فعل القراءة
بيان الكتب: أصبحت جل الدراسات النقدية الأدبية الحديثة توجه اهتمامها إلى التأويل لا إلى التفسير، وقد بدأ ذلك باهتزاز صورة المؤلف كصوت وهيمنة، بل وصل ذلك إلى حد دحض وجوده اصلا، كما قد فعل كل من ميشيل فوكو وبارت وآخرين..
الأمر الذي عزز الاحتفالية بالجانب المهم في عملية الخطاب وهو القاريء، فهو محور التوليد الدلالي، ومحور التأويل والاستجابة الجمالية الخلاقة، بل انه كقاريء للنص يغدو منتجه الاوحد، المنتج لا المستهلك. وفي مقابل موت المؤلف ترسخت سلطة النص، وظهرت نظرية الاستقبال كنتيجة لتعاظم دور القاريء المفترض والحقيقي في انتاج المعنى وبنائه.
وان كان النقد الجديد يركز على النص، فإن اصحابه ـ ولا سيما اعلام المدرسة الالمانية ـ وسعوا مجال اهتمامهم ليشمل السياق الخارجي بأبعاده المتعددة من انتاج واستقبال وتلق، وهكذا انتقل النقد الأدبي من اطروحة موت المؤلف إلى توصيف منظومة كاملة لمقولة جديدة تعنى بسلطة النص، وقادت هذه المقولة بطبيعة الحال إلى القول بمركزية القاريء وسلطته واستجابته. وقد كانت نقطة النهاية المغلقة التي وصلت اليها المعايير الكلاسيكية في التأويل تقوم على افتراض ان كل عمل أدبي يمثل مظهر الحقيقة، التي بمعرفتها تتم قراءة العمل ونفض اليد من معناه..
ويأتي كتاب «فعل القراءة» لمؤلفه الالماني فولفجانج ايسر نظرية جديدة في القراءة، تقف عند وصف الاستجابة الجمالية التي تثير قوى التخيل والادراك لدى القاريء، فتصوغ نظرية متكاملة في شكل هذه الاستجابة وطبيعتها وتحولاتها، لتكون في حقيقتها نقداً للنمط التأويلي الذي ساد في القرن التاسع عشر ولا سيما فيما يخص قراءة الاعمال الروائية.(1/1)
القراءة كما في العنوان فعل، وهي محور هذه الدراسة، فبها تتفتح مغاليق النص الأدبي الذي اصبح ينظر اليه من حيث كونه معطى منفصلاً عن كاتبه تماما، وبالتالي فهو لا يؤدي أي استجابة الا حين قراءته، ومن المستحيل وصف هذه الاستجابة دون تحليل عملية القراءة. وبالقراءة فحسب تتحرك سلسلة كاملة من الانشطة تعتمد على كل من النص من ناحية، وعلى ممارسة بعض الملكات الانسانية الأساسية من ناحية اخرى.
