قضايا سياسية ساخنة 3
فقهُ المرحَلَة
تقنين الواقع السياسي العراقي في ضوء الأصول الشرعية
قال صلى الله عليه وآله وسلم : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ"
رواه البخاري برقم (1842)ومسلم برقم (3455)
بقلم: عبد الله الرشيد
1426هـ - 2005م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هذا هو الإصدار الثالث من سلسلة ( قضايا سياسية ساخنة ) وقد جعلته في مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة :
أما المقدمة ، فقد ذكرت فيها مباحث الرسالة ومحاورها العامة.
وأما المطلب الأول : فقد خصصته للتعريف بأهل السنة في العراق وهو يتضمن :
- التعريف بأهل السنة في العراق .
- التعريف بمواقف : ( هيئة علماء المسلمين ) .
- الخطوط العريضة للمنهاج السياسي للهيئة ضمن المرحلة القائمة .
وأما المطلب الثاني ، فقد تناولت فيه جملة من المفاهيم السياسية المهمة ، وهي :
- تعريف السياسة في النظر الشرعي .
- الشباب وتعلم السياسة .
- ضوابط الاشتغال بالسياسة .
- قواعد النظام السياسي في الإسلام .
- مصادر السياسة الشرعية وسماتها .
وأما المطلب الثالث ، فقد ذكرت فيه الحكم الشرعي لبعض القضايا السياسية المهمة ، وهي :
- أولاً : حكم المشاركة في الانتخابات .
- ثانياً : جدوى الانتخابات ، وحكم اليمين ، ودفع المال في الترشيح .
- ثالثاً: حكم تنظيم المظاهرات السلمية .
- رابعاً : مشاركة الطلاب بالأنشطة السياسية .
- خامساً : رأي الأغلبية في الإسلام .
- سادساً : حكم الانضمام إلى الأحزاب العلمانية .
وأما الخاتمة ، فقد نقلت فيها نصيحة غالية لأحد العلماء ، وقد خص فيها أهل العراق ، وهي متضمنة لنقاط منهجية أساسية .(1/1)
وقد جرينا في هذا الإصدار على نمط الإصدار الثاني ، فنحن ننقل أقوال العلماء وأهل الاختصاص من مصادرها المعتبرة من غير أن نقحم أنفسنا في الإفتاء أو التقدم بين يدي أهل العلم ، وليس لنا إلا الجمع والتأليف بين النصوص والأقوال وتهذيبها بما يحقق المصلحة العامة ، والله اعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطيبين .
عبد الله الرشيد
abd_alrasheed@yahoo.com
9 شوال 1426 هـ
11 / 11 / 2005 م
المطلب الأول : التعريف بأهل السنة في العراق
أولاً : حقائق عن اهل السنة في العراق
أهل السنة نقاوة المسلمين، وهم خلفاء الصحابة في حماية الديانة من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والوجود السني في العراق عمره عمر الدعوة الإسلامية من القرن الأول الهجري إلى اليوم. ولإلقاء الأنوار الكاشفة على تلك الحقائق في العصر الحديث فسوف نختصر الحديث في النقاط التالية:
1. الوجود الجغرافي لأهل السنة في العراق:
من المعلوم أنّ أهل السنة يكوِّنون في العراق عمقاً واسعاً في الجغرافيا العراقية؛ فالبلاد الكردية تغطي المساحة المحاذية للحدود التركية وحدود واسعة مع إيران؛ هذا بالإضافة للعمق السني العربي الذي يحاذي ثلاث دول. فتمتد البلاد من الطرف التركي السوري على طول الحدود السورية حتى الحدود الأردنية إلى الطرف الحدودي الأردني السعودي، هذا غير مناطق بغداد، الكرخ التي تغطي مناطق واسعة جداً: الطرف الشمالي لبغداد ومروراً بالطرف الغربي إلى الطرف الجنوبي للعاصمة، وتغطي الرقعة السنية كذلك قريباً من نصف أراضي محافظة ديالى ومجالاً واسعاً من الأراضي في محافظة البصرة ومحافظة بابل، وتضم ديار أهل السنة عاصمة المعتصم (سامراء) وأم الربيعين (الموصل) وبلد العلماء قديماً (أربيل) بالإضافة إلى بغداد التي فيها أكثرية سنية تصل إلى أربعة ملايين من أصل ستة ملايين.
2. الكثافة السكانية لاهل السنة في العراق:(1/2)
السنَّة هم الأكثرية في العراق، فيزيدون على 16 مليوناً من عدد سكان العراق؛ فالأكراد 6 ملايين وكلهم سنة إلا جماعة قليلة تسكن في منطقة خانقين، ولعل منهم من يسكن في قصر شيرين الإيرانية وهؤلاء جماعة قليلة، والظن أنهم من أصل فارسي وهم يدينون بعقيدة الشيعة الإمامية، ومن الزعماء المشهورين منهم الآن إياد علاوي وسعد الشابندر. أما التركمان فهم في الغالبية سنة وتعدادهم مليونان، ويوجد فيهم قلة شيعية. فالتكوين المذهبي العراقي أكثريته سنية؛ خلافاً للمشهور الآن في الفضائيات من أنّ الأكثرية شيعية. وفي دراسة علمية لسكان العراق كانت النتائج عندي أن سكانه ذوو أكثرية سنية عربية تبلغ 10 ملايين نسمة.
وفي الإحصاء الرسمي العراقي لسنة 1997م ـ وهو آخر إحصاء عراقي ـ فيه عدد ونسب السكان من السنَّة والشيعة، وفيه أن السنة في العراق 16 مليوناً و 37396، وأن عدد الشيعة 8 ملايين و 604،19. وقد ذكر الإحصاء أن نسبة السنة 65%، وأن نسبة الشيعة 34%.
3. التاريخ الدعوي لأهل السنة في العراق:
خلال العهد العلماني الذي بدأ بسقوط الدولة العثمانية في العراق، كان لعلماء السنة منازل عالية في الدعوة والإرشاد والمواقف العظيمة؛ فالشيخ محمد الأمين الشنقيطي الزبيري كان من المشاركين في معركة الشعيبة، والشيخ ضاري الزوبعي شيخ مشايخ زوبع قصته مع الجنرال لجمن معروفة، ورفض العلامة أمجد الزهاوي لما كان رئيس محكمة التمييز تدخل الإرادة الملكية، وكان يقول لهم: إرادة الله فوق إرادة الملك، والعلامة محمد بهجة الأثري كان قد سجن ثلاث سنين في وثبة 1948م؛ وذلك لتأييده حركة رشيد عالي الكيلاني رحمه الله تعالى، والعلامة محمود شكري الآلوسي كم طلب منه المحتلون المجاملة أو الملاينة فرفض ذلك، والشيخ الفاضل محمد محمود الصواف تاريخه معروف في سجنه وهروبه أيام قاسم، والعلامة بشير الصقال سجن مراراً وهو عالم الموصل وشيخها المقدام.(1/3)
وخلال عهد البعث مُنع الاخوان المسلمون من سير عملهم، وأُرغم العلامة الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان على مضايقات في الدعوة والعمل الإسلامي، ثم ما لبث الشيخ عبد الكريم أن ترك العراق وذهب إلى بلاد أخرى، وقاموا بإعدام الشيخ عبد العزيز البدري ـ رحمه الله تعالى ـ بعد مجيئهم بسنة، وألغوا نظام الإفتاء الذي كان معمولاً به في العراق منذ قرون طويلة؛ ففي عام 1975م توفي مفتي العراق العلامة نجم الدين الواعظ ـ رحمه الله تعالى ـ فما سمحوا بخلف بعده، وقاموا بتعطيل المدارس الإسلامية للعلماء والكليات الشرعية ومنها كلية الدراسات الإسلامية، فتم إلغاؤها سنة 1975م وكانت مسائية في متوسطة الغربية في باب المعظم في بغداد، ولقد أصاب أهل السنة من إعدامات كثيرة خلال حكم البعث، كما سيأتي الحديث عنه. والمؤلفات السنية العراقية كثيرة، وقد اشتهر مؤرخ العراق الأستاذ عباس العزاوي بكثرة المؤلفات، وضيق علىه في عهد البعث تضييقاً شديداً ثم صادروا مكتبته وهي من أكبر المكتبات في البلاد العربية، وحرمته وزارة الإعلام من طبع كتبه، والشيخ الدكتور طه جابر العلواني فر منذ عام 1969م من بلده متغرباً إلى الآن وأرادوا الظفر به فنجاه الله تعالى.
فهل بعد هذا يقال إن أهل السنة قلة قليلة لا رموز لهم؟
4. شهداء أهل السنة خلال الحكم البعثي:
أولهم: الشيخ عبد العزيز البدري قتل ـ رحمه الله ـ وعمره 39 عاماً سنة 1969م بعد سنة واحدة من مجيء البعثيين، وكان لقتله صدى واسع في العراق وخارجه، وقد حرقوا جسمه بالسكاير، وهو أول نحير للعراقيين من أهل السنة. رحمه الله تعالى.
الثاني: العميد محمد فرج الجاسم، وكان من ضباط القصر الجمهوري، وكان داعية لا يلين في المطالبة بحق الدين والمسلمين في إحقاق الحق، وقد تم إعدامه في أول السبعينيات.
الثالث: العسكري السيد عبد الخالق السيد عثمان، وقد قتل بعد العميد محمد فرج، رحمه الله تعالى.(1/4)
الرابع: الشيخ محمود أبو سعدة إمام وخطيب مسجد أبي سعدة في الزعفرانية في بغداد، وقد التف الشباب حوله وسارت الدعوة على يديه في نجاح، فأقدم النظام على إعدامه وكان عالماً سنياً متبعاً للكتاب والسنة وفهم الصحابة والتابعين.
الخامس: الرائد الركن شاكر الفزع، وقد قتل مع جماعة الفريق محمد مظلوم الدليمي، والسيد شاكر كان من الشجعان الأجواد وقد كان في سنة 1991م لما رجع الجيش من الكويت حاول مراراً قتل صدام، ثم سافر إلى أربيل، وقد حاول الهجوم على صدام في قصره هناك، وهو سني متبع الدليل وحبه للصحابة والتابعين يعرفه الجميع.
