فصول في وتر الرسول
صلى الله عليه وسلم
اعتنى به
نبيل الحسياني
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والصلاة السلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد إمام المتقين وعلى آله وصحبه الغر الميامين أما بعد :
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته مليئة بالفضائل والآداب ولأخلاق وقد جاء الله بهذا الرسول الكريم ليفتح به آذانا صما وأعينا عميا وقلوب قد ران عليها ظلمات الكفر الجهل .
ولقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمجامع الفضائل فلا تُذكر فضيلة إلا وقد تحلَّى صلى الله عليه وسلم بأفضلها ، ولقد زكاه ربه وكفى بذلك فخرا قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم ) وقال تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )
ولقد طرأ في ذهني استقصاء ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل قولا وفعلا ثم تحول الأمر أن عزمت على جمع شتات هذا الموضوع في وريقات يُستفاد منها فما كان مني إلا أن توكلت على الله في مطلبي هذا مصداقا لقول الله تعالى (( فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين))
وليست ممن وفَّى هذا الموضوع حقه فالموضوع أوسع من ذلك والعلماء لهم باع طويل في هذا الشأن فيُرجع إلى هذا الأمر في مظانه
وقد أسميت هذه الرسالة بـ ( فصول في وتر الرسول صلى الله عليه وسلم )
وأسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا صوابا وأن ينفع به الجميع . ...
فصل: تعريف الصلاة وفضيلتها
الصلاة لغة : الدعاء قال الله تعالى( وصل عليهم ) التوبة 103 أي أدع لهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمن أتى بصدقته فيقول اللهم صل على آل فلان (1)
وشرعاً : أقوال وأفعال مشروعة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم(1/1)
والصلاة من أجل العبادات وأعظم القربات هي صلة بين العبد وبين ربه اشتملت على جميع أنواع الخضوع والذل والانكسار لله سبحانه وتعالى يرفع العبد يديه إعلاناً منه للاستسلام لله جل في علاه *و يتقلب العبد في صلاته ما بين قراءة وتعظيم هي لله وحده .
فهي راحة للأرواح وهي موطن تفريج الكر بات وزوال الهموم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يا بلال أرحنا بالصلاة )(2) وقال صلى الله عليه وسلم ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) (3) فهي ملاذٌ للعبد ومسكنه وهي نور في القلب والجوارح كما قال صلى الله عليه وسلم ( الصلاة نور )(4)
هي أول ما يسأل عنه يوم القيامة فإن صلحت نظر في بقية عمله وإن لم تكن كذلك خاب وخسر
هي أول فريضة فرضت على العباد ، هي العبادة التي أوجبها الله على خلقه فوق سبع سموات حين عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم ، هي موطن إجابة الدعوات وقضاء الحاجات (لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها )(5) وكذلك عند الهَمِّ بأمر فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي العبد ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو بدعاء الاستخارة .(6)(1/2)
وقال صلى الله عليه وسلم ( وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ) (7) هي صلة للعبد بينه وبين ربه في يومه وليلته لا تنفك حتى مماته قال الله تعالى ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) سورة الحجر 99، هي جنة العبد في دنياه قبل آخرته هي العهد من الله أن يدخله الجنة إن حافظ عليها ،هي آخر وصية أوصى بها خير خلقه فقال عليه الصلاة والسلام ( الصلاة الصلاة و اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم )(8)، هي قرة عيون الموحدين وبهجة قلوب المتقين ،هي الكنز الثمين والدر المكنون وهي الحصن الحصين من الشياطين من أقامها حق القيام كانت له منهاة عن الإثم والبغي والفجور قال تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) العنكبوت 45 عظيمة القدر عند الله من عظَّم قدرها في قلبه وقوله وفعله وحافظ عليها( كانت له نور وبرهان ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف )(9)
أسال الله أن يجعلنا من أهل الصلاة ويجعلها قرة عيوننا إنه سميع كريم
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري 1497 ، مسلم 1078 (2) رواه أحمد 23137
(3) رواه أحمد 14069 ... ... ... ... ... ... (4) رواه مسلم 223
(5) رواه مسلم 227 (6) رواه البخاري 1162
(7) رواه مسلم 479 (8) رواه أحمد 585
(9) رواه أحمد 6576
* ذكر بعض أهل العلم الحكمة من رفع اليدين عند ابتداء الصلاة فقال بعضهم أنها استسلام وانقياد كالأسير المستسلم وقيل : رفع حجاب الغفلة عن الله والدخول عليه وقيل : إعظاما لله وقيل : زينة للصلاة ويروى هذا عن ابن عمر رضي الله عنه . وعلى كل حال فالأصل الإتباع وإن لم تكن الحكمة ظاهرة .
فصل : فضل صلا ة الليل
صلاة الليل عطية من رب العلمين وكرامة منه لعباده من حُرمها فقد حُرم الخير العظيم ومن رُزقها فقد أفلح وأنجح
وفاز بخيري الدنيا والآخرة(1/3)
والآيات و الأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا نورد بعضا منها :
قال الله تعالى ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) الفرقان 64 وقال الله تعالى ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون *وبالأسحار هم يستغفرون ) الذاريات 17 وقال تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) الزمر 9
وقال تعالى ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) السجدة 16 ،17
فعند سكون الليل ورَقْدَةِ الناس على فُرُشِهم تظهر منحة الله لعبده حينما يقوم من فراشه فيذكر الله ويسأل الله العون
فيتوضأ ويستعد لمناجاة ربه في خلوته فتجده في صلاته قائماً تالياٍ خائفاٍ راجياٍ مخبتاٍ متذللاٍ باكياٍ فهذه التجارة التي لن تبور بل جزاءها فرح وسرور في الدنيا قبل الآخرة قال صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ادخلوا الجنة بسلام ) (1)
وهذه العبادة الجليلة هي طريق الأنبياء والصالحين فهي أعز شي عندهم يجدون فيها السعادة والتوفيق من رب العالمين قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات و منهاة عن الإثم ) (2)
وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) (3)
ومن فضيلة صلاة الليل أن في الليل ساعة مستجابة فعن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة ) (4)
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) (5)(1/4)
وعن عمرو بن عنبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن . (6)
فكيف بمن يقرأ هذه الآيات والأحاديث أو يسمعها ثم تطيب نفسه بترك قيام الليل !!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن ماجة 3251 دار السلام و صححه الألباني
(2) رواه الترمذي 3549 ، صححه الألباني رواه الحاكم في المستدرك 1156 وصححه دار الكتب العلمية - بيروت
(3) رواه مسلم 202 دار السلام
(4) رواه مسلم 166
(5) رواه البخاري 1145 دار السلام ، مسلم 168
(6) رواه الترمذي 3579 وقال : حديث حسن صحيح غريب ، النسائي 573 وصححه الألباني
فصل : في ما جاء في كراهية التشديد في العبادة
الأصل في ذلك قول الله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن 16 وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) (1) .