وهكذا تصبح القراءة عند ايسر من حيث هي انتاج للمعنى واستثارة للذوق، عملية جدلية تبادلية ذات اتجاهين: من القاريء إلى النص، ومن النص إلى القاريء، ويغدو النص والحالة تلك مفتوحاً على كم هائل من التأويلات المتغيرة مع كل قراءة، لكن التأثيرات والاستجابات ليست سمات متأصلة في النص ولا في القاريء، فالنص يمثل تأثيراً محتملاً يتم التوصل اليه بشكل أو بآخر من خلال عملية القراءة.. من هذا المنطلق يرى ايسر ان قطبي النص والقاريء يشكلان بالاضافة إلى التفاعل الذي يحدث بينهما ارضية قد تقوم عليها نظرية للتواصل الادبي. فمن المفترض ان العمل الأدبي شكل من اشكال التواصل بالحياة وبالبنى الاجتماعية السائدة وبالأدب، وهذا التداخل في النص ليس سوى اعادة ترتيب للانساق الفكرية والاجتماعية، بما يكشف عن التواصل باعتباره هدفاً. وان أي ترتيب في أي نص ما هو الا عملية تتم من خلال عدد من التعليمات أو الاصول المحددة، وأي وصف لعملية القراءة لابد ان يلقي الضوء على الانفعالات الاولية التي يثيرها النص في نفس القاريء. وضرورة التزام القاريء بالتعليمات تشير ضمناً إلى ان معنى النص هو شيء مفكك عليه ان يجمع اجزاءه. من هنا يتحدث المؤلف عن النص الأدبي «دلالة أم تداولية؟» فيبحث بداية في دحض الاسلوبية التي كانت سائدة في التأويل، والتي كانت ترتكز على التأويل الكلي المنتهي، مما انتج نمطاً من التأويل يهتم أكثر ما يهتم بمعنى العمل الأدبي، وذلك المعنى في حقيقة(1/2)
الأمر شديد التأثر بالمعايير التاريخية النسبية والناقصة بطبيعتها، وهو ما عجل بانهيار هذا النمط من التأويل الأدبي.
وثمة اطار مرجعي ثان كان يوجه الناقد الأدبي في ظل الأسلوب القديم في التأويل، في القرن التاسع عشر، اذ كان الأدب يلعب دوراً وظيفياً بما يقدمه من وعود في حلول للمشكلات التي عجزت عن حلها الانساق الدينية والاجتماعية او العلمية في ذلك العصر، لانه كان يعوض اوجه العجز الناجمة عن الانساق التي كانت تدعي لنفسها صفة الصلاحية الشاملة، فالقاريء كان يسعى للبحث عن الرسالة الضمنية التي يحملها الأدب، ضمن معايير كانت سائدة حتى ذلك الحين، تصل إلى حد اعتبار النص الأدبي شيئاً يمكن ان يعتصر ويلقى به بعدئذ في القمامة، ان أي كتاب لم يكن يستحق صفة العمل الأدبي بحق الا اذا احتوى على رسالة.(1/3)
ويأتي الأسلوب الحديث في التأويل لينقب ويدمر في آن واحد. انه يفتش فيما وراء النص عن نص فرعي هو النص الاصلي.. فالفهم هو التأويل، والتأويل ليس الا اعادة صياغة الظاهرة بهدف ايجاد مناظر لها، ومن ثم فليس التأويل قيمة مطلقة أو ايماءة ذهنية تكمن في نطاق غير محدود من القدرات، اذ لابد من تقويم التأويل نفسه في اطار رؤية تاريخية للوعي الانساني. في حين ان التأويل الكلاسيكي كان يسعى إلى المعنى الكامن، بما يؤدي إلى تجميد العمل الأدبي بالانساق السائدة في عصره، والتي يبدو ان مصداقيتها كانت تتجسد في العمل نفسه. لذا فقد كان النص الأدبي يؤخذ على انه شهادة على روح عصره، وعلى الظروف الاجتماعية التي سادت فيه، وعلى الاضطراب العصبي لمؤلفه، وما إلى ذلك.. فكان يخضع للهبوط به إلى مستوى الوثيقة، وبالتالي يتم تجريده من البعد