " لِمَ قُلْتَ هَذَا " . قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتُ يُتْمَ بَنِيهِ فَرَاعَنِي .
فعلى المرأة أن تعترف بمكانة زوجها وألا تتغافل عن هذا الركن الشديد لأنه يخلق جو أسري غير صحي يَسُودُ فيه الشجار المستمر خاصة إذا استشعر الرجل بتدخل أم الزوجة في حياته بصورة مستمرة مما يترتب عليه حالة من الصراع الدائم بين الطرفين وعلى الزوجة أن تقوم بعمل المعادلة الناجحة التي تصنع من خلالها التوازن بين الطرفين بما لا يوقعها في خندق العقوق أو عصيان الزوج.
* هذه بعض الصفات التي إذا اجتمعت في امرأة أفسدت حياتها وحولتها إلي كائن مرفوض من زوجها الذي هو أقرب الناس إليها وأعظم الناسِ حقاً عليها.
[*] الحادي عشر: صفات المرأة التي تجلب السعادة الزوجية
[
(1/496)
*] لم تخلق المرأة من رأس الرجل لئلا تتعالى عليه ، ولا من رجله لئلا يحتقرها ، بل استلت من ضلعه لتكون تحت جناحه .. وقريبة إلى قلبه فيحبها وتحبه ، وهآنذا أعرض إليكِ أختي المسلمة التقية النقية العفيفةُ الحييَّة الحُرةُ الأبيَّة صفوة الصفات الطيبة التي يحبُها الرجل في زوجته والتي تجعله ينجذب إليها انجذاب الحديد للمغناطيس والتي إذا تَحَلَّت بها ملكت فؤاد زوجه لا مَحَالة وكانت مستقرةً في سويداء قلبه وصميمِ فؤاده ، ومن هذه الصفات ما يلي :
[1] من هذه الصفات الرائعة أن تكون المرأة ذاتَ عفةٍ ودين ، تعرف ما لها فلا تتجاوزه ولا تتعداه وأن تستجيب لزوجها ؛ فهو الذي له القوامة عليها يصونها ويحفظها وينفق عليها ؟ فتجب طاعته وحفظه في نفسها وماله، تتقن عملها وتقوم به وتعتني بنفسها وبيتها، فهي زوجة صالحة وأم شفيقة، راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، تعترف بجميل زوجها ولا تتنكر للفضل والعشرة الحسنة فقد جاء النكير الشديد على ذلك في السنة الصحيحة كما في الأحاديث الآتية :
(حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين ) قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر فمرَّ على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للبَّ الرجل الحازم من إحداكن قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى . قال فذلك نقصان من عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم ؟ قلن بلى . قال فذلك من نقصان دينها .
( حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في السلسلة الصحيحة ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله إلى امرأةٍ لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه.
[
(1/497)
2] من هذه الصفات الرائعة حنان المرأة وأنوثتها ورقتها هي النبع الجميل الذي يذوب فيه رأس الرجل كما تذوب صخرة في عمق الماء .... "
[3] من هذه الصفات الرائعة أن تكون المرأة وديعةً هادئةَ لبقةً فالرجل يذوب حباً في المرأة الوديعة الهادئة اللبقة والتي يحس أنها " تطاوعه " و " تجري على هواه " وأن تكون أطوع له من يده وأرق من أحلام يقظته ..
هنا يهبها الرجل قلبه وعقله ولبه وماله ومستقبله ... "
[4] من هذه الصفات الرائعة أن تكون المرأة حييَّة فإن الحياء من الإيمان ، والحياء من أفضلِ الصفات وأجلَّ القربات ، فالحياءُ لا يأتي إلا بخير ، والحياء قرين الإيمان فإذا نزع أحدهما نزع الآخر .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجلٍ وهو يعظُ أخاه في الحياء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَعْه فإن الحياء من الإيمان .