والعبد في عبادته مطالب بأن يكون وسط بين طرفين فلا غلو ولا جفاء ولذلك عتب النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي نذر أن يصلي من الليل فلا ينام فقال : ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) (2)
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في صلاة الليل فعن أنس رضي الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال : ما هذا قالوا: لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال : حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد ) (3)(1/5)
وروى مسلم أيضا أن الحولاء بنت تويت مرت بعائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فقالت : هذه الحولاء بنت تويت وزعموا إنها لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنام الليل ! خذوا من العمل ما تطيقون فو الله لا يسأم حتى تسأموا ) (4) وفي رواية للبخاري : لا يمل حتى تملوا (5)
والمعنى في ذلك لا يقطع جزاءه وإحسانه حتى تقطعوا أعمالكم وقيل لا يسأم إذا سئمتم فتكون حتى بمعنى إذا
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) ( 6)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع ) (7)
فصل : حكم صلاة الليل على النبي صلى الله عليه وسلم
اختلف العلماء في حكم صلاة الليل على النبي صلى الله عليه وسلم وموطن هذا الخلاف الاختلاف في مقصود الآيات التي أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام
من ذلك قوله تعالى ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) فقال بعضهم أن تخصيص صلاة له دون غيره دليل على وجوبه عليه وهو أحد قولي الشافعي وأختاره ابن جرير . وقال غيرهم : أن هذا حجة على عدم الوجوب حيث جعلها نافلة تفعل وتترك ولم يقل فرضا
قال ابن كثير : وقيل إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه قاله مجاهد . (8)
قال الشوكاني : قال الواحدي : إن صلاة الليل كانت زيادة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لرفع الدرجات لا للكفارات لأنه غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر وليس لنا بنافلة لكثرة ذنوبنا إنما نعمل لكفارتها قال : وهو قول جميع المفسرين (9)(1/6)
وقال ابن القيم : أن المقصود في النافلة في الآية لم يُرد بها ما يحوز فعله وتركه كالمستحب والمندوب وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات وهو قدر مشترك بين الفرض والمستحب فلا يكون قوله ( نافلة لك ) نافيا لما دل عليه الأمر من الوجوب ) (10)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 1337 (8) تفسير ابن كثير 4/ 168 دار الكتاب العربي
(2) رواه البخاري 5063 ، مسلم 1401 واللفظ له (9) فتح القدير 3/ 359
(3) رواه البخاري 1150 ، مسلم 784 واللفظ له (10) زاد المعاد 1/ 313 مؤسسة الرسالة شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط
(4) رواه مسلم 785
(5) رواه البخاري 43
(6) رواه البخاري 212 ، مسلم 786 واللفظ له
(7) رواه مسلم 787
ومن الأدلة التي تدل على الوجوب قوله تعالى ( قم الليل إلا قليلا ) وقوله تعالى ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا )
وقال أبو عمر : صلاة الليل من أفضل نوافل الخير وهي عندي سنة مسنونة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ويواظب عليها
وقد قال قوم إن صلاة الليل واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم وسنة لأمته
وهذا لا أعرف وجهه لأن الله تعالى يقول ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك) الإسراء 79
وقال قوم أمره بقيام الليل
وقوله تعالى ( نافلة لك ) أي فضيلة
ونسخ الأمر بقيام الليل عن سائر أمته مجتمع عليه بقول الله عز وجل ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) المزمل 20 وهذا ندب لأن الفرائض محدودات . انتهى (2)
والحاصل أن الأدلة التي جاءت بالأمر بالقيام كانت في أول الإسلام ثم نسخ الوجوب إلى الاستحباب
فقد روى مسلم رحمه الله ( أن سعد بن هشام سأل عائشة رضي الله عنها عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/7)
فقالت : ألست تقرأ القرآن يا أيها المزمل قلت بلى قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ) (1)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته ولو كان واجبا لما فعل ذلك فإن القيام في الفرض ركن من أركان الصلاة قال شيخ الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر على راحلته والواجب لا يفعل على الراحلة (3) . بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي في بيته قاعدا كما ذكرت عائشة رضي الله عنها ذلك .
أما قول من يقول بالوجوب أن القيام ليس واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل فلا دليل على ذلك
وأما حديث ثلاث هن على فريضة وذكر منها الوتر فلا حجة فيه فقد قال عنه الألباني أنه موضوع
فصل : في تعريف الوتر وفضيلته وحكمه
الوتر لغة : بكسر الواو الفرد ضد الشفع
شرعا : الركعة الواحدة إذا كانت منفصلة ، وما زاد عليها من غير شفع إذا كانت متصلة مثل ثلاث وخمس وسبع وتسع وأحدى عشرة .
أما فضيلته فقد حث الشرع عليه وهو سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا فعن أبي بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ) (4)
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم الوتر حق على كل مسلم من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) (5)
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ) (6)(1/8)
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع الوتر حضرا ولا سفرا كما روي ذلك عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته وقد سار الصحابة على ذلك فكانوا يواظبون على الوتر حضرا وسفرا سواء كان ذلك قبل النوم أو بعده وكان منهم من يوتر بركعة كما روي عن سعد بن أبي وقاص وغيره كل ذلك حرصا على ألا يدعو الوتر . ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 746 (5) رواه النسائي 1712 ، أبو داود 1422 وصححه الألباني
(2) الاستذكار 2/ 82 دار الكتب العلمية تحقيق : سالم محمد عطا ، محمد علي معوض (6) رواه أحمد 1224 قال الأرنؤوط : إسناده قوي
(3) مجموع الفتاوى 23/ 88
(4) رواه أحمد 23902 مؤسسة قرطبة ـ القاهرة قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
وقد اختلف العلماء في وجوب الوتر
فمنهم من قال أنه واجب وهو قول أبو حنيفة وبعض أصحاب الأمام أحمد واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( الوتر حق على كل مسلم ) وقوله ( فمن لم يوتر فليس منا ) (1)
القول الثاني : أنه سنة مؤكدة وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد واستدلوا بحديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه فقال صلى الله عليه وسلم ( خمس صلوات في كل يوم وليلة قال : هل عليَّ غيرها قال لا ألا أن تطوع ) (2)
فهذا دليل صريح في عدم الوجوب .
وقال علي رضي الله عنه ( الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) (3) وأجابوا عن أحاديث من قال بالوجوب أنها محمولة على تأكيد سنية الوتر لا على وجوب الوتر
ومعنى الأحقية أنه ثابت في الشرع .