الذي يميزه عن الوثيقة، الا وهو الفرصة التي يتيحها لنا كي نعايش بأنفسنا السمات الحيوية للنصوص الأدبية التي يجب الا تفقد قدرتها على التواصل. وعلى الناقد من هذه الزاوية لا ان يفسر العمل الأدبي، بل ان يكشف عن الظروف التي تؤدي إلى تأثيراته الممكنة العديدة وامكاناته الكامنة. والناقد الذي يقوم بالتأويل والحالة تلك لم يعد يستطيع الزعم بأنه يلقن القاريء معنى النص، فهذا محال في غياب الاسهام الذاتي والسياق. وعملية القراءة بتعقيداتها المدهشة هي ما تنصرف الصفحات التالية إلى بحثها ومناقشتها.(1/4)
يتناول ايسر البدايات النظرية في التجربة الجمالية، مقسماً العمل الأدبي إلى قطبين، الأول فني والثاني جمالي. القطب الفني هو نص المؤلف، اما القطب الجمالي فهو عملية التخيل الادراكي التي يقوم بها القاريء. وثمة تفاعل بين الجانبين، لابد حين وصفه من الربط بين بنية التأثيرات «النص» وبنية رد الفعل «القاريء»، ويخص المؤلف رد فعل القاريء هنا باسم الاستجابة الجمالية الذاتية، التي يقوم بها القاريء بخصوصية تعني ضم النص إلى خزانة تجربته. ثم يبحث في الاعتراضات المتعددة حول نظريات الاستجابة الجمالية، وفي مفهوم القاريء الضمني، مقسماً القاريء إلى صنفين: القاريء الحقيقي المعروف لدينا بردود أفعاله الموثقة، والقاريء الافتراضي الذي قد يتم تفعيلات النص المحتملة عليه، والذي قد ينعت بالقاريء المثالي أو القاريء المعاصر. ثم يلقي نظرة فاحصة على هذين الصنفين، عارضاً لمكانتهما في النقد الأدبي، ليصل إلى ان النص الأدبي يقدم رؤية عن العالم «وهي المؤلف»، وتتكون في حد ذاتها من رؤى متباينة تسمح بالنفاذ إلى ما قصد للقاريء ان يتصوره.
ويتساءل ايسر هنا عما اذا كان يمكن لاية نظرية عن الاستجابة الجمالية ان تستغني عن الرجوع إلى علم النفس أم لا، فيناقش في هذا السياق نظريات الاستجابة الأدبية القائمة على التحليل النفسي لكل من نورمان هولند وسايمون ليسر، ليصل إلى ان اية استجابة لأي نصر لابد ان تكون ذاتية، لكن هذا ليس معناه ان النص يختفي داخل العالم الخاص لقرائه، بل يظل التفعيل الذاتي مفتوحاً، كما ان عملية تجميع معنى النص ليست عملية خاصة، فمع أنها تحشد الميول الذاتية للقاريء إلا انها تؤدي للوفاء بالشروط التي تم تركيبها بالفعل في النص.(1/5)
في الباب الثاني يتناول المؤلف الواقع الروائي كنموذج عملي للنص الأدبي، فيشرح نظرية فعل الكلام المستمدة من فلسفة اللغة العادية، في محاولة لوصف العوامل التي تحدد نجاح التواصل اللغوي أو فشله، كما تتصل هذه العوامل بقراءة القصص أيضاً، وهي عملية لغوية، بمعنى انها تتضمن فهماً للنص أو لما يحاول النص ان ينقله بايجاد علاقة بينه وبين والقاريء، وهنا تتوجه مهمة المؤلف إلى دراسة هذه العوامل ووصف العملية التي يمكن من خلالها ايجاد واقع ما عن طريق اللغة، مشيراً إلى ان نجاح أي فعل لغوي مشروط بعوامل يجب توفرها، وهي شروط اساسية بالنسبة لفعل الكلام نفسه، فلابد للعبارة تركيبية تعبيرية كانت أم ادائية فعلية «اداء لفعل» ان تثير شيئاً متعارفاً عليه لدى المتكلم والمتلقي على السواء، ولابد لتطبيق المتعارف عليه ان يكون ذا صلة بالموقف، أي لابد