(حديث عمران ابن حصين في الصحيحين) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الحياءُ لا يأتي إلا بخير .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الإيمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول : لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان .
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه .
(حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
(حديث ابن عمر في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الحياء و الإيمان قرنا جميعا فإذا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر .
{
(1/498)
تنبيه } : الحياءُ خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح ، وأفضلُ الحياء أن تستحي من الله ، ولهذا كان الحياء من أفضل الصفات التي يحبها الزوج في زوجته ، وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ هُمْ أَهْلُ الْحَيَاءِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَفْتَدِيَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْخُلُقِ الْجَمِيل وَلَقَدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ لا يُرَى مِنْهَا شَيْئاً أَبَداً وَتَبْتَعِدُ عَن الرِّجَالِ لاصِقَةً بِالْجِدَارِ مُرْخِيَةً ثَوْبَهَا شِبْراً أَوْ ذِرَاعاً فِي ثَوْبِ رَثٍّ خَلِقٍ وَعَبَاءَةٍ كَذَلِكَ .
فعلى المرأة أن تتحرى أن تكتسب هذه الصفات الرائعة وأن تُقْبِل عليها إقبال الظامئ على المورد العذب ولنعلم أنها إذا نجحت في ذلك فقد نجحت في حياتها الزوجية ، ولتعلم المرأة أن اكتساب أي خُلُق سهلُ ويسيرُ على من صدق النية والتجأ إلى تعالى فإنه من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه بنص السنة الصحيحة كما في الحديث الآتي :
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يُوَقَّه .
ولله درُّ الشاعر :
ألا بالصبر تبلغ ما تريد ... وبالتقوى يلين لك الحديد
[5] من هذه الصفات الرائعة أن تتحلى المرأة بالحلم وحسن الخلق والصبر على ما تواجهه من زوجها ، والبشاشة والكلمة الطيبة والعفو وسعة الصدر ، فتكون له كالبلسم الذي يُطْفئُ الجراح وكالماء البارد في اليوم الشديد الحر ، فيستمتع بحلاوة الشهد وهو يقطُرُ من فمها العذب ، ويجد فيها الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق ، فعلى الزوجة أن تتحلى بالصبر على زوجها فتصبر على أذاه، وأن لا تصنع ما يغضبه أو يثيره، وعليها أن تتجمَّل عند ثورته بالهدوء ، وأن تتصرف بحكمة ؛ لتمتص غضبه وتَرُدُه إلى رشده
[*] ولذلك قال أحد الرجال قديما يوصي زوجته:
(1/499)
خذي العفو مني تستديمي مَوَدَتِي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرك الدف مرةً ... فإنك لا تدرين كيف المُغَيَبُ
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى ... ويأباك قلبي والقلوبُ تُقَلَّبُ
فإني وجدت الحب في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ
فعلى المرأة أن تقابل غضب زوجها بالابتسامة الحانية والكلمة الطيبة فإن الكلمة الطيبة صدقة ، ولها فعل السحر في نفوس الناس؛ فهي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد،
و إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات بنص السنة الصحيحة :
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم .
رَحِمَ اللّه امرأة لا تطلب غلطًا ولا تكثر لغطًا صالحةً قانتةً حافظةً للغيب بما حفظ اللّه.
وعلى المرأة أن تضع نصب أعينها أن الرجل لا يكون غالباً على وتيرةٍ واحدة لما يلاقيه من مكابدة الحياة ومسئولياتها فقد يكون بشوشاً وأحياناً يعتريه بعض الضيق فعليها أن تصبر عليه وقت الضيق فما هي إلا ساعةٍ يسيرة ويعود إلى بشاشته ، وهذا حاصلٌ لا مَحالة من كل زوج مهما بلغت درجة صلاحه وسأسوق لك قصةً الآن لتعلم أن ذلك يحصل من أي زوج مهما بلغت درجة صلاحه ودينه وإن كان من الخلفاء الراشدين أو العلماء الربانيين :
قال عمر بن الخطاب لزوجته: "يا عدوة الله، وفيما أنتِ وهذا، ومتى كنتِ تدخلين بيني وبين المسلمين. إنما أنتِ لعبة يُلعَبُ بكِ ثمَّ تُتْرَكين.."