وأما الحديث الثاني ( من لم يوتر فليس منا ) فهو ضعيف .(1/9)
قال شيخ الإسلام الوتر سنة باتفاق المسلمين من أصر على تركه فإنه ترد شهادته وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر على راحلته والواجب لا يفعل على الراحلة والوتر أ فضل من سنة الظهر والمغرب والعشاء ومن جميع تطوعات النهار بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل و أوكد ذلك الوتر وركعتا الفجر والله أعلم . (4)
فصل : وقت صلاة الوتر
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر )
فلا يصلى الوتر إلا بعد العشاء لهذا الحديث ولو صلى العشاء مع المغرب جمع تقديم جاز له أن يصلي الوتر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بداية الوتر بعد صلاة العشاء وليس بعد دخول وقت العشاء وهذا ظاهرٌ في الفرق بينهما وقال أبو حنيفة إن صلاه قبل العشاء ناسيا لم يعده وهذا خلاف ما رجحه العلماء
ولا يوتر بعد طلوع الفجر لهذا الحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم ( أوتروا قبل أن تصبحوا ) (5)
وقوله صلى الله عليه وسلم ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى ) (6)
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل طلوع الفجر ) (7)
ويستثنى من ذلك من نام عن الوتر حتى خرج وقته فهل يقضيه على صفته أو يقضيه شفعاً فيه خلاف وسوف أتحدث عن ذلك في موضعه إن شاء الله .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو داود 1419 ضعفه الألباني
(2) رواه البخاري 46 ، مسلم 11
(3) رواه الترمذي وصححه 454 النسائي 1677 صححه الألباني
(4) الفتاوى الكبرى 2/ 237 دار المعرفة تحقيق : حسنين محمد مخلوف
(5) رواه مسلم 160
(6) رواه البخاري 990 ، مسلم 749
(7) رواه الترمذي 469 صححه الألباني
فصل : ما يستحب فعله في صلاة الليل
يستحب للعبد المسلم أن يبتدئ صلاته بالليل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ومن ذلك :(1/10)
1- قراءة آخر عشر آيات من سورة آل عمران وقد ورد هذا في ثنايا حديث ابن عباس رضي الله عنه حين بات عند خالته ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ...) (1)
2- الاستياك : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك عند صلاته وعند استيقاظه وعند الوضوء وعند دخول البيت بل أنه إستاك قبيل وفاته وقد حث عليه فقال ( لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) (2) وقال صلى الله عليه وسلم ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) (3)
وكان يداوم على السواك عند قيامه من الليل فعن حذيفة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك ) (4)
ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها وفيه ( كنا نُعِدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء الله أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي ....) (5)
3- افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ) (6) وكذلك حديث أبي هريرة (7)
وعن زيد بن خالد الجهني أنه قال : لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين .....) (8)(1/11)
قال ابن حجر : ذكر شيخنا أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين : المبادرة إلى حل عقد الشيطان .قال ابن حجر: وبناه على أن الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة وهو واضح لأنه لو شرع في صلاة ثم أفسدها لم يساو من أتمها . وكأن الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة وينتهي بانتهائها ، أما فعله صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاة الليل بركعتين خفيتين وهو منزه عن عقد الشيطان يحمل فعله ذلك على تعليم أمته وإرشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان وقد وقع عند ابن خزيمة حديث وفي آخره فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين ) (9)
قال النووي في كلامه على حديث عائشة : وهذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما .(10)
وكلا المعنيين صحيح فإن افتتاح الصلاة بركعتين خفيفتين حل لآخر عقد الشيطان كما قال صلى الله عليه سلم
( فإن صلى انحلت عقده كلها ) وهي بنفس الوقت تهيئة للنفس لقيام الليل ومثلها السنن القبلية للفرائض وذلك لأداء هذه العبادة على أكمل وجه والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 763 (8) رواه مسلم 765
(2) رواه أبو داود 47 صححه الألباني (9) فتح الباري 3/ 544 دار طيبة ، اعتنى به نظر الفاريابي
(3) رواه النسائي 5 وصححه الألباني . (10) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 6/54 دار احياء التراث العربي
(4) رواه البخاري 1136
(5) رواه مسلم 746
(6) رواه مسلم 767
(7) رواه مسلم 768(1/12)
4- إطالة الركعتين اللتين بعد الأوليين إطالة ظاهرة وتكون الركعتين اللتين بعدها دونها وكذلك الركعتين اللتين بعدها ثم اللتين بعدهما أخفها ودليل ذلك ما رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة .
فصل : ما ورد من أدعية استفتاح صلاة الليل
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح صلاة الليل بعدة أدعية وهذا الاختلاف اختلاف تنوع لا تضاد
والكل سنة فمن ذلك :
ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه سلم إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك . قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية ( ولا حول ولا قوة إلا بالله ) .(1) ب وفي رواية مسلم ( أنت قيَّام ) (1) 769
ومما ورد في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . (2)(1/13)
ومن أدعية الاستفتاح ما رواه مسلم عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك .(3)
وهذا الدعاء ليس صريحا في أنه يقال في صلاة الليل ، وقد أدخل الأمام مسلم هذا الدعاء في باب صلاة الليل ودعائه اشارة منه إلى أنه يقال في صلاة الليل والله أعلم .
وإن ذكر غيرها من الأدعية التي وردت في استفتاح الصلاة المكتوبة فلا بأس والكل جائز مثل ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ) (4) ومثل (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ) (5)
وإنما المراد إيراد الفاضل على المفضول في ذلك . والله أعلم
فائدة : لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح بالأدعية الخاصة في استفتاح صلاة الليل في كل ابتداء ركعتين وإنما عند ابتداءه صلاة الليل فقط ، يستفاد من ذلك أنه يُستفتح بعد ذلك بأي شيء من الأدعية التي وردت والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري . 1120 ، رواه مسلم بلفظ قيام 769 (4) رواه مسلم 399
(2) رواه مسلم 770 (5) رواه البخاري 744 ، رواه مسلم 598 واللفظ له
(3) رواه مسلم 771
فصل : في ما جاء بالصلاة بثلاث عشرة ركعة(1/14)
جاءت أحاديث كثيرة تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً والكل تحدث بما رأى فمن الصحابة من روى أنه صلى إحدى عشرة ركعة ومنهم من حدَّث أنه صلى ثلاث عشرة ركعة ومنهم من أخبر أنه صلى تسعاً وسبعاً وهذا الاختلاف هو اختلاف تنوع لا تضاد وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها هذا التنوع فقالت ( كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث ولم يكن يوتر بأنقص من سبع وبأكثر من ثلاث عشرة ) د 1362
وأكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثلاث عشرة ركعة
رُويَ ذلك عن ابن عباس وزيد بن خالد الجهني وأم سلمة وعائشة رضي الله عن الجميع
وسوف أورد هذه الروايات بالتفصيل :
أولا : عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره: أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام فصلى . قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت إلى فقمت إلى جنبه فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح ) (1)
وفي رواية عند مسلم ( فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة ) وفي رواية أخرى ( فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة )(1/15)
وقد وقع اختلاف في الروايات الواردة عن ابن عباس في قصة مبيته عند خالته ميمونه فمنهم من روى بأنه صلى احدى عشرة ركعة ومنهم من روى بأنه صلى ثلاث عشرة ركعة ومنهم من روى غير ذلك وإليك هذه الروايات بالتفصيل :
رواية إحدى عشرة ركعة وهي كالتالي :
أولا : ما رواه مسلم عن الضحاك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فصلى إحدى عشرة
ركعة ... فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين ) (2)
ثانيا :ما رواه البخاري عن شريك بن عبدالله ابن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح ) (3)
أما رواية الثلاث عشرة ركعة فهي كالتالي :
* عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فتتآمت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ) (4) وهي مجملة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري 992 ، رواه مسلم 763
(2) رواه مسلم 763 من المتابعات
(3) رواه البخاري 4569
(4) رواه مسلم 763
* عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح ) .(1) وجاءت هذه الرواية مفصلة لعدد الركعات
* عن عبد ربه بن سعيد عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة ) (2)
* عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس وفيه ( فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ) (3)
* عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة . (4)(1/16)
والجمع بين روايات الثلاث عشرة والإحدى عشرة ركعة أن يقال : أن من ذكر في بعض الروايات أنه صلى إحدى عشرة ركعة لم يذكر الركعتين الخفيفتين التي كان صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما صلاته وقد جاء بيان ذلك عند أبي داود عن ابن عباس وفيه (فصلى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر ثم نام فأتاه بلال فقال الصلاة يا رسول الله فقام فركع ركعتين ثم صلى بالناس ) . (5)
ووردت رواية أخرى عند مسلم من حديث حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عبدالله بن عباس ( أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب [ 3 / آل عمران / الآية - 190 ] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة ) (6) وهذه الرواية خالفت جميع الروايات في عدد الركعات وأنه صلى ركعتين ثم نام حتى فعل ذلك ثلاث مرات .
وأما رواية الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عند البخاري فقد وقع فيها نقص وقد ورد عند ابي داود عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير ان عبد الله بن عباس حدثه في هذه القصة قال قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات ثم أوتر بخمس ولم يجلس بينهن (7) فقد خالف يحيى بن عباد الحكم في روايته عن سعيد جبير ففي رواية الحكم أنه صلى أربعا ثم صلى خمسا بعد ما قام من النوم وفي رواية يحيى بن عباد أنه صلى ثمان ثم أوتر بخمس فتكون رواية يحيى بيان للنقص الذي في رواية الحكم فتكون الرواية أنه صلى ثلاث عشرة ركعة .(1/17)
وأيا كان فهذه الرواية فيها اضطراب ومخالفة لرواية كريب عن ابن عباس فقد جاءت رواية كريب من عدة طرق ورواها البخاري ومسلم .