ان تحكمه ثوابت متعارف عليها، وان يكون ثمة استعداد من الطرفين للمشاركة في فعل الكلام. من خلال ذلك يخلص الباحث إلى ان اللغة الروائية لها ما للفعل غير التعبيري من سمات أساسية، فهي تتصل بالاعراف التي تحملها معها، وتجر في اعقابها ثوابت تتخذ شكل استراتيجيات تساعد على توجيه القاريء لفهم عمليات الانتقاء الكامنة وراء النص، ولها سمة «الاداء» في انها تجعل القاريء يستنبط القوانين التي تحكم هذا الانتقاء باعتباره المعنى الفعلي للنص. وبتنظيمها الافقي لمختلف الاعراف، واحباطها من التوقعات الثابتة، يصبح لها أثر غير تعبيري، أي ادائي، وفعالية هذا الاثر تثير الانتباه، بل توجه موقف القاريء من النص، وتثير رد فعله ازاءه، والنتيجة ان النص والقاريء يجتمعان في موقف يتوقف على كل منهما لادراكه. ولكي ينجح التواصل الأدبي فلابد ان يأتي معه بكل العناصر اللازمة لبناء الموقف، وهذا ما يطلق عليه ايسر رصيد النص، اما الثوابت المتعارف عليها فيسميها الاستراتيجيات، واما مشاركة القاريء فيسميها الادراك. ثم(1/6)
يدرس العلاقات بين هذه العناصر ضمن عدد من السياقات في العمل الروائي، ومن خلال عدد من النصوص التطبيقية في الرواية الانجليزية بوجه خاص. يفصل في بحث الاستراتيجيات ومهمتها، ويصل إلى ان أهم وظائفها نزع الالفة عن المألوف، ثم يدرس ظاهرة الانحراف او الانزياح، وما يقوم به من دور في اللغة الشاعرية.
في الباب الثالث يتناول المؤلف علم ظواهر القراءة المؤدية إلى تفعيل النص الأدبي وخلق التواصل عبر التفاعل بين النص والقاريء، فالنماذج النصية لا تدل إلا على جانب واحد من عملية التواصل، وتقدم الارصدة والاستراتيجيات النصية اطاراً يجب على القاريء ان يبني في داخله الشيء الجمالي بنفسه، وهذا يتوقف على مدى قدرة النص على تنشيط قدرات القاريء على الادراك الحسي والتفعيل.
ولعبة الخيال الموجودة في النص يشترك فيها كل من الأديب والقاريء، وتبدأ متعة القاريء هنا عندما يصبح هو نفسه منتجاً، أي حينما يسمح له النص باظهار قدراته، ضمن حدود يجب ان يمتلكها النص أو تتوافر فيه، فلا يكون أوضح مما ينبغي فيصل بالقاريء إلى التهاون، ولا معمى ملغزاً وأكثر غموضاً فيصل بالقاريء إلى الإرهاق وفي الحالتين يميل القاريء إلى الخروج من اللعبة.
ثم يدرس الكاتب وجهات النظر ولوازمها واثرها في العمل الروائي بعناصره المختلفة المكونة له، وذلك من خلال تراتبية الجمل في النص واتصالها بما ينشط الخيال والتواصل، أو انفصالها بما يوقف تدفق الفكر ويسيء إلى عملية الاتصال. كل ذلك يتم من خلال انماط معينة للتأثير في العمل الروائي تقوم بتوجيه القاريء والتأثير في تداعياته، وخلق الوهم بأنه عند القراءة انما يحيا حياة اخرى، بحيث ان المشاركة في الحدث تنسي القاريء نفسه، وتدخله في التجربة الجمالية بطابعها السامي المختلف عما تنتجه التجربة العادية المؤدية إلي فعل عملي.(1/7)
