قيمة الزمن في القرآن الكريم
تمهيد:
الزمن هو مادة هذه الحياة، والروح التي تجري في عروقها، فما الحياة في حقيقتها إلا زمنٌ يمرّ ويمضي، ومن أدركَ الزمن على حقيقته فقد أدرك هذه الحياة على حقيقتها، وبانتَ له معالم الطريق الذي ينبغي سلوكه. وما الزمن إلا حياة الأمم، إذا حافظت عليه دبّت الحيوية في شرايينها، وإذا أهملته أمْسَت هامدة خامدة لا روح فيها ولا حياة.
والناظر في أحوال المسلمين اليوم يتملّكه الحزن الشديد لما يرى من تضييع الأوقات في سفاسف الأمور ومُحقِّراتها بما لا يؤدي إلى نفعٍ عام أو خاص، ولو اتبَعَ المسلمون هديَ قرآنهم وهديَ نبيهم لاحتلّوا موقع القيادة والرّيادة الذي كانت أمتنا تتبوأه في عصورها الزاهية، ولو فعلوا ذلك لما وصلت إليه حالهم إلى ما آلت إليه الآن من التراجع والذل والخضوع، حتى صاروا في ذيل القافلة، وقد كانوا منها في مأخذ الزِمام، وهانت عليهم نفوسُهم، فاحتُلت أوطانهم، واستمرءوا العيش في الحضيض. وما وصل الغربيون إلى القمة في العلوم التقنية والإنسانية إلا بمحافظتهم على الزمن والإفادة من ساعاته ودقائقه اليسيرة في كلّ أحوالهم.
ومن هنا يأتي هذا البحث لبيان قيمة الزمن، والتنبيه إلى مكانته، انطلاقاً من النصوص القرآنية الغنيّة بالتوجيهات التي تبين قيمة الزمن وتنوِّه بشرفه وفضله. وذلك في محاولة للخروج من حالة الركود والتثاقل إلى حالة الحركة والفاعلية، وهذا لا يتأتَّى إلا من خلال الوعي التام بقيمة الزمن في الحياة الإنسانية.
المبحث الأول
مفهوم الزمن وأهميته
أولاً: مفهوم الزمن(1/1)
الزمن في اللغة: اسم لقليل الوقت وكثيره. يُقال: زَمانٌ وزمَن، والجمعُ أزمانٌ وأزمنة. ويقال: أَزمَنَ الشيء؛ أي طال عليه الزمنْ، وأَزْمَنَ بالمكان؛ أقام به زماناً. ويقولون: لقيته ذات الزُّمَيْن؛ فيُراد بذلك تراخي المدّة (1) . والزمن والزمان لفظتان تحملان نفس المعنى، ولا فارق بينهما فهما تنتميان إلى مادة لغوية واحدة.
أما مفهوم الزمن في اصطلاح علماء المسلمين فهو مرتبط بمعناه اللغوي، فهو يعني: ساعات الليل والنهار، ويشمل ذلك الطويل من المدّة والقصير منها (2) . وبذلك عرفه الزركشي إذ يقول: "إن الزمان الحقيقي هو مرور الليل والنهار، أو مقدار حركة الفلك" (3) . ولا يخفى ما بين هذا المعنى والمعنى اللغوي من ارتباط وثيق.
وبالنظر في القرآن الكريم فإننا نجد أنه لم يستخدم مصطلح «الزمن» ، وإنما وردت فيه ألفاظ دالة على الزمن، ومن ذلك:
- الوقت. قال تعالى: { قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } (4) .
__________
(1) انظر: ابن منظور، محمد: لسان العرب، (بيروت: دار صادر، د.ط، د.ت)، مادة (زَمَنَ)، ج13، ص159، ص199. ابن فارس، أحمد: معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، (بيروت: دار الجيل، ط1، 1411هـ/ 1991م)، مادة ( زَمَنَ)، ج3، ص22.
(2) انظر: الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد إبراهيم، (بيروت: دار سويدان، ط2، 1387هـ/ 1967م)، ج1، ص5. ابن الأثير، علي الشيباني: الكامل في التاريخ، (بيروت: دار صادر، د.ر، 1385هـ/ 1965م)، ج1، ص13.
(3) الزركشي، محمد: البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد إبراهيم، (القاهرة: د.ط، د.ر، 1957م)، ص 123. وعَرَّف المرزوقي الزمن بأنه: "دوران الفلك". المرزوقي، أحمد: الأزمنة والأمكنة، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1417هـ/1996م)، ص123.
(4) سورة الحجر: الآيتان (37، 38). سورة ص: الآيتان (80، 81).(1/2)
- الحين. قال تعالى: { أَلا حينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } (1) .
- الدهر. قال تعالى: { هلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (2) .
أما في السنة النبوية فإننا نجد هذا المصطلح قد ورد في أكثر من موضع، ومن ذلك:
- قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب» (3) .
- وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «يتقارب الزمان وينقص العمل، ويُلقى الشح، ويكثر الهرج» قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل، القتل» (4) .
هذا إضافة إلى ورود المفردات الزمنية الأخرى كالدهر (5) والوقت (6) ، ونحوها.
__________
(1) سورة هود: الآية 5.
(2) سورة الإنسان: الآية 1.
(3) رواه مسلم. انظر: مسلم: صحيح مسلم، كتاب الرؤيا، حديث رقم 2263، ج4، ص1415.
(4) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الأدب، باب رقم 39، حديث رقم 6037، ج12، ص72.
(5) ومن ذلك: ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث، يعني: «إن لزورك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً» فقلت: وما صوم داود؟ قال: "نصف الدهر". رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الصوم، باب رقم 54، حديث رقم 1974، ج4، ص736.
(6) ومن ذلك: ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب مواقيت الصلاة، باب رقم 5، حديث رقم 527، ج2، ص190.(1/3)
ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود ارتباط وثيق بين مفهوم الزمن وبين دلالته الفلسفية، ولذلك فإنّ قواميس اللغة، وكتب التأريخ والتفسير، عندما تتحدث عن مفهوم الزمن، تتخذ مساراً فلسفياً مقصوداً، بحيث يصعب بالتالي إدراك المعنى الأصلي للزمن بعيداً عن المذاهب الفلسفية. ونظراً لهذا الارتباط، فإنني سأعرج –باختصار- على مفهوم الزمن في الفلسفة. فأفلاطون –على سبيل المثال- يرى أنَّ الزمن حادث ومخلوق (1) . ويدل على أن هذا هو مذهبه في الزمن، قول أرسطو: إنَّ الأقدمين جميعاً ما عدا أفلاطون اعتقدوا أنَّ الزمان قديم، أمّا هو فقد جعله حادثاً، إذ قال: إنّه وُجد مع السماء وإن السماء حادثة (2) .
أمّا أرسطو فهو يرى أنَّ الزمن فعلٌ واحد، وشيء متصل، بسبب اتصال الحركة، وقد تصوّره متصلاً وعدَّ الوقفات فيه وهماً، لأنَّ الحركة والزمان لا بداية لهما ولا نهاية (3) .
وإذا ما انتقلنا إلى الفلسفة الإسلامية، نجد أن بعض الفلاسفة المسلمين قد تأثروا بالفلسفة اليونانية، بينما حافظ الآخرون على هويتهم الإسلامية. فأبو العلاء المعري من الفريق الأول، يقول بأن الزمن أزليّ أبديّ، أي لا بداية لوجوده ولا نهاية، ونجد ذلك ماثلاً في أشعاره، فهو يقول:
نَزولُ كمل زال أجدادنا ... ويبقى الزمان على ما نرى
نهارٌ يُضيءُ وليلٌ يجيءُ ... ونجمٌ يغور ونجمٌ يُرى (4)
__________
(1) العاتي، إبراهيم: الزمان في الفكر الإسلامي، ص76. مترجم عن كتاب "طيماوس" لأفلاطون.
(2) انظر: أكرم، يوسف: تاريخ الفلسفة اليونانية، ص 87.
(3) انظر: الألوسي، حسام الدين: "الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم"، مجلة عالم الفكر، ص476.
(4) المعري، أبو العلاء: اللزوميات، ص79.(1/4)
بينما رفض الفريق الثاني من الفلاسفة المسلمين الانجرار وراء هذه الأقاويل، ووافقوا جمهور المسلمين في القول بحدوث الزمن ومخلوقيته، كما هو الأمر عند الغزالي والكندي وغيرهما (1) .
وعند إلقاء نظرة على أقوال الفلاسفة بشكل عام، يتضح أنّ نظرتهم إلى الزمن هي نظرة عقلية تجريدية، خاضعة إلى نجاح العقل وفشله، وإلى إبداعه وتقصيره، مما جعلهم يدخلون في متاهات عديدة، ويضطربون في أقوالهم على غير هدى، فيصيبون حيناً ويخطئون أحياناً.
ثانياً: قيمة الزمن
الزمن هو أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، فهو الوعاء الحقيقي لكل عمل وإنتاج، وبقدر إفادة الإنسان من هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه، بقدر ما يعود ذلك عليه وعلى مجتمعه بالنفع والخير، سواءً أكان ذلك في الدنيا أم في الآخرة. ولذلك ينبغي على الإنسان أن يعرف شرف زمنه، وقَدْرَ وقته، فلا يضيّع منه لحظة في غير قربة وطاعة، ويقدّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. وما عمر الإنسان في حقيقته إلا مجموعة من الأيام، وكل يوم يمضي من هذه الأيام، وكل لحظةٍ تمر، لا يمكن استعادتها أو تعويضها. وفي ذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك" (2) . ويقول: "ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزوّد مني، فإني إذا مضيتُ لا أعود إلى يوم القيامة" (3) . وما أجمل قول الشاعر:
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةً له ... ... إنّ الحياةَ دقائق وثواني (4)
__________
(1) انظر: الغزالي: تهافت الفلاسفة، ص56. الطباع، عمر: الكندي فيلسوف العرب والإسلام، ص193.
(2) انظر الخبر في: الأصفهاني: حلية الأولياء، ج2، ص148.
(3) انظر: المرجع السابق، ج2، ص147.
(4) البيت لأحمد شوقي، قاله في رثاء مصطفى كامل. انظر: شوقي، أحمد: الموسوعة الشوقية، ج5، ص356.(1/5)
ومع أنّ الزمن على هذه الدرجة من الأهمية، إلا أنه ينقضي بسرعة، ويسهل ضياعه، فهو يمر مرّ السحاب، ويجري جريَ الريح، سواءً أكان زمن مسرّةٍ وفرح، أم زمن اكتئاب وترح، وإن كانت أيام السرور تمر أسرع، وأيام الهموم تسير ببطء وتثاقل، لا في الحقيقة ولكن في شعور صاحبها. وفي ذلك يقول الشاعر:
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظهِ وأراه أسهل ما عليك يضيعُ (1)
يقول ابن القيم في الحديث عن منزلة الغيرة: "ومنها (2) الغيرة على وقت فات، فإن الوقت أبيّ الجانب، بطيء الرجوع، فالوقت أعز شيءٍ على العابد، يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك (3) ، فإذا فاته الوقت لا يمكن استدراكه البتة، لأنَّ الوقت الثاني قد استحق واجبه الخاص ... فالوقت منقضٍ بذاته، منصرم بنفسه، فمن غفل عن نفسه تصرّمت أوقاته، وعَظُم فواته، واشتدت حسراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفوت، مقدار ما أضاع، فطلب الرُّجعى، فحيل بينه وبين الاسترجاع، وطلب تناول الفائت، وكيف يُردُّ الأمس في اليوم الجديد ؟! " (4) .