ومما خالف رواية كريب رواية حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عبد الله بن عباس وهذه الرواية جاءت متابعة عند مسلم وفيها اضطراب في متنها وسندها وقد خالفت جميع الروايات قال ابن حجر حبيب بن أبي ثابت فيه مقالا وقد اختلف عليه في إسناده ومنته
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري 992 ، رواه مسلم 763 من المتابعات
(2) رواه مسلم 763 متابعة
(3) رواه مسلم 763 متابعة
(4) رواه البخاري 1138 رواه مسلم 764 .
(5) رواه أبو داود 1364 . صححه الألباني
(6) رواه مسلم 763 متابعة
(7) رواه أبو داود 1358
وأقرب ما قيل في تأويل الركعتين الزائدتين أنها سنة العشاء قال النووي في شرح مسلم : وهذا تأويل مباعد لمعنى الحديث .
وجملة القول في هذا أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عند زوجته ميمونة التي ذكرها ابن عباس هي ثلاث عشرة ركعة لكثرة طرقها وبعض الروايات جاءت صريحة مفصلة لعدد الركعات وما كان منها مجملاً فإنها ترد إلى ما كان مفصلا في ذلك وهي رواية مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس عند البخاري ومسلم والله أعلم .
ثانيا : حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة
ثالثا : روي عن أم سلمة أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبُر وضعُف أوتر بسبع .(1)(1/18)
رابعاً: وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين )(2)
خامساً : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها ) (3) وزاد الترمذي ( فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين ) (3)
وهذه الرواية جمعت بين نوعين من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثلاث عشرة ركعة وأنه أوتر بخمس متصلة .
قال الترمذي : وأكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة مع الوتر .
فصل : ما جاء في الصلاة بإحدى عشرة ركعة :
أكثر ما كان يواظب عليه صلى الله عليه سلم الصلاة بإحدى عشرة ركعة كما قالت عائشة رضي الله عنها :
ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا . قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ . فقال ( يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ) (4)
وقولها ( ما كان يزيد في رمضان .... )
يفهم منه أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في صلاته على إحدى عشرة ركعة وليس هذا هو المقصود
وإنما مراد عائشة رضي لله عنها أن هذا هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم
وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى بثلاث عشرة ركعة كما عند مسلم وعند ابي داود (5)
وورد عن ابن عباس وزيد بن خالد الجهني وأم سلمة رضي الله عن الجميع أنه صلى بثلاث عشرة ركعة
قال ابن قدامة : ولعلها – أي عائشة – لم تَعُد الركعتين اللتين ذكرهما عيرها ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة ركعة وفي ليلة إحدى عشرة ركعة ) (6)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي 457 قال الألباني : صحيح الإسناد
((1/19)
2) رواه أبو داود 1339 ، رواه مالك في الموطأ ص 76 رقم الحديث 10 جمعية إحياء التراث العربي توزيع دار العاصمة
(3) رواه مسلم 737 ، رواه الترمذي وفيه زيادة 458 وصححه الألباني
(4) رواه البخاري 1147 ، رواه مسلم 738
(5) رواه مسلم 737 ، رواه أبو داود 1338 ، 1339
(6) المغني 1/ 806 دار الفكر بيروت
وقال الصنعاني في سبل السلام : ولما اختلفت ألفاظ حديث عائشة زعم البعض أنه حديث مضطرب وليس كذلك بل الروايات محمولة على أوقات متعددة وأوقات مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز وأن الكل جائز وهذا لا يناسبه قولها ولا في غيره والأحسن أن يقال : إنها أخبرت عن الأغلب من فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فلا ينافيه ما خالفه لأنه إخبار عن النادر .(1)
وقولها : ( يصلي أربعاً ) اختلف بعض أهل العلم هل هي متصلة أو بينهما سلام
قال ابن عبد البر : فذهب قوم إلى أن الأربع لم يكن بينها سلام وكذلك الأربع بعدها
وقال آخرون لم يجلس إلا في آخر الأربع ثم في الأربع ثم أوتر بثلاث
وذهب فقهاء الحجاز وبعض أهل العراق إلى أنه كان يسلم في كل ركعتين منها على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى
فمن ذهب إلى هذا تأول في قوله يصلي أربعا ثم أربعا أي حسنهن وطولهن ورتل القرآن فيهن وكذلك أيضا فعل في الأربع بعدهن حسنهن وطولهن ثم الثلاث بعدهن لم يبلغ فيهن من الطول ذلك المبلغ لكنه سلم في كل ركعتين من صلاته تلك كلها
فهذا معنى أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا عند هؤلاء
وحجتهم صلاة الليل مثنى مثنى ولا يقال للظهر ولا للعصر مثنى وإن كان فيها جلوس . ا. هـ (2)
وقيل أن المقصود أنه ينام بين الأربع الأولى والثانية وكذلك بينها وبين الوتر وقد ذكرت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى ونعتت قراءته حرفا حرفا .(1/20)
والذي يظهر لي أن هذا التأويل بعيد وأن الصحيح أن مراد عائشة رضي الله عنها هو أنه كان يصلي ركعتين طويلتين ثم يسلم ثم يصلي بعدها الركعتين دون فاصل طويل بينهما ثم يفعل في الأربع الأخرى مثل ما سبق ثم ينام فإذا قام أوتر .
وقولها ( أوتر بثلاث ) قد يكون أنه يوتر بثلاث متصلة وقد يكون المقصود أن الثلاث ليست كالتي قبلها وإنما يُقَصِّر فيها فيصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء ( وهي التي يدعو الناس العتمة ) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) (3)
ومما ورد عنه أنه صلَّى بإحدى عشرة ركعة ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كان رسول الله صلى عليه سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر ) (4)
وروي عنها أنه صلى إحدى عشرة ركعة بصفة أخرى حيث أوتر بتسع ثم ركعتين بعد الوتر جالساً . (5)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) سبل السلام 2/ 28 دار الكتاب العربي
(2) الاستذكار 2/ 99 دار الكتب العلمية ـ بيروت
(3) رواه مسلم 736
(4) رواه البخاري 1140
(5) رواه مسلم 746
فصل : ما جاء في الصلاة بتسع ركعات
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى تسعاً متفرقة وإنما الذي روي عنه أنه أوتر بتسع بمعنى عام كما في حديث أم سلمة وروي أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة وهذه بعض الروايات في ذلك :
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبر وضعُف أوتر بتسع ) (1)(1/21)
وكذلك حديث عائشة وفيه ( ويصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ) (2)
وإن أوتر المسلم بتسع متفرقة فهذا هو الأصل لقوله صلى الله عليه وسلم ( صلاة الليل مثنى مثنى ) .
قال الترمذي سألت أبو مصعب المدني كيف يُوترُ بالتسع والسبع قال : يصلي مثنى مثنى ويسلم ويوتر بواحدة .(3)
قال مسروق سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت : سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر ) (4) وفي رواية أبي داود كان يوتر بست وثلاث ) (5)
والذي يظهر من حديث أم سلمة وعائشة رضي الله عنهن أنه كان يكثر من الوتر بالتسع لقول أم سلمة فلما كبر وضعف
وقول عائشة فلما أسن .