(من كتاب، تاريخ المدينة المنوّرة لابن شبّة) قال عمر ذلك حين أتته امرأته تسأله فيما وجد على قريبها عيّاض بن غنم الذي كان عمر قد ولاّه على الشام ثم بلغه أنه اتخذ لنفسه حماماً ونوّاباً.
(1/500)
وفي "إحياء علوم الدين للغزالي" جاء أن عمراً قال لزوجته: "إنما أنتِ لعبةٌ في زاوية البيت. وجميعُ الملاعبةِ مع النساءِ لهوٌ إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد."
[*] فلله درُّ امرأةٍ صَبَرَتْ على زوجها حال غضبه وثورته ولم تَنْقُرْهُ نَقْرَ الديك وامتصت غضبه وتأست بنساء أهل الجنة قائلةً لا أذوق غُمضاً حتى ترضى
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود علي زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غُمضاً حتى ترضى .
العؤود : التي تعود علي زوجها بالنفع .
لا أذوق غمضاً : لا أذوق نوماً حتى ترضى .
والمرأة الودود هي المرأه التي يُعهدُ منها التودد إلي زوجها والتحبب إليه ، وبذل ما بوسعها من أجل مرضاته لذا تكون معروفة باعتدال المزاج وهدوء الأعصاب بعيدة عن الانحرافات النفسية والعصبية تحنو علي ولدها وراعية لحق زوجها أما إذا لم تكن المرأة كذلك كثر نشوزها وترفَّعتْ علي زوجها وصعب قيادها لشراسة خلقها مما يفسد الحياة الزوجية بل ويدمرها بعد استحالة تحقق السكن النفسي والروحي للزوج بسببها.
[*] قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : "وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها، أو آثر غيرها، فإنه قد يجد، وقد لا تجد هي، ومعلوم أن الملل للمستحسن قد يقع، فكيف للمكروه"!
إن المرأة الصالحة إذا نجحت في اكتساب هذه الصفات فقد طُويت من صفحات حياتها صفحات كانت ملأى بالمعاناة والدموع والهموم والصبر والكفاح حتى طوتها يد الفرج وأعقبتها صفحة جديدة سطورها الحب الزوجي والتفاهم والمودة والرحمة والانسجام والراحة والسعادة بعد تحقق الأمل الجميل .
{
(2/1)
تنبيه : } إن من المعلوم عقلاً وبداهةً أنه لا تكاد أسرةٌ تسلم من الخلافات ،
الزوجية ، فهو واقعٌ لا محالة والنجاح في كيفية علاج هذه المشكلات بشكل يضمن المحافظة على الحياة الزوجية وبشكلٍ يجعل المودةَ بينهما راسيةَ القواعد مشيدةَ الأركان ثابتةَ الوطائد ، وينبغي على الزوج أن لا يَغُض الطرف عن معالجة الخلاف في مهده قبل أن ينفرطَ العقد و يستفحل الأمر ويتسع الخرق على الراقع وقبل أن يستعصي الداء فلا ينفع دواء ، وهذا هو منهج القرآن الكريم في معالجة ما يحصل بين الزوجين من خلافاتٍ ونشوز .
ففي نشوز المرأة قال تعالى: (وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنّ سَبِيلاً إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [سورة: النساء - الآية: 34]
فالآية صريحة في أن الإنسان يجب عليه أن يعالج الخطأ بمجرد أن يشعر به ولا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل .
* وفي نشوز الرجل وإعراضه عن المرأة أرشد الكتاب والسنة الصحيحة المرأة أن تبادر إلى المصالحة مع زوجها إن خشيت أن يطلقها ولا تنتظر حتى تقع المفارقة .