وقد كان السلف الصالح، ومن سار على نهجهم من الخلف، أحرص النّاس على كسب الزمن، والإفادة منه في الخير، فقد كانوا ينافسون الزمان، يُسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، حرصاً منهم على الزمن، وعلى ألا يذهب منهم هدراً. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، نذكر فيما يلي بعضاً منها:
نُقل عن عامر بن عبد قيس أنَّ رجلاً قال له: كلِّمني، فقال له: أمسك الشمس (5) . يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن دائب المضيّ، لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن استدراكها، لأنَّ لكل زمن ما يملأه من العمل.
__________
(1) البيت للوزير الصالح يحيى بن هُبيرة، وقد ذُكر في ترجمته. انظر: ابن رجب الحنبلي: الذيل على طبقات الحنابلة، ج4، ص236.
(2) أي من درجات الغيرة.
(3) أي بدون عبادة.
(4) ابن القيم: مدارج السالكين، ج2، ص ص (840-841).
(5) انظر الخبر في: ابن الجوزي: صيد الخاطر، ص 18.(1/6)
وكان الواحد منهم يحفظ كل لحظة من زمنه حتى في حال النزاع. نُقل في ذلك عن ثابت البُناني أنه قال: ذهبتُ أُلقِّن أبي، فقال: يابني دعني؛ فإني في وِرديَ السادس (1) . كما يروي الفقيه أبو الحسن الولوالجي، أنه دخل على أبي الريحان البيروني، وقدْ حَشْرَجَ نَفَسُه، وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يوماً حساب الجدّات الفاسدات (2) ؟ فقلت له إشفاقاً عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا أُودِّع الدنيا وأنا عالمٌ بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخلّيها وأنا جاهلٌ بها؟ فأعدتُ ذلك عليه، فحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجتُ من عنده، وبينما أنا في الطريق سمعتُ الصراخ عليه (3) .
ولقد كان أمثال هؤلاء يحسنون المحافظة على كلّ لحظة من وقتهم، حتى أنّ أحدهم كان يستحي من سواد الليل وظلمته، إذا مرت عليه ليالٍ وأيام لم يَقم فيها لله ركعتين. وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "أدركتُ أقواماً يستحون من الله في سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة" (4) .
وهاهو الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- يصف لنا حال الناس كيف يضيعون أزمانهم في الزيارات والحديث الذي لا طائل من ورائه، ويبين لنا كيف كان يصنع إذا زاره بعض البطّالين لئلا يذهب الزمن فارغاً دون فائدة ترجى، فيقول رحمه الله:
__________
(1) انظر الخبر في: أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء، ج2، ص322.
(2) الجّدة الفاسدة: مصطلح في علم الفرائض، ويراد به الجدَّة التي تكون من قِبَل الأم. انظر: المصري، رفيق: علم الفرائض والمواريث، ص178.
(3) انظر القصة في: الحموي، ياقوت: معجم الأدباء، ج5، ص ص (123-124).
(4) ابن الجوزي: صفة الصفوة، ج2، ص241.(1/7)
"لقد رأيتُ خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويُسمّون ذلك التردد خدمة، ويطيلون الجلوس، ويُجرون فيه أحاديث الناس ومالا يعني، ويتخلله غيبة. وهذا شيءٌ يفعله في زماننا كثيرٌ من الناس، وربما طلبه المزور وتشوَّق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصاً في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيتُ أنَّ الزمان أشرف شيء، والواجب انتهازه بفعل الخير، كرهتُ ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرتُ عليهم، وقعتْ وحشة لموضع قَطْع المألوف. وإن تقبلته منهم، ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غُلبت قصَّرت في الكلام لأتعجل الفراق. ثم أعددت أعمالاً لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغاً. فجعلتُ من المستَعَدِّ للقائهم قَطْع الكاغد (1) ، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابُد منها، ولا تحتاج إلى فكرٍ وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي" (2) .
وإذا علمنا أن ذلك مبلغ حرصه على الزمن، والإفادة من كلّ جزء منه في القراءة والتصنيف، لم نستغرب قوله: "وإني أُخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيتُ كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز ... ولو قلت: إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، مالا يعرفه من لم يطالع، فصرت استزري ما الناس فيه، واحتقر همم الطلاب، ولله الحمد" (3) .
__________
(1) الكاغد: هو القرطاس أو الورق. انظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ج1، ص333.
(2) ابن الجوزي: صيد الخاطر، ص ص (184-185).
(3) المرجع السابق، ص ص (337-338).(1/8)
وهناك من الخلف من سار على نهج السلف القويم وأدرك قيمة الزمن الذي يعيشه. فها هو الإمام حسن البنا -رحمه الله- يدرك قيمة الزمن، ويستغرب من أُناس يُضيّعون أوقاتهم دونما فائدة تُرجى، وفي ذلك يقول:
"ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حدّ البكاء. وكم كنا نعجب إذْ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليّون هاجعون يتسكعون بين المقاهي ويترددون على أندية الفساد والإتلاف. فإذا سألتَ أحدهم عمّا يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة، قال لك: أقتل الوقت، وما درى هذا المسكين أن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه، فإنما الوقت هو الحياة" (1) .
إلى غير ذلك من النماذج الرائعة (2) التي يظهر فيها حرص القوم على كل لحظةٍ من لحظات الزمن. ولا غرابة في ذلك، فإنهم ذاقوا طعم القرآن وحلاوته، فحرصوا على وقتهم. فحريٌّ بنا أن نقتدي بتلك الكوكبة، ونسير على خطاهم، ونعدّهم قدوةً لأبناء هذا العصر، الذين شُغل الكثير منهم باللهو والترف عن جلائل الأمور، والذين ضيعوا كثيراً من أوقاتهم فيما لا يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالفائدة والخير.
ثالثاً: عناية القرآن الكريم بالزمن
عُني القرآن الكريم بالزمن عنايةً فائقة، وجاءت عنايته بالزمن من وجوه، أهمها:
1. اعتبار الزمن من النعم العظيمة
__________
(1) البنا، حسن: مجموعة الرسائل، ص169.
(2) للنظر في مزيد من الأمثلة لحال علمائنا في مراعاة أزمانهم، انظر كتاب الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: قيمة الزمن عند العلماء، فقد جمع فيه الكثير من النماذج.(1/9)
يقول الله سبحانه في معرض الامتنان، وبيان عظيم فضله على الإنسان: { وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (1) . فالليل والنهار نعمة جليلة أنعم الله تعالى بها على الإنسان، وهي نعمة ذات أثر حاسم في حياة هذا المخلوق البشري، ولا يمكن لنا أن نتصوَّر في هذه الأرض حياة للإنسان لو كانت الدنيا نهاراً بلا ليل، أو ليلاً بلا نهار.
ويقول سبحانه في موضع آخر، في سياق تعداد نعمه على الإنسان: { وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (2) . فالليل والنهار مسخران "وفق حاجة الإنسان وتركيبه، وما يناسب نشاطه وراحته. ولو كان نهارٌ دائم أو ليلٌ دائم لفسد جهاز هذا الإنسان؛ فضلاً عن فساد ما حوله كله، وتعذر حياته ونشاطه وإنتاجه" (3) .
2. اعتباره من الآيات الدّالة على وجود الله
__________
(1) سورة النحل: الآية 12.
(2) سورة إبراهيم: الآيتان (33، 34).
(3) قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج4، ص2108.(1/10)
ومما يدّل على أهمية الزمن في القرآن، وعناية القرآن الكريم به، أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقِصر من الآيات الدالّة على وجوده، فقال في ذلك: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا } (1) . فالليل والنهار آيتان دالتان على وجود الصانع، وعظيم القدرة، لأنه لابُدَّ لكلّ مُتغيِّر من مُغيِّرِ. وهو سبحانه لم يجعل الليل والنهار على هذه الصورة- بحيث يخلف أحدهما الآخر- عبثاً، وإنما جعلهما كذلك لمن أراد أن يتذكر (2) ؛ أي "لينظر في اختلافهما الناظر، فيعلم أن لا بُدَّ لانتقالهما من حالٍ إلى حال، وتغيرهما، من ناقلٍ ومُغِّير" (3) .
كما يُلحظ في الآية الكريمة تخصيص الليل والنهار بأنهما آيتان دون غيرهما من الوحدات الزمنية. وفي ذلك لطيفة قرآنية نلمح من خلالها الإشارة إلى أن الليل والنهار هما بمثابة المحور الذي تُشدُّ إليه، وتُقاس بالنسبة له كل الوحدات الزمنية، سواء تلك التي تقلّ عنه ابتداءً من الثانية، أو تلك التي تزيد عنه إلى ماشاء الله تعالى من السنين والقرون، فما الثانية إلا جزء من الليل والنهار، والسنة إلا مجموعة من الأيام، والقرن إلا مجموعة من السنين (4) .
3. الإشارات القرآنية إلى قيمة الزمن
__________
(1) سورة الإسراء: الآية 12.
(2) قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورا } . سورة الفرقان: الآية 62.
(3) انظر: الزمخشري: الكشاف، ج3، ص282.
(4) انظر: باجودة، حسن: تأملات في سورة الإسراء، ص84.(1/11)
وفي القرآن الكريم إشارات لطيفة إلى قيمة الزمن وأهميته في حياة الإنسان، وحضٌّ على الاستفادة منه بعيداً عن الغفلة والتسويف، وما كلمات "استبقوا" و "سارعوا" ونحوها إلا تأكيد لهذه المعاني.
قال تعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (1) . وأصل السبق: هو التقدم في السير. والمراد منه هنا المعنى المجازي، وهو الحرص على مصادفة الخير والإكثار منه، خَشية هادم اللذات، وفجأة الفوات (2) .
وقال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (3) . والمسارعة: هي المبادرة؛ أي الحرص والمنافسة في عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة ودخول الجنّة، حتى لكأن كل واحدٍ من الناس يسرع ليصل قبل غيره (4) .
وفي لفظتي "استبقوا" و "سارعوا" ما يشير إلى قيمة الزمن؛ فالعمر قصير، ولا يكفي المؤمن – إذا أراد الدرجات العُلى- أنْ يفعل الخيرات وهو متراخٍ في ذلك، بل لا بدَّ من الاستباق في الخير والمسارعة إلى المغفرة، بمعنى: أن يستغل كل لحظة من وقته للسير في الطريق الموصلة إلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض، وكأنه في صراع حقيقي مع الزمن.
4. الدعوة إلى استثمار الزمن في الخير
من منهج القرآن الكريم في العناية بالزمن، الدعوة إلى الحرص عليه، والعمل على استثماره والإفادة منه، وتسخيره دائماً في الخير، ويُبرز القرآن الكريم هذه القضية في صور عديدة ومناسبات شتى.
__________
(1) سورة البقرة: الآية 148.
(2) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج2، ص43.
(3) سورة آل عمران، الآية 133.
(4) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج1، ص507. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج4، ص88.(1/12)
فحينما يبين أنّ نهاية هذه الحياة إنما هو الموت سواءً طالت أم قصرت، فإنه يوجِّه نحو استثمار هذه الحياة في الخير لأنها ليست نهاية المطاف؛ وإنما بعدها حياة أخرى هي خير وأبقى، يقول سبحانه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ*وَأَنْفِقُوا مِمَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ } (1) .