السادس: الفاضل تلعة الجبوري، وكان أبوه من وجهاء الجبور وقد كان من الشباب المتحمس للكتاب والسنة في الجامعة التكنولوجية، وقد أعدم قبل حرب الخليج الثانية.
السابع: عبد الحق الموصلي، وقد كون خلية لاغتيال صدام؛ إلا أن الأمر انكشف فتم إعدامه بعد إلقاء القبض عليه.
وهذا غيض من فيض، وقد أخبرني الدكتور أسامة من الحزب الإسلامي أن عدد من يعرفهم ممن أعدمهم حكم صدام من الحركة الإسلامية 40 مسلماً ملتزماً، وهذا غير من ترك بلده وفر من حكم صدام، مثل د. طه جابر العلواني، و د. أكرم العمري، ود. حسين الجبوري العالم الأصولي، ود. سعدي الهاشمي العالم الحديثي، والشيخ الدكتور مصطفى البنجويني العالم الأصولي والشيخ العالم أحمد حسن الطه وغيرهم كثير كالشيخ الدكتور ياسين الخطيب العالم الشرعي، والشيخ الدكتور طايس الجميلي الداعية المشهور، وهؤلاء الكرام ما زالوا أحياء؛ أفبعد هذا يقال إن أهل السنة كانوا سلبيين، وليس لهم رموز وآثارهم ضعيفة ضد حكم صدام؟
5. الآفاق الفسيحة في العمل الإسلامي:(1/5)
أهل السنة في العراق لهم عمق جغرافي وعلمي، ورموز أهل السنة يغطون العراق ( على الرغم من حملات الاعتقال والاغتيال )، ومنازلهم عالية وحرمتهم معروفة؛ ولأجل هذا فالعمل الاسلامي آفاقه واسعة، والمطلوب قبل هذا وذاك وحدة الهدف للعاملين في الساحة الاسلامية، ويكون ذلك ( بالتعاون بين هيئة علماء المسلمين والحزب الاسلامي وسائر القوى الوطنية كما سيأتي بيانه في المطلوب من الهيئة ) .
فالمناسب أن يكون لأهل السنة مرجعية تجعل الهدف واحداً والعمل المشترك سمة من سمات المرحلة للمشاركة في بناء البلد والشراكة في دعم أركان البلد، وتسييد الأمن والنظام فيه، ولعل هذه النقطة طرحها الآن مما تمس الحاجة إليها؛ لأن جميع المشاريع التي تخدم الشعب والبلد إذا تمت مشاركة أهل السنة بها باعتبارهم صوتاً أكثر كثافة داخل المجتمع العراقي مما يساعد على توضيح الامور ومعرفة الأحوال على حقيقتها.
( وهيئة علماء المسلمين ) إذا أخذت وضعها كهيئه إسلامية تمثل قطاعاً واسعاً من الشعب مما يساعد على إثراء الاستعدادات في الخروج من الأزمة الحالية؛ وذلك لكثرة العلماء والمفكرين عند أهل السنة والجماعة؛ بحيث يكون هناك نشاط ( الهيئة ) في الإرشاد والدعوة الإسلامية، وإقامة المحاضن العلمية والشرعية، ودعوة العلماء للمشاركة في إصلاح البلد وتوظيف الجهود في خدمة وإصلاح الأحوال، وفي التاريخ القديم والحديث ما يشهد لاهل السنة والجماعة أنهم كانوا بمستوى المسؤولية في الأمانة والصدق، وما مظالم اليهود في الخمسينيات في سرقة محلاتهم والنهب (الفرهود) الذي شاع وقتها عنا ببعيدة؛ وكيف وقف العلامة نجم الدين الواعظ مندداً بذلك وخاطب الحكومة أن تقوم بالمحافظة على اموال اليهود.(1/6)
وهذه المزية ما زال كبار اليهود العراقيين يذكرونها بكتبهم؛ فأهل السنة ما سجل عليهم الغدر أو خيانة العهود بل تاريخهم ناصع وأيامهم بيضاء ..، والعراق بلادهم ومن حقهم المشاركة في بناء بلدهم؛ والشراكة في تدعيم الحياة السعيدة .
[أهل السنة والجماعة في العراق - حقائق وآفاق ، د. سلمان الظفيري ( ص 1-3 ) بتصرف ] .
ثانياً : هيئة علماء المسلمين في المواجهة
هيئة علماء المسلمين ، لم يكن لها وجود في ظل طغيان النظام السابق الذي لم يكن يتحمل أي منافس له، وقد جاءت في وقتها المناسب لتقطع الطريق على كل من يتاجر بدين الله سواء كان هذا التاجر فرداً أو جماعة.
وبعد الإعلان عنها جاءت التطبيقات والمواقف لتضاعف من ثقة الناس بها، وسأشير فيما يلي إلى أهم هذه المنطلقات والمواقف التي ميزت الهيئة:
1. إنها هيئة علماء أهل السنة، ومصطلح أهل السنة والجماعة يشمل كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أهل السنة والجماعة من الصحابة جميعهم والتابعين، وأئمة أهل السنة وأهل الحديث، وجماهير الفقهاء والصوفية، مثل مالك والثوري والأوزاعي، وحماد بن زيد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، ومحققي أهل الكلام" .وإذن فشيخ الإسلام لم يحصر أهل السنة والجماعة في مدرسة معينة، انظر إلى قوله "وجماهير الفقهاء والصوفية"، وقوله بعد ذكر عدد من أئمة المذاهب: "وغيرهم"، وعند ذكره للصوفية فإنه لم يقصد غلاتهم من دعاة الحلول ووحدة الوجود.(1/7)
والهيئة العراقية اتسعت والحمد لله لمصطلح أهل السنة في مفهومه العام فشملت: السلفيين، والإخوان المسلمين، والصوفيين، والمستقلين الذين لا ينتمون إلا لأهل السنة وحدهم.ومما نثمّنه للهيئة حسمها للفوضى والغوغائية عندما اختارت لنفسها الاسم الآتي: "هيئة علماء المسلمين في العراق"، لأن البعض لا يريد هذه التسمية بدافع من هواه ومجاملته لمن لا ينبغي أن تصل مجاملته لهذا الحد، لكنه يقبل هذه التسمية إذا كان من وراء ذلك منافع سياسية أو مادية، أما إن كانت لوجه الله فلا يريدها.
2. أعضاء الهيئة نخبة من أهل العلم والفضل والاستقامة - ولا أزكي على الله أحداً -.ويدل على فضلهم واستقامتهم: موقفهم من طغيان النظام السابق، فلم يكن بينهم من كان منتفعاً أو مرتبطاً به، بل كان الكثير منهم مشرداً لا يأمن على نفسه من زبانية البعث.
ومن جهة أخرى فإن موقفهم من أمريكا كان ثابتاً قبل الاحتلال وبعده، فالحرية لا تستورد على ظهر دبابة أمريكية، وأمريكا لا تضحي بأموالها وجنودها من أجل سواد عيون العراقيين، وإنما تضحي من أجل مصالحها التي تتعارض مع مصالح شعوبنا، وفي كل الحالات فهي أشد طغياناً من صدام حسين،وفلسطين شاهد على ذلك.أما الموقف الشرعي من الاحتلال، فقد بينوا فرادى ومجتمعين شرعية المقاومة، أو جهاد الدفع، وما اكتفوا ببيان الحكم، وإنما وقفوا الموقف الذي يمليه عليهم دينهم في مثل هذه الحالات.
3. إن موقف الهيئة الواضح من الاحتلال وعملائه، أكسبها ثقة المواطنين، كما وإن المطلع على معظم البيانات الصادرة عنهم، لا يجد فيها إلا الصدق والحنكة والتجرد من الأهواء والمطامع، أسأل الله لنا ولهم الثبات على الحق..(1/8)
4. وقفوا من مسألة الوحدة الوطنية موقفاً مشرفاً لم تقفه أية جهة عراقية أخرى:فهم من جهة فتحوا باب الهيئة لكل من ينتسب لأهل السنة والجماعة من الأكراد والتركمان وغيرهم.ومن جهة أخرى فقد مدوا يد التعاون للشيعة وأكثروا من إصدار البيانات التي تدعو إلى الحوار والتنسيق، وتحذر من إثارة النعرات الطائفية التي لا يستفيد منها إلا الأعداء.
5. ومن جهود الهيئة الطيبة انفتاحها على كافة الاتجاهات الوطنية- من الذين لا يقفون من الدين الإسلامي موقفاً عدائياً-، والدخول معها بحوار من أجل قيام تجمع وطني عريض يهدف إلى إخراج القوات المحتلة، وقطع الطريق على دعاة الفتنة الذين يخدمون مصالح المحتلين، وفي طليعتها تقسيم العراق إلى "كانتونات"طائفية وعرقية.
ماذا نريد من اخواننا في الهيئة ؟
أولاً: لا نريد أبداً أن تتحول الهيئة إلى حزب من الأحزاب، لأن واقعنا المعاصر يؤكد بأن الأمة لا يمكن أن تجتمع على حزب من الأحزاب، ولكنها يجب أن تجتمع على ما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آل بيته وصحبه وسلم.
-كل من يسعى إلى سيطرة حزبه على الهيئة بطريقة أو بأخرى عليه أن يعلم بأنه يسعى لهدم آخر أمل لوحدة الدعاة والجماعات الإسلامية، ولا ندري بعد ذلك متى تلوح لنا فرصة أخرى .
- أعضاء الهيئة علماء دعاة، ومن كانت هذه صفته لا يجوز أن يتعصب لحزب أو لمذهب، لاسيما وأنه يعلم بأن انتماءه للهيئة يعني تنظيم التعاون بين المذاهب والأحزاب، والاتفاق على الدليل الذي يمثل قاسماً مشتركاً للجميع، ولن يكون هذا إذا استبعد العقلية والتفكير الحزبي الضيق.
