عِيَادَةُ الْمَرِيضِ( آدَابٌ وَأَحْكَامٌ)
تمهيد
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب:70،71 )
أما بعد....
فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد .... ،
وقبل الكلام عن آداب وأحكام عيادة المريض نتكلم أولاً عن تعريف المرض:
تعريف المرض:
يقول ابن منظور– رحمه الله - في لسان العرب في تعريف المرض:
ـ المرض: السقم نقيض الصحة، ومرض فلان مَرَضَاً ومرضا فهو مارضٌ ومَرِضٌ ومريض،
والأنثى: مريضة .
وقال الراغب في المفردات في غريب القرآن:
ـ المرض: الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضَرْبان:
الأول: مرض جسمي وهو المذكور في قوله تعالي: {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ }(النور:61) ، (الفتح:17).(1/1)
الثاني: عبارة عن الرذائل كالجهل، والبخل، ونحو قوله تعالي: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} (البقرة:10)
قال ابن فارس في مجمل اللغة:
ـ المرض: كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة ونفاق أو تقصير في أمر
ـ والتمريض: القيام علي المريض .
قال ابن حزم – رحمه الله - (2/117):
ـ المرض: هو كل ما أحال الإنسان عن القوة والتصرف، هذا حكم اللغة التي بها نزل القرآن، وبالله تعالي التوفيق .
وقال القرطبي – رحمه الله - (5/216):
ـ المرض: عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال، والاعتياد إلي الاعوجاج والشذوذ .
- حُكْمُ عيادة المريض -
* ذهب فريق من أهل العلم إلى أن زيارة المريض واجبة
منهم البخاري وابن حزم وشيخ الإسلام وابن عثيمين – رحمة الله عليهم- واستدلوا بالأحاديث التي تؤكد علي زيارة المريض وتؤمر بذلك منها:-
ما أخرجه البخاري عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أطعموا الجائع وعودوا المريض (1) وفكوا العاني(2) " .
(1) استدل أهل العلم بذلك على مشروعية العيادة في كل مريض، رجلاً كان أو امرأة، كبيراً أو صغيراً، مسلماً أو كافراً، أياً كان مرضه. ... ...
(2) العاني: الأسير
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"عودوا المرضى واتَّبِعُوا الجنائز تُذكركُم الآخرةَ " ... ... ... ... (صحيح الجامع:4109)
ولهذا قال ابن عثيمين – رحمه الله – كما في شرح الممتع (7/307):
إنه واجب كفائي وهذا اختيار ابن تيمية – رحمه الله - .
وأخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال:(1/2)
"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم. ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن الشرب في الفضة ـ أو قال: آنية الفضة ـ وعن المياثر(1)، والقسي (2)، وعن لبس الحرير، والديباج (3)، والإستبرق (4).
(1) المياثر: هي غطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن علي السروج، ويكون من الحرير، ويكون من الصوف وغيره.
(2) القسي: ثياب مضلعة بالحرير .
(3) الديباج: ثياب من الحرير .
(4) الإستبرق: غليظ الديباج .
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"حق المسلم علي المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس" .
وجزم البخاري بالوجوب حيث بوب علي هذا الحديث فقال: "باب وجوب عيادة المريض"
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"حق المسلم علي المسلم ست: قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك(1) فانصح له، وإذا عطس فحَمِدَ اللهَ فشمِّته(2)، وإذا مرض فَعُدْه، وإذا مات فاتَّبعه".
(1) إذا استنصحك: فمعناه طلب منك النصيحة فعليك أن تنصحه ولا تداهنه ولا تغشه، ولا تمسك عن بيان النصيحة والله أعلم . ... ... ... ... ... ... ... ... (النووي بشرح مسلم)
(2) فشمته: تشميت العاطس أن يقول له: يرحمك الله ،وسُمِيَ الدعاء للعاطس بالرحمة: تشميتاً؛ لأنه دعاء له بما يزيل عنه شماتة الأعداء، وهي فرحهم بما يصيبه.
ويقال بالسين المهملة والمعجمة وهي لغتان مشهورتان
قال الأزهري:
قال الليث: التشميت ذكر الله تعالي علي كل شيء ومنه قوله للعاطس: يرحمك الله .
قال ثعلب:(1/3)
يقال: شمت العاطس وشمته: إذا دعوت له بالهدي وقصد السمت المستقيم، قال والأصل فيه السين المهملة فقلبت شيناً معجمة .
وقال صاحب المحكم:
تسميت العاطس معناه: هداك الله إلى السمت (وهو السداد والاستقامة).
فلهذه الأحاديث ولغيرها ذهب بعض من أهل العلم إلى الوجوب .
يقول ابن حزم كما في المحلى (5/172):
وعيادة مرضى المسلمين فرض ولو مرة علي الجار الذي يشق عليه عيادته، ولا نخص مرضاً عن مرض.
* وذهب فريق آخر إلى أن زيارة المريض مستحبة
قال ابن قدامة – رحمه الله – كما في المغني (3/361):
ويستحب عيادة المريض .
وقال النووي – رحمه الله – كما في المجموع (5/109):
ويستحب عيادة المريض، لما جاء في الحديث عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال:
"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتباع الجنائز وعيادة المريض" .
فقال: "أمرنا " أي: أمر ندب .
وقال النووي أيضاً كما في شرح مسلم (14/257):
وأما عيادة المريض فسنه بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي .
ولعل ما يُستدل به لهذا الرأي ما أخرجه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر– رضي الله عنهما- أنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من الأنصار فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة ؟ فقال: صالح(1) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :من يعوده منكم ؟ فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس(2) قمص نمشي في تلك السباخ(3) حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه" .
