بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله ..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعه ضلاله وكل ضلاله فى النار.
* قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)} ( الأعراف 33)
* وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ( :
" لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ".
* ومما لا شك فيه أن الزنا هو من أفحش الفواحش لما فيه من تمزيق للأعراض واختلاط للأنساب من أجل ذلك نهانا الله من الاقتراب منه فقال تعالى :
{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)} ( الإسراء 32 )(1/1)
- وفي مسند الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله ( :
" ما تقولون في الزنا؟ قالوا هو حرام حرمه الله عز وجل ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة"
* ولذلك فإن المؤمنين أصحاب النفوس السوية والفطرة السليمة لا يحبون هذا الأمر.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبي أمامه :
" أن فتى شابًا أتى النبي ( فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فاقبل القوم عليه فزجروه وقالوا (مه، مه) فقال أدنه، فدنا منه قريبًا فقال: أجلس فجلس
فقال (أتحبه لأمك)؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم
قال (أفتحبه لابنتك)؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم
قال (أفتحبه لأختك)؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم
قال (أفتحبه لعمتك)؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم
قال (أفتحبه لخالتك)؟ قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم
فوضع النبي ( يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن قلبه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت على شيء ".
* ومن استخف بأوامر الله وتعد حدوده ووقع فيما نهاه عنه فقد استحق عقاب الله.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي ( قال:
" ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل ".
* وهذا العقاب قد يكون آخروي كما قال تعالى:
{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)} ( الفرقان 68 : 69 )
* وأما العقوبة الدنيوية فتظهر في قول النبي ( في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم في المستدرك من حديث ابن عمر وهو حديث طويل وفيه :(1/2)
" يا معشر المهاجرين:خمس إن ابتليتم لهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا "
* فما هو نازل اليوم بالأمة من كثرة الحورب والإرهاب والفيضانات والزلازل والأمراض والأدواء المعضلة كل ذلك بسبب الزنا والإعلان به وشيوعه في كل مكان وناد.
*
فمن أجل عدم الوقوع في هذه الفاحشة النكراء والجريمة الشنعاء وضع الله عز وجل ضوابط وحواجز شرعية تمنع فتنة أحد الجنسيين بالأخر وتسد كل طرق وأبواب الفاحشة.
* فمن هذه الضوابط والحواجز التي وضعها الله عز وجل لتكون سياجًا بين الرجل والمرأة لعدم وصول كلا منها للأخر هو غض البصر.
قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ } ( النور 30، 31 )
وغض البصر معناه: الخفض وإطباق الجفن على العين بحيث يمنع الرؤيا وقد يكون بمجرد صرف البصر عن المنهي عنه.
* قال ابن باز:
فأمر الله عز وجل في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك .
* قال السيوطي في تفسير هذه الآية:
وفي الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرجال وتحريم كشفها.
* قال ابن القيم :
فلما كان غض البصر أصلاً لحفظ الفروج بدأ بذكره فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق القلب شهوته لأن العين مرآة القلب.(1/3)
* فهناك ربط بين غض البصر وحفظ الفرج لأن الوقوع في الفواحش إنما يكون بمقدمات يأخذه الشيطان خطوة خطوة ولذلك قال ربنا {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}
نظرة - خطرة - فكرة - إرادة - عزيمة - فعل ، فالشيطان يستدرجه دركة دركة.
* قال بعض أشياخ الشام :
من أعطى من نفسه أسباب الفتنة أولاً لم ينجو منها وإن كان جاهدًا.
