قواعد
الخطاب المسجدي الناجح
محمد شريط
إمام مسجد أبي ذر الغفاري - الجلفة - الجزائر
مقدمة
قال ـ عليه السلام ـ "و إن البيان لسحراً" رواه البخاري.
…إن الكلمة الطيبة القوية تقيم مبادئ، و تنعش أرواحا ، و تحرك أجيالا و تبني شعوبا ... لذلك قال الله لرسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ (و قل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) النساء: 63
و من تراثنا الشعبي العظيم: " اللسان الحلو يرضع اللبة " .
…و في صفحات هذا البحث المتواضع و الذي أسميته " قواعد الخطاب الناجح" .
…تجد ـ و الفضل لله ـ ومضات على هذا الطريق ، محاولا تذكير النفس أولا ثم إخواني الأئمة ثانيا ،أن تحقيق النجاح و التألق و الدور القيادي للأمة لن يرى النور إلا عبر نفس كبيرة ،
وكلمة قوية و طريقة بليغة ، و لقد قال بعضهم : " هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب : من يلقيه؟ و كيف يلقيه ؟ و ما الذي يقوله؟"
…و قد حاولت جهدي في هذا البحث الإجابة عن هذه التساؤلات المهمة ، عبر مقدمة
و ثماني قواعد أساسية في الخطاب الناجح و خاتمة .
…و في الختام أسأل الله أن يكون هذا الجهد خير مرشد و معين لكل إمام ينشد النجاح
و التفوق في خطابه.
…………… و الله من وراء القصد.
………………………محمد شريط
01 - كن واثقا :
…إن أول خطوة على طريق النجاح ـ بعد الثقة بالله تعالى ـ:( كلاّ إنَّ معِي ربِّي سيهْدِينِي )، الثِّقةُ بالنَّفس، الجُرأة، الشَّجاعة، رباطة الجأش، لا تُقل لِنفسك أنَّك لا تستطيع، أنَّك لن تنجحْ، فهذه إيحاءات الفشل، مصايِد العَجْز و الخور.
……إذا غامرت في شرف مرومٍ……فلا تقنع بما دون النّجوم
……فطعم الموت في أمر صغير … كطعم الموت في أمر حقير
……يرى الجبناء أن العجز عقل … و تلك خديعة الطّبع اللئيم(1)
سئل نابليون : كيف استطعت أن تمنح الثقة في أفراد جيشك ؟ فقال : كنت أردّ بثلاث : من قال : لا أقدر، قلت له : حَاوِلْ . و من قال : لا أعرف، قلت له :تعلَّمْ . و من قال : مستحيل(1/1)
قلت له : جَرِّبْ (2) .
…ثقتك بقدراتك و مواهبك تمنحك الشجاعة و القوة، ربما شعرنا كلنا في بداية مواجهة الناس و لازلنا بارتباك شديد و تلعثم اللسان و تصبب العرق و ارتعاد الفرائص، و كيف لا يحدث لنا هذا؟! و أحدنا كما قال عبد الملك بن مروان و قد قيل له : عجل عليك المشيب يا أمير المؤمنين. فقال : كيف لا يعجل عليّ و أنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرّتين ؟ أو قال : شيبني صعود المنابر و الخوف من اللّحن(3) :
…كل إنسان تقريبا يصاب بالخوف لدى إقدامه على أي عمل، و لكن عليه أن يحتفظ برباطة جأشه و ثقة في نفسه و يتصرف و كأنه غير خائف فبعد مضي بعض الوقت يتحول الأمر من خوف إلى شجاعة ، و من ارتباك إلى ثقة، قال بعض الخطباء : " قبل دقيقتين من البدء بالخطاب أفضل لو أنني جلدت على أن أستهل خطابي لكن بعد دقيقتين من البدء أفضل أن أقتل على أن أتوقف(4) ".
…إن أوّل الفشل هو جبن الخطيب و خوره، فما أن يشعر بالضعف و الإنهزام و ترجف أعضاؤه و يتلعثم لسانه و يسيل عرقه، حينها تسأل كم هو الإحراج الذي يعيشه سامعوه فضلا عنه، و هذا هو سقوط الخطيب صراحة.
كيف يؤثر في الجموع من يرهبها ؟ و كيف يستولي على قلوبها من يخجل منها ؟.
…إن قوة القلب في مواجهة الناس قدر عظيم يمنحه الله أهل القدرات و المواهب، فيجدون في مخاطبة الجماهير سلوة و حياة و متعة (1) و من ذاق عرف.
…ثق بالله المعين، ثمّ ثق في نفسك و كن متفائلا، أنك تستطيع - إذا أردت - أن تكون فارسا من فرسان المنابر الذين لا يشق لهم غبار
?
02 - لا تلتفت إلى العوائق :
…العوائق في طريقك كثيرة، صحيح أنك قد لا تجد ما تسدّ به حاجتك العلمية أو المعيشية :
* فصاحة حسّان و خط ابن مقلة……و حكمة لقمان و زهد ابن أدهم
لو اجتمعت في المرء و المرء مفلس……و نودي عليه لا يباع بدرهم
* لو أن لقمان الحكيم الذي……سارت به الركبان في الفضل
… يبلى بفقر و عيال لما ……فرّق بين التَّيس و البغل(1/2)
…كل هذا صحيح، و لكن لست وحدك في طريق المتاعب، قد مرّ بهذا الطريق قبلك علماء أجلاّء فضلاء .. فهذا القاضي عبد الوهاب البغدادي شيّعه يوم فصل عن بغداد من أكابرها،
و أصحاب محابرها جملة موفورة، و طوائف كثيرة، فقال حينها لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة و عشية ما عدلت ببلدكم لبلوغ أمنية و قال :
……سلام على بغداد في كل موطن ……و حُقَّ لها منّي سلام مُضاعف
……فو الله ما فارقتها عن قِلًى لها……و إنّي بشطّيْ جانبيها لعارف
……و لكنّها ضاقت عليّ بأسرها……و لم تكن الأرزق فيها تُساعف
……و كانت كخلّ كنت أهوى دُنوّهُ ……و أخلاقه تنأى به و تخالفُ(1)
طريقك مملوء بهذه العوائق و غيرها، و تلك سُنّة الله في الأخيار :
……قلت للفقر أين أنت مقيم ……قال في عمائم الفقهاء
……إن بيني و بينهم لإخاء……و عزيزٌ عليَّ ترك الإخاء (2)
…حتى قال ابن خلدون في مقدمته، في الفصل السّابع من الباب الخامس : "في أنَّ القائمين بأمور الدّين من القضاء و الفتيا و التدريس و الإمامة و الخطابة و الأذان و نحو ذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب(3)".
