فوائد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
فوائد عامة
فوائد عامة 1
ما الفرق بين الشحيح والبخيل ؟
الشحيح ما جمع بين صفتين ذميمتين:
الحرص على جمع المال من حلال وحرام. ... 1-
البخل بالواجبات فهو جموع منوع. ... 2-
وأما البخيل: له الصفة الثانية فقط، فكل شحيح بخيل ولا عكس.
حدود الله نوعان:
المعاصي والمحارم والمنهيات، كما قال -تعالى-: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا أي فلا تفعلوها. ... 1-
الفرائض والواجبات، كقوله -تعالى-: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ؛ أي لا تتجاوزوها، فحدود الله تطلق على هذا وعلى هذا، فهذه ينهى عن مجاوزتها وتعديها. ... 2-
السائل له ثلاث حالات:
أن يعلم أنه فقير أو محتاج فهذا يعطى ما يسد حاجته. ... 1-
أن يعلم أنه غني وأنه غير محتاج فهذا يزجر وينصح ولا يعطى. ... 2-
أن تجهل حاله ولا تدري أفقير أم غني؛ فهذا يعطى ما تيسر، يعطى شيئا ولكنه دون الأول؛ لقوله -تعالى-: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ولقوله -تعالى-: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وفي حديث ضعيف عند أبي داود للسائل وإن جاء على فرس وإذا سأل في المسجد فلا بأس؛ لأنه قد يكون محتاجا ولا يجد مكانا يبين فيه حاله لإخوانه المسلمين إلا في المسجد. ... 3-
المحاريب والمنارات ليست في عهد النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وإنما وجدت في آخر القرن الأول، لكن تدل لها قواعد الشريعة وأصولها، وإن جعلت من المصالح المرسلة فلها وجه، فالمحاريب والمنارات يعرف بها المسجد وتعرف بها جهة القبلة، كما يبنى المسجد بناية قوية فكذلك تجعل له منارة ومحراب، وقد يستدل للمنارة بما ورد في الحديث: أن عيسى -صلى الله عليه وسلم- ينزل آخر الزمان على المنارة البيضاء الخطأ في أسباب العلم:
قال شيخ الإسلام في نقض التأسيس واحد من ثلاثة أمور:(1/1)
إما لفوات شرط العلم من فساد قوى الإدراك وضعفها. ... 1-
عدم التصور التام لطرفي القضية. ... 2-
وجود مانع من الأهواء الصادة عن سبيل الله. اهـ ... 3-
كلمة " الدِّين " كلمة مشتركة تطلق على الجزاء وعلى العبادة وعلى الدعاء، وتفسر بحسب السياق:
فقوله -تعالى-: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أي الجزاء والحساب. ... 1-
وقوله -تعالى- وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي العبادة. ... 2-
وقوله -تعالى- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الدعاء. ... 3-
"التفدية" وهي قول: فداك أبي وأمي، قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص يوم أحد، قال ابن القيم في بدائع الفوائد، وكذا شيخنا: إن ذلك لكون أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- كافرين، وعليه فالأبوان المسلمان لا يجوز تفدية غيرهما، لكن ورد أن أبا بكر قال للحسن أفديك بأبي، فيحتمل -والله أعلم- لأن الحسن أفضل من أبي قحافة فيحتمل أن يقال إذا كان المفدي أفضل من الأبوين كالصحابة جاز ذلك وإلا فلا.
فوائد عامة 2
أسباب دفع العين
عدم الاهتمام بها والالتفات إليها. ... 1-
التعوذات الشرعية في الصباح والمساء. ... 2-
التبريك من العائن، فيقول -مثلا-: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ... 3-
الاستغسال وهو غسل أطرافه، كيديه ورجليه ووجهه، وركبتيه وداخلة إزاره. ... 4-
العائن يحبس لدفع ضرره، وينفق عليه من بيت المال، وإذا ثبت أنه قتل مسلما بعينه إما بإقراره أو بوجود بينة تثبت ذلك، فإن كان خطأ بأن تكون العين خرجت بغير اختياره؛ فإن عليه الدية، وإن كان عمدا فيجب فيه القصاص.
وفي قصة بدر وأحد فوائد منها:
أن الأنبياء بشر يصيبهم ما يصيب البشر. ... 1-
وليسوا أربابا حيث جرح النبي -صلى الله عليه وسلم- وكسرت رباعيته. ... 2-
لا بد من فعل الأسباب وأن الله يقدر الأشياء بالأسباب الكونية. ... 3-(1/2)
من أسباب النصر: اتحاد الكلمة، وعدم التنازع والفشل، وأخذ السلاح، وإعداد العدة، والإيمان، وعدم المعصية؛ هذه هي أسباب النصر، فلو كان أحدا ينصر لذاته لنصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوم أحد؛ لأنهم أفضل خلق الله، فلما فشلوا وتنازعوا وعصوا؛ أي الرماة خالفوا أمر رسول الله، وتأولوا قوله: لا تبرحوا مكانكم لنا أو علينا ؛ بأن المراد الحث على الملازمة حتى النصر، وقد انتصر المسلمون فلا حاجة إلى الملازمة الآن، تأولوا لكن الله لم يعذرهم بل جعل ذلك ذنبا؛ وهذا دليل على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أن من وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكتب السابقة أن الحرب سجال يدال على الأعداء مرة، ويدالون عليه مرة، وفي غزوة أحد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف، ثم رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس، فبقى في سبعمائة في مقابل ثلاثة آلاف من المشركين، ثم نجم النفاق وظهر وتكلم المنافقون بعد ذلك.
ثم في السنة الخامسة وقعت غزوة الخندق، ثم بعد ذلك لم يغز النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة كانت بعدها صلح الحديبية في مكة ثم غزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في دارهم وفتح مكة .
فوائد عامة 3
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: المصائب تكفر بها السيئات وإنما الثواب فإنما يكون على الصبر على المصيبة، وهو واجب لأن الإنسان إنما يثاب على أفعاله الاختيارية.
قلت: وهذه فائدة عظيمة؛ فإن المصائب تكفر بها السيئات، فإن صبر على المصيبة أثابه الله عليها؛ لأن الصبر واجب، وإن سخط وجزع فعليه وزر وإثم، وهكذا كل الواجبات، من أداها أثابه الله، ومن لم يأت بها فاته الثواب وحصل على الإثم والوزر، أما الرضا بالمصيبة فهو مستحب في أصح قولي العلماء، وأما الشكر على المصيبة واعتبارها نعمة فهذه منزلة عالية لا يرفع لها إلا ذو حظ عظيم.(1/3)
الجود يكون بالمال وبالنفس؛ ولهذا فإن الأجواد الكرماء يتحملون الكل ومشاق الناس، ويجودون بأنفسهم وبأموالهم، ويصبرون على المشقة في ذلك، ولولا المشقة في الجود بالنفس والجود بالمال لساد الناس كلهم، لكن الإقدام بالنفس فيه قتل لها، والجود بالمال يؤدي إلى الفقر، وليس كل أحد يصبر على الفقر وبذل المال والنفس، قال أبو الطيب المتنبي :
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
قال -تعالى-: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ تفكر العاقل في هذه الدنيا، صفوها مشوب بالكدر، بالهموم والأحزان والأمراض والأكدار، من يجد شخصا مرّ عليه شهر واحد وهو مسرور لم يشبه كدر من مائة سنة عاشها؟ ولو لم يكن إلا أحد منغصين لا بد منهما أو من أحدهما وهما الهرم والموت، كما قال الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت أو الهرم
حمد الله -تعالى- في القرآن والسنة يكون على واحد من خمسة أشياء وهي:
على ربوبيته. ... 1-
على ألوهيته. ... 2-
على أسمائه وصفاته. ... 3-
على أمره وحكمه الكوني القدري. ... 4-
على أمره وحكمه الديني الشرعي. ... 5-
الأمثلة على ذلك:
مثال الأول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ .
ومثال الرابع: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
ومثال الخامس: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا .
ومثال الثاني والثالث: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ .(1/4)
ومثال الثالث: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
ومثال الخامس: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وقوله: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الفرق بين الشح والبخل
أن البخل: إمساك المال وعدم أداء الواجب فيه؛ من الزكاة وحق الضيف والنفقة الواجبة على الأهل والرقيق والبهائم.
أما الشح: فهو بخل مع حرص؛ أي حرص على جمع المال من حلال وحرام، ثم إمساكه عن إنفاق الواجب من الزكاة وغيرها.
الإمامة في الدين تنال بشيئين: الصبر واليقين، قال الله -تعالى-: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ؛ لأنه بالصبر واليقين، يسلم من الشبهات والشهوات، فبالصبر يمتنع من الشهوات، وباليقين يدرأ الشبهات .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية بنص القرآن الكريم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
وقد يكون فرض عين في حالات خاصة؛ كأن يكون المنكر لا يعلم به غيره أو لا يقدر على إنكاره غيره.
الفرق بين الزهد والورع:
الزهد: ترك مالا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر في الآخرة، والواسطة بينهما، ما لا نفع فيه ولا ضرر، فالزاهد يتركه، والورع لا يتركه، والفرق بين الخزف والذهب، أن الخزف من الطين المشوي، والذهب معروف.
النهي عن المنكر واجب باليد ثم باللسان ثم بالقلب، ويسقط الإنكار مع العجز، والعجز هو أن يخاف الإنسان على نفسه القتل أو الحبس أو الضرب. شيخنا.
الذنوب التي تستثنى من الغيبة ستة أشياء، جمعها بعضهم في بيتين، فقال:
الذنب ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر(1/5)
ومعلن فسقا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
قال الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم
فوائد عامة 4
وصايا لطالب العلم
1- الأولى: إخلاص النية لله، بأن ينوي بطلبه العلم أن يرفع الجهل عن نفسه ثم عن غيره،؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، قال الله -تعالى-: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا العلم عبادة لأن الله أمر به في قوله -تعالى-: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وكل ما أمر الله به عبادة.
وهذه قاعدة وفائدة: "وهى أن كل ما أمر الله به فهو عبادة "، فطالب العلم في حلقة الدرس أو على كرسي الطلب في الجامعة هو في عبادة إذا أخلص النية لله. فائدة مهمة: طلب العلم من الجهاد في سبيل الله؛ والدليل قوله -تعالى-: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ كل فرقة طائفة؛ أي وقعد طائفة ليتفقهوا في الدين.
2ـ الوصية الثانية لطالب العلم: العمل بالعلم، وهو ثمرة العلم، وسبب بقائه والزيادة منه، ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعمل، وفي المثل: "العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل"، ومن لم يعمل بعلمه استحق المقت والعقوبة.
قال الناظم:
وعالم بعلمه لم يعملن ... معذب من قبل عباد الوثن(1/6)
3ـ تبليغ العلم ونشره والدعوة إلى الله: قال الله -تعالى-: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، وقال -تعالى-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ الآية، وإن كانت في أهل الكتاب إلا أنها عامة لهذه الأمة؛ لقوله: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ، فجعل البيان للناس عامة، ومن لم يعمل بعلمه فإنه يعاقب بنسيان العلم وضياعه وحرمانه منه -نعوذ بالله- بدليل قوله -تعالى-: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ، الشاهد قوله: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .
فوائد عامة 5
أيهما أفضل الجهاد في سبيل الله أو طلب العلم ؟
الجواب: طلب العلم أفضل من الجهاد، وهذا التفضيل تفضيل مطلق؛ أي لا بالنسبة للأشخاص؛ وذلك لأن العلم يحتاج إليه كل أحد، الذكر والأنثى، والحر والعبد، والتاجر والفقير والغني، أما الجهاد فهو ناحية من نواحي الدين، أما الأشخاص فقد يكون الجهاد أفضل من طلب العلم في حق القوي الشجاع، لكنه ضعيف الفهم ضعيف الحفظ أما قوي الحفظ والفهم ولكنه جبان ضعيف الجسم فطلب العلم في حقه أفضل، وقل مثل ذلك في المفاضلة بين الجهاد والحج وبر الوالدين؛ يختلف الأفضل بحسب الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وعلى ذلك وردت أجوبة النبي -صلى الله عليه وسلم- المتعددة لما سئل أي العمل أفضل؟ فأجاب بعضهم بالجهاد وآخر ببر الوالدين وثالث بالحج.(1/7)
ومن أمثلة ذلك أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أفضل البشر وأفضل الخلق وهذا مطلق، وآدم خلقه الله بيده فهذا فضل خاص نسبي، والنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وسائر البشر خلقهم الله بقدرته بكلمة (كن)، ومن أمثلة ذلك الصحابة أفضل الناس -وهذا تفضيل مطلق عام- والقابض على دينه له أجر خمسين من الصحابة، وهذا تفضيل خاص نسبي، بالنسبة إلى الصبر على الطاعة والعبادة عند عدم وجود معين، فالمشقة شديدة.
هذا البيت فيه عظة وحكمة، وهو قول الشاعر:
الصبر مثل اسمه مر مذاقه ... لكن عواقبه أحلى من العسل
لا تقبل التوبة ولا تصح في ثلاثة أحوال
الحالة الأولى: إذا نزل العذاب، قال الله -تعالى-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وقال -تعالى- عن فرعون لما نزل به العذاب وهو الغرق: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِين قال الله له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِين ويستثنى من ذلك قوم يونس، استثناهم الله فكشف عنهم العذاب بعد نزوله لما آمنوا، قال الله -تعالى-: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ .
الحالة الثانية: إذا بلغت الروح الحلقوم، قال -علية الصلاة والسلام-: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .(1/8)
الحالة الثالثة: إذا طلعت الشمس من مغربها، وفي الحديث: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وقال الله -تعالى-: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا .
جاء في الحديث تفسير قوله -تعالى-: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ؛ بأن المراد به طلوع الشمس من مغربها، وفي الحديث: أن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم حين لا ينفع إيمان من لم يكن آمن من قبل .
شروط التوبة ثمانية:
أن تكون التوبة خالصة لوجه الله لا رياء ولا سمعة ولا من أجل الدنيا. ... 1-
الإقلاع عن المعصية. ... 2-
الندم على ما مضى. ... 3-
العزم على عدم العودة إليها. ... 4-
رد المظلمة إلى أهلها إن كانت دما أو مالا أو عرضا. ... 5-
أن لا تبلغ الروح إلى الحلقوم. ... 6-
أن لا ينزل العذاب. ... 7-
أن لا تطلع الشمس من مغربها. ... 8-
المنافقون في الدرك الأسفل من النار تحت آل فرعون ؛ لأن فرعون كفره ظاهر، والمنافقون كفرهم خفي ملتبس.
الحداء: وهو الغناء بالأشعار التي لا محظور فيها جائز، إذا كان بصوت رجل لا قينة فيه، كالأشعار التي تحث على الشجاعة والكرم وما أشبه ذلك، أما إذا كان بصوت امرأة أجنبية، أو بصوت أمرد يخشى منه،الفتنة أو كان في وصف النساء، أو في وصف الخمر والدعوة إليه؛ فهو محرم.
وأما ما استدل به المبيحون للغناء بغناء الجاريتين يوم العيد في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا استدلال بالمتشابه وترك المحكم الواضح، وهذه طريقة أهل الزيغ؛ يتركون الأدلة الكثيرة المحكمة الكثيرة الواضحة على تحريم الغناء ويستدلون بقصة الجاريتين.(1/9)
ولا شك أن ما فعلته الجاريتين جائز؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرهما على ذلك فهو جائز، وكذلك ما أشبهه كغناء النساء وحدهن في العرس بما لا محذور فيه، وضربهن بالدف، لكن قصة الجاريتين يلاحظ فيها أمور:
- ... أنهما جاريتين غير مكلفتين دون البلوغ.
- ... أنه في يوم عيد.
- ... أنهما تغنيان بما تقوله الأنصار يوم بُعاث في الجاهلية.
- ... أنه لا مزمار فيه.
ومثله اللعب بالسيوف والحراب، كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحبشة وهم يلعبون بالمسجد، فإذا كانت عرضة بالسيوف والحراب والدراق، وإنشاد الأشعار بما لا محذور فيها؛ فلا بأس وكذلك في الجيوش لتشجيعهم عليه، وأجاز بعضهم الدف في الجيوش لتشجيعهم، لكن ليس عليه دليل واضح.
السياسة الخارجية مبنية على أصلين:
1. أحدهما: إعداد العدة؛ ودليله قوله -تعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ .
2. الثاني: اجتماع الكلمة على توحيد الله والإيمان به؛ ودليله قوله -تعالى-: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا .
وقوله: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، الشنقيطي. .
السياسة الداخلية مبنية على مراعاة الضروريات الخمس التي جاءت جميع الشرائع بالمحافظة عليها، وهي:
حفظ الدين. ... 1.
حفظ النفس. ... 2.
حفظ العقل. ... 3.
حفظ العرض. ... 4.
حفظ النسب. ... 5.
قال ابن المنير كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل يرد ما أخذ، وكذا الأخذ على عمل لا يتأهل له. ا هـ
العلم ينقسم إلى ضروري ونظري ؛ فالعلم الضروري هو الذي يضطر الإنسان إليه، بحيث لا يمكنه دفعه، فهو يفيد العلم بلا استدلال، كالذي يفيده القرآن والخبر المتواتر، والعلم الضروري يحصل لكل سامع، ولو لم يكن له أهلية النظر كالعامي، إذ المتواتر لا يبحث عن رجاله، بل يجب العمل به من غير بحث.(1/10)
والعلم النظري هو الذي يفيد العلم مع الاستدلال على الإفادة، كالذي يفيده خبر الواحد الصحيح، والعلم النظري لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر، فلا يحصل للعامي؛ إذ لا بد من البحث عن رجاله ممن له أهلية ذلك .
أهل الإحسان هم السابقون المقربون وهم الذين يعبدون الله على المشاهدة كأنهم يرونه، وصولهم لهذه الحالة يمنعهم من السيئات، ويحثهم على فعل نوافل العبادات بعد أداء الفرائض، وأهل الإيمان المطلق هم الأبرار المقتصدون؛ لأن من أدى الفرائض وانتهى عن المحارم فهو مؤمن بإطلاق، وهو بر مقتصد، وأما المسلم الذي لا يطلق عليه الإيمان إلا مقيدا فهو الظالم لنفسه؛ لأنه مقصر في ترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات، وهو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن عاصٍ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
فوائد عامة 6
أنواع التقدم والتأخر خمسة فقط:
التقدم بالزمان. ... 1.
التقدم بالمكان. ... 2.
التقدم بالرتبة والشرف. ... 3.
التقدم بالشرط والطب، وهما بمعنى التقدم بالعلِّية؛ أي العلة. ... 4.
هل الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر؟
الصواب في المسألة أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لأدلة كثيرة منها:
- حديث أبي هريرة -رضي لله عنه- في مجيء فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقولهم: ذهب أهل الدثور بالأجور، ثم قال في آخره -لما قالوا: علم إخواننا الأغنياء ففعلوا مثلنا- قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء - ومنها أن الغني الشاكر يتعدى نفعه، وأما الفقير الصابر فنفعه قاصر على نفسه.
- ومنها أن الغني جاءته الشهوات فجاهد نفسه وكبح جماح نفسه عن الشهوات المحرمة فصار شاكرا.
أقوال المؤرخين وأصحاب السير كأخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب، إلا إذا وجد نص في تصديقها أو تكذيبها، فلها ثلاث حالات:
ما جاء في القرآن والسنة تصديقه يصدق. ... 1.
ما جاء في الكتاب والسنة تكذيبه فيكذب. ... 2.(1/11)
ما لم يجيء تصديقه ولا تكذيبه، فلا يصدق ولا يكذب، ولكن يعتبر بما فيها من القصص والعظة وتؤخذ منها العبرة. ... 3.
ابن عمر -رضي الله عنهما- له اجتهادات شذ فيها فلا يتابع عليها، منها:
إدخال الماء في عينيه في غسل الجنابة. ... 1.
الأخذ على ما زاد على القبضة من لحيته في الحج أو العمرة عند حلق رأسه. ... 2.
تتبعه آثار النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- والجلوس فيها، والبول فيما بال فيه، والصلاة فيما صلى فيه. ... 3.
صيام يوم الشك في آخر يوم من شعبان إذا كانت السماء غيما. ... 4.
مسح اليدين في التيمم إلى المرفقين. ... 5.
فوائد عامة 7
الفرق بين اليائس من روح الله والقانط من رحمة الله، أن القنوط هو أشد اليأس.
الوصية بأن يقرأ على قبره وقت الدفن فواتح سورة البقرة وخواتيمها.
الخليلان إبراهيم ومحمد والكليمان موسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام جميعا.
اليقين ثلاث مراتب، وكل مرتبة أعلى من التي دونها، وهي:
علم اليقين: فهو اليقين الحازم الذي يعلمه الإنسان بالدليل الشرعي أو العقلي.
عين اليقين: فهو الذي يحصل بمشاهدة الشيء بعد العلم اليقيني به.
حق اليقين: فهو الذي يحصل بمباشرة الشيء بعد العلم اليقيني به ومشاهدته.
إبراهيم الخليل لما قال لربه: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين؛ ولهذا قال لربه حينما قال له: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وهذا الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين هو الذي سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- شكّا فيما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: نحن أولى بالشك من إبراهيم حيث قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قال: بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .(1/12)
فتى موسى الذي ذهب معه إلى مجمع البحرين هو يوشع بن نون وهو نبي، وهو الذي فتح بيت المقدس بعد موت موسى وهارون في التيه، وهو الذي حبست له الشمس لما أراد فتح بيت المقدس قال: أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها فحبست له وهذا في البخاري .
ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ القرآن على الجن لما أتاه داعيهم، وسألوه الزاد والعلف، أما رؤيته -صلى الله عليه وسلم- فلم أعلم ما يدل على ذلك، والأصل في ذلك قول الله -تعالى-: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ .
الذي أنكر على بشر بن مروان أمير العراق تقديمه خطبة العيد على الصلاة هو عمارة بن ربيبة وهو صحابي جليل، كما في صحيح مسلم .
فوائد في العقيدة
فوائد في العقيدة 1
إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته الحديث في الصحيحين.
نهى عن ضرب الوجه لأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المراد مجرد خلقه عالما قادرا ونحو ذلك لم يكن للوجه بذلك اختصاص، بل لا بد أن يريد الصورة التي يدخل فيها الوجه.
في رواية أبي القاسم الجيلي عن حنبل عن أحمد -رحمه الله- والذي جاء به الشرع في هذا النص من قوله: خلق آدم على صورته ونحوه، فإنه أخص مما يعلم بمجرد العقل من ثبوت القدر المشترك بينه وبين كل موجود وكل حيّ، فإن هذا المدلول عليه بالنص لا يعلم بالعقل والقياس، وإنما يعلم أصل ذلك مجملا.
ومعلوم أن الذي جاءت به السنة من ثبوت هذا الشبه من بعض الوجوه، والله هو الذي خلق آدم على صورته، هو خير مما ذكره المؤسس واستشهد عليه بما ذكره، وهو قوله: "تخلقوا بأخلاق الله".(1/13)
كون الإنسان على صورة الله -إذا أقر الحديث كما جاء- فيه نوع من المشابهة -أكثر من المشابهة- في تأويل الحديث على أن الصورة بمعنى الصفة أو الصورة المعنوية أو الروحانية ونحو ذلك، فمسمى التشبيه لازم على التقديرين، والتشبيه المنفي بالنص والإجماع والأدلة العقلية الصحيحة منتف على التقديرين.
قوله: خلق الله آدم على صورته يقتضي المشابهة بين صفة العبد وصفة الرب مع تباين الحقيقتين.
الأدلة الشرعية والعقلية التي تثبت بها الصفات لله يثبت بنظيرها هذه الصورة، فإن وجود ذات ليس لها صفات ممتنع، وثبوت الصفات الكمالية معلوم بالشرع والعقل، وثبوت المشابهة من بعض الوجوه في الأمور الكمالية معلوم بالشرع والعقل، كما أنه لا بد من كل موجود من صفات تقوم به، فلا بد من كل موجود قائم بنفسه من صورة يكون عليها.
الإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه، فلما قال في آخر الحديث: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا ؛ هذا يقتضي المشابهة في الجنس والقدر؛ لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه، وحقيقتهما واحدة، وأما قوله: خلق الله آدم على صورته ؛ فهذا يقتضي نوعا من المشابهة فقط، ولا يقتضي تماثلا لا في حقيقة ولا قدر.
من المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم بين جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر صورة السماوات والقمر في الماء أو في مرآة في غاية الصغر، ويقال هذه صورتها، مع العلم بأن حقيقة السماوات والأرض أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما للأخر، وكذلك المصور الذي يصور السماوات والأرض والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار مع أن الذي يصوره، وإن شابه ذلك فإنه أبعد شيء عن حقيقته وقدره.
الصورة قائمة بالشيء المصور، فصورة الله كوجه الله، ويد الله، وقدرة الله، ومشيئة الله وكلام الله قائمة به، ويمتنع أن تقوم بغيره.(1/14)
لو كانت الإضافة في قوله: خلق الله آدم على صورته إضافة خلق لكان سائر الأعضاء مشاركة للصورة التي هي الوجه في كون الله خلق ذلك.
لا يقال: إن الله لا يشبه المخلوق بوجه من الوجوه، وقد أبى ذلك الإمام أحمد وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس؛ لأن معنى هذا القول نفي الصفة.
قلت: توجيهه أنه لا بد من المشاركة في أصل إثبات الصفة، فالخالق له صفات، والمخلوق له صفات، فالخالق له علم وسمع وبصر، والمخلوق كذلك، وإن كان الخالق له صفات تخصه فكذلك المخلوق له صفات تخصه، لكن هذا نوع من أنواع المشابهة لا يمكن نفيه.
الذي جاء به الشرع في هذا النص: خلق الله آدم على صورته ونحوه أخص مما يعلم بمجرد العقل من ثبوت القدر المشترك بينه وبين كل موجود أو كل حي، فإن هذا المدلول عليه بالنص لا يعلم بالعقل والقياس وإنما يعلم أصل ذلك مجملا.
ومعلوم أن هذا الذي جاءت به السنة من ثبوت هذه الشبه من بعض الوجود في قوله: خلق الله آدم على صورته هو خير مما ذكره المؤسس واستشهد عليه بما ذكره من قوله: " تخلقوا بأخلاق الله
فوائد في العقيدة 2
نفي رؤية الشيء يستلزم نفي وجوده؛ إذ المعدوم هو الذي لا يجوز رؤيته، وكل موجود يقدر الله أن يريناه، فمن قال: إن الله لا تجوز رؤيته فقد نفى وجوده.
من قال: إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر؛ لأنه كذب بالقرآن والسنة المتواترة، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا، أفتى بذلك الإمام أحمد كما ذكره شيخ الإسلام وهو قول جمهور علماء أهل السنة.(1/15)
جمهور العلماء من أهل السنة على أن الكفار لا يرون الله يوم القيامة في عرصاتها، وإنما يراه المؤمنون خاصة، واستدلوا بقوله -تعالى-: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فالآية عامة، وذهب بعض العلماء إلى أن الكفار يرون الله في عرصات القيامة ثم يحتجب عنهم، واستدلوا بأحاديث في الصحيحين وغيرهما، وأجابوا عن الآية بأن الحجب بعد المحاسبة، والصواب ما ذهب إليه الجمهور، وقيل: يراه المنافقون خاصة من بين الكفار لظاهر الأحاديث.
جمهور العلماء من أهل السنة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعين رأسه ليلة المعراج، وإنما رآه بقلبه؛ واستدلوا بحديث أبي ذر عند مسلم رأيت نورا، نور أنى أراه وحديث أبي موسى عند مسلم حجابه النور وحديث عائشة من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب وذهب بعض العلماء إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعين رأسه ليلة المعراج وإلى هذا ذهب ابن خزيمة في كتاب التوحيد، وأبو إسماعيل الهروي في كتاب الأربعين له، والنووي في شرح صحيح مسلم وأبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات والإبانة، والقرطبي والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات.
واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس -رضى الله عنهما- أنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه ليلة المعراج وبما ثبت عن الإمام أحمد أنه سئل هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة المعراج؟ فقال: نعم رآه. والصواب ما عليه الجمهور من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بقلبه، وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بين حديث عائشة وحديث ابن عباس ؛ بأن حديث عائشة في نفي الرؤية محمول على رؤية العين، وحديث ابن عباس في إثبات الرؤية محمول على رؤية القلب، وكذا ما روي عن الإمام أحمد يجمع بينهما بذلك، وبذلك تجتمع الأدلة، وهذا هو الحق.(1/16)
رؤية الرب في المنام حق، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ونقض التأسيس وغيرها، لكن على وجه لا يكون فيه تشبيه؛ كأن يرى نورا أو يسمع كلاما؛ كأن يقول: أنا ربك، أنا الله، أو يرى ربه في المنام على صورة حسنة أو غير ذلك على حسب عمله، فإن كان عمله صالحا حسنا رأى ربه في صورة حسنة، وإن كان عمله غير ذلك رأى ربه كذلك، ولا يلزم من هذه الرؤية أن يكون الرب مثل ما رآه؛ لأن هذه الرؤية من ضرب الملك الأمثال، أما رؤية الأنبياء فهي حق وهى وحي، قال الله -تعالى- عن الخليل إبراهيم -عليه السلام-: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الآية، ثم قال بعد ذلك: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا .
قال شيخ الإسلام في النقض: "فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد في نفسه أن الله مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا، ولكن لا بد أن يكون الصورة التي رآها فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه؛ فإن كان إيمانه واعتقاده حقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس..."، إلى قوله: وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل، مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم .(1/17)
وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به -سبحانه وتعالى- وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه، وقول من يقول: ما خطر في البال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو ذلك، إذا حمل على مثل هذا كان محملا صحيحا، فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبا مشابها لها، فالله -تعالى- أجل وأعظم.
حديث ابن عباس رأيت ربي في صورة حسنة، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؛ هذه رؤيا منام وهى رؤيا حق، كما قال شيخ الإسلام والحديث له طريقان مختلفان ليس فيهما متهم بالكذب، فيكون حسنا لغيره على قاعدة الترمذي وأقل أحواله أن يكون بهذه المنزلة، وإلا فالحديث مما يوجب العلم بثبوته أي اليقين، وأما حديث: رأيت ربي في صورة شاب موقر، جعد قطط، عليه نعلان، رجلاه في خضرة فهو حديث ثابت، وهذه رؤيا منام وهى حق.(1/18)
قال شيخ الإسلام قال -رحمه الله-: قلت: وهذا المعنى الذي ذكره الأشعري من أن الموجود يقدر الله على أن يريناه، وأن المعدوم هو الذي لا يجوز رؤيته، فنفي الرؤية يستلزم نفي الموجود؛ هو مأخوذ من كلام السلف والأئمة كما ذكر حنبل عن الإمام أحمد ورواه الخلال عنه في كتاب السنة: قال القوم يرجعون إلى التعطيل في كونهم ينكرون الرؤية؛ وذلك أن الله على كل شيء قدير، وهذا الفظ عام لا تخصيص فيه، فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء، وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده، فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم، مثل أن يقول القائل: هل يقدر أن يعدم نفسه، أو يخلق مثله، فإن القدرة تستلزم وجود القادر، وعدمه ينافي وجوده، فكأنه قيل هل يكون موجودا معدوما، وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له، وليس بشيء أصلا، وكذلك وجود مثله يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما؛ فإن مثل الشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه، فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما، قبل وجوده مفتقرا مربوبا، فإذا قدر أنه مثل الخالق -تعالى- لزم أن يكون واجبا قديما لم يزل موجودا غنيا ربا، ويكون الخالق فقيرا ممكنا معدوما مفتقرا مربوبا، فيكون الشيء الواحد قديما محدثا، فقيرا مستغنيا، واجبا ممكنا، موجودا معدوما، ربا مربوبا، وهذا متناقض لا حقيقة له وليس شيئا أصلا، فلا يدخل في العموم، وأمثال ذلك. اهـ-
الله -تعالى- لا يدركه أحد من خلقه قال -تعالى-: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لكنه سبحانه يدرك نفسه.
فوائد في العقيدة 3
الأسس التي يقوم عليها مذهب السلف في الصفات ثلاثة:
تنزيه الله عن مماثلة المخلوقات، وهو الأساس الأعظم والأكبر؛ ودليله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ . ... 1-(1/19)
إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الصفات والإيمان بها، وأن الله مدح نفسه بها، ودليله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . ... 2-
نفي الكيفية والإحاطة بصفات الله، ودليله: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ؛ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ . ... 3-
أسماء الله أعلام وأوصاف، وهي باعتبار دلالتها على الذات مترادفة، وهي باعتبار دلالة كل اسم منها على معناه متباينة، فالله، الرحمن، الرحيم، والسميع، العليم تدل على ذات واحدة، فهي مترادفة بهذا المعنى، لكن الله تدل على الألوهية والرحمن يدل على الرحمة، والسميع يدل على السمع، والعليم يدل على العلم، والرحيم يدل على الفعل، فهي من حيث هذا المعنى تكون متباينة كل اسم منها يدل على المعنى، وهذا فيه رد على المعتزلة الذين يقولون: إن هذه الأسماء مجرد أعلام لا تحمل معاني، وهذا من أبطل الباطل.
النفي المحض والإثبات المحض ليس فيه تنزيه، مثال النفي المحض (لا إله)، هذا إلحاد، والإثبات المحض (الله إله)، ما أكثر الآلهة، ولكنها باطلة بقولك: (لا إله إلا الله).(1/20)
نفي التشبيه عن الله، إذا جاء في كلام السلف والأئمة فالمراد به التمثيل لا التشبيه المطلق، فإن نفي التشبيه المطلق عن الله قول الجهمية الذين يقولون: إن الله لا يشبه المخلوق بوجه من وجوه التشبيه، وهذا يلزم منه إنكار وجود الله، وهو قول الجهمية كما رد عليهم الإمام أحمد في رسالته: الرد على الزنادقة والملحدين، وكما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: بيان تلبيس الجهمية ومجموع الفتاوى وغيرها؛ لأن مطلق التشبيه بين الخالق والمخلوق في الذات والصفات عند عدم الإضافة والتخصيص لا بد من إثباته، كما في مطلق الوجود والذات ومطلق العلم والقدرة، فمن نفى مطلق التشبيه في ذلك فقد أنكر وجود الله، وقد أنكر صفات الله، وهو مذهب الجهمية المعطلة، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
لازم الشيء ليس داخلا في معنى الشيء، ومن أمثلة ذلك:
جاءت النصوص بإثبات السمع لله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ويلزم من السمع الأذن، لكنها لا تثبت لله -تعالى- لعدم ورود النص بإثباتها. ... 1-
جاءت النصوص بإثبات البصر لله -تعالى- وأن الله يرى ويبصر خلقه وأعمالهم، ويلزم من البصر إثبات العين، وإثبات العينين لله -تعالى- إنما ثبت من نصوص أخرى غير إثبات البصر لله -تعالى- كحديث الدجال في الصحيحين: إن ربكم ليس بأعور وإن الدجال أعور عين اليمنى ولو لم يرد النص بإثبات العينين لله -تعالى- بنصوص أُخرى لما أخذ إثباتهما من إثبات البصر لله تعالى. ... 2-
أسماء الله وصفاته هي الله، لا يقال: إنها غير الله، كما تقوله المعتزلة وغيرهم، فإذا قيل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ؛ فالمعنى الله نفسه على العرش استوى، لكن إذا أريد الاشتقاق، فيقال: اسم الرحمن مشتق من كذا، اسم الله مشتق من كذا، أما الله -سبحانه- ليس مشتقا من شيء، بل هو واجب الوجود لذاته.(1/21)
أسماء الله -تعالى- مشتقة دالة على معاني، ليست جامدة؛ فاسم العليم يدل على العلم، والقدير يدل على القدرة، والسميع يدل على السمع، والبصير يدل على البصر، والحكيم يدل على الحكمة، وهكذا سائر الأسماء.
فوائد في العقيدة 4
صفات الله -سبحانه وتعالى- جاءت على ثلاثة أنواع
ما جاء على لفظ الاسم مسمى به فهذا يسمى به، ويشتق له منه صفة، ويوصف بما دل عليه من المعنى، مثل السميع والعليم والقدير والبصير، فيوصف الله بالعلم والقدرة والسمع والبصر. ... 1-
ما جاء على لفظ الفعل فقط فهذا يوصف الله به على لفظ الفعل الذي ورد، مثل وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ؛ فيقال: يمكر الله بمن مكر به، والله خير الماكرين، ولا يقال: من أسماء الله الماكر، ومثل: وَأَكِيدُ كَيْدًا فيقال: يكيد الله بمن كاده، ولا يقال: من أسماء الله الكائد. ... 2-
ما جاء على لفظ الفعل وجاء مضافا، فهذا يوصف الله به على لفظ الفعل ومضافا، مثل: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ فيقال: يخدع الله من خدعه وهو خادعه. ... 3-
لما كان لفظ التشبيه يقال على ما يجب انتفاؤه وعلى ما يجب إثباته، لم يرد الكتاب والسنة به مطلقا لا في نفي ولا إثبات، ولكن جاءت النصوص في النفي بلفظ المثل والكفؤ والند والسمي، وجاء لفظ التشبيه في الإثبات مقيدا في كلام الصحابة وتابعيهم.
المخلوقات وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه في مثل معنى الموجود والحي والعليم والقدير، فليست مماثلة لله بوجه من الوجوه ولا مكافأة له، بل هو -سبحانه- له المثل الأعلى قي كل ما يثبت له ولغيره، ولما ينفي عنه وعن غيره.
اسم الله كالرحمن، والعزيز، والقدوس، والملك يدل على الذات ويدل على الصفة، فدلالة الاسم عليها دلالة مطابقة، ودلالته على أحدهما دلالة تضمن، أما الصفة كالعلم والقدرة والرحمة فلم يذكر أهل العلم أنها تدل على الأمرين الذات والصفة.(1/22)
من أثبت الحد لله من السلف في قولهم: استوى على العرش بحد فمرادهم الحد الذي يعلمه سبحانه، ومن نفى الحد في قولهم: استوى على العرش بلا حد، فمرادهم بلا حد يعلمه العباد.
لا منافاة بين إثبات الحد ونفيه في كلام السلف وكلام الإمام أحمد في نفي الحد، وإثباته محمول على حالين:
نفي الحد: ومعناه نفي أن العباد يحدو الله أو صفاته بحد، أو يقدرون ذلك بقدر، أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك. ... 1-
إثبات الحد: معناه أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره، أو أنه هو يصف نفسه، وهكذا كان كلام سائر السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها. ... 2-
القول بنفي الحد، وأن الرب لا حد له، بل هو ذاهب في الجهات كلها، هو قول الجهمية وهو القول بحلول الرب في المخلوقات؛ لأن معنى كونه لا حد له، وأنه ذاهب في الجهات كلها؛ معناه الاختلاط بالمخلوقات.
الحيز: قيل: هو أمر وجودي، وهو حدود الشيء وأطرافه، أو هو شيء خارج عنه، وقيل: هو أمر عدمي وهو تقدير المكان.
نزول الرب -سبحانه وتعالى- إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، هل يخلو منه العرش أو لا يخلو منه العرش؟ لأهل السنة ثلاثة أقوال:
وهو أضعفها، أنه يخلو منه العرش. ... 1-
لا يخلو منه العرش، وهذا قال عنه شيخ الإسلام: إنه قول السلف، قال شيخنا: وهو قول لبعض السلف. ... 2-
لا يقال يخلو منه العرش، ولا يقال لا يخلو منه العرش، قال شيخنا: وهذا القول هو الذي يتمشى مع قاعدة أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات وعدم التعرض للكيفية، والرب أخبر أنه ينزل كما يليق بجلاله وعظمته في أي مكان في الدنيا وجد الإنسان، فالرب ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر كما يليق بجلاله. ... 3-(1/23)
الشخص والذات والشيء: ورد في النصوص من الآيات والأحاديث إطلاقها على الله من باب الخبر، كقول رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لا شخص أغير من الله فيقال: إن الله شخص؛ أي له -سبحانه- ذات مستقلة، وقال -تعالى-: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ؛ فأخبر الله عن نفسه بأنه شئ، وقال في حديث الشفاعة في قصة إبراهيم وكذباته الثلاثة: كلها في ذات الله وقال خبيب "وذلك في ذات الله..."؛ فأثبت لله ذاتا لكنها لا تشبه ذوات المخلوقين.
لا ريب أن لذات الرب خصوصية تتميز بها عن سائر الذوات؛ إذ الوجود المطلق الذي لا اختصاص فيه بشيء دون شيء، إنما وجود في الذهن لا في الخارج.
الرب -سبحانه- له حقيقة خاصة مباينة لغيرها في حقيقتها مخالفة لما سواها في ماهيتها.
إن قيل: الرب لا بد له من موجب ولا موجب للرب له سوى الذات نفسها، فهي الموجبة لما هي عليه بنفسها، ووجودها على ما هي عليه واجب بها لا غيرها؛ فهو صحيح، وإن قيل: لا موجب له بمعنى أنه لا موجب لتلك الحقيقة والخاصية فانفصل عنها؛ فهو أيضا صحيح، تلك الحقيقة الخاصة بالرب واجبة الوجود بنفسها لا يجوز أن يطلب لها سبب منفصل عنها، بل طلب ذلك إنكار لواجب الوجود بنفسه، وإنكار الوجود الواجب يستلزم إنكار الموجود كله؛ إذ الموجود إما أن يكون واجبا أو ممكنا، والممكن لا بد له من واجب.
فوائد في العقيدة 5
الرحمة نوعان:
رحمة الله صفة من صفاته تليق بجلاله وعظمته. ... 1-
رحمة مخلوقة، كما في الحديث: عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ بَيْنَهُمْ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ رواه مسلم وكما في حديث: احتجت الجنة والنار.... فقال للجنة:.. أنتي رحمتي أرحم بك من أشاء.. . ... 2-
القرب نوعان، كما أن المعية نوعان:(1/24)
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة من أهل العلم إلى أن القرب قرب الرب من عباده وأنه لا يكون عاما وخاصا، كالمعية تكون عامة وخاصة، وأنه لا يكون القرب إلا خاصا وهو قرب من السائلين بالإجابة، وقرب من العابدين بالإثابة، فهذا الخاص نوعان كما في قوله: -تعالى-: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ وقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وأما قوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ؛ فهذا قرب الملائكة من العبد.
وقيل: إن القرب نوعان؛ عام وخاص، كما أن المعية عامة وخاصة، والضمير في الآيتين السابقتين لله -عز وجل- والمعنى نحن أقرب إليه بالعلم والإحاطة والإطلاع والرؤية والقدرة، وهذا القول أرجح وأظهر من القول الأول.
قوله: في الحديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قوله: "في ظله" صفة من الصفات لا تؤول، بل هي كما يليق بالله -سبحانه وتعالى- ومن قال: إن هذا الظل المراد به ظل العرش، يخشى عليه من التأويل، بل هو تأويل كما فسره بذلك النووي في شرح مسلم قال لورود حديث بذلك والجواب: أن حديث: في ظل عرشه باق على ظاهره، والحديث الأول باق على ظاهره فلا يفسر أحدهما بالآخر.
الكنف، والظل والحقو، كلها من صفات الله:
أما صفة الكَنَف فهي من الصفات الذاتية؛ لحديث البخاري يؤتى بالعبد يوم القيامة فيضع كنفه عليه ويقرره بذنوبه .(1/25)
الكنف المذكور في الصحيح: إن الله يدني العبد يوم القيامة حتى يضع كنفه عليه من صفات الله، نقله أبو عبد الله بن حامد عن الإمام أحمد وأقره شيخ الإسلام وابن حامد شيخ القاضي أبي يعلى وأما صفة الحقْو: فهي من الصفات الذاتية؛ لحديث: لما خلق الله الرحم قامت الرحم وأخذت بحقو الرحمن، فقال: مه. فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة وأما صفة الظل فدليله حديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال النووي المراد ظل عرشه كما دل عليه الحديث الآخر، والصواب أنهما حديثان، ففي هذا الحديث الظل صفة للرب، وفي الحديث الآخر صفة للعرش فهما حديثان.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: وهذه أحاديث مأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرحم والحقو، وأنه يضع كنفه على عبده، وسئل أحمد عن قوله: -تعالى-: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ فقال: فمن قال: إن دعوة الله مخلوقة كفر. قال أبو عبد الله بن حامد فجملة هذه المسائل مذهب إمامنا فيها الإيمان والتصديق بها، والتسليم والرضا، وأن الله يضع كنفه على عبده تقريبا له إلى أن يضع كنفه عليه، وذلك صفة ذاته لا يدري ما التكييف فيها، ولا ماذا صفتها، وكذلك في الرحم تأخذ بحقو الرحمن، صفة ذاته، لا يدري ما التكييف فيها ولا ماذا صفتها، وكذلك دعوة الله -تعالى- لعباده وهم في الأرض أموات بالخروج منها فيخرجون، كل ذلك صفات ذاته ون غير تكييف ولا تشبيه.
قال: فأما الحديث في الرحم والحقو، فحديث صحيح، ذكره البخاري وقد سئل إمامنا عنه فأثبته، وقال: يمضي الحديث كما جاء.(1/26)
من الصفات الفعلية للرب -سبحانه وتعالى- وصفه بالكتابة، وأدلة هذه الصفة كثيرة، منها قوله: -تعالى-: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ وفي الحديث: وكتب في الذكر كل شيء وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي .
وفي حديث احتجاج آدم وموسى أن آدم قال لموسى وخط الله لك التوراة بيده .
فوائد في العقيدة 6
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: جاءت الأحاديث بثبوت المماسة، كما دل على ذلك القرآن الكريم وقاله أئمة السلف، وهو نظير الرؤية، وهو متعلق بمسألة العرش، وخلق آدم بيده، وغير ذلك من مسألة الصفات وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، فشيخ الإسلام أثبت مماسة الله لبعض خلقه، كالعرش وآدم وقال: إن ذلك دل عليه القرآن الكريم وجاء الحديث بثبوته وقاله أئمة السلف، وإن كان قد نفاه طوائف من أهل الكلام والحديث.
قلت: مثل القاضي أبو يعلى من الحنابلة نفاه في كتابه إبطال التأويلات، وقال: إنه يستلزم الحدوث للرب.
أقوال العلماء في مماسة الرب للعرش ثلاثة:
- منهم من يثبت المماسة كما جاءت بها الآثار.
- ومنهم من ينفي المماسة.
- ومنهم من يقول: لا أثبتها ولا أنفيها.
المس والاتصال بالرب مختلف فيه على قولين.(1/27)
قال شيخ الإسلام وذكر عن الصحابة كابن عباس وعن التابعين عن عبيد بن عمير وغيره، وفيه أن الله ينادي داود -عليه السلام- حتى يمس بعضه، وكذلك الحركة في جوازها أو جواز إطلاقها على الرب قولان للعلماء.
فوائد في العقيدة 7
الله -تعالى- ذاته نور واسمه النور ووصفه النور، فالنور من أسماء الله الحسنى وقد جاء عده في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة من طريق الوليد والله -تعالى- نور لأنه لا يمكن أن يكون وصف النور لمن ليس نورا؛ إذ الأجسام النورانية نوعان:
مستنير وليس منيرا لغيره كالجمرة، مستنير ومنير لغيره، كالشمس والقمر والنار والمصباح، وليس في الأجسام منير لغيره وهو غير مستنير.
ومن الأدلة على أن الله اسمه النور ووصفه النور ما يأتي: قول الله -تعالى-: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ الآية، وقوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في الصحيحين: اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن وحديث جابر بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور... حديث: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات.. قول ابن عباس "ذاك نوره الذي هو نوره".
النور تارة يضاف إلى الذات، كقوله: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وتارة يضاف إلى الوجه، كحديث: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات.. و قول ابن مسعود "إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه"، والنور صفة كمال وضده صفة نقص.
النور نوعان أحدهما صفة من صفات الرب -تعالى- والثاني خلق من خلقه، كما أن الرحمة نوعان صفة من صفاته والثانية خلق من خلقه.
أ- ... أنه صفة من صفات الله، كما يليق بجلال الله وعظمته، لكنه ورد مضافا إلى الله: نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ولم يرد مستقلا، فلا يقال: إن من أسماء الله النور بإطلاق؛ لأنه لم يرد.(1/28)
ب- ... أنه نور مخلوق من جملة مخلوقاته، قال -تعالى-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ؛ أي خلقهما.
قال شيخ الإسلام :
فيقال: قد تقدم الكلام على هذه الآية: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ في أول كلامه، وذكر أن الذي عليه جماهير الخلائق أن الله -عز وجل- نفسه نور، حتى نفاة الصفات الجهمية كانوا يقولون: إنه نور، وأما القول بأن الله -عز وجل- نفسه هو نور الشمس والقمر والنار، فهذا لا يقوله مسلم، ولكن قد ورد عن ابن مسعود أنه قال: نور السماوات من نور وجهه، وهذا يتكلم عليه في موضعه.
ويتوهم بعض الناس أن هذه الأنوار قديمة؛ لزعمهم أنها من نور الله -عز وجل- بل يقولون: إن هذه الأنوار هي الله، وهو نصب الخلاف مع من يقول ذلك -يعني الرازي نصب الخلاف- ولكن يبقى كونه نورا مطلقا، فلم يذكر إلا قولين: إما أن يكون هو هذا النور المحسوس، وإما أن لا يكون نورا بحال.
وكلا القولين باطل بل هو نور، له نور، وحجابه نور، وإن لم يكن ذلك محسوسا لنا، ولا حاجة في نفي كونه هذا النور محسوسا إلى ما ذكره من الأدلة يعني الرازي اهـ.
وقال -رحمه الله-: الثاني أنه كونه نورا، أوله نور لا يوجب ظهوره ذلك لكل أحد، فإنه يحتجب عن العباد كما سنذكره في لفظ "الحجاب" اهـ.
وقال -رحمه الله-: يقال: هو نور وله نور، فإن اسم النور يقال للشيء القائم بنفسه، كما سمى القمر نورا، ويقال للصفة القائمة بغيرها، كما يقال نور الشمس والقمر، وقد دل الكتاب والسنة على أنه نور، وله نور، وحجابه النور، فالمضاف ليس هو المضاف إليه. أهـ
وقال ابن القيم في مختصر الصواعق: إن النص قد ورد بتسمية الرب نورا، وبأن له نورا مضافا إليه، وبأنه نور السماوات والأرض، وبأن حجابه نور، فهذه الأربع أنواع:
فالأول: يقال عليه -سبحانه- بالإطلاق، فإنه النور الهادي.(1/29)
والثاني: يضاف إليه كما يضاف إليه حياته وسمعه وبصره وعزته وقدرته وعلمه، وتارة يضاف إلي وجهه، وتارة يضاف إليه ذاته، فالأول إضافته إلى وجهه، كقوله: أعوذ بنور وجهك وقوله: "نور السماوات والأرض من نور وجهه"، والثاني: إضافته إلى ذاته، كقوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وقول ابن عباس -رضى الله عنهما-: "ذلك نوره الذي إذا تجلى به".
والثالث: وهو إضافة نوره إلى السماوات والأرض، كقوله: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
والرابع: كقوله حجابه النور، فهذا النور المضاف إليه يجيء على أحد الوجوه الأربعة.
وقال شيخ الإسلام وقوله: -تعالى-: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ النور يتناول الأقسام الثلاثة، فإنه أخبر أنه نور، وأخبر أن له نورا، وأخبر أنه كمشكاة فيها مصباح، ومعلوم أن المصباح الذي في المشكاة له نور يقوم به، ونور منبسط على ما يصل إليه من الأرض والجدران. اهـ.
وقال -رحمه الله-: وأيضا فهذا مثل اسمه السلام، فقد ثبت في صحيح مسلم عن ثوبان أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا لجلال والإكرام فأخبر أنه هو في نفسه السلام وأن منه السلام.
أنكرت المعتزلة والجهمية أن يكون الله نورا، وأن يوصف بالنور، وقالوا: إن النور الساطع الذي نراه في الأرض والجبال مخلوقا فلا يكون وصفا لله، وقالت الجهمية الله نور كله،؛ أي أنه نور حالٌ في الأرض، فرد عليهم الإمام أحمد في كتابه الرد على الزنادقة، فقال: إذا كان نورا فلماذا لا ينير البيت المظلم.
الله -تعالى- احتجب بالنور، كما في صحيح مسلم عن أبي موسى حجابه النور أو النار وفي حديث أبي ذر رأيت نورا وهذا النور الذي احتجب به الرب مخلوق، وإذا كان الحجاب نورا فكيف يحتجب بالنور من ليس بنور،؟ بل إن الحجاب إنما استنار بنور الله عز وجل.(1/30)
مسمى النفس عند السلف هو الذات، فنفس الله هو الله والنفس تجمع الصفات كلها، فإذا نفيت النفس نفيت الصفات.
دلت النصوص على إثبات النفس لله، كقوله -تعالى-: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ وقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ والناس لهم في النفس ثلاثة مذاهب:
مذهب أهل السنة والجماعة: أن نفس الله هو الله وذاته لا صفة قائمة به، وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام والإمام أحمد وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو بكر بن خزيمة فيما نقله عنهم، وكلام أحمد صريح في أن نفسه هي هو، وهي ذاته لا صفة لذاته. ... 1-
أن نفس الله صفة ليست هي ذاته، بل قائمة بذاته، في صفة زائدة على الذات، وهذا القول ضعيف ذهب إليه طائفة من المتأخرين، كالقاضي أبي يعلى فيما نقله عنه شيخ الإسلام ورد عليه وأطال. ... 2-
نفي النفس عن الله وإنكار نفس الله، وهذا مذهب الجهمية وهذا كفر. ... 3-
من أسماء الله التي يسمى بها ويعبّد لله بها ما يأتي:
الجميل؛ لحديث: إن الله جميل يحب الجمال .
الطيب؛ لحديث: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
المسعّر؛ لحديث: إن الله هو المسعر الباسط القابض .
الصمد: من أسماء الله العظيمة، الذي ورد في سورة الإخلاص، وقد جاءت الآثار عن الصحابة والتابعين في تفسيره ومعناه، وبعضها مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وسورة الإخلاص نزلت جوابا لبعض المشركين وأهل الكتاب لما قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: انسب لنا ربك.
وقد جاء في هذه الآثار التي ساقها شيخ الإسلام في نقض التأسيس في تفسير الصمد، من كتاب السنة للطبراني والسنة لابن أبي عاصم ثلاث تفسيرات وكلها حق، والاشتقاق واللغة تدل عليها:
الصمد: المجتمع الذي لا جوف له.
الصمد: السيد المصمود إليه المقصود في الحوائج.
الصمد: السيد الذي اكتمل سؤدده وكمل شرفه.(1/31)
ولكن التفسير الأول هو الأصل، وهو الذي يدل عليه أصل الاشتقاق، وهو المناسب للجواب عن سؤال المشركين وأهل الكتاب.
والتفسير الثاني لا ينافي التفسير الأول، بل هو دال عليه وملزوم ولازم له؛ لأنه إن كان مجتمعا في نفسه غير محتاج إلى غيره دل على أنه مصمود إليه ومقصود في الحوائج، فالتفسير الثاني مقرر للتفسير الأول ودال عليه، فلا ينافي أن يكون هو في نفسه مجتمعا لا جوف له، بل كونه في نفسه كذلك هو الموجب لاحتياج الناس إليه، فإن الحاجة إلى الشيء فرع اتصافه في نفسه، فلا يكون الأثر منافيا للمؤثر، ولا يكون الملزوم منافيا للازم، بل الأثر والملزوم دليل على المؤثر واللازم، والصمد أكمل من أن يطلق على السيد، فكون المسمى بالصمد صمدا لغيره فرع كونه صمدا في نفسه: وقيل هو الذي لا يأكل الطعام، وقيل هو الباقي بعد خلقه، ومن السلف والأئمة من قال هذا وهذا، ومثل هذا كثير في تفسير معاني أسمائه كالرحمن والجبار والإله، وغير ذلك.
وقد قررنا في غير هذا الموضع أن عامة تفاسير السلف ليست متباينة بل تارة يصفون الشيء الواحد بصفات متنوعة، وتارة يذكر كل منهم من المفسر نوعا أو شخصا على سبيل المثال؛ لتعريف السائل بمنزلة الترجمان الذي يقال له ما الخبز فيشير إلى شيء معين على سبيل التمثيل.
وادعى الرازي في تأسيسه أن الصمد اسم للمعنى الثاني ونفي المعنى الأول والتفسير الأول؛ لأنه يلزم عليه أن يكون الله جسما وهذا محال على الله، فيجب حمل الاسم واللفظ على مجازه، وهو القول بأن المعنى (واجب الوجود لذاته) والقرينة التي صرفت اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز هي الدلالة العقلية على أن معنى اللفظ وظاهره وحقيقته محال على الله تعالى.
ويجاب على ذلك بثلاثة أجوبة:(1/32)
سلمنا أن الصمد هو ما يصمد إليه العباد في أنفسهم؛ أي يقصدون إليه، فالقصد هو الدعاء والمسألة والطلب، وذلك إنما يكون بالقلوب والبواطن والأيدي والوجوه، وذلك ممتنع إلا ممن يكون بجهة منهم، فمن لا يعرف أين هو يمتنع قصده فيمتنع كونه صمدا، فهما علمان ضروريان:
أن قصد العباد ودعائهم وتوجههم بقلوبهم وظاهرهم إلى العلو، العلم الضروري بأن ما كان فوق العالم فإنه يكون في الجهة، أن ما ذكره الرازي من الدلالة العقلية التي صرفت معنى اسم الصمد إلى مجازه، لم تظهر إلا من زمن بشر المريسي بعد انقراض عصر الصحابة وأكابر التابعين وأئمتهم، ولما أظهر بشر مقالته كفره الأئمة، أن الآية نزلت عن جواب المشركين وأهل الكتاب وسؤالهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صفة ربه، فيجب حملها على الحقيقة لتكون جوابا لسؤالهم.
أما قول الرازي إن الصمد (فعل) بمعنى مفعول؛ أي مصمود إليه في الحوائج يقال له: بل تكون بمعنى الفاعل لقولهم: (أحد، وبطل) وهل لا تكون بمعنى الفاعل، وهو الصامد المتصمد في نفسه، وإن كان ذلك يستلزم أن يكون مقصودا لغيره، فهذا أرجح لوجوه: أنه قرين الاسم الواحد، فإنه قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ومن المعلوم أن الأحد بمعنى الواحد المتوحد، فكون الصمد بمعنى الصامد المتصمد أظهر في المناسبة والعدل والقياس والاعتبار.
أن الفاعل هو الأصل فإنه لا بد لكل فعل وصفة من فاعل، فكل صفة تستلزم فاعلا في الجملة، وأما المفعول فقد يكون وقد لا يكون، وهذه الصفة الصمد علم أن لها فاعلا ولم يعلم أن لها مفعولا.
أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نسب ربه وماهيته وجنسه، فنزلت الآية جوابا لهم.
فوائد في العقيدة 8(1/33)
من أسماء الله العظيمة التي تحتها غرائب وعجائب تفتت الأكباد، اسمه "المصور"، وهو من أسمائه الأزلية ومما يوضح عظمة هذا الاسم وما يشير إليه من كمال قدرة الله، وعظم علمه وإحاطته بكل شيء، أن ينظر الواحد إلى الحجيج يوم جمرة العقبة -مع اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وهيئاتهم- مصبوبين صبة واحدة، كل واحد منهم الأذنان والعينان في محلهم، والأنف في محله والفم في محله وكل عضو في محله في الجميع، ومع ذلك لا يتماثل منهم اثنان، والله يصور كل واحد منهم صورة مستقلة يطبعه عليها بعلمه وقدرته لا يشاركه فيها أحد البتة، فلا يتماثل منهم اثنان فهي كانت في علمه الأزلي قبل أن يقع ذلك الإنسان، فلما وقع مصورا في الصورة المهيأة له في العلم السابق -ولو جاء ملايين أضعاف الحصى من البشر- لم يضق علمه أن يخترع لكل واحد منهم صورة تخصه لا يشاركه فيها غيره، حتى إن أصواتهم لا تتماثل وبصمات أصابعهم في الأوراق لا يماثل بعضهم بعضا عند من يعرف ذلك، وأظهرهم في الأرض لا يختلط بعضهم ببعض، فيأتي هذا الإنسان الضعيف المسكين فينزل نفسه منزلة العظيم الجبار المصور ويفعل كفعله؛ ولذا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في تشديد عذاب المصورين، وأنهم أشد الناس عذابا في الأحاديث الصحيحة، وأن ما صوروه في الدنيا يؤمرون بأن يحيوه ويعذبوا عليه عذابا شديدا.
والحاصل أن التصوير هو أول كفر وقع في الدنيا، وهو سبب أول شرك وقع في الدنيا، وله أثره الفعال الآن في فساد الأخلاق وضياع شباب المجتمع وتغيير فطرهم؛ حيث يروا صور النساء، حيث يرى الواحد صورة المرأة على هيئتها متجردة من كل شيء بادية الفرج، نعوذ بالله من ذلك.
في إطلاق الشخص على الله: أخرج مسلم في صحيحه: لا شخص أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش إلخ... وفي حديث أبي رزين العقيلي وهو لقيط بن عامر - وفيه: كيف وهو شخص واحد ونحن ملئ الأرض .(1/34)
وترجم البخاري باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا شخص أغير من الله.
وقد تنازع أهل الحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيره في إطلاق اسم الشخص على الله، قال القاضي أبو يعلى وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه، ووجهه أن قوله: (لا شخص) نفي من إثبات، وذلك يقتضي الجنس، كقوله: لا رجل أكرم من زيد، يقتضي أن زيدا يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله: لا شخص أغير من الله يقتضي أن يقع عليه اسم شخص.
قال: وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني في كتاب الرؤية ما يشهد لهذا القول، وذكر حديث لقيط بن عامر المتقدم، وقوله: للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد) فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على قوله، وقد ذكر أحمد هذا الحديث في الجزء الأول من مسند الكوفيين، فقال: قال عبد الله - يعني ابن أحمد قال عبيد الله القواريري ليس حديث أشد على الجهمية من هذا الحديث قوله: لا شخص أحب إليه المدحة من الله .
قال القاضي: ويحتمل أن يمنع من إطلاق ذلك على الله؛ لأن لفظ الخبر ليس بصريح فيه؛ لأن معناه: لا أحد أغير من الله؛ لأنه قد روي ذلك في لفظ آخر، فاستعمل لفظ الشخص في موضع أحد، ويكون ذلك استثناء من غير جنسه ونوعه، كقوله -تعالى-: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وليس الظن من نوع العلم. ا هـ.
قال شيخ الإسلام وأما تأويل الشخص إذا ثبت إطلاقه بالذات المعنية والحقيقة المخصوصة، فهذا باطل في لغة العرب التي خاطب بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وإنما يوجد مثل ذلك في عرف المنطقيين ونحوهم إذا قالوا: هذا شخص نوعه في شخصه، أو لا ينحصر نوعه في شخصه، وقالوا الجنس ينقسم إلى أنواعه، والنوع ينقسم إلى أشخاصه، ونحو ذلك مما هو لفظ الشخص فيه بإيذاء لفظ الواحد بالعين.(1/35)
قلت: وقد أول الرازي في تأسيسه الشخص بذلك، قال في تأسيسه: الأول الشخص والمراد منه الذات المعينة والحقيقة المخصوصة؛ لأن الجسم الذي له شخص وحجمية يلزم أن يكون واحدا، فإطلاق اسم الشخص على الواحدة إطلاق أحد المتلازمين على الآخر.
قلت: وبهذا يتبين أن إطلاق اسم الشخص على الله فيه نزاع بين أهل الحديث من أصحاب الإمام أحمد وغيره على قولين، ولم يرجح شيخ الإسلام واحدا منهما، بل سكت على ما نقله عن القاضي أبي يعلى .
الغيرة: من صفات الله -تعالى- التي وردت النصوص الصحيحة باتصاف الله -تعالى- بها، منها ما في صحيح مسلم لا شخص أغير من الله وبوب البخاري عليه، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا شخص أغير من الله وأخرج البخاري في هذا الباب حديث سعد بن عبادة وفيه: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن الحديث.
قال القاضي: فغير ممتنع إطلاقها عليه؛ لأنه ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما يستحقه؛ لأن الغيرة هي الكراهة للشيء وذلك جائز في صفاته، قال -تعالى-: وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ .
قلت: وقال الرازي يجب تأويل الغيرة بالزجر فقال: والثاني: لفظ الغيرة، ومعناه الزجر؛ لأن الغيرة حالة نفسانية مقتضية للزجر والمنع فكنى بالسبب عن المسبب. قال شيخ الإسلام ردا عليه: وأما الغيرة فهو مما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف ربه به، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله يغار وأن المؤمن يغار، وغيرة الله أ ن يأتي العبد ما حرم الله عليه وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود مرفوعا: ما أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن الحديث والأحاديث كثيرة فلم يصفه بمطلق الغيرة، بل بين أنه لا أحد أغير منه.(1/36)
وأما تأويل الرازي الغيرة بالزجر والمنع، فيقال: لا ريب أن الغيرة تستلزم المنع والزجر مما يغار منه، ولكن كون الصفة تستلزم فعلا من الأفعال لا يقتضي أن يكون الثابت مجرد اللازم دون الملزوم، أن تأويل الغيرة بالزجر والمنع تأويل للسبب بالمسبب، وهو تأويل باطل؛ لأن السبب غير المسبب، فلو أراد المخاطب بالغيرة الزجر لكان إلى التلبيس أقرب منه إلى البيان، أنه قال في الحديث: ما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهذا نص صريح في إثبات السبب الذي هو الغيرة، والمسبب الذي هو المنع والزجر، فجعل معنى الغيرة هو معنى التحريم الذي هو المنع والزجر تكذيب صريح للرسول، وهو في الحقيقة قول الجهمية لكن منهم من يعلم بذلك فيكون منافقا، ومنهم جهال لا يعلمون أنهم مكذبون له.
فوائد في العقيدة 9
من صفات الله الكراهة وهي نوعان: كراهة كونية، كقوله -تعالى-: عن المنافقين: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ كراهة دينية، كقوله -تعالى-: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا .
دعاء صفة من صفات الله لا يجوز؛ كأن يقول: يا رحمة الله ارحميني، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن هذا كفر ورده، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستغاثة إجماع العلماء على أن هذا محرم وكفر.
قال شيخ الإسلام في الرد على البكري ما نصه: "وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني و أغثني وأعني، أو يا علم الله أو يا قدرة الله، أو يا عزة الله، أو يا عظمة الله ونحو ذلك، أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره، أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو إغاثة أو نصرة أو غير ذلك" ا.هـ(1/37)
ومن ذلك ما يقوله بعض البادية: يا وجه الله فإن هذا من نداء الصفة، فالأمر خطير، أما الاستعاذة بالصفة: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك، فاستعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبصفة المعافاة من صفة العقوبة، واستعاذ بالله من الله؛ فهذا مشروع، وكذا يجوز القسم بالصفة؛ لقوله -تعالى- عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وفي الصحيحين في قصة الرجل آخر أهل الجنة دخولا: لا وعزتك لا أسألك غيرها .
قال شيخ الإسلام للناس في حملة العرش قولان:
أنهم يحملون العرش ولا يحملون من فوقه. ... 1-
يحملون العرش ومن فوقه، وذكر لكل قول حجة ورجح القول الثاني. ... 2-
فوائد في العقيدة 10
النسخ لا يدخل العقائد ولا الأخبار، وإنما يكون في الأحكام؛ فالشرك الأكبر لا يدخله النسخ، وكذلك التوحيد، لكن الشرك الأصغر يدخله النسخ، مثل الحلف بغير الله كان جائزا في أول الإسلام، ثم نهى عنه.
الشرك الأصغر ذهب بعض العلماء إلى أنه يكون تحت المشيئة، كالكبائر، وعند المحققين أنه لا يغفر إلا بالتوبة؛ لعموم الآية، قال -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا أو برجحان الحسنات، وهذا هو الصواب، ومن هنا يقال: إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
يقال الكاهن له رئي من الجن، بفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد الياء ويقال رئيه بفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد المثناة التحتية.(1/38)
الصلي في النار خاص بالكفار، قال -تعالى-: لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وقال -تعالى-: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى وقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا وصلي النار هو أن تحيط النار بالكافرين بجميع أجزائهم وأجرامهم، وتغمرهم النار من فوقهم ومن تحتهم، قال -تعالى-: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ أما المؤمن العاصي إذا دخل النار فإن النار لا تصلاه ولا تغمره بل تأخذه إلى ركبتيه مثلا وما أشبه ذلك على حسب عمله ولا تغمره النار.
طاعة العلماء أو العباد أو غيرهم في معصية الله إذا استحلها وجعلها دينا وقربة وشرعا يدين به؛ فهذه عبادة لهم من دون الله، وشرك في الربوبية، كما لو استحل الزنا أو الخمر أو الربا، أما إذا أطاعهم في المعصية من غير استحلال فلا يكون عبادة لهم بل يكون معصية.
إذا قال شخص لآخر:أرجوك أن تفعل كذا فلا بأس؛ لأنه رجاء من قادر، حي، حاضر، والشرك أن ترجو ميتا، أو حيا فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو حيا غائبا.
كل مشرك كافر وكل كافر مشرك؛ لأنه جحد الحق وعبد هواه، لكن ما كان الجحود فيه ظاهرا فهو أخص باسم الكفر، كمن جحد وجوب الصلاة أو جحد ربوبية الله أو أسمائه أو صفاته، أو جحد ألوهيته، وما كان في الشرك ظاهرا فهو أخص باسم الشرك كمن عبد وثنا أو صنما ومن دعا غير الله أو ذبح لغير الله.
أحاديث القرون الثلاثة المفضلة لا يعارضها حديث البعوث الأربعة؛ لأن البعوث الأربعة تكون من ضمن الثلاثة قرون ولا تزيد عليها، قد يكون البعثان والثلاثة في قرن واحد.
حديث أسماء في غسل جبة النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- للاستشفاء بها لما جعل الله في جسد النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- من البركة فلا يقاس عليه غيره، فهو خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فوائد في العقيدة 11(1/39)
القتال مع علي -رضي الله عنه- هو مذهب جمهور الصحابة؛ عملا بقول الله -تعالى-: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا إلى قوله: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فالحق مع علي ويجب القتال معه عند الجمهور، أما أهل الشام فهم بغاة.
وذهب بعض الصحابة إلى الكف عن القتال مع كلا الفريقين؛ عملا بالأحاديث التي فيها الإمساك عن القتال في الفتنة وعدم أخذ السلاح فيها؛ لأن المفسدة تربو على المصلحة، وإلى هذا ذهب ابن عمر وأبو بكرة وسلمة بن الأكوع وأبو موسى وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وأبو مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم جميعا.
الجمهور على أنه لا يشهد بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص، وذهب بعض العلماء إلى أنه يشهد بالجنة لمن شهد له عدلان أو ثلاثة أو أربعة؛ لحديث: من شهد له أربعة أو ثلاثة أو اثنان وجبت له الجنة وهذا القول قول قوي ودليله واضح ولا نعلم جوابا للجمهور عنه، وكان أبو ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة.
قول الإنسان: هذا من بركات فلان أو بركة فلان لا بأس به، وكذلك قول: فلان كله بركة: لا بأس به؛ دليل ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة شرعية التيمم، لما ضاع عقد عائشة وحبس النبي -صلي الله عليه وسلم- الجيش ابتغاءه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، شرع الله التيمم، فقال أسيد بن حضير وعباد بن بشر يخاطبان عائشة ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر ولم ينكر عليهم النبي صلي الله عليه وسلم؛ فدل على،الجواز والمعني من البركة التي جعلها الله فيه، وكذلك في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وقوله -تعالي-: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ يدل على أن البركة من الله يجعلها في من يشاء من عباده، والبركة -محركة- النماء والزيادة والسعادة.(1/40)
أما قول: البركة منك يا فلان، أو تباركت علينا يا فلان فلا يجوز؛ لأن البركة من الله وهو -سبحانه- المتبارك وعبده (المبارك) قال -تعالي-: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وقال: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وقوله: -صلى الله عليه وسلم-: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام والعبد قد يكون فيه بركة ولو كان فاسقا، قد يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فيكون فيه بركة.
قال -تعالى-: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ فهل القنوط كفر أكبر أم هو كفر دون كفر؟ محتمل.
الغلو في الدين: هو الإفراط ومجاوزة الحد، وهو يشمل الأقوال والأعمال، والغلو ومجاوزة الحدّ في الأقوال: يسمى الإطراء.
لا يجوز تأجير الرافضة في مكة ؛ لأنه وسيلة إلى حجهم وقول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: لعن الله من آوى محدثا يشمل إحداث البدع والمعاصي وإن كانت البدع أشد.
حج آدم موسى بأمرين
أن موسى لام آدم على المصيبة التي لحقته وهي إهباطه إلى الأرض وخروجه من الجنة، فاحتج بأن هذه المصيبة مكتوبة عليه. ... 1-
أن موسى لام آدم على الذنب بعد أن تاب منه، والتائب من الذنب لا يلام عليه. ... 2-
قول القائل أنا بوجه الله جائز؛ لأنه حماية بالله، والتجاء إليه سبحانه، والوجه يطلق ويراد به الوجه والذات معا، كقوله -تعالى-: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ أما قول القائل يا وجه الله فلا ينبغي؛ لأنه نداء للصفة، والذي ينبغي أن يقول يا الله، أما قول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (أسألك بوجهك) فهو توسل بصفات الله، وهو مشروع.(1/41)
الاستشفاع بالله لا يجوز؛ لحديث: محمد بن جبير عن جبير بن مطعم عند أبي داود في قصة الأعرابي الذي أنكر عليه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إنا نستشفع بالله عليك)؛ وذلك لأن المستشفع به في العادة أقل من المستشفع عليه، والحديث سكت عنه أبو داود فهو حسن عنده، والحديث لا بأس به في الظاهر، وإن كان محمد بن جبير في حفظه شيء، لكن الحديث له شواهد أما السؤال بالله فهو جائز؛ لحديث أبي داود من سأل بالله فأعطوه ولما في الصحيحين من حديث الأبرص والأقرع أن الملك قال له: أسألك بالذي أعطاك الجلد واللون الحسن والمال بعيرا أتبلغ به الحديث، وهذا سؤال بالله، فيكون المنع خاصا بالاستشفاع بالله، أما السؤال بالله فإنه جائز، وقد ظن بعضهم أنه ممنوع؛ لحديث محمد بن جبير هذا، لكن الصواب أنه جائز، والممنوع الاستشفاع بالله على أحد من خلقه فقط.
حكم أطفال المشركين وأطفال المسلمين
أما أطفال المسلمين فهم في الجنة بالإجماع، وأما أطفال المشركين ففيهم سبعة أقوال أو ثمانية أقوال، ذكرها الحافظ في الفتح في كتاب الجنائز، تحت باب أولاد المشركين، وبسط الكلام عليها العلامة ابن القيم في كتابه طريق الهجرتين تحت عنوان طبقات المكلفين.
وأرجح هذه الأقوال قولان:
أنهم في الجنة؛ ويدل لهذا القول ما في صحيح البخاري في رؤيا النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأبيه إبراهيم في الجنة وحوله أولاد المسلمين، قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين . ... 1-
أنهم يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترات، ومن أدلة هذا القول قوله: -تعالى-: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وهؤلاء قاسوا أطفال المسلمين على أهل الفترات. ... 2-
وأرجح القولين الأول.
الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، وقد يكون كافرا وقد يكون عاصيا فهو قسمان: كافر وعاصٍ.(1/42)
محبة أهل الخير والدعاة إلى الله والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر من الإيمان، وبغضهم نفاق؛ لما روى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان مسندا: آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار وهذا وإن كان مرادا به الأوس والخزرج إلا أنه يشمل كل من نصر دين الله ودعا إليه وحذر من الشرور التي تنافيه أو كماله.
ثبت في صحيح مسلم أن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء وهذه الساعة غير معروفة، أخفاها الله في الليل كما أخفى ساعة الجمعة، وكما أخفى ليلة القدر، لكن ترجى أن تكون في ثلث الليل الآخر؛ لأنه وقت التنزّل الإلهي، وجوف الليل فهي في النصف الأخير من الليل أرجى منه في النصف الأول.
فوائد في العقيدة 12
الجمهور يرى عدم تكفير الخوارج ويستدلون بقول علي -رضي الله عنه-: (من الكفر فروا)، ويرى آخرون تكفيرهم، وهذا أرجح للحديث: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. ويوجد الآن منهم في بعض البلاد، وهم الآن يقولون بخلود العصاة في النار، ويقولون نحن لا نقول بتكفير العصاة.
يقول شيخنا: ولقد نصحت مفتي عمان لما كنت في المدينة في الجامعة الإسلامية فلم يقبل النصيحة.
المعتزلة قيل بتكفيرهم وهو الأظهر، والجمهور على أنهم مبتدعة.
الرفض: تقرأ بكسر الراء المشددة، والرِّفض: هو الاسم الذي يطلق على من اعتنق مذهب الرافضة وأما الرَّفض: فهو مصدر رفض، قال شيخنا: وهذا هو الذي تلقيناه عن مشايخنا.
الجهمية الذين يقولون: إن الله حال في كل مكان، كفار في أصح قولي العلماء، وأشد منهم كفرا المعطلة الذين ينفون عن الرب النقيضين، فيقولون لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العلم ولا تحته، ولا مباين له ولا محايث له، ولا متصل به ولا منفصل عنه.
فوائد في العقيدة 13
الأموات لا يسمعون قال -تعالى-: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وقال: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ .
ويستثنى من ذلك ثلاث حالات دل النص على أنهم يسمعون:(1/43)
سماع قتلى بدر الذين ناداهم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وهم في القليب، وقال للصحابة: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إلا أنهم لا يستطيعون الجواب . ... 1-
سماع قرع نعال المشيعين للميت، كما في الحديث: إنه ليسمع قرع نعالهم . ... 2-
سماع سؤال الملكين للميت فإن روحه ترد إليه فيسألونه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ... 3-
وهناك حالات مختلف فيها، وهي سماع سلام المسلم والأقرب أنهم يسمعون، ورد بذلك أحاديث: أن الميت ترد روحه ويرد سلام المسلم ومن ذلك قول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ويجاب عن الآيتين بجواب آخر، وهو أن المعنى: إنك لا تسمع الموتى سماعا ينفعهم، وهذه الحالات الثلاث سماعهم فيها لا ينفعهم.
ما يستنبط من قصة وفاة أبي طالب وهي في الصحيح من الأحكام:
لما قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله؛ أي أشفع لك بها عن الله، قال له عبد الله بن أمية المخزومي - قبل أن يسلم - وأبو جهل بن هشام قالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب فيه أن قريشا يعلمون أن كلمة التوحيد تبطل عبادة الأوثان. ... 1-
أن ابن أمية وأبا جهل ذكرا أبا طالب الحجة الملعونة في قولهم له: أترغب عن ملة عبد المطلب وهي اتباع الآباء والأجداد على دينهم الباطل وهو الشرك في قول الله عنهم: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ على أمة؛ أي على دين، وفيه تأثير قرناء السوء ومضرتهم فينبغي الحذر والبعد عنهم، وكما في قوله -تعالى-: عن فرعون فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ... 2-(1/44)
الحكم على المعين بالكفر إذا علمت خاتمته، وأنه لا يستغفر له ولا يدعا له، كسائر الأحكام من عدم تغسيله وعدم التوارث، من قوله-تعالى- فيما نزل في أبي طالب في نهي النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عن الاستغفار له: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ولو كان المعين لا يحكم عليه بالكفر لما نهى عن الاستغفار له. ... 3-
الحكم على المعين الذي علمت خاتمته وأنه مات على الكفر الحكم عليه بالنار والخلود فيها، من قوله -تعالى-: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . ... 4-
أن هداية القلوب لا يملكها أحد إلا الله -تعالى- ولا يملكها أفضل الخلق النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فضلا عن غيره، من قوله -تعالى-: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . ... 5-
أن شفاعة النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب مستثناة من قوله -تعالى-: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ على أنها شفاعة في تخفيف العذاب لا إخراجه من النار. ... 6-
فوائد في العقيدة 14
الشرك الأصغر أكبر من الكبائر -كبائر المعاصي التي دون الشرك- لأن الشرك يتعلق بالقلوب وصرفها عن الله، بخلاف المعاصي والكبائر -التي دون الشرك- فإن سببها الهوى وطاعة الشيطان، أما الشرك الأكبر فهو أكبر الكبائر.(1/45)
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هذا لفظ عام لا تخصيص فيه، بل هو عام لكل ما يدخل في مسمى الشيء، فأما الممتنع لذاته -المستحيل- فليس بشيء باتفاق العقلاء وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده، فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم، مثل أن يقول القائل هل يقدر الله أن يعدم نفسه، أو يخلق مثله؟ فإن القدرة تستلزم وجود القادر وعدمه ينافي وجوده، فكأنه قيل هل يكون موجودا معدوما؟ وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له، وليس بشيء أصلا، وكذلك وجود مثله وخلق مثله، يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما، فإن مثل لشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما.
العالم ليس له إلا جهتان العلو والسفل، والأرض ليس لها إلا جهتان العلو والسفل، والله -تعالى- مباين للعالم من جميع جهاته؛ لأن جميع جهاته هي العلو والسفل، أما الجهات الست فهي جهات نسبية للآدمي أو الحيوان أو للمخلوق المتحرك.
الخلاصة العالم ليس له إلا جهتان وهي العلو والسفل، فأما العلو فإنه مختص بالله -تعالى- وأما أسفل سافلين فذلك سجين، وهو المركز الذي لا يسع إلا الجوهر الفرد.
وكل قائم بنفسه يصح أن يكون مباينا عنه بجميع جهاته؛ لأن كل ما سواه يصح أن يكون فوقه، والله -تعالى- مباين للعالم من جميع جهاته؛ لأن جميع جهاته هي العلو ليس له جهة أخرى.
من قال لا إله إلا الله ثم مات في الحال فما حكمه؟
الجواب:
1- ... إن قالها بعد بلوغ الروح الحلقوم فإنها لا تنفعه، مثل فرعون
2- ... وإن قالها قبل بلوغ الروح الحلقوم غير مصدق ولا مؤمن ولا موحد فإنها لا تنفعه.(1/46)
3- ... وإن قالها قبل بلوغ الروح الحلقوم مصدقا مؤمنا موحدا فإنها نفعه؛ أي إذا كان لا يقولها في كفره، فإن كان يقولها في كفره فإنها لا تنفعه حتى يؤمن أو يقر أو يتوب من المكفر الذي كفر به، كإقراره بما جحده من أصول الإيمان أو النبوة أو القدر، أو يتوب من دعاء غير الله أو الذبح لغير الله أو استباحة لمحرم أو عدم الاعتراف بواجب معلوم من الدين بالضرورة.
4- ... ومن قالها تائبا من الشرك ومن جميع المعاصي فإنه يدخل الجنة من أول وهلة، وهو مثل حديث صاحب البطاقة الذي رجحت على سيئاته التسعة وتسعين سجلا.
5- ... وإن قالها تائبا من الشرك ومصرا على المعاصي التي دون الشرك غير تائب منها فهو تحت مشيئة الله، كما قال -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .
قال العلماء كابن عباس وعكرمة وأحمد وغيرهم: الصورة هي الرأس فإذا قطع الرأس لم يبق صورة، ولهذا قال ابن عباس لمن استفتاه إن كنت مصورا فصور الشجر وما لا روح فيه كما في البخاري وفي حديث علي أن لا أدع تمثالا إلا طمسته..
لا ريب أن كل موجودين فلا بد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وإن كان أحدهما أكمل فيه من الأخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلا ولا يشتركان فيه لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين تفهمونها.
الموجودان في الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في نفسه ووجوده وماهيته، بل كل منهما مختص بذلك بائن بذاته، لكن يشبه أحدهما الآخر في المعنى الكلي وهو بعينه لا يوجد في الخارج مجردا عنها.
يقال في الاسم العام الذي يجب الاشتراك قيه الموجود ينقسم إلى واجب وممكن، والحي ينقسم إلى واجب وممكن إذا مورد التقسيم مشترك بين الأقسام.(1/47)
ويقال في المطلق -الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه- وإن لم يوجب الاشتراك الموجود قد يكون واجبا، وقد يكون ممكنا؛ إذ الموجود يقال للواجب والممكن.
القول بأن الأدلة اللفظية (النطقية) لا تكون قطعية ولا تقيد اليقين في غاية السفسطة وجحد الحقائق، ولا يعرف عن طائفة من طوائف بني آدم لا من المسلمين ولا من غيرهم، ولا من عالم معروف، وإنما الذي يقوله بعض الناس هو القدح في بعض الأدلة اللفظية والسمعية كما يقدحون في بعض الأدلة العقلية، أما القدح في الجنس فهذا لا يعرف في جنس المتكلمين عن طائفة من الآدميين.
الرازي كثير السفسطة والتشكيك فهو من أعظم المتكلمين سفسطة وتشكيكا، لا يعرف في جنس المتكلمين من هو أعظم تقريرا للشكوك والشبهات الباطلة وأضعف جوابا عنها منه، وتقريره لما يقدح في جنس الأدلة القولية النطقية الدالة على مراد المتكلم هو من هذا الباب.
فوائد في العقيدة 15
العبادة: هي الخضوع والذل بفعل المأمور وترك المحظور.
هل كل ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مقبول؟ الجواب: يقبل منه ما وافق الحق والأدلة ورد ما خالف ذلك، وكذلك غيره من العلماء كل منهم يتكلم بما فهمه من النصوص، والميزان هو النصوص.
الانتهاء إلى فاعل لا فاعل له مما يعلم بالفطرة والضرورة العقلية، كما يعلم بالفطرة والضرورة العقلية امتناع حدوث فعل بلا فاعل، وكما قالوه في امتناع موجود لا داخل العالم ولا خارجه.... فالفطرة الضرورية تعلم امتناع أن يكون لكل فاعل فاعلا، وامتناع أن يكون الفعل بلا فاعل، وأن يكون الفاعل لا داخل المفعول القائم بنفسه ولا خارجة.(1/48)
الرب -سبحانه وتعالى- له ماهية ومائية وحقيقة وقدر لكن لا يعلمها إلا هو وله كيفية لا يعلمها إلا هو، وله صفة وصفات لا يعلم كيفيتها إلا هو هذا هو الصواب والحق الذي تدل عليه العقول والفطرة السليمة والنصوص الصريحة، وقال بعض المعتزلة الرب لا مائية ولا ماهية له ولا كيفية، وقال بعضهم له ماهية ونفى القدر وهذا فيه متناقضان، أحدهما ينقض الأخر، وقال بعضهم له ماهية، لكن لا كيفية له، هذه كلها أقوال باطلة والصواب القول الأول أن الرب له حقيقة وله ماهية ومائية وله قدر وله كيفية، لكن لا يعلمها إلا الله وله صفات لا يعلم كيفيتها إلا الله.
حكم شيخ الإسلام على ابن رشد الحفيد بأنه يرى رأي الفلاسفة المنكرين للرب والمعاد.
فوائد في العقيدة 16
الدور نوعان:
دور العلل وهو الدور السبقي القبلي، وهذا ممتنع وهو أن يكون أحد الشيئين لا يكون إلا بالآخر فيكون وجود أحدهما متوقفا على وجود الآخر. ... 1-
دور الشروط وهو الدور المعي الاقتراني وهذا جائز وهو أن يكون أحد الشيئين مع الآخر مقارنا له، فالأول أحد الشيئين علة في الآخر فهو ممتنع، والثاني أحد الشيئين شرط في الآخر فهو جائز. ... 2-
الغزالي أصله الفاسد الذي جعل الشريعة فرعا عليه، هو أن الكشف يحصل منه نور يقيني يفيد اليقين ثم ينظر بعده في الشريعة وفيما جاءت به الأنبياء، لكنه تاب في آخر عمره، وأكثر من قراءة صحيح البخاري .
قول العامة: تباركوا بالنواصي والبقع غلط من جهتين:
أن تبارك لا تقال إلا في حق الرب فهي من أفعال الرب فهو المتبارك -سبحانه وتعالى- وعبده المبارك. ... 1-
أنه لو قيل: إن معناها اطلبوا البركة من النواصي والبقع، فهذا لا يجوز لأن البركة إنما تطلب من الله، ولكن يقال هذه الناصية أو هذه البقعة فيها بركة، أو جعل الله فيها بركة إذا كان فيها أو وجد فيها ما يدل على ذلك. ... 2-(1/49)
والخلاصة: أن هذه العبارة لا تجوز، وإن كان القائل سليم المعتقد والفطرة، لكن التلفظ بها لا يجوز.
ومثلها قول العامة ما هنا تبارك، فهي غلط؛ لأن تبارك من صفات الله -تعالى- ومثلها قول العامة لمن زارهم، تباركت علينا، أو زرنا تبارك علينا أو يقول أحدهم وهو يسوق الحمار أو الدابة جعلك تبارك كلها ممنوعة.
ما يستدل به الرازي أن الجسم فيه انقسام وتركيب وكثرة، وأنه ليس بواحد، من أفسد الحجج، فإنه قد بنى على هذا الأصل الفاسد كثيرا من تجهمه وتعطيله الذي جحد فيه حقيقة الأسماء والصفات للرب، وما هو عليه في ذاته سبحانه وتعالى.
الدليل العقلي الذي ذكره الرازي على امتناع أن يكون شيء من الأجسام واحدا، أو على امتناع أن يكون شيء من الموجودات واحدا، خلاف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين بل وإجماع العقلاء، قال الله -تعالى-: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وقال -تعالى-: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ثم إن هذه الحجة تستلزم أن لا يكون الله واحدا، ولا يكون الجوهر الفرد واحدا إلا به، فهذه الحجة تستلزم هذا الكفر.
مسألة "علم العدد"، أن الواحد نصف الاثنين، من أشهر الأمور عند العامة والخاصة، ومن أعرف الأمور عند بني آدم وهو من أوائل العلوم البديهية الحسية.
فوائد في العقيدة 17
مسألة الجوهر الفرد، بنى كثير من أهل الكلام والفلسفة عليه دينهم، فبنوا عليه معتقدهم في الرب والمعاد، والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ ولأهل الكلام في قولان:
قيل بوجوده. ... 1-
وقيل لا وجود له، وأنه ليس هناك شيء لا يتجزأ، وهذا هو الصواب. ... 2-
والرازي متناقض في ذلك، فله قولان متناقضان، والصواب أن كل شيء يتحلل حتى يكون ماء أو هواء.
الألفاظ الاصطلاحية مثل: الجسم والجوهر والمتحيز والعرض والمركب -التي استدل بها أهل الكلام على حدوث العالم وإثبات الصانع والإخبار بها نفيا وإثباتا؛ لا يعرف عن أحد من السلف.(1/50)
الطريقة التي يعتمدها المعتزلة ومن تبعهم الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأجسام واستدلوا بحدوث الأعراض في بعضها.
كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر، سواء اعتقد كذبه أو استكبر عن الإيمان به، أو أعرض عنه اتباعا لما يهواه، أو ارتاب فيما جاء به، فكل مكذب بما جاء به فهو كافر، وقد يكون كافر من لا يكذب به إذا لم يؤمن به.
محبة الكافر محبة دينية ردة عن الإسلام؛ لأنه تول لهم، وكذا نصرتهم ومعاونتهم ومظاهرتهم على المسلمين، أما محبتهم محبة طبيعية فلا بأس بها، أما الموالاة: فهي مصادقتهم ومعاشرتهم واتخاذهم جلساء وأصحاب، وهي كبيرة من الكبائر.
من حكم بغير ما أنزل الله مستحلا له فقد كفر وخرج من الملة ولو قال الحكم بما أنزل الله أفضل وأحسن، أما إذا لم يستحله فيكون كفره أصغر لا يخرج من الملة، ولو تكرر منه وكثر طاعة للهوى والشيطان..
المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه والردة تكون بالقول وبالفعل وبالعقيدة أو الاعتقاد وبالشك، أما القول كأن يسب الله أو الرسول أو الدين أو ما أشبه ذلك، وأما بالفعل مثل السجود للصنم أو للنجم، أو الجلوس على المصحف إهانة له أو تلطيخه بالنجاسة، وأما العقيدة كأن يعتقد أن الصلاة أو الزكاة أو الحج غير واجب، أو أن الزنا أو الربا أو الخمور حلال، ومثال الشك: أن يشك في البعث أو الجنة أو النار، أو يشك في صدق الرسول أو يشك في وجود الله أو استحقاقه للعباد.
فوائد في العقيدة 18
من نواقض الإسلام من لم يكفر الكافر إذا عرف كفره بالدليل، وأدلة هذا الناقض كثيرة، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه ومنها قوله -تعالى-: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ؛ أي يكفر بعبادة غير الله وبكل معبود غير الله؛ أي يتبرأ منه ويكفر به وينكره، والطاغوت كل ما عبد من دون الله وهو راض.(1/51)
قول بعض العامة أنا داخل عليك وعلى أبوك في قبره، هذا شرك، أما إذا قال: أنا داخل عليك وهو حي قادر فلا بأس؛ لأن هذه إجارة من حي قادر، قال الله -تعالى-: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ .
الحكم بالعدل بين طوائف أهل القبلة: من حكم الشريعة إعطاء كل ذي حق حقه، كما جاء في السنن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أمرنا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم، وأن من كان منهم أقرب إلى الحق والسنة عرفت مرتبته، ووجب تقديمه في ذلك الأمر على ما كان أبعد على الحق والسنة قال -تعالى- عن نبيه: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ وقال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وقال في حق أهل الكتاب: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ فكيف الحال بين طوائف أهل القبلة؟ بل الحكم بين من فيه فجور ومن فيه بدعة بالعدل، ووضعهم مراتبهم، وترجيح من هذا الوجه الذي هو فيه أعظم موافقة للشريعة والحق أمر واجب، ومن عدل عن ذلك ضانا أنه ينبغي الإعراض عن الجميع بالكلية فهو جاهل ظالم، وقد يكون أعظم بدعة وفجور من بعضهم.
حكم ما إذا قال الحي للميت: يا فلان ادعوا الله لي، هذا شرك أكبر؛ لأنه دعاء للميت وطلب الشفاعة منه، كما لو قال يا فلان اشفع لي، فهو دعاء لغير الله فهو شرك أكبر.
حكم التطعيم قبل وقوع المرض جائز كالتطعيم عن الحمى الشوكية والكوليرا، والدليل على الجواز أدلة منها:
ما ثبت في صحيح مسلم عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يصبه في ذلك اليوم سم ولا سحر فهذا توّقٍ للمرض قبل نزوله، فهو من فعل الأسباب الجائزة.(1/52)
ومنها ما أجمع عليه الناس من الأكل والشرب ليتقي شر الجوع والعطش، ولبس الثياب الصفيقة وثياب الصوف ليتقي فيها شر البرد، ولبس المجاهد للدرع وأخذه السلاح ليتقي به شر الأعداء؛ فهذا اتقاء للمرض قبل وقوعه، وقد اتفق عليه جميع الخلق.
الجسم ونحوه لم يرد نفيا ولا إثباتا في حق الرب -سبحانه- فإطلاقه على الرب فيه محذوران:
أنه لم يرد في النصوص لا نفيا ولا إثباتا. ... 1-
يلزم من إطلاقه لوازم باطلة لا تليق بالله تعالى. ... 2-
العبادة متضمنة لقصد المعبود وإرادته، والقصد والإرادة مستلزم لمعرفته والعلم به، فلما قالت الجهمية نعبد من يدبر أمر هذا الخلق، ثم قالوا هو مجهول لا يعرف بصفة، تبين للمسلمين أنهم لا يثبتون شيئا يعبدونه وإنما هم منافقون.
نفي التشبيه عن الله من كل وجه هو التعطيل والجحود لرب العالمين -كما عليه المسلمون متفقون- كما أن إثبات التشبيه مطلقا هو جعل الأنداد لرب العالمين.
المنازع للرازي يقول: الرب -سبحانه وتعالى- واجب في نفسه ولا أسلم أن يكون الرب مركبا، وإن تميز في الحس أو العلم منه شيء عن شيء، أو بقي منه شيء في جوانبه الستة، فلا أسلم في أن يكون مركبا من الأجزاء بل هو واجب في نفسه.
ويقال للرازي هذا بعينه يرد عليك في جميع ما أثبته من الصفات كالحياة والعلم والقدرة والإرادة، وغيرها مما تثبته الأشاعرة فإن نفاة الصفات (المعتزلة) قد أوردوا على الرازي هذه الشبهة التي أوردها الرازي في نفي علو الرب وكونه فوق العرش؛ فقالوا في حجتهم: إن ذات الله لو كانت موصوفة بصفات قائمة بها لكانت حقيقية الإلهية مركبة من تلك الذات ومن تلك الصفات، ولو كان كذلك لكانت ممكنة؛ لأن كل حقيقة مركبة فهي محتاجة لأجزائها، وكل واحد من أجزائها غيرها، فإذن كل حقيقة مركبة فهي محتاجة إلى غيرها، وذلك في حق الله -تعالى- محال، فإذن يستحيل اتصاف ذاته بالصفات.(1/53)
قال الرازي في الجواب: قوله: يلزم من إثبات الصفات وقوع الكثرة في الحقيقة الإلهية، فتكون تلك الحقيقة ممكنة: قلنا إن عنيتم به توقف الصفات في ثبوتها على تلك الذات المخصوصة احتياج تلك الحقيقة إلى سبب خارجي فلا يلزم؛ لاحتمال استناد تلك الصفات إلى الذات الواجبة لذاتها، وإن عنيتم بها توقف الصفات في ثبوتها على تلك الذات المخصوصة فذلك مما نلتزمه.
وهذا الجواب يقال نظيره للرازي من قبل مثبتي العلو ردا عليه في زعمه أن الرب لو كان فوق العرش لكان مركبا مؤلفا مفتقرا إلى غيره، فيقال له: إن عنيتم بكونه مؤلفا مفتقرا إلى غيره افتقاره إلى سبب خارجي فلا يلزم؛ لاحتمال أن تكون الذات بما هي عليه من الصفة والقدر واجبة لذاتها، وإن عنيت أن تلك الذات لا يمكن وجودها أو لا يعقل وجودها إلا على هذا الوجه فهذا مما نلتزمه.
ليس لأحد أن يشرع دينا لم يأذن به الله، ولا تسمية أحد باسم حمد أو ذم إلا بسلطان من الله، ولا يفرق بين ما جمع الله بينه ولا يجمع بين ما فرق الله بينه، ولا يقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولا ينقض عهد الله من بعد ميثاقه , قال -تعالى-: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وقال: إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان وقال: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وقال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الآية.
قال الرازي إن جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لا بد من التأويل لبعض ظواهر القرآن والأخبار ثم ذكر تسعة عشر وجها.
الرد على الرازي ومناقشته:
ادعى الرازي هنا الإجماع على تأويل بعض الظواهر، ومقصوده بذلك أن التأويل مما أجمعوا عليه بالجملة، فمن نفاه مطلقا كان مخالفا للإجماع، ومن أثبته في الجملة كان له حجة.(1/54)
لفظ الظاهر، ينبغي أن يعرف أن الظاهر قد يراد به نفس اللفظ؛ لظهوره للسمع أو لظهور معناه للقلب، وقد يراد به الأمران.
ينبغي أن يعلم أن الظهور والبطون من الأمور النسبية، فقد يظهر لشخص أو لطائفة ما لا يظهر لغيرهم، تارة لأسباب تقترن بالكلام أو المتكلم، وتارة لأسباب تكون عند المستمع، وتارة لأسباب أُخر.
ينبغي أن يعلم أن ظهور المعنى من اللفظ لا يجب أن يكون لمجرد الوضع اللغوي المفرد، بل قد يكون من جهة الحقيقة اللغوية، أو العرفية أو الشرعية، وقد يكون من جهة المجاز الذي اقترن باللفظ من القرائن اللفظية أو الحالية ما جعله هو ظاهر اللفظ عند من يسميه مجازا، وأما من يمنع تسميته مجازا إما في القرآن أو مطلقا فلا يسمون ذلك مجازا.
ينبغي أن يعلم أن وضع اللفظ حال الأفراد قد يخالف وضعه حال التركيب بل غالب الألفاظ كذلك.
إن كثير من الناس يدعي أن ظاهر القرآن والأخبار شيء إما موافق له أو مخالف له ليتأوله، وتكون دعواه باطلة وهذا مقام مهم ضل وذل فيه طوائف، وهم الذين ينفي أهل العلم قولهم، وهؤلاء إما أنهم ضلوا معتقدين أنهم متبعون القرآن، وإما أنهم جعلوا ظاهر القرآن ضلالا لا هدى للناس.
قول القائل - الرازي ومن تبعه- أقرت الطوائف بأنه لا بد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار يقتضي أن إقرار بعض ظواهر القرآن والسنة ضلال باتفاق الأئمة أو الأمة.
فيقال له: أتقول -حيث كان ضلالا غير مراد للمتكلم- أن الله لم يبين ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله، أو أنه لا بد من بيان ذلك بالنصوص.(1/55)
فإن أراد الأول: كان من مضمون كلامه أن من الآيات والأخبار ما ظاهره ضلال أو باطل، إما كفر وإما دون الكفر، وأن الله لم يبين ذلك ولا ذكر المراد الحق، ولا ما ينفي المراد الباطل، وعلى هذا فلا يكون القرآن هدى للناس ولا بيانا للناس، ولا يكون الرسول بلغ البلاغ المبين، ولا يكون الله بين للناس ما يتقون، بل ضلوا بكلامه قبل أن يبين لهم ما يتقون، ولا يكون الناس مأمورين بتدبر القرآن كله، ولا مأمورين باتباعه كله، فإنه إن كان بعض القرآن دلالته باطلة مضلة، ولم يبين في القرآن ما يزيل هذا الضلال الباطل لزم من اتباعه الضلال.
وأما إن قال: ما لم يرد ظاهره فإنه قد بين بخطاب آخر ما يبين المراد أو ينفي الباطل لم ينازعه عامة العلماء في هذا، فإنه بالجمع بين النصين من الآيات والأخبار يكون البيان من الله ورسوله حاصلا وتقوم الحجة على الناس بالرسالة؛ إذ على الناس أن يؤمنوا بالكتاب كله ولا يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، وللإمام أحمد رسالة معروفة في الرد على من تمسك ببعض الظواهر دون ما يفسره -أي الظاهر- من الآيات والأخبار.
قال شيخ الإسلام لم يرد في الكتاب ولا السنة ذكر لفظ حقيقة، وماهية ونحوها في أسماء الله، ولا لفظ (ذات) في الأحاديث الثابتة.
قلت: ورد في قصة إبراهيم -عليه السلام-: كذب ثلاث كذبات في ذات الله، وورد في قصة خبيب عند قتله، وذلك في ذات الإله، وهو في البخاري وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل الشيخ يقصد أن ذات تطلق على الله ويخبر بها عنه، لكنها ليست من أسماء الله، فهي مثل حقيقة وماهية.
أول من أحدث بدعة المولد النبوي رجل يسمى كوكبوري في القرن الخامس أو السادس الهجري. وقيل في عهد الدولة الفاطمية، والقرون الأربعة الأولى لم تعرف منها هذه البدعة.
الشرك ينافي التوحيد والبدع تقدح في التوحيد والمعاصي تنقص ثواب التوحيد.
فوائد في العقيدة 19
التوحيد وأقسامه
القرآن قسمان خبر وإنشاء:(1/56)
أولا: ... فالإنشاء هو الأوامر والنواهي والتكاليف التي كلف الله بها عباده، والخبر قسمان أحدهما الأخبار الماضية والمستقبلة كأخبار الماضين من الأمم السابقة وما حصل لهم من إهلاك بسبب تكذيبهم لأنبيائهم، والأخبار المستقبلة من البعث والنشور والحساب والجزاء والحوض والميزان والصراط والجنة والنار وما أعد الله فيها لأوليائه وأعدائه من الكرامة والإهانة.
وثانيها: ... خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وانفراده بالخلق والتدبير والتصرف والقهر والإعزاز والإذلال، وعظيم حقوقه على عباده من توحيده، وإفراده بالعبادة والطاعة والتحاكم إلى كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو التوحيد.
فالقرآن ثلاثة أقسام:
أ- ... الأوامر والنواهي والتكاليف والأحكام.
ب- ... الأخبار الماضية من الأمم الماضية والمستقبلة، كأشراط الساعة وما يكون في آخر الزمان، وأخبار يوم القيامة والجنة والنار.
ج- ... خبر عن الله وأسمائه وصفاته وعظيم حقه وطاعته وانفراده بالخلق والتدبير، وهذا القسم هو أشرفها وأهمها وأوجبها وأكدها وأعظمها؛ إذ هو أساس الملة والدين والأصل الذي تنبني عليه الأعمال، وهذا هو التوحيد، وهو ثلاثة أنواع:
1-
توحيد الله -تعالى- بالخلق والرزق والتدبير والتصرف والإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال، وهذا هو توحيد الله بأفعاله وهو توحيد الربوبية.
2-
توحيد الله بإثبات أسمائه وصفاته التي وردت بالكتاب والسنة، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات.
3-
توحيد الله بأفعال العباد من الدعاء والنذر والاستعاذة والذبح والرجاء والخوف والركوع والسجود، وهذا أهمها وأعظمها وهو الذي وقعت فيه الخصومة بين الأنبياء وأممهم؛ إذ أن الواجب على الإنسان شيئان:
إخلاص العمل لله بأن يكون العمل لله خالصًا، وأن يكون العبد مخلصا، فلا يكون عابدا لله وغيره، ولا بد أن يكون العمل على الطريقة الشرعية التي جاء بها الإسلام؛ أي صوابا على شريعة الله.(1/57)
وهذا التوحيد بأنواعه الثلاثة هو الإسلام الذي اتفق عليه الأنبياء، وجاءت به الرسل كلهم، ولا يقبل الله من أحد دينا سواه، كما قال الله -تعالى-: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وقال -تعالى-: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ وقال -سبحانه-: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقال -عز وجل-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ والطاغوت كل من عُبد من دون الله وهو راض، أما الأنبياء والملائكة فليسوا بطواغيت؛ لأنهم لم يرضوا بعبادتهم بل أنكروا ذلك، كما قال الله -تعالى- عن الملائكة: قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ وقال عن المسيح -عليه السلام-: قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ .
والعبادة: هي الخضوع والطاعة بفعل الأوامر واجتناب النواهي، أو بعبارة أخرى: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالإسلام دين الأنبياء جميعا لأن أصوله واحدة وهو التوحيد بإفراد الله بالخلق والملك والتدبير والعبادة والطاعة وإثبات أسمائه وصفاته.
كما قال الله -تعالى- عن نوح إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وقال عن إبراهيم إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وقال عن بلقيس وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .(1/58)
وأما الشرائع -الفروع والتكاليف من الأوامر والنواهي- فإنها تختلف باختلاف أحوال الأمم وأزمانها، وكان الأنبياء كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، فشريعة التوراة كانت أحكامها فيها شدة بسبب تعنت بني إسرائيل على أنبيائهم وعنادهم وعتوهم وكفرهم وعصيانهم، ثم جاءت شريعة الإنجيل فيها تخفيف وتحليل لبعض المحرمات ومتممة للتوراة، كما قال -تعالى- عن المسيح وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ثم جاءت شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- شريعة كاملة عامة شاملة لجميع الجن والإنس إلى قيام الساعة صالحة لكل زمان ومكان، كما قال -تعالى-: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال -سبحانه-: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال -عز من قائل-: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وقال -تعالى-: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا .
فوائد في العقيدة 20
حكم تعليق التمائم على الأطفال وغيرهم والأوتار على الدواب.
هذه المسألة اختلف العلماء فيها:
فذهب طائفة من العلماء إلى أن تعليق التمائم والأوتار لا يجوز مطلقا، حتى لو كان فيها قرآن أو أدعية مشروعة وتعوذات مشروعة. ... 1-
وذهبت طائفة إلى جواز تعليق ما فيه قرآن أو أدعية مشروعة وتعوذات مشروعة. ... 2-
والراجح والأولى المنع؛ لأمرين هامين:
أ- ... عموم الأدلة بدون تخصيص، كحديث: إن الرقى والتمائم والتولة شرك ولم يأت في التمائم استثناء كما أتى في الرقى، كما في الحديث: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا .(1/59)
ب- ... ولأن التميمة من القرآن قد يكتب فيها طلاسم أو أسماء شياطين وشركيات فإن إباحة تعليق التمائم من القرآن يفضي إلى تعليق ما فيه شرك، وتعليقها وسيلة إلى امتهانها، فقد لا يتحرز منها فيدخل بها الحمام أو يتلبس بالنجاسة؛ فالأولى سد هذا الباب، فهي شرك أصغر، وقد تكون أكبر إذا اعتقد أنها مؤثرة بنفسها.
أسماؤها: تسمى تمائم وحجب وحروز وأوتار، ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في عضد رجل حلقة قال: ما هذا؟ قال: من الواهنة. قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا .
وأما الرقى فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا والمشروع الرقية بالقراءة على المريض أو بماء يصب على المريض أو يشربه، وأما الكتابة في أوراق بالزعفران وغسله ثم شربه فهذا نقله أبو العباس ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله عن- ابن عباس -رضي الله عنهما- وبعض الصحابة أنهم أجازوه، ولكن الأولى تركه، ولا بد أن يعتقد أن الرقية سبب، والشفاء بيد الله.
وأما كتابة آيات في أواني فلا ينبغي؛ لأنها تمتهن وتكسر ويدخل بها الحمام، ومثله أوراق الجرائد والصحف لا يجوز امتهان ما فيه ذكر الله وآيات من القرآن.
وأما كتابة آيات وتعليقها بالجدار فالأولى تركه، وكذلك ما يرد من الخارج في بعض القطع كتابة آية الكرسي؛ لأن الإنسان قد يتعلق بها من دون الله، وأما إذا وضعها للقراءة لتقرأ لا للتبرك ولا يقع في نفسه شيء من ذلك فلا بأس، لكن الأولى ترك ذلك.
إذا اتخذ في عضده حلقة أو في رجله أو ساعده أو غيرها؛ لأنها تدفع العين والألم؛ كان هذا من الشرك، لكن إن اعتقد أنها سبب ووسيلة كان من الشرك الأصغر، وإن اعتقد أنها تدفع الضّر بنفسها كان من الشرك الأكبر، ومن ذلك حلقة المعدن التي يضعها بعض الناس في يده أو ساعده لدفع ألم الروماتزم فهي من الشرك الأصغر، ولو أمره الطبيب بذلك؛ لأن الطبيب -في هذا الأمر- جاهل جهلا مركبا وكذلك الصيدلي.(1/60)
فوائد في العقيدة 21
السفر إلى بلاد المشركين:
السفر إلى بلاد المشركين على ضربين:
الضرب الأول: السفر للإقامة والسكنى والاستقرار؛ فهذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن الله -تعالى- توعد المسلمين الذين بقوا بمكة لحماية ذراريهم وأموالهم وعاب عليهم، ولم يعذر إلا المستضعفين الذين لا يقدرون على الهجرة، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولما خرجوا في غزوة بدر مع المشركين وقتلهم المسلمون خطئا تحرج المسلمون من قتلهم، فنزل فيهم قول الله -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا .
الضرب الثاني: السفر لحاجة أو ضرورة مدة ثم يعود إلى وطنه لا للسكنى؛ كأن يسافر للتجارة أو للدراسة أو للسياحة أو للعلاج أو للدعوة فهذا يجوز له السفر بشرطين -كما بين ذلك العلماء قديما وحديثا-:
أحدهما: ... أن يأمن الفتنة على دينه.
ثانيهما: ... ثانيهما: أن يقدر على إظهار دينه، وليس إظهار الدين أن يصلي ويصوم فقط، بل مع ذلك أن يقدر على إظهار محاسن الإسلام وأن يعيب دينهم الذي هم عليه والله المستعان، فإن وجد هذان الشرطان جاز له السفر وإلا فلا، وترك السفر هو الأولى والسفر للدراسة لمن هم في سن المراهقة أو قريبين منها لا يجوز، لا سيما مع وجود الجامعات والكليات في بلادنا، وفي كون العلاج ضرورة تبيح السفر نظر، والسفر للدعوة أولى من ترك السفر نظرا إلى الغاية والهدف.(1/61)
تولي المشركين وموالاتهم، الأول ردة والثاني معصية؛ تولي المشركين ومحبتهم ونصرتهم وتأييدهم ومظاهرتهم على المسلمين ومحبة انتصارهم وظهورهم وهذا ردة عن الإسلام، قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ آية 51 المائدة، وأما موالاتهم ومساعدتهم وخدمتهم؛ كأن يبري للكافر قلما أو يصلح له دواة فهذا معصية.
فوائد في العقيدة 22
معاملة الكفار ومخالطتهم والدخول عليهم وإجابة دعوتهم على نوعين:
أن يكون لمصلحة الإسلام والدعوة إليه كالبيع والشراء والمكافأة على المعروف، ومن هذا معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهود حين عقد معهم عقد المساقاة، ومن هذا إجابة دعوة اليهودية التي أهدت له ذراعا مسموما فأكل منه، ومن هذا دخوله على اليهودي في مرض الموت وعرض عليه الإسلام فنظر إلى أبيه فقال أطع أبا القاسم ثم أسلم فقال الحمد لله الذي أنقذه من النار، ومن هذا جواز نكاح المسلم للكتابية؛ لأن الرجل هو السلطان على المرأة وهو المهيمن عليها، وربما أسلمت على يديه؛ ولهذا لما كان لها التأثير على الرجل كره عمر -رضي الله عنه- الزواج بالكتابيات.(1/62)
ومن هذا المكافأة على المعروف والإحسان إلى الأقارب من دون تولي أو محبة ونصرة، قال -تعالى-: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وقال -تعالى- في الأبوين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وكما ورد في أسباب نزول آية الممتحنة أن أسماء -رضي الله عنها- قدمت عليها أمها وهي مشركة، فاستأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبول هديتها والإحسان إليها، فنزلت الآية، والحديث رواه البخاري ومسلم حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ محمد بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ علي أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ؛ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ علي أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ .
ومن هذا المكافأة على المعروف ورد الجميل، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ؛ فهذا محمول على غير الطعام الذي يكافأ به على المعروف.
الثاني: أن يكون على وجه المعاشرة والمصانعة والتودد والتلطف والركون إليهم فهذا لا يجوز ويخشى أن يكون من موالاتهم.
دعوة المسلم للكافر إلى بيته وعزيمته على الطعام لها حالات أربع، ثلاثة جائزة والرابعة ممتنعة:
إن كان لكونه ضيفا. ... 1-
أو لدعوته إلى الله. ... 2-(1/63)
أو خوفا من شره ودرءا وكفا لشره. ... 3-
فهذه الأحوال جائزة، وكذا إذا أكل معه ومعه غيره لأمر عارض أو صدقه وكذا الاجتماع معه في العمل، أما دعوته إلى بيته للتودد والمحبة فهذا لا يجوز، وهو من موالاة الكافرين الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، وكذا معاشرته ومصادقته واتخاذه صديقا، أما توليه ومحبته فهو ردة عن الإسلام -أعاذنا الله من ذلك- كما قال الله -تعالى-: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .
حقائق ثلاث:
العزة والمجد والسؤدد للمسلمين.
أن الكفار مهما اختلفوا -من يهود ونصارى وشيوعيين- فهم عدو للإسلام.
أن أعداء الإسلام في هذا العصر زادوا في الكيد له؛ نظرا لضعف المسلمين.
الاستهزاء بالدين
الاستهزاء والسخرية بالدين كفر، فإن كان ممن يجهله كمن نشأ في بلاد بعيدة فإنه يعرّف فإن أصر كفر، وإن كان ممن مثله لا يجهل فإنه يكفر ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء.
من هم أهل الفترة الذين يمتحنون يوم القيامة؟
قيل هم ما قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشمل العرب في الجاهلية وغيرهم من العجم، ويؤيد هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أبي وأباك في النار ورأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار .
وقيل ليسوا من أهل الفترة وأهل الفترة هم العجم ومن لم تبلغهم الدعوة، وأما العرب في الجاهلية فبلغتهم الدعوة الإبراهيمية والموسوية والعيسوية، ويجاب عن الحديث بأن المراد في الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فيمتحنون كأهل الفترة.
وما من لُبس عليهم من العامة -لبس عليهم الشرك في قالب التوحيد- ولم يعرفوا الحق فقيل: إنهم كأهل الفترة؛ لأنهم لا يعرفون الحق، وقيل ليسوا مثلهم؛ لأنهم عندهم الكتاب والسنة ولا يعذر أحد لوضوحهما لكل أحد، فباستطاعته أن يعرفها وأن يسأل عما أشكل عليه منها.(1/64)
الاستعاذة والاستغاثة والاستعانة إذا كانت بميت أو حي فيما لا يقدر عليه إلا الله فهي شرك بالله -عز وجل- وتجوز الاستعانة بالحي القادر؛ كأن تقول أعني على بناء أو على المزرعة، وتقول أغثني من هذا الظالم، أو من هذا العدو، أو أنقذني من الغرق، وتقول أعذني من ولدك، قال -تعالى-: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ ودلالة النصوص على أن الاستعاذة عبادة قال -تعالى-: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقال -سبحانه-: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وقال -عز من قائل عليما-: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فإذا صرف لغير الله كان شركا أكبر؛ ولهذا بوب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد (باب من الشرك الاستعاذة بغير الله)؛ أي الشرك الأكبر، عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ تباعا + للهاء (وكلمات الله) تجوز أن يراد بها الدينية أو الكونية.
وكذلك النذر عبادة يجب صرفه لله فإذا صرف لغير الله، كالذين ينذرون للقبور والطواغيت وغيرها، كان شركا أكبر.
والنذر في اللغة الإيجاب، وشرعا: إيجاب المكلف على نفسه شيئا غير واجب في أصل الشرع.
وابتداؤه مكروه؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إياكم والنذر، فإنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل وفى رواية لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله .(1/65)
فابتداؤه مكروه؛ فإذا نذر فيجب أن يكون لله وأن يكون طاعة، فإن كان ما نذره جنسه واجب بأصل الشرع كالصلاة والصيام والحج فهذا يجب الوفاء به باتفاق العلماء، وأما إن كان جنسه مشروعا وليس واجبا بأصل الشرع كالاعتكاف وصلاة الضحى فهذا يجب الوفاء به على أصح قولي العلماء، وأما إذا نذر مباحا؛ كأن ينذر أن لا يأكل اللحم أو لا يدخل بيت فلان، فهذا يباح له الوفاء به، والأولى أن لا يفي به ويكفر كفارة يمين، وكذلك إذا نذر نذر معصية كشرب الدخان فإنه يكفر كفارة يمين.
فوائد في العقيدة 23
الدين والإسلام، والإيمان عند الإطلاق واحد، وهو مذهب البخاري ؛ ولهذا أدخل في ترجمة الإيمان أبواب الإسلام والدين، وبوب: باب من وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما أصل المحبة لله ورسوله واجبة فمن لم يحب الله ورسوله فهو كافر، وكمالها أن يكون أحب إليه مما سواهما، وفى هذا الحديث تثنية الضمير؛ لأن محبة الرسول من محبة الله وهى تابعة لها.
والعبادة: هي فعل الأوامر وترك النواهي، وبعبارة أخرى هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ وسميت عبادة لأنها تؤدى بتذلل وخضوع، يقال طريق معبد أي مذلل وطئته الأقدام، وبعير مذلل أي منقاد.
أو يقال: هي كمال الحب مع كمال الذل والتعظيم.
أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى -عليه السلام- كلهم ملزمون بالتوراة والعمل بها، حتى عيسى -عليه السلام- فهو يعمل بالتوراة إلا ما جاء التخفيف فيه في الإنجيل، فالإنجيل زيادة على أحكام التوراة.
ينبغي مراسلة رؤساء الدول من الكفرة والظلمة والفساق، والقول بأنه الغالب على الظن عدم انتفاعهم فلا حاجة إلى المراسلة قول ضعيف؛ لأمرين:
أن الإنسان لا ييأس من هدايتهم. ... 1-
إبراء للذمة، كما قال الله -تعالى-: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . ... 2-(1/66)
تكفير المعين الذي فعل الكفر أو تكلم بكلمة الكفر له شروط، وهي:
- ... أن يكون بالغا.
- ... أن يكون عاقلا.
- ... أن يكون مختارا لا مكرها.
- ... أن يكون عالما لا جاهلا، وهذا في الأمور الدقيقة الخفية، أما الأمور الواضحة والقطعية فلا يعذر فيها بالجهل، وهذا مذهب الإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب بأن تبلغه الحجة وتقوم عليه الحجة ولا يشترط أن يفهم الحجة؛ لقوله -تعالى-: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وقوله -تعالى-: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وقوله -تعالى-: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا .
فلم يعذرهم الله بعدم فهمهم للحجة بعد قيام الحجة عليهم وبلوغها إياهم، وذلك أن الله أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب فبلغوهم دين الله ووجوب التوحيد وتحريم الشرك - وهذا في غير الأمور القطعية، أما الأمور القطعية الواضحة فلا يعذر فيها بالجهل، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
- ... ألا يكون متأولا تأويلا يعذر فيه.
- ... أن يكون قاصدا لا مخطئا.
- ... أن يعلم من الكتاب أو السنة أن هذا القول أو الفعل كفر.
- ... أن يعلم من الكتاب أو السنة أن هذا الكفر مخرج من الملة.(1/67)
- ... أن يعلم أن هذا المعين الذي فعل الكفر أو تكلم بالكفر يكفر بذلك ويتبين هذا بثلاثة أمثلة:
قوله -تعالى-: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ؛ فالمكره على الكفر لا يكفر بفعل الكفر أو قول الكفر إذا كان قلبه مطمئن بالإيمان.
ما ثبت في الصحيحين من حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ؛ فهذا تكلم بكلمة الكفر ولم يكفر لأنه مخطئ غير قاصد للكفر.(1/68)
ما ثبت في الصحيحين أيضا من حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّ رَجُلًا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَاشَهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا فَقَالَ لِوَلَدِهِ لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَوْ لَأُوَلِّيَنَّ مِيرَاثِي غَيْرَكُمْ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ اسْحَقُونِي وَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ فَإِنِّي لَمْ أَبْتَهِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ علي أَنْ يُعَذِّبَنِي قَالَ فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ وَرَبِّي فَقَالَ اللَّهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ فَقَالَ مَخَافَتُكَ قَالَ فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا ؛ فهذا الرجل شك في قدرة الله على البعث وهو كفر، ومع ذلك لم يكفر لأمرين:
1-
أن الذي أنكره من الأمور الدقيقة الخفية، فهذا لم ينكر قدرة الله على البعث، وإنما أنكر كمال تفاصيل قدرة الله على بعثه في حالة إحراقه وذره في الريح.
2-
أنه فعل ذلك -أي الشك أو الجحود لقدرة الله- عن جهل لا عن جحود عناد ولا عن جحود تكذيب، فلو كان الذي أنكره من الأمور الواضحة القطعية لكفر، وكذا لو كان إنكاره عن عناد أو تكذيب لكفر.
فوائد في العقيدة 24
التكفير والتفسيق والتبديع أحكام شرعية، فأحكامها تؤخذ من الشرع، وليس لأحد أن يكفر أحدا أو يفسقه أو يبدعه أو يضلله إلا بدليل.(1/69)
ولا يكفر الإنسان إذا فعل أو قال مكفرا إلا بعد العلم وقيام الحجة، وهذا هو اللائق برحمة الله والموافق لحكمته، ومن الأدلة على ذلك قول الله -تعالى-: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقوله -تعالى-: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ وقوله -تعالى-: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ولم يقل - حتى يتبين - فدل على أن قيام الحجة غير فهم الحجة، والآيات في هذا كثيرة وأحسن من تكلم في هذه المسألة قيام الحجة والعذر بالجهل، هو شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى وغيرها.
الكفر يدور على شيئين:
تكذيب الخبر. ... 1-
استكبار عن الطلب، بأن يستكبر عن طلب الأمر فلا يفعله أو يستكبر عن طلب الكف عن الشيء فيفعله. ... 2-
ومن التكذيب بالخبر، إنكار وجود الله بالكلية، فلا يصدق بوجوده أو إنكار أسمائه أو صفاته أو أفعاله.(1/70)
ومن الاستكبار عن الطلب أن يجعل لله أندادا، كقوله -تعالى-: إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا والأنداد جمع ند وهو المثيل في العبادة أو الألوهية أو الربوبية أو الأسماء والصفات؛ فإن جعل الند لله استكبارا عن الطلب فإن الله أمر بتوحيده وإخلاص الدين له، والدين هو العبادة، فالمشرك مستكبر عن طلب الله له بإخلاص العبادة له، وهذا يدل على أن المشركين ما كفروا بوجوده، ولكنهم كفروا بحقوقه.
متى يكون البلد بلد إسلام أو بلد كفر؟
الجواب: إذا كان الإسلام فيها ظاهرا فهي بلد إسلام، أما إذا كان الكفر فيه ظاهرا فهي بلد كفر، وممن نص على ذلك شيخ الإسلام وليس تحكيم الشريعة علامة، بل قد تحكم الشريعة والكفر ظاهر.
الحلف بالطلاق هو ما يكون القسم فيه بواحد من حروف القسم، وهي (الواو - والباء - والتاء - والهمزة ونحوها)؛ كأن يقول: بالطلاق أو والطلاق لأفعلن كذا، هذا لا يجوز وهو محرم من المحرمات الشركية؛ لأنه حلف بغير الله، أما إذا قال: علي الطلاق لأفعلن كذا فهذا ليس حلفا، ولكنه يجري مجرى اليمين عند شيخ الإسلام ونحوه مما يكون فيه حث على الفعل أو الترك أو التصديق أو التكذيب، فيكفر كفارة يمين، وعند الجمهور يقع عليه الطلاق مطلقا قصد الحث أم لا، وهو ليس قسما وليس محرما، لكنه يجري مجرى اليمين إن قصد به الحث على الفعل أو الترك عند شيخ الإسلام ويفتي به مشائخنا.
ذبيحة المتباريان مما أهل لغير الله به، والمتباريان هما المتفاخران المتباهيان اللذان يذبحان ذبائح كثيرة لا لله بل للمباهاة والمفاخرة؛ لقصة الذين ذبحوا على الماء إبلا كثيرة وتركوها؛ لأنها مما أهل به لغير الله؛ لأن العبرة بالقصد ولو سمى الله -تعالى- ومثله الذي يذبح عند قدوم السلطان، فإنه ذبح تعظيما للسلطان، لا لله فهو مما أهل به لغير الله، لذا كانت الفتوى عدم أكله؛ لأنه ميتة أهل به لغير الله.(1/71)
مسألة التبرك بالكعبة وغيرها إن اعتقد أن الله جعل فيها بركة، فهذا بدعة، وإن اعتقد أن البركة من ذات الكعبة، وأن البركة ذاتية فهذا شرك أكبر في الربوبية؛ والدليل أن الصحابة لما خرجوا إلى حنين وكانوا حدثاء عهد بشرك -كما في حديث أبي واقد الليثي - ومروا بالمشركين ولهم سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم تسمى ذات أنواط، فقال لهم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ووجه الدلالة أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- َجعل مقالتهم كمقالة بني إسرائيل، والجامع بين المقالتين أن كلا منهما طلب أن يفعل الشرك الأكبر؛ لأن العبرة بالمعاني والحقائق، لكن الصحابة لم يفعلوا الشرك لما زجرهم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- َولو فعلوا لوقعوا في الشرك.
العمل جزء من الإيمان، فالإيمان قول وعمل واعتقاد، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، وهو الذي ذهب إليه جمهور أهل السنة، خلافا لما ذهب إليه المرجئة من الفقهاء الذين يرون أن العمل من ثمرات الإيمان أو من مستلزمات الإيمان أو من دلالات الإيمان. [وخلافا للمرجئة المحضة من الجهمية والكرامية والماتريدية ]، فإنه يلزم عليه أمورا عظيمة، ولوازم فاسدة، مثل من ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج، يكون مؤمنا مع أن ترك الصلاة كفر، ومثل من لم يرج الله ويخافه فإنه كافر مع أنه ترك أعمال القلوب، فيلزم على مذهب المرجئة أن يكون مؤمنا، وكذا من سب الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم.
فوائد في العقيدة 25
سب الصحابة كلهم كفر وردة نسأل الله العافية، وهذا بالإجماع، أما سب الواحد والاثنين فلا يكفر ولكن يفسق.(1/72)
أصل محبة الله ورسوله شرط في الإيمان، فمن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن، وكون محبة الله ورسوله فوق محبة النفس وجميع الناس من كمال الإيمان الواجب، كما قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: حتى أكون أحب إليك من نفسك ثم قال: الآن يا عمر ؛ أي الآن بلغت كمال المحبة الواجبة، ومن كانت محبة الله مساوية لمحبة أهله أو دونها فلا يكون كافرا بل يكون عاصيا؛ لأنه لم يأت بالإيمان الواجب،، ولا يكون كافرا حتى يحبه محبة العبادة التي تقتضي وقوع الشرك من دعائه أو الذبح له أو النذر له، وقوله -تعالى-: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ؛ أي محبة العبادة بدليل أول الآية: مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا .
محبة العبادة هي المحبة التي تقتضي الذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة، وإيثار المحبوب على غيره، فهذه إذا صرفت لغير الله كان العبد بها مشركا من الكافرين، وهذه المحبة تقتضي تسوية آلهة المشركين برب العالمين، كما قال الله عنهم في النار تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ .
الكفر يكون: بالاعتقاد وبالشك وبالقول وبالفعل. أما الاعتقاد والشك فأمرهما ظاهر لكونهما يتعلسقان بالقلب، فيشترط فيهما العلم وقيام الحجة، وأما القول والفعل، فلا يشترط فيهما الاعتقاد بل يشترط فيهما شرطان:
- القصد أو العمد.
- العلم وقيام الحجة.