* ولتقريب هذه الصورة تعال لننظر إلى المثل الذي ضربه ابن القيم كما في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
*
قال ابن القيم:
مثل الرجل الذي يتبع النظرة الأولى الثانية ولا يغض الطرف عما حرم عليه كمثل رجل ركب فرسًا جديدًا فمالت به إلى درب ضيق أخره عطبه، هذه الدرب ضيق بحيث ينفذ فيه هذا الفرس بصعوبة وإذا دخل فإنه لا يستطيع أن يستدير فيه فإذا همت بالدخول فيه فاكبحها لئلا تدخل فإذا دخلت خطوة أو خطوتين فصيح بها وردها إلى الوراء عاجلاً قبل أن تتمكن من الدخول فإن رددتها على الوراء سهل الأمر وإن توانيت حتى ولجت (دخلت) وسقتها داخلاً ثم قمت تجذبها بذنبها عسر عليك أو تعذر خروجها فهل يقول عاقل إن طريق تخليصها سوقها إلى الداخل؟
- فكذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجل الحازم وحسم المدة من أولها سهل علاجه. وإن كرر النظر ونقب في محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه تمكنت المحبة وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تنمى حتى يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن ويلقي القلب في التلف. والسبب في هذا أن الناظر التذت عينه بأول نظرة فطلبت المعاودة كأكل الطعام اللذيد إذا تناول منه لقمة ولو أنه غض أولاً لاستراح قلبه وسلم.(1/4)
* وكما روي عن النبي ( كما عند الحاكم في المستدرك والطبراني (النظرة سهم من سهام إبليس) فإن السهم شأنه أن يسرى في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر واستفرغه و إلا قتله ولابد. فغض البصر استعفاف وهو وسيلة لحفظ الفرج والفلب فالعين رائد القلب كما قال بعضهم.
ألم تر أن العين للقلب رائد…………فما تآلف العينان فالقلب آلف
* ويقول ابن القيم كذلك كما في كتابه الجواب الكافي عندما تكلم عن الزنا فقال:
ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حظ الفرج فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة - ثم تكون خطرة - ثم خطوة - ثم خطيئة فإما اللحظات فهى رائدة الشهوة ورسولها وحفظها أصل حفظ الفرج فمن أطلق نظرة أورد نفسه موارد الهلاك والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته. أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه وهذا من أعظم العذاب.
*
وسُئل ابن القيم:
ما تقول السادة العلماء في رجل نظر إلى امرأة نظرًة فعلق حبها بقلبه واشتد عليه الأمر فقالت له نفسه هذا كله من أول نظرة فلوا أعدت النظر إليها لرأيتها لذهب ما في نفسك (ملئت عيني منها فهدئ البال وارتاح الخاطر)
قال ابن القيم:
الحمد الله لا يجوز هذه لعشرة أوجه ثم ذكر منها :-
1) أن الله سبحانه أمر بغض البصر ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد.
2) أن النبي ( سئل عن نظر الفجأة وقد علم أنه يؤثر فى القلب فأمر بمداواته بصرف البصر لا بتكرار النظر.
3) إن النظرة الأولى سهم مسموم من سهام إبليس ومعلوم أن الثانية أشد سمًا فكيف يتداوى من سم بالسم.
إلى أخر ما قاله رحمة الله عليه وقوله سبحانه : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.
انظر كيف قدم الله غض البصر على حفظ الفرج والسر في ذلك أن النظر بريد الزنا ورائد الفجور
* كما قيل:(1/5)
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدًا
رأيت الذي لاكله أنت قادر عليه
لقلبك يومًا أتعبتك المناظر
وعلى عن بعضه أنت صابر
* وانظر مرة أخرى إلى كلام ابن القيم عندما قال:
ولما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه وأباحته في موضع الحاجة وهذا شأن كل ما حرم تحريم الوسائل فانه يباح للمصلحة الراجحة كما حرمت الصلاة في أوقات النهي لئلا تكون وسيلة إلى التشبيه بالكفار في سجودهم للشمس، أبيحت للمصلحة الراجحة كقضاء الفوائت وصلاة الجنازة وفعل ذوات الأسباب على الصحيح .
*
من اجل هذا قال الله عز وجل {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ} (ومن) هنا تبعيضية أي انه لم يأمر الله عز وجل بغض البصر مطلقا بل أمر بالغض منه لان هناك أمور مستثناة في النظر .
1- كالخطبة :
فأباح الشرع للخاطب أن ينظر إلى من أراد أن يخطبها كما عند الترمذي أن النبي ( قال: انظر إليها فانه أحري أن يؤدم بينكما
2- وعند نظر القاضي للشاهدة .