وللتدليل على قِصر هذه الحياة الدنيا وأهمية استثمارها والإفادة منها، يصورها القرآن الكريم بالنبات الذي يخضرّ بنزول الغيث، ثم ما يلبث بعد فترة وجيزة من الزمن أن يصفر ويموت. يقول تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأموالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } (2) . لذا ينبه القرآن على ضرورة استثمار هذا الوقت القصير في عمل الخير الذي لن يفيد الإنسان غيره، ولن يبقى معه في قبره سواه، فضلاً عن سؤاله وحسابه عن تضييع هذا الوقت، وعما صنعه فيه (3) .
__________
(1) سورة المنافقون: الآيتان (9، 10).
(2) سورة الحديد: الآية 20.
(3) انظر: غنايم، محمد "منهج الإسلام في العناية بالزمن" ، مجلة الجندي المسلم، ص17.(1/13)
ويعرض القرآن الكريم لنا نماذج لهؤلاء الذين يستغلون وقتهم على أتمّ وجه ليكون لنا الإقتداء بهم، { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } (1) . فهم يستغرقون كل زمانهم في ذكر الله عز وجل والتفكر في خلقه.
نستنتج مما سبق أن القرآن الكريم نوَّه بشرف الزمن وفضله، وفي هذا ما يدعونا إلى ضرورة تقديره بقدره، لأن ذلك يساعد على الفلاح ويُهيئ للنجاح، وعلى العكس تماماً فإن إغفال الزمن وعدم إعطائه الأهمية اللازمة، فيه تفريط بهذه النعمة، وتحقيق لتعاسة الإنسان.
المبحث الثاني
القَسَمْ بالزمن في القرآن الكريم
مما يدل على عظيم أهمية الزمن في القرآن الكريم، قسَمُ الله سبحانه وتعالى به، فهو سبحانه قد أقسم بعدّة أمور في كتابه الكريم، ولا شك أنَّ الله لا يقسم بشيء إلا إذا كان هذا الشيء عظيماً، فقد أقسم سبحانه بنفسه (2) ، وبالقرآن (3) ، ونحو ذلك من الأمور العظيمة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
وأقسم القرآن بالزمن سواءً بذاته أو بأجزائه، وفي ذلك "تنبيه على أنه آية كبرى من آيات الله، وتنبيه على عِظَم نفعه ووجوب استغلاله، والإفادة من كل أجزائه" (4) .
__________
(1) سورة آل عمران: الآية 191.
(2) قال تعالى: { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَمَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } سورة الذاريات: الآية 23.
(3) قال تعالى: { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } سورة ق: الآية 1.
(4) نوير، عبد الستار: الوقت هو الحياة، ص ص (14-15). وانظر هذا المعنى في: القرضاوي: الوقت في حياة المسلم، ص5. الأحدب، خلدون: سوانح وتأملات في قيمة الزمن، ص18.(1/14)
ففي القَسَم بالزمن قال الله تعالى: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (1) ، كما أقسَم سبحانه بأجزاء الزمان وهي: الفجر، والصبح، والضحى، والشفق، والنهار، والليل، والليالي العشر، ويوم القيامة، والعمر، على ما سأبينه بعد قليل إن شاء الله.
وفي القسم بهذه الوحدات الزمنية تنبيه على الاعتبار بها في الاستدلال على حكمة نظام الله في هذا الكون وبديع قدرته (2) . ولهذا سلك طائفة من العلماء طريق الاستدلال بالزمن على الصانع، وهو كما يقول ابن القيم: "استدلال صحيح، قد نبه عليه القرآن في غير موضع" (3) .
ومما يدل على ذلك إلقاء نظرة على السور القرآنية التي أقسم الله فيها بالزمن ووحداته، عندها سنجد أنها سور مكية، والسور المكية – كما نعلم – تركز على العقيدة بشكل خاص، ومن ذلك الاستدلال على وجود الخالق، ومن هنا جاء القسم بالزمن في السور المكية من أجل لفت الأنظار إليه باعتباره دليلاً واضحاً، وبرهاناً قاطعاً، على وجود الخالق، وعلى بديع حكمته سبحانه في هذا الكون.
وأستعرضُ فيما يلي المواضع التي أقسم فيها سبحانه بالزمن وأجزائه في القرآن الكريم:
أولاً: القَسَمُ بالعصر
أقسم سبحانه وتعالى بالعصر في السورة التي سُميت باسمه، فقال: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (4) . هذه السورة وبالرغم من قلة عدد كلماتها، إلا أنها تمثل منهجاً كاملاً للحياة البشرية كما يريدها الإسلام.
واختلف المفسرون في معنى " العصر" المُقْسَم به في السورة على أقوال (5) :
__________
(1) سورة العصر: الآيتان (1، 2).
(2) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص 387.
(3) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 40.
(4) سورة العصر.
(5) انظر هذه الأقوال في: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج5، ص520. الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص (277-279).(1/15)
الأول: أنه الدهر أو الزمن، قال الراغب:" والَعَصر والعِصر: الدهر، والجمع: العصور"، وَمثَّل على أنَّ العصر معناه الدهر بسورة العصر (1) . وقال ابن كثير: "العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر" (2) .
الثاني: أنه أقسم بزمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو بزمان الرسالة، فيكون المقسَم به هو العصر الذي فيه هذا الرسول أو هذه الرسالة لشرفه.
الثالث: أنَّ المراد به صلاة العصر أو وقتها، أقسم سبحانه بها لفضلها، وقيل: هي المرادة بالصلاة الوسطى في قوله تعالى: { حَافِظُوا عَلَى الصلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } (3) .
الرابع: أن العصر هو أحد طرفي النهار.
والراجح مما سبق - كما يبدو لي- أنْ يكون المراد بالعصر هو الزمن كلّه، وصرّح ابن القيّم بأنَّ ذلك هو قول أكثر المفسرين (4) .
وهذا المعنى معروف في شعر العرب، ومنه قول العجّاج:
والعصر قبلَ هذه العصورِ ... ... مُجرَّساتٍ غِرّةَ الغَريرِ (5)
ثم إنَّ لفظ (العصر) عام، وليس هناك ما يخصص ما شمله هذا الاسم من المعاني، فإذا قلتُ بأنه الزمن؛ فذلك يشمل صلاة العصر ووقتها، وعصر الرسول والرسالة، وطرفي النهار، فيكون القسم به على عمومه داخل فيه هذه الأمور، فالأولى إذاً حمل اللفظ على عمومه.
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 569.
(2) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج4، ص582.
(3) سورة البقرة: الآية 238.
(4) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص114.
(5) العجّاج: ديوان العجاج، ص223. مجرَّسات : مُجرَّبات. انظر: تحقيق عزة حسن لديوان العجاج، ص223.(1/16)
وعلى هذا يكون سرّ قسمه سبحانه بالعصر أو الزمن، نابع من العبرة والآية في هذا الزمن، والمتمثلة في مرور الليل والنهار، وتعاقبهما، على هذا الترتيب الدقيق، والنظام المحكم، واعتدالهما تارة، وأخذ أحدهما من صاحبه تارة أخرى، واختلافهما في الضوء والظلام، والحر والبرد، وانتشار الحيوان وسكونه. ثم إن انقسام الزمن إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات وما دونها، آية من آيات الله تعالى، وبرهان من براهين قدرته وحكمته (1) .
ثانياً: القَسَم بالفجر
كما أقسم سبحانه بالفجر في السورة التي سُميت باسمه كذلك؛ فقال: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (2) . والفجر في اللغة: هو شق الشيء شقّاً واسعاً، ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجَرَ الليل (3) . واختُلف في تحديد المراد بالفجر هنا (4) :
- فقيل: هو الصبح أو الفجر المعروف. وسُمي فجراً لكونه وقت انفجار الظُلمة عن النهار مِنْ كل يوم.
- وقيل: أُريد به فجر مخصوص، وهو فجر يوم النحر. وهو أفضل الأيام عند الله كما جاء في الحديث: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر» (5) ، أو فجر ذي الحجة لأن الله قرن الأيام به فقال: { وليالٍ عشر } .
- وقيل: عَنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه، وفيها حياة الخلق. وهذا القول مبني على أصل المعنى اللغوي، وهو ضعيف إذ لا دليل عليه.
__________
(1) انظر: ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص ص (114-115).
(2) سورة الفجر: الآيتان (1، 2).
(3) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص625.
(4) انظر هذه الأقوال في: الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص148. خان، صديق حسن: فتح البيان، ج15، ص213. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص39
(5) رواه البيهقي. انظر: البيهقي: سنن البيهقي الكبرى، حديث رقم 994، ج5، ص237.(1/17)
والذي أراه راجحاً من هذه الأقوال هو المعنى الأوّل؛ أي أنَّ الفجر هو الصبح المعروف لدينا، وهذا المعنى أوْلى بالاعتبار؛ لأنه يشمل فجر يوم النحر، وفجر ذي الحجة، وصلاة الفجر، فالأولى حمل اللفظ على عمومه لعدم وجود مخصص.
يدل على ذلك تعريف (الفجر) ففي ذلك –كما يقول ابن القيم-: "ما يدلّ على شهرته وأنّه الفجر الذي يعرفه كل واحد ولا يجهله" (1) .
وأما السر في القسم بالفجر؛ فهو ما يحصل في انقضاء الليل، وظهور الضوء، وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق، من مشاكلة نشور الموتى من قبورهم، وفي ذلك عبرة لمن تأمل (2) .
ثالثاً: القَسَم بالصُبح
أقسم الله سبحانه بالصبح في موضعين، الأول هو قوله تعالى: { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } (3) ، والثاني قوله: { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (4) .
ويُلحظ فيهما أنَّ القسم بالصبح جاء مقيداً بحال إسفاره وحال تنفسه. فما المراد بهذين القيدين؟ وما سرّ التقييد بهما؟
قال ابن فارس: "السين والفاء والراء أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء". ومن ذلك الَسّفَر سُمي بذلك لأنَّ الناس ينكشفون عن أماكنهم، أو لأنه يُسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافياً منها. ومنه قوله تعالى: { وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } بمعنى أضاء وانكشف الظلام (5) .
__________
(1) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص 54.
(2) انظر: الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص 148.
(3) سورة المدثر: الآية 34.
(4) سورة التكوير: الآية 18.
(5) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة ( سَفَرَ)، ج3، ص82.(1/18)
أمّا التنفس فهو في الحقيقة خروج النفس من الحيوان والإنسان، ولكنه استعير هنا لظهور الضياء من خلال الظلام، على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس، على طريق الاستعارة المصرحة. أو لأنَّه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريق الاستعارة المكنية؛ بتشبيه الصبح بذي نَفَس، مع تشبيه النسيم بالأنفاس (1) .
وأما الحكمة من القسم بالصبح فهي ما أشرتُ إليه آنفاً في "القسم بالفجر" من مشابهة خروج الضوء من الظلام، بالنشور بعد الموت.
رابعاً: القَسَم بالضحى
يُقال في اللغة: الضَحْو والضَحْوةُ والضَّحيَّةُ، وتعني: ارتفاع النهار. ويطلق الضحى ويُراد به الوقت من طلوع الشمس إلى أن يرتفع النهار وتبيضّ الشمس (2) .
وأقسم سبحانه وتعالى به؛ فقال: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } (3) ، وقال: { والضحى } (4) ، ولأهل التفسير في المراد بالضحى في قوله: { والضحى } وجهان (5) :?
- الأول: أنَّ المراد به وقت الضحى، والذي يمتد من طلوع الشمس إلى ارتفاع النهار كما أشرتُ سابقاً.
- الثاني: أنَّه يعني النهار كلَّه. واحتج أصحاب هذا الوجه بأن الضحى جُعل في مقابلة الليل كلِّه.