- وأخيراً نريد للهيئة أن تكون المرجعية المعتبرة عند جميع المنتمين لأهل السنة، فليتق الله كل عضو في هذه الهيئة، وليتجنب الظنون والوساوس، وليعلم بأن الله مطلع على نواياه، وقد يكون [إذا كان مخلصاً] سبباً في خروج هذه الأمة من نفقها المظلم .(1/9)
ثانياً: إن للجهاد أحكاماً لا يجوز أن يخوض بها الخائضون من أهل الأهواء. فيحللون ويحرمون وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم. والطبيعي أن ترد هذه الأمور إلى أهل العلم والصلاح، فيقولون بها كلمة الفصل لا يخشون أحداً غير الله تعالى، وهذا الذي يضمن سلامة مسيرة الجهاد من الغلو والهوى والانحراف
وهيئة العلماء هي الجهة التي يجب أن يعود إليها المجاهدون لتبين لهم الممنوع والمسموح، والمعروف والمنكر، لاسيما وأن الجميع في العراق وغيره يعلم أن الهيئة رفضت الاحتلال، وأفتت بشرعية المقاومة.
قد ترتكب أجهزة مخابرات أجنبية [لها نفوذ قوي داخل العراق] أعمالاً إجرامية فظيعة وتنسبها إلى المقاومة، أو قد تفجّر فتنة طائفية تتحول إلى حرب أهلية ... وقد يعجب هذا وذاك بعض المنسوبين للمقاومة، فيدافعون عن شرعيته ويزعمون أنه من صنعهم، ولا يدرون أنه من مكائد أعداء الإسلام. لقد تبرأت الهيئة من سياسة جز الرؤوس بالسكاكين، والتمثيل بالجثث، واستهداف الأسواق والمجمعات المدنية العامة بالتفجيرات المرعبة، وكل من لا يلتزم بفتاوى علماء الهيئة يجب التحذير منه ومن خطه ومنهجه، ولا ينبغي لأحد أن يزايد على هيئة وقفت موقفاً مشرفاً من الاحتلال وعملائه.
ثالثاً: نريد من الهيئة أن تتخذ من الشورى نهجاً لها، فليس هناك أسوأ من الاستبداد لأنه يقتل المواهب، ويبدد الطاقات، ويحول بين العضو المشارك وقول ما يعتقده، وقد يكون في قوله منفعة للأمة إذا تحول إلى قرار جماعي تتبناه هيئة لها وزنها المعتبر في الأمة.
أما القرارات فقد جرت العادة أن تتخذ بالإجماع، فإن تعذر ذلك فيكون بالأكثرية، وهذه هي الطريقة المتبعة في مجالس الإفتاء، والمجمعات الفقهية، وسائر الهيئات الشرعية، وكذلك كان الحال عند كثير من قدامى علمائنا.(1/10)
إن اختلاف وجهات النظر يثري الموضوعات المطروحة للنقاش، ويدعو إلى اتخاذ أفضل القرارات. ومع أنه لابد من اعتماد رأي الأكثرية عند تعذر الإجماع، فلا يجوز أن تتحول الأكثرية إلى نظام استبدادي بثوب ديموقراطي كما هو الحال في الدول الغربية.ومما أود التذكير به أنه ليس هناك من تعارض بين الشورى في اتخاذ القرارات واختيار المسؤولين، وبين الحرص على إبراز رموز لأهل السنة إن توفرت فيهم الشروط الشرعية اللازمة لإبراز أمثالهم. فجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عاشت أكثر من ثلاثين عاماً ولم يتولَّ رئاستها إلا شيخان: عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي الذي تولى الرئاسة بعد وفاة ابن باديس رحمهما الله تعالى.وجمعية علماء بلاد الشام عاشت ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً ولم يتولى رئاستها إلا ثلاثة علماء: كامل القصاب، وأبو الخير الميداني، ومكي الكتاني، الذي تولى رئاستها أيضاً بعد وفاة الشيخ الميداني رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جنانه. والشاهد هنا أنه صار لهذه الأسماء تأثير كبير في كل من الجزائر وبلاد الشام، ويكفي أن يدلي أحدهم بتصريح فتحسب له الحكومات ألف حساب، وهذا بخلاف كثرة تداول المسؤولين.(1/11)
رابعاً: جميل أن تتبنى الهيئة تجميع الاتجاهات المناوئة للخيانة والاحتلال، وجميل أيضاً الوقوف بوجه الشعوبيين الذين يريدون طمس هوية العراق العربية، جميل هذا وذاك، ولكن لابد من التعامل معهم وفق القاعدة التي سنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، فالقوميون يعلمون اليوم بأنهم مفلسون، وليس لهم شعبية، ولهذا فهم يتقربون من الإسلاميين، ويحاولون الوصول إلى الحكم عن طريقهم، وإذا كان لابد من الأمريكان فهم اليوم مستعدون للتعاون معهم كما تعاون سلفهم بالأمس القريب.إن الاتجاهات القومية [وبالأخص البعثية منها] المعارضة للاحتلال الأمريكي مرتبطة بنظام البعث في دمشق، ويهدف هذا النظام إلى الاستفادة مما يجري في العراق، كما استفاد من الحرب الأهلية في لبنان، ثم يدخل في مفاوضات مع الأمريكان، ومثله في ذلك كمثل النظام الإيراني. إنهم تجار حروب ودماء، وقد أتقنوا هذه الصنعة، ونحن لانريد أن نستبدل طاغوت بعث العراق بطاغوت بعث سورية، فحزب البعث كله شر. وأحسب أن الإخوة في الهيئة منتبهون إلى مكر القوميين العلمانيين وآلاعيبهم.
خامساً: ليست الهيئة معصومة من الأخطاء، ومن يبحث عن الأخطاء سيجدها سواء كان ذلك في قيادتها أو في أعضائها، وإذا استطرد في البحث فإنه سيجد أخطاءً ليست قليلة عند كل هيئة سبقتها أو ستخلفها، والسؤال المطروح كيف يكون العلاج؟!.يكون العلاج بالنصح والحوار والصبر وتجاوز صغائر الأمور، والسعي الحثيث من أجل الحفاظ على الهيئة مع تطوير أدائها. وهذا علاج ناجع بإذن الله.أما تضخيم الأخطاء، وإشهارها بين الناس، ومن خلال وسائل الإعلام، مع توجيه الانتقادات اللاذعة للرموز، والعمل على إنشاء هيئة بديلة، فهذا ليس علاجاً، وإنما هو هدم وتخريب في ظروف حرجة تمر بها الأمة.
[هيئة علماء العراق ماذا نريد منها ولها؟ ، محمد زين العابدين ، موقع منتدى السقيفة ، قسم المقالات ، بتصرف ] .(1/12)
ثالثاً : الخطوط العريضة للمنهاج السياسي للهيئة ضمن المرحلة القائمة
يقوم على ثلاث دعامات :
الأول : إخراج الإحتلال بشتى السبل والطرق المتاحة شرعاً ولا محالة .
الثاني : توعية الشعب العراقي قدر الإمكان لقضاياه وكيفية الوصول إليها .
الثالث : تأهيل الكوادر والنخب على العمل السياسي بعد خروج الإحتلال , أو حتى في زمن وجود الإحتلال وعلى الطريقة الشرعية .
المطلب الثاني : مفاهيم سياسية مهمة
* تعريف السياسة في النظر الشرعي
جاء في " لسان العرب "(6/108) لابن منظور (ت 711هـ): "وساس الأمر سياسةً: قام به،... وسوَّسه القومُ: جعلوه يَسُوسُهم" هذا في اللغة .
قال الكفوي في "الكليات" (ص 510) :
"السياسة: هي استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجِّي في العاجل والآجل، وهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في طاهرهم لا غير، ومن العلماء -ورثة الأنبياء- على الخاصة في باطنهم لا غير.والسياسة البدنية: تدبير المعاش مع العموم على سنن العدل والاستقامة" .وقال الأحمد نكري في "دستور العلماء" (2/140) :"السياسة المدنية: علم بمصالح جماعة متشاركة في المدنية ليتعاونوا على مصالح الأبدان وبقاء نوع الإنسان؛ فإنَّ للقوم أن يعاملوا النبي والحاكم والسلطان كذا، وللنبي والحاكم والسلطان أن يعامل كل منهم قومه ورعاياه كذا.ثم السياسة المدنية قسمت إلى قسمين إلى ما يتعلق بالملك والسلطنة، ويُسمَّى: علم السياسة، وإلى ما يتعلق بالنبوة والشريعة، ويُسمَّى: علم النواميس".(1/13)
وقال النسفي في "طلبة الطلبة" (ص 167( :"السياسة: حياطة الرَّعية بما يصلحها لطفًا وعنفًا".ونص بعض الفقهاء على أنَّها: فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بهذا الفعل دليل شرعي؛ فقال ابن عقيل: "السياسة: ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا نزل به وحيٌ" .ونقل ابن نجيم عن المقريزي: "أنَّها القانون الموضوع لرعاية الآداب،والمصالح، وانتظام الأموال "
وعرَّفها بعضُ المعاصرين بقوله :السياسة (Politics, policy): مِن ساس الدابة؛ إذا راضها وعني بها: رعاية شؤون الأُمَّة بالداخل والخارج وفق أحكام الشرع.السياسة الشرعية (Legal policy): عملُ وليِّ أمر المسلمين في الأحكام الاجتهادية بما يحقِّق مقاصد الشريعة، تاركًا ظواهر بعض النصوص، وذلك فيما لو كان العمل بتلك الظواهر يُؤدِّي إلى الإضرار بمصالح الرعيَّة لظروفٍ طارئةٍ.ومنه قولهم: للإمام تقييد المباح إذا كان عدم التقييد يؤدي إلى إلحاق ضررٍ بمصالح عموم الرعيّة.مثالها: الحكم بمنع بعض الأفراد من الزواج باليهودية أو النصرانية إذا كان الزواج بهنَّ يؤدِّي إلى إلحاق ضررٍ بمصالح الرعيَّة؛ كأن يكون أولئك الأفراد عاملين في السفارات، أو قواد جيشٍ، وإنما أبيح للحاكم هذا العمل من باب السياسة الشرعيَّة" انتهى.