فاصبر و صابر : من يصطبر للعلم يظفر به… و من يخطب الحسناء يصبر على البذل
…… و من لم يذّل النّفس في طلب العلا … يسيراً يعش دهراً طويلاً أخا ذلّ(4)
03 - تدّرب..تدّرب :
…هذه خطوة مهمة جدا لنجاح خطابك. فالتدرب و التمرن كفيل بصقل مواهبك و تفعيل أفكارك و وصول خطابك إلى الغرض المقصود.
* و قبل أن تذهب لمخاطبة الناس تدّرب على ما تقوله و كيف تقوله؟.
* كان ابن الجوزي ينصب حجارة ثم يخطب فيها ... فكان بعد ذلك واعظ العراق و خطيب الآفاق..
* اغتنم كل لحظة في خلال الأسبوع بل في كل حياتك للتدرب و التعلم .
…إذ درّت نياقك فاحتلبها ……فما تدري الفصيل لمن يكون
…و إن هبّت رياحك فاغتنمها……فإن لكّل خافقة سكون(1)
…قال رجل لعبد الله بن المبارك و قد رآه يكتب الحديث بعد أن صار عالما كبيراً، إلى متى(1/3)
و أنت تكتب الحديث؟ فأجاب ابن المبارك : " لعل الكلمة التي ينتفع بها قلبي لم أكتبها بعد ! ".
و قال أحمد بن حنبل : " من المحبرة إلى المقبرة "و قال عبدالله بن عباس: " ذللت طالبا فعززت مطلوباً".
…" فالدقائق الغالية مع المثابرة الدائمة، يكون لها شأن و أي شأن في حياة الإنسان المادية
و البدنية،(...) و إذا عُدنا إلى التاريخ نلتمس مثالا لأولئك الذين استثمروا أوقات فراغهم،
و حققوا غايات مدهشة، هالنا الأمر و ملكنا الإعجاب. فهذا الكاتب الإسلامي مصطفى صادق الرّافعي حفظ نهج البلاغة للإمام علي في الحافلة العمومية غاديا و رائحا بين منزله و محل عمله،
و رائد النهضة الفكرية و الإصلاحية بالجزائر عبدالحميد بن باديس كتب أغلب مقالاته في القطار بين قسنطينة و الجزائر.…ودغوا أحد المبشرين الفرنسيين ألف كتابا ضخما في الفترات على المائدة بين لون من الطعام و لون آخر" (2)
…اكتسب معارفك بمهارتك ، بتجاربك.. ، (إن الكتب تلقن الحكمة لكنها لا تخرج الحكماء، فلا يمكن أن تمهر و تبرع في خطابك لمجرد قراءتك لبعض المجلدات، بل تمهر حينما تصعد المنابر فتخطئ و تصيب و تفشل و تنجح حتى تبلغ الغاية ..) إذن تدرّب ... ثمّ تدرّب ! ..
04 - شخصية المدرّس النّاجح(1) :
إذا كنت ترغب في الإفادة القصوى من شخصيتك فعليك مايلي :
أـ اذهب لمقابلة الناس و أنت مرتاح فـ: " إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"
ب ـ لاتقترف الخطأ الشائع بترك التحضير و التخطيط لآخر دقيقة و بعد ذلك العمل بسرعة جنونية محاولا التعويض عن الوقت المهدور، , وإن فعلت ذلك فإنك ستخزن هموما جسدية وإرهاقا ذهنيا يتحول الى عبء رهيب تنوء بثقله فيمتص حيويتك، و يضعف ذهنك، ويهد أعصابك ..(1/4)
جـ ـ لاتلق خطابك و أنت جائع، فإن المعدة الخالية تؤدي الى نقص في الطاقة التي يحتاجها جسمك و بالدرجة الأولى مخك، فالجوع الشديد يحرم الإنسان من تركيز فكره و بالتالي يؤثر في خطابه، كما أن الشبع يؤدي الى قلة الدم الذاهب الى المخ و بالتالي الإرتخاء و التثاؤب و التجشؤ، مما يجعله محل سخرية من الناس، ومن هنا كان الصحابة في يوم الجمعة يؤخرون الغداء الى مابعد الجمعة عن سهل بن سعد قال : " ماكنا نقيل ولانتغذى إلا بعد الجمعة " ذكره ابن حجر في الفتح 2/428 .
د ـ تأثير الملابس :(2) المتحدث إذاكانت تعوزه الأناقة و الهندام المنظم، يكن له الناس احتراما ضئيلا .. أليس من المحتمل الافتراض ان الذهن متأرجح كالشعر المشعث و الحذاء المتسخ ..فالذي يتصدى لمخاطبة الناس عليه أن يحسن مظهره بتنظيف بدنه و تطييبه و التخفيف من شعر رأسه
و تهذيب لحيته و شاربه و تعهد فمه و أسنانه و قص أظافره و تبديل ملابسه و العناية بها
و يستحسن فيها أن تكون بيضاء قال عمر رضي الله عنه " أحب شئ إليّ أن أرى القارئ أبيض الثياب " . فالمظهر الدنيء ينقص من قدرك و يحد من تأثيرك في الناس. قال تعالى لنبيه : ( و ثيابك فطهر ) المدثر4.
…روى أبو داود و غيره أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى بعض أصحابه و هم قادمون من سفر بالاعتناء بنظافة أبدانهم و ملابسهم فقال : " إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم و أصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لايحب الفحش و لا التفحش" .
هـ ـ دور الإبتسامة المشرقة : تقول الحكمة الصينية(1) " من لايحسن الابتسامة لايفتح متجرا" المتحدث البارد المتجهم لاتلقى سلعته رواجا .
…و لقد "كان من خلقه ـ صلى الله عليه و سلم ـ البشاشة في وجوه أصحابه " .و عن سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي قال :" يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه ببشر(1/5)
و يلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في الناس أمثال هؤلاء " (2) ، من قوة شخصيتك التي تأخذ بألباب الناس أن تضحك في وجوههم لا أن تتجهم:
أطاع الفريضة و السنة ………فتاه على الإنس و الجنه
كأن لنا النار من دونه ………و أفرده الله بالجنه
و ينظر نحوي إذا زرته ………بعين حماة الى كنه(3)
…إن أساس قوة شخصيتك أن تحسن البسمة في وجوه الناس، أن تكون لينا في أيديهم، أن تأخذ بوصية سالم بن عبد الله بن عمر حين أوصى بها عمر بن عبد العزيز قائلا له : "اجعل أكبرهم أبا و أوسطهم أخا و أصغرهم ابنا، فوقر أباك واحترم أخاك وارحم إبنك" .