(1) صالح: يكنى بها عن المرض تفاؤلاً، كما يقال عن الصحراء مفازة تفاؤلاً .
(2) قلانس: ملابس الرؤوس.
(3) السباخ: الأرض التي تعلوها الملوحة لا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.(1/4)
فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابته ـ رضي الله عنهم ـ "من يعوده منكم" فهذا يصح صارف لأحاديث الوجوب إلى الاستحباب، إذ لو كانت عيادة المريض واجبة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع الصحابة أن يذهبوا معه والقول بالاستحباب هو قول الجمهور .
الراجح:
أن زيارة المريض قد تكون واجبة في حق البعض كالأهل والأقارب والجيران، ومستحبة في غيرهم، جمعاً بين الأدلة.
هذا ما قرره ابن بطال – رحمه الله - فقد نقل الحافظ في الفتح (10/112) عنه قوله:
يحتمل أن الأمر علي الوجوب بمعني الكفاية كإطعام الجائع، وفك الأسير، ويحتمل أن يكون للندب للحث علي التواصل، وجزم الداودي بالأول فقال: فرض يحمله بعض الناس عن بعض.
وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض الناس دون بعض.أهـ
- مسائل متعلقة بعيادة المريض (1) -
1ـ يُسْتَدَلُ بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "عودوا المريض" علي مشروعية العيادة لكل مرض:
كما قال ابن حزم – رحمه الله – في المحلي (5/172): وعيادة مرضى المسلمين فرض ولو مرة علي الجار الذي يشق عليه عيادته ولا تخص مرضاً عن مرض . أهـ
ومما يدل على ذلك ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن زيد - رضي الله عنه - قال:
" عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعيني "
لكن جاء في الشرح الممتع أن الشيخ ابن عثميين – رحمه الله – قيد عيادة المريض لمن حبسه المرض، فإن كان المرض لا يحبسه فيشهد الناس ويشهدونه فلا يحتاج إلى عيادة كمن به زكام لا يمنعه من الخروج .
2ـ لا يشترط في عيادة المريض أن يَعْلمَ المريض بعوّادِهِ:
كالمغمي عليه أو من كان في الإنعاش، فلا يكون ذلك مانعاً من عيادته .
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال:
__________
(1) )) انظر تمام المنَّة في فقه الكتاب والسنة(2/53)(1/5)
مرضت مرضاً فأتاني النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فوجداني أغمى عليّ فتوضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم صُبَّ وضوءه علىّ فأفقت، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت يا رسول الله: كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث".
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في الفتح (10/181):
معلقاً علي الحديث السابق وعلي ترجمة البخاري للحديث "باب عيادة المغمي عليه" أي الذي يصيبه غشي تتعطل معه قوته الحساسة، قال ابن المنير: فائدة الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمي عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده، ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمي عليه قبل عيادته، فلعله وافق حضورهما. فقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: بل الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه، ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه؛ لأن وراء ذلك جبر خاطر لأهله، وما يُرْجى من بركة دعاء العائد، ووضع يده علي المريض والمسح علي جسده والنفث عليه عند التعويذ... إلى غير ذلك
تنبيه : على العائد أن ينوي بعيادة أخيه التماس الأجر من الله تعالى والفوز بموعوده من الثواب، وأداء حق أخيه عليه تطييباً لقلبه، وترسيخاً للأخوة والمودة بينهما.
3ـ لم تنص الأحاديث علي تحديد أوقات عيادة المريض:
والظاهر أن هذا يتعلق بما لا يشق علي المريض؛ ولذلك اعتبر العلماء من آداب الزيارة: أن لا يطيل الجلوس عند المريض حتى يضجر أو يشق علي أهله
قال طاووس – رحمه الله – كما في التمهيد (24/277): أفضل العيادة أخفَّها
وعاد الأوزاعي ابن سيرين وهو مريض فكان يعوده قائماً، إلا إذا اقتضت مصلحة أو ضرورة في تطويل الزيارة فلا بأس .
قال ابن القيم – رحمه الله –:(1/6)
ولم يكن من هديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يخص يوماً من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتاً من الأوقات، بل شرع لأمته عيادة المريض ليلاً ونهاراً، وفي سائر الأوقات . (زاد المعاد:1/497)
وفي الفروع: ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن وظاهر الحال .
(الفروع لابن مفلح:2/171)
4ـ ليس هناك تحديد أيضاً لوقت ابتداء الزيارة بعد مرضه:
وما استند إليه الغزالي في "الإحياء" بأن المريض لا يعاد إلا بعد ثلاث فحديث لا يصح .
وهو عند ابن ماجة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعود مريضاً إلا بعد ثلاث
قال أبو الحاتم: حديث باطل منكر ... ... (العلل:2/315)
وهو عند الطبراني بلفظ: "لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث"
ذكره ابن الجوزي – رحمه الله – في الموضوعات (3/205)
بل جاء الدليل على أنه يستحب التبكير بزيارة المريض
ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم وفيه: " إذا مرض فعده "
دل على أن عيادة المريض تكون في أول المرض، فالفاء للتعقيب والسرعة .
5ـ يستحب تكرار زيارة المريض إذا عُلم من حاله أنه يحب ذلك:
فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل في الأكحل(1) فضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد فيعوده من قريب، فلم يَرُعْهُم(2) وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو(3) جرحه دماً فمات منه .
(1) الأكحل: عرق وسط الذراع، قال الخليل: هو عرق الحياة، ويقال: إن في كل عضو منه شعبة،
فهو في اليد الأكحل، وفي الظهر الأبهر، وفي الفخذ النسا، إذا قطع لم يرقأ الدم.
(2) فلم يَرُعْهُم: فلم يفزعهم.