فضد الأول: عدم القصد بأن يكون مخطئا، ومثاله في القول الرجل الذي فقد راحلته، وقال من شدة الفرح - لما وجدها -: اللهم أنت عبدي وأنا ربك قال كلمة الكفر خطئا من شدة الفرح ولم يكن قاصدا ولا عامدا، ومثله من يحكي عن غيره قول الكفر، فإنه لا يكفر لعدم القصد؛ ولهذا يقول العلماء: حكاية قول الكفر ليس بكفر، أو حاكي الكفر لا يكفر.(1/73)
وضد الشرط الثاني الجهل وعدم قيام الحجة، فلا يكفر حتى يعلم وتقوم عليه الحجة، سواء كان في الاعتقاد أو في الشك أو في القول أو في الفعل؛ ودليل ذلك قوله -تعالى-: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ومن الأدلة قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه إذا مات ويذروه في البر والبحر معتقد أن الله لا يقدر على بعثه إذا فعل ذلك، وهذا الرجل لم ينكر قدرة الله على البعث لكن ظن أنه إذا أحرق وذر لا تتعلق به القدرة، ومع ذلك فقد غفر الله له لجهله وعدم تعمده وعناده.
ومثال الكفر من القول عند القصد: الاستهزاء بالله أو برسوله أو بكتابه أو بدينه، ومثاله سب الله أو الرسول أو الكتاب أو الدين، قال الله -تعالى-: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ وقال -تعالى-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا .
ومثال عدم القصد في الفعل: أن يطأ المصحف برجله من غير قصد ولا علم به، بل مشى فوطئ المصحف برجله وهو لا يقصد ولا يعلم به، فإن علم بالمصحف ووطئه برجله قاصدا عامدا كفر بذلك، وكذا لو سجد للصنم قاصدا كفر ولا يشترط في القول أو الفعل اعتقاد القلب، كما تقوله المرجئة بل يشترط القصد وقيام الحجة، بأن يعلم أنه لا يجوز.(1/74)
التوحيد لا يكون إلا بنفي وإثبات، فلا يكون إلا بإيمان وكفر. فالإيمان: هو الإيمان بالله، وهو اعتقاد ربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته، والإتيان بلوازم الإيمان وشروطه وحقوقه. والكفر: هو الكفر بالطاغوت وهو اعتقاد بطلان عبادة غير الله ونفيها وإنكارها والبراءة منها ومن أهلها - قال الله -تعالى-: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، فـ(لا إله): هذا كفر بالطاغوت. و(إلا الله): هذا إيمان بالله.
لا بد في التوحيد من أمور:
- ... اعتقاد معنى كلمة التوحيد
- ... النطق بها والالتزام بحقوقها.
- ... البعد والترك لما يناقضها.
فوائد في العقيدة 26
الأشاعرة فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري ويسمون أنفسهم أهل السنة، لكنهم يسمون أنفسهم أهل السنة في مقابل المعتزلة ولهم أصول باطلة، بل كفرية، ولكن لا يلزم من ذلك تكفيرهم؛ لأن المقالة تدخلها الشبهات والتأويلات والجهل، فليس كل من قال مقالة كفرية يكون كافرا، فالأشاعرة مبتدعة ومن عمل بدعة فإنه قد يكون مخطئا معذورا إذا كان عن اجتهاد، وقد يكون فاسقا، وقد يكون كافرا إذا كانت البدعة مكفرة وقامت عليه الحجة.
والأشاعرة يخالفون أهل السنة في أصول الدين، فهم في باب الصفات لا يثبتون إلا سبع صفات على ما فيها من دخن، ففي صفة الكلام لا يثبتون إلا المعنى النفسي، و ليس بحرف ولا صوت والحروف والأصوات عبارة، وعند الكلابية حكاية، والحرف والأصوات عبارة دالة على المعنى النفسي، وفي باب الإيمان مجرد التصديق، فهم مرجئة في الإيمان، وفي باب القدر يرون أن أفعال العباد كسب لهم، ولا تأثير لقدرة العبد فيها إلا مجرد الاقتران؛ إذ أن من أصولهم في السببية أن الأسباب لا تأثير لها في مسبباتها إلا محض الاقتران.(1/75)
إسناد الخطاب إلى غير الله في شيء من الأمور بياء النداء إذا كان يشتمل على رغبة أو رهبة، فهذا هو الدعاء الذي صرفه لغير الله شرك.....الخ، وأما النداء المجرد الخالي من رغبة ورهبة فليس هو محل النزاع، وإن كان أهل الشبه يروجون به ويغالطون به، وما كان نداء زكريا به مثل نداء الله لموسى . اضغط هنا
قال شيخنا هذا التفصيل الذي ذكره الشيخ إسحاق من أن النداء إذا كان يشتمل على رغبة أو رهبة، فهو الدعاء الذي صرفه لغير الله شرك، وأما النداء الخالي من رغبة ورهبة فليس هو محل النزاع، هذا ليس بوجيه، والأولى أن يقال: إن نداء الميت أو الغائب أو الحي الحاضر غير القادر شرك، وأما نداء الحي الحاضر القادر فليس بشرك؛ لأنه نداء عادي.
سئل الشيخ إسحاق عن الذي أمر أن يذر في البحر إلخ.
فأجاب: الذي أمر أن يذر في البحر خوفا من الله، لم يكن شاكا في القدرة، وإنما ظن أن جمعه بعد ذلك من قبيل المحال الذي ما من شأن القدرة أن تتعلق به، وهذا باب واسع، والله أعلم. اضغط هنا
الإيمان بأصول الإيمان وأركانه الستة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، الإيمان بهذه الأركان الستة إجمالا فرض عين على كل مسلم، أما الإيمان بها تفصيلا فهو فرض كفاية، ثم من علم من التفصيل شيئا وجب عليه الإيمان به بخصوصه، وصار فرضا عليه.
فوائد في العقيدة 27
لا تقوم عبادة الله إلا على أمرين أساسين:
محبة الله. ... 1-
تعظيم الله. ... 2-
فبالمحبة تكون الطاعة طلبا لهذا المحبوب، وبالتعظيم يكون ترك المعصية هيبة وإجلالا؛ ولهذا لا تقوم عبادة الله -تعالى- إلا على هذين الأساسين.
ولا تصح العبادة إلا بشرطين أساسيين وهما:
الإخلاص لله تعالى. ... 1-
المتابعة لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فهنا مبنى (أصل) وهنا مصحح؛ فالمبنى كما تقدم هما المحبة والتعظيم وعليهما أساس العبادة، والمصحح هما الإخلاص والمتابعة الشرعية. ... 2-(1/76)
قال ابن القيم في نونيته:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان
فقيام دين الله بالإخلاص ... والإحسان فهما له أصلان
لم ينج من غضب الإله وناره ... إلا الذي قامت به الأصلان
والناس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
والله لا يرضى بكثرة فعلنا ... لكن بإحسانه مع الإيمان
فالعارفون مرادهم إحسانه ... والجاهلون عموا عن الإحسان
المحبة مع الله شرك، والمحبة في الله، والمحبة لله تابعة لمحبة الله وفرع عنها، والمحبة المبنية على الدنيا فهي منفية، وكما قال بعضهم الحب عذاب إلا من الله فهي راحة وطمأنينة.
العقل الصريح هو السالم من الشهوات والشبهات مأخوذ من الماء أو اللبن، الصريح: أي الخالص من الشوب الذي لم يخلط معه شيء.
والشبهات ناشئة عن الجهل، والشهوات ناشئة عن الهوى مع العلم؛ لأن آفات العقول إما الجهل بالحق، وإما هوى يرد به الحق، وكل الضلالات لا تخرج عن هذا، فالنصارى علتهم الشبهات إلا بعد أن علموا الحق، واليهود علتهم الشهوات.
المعاذ والملاذ، مصدران ميميان من العياذ واللياذ، قال أهل العلم والفرق بينهما: أن اللياذ مما يرجى والعياذ مما يخاف، قال الشاعر يمدح ممدوحا له:
يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره
وهذا الوصف لا يستحقه إلا الله -عز وجل- والغياث من الغوث، وهو إزالة الشدة، ومنه قولنا اللهم أغثنا.(1/77)
عوام المشركين والرافضة والفرس والروم تبع لهم، فالعامة من المشركين تبع لسادتهم وعلمائهم؛ لأن الله لم بعذرهم قال الله -تعالى-: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ وقال -تعالى-: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقوله -تعالى-: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ .(1/78)
والصحابة لما قاتلوا المشركين لم يبقوا عوامهم، وكذلك لما قاتلوا الفرس والروم، قاتلوا علماءهم وعوامهم، فالمشركين الذين يعبدون أصحاب القبور ويذبحون لهم وينذرون لهم لا يعذرون بعد بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونزول القرآن قال الله -تعالى-: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ .
وأما قول الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب "من عبد الصنم الذي على البدوي فإني لا أكفره" إنما قال ذلك في أول الأمر وفي أول الدعوة، ثم تبين له أنهم لا يعذرون وأنهم مشركون.
تأجير الرافضي والإسماعيلي الباطني في جزيرة العرب لا يجوز؛ لأنهما كافران وقد قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب .
فوائد في العقيدة 28
حديث الأطيط اختلف في تضعيفه وتصحيحه، من ضعفه كالذهبي والبيهقي والألباني وابن عساكر وابن كثير قالوا الحديث له علتان:
أحدهما: عنعنة محمد بن إسحاق وهو مدلس.
والثانية: جبير بن محمد بن مطعم فإنه مقبول.
ومن صححه كأبي داود وشيخ الإسلام وابن القيم فلأمور ثلاثة:
أحدهما: الشواهد.
والثانية: تلقي العلماء له بالقبول خالف عن سالف.
والثالثة: رواية العلماء له في دواوين السنة كأحمد وأبي داود وابن خزيمة في كتاب التوحيد، وابن أبي عاصم في كتاب السنة والذهبي في العلو والبيهقي في الأسماء والصفات، وفي كتاب العظمة لأبي الشيخ وغيرهم.
قال شيخ الإسلام لا يحكم بكفر من يتكلم بما هو كفر حتى تقوم عليه الحجة البلاغية.(1/79)
معنى الحديث القدسي: من أتاني يمشي أتيته هرولة ؛ أن الله -تعالى- جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدا من جنس العمل، كما قال في أول الحديث: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وكما في الحديث الآخر: الراحمون يرحمهم الرحمن وقال: لا يرحم الله من لا يرحم الناس وليس في هذا تأويل بل هو ظاهر اللفظ وأن أحد التقديرين من جنس الآخر...إلخ.
فوائد في العقيدة 29
قسم الفقهاء أسماء الله -تعالى- في الأيمان (جمع يمين) إلى ثلاثة أقسام:
مختص بالله لا يجوز أن يسمى به غيره كاسم الله ورب العالمين فهذا نص؛ أي أنه يمين وقسم هو ظاهر في حق الله، لكن يجوز أن يسمى به غيره مع القرينة، فهذا أيضا يمين عند الإطلاق وبالنية، وقد لا يكون يمينا، كالحي والصمد.
وقسم ليس هو ظاهر في حق الله، بل هو مجمل مشترك ويقال له وللمخلوق مثل اسم الموجود ونحوه، فهذا القسم لا يكون يمينا عند الإطلاق، وإن قصد به الله فهل يكون يمينا؟
على قولين مشهورين:
أحدهما: يكون يمينا وهو ظاهر مذهب أحمد .
والثاني: لا يكون يمينا وهو ظاهر مذهب الشافعي .
قول القائل فلان خليفة الله باطل لا يجوز، فإن الله لا يخلفه شيء أصلا، وإنما معنى كون آدم وداود والآدميين خلائف أنهم يخلفون غيرهم من المخلوقات، لا أنهم يخلفون الخالق، كما قال -تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وقال: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ وقال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وسرد نصوص الكتاب والسنة والكلام عليها فليراجع.
قال شيخ الإسلام للناس في حملة العرش قولان:
أحدهما: أن حملة العرش يحملون العرش، ولا يحملون من فوقه.(1/80)
والثاني: أنهم يحملون العرش ومن فوقه كما تقدم حكاية القولين. اهـ.
قلت المراد بالعموم عموم أن الله على كل شيء قدير.
بين شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية أن من أثبت الصفة من هذه الآية: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وأية: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ؛ إنما استنبط بطريقة أخرى غير ظاهر النص، وعلى تقدير أن ظاهر الآية في جنب الله أنه يستنبط منها إثبات جنب واحد لله، فالجنب يطلق على الجوانب كلها، فإنه أعم من أن يكون أحد شقي الشيء.
هل يثبت الساعد لله -تعالى-: قال الرازي في تأسيسه إذا صح الحديث فيحمل على كمال القدرة، ونظيره قوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ اهـ
قال القاضي أبو يعلى في كتابه (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) قال: "اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الساعد صفة لذاته، كما حملنا قوله -تعالى-: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ على ظاهره، وأنها صفة ذات؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته". اهـ
قلت: إذا صح الخبر فكما قال القاضي، وينبغي تخريج الحديث، ولم أجد كلاما لشيخ الإسلام في الساعد.
تأويل الرازي ؛ لحديث: قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن رد شيخ الإسلام عليه، أنه في الجملة من أحاديث الصفات التي نص الأئمة على أنه يمر كما جاء، فقال: يقال له -أي الرازي -: بل هذا من الأخبار التي يقره من يقر نظيره، والنزاع فيه كالنزاع في نظيره، فدعواك أنه لا بد فيه من التأويل بلا حجة تخصه لا يصح. اهـ
قال القاضي أبو يعلى اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره، وأن الحقو والحجزة صفة ذات. اهـ(1/81)
حديث: إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن لم يجد المؤلف - شيخ الإسلام - له ذكرا عن أحمد وإيراد أقوال بعض العلماء في معنى الحديث ص 199 ج-1 وفي ص 213 قال شيخ الإسلام قلت: فهذا كلام القاضي وما ذكره فيه من كلام غيره، وقد بين أنه إنما تأول هذا الخبر؛ لأن في الخبر نفسه ما دل على صحة التأويل، ومثل هذا لا نزاع فيه، فإنه إن كان في الحديث الواحد متصلا به ما يبين معناه، فذلك مثل التخصيص المتصل، ومثل هذا لا يقال فيه أنه خلاف الظاهر، بل ذلك هو الظاهر بلا نزاع بين الناس. اهـ
بين شيخ الإسلام أن الله يتجلى لعباده يوم القيامة، يناجي كل واحد مخليا به، يناجيهم جميعا في وقت واحد، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا كما يرزقهم جميعا في وقت واحد.
الذمة: وصف يكون به المكلف من أهل الإلزام والالتزام.
يجب على ولي الأمر الغزو في كل عام، إلا إن كان في المسلمين ضعف فيهادنهم مدة حتى يقوى المسلمون، ولا يهادنهم أكثر من عشر سنين.
تعطيل يوم الجمعة من العمل فيه مشابهة لليهود والنصارى في تعطيل يوم السبت والأحد.
فوائد في العقيدة 30
الجهل نوعان:
الجهل المطلق وهذا كفر.
نوع جهل، وهذا معصية.
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى قال: ودليل الأول قوله -تعالى-: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ودليل الثاني قوله -تعالى-: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ الآية، فقالوا كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.
الحكم بغير ما أنزل الله له حالتان:
أحدهما: أن يعتقد حل ذلك وجوازه فيكون كفرا أكبرا مخرجا عن الملة وله ثلاث صور.
- ... أن يعتقد أنه أحسن من حكم الله.
- ... أن يعتقد أنه مماثل ومساوٍ لحكم الله.
- ... أن يعتقد أن حكم الله أحسن.(1/82)
الثانية: أن يعتقد عدم حل الحكم بغير ما أنزل وعدم جوازه، لكن حكم بغير ما أنزل الله لهوى الصداقة والقرابة أو عداوة أو رشوة، فله أربع صور:
حكم الصداقة. ... 1-
حكم العداوة. ... 2-
حكم الرشوة. ... 3-
حكم القرابة. ... 4-
من لم يكفر الكافر فهو كافر مثله، لكن شرطه أن يعلم كفره بالدليل، فإن لم يكفره لجهل أو تقليد لا هوى فلا يكفر، ومن أدلة كفر من لم يكفر الكافر:
قوله -تعالى-: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى . ... 1-
قوله: -صلى الله عليه وسلم-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله . ... 2-
ملاحدة الفلاسفة وملاحدة المتكلمين يتفقون في وصف الرب بأنه عاجز محتاج إلى خلقه، وأن العالم محل له؛ فإن ملاحدة الفلاسفة كابن سينا وأمثاله أنكروا تقدم الرب على العالم بالزمان، وقالوا: إن العالم مقارن له في الزمان، فأنكروا أوليته وأسمه الأول، ومن المعلوم أن المقارن محتاج إلى مقارنه أو قرينه، فوصفوه بالعجز والحاجة إلى المخلوقات، وهذا -مع ما فيه من إنكار أوليته- تنقص الرب ووصف له بالعجز والحاجة إلى المخلوق.
وملاحدة المتكلمين من الجهمية والمعتزلة أنكروا تقدم الرب على العالم بالمكان، وأنكروا علوه على خلقه واستوائه على عرشه، وجعلوه حالا في المخلوقات، ومن المعلوم أن الحالّ محتاج إلى المحل، فأنكروا علوه واسمه العلي، ووصفوه بالعجز وهو القوي المتين، ووصفوه بالحاجة إلى المخلوقات وهو الغني الحميد، فهذا -على ما فيه من إنكار علوه على خلقه- تنقص للرب ووصف له بالعجز والحاجة إلى المخلوق.
أما التقدم بالعلة أو بالطبع والشرط أو بالرتبة فهذه الثلاثة أثبتها هؤلاء الملاحدة.(1/83)
الواجب على المسلم أن يخلص عمله لله وأن يكون عمله لله على بصيرة، فيعبد الله على بصيرة وعلم، لا على ظن وتخرص ووهم، فيطلب العلم الشرعي من حلقات العلم والدروس في المساجد وغيرها ومن كتب أهل العلم، وسماع كلامهم من الأشرطة وغيرها؛ حتى يعبد الله ويدعو إلى الله على بصيرة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .
وكذلك يجب عليه أن يكون له قصد صالح ونية صالحة في طلبه للعلم وعمله وعبادته لله -تعالى- ولا يكون متبعا لهواه؛ فهما آفتان:
اتباع الظن في العمل. ... 1-(1/84)
اتباع الهوى في القصد والإرادة، فيفسد العمل بوجودهم أو بوجود أحدهما، قال الله -تعالى- عن المشركين في عبادتهم للات والعزى ومناة وأنهم عبدوها اتباعا للظن والهوى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا وقال -تعالى-: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وقال -تعالى-: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ؛ فالكفار ليس عندهم علم صحيح ولا قصد صحيح، بل يتبعون الظن والهوى، فالواجب الحذر من اتباع الظن بالعلم الصحيح والحذر من اتباع الهوى بالقصد الصحيح. ... 2-
فوائد في العقيدة 31
الفرق بين الطيرة والفأل
الفأل: يستبشر به الإنسان ولا يرده عن حاجته.
الطيرة: ترده عن حاجته، كما في حديث عروة بن عامر عند أبي داود بسند صحيح قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلما .(1/85)
قال ابن القيم أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الفأل من الطيرة لكنه خيرا منها، فأبطل الطيرة لما بينهما من الامتياز والتضاد، ونفع أحدهما ومضرة الآخر، ونظير ذلك منعه من الرقى بالشرك، وإذنه في الرقى ما لم تكن شركا، لما فيها من المنفعة الخالية من المفسدة.
وفي حديث ابن عمر عند أحمد من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ؛ وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع، فإذا رده شيء من ذلك عن حاجته التي عزم عليها كإرادة السفر، فقد دخل في الشرك؛ حيث لم يخلص توكله على الله بالتفاته إلى ما سواه، فيكون للشيطان منه نصيب، ولأحمد من حديث الفضل ابن العباس إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك ويستثنى من الطيرة المحرمة:
المرأة والدار والدابة؛ لحديث البخاري الشؤم في ثلاث: المرأة والدار والدابة وفي رواية: "إن يكن الشؤم ففي ثلاث"، فهذه الثلاث الأعيان قد يجعل الله فيها شؤما، فإذا رأى ذلك استبدلها بغيرها.
هذا حد الطيرة المنهي عنها: أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده، أو يمنعه من المضي فيه كذلك، وأما الفأل الذي كان يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه نوع بشارة، فيسر به العبد ولا يعتمد عليه، بخلاف ما يمضيه أو يرده فإن للقلب فيه نوع اعتماد. فافهم الفرق.
كفارة ما يقع في الطيرة:
أن يمضي في حاجته ويتوكل على الله، ويقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك .
ما يقوله من رأى ما يكره أو وقع في قلبه شيء من الطيرة: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت،ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فوائد في العقيدة 32
ومن أنكر السنة -الاحتجاج بها أو العمل بها أو ثبوتها- فهو كافر مرتد وكفره أولى من كفر الخوارج .
لا يقال السلام على الله؛ لأنه دعاء بالسلامة والله لا يدعى له، بل هو المسلم لغيره، وهو الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله وهو النافع والضار.(1/86)
الرياء يكون شركا أكبر، ويكون شركا أصغر، والفرق بينهما: أن الرياء الأكبر يكون مع عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، والرياء الأصغر يكون مع الإيمان بالله واليوم الآخر.
فالرياء الأكبر يكون مع ناقض من نواقض الإسلام، كحال، عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم أسلموا رياء، ويصلون ويصومون ويحجون ويجاهدون رياء، مع عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، الذي هو ناقض من نواقض الإسلام.
والرياء الأصغر: يكون في الصلاة أو الصوم أو الحج أو الجهاد مع أنه مؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يفعل ناقضا من نواقض الإسلام، فهذا الرياء في الصلاة أو الصوم أو الحج إن كان طارئا ودفعه فلا يضره، وإن استرسل فإنه يبطل العمل في أصح قولي العلماء، وقيل يجازى بنيته الأولى.
وقيل: إن كان الرياء في العقيدة فهو شرك أكبر، وإن كان في العمل فهو شرك أصغر ففي العقيدة يؤمن رياء، بأن يدخل في الإسلام رياء ومراءة للناس، وهو في الباطن غير مصدق، بل هو جاحد غير منقاد لشرع الله لإبائه واستكباره.
"التفدية" وهي قول فداك أبي وأمي يجوز للإنسان تفدية المسلم أبويه إذا كانا كافرين، كما فدى النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن أبي وقاص يوم أحد، قال له: ارم فداك أبي وأمي وكذا فدى الزبير وطلحة بن عبيد الله قال ابن القيم في بدائع الفوائد وكذا شيخنا: إن ذلك لكون أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- كافرين؛ وعليه فالأبوان المسلمان لا يجوز تفدية غيرهما، لكن ورد أن أبا بكر قال للحسن أفديك بأبي، فيحتمل والله أعلم لأن الحسن أفضل من أبي قحافة فيحتمل أن يقال إذا كان المفدى أفضل من الأبوين كالصحابة جاز ذلك وإلا فلا.(1/87)
قول لعمري: ليست قسما وإنما هي لتأكيد الكلام، هذا إن لم يقصد الحلف، فإن قصد الحلف صارت قسما، وقد جاء في كلام عثمان بن سعيد الدارمي في رده على المريسي وجاءت في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم وجاءت في صحيح مسلم في قول عطاء لابن جريج ؛ أي لعمري.
أما قوله -تعالى-: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون فهي قسم من الله بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- والله يقسم بما شاء من مخلوقاته، لا أحد يحجر عليه -سبحانه- أما المخلوق فلا يجوز له الحلف إلا بالله أو بأسمائه أو بصفاته.
الأدلة على أن الطاعة في تحليل الحرام أو تحريم الحلال شرك وكفر وردة كثيرة منها:
قول الله -تعالى-: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ بعد قوله: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ثم قال: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ؛ أي أطعتموهم في تحليل الميتة فعدلتم عن شرع الله إلى قول غيره وقدمتموه عليه، فهذا شرك أكبر؛ لأنه طاعة في التحليل والتحريم وهو من خصائص الربوبية.
قوله -تعالى-: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .
حديث عدي بن حاتم رواه الترمذي وتفسير آية اتخذوا أحبارهم بسند حسن: أنه قال: يا رسول الله: ما عبدوهم فقال: بلى: أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم فهذه ثلاثة أدلة في أن من أنكر معلوما من الدين بالضرورة فهو مشرك سواء؛ أنكر وجوبه كالصلاة أو تحريمه كالزنا أو الربا أو أنكر حله كالنكاح فهو مشرك كافر.(1/88)
ومن الأدلة قوله -تعالى-: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ؛ فهذا دليل رابع على أن الطاعة في استحلال ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويكون كفرا وردة عياذا بالله منه.
فوائد في العقيدة 33
من هي الطائفة المنصورة الموعودة بالنصر والبقاء إلى قيام الساعة في الصحيحين وغيرهما قوله: لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة ؟
الجواب: الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق، وهم من كان على مثل ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، من جميع أصناف الناس من محدث وفقيه ومفسر ومجاهد، وقائم بالمعروف وناهٍ عن المنكر وزاهد وعابد وتاجر، وحراث وصاحب مهنة من نجارة أو حداده أو خياطة أو خرازة أو جزارة أو غيرها، وخاصة أهل العلم من أهل الحديث والفقه في الدين، فهؤلاء خاصتهم ومقدموهم وأفضلهم.
والخلاصة: أن الطائفة المنصورة هم الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة، وهم من كان على مثل ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهم أهل الحديث من جميع أصناف الناس وطبقاتهم، وخاصتهم ومقدمهم وأفضلهم، أهل العلم والبصيرة في دين الله وشرعه من المحدثين والفقهاء.
الملحد الذي ينكر الخالق يرد عليه بقوله -تعالى-: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ؛ فهذا دليل عقلي أرشد إليه القرآن الكريم، وبيان ذلك كالتالي:
أن الموجود قسمان:
خالق: واجب الوجد لذاته.
مخلوق: لا بد له من موجد.(1/89)
فلا يمكن أن يوجد من غير موجد، ولا يمكن أن يوجد نفسه؛ لأنه عدم قبل الوجود، والعدم ليس بشيء، فلا يمكن أن يوجد نفسه، ولا يمكن أن يوجد غيره من باب أولى، وهذا هو معنى قوله -تعالى-: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ؛ ولهذا قال جبير بن مطعم لما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ هذه الآية قبل أن يسلم: كاد قلبي أن يطير أخرجه البخاري .
من حكم بغير ما أنزل الله في جميع أحكامه؛ بأن سن القوانين الوضعية ليتحاكم الناس إليها، فحكمه أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- بأنه كافر، أفتى بذلك في البدو الذين يتحاكمون إلى سلومهم في كل شيء في الحدود والمعاملات، وهذه السلوم والعادات وضعوها من أنفسهم.
وقال شيخنا: لا يكفر حتى يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، أو يوجد منه ما يدل على استحلاله، بأن يصرح بأنه يرى الجواز.
فوائد في العقيدة 34
استخدام النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهودي قبل أن يؤمر بإجلاء اليهود من جزيرة العرب ؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب وقال: لا يبقى في جزيرة العرب دينان فلا يجوز استقدام اليهود أو النصارى أو الوثنيين إلى جزيرة العرب ليقيموا فيها، إلا مدة يسيرة كيومين أو ثلاثة؛ ليبيع سلعته أو لأنهم رسل إلى ولاة الأمور، كما كانوا يقدمون المدينة يبيعون السلعة أو الطعام اليوم واليومين في عهد عمر بن الخطاب أما في غير جزيرة العرب فيجوز استخدامهم مع الحذر من شرهم.
الاستعانة بالمشرك أو المشركين على المشركين جائز في أصح قولي العلماء، أما حديث: ارجع فلن أستعين بمشرك ؛ فهذا قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر عند عدم الحاجة إليه، لكن استعان بالمشركين في خيبر .(1/90)
أما إعانة المشركين على المسلمين بإمدادهم بالمال أو السلاح أو الرأي فهو ردة عن الإسلام والعياذ بالله؛ لأن هذا من مظاهرة المشركين على المسلمين وهو ناشئ عن محبتهم ومودتهم الذي هو كفر بالله تعالى.
لا يجوز كفالة النصراني ليسكن في جزيرة العرب ويستثنى من ذلك المدة اليسيرة التي يأتي فيها الكافر لبيع سلعة ثم ينصرف، كما كان ذلك في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يبيع الواحد سلعته فيرحل بعدها، أما أن يكفله أحد ويسكن مدة طويلة ستة أشهر أو سنة فهذا لا يجوز؛ للنصوص التي أمرت بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب .
المسلمون الذين بقوا في مكة وخرجوا مع الكفار في غزوة بدر ونزلت فيهم الآيات: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الجمهور على أنهم مسلمون عصاة، والقول الثاني أنهم كفار.
قول بعض العلماء من الصحابة فمن بعدهم بفناء النار يجب حمله على الطبقة التي فيها العصاة، كما جزم بذلك البغوي وهو صادق؛ لأن الأدلة صريحة في خلود الكفرة في النار خلودا سرمدا لا انقضاء له، قال -تعالى-: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا وقال -تعالى-: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال: وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ وأما قوله -تعالى-: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا فالمراد بها أحقاب الحميم والغساق، كما قال -سبحانه وتعالى-: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا وقال: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ وخير ما يفسر به القرآن بالقرآن، فإذا انتهت أحقاب الحميم والغساق، عذبوا بأنواع أخرى من العذاب، كما قال -تعالى-: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ نسأل الله السلامة والعافية.(1/91)
كما أن نعيم الجنة دائم سرمدي، كما قال -تعالى-: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ وهذا يدل عل أن الاستثناء في قوله: خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ لا يدل على انقطاع النعيم، وكذا الاستثناء في أهل النار لا يدل على انقطاع العذاب في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّار إلى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ .
فوائد في العقيدة 35
إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعل الكفر مكرها أو مخطئا أو جاهلا أو متأولا فما الحكم؟
إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعل الكفر مكرها فإنه لا يكفر، إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان بنص القرآن، قال الله -تعالى-: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ومن أمثلة ذلك: المستضعفون بمكة من المؤمنين، الذين أكرههم المشركون على الخروج إلى بدر حتى قال المؤمنون: قتلنا إخواننا، وقال -تعالى-: وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .(1/92)
أما إذا تكلم بكلمة الكفر مخطئا لا قصدا فإنه لا يكفر، كما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي وجد راحلته بعد أن آيس منها وأيقن بالموت، ثم لما استيقظ وجدها عند رأسه، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، ولم يقصد الكفر.
أما إذا تكلم بالكفر جاهلا أو فعل الكفر جاهلا، فهذا فيه تفصيل؛ فإن كان أمرا واضحا فإنه يكفر، كما لو سب الإسلام أو سب الله أو رسوله، كالشرك الواضح الذي يحصل من عباد القبور من دعائهم والذبح لهم والنذر لهم والطواف بقبورهم؛ فهذا يكفر، أما إذا كان من الأمور الدقيقة الخفية فإنه لا يكفر على الصحيح.(1/93)
ومثله ما ثبت في الصحيحين: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أي أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنْ يَقْدِرْ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَقَالَ اللَّهُ -عز وجل- كُنْ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ قَالَ اللَّهُ؛ أي عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ قَالَ مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ قَالَ فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ لَمْ يَبْتَئِرْ وَقَالَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ لَمْ يَبْتَئِزْ فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ رواه البخاري ومسلم ؛ فهذا لم يكفر؛ لأنه أنكر أمرا دقيقا جاهلا، أما إذا أنكر أمر واضحا معلوما أو أنكره جاحدا أو معاندا فإنه يكفر.(1/94)
أما إذا تكلم بالكفر أو فعل الكفر متأولا فهذا فيه تفصيل أيضا فإن كان تأويلا يعذر به فإنه لا يكفر، وإن كان تأويلا لا يعذر فيه فإنه يكفر.
فوائد في العقيدة 36
أقسام الناس عند الله -تعالى- في الآخرة أربعة:
السابق بالخيرات.
المقتصد.
الظالم لنفسه.
الكافر.
فالثلاثة الأولى كلهم من أهل الإيمان وهم الذين أورثهم الله الكتاب وهم الذين اصطفاهم الله من عباده في الجملة كما قال -تعالى-: في سورة فاطر: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ الآية، وذكر الله القسمين الأولين - السابقين والمقتصدين - في أول سورة الواقعة وفي آخرها، وجعل منهم قسما ثالثا وهم الكفار، فقال -تعالى-: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً أي أصنافا ثلاثة، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ .
وقال في آخر السورة: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ نسأل الله العافية:
فالقسم الأول: السابقون بالخيرات، وهم المقربون، وهم أهل الإحسان، وهم أعلى الأصناف منزلة عند الله، وهم الذين أدوا الفرائض وانتهوا عن المحرمات، وكان لهم نشاط في فعل المستحبات والمندوبات ونوافل العبادات، وتركوا مع المحارم المكروهات والمشتبهات من المباحات خشية الوقوع في المحرمات.(1/95)
القسم الثاني: المقتصدون وهم أصحاب اليمين أصحاب الميمنة وهم الأبرار، وهم الذين أدوا الفرائض وانتهوا عن المحارم ووقفوا عند حدود الله، واستقاموا على دين الله، لكن لم يكن لهم نشاط في فعل المستحبات والمندوبات ونوافل العبادة كالسابقين، وقد يفعلون بعض المكروهات، ويتوسعون في بعض المباحات، فهذان القسمان من أهل الجنة ويدخلون من أول الأمر ولا يدخلون النار.
القسم الثالث: الظالمون لأنفسهم، وهم المؤمنون الذين تركوا بعض الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات، فهؤلاء مؤمنون وهم من أهل الجنة في المآل، وهم على خطر من دخولهم النار بسبب ظلمهم لأنفسهم بالمعاصي، وهم تحت مشيئة الله، داخلون في قوله -تعالى-: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فقد يعفو عنهم فيدخلون الجنة من أول وهلة، وقد يعذبون بالنار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين.
القسم الرابع: أصحاب المشأمة، وهم أصحاب الشمال، وهم المكذبون الضالون، وهم الكفار على اختلاف أصنافهم، من يهود ونصارى ومجوس ومنافقين ومشركين ووثنيين، وهؤلاء يدخلون النار ويخلدون فيها أبد الآباد، نسأل الله السلامة والعافية.
فوائد في العقيدة 37
مذهب الخلف تلزمه ثلاث بلايا، ولا يؤمن أن يؤاخذ الخلفي على كل واحدة منها إن لم يعذره الله بجهله، بخلاف مذهب السلف فإنه طريق سلامة محقق:
البلية الأولى: التشبيه؛ أي تشبيه صفة الخالق بالمخلوق، حيث وقع في نفسه من قوله -تعالى-: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أن استواء الله كاستواء المخلوق، فجره ذلك إلى البلية الثانية.
البلية الثانية: وهي نفي الصفة الحقيقية عن الله وهي الاستواء مثلا.
البلية الثالثة: الإتيان بصفة من عند نفسه ومن كيسه يصف الله بها وهي الاستيلاء، فقال: إن المراد بالاستواء الاستيلاء.(1/96)
أصل العبادة في لغة العرب الذل والخضوع، وكل خاضع ذليل تسميه عابدا، وكل ما خضع وذلل فهو عبد، ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته:
تباري عتاق الناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبد
أي فوق طريق مذلل بأقدام المشاة.
والعبادة في اصطلاح الشرع: هي التقرب إلى الله -تعالى- وإفراده بذلك التقرب والعبادة في جميع ما أمر أن يتقرب إليه على سبيل الذل والخضوع و المحبة، ولا تكفي المحبة دون الذل والخضوع، فلا بد من الجمع بين الأمرين.
وضابطها: هي التقرب إلى الله بما أمر أن يتقرب إليه به بإخلاص على النحو الذي شرع.
اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله، الفرق بينهما أن القنوط أشد من اليأس، واليائس والقانط كافر؛ لأنه متشائم ومسيء للظن بالله، فهو يعتقد أن الله لا يغفر له ولو تاب، وهذا تكذيب لله -تعالى- في قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وقوله: -سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ؛ يعني لمن تاب؛ ولهذا حكم الله على اليائس بالكفر في قوله: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ وقال: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ؛ أي الضالون ضلال كفر كما فسر هذا الضلال الآية السابقة: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ .
إذا حكم بغير ما أنزل الله مع علمه ومن غير تأويل كفر.(1/97)
الإله: هو المعبود بحق أو بباطل، فكل معبود فهو إله بحق أو بباطل، فالإله قسمان: معبود بالحق وهو الله، ومعبود بالباطل وهو ما سوى الله، والمعبود بحق هو الله وحده، وما سواه فهو معبود بالباطل، قال -تعالى-: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وقال -تعالى-: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ .
فوائد في العقيدة 38
الخوف ثلاثة أنواع:
خوف الأصنام والأوثان، وهذا خوف الشرك وهو خوف السر.
خوف واجب، وهو الخوف من العدو أو من السبع، فيأخذ بالأسباب التي تجنبه الشر والهلاك.
خوف طبيعي، كالخوف من الجوع ومن البرد فيأكل ويستدفئ.
الأنبياء معصومون من الشرك الأكبر، ومعصومون أيضا فيما يبلغون عن الله بالإجماع من أهل الحق، ومعصومون من الكبائر عند جمهور العلماء، أما الصغائر فإنها تقع منهم ويغفر الله لهم، قال -تعالى-: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وقال -تعالى-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وفي حديث الشفاعة: ائتوا محمدا عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .(1/98)
أما ما وقع من آدم وحواء في قوله -تعالى-: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ؛ فهذا شرك في التسمية لا في العبادة؛ أي في تسمية الولد عبد الحارث، طاعة للشيطان فهو شرك في الطاعة لا في العبادة، وهو شرك أصغر، وقد تابا منه فتاب الله عليهما، ويحتمل أن يكون ذلك قد حصل من آدم قبل أن يوحى إليه بالنبوة؛ لأن آدم نبي إلى بنيه، كما أن قتل النفس حصل من موسى -عليه السلام- قبل النبوة، وكذلك آدم وقع منه الشرك الأصغر قبل الوحي إليه بالنبوة، وبذلك يزول الإشكال على عصمة الأنبياء من الكبائر، والشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
فوائد في العقيدة 39
الفرق بين النبي والرسول، هو أن النبي من يوحى إليه بأن يحكم بشريعة سابقة وكتاب سابق، كأنبياء بني إسرائيل، فإنهم ألزموا بشريعة التوراة، بالحكم بها والعمل بها، وإلزام الناس بها.
وأما الرسول فهو من يرسل إلى أمة وينزل عليه كتاب، كنوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، أما من فرق بينهما بأن النبي من ينبأ في نفسه وأهل بيته ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فليس بجيد.
من آمن برسول الله في حياته -عليه الصلاة والسلام- فهو صحابي، إنسيا كان أو جنيا، مبصرا كان أو أعمى.
(لا إله إلا الله)، كلمة التوحيد، لا تنفع إلا بـ:
تصديق القلب. ... 1-
انقياد الجوارح. ... 2-
البعد عما يناقضها. ... 3-
فإذا لم يصدق القلب كان جاحدا، وإذا لم تنقد الجوارح كان مستكبرا، والكفر يدور على هذين الأمرين جحد الخبر والاستكبار عن الطلب.
في قصة استراق الشياطين الوحي من السماء، أن الشياطين هكذا بعضها فوق بعض، فيسمعها الأعلى ثم يلقيها إلى من تحته حتى تصل إلى الآخر منهم (فيَقُرُها) -بفتح الياء وبضم القاف والراء- أي: يمليها كما تقرها الدجاجة.(1/99)
من يدعو من دون الله أحدا لأجل أن يقربوهم إلى الله سبحانه، كذبهم الله بذلك وكفرهم، فقال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فجعلهم كذبة بهذا القول كفارا.
قوله: مَا نَعْبُدُهُمْ ؛ أي: يقولون ما نعبدهم، فحذف القول، وقوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ رد عليهم بقوله -سبحانه-: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وهو -سبحانه- لا يعلم شريكا له في العبادة في السماوات والأرض.
عباد القبور ما حكمهم ؟ فيهم تفصيل: إن كانوا بين المسلمين فهم كفار، وكونهم لا يفهمون أن عبادتهم للقبور شرك ليس عذرا لهم؛ لقول الله -تعالى-: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وإن كانوا بعيدين عن المسلمين لم تبلغهم الدعوة فحكمهم حكم أهل الفترات.
الإقامة عند القبور والعكوف عندها إن اعتقد أن الله يحبه ويرضاه فهو بدعة، كما لو صلى لله أو دعا لله عند القبر فهو بدعة؛ ولذا لو عكف عند القبر محبة لصاحب القبر فهو بدعة، أما لو عكف عند القبر تقربا للميت وعبادة له فهو شرك أكبر، وينبغي أن يحمل كلام العلماء على هذا.
فوائد في العقيدة 40
التبرك بالأشجار والأحجار وغيرها ونحوها له حالتان:
- أن يعتقد البركة فيها ويرجوه ويؤمله منها، فيعلق عليها السلاح ويعتقد أن السلاح يكون أمضى إذا علقه عليها، فهذا شرك أكبر، كحال المشركين الذين يعتقدون في السدرة التي يعلقون بها أسلحتهم وأمتعتهم، ومثله التبرك بعين ماء أو بقبر أو موطئ أو غار أو غيرها.(1/100)
أن يتبرك بها على أنها سبب، بأن يعتقد أن البركة من الله تحصل بتعليق السلاح على السدرة والشجرة، فهذا شرك أصغر، لتعليق التمائم والحروز على أن لها سببا فهو شرك أصغر، فإن اعتقد أن لها تأثيرا كان شركا أكبر.
أما إذا جلس تحت شجرة ليستظل وعلق عليها سلاحه ليستريح من دون اعتقاد شيء فهذا مباح لا شيء فيه، كفعل النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، يستظلون تحت الأشجار ويستريحون، فإذا وجدوا شجرة ظليلة تركوها للنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فالخلاصة أن التبرك بالأشجار والأحجار بمعنى الاعتقاد، فإن اعتقد فيها البركة بذاتها كان شركا أكبر، وإن اعتقد أنها سبب البركة من الله فهو شرك أصغر.
سجود الملائكة لآدم وسجود يعقوب وأولاده ليوسف -عليه الصلاة والسلام- تحية وإكرام، لا سجود عبادة، وقد كان جائزا في شرع من قبلنا ثم نسخ في شريعتنا، فمن سجد لغير الله فقد أشرك؛ لأن السجود عبادة محضة لا تصرف إلا لله وحده.
تسمية الأنثى (بملاك) لا يجوز؛ لأن ملاك لغة في المَلَك، وذلك لأن هذا تشبه بالمشركين في تسمية الملائكة إناثا، أما تسمية الذكر بملاك فلا بأس، كما لو سمي إنسان جبريل كالجبرين.
أهل الموقف يقضى بينهم قبل منتصف النهار ويستقر أهل الجنة في الجنة، ويقيلون فيها، كما قال -تعالى-: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا .
الإيمان عند جمهور أهل السنة لهم تعبيران:
أنه قول وعمل واعتقاد؛ أي: قول باللسان وعمل بالجوارح واعتقاد بالقلب، يزيد وينقص. ... 1-
الإيمان قول وعمل، والقول قول اللسان وقول القلب، فقول اللسان نطقه، وقول القلب تصديقه ونيته وجزمه، والعمل عمل القلب وعمل الجوارح، فعمل القلب الإخلاص والانقياد والمحبة والرجاء والخوف، وعمل الجوارح ظاهر. ... 2-
فوائد في العقيدة 41(1/101)
زيارة قبور المسلمين مشروعة للدعاء لهم والترحم عليهم وتذكر الآخرة، أما المشركون فلا تزار قبورهم، إلا لمن زارها بقصد الذكرى والاعتبار فلا حرج، لكن لا يدعو لهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- استأذن أن يزور قبر أمه فأذن له، واستأذنه أن يستغفر لها فلم يؤذن له.
العشور التي تؤخذ على الناس على نوعين:
المسلمون: تؤخذ منهم زكاة من تجارتهم ربع العشر كل عام بالشروط المعتبرة. ... 1-
أهل الذمة: فتؤخذ منهم على كل تجارة اتجروها العشر، نظير تمتعهم في بلاد المسلمين. ... 2-
التوسل يكون جائزا ويكون ممنوعا.
نصوص الوعيد جاءت مطلقة للترهيب والزجر، وهي مقيدة بقوله -تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فهي مقيدة بعدم مشيئة المغفرة، وهذا يتمشى مع ما عليه الجمهور من العمل بالقاعدة الأصولية (حمل المطلق على المقيد).
نصوص الوعد بعضها مطلق للترغيب، والحث على فعل الخير، وبعضها مقيد باجتناب الكبائر.
كحديث: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان على رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر وكقوله -تعالى-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وكحديث: ما لم تصب المقتلة والمقتلة هي الكبيرة، فتقيد النصوص المطلقة بهذه النصوص المقيدة حملا للمطلق على المقيد، مثل أحاديث فضل الوضوء وأنه خرج به خطايا الوجه واليدين والرجلين، وكحديث: من صلى ركعتين بعد الوضوء غفر له كلها مقيدة باجتناب الكبائر عند الجمهور، وقيل تغفر الكبائر، وكذا قوله -تعالى- في سورة الشورى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ هذه الآية مقيدة بآية الإسراء: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ .(1/102)
الجمهور على أن الخضر حي، والصواب القول الثاني أنه ميت لحديث البخاري أنه لا يبقى بعد مائة سنة ممن هو على ظهرها أحد قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم.
فوائد في العقيدة 42
اتفق أهل الحق وأهل الباطل عن بكرة أبيهم على أن المؤثر ثلاثة أنواع:
مؤثر بالاختيار. ... 1-
ومؤثر بالطبيعة. ... 2-
ومؤثر بالعلة. ... 3-
- المؤثر بالاختيار وهو الذي يصح منه الفعل والترك؛ لأنه لما صح منه فعل الشيء وتركه، وقد أثر في الشيء بالفعل، علمنا أنه قد اختار أحد المقدورين، وهو الله -سبحانه وتعالى- الذي لا يقع شيء في الدنيا ولا في الآخرة ولا حركة ولا سكون إلا بمشيئته وإرادته وقدرته سبحانه.
-المؤثر بالطبيعة في زعم الطبائعيين، وهو الذي لا يصح منه الترك، لكن يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع، ومثاله النار، فإنها مؤثرة ولا يصح منها الترك، لكن يتوقف تأثيرها على وجود شرط، وهو إخراج النار من مكمنها، وذلك بإبراء الزند مثلا، ويتوقف تأثيرها أيضا على انتفاء المانع، وهو ألا يكون ما يقابلها عند خروجها غير قابل للاحتراق، كالماء و الصخر.
- المؤثر بالعلة في زعم الفلاسفة وهو الذي لا يصح منه الترك ولا يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع، ومثاله عندهم: إذا كان في الإصبع خاتم، فإذا تحرك الإصبع تحرك الخاتم ولا بد، فتأثير حركة الإصبع في حركة الخاتم، قال الفلاسفة إن تأثير وجود الخالق (الله) في وجود المخلوقات تأثير بالعلة، ومن هنا زعموا قدم هيولى العالم؛ لأن المؤثر لا ينفك عن أثره، ومذاهبهم باطلة قبحهم الله، كلها كفريات وإلحاديات.(1/103)
والخلاصة: أن المؤثر عند أهل الحق وأهل الباطل ثلاثة أنواع: وبيان ذلك أن المؤثر إما يصح منه الترك وإما لا، فإن كان يصح منه الترك فهو المؤثر بالاختيار وهو الله سبحانه، وإن كان لا يصح منه الترك، فإما أن يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع وإما لا، فإن كان يتوقف على وجود شرط وانتفاء مانع فهو المؤثر بالطبيعة في زعم الطبائعيين،، وإن كان لا يتوقف على وجود شرط وانتفاء مانع فهو المؤثر بالعلة في زعم الفلاسفة .
نماذج وأمثلة على أن المؤثر في الحقيقة هو الله -سبحانه وتعالى- وأنه -سبحانه- يسبب ما شاء من المسببات على ما شاء من الأسباب ولو شاء انخرام السبب لانخرم:
المثال الأول: ما جاء في تاريخ القرآن أن نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ألقي في النار هو والحطب، والحطب صلب شديد قوي، وجسم إبراهيم لطيف لين، والنار لا عقل عندها تميز به بين إبراهيم والحطب، فأكلت الحطب بحرارة حتى جعلته رمادا، وفي نفس الوقت صارت بردا وسلاما على إبراهيم والطبيعة معنى واحد لا يتجزأ ولا ينقسم؛ لأن الطبيعة من المعاني الأفراد التي لا يمكن أن تتجرأ ولا تنقسم، فلو كانت الطبيعة هي المؤثرة لا ستحال أن تأكل الحطب حتى يصير رمادا وتترك إبراهيم بل المؤثر في الحقيقة هو الله -تعالى- فهو الذي جعل النار سببا في الإحراق، وجعل الأكل سببا في الشبع، وجعل الشرب سببا في الري.
بل لو شاء -سبحانه- لجعل السبب ضد مسببه، وجعله سببا في وجوده، ومثال ذلك لما أراد الله إحياء قتيل بني إسرائيل أمرهم أن يذبحوا بقرة، ويضربوا الميت بقطعة منها، فمن أين جاءت الحياة من قطعة ميتة من بقرة ميتة؟ فلو كانت البقرة حية لقالوا: إن الحياة جاءت منها، فمن أين جاءت الحياة من الضرب بقطعة ميتة؟ فهذا لا سبب فيه يعقل.(1/104)
ومثل هذا يبين الله فيه أنه هو الذي يربط الأسباب بمسبباتها، فالأسباب حق، والربط بينها وبين مسبباتها حق، وإنكارها تلاعب بالدين، وجعلها مستقلة بشيء كفر بالله -جل وعلا- وإلحاد في شرعه.
بل الحق أن الله -تعالى- خالق كل شيء، ومسبب ما شاء من الأسباب على ما شاء من المسببات، وهو الذي جعل تأثير الإحراق في النار، وجعل تأثير الري في الماء، فجعل تأثير الشبع في الخبز، وجعل تأثير القطع في السكين، وهكذا فهو الخالق لكل شيء، وكل شيء بمشيئته وقدرته.
فوائد في العقيدة 43
دخول الجني الإنسي واقع ومشاهد ويدل عليه حديث: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الإجماع على ذلك، أما نفي دخول الجني الإنسي فهو قول المعتزلة وقد أعتنقه بعض الناس في هذا العصر.
التبرك بالأشجار والأحجار وغيرها قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فان بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فان هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء.(1/105)
قلت: الغزو الفكري والأخلاقي من الكفار بالتشكيك في أصول الدين والإيمان والاعتقاد الصحيح ونشر الدعارة والعري، أشد من استيلاء الكفار على بلاد المسلمين؛ لأن الغزو الفكري والأخلاقي يفسد القلوب، واستيلاء الكفار على المسلمين يضرون الأبدان والأموال، ولا يفسدون القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا.
الفلاسفة من اليونانيين من أرسطاطاليس وأصحابه قسموا الفلسفة إلى ستة أقسام، قسموا علم الفلسفة قسمة سداسية، وهي:
فلسفة رياضية.
فلسفة منطقية.
فلسفة إلهية.
فلسفة طبيعية.
فلسفة نفسية.
فلسفة تشريعية.
وتفصيل ذلك:
تنقسم الفلسفة الرياضية إلى ثلاثة أقسام: حساب وهندسة وهيئة.
أما الحساب والهندسة فكلاهما مبني على مقدمات عقلية يقينية، وقواعد حقيقية منطبقة لا يشك فيها عاقل، فهي علوم مبنية على مقدمات عقلية وأساس يقيني، لا يتطرق فيها خطأ إلا من جهة الناظر فيها؛ ولذلك لا تجد فيلسوفا يأتي ويقول فكرة الفيلسوف الفلاني في الحساب خاطئة أو في الهندسة خاطئة؛ لأن الحساب والهندسة من الفلسفة الرياضية كلاهما مبني مركب على مقدمات عقلية صحيحة لا خطأ فيها.
أما النوع الثالث من الفلسفة الرياضية وهو الهيئة، فقد أطبق أهله على أنه لم يكن مبنيا على مقدمات عقلية ولا على قواعد يقينية، وإنما مبناه تخمينات وظنون أكثر ما تكون كاذبة وربما صدقت؛ ولذا تجد الفيلسوف يقول: نظرة الفيلسوف في الشمس أو في القمر أو في طبقات الجو أو في كذا نظرة خاطئة، بل الحق كذا وكذا؛ لأنها لم تبن على مقدمات يقينية، ولا قوانين عقلية، بل مبناها ظنون وتخمينات، وهذه الظنون والتخمينات أضلت كثير من الرعاع المتسمين باسم الإسلام، يكذبون نصوص القرآن ونصوص السنة نظرا إلى أقوال كفرة فجرة في شيء لا أساس لهم فيه.(1/106)
ودليلها ما يسمونه في المنطق شرطية متصلة لزومية، يستعملون فيها نقيض التالي فينتجون نقيض المقدم أو عين المقدم، فينتجون عين التالي في زعمهم، والربط بين اللازم والملزوم -أعني المقدم والتالي- قد يكون ربطا منفكا، فيقولون لو لم تكن الشمس تدور حول نفسها لكان كذا وكذا، لو لم يكن الكوكب الفلاني على قدر كذا أو على مسافة كذا لكان كذا وكذا، وهي أمور لا طائل تحتها.
وعلينا جميعا أن نلتزم هذا الأساس، كل ما خالف كتاب الله مخالفة صريحة فعلينا أن نجزم أنه كاذب كافر ملعون، كالذي يقول: إن الشمس ساكنة لا تتحرك وينفي عنها اسم الجريان ويقول لا تجري؛ فهذا كافر ملحد؛ لأنه مكذب للقرآن؛ لأن الله يقول: وَالشَّمْسُ تَجْرِي وكذلك من يقول: إن القمر لا يجري؛ لأن الله يقول: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى .
فما ناقض القرآن مناقضة صريحة لا شك فيها فعلينا أن نكذبه، وما وافق القرآن والسنة الصحيحة علينا أن نتقبله، وما لم يناقض القرآن مناقضة صريحة ولا السنة الصحيحة فيجب علينا أن لا نقدم على تكذيبه ولا نتجرأ على تكذيبه؛ خشية أن يكون حقا، فيظن القائلون به المتمسكون به تكذيب القرآن، والقرآن في نفس الأمر لا يخالف نظرية صحيحة أبدا؛ لأنه كلام الله الحق، المقطوع بأنه حق، والحق لا يخالف حقا أبدا.
فعلينا أن نتثبت ولا نتسرع في الشيء الذي لا يكون القرآن صريحا في نفيه، ونقول ظاهر القرآن كذا، والذي يتبادر لنا كذا، وإن وقع خلافه فهو من قصور فهمنا، والقرآن بريء منه.
فوائد في العقيدة 44(1/107)
الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي كفار في أصح قولي العلماء؛ لأنهم مكذبون بقول الله -تعالى-: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقولهم بخلود أهل المعاصي في النار تكذيب للأحاديث المتواترة -وهي تفيد العلم واليقين- في خروج أهل الكبائر من المسلمين من النار؛ ولهذا جاءت النصوص بتكفير الخوارج في الصحيحين وغيرهما، كحديث: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وفي لفظ: يخرجون من الإسلام ثم لا يعودون إليه وفي حديث عاد: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد فشبههم بعاد وهم قوم كفار، والجمهور على أن كفرهم كفرا دون كفر.
النسائي صاحب السنن فيه بعض التشيع، وله مسند علي .
الباطنية يقول فيهم شيخ الإسلام ظاهرهم الرِّفض، وباطنهم الكفر المحض.
الماسونية: جمعية سرية أو منظمة يهودية هدفها القضاء على العقائد والأديان، ويقال: إنها قديما أفسدت دين النصارى، كما فعل بولص ثم لما جاء الإسلام اجلبوا عليه بعداوتهم، ويقال: إن أول ضحية للماسونية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثم سعوا في الفتنة حتى قتلوا عثمان -رضي الله عنه- ثم عليا حتى صار منهم الشيعة والخوارج .
ومن الكتب التي تكشف عن الماسونية ما يلي: أسرار الماسونية، السر المصون، الماسونية، الماسونية بلا نقاب، أوقفوا هذا السرطان.
الصهيونية: هم اليهود الذين يخدمون الماسونية ويفسحون لها المجال ويزيلون العقبات التي أمامها.
منظمة اليونسكو: منظمة يهودية ومع الأسف تستشار في مناهج التعليم؛ لذلك قلصت علوم الإسلام والقرآن من مناهج التعليم.
من الشعارات المضللة الدعوة إلى القومية أو الوطنية أو العلمانية أو الاشتراكية أو الديمقراطية.
ومعنى العلمانية: أن تحكم الدولة بغير شرع الله، وأن لا تنظر إلا إلى المادة والعلم المادي البحت، ومن شعاراتهم (الدين لله والوطن للجميع)، (الدين أفيون -مخد- الشعوب).(1/108)
ومعنى الديمقراطية: أن يكون الحكم لأكثرية الشعب بدون النظر إلى وحي الله هل هو موافق لحكمهم أم لا.
أول من قال بالاشتراكية رجل من فارس يقال له مزدك وقال بالاشتراك بين الناس في الأموال والنساء أيضا، وكان الملك في عهده يقال له قباذ ولكنه ضعيف لم يستطع منع مزدك حتى أنه دخل عليه مرة وعنده امرأته وقد تجملت وتزينت، فأراد مزدك أن يواقعها وقال: إنه في ظهري نبي ولم يستطع قباذ منعه وكان له ابن صغير، فقبل رجلي مزدك وطلب منه أن يخلي له أمه فتركها ولم يمسها، ثم لما مات قباذ وتولى بعده ابنه لما كبر كان أول شيء بدأ به أن قتل مزدك وأصحابه، وقال: لم يزل نتن تلك القبلة في أنفي، وهو الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: ولدت في زمن الملك العادل .
الأدلة الشرعية على تحريم الاشتراكية:
أولا: ... من الكتاب العزيز:
1-
قال -تعالى-: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فالقول بالاشتراكية تمرد على النظام السماوي.
2-
وقال -تعالى-: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ فالله -تعالى- فاوت بين الناس في الفقر والغنى كما فآوت بين آجالهم وأعمالهم.
3-(1/109)
وقال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا فنهى الله الشاهد أن يشهد مع الفقير لفقره على الغني وأمر بالعدل في الشهادة.
4-
وقوله -تعالى-: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ؛ فدل على وجوب قطع يد السارق فلو كان الناس شركاء في المال لما وجب قطع يد السارق.
ثانيا: ... من السنة النبوية:
1-
قوله -صلى الله عليه وسلم-: من قتل دون ماله فهو شهيد ؛ فالإسلام احترم الملكية الفردية حتى جعل المدافع دون ماله من الشهداء الأبرار.
2-
وجوب الزكاة والنفقات فلو كان الناس شركاء في المال لما وجبت الزكاة على الأغنياء للفقراء وكذلك النفقات الواجبة.
3-
قصة سبي هوازن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبى نسائهم وأبنائهم وقسمها على المسلمين، ثم لما جاءت ثقيف مسلمين تائبين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرد عليهم نسائهم وأبنائهم، فقال: أما أنا فأعطيكم حقي، وسأسأل الناس ثم جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس وخطبهم، وقال: هؤلاء إخوانكم جاءوا مسلمين تائبين وطلبوا نسائهم وأبنائهم، فمن طاب منكم نفسا فإنا نعطيه من أول ما يفيء الله علينا ثم قال: إنا لا نعرف من طاب نفسا ممن لا يرضى، فارجعوا إلى عرفائكم يعلمونا بذلك، فطاب الناس بذلك نفسا ودفعوها إليهم ولو كانت الاشتراكية مشروعة لأخذها من الناس من دون طيب نفس.
4-
أهل الصفة يعيشون على صدقات الناس، ولو كانت الاشتراكية مشروعة لأخذ من عثمان وعبد الرحمن بن عوف وأعطاهم.
5-
قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه .(1/110)
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى 1
أحاديث الصورة: فيها إثبات الصورة لله تعالى، والمراد الصورة التي يدخل فيها الوجه، والصورة من صفات الله تعالى، وإن كانت الصورة قد يراد بها الوجه كحديث: ويحرم الله صورهم على النار اضغط هنا.
أي: وجوههم، لكن المراد بالصورة في أحاديث الصورة: الصورة التي يدخل فيها الوجه.
الأحاديث الواردة في الصورة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الأحاديث في خلق آدم على صورة الله:
إذا قاتل أحدكم أو ضرب أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته اضغط هنا.
خلق الله آدم على صورته طوله في السماء ستون ذراعًا اضغط هنا.
فالضمير في ( صورتِهِ ) يعود إلى الله، وهذا يقتضي نوعًا من المشابهة فقط، وهو المشابهة في مطلق الصورة ولا يقتضي تماثلا في حقيقة ولا قَدْرٍ، إذ التشابه في الحقيقة والقدر منفي بالنص والإجماع والأدلة العقلية الصحيحة.
والإضافة تتنوع دلالتها بحسب المضاف إليه، فلما قال في آخر الحديث: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعًا اضغط هناكان هذا يقتضي المشابهة في الجنس والقدر؛ لأن صورة المضاف من جنس صورة المضاف إليه، وحقيقتهما واحدة.
وأما قوله في الحديث: خلق آدم على صورته فهذا يقتضي نوعًا من المشابهة، ولا يقتضي تماثلا في حقيقة ولا قدر.
ومن المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم بين جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر السماوات والقمر في صورة ماء أو مرآة في غاية الصغر، ويقال هذه صورتها، مع العلم بأن حقيقة السماوات والأرض والقمر أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر، وكذلك المصوِّر الذي يصور السماوات والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار، مع أن الذي يصوره -وإن شابه ذلك- فإنه أبعد شيء عن حقيقته وقدْره.(1/111)
ومن المعلوم كذلك أن الصورة قائمة بالشيء، فصورة الله كوجه الله و يد الله وقدرة الله، ومشيئة الله، وكلام الله، قائمة به ويمتنع أن تقوم بغيره.
وثبوت الوجه والصورة لله قد جاءت في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة المتواترة، واتفق على ذلك سلف الأمة.
ففي حديث الصورة: إذا قاتل أحدكم أو ضرب فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته نهى عن ضرب الوجه؛ لأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المراد مجرد خلقه عالمًا قادرًا، ونحو ذلك لم يكن للوجه بذلك اختصاص، بل لا بد أن يريد الصورة التي يدخل فيها الوجه، ولو كانت الإضافة ( على صورته ) إضافة خلق لكان سائر الأعضاء مشاركة للصورة التي هي الوجه في كون الله خلق ذلك.
ثم إن الأدلة الشرعية والعقلية التي تثبت بها صفات الله يثبت بنظيرها هذه الصورة، فإن وجود ذات ليس لها صفات ممتنع، وثبوت الصفات الكمالية معلوم بالشرع والعقل، وثبوت المشابهة من بعض الوجوه في الأمور الكمالية معلوم بالشرع والعقل، وكما أنه لا بد لكل موجود من صفات تقوم به، فلا بد لكل موجود قائم بنفسه من صورة يكون عليها.
كون الإنسان على صورة الله -إذا أقر الحديث كما جاء- فيه نوع من المشابهة أكثر من المشابهة في تأويل الحديث على أن الصورة بمعنى الصفة أو الصورة المعنوية، أو الروحانية ونحو ذلك، فمسمى التشبيه لازم على التقديرين، والتشبيه المنفي بالنص والإجماع والأدلة العقلية الصحيحة منتف على التقديرين.
قال الإمام أحمد في رواية أبي القاسم الجيلي عن حنبل والذي جاء به الشرع في هذا النص من قوله: خلق آدم على صورته ونحوه، فإنه أخص مما يعلم بمجرد العقل من ثبوت القدْر المشترك بينه وبين كل موجود وكل حي، فإن هذا المدلول عليه بالنص لا يعلم بالعقل والقياس، وإنما يعلم أصل ذلك مجملا.(1/112)
أما قول بعض أهل البدع كالرازي وغيره إن الضمير في الحديث: خلق الله آدم على صورته يعود إلى آدم أو إلى المضروب فهذا باطل، وقد ناقشهم المؤلف شيخ الإسلام ورد عليهم من وجوه متعددة.
وكذلك قول بعض أهل الحديث - كابن خزيمة إن الضمير يعود إلى المضروب باطل ردّ عليه المؤلف من وجوه متعددة، وكذلك تضعيف ابن خزيمة لرواية الحديث خلق الله آدم على صورة الرحمن اضغط هنارد عليه المؤلف وبين أنها ثابتة كما أثبتها الحافظ ابن حجر في فتح الباري اضغط هنا.
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى 2
النوع الثاني: من الأحاديث التي وردت في الصورة، الأحاديث التي وردت في رؤية المؤمنين لله -تعالى- يوم القيامة وهذه الأحاديث رويت بطرق وألفاظ متعددة استوفاها المؤلف شيخ الإسلام عن أبي سعيد الخدري اضغط هناوأبي هريرة اضغط هنا+ وجابر + وابن مسعود وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه قال: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون وفي لفظ: في غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة .
وفي لفظ: في أدنى من الصورة التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا ( مرتين أو ثلاثًا ) هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيقول: هل بينكم وبينه علامة، فيقولون: نعم، الساق، فيكشف ساقه فإذا رأوه سجدوا، فيسجد له من كان يسجد لله من تلقاء نفسه، وأما من كان يسجد لله رياء فيريد أن يسجد فيصير ظهره طبقًا واحدًا كصياصي البقر فلا يستطيعون السجود، فيرفعون رءوسهم، وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة .
وفي لفظ: فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه .(1/113)
وفي الحديث أنه بعد رؤيتهم المرة الأولى.. ينادي منادٍ لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيقال لهم: من تنتظرون؟ فيقولون: فارقنا الناس أحوج ما كنا إليهم، ونحن ننتظر ربنا ، فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم.... الحديث.
هذا الحديث متواتر في الجملة عند أهل الحديث كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: خبر الصورة متواتر في الجملة عند أهل الحديث. أ هـ.
وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما من أهل السنن والمسانيد.
هذا الحديث فيه إثبات الصورة لله -تعالى- وأن الله -تعالى- له صورة لا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه وتعالى، كسائر صفاته من السمع والبصر والعلم والقدرة والكلام والمشيئة وغيرها.
هذا الحديث فيه أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة في صورة أربع مرات.
المرة الأولى: رؤية تعريف رأوه فعرفوا، وهذه الرؤية تكون قبل أن ينادي المنادي: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فإن هذا هو محاسبة العباد، فإذا حوسبوا أمروا بأن يتبعوا آلهتهم، ويتجلى الرب لعباده المؤمنين فيتبعونه، وينصب الجسر على ظهر جهنم فيعبر عليه المتقون وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا فالمرة الأولى لقوه وخاطبهم قبل المناداة، وذلك كان عامًّا للعباد، كما يدل عليه سائر الأحاديث ثم حجَب الكفار.
المرة الثانية: التي امتحنهم فيها فأنكروه وهي أدنى من التي رأوه فيها أول مرة، وهذا تفسير ما في حديث أبي هريرة مع أبي سعيد حيث قال: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون .
المرة الثالثة: يكشف لهم عن ساقه حتى يسجدوا له، فهذه التي يعرفون هي التي يكشف فيها عن ساق فيسجدون له.
المرة الرابعة: حين يرفعون رءوسهم - أي من السجود - وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيتبعونه حينئذ.
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى 3(1/114)
تأول بعض أهل الحديث مثل أبي عاصم النبيل وعثمان بن سعيد الدارمي إتيان الله في صورة بعد صورة بأنه تغيُّر يقع في عيون الرائين، كنحو ما يتخيل الإنسان الشيء بخلاف ما هو عليه، فيتوهم الشيء على الحقيقة، قال عثمان بن سعيد الدارمي في رده على بشر المريسي وهذا مثل ما مثل جبريل مع عظم صورته وجلالة خلقه في عين النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وكما مثَّلَه لمريم بشرًا سويًّا وهو ملك كريم في صورة الملائكة، وكما شبه في أعين اليهود أنهم قتلوا المسيح وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ .
وهذا التأويل أقرب ما يكون لكنه تأويل باطل من وجوه:
أحدها: أن في حديث أبي سعيد المتفق عليه: فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة وفي لفظ: في أدنى صورة من التي رأوه فيها وهذا تفسير قوله في حديث أبي هريرة فيأتيهم في صورة غير صورته التي يعرفون فبيَّن أن تلك المعرفة كانت لرؤية منهم متقدمة في صورة غير الصورة التي أنكروه فيها.
وفي هذا التفسير والتأويل من بعض أهل الحديث قد جعل صورته التي يعرفون هي التي عرفهم صفاتها في الدنيا وليس الأمر كذلك، لأنه أخبر أنها الصورة التي رأوه فيها أول مرة لا أنهم عرفوها بالنعت في الدنيا ولفظ الرؤية صريح في ذلك إذ ثبت في غير حديث ما يبين أنهم رأوه قبل هذه المرة.(1/115)
الثاني: أنهم لا يعرفون في الدنيا لله صورة، ولم يروه في الدنيا في صورة فإن ما وصف الله به نفسه ووصف به رسوله لا يوجب لهم صورة يعرفونها، كما أخبر -سبحانه- أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فعلم أنهم لم يطيقوا وصف الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن ينعتها من حسنها، فالله أعظم أن يستطيع أحد أن ينعت صورته، وهو -سبحانه- وصف نفسه لعباده بقدر ما تحتمله أفهامهم، ومعلوم أن قدرتهم على معرفة الجنة بالصفات أيسر، ومع هذا فقد قال -تعالى- في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اضغط هنافالخالق أولى أن يكونوا لا يطيقون معرفة صفاته كلها.
الثالث: أن تأويل بعض أهل الحديث بقولهم: لا يتحول من صورة إلى صورة ولكن يمثل ذلك في أعينهم، مخالفة لنص حديث أبي سعيد وفيه: فيرفعون رءوسهم وقد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة .
الرابع: أن في حديث ابن مسعود وأبي هريرة أخبر أن الله تعالى يتمثل لهم فيأتيهم، ولم يقل مثل لهم كما قال في معبودات المشركين وأهل الكتاب أنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون وفي لفظ أشباه ما كانوا يعبدون.
الخامس: أن في عدة أحاديث: قال: هل بينكم وبينه علامة فيقولون نعم فيكشف عن ساقه فيسجدون له وهذا يبين أنهم لم يعرفوه بالصفة التي وصف لهم في الدنيا، بل بآية وعلامة عرفوها في الموقف.
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى 4
النوع الثالث من الأحاديث التي وردت في الصورة:
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام في صورة كحديث: رأيت ربي في أحسن صورة وهو حديث اختصام الملأ الأعلى وفيه فوضع يده بين كتفي.
الحديث له طرق متعددة لكن هذه الطرق ترجع إلى أربع طرق وهي:
ـ حديث أم الطفيل امرأة أبي بن كعب .
ـ حديث معاذ بن جبل .
ـ حديث ابن عباس .
ـ حديث ثوبان .(1/116)
- وأصح الطرق وأكملها وأتمها حديث معاذ بن جبل فهو أكملها وأتمها سندا ومتنا، قال أبو القاسم الحافظ الطبراني في كتاب السنة: حدثنا محمد بن محمد التمار البصري حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي حدثنا موسى بن خلف العمي حدثنا يحيى بن كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبي عبد الرحمن السكسكي عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة حتى كادة الشمس تطلع، فلما صلى الغداة قال إني صليت الليلة ما قضى لي ووضعت جنبي في المسجد فأتاني ربي عز وجل في أحسن صورة، وفي لفظ - رأيت ربي في أحسن صورة - فقال يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت لا يا رب، قالها ثلاثا، قلت لا يا رب قال فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها في صدري، فتجلى لي كل شيء وعرفته، فقلت في الكفارات، وفي لفظ والدرجات، قال فما الدرجات، قلت إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام، فقال صدقت فما الكفارات، قلت إسباغ الوضوء في المسرات وفي لفظ في السيرات وفي لفظ في الكريهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ونقل الأقدام إلى الجمعات وفي لفظ والجماعات، قال صدقت: سل يا محمد قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بين عبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموهن وادرسوهن فإنهن حق + ، وفي لفظ زيادة: من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته مثل يوم ولدته أمه وفي لفظ آخر في الدرجات: والجلوس في المساجد بعد الصلوات.
3- الحديث له طريقان يثبت بهما:
أحدهما: جمع الطرق.
والثاني: الكتاب.(1/117)
على أن الحديث محفوظ صحيح الأصل لا ريب في ذلك بل قد يجب القطع والعلم بثبوته عند كثير من الناس الحديث له طريقان يثبت بهما أحدهما جمع الطرق، الحديث وإن كان في إسناده اضطرابا إلا أن هذه الطرق مع ما فيها من الاضطراب تدل دلالة واضحة - لمن يتدبر الحديث ويحسن معرفته - على أن الحديث محفوظ صحيح الأصل لا ريب في ذلك، بل قد يوجب له القطع بذلك فإنه قد ثبت أنه حدث به عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأخبره يزيد بن يزيد وأبو قلابة والأوزاعي عن خالد بن اللجلاج وكل هؤلاء من الثقاة المشاهير، وهذا يثبت رواية خالد لكن أحدهم قال عن ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن ابن عايش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي ثبوت إحدى الروايتين دون الأخرى، إذ لم يختلف في متنه، وإنما اختلفا في صفة الإسناد وعلى كل تقدير فالحديث محفوظ، فأما طرحهما جميعا فإنما يكون إذا تعارض متنان متناقضان.
ورواية يحيى بن كثير عن زيد بن سلام عن ابن عايش لا تخالف رواية خالد بن اللجلاج عنه بل توافقه وتقصده، لأن رواية خالد تدل على أنه كان لا يستوفي إسناده بل تارة يرسله، وتارة يذكر الصاحب (أي الصحابي ) فهذه الرواية ذكرت ما ذكروه، واستوفت الإسناد والمتن.
الثانية الكتاب: أما ما ذكره ابن خزيمة من كون يحيى بن كثير مدلسا لم يذكر السماع فهذا لا يضر، لان غاية ما فيه أن يكون يأخذه من كتاب زيد ابن سلام إما لمعرفته بخطه وإما لأن الذي أعطاه قال له هذا خطه، وهذا مما يزيد الحديث قوة حيث كان مكتوبًا، ولهذا كان إسناده ومتنه تامان في هذه الطريقة الذي تحمله دون الأخرى. والاحتجاج بالكتاب في مثل هذا جائز، كالاحتجاج بصحيفة عمرو بن حزم وصحيفة عمرو بن شعيب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب كتبه إلى النواحي فتقوم الحجة بذلك.(1/118)
وإن لم يكن هذا حجة فمن المعلوم أن هذه الطريق تبين أن الحديث عن ابن عايش إذ مثل هذه الطريق إذا ضمت إلى طريق خالد بن اللجلاج كان أقل أحوال الحديث يكون حسنًا إذ روى من طريقين مختلفين ليس فيهما متهم بالكذب، بل هذا يوجب العلم عن كثير من الناس؛ ولهذا كان الأئمة يكتبون من الشواهد والمتابعات مالا يحتج به منفردًا.
4- والذي ذكر ابن خزيمة من أنه لم يثبت طريق معين من هذه الطرق، هذا فيه نزاع بين أهل الحديث لكن إذا ضمت الطرق بعضها إلى بعض صدّق بعضها بعضا، فهذا مالا يتنازعون فيه، لكن ابن خزيمة جرى على عادته أنه لا يحتج إلا بالإسناد يكون وحده ثابتا،( وهو كثيرًا ما يدخل في الباب الذي يحتج له من الشواهد والاعتبارات مالا يحتج بها وحدها ) فما قاله - أي ابن خزيمة - لا ينافي من اتفق عليه أهل العلم. فثبت صحة الاحتجاج به، أي حديث: رأيتُ ربي في أحسن صورة من طريقين:
أحدهما: من جمع الطرق لكن ابن خزيمة لم يسلك هذا.
والثاني: من جهة قوة الاحتجاج بالكتاب.(1/119)
لكن ابن خزيمة لم يذهب إلى هذا ويؤيد هذا أن المتن قد روى من وجوه أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان الذي تقدم ذكره وأما ما رواه الترمذي للأحاديث المتقدمة فالصواب أنها ثابتة كما عليه أئمة الحديث، وكذلك احتج به أحمد وقال: ( يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت ربي ) فأنكر على من رد موجبها وقد ثبت - أي أحمد - حديث عكرمة عن ابن عباس وهو أشدها وذكر أن العلماء تلقته بالقبول، وقال حدث به فقد حدث به العلماء فأما قول أحمد في رواية الأثرم (مضطرب في إسناده، وأصل الحديث واحد وقد اضطربوا فيه ) فهذا كلام صحيح، فإنهم اضطربوا في إسناده بلا ريب، لكن لم يقل: إن هذا يوجب ضعف متنه، ولا قال: إن متنه غير ثابت، بل مثل هذا الاضطراب يوجد في أحاديث كثيرة وهي ثابتة وهذه الطرق مع ما فيها من الاضطراب - لمن يتدبر الحديث ويحسن معرفته - تدل دلالة واضحة على أن الحديث محفوظ صحيح الأصل لا ريب في ذلك، بل قد يوجب له القطع بذلك كما نبهنا عليه أولا.
وأما حديث أم الطفيل فإنكار أحمد له لكونه لم يعرف بعض رواته لا يمنع أن يكون عرفه بعد ذلك، ومع هذا فأمره بتحديثه به لكون معناه موافقًا لسائر الأحاديث كحديث معاذ وابن عباس وغيرهما، وهذا معنى قول الخلال: إنما يروى هذا الحديث، وإن كان في إسناده شيء تصحيحًا لغيره، ولأن الجهمية تنكر ألفاظه التي قد رويت في غيره ثابتة، فروى لبيان أن الذي أنكره تظاهرت به الأخبار واستفاضت، وكذلك قول أبي بكر عبد العزيز ( غلام الخلال ) فيه: ( وها نحن قائلون به، أي: لأجل ما يثبت من موافقته لغيره الذي هو ثابت، لا أنه يقال بالواهي من غير حجة فإن ضعف إسناد الحديث لا يمنع أن يكون متنه ومعناه حقًّا، ولا يمنع أيضا أن يكون له من الشواهد والمتابعات ما يبن صحته.(1/120)
ومعنى الضعف عندهم ( أي أهل الحديث ) أنا لم نعلم أن راويه عدل أو لم نعلم أنه ضابط، فعدم علمنا بأحدهما لا يمنع الحكم بصحته، لا يعنون بضعفه أنا نعلم أنه باطل، فإن هذا هو الموضوع وهو الذي يعلمون أنه كذب مختلق، فإذا كان الضعف في اصطلاحهم عائد إلى عدم العلم فإنه يطلب له اليقين والتثبت فإذا جاء من الشواهد أو المتابعات بالأخبار الأخرى ما يوافقه صار ذلك موجِبًا للعلم بأن راويه صدق فيه وحفظه والله أعلم.
5- أما رواية الخلال في كتاب السنة له، وكذلك القاضي أبو يعلى في كتاب التأويلات - لهذا الحديث: بلفظ لما كانت ليلة أُسرى بي رأيت ربي في أحس صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري، قال: فوضع يده... الخ الحديث.
فهذا الحديث كذب موضوع - على هذا الوجه - بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث، وهذا لم يذكره الإمام أحمد فيما ذكره من أخبار هذا الباب، ولا أحد من أصحابه الذين أخذوا عنه لا فيما يصححونه ولا فيما عللوه، وكذلك ابن خزيمة لم يذكره لا فيما صححه ولا فيما علله، ولا رواه الأئمة الذين جمعوا في كتب السنة أحاديث الباب كابن أبي عاصم والطبراني وابن منده وغيرهم، لأنه من الموضوعات التي لا يجوز ذكرها لمن علم بها إلا أن يبين أنها موضوعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَن حدّث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .
وهذا الحديث من أبطل الباطل من وجوه عديدة:
ـ فقد جاء من طريق سفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي ومع ذلك لم يأت به أحد عنهما من أصحابهما مع كثرتهم واشتهارهم.
ـ وأيضًا فأحاديث المعراج قد رواها أهل الصحيح من حديث مالك بن صعصعة وأبي ذر وأنس وابن عباس وأبي حبة الأنصاري ورواه أهل السنن والمسانيد من وجوه أخرى وليس في شيء منها هذا،مع توفر الهمم والدواعي على ضبط ذلك لو كان له أصل. وهذا التأويل يوجب العلم ببطلان هذا.(1/121)
ـ وأيضا فقوله في الحديث ( ونقل الأقدام إلى الجُمعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ) يدل على بطلان هذا الحديث على هذا الوجه؛ فإن المعراج كان بمكة وفي تلك الليلة فرضت الصلوات الخمس ولم تكن جمعة، فقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن أول جمعة في الإسلام - بعد الجمعة بالمدينة - جمعة بالبحرين بجواثى + ،، قرية من قرى البحرين وهذا من العلم المتواتر الذي لا يتنازع فيه أهل العلم.
6- أما ما يوجد في كتب أخرى، ويوجد عند كثير من الشيوخ ( شيوخ الصوفية والعامة ) من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في بعض سكك المدينة أو في بعض مخارج مكة أو أنه ينزل عشية عرفة فيعانق المشاة ويعانق الركبان، ونحو هذه الأحاديث التي فيها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في اليقظة في الأرض،فكلها من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم،فليعلم ذلك.
7- روى الخلال هذا الحديث من وجه آخر هو الصواب لأنه جمع الطرق، فرواه عن أبي هريرة مرفوعًا وعن قيس بن طارق مرسلا. بلفظ: رأيت ربي في منامي في أحسن صورة فقال فيما يختصم الملأ الأعلى الحديث.
8- إنما اعتقد صحة الحديث الذي رواه الخلال والقاضي وأبو يعلى لما كانت ليلة أُسرى بي رأيت ربي في أحسن صورة وأن الرؤية ليلة المعراج في اليقظة إنما اعتقد صحة هذا من لم يكن له بالحديث وألفاظه ورواياته خبرة تامة من جنس الفقهاء وأهل الكلام والصوفية ونحوهم فلهذا ذكروه من بين متأول ومن بين راد للتأويل ثم المثبتة تزيد في الأحاديث لفظا ومعنا فيثبتون ببعض الأحاديث الموضوعة صفات،ويجعلون بعض الظواهر صفات ولا يكون كذلك، والنافية تنقض الأحاديث لفظا ومعنى، فيكذبون بالحق ويحرفون الكلم عن مواضعه.
9- المتأولون لهذا الحديث كالمريسي وذويه وابن فورك ونحوهم - يجعلون هذا في اليقظة ويتأولونه كما فعل المؤسس ( أي الرازي في كتاب تأسيس التقديس).(1/122)
10- الإسراء وإن كان حقا، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءت بها آثار ثابتة، وهذا الحديث قد يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه بالمدينة بالمنام، لكن هذا الحديث بهذا اللفظ المذكور في ليلة الإسراء من الموضوعات المكذوبات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لما كانت ليلة أُسرى بي رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيما يختصم الملأ الأعلى، وإنما ذكر أن ربه أتاه في المنام وقال له هذا، ووضع يده بين كتفيه، بالمدينة في المنام؛ ولهذا لم يحتج أحد من علماء الحديث بهذا، ولم يثبته أحد في الأحاديث المعروفة عند أهل العلم.
11- قيل لأحمد أحاديث الإسراء منام، قال هذا كلام الجهمية .
قلتُ: وجهه أن الجهمية تنكر أن الله في العلو وأن محمدًا أعرج به إليه في العلو، فلهذا قالوا: الإسراء منام وأنكروا أن يكون في اليقظة.
12- رؤيا الأنبياء وحي، ومن ذلك هذا الحديث: رأيت ربي في أحسن صورة، فقال: فيما يختصم الملأ الأعلى... الحديث هذا وحي قال الله تعالى عن خليله إبراهيم فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ .
13- قال المؤلف شيخ الإسلام رحمه الله: (فصل )
إذا عرف أن الحديث الذي فيه ( رأيت ربي أو أتاني ربي في أحسن صورة، وقال فيما يختصم الملأ الأعلى، وفيه: فوضع يده بين كتفي ) إنما كان بالمدينة وكان في المنام وهو حديث ثابت: ظهر خطأ طائفتين:
- طائفة تعتقد أنه كان في اليقظة ليلة المعراج، وتجعله من الصفات التي تقررها أو تحرفها.
- وطائفة تنكر الحديث وترده، لأنها تنكر رؤية الله في المنام وهم طائفة من الجهمية .
14- رؤية الله في المنام جائزة بلا نزاع بين أهل الإثبات وإنما أنكرها طائفة من الجهمية وكأنهم جعلوا ذلك باطلا وإلا فما يمكنهم إنكار وقوع ذلك.(1/123)
15- قال شيخ الإسلام:
الإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رأوه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده حقا أُتى من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس - إلى قوله - وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين - والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي، وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه وقول من يقول - ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه ونحو ذلك - إذا حمل على مثل هذا - كان محملا صحيحًا فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبا مشابها لها فالله تعالى أجل وأعظم.
16- تأويل الرازي لحديث: ( رأيت ربي في أحسن صورة وفيه، فقال فيم يختصم الملأ الأعلى وفيه فوضع يده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي ) قال الرازي قوله: رأيت ربي في أحسن صورة يحتمل أن يكون من صفات الرائي وهو الرسول، وفيه وجهان، ويحتمل أن يكون من صفات المرئي وهو الله تعالى وفيه وجوه.(1/124)
وقوله: ( فوضع يده بين كتفي ) فيه وجهان، وقوله: ( بين كتفي ) فإن صح فالمراد منه كذا، وقد روى ( بين كنفي ) بالنون، وقوله: (فوجدتُ بردها ) يحتمل كذا ويحتمل كذا وقوله:( فوجدت برد أنامله ) تأويله كذا..... الخ.
وهذه التأويلات ناقشها المؤلف وردها وأبطلها بوجوه متعددة تراجع في رد المؤلف عليها.
17- أنكر أحمد على من نفى أحاديث رؤية الله في الدنيا مطلقًا؛ لأن من الجهمية طوائف يقولون: ( إن الله لا يجوز أن يرى بالأبصار ولا بالقلوب أصلا، وطوائف يقولون: إنه لا يجوز أن يرى في المنام أيضًا، وهؤلاء يجحدون كل ما فيه إثبات أن محمدًا رأى ربه سواء كان بفؤاده أو في منامه أو غير ذلك، وهؤلاء جهمية ضلال باتفاق أهل السنة، ولهذا كان أحمد ينكر على هؤلاء لردهم ما في ذلك من الأخبار التي تلقاها العلماء بالقبول.
وإذا كانوا يمنعون أن محمدًا رأى ربه بفؤاده أو في منامه فهم لرؤية غيره أجحد وأجحد،وقد ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم ذلك عن طوائف من الجهمية حتى إن المعتزلة من يقول يجوز أن يرى بالقلوب بمعنى العلم ومنهم من ينكر ذلك كما نقل ذلك الأشعري في المقالات فقال: اجتمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار، واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا، وأنكر هشام الفوطي وعباد بن سليمان ذلك.
وهؤلاء النفاة يسمون مثبتة الرؤية مجسمة ويجمعون في نقل مقالات المثبتة بين الحق والباطل كما نقل الأشعري عنهم ما نقله من كتب المعتزلة فقال: واختلفوا في رؤية الله بالأبصار فقال قائلون: يجوز أن يرى الله بالأبصار في الدنيا، ولسنا ننكر أن يكون بعض من تلقاه في الطرقات وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام، وأصحاب الحلول إذا رأوا إنسانا يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه.(1/125)
وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم، وقالوا: إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك. حُكي عن بعض أصحاب معمر وكهمس وحُكي عن أصحاب عبد الواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون: إن الله يُرى على قدر الأعمال، من كان عمله أفضل رآه أحسن.
قال: وقال قائلون: إنا نرى الله في الدنيا في النوم، فأما في اليقظة فلا: وروى رقبة بن مصقلة أنه قال: رأيت رب العزة في النوم فقال: لأكرمن مثواه - يعني سليمان التيمي - صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة.
18- الذي عليه أكثر أهل السنة والحديث إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.
لكن اختلفوا: هل يقال: رآه بعين رأسه أو يقال رآه بقلبه أو يقال رآه ولا يقال رآه بعينه ولا بقلبه على ثلاث أقوال وهي ثلاث روايات عن أحمد على ما ذكر ذلك القاضي أبي يعلى وغيره، ولهذا جمع طائفة بين أقوال السلف في ذلك، فالرواية الواحدة عن أحمد وهي قول طائفة أنه يقال: رآه ولا يقال بعينه ولا بقلبه كما في مسائل الأثرم وذكره الخلال في كتاب السنة عن الأثرم .
وجمهور أهل السنة والعلماء على أنه رآه بقلبه لا بعين رأسه واستدلوا بحديث أبي ذر عند مسلم رأيت نورًا، نورٌ أنى أراه +؟ وحديث أبي موسى عند مسلم حجابه النور +، وحديث عائشة مَن حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب +.
وذهب بعض العلماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعين رأسه، وإليه ذهب ابن خزيمة في كتاب التوحيد، والنووي في شرح مسلم وأبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات أو الإبانة، وأبو إسماعيل الهروي في كتاب الأربعين له، والقرطبي والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات.
واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج + ، وبما ثبت عن الإمام أحمد أنه سئل: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج؟ قال: نعم رآه +.(1/126)
والصواب: ما عليه الجمهور من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بقلبه وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين حديث عائشة وحديث ابن عباس بأن حديث عائشة في نفي الرؤية محمول على رؤية العين وحديث ابن عباس في إثبات الرؤيا محمول على رؤية القلب، وكذا ما روي عن الإمام أحمد يجمع بينهما بذلك، وبذلك تجتمع الأدلة وهذا هو الحق.
روى الخلال عن جيش بن سندي أن أبا عبد الله ( يعني أحمد بن حنبل ) سئل عن حديث ابن عباس أن محمدًا رأى ربه فقال بعضهم يقول بقلبه، فقيل له: أيما أثبت عندك؟ فقال في رؤية الدنيا قد اختلفوا فيها، وأما في رؤية الآخرة فلم يختلف فيها إلا هؤلاء الجهمية قيل له: تعيب على من يكفرهم قال:لا، قيل: فيكفرون، قال: نعم.
ففي هذا الجواب أنهم سألوه عما يروى عن ابن عباس من إطلاق الرؤية فقال بعض الرواة يقيدها بالقلب، ولما سئل أيما أثبت عندك لم يجزم بأحد الطرفين، لكن ذكر أن السلف تنازعوا في ذلك ولم يتنازعوا في رؤية الآخرة، فيحتمل أنهم تنازعوا هل رآه بقلبه أم لا ويحتمل أنهم تنازعوا هل رآه بقلبه أم لا؟ويحتمل أنهم تنازعوا في إثبات الرؤية مطلقًا ومقيدًا، وفي إطلاق نفيها لكن استقر أمره على إثبات ما ورد في ذلك من الأحاديث الثابتة والرد على من نفا موجبها.
فوائد في إثبات الصورة لله تعالى 5
من قال أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر لأنه كذب بالقرآن وبالسنة المتواترة يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا كما أفتى بذلك الإمام أحمد كما سبق قريبا وكما في مجموع الفتاوى وهذا قول جمهور العلماء وجمهور أهل السنة وهو الصواب.
19- طرق حديث ( رأيت ربي ) كثيرة ترجع إلى أربع طرق:(1/127)
1- طرق حديث أم الطفيل امرأة أبي بن كعب قال أبو بكر الخلال حدثنا محمد بن علي الوراق حدثنا إبراهيم بن هانئ حدثنا أحمد بن عيسى وقال له أحمد بن حنبل حدثهم به فحدثهم به في منزل عمه حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر عن أم الطفيل امرأة أُبي بن كعب أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موقر رجلاه في خضر، عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب .
قال الخلال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الله بن وهب فذكره بإسناده عن أم الطفيل أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في المنام في أحسن صورة، شابا موقرا رجلاه من خضر، عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب، ورواه أبو بكر عبد العزيز ( غلام الخلال ) حدثنا محمد بن سليمان حدثنا ( أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب فذكره بإسناده عن أم الطفيل امرأة أُبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رأيت ربي في المنام في خضر من الفردوس إلى أنصاف ساقيه، في رجليه نعلان من ذهب وهذا الحديث الذي أمر أحمد بتحديثه قد صرح فيه بأنه رأى ذلك في المنام وهذه الألفاظ نظير الألفاظ التي في حديث ابن عباس .
2- طرق حديث بن عباس رضي الله عنهما قال الخلال حدثنا أبو بكر المروزي قال قرئ على أبي عبد الله ( يعني أحمد ) قال حدثنا شاذان حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن محمدًا رأى ربه فذكر الحديث قلت أنهم يطعنون في شاذان يقولون قال بلى قد كتبته عن عفان عن رجل عن حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي، وقال المروزي في موضع آخر: قلت لأبي عبد الله فشاذان فكيف هو، قال ثقة وجعل يثبته وقال في هذا يشنع علينا.(1/128)
قلت: أليس العلماء تلقته بالقبول قال: بلى، قلت أنهم يقولون: إن قتادة لم يسمع من عكرمة قال هذا لا يدري الذي قال وعجبت وأخرج إلي كتابه فيه أحاديث مما سمع قتادة من عكرمة فإذا ستة أحاديث سمعت عكرمة حدثنا بهذه المروزي عن أبي عبد الله .
قال الخلال حدثنا المروزي حدثني عبد الصمد بن يحيى الدهقان سمعت شاذان يقول أرسلت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رأيت ربي، قال حدِّثْ به فقد حدّث به العلماء، قال الخلال حدثنا الحسن بن ناصح حدثنا الأسود بن عامر ( شاذان ) حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه شابا أمرد جعدا قططا في حلة خضراء ورواه القطيعي والطبراني قالا حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا الأسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء. وفي بعض الروايات ( في صورة ) وفي بعضها جعدا قططا أمرد في حلة حمراء والصواب في حلة خضراء ورواه الحافظ أبو الحسن الدارقطني فقال حدثنا عبد الله بن جعفر بن جيش حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه عز وجل شابا. وهذان الحديثان حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس بطرقهما المتعددة ليس فيها اختصام الملأ الأعلى وإنما فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام في صورة شاب وفي حديث ابن عباس زيادة أمرد وجعد قطط.(1/129)
أما الحديث الذي فيه اختصام الملأ الأعلى فهو حديث خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن عن عائش الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات عن عبد الرحمن ين عايش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات عن خالد بن اللجلاج عن ابن عياش وهو تصحيف في اسم ابن عائش وكذا حديث ثوبان فيه اختصام الملأ الأعلى.
3- طرق حديث ابن عائش الحضرمي عن معاذ وهو حديث معاذ بن جبل روى طرق هذا الحديث الخلال وابن خزيمة وغيرهما من وجوه عن الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قال قلت: أنت أعلم يا رب، قال ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قال قلت لا أدري يا رب، قال فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماء والأرض، قال قرأ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قال: قلت في الكفارات يا رب، قال وما هن قلت: المشي إلى الجمعات، وإسباغ الوضوء على المكاره، قال فقال ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات ( إطعام الطعام ) وطيب الكلام وأن يقوم بالليل والناس نيام، وقال اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني إليك غير مفتون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهن حق. وقال أبو بكر بن خزيمة رواه الوليد حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا خالد بن اللجلاج حدثني عبد الرحمن بن عائش قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قال، قلت أي رب مرتين، فوضع كفه بين كتفي،(1/130)
فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماء والأرض، ثم تلا وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قال فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد قال في الكفارات يا رب، قال وما هو؟ قلت: المشي إلى الجمعات، والجلوس في المساجد وانتظار الصلوات، وإسباغ الوضوء على المكاره، فقال الله، من فعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه.
ومن الدرجات إطعام الطعام، وطيب الكلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام، وقال اللهم إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموهن، فوالذي نفسي بيده إنهن لحق. قال ابن خزيمة حدثنا أبو قدامة وعبد الله بن محمد الزهري ومحمد بن ميمون المكي قالوا حدثنا الوليد بن مسلم .
قال الإمام أبو بكر بن خزيمة قوله في هذا الخبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عبد الرحمن بن عايش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة، وإنما رواه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه أيضا سمعه من الصحابي، لأن يحيى بن أبي كثير رواه عن زيد بن سلام عن عبد الرحمن الحضرمي عن مالك عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، حدثنا أبو موسى محمد بن مثنى حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير وهو ابن محمد عن يزيد قال أبو موسى وهو يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عائش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال خرج علينا رسول الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله.(1/131)
قال ابن خزيمة وجاء قتادة بلون آخر فروى معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عياش أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت ربي في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك وسعديك قال فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت يارب لا أدري فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، فقال يا محمد قلت لبيك وسعديك قال: فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت: يارب في الكفارات، المشي على الأقدام إلى الجمعات وإسباغ الوضوء في المكروهات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فمن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا حديث أبي موسى وقال بندار قال: ( أتاني ربي في أحسن صورة ).
وقال: قلت في الدرجات والكفارات وقال: ( انتظار الصلاة بعد الصلاة ) لم يقل الصلوات قال ورواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عياش ورواه من طريق معمر ثم قال أبو بكر رواية يزيد وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر أشبه بالصواب حين قال عن عبد الرحمن بن عائش من رواية من قال: عن عبد الله بن عياش فإنه أي ( عبد الرحمن بن يزيد ) قد روى عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي وهو ابن عائش إن شاء الله حدثنا مالك بن يخامر السكسكي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قربة الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا ثم ثوب بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.(1/132)
فلما صلى دعا بصوته على مصافكم كما أنتم ثم أقبل إلينا وقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي في أحسن صورة ، فقال: يا محمد فقلت لبيك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى، قال قلت: لا أدري قالها ثلاثا، قال فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفته فقال يا محمد قال فقلت لبيك، قال يا محمد قلت لبيك، قال فيم يختصم الملأ الأعلى قال قلت في الكفارات قال وما هن قلت مشي على الأقدام إلى الجمعات وجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات قال: ثم فيما قال قلت إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام: قال سل فقلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها حق فتعلموها وادرسوها.
حدثنا أبو موسى حدثنا معاذ بن هانئ حدثنا جهضم بن عبد الله القيسي حدثنا يحيى بن كثير عن زيد بن سلام أنه حدثه عبد الرحمن الحضرمي قال أبو موسى وهو ابن عائش الحديث على ما أمليته قلت أي (شيخ الإسلام) هذه الطريقة أتم الطرق إسنادا ومتنا وفيها بيان أصل الحديث، فإن غيره رواه عن ابن عياش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو حق فإن الرجل معاذ بن جبل لكن لم يذكر الواسطة بينهما وهو مالك بن يخامر وهو من أكابر أصحاب معاذ والأخصاء به، ورواه الآخر عن ابن عياش مرسلا، لكن غلط في ذكر لفظ السماع.(1/133)
وهذه رواية أهل الشام لهذا الحديث وهم به أعرف لأنه مخرج من عندهم، وأخذه أبو قلابة - وكان قد قدم الشام - من هذا الشيخ - خالد بن اللجلاج لكن وقع تصحيف في اسم ابن عائش بابن عياش فحدث به البصريين، وأسنده عنه تارة، وأرسله أخرى ولم يتجاوز به ذلك، لأن خالد بن اللجلاج لم يكن يستوفي إسناده، بل تارة يذكره عن ابن عياش عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن زيد بن سلام لما رواه عن ابن عائش أسنده واستوفاه لأنه كان مكتوبا عنده فهذه الروايات يصدق بعضها بعضا إذ قد رواه عن شخص أكثر من واحد، لكن بمجموع الطرق انكشف ما وقع في بعضها من غلط في بعض الطريقة.
4- طرق حديث ثوبان قال أبو بكر بن خزيمة ورواه معاوية بن صالح عن أبي يحيى وهو عندي سليمان بن عامر عن أبي زيد عن أبي سلام الحبشي أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة الصبح حتى أسفر فقال إنما تأخرت عنكم إن ربي قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت لا أدري يا رب، فرددها مرتين أو ثلاثا ثم أحسست بالكف بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، ثم تجلى لي كل شيء وعرفت، قال قلت نعم يا رب يختصمون في الكفارات والدرجات، والكفارات المشي على الأقدام إلى الجمعات وإسباغ الوضوء في الكريهات، وإنتظار الصلاة بعد الصلاة،والدرجات إطعام الطعام وبذل السلام والقيام بالليل والناس نيام ثم قال يا محمد اشفع تشفع وسل تعط،قال فقلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني،وإذا أردت في قوم فتنة فتوفني وأنا غير مفتون، اللهم أني أسألك حبك وحب من يحبك وحبا يبلغني إلى حبك، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا عمي حدثنا معاوية.(1/134)
وذكر ابن خزيمة الاختلاف في هذا الحديث وذكره الإمام أحمد فذكر أبو بكر الأثرم في كتاب العلل قال سألت أحمد عن حديث فيه عبد الرحمن بن عائش الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي في أحسن صورة فقال يضطرب في إسناده الخ. قال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات ظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه لكن ليس هذا مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء. قال القاضي: وظاهر الكلام عن أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل وتقديما لهم، وثباتا عن عدالتهم، قال وهو ظاهر ما عليه أصحابنا لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في سننه ولم يتعرض للطعن عليه.
في حديث اختصام الملأ الأعلى إثبات خمس صفات لله عز وجل:
أحدها: صفة الكف؛ لقوله في الحديث: فوضع كفه بين كتفي.
والثانية: صفة الأنامل؛ لقوله في الحديث: حتى وجدتُ برد أنامله بين ثديي.
والثالثة: إثبات صفة اليد؛ لقوله في بعض ألفاظ الحديث فوضع يده بين ثديي.
والرابعة: إثبات الصورة لله لقوله: رأيت ربي في أحسن صورة.
الخامسة: إثبات صفة الكلام لقوله: فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى.
فوائد في الفقه
فوائد في الفقه 1
التركة من العقار والأراضي والبيوت المؤجرة والنقود إذا لم تقسم ومر عليها سنين، فالنقود وما يقبض أيضًا من أجرة البيوت تُزَكّى بكل حال وأما العقار من الأراضي والبيوت غير المؤجرة والأمتعة وغيرها فليس فيها زكاة، إلا إذا قصد أصحابها بها التجارة.
تُقطع يد السارق في ربع دينار أي: في ربع مثقال؛ لأن الدينار هو المثقال، ونِصاب الذهب عشرون مثقالا وهي عشرون دينارًا.
وربع المثقال وربع الدينار يعادل بالجنيه السعودي والإفرنجي سُبع جنيه، أي: واحد من سبعة من الجنيه، وعلى هذا فالجنيه مثقالان إلا ربع، أو ديناران إلا ربع دينار.
من دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح ولم يصلِّ ركعتي الفجر فإنه مخيّر بين أحد أمرين:(1/135)
أحدهما: أن يصليهما بعد ارتفاع الشمس وهذا أفضل.
والثاني: أن يصليها بعد صلاة الفجر مباشرة، وقد جاء في ذلك حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح ابن حبان بسند جيد، وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يصلي بعد الفجر فسأله، فقال: لم أصل ركعتي الفجر فصليتهما الآن، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ++
إذا صلى وهو مكشوف العاتقين والكتفين من دون عذر وهو واجد ما يستر به كتفيه فالجمهور على أن الصلاة صحيحة؛ لحديث جابر ++ حينما صلى وقد وضع رداءه على المشجب، وقال شيخنا: لا تصح صلاته بل يعيدها؛ لحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقهِ مِنْهُ شَيْءٌ ++ وفي لفظ مسلم " عَاتِقيْهِ" ++ فإن لم يجد ما يستر به كتفيه فالصلاة صحيحة.
من توضأ ثم ذكر وهو يغسل رجليه أنه نسي مسح رأسه وهو على الماء فإنه يمسح رأسه في الحال، ثم يغسل رجليه ويصح وضوءه.
تقديم اليمين على الشمال في غسل الرجلين واليدين في الوضوء سُنة عند الجمهور وليس بواجب. قال شيخنا: إنه واجب؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ هكذا وداوم على تقديم اليمين، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي + ++
حديث ابن عباس في البخاري في توقيت المواقيت، وفيه: حتى أهل مكة من مكة هذا في الحج بالنسبة لأهل مكة يهلون بالحج من مكة أما العمرة فإن أهل مكة لا بد لهم في الإهلال بها من الخروج إلى الحل؛ لحديث عائشة -رضي الله- عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تخرج مع أخيها عبد الرحمن إلى الحل فتحرم منه للعمرة وعائشة وإن كانت آفقية فحكمها حكم أهل مكة ؛ لأنها أحلت من الحج، والمحل من الآفقيين في مكة حكمه حكم أهل مكة .(1/136)
فحديث عائشة يخصص حديث ابن عباس لأن حديث ابن عباس قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قديمًا في المدينة، وحديث عائشة في حجة الوداع، وحديث ابن عباس عام وحديث عائشة خاص فيخص عموم حديث ابن عباس في استثناء العمرة لأهل مكة في أنهم يحرمون بها من الحل.
إذا أقيمت الصلاة والمأموم يصلي نافلة ؛ ذهب كثير من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم إلى أنه يتمها خفيفة ولا يقطعها، واستدلوا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ .
وذهب آخرون -وهو الصواب- إلى أنه يقطعها؛ لحديث البخاري إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ( يراجع الحديث ).
فهذا الحديث خاص والآية عامة، والسنة تخصص القرآن، إلا إذا رفع من الركوع في الثانية فإنه يتمها لأنه بقي عليه أقل من ركعة، وأقل صلاة ركعة كالوتر، بخلاف ما إذا بقي عليه ركعة فإنه يقطعها لئلا تفوت عليه شيئًا من الفريضة كركعة أو تكبيرة الإحرام، وهذا يدل على عناية الشارع بالفريضة وأن لها شأنًا وإنها إذا أقيمت فإنه يتهيأ لها ولا يتشاغل بغيرها.
التسمية في الحمام هل يسمي للوضوء في الحمام؟
الجواب: نعم لأن التسمية في الوضوء واجبة، والأحاديث التي فيها النهي عن ذكر الله في محل قضاء الحاجة ضعيفة، ولا يترك الواجب لأمر لم يثبت إلا عن طريق ضعيف.
الحد مكفر للذنب ومطهر للعاصي وكذلك التوبة مكفِّرة، وقد جمع الله لماعز والغامدية بين المطهرين بين التوبة والحد.
فوائد في الفقه 2(1/137)
الوضوء من أسباب المغفرة وصلاة ركعتين من أسباب المغفرة، وكذلك الصلوات الخمس، ولكن هذا مشروط باجتناب الكبائر عند الجمهور وهو الصحيح كما في الحديث ما لم تصب المقتلة والمقتلة: هي الكبيرة، وكما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إلى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إذا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وكما في الآية: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الآية.
الجمع بين حديث بسرة بنت صفوان في أن مس الذكر ينقض الوضوء، وحديث طلق بن علي في أن مس الذكر لا ينقض الوضوء.
الصواب العمل بحديث بسرة وأن مس الفرج ينقض الوضوء مطلقًا سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، فرج الرجل أو المرأة أو الدبر، حتى مس المرأة فرج الطفل عند تنظيفه وغسله، لكن هذا إذا كان المس بالكف من دون حائل بطن الكف أو ظهره من الأصابع إلى الرسغ.
(1) أما حديث طلق بن علي فهو إما منسوخ بحديث بسرة ؛ لأنه متقدم على حديث بسرة حيث أن طلق بن علي قدم على رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يبني مسجده.
(2) وإما مرجوح فإن حديث بسرة أصح سندًا من حديث طلق فإن حديث طلق مطعون في سنده، وحديث بسرة صحيح الإسناد، وحديث بسرة رواه من الأئمة أكثر من الذين رووا حديث طلق كالترمذي .
ويؤيد هذا الجمع: أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل عن الأصل والشريعة ناقلة.
(3) أما الجمع بينهما: يحمل حديث بسرة على استحباب الوضوء، وحديث طلق على الجواز كما ذهب إليه شيخ الإسلام وجماعة، فليس بصحيح وليس بجيد لما ورد في بعض روايات حديث بسرة فقد وجب عليه الوضوء فدل على أنه واجب لا مستحب.
فوائد في الفقه 3(1/138)
حكم إجبار المرأة على النكاح وعقد النكاح لها بغير إذنها فيه تفصيل بين البِكر والثيب، والبكر دون تسع سنيين وبعدها، والأب وغيره من الأولياء (ذكر في التعليق)، فالثيب لا بد من إذنها وهو إجماع، وأما البكر فالجمهور على أن الأب يستأذنها وهو الصواب وغيره من الأولياء بالإجماع لا بد من استئذانها فإن لم يستأذنها لم يصح النكاح.
وذهب بعض العلماء إلى أن الأب لا يستأذن البكر؛ لأنه أعلم بمصلحة ابنته ولأنه كامل الشفقة، لكن هذا القول ضعيف مخالف للأحاديث الصحيحة كحديث: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن وحديث: البكر يستأذنها أبوها وقد استدلوا بحديث: واليتيمة تستأمر .
والجواب: أن الحديث لا مفهوم، له بل المراد تأكيد الاستئذان وأهميته لليتيمة، وإلا فغير اليتيمة تستأذن، قالوا: فهو يدل على أن غير اليتيمة لا تستأذن. ( يُرجع للرد).
فإذا عُقد عليها بدون رضاها ثم أجازته بعد الدخول فهذا تصرف فضولي من الولي كالبائع بدون إذن صاحب المال، والصحيح إنها إذا أجازته صح النكاح كالبيع ثم يجيزه، أو يذبح شاته ثم يجيزه، ولا يحتاج إلى تجديد العقد؛ لأن العقد موقوف على الإجازة وقد أجازه المالك.
وقيل: يجدد العقد بمهر وشاهدي عدل، وإن جدده احتياطًا فحسن، ومثله نكاح الشغار إذا رغبت فيه بعد ذلك جدد العقد بمهر وشاهدي عدل؛ لأن مهرها الأول بما أستحل من فرجها، والأولاد يلحقون بأبويهم لأنه نكاح شبهه لكن إذا أدخلت المرأة على الزوج وسكتت ولم ترفض وهى لا تصيح وتقول: "لا أريده" فإنها تعتبر راضيه، فإذا قال وليها: أنه زوجها برضاها ثم سكتت عند الدخول، ثم ادعت بعد ذلك أنها لم تستأذن، فلا يُقبل منها.
أما الصغيرة: التي دون تسع، فالصواب أنه يجوز للأب خاصة أن يزوجها للمصلحة كخشية فوات الكفء لا للطمع والهوى كما في قصة عائشة رضي الله عنها فإن أبا بكر رضي الله عنه زوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي بنت سبع.
فوائد في الفقه 4(1/139)
المسافر يقصر إذا فارق بيوت البلد وإذا كان المطار خارج البلد كمطار الرياض فإنه يقصر في المطار.
العبرة بفعل الصلاة من حَضَرٍ أو سفر، فإذا دخل الوقت وهو في الحضر ثم سافر فإنه يصليها في السفر قصرًا خارج البلد، وإذا دخل الوقت وهو مسافر ولم يصليها إلا في الحضر فإنه يتم.
الجزية عند أحمد والشافعي والجمهور لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس لآية براءة، وقالوا: إنها مخصصه لعموم حديث بريدة وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعُهم إلى ثلاث خصال: الإسلام، والجزية، والسيف وقوله فيه: وإذا حاصرت أهل حصن المراد بهم: أهل الكتاب؛ لأنهم هم أهل الحصون، وذهب مالك إلى أنها تؤخذ من جميع المشركين،وذهب أبو حنيفة إلى إنها تؤخذ من الجميع إلا من مشركي العرب ومجوسيهم.
متى تغتسل المرأة من الحيض؟
الجواب: تغتسل إذا انقطع الدم ورأت القصة البيضاء أو رأت الجفوف.وهو ماء أبيض يخرج دليلاً على الطهر، فإن لم يخرج فإنها إذا احتشت بقطنة بيضاء وخرجت سليمة نظيفة اغتسلت، ولا تجلس بعد انقطاع الدم يومًا كاملا كما قال بعض العلماء، بل إذا مضى ساعة أو ساعتين بعد انقطاعه اغتسلت وصلت احتياطًا لدينها، ولو رجع الدم فإنها تجلس.
فوائد في الفقه 5
التصوير حرام، تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والحيوان والطيور والحشرات إذا كان لها ظل فهي حرام بإجماع العلماء، أما الصور التي لا ظل لها كالصور في الورق والخرق والجدران فهي حرام عند جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة، وخالف في ذلك بعض التابعين.
والصواب: المنع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: من صوَّر صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وهذا عام، ولحديث الستر في بيت عائشة وعدم دخول جبريل عليه السلام حتى قطعته قطعتين، ولحديث أبي الهياج الأسدي لا تدع صوره إلا طمستها... والطمس: يكون فيما لا ظل له، ولحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة وجد في جدران الكعبة صورًا فجعل يمحوها بالماء.(1/140)
أما إباحة بعض المعاصرين للصور الفوتوغرافية ( الشمسية ) وادعائهم إنها عكس وإنها حبس للظل فهذا مكابرة، أما صور غير ذوات الأرواح فلا بأس به كما قال ابن عباس ( صور الشجر وما لا روح فيه )، ودليل ذلك حديث: من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح فإنه يدل على أن ما لا روح فيه فلا بأس.
يستثنى من الصور ما دعت إليه الضرورة والحاجة كصورة الحفيظة وقيادة السيارة وجواز السفر والبطاقة والشهادة؛ قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ .
فوائد في الفقه 6
فائدة حديث: لا يقبل الله صلاة حائض ألا بخمار دليل على أن المرأة البالغ وهي المراد الحائض لا بد أن تستر جميع بدنها في الصلاة رأسها بالخمار وبدنها بالثوب إلا الوجه، فيجب كشفه بالإجماع إذا لم يكن عندها رجال أجانب إلا اليدين على الصحيح، أما القدمان فيجب سترها لحديث أم سلمة أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال عليه السلام: نعم إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها فإن صلت وقدماها ظاهرة أو شيء من يديها فإنها تعيد الصلاة لعدم سترها لعورتها، ويدل الحديث على أن البنت التي لم تبلغ فإنه يجوز أن تصلى ولو لم يكن عليها خمار؛ لأن عورتها من السرة إلى الركبة فقط حتى تبلغ.
المستحاضة التي أطبق عليهم الدم لها ثلاث حالات:
أحدها: أن تكون معتادة فهذه تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي.
الثاني: المميزة التي لا عادة لها أو نسيت عادتها لكن لها تمييز فهذه تعمل بالتمييز الصالح فتجلس إذا كان الدم صالحًا لدم العادة وهو الأسود والثخين والمنتن، وتغتسل وتصلي في وقت الدم غير الصالح للعادة كالأحمر والأصفر والرقيق والأبيض.(1/141)
الثالث: المبتدئة ومثلها المتحيرة التي أطبق عليها الدم وقد نسيت العادة ولا تمييز لها بأن يكون الدم كله أسود أو كله أحمر، فهذه تجلس ستة أيام أو سبعة أيام وتتحرى على عادة نسائها: أخواتها وجداتها وعماتها وخالاتها.. تتحرى الستة أو السبعة وتصلي من الشهر ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين يومًا بعد الاغتسال على حسب عادة نسائها، على حديث حمنة بنت جحش تحيض في علم الله سبعة أيام أو ستة .
فوائد في الفقه 7
إذا خرج مسافرًا إلى المطار، ثم صلى في المطار - فإن كان المطار في البلد فإنه يتم الرباعية.
وإن كان المطار بعيدًا كمطار الرياض فإنه يقصر الرباعية؛ لأنه فارق البنيان.
له أن يجمع بين الظهرين أو العشاءين في السفر، ولو كان يغلب على ظنه أن يقدم البلد قبل الصلاة الثانية، فإذا قدم البلد ووجدهم يصلون الثانية صلى معهم نافلة ، وكذلك إذا دخل الوقت وهو مسافر ثم صلى فإنه يقصر الرباعية؛ لأنه حين صلى وجد سبب القصر، فإن أخر الصلاة حتى قدم بلده أو أخر صلاتي الجمع كالظهرين والعشاءين حتى قدم بلده فإنه يصلي الأولى ثم الثانية ، ويتم الصلاة لعدم وجود سبب القصر.
إذا ذكر وهو في صلاة الفريضة أنه لم يصل الفريضة التي قبلها فإنه يتمها نافلة، كمن ذكر وهو يصلي العصر أنه لم يصل الظهر، فإنه يتمها نافلة ثم يصلي الظهر ثم يصلي العصر مرتبًا، إلا إذا كان الوقت ضيقًا لا يتسع لأكثر من ركعات الفريضة فإنه يتمها ثم يصلي الفريضة، أما إذا ذكر فائتة...
يجب على المرأة أن تغطي قدميها في الصلاة فإن كشفتها فإنها تعيد الصلاة لحديث أُمِّ سَلَمَةَ أنها سَأَلَتْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: هل َتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: إذا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا اضغط هنا.(1/142)
أما اليدان فالأولى سترهما فإن كشفتهما صحت الصلاة لكونها محتاجة، والعادة جارية بكشفها. ( قلتُ: هذا ليس بمقنع ).
فوائد في الفقه 8
ورد في صحيح البخاري أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما صلى بإزاره وردائه على المشجب فيحتمل أنه التحف بإزاره عملا بحديث: إن كان الثوب واسعًا فَالْتَحِفْ به، وإن كان ضيقًا فأتَزِرْ به وإن لم يكن التحفَ به فإنه لا يرى ستر أحد العاتقين.
والصواب: أنه لا بد من سترهما مع القدرة؛ لحديث: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء .(1/143)
إذا وافق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته؛ والدليل على ذلك أن أَبَا مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَنَا وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ: إذا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإذا كَبَّرَ الْإمام فَكَبِّرُوا، وَإذا قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّهُ، وَإذا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا؛ فَإِنَّ الْإمام يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ. قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإذا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعْ اللَّهُ لَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإذا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإمام يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَتِلْكَ بِتِلْكَ، فَإذا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَبْعُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ تَحِيَّةُ الصلاة .
فَإذا كَبَّرَ الْإمام فَكَبِّرُوا فأتى بفاء التعقيب، وقد قرر هذا النووي في شرح مسلم ص 120 جـ4 فقال: لو كبر المأموم للإحرام وقد بقي للإمام منها حرف لم تنعقد صلاته بغير خلاف.(1/144)
أذكار المساء تبدأ بعد العصر وتستمر بعد المغرب وبعد العشاء وأذكار الصباح تبدأ بعد الصبح وتستمر بعد الشمس وبعد الظهر
الجمع بين الأحاديث التي فيها النهي عن سفر المرأة إلا مع محرم - ثلاثة أيام أو يوم وليلة، وأقل ما ورد بريد.
الجمع أن كل ما يسمى سفرًا فليس لها أن تخرج إلا بمحرم، لكن البريد قليل.
صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح في أصح قولي العلماء. فإن صلى أعاد الصلاة لحديث لا صلاة لمنفرد خلف الصف وليس له أن يجر أحدًا لأنه تصرُّف في الغير وإحداث فرجة في الصف، ونقل له إلى المفضول، وأما حديث: هلَّا اجتررتَ رجلا فهو حديث ضعيف.
إذا صلى الإمام بالناس وبعد الصلاة قال لهم: إني صليتُ على غير وضوء فإنهم لا يعيدون الصلاة وصلاتهم صحيحة؛ لأنهم صلُّوا كما أمرهم الله؛ ولحديث أبي هريرة عند البخاري يصلون لكم، فإن أصابوا فلهم ولكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم .
فوائد في الفقه 9
سئل شيخنا: عن رجل صلى مع الرافضة خلف رافضي وهو لا يعلم فأجاب: يعيد الصلاة؛ لأن الرافضة يعبدون آل البيت.
وسئل عمن صلى المغرب خلف إمام يصلي العشاء جاهلا أو عالمًا فقال: الصلاة صحيحة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإذا قام الإمام للرابعة فإنه يجلس ويثبت جالسًا حتى يسلم الإمام، ثم يسلم معه، وليس له أن يسلم بعد الثالثة ثم يدخل معه في الركعة الأخيرة بنِيَّة صلاة العشاء؛ لأن هذا يحتاج إلى تأمل ونظر ودليل.
فائدة: بيع السلعة بثمن مؤجل أكثر من الثمن الحالِّ جائز عند جمهور العلماء، وهو كالإجماع من العلماء، وقد نص القرآن على جوازها في قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وقد اشترى -النبي -صلى الله علية وسلم- طعامًا بثمن مؤجل.(1/145)
يجوز أن يكون المهر قليلا أو كثيرًا، ولا حد لأقله ولا لأكثره عند جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ولقوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا .
ليس للوالد أن يفاضل بين أولاده في العَطِيّة والمساواة بينهم تكون بإعطاء الذكر مثلي ما للأنثى، وقيل: الذكر مثل الأنثى، والأرجح الأول؛ لأن الله جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وهو العدل.
لا يجب المساواة بين الأولاد في الكسوة مثلاً، بل يُكسى بما يحتاجه؛ فكسوة الكبير غير كسوة الصغير، وهذا هو المساواة: أن يكسي كل واحد ما يحتاجه.
ليس للوالد أن يفضل أحد أولاده لأنه يشتغل عنده وبار به، والآخر بعيد عنه لكن، إذا كان يشتغل عنده بماله فإنه يعطيه أجرة المِثل كالأجنبي، بأن يعقد معه عقد أجرة مضاربة بنسبة وجزء من الربح مقابل عمله كالأجنبي، وكذلك من كان فقيرًا يجب على والده أن ينفق عليه إذا كان غنيًّا،ولا يجب عليه أن يعطي الآخر إذا كان غنيًّا مثل ما أعطى أخاه الفقير من النفقة.
وكذلك إذا كان أحد الابنين له أولاد، والآخر ليس له أولاد وكانا فقيرين، يعطي كل منهما ما يكفيه من النفقة ولا يتساويان، فمن عنده أولاد يحتاج إلى نفقة أكثر، فالعدل أن يعطي كلا ما يسد حاجته.
ومن النفقة التي يحتاجها الولد الزواج، فإذا كان أحدهما فقيرًا لا يستطيع أن يتزوج زوَّجَه، والآخر غني يستطيع أن يتزوج لا يزوجه؛ لأن الزواج من النفقة وهذه فائدة مهمة.
فوائد في الفقه 10
امرأة تصلي المغرب ثم نسيت وهي في الصلاة وأتمتها على أنها صلاة العشاء أربع ركعات ثم أوترت فماذا عليها؟
الجواب: الواجب عليها أن تعيد فتصلي المغرب أولا ثم تصلي العشاء لأنها غيّرت نيتها.(1/146)
إذا سبق الحدث الإمام بأن أحدث وهو في الصلاة أو تذكر أنه على غير طهارة فإنه يستنيب من يُكمل بالمأمومين الصلاة بأن يتأخر ويقدِّم أحد الذين خلفه فيكمل بهم الصلاة، هذا هو الصواب خلافًا للأصحاب من الحنابلة القائلين بأنه لا يستنيب في هذه الحالة بل يستأنفون الصلاة، وإنما يستنيب من يكمل بهم الصلاة إذا لم يسبقه الحدث.
والدليل على أنه يستنيب فعل الصحابة وعمر رضي الله عنهم لما طُعن وهو يصلي بالناس الفجر قدّم عبد الرحمن بن عوف فأكمل بهم الصلاة مع أن جرحه يثعب دمًا، فإذا استأنفوا الصلاة فلا حرج.
ثبت في صحيح مسلم أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جمع في غزوة تبوك وهو نازل.
إذا عقد على امرأة ولم يدخل بها ثم طلقها أو مات عنها فهل تَعْتَدّ أم لا؟
إذا طلقها فلا عدة عليها؛ لقول الله تعالى: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا أما إذا مات عنها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لعموم آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .
الأوقات في حق المريض والمسافر ثلاثة:-
- من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهذا للفجر.
- ومن زوال الشمس إلى اصفرار الشمس وهذا للظهر والعصر.
- ومن غروب الشمس إلى منتصف الليل وهذا للمغرب والعشاء، أما غيرهما فالأوقات في حقه خمسة.
فوائد في الفقه 11
الحيض أكثره خمسة عشرة يومًا عند الجمهور وهو الصحيح، فإذا جاء المرأة الدم فإنها تجلس إلى خمسة عشر يومًا فإن زاد عن هذه المدة فإنه يكون استحاضة تغتسل وتصلي وتصوم، والذي أطبق عليها الدم إما أن تكون معتادة أو مميِّزة أو متحيرة.(1/147)
الجمهور على أن النهي عن الوضوء بفضل طهور المرأة منسوخ بأحاديث الجواز، والقول الثاني أنه -أي النهي - للتنزيه أو خلاف الأولى، وهذا أرجح لأن الجمع مقدم على النسخ.
قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد في أصح أقوال أهل العلم، لكنها تسقط عن المأموم في أربعة أحوال:
-الأول: إذا أدرك الإمام راكعًا، أو قبيل الركوع ولم يتمكن من قراءتها.
-الثاني: إذا نسي قراءتها.
-الثالث: إذا كان جاهلا.
-الرابع: إذا كان مقلدًا لمن يقول بعدم وجوبها لأنها في حق المأموم واجب مخفف، بخلاف الإمام والمنفرد؛ فإنها ركن في حق كل واحد منهما في كل ركعة.
من أراد الجهاد في سبيل الله فإنه يكفيه تعلم ما لا بد منه من إقامة دينه ثم يجاهد ولا يلزمه أن يتعلم ما زاد على ذلك من التفاصيل لأمور الدين.
أخرج ابن خزيمة وابن حبان بسند جيد أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند الخروج من المسجد اللهم أجرني من الشيطان وروى أبو داود بسند لا بأس به أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند الدخول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم .
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر في البيت سُنَّة لا واجب، خلافًا لابن حزم لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كنتُ مستيقظةً حدثني وإلا اضطجعَ أما حديث أبي داود: من صلى ركعتي الفجر فليضطجع فهو حديث لا يصح؛ في سنده الأعمش عن أبي صالح عنعن وهو مدلس، وفي طريق أخرى قال: عمن حدثني عن أبي صالح فدل على أن الأعمش دلسه عن ضعيف لم يسمِّه، ولو صح فلا يكون دليلا على الوجوب؛ لأن ترك النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- الاضطجاع في ببعض الأحيان يدل على أنه للاستحباب لا للوجوب، ففيه الرد على ابن حزم القائل بوجوب الاضطجاع.(1/148)
المُغْمَى عليه، هل يقضي الصلاة والصيام أم لا؟ فيه خلاف، والصحيح أنه إذا كان الإغماء ثلاثة أيام للآثار في ذلك عن بعض الصحابة فأقل فإنه يقضي؛ لأنه يشبه النائم فهو ملحق به، وأما إذا كان أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا يقضي لأنه يشبه المجنون فهو ملحق به، وقيل: يقضي.
فوائد في الفقه 12
مَن أخّر الصلاة عن وقتها متعمدًا لا ناسيًا ولا نائمًا معذورًا كمن ينام عن الفجر متعمدًا لا يقوم إلا للعمل ثم يصلي - فهو كافر؛ لحديث: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر وحديث: بين الرجل وبين الكفر ترْكُ الصلاة هذا هو الصواب، وقال الجمهور من المتأخرين: لا يكفر، بل يكون مرتكبًا لكبيرة من الكبائر ويقضيها فيكون كفرُه كفرًا أصغر.
الاستمناء للصائم إذا استمنى الصائم، فإنه يفسد صومه، ويقضي ذلك اليوم، ولا كفارة عليه وعلية التوبة؛ لأن الكفارة خاصة بالجماع. ( شيخنا ).
وأما المذي للصائم ففيه خلاف،أرجحها: لا يقضي خلافًا لمذهب الحنابلة.
إذا حضرت الصلاة ولم يجد الماء وكان عليه حدث أكبر أو أصغر تيمم وصلى للحدث الأكبر والأصغر؛ لحديث عمار إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا - وضرب بيده الأرض.. الحديث، ولا يؤجل الصلاة كما قاله عمر لعمار فالصواب مع عمار .
وقد كان من قبلنا يؤجلون الصلاة إذا لم يجدوا الماء، فخص الله هذه الأمة بالتيمم. ( يراجع مع الشيخ ).
تزويج الوالد لابنه الذكر من الحوائج والنفقة التي تخص كل واحد ولا يجب المساواة فيها فكل واحد من الأولاد له ما يناسبه من النفقة والثياب والحلي إلى غير ذلك.
فوائد في الفقه 13
المذي للصائم: الصواب أن خروج المذي من الصائم لا يفسد الصيام ولو متعمدًا، بأن قبَّل متعمدًا؛ لأنه ثبت في الصحيح أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كان يقبِّل وهو صائم.
خلافًا للأصحاب من الحنابلة فإنهم يرون أن المذي يفسد الصوم، وأرجح القولين في المسألة: أن المذي لا يفسد الصوم.(1/149)
أما المني: إذا أخرجه الصائم بأن استمنى فخرج المني فإن صومه يفسد وعليه قضاء ذلك اليوم؛ لقول رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في وصف الصائم في الحديث القدسي: يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي لكن ليس عليه كفارة؛ لأن الكفارة خاصة بالجماع.