ويختتم المؤلف باب علم ظواهر القراءة بدراسة التراكيب السلبية المستقلة عن المشاهدة الواعية، والصور الذهنية التي تنتجها، والتي تمارس دورها في التأثير على القاريء. أما الآلية التي يتم بها بناء الصور في العمل الأدبي فتقوم على ان الصورة ما هي إلا مظهر لشيء خيالي، وان هنالك فارقاً بين بناء الصورة في الأدب وبناء الصورة في الحياة اليومية. ففي الحالة الأخيرة نجد ان معرفتنا بالشيء الحقيقي تحدد تصورنا له، أما في الحالة الأولى فليس ثمة شيء تجريبي خارجي نربط بينه وبين الصورة. وتمثل الصورة الأدبية امتداداً لمعرفتنا الراهنة، في حين ان صورة الشيء الموجود تستعين بالمعرفة المتوفرة في خلق حضور الشيء الغائب، وهذا ما ينتهي بالمؤلف إلي تناول مختلف المراحل التي تبنى فيها الصور في العمل الأدبي، عبر الامثلة التطبيقية الروائية أيضاً.(1/8)
في الباب الأخير يمضي ايسر ليصف عمليات التفاعل الحاصلة بين النص والقاريء وشروطها، وعناصر اثارة التفاعل، والتي تعد شروطاً ضرورية لكي يتمكن القاريء من تجميع معنى النص في عملية من الجدليات الابداعية، بما يعرف بالبنية التواصلية الخاصة التي تنشأ بين القاريء والنص، ومسألة الابهام في العمل الفني ومواضعه وكيفية تعامل القاريء مع هذه المواضع بحسب مفهوم انجاردن، كما يتعرض لعمليات تكوين النص الأدبي واملاء فراغاته ونقائضه، كشرط أساسي للتواصل واثارة التفاعل. وهكذا يتطلب النص ـ باعتباره بنية ذات وجهة نظر ـ ربطاً مستمراً بين رؤاه، وتمتلك الفراغات جمالياتها من خلال انتاج الصور الجديدة، والتخلي عنها باستمرار لصالح صور جديدة أخرى.. يضاف إلى ذلك تقنيات القطع بغية تكثيف النشاط التخيلي لدى القاريء، ذلك الذي يدفعه إلى البحث عن الصلات بين القصة التي ألفها والمواقف الجديدة التي يصعب التكهن بها. ويستعرض الكاتب عدداً من اشكال استغلال فراغات النص الأدبي، ويتوصل من خلال ذلك إلى البحث في البنية القصصية للفراغ، متحدثاً عن وظيفتها الأساسية فيما يتصل بعملية التوجيه التي يقوم بها النص من اجل التواصل، ثم يتطرق إلى بحث الاختلافات التاريخية المنظورة في بنية التفاعل، والتي تتجاذبها التحولات القائمة في النص من خلال القاريء الحقيقي والقاريء المفترض ورواية الراوية والمؤلف الضمني، مما يؤدي إلى ازدياد انماط التفاعل انفتاحاً وتعدداً، كما يؤدي إلى زيادة مماثلة في عدد المساحات الفارغة، بما يجعل القاريء يكتشف شرطية المعايير والمواقف في العمل الروائي، وبالتالي يصل إلى بلورة بعض المقاييس لرواية القرن التاسع عشر، اذ يمكن قياس تأثيرها الجمالي بمدى اثارتها لنطاق من ردود الأفعال لدى القاريء، بدفعه إلى تحويل العالم الذي يألفه.. على ان الرواية الحديثة قد زادت درجة الابهام والمساحات الخالية، مما جعل انماط السرد تتفتت، وزاد عملية(1/9)
التفاعل تعقيداً.
ان المقولة الأساسية في الكتاب تتمحور حول نظرية الاستجابة الجمالية للقاريء التي تكمن جذورها في النص ولا تنشأ أساساً من أحكام القاريء كما في نظرية جماليات التلقي. وهذا ما يشكل فارقاً نوعياً بين النظريتين، في زاوية الرؤية، وفي المعالجة.
- محمد عبدالواسع .(1/10)
عن مهارات القراءة
هدفنا فهم المقروء ونقده وتحليله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد:
تحتل القراءة بالنسبة للإنسان اهمية كبرى فهي وسيلته للتعلم والتعليم وهي وسيلته لاكتساب المعرفة بصفة عامة، كما هي بعض وسائل استمتاعه وترفيهه.