…و إن تعجب فعجب لبعضنا، جفاة قساة غلاظ ، فأين هذا من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فبما رحمة من الله لنت لهم و لوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...)آل عمران 159.
…كل من جاءك الى المسجد فأحسن معاملته و تلقاه بوجه طلق ورحب به حتى ولوكان طفلا صغيرا .. واسمع الى هذه القصة الجميلة التي ذكرها الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء :
عن أحمد بن النضر الهلالي قال سمعت أبي يقول : كنت في مجلس سفيان بن عيينة فنظر الى صبي فكأن أهل المسجد تهاونوا به لصغره فقال سفيان :( كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم ) ثم قال يانضر لو رأيتني و لي عشر سنين طولي خمسة أشبار و وجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار و أكمامي قصار وذيلي بمقدار و نعلي كآذان الفار وأختلف إلى علماء الأمصار كالزهري وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة و مقلمتي كالموزة و قلمي كاللوزة فإذا أتيت قالوا أوسعوا للشيخ الصغير ثم ضحك " !! (4)
و ـ اعرف جمهورك 1 : بمعنى أن تعرف حال من تخاطب، فالناس يختلفون، ففيهم المتعلم و غير المتعلم وهؤلاء درجات وأصناف، و فيهم الكبير و الصغير، و المستقيم و المنحرف، و المغرور(1/6)
و المتكبر و الغني و الفقير ..فإذا لم تعرف طبيعة من تخاطب كنت سببا في فشل خطابك . هذا من جهة، و من جهة أخرى خاطبهم بما يعقلون و بالصحيح من الأخبار .. إياك و الخرافات
و الموضوعات التي تخدر الناس و لك في هدهد سليمان ـ عليه السلام ـ أسوة . الذي قال : (وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) النمل22 .
…و بعد أن تعرف أحوالهم، خاطبهم بواقعهم، فإن الفكرة التي تجهل أو تتجاهل واقعها مآلها الفشل . ورحم الله الأستاذ مولود قاسم الذي قال :" .. أن يكون الإنسان ابن عصره مع البقاء على أديم مصره ودون أن يصبح نسخة غيره " (2) .
…كما لاتنس أن خطابك في مكان ما يختلف عن غيره، فمثلا خطابك في المسجد ليس كخطابك في جلسة خارجه ..إذا جلست مع الناس فاحذر التصدر فقد يفضحك علمك، حين تتكلم بكلام ناقص . فربما يكون في المجلس من هم أعلم منك، حتى الخطاب المسجدي يختلف، فدرس الليل ليس كدرس الجمعة، فغالبا مايكون درس الجمعة وعظيا و الدرس الليلي تعليميا، و في هذا الأخير لاتنس نقطة مهمة جدا وهي الدوّام والاستمرار. فكثير من الائمة يفقدون شخصيتهم و مصداقيتهم وينفر الناس منهم لأنهم لايداومون على الحلقات الليلية ..و هذا سهم في مقتل ! .
ـ كمالاتنس في إلقائك أن تنوع في أسلوبك بين : الخبر و الإنشاء، بين التقرير و التمثيل...
و تستعين ما استطعت بوسائل الإيضاح التي تقرب المعنى لسامعيك .
…فإذا كنت تحكي مثلا عن الهجرة و وصلت الى الحديث عن غار ثور فحاول أن تعطيهم صورة هذا الجبل، و المسافة بينه و بين مكة ..لتصور للناس كيف كانت المشقة التي تلقاها رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في هجرته ..و في ذلك أبلغ عظة ! .
05- فن التحضير:
الاستعداد الكامل و التحضير الصحيح هو الكفيل بنجاح خطابك، و إلا فلا (و لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ) .(1/7)
"إن التحضير المتقن دلالة احترام المرء لنفسه و لسامعيه و قد تفاجئ الإنسان مواقف يرتجل فيها ما يلقى به الناس و يصور ما بنفسه، و الواقع أن القدرة على الارتجال تجئ بعد أوقات طويلة من الدربة على التحضير الجيد و على تكوين حصيلة علمية مواتية لكل موقف.
…و مع ذلك فإن المهارة في الارتجال لا تغني عن حسن التحضير للعالم الذي يريد أداء واجبه بأمانة و صدق و الذي يقدر إنصات الناس له و احتفاءهم بما يقول ." (1)
التحضير الجيد يكسب صاحبه ثروة هائلة و "بديهة لمّاحة تجعله لا يرهب المواقف المفجئة التي لم يحسب لها حسابا فمن لم تكن له بديهة وقع في الارتباك و أفحم و انقطع، إن اللحظات المفاجئة لا تنتظر من يحضر لها و يتمهل في طلب الإجابة لا ... بل الآن نريد إجابة سريعة مناسبة.(2)
حكوا أن هارون الرشيد صعد المنبر ليخطب فسقطت على وجهه ذبابة فطردها فرجعت فحصر و أرتج عليه فقال: أعوذ بالله السميع العليم (ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضغف الطالب و المطلوب ) الحج 73 ثم نزل فاستحسن منه ذلك. (3)
ماذا يعني التحضير؟(4): التحضير يعني التفكير
هل يعني تحضير الخطاب جمع بعض العبارات الصحيحة المكتوبة أو المستوعبة ؟ الجواب كلا.
هل يعني جمع القليل من الأفكار العرضية التي تستميلك قليلا ؟ الجواب كلا . بل هو يعني جمع أفكارك و آرائك ، و أنت لديك مثل تلك الأفكار ، لديك إياها في كل يوم من حياتك اليقظة ، حتى أنها تأتي إليك عبر أحلامك ، إن وجودك مليء بالمشاعر و التجارب و تلك الأشياء تقع في أعماق عقلك اللاواعي.
…إن التحضير يعني التفكير و الاستنتاج و التذكر و اختيار ما يعجبك و صقله و جمعه في وحدة فنية من صنعك الخاص، لا يبدو ذلك برنامجا صعبا . أليس كذلك ؟
إنه يحتاج فقط إلى القليل من التركيز و التفكير الهادف.(1/8)
إذن التحضير الجيد يعني ما يلي:
1- توليد الأفكار: حاول كيف تصنع الأفكار. كيف تولد الأفكار ..خلال راحتك ، أو تجوالك في الطريق أو في السوق و في الصباح و في المساء ..تأتيك أفكار من وحي ما ترى و تسمع ...فدون هذه الأفكار فستحتاجها في خطابك... كما أن عملية توليد الأفكار هي عملية عقلية فكرية يقوم بها العقل ... فعليك أن تمرن ذهنك على إيجاد الأفكار و إنتاجها.