من أفطر يظن أن الشمس قد غربت وهو صائم ثم تبين إنها لم تغرب بأن طلعت الشمس، أو أكل يظن أن الليل باق ثم تبين له أن الفجر قد طلع، في هاتين المسألتين خلاف لأهل العلم:
القول الأول: قيل أن صومه صحيح فيهما، ولا يقضي؛ لأنه معذور بجهله، والجاهل معذور سواء كان جاهلا بالحكم أو جاهلا بالحال، وهذا جاهل بالحال في المسألتين، فإنه جاهل بحال الشمس وأنها لم تغرب، وجاهل بحال الفجر وأنه لم يطلع؛ ولحديث أسماء أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس قال هشام بن عروة راوي الحديث: ولم يؤمروا بالقضاء. ( يُراجع ).
القول الثاني: أن صومه يفسد في المسألتين وعليه القضاء فيهما، وهذا هو أرجح القولين وبه قال جمهور العلماء؛ لأن عليه أن يعتني ويتأكد من غروب الشمس ويحتاط، وليس له أن يفطر بالظن أنّ الشمس غربت، كذلك عليه أن يتأكد من طلوع الشمس ويتأمل ولا يدخل في غرفة أو بيت ويأكل ويقول: إن الفجر لم يطلع، ولما ورد في حديث أسماء المتقدم أنه سئل هشام بن عروة راوي الحديث: هل أُمروا بالقضاء؟ قال: لم يؤمروا بالقضاء. ( يراجع الحديث ).
الفطر للمسافر يجوز للمسافر الفطر في رمضان، ويجوز له الصيام، وقالت طائفة وهم الظاهرية: يجب الفطر واختلف العلماء في الأفضل منهما، فقيل: الصيام، وقيل: الفطر، وقيل: هما سواء، وإذا شق الصيام فالفطر أفضل قولا واحدًا لحديث: ليس من البر الصيام في السفر قاله رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لمّا رأى رجلا ظُلل عليه وقد سقط من الصوم.
والأرجح من هذه الأقوال: أن الفطر هو الأفضل.(1/150)
أما إذا كان السفر للجهاد والقتال فإنه يجب الفطر؛ لأن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لما خرج في رمضان عام الفتح أمر أصحابه بالإفطار، ولما وصلوا كراع الغميم أمرهم بالإفطار وقال: إنكم مُلاقو العدو غدًا والفطر أعون عليكم ثم لمّا بلغه أن قومًا صاموا قال: أولئك العُصاة، أولئك العصاة ( يراجع الحديث ).
من عليه أيام من رمضان، هل له أن يصوم الست من شوال قبل قضائها؟
الجواب: فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنه يجوز له أن يصوم الست قبل القضاء
الثاني: أنه يكره له صيام الست قبل القضاء.
الثالث: وهو أرجحها أنه لا يجوز له صيام الست قبل القضاء؛ لحديث: من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوّال... ومن صام الست قبل القضاء لم يصم رمضان، ومن أدلة المجيزين قول عائشة كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أقضيه إلا في شعبان لمكانة رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مني ويجاب عنه بأنه ليس فيه أنها صامت الست قبل القضاء.
فوائد في الفقه 14
في الحج عن الغير ممن لم يحج عن نفسه في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: يجوز مطلقًا، روى هذا عن مالك وأبي حنيفة وجماعة.
الثاني: لا يجوز مطلقًا، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، ولعله مذهب الجمهور.
الثالث: يجوز إذا لم يستطع أن يحج عن نفسه: ذهب إليه الثوري وأرجحها القول الثاني؛ ودليله حديث شبرمة وفيه: حِج عن نفسك ثم حج عن شبرمة .
حكم الحج عن الميت نفلا الجواب: الجواز؛ والدليل إطلاقات الأحاديث، وعموم حديث شبرمة .
حكم الحج عن الحي نفلا لا يجوز لعدم الدليل.
حكم الأضحية عن الحاج الجواب: سُنة؛ لأن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ضحى بشاتين في حجة الوداع، ومن زعم أنها وهم من بعض الرواة فإنه لم يصب.
رجل سافر من الطائف بعد دخول وقت الظهر فلما وصل إلى جدة قصر صلاة الظهر وجمعها مع العصر.(1/151)
جواب: عند الحنابلة أنه ليس له أن يقصر الصلاة التي دخل وقتها وهو في الحضر والصواب: الجواز، وأن العبرة بفعل الصلاة لا بدخول الوقت، فإذا دخل وقت الصلاة وهو في الحضر وصلاها في السفر فإنه يقصر، وإذا دخل وقت الصلاة وهو في السفر وصلاها في الحضر أتم الصلاة.
المذي: يجب فيه غسل الذكر والأنثيين - أي الخصيتين- كما في الحديث: اغسل ذكرك وأنثييك (شيخنا).
ترْكُ الصلاة كسلا كُفرٌ مخرج من الملة في أصح قولي العلماء، ومن الأدلة على ذلك حديث مسلم بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وحديث: أحمد وأصحاب السنن: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ونقل عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي إجماع الصحابة أنهم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ إلا الصلاة، ومن الأدلة حديث النهي عن الخروج على الأمراء وولاة الأمور أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة مع الحديث الآخر: إلا أن تروا كفرًا بواحًا أي واضحًا.
فيؤخذ من مجموع الحديثين أن تركَ الصلاة كفرٌ بواح، ومن الأدلة الآيتان في سورة التوبة: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ .
أما من لم يكفِّر تارك الصلاة فقد استدل بنصوص فضل التوحيد وأن الموحّد يدخل الجنة، ويجاب عنه بأن من شرط التوحيد أن لا يكون معه ناقض من نواقض الإسلام، وترْك الصلاة كفر ينتقض معه التوحيد والإسلام.
ومن أدلتهم: حديث عبادة بن الصامت وفيه: خمس صلوات كتبهن الله على العباد، مَن أتى بهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذّبه، وإن شاء أدخله الجنة .
قالوا: فقد جعل تارك الصلاة تحت مشيئة الله وهذا يدل على أن ترك الصلاة كبيرة لا كفر.(1/152)
وأجيبُ بأن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة؛ لأن في سنده المخدجي وهو مجهول فيكون ضعيفًا، قاله الذهبي في الميزان.
فوائد في الفقه 15
حكم العمرة في رجب
الجواب: إنها مستحبة لما ثبت عن ابن عمر أن عمر كان يعتمر في رجب وهو خليفة راشد، وقد قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وتوهيم ابن عمر غير صحيح.
الأهِلَّة أدلتها كثيرة مستفيضة، وإلى العمل بهذه الأدلة ذهب الجمهور، وهو العمل بالأهلة في صوم رمضان وفي دخول ذي الحجة فلا يعمل بالحساب، وقد نقل ابن تيمية الإجماع على ذلك، وشذ بعض المتقدمين فأجاز العمل بالحساب منهم مطرف بن عبد الله بن الشخير وذهب إليه ممن تأخر ابن سريج .
وهو قول فاسد مصادم للأدلة فلا يُعوَّل عليه، أما وضع الجداول لمعرفة الفصول والأعمال الدنيوية فلا بأس به.
كشف عَضُدِ المرأة وساقها لمحارمها غير زوجها فيه خلاف بين العلماء، والأحوط المنع؛ لأن بعض المحارم يخشى شره.
سماع الغناء إذا لم يكن معه موسيقى ولا مزمار محرم عند جمهور العلماء وهو الصواب، فإن كان معه موسيقى أو مزمار أو ربابة أو عود ونحوها فهو حرام بإجماع العلماء، وقد بسط العلامة ابن القيم هذه المسألة في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، فليراجع فإنه مفيد جدًّا.
شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الرجل إذا طلق زوجته، فإنه لا يلحقها بعدها طلاق حتى يراجعها مطلقًا بأي لفظ فعمم في جميع الحالات إلا إذا راجعها أخذًا من قوله تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق -طلاق الثلاث- على عهد رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- واحدة .(1/153)
قال شيخنا: ولا أعلم أحدًا سبقه إلى هذا القول، أما الذي نفتي به، فإنه إذا طلق بلفظ واحد كأن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو طالق بالثلاث فهي واحدة، أما إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي ثلاثٌ إذا لم يقصد التأكيد أو إفهامَها، وكذلك إذا قال: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، بكلمة ( ثم ) فهي ثلاث، ومثله: أنت مطلقة ثم مطلقة.
إذا كبّر الإمام فكبّر المأموم وانقطع صوته قبل انقطاع صوت الإمام لم تنعقد صلاة المأموم، ومن باب أولى لو كبّر المأموم قبل الإمام؛ للحديث الصحيح: إذا كبَّرَ الإمام فكبِّرُوا والفاء للتعقيب.
فوائد في الفقه 16
الأحاديث في المسح على الجبيرة كلها ضعيفة، لكن المسح عليها للضرورة، فيكون الدليل عليها الضرورة، وتنبيه النص وإرشاده والقياس الجلي، وهو أن النص جاء بالمسح على الخفين، وإذا كان الخفان يُمسح عليهما للترفه، فالمسح على الجبيرة أولى لأنها للضرورة، وبالقياس الجلي - ومثله أن الله حرّم التأفيف للوالدين في قوله تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ فتحريم الضرب والشتم أولى بالقياس الجلي.
فكذلك إذا رخص في المسح على الخفين للترفه فالمسح على الجبيرة بالقياس الجلي أولى، وقد يقال: إن الأحاديث في المسح على الجبيرة يشد بعضها بعضًا فتكون من باب الحسن لغيره.
عند الحنابلة: أنه يشرع للقارئ أن يقف عند آية الرحمة ويسأل، وآية العذاب فيستعيذ، وآية التسبيح فيسبح في النافلة وفي الفريضة، قالوا: ولو في فرض إشارة إلى الخلاف القوي، والصواب في المسألة أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إنما يفعل ذلك في قيام الليل ولم يحفظ عنه في الفريضة، وكأن الحكمة -والله أعلم- أن الفريضة يشرع فيها التخفيف لئلا يشق على المأموم.
التيمم طهارة بدل الماء، في أوله تسمية وفي آخره تشهد ( أشهد أن لا إله إلا الله )... إلى: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) كالوضوء.(1/154)
إذا تبع المسبوق الإمام في الركعة الزائدة واعتد بها عالمًا بالحال جاهلا بالحُكم فيه خلاف، قيل: تبطل صلاته ويعيد الصلاة، وقيل: لا يعيد، وهو الصواب، وإن عاد احتياطًا فلا بأس.
إذا سبّح بالإمام ثقتان وجب عليه الرجوع إلى قولهما، إلا إذا تيقن صواب نفسه، فلا يجب عليه الرجوع إلى قولهما، أما إذا سبّح به واحد فلا يرجع إليه؛ لحديث ذي اليدين والإمام معذور في استمراره، والمأموم إذا تيقّن أن الركعة زائدة فلا يتابعه فيها، بل يجلس حتى يسلم الإمام ثم يسلم معه.
فالخلاصة: أن لكلٍّ اجتهاده، فالإمام له اجتهاده، والمأموم له اجتهاده.
فوائد في الفقه 17
هل يجوز إخراج الزكاة نقودًا عن التمر والبر ؟
الجواب: يجوز في أصح قولي العلماء، إذا رأى أن ذلك أنفع للفقير، وهو مذهب الأحناف، خلافًا لجمهور العلماء في عدم الجواز.
لبس الثوب الأحمر للرجل
الأحمر المقدم -الخالص- مكروه عند ابن القيم وجماعة، أما إذا كان فيه خطوط فلا كراهة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا كراهة؛ لحديث: إن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء .
صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ( رواه أحمد وأصحاب السنن بسند جيد من حديث عروة البارقي لكن قال النسائي زيادة "والنهار" خطأ، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يصلي في النهار أربع ركعات بسلام واحد، على مفهوم حديث: صلاة الليل مثنى مثنى رواه البخاري في الصحيح، والصواب: أن لفظة "والنهار" ليست خطأ؛ لأن زيادة الثقة مقبولة وإن خالف الأكثر، وعليه فلا يجوز الصلاة في النهار إلا مثنى مثنى كالليل خلافًا للجمهور.
المسبوق بركعة أو أكثر وكذا من سلّم عن نقص ركعة فأكثر يقوم بنية الصلاة لإتيان ما بقي عليه بدون تكبير؛ لأنه كبر حين جلس ولأنه لم يُحفظ أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قام بالتكبير لما سلّم عن نقص في إحدى صلاتي العشي، وإن قام بالتكبير فلا بأس.
تأليف كتاب وأخذ مال على طباعته لا بأس به لأنه ملكه.(1/155)
جلسة الاستراحة سُنّة عند بعض أهل الحديث خلافًا للجمهور؛ فإنهم لا يقولون بها، وهل هي سنة في الفريضة والنافلة، نعم سنة فيها.
إذا صلى وفي ثوبه صورة فصلاته صحيحة مع الكراهة، والصورة محرمة إلا إذا أزال الرأس منها بالكلية، لا يُجعل خط في الحلق عندئذ يزول المحذور، ويستثنى من ذلك الصور التي يحتاجها الإنسان ويضطر إليها، مثل: صور دفتر العائلة، والشهادة ورخصة القيادة، وجواز السفر، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وكذلك صور المجرمين من أجل البحث عنهم والقبض عليهم.
فوائد في الفقه 18
إذا أحدث المصلي وهو في سجود السهو فإن كان قبل السلام بطلت صلاته، وعليه أن يتوضأ ويستأنفها، وإن كان السجود بعد السلام فإنه يتوضأ ويسجد للسهو فقط هذا هو الأقرب وعند كثير من الفقهاء أنه يسقط عنه السجود، إذا طال الفصل أو أحدث فيه لا سجود عليه.
قول الله -تعالى- في الحديث القدسي في الصائم: يدَع شهوته وطعامه من أجلي.. المراد بالشهوة: الجِماع؛ لأنه كمال الشهوة، فيفسد به الصوم وعليه الكفارة، وكذا خروج المني من دون جماع مفسد للصوم بدون كفارة، وهو داخل في قوله: ( يدع شهوته ) فإذا أخرج المني بلمس أو تقبيل أو نظر فسَدَ صومه ووجب عليه الغسل، ووجب عليه القضاء.
أما خروج المذي فلا يفسد الصوم في أصح قولي العلماء، والمذهب عند الحنابلة يفسد الصوم في أول عبارة في زاد المستقنع في باب الصوم.
المسافر إذا وصل إلى بلدٍ فله أن يصلي الظهر والعصر والعشاء قصرًا في بيته أما المغرب والفجر فليس له أن يصلي في بيته، بل عليه أن يجيب المؤذن ويصلي في المسجد لأنهما لا يقصَران،بخلاف الظهر والعصر والعشاء فإنها تقصر، فله صلاتها في البيت ( شيخنا ).
ترك القيام لصلاة الفجر باستمرار ولا يجعل ساعة تنبهه، ولا أحد يوقظه، يخشى عليه من الكفر؛ لأنه متعمد تأخيرها، والمؤخر لها عمدًا يكفر.(1/156)
الجماع في نهار رمضان ناسيًا أو جاهلا لا يفسد الصوم على الصحيح كالأكل والشرب ناسيًا، وكذا الجماع في الحج ناسيًا أو جاهلا لا يفسد الحج على الصحيح ولا يوجب الفدية، وقال الجمهور: يفسد الحج ويجب الفدية لقضاء بعض الصحابة بذلك ولم يفرقوا بين العامد والناسي، أخذ بذلك الأئمة وجمهور العلماء.
ركعتي الطواف سنة عند الجمهور وواجب عند شيخ الإسلام وابن القيم وجماعة.
بيع الأسهم في الأراضي والعقارات والبيوت والمعدات والأطعمة والمكائن والأثاث والمفروشات إذا كانت معلومة فلا بأس بها، أما الأسهم في المصارف والبنوك فلا يصح بيعها؛ لأنها بيع نقود بنقود فلا يصح بيعها.
فوائد في الفقه 19
ما حكم من خرج من فمه قلْس وهو يصلي فألقاه في الأرض أو في منديل؟
الجواب: صلاته صحيحة ووضوءه صحيح، والحمد لله.
إذا لم تقسم تركة الميت ومضى عليها سنون فهل تُزَكى أم لا؟
النقود يُزكى عن كل عام، أما العقار من البيوت والأراضي وكذا الأثاث لا يزكى؛ لأنه لم يعد للتجارة.
الذين تصح شهادتهم في النكاح من الأقارب هم الأخوة وأبناؤهم، والأعمام وأبناؤهم، دون الأصول والفروع، وهم: الآباء والأجداد والأبناء وأبناؤهم، لأنه قد تحتاج إليه في أداء الشهادة وهم متهمون، وكذا في المال والحدود والديون.
الصواب أن مسّ المرأة لا ينقض الوضوء ولو كان بشهوة، وأما استدلال بعضهم بأن مس المرأة بشهوة مظنة خروج المذي ومظنة الشيء يعطى حكمه، كما أن السفر مظنة المشقة فأعطي حكمها، والخلوة مظنة الدخول والجماع فيعطى حكمه، ويجاب عنه بأن النص دل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء ولو بشهوة ما لم يخرج منه شيء، وهو أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قبَّل بعض نسائه وهو صائم ثم خرج للصلاة ولم يتوضأ، ++ ويشهد له حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بالليل وهي معترضة في قِبلته اعتراض الجنازة، فإذا سجد غمز رجلها فتقبضها .(1/157)
إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل: نفي للكمال، وقيل: نفي للصحة، والأول مذهب الجمهور، وأقل الصلاة ركعة، فإذا بقي عليه ركعة فأكثر قطعها وتهيأ للفريضة.
فوائد في الفقه 20
من عليه قضاء أيام من رمضان فهل يصوم النفل قبل أم قضاء الفرض كأن يصوم الست من شوال؟ في هذه المسألة ثلاثة أقوال للعلماء:
1-لا يصح التنفل قبل القضاء.
2-الجواز.
3-يجوز، لكن قضاء الفرض قبل صيام النفل أفضل.
قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يدل على أن تعدد الزوجات هو الأصل، وأن الاقتصار على واحدة إنما يكون عند خوف العدل؛ لقوله -تعالى- في آخر الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
الجمهور على جواز صلاة أربع ركعات نافلة في النهار بسلام واحد ؛ لأن حديث: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى لفظة "والنهار" من رواية علي البارقي وهي خطأ، قاله النسائي والحديث رواه أحمد وأهل السنن، والصواب أنها ليست خطأ؛ لأنها زيادة ثقة، فهي مقبولة، فلا يصلي أربعًا بسلام واحد، أما في الليل فلا يجوز صلاة أربع ركعات بسلام واحد بالإجماع لما في الصحيحين من حديث ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى .
إذا اشترى سلعة ثم باعها في مكانها ولم ينقلها كما لو اشترى سيارة في المعرض ثم باعها قبل إخراجها، فلا يصح البيع؛ لحديث: نهى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن تُباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم والنهي يقتضي الفساد؛ لأنه يتعلق بذات المنهي عنه عند الجمهور وغيرهم.
العمرة في رجب مستحبة لفعل عمر وهو خليفة راشد، وقد قال النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم: عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي وتوهيم ابن عمر الراوي غير صحيح، لأن الأصل عدم الوهم، وذلك أن ابن عمر كما في الصحيح روى أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اعتمر في رجب، ووهمته عائشة .
فوائد في الفقه 21(1/158)
المرأة إذا ظاهرت من زوجها فعليها كفارة يمين، لأنها حرَّمت ما أحل الله لها؛ لأن الظهار لا يكون إلا من الرجل وعليه كفارة الظهار.
إذا تزوج امرأة ثم طلقها وله أولاد من غيرها فإنهم يكونون محارم لها، وإن كان الزوج الذي طلقها ليس محرمًا لعموم قوله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ الآية.
هل تعلُّم العلم فرض عَيْنٍ أم فرض كفاية؟
الجواب: تعلُّم ما يجب على الإنسان وما يحرم عليه فرض عيْن، أما تعلم ما زاد على ذلك من فروع الشريعة فهو فرض كفاية.
البصل والثوم عذر في سقوط الجماعة إذا أكله محتاجًا إليه، أما إذا أكله ليترك الجماعة حرم عليه ذلك، كما أن حضور العَشاء وتقديمه عُذر في التخلف عن الجماعة، فإن قصد تقديمه في وقت الصلاة حرم عليه ذلك، كما أن السفر عذر يبيح الفطر في نهار رمضان فإن سافر لأجل أن يفطر حرم عليه ذلك، ولا يجوز له الفطر، وكذا مدافعة الأخبثين ( البول والغائط ) عذر في التخلف عن الجماعة ويحصل له فضيلة الجماعة، لكونه معذورًا كالمريض والمسافر؛ لحديث أبي موسى إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا .
إذا أسقط آية من الفاتحة وكان إمامًا أو منفردًا عن غير عمد ولم يمكنه تداركها فإن الركعة تبطل ويأتي بركعة أخرى بدلها، فإن كان متعمدًا بطلت صلاته.
فوائد في الفقه 22
إذا رفع عضوًا من أعضاء السجود السبعة من أول السجود إلى آخره سهوًا أو جهلا بطلت هذه الركعة إذا لم يمكنه تداركها، ويأتي بركعة أخرى بدلها، فإن كان متعمدًا بطلت صلاته.
السُّنة المستحبة إذا كان يترتب على فعلها مفسدة تَرَكَها؛ لأن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، ولهذا أمثلة منها:
- الصلاة في النعلين سنة.
- رفع الثوب إلى نصف الساق
- خضاب الشيب بالحناء والكتم
- وضع السترة أمام المصلي عند الجمهور.(1/159)
فإذا كان يترتب على فعلها مفسدة من انتقاد بعض الناس تركَها، ومثلها جلسة الاستراحة، ومثلها الالتزام بأحكام التجويد على الصحيح فإنه مستحب.
القيء حكمه حكم البول فهو نجس عند كثير من العلماء فيجب غسله.
بيع الأسهم في شركة الكهرباء أو النقل الجماعي لا بأس به، لأنه في حكم المعلوم فهو كبيع الأسهم في الأراضي.
هل تنقل الأضحية والعقيقة فتذبح في بلد آخر أشد حاجة؟
الجواب: لا تنقل بل تذبح في البلد، يذبحها المسلم عنده في بلده لما في ذلك من إظهار للسنة، وكذا الأضحية الوصية، أما الأضحية التي يتبرع بها لأحد والديه أو لأحد أقاربه فلا بأس بنقلها لأن أمرها أوسع.
الجمهور على أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يومًا نصف الدهر، وذهب شيخ الإسلام إلى أنه لا حد لأقله ولا لأكثره، فلا حدّ لأقله ولو ساعة أو ساعتين فإنها تجلسها إذا كانت منتظمة، ولا حد لأكثره فلو انقطع الدم لعشرين يومًا صار عادة ما لم يطبق عليها الدم.
وذهب الأحناف إلى أن أكثر الحيض عشرة أيام، وهناك آثار عن أنس فإن صحت فهي حجة؛ لأن الصحابة أعرف الناس بالأحكام الشرعية ومقاصد الشريعة.
النفاس أكثره أربعون يومًا لحديث أم سلمة كانت النُّفَسَاء تجلس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يومًا أو أربعين ليلة والحديث وإن كان في سنده مسَّة وهي مقبولة إلا أن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، والحديث أخرجه الخمسة إلا النسائي وأخرجه الدارمي وهو من أحاديث البلوغ، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة وابن عبيد وهو قول عثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وهما صحابيان.
هل تحتجب المرأة عن محرمها الكافر كأخيها مثلا؟
الجواب: لا تحتجب إلا إذا كان يُخشى منه شيء كالفاسق المسلم الذي يخشى منه.
فوائد في الفقه 23(1/160)
أجداد الزوج وآباؤه من قِبَل الأب أو من قِبَل الأم كلهم لا تحتجب منهم زوجة ابنهم وكذلك آباؤه وأجداده من الرضاع؛ لدخولهم في عموم قوله تعالى: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ وأما قوله: مِنْ أَصْلَابِكُمْ فإنه احتراز عن الابن الدعي المتبنَّى الذي كان في أول الإسلام، قال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ .
إذا أتى المأموم الذي أدرك الصلاة من أولها مع الإمام بسجدتي السهو جاهلا بعد سلام الإمام فصلاته صحيحة؛ لأنه يعذر بالجهل، أما إذا تعمد فإنها تبطل صلاته.
ما تدهن به الأيدي والأرجل لا يؤثر في الوضوء ؛ لأنه لا جَرْمَ له فهو كالحناء، لكن إذا كان فيه شحم أزاله، أما ما يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا بد من إزالته قبل الوضوء كالعجين والطين والبوية والمناكير.
نقض شعر رأس المرأة المحرمة أو التي تريد أن تضحي وكذا مشطها رأسها لا بأس به ولو سقط شعر ميت من النقض أو المشط لا يضر؛ لأن المقصود بالنقض تسريح الشعر المفتول بأصابع اليد، والمقصود بالمشط فتل الشعر وجعله ضفائر سواء كان معه مشاط من حناء أو ورد أم لا؛ أما كد الشعر بالمشط فلا يجوز للمحرمة ولا للمضحية لأنه يسقط الشعر.
فائدة: ما تجعله المرأة على رأسها من المشاط من الورد أو الحناء عند الوضوء تمسح المرأة على رأسها من غير إزالة لشيء منه، بخلاف ما لو كان على أحد الأعضاء شيئًا له جَرْم فإنه يزال كالمناكير على الأظافر والبوية وما أشبهها، أما الحناء الذي يكون في اليد أو الرجل فلا شيء فيه؛ لأنه صبغ لا جرم له.
الجمهور على أن ما يؤكل لحمه روثه طاهر لحديث العرنيين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يشربوا من أبوال وألبان إبل الصدقة وذهب الشافعي إلى أن بول البعير وبعره نجس، وهو قول ضعيف مخالف للنص.(1/161)
قال شيخنا: يجوز تقديم صيام سبعة الأيام للمتمتع الذي لم يجد هديًا يجوز تقديمها قبل الحج في شوال أو ذي القعدة، وأما الآية: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ فالمراد: الرفق، قلت: وهذا يحتاج إلى تأمل.
من ترك الحلق في الحج أو العمرة حتى خرج من الحرم فما الحكم الجواب؟ يحلق بنية النُّسك في أي مكان ولا شيء عليه، وقال بعض العلماء: إذا خرج من الحرم يحلق وعليه دم، والصواب الأول.
من ترك طواف القدوم فلا شيء عليه عند الجمهور، وقال بعض العلماء: عليه دم، والصواب الأول.
اختلف العلماء فيمن جامع في العمرة بعد أن طاف وسعى وقبل الحلق أو التقصير فقال الجمهور: عليه دم، وقال عطاء لا شيء عليه، وقال الشافعي تفسد عمرته وعليه المضي في فاسدها وعليه قضاؤها، والصواب الأول.
فوائد في الفقه 24
إذا حاضت المرأة في الحج ولم تستطع البقاء فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
1- قول الجمهور: أنه لا بد من بقائها حتى تطهر ثم تطوف للإفاضة، أو تسافر ثم إذا طهرت رجعت ثم طافت، واستدلوا بما في الحديث من حديث عائشة أن صفية -رضي الله- عنهما لما حاضت قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أحابِستُنَا هي؟... قالوا: إن الحديث دليل على أن الحائض تحبس وليها.
2- أنها محصرة تذبح ثم تحل، فإن لم تجد صامت عشرة أيام ثم تحللت، وعليها حجة الإسلام إن لم تكن حجت قبل هذه الحجة.
3-إنها تتلجم وتطوف ولو كانت حائضًا للضرورة، وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو قول قوي.
الصبي يصح حجه وعليه إذا بلغ أن يحج حجة الإسلام لكن إذا لم يكمل الحج فهل يجب على وليه أن يكمل به أم لا؟
هذا محل نظر وتأمل، يُحتمل أن يقال: يجبُ عليه، ويُحتمل أن يقال: لا يجب؛ لأن الصبي غير مكلّف، والحج في حقه نافلة ( شيخنا ).(1/162)
إذا نسي الإمام الفاتحة ولم يذكر إلا في الركعة التي بعدها فإن الركعة التي نسي فيها الفاتحة تكون التي بعدها عوضًا عنها، ويشير إلى المأمومين بيده ليقوموا إلى الركعة الزائدة، فإن لم يفهموا وجلسوا فهم معذورون، وإذا سلم أمرهم أن يأتوا بركعة عوضًا عن الركعة التي بطلت على الإمام وعليهم، والكلام الذي جرى بين الإمام والمأمومين لا يؤثر؛ لأنه لمصلحة الصلاة.
فوائد في الفقه 25
الالتفات بالرأس في الصلاة لحاجة جائز كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ومن غير حاجة مكروه كراهة تنزيه ينقص ثواب الصلاة، لكنه جائز.
المساهمة جائزة وإذا دفع نقوده إلى شخص فإن كان على وجه الوكالة، والوكيل يعرف مكان الأرض ومساحتها ومقدار مساهمته جازَ، وإن لم يكن على وجه الوكالة فلا بد من معرفة مكان الأرض ومقدار مساهمته مثلا خمسة آلاف ريال من مليوني ريال تعادل مساهمته -مثلا- كذا من الأمتار.
صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وهو من مفردات مذهب الحنابلة، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنها تصح إذا لم يجد أحدًا يُصَفُّ معه، ولم يقدر أن يكون عن يمين الإمام.(1/163)
مرور المرأة بين يدي المصلي مذهب الحنابلة تقطع الصلاة لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ رواه مسلم وفي رواية عن الإمام أحمد ( لا يقطع إلا الكلب )، والجمهور على أن المرأة لا تقطع الصلاة، وقالوا: معنى تقطع: تنقص ثوابها، واستدلوا بحديث عائشة -رضي الله عنها- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، قَالَتْ: لَقَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلابًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلالا وحديث إنها قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإذا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإذا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ .
التأمين محرّم لما فيه من القمار والربا والغرر وأكل المال بالباطل، ولا يشبه التقاعد؛ لأن الموظف لم يدفع شيئًا للحكومة كما دفع إلى شركة التأمين، بل الحكومة اعتبرت للموظف حقًّا وزادته، وقد وجد في حاشية ابن عابدين ما يدل على تحريم التأمين.
إذا اغتسل مَن عليه جنابة ناويًا رفع الحدثين ارتفعا وسقط الترتيب بين أعضاء الوضوء لاندراج الأصغر في الأكبر، ولا يلزمه الوضوء بعد الغسل إلا إذا أحدث.
فوائد في الفقه 26(1/164)
الاستجمار إذا كان بثلاثة أحجار منقية أو بغير أحجار ولم يبق إلا أثر لا يزيله إلا الماء فإنه يكفي عن الاستنجاء بالماء، ولا يلزمه إعادته إلا إذا خرج شيء، واشترط الحنابلة أن لا ينتشر إلى الصفحة شيء من الخارج، ولم يشترطه شيخ الإسلام ابن تيمية .
وضع النقود في البنك أمانة لا بأس به؛ لأن البنك فيه الحلال والحرام، وقد قرر شيخ الإسلام أن أموال السلاطين التي يختلط فيها الحلال والحرام يجوز قبول جوائزهم منها، إلا إذا عرف أنه مال شخص بعينه فلا يجوز أخذه.
قلب الساعة من الغروبي إلى الزوالي جائز، وقد وجد في كلام المالكية ما يدل على الجواز، فإن ابن العربي قال في تفسيره للحديث الذي رواه أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذا خَرَجَ الإمام حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ رواه البخاري قال: إن الساعة الأولى بعد الزوال؛ لأن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، وإن كان هذا التفسير خلاف الأولى المعروف عند الجمهور.
اللحية حرام حلقها ومنها ما على عظم اللحيين أي: العارضين وما بعد نهاية الأذن، وفيها الدية كاملة لو ذهبت على وجه لا تنبت، وقد كان قيس بن سعد الأنصاري سيد الأنصار ليس له لحية لأنه أمرد مع ما فيه من الكرم والحلم، وكانوا يتمنون شراءها بالدراهم لسيدهم حتى تكمل رجولته.
لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف(1/165)
الأفضل للخطيب أن يخرج للخطبة إذا دخل الوقت ويجوز له أن يتقدم. ابن باز ، الشيخ عبد الله بن حميد .
الوضوء:
1- المضمضة.
2- مسح الرأس.
3- مسح الأذنين.
4- التسمية.
5- غسل اليدين ثلاثًا.
6- تقديم الشمال على اليمين.
المضمضة والاستنشاق سنة عند الجمهور وعند الإمام أحمد واجبان فيصح الوضوء بدونها عند الجمهور، خلافًا لأحمد فالاحتياط المحافظة عليهما.
مسح الرأس يجب تعميمه على أي كيفية، سواء بدأ من مقدم رأسه على قفاه ثم ردها إلى المكان الذي بدأ منه، وهذا هو الأفضل لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم، أو مسح مؤخر رأسه أو بدأ من وسط رأسه ثم مسح مقدمه ومؤخره، وإن ترك ثلاث شعرات مثلا فلا حرج للمشقة بالتعميم.
مسح الأذنين: الأذنان من الرأس، ويقول الفقهاء يأخذ لهما ماءً جديدًا استحبابًا. وذهب العلامة ابن القيم إلى أنه يمسحها بما بقي من بلل يديه بعد مسح رأسه، وكيفية مسحهما: أن يدخل إصبعيه السبابتين في صماخي أذنيه فيمسح بها داخل أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، ولا يجب مسح أسطوانة الأذن ولا غضاريف الأذن.
التسمية واجبة مع الذكر وهي أول واجب في الوضوء
غسل اليدين ثلاثًا قبل أن يبدأ في الوضوء مستحب ويجبُ من نومِ ليلٍ ناقضٍ لوضوء.
تقديم الشمال على اليمين في غسل اليدين أو الرجلين جائز، لكن الأفضل تقديم اليمين لحديث عائشة -رضي الله عنها: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في ترجله وتنعُّله وطهوره وفي شأنه كله ولو قدّم الشمال في اليدين أو الرجلين صح الوضوء لأن الله أوجب غسلهما بدون ترتيب إحداهما على الأخرى.
فوائد في الفقه 27
مسألة مصافحة النساء وتقبيلهن:(1/166)
أما النساء الأجنبيات فلا يجوز مصافحتهن كبنت عمه أو عمته أو بنت خاله أو بنت خالته أو زوجة أخيه أو زوجة ابن أخيه أو زوجة عمه أو زوجة ابن عمه أو زوجة خاله أو زوجه ابن خاله، لا يجوز مصافحتهن بل يكفي السلام بالكلام مع التحجب الكامل، وأقبح من ذلك تقبيلهن.
ولم يصافح النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة وإنما بايعهن بالكلام كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ إلى آخِرِ الآيَةِ.(1/167)
وكما جاء في الحديث: حَدِيث عائشة زَوْجِ النَّبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إذا هَاجَرْنَ إلى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ إلى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ، وَلا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إذا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلامًا .
وأما المحارم فيجوز مصافحتهن إلا إذا خشي الفتنة كما في هذا الزمان بسبب تبرج النساء وتطيبهن فإنه يكتفي بالسلام دون مصافحة إذا خشي الفتنة وثوران الشهوة، وكذلك المرأة إذا كان محرمها فاسقًا وخشيت الفتنة فإنها لا تصافحه بل تكتفي بالسلام من دون مصافحة.(1/168)
وأما تقبيل المحارم فإنه يجوز ولا سيما عند القدوم من السفر، لكن الأم والعمة والخالة يكون التقبيل مع الجبهة أو الرأس تكريمًا ويكره مع الفم، وأما البنت فيقبلها مع الخد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبَّل فاطمة مع خدها، وأما التقبيل مع الفم خاص بالزوجة.
فوائد في الفقه 28
مسألة:من دخل المسجد وقت النهي فهل يصلي تحية المسجد؟
في ذلك خلاف بين العلماء بعضهم يغلب جانب النهي وهم الجمهور: قالوا لأن أدلة النهي أصح وأكثر، وبعضهم يجيز فعل ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الطواف والكسوف، وهذا هو الصحيح، ولو تكرر دخوله إذا كان على طهارة بعد العصر والفجر وعند قيام الشمس، والأمر في ذلك ميسَّر، فلا ينكر على من جلس ولا على من صلى، أما الجالس في المسجد فلا يصلي فإن صلى أنكر عليه.
مسألة: المنفرد خلف الصف
قال بعض العلماء: يجترُّ واحدًا يصلي معه استدلالا بحديث رواه أبو داود هلّا دخلتَ معهم أو اجتررتَ رجلا والحديث لم يصح، والصحيح أنه يبحث عن فُرجة أو يقف عن يمين الإمام أو ينتظر من يصافه ولو كان صبيًّا إذا كان عاقلا يحسن الطهارة فإنه يصف معه، فإن لم يتيسر له واحد من هذه الثلاثة فإنه ينتظر حتى يسلم الإمام ويصلي وحده ويكون معذورًا في ذلك ولا يصف وحده خلف الصف اضغط هناوهذا مذهب الحنابلة، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رواية عن الإمام أحمد أنه يصف وحده.
مسألة: المنفرد ينوي الإمامة
لا مانع من أن ينوي المنفرد الإمامة؛ والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يصلي من الليل، فجاء ابن عباس فصف معه عن يساره فأداره عن يمينه وحديث جابر وجبار رضي الله عنهما أنهما صفا عن يمينه وعن يساره فأخذ بأيديهما فجعلهما خلفه، وهذا وإن كان في النفل فلا فرق بين الفرض والنفل إلا بدليل ولا دليل في التفريق.(1/169)
مسألة: إمامة الصبي تصح فرضا ونفلا على الصحيح لقصة عمرو بن سلمة أنه كان يتلقى الركبان القادمون من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيتعلم منهم فقدّمه قومه يصلي بهم وهو ابن سبع سنين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله وأما منع بعض العلماء لإمامة الصبي في الفرض فهو مرجوح.
فوائد في الفقه 29
مسألة: رفع اليدين للدعاء بعد الفريضة بدعة لا أصل لها، لم ينقل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة والتابعين، وأما النافلة فتكره المداومة على ذلك، لكن لو فعله في بعض الأحيان - كبعد صلاة الضحى أو صلاة الليل - فلا مانع من ذلك.
عند سماع المؤذن ينبغي الوقوف وترك العمل أيًّا كان وإجابة المؤذن سواء كان يقرأ أو في مؤتمر حتى يحصل على الأجر، ويقول مثل ما يقول إلا عند الحيعلتين فيقول: ( لا حول ولا قوة إلا بالله )، وقيل: يجمع بينهما فيقول: ( حي على الصلاة ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ومعناها: لا يحوِّل من حال إلى حال إلا الله، يعني: إنني لا أجيبك إلى هذه الصلاة والفلاح إلا بالله وحوله وقوّته.
ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول ما ورد إلى قوله: آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وبعض العامة يزيد ( والدرجة الرفيعة )، وهذا لم يرد، والدرجة الرفيعة هي الوسيلة، ومن قال ذلك فله مثل أجر المؤذن، وورد أنه يغفر له.
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إذا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ متفق عليه
مسألة: إذا حلف بالطلاق وقصد الحثَّ على الفعل أو المنع ؛ كأن يقول: عليه الطلاق أن تأكل ذبيحته، أو أن لا تخرج من بيته حتى تأذن له، فإنه يعتبر يمينًا تجب فيه كفارة يمين، وإن لم يقصد الحثّ والمنع فإنه طلاق، وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وعند الجمهور يقع الطلاق.(1/170)
مسألة: إذا صلى المسافر الظهرين أو العشاءين في السفر، ثم قدم في وقت الثانية كالعصر أو العشاء وصلى مع جماعة المسجد فإنها تكون له نافلة وصلاته الأولى التي صلاها في السفر هي الفريضة، وإذا قدم ولم يصلها ثم دخل المسجد فوجد الناس يصلون العصر أو العشاء فإنه يبدأ بالظهر أو المغرب فيصليها مع رفقته أو وحده لوجوب الترتيب، ثم يصلي العصر أو العشاء مع الجماعة إن أدركهم وإلا مع رفقته أو وحده.
مسألة: لا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم على الراجح من قولي العلماء، فيجوز أن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر والعكس، كما يجوز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة والعكس، والدليل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى ببعض أصحابه صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالآخرين ركعتين، ولا شك أن الثانية نافلة.
وكان معاذ بن جبل يصلي العشاء مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يذهب فيصلي بأصحابه، له نافلة ولهم فريضة.
مسألة: الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَة رضي الله عنه قالُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ رواه ابن ماجه والدارمي والترمذي وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وغالب الظن أنه ثابت وصحيح، ومعناه الذم للدنيا، أي: الدنيا مذمومة إلا ذكر الله وما والاه من الطاعات والإيمان، والمسلمون جميعًا داخلون فيما والاه فليسوا مذمومين؛ لأنهم يذكرون الله وكذلك العالم والمتعلم العلم الشرعي على سبيل نجاة.
مسألة: إذا أراد ابنا عم أن يتزوج كل منهما أخت الآخر، وأحدهما له أخ صغير رضع من أخته فلا بأس، ويكون الأخ المرتضع أخ لها فقط، لكن نلاحظ أنه إذا كان هناك اشتراط تبادل بين الأختين كأن يقول: أزوجك بشرط تزوجني، أو لا أزوجك إلا أن تزوجني، أو حصل تواطؤ على ذلك فلا يجوز؛ لأنه نكاح شغار.(1/171)
فوائد في الفقه 30
فوائد من سماحة الشيخ عبد الله بن حميد .
إذا كان لا يصلي في أول عمره أو لا يتوضأ فهل يقضي الصلوات عن السنوات الماضية أم لا؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يقضيها ولو كثرت، ولو يقضي مع كل صلاة صلاة، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم إلى أنه لا يقضيها؛ لأن ذنبها لا يكفي فيه القضاء وإنما يتوب توبة نصوحًا.
مسألة: إذا سافر قبل دخول الوقت فحضرت الصلاة فإنه يصليها قصرًا باتفاق العلماء، أما إذا سافر بعد دخول الوقت فذهب الحنابلة إلى أنه لا يقصر هذه الصلاة، وذهب جمهور العلماء إلى أنه يقصر أيضًا وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة.
مسألة: من يسافر على سيارته طول السنة فإن كان يجلس ويقيم في بلده ولو مرة في السنة لإصلاح السيارة مثلا فإنه يترخص برخص السفر: يُفطر في رمضان ويقصر ويجمع الصلاة، وأما إذا كان طول السنة يسافر ولا يجلس أبدًا في البلد - وأهله معه - وإذا خربت السيارة أخذ أخرى ولا يقيم أبدًا فهذا لا يترخص برخص السفر؛ لأن بلده سيارته فلا يفطر في رمضان ولا يقصر ولا يجمع الصلوات.
مسألة: لا يصح أن يعقد النكاح أو يقبل النكاح لأحد كابنه أو أخيه إلا بإذنه فإن قبله بدون إذنه فهو باطل.
مسألة: إذا عقد على امرأة ثم توفى عنها قبل الدخول وجب عليه العدة والإحداد أربعة أشهر وعشر إن لم تكن حاملا، وإلا فبِوَضْع الحمل، وتترك الزينة والطيب والحلي وما يُرغِّب في النظر إليها، وإذا مضت العدة ولم تعلم بالوفاة فإنها تخرج منها ولا تستأنفها.
الرضاع: إذا كان في الحولين فإنه يحرم ولو من امرأة كبيرة السن درّت عليه ولم يكن لها زوج، كما لو أرضعت أمه الكبيرةُ السن بنتًا له صغيرة فلا يجوز لابن أخيه أن يتزوجها؛ لأنها عمته من الرضاع، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وكما ذكره الموفق في المغني وغيره.
إذا قبّل زوجته أو ضمها وهو صائم فهل يفسد صومه؟(1/172)
لا يفسد إلا إذا خرج منه شيء، لكن لا ينبغي للصائم أن يفعل هذا، بل يتجنب مثل هذا.
إذا انهدم المسجد بني مسجد آخر في مكان آخر وصار الأول مهجورًا وجاز بيع أنقاضه وأرضه وصرفه في المسجد الآخر كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قاضي الجبل .
لا زكاة في الطماطم والدبّاء والخضروات إنما الزكاة تكون فيما يُكال ويُدّخر كما هو مذهب جمهور العلماء.
وائد في الفقه 31
فوائد من سماحة الشيخ:
إذا اغتسل ونوى ارتفاع الحدثين بأن استنجى ثم غسل بدنه ارتفع الحدثان ولو لم يُرتِّب، ولكن الأفضل أن يتوضأ أولا وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على بدنه، وإن أخّر غسل رجليه فلا بأس، وأما إذا اغتسل ولم ينو ارتفاع الحدثين ففي ارتفاع الأصغر خلاف.
لا يجوز وضع أعلام في المقبرة لأنه محدَث وأنه يشبه الكتابة على القبر، وهي منهي عنها، ولكن لو وضع علامة كحجر مثلا فلا بأس.
لو جلست المرأة محتشمة وسترت وجهها وشعرها وجسمها مع الرجال للحاجة والمصلحة كالبيع أو الجواب فلا بأس أو في حلقة نساء في المسجد إذا لم يكن هناك ريبة.
الحلي فيه زكاة على الراجح من أقوال العلماء لعموم الأدلة؛ عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إلى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلى النَّارِ.. الحديث.(1/173)
ولحديث أم سلمة ما بلغ أن تؤدي زكاته فأديتَ فليس بكنز ولحديث المرأة التي عليها سواران فسألها: أتؤدِّين زكاته؟ قالت: لا، قال: أتحبين أن يسوِّرُكِ الله بسوارين من نار ! فألقتهما، فقالت: لله ورسوله ولحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي أَيْدِيهِمَا سُوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُمَا: أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ؟ قَالَتَا: لا، قَالَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتَا: لا، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَحْوَ هَذَا، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ وَابْنُ لَهِيعَةَ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ، وَلا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ. وأما حديث: ( ليس في الحلي زكاة ) فلم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
لا يجوز الرهان (العوض بالمال) على المسابقة على الأقدام أو حمل الأثقال أو الصعود في الجبل، وإن كان فعلها بدون رهان طيِّبٍ فلا بأس به.
فوائد في الفقه 32
من فوائد الشيخ عبد الله بن حميد :
هل يجب في الثلث الذي يوقفه الميت بعد موته على أعمال البر والزكاة بأن ينفق منه على أقاربه وبني عمه، ويبني منه مسجد؟
الجواب: هذا الوقف وهذه الوصية من أفضل أنواع البر لأن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي طلحة لما وقف حديقته، قال: بَخٍ ! ذاك مال رابح، وإني أرى أن تضعها في الأقربين، فقسمها أبو طلحة بين أقاربه وبني عمه، وهذا الثلث ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس له مالك معيّن، بل هو لله، ومن شرط الزكاة أن يكون له مالك معين.(1/174)
هل يجوز للرجل أن يزوج ابنه من زوجة سابقة بنت زوجته التي تحته من زوجٍ سابق له؟
نعم يجوز له ذلك أن يزوج ابنه من ربيبته ( بنت زوجته ) إذا كان على هذه الصورة التي وردت في السؤال.
هل يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخته من الرضاع؟
إذا كانت أخته هي التي رضعت من أمها، ولم يكن هو ارتضع من أمها ولا من إحدى زوجات أبيها، ولم تكن هي ارتضعت من أمه ولا من إحدى زوجات أبيه ( أو جده ) فنعم يجوز له أن يتزوج بأخت أخته من الرضاع، ومجرد كونها أخت لأخته لا يمنع من الزواج بها إذا كان على هذه الصورة.
إذا توضأ الإنسان أو دخل في الصلاة ثم خرج منه دم فما حكم وضوئه؟
إذا كان الدم يسيرًا - وكذلك لو خرج منه رعاف كنقطة أو نقطتين فإنه لا يؤثر وإن كان كثيرًا فإنه يعيد وضوءه وصلاته.
إذا كانت المرأة حاملا حمل خلف ( ومعناه في بعض اللهجات: أن يستمر الحمل مع المرأة مدة طويلة كسنتين أو ثلاث ) ثم طلقها زوجها في هذه الحالة ثم توفى، فهل يلزمها الإحداد وترث أم لا؟
إن كانت الطلقة الثالثة فإنها لا ترث ولا يلزمها الإحداد، وإن كانت الطلقة الأولى أو الثانية فإنها ترث ويلزمها الإحداد؛ لأنها زوجة.
إذا أسقطت المرأة جنينًا قبل أوانه قبل أن يتم تسعة أشهر مثلا وأطبق عليه الدم فهل تعتبر نُفساء فلا تصلي ولا تصوم أم ماذا؟
إن كان قد تبين فيه خلق الإنسان كيَدٍ أو رِجْلٍ أو رأسٍ أو إصبع فإنها نفساء تجلس حتى ينقطع الدم لأنه نفاس، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فإنها تصوم وتصلي لأنه دم فساد لا نفاس، ولكن لا تتوضأ إلا بعد دخول الوقت، وتتوضأ لكل الصلاة كالمستحاضة ومن به سلس البول.
فوائد في الفقه 33
من فوائد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
فائدة: جواز استرقاق العرب كما استرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بني المصطلق.(1/175)
إذا قال: عليَّ الطلاق أن تفعل كذا أو لا تفعل كذا، أو علي الطلاق أن لا تخرجي من داري أو لا تدخلي بيت فلان ، أو قال: علي الطلاق أن لا أنظر في الساعة مدة خمس دقائق ثم نظر وخالف في ذلك كله، لا يلزمه الطلاق في هذه الصور كلها، إذا قصد الحثّ على الفعل أو المنع منه أو حث نفسه من شيء أو منعها منه، يلزمه كفارة يمين.
مدارسة القرآن لها وجهان:
أحدهما: أن يقرأ أحدهما حزبًا أو رُبعًا، ثم يقرأ الثاني الحزب أو الربع الذي بعده.
الثاني: أن يقرأ أحدهما حزبًا أو ربعًا ثم يقرأ الآخر ما قرأه الأول، وهذا أصح الوجهين وهي مدارسة جبريل لرَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فالرَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، وهذا يدل على أن الإنسان ينشط مع إخوانه ويكون أقوى لعزيمته ورغبته في الخير.
مسألة: الخلوة بالأجنبية حرام، لكن لو كان هناك في البيت أحد كزوجته أو أمه أو ما أشبه ذلك زالت الخلوة وإن كان محرمًا فهو أولى، وإن دعت الحاجة إلي دخوله والضرورة فليكن في جهة وهى في جهة ولا يتحدث معها بما يكون سببًا في الفتنة.
مسألة: القُبلة للصائم جائز، ولكن إن خرج منه مذي فقال جماعة من أهل العلم: يفسد الصوم، والصحيح أنه لا يفسد، بل هو الصحيح، وأما إن خرج منه مني وهو ما يكون ثخينًا وهو أصل الولد فإنه يفسد الصوم، ويقضى إن كان واجبًا ويقطع التتابع في الكفارة.
مسألة: لا يجوز للمرأة كشف وجهها ؛ فإنه عورة على الصحيح إلا في الصلاة فإنها تكشفه إن لم يكن عندها أجانب، وكذلك الكفان عند بعض أهل العلم، والأولى سترهما، وأما القدمان فلا يجوز كشفهما في الصلاة.(1/176)
وأما الخاطب فيجوز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها ورقبتها وقدميها من غير خلوة ولها أن يسمح بذلك، وكذلك الشاهدان لهما النظر إلى وجهها إن لم يمكن معرفتها بالصوت فإن أمكن فلا حاجة، وكذلك الطبيب له النظر عند الحاجة، بل عند الضرورة له النظر إلى الفرج؛ لأن الدين يُسر.
إذا خرج من المرأة ماء قبل الولادة فما حُكمه؟
الجواب: لا تلتفت إليه، بل تصلي وتصوم إلا إذا كان يصحبه آلام في الظهر بمدة قريبة من الولادة فحكمه حينئذ حكم النفاس، فإن كانت المدة بعيدة فلا.
قد تكون النافلة أفضل من الفريضة كما في قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ فإنظار المعسر فرض وواجب، والصدقة عليه بإبرائه ومسامحته من الحق نافلة ومستحب، وهو أفضل من الإنظار الواجب.
المتوفَّى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرا إن كان حائلا، فإن كانت حاملا فبوضع الحمل ولو ساعة بعد الوفاة، وكان في المسألة خلاف لبعض السلف أنها تعتد بأطول الأجلين، ثم استقر الإجماع على إ وعشرا أنها تعتد بوضع الحمل.
مدة الحمل الذي يعيش أقلُّه ستة أشهر وغالبها تسعة أشهر، وقد يعيش ثلاث سنين أو أكثر على أصح أقوال أهل العلم، وممن مكث في بطن أمه ثلاث سنين محمد بن عجلان
التصوير لا يجوز مطلقًا سواء كان مجسمًا أو كان في جدار أو ورق أو ثوب؛ لعموم الأدلة التي تدل على وجوب طمس الصور، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- غسل الصور التي في جدران الكعبة لما فتح مكة .(1/177)
أما بقاء الصور في البيت فإن المعظَّم كالمعلَّق في جدار أو ستار هذا لا يجوز بقاؤه ويمنع دخول الملائكة، أما المُمتهَن كالذي يكون في الفرش والوسائد فإنه يجوز استبقاؤه ولا يمنع دخول الملائكة؛ لما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ إِلا أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ تِمْثَالُ رَجُلٍ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فأَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ يُقْطَعْ فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وأَمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ تُوطَآَنِ وأَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإذا الْكَلْبُ جَرْوٌ كَانَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلام تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمَا .
وأما حديث: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ بُسْرٌ فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ فَإذا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلانِيِّ أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلَّا رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ، أَلَا سَمِعْتَهُ؟! قُلْتُ: لَا، قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ .
فالمراد بالرَّقْم: النقوش في الثوب، أو المراد الصورة فيه إذا كانت ممتهنة.(1/178)
لا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه القبر للنهي عن اتخاذ القبور مساجد، والنهي يقتضي الفساد، فإن كان القبر أدخل في المسجد فيحتمل المنع سدًّا للذريعة، ولئلا يوهم أنه بني على القبر أي المسجد، ويحتمل الجواز؛ لأن القبر حادث فيجب نبشه وإخراجه عن المسجد، وإلا وجب هدم المسجد إذا كان القبر أولا.
يجوز الصلاة في الغرفة التي فيها الصور ؛ لأن الصحابة صلوا في الكنيسة عند الحاجة والضرورة، والكنيسة لا تخلو من تصاوير.
فوائد في الفقه 34
فوائد من سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
( ربنا ولك الحمد ) ورد فيها عدة روايات:
ربنا ولك الحمد بالواو.
ربنا لك الحمد بلا واو.
اللهم ربنا ولك الحمد، بالجلالة والواو.
اللهم ربنا لك الحمد، بالجلالة بدون الواو.
وقد غلط ابن القيم رحمه الله فقال: إنه لم يَرِدْ: اللهم ربنا ولك الحمد بالجلالة والواو، مع أنه ورد في الحديث الجمع بينهما وهو في البخاري.
إذا قام الإمام إلى خامسة فلا يتابعه المأموم بل يجلس حتى يسلم فيسلم معه، وكذلك المسبوق لا يعتد بالخامسة ولا يتابعه فيها؛ لأن المطلوب منه أن يأتي بركعة بعد سلام الإمام لا قبله.
مَسُّ المرأة باليد
قالت الشافعية: ينقض الوضوء مطلقًا لشهوة أو لغير شهوة.
وقالت الحنابلة: + ينقض المس إذا كان لغير شهوة، والصواب: أنه لا ينقض مطلقًا، وسواء كانت الممسوسة زوجة أو لا، ذات محرم أو لا، حتى لو قَبَّل زوجته إذا لم يخرج منه شيء مني أو مذي، وأما ما استدل به الشافعية من قوله تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فالصواب أن المراد بالملامسة الجِماع.
إذا خرج منه مذي فإنه يغسل ذكر وأنثييه ( أي خصيتيه ).
إجابة المؤذن بمثل ما يقول إلا في الحيعلتين فإنه يحوقل، وأما قوله: ( الصلاة خير من النوم ) فإنه يقول مثل ما يقول؛ لعدم الدليل على قول ( صدقتَ وبررتَ ) كما قرره الفقهاء.(1/179)
إذا أقيمت الصلاة فإنه يجيب المقيم ؛ لأن الإقامة هي الأذان الثاني كما في الحديث بين الأذانين، وإذا قال: قد قامت الصلاة فإنه يقول مثل قوله.
يجوز للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يسمي الله في الحمام؛ لأن البسملة واجبة عند بعض العلماء، والتسمية في الحمام مكروهة، والكراهة تزول عند الحاجة ولأدنى شيء، ولأن الحديث الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه خاتم مكتوب فيه محمد رسول الله، فإذا أراد دخول الخلاء نزعه، الحديث فيه علة كما ذكر ذلك العلماء.
ويجوز دخول الحمام بالأوراق التي فيها ذكر الله وكذلك الأوراق النقدية لأن لو وضعها خارج الحمام ضاعت عليه، ولا يجوز دخول الحمام بالمصحف، إلا إذا خشي عليه أن يؤخذ جاز له الدخول به.
المسافر إذا صلى خلف المقيم فإنه يتم سواء أدرك معه الصلاة من أولها أو وسطها أو أخرها لأنه يتبع لإمامه.
المصلي عند السجود يضع ركبتيه ثم يديه ؛ لحديث وائل بن حجر ولأنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بروك كبروك البعير، والبعير حينما يبرك يضع ركبتيه ثم يديه، وأما الحديث ( وليضع يديه ثم ركبتيه ) ففيه جوابان.
أحدهما: أن الرواية انقلبت على الراوي وإلا فالأصل: (وليضع ركبتيه ثم يديه).
الثاني: أنها إن صحت فهي شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة.
سحب الدم من الصائم إذا كان يسيرًا لتحليل الدم فإنه لا بأس به.
الصدقة أفضل ما تكون إذا كان الإنسان في صحته وشُحه يرجو الغنى ويخشى الفقر كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ .(1/180)
وإذا كان الإنسان له ورثة ضعفاء فالأولى أن يبقي لهم ما يغنيهم لحديث عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ، فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ .(1/181)
تصوير ذوات الأرواح المجسمة محرم بالإجماع من العلماء، وأما الصور الفوتوغرافية فقد ذهب بعض العلماء إلى أنها غير ممنوعة وأنها لا يشملها التحريم، ولكنه قول ضعيف، والصحيح: أن التحريم يشملها لأن جبريل عليه السلام امتنع عن دخول بيت رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وكان على موعد فسأله رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: لأن البيت فيه تمثال، وصورة في ثوب، وكلب، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ يُقْطَعْ فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ تُوطَآَنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجَ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإذا الْكَلْبُ جَرْوٌ كَانَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمَا.
وأما حديث: ( إِلَّا رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ )
فالمراد بالرقم النقوش في الثوب، وهذه لا تمنع الملائكة أو المراد به الصور الممتهَنة كالتي تكون في البساط أو الوسائد أو الفرش؛ لأن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنكر الصور المعلقة ومن الصور المحترمة التي تكون في القمصان والفنايل والغُتَر فهذه لا يجوز لبسها حتى تزال الصور.
الطفل يجب أن يُعلَّم ويمرَّن على الخير وتنكر عليه المنكرات كالصور والذهب للذَّكر؛ لأن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنكر على الحسن لما أخذ تمرة من تمر الصدقة وأخرجها من فيه وقال له: كخ كخ ! أما علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة ولم يقل: هذا صغير لا يعلم.
وعلّم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ربيبه عمرو بن سلمة وكان غلامًا صغيرًا تطيش يده في الصحفة قال له: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك،وكُلْ مما يليك .
وأنت تجد كبارًا يأكلون باليسار بلا حياء؛ لأنهم لم يُربوا ولم يعلَّموا.(1/182)
ابن سبع سنين يؤمر بالصلاة ويُمرّن على الخير وأما إذا بلغ عشر سنين فإنه يؤمر بالصلاة ويضرب عليها ويفرَّق بينهم في المضاجع كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ .
لأن ابن عشر قد تكون له شهوة فلا يكون بجوار أخته أو عمته أو خالته أو أخيه؛ لأنه إذا لاصقه قد يوسوس له الشيطان ويزين له فيفعل الفاحشة.
سُئل عن عين ماء فيها رائحة البترول اختلط فيها، فهل يجوز الوضوء منه؟
أجاب: لا بأس بالوضوء به، ولا يضر الماء رائحة البترول ما دام يسمى ماءً وإنما يضره النجاسات المغيِّرة لأحد أوصافه الثلاثة.
سئل عن رجل تزوج امرأة من البادية بدون ( ملاك ) وكان لها زوج سابق وأتت من الثاني بستة أولاد فما الحكم؟
لا بد أولا من معرفة هل الزوج الأول مات عنها أم طلقها، فإذا ثبت ببينة أنه مات أو طلق ينظر بعد ذلك فإن كان قوله تزوجتُها بدون ملاك أنه لم يوجد عندهم أحد من العلماء فيخطب خطبة الحاجة ثم يقول للولي: قل زوجتُكَ، ويقول للزوج: قل قبلتُ هذا الزواج بحضرة شاهدين عدلين ظاهرًا، فهذا أولى، ويكون الذي يخطب خطبة الحاجة أحد الشهود ويأتي بشاهد آخر معه إما أخو الزوج أو أخو الزوجة أو عم الزوج أو عم الزوجة أو ابن الأخ أو ابن العم، بخلاف أبي الزوج أو ابنه أو ابن الزوجة فلا تقبل شهادتهما.
فإن كان الأب قال للزوج: زوجتُكَ، وقال الزوج: قبلتُ هذا الزواج بحضرة شاهدين تم الزواج ولو لم يحضرهما عالم يخطب خطبة الحاجة.
أما إذا كان الأب لم يقل للزوج: زوجتُك وإنما دخل عليها، فهذا العمل إنما يكون سفاحًا وزنا وليس نكاحًا، ولا بد من تعزيرهما بما يردعهما ويدرأ عنها الحد للشبهة، وعليهما بعد ذلك أن يعقدا النكاح في الحال بولي وشاهدي عدل إذا كانت المرأة تريده.(1/183)
وكذلك إذا كان الزوج الأول لم يمُت ولم يطلِق فهي زوجته ويفرق بينها وبين الزوج الثاني في الحال، إلا إذا طلق الأول ومضت العدة ورغبت في الثاني فيتزوجها بعقد ومهر وولي وشاهدي عدل.
سئل عن الصدقة عن الميت والصيام والصلاة والحج عنه ؟
فأجاب: الصدقة والدعاء عن الميت هذا جائز بالإجماع، وكذا الحج والعمرة عنه وكذلك يصام عنه الأيام التي تركها من رمضان بعد أن تمكن من صيامها ولم يصم، أما إذا لم يتمكن فلا، وكذلك يصام عنها ما تنذره لحديث: من مات وعليه صيام صام عنه وليه .
أما الصلاة والقراءة والطواف فالصواب المنع، لأنها لم ترد، وإن كان الجمهور على أنها تُفعل قياسًا على الصدقة والدعاء.
سئل عن امرأة عليها أيام من رمضان أفطرتها بسبب الحيض ثم مر عليها سنة أو سنتان أو ثلاث ولم تصم ماذا عليها؟
أجاب: عليها التوبة وتصوم هذه الأيام وتطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من البر أو التمر سواء كان التأخير سنة أو عشرًا أو أكثر أو أقل، فإن لم يأت رمضان آخر تقضي ولا شيء عليها.
وسئل عن رجل يريد أن يتزوج ابنة شخص يتعامل بالربا فهل يجوز ذلك وهل يجوز الأكل من طعامه ومعاملته؟
أجاب: لا بأس أن يتزوج ابنته ويتعامل معه، ولا بأس أن يأكل من طعامه إلا إذا علم أن هذا الطعام بعينه من الربا أو سرقة، وعليه مع ذلك أن يناصحه، كما أنه يجوز أن يتعامل وأن يأكل طعام مَن أكثر مكسبه مِن حرام إذا اختلط مع ماله ولم يعرف الحرام بعينه، كما أنه يجوز الأخذ من بيت المال مع أن بيت المال فيه المكوس والحلال لاختلاطهما، إلا إذا أُعطي ما يعرف أنه محرم فلا يأخذه.(1/184)
والدليل على هذا أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تعامل مع اليهود وأكل من طعامهم، وأهدت إليه يهودية شاةً مسمومة فأكل من ذراعها، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي لشعير اشتراه لأهله، وتوضأ هو وأصحابه من زادة امرأة مشركة، مع أن اليهود يأكلون الربا والميتة ويأكلون أموال الناس بالباطل؛ قال تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ما لم يعلم أن هذا الذي تعامل به مع اليهود بعينه مال ربا أو سرقة أو محرم فإنه لا يجوز أن يتعامل معهم به، أما إذا اختلط مع أموالهم فلا بأس به.
سُئل عن رجل يصلي العصر مثلا فذكر في أثناء الصلاة أنه لم يصل الظهر ؟
فأجاب بأنه يتمها نافلة ثم يسلم ثم يصلي العصر، كما لو تيمم ثم وجد الماء في أثناء الصلاة بطلت الصلاة فيتوضأ ثم يصلي، أما إذا ذكر بعد السلام من الصلاة فإنه يصلي الفائتة ولا يعيد الحاضرة التي سلم فيها، كما لو تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد الصلاة فإنه لا يعيد الصلاة.