3- والتداوى .
* فجاء حرف (من) لبيان أنه يجوز النظر في حالات معينة أما عند حفظ الفرج فلم يقل عز وجل ويحفظوا من فروجهم و إنما قال ويحفظوا فروجهم لان حفظ الفرج فواجب فى كل الأحوال مأمور به، وحفظ الفرج اعم من كل محرم سواء أكان هذا الحفظ هو الإفضاء إلى كل محرم أو حفظ الفرج بمعني التستر أي عدم التكشف والإيراد.
* ثم قال تعالى :{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أن غض البصر وحفظ الفرج اطهر للنفس واتقي للدين وأزكي للمؤمن في الدنيا والآخرة.
* فان الله لم يشرع هذه الشريعة والأمر بغض البصر وحفظ الفرج تعنتا على الناس ومشقة على النفس إنما رحمة بهم لأنه إذا فتح هذا الباب فانه يؤدى إلى اختلاط الأعراض والأنساب وفساد عريض في الأرض.
* ثم قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } وختم الله الآية بهذا القول ليعلم كل إنسان منا إن الله خبير بما يصنعه الناس وانه لا يخفي عليه خافية.(1/6)
* وفي ذلك تحذير للمؤمنين من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بان الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله وأحواله كما قال الله تعالي :{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}
فإذا عرفوا ذلك فيجب أن يكونوا على تقوى وحذر منه في كل حركة وسكون. (غافر)
* وينبغي على العبد أن يستحي من الله أن يراه علي معصية.
* قال ابن الحوزى:
إنما بصرك يا آخي نعمة فلا تعصي الله بنعمة.
1- إطلاق البصر زنى العينين
اخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ( قال:
" كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناهما البطش، والرجل زناها الخطأ والقلب يهوي ويتمني ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ".
فبدا الرسول ( بزنى العين لأنه اصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصى بالنظر وان ذلك زناها .
* ولذلك ثبت في حديث البخاري من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال:
" كان الفضل رديف رسول الله ( فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي ( يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. فقالت يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة افأحج عنه؟ قال نعم وذلك في حجة الوداع ".
* قال ابن حجر إطلاق الزنا على اللمس والنظر وغيرهما بطريق المجاز لان كل ذلك من مقدماته ونقل عن ابن بطال قال: سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعوا إلى الزنا الحقيقي.
* فهذا قول وفعل النبي ( في هذا الأمر فليعلم الجميع أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس ومن أطلق لحظته دامت حسرته
* كما قال الشاعر
كل الحوادث مبدؤها النظر … … ومعظم النار من مستصغر الشرر(1/7)
* فالنظر إلى النساء ومحاسنهن يعتبره الإسلام زنا، وكذلك الفم له حظه من الزنا وهو الكلام مع النساء الأجنبيات لغير غرض مشروع فأحرى التقبيل والأذن حظها وهو الإصغاء لكلام المرأة والاستماع لغنائها والتلذذ بذلك واليد لها نصيبها وهو اللمس والمصافحة ونحو ذلك والرجل لها حظها وهو المشي إلى موعد ونحوه، وتمني الزنا واشتهاؤه حظ النفس والذي يحقق كل هذه المقدمات هو الفرج فحذار أن تكتب من الزناة وأنت لا تدرى فإياك إياك من إطلاق البصر وترك العنان له فان الأولى لك والثانية عليك لذا وجب عليك أن تلجمه بلجام الشرع.
1- اخرج الإمام احمد وأبو داود وحسنه الألباني أن النبي ( قال لعلي :
" يا علي لا تتبع النظرة فان لك الأولي وليست لك الثانية ".
* ومن هنا نعلم عن النهي عن اتباع النظرة والترخيص في النظرة الأولي وهو ما يعرف بنظر الفجأه فلا إثم فيها ولا حرج.
2- فقد اخرج الإمام مسلم من حديث جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنهما قال:
" سألت رسول الله ( عن نظر الفجأه فقال: أصرف بصرك
وفي رواية : فامرني أن اصرف بصري ".