والصحيح هو المعنى الأول، وهو ما يراه الأكثرون على ما ذكره النيسابوري في "غرائب القرآن" (6) .
__________
(1) الزمخشري: الكشاف، ج4، ص697. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص154.
(2) ابن منظور: لسان العرب، مادة (ضحا)، ج14، ص ص (474-475).
(3) سورة الشمس: الآية 1.
(4) سورة الضحى: الآية 1.
(5) انظرهما في: الطبري: جامع البيان، ج30، ص273. الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص190.
(6) انظر: النيسابوري: غرائب القرآن، ج6، ص514.(1/19)
أما القول بأنه يعني النهار كله، فغير وجيه. والاحتجاج على ذلك بأنه جُعل في مقابلة الليل كله لا يصح، وذلك لأنه إنما جُعل في مقابلة الليل في حالِ سُجوّه؛ أي في حال استقرار الظلام وسكون الليل والناس فيه، ولا ريب أنَّ سُجوّ الليل هو جزء من الليل لا كله، فهو بمنزلة الضحى من النهار. ويمكن الاستئناس في ذلك بوقت صلاة الضحى، فإن وقتها لا يكون بعد الزوال، مما يؤكد ضعف القول بأن الضحى يمتد ليشمل النهار كله.
أما قوله: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، فمن المفسرين من قال بأنَّ ضحاها هو ضوؤها. وقال بعضهم: حرّها. وقال آخرون: النهار كلّه (1) .
والذي أراه راجحاً أن يكون المقسَم به هو وقت الضحى كذلك. أما القول بأن المراد به النهار كلّه فقد بينتُ ضعفه. وأما القول بأن "ضحاها" يعني: ضوؤها أوحرّها، فهما أمران متلازمان، فمتى اشتدّ حرها فقد اشتد ضوؤها وبالعكس. وهذان المعنيان موجودان في وقت الضحى، حيث ضوء الشمس وحرها، فيكون ما ذهبتُ إليه هو الأولى.
أما مناسبة القسم بالضحى في هذا السياق، فيظهر فيها رونقاً في الأسلوب وجلالة في المعنى، لأنَّ في ذلك مطابقة بين نور الضحى ونور الوحي، فنور الضحى جاء بعد ظلام الليل، ونور الوحي جاء بعد احتباسٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال أعداؤه: قَلى محمداً ربُّه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل، على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه. ثم إنَّ فالق ظلمة الليل بضوء النهار، هو الذي فلق ظلمة الجهل والشرك بنور الوحي والنبوة (2) .
خامساً: القَسَم بالشفق
__________
(1) انظر هذه الأقوال في: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج5، ص478. ابن الجوزي: زاد المسير، ج9، ص137. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص72.
(2) انظر: ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص100.(1/20)
قال سبحانه في القسم بالشفق: { فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ } (1) ، ويُلحظ هنا أنَّ القَسَم جاء بصورة مختلفة، حيث سبقه حرف (لا). فكيف يكون المعنى على هذا النظم؟
قيل: إنَّ (لا) في السياق الزائدة (2) . والصحيح هو الوقوف ضد القول بزيادة أي حرف في كتاب الله سبحانه وتعالى، لأنَّ ذلك مُخلّ بإعجاز هذا الكتاب، وباب للطعن فيه جملةً وتفصيلاً.
وقيل بأنها نافية. والذين قالوا ذلك، ذهب بعضهم إلى أنها نافية لكلام محذوف؛ كأنه قال: ليس الأمر كذلك، ثم قال: أُقسِم (3) . وذهب بعضهم إلى أنها نافية للقسم نفسه، وذلك على أن المطلوب أجلُّ وأوضح من أن نحاول إثباته بالقسم (4) .
وقيل: إن (لا) أصلها لام الابتداء، وأُشبعت فتحتها (5) .
والقول الأخير هو الذي رجحه الدكتور فضل عباس (6) ، وهو ما أَختارُه وأُرجحُه، وذلك:
محرم - لأنَّ هذه قراءة سبعية. كما في قراءة ابن كثير لقوله تعالى: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } (7) ، فقد قرأها بغير ألف: (لأُقسم بيوم القيامة) (8) .
2. ثم إنّه في كلام العرب ما يشهد لإشباع لام الابتداء. ومن ذلك قول عنترة:
__________
(1) سورة الانشقاق: الآية 16.
(2) انظر: الكلبي: التسهيل في علوم التنزيل، ج4، ص163. المحلي والسيوطي: تفسير الجلالين، ص589.
(3) انظر: ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة، ص170. الشنقيطي: أضواء البيان، ج8، ص634.
(4) الرازي: التفسير الكبير، ج10، ص720.
(5) الشنقيطي: أضواء البيان، ج8، ص634.
(6) عباس، فضل: لطائف المنان، ص 244.
(7) سورة القيامة: الآية 1.
(8) انظر: ابن خالويه: الحجة في القراءات السبع، ص356.(1/21)
يَنْباع من ذِفري غَضُوبٍ جَسْرةٍ زيَافةٍ مِثلَ الفنيق المُكدَمِ (1)
قوله: ينباع، من نَبَعَ ينبع، ثم أُشبعت الفتحة فصارت ألفاً.
والشفق: هو الحُمرة التي تكون في الأفق وقت الغروب. قال الراغب: "الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس" (2) .
والقول بأنّ الشفق يعني الحمرة، هو قول عامة الفقهاء، وبزواله يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء. إلا ماروي عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- في إحدى الروايتين أنه البياض، وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه (3) .
وأصل الشفق في اللغة أنَّه يدل على رِقّةٍ في الشيء. ومنه الشفق على الإنسان بمعنى رقّة القلب عليه. والشفق من الثياب: الرقيق والرديء منها (4) .
أمَّا تسمية الحُمرة شفقاً فلأن الضوء يأخذ في الرقة والضعف عند مغيب الشمس إلى أن يستولي سواد الليل على الآفاق كلها (5) .
وأما حكمة القسم به فهي : أنَّ في ذكر الشفق إيماء إلى أنه يشبه حالة انتهاء الدنيا؛ لأن غروب الشمس مثل الموت (6) .
سادساً: القسم بالنهار
__________
(1) ابن شداد، عنترة: ديوان عنترة، ص 148. الذفريان: الحيدان الناتئان بين الأذن ومنتهى الشعر، وأول ما يُعرف من البعير الذفريان. الغضوب: الغضبى. الجسرة: الماضية في سيرها، وقيل : الضخمة القوية. الزيافة: المسرعة. الفنيق: الفحل. المكدم: الغليظ أو الصلب. انظر: شرح عبد المنعم شلبي لديوان عنترة، ص 148.
(2) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 458.
(3) الزمخشري: الكشاف، ج4، ص714.
(4) ابن منظور: لسان العرب، مادة (شفق)، ج10، ص180. الزمخشري: الكشاف، ج4، ص714.
(5) الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص101. البرسوي: روح البيان، ج10، ص380.
(6) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص226.(1/22)
وأقسم سبحانه بالنهار في موضعين من كتابه الكريم، الأول في سورة الشمس؛ فقال: { وَالنَّهار إذا جَلاها } (1) ، والثاني في سورة الليل؛ فقال: { والنهار إذا تجلى } (2) .
قوله: "تجلّى" بمعنى ظهر وبان، نقول: تجلّى الشيء بمعنى انكشف، ومنه الجَلي: وهو الواضح (3) .
والضمير المؤنث في قوله: "جلاها" ظاهره أنه عائد على الشمس، بمعنى أن الشمس تظهر وتنجلي إذا انبسط النهار. وعليه فإنَّ إسناد "جلَّى" إلى ضمير النهار، من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه، وذلك لأن ظهور الشمس يقع زمن انبساط النهار، وليس الانبساط هو المُجلِّي لها (4) .
وقيل بأنَّ الضمير المؤنث يعود على الأرض. وقيل: على الدنيا. وقيل: يعود على الظُلمة (5) .
والقول بأنَّه عائد على الشمس هو الأولى بالاعتبار، وذلك لأنَّ مرجع الضمير مذكور وهو الشمس، كما يدل على صحة ذلك سياق الآيات في السورة: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا*وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا*وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } (6) .
ويُلحظ في كلا الموضعين اللذين أقسم الله فيهما بالنهار، أنَّ القَسَم بالنهار جاء مقروناً بحال التجلّي؛ وذلك كما قال ابن عاشور: "إدماجاً للمنَّة في القسم"، (7) فالله سبحانه أقسم بالنهار في زمن تجليته حيث ينكشف ما كان مستوراً بظلمة الليل، فيتحرك الناس لمعاشهم، وتخرج الطيور من أوكارها، والهوامّ من مكامنها (8) .
__________
(1) سورة الشمس: الآية 3.
(2) سورة الليل: الآية 2.
(3) رضا، أحمد: معجم متن اللغة، مادة (جَلَيَ)، ج1، ص562.
(4) انظر: الألوسي: روح المعاني، ج30، ص141.
(5) انظر: المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة. الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص296.
(6) سورة الشمس: الآيات (1-3).
(7) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص367.
(8) انظر: الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص188. الصاوي: حاشية الصاوي على الجلالين، ج4، ص323.(1/23)
وهناك ملاحظة أخرى حَريّ بنا أن نقف عندها، وهي: أنَّ القسم بالنهار في سورة الليل، جاء بعد القسم بالليل: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } (1) ، بينما في سورة الشمس، جاء القسم بالنهار أولاً: { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (2) ، فما الحكمة من ذلك؟
يستحيل بأيّ حال أن يأتيَ حرف واحد في هذا الكتاب المعجز، في غير موقعه اللائق به، وإنه ليُلمس في هذا التقديم والتأخير لطيفة، هي من بدائع هذا القرآن العظيم، وهي: أنَّ سورة الليل نزلت قبل سورة الشمس بمدَّة؛ حيث كان الكفر مُخيماً على الناس إلا القليل منهم، وكان الإسلام قد أخذ في التجلي، فناسب تلك الحالة، تمثيلها بحالة الليل حين يعقبه ظهور النهار (3) .
كما يُلحظ في هذا الموضع، أنَّ القسم بالليل في وقت غشيانه، جيء فيه بصيغة المضارع؛ وذلك لأنه يغشى شيئاً فشيئاً. أما النهار فإنَّه جيء فيه بصيغة الماضي؛ وذلك لأنه إذا طلعت الشمس ظهر وتجلى مرةً واحدة (4) .
سابعاً: القسم بالليل
أمَّا الليل فقد أقسم الله تعالى به في عدة مواضع، وكان القسم به مقروناً بعدة أحوال، وذلك على النحو الآتي:
1. القَسمُ بالليل في حالة إدباره. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } (5) .
والدُّبُر والدُّبْر في اللغة نقيض القبل، ودبر كل شيء عقبة ومؤخره (6) . وعليه فإنَّ إدبار الليل يكون مقابل إقباله، وقوله: "إذ أدبر" يعني أنَّ الليل انقلب راجعاً من حيث جاء؛ فانكشف ظلامه، وزال الجهل والريب والشك بانكشافه (7) .
__________
(1) سورة الليل: الآيتان(1، 2).
(2) سورة الشمس: الآيتان(3، 4).
(3) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص367.
(4) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص81.
(5) سورة المدثر: الآية 33.
(6) ابن منظور: لسان العرب، مادة ( دَبَرَ)، ج4، ص268.
(7) البقاعي: نظم الدرر، ج8، ص234.(1/24)
2. القسم به في حال العسعسة. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } (1) .