* نتائج وملاحظات:
أولاً: السياسة لم تقتصر في الشرع على نصوص الوحيين الشريفين، بل يدخل فيها كلُّ ما يُصلِحُ شؤون الناس، وقد نقل ابن القيم في كتابه المستطاب "إعلام الموقعين" (6/512-513) و"الطرق الحكمية" (ص 15 - ط. العسكري) مناظرةً جرت بين ابن عقيل وبين بعض الفقهاء القائلين: (لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع)، بيَّن فيها الجانب الفاسد لهذا القول بتفصيل بديع، حيث قال -رحمه اللَّه تعالى- ما نصُّه:(1/14)
"وجرت في ذلك مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقهاء؛ فقال ابن عقيل: العمل بالسياسة الشرعية هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام، وقال الآخر: لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإِنْ لم يشرعه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا نزل به وحيٌ.
فإِنْ أردتَ بقولك: (لا سياسة إلاَّ ما وافق الشرع)؛ أي: لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح، وإِنْ أردتَ لا سياسة إلاَّ ما نطق به الشرع؛ فغلط، وتغليط للصحابة، فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير، ولو لم يكن إلاَّ تحريق المصاحف كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة، وكذلك تحريق عليٍّ -كرَّم اللَّه وجهه- الزنادقة في الأخاديد، ونفي عمر نَصْرَ بن حجاج .قلتُ (أي: ابن القيم): هذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضَنْك، ومعترك صعب، فَرَّطَ فيه طائفة فعطَّلوا الحدود، وضيَّعوا الحقوق، وجرَّأوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرةً لا تقوم بمصالح العباد، وسَدُّوا على أنفسهم طرقًا صحيحةً من الطرق التي يعرف بها المُحِقَّ من المُبطِلِ، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنَّها أدلة حقٍّ، ظَنًّا منهم مُنَافاتها لقواعد الشرع.والذي أوجب لهم ذلك: نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة، والتطبيق بين الواقع وبينها، فلمَّا رأى وُلاَةُ الأمر ذلك وأنَّ الناس لا يستقيم أمرهم إلاَّ بشيءٍ زائدٍ على ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العَالَم، فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شرٌّ طويل، وفسادٌ عريض، وتفاقَمَ الأمرُ، وتعذَّر استدراكه.وأفرط فيه طائفة أخرى فسوغت منه ما يُناقض حكم اللَّه ورسوله، وكلا الطائفتين أُتِيَتْ من قِبَلِ تقصيرها في معرفة ما بعث اللَّه به رسوله -صلى(1/15)
اللَّه عليه وسلم-؛ فإنَّ اللَّه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسْطِ، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحُهُ بأيِّ طريقٍ كان، فذلك من شرع اللَّهِ ودينه، ورضاه وأمره.
واللَّه -تعالى- لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، ويبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر.
بل بيَّن ما شرعه من الطرق أنَّ مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط؛ فأيُّ طريقٍ استخرج بها الحق ومعرفة العدل، وجب الحكم بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شَرَعَهُ من الطرق على أشباهها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المُثْبِتَةِ للحقِّ إلاَّ وفي شَرْعِهِ سبيلٌ للدلالةِ عليها، وهل يُظنُّ بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟!ولا نقول: إنَّ السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمرٌ اصطلاحي، وإلاَّ فإذا كانت عَدْلاً فهي من الشرع"، ثم ضرب -رحمه اللَّه- أمثلة لعمل النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسياسة الشرعية، وخلفائه الراشدين من بعدِهِ؛ فانظرها، ولا تُفرِّط بها؛ فهي "السياسات العادلة التي ساسوا بها الأُمَّة، وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها" .
ثانياً: ومع ما سبق؛ فإنَّ السياسة أصبحت تُقَيَّدُ في العصور المتأخرة بلفظة (الشرعية)! ولهذا أسباب؛ منها:
1. القول بأنَّ السياسة مقتصرة على ما وردت في نصوص الوحي، وهذا تضييق وتحجير!(1/16)
2. بالنظر إلى ما استجدَّ في حياة الناس من تغيير وتبديل، وما طرأ في حياتهم من حوادث، وما جنت أيديهم من إحداث، فوقعوا في ورطات بمقدار بُعدهم عن هدي النبوة، ولذا قسموا السياسة إلى أقسام؛ وتنوّعت هذه الأقسام بالنظر إلى مصادرها تارةً، وإلى محالّها والأماكن التي تجري فيها تارةً أُخرى.فها هو ابن خلدون -مثلاً- يُقسِّم في "مقدمته" (ص 170) السياسة إلى: (عقلية) و(شرعية)؛ فيقول -بعد كلام-: "فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء، وأكابر الدولة، وبُصرائها كانت )سياسةً عقلية)، وإن كانت مفروضة من اللَّهِ بشرعٍ يقررها ويشرعها كانت (سياسةً دينية) .
ومن هنا؛ وقع (الفراق) بين (الدين) -عقيدةً وشريعةً- و(السياسة) -ممارسة عملية الإصلاح من قِبَلِ الولاة-؛ قال ابن خلدون -أيضًا-على إثر الكلام السابق مُفرِّقًا بين (الملك السياسي) و(الخلافة) :"الملك السياسي: هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار.(1/17)
والخلافة: هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأُخروية والدنيوية الراجعة إليها".وأشار شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه اللَّه- في "مجموع الفتاوى" (20/392-393) إلى تأريخ هذا الانفصام المبتدع -النكد- بين (الشرع) و(السياسة)، فقال:"فلمَّا صارت الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس، وتقلد لهم القضاء مَن تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيًا في السياسة العادلة؛ احتاجوا حينئذٍ إلى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين، حتَّى صار يقال: الشرع والسياسة، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع، وهذا يدعو إلى السياسة، سوغ حاكمًا أَنْ يحكم بالشرع والآخر بالسياسة.والسبب في ذلك أنَّ الذين انتسبوا إلى الشرع قصَّروا في معرفة السنة، فصارت أمور كثيرة؛ إذا حكموا ضيعوا الحقوق، وعطلوا الحدود، حتَّى تسفك الدماء، وتؤخذ الأموال، وتستباح المحرمات، والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوعٍ من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم بلا هوى، ويتحرَّى العدل، وكثير منهم يحكمون بالهوى، ويحابون القوي ومَن يرشوهم، ونحو ذلك" .ومن ها هنا؛ جاء تقرير ابن القيم -رحمه اللَّه- السابق بديعًا، لَمَّا حَكَى أنَّ (السياسة) في الشرع هي: (عدل اللَّهِ ورسولِهِ)، وقال -قبل ذلك-:
"ونحن نُسمِّيها سياسة تبعًا لمصطلحهم"!فكمال الشريعة ومحاسنها في حقيقتها ولُبِّها ومعانيها، وجعل السياسة مقابل الشريعة، والنظر إليهما على أنهما نوعان مُتقابلان، وقسيمان مختلفان، ظلمٌ لكليهما.(1/18)
وقد ردَّ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه اللَّهُ- على هذا الخطأ والغلط! وبيَّن منشأ هذا المذهب الشطط! حيث قال في "مجموع الفتاوى" ( 20/391-392 ) ما نصُّه:"يوجد في كثير من خطاب بعض أتباع الكوفيين، وفي تصانيفهم، إذا احتجَّ عليهم مُحتجٌّ بِمَن قتلَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أو أمر بقتله؛ كقتله اليهودي الذي رضَّ رأس الجارية، وكإهداره لدمِ السَّابَّةِ التي سَبَّتْهُ -وكانت معاهدة-، وكأمره بقتل اللوطي -ونحو ذلك-؛ قالوا: هذا يعمله سياسةً!
فيقال لهم: هذه السياسة؛ إنْ قلتم: هي مشروعة لنا؛ فهي حقٌّ، وهي سياسة شرعية.وإن قلتم: ليست مشروعة لنا؛ فهذه مخالفة للسنة.
ثم قول القائل -بعد هذا-: سياسة؛ إمَّا أَنْ يريد أنَّ الناسَ يساسون بشريعة الإسلام، أم هذه السياسة من غير شريعة الإسلام.
فإِنْ قيل بالأول؛ فذلك من الدين، وإِنْ قيل بالثاني؛ فهو الخطأ!
ولكن منشأ هذا الخطأ: أنَّ مذهب الكوفيين فيه تقصير عن معرفة سياسة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسياسة خلفائه الراشدين.
وقد ثبت في "الصحيح" عنه أنَّه قال: "إنَّ بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء"" انتهى.مع الاعتراف والإقرار بأنَّ الفراق بينهما، أعني: الشريعة -عقيدةً وعملاً- والسياسة -تنظيرًا وتطبيقًا- واقعٌ من غير دافع، منذ زمن العباسيين، واتسع هذا الفرق بِمُضِيِّ الزمن، حتَّى ظهرا في هذه الآونة على أنهما متقابلان؛ لا صلة للشريعة بالسياسة، ولا للسياسة بالشريعة! ولا قوَّة إلاَّ باللَّهِ.
[ السياسة ، مشهور حسن سلمان ( ص2-6 ) بتصرف ] .