(3) يغذو: أي يسيل.
6ـ يستحب العيادة ماشياً، فإنه أعظم للأجر:
وذلك ما لم يكن المكان بعيداً بما يشق على زائر المريض.(1/7)
فقد أخرج البخاري عن جابر - رضي الله عنه - قال:
جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني ليس براكب بغلٍ ولا برذون (1)
7ـ إذا وجد العائدُ المريضَ مبتلى ابتلاءً شديداً:
فله أن يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلاً "
فله أن يقول هذا الدعاء من غير أن يُسمع المريض .
فقد أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من رأي مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء " .
وفي رواية أخري: من رأي صاحبَ بلاءٍ فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء" . ... (صحيح الجامع:6248)
8 ـ يلحق بعيادة المريض تعهده وتفقده، والتلطف به:
وربما كان ذلك في العادة سبباً لوجود نشاطه، وانتعاش قوته، " قاله الحافظ ". (فتح الباري:10/113)
9ـ تشمل عيادة المريض القريب والبعيد:
ولكن كلما كانت الصلة أقوي كانت الحاجة أشد إلحاحاً وطلباً .
10ـ يجوز عيادة النساء للرجال الأجانب عند أمن الفتنة:
أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت: فدخلت عليهما، قالت: يا أبت كيف تجدك، ويا بلال كيف تجدك ؟ قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى قال: كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياة مجنة ... وهل تبدون لي شامة وطفيل
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصححها، وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة".
__________
(1) )) البرذون : نوع من الخيل والبغال غير العربية.(1/8)
وقد بوَّب البخاري ـ رحمه الله ـ على هذا الحديث فقال:باب" عيادة النساء الرجال "
ثم قال: وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار.
وقال الحافظ في الفتح (10/122):
عيادة النساء الرجال عند أمن الفتنة: أي: ولو كانوا أجانب بالشرط المعتبر، وقد اعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعاً .
وجاء في بعض طرق الحديث (وذلك قبل الحجاب)، وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل، فإنه يجوز بشرط التستر، والذي يجمع بين الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده
الأمن من الفتنة .
11ـ يجوز عيادة الرجال للنساء إذا أمنت الفتنة:
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما –:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل علي أم السائب أو أم المسيب، فقال: مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين، قالت الحمي: لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمي فإنها تذهب خطايا بني أدم، كما يذهب الكير خبث الحديد" .
ـ تزفزفين: معناه تتحركين حركة شديدة أي ترتعدين .
12ـ ويجوز عيادة الصبي الصغير:
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرْسلت إليه بعض بناته أن صبياً لها قد احتضر فاشهدنا....
وفي الحديث.... فرُفع الصبي إلى حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفسه تقعقع، ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله، وقد نهيت عن البكاء ؟ قال: إنما هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء "
والحديث أخرجه البخاري وبوب عليه فقال: " باب عيادة الصبيان "
13ـ يجوز عيادة غير المسلمين :
قال ابن بطال - رحمه الله -:
تشرع عيادة – يعني – غير المسلم إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، وأما إذا لم يطمع في ذلك فلا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (فتح الباري (10/119)
وهذا ما رجحه ابن عثيمين ... ... ... ... ... ... ... ... (الشرح الممتع (5/305)
والدليل على ذلك ما رواه البخاري:(1/9)
أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض، فأتاه - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقال: أَسْلِم، فأسلَمَ . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (البخاري من حديث أنس:356)
وكذلك في عيادته - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب وعرض عليه الإسلام. ... ... (البخاري:1360، مسلم:24)
والحديث عند البخاري ومسلم من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره:
أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة (1) جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عم قل لي كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو علي ملة عبد المطلب، وأبَىَ (2) أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالي فيه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ } (التوبة:113)
(1) حضرت الوفاة: أي قربت الوفاة وحضرت دلائلها .
(2) أَبَي: بفتح الباء أي: امتنع ورفض .
الآثار:
قال الخلال في الجامع (605) أخبرنا أبو داود قال:
سمعت أحمد يسأل عن عيادة اليهودي والنصراني فقال: إذا كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام قال: نعم وقال الخلال أيضا في الجامع (604) أخبرني محمد بن علي قال حدثنا مهنياً قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يسلم يعود الكافر، قال: إذا كان يرتجوه – يرجو إسلامه – فلا بأس به .
- فضل عيادة المريض -
1ـ أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة:(1/10)
يا ابن آدم مرضتُ فلم تعُدْني قال: يارب كيف أعُودُكَ وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تعُدْهُ، أما علمت أنك لو عُدْتَهُ لوجدتني عنده، يا ابن آدم اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تطعمني، قال: يارب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟
يا ابن آدم اسْتَسْقَيْتُكَ فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟
قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي".
ـ وجدتني عنده: أي وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل علي ذلك قوله تعالي في تمام الحديث:
" لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو أسقيته لوجدت ذلك عندي" أي ثوابه، والله أعلم .
2ـ أخرج الإمام أحمد والطبراني عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله - عز وجل - : من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً، أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فَسَلِمَ الناس منه وسَلِمَ من الناس" . ... ... ... ... ... (صحيح الجامع: 3253 ، دون جملة الجنازة)
3ـ وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"خمس من عَمِلَهُنَّ في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً، وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة " . ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:3152)
4ـ أخرج مسلم وابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل في يوم إلا دخل الجنة ".(1/11)
وفي رواية: " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"
5ـ أخرج الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من عاد مريضاً،أو زار أخاً له في الله ناداه مناد:أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنةِ منزلاً" . (صحيح الجامع:6387)
وجاء في رواية ابن حبان:
"إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله تعالي: طبت وطاب ممشاك وتبوأت منزلاً في الجنة"
6ـ أخرج البزار وأبو يعلي وأبو نعيم من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما من مسلم أتي أخاً له يزوره في الله إلا ناداه مناد من السماء أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: زار فيّ، وعليَّ قراه، فلم أرض له بقرى دون الجنة"
7ـ أخرج الطبراني عن كعب بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من عاد مريضاً خاض في الرحمة فإذا جلس عنده استنقع فيها" . ... ...