وإن كان الغالب إحدى عشرة ركعة مع أن صفة وتر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسع كان فيها أنه صلى ركعتين بعد الوتر جالساً فتلك إحدى عشرة ركعة بالعدد دون الصفة . وقد ذكر أهل العلم أن الركعتين التي كان يصليها بعد الوتر جالساً إنما فعلها لبيان جواز الصلاة بعد الوتر ليلاً وهذا صحيح ولكن ما ورد عن عائشة يفهم منه أنه كان يكثر من ذلك فلا يكون فعله لبيان جواز الصلاة بعد الوتر فقط وإنما هي مستحبة(1/22)
قال ابن القيم : إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم . قلت وفي هذا نظر لأن كل من ذكر وتر النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أنه صلَّى بعد الوتر سوى عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن وحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين (6) لا يفيد المداومة أما حديث عائشة يُفهم منه أنه كان يكثر من الوتر بتسع وسبع لقولها فلما أسن وثقل (7) فيبقى الاستحباب عند الوتر بتسع أو سبع دون غيرهما والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه النسائي 1708 قال الألباني : صحيح الإسناد
(2) رواه مسلم 746 ، رواه أبو داود 1342
(3) رواه الترمذي 458 وصححه الألباني
(4) رواه البخاري 1139
(5) رواه أبو داود 1362 صححه الألباني
(6) رواه الترمذي 471 صححه الألباني
(7) رواه أحمد 24088 وصححه الأرنؤوط وعند مسلم بفلظ فلما أسن 746
فصل : ما جاء في الصلاة بسبع
من ذلك ما رواه مسلم وأبو داود عن عائشة وفيه : فلما أسن نبي الله وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول ..... ) (1)
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبُر وضعُف أوتر بسبع )) قال الترمذي حديث حسن (2)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس وأوتر بسبع . (3) وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : من شاء أوتر بسبع .......... ) (4) قال النسائي : الموقوف أولى بالصواب وقال الصنعاني : وله حكم الرفع إذ لا مسرح للاجتهاد فيه أي في المقادير . (5)
وصفة الوتر بسبع كالتسع لا يجلس إلا في السادسة ثم يقوم للسابعة ولا يسلم ثم يجلس ويسلم .(1/23)
وورد أنه أوتر بسبع لم يجلس إلا في السابعة . (6)
فصل : ما جاء في الصلاة بخمس ركعات
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن . (7)
ففي قولها يوتر من ذلك بخمس دليل على جواز الوتر بخمس متصلة .
ومما ورد في ذلك حديث أبي أيوب الأنصاري الذي مر معنا وفيه ومن شاء أوتر بخمس
وكذلك حديث عائشة السابق عند ابن حبان والحاكم .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 746
(2) رواه الترمذي 457 قال الألباني : صحيح الإسناد
(3) رواه ابن حبان 2438 مؤسسة الرسالة ـ بيروت قال الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرطهما
(4) رواه النسائي 1710 صححه الألباني
(5) سبل السلام 2/ 18
(6) رواه النسائي 1719
(7) رواه مسلم 737
فصل : ما جاء في الصلاة بثلاث ركعات
روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ) (1) رواه احمد 2725
وحديث أبي بن كعب عند أحمد وأبي داود والنسائي وزاد ولا يسلم إلا في آخرهن .(2)
و حديث عائشة رضي الله عنها وفيه ثم يصلي ثلاثاً . (3)
وكذلك حديث أبي أيوب وفيه ( ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ) (4)
وقد اختلف أهل العلم في جواز الوتر بثلاث متصلة
فذهب محمد بن نصر المروزي إلى عدم صحة الوتر بثلاث واستدل بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب ) (5)
وروي عن ابن عباس أنه قال : الوتر سبع أو خمس الثلاث بتيراء وإني لأكره أن تكون بتيراء . (6)
وذهبت الحنفية إلى وجوب الإيتار بثلاث موصولة
واستدلوا على قولهم بحديث أبي أيوب ( من أحب أن يوتر بثلاث فلبفعل )
وحديث أبي بن كعب وفيه ( لا يسلم إلا في آخرهن )
وورد عن أنس رضي الله عنه : أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن (7)(1/24)
قال ابن حجر : والجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف أيضا فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن ومن طريق بن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله .(8)
قال أحمد : أحب أن يفصل ركعة الوتر عما قبلها وإن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق فيه عندي . وقال شيخ الإسلام:يخير في الوتر بين فصله ووصله .(9)
وممن قال بالفصل مالك والشافعي وإسحاق .
والأفضل الفصل لأن هذا أكثر فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء ( وهي التي يدعو الناس العتمة ) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة .
قال صلى لله عليه وسلم ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى )
وقال صلى الله عليه وسلم ( الوتر ركعة من آخر الليل ) (10)
وعلى هذا فالراجح جواز الوصل والأفضل الفصل والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد 2725 (10) رواه مسلم 752
(2) رواه أحمد 21179 ، أبو داود 1423 ، رواه النسائي وفيه زيادة 1702
(3) رواه البخاري 1147 ، رواه مسلم 738
(4) رواه النسائي 1714
(5) رواه ابن حبان 2429 ، الحاكم 1138
(6) مصنف عبد الرزاق 4648 المكتب الإسلامي تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي
(7) مصنف ابن أبي شيبة 6840 مكتبة الرشد ـ الرياض
(8) فتح الباري 3/ 362 دار طيبة اعتنى به : نظر الفاريابي
(9) الفتاوى الكبرى 5/ 324
فصل : ما جاء في الصلاة بركعة واحدة
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر ركعة من آخر الليل . (1)(1/25)
وحديث أبي أيوب وفيه ( ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) (2)
وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما صلى .(3)
وحديث عائشة عند مسلم وفيه ( ثم يوتر بركعة ) (3)
وروي عن بعض الصحابة فعله مثل سعد بن أبي وقاص وعن عثمان وابن عمر وابن الزبير وروي عن معاوية فعله فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب أو قال أصاب السنة . وذهب أحمد والشافعي وأبو ثور وداود إلى أن الوتر بركعة جائز وإن لم يكن قبلها شيء من النافلة إلا أنهم يستحبون أن يكون قبلها صلاة.
وكره مالك الوتر بواحدة ليس قبلها شيء وقال : أي شيء توتر له الركعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( توتر له ما قد صلى )
وذهبت الحنفية على عدم صحة الوتر بركعة .
والراجح هو جواز الوتر بركعة لورود الأحاديث الصحيحة بذلك أما ما استدل به مالك قد جاء على سبيل البيان
لمن صلى قبل الوتر وليس فيه ما يمنع الوتر بركعة منفردة والله أعلم .
فائدة : جواز وصل الوتر أو فصله في جميع ما سبق من أنواع الوتر عند الجمهور خلافا للحنفية الذين يوجبون
الوصل . والصحيح أن الأفضل الفصل فهذا هو الغالب من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم .
فصل : ما جاء في طول صلاة الليل
روت عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل فقالت : كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال ( أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا ) (5) ب 4557
وعن المغيرة بن شعبة قال : إن كان النبي صلى الله عليه سلم ليقوم أو ليصلي حتى تَرِمَ قدماه أو ساقاه فيقال له : فيقول : أفلا أكون عبداً شكورا . (6)(1/26)
وروى مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه . (7)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 752
(2) رواه النسائي 1712 ، رواه أبو داود 1422
(3) رواه البخاري 990 ، مسلم 749
(4) رواه مسلم 736
(5) رواه البخاري 4837
(6) رواه البخاري 1130
(7) رواه مسلم 722
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قلنا وما هممت ؟ قال هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم ) (1)
وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت : فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع ) (2)
وروي عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكانت تلك صلاته تعني صلاته بالليل فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ) (3)
ومما روي في ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه وفيه ( فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ) (4)
وقد يوجز أحيانا في صلاته في الليل كما روي عن ابن عباس قال : ( كنت في بيت خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت معه على يساره فأخذ بيدي فجعلني عن يمينه ثم صلى ثلاث عشرة ركعة حزرت قيامه في كل ركعة قدر يا أيها المزمل ) (5)(1/27)
والكل في ذلك واسع فإن رأى العبد في نفسه نشاطاً أطال في صلاته فإن هذا هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم وإن رأى في نفسه غير ذلك قصّر في صلاته والله أعلم .