* الشباب وتعلم السياسة
قد أمر الله تعالى بطلب العلم، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله الازدياد منه، فقال تعالى :(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه:114]
وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من الفرائض المحتمات، فقال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" . رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني .(1/19)
والمقصود بالعلم هنا: كل علم نافع، وعلى رأس هذه العلوم علم الشريعة الغرَّاء، فعُلم بهذا أن الطب والهندسة والتربية والسياسة والاقتصاد والعلوم السياسية علوم يجب على الأمة تعلمها لما فيها من المنافع، وأن المرء يثاب على طلبها إذا قصد بذلك وجه الله تعالى. وعلى طالب أحد هذه العلوم أن يطلب ما تحتاج إليه الأمة أولاً دون غيره، وهذه العلوم النافعة قد يختلط بها أحياناً ما لا يفيد، بل قد يختلط بها ما يضر، فعلى طالب العلم عندها أن يأخذ ما صفا ويترك ما كدر، إذ يندر في هذه الأيام أن يوجد أحد هذه العلوم صافياً من الأكدار، فإن خاف من الانزلاق في مهاويها تركها وبحث عن غيرها حفاظاً على نفسه وتحصيناً لدينه، والسلامة لا يعدلها شيء. والقاعدة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
* ضوابط الاشتغال بالسياسة
نجد من المسلمين من عزل نفسه عن واقع الامة وما تمر به من فتن ومحن فترك العمل الجماعي المنظم بحجة ان ذلك سياسة وانها بدعة وحصر الاسلام في زاوية ضيقة وعزل الدين عن الدولة والحياة وان الاسلام عنده جاء فقط لتنظيم العلاقة بين الانسان وربه ولا علاقة له بالحكم وسياسة الدنيا وكأن مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام تنحصر فقط في التبليغ والتبشير والنذير وليس للدين علاقة بالحكم والتنفيذ وليس له اي تاثير في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وهذا عين ما يدعيه العلمانيون.(1/20)
وفاتهم ان فصل الدين عن الدولة وعن الحياة ليس له وجود في الدين الاسلامي الحنيف بل وجد في المجتمعات الغربية حيث ان الصراع على اشده بين الكنيسة والعلم وبين الكنيسة والدولة فرفعوا شعار (اعطوا مالقيصر لقيصر ومالله لله). وقالوا ان الدين لله والوطن للجميع وفي حقيقة الامر ان الدين والوطن لله تعالى لا شريك له.وقد بلغ اهتمام المسلمين بالدولة والحكم ان بايعوا الخليفة قبل دفنهم للرسول صلى الله عليه وسلم وهذه القضية واضحة لا تحتاج الى دليل او برهان فالاجماع منعقد من كافة علماء سلفنا الصالح على وجوب اقامة دولة الاسلام والخلافة الراشدة والفوا في ذلك الكتب الكثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ((الاحكام السلطانية) و(السلوك في سياسة الملوك) و(تسهيل النظر وتعجيل الظفر) كلها للامام الماوردي (ت450هـ)و(الاحكام السلطانية) لابي يعلى الفراء (458هـ) وغياث الامم للجويني (ت 478هـ) و(السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية) لشيخ الاسلام ابن تيمية (728هـ) وكتاب( الحسبة) له أيضاً. و(الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية( 751هـ) و(تحرير الاحكام في تدبير اهل الاسلام) لابن جماعة (733هـ) و(تهذيب الرياسة وترتيب السياسة) للقلعي (630هـ) و(بدائع السلك في طباع الملك) لابي عبدالله الازرق( 896هـ) والشهب اللامعة في السياسة النافعة لابي القاسم بن رضوان المالقي (783هـ) و(إكليل الكرامة في بيان مقاصد الامامة) لصديق حسن خان القنوجي (1307هـ) وغيرها من الكتب النافعة في هذا الباب.
ولا ينكر ذلك من له ادنى فهم للكتاب والسنة واجماع الامة وبالمقابل هناك من اعطى السياسة حقاً فوق حقها فلا شغل لهم الا السياسة والاحداث الجارية وتحليل المؤامرات الامر الذي شغلهم عن تصحيح عقائدهم وعقائد الناس واصلاح عبادتهم وتعليمهم وتربيتهم فضيعوا الاوقات والعباد ودب اليأس في الاصلاح .(1/21)
وفي هؤلاء يقول الاستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في كتابه (لماذا اعدموني ص70) : "لي فقط توجيه عام لكل الحركات الاسلامية وهو ان لا تستغرقهم الاحداث الجارية وان لا ينغمسوا فيها وفي المناورات الحزبية والسياسية فان لهم حقلاً اخر اوسع وابعد مدى وان كان بطيئاً وطويل الامد وهو حقل البعث الاسلامي للعقيدة وللقيم وللاخلاق وللتقاليد الاسلامية في صلب المجتمعات حتى يأذن الله بالجهد الطويل والصبر بقيام النظام الاسلامي وانني الاحظ شدة انغماس (وذكر احدى الجماعات الاسلامية) ومنذ نشأة الجماعة بالاحداث السياسية وقلة التفرغ للتربية".
والمخرج من هذا وذاك الفكر هو بدراسة فقه السياسة الشرعية في ضوء الكتاب والسنة واقوال سلف الامة.
الإسلام محور السياسة(1/22)
تقدم ان السياسة في المنظور الشرعي: هي رعاية شؤون الامة في الداخل والخارج بما لا يخالف الشريعة الاسلامية. فهي لا تقتصر على ما نطق به الشرع الحيكم وانما يشترط ان لا تخالف نصوص القرآن والسنة واجماع الامة وقواعد الشريعة الاسلامية واصولها العامة.ولقد جاء في نظام الرأي والفتوى والسياسة الشرعية لهيئة علماء المسلمين في العراق المادة 23: (السياسة هي الرعاية بالحفظ والاهتمام والنظر في اعقاب الامور وماتؤول اليه، والسياسة الشرعية هي رعاية شؤون الامة داخلياً وخارجياً بالاسلام وتكون من قبل الدولة متمثلة بالحكومة ومن قبل الامة متمثلة من الناس مواطني بلاد الاسلام فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً والامة هي التي تحاسب الدولة عن طريق اهل الحل والعقد اي عن طريق اهل العلم والدراية والخبرة(وجاء ايضاً في المادة 29 (الاسلام هو المحور الذي تدور حوله السياسة والسياسة الشرعية وعلى اساسه تبنى علاقة الهيئة بجميع الاطراف) وجاء في المادة 31 (تتبنى الهيئة ان السياسة الشرعية اعمال مقصودة يجب فيها التقيد بالاحكام الشرعية فلا يقام بفعل الا بعد معرفة حكمه(اذن لابد من سياسة شرعية واقعية ملائمة لزماننا شريطة ان لا تتعارض مع نص الشريعة او روحها فقد حذرنا الله تعالى من ذلك في سورة الاحزاب : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب : 36] وعليه فاننا نطالب بدستور ينص على الغاء كل القوانين التي تتعارض مع اي نص من نصوص الشريعة ، من غير أن يقرن بذلك مراعاة عدم التعارض مع الديمقراطية كما حصل هذا الخلط في مسودة الدستور التي مررت رغماً عنا بإرادة صهيوأمريكية !
* مصادر السياسة الشرعية وسماتها(1/23)
واما مصادر السياسية الشرعية في الاسلام فهي المصدر الاول القرآن الكريم والثاني السنة النبوية وتشمل حديثه وسيرته صلى الله عليه وسلم والثالث اجماع الامة لاسيما الصحابة (رضي الله عنهم) والخلفاء الراشدين والرابع الاجتهاد القائم على اصوله.واما سمات هذه السياسة الشرعية فهي:
اولاً: انها نظام رباني اسسها وقواعدها ليست من وضع البشر بل من وضع خالقهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك : 14]. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )[المائدة : 50]
ثانياً: انها نظام اخلاقي يقوم على الفضيلة واحترام حقوق الانسان.
ثالثا: انها نظام عقائدي يقوم على اساس عقيدة التوحيد.
رابعاً: انها نظام كامل شامل.خامساً: انها نظام العدالة والمساواة.
سادساً: نظام عالمي صالح لكل زمان ومكان.
* أهداف السياسة الشرعية
واما اهداف هذه السياسة الشرعية الاسلامية فهي اهداف سامية اهمها:
اولاً: اقامة الدين لله وتحقيق العبودية الخالصة لرب العالمين.
ثانياً: اقامة العدل ودفع الظلم عن الناس.
ثالثاً: اصلاح الدنيا وعمارة الارض والمتأمل لمقاصد قواعد النظام السياسي الاسلامي يجده يهدف الى ثلاثة مقاصد مهمة (درء المفاسد وجلب المصالح والحث على مكارم الاخلاق) .
* قواعد النظام السياسي في الاسلام
واما قواعد هذا النظام السياسي فهي الشورى والطاعة والعدل والحرية.
ولهذا يجب ان تكون سياستنا سياسة شرعية قائمة على اصول الكتاب والسنة وان نضع القوانين الملائمة لزماننا ومقتضيات واقعنا الحالي شريطة ان لانبيح لانفسنا سنّ قوانين تتعارض مع الشريعة أو مقاصدها، وذلك لتحقيق الغاية والهدف الأسمى وهو إقامة المجتمع المسلم لاعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة .
[فقه السياسة الشرعية في ضوء الكتاب والسنة ، ضياء الدين عبدالله محمد ، موقع جريدة البصائر ، العدد ( 114 ) ] .(1/24)
المطلب الثالث :الحكم الشرعي لبعض المسائل السياسية
* حكم المشاركة في الانتخابات
فإن حكم المشاركة في الانتخابات له حالتان:
الحالة الأولى: حين يكون نظام الحكم إسلامياً، قد خضع وانقاد لحكم الله تعالى في قوانينه ولوائحه وأحكامه وأدبياته، وكان المنتخَبون يحملون المواصفات الشرعية لأهل الحل والعقد كالعلم والعدالة والاستقامة والرأي والحكمة وكانوا أهل شوكة في الناس يحلون الأمور ويَعْقدونها، فلا مانع عندئذ من المشاركة في انتخابات هذا وصفها، ولا يوجد فارق مؤثر بينها وبين الاختيار الذي كان يتم في زمن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.