قوله: "عسعس" بمعنى: أقبل وأدبر؛ وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه، فهو من الأضداد. والعَسْعسة والعِساس: رِقّة الظلام؛ وذلك في طرفي الليل (2) . وقال بعضهم: إنَّه ليس من الأضداد، ولكن يوجد بينهما قدر مشترك (3) .
ويمكن الاستئناس باقتران عسعسة الليل مع تنفس الصبح، { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ*وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، في ترجيح أن يكون المراد بالعسعسة هنا انصرام الليل، لأنه مقترن بإقبال النهار من غير فصْل، وهذا أعظم في الدلالة والعبرة، فالآية في انصرام هذا ومجيء الآخر عُقيبه بغير فصل أبلغ، فذكر سبحانه حالة ضعف هذا وإدباره، وحالة قوة هذا وتنفسه (4) .
3. القسم بالليل وما وسق . قال تعالى: { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } (5) .
والوَسْق: هو جمع الأشياء المتفرقة، مصدر وَسقتُ الشيء؛ أي جَمعته وحملته (6) .
وعلى هذا يكون المعنى: أي ما جمع الليل مما كان منتشراً في النهار من ناس وحيوان، فإنها تأوي في الليل إلى مآويها، حيث جعل الله طلب السكون والراحة في وقت الليل جِبلّة فيها، وهذا من بديع التكوين، فلذلك أقسم الله به (7) .
وقيل: ما وَسَقه الليل: النجوم؛ لأنها تظهر بالليل. قال ابن عاشور: "وهذا المعنى أنسب، بعطف القمر عليه" (8) .
__________
(1) سورة التكوير: الآية 17.
(2) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص566. السمين الحلبي: عمدة الحفاظ، ج3، ص72.
(3) المرجع السابق، ج3، ص73.
(4) انظر: ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص155.
(5) سورة الانشقاق: الآية 17.
(6) السمين الحلبي: عمدة الحفاظ، ج4، ص311.
(7) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص227.
(8) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص227.(1/25)
والذي أراه أن الله سبحانه أقسم بجميع ما ضمّه الليل وآواه، ويشمل ذلك الإنسان والحيوان، كما يشمل النجوم والظلام. إذ أنَّ القسم بمطلق الجَمع، والليل يجمع كل هذه الأشياء.
4. القسم بالليل في حال سريانه. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (1) .
بعد أن أقسم سبحانه بالليالي العشر على وجه الخصوص. بقوله: { وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (2) أتْبَع ذلك بالقسم بالليل على وجه العموم، فقال: { وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (3) .
ومعنى يسري: يمضي سائراً في الظلام. وأصل السُّرى في اللغة: السير في الليل (4) . فشبَّه تقضّي الليل في ظلامه بسير السائر في الظلام.
وقرأها بعض القراء (يسري) بإثبات الياء، بينما قرأها آخرون بالحذف (5) .
قال الفراء: "وحذفها أحبُّ إلي لمشاكلتها رؤوس الآيات، ولأن العرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسر ما قبلها" (6) .
5. القسم به في حال الغشيان. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (7) ، وقال: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } (8) .
__________
(1) سورة الفجر: الآية 4.
(2) سورة الفجر: الآيتان (1، 2).
(3) سورة الفجر: الآيتان (3، 4).
(4) ابن منظور: لسان العرب، مادة (سرا)، ج14، ص381.
(5) انظر: ابن زنجلة، عبد الرحمن: حجة القراءات، ج3، ص260.
(6) الفراء: معاني القرآن، ج3، ص260.
(7) سورة الشمس: الآية 4.
(8) سورة الليل: الآية 1.(1/26)
والغشاوة: هي ما يُغطَّى به الشيء (1) . والضمير في قوله: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } عائد على الشمس، وذلك ما يوحي به سياق الآيات: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (2) فالضمائر كلها عائدة على الشمس. وحقيقة الأمر أن إسناد الغشيّ إلى الليل مجاز عقلي، من إسناد الفعل إلى زمنه، لأنَّ الليل لا يغطي الشمس على الحقيقة، ولكن في زمن الغشيّ تكون الشمس محجوبة عنَّا بنصف الكرة الأرضية (3) .
أمَّا قوله: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } فهو عام، وعدم ذكر المفعول إنما هو للتعميم (4) . فيكون المعنى: يغشى الليل الأفق وجميع ما بين السماوات والأرض فيذهب ضوء النهار.
وأقسم سبحانه بالليل لكونه جليلاً عظيماً يسكن الخلق فيه عن الحركة، ويغشاهم النوم الذي فيه راحة الأبدان (5) .
6. القسم بالليل إذا سجى. قال تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } (6) .
وقوله: "سجى" أي سَكَنْ، نقول: سجى البحر سُجوّاً بمعنى: سكنت أمواجه، ومنه استعير قولنا: تسجية الميت؛ أي تغطيته بالثوب (7) .
قال الفراء: "وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى: إذا أظلم وركد في طوله، كما تقول: بحر ساجٍ وليلٌ ساج، إذا ركد وسكن وأظلم" (8) .
وأشار الرازي -رحمه الله- إلى أن معنى "سجى" لدى أهل اللغة يدور حول ثلاثة معان متقاربة هي: "سكن، وأظلم، وغطى" (9) .
__________
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص607.
(2) سورة الشمس: الآيات (1-4).
(3) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص368.
(4) انظر: البرسوي: روح البيان، ج10، ص447.
(5) الصاوي: حاشية الصاوي، ج4، ص 323.
(6) سورة الضحى: الآية 2.
(7) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص399.
(8) الفراء: معاني القرآن، ج2، ص273.
(9) الرازي: التفسير الكبير، ج11، ص190.(1/27)
ومن خلال النظر في الآيات السابقة يتضح أنَّ القسم بأحوال الليل جاء مقروناً بالقسم بأحوال النهار، وذلك على النحو الآتي:
- إدبار الليل جاء مقروناً بإسفار الصبح. { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ*وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } (1) .
- وعسعسة الليل مقرونة بتنفس الصبح. { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ*وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } (2) .
- وسريان الليل جاء مقروناً بالفجر. { وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ*وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } (3) .
- وغشيان الليل جاء مقروناً بتجلي النهار. { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } (4) . { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } (5) .
- وسجو الليل جاء مقروناً بالضحى. { وَالضُّحَى*وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } (6) .
- أما قوله: { وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } (7) ، فقد جاء مقروناً بقوله: { وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَق } (8) . واتساق القمر هو اجتماعه واستواؤه وذلك في ليلة أربع عشر (9) . ومعلوم أنّ هذا هو وقت ضوء القمر الذي ينير الليل، والنور والضياء الحاصل باتساق القمر حال مِن أحوال النهار.
ويُستنتج من ذلك، أنه سبحانه قابل في القسم بين الليل والنهار للدلالة على المبدأ والمعاد، فما أشبه انبثاق ضوء النهار بعد ظلمة الليل بالبعث بعد الموت. فبينما الليل ساكن قد هدأت فيه الحركات، وسكتت الأصوات، وصار الناس إخوان الأموات، إذ أقبل النهار، فارتفعت الأصوات، حتى كأنهم قاموا أحياءً بعد أن كانوا أمواتاً.
ثامناً: القسم بالليالي العشر
__________
(1) سورة المدثر: الآيتان (33 ،34).
(2) سورة التكوير: الآيتان (17، 18).
(3) سورة الفجر: الآيات (1-4).
(4) سورة الشمس: الآيتان (3، 4).
(5) سورة الليل: الآيتان (1، 2).
(6) سورة الضحى: الآيتان (1، 2).
(7) سورة الانشقاق: الآية 17.
(8) سورة الانشقاق: الآية 18.
(9) انظر: الزمخشري: الكشاف، ج4، ص714.(1/28)
ورد القسم بالليالي العشر في القرآن الكريم مقروناً بالفجر، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (1) . فما المقصود بهذه الليالي؟
اختُلف في تحديد المراد بها، والراجح في ذلك -وهو ما عليه جمهور المفسرين كما يقول صديق حسن خان (2) - أنَّ المراد بالليالي العشر هو عشر ذي الحجة. وهذا مروي عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف. وهو الذي صححه ابن كثير (3) .
ويدل على هذا ما رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن العشرَ عشرُ الأضحى» (4) . ويسانده ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعاً: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» (5) .
وقيل: المراد بذلك العشر الأُول من محرم. وقيل: العشر الأواخر من رمضان (6) .
وكل ذلك ضعيف لأنه مخالف لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالأولى ما أشرتُ إليه لأنه قولُ الذي لا ينطق عن الهوى.
__________
(1) سورة الفجر: الآيتان (1، 2).
(2) خان، صديق: فتح البيان، ج15، ص214.
(3) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج4، ص535.
(4) رواه أحمد، ورواه الحاكم وصححه. انظر : ابن حنبل: المسند، ج3، ص327. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، ج2، ص522. وقال عنه الهيثمي: "رواه البزار وأحمد ورجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقةٌ". انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد، ج7، ص137.
(5) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، ج3، ص135، كتاب العيدين، باب رقم 11، حديث رقم 969.
(6) انظر: الماوردي: النكت والعيون، ج4، ص265. الخازن: لباب التأويل، ج6، ص418.(1/29)
ويُلحظ أنه سبحانه قال: "وليالٍ" بالتنكير، وذلك لبيان فضيلتها على غيرها، ولو عُرّفت لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير، ففي التنكير تعظيم لها، فإن التنكير يكون للتعظيم (1) .
وهذه الأيام هي الأيام المعلومات التي حثنا الله على ذكره فيها؛ فقال: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } (2) فتخصيص الحث على الذكر بهذه الأيام، يشير إلى أفضليتها على غيرها.
تاسعاً : القسم بيوم القيامة
قال سبحانه في القسم بيوم القيامة: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } (3) . وقد تقدم الكلام عن صيغة لا أقسم (4) .
والقيام في اللغة نقيض الجلوس (5) . وسُمي اليوم الآخر بيوم القيامة؛ لأن الخلق يقومون فيه لرب العالمين قومةً واحدة حتى يفصل في أمرهم (6) .
كما أقسم سبحانه بهذا اليوم في قوله: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ*وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } (7) وسُمي هذا اليوم باليوم الموعود؛ لأن الله وعدهم بوقوعه في الحياة الدنيا لمجازاة كل فريق على عمله (8) .
أما سرّ القسم بيوم القيامة فللتنبيه على عظمته وهوله، وباعتبار ما يجري فيه من عدل الله، وإفاضة فضله، وما يحضره من الملائكة والنفوس المباركة (9) .
عاشراً : القسَمُ بالعُمر
__________
(1) انظر: المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة. ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص54.
(2) سورة الحج: الآية 28.
(3) سورة القيامة: الآية 1.
(4) انظر ص( 17 ) من هذا البحث.
(5) انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة (قوَمَ)، ج12، ص496.
(6) انظر: المرجع السابق، ج12، ص 506. السجستاني: غريب القرآن، ص296 .
(7) سورة البروج: الآيتان (1، 2).
(8) انظر: الشنقيطي: أضواء البيان، ج9، ص130. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج30، ص238.
(9) انظر: ابن عطية: المحرر الوجيز، ج5، ص401. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج29، ص338.(1/30)
العُمر: هو اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، والتعمير: إعطاء العمر بالفعل أو بالقول على سبيل الدعاء (1) . قال تعالى: { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ } (2) .