ومما ينبغي التنبه له أنه يكره قيام ليلة كاملة لقول عائشة رضي الله عنها : ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح . (6)
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة الرهط الثلاثة الذين تقالّوا عبادته : أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني . (7)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) (8)
وذلك أن للبدن حقاً فلا بد له أن يعطي البدن حظه من الراحة فينام من الليل ما يكفي ثم يقوم من الليل ما شاء حتى يكون ذلك أوعى لقلبه وأنشط له وقد قال سلمان الفارسي رضي الله عنه لأبي الدرداء لما أراد أن يقوم من أول الليل : نم فنام ثم ذهب يقوم فقال : نم فلما كان آخر الليل قال : سلمان قم الآن ، فصليا فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان .(9)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري 1135 ، رواه مسلم 773
(2) رواه البخاري 1118 واللفظ له ، رواه مسلم 731
(3) رواه البخاري 994
(4) رواه مسلم 765
(5) رواه أحمد 1459
(6) رواه مسلم 746
(7) رواه البخاري 5063 واللفظ له ، رواه مسلم 1401
(8) رواه البخاري 1131 ، رواه مسلم 1159 واللفظ له .
(8) رواه البخاري 1969
فصل : ما جاء في فضل الصلاة في آخر الليل(1/28)
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل. (1)
وقال صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر ......) (2)
وهو آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في وتره فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى السحر . (3)
ولكن قد يكون أول الليل أفضل باعتبار الأعيان لا باعتبار الزمان وذلك عندما يعلم المسلم من نفسه أنه لا يستطيع
القيام من آخر الليل لانشغاله في أول الليل فيتأخر في نومه أو غير ذلك فإن مثل هذا يكون وتره قبل النوم أفضل له
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ) .
وممن ورد عنه الوتر قبل النوم أبو بكر وأبو هريرة وبعض الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين .
فائدة : الصلاة بعد القيام من النوم أفضل قال الله تعالى ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئاًً وأقوم قيلاً ) المزمل آية 6
قال ابن سعدي في تفسيره : أي الصلاة فيه بعد النوم أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن يتواطأ على القرآن القلب واللسان وتقل الشواغل ويفهم ما يقول ويستقيم له أمره . (4)
فصل : ما جاء في فضل القيام والسجود
اختلف أهل العلم هل القيام أفضل أم كثرة الركوع والسجود على ثلاث أقوال
القول الأول : أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود وهو رواية عن أحمد وقال به الشافعي وقال به عطاء والحسن وأبو حنيفة ومسروق وإبراهيم النخعي وغيرهم واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أفضل الصلاة طول القنوت ) وفي رواية عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الصلاة أفضل فقال : طول القنوت ) .(5)(1/29)
قال النووي في شرحه على مسلم : القنوت طول القيام باتفاق العلماء فيما علمت .(6)
وروى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل ؟ قال " طول القيام . (7)
وقالوا أن هذه الأدلة صريحة في تفضيل القيام على غيره من أعمال الصلاة . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القيام كما في حديث عائشة وابن مسعود وغيرهم .
القول الثاني : أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وهذا أيضا رواية عن أحمد ويحكى هذا القول عن ابن عمر وقال به الأوزاعي ومحمد بن الحسن واستدلوا بعدة أحاديث منها :
حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه سلم فأتيته بوضوءه وحاجته فقال لي سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود . (8)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 755
(2) رواه البخاري 1145 ، رواه مسلم 758
(3) رواه البخاري 996 ، رواه مسلم 745
(4) تفسير ابن سعدي ص 893 تحقيق : عبد الرحمن اللويحق مؤسسة الرسالة
(5) رواه مسلم 756
(6) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 6/ 35
(7) رواه أبو داود 1325 صححه الألباني بلفظ أي الصلاة
(8) رواه مسلم 489
وحديث أبي أمامة وفيه : وأعلم أنك لن نسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة .(1) وحديث ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله عز وجل بها درجة وحط عنه بها خطيئة . (2)
القول الثالث : أن القيام والسجود سواء في الأفضلية وقال بذلك شيخ الإسلام(1/30)
وهذا بعض من كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة قال : أرجح الأقوال أن كليهما سواء فإن القيام أختص بالقراءة وهي أفضل من الذكر والدعاء والسجود نفسه أفضل من القيام فينبغي أنه إذا أطال القيام أن يطيل الركوع والسجود وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له أي الصلاة أفضل فقال طول القنوت فإن القنوت هو إدامة العبادة سواء كان في حال القيام أو الركوع أو السجود قال تعالى : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ) فسماه قانتا في حال سجوده كما سماه قانتا في حال قيامه . (3)
وقال في موضع آخر : والصواب في ذلك أن تقليل الصلاة مع كثرة الركوع والسجود وتخفيف القيام أفضل من تطويل القيام وحده مع تخفيف الركوع السجود .
وقال : وأما تفضيل طول القيام مع تخفيف الركوع والسجود على تكثير الركوع والسجود فغلط فإن جنس السجود أفضل من جنس القيام من وجوه متعددة . (4) المجموع 23
وخلاصة كلام شيخ الإسلام
أن تطويل القيام مع تطويل الركوع والسجود هو الأفضل ثم يأتي بعد ذلك تخفيف القيام مع كثرة الركوع والسجود ثم بعده تطويل القيام مع تخفيف الركوع والسجود .
وقول شيخ الإسلام أن القنوت الوارد في الحديث ليس المقصود به القيام فهذا غير صحيح فقد جاء مفسرا بأنه القيام بمار رواه أبو داود من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل ؟ قال " طول القيام . صححه الألباني بلفظ أي الصلاة .
وقال النووي في شرحه لحديث جابر : أن القنوت هو القيام باتفاق العلماء فيما علمت .
وسئل الأمام أحمد عن الأفضل طول القنوت أم كثرة الركوع والسجود قال : أحب إلى أن يكون للرجل ركعات معلومات بالليل إن شاء طول فيهن وإن شاء قصر . (5)
والثابت عن الإمام أحمد أنه لم يقضي فيهما بشيء . كما رواه الترمذي .(1/31)
وقال اسحاق أما في الليل فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود .
قال ابن حجر : والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال . (6)
والذي يظهر لي من خلال استعراض أقوال العلماء وأدلتهم أن الراجح قول شيخ الإسلام أن الأفضل طول القيام مع طول السجود وهو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فتكثير السجود أو تطويله مع تخفيف القيام أفضل من تطويل القيام مع تخفيف السجود والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد 22194
(2) رواه أحمد 22464
(3) مجموع الفتاوى 22 /273
(4) مجموع الفتاوى 23 / 71
(5) مسائل الأمام أحمد رواية اسحاق بن منصور الكوسج ص 167 دار الهجرة
(6) فتح الباري 3 / 531
فصل : ما جاء في صلاته صلى الله عليه وسلم قاعداً .