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشّحّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [سورة: النساء - الآية: 128]
(
(2/2)
حديث ابنِ عَبّاسٍ الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي ) قال :"خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلّقَهَا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: لاَ تُطَلّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ } فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ جَائِزٌ" .
الموضوع ... رقم الصفحة
1
مكانة المرأة في الإسلام ... 6
تعريف النكاح
مشروعية النكاح ... 12
حُكْم النِكَاح
الحكمة من النكاح وفوائده
الأسس التي يقوم عليها نظام الحياة الزوجية
أُسس اختيار الزوجة
أُسس اختيار الزوج
الخِطبة ومسائلها
عقد النكاح ومسائله
أركان عقد النكاح
شروط صحة النكاح
شروط الولي ... 97
سلم الترتيب في الولي للمرأة ... 98
المحرمات في النكاح ... 99
أسباب التحريم ... 99
الرضاع الذي يثبت به التحريم ... 100
المحرمات بالمصاهرة ... 100
ثانياُ : المحرمات مؤقتاً ... 101
الموضوع ... رقم الصفحة
الأنكحة الفاسدة ... 103
الشروط في النكاح ... 104
أنواع الشروط
العيوب في النكاح ... 107
آداب الزِفاف
أولاً : آداب ليلة البناء بالعروس
ثانياً :آداب الجماع
ثالثا : أفضل أوضاع الجماع
رابعاً : ما يباح في الجماع وما يحرم
خامساً :فوائد المعاشرة الجنسية
سادساً : وجوب الوليمة
سابعاً : وصايا إلى الزوجين
ثامناً : الحقوق الزوجية
أولاً : حقوق الزوجة ... 142
ثانياً :حقوق الزوج على زوجته ... 198
عِظَم حق الزوج ... 199
حقوق الزوج على زوجته جملةً وتفصيلا ... 202
أولاً : من حفظ غيبته ألا تكلم رجلاً أجنبياً إلا بإذنه ... 212
تَذْكِيْرُ التَقِيَة بِخُطُورَةِ المُكَالِمَات الهَاتِفيَة ... 212
تحذيرٌ إلى المعاكس المُحتال ... 225
الموضوع ... رقم الصفحة
شناعة الخيانة الزوجية ... 228
مفاسد الزنا والعياذ بالله ... 236
تفاوت فاحشة الزنا والعياذ بالله ... 248
قصص وعبر لسوء عاقبة الزناة ... 249
التفسير الشرعي لوقوع العصاة في الزنا ... 252
الصدق في العَفاف
(2/3)
ثانياً : من ألا تسمح لأحدٍ أن يخببها على زوجها ... 264
أصناف النساء في حفظها لغيبة زوجها
التفسير الشرعي لامتداد عين المرأة اللئيمة إلى غير زوجها
سوء عاقبة التخبيب
فتنة النساء وكيفية النجاة منها
من مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب
المكافأة في الآخرة لمن صان نفسه عن الحرام في الدنيا
صفات الحور العين الخَلْقية ... 348
صفات الحور العين الخُلُقية ... 351
ما جاء في التمتع بالحور العين ... 352
حتى تكوني أنيقة الملبس ..!! ... 359
ألوان تقرّبك من زوجك..وألوان تبعده عنك! ... 361
كيف تكسبين زوجك من خلال الألوان ... 363
ثالثاً : الحقوق المشتركة بين الزوجين ... 385
تاسعاً : علاج الخلافات الزوجية ... 404
كيفية علاج الخلافات الزوجية ... 406
الموضوع ... رقم الصفحة
عاشراً :صفات المرأة القاتلة للسعادة الزوجية ... 414
الحادي عشر: صفات المرأة التي تجلب السعادة الزوجية ... 418
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
{ تم بحمد الله تعالى ومنته }
(2/4)