2-جمع الأفكار: اجمع كل فكرة تخطر ببالك... أو تبحث عنها في مرجع ما، و الخطاب الجيد هو الذي يعتمد فيه صاحبه على مراجع كثيرة ... و أفكار كثيرة.
الكلام الجيد يجب أن يهيأ بروح الوفرة و حسن التمييز فاجمع مئة فكرة ، ثم أسقط تسعين منها .
قال بعضهم "إن الخطب المجيدة هي تلك التي تتسلح بمادة احتياطية وافرة و فائضة أكثر بكثير مما يستخدمه الخطيب نفسه".
3-تدوين الأفكار(1) :كثيرا ما يطرأ على ذهن الفرد لمحة من فكرة، أو تقوده المصادفة لدى سماع الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون أو قراءة مقالة في جريدة إلى بعض من الأفكار مما له صلة بموضوع خطابه... فعليه أن يسجل كل هذه دون تردد ..إن محاولة الاحتفاظ بدفتر صغير ، أو سجل خاص في جيبك ، مفيد جدا لتدوين الأفكار الطارئة.
4-مهارة القراءة المفيدة(2) : مما يساعد على التحضير الجيد ، مهارة القراءة المفيدة ، و حتى تكسب هذه المهارة استعن بما يلي:
أ-الإلمام السريع بجوانب الموضوع: قبل الشروع في القراءة بتمعن قم أولا بتصفح الموضوع بأكمله و بسرعة ، اقرأ العناوين الرئيسة و العناوين الجانبية ، و استطلع مقدمة كل جزء بسرعة ، فهذه خطوة تفيد كثيرا في سرعة فهم الموضوع عند الرجوع إليه بقراءة تفصيلية و دراسته بإمعان و تساعد على سرعة الحفظ و القدرة على التركيز و التغلب على السرحان.(1/9)
ب -حدد الغرض من القراءة: بمعنى اسأل نفسك و أنت تقرأ عن الفكرة الرئيسة التي في الكتاب أو الموضوع ... و من أبسط الوسائل التي تساعد في هذا أن تحول دائما عنوان أي جزء تقرأه إلى سؤال و تحاول الإجابة عليه أثناء القراءة . فمثلا: تقرأ خلق الوفاء اجعله على شكل سؤال: كيف يمكن للمسلم أن يكون وفيا ؟ ثم تحاول تدريجيا أثناء القراءة أن تصل إلى إجابة عن هذا السؤال.
جـ - القراءة بتمعن: بعد الخطوتين السابقتين اقرأ بالتفصيل ، و حاول الإجابة عن السؤال العالق بذهنك و الوصول إلى الهدف.
د- استخدم الوسائل المعينة على القراءة المفيدة:
د1-لخص: أهم الأفكار الواردة في مذكرة خاصة .
د2-استخدم اللون المغاير أو الخط أو الدائرة: لتحديد المعلومات المهمة ، كالتعاريف مثلا.
د3-أكتب على الهامش: و قد تكون هذه الكتابة تلخيصا لفكرة أو تساؤلات
أو تعليقات..
5 - مهارة الحفظ المتقن(1) : من النصائح التي كان ينصحنا بها أساتذتنا المصريون أيام الدراسة بالمعهد الإسلامي:"إنت تحفظ و بعدين تفهم" .. فالحفظ المتقن مهم جدا في خطاب الإمام، فالخطاب المطعّم بالآيات و الأحاديث و الآثار و الحكم و الأشعار ... يحتاج إلى حفظ متقن.
و من سبل الحفظ المتقن:
أ-كرَّر(2) : الحفط قد يكون شاقا و لكن مع الممارسة و التكرار يسهل بإذن الله ، و لهذا قال بعض أهل العلم: " كل شيء أفرغت فيه شيئا فإنه يضيق إلا القلب فإنه كلما أفرغ فيه اتسع" ، و هذا ديدن سلفنا في الحفظ المتقن ، قال ابن بشكوال الأندلسي: " و قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبى بكر بن عطية المحاربي ـ رحمه الله ـ يذكر أنه كرر صحيح البخاري سبع مئة مرة !! "
ب - قسَم النص إلى وحدات ثم احفظ: و لذلك كان آباؤنا في حفظهم للقرآن الكريم يقسمونه إلى: خروبة - ثمن - ربع - نصف ... إلخ. فكان حفظهم متقنا لا يكاد ينسى!.(1/10)
جـ - وزَّع الحفظ على فترات زمنية : بحيث تحفظ الوحدتين 1، 2 في الصباح و تكمل حفظ 3 ، 4 في المساء و هكذا... هذه الطريقة تقلل من السَّأم و الملل و تؤدي إلى استقرار المعاني
و الألفاظ الجديدة.
د- سمّع لنفسك و قوَّم حفظك: و فيه طريقتان:
…د1- التسميع الشفوي: على نفسك أو بطريق التسجيل على الآلة .
…د2- التسميع التحريري: أن تكتب من ذاكرتك ما حفظته .
و بعد التسميع قوَّم و صحّح ما حفظته.
هـ - اعتمد على أكثر من حاسة عند الحفظ: و هذا أدعى لترسيخ الحفظ، لذلك كان آباؤنا يحفظون القرآن أو العلم عن طريق : السمع ، البصر ، اليد. فكان الحفظ متقنا ، بعكس الذين يحفظون مثلا القرآن فق عن طريق السمع و البصر دون اليد (الكتابة) .
و دلت الدراسات الحديثة أن الإنسان يتذكر في نهاية الشهر:(1)
ـ 13 % من المعلومات التي يتلقاها عن طريق السمع .
ـ 75 % من المعلومات التي يتلقاها عن طريق السمع و البصر.
ـ 95 % من المعلومات التي يتلقاها عن طريق السمع و البصر و الكتابة .
6- قوانين التذكر الطبيعية (2) :
1- الإنطباع: و من أعظم سبل الإنطباع المشاهدة قالوا : الأعصاب التي تؤدي من العين إلى الدماغ هي أضخم بخمسة و عشرين ضعفا من تلك التي تؤدي من الأذن إلى الدماغ .
…و لدى الصينيين حكمة تقول : " ضعف واحد من الرؤية يوازي ألف ضعف من السمع " و لذلك كثير منا يستطيع تذكر كتابة ما لأنه شاهدها و بالتالي انطبعت في ذاكرته .