قال المنذري: إسناده حسن
وزاد الطبرني في رواية أخري:
"وإذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج" . ...
قال المنذري في الترغيب: إسناده حسن
8ـ أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها"
وعند البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من عاد مريضاً خاض في الرحمة حتى إذا قعد استقرّ فيها"
9ـ أخرج الإمام مسلم عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل: يا رسول الله، وما خرفة (1) الجنة ؟ قال: جَنَاهَا(2) .
(1) الخُرْفَة: بضم الخاء المعجمة وإسكان الراء: هو مايخترف من النخل أي يجتني
يقال: خَرَفْتُ النخلة أخرفها، وخرفة الجنة: هي الثمرة إذا نضحت(1/12)
(2) جناها: أي ثمرها .
وأخرج الإمام مسلم عن ثوبان - رضي الله عنه - أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"عائد المريض يمشي في مخرفة (1) الجنة حتى يرجع "
(1) مخرفة: وهي سكة بين صفين من نخل يخترف من أيها شاء، أي يجتبي .
وقيل المخرفة: الطريق، أي: علي طريق تؤديه إلى طريق الجنة .
قال النووي - رحمه الله- في شرح مسلم:
قوله: "عائد المريض في مخرفة الجنة" وفي الرواية الثانية: خرفة الجنة، قيل: يا رسول الله، ما خرفة الجنة ؟ قال: جناها "
أي يؤول به ذلك إلى الجنة واجتناء ثمارها، واتفق العلماء علي فضل عيادة المريض . أهـ
10ـ أخرج أبو داود والترمذي عن علي - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"ما من مسلم يعود مسلماً غُدْوَةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي، وإن عاده عَشِيَّةً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريفٌ في الجنة" .
(صحيح الجامع:5767)
وفي رواية أخري عند الإمام أحمد بسند صحيح:
"إذا عاد المسلم أخاه مشي في خِرَافةِ الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، وما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي"
(صحيح الجامع:862،5767)
خِرَافَة الجنة: بكسر الخاء: أي أحشاء ثمر الجنة، شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر .
- ما يستحب في حق عائد المريض -
1ـ أن يختار الوقت المناسب لعيادته:
عاد الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ رجلاً مريضاً في رمضان، فعاده ليلاً، وقال: في شهر رمضان يُعاد ليلاً، ولما قيل له: فلان مريض، وكان عند ارتفاع النهار في الصيف، قال: ليس هذا وقت عيادة.
ولا يعوده كذلك في وقت يشق فيه علي المريض . ... ... ... ... (الآداب الشرعية:2/189ـ190)
2ـ يستحب أن يقدم هدية لإدخال السرور علي المريض
3ـ الدخول والخروج من غير إيذاء أو إزعاج للمريض(1/13)
4ـ التعجيل بالزيارة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مرض فعده "
إلا أن هناك بعض الأمراض يستحب تأخير الزيارة فيها ـ خصوصاً بعد العمليات الكبيرة ـ حتى لا تشق على المريض بكثرة الزيارة أو الكلام.
5 ـ أن يُرِّوح عن المريض ويطيب نفسه، فإذا دخل عليه يقول:
لا بأس طهور إن شاء الله
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما –
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل علي أعرابي يعوده ـ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي مريض يعوده ـ قال له: لا بأس (1) طهور(2) إن شاء الله " .
(1) لا بأس: أي: أن المرض يكفر الخطايا، فإن حصلت العافية قد حصلت الفائدتان، وإلا حصل ربح التكفير
(2) طهور: أي: هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة، أي: مرضك مطهر لذنبك مكفر لعيبك إن شاء الله، وهكذا يستحب أن يذكره بالحكمة من المرض ويهون عليه .
6ـ تبشير المريض بثواب المرض:
فإن ذلك مما يهون عليه المرض، ويطيب خاطره، ويعينه على الرضا بقضاء الله، ويرفع روحه المعنوية، ويذكره بثواب الصبر على المرض، وهذا ما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على امرأة يعودها، فقال: أبشري يا أم علاء، فإن مرض المسلم يُذهب خطاياه كما تُذهب النار خَبث الذهب والفضة".
(السلسلة الصحيحة:714)
وعند الترمذي: أن الحبيب النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على مريض وهو يعوده من الحمى فقال له: " أبشر فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة" . ... ... ... ... ... ... ... ... (السلسلة الصحيحة:557)
ـ وينبغي تذكيره بحكمة الله في المرض وأنه يكفر الخطايا .
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما يصيب المسلم من نَصَب(1) ولا وَصب(2) ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"(1/14)
(1) نَصَب: تعب. (2) وَصب: وجع أو مرض.
وقد مر بنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل على المريض قال له: " لا بأس طهور إن شاء الله "
7ـ يسأل المريض عن حاله تأنيساً له:
فقد أخرج الترمذي وابن ماجة عن أنس - رضي الله عنه - قال:
دخل النبي على شابٍّ وهو في الموت، فقال: كيف تجدك ؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وأَمَّنَهُ مما يخاف" . ... ... ... (صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي)
وأخرج البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها - قالت:
لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك ؟ (1) ويا بلال: كيف تجدك"
(1) كيف تجدك: أي: كيف تجد نفسك، والمراد به الإحساس، أي: كيف تعلم حال نفسك، وفي سؤال المريض عن حاله فائدة ذكرها الحافظ ـ رحمه الله ـ .