الأصل في صلاة النافلة أنها كصلاة الفريضة من حيث وجوب الإتيان بأركانها وواجباتها إلا ما دل الدليل على خلاف ذلك وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل في صلاة النافلة ما لم يفعله في الفريضة كالصلاة راكبا وإلى غير القبلة والصلاة داخل الكعبة ومنها الصلاة جالسا والمقصود بذلك الفرق عند عدم الحاجة أما إذا كانت هناك ضرورة فكل ما ذكر جائز في الفريضة
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا في صلاة الليل وليس هذا الغالب من فعله بل كان يفعله أحياناً خاصة لما ثقل في آخر عمره كما رُويَ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً حتى إذا كبِر قرأ جالساً . (1)
وعنها قالت ( لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً ) (2)
وعن حفصة قالت ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها . (3)(1/32)
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى صلى قاعداً . (4)
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى قائما ركع قائما وإذا صلى قاعداًُ ركع قاعداً
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد . (5)
وكان من فعله صلى الله عليه وسلم أنه يفتتح الصلاة قاعداً فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع قائما
فقد أخبرت عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك . (6)
قال ابن قدامة : لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً وأنه في القيام أفضل وقد قال صلى الله عليه وسلم : من صلى قائماً فهو أفصل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم . (7) وفي لفظ مسلم ( صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة ) (8) ولأن كثيراً من الناس يشق عليه طول القيام فلو وجب في التطوع لترك أكثره فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة في السفر .(1/33)
مسألة : يستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعاً روي ذلك عن ابن عمر وأنس وابن سيرين ومجاهد ومالك والشافعي وإسحاق وروي عن أبي حنيفة روايتين أنه يجلس كما تقدم والثانية أنه يجلس كيف شاء وروي عن ابن المسيب وعروة وابن عمر يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته . ثم قال ابن قدامة ولنا أن القيام يخالف القعود فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره لمخالفة عيره وهذا الذي ذكرناه مستحب وليس واجب إذ لم يرد بإيجابه دليل قال أحمد ويروى عن أنس أنه صلى متربعاً فلما ركع ثنى رجليه وحكى ابن المنذر عن أحمد وإسحاق أنه لا يثني رجليه إلا في السجود خاصة . ثم قال ابن قدامة : وهو أقيس لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته وهذا أصح في النظر . (9)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم 731
(2) رواه مسلم 732
(3) رواه مسلم 733
(4) رواه مسلم 734
(5) رواه مسلم 730
(6) رواه البخاري 1118 واللفظ له ، رواه مسلم 731
(7) رواه البخاري 1116
(8) رواه مسلم 735
(9) المغني 1 / 811 دار الفكر بيروت
فصل : ما جاء في الإسرار والجهر في صلاة الليل
صلاة النافلة الأصل فيها الإسرار ولكن قد يكون الجهر والإسرار في ذلك سواء كصلاة الليل قال عبد الله بن قيس : سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل أكان يسر بالقراءة أم يجهر قالت : كل ذلك كان يفعل ربما أسر بالقراءة وربما جهر فقلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة . (1)
وعن أبي هريرة أنه قال : كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا . (2)
عن ابن عباس قال : كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت . (3)(1/34)
قال ابن قدامة : وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار إلا أن يكون الجهر أنشط له في القراءة أو كان بحضرته من يستمع لقراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل وإن كان قريباً منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى وإن لم يكن لا هذا و لا هذا فليفعل ما شاء . (4)
والأصل في هذه المسألة ما رواه أبو داود عن أبي قتادة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فإذا هو بأبي بكر يصلى يخفض صوته قال : ومر بعمر بن الخطاب وهو يصلى رافعا صوته قال : فلما اجتمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلى تخفض صوتك قال : قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله قال : يا أبا بكر ارفع صوتك شيئا قال وقال لعمر " مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " قال فقال يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال : اخفض صوتك شيئاً . (5)
وهذه الوصية النبوية هي الأنفع في هذا وذلك أنه أنشط لقارئه وأبعد له عن الرياء وأسمع لمن بحضرته دون إيذاء والله أعلم .
فصل : في جواز تكرار الآية في قراءة الليل
روي الأمام أحمد عن جسرة بنت دجاجة عن أبي ذر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) المائدة فلما أصبح قلت يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد قال إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً . (6)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي 449 قال الترمذي حديث حسن صحيح
(2) رواه أبو داود 1328
(3) رواه أبو داود 1327
(4) المغني 1 / 809
(5) رواه أبو داود 1329
(6) رواه البيهقي في شعب الأيمان 2037 دار الكتب العلمية ـ بيروت ، مصنف ابن أبي شيبة 3767
فصل : ما جاء في الصلاة على الراحلة(1/35)
روى البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر رصي الله عنهما يصلي على راحلته ويوتر عليها ويُخبر أن النبي صلى الله عليه نسلم كان يفعله . (1)
كذلك كان يصلي حيثما توجهت به راحلته فعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به .(2)
وعن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة . (3)
ويجعل السجود أخفض من الركوع كما ورد عن جابر رضي الله عنه قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق ويومئ إيماء السجود أخفض من الركوع . (4)
وقد استحب بعض أهل العلم أن يستقبل القبلة عند التكبير وهو قول أحمد والشافعي وأبو ثور
فائدة : يجوز للمصلي أن يصلي الفريضة على راحلته في حالة الخوف كالحرب وغيره وفي حالة الطين والوحل قاله أحمد .
فصل : ما جاء في القراءة بالوتر
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بثلاث مفصولة ومتصلة وكان يقرأ فيها بسبح والكافرون وقل هو الله أحد .
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في ركعة ركعة . (5)
وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات كان يقرأ في الأولى بـ سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله احد . (6)
وورد في حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي وغيره زيادة المعوذتين مع قل هو الله أحد (7)
فصل : ما جاء في الدعاء بالوتر(1/36)
روى الترمذي عن الحسن رضي الله عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر ( اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت . (8)
وروي عن على رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . (9)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري 1095
(2) رواه البخاري 1093
(3) رواه البخاري 1099
(4) رواه أحمد 14595 ، رواه أبو داود 1227 دون لفظ ( يومئ إيماء ) ، رواه الترمذي 351 مثل لفظ أبي داود
(5) رواه الترمذي 462
(6) رواه النسائي 1701
(7) رواه أبو داود 1424 ، رواه الترمذي 463 وقال حسن غريب وقد أنكر هذه الزيادة أحمد وابن معين وقال شعيب الأرناؤوط في المسند إسناده ضعيف فيه عبد العزيز بن جريج لا يتابع في حديثه ومن أهل العلم من صححه كالألباني والله أعلم .
(8) رواه أبو داود 1425 ، رواه الترمذي 464 دون لفظ ولا يعز من عاديت
(9) رواه أبو داود 1427 ، رواه الترمذي 3566
وقد أختلف أهل العلم في استحباب القنوت في الوتر من عدمه على أقوال
فبعضهم يرى استحباب القنوت في السنة كلها وهذا قول ابن مسعود وسفيان الثوري وابن المبارك واسحاق وأهل الكوفة .
وبعضهم يقول أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان وهو قول الشافعي وأحمد
والأفضل عدم المداومة على القنوت لأن كل من روى وتر النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أنه قنت فيه إلا في حديث على المتقدم وليس صريحا أنه بعد الركوع أو قبله .(1/37)
وإن قنت المصلى قبل الركوع أو بعده فلا بأس فالكل جائز وإن كان الأفضل بعد الركوع فهذا هو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقنت في صلواته وقد روي القنوت بعد الركوع عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي قلابة وقال به أحمد والشافعي وروي القنوت قبل الركوع عن عمر وعلي وابن مسعود والبراء وصفته إذا انتهى من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر للركوع .
وروي عن أنس أنه سئل عن القنوت في الصبح فقال : كنا نقنت قبل الركوع وبعده . (1)
فصل : ما جاء في الدعاء بعد الوتر
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وكان يقول إذا سلَّم سبحان الملك القدوس ثلاثاً يرفع صوته بالثالثة . (2)
ويقال هذا الدعاء بعد التسليم وقبل الاستغفار
فصل : فيمن نام عن وتر ه كيف يقضيه
روى ابن ماجه وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكره . (3)
وعن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نام عن وتره فليصل إذا أصبح . (4)
وقد أختلف أهل العلم هل يقضى الوتر على صفته أم يقضيه شفعا
القول الأول : أنه يقضيه على صفته إذا كان بعد أذان الصبح وقبل الصلاة أما بعدها فلا
وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وعائشة وغيرهم وقال به الشافعي ومالك والثوري وأحمد والأوزاعي .