…و في الدروس التعليمية حتى تنطبع في ذاكرتك بعض النقاط الصعبة حاول أن تجعلها في صورة ما ليسهل عليك تذكرها . مثلا: وفاة الشافعي: 204 هـ (سيارة بيجو 204 ) ، وفاة الغزالي 505 هـ (سيارة بيجو 505).
أسماء الذين تخلفوا في تبوك تجمعهم كلمة: مكه? م:مرارة بن الربيع / ك: كعب بن مالك /هـ: هلال بن أمية .... و هكذا .
2- التكرار: قالوا:"التكرار يعلم الشطار" . و قد ذكرناه سابقا.(1/11)
3- ترابط الأفكار: ويضاف إلى: الإنطباع ، و التكرار ، أن تكون الأفكار التي تريد استذكارها مترابطة ، فالأفكار المبعثرة صعبة التذكر .
- و يمكن ان نضيف إلى هذه الثلاثة : المذاكرة: روى لي بعض الشيوخ الأفاضل* أن الشيخ سي عطية ـ رحمه الله ـ قال : " تعلم حرفين خير من حمل وقر بعيرين و مذاكرة إثنين خير من هذين"
فالمذاكرة تعين على استذكار أي علم ، و قد قال الزهري : " إنما يذهب العلم النسيان و ترك المذاكرة "و" كان اسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب ، يحدثهم لئلا ينسى حديثه "(1)
7- كيف تحضر ؟:
1- كيف تختار موضوعك؟: قال الشيخ علي محفوظ(2) : "من أراد العظة البليغة و القولة المؤثرة فليعمد إلى المنكرات الفاشية و لا سيما ما كان منها قريب العهد ، و حديثه على ألسنة الناس (..) ثم يقدم من هذه الوقائع اكبرها ضررا و أسوأها أثرا ، فيجعله محور خطابته و موضع عظته ، .."
قال ديل كارنيجي(3) : " من هواياتي أن اصطاد السمك و بمقدوري ان أجعل الطعم الذي أثبته في السنارة أفخر انواع الأطعمة ، لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام ، وذلك أني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة ، فالسمك هو الذي سيلتهم الطعم .. و هو يفضل الديدان، فإذا أردت اصطياده قدمت له ما يرغب فيه.
و الآن لماذا لا نجرب الطعوم مع الناس؟ "
فكثير منا خطابهم في واد ، و واقع الناس في واد آخر !
- و هنا أتمنى على مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف - حتى تساعد على اختيار الموضوع الرائق - أن تنشئ مكتبا للدراسات و الإحصائيات الإجتماعية ، ليصير خطاب الإمام دقيقا و موضوعيا و علميا ، لا كلاما على عواهنه.
مثلا:
نريد الحديث عن الزواج و العنوسة و ماشاكلهما نؤيد حديثنا بإحصائية تقول (4) :
-…9 ملايين إمرأة دون زواج (أي ما يفوق أفراد الشعب الليبي بأسره)
-…3 ملايين منهن فوق 30 سنة و العدد في ارتفاع
-…12 ألف بنت تدخل سوق العنوسة كل سنة .(1/12)
-…700 ألف بنت محكوم عليهن بالتعنيس مدى الحياة ...و النتيجة: انتشار المخدرات - الإنتحار - الإجهاض - الجنون (140 ألف مصاب و العدد في ارتفاع ) - الأمراض النفسية - الفرار من البيوت - انتشارالسحر و الخرافة و أوكار الدجل و الشعوذة - الدعارة (20 ألف عاهرة في جهة واحدة من الوطن ) - الأمهات العازبات (35 ألف أم عازبة ) - ما يفوق 3 آلاف طفل في الحرام سنويا !.
2- كيف تفتتح الخطاب؟(1) : يجب في المقدمة أن تكون مثيرة تشد السامع إلى الموضوع .
و قد تكون : قصة مثيرة ، أو مثلا محددا ، أو سؤالا... إلخ.
فالمقدمة هي مطلع الخطاب و واجهته الأو لى فلا بد أن تبدأ قوية مشرقة .. تستميل المستمع
و تجذب انتباهه ، و بدهي أن تسبق بالبسملة و الحمدلة و الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2)
3- كيف تختتم الخطاب؟: يجب أن تكون الخاتمة ، نتيجة منطقية لكل ما جرى عرضه و مناقشته .. يحس المستمع من خلالها أنه وصل إلى نهاية الخطاب بطريقة طبيعية متدرجة دون تكلف (3) .
…فالنهاية يجب أن تبقى ترن في آذان المستمعين ، و قد تكون(4) : تلخيصا للأفكار السابقة ، أو خاتمة مرحة ، كان الحسن البصري إذا جلس يحدث الناس يبكيهم و لا يفارقهم حتى يضحكهم ، أو مقتطفات شعرية ، أو آيات كريمة ، أو أحاديث شريفة ...و بعدها مباشرة دعاء مأثور.
06- فن الإلقاء الجيد:
…الإلقاء الجيد هو الذي يعنى بكيفية إخراج الكلمة و إرسالها إلى السامعين و الذي بدون التوفيق فيه لن يكون هناك تأثير و لا تغيير ، و لو كان الكلام المرسل هو كلام الله الذي تقشعر منه جلود الذين آمنوا، و تخشع له الجبال ، أو كلام رسول الله (ص) الذي أوتي جوامع الكلم ، تماما كالإنسان الذي يريد أن يشرب ماء عذبا، أو يأكل طعاما شهيا فتقدمه له في إناء أو صحن به أذى فهل تراه يتناوله؟ كلا، في حين لو قدمت له ما دونه في القيمة الغذائية في إناء نضيف(1/13)
و صحن جميل لتناوله بشراهة و انشراح، كذلك تقديم الأفكار و المبادئ تخضع لنفس المواقف(1) ، فالإلقاء الجيد يجعل المادة الهزيلة تمضي طويلا .
…الإلقاء الجيد هو الذي يقدم الحروف للسامع سليمة من العيوب ، و صحيحة في مخارجها صادقة في جرسها أخاذة في إيقاعها ، ينطق الكلمات بلا عجمة و لا لحن و لا تعثر بعيدا عن الإرتباك و الالتواء : (و قل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) النساء 63
أسند الخطيب البغدادي عن جماعة من السلف " أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن" (2)
- و هنا نقطة مهمة و هي الالتزام في إلقاء الآيات الكريمة برواية الإمام ورش ، فلكم يتحسَّر الواحد منا إذ يرى بعض الأئمة يقرأون برواية الإمام حفص و يتركون رواية الإمام ورش التي يقرأ بها كل الناس صغارا و كبارا ..