فقال الحافظ في الفتح (10/120):
وقد يكون العائد عارفاً بالعلاج، فيعرف العلة فيصف له ما يناسبه .
ملحوظة(1):
إذا غلب علي المريض فللعائد أن يسأل أهله عن حاله.
ويستأنس لهذا العنوان
1ـ بما أخرجه البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً(1) فأخذ عباس بن عبد المطلب بيده، فقال له: فأنت والله بعد ثلاث عبد العصا(2) وإني والله لأرى(3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا " .
(1) بارئاً: اسم فاعل، من برأ بمعني أفاق من المرض .
(2) أنت والله بعد ثلاث عبد العصا: هو كناية عمن يصير تابعاً لغيره، والمعنى: أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت مأموراً عليك .(1/15)
(3) لأَري: بفتح الهمزة: من الاعتقاد، وبضمها: بمعني الظن. ... ... ... ... (الفتح (7/749)
2- وأخرج الإمام مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال:
"كنا جلوساً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجلٌ من الأنصار فسلَّم عليه ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة ؟
فقال: صالح (1) "
(1) صالح: يكنى بها عند المرض تفاؤلاً، كما يقال عن الصحراء: مفازة تفاؤلاً بالنجاة .
ملحوظة(2):
يستحب للعائد أن يسأل المريض إذا كان في حاجة إلى خدمات أو مساعدة مالية أو مادية أو معنوية له أو لأسرته أو لجهة عمله ونحوه .
8ـ يضع العائد يده علي المريض عند سؤاله، ثم يدعو له:
قال ابن بطال – رحمه الله – كما في الفتح (10/120):
وفي وضع اليد علي المريض تأنيس له، وتَعَرُّف لشدة مرضه ليدعو له بالعافية علي حسب ما يبدو له منه، وربما رقاه بيده ومسح علي ألمه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحاً .
ودليل ذلك:-
أ) ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة بنت سعد ـ رضي الله عنهما ـ أن أباها قال:
" تشكيت بمكة شكوي شديدة، فجائني النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني، فقلت: يا نبي الله، إني أترك مالاً، وإني لم أترك إلا بنتاً واحدة، فأوصي بثلثي مالي، وأترك الثلث؟ فقال: لا ، فقلت: فأوصي بالنصف واترك النصف ؟ فقال: لا ، فقلت: فأوصي بالثلث وأترك الثلثين ؟ قال: الثلث، والثلث كثير، ثم وضع يده علي جبهته، ثم مسح يده علي وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعداً وأتمم له هجرته، فمازلت أجد برده(1) علي كبدي فيما يخال إلىّ (2) حتى الساعة"
(1) فما زلت أجد برده: أي برد يده، وذكر باعتبار العضو، أو الكف أو المسح .
(2) فيما يخال إليّ: بمعني يخيل إليّ .
تنبيه:
من السنة القعود عند رأس المريض، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عاد الغلام اليهودي الذي كان يخدمه قعد عند رأسه . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ( البخاري)(1/16)
وهذا فيه إراحة للمريض وتأنيس له، كما أنه يجعل العائد في وضع يسمح له بوضع يده على رأس المريض لرقيته أو ليمسك بيده أو نحو ذلك ـ كما جاء في الحديث السابق ـ .
ب) وأخرج البخاري ومسلم عن السائب قال:
ذهبت بي خالتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح برأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وَضوئه وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه فإذا هو مثل زر الحجلة (1).
(1) زر الحجلة: واحدة الحجال وهي بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار
ـ وقال بعضهم: المراد بالحجلة: الطائر المعروف وذرها بيضها .
جـ) أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها – قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكي منا إنسانٌ مسحه بيمينه ثم قال: اذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً .
وفي رواية أخري في الصحيحين أيضاً:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمني(1) ويقول: اللهم رب الناس اذهب الباس(2) واشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك(3) شفاء لا يغادر(4) سقماً " .
(1) يمسح بيده اليمني: أي:علي الوجع، قال الطبري: وهو علي طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع .
(2)الباس: البأس من المرض .
(3) لا شفاء إلا شفاؤك: إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله تعالي وإلا فلا ينجح
(4) لا يغادر: لا يترك .
د) وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:(1/17)
دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أجل . إني أوعك كما يوعك رجلان منكم . قال فقلت: ذلك أن لك أجرين ؟ فقال: أجل . ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" .
9 ـ يثني العائد علي المريض بمحاسن أعماله :
وهذا الثناء علي المريض خصوصاً المشرف علي الموت له الأثر الجميل علي المريض حيث يجعله يحسن الظن بربه ويذهب الخوف عن قلبه
أ) ففي صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة قال:
لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنه يُجزِّعه(1): يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك(2) لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته، ثم فارقك وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر - رضي الله عنه - فأحسنت صحبته، ثم فارقك وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم ـ أي المسلمون ـ فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.
قال: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه فإنما ذاك مَنٌّ مِنَ الله تعالى مَنَّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر - رضي الله عنه - ورضاه فإنما ذاك مَنٌّ من الله جل ذكره مَنَّ به عليّ. وأما ما ترى من جزعي(3) فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طِلاع الأرض(4) ذهباً لافتديت به من عذاب الله - عز وجل - قبل أن أراه(5).
(1) وكأنه يُجزِّعه: أي ينسبه إلى الجزع، ويلومه عليه، أو معني يُجزِّعه: يزيل عنه الجزع .