* قال النووي في شرح مسلم
ومعني نظر الفجأه أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فان صرف فلاثم عليه وان استدام إثم.
- ثم نقل عن القاضي عياض رحمه الله انه قال: انه يجب على الرجال غض البصر عن النساء في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو الشهادة والمداواة وأراده الخطبة قال: و إنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة.
* بل جعل الرسول غض البصر من حقوق الطريق التي تلزم كل جالس فيها حتى لا تتخذ الطرقات ذرائع للترفه بمحاسن النساء وتأمل مفاتن الغاديات والرائحات.
* فقد اخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ( :(1/8)
" إياكم والجلوس على الطرقات قالوا : يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله ( أن أبيتم إلا الجلوس في الطرقات فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
* قال النووي:
وقد أشار النبي ( إلى علة النهي من التعرض من الفتنة و الأثم بمرور النساء وغيرهن وقد يمتد النظر إليهن أو فكر فيهن .
* وفي الحديث مشروعية سد الذرائع التي بنيت عليها فروع كثير فقهية وهي من أصول مذهب الإمام مالك بن انس ـ رحمه الله ـ وأدلتها كثيرة .
*
فهذه الخصال من حقوق الطريق التي يُلزم بها الجالس عليها ومنها غض البصر وكفه عن النظر إلى النساء وذلك في الأماكن العامة التي هي مظنة مرور العرايا والمتبرجات فان الجلوس في مثل هذه الأماكن جريمة ومنكر ولاسيما إذا اعتاده الإنسان فانه يفسق بذلك وهذه صرخة إنذار لمن يعتادون الجلوس على الطرقات ويتخذون من المقاهي مجالس للتسلية والنظر لما حرم عليه.
* وقد كان السلف الصالح أشد إيمانا واكثر عملا ومع هذا فإنهم لا يأمنون على أنفسهم فتنة النساء.
1- فكان انس يقول: إذا مرت بك امرأة فغض عينك حتى تجاوزك
2- وكان الربيع ابن خثيم:
يمشى فمر به نسوه فغض بصره وأطرق حتى ظن النسوة انه أعمى فتعوذن بالله من العمى.
3- وقال وكيع خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا
4- وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد : فلما عاد فقالت له امرأته كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك.
الله اكبر إنها قلوب غفت عن الحرام فعوضها الله خيرا وأذاقها حلاوة الإيمان.
أين هؤلاء ممن يطلقون البصر ليل نهار.
أين هؤلاء ممن يتابع مشاهد الفجور في التلفاز والفضائيات.
أين هؤلاء ممن يجلسون على المقاهي والطرقات ينظرون إلى الغاديات والرائحات.(1/9)
أين هؤلاء ممن يجلسون في الأندية ينظرون إلى كل رائحة وغادية.
* قال أبو حامد الغزالي كما في الأحياء
أن العين مبدأ الزنا فحفظها مهم وهو عسير من حيث إنه قد يستهان به و لا يعظم الخوف منه والآفات كلها عنه تنشا.
- والنظرة الأولي إذا لم تقصد لا يؤاخد بها والمعاودة يؤاخد بها. أ هـ
إلى كل رجل أو امرأة نظرا إلى الحرام فليعلم الجميع:
أن هذه النظرة ما هي إلا سهم مسموم فان أصابك سهم قتلك فكيف وان هذا السهم مسموم.
لا تظن أن هذه النظرة ستروى ظمئك فما أنت بذلك إلا كالذي يشرب ن ماء البحر فكلما ازداد شربا ازداد عطشا ويظل هكذا حتى يقتله.
- ولخطورة الأمر انظر إلى هذا الرجل الذي نظر إلى امرأة نصرانية فأعجبته ووقع حُبُها في قلبه فراودها عن نفسها فطلبت منه أن يتنصر فتنصر ومات على النصرانية ولو غض الطرف ما كان هذا.
* وصدق أبو الأعلى المودودي حيث قال:
من الذي يكابر في أن كل ما يحدث في الدنيا إلى هذا اليوم ولا يزال يحدث فيها من الفحشاء والفجور باعثه الأول والأعظم هو فتنة النظر.