…فما بها رواية ورش ؟! مالذي ينقصها ؟! أليست رواية عن قراءة الإمام نافع ؟! أليست قراءة نافع قراءة سبعية متواترة ؟! بلى وربي . قال الإمام مالك: " قراءة أهل المدينة سنة ، قيل له: قراءة نافع، قال: نعم" (3) ، إذن لماذا هذا الجحود؟!.
…ذكرني هذا بأبيات قالها الإمام أبو الحسن الحصري المالكي ، قال فيها(4) :
إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر ……فما قلتها في وصف وصلٍ و لا هجرٍ
و لا مدح سلطان و لا ذم مسلم …… و لا وصف خلٍ بالوفاء أو الغدر
و لكنني في ذم نفسي أقولها……كما فرطت فيما تقدم من عمري
رأيت الورى في درس علمي نزهدوا …… فقلت لعل النظم أحظى من النثر
و لم أرهم يدرون ورشا قراءة ……فكيف لهم أن يقرأوا لأبي عمرو
فألزمت نفسي أن أقول قصيدة ……أبث بها علمي و أرغب في الأجر
…و الإلقاء الجيد هو الذي يكون طبيعيا من غير تكلف. قال ـ عليه السلام ـ" أبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون و المتفيقهون " رواه الترمذي(1/14)
و أيضا من غير انتحال لشخصية أخرى .. فليس هناك أي إنسان مثلك في العالم فمئات الملايين من الناس تمتلك العيون و الآذان ، لكن ما من أحد يشبهك تماما..
…و بمعنى آخر لديك شخصيتك فلا تكن مستنسخا ... بعض الأئمة حين يخطب تراه صورة طبق الأصل لهذا الشيخ أو ذاك ، من محترفي الأشرطة و الفضائيات .
كوَّن لنفسك طريقة في العرض و الإلقاء و الأسلوب و الأداء ... بهذا ترقى و يرقى خطابك "ما حك جلدك مثل ظفرك !" "ضع قلبك في خطابك"(1)
نقاط مهمة في الإلقاء الجيد: (2)
أ - شدد على الكلمات المهمة ، اخفض الكلمات غير المهمة
ب - غير طبقات صوتك: نحو الأعلى و الأسفل و القوة و الضعف... حتى تكون متموجة كسطح البحر.. و هذا يبعث في نفس السامع الارتياح ، بعكس الصوت الرتيب على وتيرة واحدة فهو كمناخ جاف ممل .
جـ - غيّر معدل سرعة صوتك : كالسائق الماهر يسرع في الطريق السريع ، و يتمهل في غيره...
د- توقف قبل و بعد الأفكار المهمة : حين تريد توكيد فكرة ما أبرزها بالتوقف قبلها
أو بعدها ، لتظهر متميزة.. فتوقفك يضيف إلى قوة الفكرة ، قوة الصمت الذي يترك المجال للمعنى يؤدي غرضه
ـ و لذلك ذكرت الدراسات العلمية الحديثة (3) أن: 65 % من فن التأثير : لغة الجسد (العينين . اليدين . الحركات . الصوت ...).
ـ و من هنا نقل الرواة هيئة المصطفى (صلى الله عليه و سلم ) في خطبته ، من أنه تحمر عيناه
و تنتفخ أوداجه و يعلو صوته كأنه منذر جيش ..
07- لا تخش النقد :
النقد البناء لخطابك يجعله أكثر بهاء و صفاء، و يكسبه سدادا في الرأي و جودة في العرض ..النقد يجعلك تصحح ما وقعت فيه من أخطاء حتى لا تقع فيها مرة أخرى.
و قد يكون النقد ذاتيا و قد يكون خارجيا:
النقد الذاتي: حينما تكمل خطابك أعد النظر فيه حتى يتبين لك الغث من السمين ، و حبذا لو أمسكت دفترا و قلما مباشرة بعد انتهائك من الخطاب، فستجد فوائد و خواطر كنت قد قلتها في(1/15)
عرضك على غير تحضير سابق ، فقيدها فإنك ستحتاجها في وقت أحوج ما تكون إليها.
النقد الخارجي: إذا وجه إليك أحد المصلين ملاحظة ما أو اقتراحا ما فاقبله و ادرسه ، ستجد فيه خيرا كثيرا . و قديما قالوا : "المتكلم أعمى و السامع بصير" ، وحاول ان تشجع مستمعيك على نقدك و إبداء المشورة لك و عرض ما لهم من اقتراحات لتستفيد منها في خطابك .
…هذا و قد كنت أعددت في رمضان الفارط جدولا للنقد أو استبانة * حتى أعرضها على المصلين ، و لكنني تأنيت و قلت اعرضها أولا على إخواني الأئمة ليعطوني فيها رأيهم ، و هذه الاستبانة يراد من خلالها تقويم العيوب و تصويب الأخطاء ، و قد قال عمر ـ رضي الله عنه ـ " رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي ".
و قال ـ صلى الله عليه و سلم ـ "الدين النصيحة .." رواه مسلم.
?
08- أبلغ خطاب :
أعتقد أن الخطاب الناجح هو الذي يدعو صاحبه الناس بفعله قبل قوله .
إن الناس ينظرون إلى الفعل قبل القول ، و إلى العمل قبل العلم ، فإذا رأو المتحدث ازدواجيا يقول ما لا يفعل ، فقد سقط من أعينهم ، و قبل ذلك سقط من عين الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف 2،3
قال ـ صلى الله عليه و سلم ـ : "مثل الذي يعلم الناس الخير و ينسى نفسه كمثل السراج يضيئ للناس و يحرق نفسه " رواه الطبراني.(1/16)
قال ابن الجوزي(1) : "وجدت رأي نفسي في العلم حسنا فهي تقدمه على كل شيء ... إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم فصحت بها : فما الذي أفادك العلم ؟! أما كان الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ سيد الكل ، ثم إنه قام حتى تورمت قدماه ؟! أما كان أبو بكر شجي النشيج، كثير البكاء ؟! أما كان في خد عمر بن الخطاب خطان من آثار الدموع ؟! أما كان عثمان يختتم القرآن في ركعة ؟! أما كان علي يبكي في الليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع ؟! و يقول : يا دنيا غري غيري ، أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق ؟! أما كان سعيد بن المسيب ملازما المسجد فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة ؟! .. أما قالت بنت الربيع بن خثيم له : مالي أرى الناس ينامون و أنت لا تنام ؟! فقال لها: إن أباك يخاف البيات ، أما كان أبو المسلم الخولاني يعلق سوطا في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر ؟! أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة ؟! و كان يقول: وا لهفاه سبقني العابدون و قطع بي ، أما صام منصور بن المعتمر أربعين سنة ؟! .. أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم و تعبدهم : أبي حنيفة و مالك و الشافعي
و أحمد ، احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به فإنها حالة الكسالى الزمنى.."