واستدلوا بما سبق : ( من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر )
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن ماجه 1183
(2) رواه النسائي 1733 ، رواه أحمد 15398
(3) رواه ابن ماجه 1188 ، رواه الترمذي بلفظ ( فليصل إذا ذكر وإذا استيقظ ) 465 وصححه الألباني
(4) رواه الترمذي 466(1/38)
القول الثاني : أن الوتر لا يقضى على صفته وإنما يقضيه شفعاً وقال به عطاء وسعيد بن جبير وأبو موسى الأشعري واحتجوا بعموم النهي كقوله صلى الله عليه وسلم ( من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له ) (1)
وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا
قبل طلوع الفجر . (2)
والراجح هو القول الثاني فهو أقوى أثراً قولا وفعلاً
أما قولاً ففي الحديث السابق ( فلا وتر له )
وأما فعلاً فما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة . (3) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
وهذا الخلاف في حق الناسي والنائم أما المتعمد فلا يشرع في حقه القضاء .
فائدة :إذا كان للعبد حزب من الليل يقرأه فنام عنه فإنه يقرأه من النهار وله أجره
فقد روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنه قرأه من الليل .(4)
وهذا يدل على حصول أجر قراءة الليل وإن لم يقضي الصلاة .
فصل : ما جاء في الركعتان بعد الوتر
عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين
قال أبو عيسى وقد روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم . (5)
وورد عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها وفيه : ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد . (6)
قال النووي : أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر وبيان جواز النفل جالساً . (7)
والأمام أحمد لا يستحب فعلهما وإن فعلهما إنسان جاز وقال : ولكن يكون وهو جالس كما في الحديث
وقال : لا أفعله ولا أمنع من فعله . وأنكر مالك هاتين الركعتين .(1/39)
قال ابن قدامه : والصحيح أنهما ليست بسنة لأن أكثر من وصف تهجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما وأكثر الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم على تركها . (8)
وقال ابن القيم : والصواب أن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما
إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعده تكميل له فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم . (9)
والذي يظهر لي أن الركعتان يستحب فعلهما عند الوتر بتسع وسبع و لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يداوم عليها بعد كل وتر وإنما الذي ورد أنه كان يصلى ركعتين بعد الوتر جالسا في وتره بتسع ركعات وسبع ركعات كما في حديث عائشة عند مسلم فيبقى الاستحباب فيما ورد والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ابن حبان 2408 ، رواه الحاكم 1125 (7) المنهاج 6 /21
(2) رواه الترمذي 469 (8) المغني 1/ 799
(3) رواه مسلم 746 (9) زاد المعاد 1 / 322
(4) رواه مسلم 142 (10) رواه مسلم 746
(5) رواه الترمذي 471
(6) رواه مسلم 746 ، 738
فصل : ما جاء في عدم جواز الوتر مرتين في ليلة واحدة
روى الترمذي من حديث قيس بن طلق بن على عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا وتران في ليلة . وهو حديث حسن (1)
واختلف العلماء فيمن أوتر أول الليل ثم قام من آخره هو يشفع وتره ثم يصلي ما بدا له ثم يوتر أم يصلي شفعا ويكفيه وتره من أول الليل :
القول الأول : أنه لا ينقض وتره وإنما يصلي ما بدا له شفعاً وهو قول أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور
وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( لا وتران في ليلة ) (2)
وكذلك استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد الوتر جالساً (3)(1/40)
القول الثاني : أنه يجوز أن يشفع الوتر ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر وروي هذا عن عمر وعلي وأسامة وأبي هريرة وابن عمر وهو قول إسحاق واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) (4)
والذي يظهر لي أن الراجح هو القول الأول لعدة أوجه :
* صراحة دليل القول الأول في النهي عن الوتر مرتين .
* أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد الوتر وفعله دليل على جواز الشفع بعد الوتر وأن ذلك لا يضر وتره
* أن الدليل الذي استدل به أصحاب القول الثاني ليس صريحا في الدلالة على جواز نقض الوتر وإنما مقصود الحديث أن يكون آخر صلاته وتراً لمن لم يوتر فمن أوتر قبل ذلك فلا حاجة للوتر مرة أخرى
* أن شفع الوتر يؤدي في صورته أنه أوتر ثلاث مرات وقد ورد عن ابن عباس لما بلغه أن ابن عمر يشفع وتره قال : إن ابن عمر ليوتر في الليلة ثلاث مرات . (5)
وروي عن عائشة رضي الله عنها لما ذُكر لها الرجل يوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة قالت : ذلك يلعب بوتره . (5)
والله أعلم .
وفي ختام هذا المبحث أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما كتبته خالصاً له و موجباً لرضوانه وأن ينفع به كاتبه وقارئه
وما كان فيه من صواب فمن الله وحده وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله بريئان منه
والله أعلى وأعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي 470 ، رواه أحمد 16339
(2) رواه الترمذي 470 ، رواه النسائي بلفظ آخر 1680
(3) رواه مسلم 746
(4) رواه البخاري 998 ، رواه مسلم 751
(5) مصنف عبد الرزاق 4682
(6) مصنف عبد الرزاق 4687
فهر س الموضوعات
فصل : تعريف الصلاة وفضيلتها .......................................................................... ص3
فصل : فضل صلاة الليل ..................................................................................ص4(1/41)
فصل :ما جاء في كراهية التشديد في العبادة .................................................................ص5
فصل : حكم صلاة الليل على النبي صلى الله عليه سلم .......................................................ص5
فصل : في تعريف الوتر وفضيلته وحكمه....................................................................ص6
فصل : في وقت صلاة الوتر ..............................................................................ص7
فصل : في ما يستحب فعله في صلاة الليل ..................................................................ص8
فصل : ما ورد في أدعية استفتاح صلاة الليل ................................................................ص9
فصل : ما جاء في الصلاة بثلاث عشرة ركعة ..............................................................ص10
القول الراجح في عدد الركعات التي ذكرها ابن عباس عند مبيته عند خالته ميمونة ............................ص11
فصل : ما جاء في الصلاة بإحدى عشرة ركعة .............................................................ص12
فصل : ما جاء في الصلاة بتسع ركعات ...................................................................ص14
فصل : ما جاء في الصلاة بسبع ركعات....................................................................ص15
فصل : ما جاء في الصلاة بخمس ركعات ..................................................................ص15
فصل : ما جاء في الصلاة بثلاث ركعات ..................................................................ص16
فصل : ما جاء في الصلاة بركعة واحدة ...................................................................ص17
فصل : ما جاء في طول صلاة الليل .......................................................................ص17(1/42)
فصل : ما جاء في الصلاة آخر الليل ......................................................................ص19
فصل : ما جاء في فضل القيام والسجود ..................................................................ص19
بعض من كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة ..............................................................ص20
فصل : ما جاء في صلاته صلى الله عليه وسلم قاعداً ......................................................ص21
فصل : ما جاء في الإسرار والجهر في صلاة الليل ..........................................................ص22
فصل : ما جاء في الصلاة على الراحلة ...................................................................ص23
فصل : ما جاء في الدعاء في الوتر ........................................................................ص23
فصل : ما جاء في الدعاء بعد الوتر .......................................................................ص24
فصل : فيمن نام عن وتره كيف يقضيه ..................................................................ص24
فصل : ما جاء في الركعتان بعد الوتر ....................................................................ص25
فصل : ما جاء في عدم جواز الوتر مرتين في ليلة واحدة ...................................................ص26(1/43)