1- فيا من وقعت في هذا المرض أعلم أنك ستسأل عن هذا البصر
قال تعالي: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
2- بل اعلم أن هذه العين ستشهد عليك يوم القيامة
قال تعالي: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)} ( فصلت 20)
- وفي صحيح مسلم من حديث انس ( قال:(1/10)
" كنا عند النبي ( فضحك فقال أتدرون مما اضحك ؟ فقلنا الله ورسوله اعلم، فقال من مخاصمة العبد ربه فيقول يارب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول رب العزة: بلي فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهد مني فيقول رب العزة: كفي اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله (فتقول العين أن للحرام نظرات) قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول لأعضائه بعدا وسحقا لكن فعنكن كنت أجادل ".
ألم تسمع قوله تعالي: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}
* قال ابن عباس في هذه الآية: هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فان رأى منهم غفلة نظر إليها فان خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز وجل من قلبه انه يود لو نظر إلى عورتها.
ألم تنظر كيف ختم الله الآية بقولة إن الله خبير بما يصنعون
فلا تجعل أخي الحبيب الله أهون الناظرين إليك وعليك بالمسارعة إلى التوبة والعودة والعلاج من هذا المرض.
1- الاستحياء من الله عز وجل حق الحياء
وذلك بالمراقبة والخوف من الله عز وجل وان تعمل بوصية النبي ( حيث قال: كما في كتاب الزهد للإمام احمد وحسنه الألباني :
" أوصيك أن تستحي من الله تعالي كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ".
* وعند الترمذى من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ( :
" استحيوا من الله حق الحياء، قالوا يا رسول الله : أنا لنستحي من الله حق الحياء، قال: من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعي وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ".
* قال سفيان بن عينيه : "كما فتح القدير"1/488
- فليحفظ الرأس وما وعى: ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا فيما يحل.
وليحفظ البطن وما حوى:(1/11)
أي وما جمعه الجوف باتصاله به، من القلب والفرج واليدين والرجلين فان هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شئ في معصية الله فان الله ناظر إلى العبد لا يواريه شي .
* سئل الجنيد بما يستعان على غض البصر؟
قال بعلمك أن نظر الله إليك اسبق إلى ما تنظر إليه.
* قال الإمام احمد :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ……خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ……ولا أن ما تخفي عليه يغيب
* فغض أخي الحبيب بصرك واحفظ فرجك إلا من حلال وعندها ابشر بوعد الله عز وجل حيث قال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى (40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى (41)}.
2- العزم الصادق والإرادة القوية والرغبة الجادة في التغير
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}
3- لا تعرض نفسك لمواطن الفتن (السوق - الاختلاط - .......)
4- معرفة عواقب إطلاق البصر
من فساد القلب وأسره - تشتت النفس - فقدان حلاوة الإيمان - فقدان لذة العبادة والخشوع - نسيان العلم وضعف الذاكرة - قسوة القلب والغفلة عن الآخرة - الوحشة - الظلمة - القلق - الاكتئاب - تيسير مدخل الشيطان (لان مدخل القلب العين).
5ـ الدعاء:
وكان النبي ( يقول كما عند الترمذي وحسنه الألباني :
" اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ".
- بل كان يقول النبي ( كما عند أبي داود وحسنه الألباني :
" اللهم أنى أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ".
6ـ الزواج:
- لقول النبي ( كما عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود :
" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليزوج فانه أغض للبصر واحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء "(1/12)
* ومما يؤكد على أن الزواج من اعظم العلاج لمرض النظر قول النبي كما عند مسلم أن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا ابصر أحدكم امرأة فليأتي أهله فان ذلك يرد ما في قلبه.
7- ومن وسائل العلاج النظر في فوائد غض البصر
1- امتثال أمر الله :
الذى هو غاية سعادة العبد في معاشة وميعاده، وليس للعبد في دنياه وأخرته انفع له من امتثال أوامر ربه.
- قال تعالي :{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى (124)} ( لقمان 123 : 124)
* ولا سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامر ربه وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضيع أوامره عز وجل .