و قال أيضا في صيد الخاطر: " ...و قد كان جماعة من السلف يقصدون الرجل الصالح للنظر إلى سمته و هديه لا لاقتباس علمه و ذلك أن ثمرة علمه هديه و سمته " .
…كان زبيد بن الحارث اليامي الكوفي الهمذاني أحد الأعلام من صغار التابعين مؤذن مسجده ، يقول للصبيان و هو في طريقه إلى المسجد: تعالوا فصلوا أهب لكم جوزا فكانوا يصلون ثم حيطون به ليعطيهم جوزا ، فيقال له في ذلك فيقول: و ما علي أن أشتري لهم جوزا بخمسة دراهم و يتعودون الصلاة ! . (1)
الخاتمة
أبي الإمام ... أخي الإمام :
…إذا أردت البراعة في فن الخطاب فاغمس نفسك فيه ، و انصهر في معاناته و احترق بحبه(1/17)
و الشغف به إلى درجة العشق و للناس فيما يعشقون مذاهب.
…إن الناس لا يرحمون الفاشل و إن الساقط مغضوب عليه، و كما قيل :" إذا وقع الجمل كثرت سكاكينه" ، لأن الناس لا يحترمون إلا كل ناجح متفوق ، فتراهم ينظرون إليك خاشعة أبصارهم إذا كنت نابهاً ناجحاً...
…فاحذر الكسل و التواني و التسويف و الأماني فإنها رؤوس أموال المفاليس رضوا بأن يكونوا مع الخوالف . و البدار ..البدار قبل تقضّي الأعمار..
…فمن كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة ..و من خدم المحابر خدمته المنابر .. و من شابت ذوائبه شبَّت حكمته..
………
و الله الموفق.
ملحقات
01ـ خطة تدريس الفقه : (*)
مثال : صلاة الجنازة
بعد التحضير الجيد والاستعداد الكامل
أ-الأهداف :
1ـ أن يعرف المستمعون : حكم صلاة الجنازة ـعدد تكبيراتها ـ الدعاء .
2ـ أن يحسن المصلون : أداء صلاة الجنازة
3ـ أن يحرص المصلون على أداء صلاة الجنازة
ب ـ المقدمة :
مايقوم به المعلم
مايقوم به المتعلم
ـ يتلوا : (كل نفس ذائقة الموت )
ثم يسأل : مالأعمال التي يقوم بها أهل الميت قبل الدفن ؟
ـ يبين لهم أن الصلاة على الميت هي موضوع الحلقة .
ـ يجيب بعضهم : غسل الميت ـ الصلاة عليه ـ
الإعلان عن نبأ الوفاة ...
ـ يستمعون و يتهيئون للشرح
جـ ـ الشرح :
مايقوم به المعلم
مايقوم به المتعلم
ـ يذكر حكم صلاة الجنازة
ـ يسألهم : عما إذاكان في هذه الصلاة قراءة معينة ؟
ـ يبين لهم أن الدعاء هو المراد
ـ يقرا عليهم الأدعية
ـ يختار بعض الشباب و يعين إماما منهم و يطالبهم بأداء الصلاة، مع سبقها بتمثيل منه .
ـ يقارن بين صلا الجنازة و صلاة الظهر، و يستثير دوافعهم كي يحفزهم الى المشاركة
ـ ينتبهون ويدون منهم من أراد التدوين
ـ يجيب بعضهم : الفاتحة ـ السورة ـ الأدعية ..
ـ يستمعون بإنتباه
ـ يردد بعضهم الأدعية
ـ يؤدون الصلاة و ينتبه البقية
ـ يشتركون معه : فيذكرون اوجه الشبه و الاختلاف بين الصلاتين
د ـ الخاتمة :(1/18)
مايقوم به المعلم
مايقوم به المتعلم
ـ يحبهم في أداء صلاة الجنازة و يذكر الأجر الوارد في ذلك
ـ يذكر ملخصا للدرس و يهيئ الجو لطرح سؤال : بعد الصلاة على الميت ماذا نفعل به بعد ذلك ؟
ـ يبين لهم أن كل ذلك موضوع الحلقة القادمة ويدعو دعاء ماثورا .
ـ يسأل بعضهم أسئلة تتعلق بالموضوع
ـ يجيب البعض : نشيعه ـ نحفر قبره ـ ندفنه ..
ـ يقوم المستمعون بالتأمين على دعائه و التهيؤ للقيام لأداء الصلاة
02ـ جدول الخطب و الدروس :
جدول يعينك على تقييد ماقمت به من دروس و خطب، و حتى تكون لك مرجعا فيما بعد، كما أنه يسهل عليك البحث في أرشيفك :
الرقم
التاريخ : هـ/م
عنوان الدرس
عنوان الخطية
ملاحظات
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
...............
03 ـ عناوين تهمك : (على شبكة المعلومات )
01- شبكة مشكاة www.almeshkat.net
02- المكتبة الوقفية www.waqfeya.com
03- موقع سلطان ……………… www.SULTAN.ORG
04- استبانة:
1-درس الجمعة:
01- هل تشعر بأن وقت الدرس : طويل …… مناسب …… قصير
هل لديك اقتراح آخر؟ ....................................................................
02- ما رأيك في فكرة سلسلة الجمعة؟ هل هي ؟: مناسبة … غيرمناسبة
هل لديك فكرة أخرى؟ ...................................................................
03- ما رأيك في طريقة الإلقاء ؟ : ملائمة … غير ملائمة
هل لديك اقتراح آخر ؟ ...................................................................
04- ما رأيك في لغة العرض؟ هل تريدها: فصحى … عامية مختلطة(1/19)
هل لديك رأي آخر؟ .....................................................................
05 - اقتراحات أخرى:..................................................................
..........................................................................................
2- خطبة الجمعة:
01- هل تشعر بأن مدة الخطبة : طويلة مناسبة قصيرة
02- ما رأيك في مواضيع الخطبة؟ : مناسبة … غيرمناسبة
اقتراحات أخرى .........................................................................
03- ما رأيك في طريقة الإلقاء ؟ ملائمة …… غير ملائمة
اقتراحات أخرى .........................................................................