بل المشاركة فيها من إيصال الأمانة التي أمر الله بحفظها وتأديتها إلى أهلها. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [النساء:58]. ومن الأمانة، اختيار أهل العلم والإيمان وتوسيد الأمر إليهم، ففي مسند أحمد وصحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة."(1/25)
الحالة الثانية: أن يكون نظام الحكم غير إسلامي كالنظام الديموقراطي أو الشيوعي أو غيرهما من الأنظمة الوضعية المنافية للإسلام، ففي هذه الحالة الأصل هو المنع من المشاركة لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، ومنها: الركون إلى الظالمين وحضور مجالسهم واختلاط الحق بالباطل وعدم ظهور راية أهل الإيمان وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان، والله تعالى قد نهى عن ذلك كله فقال: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) [هود:113] وقال تعالى :وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]. وقال تعالى: (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(الفتح :25
ولكن إن رأى العلماء الراسخون أن المشاركة في هذه المجالس النيابية، تقتضيه مصلحة شرعية معتبرة كرفض الباطل أو التخفيف منه أو إظهار الحق أو بعضه دون الموافقة على إقرار باطل أو رد شيء من الحق
فلا مانع منه حينئذ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(ج20/ص48) : "ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحبابا أخرى .(1/26)
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر؛ بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ) [غافر:34]. وقال تعالى عنه:(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) [يوسف:39-40]. ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة . وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة، وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو أحرم. وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها: إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء،هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك". وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها(1/27)
وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات ، لكون الأهواء قارنت الآراء. ولهذا جاء في الحديث: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات. فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية.
[المشاركة في الانتخابات: حالات الجواز والمنع، د. عبدالله الفقيه ، موقع الشبكة الاسلامية ، برقم (18315) ] .
* جدوى الانتخابات ، وحكم اليمين ، ودفع المال في الترشيح
وتمام الكلام على هذه المسألة يتضح بذكر عدة أمور:
أولها: أن المسلم وإن أداه اجتهاده إلى عدم المشاركة في الانتخابات لعدم جدواها، ورأى طائفة من إخوانه الصالحين قد أقدموا على المشاركة قاصدين تمكين ما يمكن تمكينه من الخير، ودفع أو تخفيف ما يمكن تخفيفه من الشر، فإن الأولى في حقه هو المشاركة تأييداً لأهل الصلاح، لأنه قد يؤدي بتقاعسه إلى ظهور أهل الفساد وتمكنهم، وإخفاق أهل الصلاح وتأخرهم.
ثانيها: أن اختيار الفاسدين يعد من شهادة الزور، وتضييع الأمانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال: كيف إضاعتها؟ قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري.(1/28)
بل فعل ذلك من الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فقد روى الحاكم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28/247: فصل: فأما أداء الأمانات ففيه نوعان: أحدهما: الولايات.... ثم قال: فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله " وفي رواية: " من ولَّى رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين " رواه الحاكم في صحيحه، وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر روى ذلك عنه.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
ثم قال: فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس العربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال : 27] انتهى
ثالثها: حكم ما يدفع من المال لاختيار فلان من الناس وله حالتان:(1/29)
الحالة الأولى: أن يكون المال من بيت المال وهو ما يسمى بميزانية الدولة العامة، ففي هذه الحالة إن كان من أخذ المال له حق في بيت المال لكونه فقيراً أو غارماً أو نحو ذلك جاز له الأخذ. وإن كان غنياً لا يستحق من بيت المال شيئاً، فإن أخذه بقصد صرفه في وجوهه الصحيحة من حاجات المسلمين جاز، وإلا حرم عليه أخذ هذا المال. ويجب عليه اختيار الأصلح سواء أخذ المال أم لا ؟
الحالة الثانية: أن يأخذ المال من غير مال المسلمين العام كأن يأخذه من شخص أو حزب ويكون المال ملكاً لذلك الشخص أو الحزب فلا يجوز له أخذه لأنه رشوة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، وهو الواسطة بينهما، ومن أخذه فعليه رد المال إلى صاحبه، وترشيح واختيار من هو الأرضى لله تعالى.
رابعها: حكم اليمين التي أخذت من شخص على أن يختار من ليس بأهل، فهذه اليمين يجب حلها، ويجب اختيار الأصلح، وعليه أن يكفر عن يمينه.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني 9/391: "وإن كانت (أي اليمين) على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب، لأن حلها بفعل الواجب، وفعل الواجب واجب. "انتهى والله أعلم.
[الانتخابات...مدى جدواها...وحكم اليمين ودفع مال لذلك، د. عبدالله الفقيه ، موقع الشبكة الاسلامية ، برقم (24252 ) ] .
***
فتوى الدكتور العلامة عبد الكريم زيدان في جواز المشاركة في الانتخابات(1/30)
كثر التساؤل عن مدى مشروعية اشتراك المسلم في العراق في الانتخابات العامة القادمة لانتخاب الجمعية الوطنية التي تنتخب الحكومة فقامت جريدة الاعتصام بتوجيه السؤال لفضيلة الدكتور عبد الكريم زيدان فأجاب مشكوراً بالجواب الاتي : نعم يجوز الاشتراك في الانتخابات نظراً لما قد يحققه من مصالح ودرء مفاسد بناءاً على ان هذة الانتخابات تؤدي الى انتخاب اشخاص يدافعون عن مصالح الناس ودفع الضرر والظلم عنهم مثل مداهمة البيوت واخذ الآمنين بحجة التحقيق معهم دون سند قانوني لان النائب المنتخب عن الشعب يتجمع بمركز قانوني يمكنه من المطالبة بأتخاذ الاجراءات اللازمة لرفع هذا الضرر والظلم عن الناس وقد ينتج عن هذه المطالبة شيء من رفع هذا الظلم والضرر فتكون وسيلته هو الاشتراك في الانتخابات . وانتخاب الناس الصالحين امر مشروع لانه يؤدي الى غاية مشروعة وهي رفع الضرر والظلم عن الناس والقاعدة الشرعية تقول ان الغاية المشروعة تجعل وسيلتها مشروعة حسب الموازين الشرعية . ولايقال ان هذه النتيجة المرجوة من الانتخابات لاتتحقق لاسباب كثبرة منها افتقارها الى الدليل الشرعي الذي يبرر فعلها كما ان التزوير قائم ومحتمل واذا سلم الانتخاب من التزوير فأحتمال عدم تحقيق اجابة مطالبة النواب بأتخاذ الاجراءات اللازمة لرفع الظلم والاضرار عن الناس فيكون التشبث بالانتخابات والاشتراك فيها للوصول الى الغاية التي اشرنا اليها من باب التشبث بالظن والظن لايغني عن الحق شيئاً من باب الوهم والتوهم وهو لايصح دليلاً للحكم الشرعي والجواب على هذا الاعتراض بان مانقول به من جواز الاشتراك في الانتخابات ليس من باب الظن المنبوذ وانما هو من باب الظن القائم على دليل مقبول ومثل هذا الظن يكون راجحاً والقاعدة الشرعية ( الظن الراجح يقوم مقام اليقين في وجوب العمل به والأخذ بمقتضاه ) ولهذا يحكم القاضي بالاعدام على المتهم بالقتل العمد بشهادة شاهدين عدلين مع(1/31)
احتمال عدم تحقق العدالة فيهما بسبب الخطأ او الكذب ولكن كما كان الراجح الظن بصدقهما وعدالتهما وجب الحكم بموجب شهادتهما لان الظن بصدقهما هو الراجح فلا يكون مانقول به من باب الوهم والتوهم او من باب الظن الذي لايغني عن الحق شيئاً واما احتمال التزوير واحتمال عدم اجابة مطالب النواب بجميع مايطالبون به من رفع ودفع الظلم والضرر عن الناس فهذا قد يقع ولكن مع وقوعه لايمنع لتحصيل المصالح جهد الامكان وتقليل المفاسد جهد الامكان، ومن القواعد الشرعية ان المسؤولية تقع على المسلم بقدر تقصيره بما هو مطلوب منه حسب استطاعته قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : 16]. ومن اجل ما قدمناه كله نرى ان الاشتراك في الانتخابات العامة المقبلة لانتخاب الجمعية الوطنية التي تنبثق منها الحكومة أمر مندوب اليه بل يرقى الى الوجوب لان نفعه يعم الجميع بقدر المستطاع ومن ثم يكون الدعوة اليه والاشتراك فيه من الامور الشرعية المطلوبة ولكنها تحتاج الى تنسيق وتفهيم الناس أدلته الشرعية ومنها ما ذكرناه أولاً من تحقيق بعض المصالح ودرء بعض المفاسد كما ان هذا الجواز الشرعي يقوم على ما استنبطناه من السنة النبوية العملية الشريفة القائمة عل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بجزئية من نظام المشركين اصحاب السلطة في مكة في اول عهد النبوة الشريفة وهذه الجزئية هي التي نسميها بنظام الجوار ومعناه ان يقوم رجل من المشركين ذو وجاهة ومكانة ونفوذ في المجتمع المشرك ويعلن انه "قد اجار فلاناً فأجيروه" فيمتنع المشركون من الحاق الاذى بهذا الجار ولو كان مسلماً فلا يكون مانعاً من الاخذ بجزئية اجراء الانتخابات التي يأذن بها الاجنبي المحتل للعراق لتحصيل المصالح التي ذكرناها بسبب الاشتراك في الانتخابات. وهذا رأينا حسب ما نفهمه من قواعد الشريعة الاسلامية ومبادئها واحكامها "وفوق كل ذي علم عليم"، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه(1/32)
وسلم والحمد لله رب العالمين .
* حكم تنظيم المظاهرات السلمية
إن هذه المظاهرات وغيرها من طرائق التعبير عن الرأي ، وقنوات التأثير على الآخر هي وسائل يتوصل بها إلى غايات ، وليست غاية في ذاتها . وما كان على هذا النحو فإنه ينظر إليه من جهتين :
الأولى: من جهة الوسيلة المستخدمة في التعبير عن الغرض ، المتوصل بها إلى الغاية ، هل هي مأمور بها شرعا ، أم مباحة ، أم ممنوعة .