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين والوجه وفي الجوارح
كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمه تظهر في وجهه وجوارحه ولذا ذكر الله عز وجل أية النور فى قوله تعالي {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بعد قوله {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذى امتثل أوامره واجتنب نواهيه كمشكاة
- وجاء الحديث مطابقا لهذا وهو ما أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي ( قال:
" النظرة سهم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه نورا ".
- وعند الحاكم بلفظ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه (ضعيف)
3- انه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا(1/13)
أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه وأيضا لما كف لذته وحبس شهوته اعاضه الله سبحانه وتعالي مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم: والله لذة العفة أعظم من لذة الذنب
4- تخليص القلب من ألم الحسرة
فان من أطلق نظراته دامت حسراته فاخر شى على القلب إرسال البصر كما قيل:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذى لاكله أنت قادر عليه ولاعن بعضه أنت صابر
*
فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية فان لم تقتله جرحته وهى بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فان لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل
كل الحوادث مبدأها من النظر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
يسر مقلته ما ضر مهجته
ومعظم النار من مستصغر الشرر
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
في أعين الغير موقوف على الخطر
لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
* وكان ابن الحاج يقول :
ووقع الإجماع على أن النظر أعظم الجوارح آفة على القلب وأسرع الأمور في خراب الدين والدنيا.
5- تخليص القلب من سكر الشهوة ورقده الغفلة
فان إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكره العشق، فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر، وسكران الخمر يفيق وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادما بين الخسرين .
* قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وما في الأرض اشقي من محب
وان وجد الهوى حلو المزاق
تراه باكياً في كل حال
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم
فتسخن عينه عند التلاقي
مخافة فرقة أو لاشتياق
ويبكي إن دنوا حذر الفراق
وتسخن عينه عند الفراق
6- انه يورث صحة الفراسة
لأنه إذا استنار القلب صحت فراسته لأنه يصير بمنزلة المراه المجلوة تظهر فيها المعلومات كما هى والنظر و النظر بمنزلة التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء في مراه قلبه فطمست نورها.
*(1/14)
كما قال شاه ابن شجاع الكرماني
من عمر ظاهرة بإتباع السنه وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد الحلال لا تخطى فراسته "وكان شاه هذا لا تخطى له فراسة .
* والله سبحانه وتعالي يجزى العبد على عمله بما هو من جنسه فمن غض بصره عن المحارم عوضه الله سبحانه وتعالي إطلاق نور بصيرته فلما حبس بصره لله أطلق الله نور بصيرته ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عن بصيرته.
7- انه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه
8- انه يجعل القلب مشغولا بما يصلحه معرضا عما يفسده
لان بين العين والقلب طريقا ومنفذا ولا ينفصل إحدهما عن الأخر وان كلا منها ينصلح بصلاح الأخر ويفسد بفساده.
فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وإذا فسد القلب صار كالمزبلة التى هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكن معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه. وإنما يسكن فيه أضاد ذلك
والذى يطلق البصر ينطبق عليه قوله تعالي: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) أغفلنا قلبه عن ذكرنا اتبع هواه كان أمره فرطا
9- يسد على الشيطان مدخله إلي القلب
لان العين بوابة إلي القلب والشيطان يدخل مع النظرة وينفذ معها إلي القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعله صنما يعكف عليها القلب ثم يعده ويمنيه ثم يوقد على القلب نار الشهوة ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيبعث ذلك على الفحش والفجور
* قال أبو الأعلى المودودي
ومن الذى يكابر في أن كل ما قد حصل في الدنيا إلي هذا اليوم ولا يزال يحدث فيها من الفحشاء والفجور باعثه الأول والأعظم هو فتنة النظر.