سئل أيضًا: عن سماح الإمام للجماعة بالصلاة إذا تأخر
فأجاب ينبغي له أن يسمح لهم، وإذا تأخر فإنه يلتمس المؤذن من يصلي بالناس ولا يحبس الناس، فإن لم يؤذن الإمام بين له أن ينبغي له أن يسمح فإن لم يسمح فلا سماح له، وقد تأخر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة عن الصلاة لمّا ذهب إلى بني عوف يصلح بينهم وحضر وقت الصلاة فجاء بلال إلى أبي بكر وقال له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حُبس وإنه حضر وقت الصلاة فهل لك أن تصلي بالناس؟ قال: نعم إن شئت، فكبر أبو بكر بالناس ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصفق الناس فالتفت أبو بكر فأشار إليه رسول الله أن يستمر في الإمامة فأبى فتأخر وتقدم رسول الله وصلى بالناس.(1/185)
وقد غلط من قال: إن أبا بكر يبلغ، ولما سلم رسول الله قال للناس: ما لكم أخذتم في التصفيق؟ مَن نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، وما لكَ يا أبا بكر حين أشرتُ إليك؟ قال: ما ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله.
وقد صلى رسول الله في بعض أسفاره خلف عبد الرحمن بن عوف حين تأخر لما ذهب لقضاء حاجته ومعه المغيرة بن شعبة يصب عليه من الإداوة، فلما تأخر عليهم قدّموا عبد الرحمن بن عوف فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والمغيرة فوجدوهم صلوا ركعة فصلى معهم، فلما سلم عبد الرحمن قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- والمغيرة الركعة التي فاتتهم ولم ينكر عليهم، بل قال: أحسنتم، ولم يعرف أنه صلى مأمومًا خلف غير عبد الرحمن بن عوف فالإمام بَشر إذا تخلف يصلي غيره ولا يشتد عليهم.
فوائد في الفقه 35
مسألة: إذا دخل مع الإمام والجماعة في صلاة العصر ثم ذكر أنه لم يصل الظهر فإنه يتمها معهم نافلة ثم يصلى الظهر ثم يصلي العصر، وله أن يقطعها ويدخل معهم بنية الظهر ثم يصلي العصر، فإن ذكر قبل التكبير فإنه يصلي الظهر ثم يصلي العصر أو يدخل معهم بنية الظهر ثم يصلي العصر.
العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول على الأمهات يحرم البنات، دليل ذلك في سورة النساء: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ فالإطلاق يدل على أن الأم تحرم بكون البنت امرأة له وهي تكون امرأة له وزوجة بالعقد، أما البنت وهي الربيبة فلا تحرم بمجرد العقد على أمها، بل لا بد من الدخول بها؛ لقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ .
الإشارة باليد عند السلام منهي عنه وهو مشابهة لأذناب الخيل، وأذناب خيل عند فعل التحية، كأن يسلم بيده ثم يسلم الثانية ويشير بيده كأنه يخبرهم أنه سلم.(1/186)
في التشهد المشروع رفع السبابة من أول التشهد إلى آخره وتحريكه عند ذكر اسم الله
كيفية ما يفعله باليد اليمنى في التشهد صفتان:
أحدهما: قبض الخنصر والبنصر وتحليق الإبهام مع الوسطى.
الثانية: قبض الأصابع الأربعة والإشارة بالسبابة.
من أدرك الركوع الثاني دون الركوع الأول في صلاة الكسوف فإنه لا يكون مدركًا للركعة لأن العبرة بالركوع الأول. شيخنا.
إذا أجّر الإنسان بيتًا مثلا من شخص فللمستأجر أن يؤجره على غيره بل له أن يؤجره على من أجره عليه أي أن للمؤجر أن يستأجر إذا احتاج إليه، كما أن له أن يطلب الإقالة وفسخ الأجرة من المستأجر. شيخنا.
الواجبات إذا جهلها أو نسيها الإنسان لم تسقط ، بل لا بد من الإتيان بها أو بدلها، بخلاف المحظورات فإنه يعفى عنها؛ لأنها من باب التروك.
مثال الأول: تجاوز الميقات بغير إحرام نائمًا أو ناسيًا أو جاهلا، ومثله لو نسي الوضوء وصلى، فلا بد من الإحرام من الميقات أو دم إذا أحرم دونه، ولا بد لمن نسي الوضوء وصلى أن يعيد الوضوء والصلاة.
ومثال الثاني: إذا صلى وعليه نجاسة نسيها أو جهلها، فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
رجل دفع امرأة أو رجلا خلف باب لم يعلم به - يريد أن يفتح الباب - فسقط وكسرت رجله لأنه كبير السن ثم أجريت له عملية ثم مات، فإن عليه - أي من دفعه حتى سقط - الدية والكفارة، إلا إذا كان من قوم كفار، فلا دية لهم، وكذا لو شربت امرأة حامل دواء فسقط الجنين، فإن عليها الكفارة والدية، وهي عشر دية أَمة (غرة عبد أو أمة) يُراجع تفصيل، الغُرة وعشر دية أمه.
في السبق أي العوض في نصل أو خُف أو حافر ممن يكون العوض منها أو من أحدهما أو من ثالث ؟ وما الذي يجوز وما الذي يحرم عند الجمهور وعند غيرهم وتحقيق المسألة، يراجع.
التعليق على الحديث في أبي داود وكلام ابن القيم على الحديث في تهذيب سنن أبي داود على ترجمة أبي داود (باب المحلل أو التحليل).(1/187)
إذا نسي أن يستنجي فيغسل النجاسة التي في دُبره أو البول أو المذي الذي في قُبله ثم توضأ وصلى، فإنه يعيد الوضوء والصلاة فلا بد من الاستنجاء، قال الفقهاء: ولا يصح قَبله - أي الاستنجاء - وضوء ولا تيمم، بخلاف ما إذا نسي نجاسة في بدنه أو ثوبه، أو نسي غسل خصيتيه من المذي وصلى، فإن صلاته صحيحة.
الصهر في الرضاع، مثل أم زوجته من الرضاع هل زوج ابنتها من الرضاع محرم لها، ومثل زوج أمها من الرضاع، ومثل بنت زوجته من الرضاع، وزوجة ابنه من الرضاع، ومثل زوجة أبيه من الرضاع؟
قال شيخنا: يحرم بالصهر من الرضاع ما يحرم بالصهر من النكاح وقال شيخ الإسلام لا يحرم بالصهر من الرضاع كما في النكاح. المسألة تحتاج لمراجعة.
وجدت هذا الكلام لشيخ الإسلام في الفتاوى:
لو كان للرجل نسوة يطأهن وأرضعت كل واحدة طفلا لم يجز أن يتزوج أحدهما الآخر؛ ولهذا لما سئل ابن عباس عن ذلك، قال: اللقاح واحد، وهذا مذهب الأئمة الأربعة؛ لحديث أبي القعيس الذي في الصحيحين عن عائشة وهو معروف، وتحرم عليه أم أخيه من النسب لأنها أمه أو امرأة أبيه، وكلاهما حرام عليه.
وأما أم أخيه من الرضاعة فليست أمه ولا امرأة أبيه لأن زوجها صاحب اللبن ليس أبًا لهذا، لا من النسب ولا من الرضاعة، فإذا قال القائل: إن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: يحرُم من الرضاعة ما يحرم من النسب وأم أخيه من النسب حرام، فكذلك من الرضاع - قلنا: هذا تلبيس وتدليس؛ فان الله لم يقل: ( حُرِّمَتْ عليكم أمهات أخواتكم ) وإنما قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وقال تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ فحرم على الرجل أمه ومنكوحة أبيه وإن لم تكن أمه، وهذه تحرم من الرضاعة فلا يتزوج أمه من الرضاعة.(1/188)
وأما منكوحة أبيه من الرضاع فالمشهور عند الأئمة أنها تحرم لكن فيها نزاع لكونها من المحرمات بالصهر لا بالنسب والولادة، وليس الكلام هنا في تحريمها، فإنه إذا قيل: تحرم منكوحة أبيه من الرضاعة وفينا بعموم الحديث، وأما أم أخيه التي ليست أمًّا ولا منكوحة أب فهذه لا توجد في النسب، فلا يجوز أن يقال: تحرم من النسب فلا يحرم نظيرها من الرضاعة، فتبقى أم الأم من النسب لأخيه من الرضاعة أو الأم من الرضاعة لأخيه من النسب لا نظير لها من الولادة فلا تحرم، ٍوهذا متفق عليه بين المسلمين والله أعلم. فتاوى ابن تيمية ج34 / / ص40 -41 ( يراجع الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام والشرح الكبير وغيرها ).
مراتب المخالفات لأمر الله ست، وهي مرتبة كالآتي:
1-الكفر
2-البدع
3-الكبائر
4-الصغائر
5-المكروهات
6-المفضولات
قاله ابن القيم وغيره. شيخنا.
فوائد في الفقه 36
الدجاج الذي يطعم الميتات أو الدم في غالب طعامه يكون جلاله، إلا إذا كان يسيرًا فإنه يُعفى عنه.
يجب الترتيب بين الصلوات الفوائت فلو كان يصلي الفريضة ثم تذكر أن عليه صلاة فائتة فإنه يتمها نافلة ثم يصلي الفائتة ثم يصلي الحاضرة، ومثله لو تيمم للصلاة ثم في أثناء الصلاة جاء الماء فإنه يقطعها على الصحيح، ثم يتوضأ ثم يصلي، أما لو صلى ثم ذكر الفائتة فإن صلاته صحيحة ويصلي الفائتة، وكذا لو صلى بالتيمم، ثم وجد الماء في الوقت فصلاته صحيحة ولا يجب عليه الوضوء والإعادة على الصحيح.
إذا كان الإنسان في بلد غير بلده بيت لا زوجة فيه أو بسنان أو استراحة، ثم سافر إليه يومًا أو يومين أو ثلاثة أو أربعة أيام، فإنه يعتبر مسافرًا له حكم المسافرين، فإن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فهو مقيم. شيخنا.
غسل الكلى الذي يتضمن إخراج الدم وتصفيته ثم إعادته يفطر به الصائم في أصح قولي العلماء فهو كالحجامة؛ لأن الدم لما خرج صار له حكم الحجامة ولو أعيد بعد ذلك. شيخنا.(1/189)
من ترك صلاة الفجر حتى تطلع الشمس أو غيرها فإنه يكفر كفرًا أكبر على الصحيح لحديث: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترْكُ الصلاة رواه مسلم .
وغيره من النصوص وعند الجمهور من الفقهاء المتأخرين: يكفر كفرًا دون كفر، أي: كفرًا أصغر، إلا إذا استحل تأخير الصلاة عن وقتها فإنه يكفر كفرًا أكبر؛ لأنه استحل أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة تحريمَه كما لو استحل الزنا أو الربا أو الخمر.
الأصل دفع الزكاة نقودًا وهذا ما عليه جمهور العلماء، وذهب بعض العلماء إلى جواز دفع الزكاة طعامًا أو ثيابًا إذا كان أنفع للفقير وهو مذهب الأحناف، وإليه ذهب البخاري في صحيحه وهو الصواب، والأحسن إذا أراد دفع الزكاة إلى فقير وخاف ألا يحسن التصرف في المال أن يأمره أن يوكِّل شخصًا يأخذ الزكاة له، وهذا الوكيل يشتري للفقير ما يحتاج إليه من طعام وكسوة ودفع أجرة بيت مثلا.
وكذا إذا أراد الفقير أن يشتري بيتًا فإن المزكي يأمره أن يوكِّل شخصًا يدفع الزكاة إليه ثم الوكيل يشتري للفقير بيتًا ولو بستمائة أو ثمانمائة ألف ريال.
بلع النخامة إذا وصلت إلى الحلق ثم بلعها وهو في الصلاة بطلت الصلاة، وإن كان صائمًا وتعمّد بلعها فسد صومه؛ لأن الأكل في الصلاة أو في الصيام يبطلها، أما إذا كانت في الحلق ثم بلعها في الصلاة أو في الصيام فصلاته صحيحة وصومه صحيح، لأنه لا يعتبر أكلا حيث إنها لم تصل إلى الفم.
السائل الذي يخرج من فرج المرأة نجس سواء كان خروجه من الرحم أو من غيره.
الريح الذي يخرج من فرج المرأة ( أي: قُبُلها ): لا ينقض الوضوء، لأنه هواء، والريح الذي ينقض الوضوء هو الخارج من الدبر.
تقدم عادة المرأة في الحيض أو تأخرها أو زيادتها من أول العادة أو من آخرها لا يستقر عادةً لها إلا إذا تكررت ثلاثًا، خلافًا لما قال في الروض المربع من أنه يكفي تكرارها مرتين، وعليه ففي المرة الأولى والثانية تتلجم وتصلي.(1/190)
إذا طهرت الحائض بعد نصف الليل ولو قبل الفجر بلحظة، تقضي المغرب والعشاء، لأن وقت الصلاتين صار واحدًا، ووقت الضرورة للعشاء من نصف الليل إلى الفجر، وكذلك إذا طهرت قبل غروب الشمس بلحظة فإنها تصلي الظهر والعصر؛ لأن وقت الصلاتين صار واحدًا، ووقت الضرورة للعصر من اصفرار الشمس إلى غروبها.
من يلحقه السلس قائمًا أو قاعدًا أو ساجدًا أو راكعًا، أو حبس في مكان نجس فإنه يصلي الصلاة كغيره، خلافًا لما قاله في الروض المربع، من أنه يصلي قاعدًا إذا كان يلحقه السلس قائمًا، ويصلي بالإيماء إذا كان يلحقه السلس راكعًا أو ساجدًا أو حبس في مكان نجس، فالصواب: أنه يصلي كغيره وهو معذور لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .
المستحاضة يجوز لزوجها وطؤها مطلقًا من غير كراهة، لأنها تصلي والصلاة أعظم، خلافًا لما قاله في الروض المربع من أنه يُكره لزوجها وطؤها إلا مع خوف العنت. شيخنا.
الصواب أن أقل الطهر الذي يكون طهرًا في أثناء عادة المرأة ويعتبر نقاءً يوم واحد، لأنه هو الذي ينضبط - كما قال صاحب المغني - وعليه فتغتسل وتصلي ويجامعها زوجها، أما ما كان أقل من يوم، فإنه لا ينضبط؛ لأن الغالب أن الدم لا يستمر سيلانه مع المرأة، فإذا سال في الصبح، ثم جف الدم إلى العصر، ثم سال في وقت العصر، فإن الجفوف في هذه المدة القصيرة من اليوم، لا يخرجه عن كونه حيضًا. شيخنا.
فوائد في الفقه 37
إذا استيقظ الرجل من نومه ورأى في ثوبه بللا أو بدنه وشكّ هل هو مني أو مذي، لا يدري أيهما، فإنه لا يجب عليه الغسل حتى يتيقن أنه مني؛ لأن الأصل براءة ذمته، لكن لو اغتسل احتياطًا فحسن لقول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك شيخنا.(1/191)
إذا اضطر المحرم إلى الصيد فصاد للضرورة التي تَحِلّ له بها الميتة، جاز له ذلك، والصيد خير من الميتة للمضطر ولا إثم عليه، ولكن عليه جزاء الصيد، على ما في قصة كعب بن عجرة من الآية والحديث ، قال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة 196، وفي الصحيحين أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لكعب بن عجرة احلق رأسك، وانسك شاة أو أطعم ستة مساكين، أو صُم ثلاثة أيام شيخنا.
المتوفَّى عنها بعد العقد وقبل الدخول لها المهر كاملا ولها الميراث وعليها العِدة، أما المطلقة قبل الدخول فلها نصف المهر، ولا عدة عليها، لقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الآية 237البقرة، ولقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا الآية 49 الأحزاب.
إذا علق الطلاق بالشرط يريد الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب كقوله: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالق، فله حكم اليمين إذا فعلتْ ما علق عليه الشرط، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: أفتى به جماعة من الصحابة، واختاره شيخنا.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع عليها الطلاق إذا فعلت ما علق عليه الطلاق.(1/192)
إذا حرم زوجته بأن قال: هي عليه حرام فهو كناية، فإن أراد الطلاق فهو طلاق، وإن أراد الظهار فهو ظهار، أما تحريم غير الزوجة كالسرية ( أي أمَتَه ) أو الطعام أو غيره، فهو يمين مكفرة لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ الآية 1-2 سورة التحريم.
إذا جنى على الطفل وهو جنين في بطن أمه، فسقط ميتًا ففيه غُرة عبد أو أَمة، وهو عُشر دية أمه خمس من الإبل، لأن دية المرأة على نصف دية الرجل خمسون من الإبل، وعشرها خمس من الإبل، أما إذا جنى عليه بعد ولادته فمات ففيه الدية كاملة.
حكم مسح ظهر الأضحية وتسميتها لا أعلم فيه سُنة عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، لكن عند الذبح يقول: باسم الله عني وعن أهل بيتي، أو عن موكلي فلان، وإن اكتفى بالنية كفاه.
عقد النكاح والمباشرة - للحاج - بعد التحلل الأول لا شيء فيه ولا حرج فيه.
الاستنساخ باطل ومحرم حتى الكفار أنكروه، وهو يأخذ من ماء الفحل، حتى يستنسخ مثله خروفًا أو حَمَلا - بإذن الله - وهو في الآدمي أشد وأعظم.
فوائد في الفقه 38
حكم الصلاة خلف الفاسق فيها قولان:
1- أن الصلاة صحيحة.
2-الصلاة غير صحيحة.
والصواب في القولين صحة الصلاة، كالصلاة في الأرض المغصوبة وهو قول جمهور العلماء، لأن حجة من قال بعدم صحة الصلاة خلفه أن إنكار المنكر واجب، فإن صلى خلفه لم يأت بالواجب، فتكون الصلاة خلفه منهيًّا عنها.
والقاعدة عند الجمهور أن النهي إذا كان يرجع إلى ذات المنهي عنه، فإنه يقتضي الفساد كالصلاة في الثوب النجس، أو البقعة النجسة أو الصلاة وفي بدنه نجاسة.(1/193)
أما إذا كان النهي لا يرجع إلى ذات المنهي عنه، بل يرجع إلى خارج عن المنهي عنه، فإنه لا يقتضي الفساد، كالصلاة في الأرض المغصوبة، أو الثوب المغصوب أو في ثوب الحرير ، وكالصلاة خلف الفاسق، فإن الصلاة خلفه منهي عنها لا لأمر يرجع إلى ذات المنهي عنه، بل لأمر خارج وهو إنكار المنكر، ومثله الوضوء من البرادة التي وضعت للشرب، فتصح مع الإثم، فهو كمن توضأ بماء مغصوب، فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب.
كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، أو صيام ثلاثة أيام لقوله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة الآية 89.
والإطعام يكون على وجهين:
-أحدهما: أن يغديهم أو يعشيهم عنده في البيت أو في المطعم.
-الثاني: أن يدفع لكل واحد نصف صاع وهو كيلو ونصف من الطعام من التمر أو البر أو الأرز، ويحسن أن يكون معه إدام يأتدم به من اللحم أو الخل أو الزيت، ولا بد من استيعاب العشرة، لأن الله نص على العشرة.
وأما الكسوة: فيعطي كل واحد من العشرة، لأن الله نص على العشرة كسوة تكفيه للصلاة، كالقميص أو إزار ورداء، والمرأة قميص وخمار، ولا يكفي أن يعطيه سروالا أو غترة أو خُفًّا أو عمامة أو يعطي المرأة خمارًا فقط، لأن هذه كسوة ناقصة لا تكفي للصلاة.(1/194)
إذا طافت المرأة للعمرة وسعت ولم تقصر،حتى جامعها زوجها فسدت العمرة، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد، وعليها دم عن الجماع ودم عن التقصير وعليها قضاء العمرة الفاسدة. شيخنا
فوائد في الفقه 39
إذا زنى بامرأة فحملت، فأراد أن يعقد عليها ويتزوجها حتى يستر عليها ويكون الولد له فما الحكم؟
الجواب: لا يجوز له الزواج بها، ولا للولي أن يزوجه إلا بعد التوبة، لقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ النور الآية 3، ثم بعد التوبة لا بد من استبراء رحم المرأة.
والولد لا يكون له، ولا يلحق به لأنه من سفاح وللعاهر الحجر، فليس للزاني إلا الخيبة والخسار وإقامة الحد. شيخنا.
امرأة أحرمت بعمرة، وأحست برطوبة في فرجها، وتيقنت انتقاض وضوئها، فأكملت طوافها وسعيها وتقصيرها ثم تزوجت، ومضى عليها خمسة أشهر بعد الزواج وجامعها زوجها فماذا عليها؟
الجواب: عمرتها فسدت، وعليها أن تقضي عمرتها الفاسدة في الحال، لأنها لا تزال على إحرامها، وعليها شاة من أجل الجماع، ولا بد من تجديد عقد النكاح بعد قضاء العمرة؛ لأنه تبين إنها عقد عليها النكاح وهي محرمة، ونكاح المحرمة فاسد لما ثبت في الحديث الصحيح: لا ينكح المحرم ولا ينكح شيخنا.
إذا بقي الحمل في بطن أمه ميتًا عشرين سنة فإنها لا تخرج من العدة ( عدة الطلاق أو الوفاة ) إلا بخروجه أو إخراجه. شيخنا
المسافر هل يكون إمامًا في الجمعة
الجواب: فيه قولان:
-أحدهما: المنع وهو المذهب عند الحنابلة.
-والثاني: الجواز، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو مذهب الأئمة الثلاثة.
قلتُ: اختار شيخنا الجواز، وقال هذا جائز للمسافر كما لو أتم الصلاة، وقال الأمر في ذلك واسع.(1/195)
إذا كان على رأس المرأة ضمادات أو حناء، وتوضأت فإنها تمسح على الحناء والضمادات، لقول عائشة رضي الله عنها: كنا نمسح على الضمادات .
فوائد في الفقه 40
مأموم على كرسي نعس في الصلاة حتى تفوته ركعة
إن كان النوم مستغرقًا بطل وضوءه وعليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، وإلا لم يكن مستغرقًا فإنه يأتي بركعة بعد سلام الإمام.
إذا عقد بعد التحلل الأول في الحج فالعقد صحيح، لكن يحرم الجماع. شيخنا.
إذا تخلف الصبي عن حلقة تحفيظ القرآن الكريم فقيل: الذي يتخلف عليه غرامة خمسة ريالات تعزيرًا، فلا بأس. شيخنا.
في البيع والشراء: ينبغي للإنسان أن يكون بيعه على الناس سواء ولا يستغل جهل الجاهل ولا الصبي ولا المرأة فيبيع عليه بزيادة على غيره، فإن هذا لا يجوز، وإذا أراد أن يبيع سلعة بزيادة على ما في السوق فليخبره ويقول: هي في السوق بخمسة وأنا لا أبيعها إلا بسبعة، فإن لم يفعل كان غاشًّا. شيخنا.
الصلوات الخمس والجمعة ورمضان مكفرات للصغائر إذا اجتنبت الكبائر فإن لم يكن صغائر أُعطي حسنات، لكن من ذا الذي يسلَم من الصغائر !!
الصائم إذا أكل ظانًّا غروب الشمس ثم طلعت الشمس أو أكل ظانًّا أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه طلع فما الحكم؟
فيه قولان للعلماء: أحدهما: قول الجمهور أنه يلزمه القضاء، وهذا هو الصواب لأنه مفرِّط بخلاف الناسي؛ فإن الناسي غير مفرط، لأن النسيان لا حيلة فيه.
الثاني: أنه لا يلزم القضاء؛ لأنه جاهل بالحال، والجاهل بالحال كالجاهل بالحكم معذور كالناسي والمكره؛ لأن من شرط التكليف العلم بالشيء وحكمه والقدرة عليه.
وعندي: أن هذا الشرط عام يستثنى منه المفرِّط، فيكون مستثنى منه، وهذا فتح الله به وله الحمد والمنة.
الفرق بين السعي والطواف
من الفرق بين الطواف بالبيت وبين السعي بين الصفا والمروة .(1/196)
1-أنه إذا انتقض وضوءه وهو يطوف بالبيت بطل طوافه على الصحيح الذي عليه الجمهور وعليه أن يتوضأ ويستأنف الطواف من جديد؛ لأن الطواف بالبيت صلاة.
أما إذا انتقض وضوءه وهو يسعى بين الصفا والمروة فإنه يستمر في سعيه ويتمه، وسعيه صحيح؛ لأن السعي لا تشترط له الطهارة بل يستحب.
2- لا يجوز الفصل بين أشواط الطواف إلا إذا كان الفصل يسيرًا، كما لو أقيمت فريضة أو حضرت جنازة؛ فإنه يصلي ثم يتم طوافه، فإن طال الفصل استأنف الطواف، بخلاف السعي فالفصل الطويل بين أشواطه كالفصل بنومة فلا يضر ويكمل وسعيه صحيح، وإن أعاده واستأنفه احتياطًا وخروجًا من الخلاف فهو أولى.
إذا جامع في نهار رمضان ناسيًا فلا حرج عليه وصومه صحيح، وكذا لو جامع المحرم ناسيًا فحجه صحيح ولا كفارة عليه، أما إذا جامع في نهار رمضان جاهلاً فعليه قضاء أو كفارة كما لو أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح، وكذا لو جامع المحرم جاهلا فعليه الكفارة في أصح أقوال أهل العلم؛ لأن الجاهل مفرِّط حيث لم يسأل مع إمكان السؤال بخلاف الناسي فهو معذور؛ لأن النسيان لا حيلة فيه.
وقيل: الجاهل معذور لقصة صاحب الجبة - وهو الرجل الذي تضمخ بالطيب فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: اغسل عنك أثر الخَلُوق، واصنع ما أنت صانع في حجِّك وهذا قول قوي.
فوائد في الفقه 41
أركان خطبة الجمعة أربعة: ـ
1-حمد الله.
2-الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم.
3-الوصية بتقوى الله عز وجل.
4-قراءة آية أو آيات من القرآن.
واشترط بعضهم الشهادتان: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، فينبغي الإتيان بهما وعدم الإخلال بهما اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واحتياطًا لهذه العبادة، فلو لم يأت بهذه الشروط لم تصح الخطبة، وإذا لم تصح الخطبة لم تصح الصلاة.
أما القيام في وقت الخطبة فليس بواجب، فلو خطب جالسًا صحت الخطبة لكنه أساء بترك السنة.
بما تُدرك تكبيرة الإحرام؟(1/197)
- الظاهر إنها تدرك إذا أدرك الإمام من أول الصلاة وكبّر بعد تكبيره.
امرأة مُقعدة بلغت من الكبر مائة سنة ويشق عليها الوضوء لكل صلاة، ويغلب عليها النوم بعد المغرب فهل لها أن تجمع؟
لها أن تجمع بين الظهر والعصر بدون قصر، والمغرب والعشاء بدون قصر؛ لأن حكمها حكم المريض وأردى.
الحاج إذا طاف للوداع ونفر وبات في منى فلا شيء عليه؛ لأنه خرج من مكة ومنى وإن كانت من الحرم فليست من مكة بخلاف ما إذا أقام بمكة فإنه يعيد طواف الوداع.
الإغماء: إذا كان يومًا فإنه يقضي عند الجمهور كأن يُغمى عليه في الصباح فيفيق في المساء فيقض الظهر والعصر أو يغمى عليه في المساء فيفيق في الصباح فيقضي المغرب والعشاء، وقالوا: ما زاد عن اليوم لا يُقضَى؛ لأنه يشبه المعتوه.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يقضي اليومين والثلاثة، لأنه يشبه النائم، وإذا زاد الإغماء عن الثلاثة أيام فلا يقضي لأنه يشبه المعتوه. (هذا اختيار شيخنا).
قد تكون النافلة أفضل من الفريضة كما في قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ فإنظار المعسر فرض وواجب؛ لأن قوله تعالى فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ خبر بمعنى الأمر وهو للوجوب، والمعنى: فإنظاره إلى وقت الإيسار، أما الصدقة على المعسر ومسامحته وإبراؤه من حقه أو بعض حقه فهو نافلة ومستحب.
فوائد في الفقه 42
عدة المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا، فإن كانت حاملا فبوضع الحمل ولو ساعة بعد الوفاة، وكان في المسألة خلاف لبعض السلف أنها تعتَدّ بأطول الأجلين، ثم استقر الإجماع على أنها تعتد بوضع الحمل. شيخنا.
إذا باع السلعة على شخص ثم باعها المشتري على آخر وهي في مكانها ولم ينقلها إلى مكان آخر فهذا حرام لا يجوز، وفي صحة البيع قولان للعلماء:(1/198)
منهم من يرى عدم صحة البيع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم أو ينقلوها أو يحوِّلوها إلى مكان آخر كأعلى السوق، والنهي يقتضي الفساد.
ومن العلماء من قال يصح البيع مع الإثم، وسواء باعها وهي في الأرض التي اشتراها فيه أو كانت في الدكان أو كانت في السيارة، الدرب واحد والحكم واحد، وسواء كانت السلعة بضاعة أو فاكهة أو غيرها.
النُّفساء إذا طهرت قبل الأربعين اغتسلت وصلت وصامت وجامعها زوجها، فإن عاد الدم قبل الأربعين جلست ولا تصلي ولا تصوم ولا يجامعها زوجها، فإن رأت الدم بعد الأربعين، فإنها تتلجم تصوم وتصلي وتتوضأ لكل صلاة لأنه دم فساد، ولو كان الدم يشبه دم الحيض لحديث أم سلمة إلا إذا صادف أيام عادة حيضها فإنها تجلس عادتها ولا تصوم ولا تصلي ولا يجامعها زوجها ولو كانت بعد الأربعين.
مواقيت الحج نوعان:
1-مواقيت مكانية وهي الخمسة المعروفة: ذو الحُلَيْفَة وقرن المنازل ويَلَمْلَم والجحفة وذات عرق فلا يجوز تجاوزها لمن أراد حجًّا أو عمرة، فإن تجاوزها فعليه الرجوع، فإن أحرم بعد تجاوزها صح إحرامه وعليه دم يجبر النقص الذي حصل بترك الواجب.
2-مواقيت زمانية: وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، فلا يجوز الإحرام بالحج بعد ليلة العاشر من ذي الحجة، فإن أحرم تحلل منه بعمرة أي قلب إحرامه عمرة، ولا يجوز الإحرام بالحج قبل ليلة العيد، الأول من شهر شوال، فإن أحرم بالحج قلبه عمرة وتحلل منه بعمرة.
أقل عدد تنعقد به الجمعة ثلاثة في أصح أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ فأقلهم ثلاثة: المؤذن المنادي، وإمام، ومأموم.
وقال ابن حزم تنعقد الجمعة باثنين، والصواب الأول، أما القول بأن أقل عدد تنعقد به الجمعة اثنا عشر أو أربعون فلا دليل عليهما وإن قال به الحنابلة.(1/199)
الجمهور على أن التشهد الأول ينتهي بالشهادتين وقال الشافعي وجماعة: يصلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول كالثاني؛ لأن الأمر بالصلاة عليه ليس فيه تقييد أنها في التشهد الأول. اختيار شيخنا.
فوائد في الفقه 43
الجراد صيد بري عند جمهور العلماء وهو الصواب، وعليه فلا يجوز صيده في الحرم، وإن صاده فعليه جزاءه بقيمته.
تعدد الزوجات هو الأصل، وهو أفضل من الاقتصار على واحدة لمن وثق من نفسه العدل واطمأن إليه وإلا فليقتصر على واحدة أو ملك اليمين كما هو ظاهر القرآن، قال الله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وأما قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فالمراد العدل الكامل من المحبة والشهوة والجماع، فهذا لا يستطاع؛ فالمحبة القلبية وما ينشأ عنه من الجماع فهذا لا يملكه الإنسان، بل هو إلى الله.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعدل بين نسائه في النفقة والكسوة والسكنى والقَسْم، وهذه الأمور الأربعة هي التي يجب العدل فيها، ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك
وتعدد الزوجات مع العدل فيه مصالح منها:
- إعفاف نفسه.
-قضاء وطره فلا يتطلع إلى الحرام وقد لا تعفه الواحدة فيتزوج ثانية، وقد لا تعفه الثانية فيتزوج ثالثة، وقد لا تعفه الثالثة فيتزوج رابعة.
-إعفاف عدد من الزوجات.
-النفقة على عدد من الزوجات والقيام بشئونهن.
-تكثير النسل وتكثير الأمة، وتكثير من يعبد الله.
-تحقيق مباهاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته الأمم يوم القيامة.
-وكما في الحديث: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة .(1/200)
إذا كان الحيض متقطع في أثناء اليوم فإنها تجلس ذلك اليوم كأن يكون دم الحيض يخرج في الصباح وينقطع في المساء أو بالعكس، فإنها تجلس هذا اليوم أما إذا كان ينقطع يومًا كاملا فإنها تغتسل هذا اليوم وتصلي؛ ولهذا جعل الموفق ابن قدامة الحد اليوم الكامل، فإن كان انقطاع الدم أقل من يوم جلسته، وإن كان يومًا اغتسلت وصلّت، وإذا رجع الدم في اليوم الثاني جلسته؛ ولهذا يقول الفقهاء: ( ومَن رأت يومًا دمًا ويومًا نقاءً فالدم حيض والنقاء طهر ) قاله صاحب زاد المستقنع.
تجلس المرأة أيام نزول الدم عليها إلى أن تصل إلى نصف الشهر فإن زادت عن نصف الشهر فلا تجلس بل تعتبره استحاضة في قول جمهور العلماء وهو الصواب، وحينئذ تقضي الصلاة في الأيام التي جلستها في نصف الشهر لأنه بزيادة الدم على نصف الشهر (نصف الدهر) تبيّن أنه دم استحاضة، ولا تجلس إلا عادتها أو عادة نسائها من أول مجيء الدم أو من أول كل شهر هلالي على التفاصيل المعروفة في المستحاضات.
رجل له أخت أرملة ليس لها أولاد ولا أب ولا زوج وينفق عليها من الزكاة فما الحكم؟
الأحوط أن ينفق عليها من غير الزكاة لأنه يرثها، وقد قال الفقهاء من الحنابلة وغيرهم: لا يدفع زكاته إلى مَن يرثه، بل يجب عليه أن ينفق عليه من غير الزكاة، فهذا هو الأحوط، وإن لم يكن على المنع من إعطائها الزكاة دليل واضح لكن الاحتياط الإنفاق عليها من غير الزكاة.
الحُدَاء: وهو الغناء بالأشعار التي لا محذور فيها جائز، إذا كان بصوت رجل لا فتنة فيه، كالأشعار التي تحث على الشجاعة والكرم وما أشبه ذلك.
أما إذا كان بصوت امرأة أجنبية أو بصوت أمرد يُخشى منه الفتنة أو كان في وصف النساء أو في وصف الخمر والدعوة إليه فهو محرم.(1/201)
وأما ما استدل به المبيحين للغناء بغناء الجاريتين يوم العيد في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا استدلال بالمتشابه وترك المحكم الواضح، وهذه طريقة أهل الزيغ، يتركون الأدلة الكثيرة المحكمة الواضحة على تحريم الغناء، ويستدلون بقصة الجاريتين.
ولا شك أن ما فعلته الجاريتين جائز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرهما على ذلك، فهو جائز وكذلك ما أشبهه كغناء النساء وحدهن في العرس بما لا محذور فيه وضربهن بالدف، لكن قصة الجاريتين يلاحظ فيها أمورًا:
-أنهما جاريتين غير مكلفتين دون البلوغ.
-أنه في يوم عيد.
-أنهما تغنيان بما تقوله الأنصار يوم بُعاث في الجاهلية.
-أنه لا مزمار فيه.
ومثله اللعب بالسيوف والحراب كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحبشة وهم يلعبون بالمسجد، فإذا كانت عرضة بالسيوف والحراب والدراق، وإنشاد الأشعار بما لا محذور فيها فلا بأس وكذلك في الجيوش لتشجيعهم عليه، وأجاز بعضهم الدف في الجيوش لتشجيعهم، لكن ليس عليه دليل واضح.
النوم الذي ينقض الوضوء هو النوم المستغرق، والنوم المستغرق هو الذي يزول معه الإحساس سواء كان جالسًا أو راكعًا أو ساجدًا أو مضطجعًا، أما النوم الذي لا يزول معه الإحساس فلا ينقض الوضوء، وهو النعاس كما في الحديث أن الصحابة كانوا ينتظرون صلاة العشاء وينامون ثم يصلون ولا يتوضئون، المعنى أنهم ينعسون، ونوم النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينقض وضوءه؛ لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه، فلا يزول معه الإحساس، كما ثبت ذلك في الصحيحين.
عطية الوالد لولده:(1/202)
يجب عليه أن يساوي بين أولاده الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا الولد الكافر فلا يعطَى شيئًا ذكرًا كان أو أنثى، بل وجوده كعدمه، أما العاصي فإنه يُعطى ويُنصح ويدعى له بالهداية، لما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ويدخل في هذا الجد والجدة في العدل بين أولاد أولادهما.
ومما يجب العدل فيه السيارة للذكر يسوي بين أبنائه وإلا يجعلها باسمه، ولا بأس أن يقضي الولد بها حاجاته وهي من مال الأب، وكذلك الذهب التي تتحلى به البنات، لا بد من العدل فيه بين الأولاد واستسماحهم فإذا سمحوا وهم بالغون مرشدون فلا بأس من تحلية الإناث دون أن يعطي بقية أولاده شيئًا.
زوجات الآباء والأجداد من نسب أو رضاع حرام على أبنائهم وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم من نسب أو رضاع، وكذلك زوجات الأبناء حرام على الآباء والأجداد من قِبل الأب أو الأم بنسب أو رضاع، والدليل قول الله تعالى في زوجات الآباء والأجداد: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ فهو يشمل الآباء والأجداد من قِبل الأب أو الأم من نسب أو رضاع، والدليل على تحريم زوجات الأبناء على الآباء والأجداد قوله تعالى: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ فهو يشمل الآباء والأجداد من قِبل الأب أو الأم من نسب أو رضاع.
وأما القيد في الآية: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ فهو احتراز من الابن الدعي، ابن التبني الذي ينسبه الإنسان إلى نفسه ويتبناهم كما كان ذلك في أول الإسلام، فالابن الدعي المتبنى زوجته حلال إذا طلقها أو مات عنها بنص القرآن الكريم.(1/203)
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- تبنى في أول الإسلام زيد بن حارثة فكان يدعى زيد بن محمد، ثم أنزل الله: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ وأباح الله لنبيه زوجة ابنه الدعي، وهي زينب بنت جحش بعد طلاق زوجها زيد بل زوجها الله لنبيه من فوق سبع سماوات وكانت تفخر عل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول: ( زوَّجَكُنّ أهليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ).
كل ذلك لهدم التبني وإبطاله، قال الله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا .
يشرع للحاج والمعتمر على الصفا وعلى المروة أن يرفع يديه ويستقبل القبلة، ويكبر ثلاثًا، ويهلل ثلاثًا ويدعو ، ويكرر ذلك ثلاثًا، أي: التكبير والتهليل والدعاء، وهو رافع في جميع ذلك، ولا يشير بيده في التكبير، بل يكبِّر وهو رافع يديه إلى القبلة.
الشيخ الكبير محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره لسورة الأعراف الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
القواعد الخمسة التي تبنى عليها أحكام الفقه:
1- الضرر يزال.
2- المشقة تجلب التيسير.
3-لا يرتفع يقين بشك.
4-أعمال الناس ومعاملاتهم تجري على أعرافهم وعوائدهم وما يعرفونه.
5-الأمور بحسب مقاصدها.
إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل المغرب صلت الظهر والعصر في أصح قولي العلماء، وقيل: تصلي العصر فقط، وإذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء لأن وقتهما واحد، في أصح قولي العلماء، وقيل: تصلي العشاء فقط. شيخنا.
فوائد في الفقه 44
إذا شرطت المرأة عند العقد أن لا يتزوج عليها فهو شرط صحيح، فلها شرطها، فإن تزوج فهي بالخيار، إن شاءت بقيت عنده، وإن شاءت طلقها.(1/204)
إذا شرطت عليه عند العقد طلاق زوجته الأولى ثم لم يطلق فلا يلزمه؛ لأنه شرط باطل لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ولا تشترط المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها فنهى عن هذا الشرط، والنهي يقتضي الفساد، فدل على أنه شرط فاسد.
الحدود كلمة مشتركة بين أمور:
1- تطلق على الفرائض والأوامر ومنه تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا أي: لا تتجاوزوها.
2-تطلق على المعاصي المنهي عنها ومنه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا .
3-تطلق على العقوبات المقدرة ومنه قول عبد الرحمن بن عوف في حد القذف: ( أخف الحدود ثمانون ) أي: أخف العقوبات المقدرة.
الطلاق الثلاث بكلمة واحدة كأن يقول: أنت طالق ثلاثًا فيه أربعة أقوال للعلماء .
1-قول جمهور العلماء: أنها تقع ثلاث طلقات، واستدلوا بأن عمر رضي الله عنه أمضاها ثلاثًا وقال: إن الناس استعجلوا في أمر لهم أناة، فأمضاه عليهم، وأجمع عليه الصحابة.
2-أنها تقع طلقة واحدة، ما لم يكررها، فإن كررها ولم يرد تأكيدًا ولا إفهاما وقع عدد المكرر؛ لأن المكرر يعتبر بخلاف اللفظ الواحد، والكلمة الواحدة فلا تعتبر إلا واحدة ، فلو قال: سبحان الله ثلاثًا فلا يعتبر إلا واحدة، أو قال: السلام عليكم ثلاثًا فلا يعتبر إلا واحدة، بخلاف ما إذا قال: سبحان الله سبحان، الله سبحان الله، أو قال: السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم، فإنها تعتبر ثلاثًا، وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.
إنها تقع طلقة واحدة حتى لو كررها في مجلس أو مجالس، ولا تكون الطلقة الثانية إلا بعد طُهر آخر لم يمسها فيه، وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم اضغط هناومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ قالوا: فالمرة لا بد أن تكون مستقلة عن غيرها في طهر.(1/205)
واستدلوا أهل القول الثاني والثالث: بما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، ثم تتابع الناس في الطلاق فأمضى عليهم الثلاث، وهذا يدل على أن إمضاء الثلاث على الناس إنما هو تعزير لهم.
3-المطلقة ثلاثًا - غير المدخول بها - تبَِينُ بالأولى وليس عليها عدة.
فوائد في الفقه 45
زكاة الدَّين فيه ثلاثة أقوال للعلماء:
1-أنه يزكيها مطلقًا.
2-أنه لا يزكيها مطلقًا.
3-التفصيل:
-وهو أنه يزكيها إذا كانت عند مليء يدفعها متى طلبها كل منهما يزكيها الدائن والمدين.
-أما إذا كانت عند معسر أو مماطل في دفعها لا يدري هل تحصل أو لا تحصل، فإنه لا يزكيها إلا إذا قبضها.
وهذا الثالث هو الصواب لأن الزكاة إنما وجبت مواساة.
وقت النهي عند قيام الشمس قبيل الظهر طويل يقارب ربع ساعة بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُقبَر فيه الموتى، وكذا وقت النهي عند طلوع الشمس وكذا وقت النهي عند غروب الشمس؛ لحديث عقبة بن عامر عند مسلم ثلاث ساعات نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي فيهن وأن ندفن فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة، وحين تضيّف للغروب.. .
السقط إذا سقط من بطن أمه قبل أن يُنفخ فيه الروح - وهذا في الغالب يكون قبل مضي أربعة أشهر، فإن لم يتبيّن فيه خلق الإنسان كأن تسقط قطعة لحم، فإن أمه لا تكون نُفَساء بل يكون دم فساد لا تترك له العبادة بل تتلجم وتصلي وتصوم، أما إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، يد أو رِجل أو رأس فإنها تكون نُفَساء، أما إذا نُفخ فيه الروح فإنه يسمى ويعق عنه ولو سقط ميتًا، ويصلَّى عليه.
المستحاضة: وهي التي أطبق عليها الدم كل الشهر أو أغلبه فيها ثلاث سنن:(1/206)
السُّنة الأولى: المعتادة: تجلس عادتها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإن شاءت اغتسلت استحبابًا، فإن شق عليها الوضوء لكل صلاة فلها أن تجمع جمعًا صوريًّا بأن تؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها وتصلى الصلاة الثانية في أول وقتها.
السُّنة الثانية: المميِّزة: تعمل بالتمييز فتجلس في دم الحيض، فإذا ذهب اغتسلت وصلّت، وهاتان السنتان في الصحيحين , والعادة مقدمة على التمييز في أصح أقوال أهل العلم وهو المشهور في مذهب الحنابلة.
السنة الثالثة: المتحيِّرة: تتحيّض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها من أول مجيء العادة لها , وإلا فمِن أول كل شهر هلالي، وهذه السُّنة ليست في الصحيحين بل في السنن.
وأما المبتدئة وكذا من أكلت حبوب منع الدورة الشهرية ثم نزل الدم أو استعملت اللولب ثم نزل الدم فهذه تجلس حتى ينقطع الدم ما لم يتجاوز خمسة عشر يومًا، نصف الدهر، فإذا بلغت خمسة عشر يومًا اغتسلت وتحفضت وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإن شاءت اغتسلت.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى:
والعلماء لهم في الاستحاضة نزاع فإنّ أمرها مُشكِل لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة، فلا بد من فاصل يفصل هذا من هذا، والعلامات التي قيل بها ستة، أما العادة فإن العادة أقوى العلامات لأن الأصل مقام الحيض دون غيره، وأما التمييز لأنه الدم الأسود والثخين المنتن أولى أن يكون حيضًا من الأحمر، وأما اعتبار غالب عادة النساء لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.
فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنة والاعتبار، ومن الفقهاء من يجلسها ليلة وهو أقل الحيض ومنهم من يجلسها الأكثر لأنه أصل دم الصحة، ومنهم من يلحقها بعادة نسائها وهل هذا حكم الناسية أو حكم المبتدئة والناسية جميعًا فيه نزاع.(1/207)
وأصوب الأقوال اعتبار العلامات التي جاءت بها السنة وإلغاء ما سوى ذلك، وأما المتميزة فتجلس غالب الحيض كما جاءت به السنة، ومن لم يجعل لها دمًا محكومًا بأنه حيض بل أمرها بالاحتياط مطلقًا فقد كلفها أمرًا عظيما لا تأتي الشريعة بمثله، وفيه تبغيض عبادة الله إلى أهل دين الله، وقد رفع الله الحرج عن المسلمين وهو من أضعف الأقوال جدًّا وأصل هذا أن الدم باعتبار حكمه لا يخرج عن خمسة أقسام:
1- دم مقطوع بأنه حيض كالدم المعتاد الذي لا استحاضة معه.
2-ودم مقطوع بأنه استحاضة كدم الصغيرة.
3-ودم يحتمل الأمرين لكن الأظهر أنه حيض وهو دم المعتادة والمميزة ونحوهما من المستحاضات الذي يُحكم بأنه حيض.
4-ودم يحتمل الأمرين، والأظهر أنه دم فساد وهو الدم الذي يُحكم بأنه استحاضة من دماء هؤلاء.
5-ودم مشكوك فيه لا يترجح فيه أحد الأمرين فهذا يقول به طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فيوجبون على من أصابها أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم، والصواب أن هذا القول باطل لوجوه:
أحدها: أن الله تعالى يقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ فالله -تعالى- قد بين للمسلمين في المستحاضة وغيرها ما تتقيه من الصلاة والصيام في زمن الحيض، فكيف يقال: إن الشريعة فيها شك مستمر يحكم به الرسول وأمته؟!
نعم قد يكون شك خاص ببعض الناس كالذي يشك هل أأحدث أم لا، وكالشبهات التي لا يعلمها كثير من الناس، فأما شك وشبهة تكون في نفس الشريعة فهذا باطل، والذين يجعلون هذا دم شك يجعلون ذلك حكم الشرع لا يقولون: نحن شككنا، فإن الشاك لا علم عنده فلا يجزم، وهؤلاء يجزمون بوجوب الصيام وإعادته لشكهم.
الوجه الثاني: أن الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة مرتين ولا الصيام مرتين، إلا بتفريط من العبد ( فتاوى ابن تيمية ج21\ص630- 631 -632 )(1/208)
الأذان والإقامة في أذن المولود جاء في حديث فيه لين، في سنده عاصم بن عبيد الله فيه لين.
أما تسمية المولود فيشرع في اليوم السابع ويجوز في اليوم الأول، أما العقيقة، فإنها في اليوم السابع ثم في اليوم الرابع عشر ثم في الحادي والعشرين ثم في أي يوم، وقد سمّى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنه إبراهيم في اليوم الأول من ولادته.
أخذ أبو حنيفة رحمه الله حكمًا من قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً حكمًا فقهيًّا وهو عدم رفع الصوت بآمين إذا قال الإمام: وَلَا الضَّالِّينَ قال: لأن قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً نصٌّ متواتر لأنه قرآن، وما ورد في السنة من رفع الصوت بآمين خلف الإمام خبر آحاد..
والقاعدة المقررة في أصول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- أنه إذا وجد خبران أحدهما عام والآخر خاص ، فإنه لا يخصص العام بالخاص ولا يخصصه به، بل إنْ عُلِمَ التاريخ نَسخَ المتأخرُ المتقدمَ، وإن لم يُعلم التاريخ عُمل بالاحتياط، واحتاط فعمل بالعام، قال: لأن دلالة العام على أفراده قطعية، فكأنه نص على كل فرد من أفراده بنص خاص.
وعليه فلا يقضي الخاص على العام، بل يعمل بالعام احتياطًا للدين وبراءة للذمة، هذا إن كان الخبران آحادًا، فإن كان أحدهما متواترا والآخر آحادا، فلا ينسخ الآحادُ المتواترَ بل يُعمل بالعام لأن دلالته على كل فرد من أفراده قطعية.
ففي هذه الآية قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً حكم فقهي، وهو عدم الجهر بآمين عملا بهذه الآية؛ لأن آمين دعاء معناها: اللهم استجِبْ، وهناك قول شاذ أن " آمين " من أسماء الله، قالوا: حتى على هذا القول لا يجهر بها لأنها ذِكر وقد قال الله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ .(1/209)
أما ما ورد في السُّنة من الأمر بالجهر " بآمين " خلف الإمام وإن كانت متأخرة والظاهر أنه متأخر، لأن شرعية صلاة الجماعة في المدينة، وهذه الآية من الأعراف وسورة الأعراف مكية إلا ثمان آيات.
فالنصوص في الجهر بآمين خبر آحاد، والآية المأخوذ منها الحكم العام من المتواتر، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد، كما أن الخاص لا يقضي على العام ولا يخصص به عند أبي حنيفة رحمه الله.
وبناء على هذه القاعدة المقررة في أصول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- عمل بالنص العام وهو قول النبي -صلى لله عليه وسلم-: فيما سقت السماءُ العُشْرُ ولم يعمل بالخاص وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوسُق صدقة لأن كل منهما خبر آحاد وقد تعارضا فينسخ المتقدم المتأخر، وقد نظر في التاريخ فلم يعرف المتقدم منهما فعمل بالاحتياط، واحتاط في إيجاب الزكاة فعمل بالعام، وهو قوله: فيما سقت السماء العشر فأوجب الزكاة في القليل والكثير؛ لأن دلالته على أفراده عامة، والعام لم يخصص وسقًا ولا وسقين، والخاص عند أبي حنيفة لا يقضي على العام ولا يخصصه..
أما الجمهور من العلماء: فإنهم يقدمون الخاص على العام، والمقيد على المطلق، فالخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق سواء تقدم الخاص أو العام، كما هو مقرر في أصول الشافعية والحنابلة والمالكية.
ففي المثال السابق لا تجب الزكاة في أقل من خمسة أوسق عملا بالحديث الخاص، وفي المثال الذي قبله يجهر بآمين خلف الإمام عملا بالنص الخاص من السنة.
الصلاة في دورين أو مكانين في المدرسة أو المؤسسة أو الوزارة فيه الخلاف إذا لم يكن مسجد، والأحوط أن يصلي كل في مكانه.
المسح على الخفين يكون بالبدء بالرجل اليمنى باليد اليمنى ثم تمسح الرجل اليسرى باليد اليسرى، ولا يمسحان جميعًا في وقت واحد لأن الطهارة تتم أولا بالرجل اليمنى ثم اليسرى.(1/210)
الحلف بالطلاق جائز وليس بمحرم، كأن يقول: إن دخلتُ الدار فأنتِ طالق، فهذا حكمه حكم الحلف عند شيخ الإسلام وجماعة؛ لأن الحالف يمنع نفسه، وهذا الحالف بالطلاق قصده منع زوجته، فحكمه حكم الحلف، ولكنه ليس حلفًا بغير الله حتى يكون محرمًا.
فوائد في الفقه 46
المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام مباح لا إثم فيه عند جمهور العلماء، وقال بعضهم: لا يجوز وليس للحرم خصوصية، والأحاديث في الرخصة ضعيفة ومن أدلة الجمهور أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي والناس يطوفون بين يديه.
إذا نوى أن يطلق بعد مدة عند عقد النكاح فهل يكون حكمه حكم نكاح المتعة؟
الجمهور على أن النية لا تؤثر، ولا يكون حكمه حكم نكاح المتعة بل النكاح صحيح، وحكاه الموفق ابن قدامة في المغني عن الجماهير، ولم يخالف إلا الأوزاعي فقال: لا يصح ولو علموا لم يزوّجوه.
الجراد صيد بري لا بحري على الصحيح، وعليه فإذا صاده المحرم أو الحال في الحرم فعليه جزاؤه، يقوم بقيمته.
الأصل في العقود أنها لازمة لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ كالإجارة والبيع، لكن عقد المساقاة إذا لم يحدد مدة فإنه لا يلزم لقوله -صلى الله عليه وسلم- لليهود لما أعطاهم خيبر نُقِرُّكُم على ذلك ما شئنا .
لا يجوز شراء السجادة التي فيها صورة الكعبة لأن بعض الناس قد يعظمها ويصلي إليها وينسى الكعبة فلا يستقبلها، فتكون وسيلة إلى نسيان القبلة.
من نسي صلاة المغرب ثم ذكرها لما كبّر لصلاة المغرب في اليوم الثاني فإنه يقطع صلاته، ثم يقضي الفائتة ثم يصلي الحاضرة.
رجل يصلي خلف الإمام على الكرسي وينعس ولا ينتبه إلا في الركعة الثانية فماذا عليه؟
الجواب: إن انتبه قبل قيام الإمام للركعة فإنه يلحق بالإمام، وإن كان بعد قيامه للركعة يأتي بركعة بعد سلام الإمام، وصلاته صحيحة وليس نومه مستغرقًا.(1/211)
يجوز للأب خاصة أن يرد بعض مهر ابنته لأن له أن يأخذ من مال ولده، ولا يجوز لغير الأب رد شيء من المهر. شيخنا.
ما حرُم لكسبه فهو حرام على الكاسب دون غيره مثل المال الحرام ، وما حرم لعينه فهو حرام مطلقًا، مثل الميتة. الشيخ محمد العثيمين.
فوائد في الفقه 47
إذا نسي المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء أو في الغسل فما الحكم؟
- هذا مبني على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء وفي الغسل أو عدم وجوبها، وهي مسألة خلافية.
والجواب: أنه إذا نسي المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء إذا ذكر لأن المضمضة و الاستنشاق جزء من غسل الوجه، والترتيب في الوضوء واجب وفرض، بخلاف الغسل فإنه إذا نسي المضمضة أو الاستنشاق، فإنه يعيد الصلاة ولا يعيد الغسل، بل يتمضمض ويستنشق متى ذكر، لأن الغسل لا يشترط فيه الترتيب بخلاف الوضوء.
إذا أغمي عليه وقت الصلاة فهل يقضيها أم لا؟
هذه المسألة فيها أقوال للعلماء:
1-قول مالك في الموطأ أنه إذا أغمي عليه فإن أفاق في الوقت صلى، وإن أفاق بعد خروج الوقت فلا صلاة عليه.
2-أنه إذا كان الإغماء يومًا قضى الصلاة، فإن زاد عن يوم فلا صلاة عليه.
3-أنه إن كان الإغماء يوما أو يومين أو ثلاثة قضى الصلاة، فإن زاد عن ثلاثة أيام فلا صلاة عليه؛ لأن حكمه حكم زائل العقل، وهذا هو الأرجح.
المسافر إذا سافر بعد دخول الوقت ولم يصلِّ وإذا قدم إلى بلده ولم يصل الصلاة بعد دخول وقتها في السفر.
العبرة بحال الفعل في الحالين، فإذ سافر بعد دخول الوقت ولم يصلِّ إلا بعد مفارقة بنيان البلد فإنه يصليها صلاة مسافر، هذا مذهب جمهور العلماء وهو الصواب، وذهب أحمد إلى أنه إذا سافر بعد دخول الوقت صلى صلاة مقيم سواء ذهب الوقت وخرج أو كان الوقت باقيًا.(1/212)
الوقف على الذرية والأولاد جائز عند جمهور العلماء وذهب بعض العلماء إلى المنع وهو اختيار شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله وقال هو وقف الجنف والإثم وشدد في ذلك واستدل له.
الفيء: هو المال الذي يؤخذ من الكفار دون قتال والغنيمة: ما أخذ من الكفار بقتال.
وسمي الفيء فيئًا لأنه رجع إلى المسلمين، مِن فَاءَ إذا رجع؛ لأن الأصل أن المال لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، فيؤخذ منه الخُمس لمن ذكر الله، قال تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى الآية، والباقي يصرفه الإمام بعد أخذ حاجته في مصالح المسلمين من بناء مساجد، وفي الفقراء، والمحتاجين، وفي الرقاب.
من كان يتعامل بالربا ثم تاب فماذا يفعل بما أخذه من الربا؟
الجواب فيه تفصيل: وهو لا يخلو من أن يكون حين تعامله بالربا جاهلا أو عالمًا، فإن كان جاهلا فتكفيه التوبة وله ما عنده من المال؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
وإن كان عالمًا وجب عليه أن يتصدق على الفقراء بما أخذه من الأموال الربوية بنية التخلص منها، أو يصرفها في وجوه البر الأخرى.
الشرط الجزائي: صحيح ومعتبر قاله شيخنا وأقرّه هيئة كبار العلماء. ومثاله: أن يتفق مع شخص في أن يبني له بيتًا بمائة ألف ريال لمدة سنة، فإن مضت السنة ولم يكمل بناؤه، فإنه يحسم عليه في كل شهر مثلا خمسة آلاف ريال - حتى يكمل البناء - وهذا الشرط ضد الربا، لأن الربا زيادة وهذا نقص، وفيه حث للمقاول على إنجاز العمل، وإلا حصل التلاعب من كثير من المقاولين.
الصواب أن الاعتكاف لا حد لأقله ولو ساعة كما قرره النووي وغيره من العلماء، ولا يشترط له الصوم، ولا أن يكون في مسجد جامع، بل يكفي أن تقام فيه الصلوات الخمس.(1/213)
التطعيم عن المرض قبل وقوعه وقد يسمى التلقيح أو التوتين: توقف فيه بعض أئمة الدعوة، وأفتى بعضهم بالمنع - كما في الدرر السنية - احتجاجًا بأن هذا علاج من المرض قبل وقوعه، وهو استعجال للمرض، وقد يموت به فيكون متسببًا في قتل نفسه.
والصواب: أنه جائز لا محذور فيه، وليس هذا من استعجال المرض، ولا يكون في ذلك خطر استعجال الموت ولعل عذر من توقف فيه أو أفتى بالمنع من علماء الدعوة أنه لم يتبين في ذلك الوقت حقيقة التطعيم، وأن فائدته محققه، وأن خطورته وضرره مأمون، كما هو الواقع الآن، وهو واضح لكل أحد.
والدليل على جوازه ما يأتي:
1-ما ثبت في الصحيحين ( حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لابَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ يبحث الحديث من تصبح فهذا: تحصين للإنسان من السم والسحر قبل وقوعه.
مشروعية التعوذات والأدعية الشرعية في الصباح والمساء وعند النوم فهي وقاية وتحصين من شرور الخلق وأضرارهم من الجن والأنس قبل وقوعه..شيخنا
2- الأكل والشرب والنوم فهي وقاية وتحصين من الأمراض والهلاك قبل وقوعه، فإن من لم يأكل ولم يشرب ولم ينم فإنه يمرض ويسقم مرضًا وسقمًا يؤدي به إلى الموت والهلاك.
من شفع شفاعة ثم أهدي له هدية فلا يأخذها، فإن أخذها فقد أتى بابًا من أبواب الربا، كما جاء بذلك الحديث ساقه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام في آخر باب الربا.
إذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق إنْ خرجتِ من البيت فهذا فيه تفصيل:(1/214)
-جمهور العلماء على أنها إذا خرجت وقعت عليها طلقة واحدة ولو نوى الثلاث؛ لأن النية لا يقع بها إلا طلقة واحدة، ثم إذا خرجت مرة أخرى فلا يقع عليها طلاق آخر، إلا إذا قال: كلما خرجتِ فأنت طالق، فإنها تطلق في كل مرة تخرج حتى تنتهي الثلاث طلقات ثم تحرُم عليه إلا بعد زوج - هذا إذا لم يقيّد ذلك بإذنه أو نيته.
كأن يقول: إذا خرجتِ بغير إذني فأنت طالق، فإذا خرجت بإذنه فلا تطلق، وكذا إذا نوى ذلك أو نوى وقتًا معينًا كشهر مثلا، فإنها إذا خرجت بعد الشهر فلا تطلق، وقبله تطلق.
هذا إذا لم يقصد منعها من الخروج فإن قصد منعها من الخروج ولم يقصد الطلاق فهي يمين مكفرة عند شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ولا يقع عليها الطلاق إلا إذا قصد الطلاق، وهو اختيار شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله.
وذهب جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أنه يقع عليها الطلاق مطلقًا إذا خرجت، سواء قصد المنع أو قصد الطلاق، أما إذا قال: إذا جاء رمضان فأنت طالق، فهذه المسألة لا خلاف فيها، فإذا جاء رمضان ، فإنها تطلق باتفاق العلماء بغير خلاف؛ لأنه علق الطلاق على شرط، ولم يعلقّه على وصف قد يقصد منه الحمْل على التصديق أو التكذيب، أو الحث على الفعل أو الترك.
قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .(1/215)
قد تكاثرت الأدلة المستفيضة على اعتماد الأهلة واعتبارها في دخول الشهر وخروجه في الصيام وفي الحج وفي حلِّ الدَّين وعِدة النساء وغيرها من أمور الشرع والدين، وأن الحساب لا يعتبر في ذلك وهذا هو الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف، ولا مانع من أن يستعان بالمراصد أو غيرها في رؤية الهلال لكن العمدة على رؤية العين.
وذهب بعض العلماء إلى اعتبار الحساب منهم مطرف بن عبد الله الشخير ومن المتأخرين ابن سريج وغيره، ثم نشط هذا القول عند بعض المعاصرين الآن، وهو قول فاسد لا وجه له في مقابلة الأدلة ومصادمتها وقد نقل أبو العباس بن تيمية إجماع العلماء على عدم اعتبار الحساب، أما وضع الجداول التي تتعلق بأمور الدنيا فلا بأس به.
وقول صاحب الزاد: والسُّنة نحر الإبل قائمةً معقولةً يدها اليسرى فيطعنها بالحربة ( يُطعن ) بضم العين لأنه طعن حسي بالحربة , وبفتح النون لأن الفعل منصوب على ( معقولة ) وهي منصوبة صفة ( لقائمة ) التي هي حال من الإبل، وجاز عطف العقل على الاسم لأن ( معقولة ) اسم مفعول يعمل عمل الفعل و(يدها) فاعل معقولة.
فوائد في الفقه 48
فوائد من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله:
في قصة استراق الشياطين الوحي من السماء أن الشيطان هكذا بعضه فوق بعض فيسمعها الأعلى ثم يلقيها إلى مَن تحته حتى تصل إلى الآخر منهم ( فيَقُرُّها ) بفتح الياء وضم القاف وضم الراء، أي: يمليها كما تقر الدجاجة.
الكافر يجوز دخوله المدينة بدليل أن الصحابة لما أخذت خيلهم ثمامة بن أثال جاءوا به وربطوه بسارية المسجد , بخلاف مكة فإن الكافر لا يجوز له دخولها لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا حتى قال العلماء: لو جاء وفد من الكفار إلى الإمام وهو في مكة لا يدخلونها وإنما يخرج إليهم , وهذا من الفروق بين مكة والمدينة .(1/216)
المناكير الذي يوضع على الأظافر لا بد من إزالته عند الوضوء لأنه يمنع وصول الماء إلى البشرة لأن له جَرْمًا فلو توضأ وصلى لم تصح صلاته على المذهب وكلام الفقهاء، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يعفى ويصح الوضوء والصلاة هذا إذا كان له جرم , فإن لم يكن له جرم كالصبغ والحناء صح الوضوء والصلاة عند الجميع.
المسجد الذي بني على قبر لا يُصلَّى فيه فرضًا ولا نفلا ولو صلى فيه فإن الصلاة لا تصح وعليه أن يعيد الصلاة، والواجب نبش القبر إن كان المسجد أولا أو هدم المسجد إن كان القبر أولا , فالمتأخر منها ينقل إلى مكان آخر.
قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد باتفاق العلماء، وأما المأموم فجمهور العلماء على أنها ليست واجبة عليه مطلقًا بل يتحملها الإمام، وفصّل بعضهم فأوجبها في السرية دون الجهرية، والصواب أنها واجبة مطلقًا على المأموم للنصوص التي تخصص عموم آية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا وحديث: وإذا قرأ فأنصتوا والمخصص حديث عبادة لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن متفق عليه , ورواية ابن حبان والدارقطني وكذلك رواية أحمد وأبو داود والترمذي (يُراجع بلوغ المرام في كتاب صفة الصلاة).
تكبيرات الانتقال في الصلاة واجبة في مذهب أحمد وهو الصواب لحديث نعيم المجمر عن أبي هريرة في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: ويقول كلما سجد وإذا قام من الجلوس: الله أكبر ( بلوغ المرام باب صفة الصلاة )، وذهب جمهور العلماء إلى أن التكبيرات سُنة، والصواب الأول.
الأثر المروي عن عمرو وابن الزبير رضي الله عنهما أنهما يجيزان بيع الثمار سِنين، رواه عبد الرزاق في مصنفه.(1/217)
قال شيخنا ما نصه ( لعل ما فعله ابن الزبير هو ما فعله عمر في بستان أسيد بن حضير وهو المساقاة على النخل في صبرة معلومة يتولى دافعها حرث النخل والاستفادة من ثمرة وما ينبت في أرضه، وليس هذا من بيع السنين في أصح قولي العلماء، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. اهـ
الصواب إباحة بيع العربان كما هو مذهب أحمد خلافًا للجمهور، ويكون أخذ البائع العربان إذا اختار المشتري رد السلعة في مقابل تعطيله مدة وحبس سلعته.
الصواب العمل بحديث ابن عمر وهو عدم الجواز: لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه خلافًا للجمهور وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي القائلين بجواز ذلك عملاً بحديث: ابن عباس قدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السَّنة والسنتين لأن حديث ابن عمر في النهى عن الإسلاف في النخل قبل بُدُوِّ صلاحه لما فيه من احتمال حصول جائحة عليه، وأما حديث ابن عباس فهو في ثمار غير معينه بل ثمار سليمة من أي بستان.
( نهى عن بيع الثمر بالتمر )، الأولى بالثاء المثلثة وهو الرطب، والثانية بالتاء المثناة وهو التمر اليابس.
فوائد في الفقه 49
فوائد من اللجنة الدائمة للإفتاء:
الوجه عورة عند جماهير العلماء، فلا يجوز كشفه في المطاف ولا في المسعى ولا في غيرهما من المزدحمات، ولا تخلص بكشف الوجه من الزحمة وإنما الذي تخلصها من الزحمة وجود المحرم معها.
زكاة الدَّين عند المدين إن كان لدين على المليء فإنه يزكيه إذا قبضه لما مضى، وإذا زكاه كل عام قبل استلامه كان حسنًا، وإن كان الدَّين على معسر فإنه يزكيه إذا قبضه لسَنة واحدة وهي رواية عن الإمام أحمد وبه أفتي الشيخ عبد الرحمن بن حسن وهي اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
من كان له مرتب شهري أو غيره ويضعه في خزينة ويأكل منه ويتبقى منه شيء فكيف يزكيه ؟(1/218)
إن كان لا يريد أن يخرج إلا ما يجب عليه فإن عليه أن يضع جدول حساب ويكتب فيه كل شهر ما استفاده ويخرج زكاة كل شهر على حدة , هذا إذا لم تكن النقود التي يستلمها في كل شهر من نماء ما قبلها، وان كان يريد ملاحظة الفقراء وتغليب حظهم فإنه يجمعها في مكان واحد، وإذا حال الحول على أول ما وضعه فيها أخرج زكاة الجميع وهذا فيه راحة له وفيه رحمة للفقراء والمساكين ويبتغي بذلك رضي الله ومثوبته والخلف العاجل وشكر المنعم على إنعامه، والزيادة من نعمة الله لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم .
استخلاف الإمام من يتم بالمأمومين الصلاة له ثلاث حالات وكلها يستخلف فيها الإمام على الصحيح حتى في الحالة الثالثة التي اشتد النزاع فيها وقوى الخلاف فيها.
إحداها: أن يصلي بهم على طهارة ثم يحس بأنه لا يستطيع أن يكمل الصلاة فهذا يتأخر ويقدم من يتم بهم الصلاة وصلاتهم صحيحه بالإجماع.
الثانية: أن يصلي بهم على طهارة ثم يسبقه الحدث فيحدث قبل الاستخلاف فهل يستخلف أم لا؟
فيه نزاع مشهور , فالحنابلة يقولون: لا يستخلف بل يستأنفون الصلاة، والصواب: جواز الاستخلاف، وإن استأنفوا الصلاة فلا حرج، فهم مخيرون.
تلقين الميت الشهادتين معًا أو الشهادة لله وحده بالوحدانية فقط، قال بالأول ابن حجر في فتح الباري في أول كتاب الجنائز، وقال بالثاني شيخنا، قال: هو المعروف.
الغناء حرام مطلقًا إن كان معه شيء من آلات اللهو بالإجماع كما نقله ابن القيم عن ابن الصلاح وإن لم يكن معه شيء من آلات اللهو فهو حرام عند جمهور العلماء.
وخالف ابن حزم فقال: لا يحرم الغناء إلا إذا أضل عن سبيل الله واستدل بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقال: إن اللام ( ليضل ) لام التعليل، أي: اشتراه ليضل.(1/219)
وأجاب العلماء بأن اللام ليست للتعليل، بل هي لام العاقبة، والمعنى: أن عاقبة الغناء الإضلال، كقوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا فاللام لام العاقبة.
معنى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ في الآية يعتاض ويأخذ لهو الحديث سواء كان بالشراء أو بغيره، فلفظ الاشتراء معناه الاعتياض والأخذ والاستبدال والاختيار.
قال الوحدوي أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث في الآية الغناء؛ لأنه يلهي عن ذكر الله، وكان ابن مسعود يحلف على ذلك، وصح عن ابن عمر أن المراد بلهو الحديث الغناء، وقد جاء مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن المنير كل من أخذ مالا من بيت المال على عمل، إذا أهمل العمل يرد ما أخذ، وكذا الأخذ على العمل لا يتأهل له. اهـ
يجب صاع من قوت البلد في زكاة الفطر وقال بعض العلماء: يجزئ نصف صاع من الحنطة وهو قول مرجوح، والصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء كفي الرجل المعتدلتين ، ويعادل ثمانين وأربع مائة مثقال.
ما الماء المستعمل والتراب المستعمل الذي يمنع بعض الفقهاء من استعماله مرة أخرى؟
هو الذي يتقاطر من الأعضاء ويجمع في إناء، وكذلك التراب الذي يعلق باليد ثم يسقط منها ويجمع، أما الماء الباقي بعد الوضوء والتراب الذي في الإناء يتيمم منه فليس هذا مستعملا.
على أن ما جمع من قطرات الماء أو التراب المتساقط من اليد ليس فيه دليل واضح في المنع من استعماله، لكن لو تركه من الاحتياط كان أولى.
الزوال هو ميل الشمس إلى المغرب بعد قيامها ووقوفها ووقوفها إنما هو في نظر الرائي وعين الناظر وإلا فهي سائرة. ويعرف الزوال بوضع عصا أو شاخص فإذا طلعت الشمس وانتشرت والظل طويل ثم يتقلص الظل شيئًا فشيئًا حتى ينتهي، فإذا بدأ في الطول فقد زالت الشمس.
مقدار الدينار ونصف الدينار من الجنيه السعودي الذي يجب على من جامع امرأته وهي حائض أو نُفَساء(1/220)
مقدار الدينار من الذهب من الجنيه السعودي أربعة أسهم من سبعة أسهم من الجنيه، ونصف الدينار سهمان من سبعة أسهم من الجنيه، فينظر في مقدار الجنيه عند الصيارفة، فيخرج أربعة أسهم أو سهمان، فإذا كان الجنيه سبعين ريالا، فإنه يخرج أربعين أو عشرين، وإذا كان الجنيه سبعمائة ريال فالدينار أربعمائة ريال، ونصفه مائتا ريال، أو يخرج مقداره من الفضة.
التداوي: حكمه مستحب عند الجمهور وهو الصواب ، والأحناف يقولون واجب، وقيل: مكروه وترْكه أولى، وقيل: مستوي الطرفين فهو مباح، أما الرقية فتركها أولى لحديث: لا يسترقون ولا يتطيرون الحديث.
إذا كان الإنسان مكسبه من حلال وحرام مختلط فيجوز الأكل من طعامه وإجابة دعوته عند جمهور العلماء إلا إذا عُلم أن هذا الطعام بعينه حرام سرقه من شخص معين مثلا فلا يأكل منه، وقد أكل النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- من شاة المرأة اليهودية التي جعلت في الذراع سمًّا.
فوائد في الفقه 50
جمهور العلماء على أن الحلي المعد للاستعمال لا زكاة فيها والصواب أن فيها الزكاة لصحة الأحاديث بذلك.
الهواء الذي يخرج من فرج المرأة، وتبتلى به المرأة لا ينقض الوضوء؛ لأن الريح إنما تخرج من الدبر لا من القُبُل، وهذه من فرج المرأة وقبلها فلا تنقض الوضوء.
إقامة الصلاة في البيوت والدوائر والشركات:
إقامتها في البيوت لا ينبغي لأن في ذلك تعطيلا للمساجد، وأما الدوائر والشركات فإن كانت في مكان بعيد ليس فيه مساجد ولا يسمع الأذان أو المسجد بعيد يشق الذهاب إليه فلا مانع من إقامة الجماعة، وإن كانت في وسط البلد والمساجد يمنة ويسرة فينبغي أن يصلَّى في المسجد، وإن كان هناك كَسَالى وضعاف الإيمان لو تُركوا لم يقيموا الجماعة فالأولى أن تُقام الجماعة في دائرتهم وشركتهم.(1/221)
لا يجوز تأجير الفاسق الذي يضع في الدكان الخمور أو الدخان أو آلات اللهو بل يجب عليه أن يخرجهم إذا لم يعلم إلا بعد ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
تركيب الأسنان من الذهب لا ينبغي إلا للضرورة إذا لم يجد غيرها أو لم يقم غيرها فإنه يتعين.
من العدل بين الأولاد إذا زوج واحدًا ثم بلغ الآخر حد الزواج فإنه يزوجه، لكن لا يوصي للصغار الذين لم يبلغوا حد الزواج بشيء من ماله بعد وفاته، وإذا اشترى سيارة لأحدهم فليكتبها باسمه حتى تورَّث عنه، ولا يكتبها باسم ولده لأن ثمن السيارة كثير، ومثله لو اشترى عقدًا للبنت من الذهب فلا بد من العدل بين بناته وأولاده أو تكون باسمه إلا إذا سمحوا وهم بالغون فلا بأس.
من قام ليلة القدر غُفر له، ومن قام رمضان غُفر له أي: إيمانًا واحتسابًا كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.
هذا عند الجمهور والمحققين من العلماء لمن اجتنب الكبائر، فالمغفرة مقيدة باجتناب الكبائر كما في آية: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وكما في حديث أبي هريرة عند مسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مُكَفِّرَاتٌ لما بينهن ما اجتنبت الكبائر .
سماع الغناء على نوعين:
التعبد بسماعه كحال الصوفية، فهذا حرام بالإجماع على هذا الوجه؛ لأنه تعبُّدٌ لم يشرعه الله ولا رسوله.
سماع الغناء من أجل اللهو والطرب فهذا على وجهين:
ألا يكون معه مزمار ولا موسيقى ولا طبل أو دف أو عود ولا شيء من آلات اللهو، فهذا حرام عند جمهور العلماء.
أن يكون معه مزمار أو موسيقى أو طبل أو عود أو طنبور أو دف أو شيء من آلات اللهو، فهذا حرام بالإجماع كما نقل ذلك ابن القيم عن ابن الصلاح .
اللعب بالحراب والدرق والسلاح بدون غناء ولا طبل جائز؛ لما فيه من التدرب على السلاح للجهاد كما أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحبشة وهم يلعبون في المسجد بالحراب والدرق وعائشة تنظر إليهم.(1/222)
الاستئجار في الغزو للخدمة أو للقتال جائز، ويسهم للمقاتل كما بوب البخاري في صحيحه: باب الاستئجار في الغزو، وباب الجعائل والحملان، جمع جعالة وهي ما يُجعل للغازي من المال ليغزو، وكما يُعطَى الغازي راتبًا من بيت مال المسلمين فله سهمه من الغنيمة وله جعالته وراتبه.
أما أجر المجاهدين فعلى نيته، إن قصد الدنيا فله نيته، وإن قصد إعلاء كلمة الله فله نيته، لقول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى .
ويدل لذلك حديث ( الرجل الذي تجهز بمال ليجاهد ثم مرض فأرسل إليه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يعطي فلانًا الذي تجهز به، فقال الرجل لامرأته، أعطي فلانًا الذي تجهزتُ به، ولا تحبسي منه شيئًا، فوالله لا تحبسي منه شيئًا فيبارك لك فيه ).
قول الفقهاء من الحنابلة وغيرهم في زكاة عروض التجارة لا بد فيها من شرطين:
أحدهما: أن يملكها بفعله.
والثاني: أن ينويها للتجارة
قالوا: إن ملكها بإرث ونحوها ثم نواها للتجارة لم تصر لها.
والصواب: أن الشرط الأول لا دليل عليه، أنه إذا ملك نصابًا بإرث أو بغيره بفعله أو بغير فعله، ثم نواها للتجارة فإنه تجب فيها الزكاة عند تمام الحول، وإنما يشترط الثاني وهو نية التجارة بعد ملكه النصاب ثم تمام الحوْل، فتكون الشروط ثلاثة:
1-ملك النصاب.
2-نية التجارة.
3-مُضِيّ الحول.
4-أما اشتراط أن يملكها بفعله فلا دليل عليه.
فوائد في الحديث
فوائد في الحديث 1
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة دين الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ .
ولكن أحب الدين لله الحنيفية السمحة، وهي شريعة محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الله جعلها سهلة سمحة ميسرة، ليس فيها أغلال وآصار كما كانت فيمن سبق هذه الأمة.(1/223)
فائدة حديثية في السند: كل ما في الرواة ( سلاّم ) فهو بتشديد اللام إلا اثنان فإنهما بتخفيف اللام؛ أحدهما: عبد الله بن سلام الصحابي، والثاني محمد بن سلام شيخ البخاري فإنه بالتخفيف على الراجح، وقيل: بالتشديد، وما عداهما فهو باللام المشددة مثل: معاوية بن سلام زيد بن سلام عبد الرحمن بن سلام وغيرهما.
من توضأ ثم ذكر وهو يغسل رجليه أنه نسي مسح رأسه وهو على الماء فإنه يمسح رأسه في الحال، ثم يغسل رجليه، ويصح وضوءه.
إذا كان يصلي الفريضة وحده، ثم وجد جماعة وهو يصلي جاز له قلبها نافلة أو قطعها ثم يصلي الفريضة معهم، أما إذا سلم من الصلاة فإنه لا يملك قلبها نافلة.
وإذا صلى ثم جاء إلى مسجد آخر يصلون صلى معهم وتكون له نافلة في جميع الصلوات، والدليل على ذلك ما يأتي:
حديث: إذا جئتَ قومًا يصلون فصلِّ معهم، ولا تقل: صليتُ فلا أصلي؛ فإنها لك نافلة قصة الرجلين اللذين صلا في رحالهما في منى فقال لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الصلاة فصليا فإنها لكما نافلة .
حديث في شأن الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة عنعنة الأعمش وقتادة محتملة، ما لم يخالف، فإن خالف فهو علة.
إذا قيل في الراوي: صدوق له أوهام فإنه لا بأس به، ويكون حديثه حسنًا لذاته، أما إذا قيل: صدوق يخطئ فإنه ينجبر مع غيره من الطرق، ويكون حسنًا لغيره.
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( احفظ الله) أي: احفظ دين الله وشرعه، ( يحفظك ): يسددك ويوفقك.
في الحديث: إن المؤمن لا ينجس وفي لفظ: المسلم لا ينجس هذا الحديث لا مفهوم له، أي: إن الكافر ليس بنجس البدن فهو كالمؤمن، عرقه ولعابه وبصاقه وما لامس جسده فهو طاهر.(1/224)
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فالمراد: نجاسة الشرك ونجاسة الاعتقاد.
قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: خير لك من حُمْر النَّعَم هذا مثال، وضَرَبَ المثال بحمر النعم لأنها أنفس أموال العرب، والمعنى: خير لك من الدنيا وما فيها.
حُمْر النعم، بإسكان الميم: جمع أحمر وحمراء، مثل أسود وسوداء وأبيض وبيضاء جمعها بيض وسود، ومن قرأها: ( حُمُر ) بضم الميم فقد غلط؛ لأنه يكون حينئذ جمع حمار.
فوائد في الحديث 2
الحافظ ابن حجر قد يخطئ في التصحيح أو التضعيف وإن كان قليلا، وكذلك أخونا الشيخ ناصر الدين الألباني قد يخطئ في التصحيح والتضعيف فينبغي لطالب العلم أن يكون عند نشاط ويراجع طرق الحديث وكلام العلماء في الرجال.
حتى شيخ الإسلام ابن تيمية مع إمامته ينبغي لطالب العلم أن يكون عنده نشاط في البحث عما يصححه أو يضعفه أو ينقله حتى يتأكد ويكون على بصيرة.
الشيخ أحمد محمد شاكر يتساهل في تصحيح الأحاديث، فالأحاديث التي في أسانيدها علي بن زيد بن جدعان وابن لهيعة يمشيها ويصححها مع أن هؤلاء ضعفاء عند الجمهور؛ فأحاديثهم ضعيفة عند الجمهور وهو الصواب، فينبغي لطالب العلم أن يكون على بصيرة.
ابن حبان والحاكم كل منهما متساهل في التصحيح والحاكم أشد تساهلا، وكذلك البزار وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد متساهل.
الحافظ في التقريب له أوهام فيما يوثق أو يضعف أو يوهم، ويعرف ذلك بمراجعة المطولات في الرجال كالتهذيب واللسان والميزان والخلاصة. ( شيخنا).
الترمذي يحسِّن حديث علي بن زيد بن جدعان وكذلك الشيخ أحمد شاكر مع أنه ضعيف عند الجمهور. شيخنا.
جاء تسمية حواء زوج آدم عليه السلام في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم .(1/225)
أما في صحيح البخاري ففي كتاب الأنبياء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَهُ، يَعْنِي: لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ،وَلَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا .
وأما في صحيح مسلم ففي كتاب الرضاع - ينبغي أن يكون في كتاب التوحيد في باب قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا .
روى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثْ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ .
المقبول: على قاعدة الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هو الراوي الذي لم يجرح، ووثقه واحد أو اثنان ممن يتساهل بالتوثيق كابن حبان فالحديث ضعيف بهذا السند، ويقبل في المتابعات والشواهد، فإن جاء له طريق أخرى فإنه يكون حسنًا لغيره. شيخنا
ما جاء من الرواة "عمارة" فهو بضم العين إلا اثنان من الرواة، فهما بكسر العين:
أحدهما الحسن بن عِمارة والثاني أبي بن عِمارة .
ما جاء من الرواة "حصين" فهو بضم الحاء، ماعدا واحدًا وهو أبو حَصين وهو عثمان بن عاصم فإنه بفتح الحاء.
فائدة في سؤال الله الحساب اليسير.(1/226)
قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: أَنْ يَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزَ عَنْه؛ إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ، وَكُلُّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَنْه حَتَّى الشَّوْكَةُ تَشُوكُهُ ، قال الحافظ ابن كثير صحيح على شرط مسلم .
وعبد الواحد هذا قال عنه في التهذيب: روى عن عمه عبّاد بن عبد الله بن الزبير وعنه موسى بن عقبة وعبد الواحد بن زياد والداروردي قال ابن معين ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقاة، له عندهم حديث في الجنائز، وقال في التقريب لا بأس به من السادسة.
روى النسائي في السنن الكبرى حديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح رأسه ثلاثًا ومسح رجليه....
هذا الحديث شاذ المتن ضعيف السند، فلا يعول عليه لمخالفته الأحاديث الصحيحة.
قال الحافظ في مقدمة فتح الباري ص 399 في ترجمة حماد بن سلمة بن دينار البصري إذا قال البخاري ( قال لنا ) هذه الصيغة يستعملها البخاري في الأحاديث الموقوفة، وفي الأحاديث المرفوعة أيضًا إذا كان في إسناده من لا يحتج به عنده.
حديث: أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله .(1/227)
ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره على قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وهو يدل على الحصر، وأن الأمم سبعين، لكن يكون في الأمة الواحدة رسل، كأمة بني إسرائيل فيها رسل كثيرون.
يعقوب بن إبراهيم ثلاثة:
يعقوب بن إبراهيم الدورقي شيخ النسائي .
يعقوب بن إبراهيم الجوزجاني .
يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف .
فوائد في الحديث 3
حديث: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
معناه: أن الشيطان يلابس الإنسان ويجري معه، وليس معناه التشبيه لوساوسه بجريان الدم؛ لأن الأصل هو الحقيقة ولا يعدل عنها إلى التأويل إلا بدليل و لا دليل عليه هنا.
شَراحيل وشَريك كلاهما بفتح الشن المعجمة، وشُريح وشُرحبيل كلاهما بضم الشين.
"نخبة الفكَر": بفتح الكاف للحافظ ابن حجر في المصطلح ينبغي مراجعتها دائمًا لأنها وإن كانت مختصرة فهي خلاصة الكلام المحدثين، ينبغي حفظها وفهمها ومراجعتها.
حديث الأطيط اختلف العلماء في تضعيفه وتصحيحه فمن العلماء من ضعفه بعنعنة محمد بن إسحاق وهو مدلس، ومحمد بن جبير بن مطعم لين الحديث، ضعفه المنذري والبزار والخطابي والذهبي وابن كثير وابن عساكر في رسالة خاصة سماها: التغليط والأغاليط في إبطال حديث الأطيط.
ومن العلماء من صححه كشيخ الإسلام ابن تيمية وانتصر له في كتابه نقض التأسيس، وقال: إن محمد بن إسحاق صدوق ثقة وحديثه حسن، وقال شيخ الإسلام: وإن هناك مَن ضعف الحديث انتصارًا للجهمية والمعطلة، وهناك من ضعفه لعنعنة ابن إسحاق والحديث له شواهد كثيرة وإن كانت ضعيفة، لكونها مرسلة أو منقطعة، إلا أن الشواهد يجوز فيها ما لا يجوز في الأصول، وكذا صححه ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود في كتاب السنة، وكذا صححه ابن حزم في كتابه استدارة الأفلاك.
حديث: ( سَلْمان منا أهل البيت، والله يحب من أصحابه أربعة: المقداد وسلمان وعمار وأبو ذر ) حديث ضعيف، وإن حسّنه الترمذي وأصحابه.(1/228)
فائدة: حديث: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته .
- الحديث في الصحيحين.
قيل: الضمير يعود إلى آدم وقيل: يعود إلى المضروب على أنه تشبيه مقلوب، وهي أقوال غير صحيحه، والصواب: أن الضمير يعود إلى الله ويؤيده الحديث الآخر: فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن .
كما ذكره الحافظ في الفتح في الجزء الثامن.
قال شيخنا: و قد جمع في هذه المسألة أخونا الشيخ حمود التويجري وقرأها علي وهي رسالة جيدة.
وعليه فلا يلزم من الحديث التشبيه؛ لأن الله نفى التشبيه في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وفيه إثبات الصورة لله لا كالصور بل كما يليق بجلاله وعظمته، فالحديث فيه إثبات أو يقتضي نوعًا من التشبيه في مطلق الصورة لا بالجنس، كما حقق ذلك شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية وإلى هذا ذهب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والحافظ الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم وغيرهم.
خلافًا لابن خزيمة في كتاب التوحيد فإنه نفى الصورة لله وأنكر أن يكون الضمير لله خوفًا من التشبيه، وخلافا للمازري فإنه من المؤولين.
المستفاد في مبهمات المتن الإسناد كتاب يبحث في المبهمات.
فوائد في الحديث 4
حديث: يبعث الله على كل رأس مائة سنة من يجدد لها دينها .
رواه أبو داود بسند لا بأس به .
المعدِّل إذا كان ثقة فهو مقدم على الجارح غير المفسر، فالتعديل مقدم على الجرح غير المفسر؛ لأن الأصل العدالة والسلامة من الجرح، إذا كان المعدل ثقة، ما لم يكن هناك أمر خارج، كأن يكون المعدل ضعيفا كالأزدي أو متساهلا كابن حبان فيكون في الحديث مجهول الحال، فإن عدله إمام ثقة فهو عدل، فإن فسر الجرح وهو عارف بأسبابه قدم الجرح على التعديل.
حديث: المرء على دين خليله سنده جيد.
السُّلمي بضم السين نسبة إلى بن سليم قبيلة من العرب، أما السَّلمي بفتح السين فهو نسبة إلى بني سلِمة، بكسر اللام قبيلة من الأنصار.(1/229)
الحسن عند الترمذي ما روي من غير وجه وليس شاذًّا وليس في سنده متروك.
يعني: ما جاء من طريقين فأكثر، وكان له شواهد وليس الحديث شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة التي يرويها الثقات مَن هم أوثق من رواة الحديث الشاذ، وليس في سنده متهم بالكذب، أما من في سنده سيئ الحفظ أو مجهول أو منقطع أو مدلس أو مبتدع، غير داع إلى بدعته أو فاسق غير ظاهر الفسق فهذا يجبر بالطريق الأخرى أو الشواهد.
بُشير بضم الباء مصغرًا عندهم اثنان: بشير بن كعب وبشير بن يسار والباقي في هذا الإسم فما عدا هذين الاسمين مكبَّرًا: بَشير.
أخرج البخاري في صحيحه في باب ( استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام ) استأجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلا من بني الدِّيل، بالدال المشددة المكسورة.
فوائد في الحديث 5
في الحديث في الصحيحين: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر .
أما قوله: أقبِلْ على وزن أكرم، وأما قوله: أقصر على وزن اقصد من قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ كما أن أقبل على وزن أبرم من الدعاء المأثور اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك .
قوله في الحديث الصحيح في الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إلى غيره .
معنى صُفِّدَت: أي قيدت، وهذا معنى قوله في الحديث الآخر: وتغل فيه الشياطين ومردة الجن .
أي: يقيد بقيد في العنق، وهو الغُل بضم العين.
وقوله: يخلصون: هو بفتح اللام وفتح المثناة التحتية على وزن يفرحون ويعلمون من باب فرح يفرح وعلم يعلم، فكذا خلص يخلص، وظاهر ما في القاموس أنه يجوز فيه خَلَص من باب كتب ونصر.(1/230)
وخلص: من باب كرم وشرف ( يراجع النهاية في غريب الحديث ).
والمعنى: أن الشياطين في رمضان يضعف سلطانهم على أهل الإيمان وأهل الصيام، ويقوى سلطان أهل الإيمان وإرادتهم للخير، فلا يتمكن الشيطان ولا يصلون إلى أهل الإيمان وأهل الصيام مثل ما كان يصلون إليه ويتمكنون منهم في غير رمضان، بخلاف الكفرة الذين لا يراعون حرمة لشهر رمضان، فليسوا داخلين في هذا الحديث، ففي شهر رمضان يقوى إرادة المؤمنين للخير، وتضعف إرادتهم للشر.
ومن مادة خلص: الحديث: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر .
السنن الأربعة ومسند أحمد وسنن الدارمي منها الصحيح والحسن والضعيف؛ لأنهم لم يلتزموا الصحة والاقتصار على إخراج الحديث الصحيح، كالشيخين البخاري ومسلم في الصحيحين، وإنما أرادوا جمع ما ورد في الباب من الأحاديث، وكذلك المسانيد الأخرى كمسند الطيالسي وغيره من المعاجم كمعاجم الطبراني الثلاثة - أما موطأ مالك ففيه الصحيح والحسن والضعيف والمنقطع والمعضل من البلاغات.
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إمام في التفسير، لكنه ضعيف الرواية في الحديث، وكذلك الواقدي إمام في المغازي لكنه ضعيف في الحديث والرواية.
معنى قوله في الحديث: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم .
ليس إذنًا في المعاصي، ولكن المعنى: أنهم يوفقون إلى التوبة إذا أذنبوا.
فوائد في الحديث 6
معنى قوله في الحديث: لتكون كلمة الله هي العليا .(1/231)
"كلمة الله ": خبره وأمره، فخبره يصدَّق، وأمره يطاع وينفذ، والمعنى: ليكون دين الله وشرعه هو الظاهر العالي على جميع الأديان. كما في قوله تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وكما في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ حديث: لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله .
رواه الترمذي وأحمد أو الطبراني يجاب عنه بجوابين:
1- أن الحديث لا يصح، بل هو منقطع والمنقطع ضعيف، فقد راواه الترمذي عن الحسن عن أبي هريرة والحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه أحمد أو الطبراني عن الحسن عن أبي ذر ولم يسمع الحسن من أبي ذر فيكون منقطعًا.
2- أن الحديث لو صح فهو معلق على شرط ممتنع، فهو من باب الفرض والتقدير، والمعلق على شرط ممتنع لا يكون، كقوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ والمقصود بالحديث لو صح: بيان إحاطة الرب بخلقه، وأنه لا يحجبه شيء من خلقه، فهو في معنى اسمه الباطن.
حديث: من صام يومًا في سبيل الله يبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا .
وحديث: من أنفق زوجين في سبيل الله دعيَّ من أبواب الجنة .
المراد بـ" سبيل الله ": طاعة الله على الراجح عند كثبر من العلماء، وهم الجمهور؛ لأن الصيام في الجهاد تركه أولى، وقيل: المراد بـ "سبيل الله" الجهاد.
معنى قوله في الحديث: توكل الله - انتدب الله - تكفل الله - لمن خرج في سبيل الله أن يرجعه الله إلى أهله بما نال من أجر أو غنيمة المعنى: ضمن الله.
قوله في الحديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
الله أعلم بهذا الظل، قال النووي المراد به ظل العرش، ولا دليل لذلك، بل هو تأويل، والصواب أنه صفة لله.
قال الدارمي في الحديث: خلق الله آدم بيده .(1/232)
قال: ( بمس اليد ) فهل يثبت المس: قال شيخنا: نعم، قلتُ: ذكره شيخ الإسلام فيه قولان للعلماء، وفيه إطلاق الحركة على الله.
حديث: يدني الله العبد يوم القيامة حتى يضع كنفه عليه .
نقل عن بعضهم كابن المبارك تفسير الكنف بالستر، والكنف صفة من صفات الله -تعالى- الفعلية، فهل يقال: إن تفسير الكنف بالستر تفسير بأثر الصفة أم لا؟ قال شيخنا: يراجع كلام أهل اللغة في ذلك.
حديث: من لا زم السلطان افتتن، ومن تتبع الصيد لهى .
ذكره شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، وذكر له طرقًا يثبت بها.
حديث: مَن يرد الله به خيرًا يصِب منه .
أخرجه البخاري وهو يدل على أن المسلم الذي تصيبه المصائب أراد الله به خيرًا - لأن المصائب يكفر الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات.
أقيلوا ذوي العثرات عثراتهم .
هذا الحديث ذكر ابن القيم طرقه في إعلام الموقعين أو في بدائع الفوائد وهو يدل أن من له شأن في المجتمع ووجاهة من أمير أو شيخ قبيلة، أو عشيرة أو ما أشبههم إذا وقع في عثرة وخطأ وزلة دون الحدود فإنها تُقال عثرته ويستر عليه، ويعفى عنه، وتقال عثرته؛ لئلا يترتب على مؤاخذته وعقوبته مفسدة أكبر، بأن تنتقم له قبيلته أو عشيرته أو يغضب له من ينصره أو يؤيده فيحصل ما لا يحمد عقباه.
حديث بيان أوقات الصلوات فيه: وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وجاء في حديث أخر: ما لم تصفر الشمس .
والجمع بينهما: أن الحديث الثاني زاد على الحديث الأول، وهي زيادة معتبرة فيكون وقت العصر إلى اصفرار الشمس، وإذا صلاها قبل الاصفرار صلاها في الوقت، وإذا صلاها بعد الاصفرار صحت مع الإثم؛ لأنه وقت ضرورة إلى غروب الشمس.
حديث أبي رزين العقيلي أين ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: في غماء ما تحته هواء وما فوقه هواء .
هذا الحديث ضعيف في سنده وكيع بن حُدُس بضمتين، وهو ضعيف.
وأبو رزين بتقديم الراء على الزاي وهو مكبر والعُقَيْلِيّ مصغَّر.(1/233)
الشواهد يرتقي بها الحديث الضعيف إلى درجة الحسن لغيره إذا لم يكن الضعف شديدًا، كأن يكون في سنده كذاب أو متهم كالمتابعات سواء. "تراجع هذه المسألة".
فوائد في الحديث 7
أحاديث فضل التوحيد وأن الموحد يدخل الجنة بنصوص كُفر تارك الصلاة وغيره من نواقض الإسلام، فهي مقيدة بأن لا يفعل ناقضًا من نواقض الإسلام، وترك الصلاة -ولو كسلا- ناقضًا من نواقض الإسلام.
الجمع بين قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وبين حديث: كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب .
بأن الحديث خاص والآية عامة، فيكون عجب الذنب مستثنى من الفناء والعدم كما يستثنى عرش الرحمن والجنة والنار باتفاق السلف وأهل السنة خلافًا للجهم قال شيخ الإسلام في المجموع ج18: وكذا الروح والكرسي واللوح المحفوظ والقلم، كما نظم ذلك السيوطي في بيتين فقال:
ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم
هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم
الجمع بين حديث أن مائة عام تخرم ذلك القرن في عهد النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وبين حديث الجساسة وأن الدجال موثق بالحديد في جزيرة من الجزر ولم يؤذن له بالخروج.
الحديث الأول عام وحديث الجساسة خاص، فيكون مستثنى من حديث: أن مائة عام تخرم ذلك القرن.
حديث: فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتوه معنى الحديث: فليعاملهم بما يحب أن يعاملوه به.
حديث عقبة بن عامر ثلاث ساعات نهانا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- َأن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا .
الحديث؛ هذه أوقات قصيرة نهى عن الدفن فيها لئلا يضيع الصلاة، لكن تفعل فيها ذوات الأسباب كتحية المسجد وسنة الوضوء.
أما استثناء بعضهم من أحاديث النهي إعادة الجماعة وركعتي الطواف فلا وجه له، إما أن يستثنى كلها أو تفعل كلها.
المتواتر من السنة أحاديث قليلة قريبة من خمسة عشر حديثًا منها:
1- أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر.(1/234)
2- أحاديث أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قرن بين الحج والعمرة، وعند بعضهم مستفيضة.
3- أحاديث المسح على الخفين.
4- أحاديث الحوض.
5- أحاديث الشفاعة.
6- حديث: مَن كذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار .
7- قول علي إن خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية.
فوائد في الحديث 8
حديث: امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله .
المراد بالكتاب: حكم الله في هذه القضية وهي أربعة أشهر وعشرًا.
حديث: امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله: من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل .
الحديث مداره على يحيى بن أبي كثير وهو مدلس وقد عنعن، وقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن فليراجع، قال الثوري الإحصار من كل شيء.
البخاري يستعمل صيغة +التمريض مثل يذكر للضعيف وللصحيح، بخلاف صيغة الجزم، ( قال ) فلا يستعملها إلا في الصحيح ففي فتح الباري ج2 ص204، 205.
حديث: بعثتُ إلى الأحمر والأسود المراد بهم: العرب والعجم.
حديث: صلوا في نعالكم .
الأمر للاستحباب، والذي صرفه عن الوجوب أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يصلي أحيانًا بدون نعال ؛ ولحديث أنس كان النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يصلي حافيًا ومنتعلا .
حديث: إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم .
والأمر للاستحباب والذي صرفه عن الوجوب رؤية النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه لا يصبغون ولم ينكر عليهم، وعدم صبغه هو وإن كان لم يشب إلا عشرين شعرة كما قال أنس .
حديث أبي هريرة عند مسلم من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة .
هذا الحديث من أحاديث الرجاء، وفيه اشتراط العلم وهو اليقين، وهو الاعتقاد بقلبه أن لا إله إلا الله واليقين بذلك، وفيه الرد على غلاة المرجئة القائلين: إن مُظهِر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه.(1/235)
وهذا الحديث مقيد باجتناب الكبائر فهو مقيد بقوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فهاتان الآيتان محكمتان، والعلم بأن لا إله إلا الله يتفاوت؛ فإذا ضعف العلم واليقين وقع في المعاصي، وإذا قوي العلم واليقين منعه من الوقوع في المعاصي، وإنما تقع المعاصي مع الغفلة وضعف العلم واليقين.
والمعنى: أنه يدخل الجنة عاجلا أو آجلا، فله حالتان:
1-قوة العلم واليقين الذي لا يصر معه على معصية، بل يموت على توبة نصوح وعمل صالح، فهذا يدخل الجنة من أول وهلة.
2-حالة ضعف العلم واليقين ووجود الغفلة فيموت على كبائر من غير توبة فهذا تحت مشيئة الله ومآله الجنة والسلامة إن دخل النار بذنوبه ولم يعف الله عنه.
فوائد في الحديث 9
الحديث الذي في سنده مدلس معنعن إذا كان له شواهد فإنه بشواهده حسنا لغيره.
فائدة حديثية: حديث عبد الله بن عقيل في مرتبة الحسن عند بعض الأئمة فيقبل حديثه إذ لم يخالف من هو أوثق منه، وهو راوي حديث حمنة بنت جحش عن غسلها للظهر والعصر والجمع بينهما والمغرب والعشاء مع الجمع بينهما، والحديث له شاهدان في المسند ذكرهما الساعاتي في الفتح الرباني والأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما كحديث فاطمة بنت قيس وحديث أم حبيبة ليس فيها الغسل إنما فيها الوضوء لكل صلاة.
حديث الدجال استدل به العلماء على إثبات العينين لله -تعالى- وأنه سبحانه بصير ليس بأعور، بل سليم العينين، وأما قوله تعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا فلا منافاة لأن المثنى يجمع إذا أضيف إلى ضمير الجمع كقوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وقوله: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا حديث: من جلس في مصلاة يذكر الله ثم صلى ركعتين بعد طلوع الشمس فله أجر حجة .(1/236)
رواه الترمذي بسند فيه ضعيف لكن له شواهد يكون بها حسنًا لغيره، ولا يشترط في حصول الثواب اجتناب الكبائر لكن يشترط الإخلاص في العمل وموافقته للشريعة مع الإيمان بالله ورسوله.
صلاة التسابيح لا أساس لها من الصحة وسندها ضعيف ومتنها منكر غريب مخالف للأحاديث الصحيحة وللصلوات المعروفة في اليوم والليلة من النوافل والرواتب.
حديث: مثل أمتي مثل المطر لا يدرى الخير في أوله أو في آخره .
في سنده موسى الأبح وهو ضعيف متكلَّم فيه، وعلى فرض صحته ففيه جوابان؛ لأنه يعارض الأحاديث الصحيحة الثابتة في أفضلية الصحابة والقرون المفضلة كحديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .
وهذا الحديث يفيد الشك في الخيرية في القرون المفضلة فمنه جوابان بعد ثبوته وصحته:
أحدهما: أن هذا الحديث وإن كان صحيحًا فهو شاذ فلا يُعمل به لمخالفته للأحاديث الصحيحة الكثيرة.
الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك قبل أن يعلمه الله بأفضلية القرون الأولى، ثم لما أعلمه الله أخبر أنهم خير القرون.
الحديث القدسي: يؤذيني ابن آدم .
لا يلزم من الإيذاء الضرر، والله -تعالى- لا يضره أحد من خلقه، ومعنى يؤذيني قريب من معنى يغضبني.
إذا شفع إنسان لإنسان فأهدى له هدية فلا يحل للشافع أن يأخذها ، فإن أخذها فقد أتى بابا من أبواب الربا، كما جاء بذلك الحديث ساقه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام في آخر باب الربا، حيث قال في حديث ما معناه: ( من شفع لإنسان فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا من أبواب الربا ).
قال الحافظ ابن حجر في البلوغ في سنده بعض الشيء، قال شيخنا: وقد راجعته فوجدته لا بأس بسنده.
وأما حديث: من صنع إليكم معروفًا فكافئوه .(1/237)
فهو عام، والنهي عن أخذ الهدية على الشفاعة خاص، والخاص يقضي على العام ويقدم عليه، وهذا له نظائر كالنهي عن القتال عند المسجد الحرام لما في الصحيحين: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، لا يحل القتال فيه .
خصص ذلك تقاتل من قاتل في المسجد الحرام لقوله تعالى: وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ من معتقد أهل السنة والجماعة كما قال شيخ الإسلام في الواسطية: أن تَصِلَ مَن قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
أما الحديث الوارد في ذلك فهو ضعيف، فيه ثلاث ضعفاء ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره على قوله -تعالى- في سورة الأعراف: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .
فوائد في الحديث 10
الأثر القدسي: ( إذا رضيتُ باركتُ وليس لبركتي نهاية، وإذا غضبتُ لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد ) هذا الأثر أثر إسرائيلي لا صحة له، فهو من أخبار بني إسرائيل وأخبار بني إسرائيل على ثلاثة أقسام:
1- ما يشهد شرعنا بصحته.
2- ما يشهد شرعنا ببطلانه.
3- ما سكت عنه شرعنا.
وهذا الأثر الإسرائيلي مما جاء شرعنا ببطلانه في قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فإن الولد لا يحمل من وزر أبيه شيئًا ويستثنى من هذه الآية ما جاء به النص كحديث: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه .
وحديث حمل العاقلة الدية عن القاتل خطأ، وما أشبهها.
أما ما سكت عنه شرعنا من أخبار بني اسرائيل فإنه يحدث به لما فيه من العبرة لحديث: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فإنهم قوم فيهم أعاجيب .(1/238)
قصة الرويجل الضعيف الذي فجَرَ بأمة من إماء الحي وكان مريضًا ضعيفًا، فأمر النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أن يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ. والحديث رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، قال ابن القيم والحديث ثابت وهو في حق المريض، وقال شيخنا: والصواب لو صح فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ولصريح القرآن: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ والصواب: أن المريض يؤخر عنه الحد حتى يشفى وهذا الحديث فيه غرابة، وهو أن هذا الرجل ليس منه إلا جلد وعظم فيبعد منه أن يقوى على الجماع وهو بهذه الحالة.
حديث: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم .
الحديث سنده صحيح، والمعنى: أن ذكر الله بالقلب المعظم لله مع اللسان خير من الجهاد مع الغفلة عن ذكر الله بالقلب كما قاله العلامة ابن القيم في تهذيب السنن أو الوابل الصيب، أما الجهاد مع تعظيم الله بالقلب وذكر الله بالقلب واللسان، فهذا هو الذي بلغ الغاية في ذكر الله تعالى.
حديث: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث .
يدل على جواز قراءة القرآن في ثلاث أيام وعلى أنه لا يجوز قراءته في أقل من ثلاث لكن قراءته في سبعة أيام أفضل؛ كما قال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص اقرأه في سبع ولا تزد .
كما في الصحيحين، فهذا يدل على أنه الأفضل؛ ولهذا كان الصحابة يحزبون القرآن في سبع ليال، وهي ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشر وثلاث عشر وحزب المفصل واحد، وإذا قرأه في ثلاث لا بأس لهذا الحديث.
وأما ما ذكر في كتب الوعظ من أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة، فلعله لم يبلغه النص إن صح هذا عنه، وفلان كان يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، وفلان يختم بين المغرب والعشاء، وفلان يصوم حتى يصفر ويخضر وما روي أن ابن الزبير واصل الصوم سبعة أيام.
تحسين الحديث لمجيء آية بمعناه مذهب كثير من متقدمي المحدثين، وحذاق النقاد.(1/239)
فوائد في الحديث 11
الجمع بين حديث: ما شبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طعام بر مأدوم ثلاث ليال تباعًا .
وحديث: كان النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يدخر لأهله قوت سنة .
الجواب أن الحديث الأول مقيد بما يلي:
1- طعام بر.
2-مأدوم.
3-ثلاث ليال.
4-تباعًا.
ولا ينافي هذا الحديث الثاني وهو أن يدخر قوت سنة من الحبوب أو التمر، ولكن تأتي عليه النفقات للمحتاجين والضيوف قبل سنه حتى أنه -صلى الله عليه وسلم- يستدين لأهله، حتى مات ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير استدانها.
وفيه دليل على أنه لا حرج في الاستدانة فيكون عليه دَين إذا كان يجد لها وفاء.
تعليق على حديث قيس في الترمذي .
حديث قيس صحيح، وفيه مشروعية الغُسل للكافر إذا أسلم واستحبابه ولكنه ليس بواجب، لأنه أسلم يوم الفتح جم غفير من الطلقاء من أهل مكة، ولم يأمرهم النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالغسل، فدل على أنه ليس بواجب - أما حديث ثمامة فالصحيح أن الاغتسال من فعل ثمامة ولم يأمره النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- به.
قول: اللهم اغفر لي ذنوبي عند دخول المسجد، غير ثابتة، بل هي منقطعة. شيخنا.
حديث: لتسوّن بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم .
معنى مخالفة الوجوه: الاختلاف والتفرق في الآراء وتناكر القلوب واختلافها، هذا هو الظاهر.
حديث: ( كل نبي -أو ما من نبي- إلا سأل الشفاعة أو شفاعته لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا ) هذه الشفاعة التي تعجلها كل نبي هي دعوة في الدنيا كدعوة نوح على قومه بالغرق، وكذا كل نبي أما دعوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- التي اختبأها فهي شفاعة لعصاة الموحدين أهل الكبائر.(1/240)
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة أو غزوة أُحد أن رجلا سأله فقال: أسألك بحرمة هذا البيت، ومثله ما رواه أبو داود الطيالسي عن عائشة في قصة أحد أن أبا عبيدة بن الجراح قال لأبي بكر أقسمت عليك بحقي لما تركتني، فتركه.
قوله: أسألك بحرمة هذا البيت: هذا توسل بين المخلوقين، فهو توسل إليهم وسؤال لهم.
وكذلك قول أبي عبيدة بن الجراح قال لأبي بكر إن صح: أقسمت عليك بحقي لما تركتني فتركه، هذا سؤال للمخلوق وتوسل إليه بحقه، وهذا جائز فيما بين المخلوقين.
ومثله: أسألك بما لي عليك من الحق، أو أسألك بحق أبيك، أو أسألك بحق الرحم، ومنه قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ على أحد القولين في الآية.
أما التوسل إلى الله فلا يجوز إلا بالعمل الصالح أو الإيمان و التوحيد، أو التوسل بأسماء الله وصفاته أو بفقر الإنسان وحاجته إلى الله الخ.
الجمع بين حديث أبي هريرة عند مسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر .
وحديث: الإسلام يهدم ما قبله والحج يهدم ما قبله .
أخرجه مسلم هو أن المراد بالحج: الحج الذي ليس فيه فسوق ولا عصيان، بل يكون صاحبه تائبًا نادمًا على معاصيه، فإنه في هذه الحال يهدم ما قبله من الذنوب.
معنى حديث من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما سبق في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر أخرجه مسلم .(1/241)
معنى الحديث: أحسن في الإسلام: تاب من الشرك والمعاصي، ومعنى أساء في الإسلام: تاب من الشرك دون المعاصي فإن توبته تمحو شركه، أما المعاصي التي لم يتب منها واستمر عليها بعد الإسلام فإنه يؤاخذ بها بما كان منها في الإسلام، وبما كان منها قبل الإسلام، هذا هو معنى الحديث لا كما قال النووي أحسن في الإسلام: دخل فيه باطنًا وظاهرًا ، أساء في الإسلام: دخل فيه ظاهرًا لا باطنًا، فإن هذا هو المنافق، وليس هذا معنى الحديث.
فوائد في الحديث 12
حديث ( الأعمال بالنيات ) فالنية هي الفرق في العمل في تعيينه وفيما يراد به، فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلِمَ من الرياء في فعله وكان موافقًا للشرع فذلك العمل الصالح المقبول، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله فذلك الرياء الأكبر .
وهذه غلطة كبيرة من الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله؛ فإن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر، إذا كان الباعث له على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة لا يفيد شيئًا ولا يخرجه من الكفر.
قلت: كالنصارى قد يريدون بعملهم وجه الله والدار الآخرة لكنه لا ينفعهم مع وجود ناقض من نواقض الإسلام وهو القول بالتثليث أو بنوة عيسى عليه السلام.
ومن أدلة ذلك قول الله تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا فاشترط الإيمان مع إرادة الآخرة والعمل لها فالحمد لله على ما علّم وفهّم.
حديث ( الأوعال ) حسن؛ ولهذا أدخله الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، لكن في كون الملائكة أوعال في النفس منه حسيكة، فإنه لا يوجد له متابع في وصف الملائكة بالأوعال، أما العلو وكذا المسافات بين السماوات فله شواهد كثيرة.
حديث: مَن سمع الغناء صب في أذنيه الآنُك يوم القيامة .(1/242)
الآنك بضم النون الرصاص المُذاب، هذا الحديث ضعيف جدًّا، في سنده علي بن يزيد الألهاني ضعيف جدًّا، لكن قال ابن القيم له شواهد ومتابعات .
وإنما يصح حديث صب الآنك في الأذن في غير هذا الحديث وهو حديث: من استمع حديث قوم بغير إذنهم صب في أذنه الآنك يوم القيامة وهذا حديث صحيح.
الحافظ ابن كثير وابن القيم في زاد المعاد وغيره يوردان الأحاديث ولا يعتنيان بالأسانيد أحيانًا ولعل سبب ذلك أحد أمرين: -
1-إما أنه له شواهد تعضد الحديث.
2-وإما لأنه من باب الترغيب والترهيب فيتسامح فيه.
خبر الواحد إذا صح سنده فإنه يوجب العمل، فيجب العمل به، واختلف العلماء والمحدثون في إفادته؛ فقيل: يفيد الظن، وهو قول الجمهور، وقيل: يفيد العلم وهو قول قوي، أما إذا كان مسلسلا بالأئمة فإنه يفيد العلم، وكذا إذا جاء من طرق، وكذا أحاديث الصحيحين؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول. ففي هذه الحالات الثلاث يفيد العلم وهي:
1- إذا كان مسلسلا بالأئمة.
2- إذا تعددت طرقه.
3- إذا تلقته الأمة بالقبول.
أما الخبر المتواتر فإنه يفيد العلم، وأخبار القرآن الكريم تفيد العلم واليقين والإجماع.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَجْبُ الذَّنَبِ .
وعَجْبُ الذنب: هو عظم صغير في مؤخر المقعدة، وهو عُظَيم لطيف في أسفل الصلب وهو رأس العصص - آخر العمود الفقري.(1/243)
وفي الحديث الرد على المتكلمين من المعتزلة والجهمية القائلين بالجواهر الفردة والذين بنوا دينهم على إثبات الخالق، والمعاد على إثبات الجوهر الفرد - أما إثبات الخالق، فإنهم قالوا: لا يعرف ذلك إلا عن طريق إثبات حدوث العالم، وحدوث العالم إلا عن طريق الأعراض اللازمة للأجسام، والأعراض هي الأكوان وهي الافتراق والاجتماع ، والبسط والقبض، ولا تكون هذه الأعراض لازمة للأجسام، إلا إذا كانت مركبة من الجواهر الفردة.
وأما إثبات المعاد، فإن منهم من قال: تفرق الجواهر ثم تجمع، ومنهم من قال: تعدم وتفنى ثم تعاد، وهذا قول الجهمية .
وهذا الحديث فيه الرد عليهم فإن فيه أن ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب فإنه يبقى لا يفنى، منه خلق ابن آدم ومنه يركب بعد إعادة جسمه من التراب الذي استحال إليه حيث تنبت الأجساد بالمطر الغليظ الذي ينزله الله ويبقى أربعين صباحًا.
وفي هذا الحديث الرد على العصريين علماء الكيمياء القائلين: المادة لا تفنى ولا تستحدث.
دعاء ورد في حديث ابن عباس .(1/244)
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ أَمْلَاهُ عَلَيَّ سُفْيَانُ إِلَى شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرو بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمُعَلِّمُ حَدَّثَنِي طَلِيقُ بْنُ قَيْسٍ الْحَنَفِيُّ أَخُو أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو: رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا لَكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي .
رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ينبغي أن يكتب هذا الدعاء.
وهو حديث ثابت لا بأس بسنده.
ومعنى ( اللهم امكر لي ) في مقابلة الماكرين، (ولا تمكر علي ) أي: يا الله اجعل المكر لي ولا تجعله علي.
فوائد في الحديث 13
خبر الآحاد هل يفيد العلم أو الظن:
اختلف العلماء من الأصوليين وعلماء مصطلح الحديث فيه على ثلاثة أقوال:
1-أن الحديث الصحيح يفيد العلم ولو لم يكن له إلا طريق واحد وهو قول ابن حزم وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وقال ابن القيم إنه قول مالك والشافعي وأحمد وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي واختيار أحمد شاكر وهو قول قوي..
2-أنه يفيد الظن مطلقًا، وإلى هذا ذهب بعض الأصوليين والفقهاء وهو قول أهل البدع من المعتزلة وغيرهم
3-أنه يفيد الظن، وقد يفيد العلم النظري بالقرائن، وله أنواع ثلاثة:(1/245)
4-أن يكون مخرَّجًا في الصحيحين لتلقي العلماء لهما بالقبول ويستثنى من ذلك شيئان، أحدهما: ما انتقد عليهما، والثاني: ما كان معارضًا لغيره ولم يتبين وجه الجمع أو الترجيح أو النسخ فإنه يفيد العلم عنده، وممن ذهب إلى أن ما في الصحيحين يفيد العلم شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله، وابن الصلاح ونقله العراقي في شرحه على ابن الصلاح عن جماعة وعن أكثر أهل الكلام من الأشعرية وعن أهل الحديث قاطبة وهو اختيار ابن كثير والحافظ ابن حجر رحمهما الله.
إذا تعددت طرق الحديث وتباينت مخارجه كالحديث المشهور الذي لم يصل إلى حد التواتر، أن يرويه أربعة من أربعة طرق.
أن يكون الحديث مسلسلا بالأئمة ولا يكون غريبًا بأن لا ينفرد كل واحد بروايته، كالحديث الذي يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك ولا ينفرد كل واحد.
وإذا اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة فلا يبعد أن يفيد القطع بأن يفيد العلم الضروري كالمتواتر.
والقول الأول هو الصواب وهو أن الحديث الصحيح يفيد العلم مطلقًا، والمراد العلم النظري، وأما القرآن والخبر المتواتر فإنه يفيد العلم الضروري وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، يراجع شرح نخبة الفكر
والخلاصة في إفادة خبر الآحاد العلم أو الظن إذا صح الحديث ثلاثة أقوال:
1-يفيد الظن مطلقًا.
2-يفيد العلم مطلقًا.
3-يفيد العلم بالقرائن، وأرجحها الثاني.(1/246)
4-وهذا الخلاف فيما يفيده خبر الآحاد من العلم أو الظن، أما العمل به فإنه واجب باتفاق أهل السنة، ولم يخالف في هذا إلا أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج وغيرهم، الذين يقولون: إن خبر الآحاد ظني الدلالة كما أنه ظني الثبوت، وبهذا القياس الفاسد ردوا نصوص الكتاب والسنة وقالوا: إنها لا تدل على إثبات الصفات؛ لأن دلالتها ظنية، كما أن نصوص السنة ظنية الثبوت، قالوا: والأدلة اللفظية لا تفيد اليقين وإنما الذي يفيد اليقين هي الأدلة العقلية فيسمونها قواطع عقلية وبراهين يقينية، أما الأدلة اللفظية فإن كان متواترا كالقرآن قالوا إن دلالته ظنية، وإن كان خبر آحاد كالسنة قالوا لا يحتج بخبر الآحاد في العقائد.
وهذا زيغ وانحراف نعوذ بالله، والصواب: وجوب العمل بخبر الآحاد والاحتجاج به في العقائد والأعمال، وهذا هو الذي عليه أهل السنة قاطبة، وقد عقد البخاري رحمه الله في صحيحه كتابا في الاحتجاج بخبر الواحد، وساق أدلة كثيرة.
وذهب ابن القيم إلى أن خبر الواحد إذا صح فإنه يفيد العلم وقرر ذلك ونصره في آخر كتابه مختصر الصواعق المرسلة.
وقال: إن ممن نص على أن خبر الواحد يفيد العلم مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كأبي محمد بن حزم وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقال الإمام أحمد في حديث الرؤية: نعلم أنها حق ونقطع على العلم بها، وقال القاضي، وظاهر هذا أنه يسوي بين العلم والعمل، وعن الإمام أحمد رواية أخرى تدل على أن خبر الواحد لا يفيد العلم.
قال ابن القيم وهذه رواية انفرد بها الأثرم وليست في مسألة ولا في كتاب السنة، وإنما حكاها القاضي أنه وجدها في كتاب معاني الحديث، والأثرم لم يذكر أنه سمع ذلك منه، بل لعله بلغه من عند واهم وهم عليه في لفظه، فلم يرو عنه أحد من أصحابه ذلك، بل المروي الصحيح عنه أنه جزم على الشهادة للعشرة بالجنة والخبر في ذلك خبر واحد.(1/247)
وقد صرح الشافعي في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم نص على ذلك صريحًا في كتاب اختلاف مالك ونصره في الرسالة المصرية، على أنه لا يوجب العلم الذي يوجبه نص الكتاب والخبر المتواتر.
قلتُ: مقصوده أن خبر الواحد يفيد العلم النظري أما القرآن والخبر المتواتر فإنه يفيد العلم الضروري.
قال ابن القيم ونحن نشهد بالله ولله شهادة على البت والقطع لا نمتري فيها ولا نشك على صدقهم ونجزم به جزمًا ضروريًّا لا يمكننا دفعه عن نفوسنا - إلى قوله -: ومن هذا إخبار الصحابة بعضهم بعضًا فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر - إلى قوله -: ولم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم - إلى قوله: بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث، ولم يقل له أحدٌ منهم يومًا واحدًا من الدهر: خبرك خبر واحد لا يفيد العلم .(1/248)
إلى قوله: وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين، كما اعتقد رؤية الرب وتكليمه ونداه لعباده يوم القيامة بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة، وضحكه وفرحه، وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده، وإثبات القدم له - إلى قوله: فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة، و إجماع التابعين و إجماع أئمة الإسلام ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء، وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم .
قلتُ: وذهب ابن عبد البر في كتاب التمهيد إلى أن خبر الآحاد يوجب العمل ولا يوجب العلم، وإليه ذهب النووي .
قال ابن كثير في كتابه الباعث الحثيث ص29 ثم حكى - أي ابن الصلاح -: أن الأمة تلقت هذين الكتابين الصحيحين بالقبول، سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيهما من الأحاديث، لأن الأمة معصومة عن الخطأ؛ فما ظنت صحته ووجب عليها العمل به لا بد وأن يكون صحيحًا في نفس الأمر، وهذا جيد.
وقد خالف في هذه المسألة الشيخ محيي الدين النووي وقال لا يستفاد القطع بالصحة من ذلك.
قلتُ: وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه والله أعلم .
قال الشيخ أحمد محمد شاكر تعليقًا عليه: الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن اهتدى بهداهم على بصيرة من الأمر: أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على أن معنى ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي إلتزمها كل واحد منهما في كتابه.(1/249)
وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها، فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها، وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم، واحكم عن بينة والله الهادي إلى سواء السبيل ص 29.
وقال الشيخ أحمد شاكر في ص 30: والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي سواء أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما، وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني لا يحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث، العارف بأحوال الرواة والعلل، وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البلقيني، ممن سبق ذكرهم، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك.
وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهرًا لكل من تبحر في علم من العلوم، وتيقنت نفسه بنظرياته، واطمأن قلبه إليها، ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بها معنى آخر غير ما تريد، ومنه زعم الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إنكارًا لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ثم ازدياد هذا اليقين: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما نقله عنه ابن القيم وقد قسم الأخبار إلى تواتر وآحاد، فقال بعد ذكر التواتر:
وأما القسم الثاني من الأخبار: فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه ولم يتواتر لفظه ولا معناه، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به أو تصديقًا كخبر عمر بن الخطاب إنما الأعمال بالنيات .
وخبر ابن عمر نهى عن بيع الولاء وهبته، وخبر أنس دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وخبر أبو هريرة لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها .
وكقوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .(1/250)
وقوله: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل .
وقوله في المطلقة ثلاثا: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
وقوله: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ .
وقوله: إنما الولاء لمن أعتق .
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر في رمضان على الصغير والكبير والذكر والأنثى .
وأمثال ذلك، فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأولين والآخرين.
أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية مثل السرخسي وأبو بكر الرازي من الحنفية، والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي اسحاق من الشافعية، وابن خواز منداد وغيره من المالكية، ومثل القاضي أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية، ومثل أبي إسحاق الإسفراييني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين.
وإنما النزاع في ذلك طائفة كابن الباقلاني ومن تبعه مثل أبي المعالي والغزالي وابن عقيل .
وقد ذكر أبو عمرو بن الصلاح القول الأول وصححه واختاره ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم، وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة، وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة أن الذي قاله الشيخ أبي عمر وانفرد به عند الجمهور - إلى أن قال -: قال: وجميع أهل الحديث على ما قاله أبو عمرو والحجة على قول الجمهور أن تلقي الأمة للخبر تصديقًا وعملا، إجماعًا منهم، والأمة لا تجتمع على ضلالة - إلى قوله -: والأمة معصومة من الخطأ في رواياتها ورأيها ورؤياها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر .(1/251)
فجعل تواطؤ الرؤيا دليلا على صحتها... إلى أن قال: واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب، كما ذكره الشيخ أبو عمرو ومن قبله من العلماء كالحافظ أبي الطاهر السلفي وغيره، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه فالتصديق والقبول فهو محصل للعلم مفيد لليقين، ولا غيره بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم...
إلى قوله: فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص فيتواتر عند الخاصة مالا يكون معلومًا لغيرهم فضلا أن يتواتر عندهم.. إلى قوله: وبالجملة فهم جازمون بأكثر الأحاديث الصحيحة قاطعون بصحتها عنه وغيرهم لا علم عنده بذلك، والمقصود أن هذا القسم من الأخبار يوجب العلم عند جمهور العقلاء... إلى قوله: وأما خبر الواحد الذي أوجب الشريعة تصديق مثله والعمل به، بأن يكون خبر عدل معروف بالصدق والضبط والحفظ، فهذا في إفادته للعلم قولان هما روايتان منصوصتان عن أحمد:
أحدهما: أنه يفيد العلم أيضًا وهو أحد الروايتان عن مالك اختاره جماعة من أصحابه، منهم محمد بن خواز منداد واختاره جماعة من أصحاب أحمد منهم ابن أبي موسى وغيره، و اختاره الحارث المحاسبي وهو قول جمهور أهل الظاهر، وجمهور أهل الحديث، وعلى هذا فيحلف على مضمونه ويشهد به.
الثاني: أنه لا يوجب العلم، وهو قول جمهور أهل الكلام، وأكثر المتأخرين من الفقهاء، وجماعة من أهل الحديث، وعلى هذا فلا يحلف على مضمونه ولا يشهد به .
قال ابن القيم قال ابن حزم وقال بعضهم لما انقطعت به الأسباب: خبر الواحد يوجب علما ظاهرًا، قال: وهذا كلام لا يعقل وما علمنا علمًا ظاهرًا غير باطن، ولا علما باطنًا غير ظاهر، بل كل علم يتيقن فهو ظاهر لمن علمه وباطنه في قلبه، وكل ظن لم يتيقن فليس علمًا أصلا، لا ظاهرًا ولا باطنًا، بل هو ضلال وشك، وظن محرم القول به في دين الله .(1/252)
ثم استدل ابن القيم على أن خبر الواحد العدل يفيد العلم بإحدى وعشرين دليلا فليراجع من ص 394- إلى ص 406.
أقول الخلاصة في خبر الواحد العدل هل يفيد العلم والظن؟
الجواب: أن خبر الواحد العدل نوعان:
1- أن تتلقاه الأمة بالقبول: تصديقًا وعملا به وجمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة من الأولين والآخرين، فهذا محصل للعلم مفيد لليقين، أما لسلف فلم يكن بينهم نزاع بل هم متفقون، وأما الخلف فهو مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة، والأئمة الأربعة وهذا القسم من الأخبار يوجب العلم عند جمهور العقلاء.
وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره ونصره ابن القيم والحافظ ابن الصلاح والحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر والحافظ العراقي وهو قول ابن حزم واختيار أحمد شاكر وهو الصواب.