ـ فإن كان مأمورا بها فلا شك في جواز استخدامها، وذلك مثل: المشي لشهود الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين ، أو السعي في طلب الرزق، أو زيارة الأقارب والأرحام، أو في الدعوة إلى الله، ونحو ذلك .
ـ وإن كانت الوسيلة ممنوعة ، فإن كان منع تحريم فإنه يحرم اتخاذها أو التوصل بها إلى أي غاية ، حتى وإن كانت الغاية مطلوبة شرعا ، وذلك كمن يسرق ليتصدق ، أو يودع ماله بفائدة بنية التبرع بهذه الفائدة في المشاريع الخيرية ، أو ينشىء مشروعا سياحيا في بلاد المسلمين ، تمارس فيه الرذيلة، ويباع فيه الخمر، ويجلب إليه العاهرات .. بغرض التجارة .. ونحو ذلك ، فهذا ونحوه لايلتفت فيه إلى الغاية ، لأن الطريق الموصل إليها ممنوع في ذاته.فإن كانت ممنوعة منع كراهة فإنه يكره اتخاذها تبعا لذلك .
ـ وإن كانت الوسيلة مباحة ، فهذه مسألة اختلفت فيها أنظار أهل العلم بين مجيز ومانع. ومستمسك المانعين أنهم جعلوا الوسائل تعبدية ، فلا يتجاوز فيها المنصوص أو المقيس عليه والصواب -إن شاء الله تعالى- أن الوسائل - وهي الطرق إلى المقاصد- غير منحصرة ، وأنها تأخذ حكم مقاصدها ، وأن النظر في الوسائل يكون من جهة : هل هي ممنوعة أو لا؟ . وليس : هل هي مأمور بها أو لا؟. أي أننا في باب الوسائل ننظر : هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أو لا؟ ولانحتاج إلى البحث في : هل أمر بها الشارع أو لا؟ بل يكفي في الوسائل أن يكون الشارع قد أباحها أو سكت عنها .(1/33)
الثانية : من جهة المقاصد ، وذلك أننا لانحكم للوسائل ـ على التفصيل السابق ـ بحكم منفصل عن الغاية المقصودة من ورائها ، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا ، والغاية مأمورا بها من حيث هي ، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة غير ممنوعة شرعا .. فنصرة المسلم المظلوم مطلوبة شرعا . قال تعالى : (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ... ) [الأنفال: 72] وقال عليه الصلاة والسلام : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه. فكل وسيلة قديمة أو مستحدثة غير ممنوعة شرعا، يغلب على الظن أنها تحقق المقصود، لنصرة المظلوم، ورفع الظلم أو تخفيفه ، فإنها جائزة ، بل مأمور بها ، بحسب مالها من أثر .ومعلوم أن الشعوب لها طرائق مختلفة في التعبير عن آرائها ، والشرع لايمنع من استخدام تلك الطرائق ، ولا يحصر معتنقيه على وسائل بعينها ، وليس مع من ادعى غير ذلك حجة نقلية ولاعقلية ، بل مقاصد الشرع وقواعده ، ووقائع تاريخ المسلمين في الصدر الأول تشهد بخلاف ذلك .إذا تقرر هذا: فإننا لانرى مانعا من تنظيم المظاهرات والاحتجاجات على المذابح التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين ، فإن هذا أضعف الإيمان، وأقل الواجب . والله المستعان . وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله أعلم .[حكم تنظيم المظاهرات والاحتجاجات ، د. عبدالله الفقيه ، موقع الشبكة الاسلامية ، برقم (5844 ) ] .
* مشاركة الطلاب بالانشطة السياسية(1/34)
لا مانع شرعاً من الدخول في النشاطات الطلابية أو غيرها من الأنشطة الاجتماعية والسياسية، إذا كان ذلك مضبوطاً بالضوابط الشرعية، ولم يترتب على المشاركة ضرر يفوق المصلحة الشرعية المرجوة من الدخول في تلك الأنشطة. وفي مشاركة الشباب في تلك الأنشطة بيان لحقيقة هذا الدين، وأنه قد رسم لمتبعيه منهجاً متكاملاً من حيث العبادة والمعاملة والسياسة والاقتصاد... وغير ذلك. وفي مشاركتهم تدريب لهم على تحمل المسئولية، وتعويد لهم على القيام بواجب الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم، وعلى العمل العام وتحمل المسؤولية لخدمة دينهم وأمتهم ،والله أعلم.
[المشاركة في الأنشطة السياسية..رؤية شرعية، د. عبدالله الفقيه ، موقع الشبكة الاسلامية ، برقم (26772 ) ].
* رأي الأغلبية في الاسلام
إن الإسلام يحترم رأي الأغلبية في الأمور التي لا نص فيها، فإذا حصل تشاور بين أهل الشأن أو الحل أو العقد في أمر اجتهادي لا نص فيه فإن الإسلام في هذه الحالة يعتبر الأكثرية.
وكان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يشاور أصحابه كما أمره الله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )[آل عمران:159]، فإذا اتفقوا على شيء أو حصلت الأكثرية لم يخالفهم ولو كان رأيه خلاف الأكثرية، وقد نقلت كتب السنة والسيرة أمثله على ذلك منها ما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره في غزوة أحد أنه صلى الله عليه وسلم كان يرى عدم الخروج من المدينة بل يقيم فيها حتى إذا جاء العدو قاتله المسلمون داخل المدينة وعلى أطرافها.... فلما رأى الأكثرية تريد الخروج ترك رأيه ونزل على رأي الأغلبية واستقر الأمر على الخروج إلى العدو في أحد.(1/35)
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما. رواه أحمد مع أنه ضعفه بعض أهل العلم، فالقاعدة أنه إذا حصل تشاور فإن رأي الأغلبية هو المعتبر وأن على الأقلية أن ترضى بذلك فإن الشورى ملزمة على الراجح من قولي أهل العلم.
* حكم الانضمام الى الاحزاب العلمانية
لا يجوز لمسلم أن ينضم لحزب قامت أسسه على الكفر، مثل الأحزاب العلمانية والشيوعية والاشتراكية والقومية، ولو كان الغرض من الدخول فيه المنفعة المادية أو غيرها، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، وتكثير سواد الكفار، وقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني وغيره: "إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبداً أذهب آخرته بدنيا غيره".
[لا يجوز لمسلم أن ينضم لحزب قامت أسسه على الكفر، د. عبدالله الفقيه ، موقع الشبكة الاسلامية ، برقم (30626 ) ] .
الخاتمة
رزقنا الله حسنها
نصيحة غالية لأهل العراق
1. إن الحال الاستثنائية التي يمر بها أهلنا في العراق, توجب التناصر والتضافر وتبادل الرأي والمشورة والنصيحة التي هي من حق المسلم على أخيه, وليس الحديث عن موضوع كهذا تدخلاً في أمر لا يعني, بل هو قضية مطروحة على بساط الحوار والمناقشة, يتناولها الناس جميعاً مسلمهم وكافرهم برّهم وفاجرهم.وهذا البلد العريق يتعرض لتحديات خطيرة على الأصعدة كلها، ومستقبله مفتوح على كافة الاحتمالات بغير استثناء من حرب داخلية، إلى تفكك وانقسام، إلى قيام حكومة مهيمنة تابعة للمحتل. ولعل أفضل ما يتوقعه المتفائلون وجود حكم مستقر يشتمل على تمثيل نسبي للطوائف المكونة للشعب العراقي..(1/36)
2. وأعظم نصيحة هي الإخلاص لله وإرادة وجهه، والتخلي عن المطامع الدنيوية والمصالح الشخصية والحزبية والفئوية, قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]، فليعلم الله في قلوبكم جميعاً يا أهل العراق -وخصوصاً من له رتبة أو جاه أو تأثير مادي أو معنوي - التوجه الصادق والنية الصالحة، والتخلي عن حظوظ النفس واقتفاء سنة محمد عليه الصلاة والسلام؛ كما قال سبحانه (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [ الأنفال:70 ] .
وليكن من أول ذلك التعاون وإمضاء العدل والإنصاف فيما بينكم, ورفق بعضكم ببعض, وتجنب أسباب الفتن وموجباتها التي تطل برأسها في هذه المرحلة الحرجة. ومن أعظم أسباب الفتن التعاند وإعجاب كل ذي رأي برأيه, وأن يظن بنفسه الصدق والصواب, وبالآخرين الريبة وسوء النية.وهذا يمهد للحرب التي ينتظرها الكثيرون من خصوم هذه الأمة, ويسعدهم أن تقع بأيدينا لا بأيديهم.