وأقسم سبحانه بالعمر فقال: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } (3) . قال الزجاج: "قال النحويون (4) : ارتفع لعَمْرُك بالابتداء، والخبر محذوف. المعنى: لعمرُك قسمي، أو لعمرُك ما أقسم به، وحذف الخبر لأن في الكلام دليلاً عليه" (5) .
والقسم بالعمر هنا قسَم بعمر مخصوص، هو عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن القيم: "أكثر المفسرين من السلف والخلف -بل لا يُعرف عن السلف فيه نزاعاً– أنَّ هذا قسم من الله بحياة رسول - صلى الله عليه وسلم - " (6) .
ولم يُقسم سبحانه في كتابه بغير حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذه مزيّة لم تعرف لغيره، وفي هذا ما يدلّ على فضل حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعزتها على الله.
المبحث الثالث
الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم
اختص سبحانه بعض الأزمنة بأن جعلها مواسم للطاعات، وأياماً مباركة للقرُبات، وحَثَّ الناس على اغتنام أجرها، فهي مظانٌّ لطلب الرضى، وإجابة الدعوات، ومضاعفة الحسنات، حيث يفتح الله فيها أبواب الرحمة، فالموفَّق من تزود لآخرته، وأقبل على ربه راجياً مغفرته.
__________
(1) انظر: الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص586. السمين الحلبي: عمدة الحفاظ، ج3، ص122.
(2) سورة فاطر: الآية 11.
(3) سورة الحجر: الآية 72.
(4) انظر مثلاً: السمين الحلبي: الدر المصون، ج7، ص ص ( 173-174). صافي، محمود: الجدول في إعراب القرآن، ج7، ص219.
(5) الزجاج: معاني القرآن، ج3، ص184.
(6) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، ص547.(1/31)
وهذا هو مدلول قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة، لا يشقى بعدها أبداً" (1) .
وهذا هو مفهوم التفاضل في الأوقات؛ لأنَّ الأزمان في حقيقتها متجانسة ومتشابهة، وتفضيل بعضها على بعض إنما هو على معنى أنَّ الطاعة في البعض أفضل، والثواب عليها أكثر.
ومن هنا فقد ميّزَ الله يوم الجمعة على غيره من أيام الأسبوع، وشهر رمضان على غيره من شهور السنة، وليلة القدر على غيرها من الليالي، وميز بعض ساعات الليل والنهار على غيرها.
وكما ميز الله بعض الأزمان فإنه ميز كذلك بعض الأماكن والبلدان على غيرها، كالبلد الحرام، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى وما حوله.
وهو سبحانه العليم بالحكمة التي لأجلها فُضّل زمن على زمن، وفُضل مكان على مكان، فهي أمور ثابتة من الله، ولا يبطلها إلا إبطال من الله، كما أبطل تقديس السبت بالجمعة، فليس للناس أن يغيروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنة أو أمكنة أو ناس.
وأستعرضُ فيما يلي الأزمان الفاضلة في القرآن الكريم:
أولاً: الأزمان المُقسَم بها
وهي الأزمان التي أشرتُ إليها في المبحث السابق، ولا شك أنها أزمان فاضلة، بدليل قسم الله سبحانه وتعالى بها.
ثانياً: الأشهر الحرم
__________
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال عنه: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه من لم أعرفهم، ومن عرفتهم، وُثقوا". وذكره بلفظ آخر عن أنس ابن مالك، وقال فيه: "رواه الطبراني ورجال إسناده رجال الصحيح، غير عيسى بن موسى بن إياس ابن البكير، وهو ثقة". انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد، كتاب الزهد، باب التعرض لنفحات رحمة الله، ج10، ص231.(1/32)
قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } (1) .
فالأشهر الحرم إذاً هي أربعة أشهر كما هو صريح النص القرآني "منها أربعة حرم"، ولكن أيّ أربعة هي من شهور السنة؟
هذا ما حدده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما وصلنا من سنته الشريفة حيث قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضر (2) الذي بين جمادى وشعبان" (3) .
قال عبد الغني النابلسي: "وقد أجمع المسلمون على أنَّ الأشهر الحرم، هي الأربعة المذكورة في هذا الحديث" (4) .
وسُميت هذه الأشهر حُرماً لتعظيم انتهاك المحارم فيها؛ فالمعصية فيها أشدّ عقاباً، وبالمقابل فإنَّ الطاعة فيها تكون أكثر ثواباً (5) .
__________
(1) سورة التوبة: الآية 36.
(2) أضاف شهر رجب إلى مُضر؛ لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه، بخلاف غيرهم، وَوَصْفُه بأنه بين جمادى وشعبان تأكيداً . انظر : ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، ج9، ص221.
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب التفسير، باب رقم 8، ج9، ص221.
(4) النابلسي، عبد الغني: فضائل الشهور والأيام، ص68.
(5) انظر: الماوردي: النكت والعيون، ج2، ص360. الرازي: التفسير الكبير، ج6، ص41. أبو حيان: البحر المحيط، ج5، ص41.(1/33)
أمَّا القول بأنها سُميت كذلك لتحريم القتال فيها (1) ، مصداقاً لقوله تعالى: { فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) فهذا منسوخ، لأنَّ تحريم القتال فيها، إنما كان في أول الإسلام، إلا أن يُقاتَل المسلمون، ثم أذن الله تعالى في قتال المشركين في جميع الأوقات، فقال: { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } (3) . وبقيت حرمة الأشهر الحرم في تضعيف الأجور والأوزار فيهن، فقد خص الله تعالى هذه الأشهر بزيادة المنع فيهن عن الظلم (4) . ولذلك فقد غلّظ الإمام الشافعي –رحمه الله- في دية من قتل خطأً في الأشهر الحرم (5) .
وعلى ذلك فإن قوله: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } عائدٌ على الأربعة الحرم، وليس على الإثنيْ عشر شهراً، لأنَّه أقرب مذكور، ولأن هذا هو مدلول الضمير (فيهنّ) في اللغة العربية.
وفي اختصاص الأشهر الحرم بالذكر هنا تشريف لها. وفي خصها بالنهي عن الظلم، مع أنه منهيٌ عنه في كل زمان، مزيدٌ من التشريف (6) .
وجاء ذكر الأشهر الحرم في القرآن الكريم بصيغة المفرد الدال على الجنس؛ فقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } (7) ، وقال: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ } (8) .
__________
(1) انظر : المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة. حجازي، محمد: التفسير الواضح، ج10، ص49.
(2) سورة التوبة: الآية 5.
(3) سورة التوبة: الآية 36.
(4) البيهقي: فضائل الأوقات، ص86.
(5) انظر: الشافعي: الأم، ج6، ص147. الحصني: كفاية الأخيار، ص604.
(6) الرازي: التفسير الكبير، ج6، ص41. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص135 .
(7) سورة المائدة: الآية 2.
(8) سورة المائدة: الآية 97.(1/34)
فالمراد بالشهر الحرام في هاتين الآيتين، الأشهر الحرم الأربعة، إلا أنه عبَّر عنها بلفظ الواحد؛ لأنه ذهب بها مذهب الجنس (1) .
ووردت آيتان يبين سبب نزولهما أنهما تدلان على أحد هذه الأشهر الأربعة، وهما:
- قوله تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } (2) ،فهي جاءت لتدل على شهر ذي القعدة الذي مُنع المسلمون فيه من دخول مكة، ولكنهم عادوا في العام المقبل، وفي نفس هذا الشهر (3) .
- وقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } (4) وهذه نزلت حين قَتَلَ أحدُ المسلمين رجلاً من المشركين في شهر رجب (5) .
وهاتان الآيتان وإن جاءتا للدلالة على شهرٍ معين من الأشهر الحرم، نزلت فيه الآية، إلا أنّ مدلولهما ينسحب على باقي الأشهر الحرم الأخرى.
ثالثاً: شهر رمضان
لم يرد في القرآن الكريم تصريح باسم أي شهر من شهور السنة، سوى شهر رمضان؛ وذلك في سورة البقرة؛ في قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (6) .
وهذا الشهر تميز على غيره باختصاصه بعبادة جليلة، هي عبادة الصوم. ولعلَّ من الحكم في ذلك هي أنَّ هذا الشهر قد شرّفه الله بنزول القرآن، وفيه فاضت على البشرية هداية الرحمن، ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء برسالةٍ هي خاتمة الرسالات.
__________
(1) الرازي: التفسير الكبير، ج4، 440. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص325.
(2) سورة البقرة: الآية 194.
(3) الواحدي: أسباب النزول، ص 43. الزمخشري: الكشاف، ج1، ص119.
(4) سورة البقرة: الآية 217.
(5) الواحدي: أسباب النزول، ص ص (51-52). ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص271.
(6) سورة البقرة: الآية 185.(1/35)
وأصل (رمضان) في اللغة مأخوذ من الرّمَض، ويعني: شدَّة وقع الشمس، يقال: أرمَضَه ورَمِضَ؛ أي أحرقته الرّمضاء، وهي شدة حر الشمس (1) . ومنه سُمي رمضان "لأنه يرمض الذنوب؛ أي يحرقها بالأعمال الصالحة" (2) .
وفضل هذا الشهر عظيم، وثوابه جسيم، يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقاً للذنوب، كما يدل عليه ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر العظيم، ومن ذلك:
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دخل رمضان فُتحت أبواب السماء، وغُلّقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين» (3) . وقوله في حديث آخر: «من قامه إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه» (4) .
وفي هذا الشهر العشر الأواخر، حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - :«إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» (5) . وغيرها من الأحاديث الدالة على عظمة هذا الشهر.
فإذا كان هذا الشهر بهذه العظمة، والأجر فيه يُضاعف إلى هذه الدرجة، أفلا نستثمره على الوجه الأكمل؟ وهلا حرصنا على كل ثانية منه لكي لا تضيع سدى؟.
رابعاً: ليلة القدر
__________
(1) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (رَمَضَ)، ج2، ص440. الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 366.
(2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص291.
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الصوم، باب رقم 5، حديث رقم 1899، ج4، ص605.
(4) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب صلاة التراويح، باب رقم 1، حديث رقم 2008، ج4، ص778.
(5) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب فضل ليلة القدر، باب رقم 5، حديث رقم 2024، ج4، ص802.(1/36)
أما ليلة القدر، فهي جزء من شهر رمضان الفضيل، ومع ذلك فقد خصها الله سبحانه بالذكر، مما يدل على أهميتها وعظمتها، كيف لا وهي ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، وهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم، وهو الكتاب الذي لم تشهد الأرض مثله، في عظمته، وفي تأثيره على حياة البشرية.
يقول سبحانه عن هذه الليلة في سورة من السور القصار: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } (1) .
وهي ذات الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } (2) .
وإنما سميت بـ ( ليلة القدر) لعظمتها وشرفها وقَدْرها، من قولهم : لفلان قدْر؛ أي منزلة وشرف. وقيل: لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً، وثواباً جزيلاً. أو لأن الله تعالى يُقدّر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره. أو لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر على رسول ذي قدر، على أمةٍ ذات قدر. وغير ذلك من الأقوال (3) .
وهي معاني متقاربة يشملها جميعاً المعنى الأول، فهي جميعاً دالة على قدْر هذه الليلة، وفضلها، وعظيم منزلتها.
__________
(1) سورة القدر.
(2) سورة الدخان: الآيتان (3، 4).
(3) انظر: ابن الجوزي: التبصرة، ج2، ص92. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص ص (130-131). العراقي، ولي الدين: فضائل وعلامات ليلة القدر، ص 26.(1/37)
وهذه الليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري، وهي خير من آلاف اللحظات الزمنية في حياة البشر، فكم من آلاف الشهور، بل وآلاف السنين، قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة، من آثارٍ وتحولات (1) .