وذهب طائفة إلى أنه يفيد الظن ولا يفيد العلم، كابن الباقلاني ومن تبعه مثل أبي المعالي الجويني والغزالي وابن عقيل وهو قول النووي وابن عبد البر في كتابه التمهيد، وهو قول أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج .
2- خبر الآحاد التي أوجب الشريعة تصدق مثله والعمل به وهو خبر العدل المعروف بالصدق والضبط والحفظ فهذا في إفادته للعلم قولان: هما رويتان منصوصتان عن أحمد وهما روايتان عن مالك .
أحدهما: أنه يفيد العلم وهو قول جماعة من أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب مالك وهو قول جمهور أهل الظاهر وجمهور أهل الحديث، وهو قول الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وداود ابن علي وأصحابه كابن حزم وأحمد شاكر وهو الصواب.
والثاني: أنه لا يوجب العلم، وإنما يفيد الظن وهو قول جمهور أهل الكلام وأكثر المتأخرين من الفقهاء، وجماعة من أهل الحديث منهم النووي وابن عبد البر وهو قول بعض الأصوليين، وقول بعض أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج .
فوائد في الحديث 14(1/253)
القرآن والخبر المتواتر يوجب العلم من جهة الضرورة لا من جهة الاستدلال، وخبر الواحد الصحيح يوجب العلم من طريق الإستدلال لا من جهة الضرورة.
قال القاضي أبو يعلى الاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه:
1-أن تتلقاه الأمة بالقبول فيدل ذلك على أنه حق - سواء كان في الصحيحين أو غيرهما - لأن الأمة لا تُجمع على خطأ، فقبول الأمة يدل على أن الحجة قد قامت عندهم بصحته.
2-خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو واحد فيقطع بصدقه، لأن الدليل قد دل على عصمته.
3-أن يخبر الواحد بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعي أنه سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقر على الكذب.
4-أن يخبر الواحد ويدعي على عدد كثير أنهم سمعوه منه فلا ينكر منهم أحد.
قال شيخ الإسلام: حصر القاضي أبو يعلى لأخبار الآحاد الموجبة لأربعة ليس بجامع، بل يلحق بما يوجب العلم.
5-ما تلقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقبول كإخباره عن تميم الداري بما أخبر به مصدقًا له فيه.
6-إخبار شخصين عن قصة يعلم أنهما لم يتواطأ عليها ويبعد في العادة الاتفاق على الكذب فيها والخطأ.
قال ابن القيم أخبار الآحاد الموجبة للعلم لا تنحصر، بل يجد المخبر علمًا لا يشك فيه بكثير منها، كما إذا أخبر من لم يجرَّب عليه كذبًا قط، يخبر أنه شاهده، فإنه يجزم به جزمًا ضروريًّا، أو يقارب الضرورة وكما إذا أخبر بخبر عليه في الإخبار به ضرر، فأخبر به تدينًا وخشية لله، كما إذا أخبر عن نفسه بحد ارتكبه، يطلب تطهيره منه بالحد، أو أقر على نفسه بحق ادعي به عليه حيث لا بينة، أو أخبر المفتي بأمر فعله ليحصل له المخرج منه، أو أخبر الطبيب بألم يجده يطلب زواله، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأخبار التي يقطع السامع بصدق المخبر بها.
خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه:
1- قتادة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه.
2-وتارة يظن كذبه، إذا كان دليل كذبه ظنيًّا.(1/254)
3-وتارة يتوقف فيه، فلا يترجح صدقه ولا كذبه، إذا لم يقم دليل أحدهما.
4- وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به.
5-وتارة يجزم بصدقه جزما لا يبقى معه شك، فليس خبر كل واحد يفيد العلم ولا الظن، ولا يجوز أن ينفي عن خبر الواحد مطلقًا أنه يحصل العلم، فلا وجه لإقامة الدليل على أن خبر الواحد لا يفيد العلم، وإلا اجتمع النقيضان.
فوائد في الحديث 15
خبر الواحد يفيد العلم في مواضع:
1-خبر من قام الدليل القطعي على صدقه، وهو خبر الواحد القهار جل وعلا، وخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يخبر به.
2-خبر الواحد بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصدقه كخبر الحبر الذي أخبر بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- تعجبًا وتصديقًا له.
الأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام:
1-الأخبار المتواترة لفظًا ومعنى.
2-الأخبار المتواترة معنى لا لفظًا.
3-الأخبار المستفيضة المتلقاة بالقبول بين الأمة.
4-أخبار الآحاد المروية بنقل العَدْل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومثال القسمين الأولين: الأخبار الواردة في عذاب القبر، والشفاعة والحوض، ورؤية الرب تعالى، وتكليمه عباده يوم القيامة ، وأحاديث علوه فوق سماواته على عرشه، وأحاديث إثبات العرش، والأحاديث الواردة في إثبات المعاد، والجنة والنار، ونحو ذلك مما يعلم بالاضطرار أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جاء به كما يعلم بالاضطرار أنه جاء بالتوحيد، وفرائض الإسلام وأركانه، وجاء بإثبات الصفات للرب سبحانه وتعالى، فإنه ما من باب من هذه الأبواب إلا وقد تواتر فيه المعنى المقصود عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تواترًا معنويًّا، فهي تفيد العلم واليقين، وهذا العلم ضروري ، وقيل: نظري .(1/255)
وقال أيضا: فصل: في الاحتجاج بالأحاديث النبوية على الصفات المقدسة العلية وكسر طاغوت أهل التعطيل الذين قالوا لا يحتج بكلام النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- على شيء من صفات ذي الجلال والإكرام .
قالوا: الأخبار قسمان متواتر، وآحاد، فالمتواتر:
المتواتر وإن كان قطعي السند، لكنه غير قطعي الدلالة، فإن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، وبهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات.
والآحاد لا تفيد العلم:
فسدّوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأحالوا الناس على قضايا وهمية، ومقدمات خيالية، سموها قواطع عقلية، وبراهين يقينية، وهي في التحقيق كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ حديث: المستبَّان ما قالا فعلى البادي منهما ما لم يعتد المظلوم رواه مسلم .
ومعناه: المستبان على ما قالا، فعلى البادي منهما الإثم، والمقتص الذي رد السبة لا إثم عليه، لأنه مظلوم، ما لم يعتد المظلوم بتكرار السبة، أو بزيادة سبة أخرى، كأن يقول البادي: لعنك الله، فيقول المظلوم: لعنك الله أنت فهذا قصاص، فإذا زاد كان اعتداءً، كأن يقول له: لعنك الله لعنك الله - فيكرر، أو يقول: لعنك الله وأخزاك.
حديث: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم .
هذا يدل على قدرة الله العظيمة وحكمته البالغة في التصرف في خلقه، هذا يذنب ويتوب فيغفر له، وهذا يذنب فلا يتوب، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عالم وهذا جاهل، وهذا كريم وهذا بخيل، وهذا من دلائل قدرة الله وإلا لكان عاجزًا.
في الحديث الصحيح مِن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم .(1/256)
معنى الحديث - الربا: الزيادة، أخذاً من المعنى اللغوي، والمعنى: إن أشد الربا غيبة المسلم، سمى الغيبة ربا لأنها زيادة على ما شرع الله، وليس الربا خاصًّا بالبيع والشراء، والحديث فيه التحذير من الغيبة وأنها من كبائر الذنوب ومن أشد المحرمات، + ومعنى أن مِن أربى الربى أي: من أربى الربا.
حديث (تخلقوا بأخلاق الله): موضوع قاله شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية ص 527 ح2.
إذا اختلف العلماء في وصل الحديث وإرساله، قدم الواصل على المرسل ( الذي حذف اسم الصحابي )؛ لأن الواصل معه زيادة عِلم خفيت على المرسل، وزيادة الثقة مقبولة في وصل الحديث وغيره، كزيادة لفظة..
وذهب بعض العلماء إلى تقديم الأحفظ والأكثر، منهم الترمذي .
لكن القول الأول هو الموافق للقواعد والأصول.
عتاب بن أسيد ضبطه ( أَسِيد ) بفتح الهمزة وكسر السين، مُكبَّرًا، وكان واليًا على مكة وتوفي قريبًا من وفاة أبي بكر .
وأما حضير بن أُسيد فهو بضم الهمزة وفتح السين مصغرا، وكذلك غيره فإنهم بالتصغير.
قوله في بعض الأسانيد: ( عن قتادة عن الحسن إن شاء الله ) هذا شك في سماع قتادة من الحسن فالسند مشكوك فيه.
تصحيح ابن الجارود كتصحيح الترمذي وابن حبان والحاكم فيه نظر، ويحتاج إلى تأمل، كلها خاضعة للنقد.
بشير بن سعد وبشير بن كعب كلاهما بالتصغير ( بُشَيْر ) وما عداهما فهو ( بَشير ) مُكبرًا، مثل بشير بن نهيك .
ليس في الصحيحين حديث ينتقد، اللهم إلا في بعض الألفاظ في بعض الأحاديث، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار أن الله خلق السماوات والأرض في سبعة أيام .
وهذا باطل مخالف للقرآن الكريم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ومخالف للأحاديث الصحيحة التي فيها: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أولها الأحد وآخرها الجمعة .(1/257)
وقد حصل في هذا الحديث وهم في رفعه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والصواب أنه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار وليس مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وائد في الحديث 16
في جامع الترمذي حديث ضعيف جدًّا ( موضوع ) وهو حديث رواه عمر بن هارون البلخي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من طول لحيته وعرضها. وعمر بن هارون البلخي متهم بالكذب، فلا يعوَّل على هذا الحديث.
ومن الألفاظ التي انتقدت في صحيح مسلم رواية حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
فإن في بعض الألفاظ: (... هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ) فلفظة ( لا يرقون ) وهم من بعض الرواة، فإن الراقي محسن، بخلاف المسترقي، فإنه طالب من غيره.
حديث ( من ترك الصلاة عوقب بخمسة وعشرين عقوبة )، حديث موضوع، لا أصل له، وقد نبه على ذلك أهل العلم كابن حجر
الجمع بين حديث: القاتل والمقتول في النار .
وبين قوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا أن الآية في المتقاتلين عن اجتهاد كما حصل بين معاوية وعلي رضي الله عنهما. أما الحديث فهو في القتال لأجل الحمية أو العصبية أو الهوى.
حديث حدثنا....حدثنا مالك النُّكري حدثنا أبو الجوزاء أن عائشة رضي الله عنها قالت لما قحطو: ( اكشفوا قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستقوا به ) فكشفوه فمطروا مطرًا شديدًا..الخ.
أولا: هذا الحديث لا يصح؛ لأن في سنده مالكًا النُّكري وهو ضعيف
ثانيا: أن أبا الجوزاء لم يسمع من عائشة رضي الله عنها.
ثالثا: لو فرضنا صحة الحديث فرأي عائشة وقولها لا يحتج به إذا خالف النصوص.
رابعًا: عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، وأفقه النساء وأعلمهن بالحلال والحرام، فلا يمكن أن يقع هذا منها أبدا.
حديث أبي سعيد عند مسلم من رآى منكم منكرًا فليغيره بيده... إلى قوله: وذلك أضعف الإيمان .
فيه مسألتان:(1/258)
1 - أن من ترك الإنكار بالقلب لا يكون كافرًا بل يكون عاصيًا.
2 - أن معنى أضعف الإيمان بالنسبة لإنكار المنكر، لا أنه ضعيف الإيمان مطلقًا، بل يكون قوي الإيمان، لأن من أنكر بالقلب عند العجز عن الإنكار باليد واللسان، فقد أدى الواجب عليه، ومن أدى الواجب لا يكون ضعيف الإيمان.
حديث: لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار .
أخرجه مسلم في صحيحه في قصة شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب، احتج به بعض العلماء في جواز قول: لولا كذا لكان كذا، ومنه قول ابن القيم في القصيدة النونية: لولاهم، لولاهم..... وتكراره ذلك.
وقال آخرون: هذا من الشرك في الألفاظ، والذي ينبغي أن يقول: لولا الله لكان كذا، واحتجوا بقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا قال: هو الشرك أخفى من دبيب النمل وهو أن تقول: والله، وحياتك يا فلان... إلى قوله: ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص.
وأجابوا عن الحديث بأن هذا كان أولا قبل المنع من الحلف بغير الله أو أنه تصرف من بعض الرواة.
فوائد في اللغة
فوائد في اللغة 1
( قَدِمَ )
لها ثلاث حالات:
- قَدِم يَقْدَم من باب فَرِحَ يَفْرَحُ إذا ورد إلى البلد، أو المكان.
- قَدَم يقدُمُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ، إذا تقدّم القوم، ومنه قوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ .
- قَدُم يَقْدُم على وزن (شَرُفَ وكَرُمَ ) إذا صار قديمًا.
( فَرَغَ ) لها حالتان:
- فرَغ يفرُغ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ، إذا فرَغ من الشغل وانتهى منه، ومنه قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ .
- فرغ يفرَغ من فرح يفرح، إذا فرغ الإناء من ما وضع فيه.
( رَشَدَ ): له وزنان:
- أحدهما: رَشَدَ يَرْشُدُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ ومصدره الرُّشد: بضم الراء وإسكان الشين، ومنه قوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا .(1/259)
- الثاني: رَشِدَ يرْشَد من باب تَعِبَ يَتْعَبُ ومصدره الرَّشَد بفتح الراء وفتح الشين ومنه قوله تعالى: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا وكل من الوزنين لا زم غير متعدي، ومعناهما واحد وهو الصلاح في الدين، وقيل: في المال، وقيل: فيهما.
المضعّف المجزوم يفتح مثل: لم يضرَّ ولم يشدَّ، وإذا اتصل به ضمير الغائب جاز نصبه وجاز رفعه اتباعًا للهاء، مثل: لم يضرُّه ولم يضرَّه، فتح الراء على الأصل وبضمها اتباعًا للهاء، إلا إذا كان ضمير الهاء للمؤنث، فإنه يفتح فقط مثل: لم يضرَّها.
الاسم إذا كان ثانيه صحيحًا ساكنًا، وثالثه حرف علة ولم يكن آخره هاء، فإنه في النسبة يبقى ثانيه ساكنًا ولا يُحرّك، مثل: نَحْوٌ، يقال: نَحْوِيٌّ.
أما إذا كان آخره هاء فإنه يُحرك ثانيه في النسبة فيقال: رَبْوة، رَبَويّ، ورَكْوةّ، رَكَوىّ، وعَبْوة، عَبَوىّ.
القاعدة في الثلاثي المعتل الآخر، وهو ما كان آخره حرف علة، فإنه في النسبة يفتح ثانيه وهو أوسط حروفه، فيقال في نسبة ( نحْو، وفرْو، وبدْو ): نَحَويّ، وفَرَويّ، وبَدَويّ أما إذا كان صحيح الآخر في النسبة يبقى ثانيه ساكنًا مثل: جنْب، وعمْرو، وكلْب، فيقال في النسبة: جنْبِيّ، وعمْرِيّ، وكلْبِيّ. يراجع في ذلك " اللباب في الأنساب ".
الفعل الماضي المعتل الآخر بالألف إذا كان أصله يائيًّا كتب الألف بالكرسي ياء مثل: رأى، وقضى، وكفى، أما إذا كان أصله واوًا فإنها يكتب ألف مثل: دعا وغزا ورجا.
تعريف الحمد عرّف الحنابلة الحمد بقولهم: فعل ينبئ عن تعظيم المنعِم على إنعامه على الحامد أو غيره.
وقد غلط الحنابلة في تعريفه؛ فالحمد ليس فعلا، بل هو قول.
والصحيح في تعريفه: أنه الثناء على المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله؛ فإن فُقِد الحب والإجلال فهو مدح، فالمدح: هو الثناء بالصفات الجميلة من دون حب وإجلال، وهذا التعريف لشيخ الإسلام ابن تيمية.
فوائد في اللغة 2
فائدة لغوية:(1/260)
هذه الكلمات: تُنَتَجُ، يُهْرَعُونَ، تُزْهَى، في كلمات معدودة جاءت بصيغة المبني للمجهول، وهي مبنية للمعلوم.
هذه الكلمات الآتية من باب فَرِحَ وباب تَعِبَ وهي: صَعِدَ، قَذِرَ، خَطِفَ،
أما عَمَدَ فهي من باب ضَرَبَ.
( جَُِرْمٌ ) مثلثة الجيم، لكل حركة من الحركات الثلاث معنى:
- بضم الجيم، الجريمة والذنب، ومنه المجرم والمجرمون. أي: المذنبون العاصون سواء كان ذنبهم كفرًا أو دونه.
- بكسر الجيم، الجسم والجسد.
- بفتحها، قبيلة جَرْم، وهي بطن من طيء كما أفاد ذلك صاحب القاموس.
المصدر الميمي ( مُقَام ) إن كان من الثلاثي قَامَ فهو بفتح الميم، كقوله تعالى: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا وإن كان من الرباعي أَقَامَ فهو بضم الميم ( مُقَام ).
يطعَُن:
- إذا كان الطعن حسيًّا بالحربة والسكين فهو بضم العين.
- إذا كان الطعن معنويًّا بالكلام وبالعيب وبالقدح، كالقدح في النسب وعيبه فهو بفتح العين. ( نبه إليه صاحب المطلع على المقنع ).
إذا جاءت ( ما ) الموصولة بعد ( إن ) فهي اسمها، وما بعدها فهو مرفوع على أنه خبرها مثل: " إن ما عليه أعداء الله من الشرك أعظمُ من القتال في الشهر الحرام "، فـ ( ما ): اسم إن، و( أعظم ) خبرها.
الفرق بين مَقام و مُقام بفتح الميم وضمها.
المَقام: بفتح الميم فهو المكان الذي يقوم فيه الإنسان، ومنه قوله تعالى: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ومنه: مقام إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الحجر الذي يقوم عليه عند بناء الكعبة.
وأما المُقام: بضم الميم فهو المعنى، وهو العمل ومنه الأثر المعروف ( لا تسبوا أصحاب محمد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمُقام أحدهم مع رسول الله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةً خيرٌ من عمل أحدكم عُمْرَهُ ). أو كما جاء في الأثر.(1/261)
المَعَاذُ والمَلاذُ، مصدران ميميان من العياذ واللياذ، قال أهل العلم: والفرق بينهما: أن اللياذ مما يُرجى، والعياذ مما يُخاف، قال الشاعر يمدح ممدوحًا له:
يا من ألوذ به فيما أؤمِّله ... ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يَجْبُرُ الناسُ عظمًا أنت كاسِره ... ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
وهذا الوصف لا يستحقه إلا الله عز وجل.
والغِيَاث والغَوْث هو إزالة الشدة، ومنه قولنا: اللهم أغِثْنَا.
قوله تعالى: مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أصله: ما لكم إله، أصله مبتدأ زيدت قبله ( مِن )، والمقرر في فن الأصول أن النكرة في سياق النفي ظاهره العموم، أما إذا دخلت عليها ( مِن ) المزيدة لتوكيد النفي، فإنها تنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم.
وقد تَطَّرِد زيادة ( مِن ) في سياق النفي قبل النكرة لتنقله من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم في اللغة العربية في ثلاث مواضع:
- أن ترد قبل المبتدأ كما في هذه الآية: مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أصله: ما لكم إلهٌ غيرُه.
- أن ترد قبل الفاعل نحو: ما جاء من بشير، أصله: ما جاءنا بشيرٌ.
- أن ترد قبل المفعول به، نحو: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ أصله: وما أرسلنا من قبلكَ رسولا.
قلتُ: وقد تُزاد في النفي للتنصيص على المعنى المراد، مثل قوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ زِيدت ( من ) للتنصيص على الفوقية، أصله: يخافون ربهم فوقهم، أما لم تُزد قبل الفوقية كقوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ فاللفظ ظاهر في فوقية الرب على عباده، وزيادة ( من ) في الآية الأولى للنص على الفوقية.
فوائد في اللغة 3(1/262)
الإله: فِعَالٌ بمعنى مفعول، أي: معبود، والإلْهَةُ في اللغة العبادة، والإله: المعبود، وفي قراءة ابن عباس ( وَيَذَرَكَ وَأَلْهَتكَ ) أي: وعبادتك، فالإله: معناه المعبود الذي يعبده خلقه بِذُلٍّ وخضوع ومحبة، وإتيان الفِعَال بمعنى المفعول مسموع في كلام العرب، ومنه: إلهٌ بمعنى مألوه، وكِتابٌ بمعنى مكتوب، ولِبَاسٌ بمعنى ملبُوس، وإمام بمعنى مؤتَمٌّ به، في أوزان معروفة.
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أصل الخلق في لغة العرب التقدير، فكل شيء قدرتَه فقد خلقتَه، فإذا رأيتَ الجذاء يأخذ بسواد كفحْم أو غيره ليقيس قدر ما يقطع من النعل فيسمى ذلك خلقًا، فإذا قطعه يقال فَرَاهُ.
ومنه قول زهير بن أبي سلمى :
ولأنت تَفْري ما خلقتَ ... وبعض القوم يخلُقُ ثم لا يفري
يعني: تُقَدِّر الأمرَ ثم تنفذُه، وبعض الناس يقدر الأمر ثم يعجز عن تنفيذه، فالله -تعالى- يقدر الأشياء قبل أن يوقعها ثم يفريها ويبرؤها مطابقًا لما قدّر سابقًا وتنفيذًا لعلمه الأزلي كما قال الخالق البارئ.
قلتُ: ومنه قوله -تعالى- عن عيسى عليه السلام: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي أي: تقدِّر وتصوِّر، ومنه قوله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أي: المقدرين والمصورين، لا المنشئين المخترعين.
فوائد في اللغة 4
لمّا، ولو، ولولا:
( لما ) حرف وجود لوجود. مثل: لما جاء زيد جاء عمرو، و( لو ) حرف امتناع لامتناع. مثل: لو جاء زيد جاء عمرو، و( لولا ) حرف امتناع لوجود مثل: لولا عمرو لما جاء زيد.
لولا لها ثلاث حالات:
1- حرف امتناع لوجود مثل: لولا عمر لجاء زيد، فامتنع مجيء زيد لوجود عمرو، ومثله قوله تعالى: لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ امتنع جوابها لوجود شرطها.
2- حرف تخصيص، مثل قوله تعالى: لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أي: هلا جاءوا عليه.(1/263)
3- تأتي للنفي كما في قوله تعالى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ المعنى: فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس .
الإضافة مقدر فيها حرف الجر، ولها ثلاث حالات: تقدير ( مِن ) أو ( في ) أو ( اللام ).
1- أن يقدر ) من( ، ضابطها أن يكون الثاني جنسًا للأول مثل: ثَوْبُ خَزٍّ، وخاتَمُ حديدٍ، أي: ثوبٌ مِن خَزٍّ وخاتمٌ من حديدٍ.
2- أن يقدر ( في )، وضابطها أن يكون الثاني ظرف للأول مثل قوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي: مكر في الليل والنهار، والمكر هو التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالمقابل أو الخصم.
3- ما عدا الحالتين السابقتين فإنه يقدر اللام.
( لما ): لها ثلاث حالات، و( لو ) لها حالتان:
لو: تأتي شرطية، مثل قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ .
و( لو ) هنا شرطية غير جازمة وفعل الشرط ( تَرَى )، وجواب الشرط محذوف تقديره لرأيتَ أمرًا وهولا عظيمًا، وحذف جواب الشرط في مثل هذا أولى لأن النفس تذهب في تقديره كل مذهب من الفظاعة.
2- وتأتي ( لو ) مصدرية مثل قوله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ أي: ودُّوا ادِّهانَكَ.
هذا البيت:
فإنك إن أعطيتَ بطنَكَ سُؤْلَهُ ... وفرْجَكَ, نالا مُنتهى الذمِّ أجمعَا
هذا البيت ينبغي أن يُكتب لما فيه من الموعظة، ذكره الحافظ في الفتح في جـ9 ص 540 على شرحه ترجمة ( باب: المؤمن يأكل في معى واحدة ).
فوائد في اللغة 5(1/264)
قال تعالى: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ .
تِلقاء مصدر، أي: جهتهم، بكسر التاء، ولم يأت في المصادر بكسر التاء إلا مصدران: تِلقاء وتِبيان، وبقية المصادر بفتح التاء مثل: تَكرار وتَعداد وتَيار، وتَطواف، أما الأسماء فيكثر فيها كسر التاء.
العِيان: بكسر العين، ومنه الحديث: أنكم سَتَرَوْنَ ربَّكم عِيانًا بكسر العين.
الذُّكر: بضم الذال المُعجمة، ضد النسيان، وبكسر الذال المعجمة ( ذِكر ) هو ذكر الرب وتنزيهه وتقديسه، وجمعه أذكار.
( لا تَصُرُّوا الإبل والغنم )، ضْبطُ ( تَصُرُّوا ) بفتح التاء وضم الصاد والراء ( تَصُرُّوا )، وأصلها: ( تَصْرُرُوا )، و( الإبلَ ) بالنصب على المفعولية.
الموجِب والموجَب، الموجِب بكسر الجيم العلة، والموجَب بفتح الجيم الثمرة.
مَنَح يمنح من الثلاثي، بفتح الياء والنون ، ولا يقال: يُمنِح بضم الياء وكسر النون، لأنه ثلاثي فقط.
فَرَغَ يَفْرُغُ، من باب نَصَرَ يَنْصُر، المراد: الفراغ من الشغل. أما فَرِغَ يَفْرَغُ من باب فَرِحَ يَفْرَحُ، المراد: نفد الشيء وانتهى.
رَقِيَ بمعنى صَعِدَ وزنًا ومعنى، أما رَقَى فهو من الرقية.
( لقُوه ) بضم القاف، لأنه ( فَعِل ) لَقِى، بخلاف رمى ودعا وغزَا، فإنه إذا اتصلت به واو الجماعة يقال: دَعَوْهُ، رَقَوْهُ، غَزَوْهُ، بفتح العين والقاف والزاي، للدلالة على أن المحذوف ألفا.
الضُعف والضَعف، قيل: بالضم لغة قريش، وبالفتح لغة تميم، وقد قرئ بهما في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ الآية.
فوائد في أصول الفقه
فوائد في أصول الفقه 1
شيخ الإسلام ابن تيمية مجتهد مطلق، وإنما ينتسب إلى أحمد وأصحابه، فيقول عن أصحابنا مثلا لموافقته لأحمد في الأصول والقواعد.
التنظير في المسائل:(1/265)
المسائل التي يذكرها العلماء تنظير المسائل أو تقوية لهم لا تعتبر رأيًّا لهم؛ ولهذا أمثلة كثيرة في كتب شيخ الإسلام وابن القيم من ذلك بعض النقول لشيخ الإسلام في الحموية، فإنه يقول في بعضها وليس بكل ما ذكر نقول.
ومن ذلك ما نقله ابن القيم في مسألة المتعة، حتى قال الحافظ ابن حجر في أنباء القمر: إن ابن القيم يرى جواز المتعة، وهذا غلط عليه؛ لأنه ذكرها تنظيرًا ولم يؤيدها، وكذلك غلط غيره على ابن القيم في هذه المسألة.
من قال من العلماء: إن المصيب في مسائل الاجتهاد متعدد، فمراده تعدد الاجتهاد لا إصابة الحق، فالمعنى: أن الاجتهاد يتعدد، وأن كل واحد من المجتهدين مصيب في اجتهاده، وإن خالف غيره ولم يصب الحق.
الرأي نوعان:
محمود ومذموم، فالمحمود ما كان مستندًا إلى النصوص ويدل عليه النصوص أدلة مستند من اللغة.
والمذموم: ما ليس له مستند من النصوص ولا من اللغة، وهو الرأي المجرد.
كل حجة صحيحة - من كتاب أو سنة - يحتج بها مبطل فهي حجة عليه عند التأمل شاء أم أبى. وهذا قد التزم به شيخ الإسلام في كتابه درء تعارض العقل والنقل.
قاعدة: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالا.
عدم النقل ليس دليلا على العدم، وهذه القاعدة في غير أمور الشرع، أما في المسائل الشرعية، فعدم النقل دليلٌ على العدم؛ لأن الشرع محفوظ، فلا يمكن أن يشرع الله شيئًا إلا و يحفظ وينقل للأمة، وإلا لزم أن يكون شيء من الشرع ضاع، وهذا غير جائز.
يجوز تقديم الشيء إذا وجد سببه وإن لم يوجد شرطه، ومثاله:
المتمتع إذا أحرم بالعمرة وهو لا يجد الهدي جاز له الصوم لوجود السبب وهو الإحرام بالعمرة، وإن لم يوجد الشرط وهو الإحرام بالحج.
المحافظة على ذات العبادة أفضل من المحافظة على زمانها أو مكانها إذا كان الوقت باق ٍ، ولها أمثلة:
البعد عن الكعبة في الطواف مع الرمل أولى من القرب منها بدون رمل.(1/266)
المحافظة على الصف الأول في الفريضة في المسجد النبوي أولى من الصلاة في الروضة الشريفة.
رمي الجمار في الليل مع الهدوء والراحة أولى من الرمي في النهار مع مدافعة الموت والمشقة الشديدة.
قاعدة أصولية: الأمر للوجوب عند الجمهور؛ فإذا تركه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان الأمر للندب، فالترك صرف الأمر للندب.
من القواعد الفقهية المقررة: عدم النقل ليس نقلا للعدم.
وهذه القاعدة صحيحة ومعروفة، وهي كون الفقيه لم ينقل في المسألة دليلا ليس نقلا لعدم الدليل؛ لجواز أن يكون في المسألة دليل خفي على الفقيه، أما الشريعة وأمور الشرع فلا تجري فيه هذه القاعدة بل يقال فيها: عدم النقل دليل على العدم.
المعنى: عدم نقل الصحابة لمسألة أو حكم ما دليل على عدمها؛ لأن الشريعة محفوظة وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فلو كان هذا الحكم أو هذه المسألة من دين الله لنُقِلَ وحُفِظَ، لنَقَله الصحابة وبلّغوه لمن بعدهم حتى يُعلم ويُحفظ؛ لأن الشريعة محفوظة، فإذا لم يُنقل ولم يحفظ دل ذلك على أنه ليس من دين الله. ابن عثيمين .
ما حُرّم لكسبه فهو حرام على كاسبه دون غيره، وما حُرِّم لعينه فهو حرام على كاسبه وغيره.
مثال الأول: الذي يكسب الربا، حرام عليه دون غيره من وارث أو خادم أو ضيف.
ومثال الثاني: شراء الدم والكلب والخنزير، هذه حرام على مشتريها أو غير مشتريها.
النهي للتحريم فإذا فعله -النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان النهي للكراهة " التنزيه "، فالفعل صرف النهي من التحريم للكراهة، مثل نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الشرب قائمًا وشرب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائمًا من ماء زمزم في حجة الوداع.
فوائد في أصول الفقه 2(1/267)
من القواعد الفقهية المقررة التي دل عليها الكتاب والسنة وذكرها ابن رجب في القواعد، وذكرها في زاد المستقنع في جزاء الصيد للمحرم: (من أتلف شيئًا لدفع أذاه فلا ضمان عليه، وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه).
مثال الشطر الأول من القاعدة: لو صال عليه ضبع وهو محرم فقتله فلا ضمان عليه، وكذا لو صال عليه إنسان ولم يندفع إلا بالقتل فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه أتلفه لدفع أذاه فلم يضمن.
ومثال الشطر الثاني: لو صال عليه ذئب فأخذ شاة غيره فأعطاها الذئب وجعلها بينه وبينه ليسلم منه ويدفع عنه أذاه، فإنه يضمن الشاة، ومثله لو حلق رأسه وهو محرم لمداواة جرح برأسه فعليه فدية الأذى؛ لأنه دفع أذى جروح رأسه بحلق الشعر، لأنه أتلفه بدفع أذاه به فضمنه.
ومن القواعد الفقهية: ما حرم تحريم الوسائل فإنه يجوز للحاجة، وما حرم تحريم المقاصد فلا يجوز للحاجة أو لغيرها، فما حرم لكونه وسيلة وليس مقصودًا لذاته؛ فإنه يجوز للحاجة.
ومثاله: شم الطيب للمحرم محرم لكونه وسيلة إلى التطيب المحرَّم على المحرِم، فإذا شمه للترفه حرم، وإذا شمه للاستعلام، أي: ليستعلم الطيب وليعرف نوعه لكونه يريد شراءه فلا بأس؛ لكون ذلك للحاجة، وهذا عند ابن القيم وأما عند الفقهاء فلا يجوز مطلقًا، أما الطيب فمحرم قصدًا فلا يجوز مطلقًا.
ومثاله أيضًا: حجاب المرأة واجب، وكشف وجهها حرام؛ لأنه وسيلة إلى الفاحشة، لكن إذا احتاجت إلى كشفه للعلاج أو لنظر الخاطب جاز ذلك. بخلاف الزنا فإنه محرم قصدًا فلا يجوز بحال.
من القواعد الفقهية أيضًا: التي ذكرها ابن رجب .
يجوز تقديم الشيء إذا وجد سببه ولو لم يوجد شرطه، ومثاله: التمتع بوجوب الهدي، فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج، وابتداء الصيام من حين إحرامه بالعمرة؛ لأنه إذا أحرم بالعمرة انعقد سبب الوجوب، ولو لم يوجد الشرط وهو الإحرام بالحج، هذا دليل من جهة النظر والقياس.(1/268)
أما الدليل الأثري: قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وما دامت العمرة داخلة في الحج فيجوز الصيام من حين الإحرام بالعمرة.
ومن القواعد الفقهية:
الفضيلة في ذات العبادة مقدمة على الفضيلة في مكان العبادة أو خارجها.
مثاله: الرمل في الطواف مع البعد عن الكعبة مقدَّم على الطواف قرب الكعبة بلا رمل؛ لأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة، وهو الطواف.
ومثاله أيضًا الصلاة في الفرض في المسجد النبوي في الصفوف الأولى مقدَّم على الصلاة في الروضة الشريفة؛ لأن فضيلة الصفوف الأولى تتعلق بذات العبادة، وفضيلة الصلاة في الروضة الشريفة تتعلق بمكان العبادة.
ومثال تقديم الفضيلة في ذات العبادة على الفضيلة في خارج العبادة: الصلاة في المسجد القديم مقدمه على الصلاة في المسجد الحديث مع صلاة جنازة فيه بعد الصلاة.
من القواعد الفقهية:
ما تركه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع وجود سببه في زمنه فترْكُه هو السنة وفعْلُه هو البدعة، ومثاله: رفع اليدين عند الدعاء في الصلاة بين السجدتين، وكذا في التشهد، وكذا رفع اليدين بعد الفريضة للدعاء، وكذا رفع اليدين في خطبة الجمعة للدعاء، فهذا الرفع لليدين في هذه المواضع للدعاء بدعة؛ لأن -النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرفع يديه في هذه المواضع للدعاء.
فالقاعدة: أن ترك النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للشيء مع وجود سببه في زمنه يكون ترْكُه هو السنة، ففعل النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للشيء سنة، وتركه له سنة مع وجود سببه.
ومن القواعد:
أن أقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها.(1/269)
فإذا وافقت الدليل من الكتاب والسنة فهي حق فتقبل، وإن خالفته فلا تقبل ولا يعمل بها، ولكن العالم معذور ومأجور على اجتهاده، ولكن لا يجب علينا أن نأخذ بقول عالم خالف النص فيه مجتهدًا، وإن كان فيه معذورًا مأجورًا لكونه مجتهدًا، بل الواجب الأخذ بما دل عليه الدليل؛ كما قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وكما أوصى العلماء والأئمة بالأخذ بالدليل وترك أقوالهم إن خالفت الدليل.
فوائد في أصول الفقه 3
المعارضة نوعان:
معارضة في الحكم، ومعارضة في الدليل؛ فالمعارضة في الحكم: نفي قول المستدل أو إثبات نقيضه بدليل آخر، والمعارضة في الدليل بيان انتقاضه أو انتقاض مقدمة من مقدماته، ويقال هذا معارضة في مقدمة الدليل: نقض التأسيس 439 رقم 5.
الحجة المستقلة بنفسها في المطلوب لا تصلح أن تجعل دليل بعض مقدمات دليل المطلوب؛ لأن هذا تطويل وعدول عن سواء السبيل. نقض التأسيس مطبوع ج،ص 193.
المعارضة بالمثل أن يأتي بحجة مثل حجته.
الدليل الدال على المدلول عليه، ليس من شرط دلالته استدلال أحد به، بل ما كان النظر الصحيح فيه موصولا إلى علم فهو دليل، وإن لم يستدل به أحد.
قياس الأولى في حق الله -تعالى- في خمسة أمور:
1-الإثبات.
2-النفي.
3-الخبر.
4-الأمر.
5-النهي.
وهو من معنى قوله تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى في سورتي النحل والروم، أي: الوصف الكامل.
والأمثلة في بيان تلبيس الجهمية آخر القسم الأول من أقسام تأسيس الرازي وهو الكلام في الجسم في الوجه الأخير من الوجوه التي رد بها شيخ الإسلام على الرازي في المقارنة بين مثبتة الجسم ونُفاته من واحد وعشرين وجهًا، وأن مثبتة الجسم أقرب إلى الصواب من نُفاته. يُراجع
الحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية عند جمهور الأصوليين، إلا إذا دل دليل خارجي على إرادة الحقيقة اللغوية واعتبارها، فإنها تقدم على الحقيقة العرفية.(1/270)
وقال أبو حنيفة رحمه الله: تُقدّم الحقيقة اللغوية على الحقيقة العرفية.
ومن أمثلة ذلك: التوفي في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا الآية، فالتوفي معناه اللغوي: أخذ الشيء وافيًا، ومنه استوفيتُ الطعامَ، أي: أخذته وقبضته وافيًا.
ومعناه العرفي: قبْضُ الروح من الجسد، والمراد بالتوفي في الآية معناه العرفي، وهو قبض أرواحهم عند الموت عند الجمهور وعند المحققين من العلماء، والذي رجح الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية الاستعمال، فإن التوفي إنما يستعمل في العرف في قبض الروح، وهذا هو الصواب.
وقيل: المراد بالتوفي في الآية: "يتوفونهم" يأخذون عددهم وافيًا يوم القيامة، أي: الملائكة تأخذ عددهم وافيًا، ثم تلقيهم في النار؛ لأن مع الملائكة سجلات فيها أسماؤهم وأسماء آبائهم، ولكن هذا قول ضعيف، والصواب: القول الأول.
وهنا مسألة هي مزلة أقدام، فلا بد من تحقيق القول فيها، ومن الله نستمد العون والتسديد.
وهي مسألة التوفي في حق عيسى عليه السلام في قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ .
فاستدل النصارى بهذه الآية على أن عيسى قُتل وصُلب، ثم بعد ثلاثة أيام قام ورُفع إلى السماء، قالوا: فالآية فيها الوفاة أولا وهو الموت، ثم الرفع بعد ذلك.
والمراد بالتوفي في الآية معناه العرفي أو معناه اللغوي.
فالصواب الذي لا مِرية فيه: أن المراد بالتوفي قبْضُه وأخْذُه بروحه وجسده ورفعه إلى السماء، وهذا هو المعنى اللغوي للتوفي، وليس المراد بالتوفي معناه العرفي، وهو قبض الروح من الجسد، وإنما قدّم المعنى اللغوي على المعنى العرفي هنا على خلاف الأصل عند جمهور الأصوليين؛ لأنه دلت عليه السنة المتواترة.(1/271)
وظاهر القرآن على أن عيسى عليه السلام رُفع إلى السماء وهو حي؛ فإن الله -تعالى- قال: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ إلى قوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ .
أما عطف الرفع على التوفي في الآية إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ فيجاب عنه بأجوبة:
أن "الواو" لا تقتضي الترتيب ما لم يدل على الترتيب دليل خارجي، وإنما تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد يكون الثاني قبل الأول، كقوله تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ونبينا بعد نوح بدهور وأزمان، فكذلك هنا الرفع قبل التوفي الذي هو قبض الروح من الجسد، ثم التوفي بعد النزول إلى الأرض في آخر الزمان.
وهو لم يقل: إني متوفيك الآن، ويدل لذلك ظاهر القرآن أن عيسى لم يمت ولم يقتل ولم يصلب كما قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وقوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وقوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي: يؤمنن بعيسى قبل موت عيسى والله -تعالى- لم يقل: إني متوفيك الآن، بل أخبر أنه متوفيه وهو صادق.
فهذا الجواب الأول أن التوفي قبض الروح من الجسد، لكن الرفع إلى السماء قبل الوفاة، والوفاة بعد النزول من السماء، و"الواو" لا تقتضي الترتيب.
أن المراد بالتوفي: قبضه بروحه وجسده ورفعه إلى السماء، وهذا هو المعنى اللغوي للتوفي: أن المراد بالتوفي في الآية: النوم، والمعنى: أن الله أنامه وألقى عليه النوم، ورفعه وهو نائم لئلا يستوحش من رفعه في حال اليقظة، فبالنوم تزول الوحشة.
والنوم يسمى وفاة، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وقال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا .
فهذه ثلاثة أجوبة معروفة لأهل العلم في الآية.(1/272)
فوائد في أصول الفقه 4
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذه القاعدة دل عليها الكتاب والسنة واللغة.
ومن أمثلة دلالة الكتاب العزيز عليها: قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فإن سببها طواف المشركين بالبيت عراة، ولكن حكمها عام في وجوب ستر العورة عند كل صلاة في أي مكان، فإن "كل" من صيغ العموم.
ومن أمثلة ذلك في القرآن أيضًا قوله تعالى: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا فإن سبب نزولها مجادلة الكفار في القرآن، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ بعمومها واستشهد بها لما أمر عليًّا وفاطمة بالصلاة في الليل، فقال علي أنفسنا بيد الله إن شاء بعثها، فولى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يضرب فخذه بيده ويقول: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا .
ومن أمثلة ذلك في السنة: ما ثبت في الصحيحين أن رجلا من الأنصار أصاب من امرأة قُبلة ونحوه من الضم واللمس دون الجماع فندم، فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أصبتُ حدًّا فأقِمْه عليَّ؛ فأنزل الله: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ الآية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أصليتَ معنا؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد غُفر لك، فقال الرجل ألي خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل للناس عامة ، ففي الحديث الحكم عام للأمة؛ وإن كان سبب نزولها خاصا بالأنصاري.
ومن أمثلة ذلك في اللغة: لو كان للرجل أربع زوجات، فأغضبته إحداهن والأخريات مُرضيات له، فقال بسبب التي أغضبته أنتن كلكن طوالق، فإنه يقع الطلاق عليهن، وإن كان سببه واحدة منهن.
فوائد في أصول الفقه 5
قاعدة مقررة في علم الأصول وهي:(1/273)
إن النص من الكتاب والسنة إذا جاء مبينًا لحقيقة واقعة فإنه ليس له مفهوم مخالَفة، ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا السلطان: الحجة والبرهان، والله -تعالى- لا ينزل سلطانًا بالشرك البتة، وإنما هذا القيد لبيان الواقع، أي: واقع المشركين أنهم يشركون بغير حجة ولا برهان، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ لأن البغي والعدوان لا يكون بحق أبدًا، وإنما هذا لبيان الواقع، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ فإن قتل الأنبياء لا يمكن أن يكون بحق أبدًا، وإنما هذا لبيان الواقع، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فإن الإله الآخر مع الله لا يكون به برهان أبدًا، وإنما هذا لبيان الواقع.
شيخ الإسلام ابن تيمية مجتهد مطلق لا مجتهد مذهب.
من حفِظَ حجةٌ على مَن لم يحفظ من الصحابة ومن غيرهم، والسنة حاكمة على كل أحد من الصحابة ومن غيرهم، فمن خالفها لا يؤخذ بقوله ولو كان أبو بكر أو عمر أو عائشة أو فاطمة أو غيرهم.
والحجة كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الأمة، فيجب على العالم أن يطلب الدليل وأن يعمل به، ولا يجوز له العمل برأيه وهواه.
وإن عمل به معتقدًا أنه يجوز له العمل به من دون شريعة الله كان مرتدًّا وجب قتله.
شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يقال: إنهم حنابلة؛ لأنهم يوافقون الإمام أحمد في الأصول لا أنهم يقلدونه في الفروع.
والأصول: هي الأخذ أولا بالكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم القياس، ثم قول الصحابي.. إلى آخره.
إذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء ثم فعل خلافه حمل الأمر على الندب والاستحباب، وحمل فعله على بيان الجواز، وصارفًا للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب.(1/274)
ما كان من باب الطلب والإيجاد، يختلف عما كان من باب الترك والإزالة، فما وجب فعله يختلف عما وجب تركه.
مثال ذلك: لو صلى بغير وضوء ناسيًا حدثه أو أكل لحم جزور لم يعلم به ثم علم، أو ذكر حدثه، فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن هذا من باب الطلب والإيجاد، بخلاف ما إذا صلى وعليه نجاسة ناسيًا، أو جاهلا ثم علم بعد الصلاة فإنه لا يعيد الصلاة بل صلاته صحيحة؛ لأن هذا من باب السلب والترك.
التروك والسلوب أخف من باب طلب الشيء وإيجاده، وإذا علم بالنجاسة في الصلاة فإن استطاع أن يلقي الثوب التي فيه، كما لو كانت في الغطرة أو منديل أو في الثوب الأعلى ألقاه واستمر في صلاته، وإلا أزال النجاسة واستأنف الصلاة.
والدليل على هذه القاعدة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبره جبرائيل أن في نعله أذى أو نجاسة وهو في الصلاة خلع نعليه في صلاته ولم يستأنفها.
فوائد في التفسير
فوائد في التفسير 1
قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى هذه الآية عامة يخصصها: حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ متفق عليه وهذا العذاب الله أعلم بنوعه وكيفيته، وجاء في بعض الأحاديث أنه يقال له: "أنت كذا وأنت كذا" اضغط هنالما يقوله النائحون والباكون: إنه كذا إنه كذا.
وقال الجمهور من أهل العلم: وهو اختيار البخاري كما في تراجمه في كتاب الجنائز: إنه يعذب إذا أوصى بذلك أو رضي به، أما إذا نهاهم ولم يرض فلا، لكن الأول هو الأقرب.(1/275)
شعيب صاحب قصة موسى -عليه السلام- الذي زوجه إحدى ابنتيه، قال بعض المفسرين: إنه شعيب النبي، وقيل: إنه غيره وهو الصواب الذي اختاره الحافظ ابن كثير في تفسيره، وقال: إن شعيب النبي -عليه السلام- زمنه متقدم على زمن موسى وأن شعيب زمنه قريب من زمن لوط عليه السلام ولوط عليه السلام آمن بإبراهيم عليه السلام، فهو في زمنه، واستدل بقوله تعالى عن شعيب عليه السلام: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال في تفسير الآية: وما قوم لوط منكم ببعيد زمانًا ومكانًا. ا.هـ شيخنا.
فوائد في التفسير 2
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في التفسير في مجموع الفتاوى في - مقدمة التفسير - قواعد نافعة منها:-
أن ما يذكره العلماء والمفسرون من الأقوال لبعض السلف في معنى آية، جزء من معناها فلا ينافي ذلك أن تشمل هذا المعنى الذي ذكروه وتشمل غيره.
إذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بفاصل كالكاف مثلا أو غيرها؛ فإن تاء التأنيث التي في آخر الفعل تُحذف، مثل: إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ .
فحذفت التاء من الفعل، فلم يقل: "جاءتكم" لأنه فصل بين الفعل والفاعل "المؤمنات" بفاصل "الكاف".
في قصة بدر وأُحد قوله: "مردفين" لا يلزم من الإرداف أن يكون الملَك رديفًا للمسلم على فرسه، بل قد يكون بعده.
وقوله: مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ قُرئت: مُنْزلين، وقرئت: منزَّلين، وقوله: "مسومين" أي: معلَّمين.
قوله -تعالى- في سورة الأنعام: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ .
تعقلون، ثم تذكرون، ثم تتقون؛ قيل: إن الحكمة في ختم الآيات الثلاث بهذه الجمل أن من تعقّل تذكّر ثم عمل فاتقى.
قوله تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ المعنى: مقامات إبراهيم ؛ لأن مقام إبراهيم مفرد مضاف فيعم، والمراد بمقامات إبراهيم المناسك التي قام بها، كما قال بعضهم: الحج كله مقام إبراهيم وقيل: الحجر، وقيل: المشاعر.(1/276)
قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ يرد ضُمِّن معنى " يَهِمُّ "؛ ولهذا عدي بنفي في قوله " فيه ".
وهذا من خصائص الحرم أن من هَمَّ فيه بإلحاد بظلم أذاقه الله من العذاب الأليم، وقد يقال: المعاصي كلها من الإلحاد، فليحذر العبد من المعاصي.
قوله تعالى وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فُسِّرت بتفسيرين:
1- طهِّر أعمالك من الشرك، كما قال تعالى وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ بعد قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا فسمى الأعمال لباسًا، فالأعمال تسمى ملابس.
2- طهّر ملابسك من النجاسات.
يوسف بن ماهَِك بفتح الهاء وكسرها، وهي كلمة فارسية معربة ومعناها: "قُمَيْر" تصغير "قمر". راجع فتح الباري ج8 ص576.
فوائد في التفسير 3
التجويد والتزام أحكامه التي ذكرها أهل التجويد مستحب وليس بواجب فليُعلم، وأما قول ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجوِّد القرآن آثم
فهذا قول لبعضهم، والصواب: أنه مستحب لا واجب.
التجويد والالتزام بأحكام التجويد مستحب وليس بواجب؛ لأنه تحسين للقراءة، وإنما الواجب إخراج الحروف من مخارجها، ويقرأ قراءة صحيحة، فلا يرفع منصوبًا ولا ينصب مرفوعًا ونحو ذلك.
آية الزمر: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا هذه الآية عامة مطلقة، فهي للتائبين.
وأما آية النساء: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فهي عامة مخصوصة مقيدة.
فلما عمم -سبحانه وتعالى- وأطلق في آية الزمر، وخصص وقيد في آية النساء علم أن آية الزمر في التائبين من الشرك وما دونه، وأن آية النساء عامة في جميع الذنوب التي لم يتب منها، وهي دون الشرك فهي تحت المشيئة.(1/277)
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً المراد: الإكراه، فإذا أكره على الكفر، جاز له ذلك إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ويفسر ذلك قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ .
فوائد في التفسير 4
قال الله تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ لم يقل الله هنا: لم يقل لهم أخوهم شعيب ؛ لأنه نسبهم وأضافهم إلى عبادة الأيكة وهي الشجر، فلما أضافهم إلى عبادة الأوثان، لم ينسب شعيب إلى أخوتهم، بخلاف قوله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فإن مدين اسم للقبيلة واسم أيضًا للبلدة، فأخبر أن شعيبًا أخاهم، والمراد الأخوة في النسب، كما قال في المرسلين نوح وهود وصالح ولوط إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ والمراد: الأخوة في النسب. قاله شيخنا نقلا عن ابن كثير .
قال تعالى عن شعيب عليه السلام: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال ابن كثير ليسوا ببعيدين زمانًا ومكانًا.(1/278)
قوله تعالى عن شعيب عليه السلام: وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ المعنى: أن قوم شعيب يقطعون الطريق على الناس الحسي والمعنوي، فهم يقطعون الطريق الحسي على الناس ويأخذون عُشر أموال الناس وهي المُكُوس، ويتوعدون من يمتنع ويقولون: سنفعل وسنفعل، ويقطعون الطريق المعنوي: فهم يصدون عن سبيل الله من آمن، وهم يطففون المكيال والميزان، ويأتون في ناديهم المنكر، فهم جمعوا هذه الشرور كلها مع الشرك بالله تعالى، نسأل الله العافية والسلامة.
قاعدة مهمة:
المجمل من الآيات والمتشابه يُرَدّ إلى الآيات المحكمات الواضحات والمجمل من الأحاديث والمتشابه يُرَدّ إلى الأحاديث المحكمات الواضحات أو إلى الآيات الواضحات، وكذا الآيات تُرَدّ إلى الأحاديث الواضحات.
فوائد في التفسير 5
على آية الإيلاء:
قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
عن ابن عمر رضي الله عنهما إذا مضت يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء .
تفسير الصحابة في مثل هذا له حكم الرفع عند الشيخين البخاري ومسلم كما نقله الحاكم .
المتشابه في القرآن نوعان:(1/279)
أحدهما: تشابه عام، وهو أن تكون الآية متشابهة على كل أحد، وهذا يرد إلى المُحكَم الواضح البيِّن فيفسر به فيزول الاشتباه، فيكون واضحًا مبينًا؛ لأن الله وصف القرآن بأنه كله بيان وهدى ومبين. ومثال ذلك قوله: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ يُرد إلى قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ويفسر "نحن" بالواحد المعظِّم نفسه، أما تفسير الرازي وأمثاله للمتشابه بالمجمل أو المشترك الذي لا يعرف معناه فهو تفسير باطل.
الثاني: تشابه خاص: وهو أن تكون الآية متشابهة على بعض الناس، فهذا تشابه إضافي نسبي، ولا يختص بشيء دون شيء، ومثال ذلك أيضًا قوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ تُرد إلى قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ .
ويفسر قوله: فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ أي: علمه في السماوات والأرض؛ بدليل قوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ .
ومثال ذلك قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يرد إلى الآيات السابقة، وتفسر الآية بأنه معبود في السماء ومعبود في الأرض، وهذا معنى قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .
ومن علامة أهل الزيغ الاستدلال بالمتشابه وترك المحكم كما قال -تعالى- في هذه الآية: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ .(1/280)
وأما أهل الحق فيردون المتشابه إلى المحكم فيفسرون به، ويؤمنون به ويعملون بالجميع كما قال -تعالى- في هذه الآية: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أما قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ فالمعنى: متشابه في البيان والإيضاح والإحكام والتناسب، وأما قوله: "مثاني" أي: أنه تثنى فيه القِصص والأخبار وصفات أهل الجنة وأهل النار وصفات المتقين والفجار.
فوائد في التفسير 6
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المعنى: أنه صدق عليهم إبليس ظنه، في قوله فيما حكى الله عنه: وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ؛ لأنه قال ذلك عن ظن، فصدق عليه ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين.
قول الله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ لها تفسيران عند العلماء:
1- أن المعنى: لا تراه الأبصار في الدنيا، ولا تدركه في الدنيا.
2- أن المعنى لا تدركه الأبصار في الآخرة وإن كانت تراه، فالأبصار تراه في الآخرة ولكنها لا تحيط به رؤية، كما أن القلوب تعلمه ولكنها لا تحيط به علمًا، كما قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا فنحن نعلم ربنا متيقنين، ولكننا لا نحيط به علمًا، ولا ندرك حقيقة ذاته وكنهها وكيفيتها.
الإحاطة قدر زائد على الشيء العام، فهو أخص منه، ولا يلزم من نفي الأعم نفي الأخص ولهذا أمثلة:
ـ رؤية الله للمؤمنين في الآخرة واقعة كما قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ولكن الإحاطة به رؤية منفية في قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فهو يُرى ولا يُحاط به رؤية لكمال عظمته وكونه أكبر من كل شيء.(1/281)
العلم بالله واقع في القلوب فهي تعلمه يقينًا ولكنها لا تحيط به علمًا لكمال عظمته وكونه أكبر من كل شيء، كما قال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ولا تدرك حقيقة ذاته وكنهها وكيفيتها على ما هي عليه.
فكما أن صفات الله لا نكيفها فكذلك ذات الله لا نكيفها، فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فالله -تعالى- معلوم معروف لكل أحد، تعلمه القلوب وتقر به الألسن، لكن معرفة الحقيقة -حقيقة كنهه- وماهيته وكيفيته لا يعلمه إلا هو، وإن رآه المؤمنون يوم القيامة، كما أن من رأى القمر لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته، فالعظيم أولى بذلك وله المثل الأعلى.
قيل: هذا هو الإدراك المنفي في الآية لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وقيل: المنفي في الآية هو رؤية العظمة والجلال، وقيل: على ما هو عليه، فإن ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشيء .
فالكفرة يعلمون ربهم كما قال -تعالى- عن موسى أنه قال لفرعون لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وقال عن إبليس: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ولكن هذه المعرفة لا تجعلهم مؤمنين ولا تدخلهم في الإيمان إلا عند الجهم بن صفوان فإن الإيمان عنده: معرفة الرب بالقلب، والكفر عنده: الجهل بالرب بالقلب، وهذا القول من أبطل الباطل.
ـ فرعون وقومه دخلوا البحر فانطبق عليهم، لكنهم يطمعون في النجاة، ثم أدركهم الغرق فأيقنوا الهلاك، كما قال -تعالى- عن فرعون: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ فإدراك الغرق قدر زائد على دخول البحر وانطباقه عليه، إذ الإدراك إحاطة الماء به من جميع الجهات فتيقن الهلاك بعد الإدراك.
فوائد في التفسير 7
تفسير الصحابي إذا كان له تعلق بسبب النزول فله حكم الرفع عند جمهور المحدثين، ومثال ذلك ما روى مسلم في صحيحه:(1/282)
وحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً إِلَّا الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً إِلَّا أَنْ تُعْطِيَهُمْ الْحُمْسُ ثِيَابًا فَيُعْطِي الرِّجَالُ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ، وَكَانَتْ الْحُمْسُ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ قَالَ هِشَامٌ فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الْحُمْسُ هُمْ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ لَا نُفِيضُ إِلَّا مِنْ الْحَرَمِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ .
وروى إبراهيم حَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مَحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ح و حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابن عباس قَالَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ .
فهذا التفسير من ابن عباس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يجب ستر العورة في الصلاة والطواف .
فوائد في التفسير 9(1/283)
قال بعض العلماء على آية: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
الآية عطف بعضها على بعض، وإن كان المعطوف داخلا في المعطوف عليه، فبعضها داخل في بعض، إذ الإثم والبغي والشرك داخل في الفواحش وعمومها؛ لأن مظالم العباد بعضهم مع بعض والاعتداء عليهم يكون في ستة أشياء في البدن وفي النسب وفي الدين وفي العرض وفي العقل وفي المال، فالاعتداء على الإنسان يكون:
- في البدن.
- وفي النسب.
- وفي الدين.
- وفي العرض.
- وفي العقل.
ففي قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ المراد بذلك: الزنا ظاهرًا وباطنًا، وهذا اعتداء على الأنساب، وقوله: "الإثم" المراد بها: الخمر وهي اعتداء على العقول، وقوله: وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ المراد بها: الاعتداء على الأبدان وعلى الأعراض وعلى الأموال، وقوله: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا المراد بها: الاعتداء على الدين، وعليه فانتظمت الآية بذلك مظالم العباد الستة.
قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فالأمة لها أربعة إطلاقات في القرآن.
1- تطلق على الجماعة الكثيرين المجتمعين على ملة ودين وشريعة وطريقة، وهذا أشهر إطلاقاتها كهذه الآية: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ وكقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ وكقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا وكقوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا .
2- تطلق على الدين والملة والطريقة والشريعة، كقوله تعالى: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وقوله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً .(1/284)
3- تطلق على البرهة من الزمان والقطعة من الوقت، كقوله تعالى: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ وقوله: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ .
4- تطلق على الإمام الذي يقتدى به في الخير، كقوله -تعالى- عن إبراهيم عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً لأنه إمام يقتدى به في الخير والدين، كما قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ الشنقيطي .
فوائد في التفسير 10
قال تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أي: ما نفعكم جمعكم واستكباركم، فالغِنا في الآية معناه: النفع،والغنا فيه خمس لغات: ـ
1- الغِنا: بكسر الغين والمد، وهو المطرب قبّحه الله.
2-الغَنا: بفتح الغين والمد، وهو النفع.
3-الغِنى: بكسر الغين والقصر، وهو ضد الفقر.
4-الغَنى: بفتح الغين والقصر، مصدر غَنَى يغْنِي غنًى وهو الإقامة، ومنه قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ وقوله: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا .
5-الغُنى: بضم الغين والقصر، مصدر كالغُنية وهو اقتناء الشيء والاستغناء به عن الناس.
وأما الغُنا بضم الغين والمد فلا يوجد في اللغة.(1/285)
قوله تعالى: فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "مدينين" أي: محاسبين، والدين الجزاء والحساب، ومنه: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ومعنى الآية: إن كنتم لا تؤمنون بالبعث والجزاء والحساب فردّوا الروح إلى مكانها من الجسد إن كنتم صادقين في تكذيبكم بالجزاء والحساب.
قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "لعلّ" تأتي في القرآن لمعنيين:
1- قال بعض العلماء: هي على الترجي، ولكن الترجي بحسب ما يظهر للناس، أما الله فهو عالم بما كان فلا يصدق عليه الترجي، كقول موسى وهارون فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى أي: على رجائكما وعلم بني آدم القاصر، أما الله فهو عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى.
2- قال بعض العلماء: إن كل "لعل" في القرآن مشتملة معنى التعليل بمعنى لأجل، وعليه بمعنى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي: لأجل أن تتذكروا وتتعظوا بآياتنا وغرائب صنعنا وعجائبنا.
فوائد في التفسير 11
ينقل ابن كثير عن ثلاثة مفسرين دائمًا:
1-الإمام الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم .
2-الحافظ أبو بكر ابن مردويه .
3- السدي الكبير وهو ثقة، أما السدي الصغير فهو كذّاب، وسند السدي الكبير في التفسير هو عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وهو سند صحيح.
في تفسير سورة الذاريات أخرج عبد الرزاق عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليًّا عن أشياء فقال: ويلك! سل تفقهًا ولا تسل تعنتًا. فتح الباري ص 599 ج 8 وله شاهد مرفوع أخرجه البزار وابن مردويه بسند لين عن عمر .(1/286)
قال الله -تعالى- عن إبليس: وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ وقول إبليس هذا هو ظن منه وتوهم، وقد وافق في ذلك الواقع، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثم بين الله -تعالى- حكمته في تقديره اتباع الأكثر له، فقال: وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ .
قول الله تعالى يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ قيل: المراد به المصائب والأعمال المعلقة بأسبابها، أما الموت، وأهل الجنة وأهل النار، ممن علم الله أنه يقع فلا بد من وقوعه ولا حيلة في منعه.
وقيل: النسخ إنما هو في الشرائع والأحكام لا الأخبار وقيل: مما في كتب الحفظة ويوافق ما في اللوح المحفوظ، والأول أقرب.
معنى قوله تعالى: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ ظاهر الآية: هدم الله بنيانهم من أصله، والقواعد جمع قاعدة: وهي الأساس، أي: هدمه عليهم حتى أهلكهم، وكان بعضهم يقول: هذا مثل للاستئصال. بيان تلبيس الجهمية ح1 ص142.
فوائد في التاريخ
فوائد في التاريخ 1
بُويِعَ عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- بعد موت يزيد بن معاوية حيث بايعه أهل الحجاز ثم بعد شهرين من موت يزيد بن معاوية بايع أهل الشام ومصر والعراق لمروان بن الحكم ثم توفي، فبويع لابنه عبد الملك بن مروان وعليه فيكون الإمام هو عبد الله بن الزبير ويكون مروان بن الحكم خارجًا عليه، ثم ابنه من بعده عبد الملك بن مروان خارجًا أيضًا، ثم قاتل عبد الملك بن مروان عبد الله بن الزبير وأرسل الجيوش لقتاله بواسطة أميره الحجاج بن يوسف ثم قتل عبد الله بن الزبير على يد جيش الحجاج عام ثلاث وسبعين من الهجرة، فتمت البيعة لعبد الملك بن مروان في جميع الأمصار، ومدة حكم عبد الله بن الزبير تسع سنين.(1/287)
في هزيمة المسلمين ومصيبتهم في أُحد حِكم وأسرار وفوائد منها:
1- أن الأخيار يُبتلون ويُنال منهم، وفي الحديث: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه الحديث أخرجه أحمد وغيره.
2-وجوب الأخذ بالأسباب الشرعية ووجوب إعداد العدة للعدو والجهاد قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ .
3-وجوب أخذ الحذر من العدو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ وقوله وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ولو كان أحدٌ يُنصر لمجرد فضله ومنزلته عند الله ، لنُصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته؛ فهو أفضل الناس وخاتم الأنبياء والمرسلين، ومعه الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، لكن حكمة الله اقتضت أنه لا بد من فعل الأسباب وأخذ الحذر.
4-الابتلاء والامتحان ليتميز الصادق من الكاذب والمؤمن والكافر، ولو كان المؤمنون ينصرون دائمًا لأسلم الناس كلهم وآمنوا ولم يبق كافر، لكنه الابتلاء والاختبار قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ليعلم الله المؤمن من الكافر علم ظهور ووقوع بعد علمه علمًا غيبيًّا لا يعلمه الناس ولا يظهر لهم.
5-الإدالة في الحرب وكونها سجالا؛ يوم للمؤمنين ويوم عليهم قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ .
6-اتخاذ الشهداء من المؤمنين: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ .
7-تمحيص المؤمنين وتكفير سيئاتهم: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا .(1/288)
8- محق الكافرين، وإزالة كفرهم وشرهم: وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ وقد بيّن الله هذا الحكم وأشار إليه في قوله -تعالى- في سورة آل عمران إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ .(1/289)