ونحن نسمع كلاماً جميلاً في أحيان كثيرة, لكن الحاجة ماسة لتحويل الأقوال إلى أفعال..(1/37)
3. ثم إن من شروط النجاح فهم الظرف والمرحلة والواقع الذي يعيشه الإنسان فهماً جيداً؛ فإن أي طموح أو تطلع لا يعتد بالرؤية الواقعية، ولا يقرأ الخارطة بكل تداخلاتها وتناقضاتها وألوانها؛ فإنه يؤدي إلى الفشل، وإذا كان الله تعالى قال: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) [الأنفال:60] فإن من أعظم القوة قوة العقل والنظر والرؤية الإستراتيجية.وأكثر الإشكالات تأتي من جهة اختلاف الرؤية للواقع, وعدم تمثله بشكل صحيح, أو من النظر إليه من زاوية واحدة, أو من التعويل على صناعة المستقبل دون اعتداد بالحاضر, أو إدراك لصعوباته.وهذا شأن يعز إدراكه على الكثيرين، ويحتاج إلى رؤية جماعية ذات معايشة وفهم ودراية ودربة وتعقل وتجربة.وإن القفز على المراحل واستنبات التمنيات في غير محلها رديء العواقب, والتاريخ لا تصنعه الأماني التي تغر أصحابها, وإنما تصنعه الهمم الصادقة والعقول الناضجة والنظرات البعيدة والانطلاق من الواقع..(1/38)
4. إن مقاومة الغزاه المحتلين حق مشروع متفق عليه بين الناس جميعاً, وأصل الإذن بالجهاد هو لمثل هذا، كما قال سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39]. وقد قرر سبحانه سنة التدافع التي بها حفظ الحياة وإقامة العدل وضبط الشريعة، فقال: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]فالمقاومة إذاً حق مشروع، لمن يتعرض للغزو من أجل الدفاع عن نفسه وعرضه وأرضه ونفطه وحاضره ومستقبله, ضد الاستعمار الغاشم الذي يتخذ من القوة شرعية يحتكم إليها, وقد جاء الاستعمار قبلاً إلى العالم الإسلامي من مغربه إلى مشرقه, ولم يختلف الناس في مقاومته والتصدي له, والمرجع في تقرير ذلك إلى علماء البلد وزعمائه الصادقين المخلصين ورجالاته المستقلين الذين يقدرون المصالح, ولا يسيرون في ركاب الأجنبي المحتل, ولا يعني أمر الانجرار إلى الفوضى والاضطراب وتدمير متطلبات الحياة, ونشر الرعب, بل هذه فرصة يطل منها اللصوص والمنتفعون الذين يهمهم خلط الأوراق حتى يتمكنوا من تشويه الصورة وقلب الحقيقة, وقد رأينا بعض دوائر الإعلام الغربي التي تحاور ربط المقاومة بأسماء معينة لتمنع الناس من التمييز وتضطرهم إلى الرفض المطلق لها..(1/39)
5. إن من مقررات الشريعة الثابتة المستقرة - التي لا خلاف عليها بين أهل الإسلام - حفظ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.ولم يرد في القرآن وعيد على ذنب بعد الشرك كما ورد في وعيد من قتل مؤمناً متعمداً، قال الله سبحانه (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة مرفوعاً أن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ " وفي الصحيحين عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ " اسْتَنْصِتِ النَّاسَ " فَقَالَ " لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ "وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " .
ولسنا نعرف لغة أقوى وأوضح وأصدق في إقامة الحجة وقطع المعذرة عن المتأولين والمتحايلين والمتساهلين وأكثر حفظاً لدماء المسلمين وأعراضهم من هذه اللغة النبوية المحكمة. ولهذا يجب أن يحفظ هذا الأصل الذي هو حقن دم المسلم، وتحريم ماله وعرضه وعدم فتح باب التأويل في ذلك.(1/40)
6. إن من المصلحة الظاهرة للإسلام والمسلمين في العراق وفي العالم ألا يستهدف من ليسوا طرفاً في النزاع تحت أي ذريعة، كمن يقومون بمهمات إنسانية أو إعلامية أو حياتية عادية لا علاقة لها بالمجهود الحربي، وقد قال تعالى :( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ )[البقرة : 190]وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم - ترك قتل المنافقين، وعلله بقوله صلى الله عليه وسلم - " لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ".فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري مثل هذا ويدفعه بترك من قد يكون مستحقاً للقتل في الأصل فكيف بغيره؟! خاصة والإعلام اليوم قد سلط الأضواء كثيراً على مجريات الوضع في العراق، وعلى كل عمل تقوم به الجماعات التي تنسب للمقاومة.فالواجب تحري مردود الأعمال التي تقع، ومدى تأثيرها على الشعوب من المسلمين وغيرهم..(1/41)
7. إن المحافظة على وحدة العراق مطلب حيوي وضروري.وهناك أصابع خفية تحاول إيقاد نار الفتنة, وتمزيق العراق إلى طوائف, وإثارة المعارك الداخلية بين الشيعة والسنة, أو بين الأكراد والعرب.ومثل هذا الاحتراب الداخلي -الذي قد ينجر إليه المتسرعون من كل فئة- ضرر ظاهر وخدمة مجانية لليهود الذين يتسللون إلى العراق, ولقوى التحالف التي توظف الخلاف في ترسيخ سيادتها, وتسليط كل طرف على الطرف الآخر يقتل رموزه, ويفشي أسراره، والمحصلة النهائية أن كل فئة تقول : الأمريكان خير لنا من هؤلاء.ولهذا يجب أن يتواضع العراقيون جميعاً على أن حقهم أن يعيشوا بسلام بعضهم إلى جوار بعض، وهذا وضع تاريخي مرت عليه قرون طويلة, وليست هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق بالفرصة الذهبية التي يطمع كل طرف أن يوظفها لصالحه، والأولوية في هذه المرحلة هي لترسيخ وحدة البلد والمصالحة الداخلية وتجنب أسباب الفتنة والاحتراب, وكف بعض الطوائف عن بعض، فهذه مصلحة مشتركة..(1/42)
8. إذا استطاع أهل الإسلام عامة والمنتسبون إلى الدعوة خاصة أن يتجهوا إلى الإصلاح والبناء والإعمار المادي والمعنوي والأعمال الإنسانية والتربوية والعلمية والمناشط الحيوية, وكانوا قريبين من نبض الناس ومشاعرهم, متصفين بالحلم والصبر وسعة الصدر, وتركوا خلافاتهم جانباً - إذا استطاعوا ذلك - فسيكون لهم في بناء البلد وإعماره وقيادة مؤسساته تأثير كبير. والبلد الآن في مرحلة تشكل وتكون, والأسبقية مؤثرة , خصوصاً إذا صحبها إتقان لفنون الإدارة والتدريب العملي والعمل الجماعي المؤسسي.ولذا يجب الاستفادة من المساجد والمدارس وغيرها في توجيه الناس ومخاطبتهم واستثمار وسائل الإعلام، من الإذاعات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات، وإقامة الدروس والمحاضرات والحلقات على هدى وبصيرة وعلم وتأسيس صحيح، بعيداً عن التحيز والهوى والموقف الشخصي والحزبي، وبعيداً عن إقحام الناس في الانتماءات الخاصة والمواقف الضيقة، والخلافات المذهبية التي تؤدي إلى الشتات والفرقة والاختلاف والتطاحن..
9. إن الكثير من مسائل السياسة الواقعية مبناها على الاجتهاد والنظر والترجيح ورعاية جلب المصالح ودفع المفاسد, وهذا باب شديد التعقيد, شديد التشابك, مما يُحدِث الاختلاف, وإذا لم نتفهم أصول الخلاف وقعت الغيرة, وتسرع الناس في اتهام بعضهم بعضاً بالجهل أو الهوى, وترتب على ذلك أن يتحول الاختلاف إلى تفرق مذموم, تذهب معه الريح وتزول الشوكة.(1/43)
فلنتدرب على تفهم الخلاف, وتوسيع دائرة التعاذر, وإعمال حسن الظن, والإصرار على صفاء القلوب, واحترام الأكابر من أهل العلم والدعوة والخير والسابقة والفضل, من هيئات علمية أو أحزاب إسلامية, أو مجالس, أو جماعات, أو شخصيات, أو أفراد, بحيث يكمل بعضهم بعضاً, ويسد بعضهم غيبة بعض, ويتناوبون القيام بفروض الكفايات, ولا يتجزأ عامة الشباب على النيل من أعراضهم أو التشكيك في نياتهم ومقاصدهم, بل تحفظ لهم مقاماتهم وأقدارهم, حتى وإن اختلف المرء معهم, أو اختلف بعضهم مع بعض.
10. وهؤلاء يجدر بهم أن يسعوا إلى احتواء الشباب وفتح الصدور والمجالس لهم والاستماع الجاد الصادق لشكاياتهم وأحاسيسهم, والمشاورة في المسائل الكبار, والنزول عند الرأي الآخر حفظاً للكلمة ومنعاً للتفرق والتشرذم, وحرصاً على مستقبل هذا البلد العربي المسلم العظيم.
11. إن الكثير من الناس قد يغلبهم الحماس للرأي والتشبع به, حتى يظنوا أن ما يتصورونه هو الذي سيقع, وأن الناس لو أطاعوهم لرشدوا واتقوا الفتنة, وقد لا يكون الأمر بهذه السهولة, فهناك إرادات متنازعة, وتوجهات مختلفة, وقوى متناقضة, والتباسات عريضة, وأمور تدع الحليم حيراناً, ومن يستسهل الأمر فلقلة فقهه, وضعف خبرته بالسنن الإلهية, وعدم إطلاعه على التجارب والحوادث التاريخية القريبة والبعيدة.ولعل كثيراً من الصالحين المتسمين بالهدوء وعدم العجلة ممن يلقون الحكمة, فليقترب الشباب منهم, ويتركوا رأيهم إلى رأيهم, ويتهموا نظرهم, وكما قيل :
:أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى *** فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ
[ مناشدة لأهل العراق، سلمان العودة ، منتدى السقيفة ، قسم المقالات ].
تم بحمد الله
الفهرست
الموضوع
رقم الصفحة
المقدمة
2
المطلب الأول : التعريف بأهل السنة في العراق
4
المطلب الثاني : مفاهيم سياسية مهمة
14
تعريف السياسة في النظر الشرعي
"
نتائج وملاحظات
15
الشباب وتعلم السياسة(1/44)
19
ضوابط الاشتغال بالسياسة
20
الإسلام محور السياسة
21
مصادر السياسة الشرعية وسماتها
22
أهداف السياسة الشرعية
23
قواعد النظام السياسي في الاسلام
"
المطلب الثالث :الحكم الشرعي لبعض المسائل السياسية
24
حكم المشاركة في الانتخابات
"
جدوى الانتخابات ، وحكم اليمين ، ودفع المال في الترشيح
26
فتوى الدكتور العلامة عبد الكريم زيدان في جواز المشاركة في الانتخابات
28
حكم تنظيم المظاهرات السلمية
30
مشاركة الطلاب بالانشطة السياسية
32
رأي الأغلبية في الاسلام
33
حكم الانضمام الى الاحزاب العلمانية
"
الخاتمة :نصيحة غالية لأهل العراق
34
الفهرست
38
??
??
??
??
فقه المرحلة
12(1/45)