ان القراءة نافذة تطلع القارئ على ما عند الآخرين بكل يسر وسهولة وهذا ما دعا إليه ديننا الحنيف فأول آية نزلت على رسولنا الكريم هي (اقرأ), فالقراءة تعدت كونها حاجة الى اعتبارها ضرورة في هذا العصر الحديث.
وقد اجتمع في واشنطن نفر من الكتّاب والناشرين وأمناء المكتبات ورؤساء اقسام الثقافة والارشاد، وكان الذي يعنيهم ويسيطر على تفكيرهم ان يجيبوا عن هذا السؤال,, لقد اصبحت القراءة في العصر الحديث امراً حيوياً لا يستطيع مجتمع ان يحيا بدونه اصبحت اليوم حاجة ولم تعد ترفا, فما الذي يمكن ان نفعله لنشجع الناس على القراءة ونرغبهم بالاستزادة منها؟
ومهما كانت الاجابة عن هذا السؤال الا اننا ندرك اننا معنيون بالبحث عن هذه الاجابة وتحقيقها والتشجيع عليها.
ولابد ان ندرك ان القراءة لاتقتصر على تحويل الرموز المكتوبة الى رموز منطوقة فقط، وإنما يتعدى ذلك الى فهم مايقرأ ونقده وتحليله كي تحقق القراءة اهدافها التي من ضمنها تكوين العقل المفكر المبتكر فالقراءة ليست عشوائية بل هي تستلزم قدرات ومهارات خاصة يمكن صقلها وتنميتها.
ان مهارات القراءة كثيرة وتتسع باتساع المعرفة والتقدم ولكن هناك مهارة يغفل عنها كثير من المربين عند تعليم القراءة إنها (القراءة الناقدة) أو بعبارة أخرى (اختبار المادة موضوع القراءة وتقويمها وتحليلها), ان امتلاك القارىء لهذه المهارة تجعله متمكنا من اختيار المادة المقروءة بما يتفق مع ميوله وحاجاته، وهذه تحتاج الى تربية ذهنية وثقافية مسبقة يمر خلالها القارىء بمراحل ومستويات مختلفة يخضع اثناءها للتوجيه والتدريب.(2/1)
ان القراءة الناقدة تستلزم مهارة يقظة تمكن القارىء من ادراك الفرق بين الحقائق الموضوعية والآراء الشخصية مع القدرة على وزن الادلة ومعرفة صحتها وملاءمتها، ثم القدرة أيضاً على تمييز الغث من السمين، والتأكد من صحة المعلومة الواردة، ثم الامام بطرق الموازنة بين مايكتب حول الموضوع الواحد من قبل كتاب متعددين.
ويمكن تنمية هذه القدرة عن طريق التدريب على فحص العناوين ومعرفة دلالاتها، وإدراك مضامينها ثم تدريب الطالب على حصر الالفاظ والعبارات التي تدور حول موضوعات مختلفة لاكتشاف قدرته على التمييز ومن ثم مهارته في اختيار العبارات والجمل والفقرات التي تتعلق بمشكلة معينة.
إن تعليم القراءة لايقتصر على اخراج متعلمين قارئين فقط وإنما مفهوم القراءة اشمل وأعم وذلك من أجل تخريج افراد متعلمين واعين قادرين على فهم المقروء ونقده وتحليله فلابد اذاً عند تعليم القراءة من تعويد المتعلم على ابداء رأيه فيما يقرأ وتصنيف مايقرأ والحكم على مايقرأ وهذا لايتم الا بوعي تام بأهمية ومهارات القراءة التي تعود على القراءة الواعية الناقدة فعن طريقها تتكون الخبرات وينمي الميول وتبني الشخصيات .
إشارة
سئل (فولتير) عمن سيقود الجنس البشري؟
فأجاب :الذين يعرفون كيف يقرؤون
محمد بن شديد البشري
مشرف تربوي/ شرق الرياض(2/2)