ولهذا فلا غرابة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحثنا على تَحَرِّيها في الفترة الزمنية التي تقع فيها؛ فيقول لنا: «تَحَرَّوا ليلة القدر، في العشر الأواخر من رمضان» (2) . ولا غرابة في أنه - صلى الله عليه وسلم - يحثنا على قيام هذه الليلة مبيناً عظيم أجرها، فيقول: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه» (3) .
وبعد ذلك، فهل هناك أفضل من هذه الليلة؟ وهل أعظم من هذا الأجر؟ فلنحرص على هذه الليلة، التي لا تأتي إلا مرة في العام.
خامساً: أيام التشريق
ذكر الله سبحانه فضل أيام التشريق في سورة البقرة، فقال: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } (4) والأيام المعدودات، هي أيام التشريق، كما روي عن ابن عباس، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وغيرهم (5) .
قال القرطبي: "ولا خلاف بين العلماء، أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى، وهي أيام التشريق" (6) .
__________
(1) انظر: قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج6، ص3945.
(2) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب فضل ليلة القدر، باب رقم 3، حديث رقم 2020، ج4، ص790.
(3) رواه البخاري. انظر: الصحيح مع الفتح، كتاب الصوم، باب رقم 6، حديث رقم 1901، ج4، ص608.
(4) سورة البقرة: الآية 203.
(5) انظر: الطبري: جامع البيان، ج2، ص ص (302-303). ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص232.
(6) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص1.(1/38)
كما يدل على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والتي يصف فيها أيام التشريق بأنها أيام ذكر لله عز وجل، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - :«أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» (1) . وإطلاق الرسول للذكر من غير تقييده بشيء ، جاء مساوياً لإطلاق الله اسم الذكر { واذكروا الله } ، مما يُعدّ دليلاً واضحاً على أن الرسول عَنى بذلك ذات الذكر الذي أشار إليه الله في كتابه الكريم، وعينه في الأيام المعدودات.
ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه، ومن تأخر فلا أثم عليه» (2) .
قال ابن رجب الحنبلي: "وهذا صريح في أنها أيام التشريق" (3) .
أما بالنسبة لتحديد هذه الأيام، فهناك قولان رئيسان (4) :
الأول: أنها أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة بعده. وهذا مروي عن ابن عباس وغيره.
الثاني: أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها. وعزا ابن رجب هذا القول إلى ابن عمر وأكثر العلماء. وقال عنه بأنه: "هو القول الأظهر" (5) .
وهذا ما أراه راجحاً، وذلك كما قال القرطبي: "لإجماع الناس أنه لا ينفر أحد يوم النّفر، وهو ثاني يوم النحر. ولو كان يوم النحر في المعدودات، لساغ أن ينفر من شاء متعجلاً يوم النفر؛ لأنه قد أخذ يومين من المعدودات" (6) .
__________
(1) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب رقم 23، حديث رقم 1141، ج2، ص 658.
(2) رواه أحمد عن عبد الرحمن بن يَعمْر. انظر: ابن حنبل: مسند أحمد، ج4، ص310.
(3) ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص301.
(4) انظرهما في: المرجع السابق، نفس الصفحة. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص1.
(5) ابن رجب الحنبلي: لطائف المعارف، ص 301.
(6) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص1.(1/39)
فالله سبحانه وتعالى لمّا طلب منا أن نذكره في تلك الأيام على وجه الخصوص، يدلنا ذلك على عظيم فضل هذه الأيام، وأن الأجر فيها مضاعف، والثواب أعظم، فلنحرص على ذكر الله في مثل هذه الأزمان التي عينها الله لنا.
وفي وصفه لهذه الأيام بأنها (معدودات) ما يشير إلى قلة عددها، وفي هذا ما يدفع المسلم إلى الحرص على الإفادة من هذه الأيام، والتوجه إلى الله فيها.
سادساً: يوم الجمعة
أمَّا يوم الجمعة، الذي هو يوم عظيم عند المسلمين، تقام فيه هذه الصلاة الجامعة، التي تمثل مؤتمراً أسبوعياً، يتناول هموم المسلمين وقضاياهم اليومية، ومواعظ تذكر بالله سبحانه وتعالى، فقد بين القرآن الكريم مكانة هذا اليوم وفضله، فنزلت سورة الجمعة توضح أهمية هذا اليوم من أيام الأسبوع. قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } (1) .
وأصلُ الجمع في اللغة: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض. نقول : استجمع السيل، بمعنى: اجتمع من كل موضع، وتجمّع القوم: اجتمعوا من هنا وهنا (2) . ومنه (الجمعة)، سُميت بذلك لاجتماع الناس إلى الصلاة (3) .
ويُلحظ في الآية السابقة التأكيد على ضرورة أداء صلاة الجمعة في وقتها دون تأخير، حتى لو أدى ذلك إلى ترك الأعمال فور سماع ندائها.
__________
(1) سورة الجمعة: الآية 9.
(2) ابن منظور: لسان العرب، مادة (جَمَعَ)، ج8، ص53.
(3) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص202. السمين الحلبي: عمدة الحفاظ، ج1، ص337.(1/40)
كما يُلحظ هذا التشديد على أداء صلاة الجمعة في سُنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «لينتهينَّ أقوام عن وَدْعِهِمُ الجُمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثم ليكوننَّ من الغافلين» (1) .
وفي التأكيد على الالتزام بهذه الصلاة إشارة إلى أهميتها وفضلها، وفي ذلك ما يدل على أهمية وفضل اليوم الذي تقع فيه.
وفضل هذا اليوم لا يقف عند هذا الحد، بل يَصدُق فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :«لا تطلع الشمس ولا تغرب، على يوم أفضل من يوم الجمعة» (2) .
وفي هذا اليوم ساعة عظيمة، يُستجاب فيها الدعاء؛ كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ في الجمعة لساعة، لا يوافقها مسلم قائم يُصلي، يسأل الله خيراً، إلا أعطاه إياه» (3) .
__________
(1) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 12، حديث رقم 865، ج2، ص495.
(2) رواه ابن حبان. انظر: صحيح ابن حبان مع تقريب الإحسان، كتاب الصلاة، باب رقم 30، حديث رقم 2770، ج7، ص5. وللتوفيق بين هذا الحديث ومثله من الأحاديث الدالة على أن يوم الجمعة هو أفضل الأيام، وبين ما جاء عن يوم عرفة أنه افضل الأيام، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ما مِنْ يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ؟" {رواه مسلم: صحيح مسلم، كتاب الحج، باب رقم 79، حديث رقم 1348، ج2، ص802} للتوفيق بين ذلك، قال الزرقاني: "الأصح أن يوم عرفة أفضل أيام السنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع". انظر: الزرقاني: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ج1، ص318.
(3) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 4، حديث رقم 852، ج2، ص489.(1/41)
وفي هذا اليوم حدثت أمور عظيمة، أخبر بوقوعها الذي لا ينطق عن الهوى، فقال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أُدخل الجنَّة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» (1) .
وفي الإخبار عن وقوع الأمور العظام فيه، واختصاصها به دون سائر الأيام، حضّ على الاستكثار من الطاعات فيه، وزجر عن مواقعة المعاصي (2) .
إلى غير ذلك من الخصائص والفضائل العديدة لهذا اليوم، التي ألفت فيها الكتب والمصنفات (3) .
سابعاً: وقت السَّحَر
ومن الأزمان التي أشار القرآن الكريم إلى فضلها وقت السَحَر. ووقت السحر هو الوقت الذي يسبق طلوع الفجر. ومنه السحور وهو اسم الطعام الذي يؤكل في وقت السحر (4) .
يقول سبحانه واصفاً حال عباده المتقين الموعودين بالجنات، مادحاً فيهم صفة الاستغفار في هذا الوقت: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } (5) ، ويقول عنهم في موضع آخر: { وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (6) ، وذكر القرآن الكريم أن هذا الوقت هو الذي نجّى الله فيه آل لوط، قال تعالى: { إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } (7) .
__________
(1) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب رقم 5، حديث رقم 854، ج2، ص490.
(2) انظر: الباجي: المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، ج1، ص201.
(3) ومن هذه المصنفات على سبيل المثال: ابن القيم: خصائص يوم الجمعة. السيوطي: اللمعة في خصائص يوم الجمعة. آل بن علي: الجمعة ومكانتها في الدين. الهواري، محمد: السبت والجمعة في اليهودية والإسلام.
(4) الرازي: التفسير الكبير، ج3، ص167.
(5) سورة آل عمران: الآية 17.
(6) سورة الذاريات: الآية 18.
(7) سورة القمر: الآية 34.(1/42)
أما الحكمة من تخصيص وقت الأسحار بالاستغفار، فهي أنَّ هذا الوقت هو وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية، ذلك أن وقت السحر هو أطيب أوقات النوم، وعند ذلك تكون العبادة أشق، والنية خالصة، والرغبة في التوجه إلى الله وافرة، فيكون الدعاء في هذا الوقت أقرب للإجابة، والذكر والاستغفار أعظم ثواباً (1) .
ويكون سبحانه في هذا الوقت من الليل قريب من عباده، كما دل عليه الحديث الصحيح: «إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يُعطَى، هل من داعٍ يُستجاب له، هل من مستغفرٍ يُغفر له، حتى ينفجر الصبح» (2) .
فالاستغفار في هذه الفترة الزمنية الفاضلة مِنَّة من الله سبحانه وتعالى، لا يفقهها إلا من ذاقها، وشعر بها في خلجات نفسه، فالتقت روحه مع خالق السماوات والأرض.
"والاستغفار بالأسحار بعد هذا كله يلقي ظلالاً رفافة ندّية عميقة، ولفظة (الأسحار) بذاتها ترسم ظلال هذه الفترة من الليل قبيْل الفجر، الفترة التي يصفو فيها الجو ويرق ويسكن، وتترقرق فيها خواطر النفس وخوالجها الحبيسة، فإذا انضمت إليها صورة الاستغفار، ألقت تلك الظِلال المنسابة في عالم النفس وفي ضمير الوجود سواء، وتلاقت روح الإنسان وروح الكون في الاتجاه لبارئ الكون وبارئ الإنسان" (3) .
خاتمة:
بعد هذه الجولة مع "قيمة الزمن في القرآن الكريم"، فإنه يجدر بنا أنْ نسجّل أهم النتائج التي تم التوصل إليها:
1. الزمن ذو قيمة عظيمة، فهو أثمن وأنفس ما يملك الإنسان، لأن أعزّ شيءٍ لدى الإنسان وهو عمره وحياته، ما هو في الحقيقة إلا زمن.
__________
(1) انظر: الرازي: التفسير الكبير، ج3، ص167. البرسوي: روح البيان، ج2، ص11. خان، صديق: فتح البيان، ج2، ص47.
(2) رواه مسلم. انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب رقم 24، حديث رقم 758، ج1، ص439.
(3) قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج1، ص376.(1/43)
2. عُني القرآن الكريم بالزمن، فعدّه من النعم العظيمة، وعدّه من الآيات الدالة على وجود الله، كما أشار القرآن الكريم إلى قيمة الزمن، وحثّ على استثماره في الخير.
3. أقسم القرآن الكريم بالزمن وبمفرداته، ففي القسم بالزمن أقسم بالعصر، وفي القسم بمفرداته أقسم بالفجر والصبح والضحى والشفق والليل والنهار والليالي العشر ويوم القيامة والعمر. وقَسَم القرآن بالزمن يدل على أهميته وعظمته.