(2) ولئن كان ذاك: أي لا تبالغ في الجزع فيما أنت فيه .
(3) جزعي: فزعي .
(4) طلاع الأرض: ملأها، والمراد: ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال .
(5) قبل أن أراه: أي العذاب .
ب) وأخرج الإمام مسلم عن أبي شماسة المهري قال:(1/18)
حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت(1) فبكى طويلاً وحوَّل وجهه إلى الجدار. فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشَّرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ؟ أما بشَّرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إني قد كنت على أطباق ثلاث(2) لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني. ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أبسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضت يدي. قال: مالك يا عمرو ؟ قال: قلت: أردت أن أشترط (3) قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغْفَرَ لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ (4) وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجلّ في عيني منه. وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له. ولو سُئِلتُ أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه. ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها ؟ فإذا أنا مت، فلا تصبحني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب(5) شناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنْحَر جذور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي.
(1) في سياق الموت: أي حال حضور الموت .
(2) كنت علي أطباق ثلاث: أي علي أحوال ثلاث .
(3) أشترط: أحتاط .
(4) إن الإسلام يهدم ما قبله: أي يسقطه ويمحو أثره .
(5) فشنوا علي التراب: هو الصب في سهولة .
جـ) أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال:(1/19)
استأذن ابن عباس قبيل موتها علي عائشة وهي مغلوبة(1)، قالت: أخشي أن يثني علي، فقيل: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن وجوه المسلمين ؟ قالت: ائذنوا له،
فقال: كيف تجدينك ؟ (2) قالت: بخير إن اتقيت (3) قال: فأنتِ بخير إن شاء الله تعالي، زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، ونزل ابن الزبير خلافه فقالت: دخل ابن عباس فأثنى عليّ، وودت أني كنت نسياً منسياً .
(1) مغلوبة: أي من شدة كرب الموت .
(2) تجدينك: أي كيف حالك .
(3) اتقيت: أي إن كنت من أهل التقوى .
وأخرج الإمام البخاري أيضاَ عن القاسم بن أبي بكر – رضي الله عنهما – قال:
إن عائشة – رضي الله عنها – اشتكت فجاء ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال:
يا أم المؤمنين تقدمين علي فرط صِدْقٍ(1) علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي أبي بكر .
(1) والمقصود قدومها علي من سبقها وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر - رضي الله عنه - .
وكان ابن مجلز – رحمه الله – يقول: لا تحدث المريض إلا بما يعجبه .
10ـ تذكير المريض بوجوب الصبر على المرض وأمره بالرضا:
فعلى عائد المريض أن يذكره بحسن عاقبة الصبر، ويلقي على مسامعه من الآيات والأحاديث التي تثلج صدره، وتذهب همه، ويعلمه أن الله تعالى يحب الصابرين كما قال تعالى: {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
(آل عمران:146)
ويعطهم الأجر العظيم، كما قال الرب الكريم: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10)
ويذكره بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت في سنن أبي داود بسند صحيح:
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " ... ... ... ... ... ( السلسلة الصحيحة:146)
وغير ذلك من الآيات والأحاديث في بيان فضل الصبر، والحكمة من المرض.
11ـ نهي المريض عن التسخط وسب المرض:(1/20)
وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل علي أم السائب أو أم المسيب، فقال مالك: يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين، قالت الحمي: لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمي فإنها تذهب خطايا بني أدم، كما يذهب الكير خبث الحديد" .
ويذكر العائد المريض بأن التسخط وسب المرض لا يذهب المرض، بل لم يستفد من هذا إلا ضياع الأجر واحتمال الوزر.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في كتاب الطب النبوي صـ 23:
ذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسب الحمّى:
زارت مكفرةُ الذنوب وودّعت ... تباً لكِ من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد؟فقلت: ألا ترجعي
فقلت: تباً له، إذ سب ما نهى الرسول عن سبِّه، ولو قال:
زارت مكفرةُ الذنوب لصبها ... أهلاً بها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد؟فقلت: ألا تقلعي
لكان أولى به ولأقلعت عنه، ثم قال ابن القيم:فأقلعت عني سريعاً.
12ـ نهي المريض عن تمني وطلب الموت:
فكثير من الناس يتمنى في مرضه ـ إذا كان شديداً ـ أن يموت، ولا يدري أن المرض كفّارة لذنوبه، وأن الموت فيه انقطاع عمله، وأنه إن يُؤَخَر فلعله يُستعتب ويتوب.
وقد عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس - رضي الله عنه - وهو مريض، فتمنّى عباس الموت، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا عم ! لا تتمنَّ الموت، فإنك إن كنت محسناً، فإن تُؤَخَّر تزداد إحساناً إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئاً فإن تُؤَخَّر فتُسْتَعْتَب من إساءتك خير لك، فلا تتمنَّ الموت .
(رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في صحيح الترغيب3398)
13ـ وصية أهله بالصبر على خدمته والإحسان إليه:
لأن أهل المريض ربما يستثقلونه، وخصوصاً إذا طال مرضه أو اشتد وشق عليهم خدمته، فناسب ذلك الوصية بالإحسان إليه.
14ـ يدعو العائد للمريض ويرقيه:
أولاً: بالنسبة للدعاء:
فيستحب الدعاء للمريض وذلك(1/21)
للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أم سلمة – رضي الله عنها – أنها قالت:
إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون .
قال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم (6/122) عند هذا الحديث
فيه الندب إلى قول الخير والدعاء للميت والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه .أ هـ
فقد جاءت السنة بذلك
1ـ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها –
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتي مريضاً أو أُتِيَ به إليه قال: عليه الصلاة والسلام: أذهب الباس(1) رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً .
(1) أذهب الباس: أي أذهب الداء
وفي رواية أخري عند البخاري ومسلم أيضاً:
"اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي(1) لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر(2) سقماً .
(1) أنت الشافي: أي أنت الذي بيدك الشفاء،
قال ابن حجر: فيه جواز تسمية الله تعالي بما ليس في القرآن بشرطين:
أحدهما: أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصاً،
الثاني: أن يكون له أصل في القرآن، وهذا من ذاك ، فإن في القرآن: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
(الشعراء:80)
(2) لا يغادر: أي لا يترك .
وفائدة التقييد بذلك: أنه قد يحصل الشفاء المطلوب من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه
فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء .
2ـ وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة بنت سعد أن أباها قال:
تشكيت بمكة شكوي شديدة فجاءني النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني فقلت يا نبي الله، إني أترك مالاً وإني لم أترك إلا بنتاً واحدة، فأوصي بثلثي مالي، وأترك الثلث ؟ قال: لا. قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف ؟ قال: لا. قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين ؟ قال: الثلث كثير، ثم وضع يده علي جبهته ثم مسح يده علي وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعداَ، وأتمم له هجرته، فمازلت أجد برده(1)علي كبدي فيما يخال إليَّ (2) حتى الساعة .(1/22)
(1) فمازلت أجد برده:أي برد يده، وذكر باعتبار العضو، أو الكف أو المسح .
(2) قوله فيما يخال إليّ: بمعني يخيل .
3ـ أخرج أبو داود وأحمد عن ابن عمرو – رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً، أو يمشي لك إلى الصلاة " ... ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:466، السلسة الصحيحة:1304)
وفي رواية: " أو يمشي لك إلى جنازة "
ـ ينكأ: يؤلم ويوجع
وقال في النهاية: ينكأ: يقال: نكيت في العدو إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك .
4ـ ومر بنا في صحيح البخاري ومسلم من ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي مريض يعوده قال له: "لا بأس طهور إن شاء الله ".
5ـ وأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من عاد مريضاً لم يحضر أجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض. ... (صحيح الجامع:6388، صحيح أبي داود 2264)
وفي رواية عند ابن حبان:"فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه ذلك" .
ثانياً: بالنسبة للرقية الشرعية:
فيستحب للعائد أن يرقي المريض بالرقية الشرعية من القرآن الكريم وبما ثبت عن الحبيب الأمين - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا له الأثر البالغ في شفاء المريض وزوال علته، فمن أسباب الشفاء: التداوي بالرقي الشرعية من القرآن والأدعية النبوية، وهي شفاء من جميع الأمراض الجسدية والنفسية والقلبية .
قال تعالي: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (الإسراء: 82)
ومن هنا لبيان الجنس، فإن القرآن كله شفاء كما جاء في قوله تعالي: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء } ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (فصلت: 44)(1/23)
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية .
قال الشنقيطي – رحمه الله:-
يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه: كالشك والنفاق وغير ذلك، وكونه شفاء للأجسام إذا رقي عليها به، كما تدل عليه قصة الذي رقي الرجل اللديغ بالفاتحة. ... ... ... ... (أضواء البيان:3/624)
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواص ومنافع مجربة، فما الظن بكلام رب العالمين، الذي فضله علي كل كلام كفضل الله علي خلقه، الذي هو الشفاء التام، والعصمة النافعة، والنور الهادي، والرحمة العامة، الذي لو أُنْزِلَ علي جبل لتصدع من عظمته وجلاله، قال تعالي:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} ... ... (الإسراء: 82)
و(من) ها هنا لبيان الجنس، لا للتبعيض . هذا أصح القولين) ... ... ... (زاد المعاد:4/173)
وقال أيضاً ابن القيم – رحمه الله -:
فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله . ... ... (زاد المعاد:4/352)
وقال في موضع أخر: واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه، وإن وقع لم يقع وقوعا مضراً وإن كان مؤذياً ، والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء، فالتعوذات والأذكار إما أن تمنع وقوع هذه الأسباب، وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوّذ وقوته وضعفه، فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة، ولإزالة المرض . (زاد المعاد:4/182)
وهذه طائفة من الآيات والأدعية التي وردت في السنة النبوية يرقى بها العائد المريض عسي أن يجعلها الله تعالي سبباً للشفاء .
1) قراءة فاتحة الكتاب:
أ ـ عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال:(1/24)
انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغَ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لاينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: [ يا ] أيها الرهط إن سيدنا لدغ(1) وسعينا له بكل شيء لاينفعه فهل عند أحد منكم من شيء ؟ فقال بعضهم: نعم. والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً(2) فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(3) فكأنما نُشِط من عقال (4) فانطلق يمشي وما به قَلَبَة (5) [ قال: ] فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان[ فننظر ما يأمرنا ] فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال: " وما يدريك أنها رقية ؟ " ثم قال:" قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما " فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - . (البخاري ومسلم)
(1) وقوله: " لُدِغَ " أي: لدغته عقرب (كما في رواية الترمذي)
(2) وقوله: " جُعلاً " أي: أجرة (كما في النهاية:1/276) وقد أعطوهم ثلاثين شاة (كما في رواية البخاري).
(3) وقوله: ويقرأ:{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي سورة الفاتحة .
(4) وقوله: " نُشِط من عقال " أي: حل من حبل (النهاية:5/57)، فتح الباري:4/456) يعني: أنه شفي
وقد جاء في رواية:" فبرأ الرجل"
(5) وقوله: " وما به قَلَبَة" أي: ما به ألم وعلة يقلب لأجله علي الفراش . (النهاية:4/98) ،الفتح:10/260).