04- هل تحس بالسرحان (عدم التركيز) أثناء الخطبة؟ : نعم … لا
في رأيك ما هي أسبابه؟ ...................................................................
05 - اقتراحات أخرى:....................................................................
..........................................................................................
المراجع
1. ابن فرحون المالكي ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ط01 دار الكتب العلمية بيروت 1996
2. أحمد زكي صفوت جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ج03 .ط01 .مصر 1933
3. بكر بن عبدالله أبوزيد حلية طالب العلم ط03 دار الحجة البالغة الجزائر 1412 هـ
4. ديل كارنيجي فن الخطابة دار السلام . الوادي .
5. ديل كارنيجي كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس دار رحاب الجزائر
6. الطيب برغوث القدوة الاسلامية ط01 دار الشهاب ـ باتنة 1984.
7. قطب عبد الحميد قطب .خطب الشيخ محمد الغزالي . ج01 ط02 مكتبة رحاب الجزائر 1990
8. عائض القرني مملكة البيان ط01 دار بن حزم بيروت 2001
9. عبدالوهاب ابراهيم أبوسليمان . كتابة البحث العلمي ط05 دار الشروق جدو 1994(1/20)
10. عبدالرحمن بن خلدون مقدمة ابن خلدون ط01 بيروت 1998
11. عبدالرحما صالح عبدالله .المرجع في تدريس علوم الشريعة ط01 دار الفيصل الرياض 1996
12. عبدالرحمن النحلاوي .يوسف بن عبدالبر القرطبي ط01 دار الفكر دمشق 1986
13. عبدالله بن حمود البوسعيدي .فنون الذوقيات والاتيكيت الاسلامي ط01دار ابن حزم بيروت 2000
14. علي الحمادي مساحة للتأمل ط01 دار ابن حزم بيروت 1999
15. علي الحمادي 200 حكمة قيادية و وصية إدارية ط01 دار ابن حزم بيروت 1997
16. محمد بن صالح آل عبدالله كيف تتحمس لطلب العلم الشرعي ؟ ط02 الرياض 1417 هـ
17. محمد ديماس .أسرار التفوق الدراسي ط01 دار بن حزم بيروت 1999
18. محمد الصالح الصديق من مناهل النبوة ط01 ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1994
19. ملتقى القرآن الكريم كتاب الآصالة ج01 دار البعث قسنطينة 1981
20. مولود قاسم نايت بلقاسم أصالية أم انصالية ط01 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1991
(*) جماعة أنصار السنة المحمدية (مصر) مجلة التوحيد س27 . ع07 .رجب 1419 هـ
(*) الألفية في الحديث النبوي (قرص مضغوط CD )
(*) برنامج تلفزيوني بعنوان " حوار بلا أسوار" .قناة الأوائل .
الفهرس
مقدمة ....................................................................01
01- كن واثقا ...................................................................02
02-لا تلتفت إلى العوائق .........................................................04
03- تدرّب.. تدرّب .............................................................05
04- شخصية المدرس ............................................................06
05-فن التحضير .................................................................09
06- فن الإلقاء الجيد ............................................................15(1/21)
07-لا تخش النقد ................................................................17
08- أبلغ خطاب ................................................................18
خاتمة .....................................................................20
ملحقات ........................................................................21
المراجع ..........................................................................24
(1) الأبيات للمتنبي. و هي ف: 200 حكمة قيادية و وصية إدارية : 22.
(2) 200 حكمة ... : 54
(3) جمهرة خطب العرب 3/376
(4) فن الخطابة 18
(1) مملكة البيان : 13
(1) الديباج المذهب : 261 - 262 .
(2) مساحة للتأمل:33
(3) مقدمة ابن خلدون:374.
(4)كيف تتحمس لطلب العلم الشرعي:77
(1) البيتان في : 200 حكمة قيادية : 17 .
(2) من مناهل النبوة : 229 .
(1) للمزيد راحع : فن الخطابة : 89 و ما بعدها ـ اسرار التفوق الدراسي : 25 و مابعدها
(2) للمزيد راجع : فن الخطابة : 92
(1) 200 حكمة قيادية و وصية إدارية :93
(2) فنون الذوقيات والاتيكيت الاسلامي : 21
(3) الأبيات في : الديباج المذهب : 81
(4) سير أعلام النبلاء : قرص مضغوط (CD) ومابعدها
(1) انظر كذلك : القدوة الاسلامية : 59 ومابعدها
… فن الخطابة : 94 ومابعدها ……
(2) أصالية أم انفصالية :326 .
(1) خطب الشيخ محمد الغزالي : 1/22
(2) مملكة البيان: 14
(3) جمهرة خطب العرب: 3/372
(4) فن الخطابة: 28 و ما بعدها
(1) كتابة البحث العلمي: 112
(2) أسرار التفوق الدراسي : 51 و ما بعدها
(1) أسرار التفوق المدرسي: 92 و ما بعدها
(2) للمزيد: كيف تتحمس لطلب العلم الشرعي:196...
(1) أسرار التفوق المدرسي : 102
(2) فن الخطابة: 51 و ما بعدها
* هو شيخنا الشيخ سي بن ناجي ـ متع الله به و بعلمه
(1) الأثرين نقلا عن : يوسف بن عبد البر القرطبي : 112 /113
(2) هداية المرشدين: 145(1/22)
(3) كيف تكسب الأصدقاء: 21
(4) إحصائية نشرتها: الجمعية الخيرية الإسلامية (الجزائر)
(1) فن الخطابة: 105 و ما بعدها
(2) كتابة البحث العلمي: 196
(3) كتابة البحث العلمي : 198
(4) فن الخطابة: 121 و ما بعدها
(1) القدوة الإسلامية : 70/71
(2) حلية طالب العلم:59
(3) نقلا عن محاضرة بعنوان : " من المساهمة الإفريقية في العلوم الإسلامية للشيخ الشاذلي النيفر" منشورة ضمن كتاب الأصالة : 119
(4) نفس المرجع السابق: 144
(1) أنظر أكثر : فن الخطابة : 82 و ما بعدها ..
(2) فن الخطابة:86
(3) نقلا عن برنامج تلفزيوني بعنوان: حوار بلا أسوار . قناة الأوائل
* أنظر ص: من هذا البحث
(1) كيف تتحمس لطلب العلم الشرعي : 51
(1) مجلة التوحيد : السنة 27 العدد 07 ص : 54
(*) المرجع في تدريس علوم الشريعة : 484 ـ 485 ( بتصرف يسير) .
??
??
??
??
16(1/23)