ربيع ثان - اختص سبحانه بعض الأزمنة بالفضل، وهي إضافة إلى الأزمان المقسَم بها: الأشهر الحُرُم وشهر رمضان وليلة القدر وأيام التشريق ويوم الجمعة ووقت السحر. وتخصيص هذه الأزمنة بالفضل حريٌّ به أن يشجع المسلم على الإفادة منها في الخير، واستثمارها في العمل الصالح.
قائمة المراجع
1. أبو حيان، محمد بن يوسف: البحر المحيط، تحقيق: عادل عبد الموجود وآخرون، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ/ 1993م).
2. أبو العلاء المعري، أحمد بن عبد الله: اللزوميات، شرح: نديم عَدِي، (بدون معلومات نشر).
3. أبو غدة، عبد الفتاح: قيمة الزمن عند العلماء، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط5، 1990م).
4. أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله: حلية الأولياء، (د.م: المكتبة السلفية، د.ط، د.ت).
5. الأحدب، خلدون: سوانح وتأملات في قيمة الزمن، (بيروت: الدار الشامية، ط4، 1414هـ/ 1993م).
6. أكرم، يوسف: تاريخ الفلسفة اليونانية، (بيروت: دار القلم، د.ت، د.ت).
7. آل بن علي، أحمد: الجمعة ومكانتها في الدين، (قطر: مطبوعات إدارة إحياء التراث الإسلامي، ط3، 1403هـ/ 1983م).
8. الألوسي، حسام الدين: "الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم"، مجلة عالم الفكر، المجلد الثامن، العدد الثاني، يوليو 1977م.
9. الألوسي، محمود: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ط، د.ت).(1/44)
10. ابن الأثير، علي الشيباني: الكامل في التاريخ، (بيروت: دار صادر، د.ر، 1385هـ/ 1965م).
11. ابن الجوزي، عبد الرحمن: التبصرة، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1406هـ/ 1986م).
12. ـــــــ: زاد المسير في علم التفسير، (بيروت: المكتب الإسلامي، ط3، 1404هـ/ 1984م).
13. ـــــــ: صفة الصفوة، تحقيق: محمود فاخوري، (بيروت: دار المعرفة، ط2، 1399هـ/ 1979م).
14. ـــــــــــ: صيد الخاطر، (بيروت: دار الأرقم بن أبي الأرقم، د.ر، د.ت).
15. ابن القيم، محمد: التبيان في أقسام القرآن، تحقيق : محمد سكر، (بيروت: دار إحياء العلوم، ط1، 1409هـ/ 1988م).
16. ــــــــــ: خصائص يوم الجمعة، (د.م: مركز الكتاب للنشر، د.ط، د.ت).
17. ــــــــ: مدارج السالكين، تهذيب: عبد المنعم العزّي، (بيروت: مؤسسة الرسالة، د.ر، د.ت).
18. ابن حبان، محمد بن حبان البستي: صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1480هـ/ 1988م).
19. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، (بيروت: دار الفكر، د.ط، 1416هـ/ 1996م).
20. ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، (بيروت: المكتب الإسلامي، د.ط، 1379هـ/1960م).
21. ابن خالويه، الحسين: الحجة في القراءات السبع، تحقيق: عبد العال مكرم، (بيروت: دار الشروق، ط3، 1399هـ/ 1979م).
22. ابن رجب الحنبلي، عبد الرحمن: الذيل على طبقات الحنابلة، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1417هـ/ 1997م).
23. ــــــــ: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، (دون معلومات نشر).
24. ابن زنجلة، عبد الرحمن: حجة القراءات، تحقيق: سعيد الأفغاني، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط5، 1418هـ/ 1997م).
25. ابن شداد، عنترة: ديوان عنترة، (دون معلومات نشر).
26. ابن عاشور، محمد الطاهر: التحرير والتنوير، (تونس: الدار التونسية للنشر، د.ر، 1984م).(1/45)
27. ابن عطية، عبد الحق بن غالب: المحرر الوجيز، تحقيق: عبد السلام محمد، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ/ 1993م).
28. ابن فارس، أحمد: الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق: عمر الطباع، (بيروت: مكتبة المعارف، ط1، 1414هـ/ 1993م).
29. ــــــــــ: معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، (بيروت: دار الجيل، ط1، 1411هـ/ 1991م).
30. ابن كثير، إسماعيل: تفسير القرآن العظيم، (بيروت: دار الخير، ط1، 1410هـ /1990م).
31. ابن منظور، محمد: لسان العرب، (بيروت: دار صادر، د.ط، د.ت).
32. باجودة، حسن: تأملات في سورة الإسراء، (د.م: دار الاعتصام، د.ر، د.ت).
33. الباجي، سليمان: المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، (بدون معلومات نشر).
34. البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، (بيروت: دار الفكر، د.ر، 1416هـ/ 1996م).
35. البرسوي، إسماعيل حقي: روح البيان، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، د.ت).
36. البقاعي، إبراهيم بن عمر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/1995م).
37. البنا، حسن: مجموعة الرسائل، (بدون معلومات نشر).
38. البيهقي، أحمد بن الحسين: سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، (مكة المكرمة: مكتبة دار الباز، د.ر، 1414هـ/1994م).
39. ــــــ: فضائل الأوقات، تحقيق: عدنان القيسي، (مكة المكرمة: دار المنارة، ط1،1410هـ/1990م).
40. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، (حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية، د.ر، د.ت).
41. حجازي، محمد: التفسير الواضح، (القاهرة: مطبعة الاستقلال الكبرى، ط4، 1388هـ/ 1968م).
42. الحصني، تقي الدين الحصني: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تحقيق: كامل عويضة، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م).
43. الحموي، ياقوت: معجم الأدباء، تحقيق: إحسان عباس، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1993م).(1/46)
44. الخازن، علي بن محمد: لباب التأويل في معاني التنزيل، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م).
45. خان، صديق حسن: فتح البيان في مقاصد القرآن، (قطر: دار إحياء التراث الإسلامي، د.ر، 1410هـ/1989م).
46. الرازي، محمد بن عمر: التفسير الكبير، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1415هـ/ 1995م).
47. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان داوودي، (دمشق: دار القلم، ط2، 1418هـ/ 1997م).
48. رضا، أحمد: معجم متن اللغة، (بيروت: دار مكتبة الحياة، د.ر، 1379هـ/1960م).
49. الزجاج، إبراهيم بن السرّي: معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل شلبي، (بيروت: عالم الكتب، د.ر، د.ت).
50. الزرقاني، محمد: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1990م).
51. الزركشي، محمد: البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد إبراهيم، (القاهرة: د.ط، د.ر، 1957م).
52. الزمخشري، محمود: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م).
53. السجستاني، محمد بن عزيز: غريب القرآن، تحقيق: أحمد صلاحية، (دمشق: دار طلاس، ط1، 1993م).
54. السمين الحلبي، أحمد بن يوسف: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق: أحمد الخراط، (دمشق: دار القلم، ط1، 1408هـ/ 1987م).
55. ــــــــــــ: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، تحقيق: محمد عيون السود، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1417هـ/ 1996م).
56. السيوطي، جلال الدين: نور اللمعة في خصائص يوم الجمعة، تحقيق: محمد زغلول، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ/ 1985م).
57. الشافعي، محمد بن إدريس: الأم، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ / 1993 م).
58. الشنقيطي، محمد: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، د.ر، 1408هـ/ 1988م).(1/47)
59. شوقي، أحمد: الموسوعة الشوقية، جمع: إبراهيم الأبياري، (بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1415هـ/ 1994م).
60. صافي، محمود: الجدول في إعراب القرآن وصرفه، (دمشق: دار الرشيد، ط2، 1409هـ/ 1988م).
61. الصاوي، أحمد بن محمد: حاشية الصاوي على الجلالين، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1،1415هـ/ 1995م).
62. الطباطبائي، محمد: الميزان في تفسير القرآن، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، 1394هـ/ 1974م).
63. الطباع، عمر: الكندي فيلسوف العرب والإسلام، (بيروت: مؤسسة المعارف، ط1، 1414هـ/ 1993م).
64. الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد إبراهيم، (بيروت: دار سويدان، ط2، 1387هـ/ 1967م).
65. ــــــــــ: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ط3، د.ت).
66. العاتي، إبراهيم: الزمان في الفكر الإسلامي، (بيروت: دار المنتخب العربي، ط1، 1413هـ/ 1993م).
67. عباس، فضل حسن: لطائف المنان في روائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن، (بيروت: دار النور، د.ر، 1989م).
68. العجّاج، عبد الله بن رؤبة: ديوان العجاج، رواية: عبد الملك الأصمعي، تحقيق: عزّة حسن، (بيروت: مكتبة دار الشروق، د.ر، د.ت).
69. العراقي، ولي الدين: فضائل وعلامات ليلة القدر، تحقيق: مجدي إبراهيم، القاهرة: مكتبة القرآن، د.ر، د.ت).
70. الغزالي، محمد: تهافت الفلاسفة، (بيروت: دار الفكر اللبناني، ط1، 1993م).
71. غنايم، محمد "منهج الإسلام في العناية بالزمن"، مجلة الجندي المسلم، السنة الثانية عشرة، العدد الثامن والثلاثون، ذو الحجة 1405هـ/1985م.
72. الفراء، يحيى: معاني القرآن، تحقيق: عبد الفتاح شلبي، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ر، 1972م).
73. الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، (بدون معلومات نشر).
74. القرضاوي، يوسف: الوقت في حياة المسلم، (د.م: مكتبة وهبة، ط3، 1417هـ/ 1996م).(1/48)
75. القرطبي، محمد: الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، 1405هـ/ 1985م).
76. قطب، سيد: في ظلال القرآن، (بيروت: دار الشروق، ط22، 1414هـ/1994م).
77. الكلبي، محمد بن جزي: كتاب التسهيل في علوم التنزيل، تحقيق: محمد اليونسي وإبراهيم عوض، (القاهرة: دار الكتب الحديثة، د.ر، د.ت).
78. الماوردي، علي بن محمد: النكت والعيون، (بيروت: دار الكتب العلمية ومؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1412هـ/ 1992م).
79. المحلي، جلال الدين والسيوطي، جلال الدين: تفسير الجلالين، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1416هـ/ 1995م).
80. المرزوقي، أحمد: الأزمنة والأمكنة، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1417هـ/1996م).
81. مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري: صحيح مسلم، (بيروت: دار ابن حزم، ط1، 1416هـ/ 1995م).
82. المصري، رفيق: علم الفرائض والمواريث، (دمشق: الدار الشامية، ط1، 1415هـ/ 1994م).
83. النابلسي، عبد الغني: فضائل الشهور والأيام، تحقيق: مصطفى عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1406 هـ/ 1986م).
84. نوير، عبد الستار: الوقت هو الحياة، (قطر: دار الثقافة، ط2، 1408هـ/ 1988م).
85. النيسابوري، الحسن بن محمد: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، تحقيق: زكريا عميرات، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1416هـ/1996م).
86. الهواري، محمد: السبت والجمعة في اليهودية والإسلام، (د.م: الزهراء للإعلام العربي، ط1، 1414 هـ/1994م).
87. الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (بيروت: دار الكتاب، ط2، 1967م).
88. الواحدي، علي بن أحمد، أسباب النزول، تحقيق: رضوان جامع رضوان، (مصر: مكتبة الإيمان، ط1، 1417هـ/ 1996م).(1/49)