10- يمنع من وصول اثر السهم المسموم الذي يكون فيه هلاكه إلي قلبه(1/15)
فصاحب القلب السليم دائما يغض الطرف لأنه يعلم أن فيه هلاكه وصاحب القلب المريض يستلذ بهذا السهم الذي فيه هلاكه تماما كما يستلذ الأجرب بحك الجلد وحك الجلد يزيد المرض ضرار لأنه يعمل على توسيع الطريق للحشرة حتى تتوغل فيه تحت جلده فالأجرب يستلذ بهذا الحك وهو في الحقيقة يضر نفسه كذلك الذي يطلق بصره في ما حرم الله فإنه يضر نفسه ويقع في الفاحشة .
* قال الفخر الرازى
النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه اشد وأكثر ولا يكاد يحترس منه ويرحم الله من قال :
كم نظرت فتكت في قلب صاحبها ………فتك السهام بلا قوس ولا وتر
* ولذلك أرشد النبي ( من ابتلي نظرة الفجأة أن يداويه بإتيان امرأته وقال (إن معها مثل الذي معها) فإن في ذلك التسلي عن المطلوب بجنسه. ولئن النظر يثير قوة الشهوة فأمره بتنقيصها بإتيان أهله.
* اعلمي أن لك دورًا أساسيًا في القضاء على هذا المرض والقضاء على تلك الفاحشة فكما حرضنا الشباب على غض البصر وأمرناهم بهذا فلا ننسى أن نعالج أساس وأصل هذا المرض ألا وهو خروج المرآة متبرجة متعطرة سافرة عن محاسنها ومفاتنها فتكون سببًا في إغواء الرجال وحصول الفاحشة.
* فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد أن النبي ( قال:
" ما تركت بعدي فتنًة أضر على الرجال من النساء ".
* وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ( قال:
" اتقوا الدنيا واتقوا النساء ".
* وفي مسند محمد بن إسحاق السراج عن على ابن أبي طالب عن النبي ( أنه قال :
" أخوف ما أخاف على أمتي النساء والخمر ".
* فأنا لا أرضى لكي أختي المسلمة أن تكوني سببًا لإشعال فتيل الشهوة عند الرجال كما لا أرضى لكي أن تكوني ممن قال فيهم النبي كما في صحيح الإمام مسلم.(1/16)
" صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات(1) مائلات(2) مميلات(3) رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها إن ريحها ليوجد من سيرة كذا وكذا ".
_______________________________________________
(1) كاسيات عاريات : أي نساء تستر بعض بدنها وتكشف بعضه اظهاراً لجمالها أو تلبس ثوبًا رقيقًا يصف لون بدنها أو ثوب ضيقًا.
(2) مائلات: أي عن طاعة الله.
(3) مميلات: أي لغيرهن إلى فعلهن المذموم. أو مميلات بمشية متبخترات مميلات لأكتافهن.
*
فأين أنتي أختي المسلمة من قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (59)} ( الأحزاب 59)
* فالله عز وجل أمر نبيه بأن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين (وأنت منهن) إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالرداء فوق الخمار وستر العورات تكريم للمستور، وهو من الحياء والعفة والفطرة وفيه علو شأن المرآة.
* ولقد طبق هذا الأمر على بيت سيد المرسلين اشرف بيت وأطهر نساء العالمين فمن باب أولى أن يعم الأمر غيرهن وخاصة في هذا الزمن الذي كثر فيه الفحش والخنا والزنا والفجور.
* ولا ننسى أن نوجه كلمة إلى أولياء الأمور فأقول لهم:
اتقوا الله أيها الرجال فأنتم المسئولون بين يدي رب العالمين عن خروج نسائكم على هذه الصورة القبيحة فقد جعل الله لكم القوامة عليهن قال تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء 34).(1/17)
- فجعل الله أمر تأديب بناتكم وتهذيبهن في أيديكم وأوجب عليكم إرشادهن والمحافظة عليهن فمن توانى في ذلك وقصر في تربية بناته فخرجت سافرة متبرجة فأن ذنوبهن وأوزارهن واقعة على رؤوسكم وأنت مؤاخذون به يوم القيامة وأذكركم بقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} (التحريم 6)
وأسأل الله أن يوفقكم لما يحبه الله ويرضاه
وأن يصلح شبابنا وأن يستر بناتنا
إنه ولي ذلك والقادر عليه
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
??
??
??
??(1/18)