وفي بعض روايات الحديث: أنه قرأ الفاتحة سبع مرات
(الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي)
وفي لفظ أخر عند البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - :(1/25)
"أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا علي حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ ؟
فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء
فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي بسهم" .
ب ـ وأخرج أبو داود عن خارجه بن الصلت التميمي عن عمه
أنه أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأَسْلَمَ ثم أقبل راجعاً من عنده فمرّ علي قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهلهُ: إنَّا حُدِّثْنَا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه ؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ ـ وفي رواية: فرقاه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل ـ قال: فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال - صلى الله عليه وسلم - : هل إلا هذا" ـ وفي رواية: هل قلت غير هذا ـ قلت: لا. قال: خذها فلعمري لمن أكل برُقْيَةِ باطل، لقد أكلت برقية حق" . (حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود)
جـ ـ قال ابن القيم – رحمه الله –:
ومكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواءً، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأري لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً.
(الجواب الكافي صـ 15، ونحوه في زاد المعاد:4/178)
د ـ ونقل الحافظ في الفتح قول ابن القيم – رحمه الله – حيث قال:(1/26)
فما الظن بكلام رب العالمين، ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا في غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب، فقد اشتملت علي ذكر أصول أسماء الله ومجامعها، واثبات المعاد، وذكر التوحيد، والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه، وذكر أفضل الدعاء، وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم، المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهي عنه، والاستقامة عليه، ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل بهـ ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته، وضال لعدم معرفته له، مع ما تضمنته من إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب، والرد علي جميع أهل البدع، وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يُسْتَشْفَي بها من كل داء . والله أعلم
2) قراءة الْمُعَوِّذَات:
والمعوذات هي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ .
(فتح الباري:9/62)
أ ـ أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات. فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه. لأنها كانت أعظم بركة من يدي.
ـ ومعني النفث: أن يجمع كفيه ويقرأ بالمعوذات فيهما ثم يمسح علي بدنه ووجهه، والنفث نفخ لطيف بلا ريق، وهذا بخلاف التفل فإنه يشترط في التفل ريق بسيط، وهذا لا يكون في النفث
وقيل عكس ذلك: والصحيح الأول .
وسئل ابن شهاب كيف ينفث ؟
قال: ينفث علي يديه، ثم يمسح بهما وجهه. أ هـ
وفي هذا الحديث بيان أنه يجوز أن ترقي المرأة زوجها.
ب ـ أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها - :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات. وينفث. فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه. وأمسح عنه بيده. رجاء بركتها. ... ... ... ...(1/27)
وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث علي نفسه في مرضه الذي قبض بالمعوذات فلما ثقل، كنت أنا الذي أنفث عليه بهم، فأمسح بيد نفسه بركتها .
جـ ـ وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجانّ، وعين الإنسان – حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما . ... ... ... ... (الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي:2/206)
قال النووي – رحمه الله -:
إنما رقي بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلاً، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شر الوسواس الخناس . والله أعلم . ... ... ... ... (شرح صحيح مسلم:14/423)
د ـ وأخرج النسائي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال:
كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا عقبة قل: فقلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني، ثم قال: يا عقبة قل: قلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني، فقلت: اللهم أردده عليّ، فقال: يا عقبة قل: قلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟فقال: قل أعوذ برب الفلق فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال: قل ،قلت: ماذا أقول يا رسول الله ؟قال: قل أعوذ برب الناس، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: ما سأل سائل بمثلهما ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما . ... ... (حسنه الألباني – رحمه الله – في صحيح سنن النسائي)
هـ ـ وأخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكي كان يأمرني أن أفعل ذلك به .
3) يمسح بيده اليمنى ويقول:
أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً.(1/28)
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً . ... ... (البخاري ومسلم)
قال النووي – رحمه الله –:
ـ معني لا يغادر: لا يترك، والبأس: الشدة ... ... ... ... ... (الأذكار صـ 179)
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
في هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته، وكمال رحمته بالشفاء، وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته. ... (زاد المعاد:4/188)
وفي رواية عند البخاري ومسلم:
أن النبي كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمني(1) ويقول: اللهم رب الناس أذهب الباس(2) واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك(3)، شفاء لا يغادر(4) سقماً .
(1) يمسح بيده اليمني: أي علي الوجع، قال الطبري: وهو علي طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع .
(2) الباس: البأس: أي المرض .
(3) لا شفاء إلا شفاؤك: إشارة إلى كل مايقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله تعالي وإلا فلا ينجح.
(4) لا يغادر: لا يترك .
وفي رواية أخري عند البخاري ومسلم أيضاً عن عبد العزيز قال:
دخلت أنا وثابت علي أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال ثابت: يا أبا حمزة اشتكيت، فقال أنس: أفلا أرقيك برقية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بلى. قال: اللهم رب الناس مذهب الباس(1) اشف أنت الشافي(2) لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقماً "
(1) مذهب الباس: أي مذهب الداء .
(2) أنت الشافي: أي أنت الذي بيدك الشفاء،
أخرج ابن ماجة وأبو داود بسند صحيح عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت:(1/29)
كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحُمْرَةِ وكان لنا سرير طويل القوائم، وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصَوَّت، فدخل يوماً فلما سمعت صوته احتجبت منه، فجاء فجلس إلى جانبي فمسني فوجد مس خيط، فقال: ما هذا ؟ فقلت: رُقَّى لي فيه من الحمرة، فجذبه وقطعه فرمى به، وقال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الرقي والتمائم والتولة شرك، قلت: (أي امرأة عبد الله " زينب") فإني خرجت يوماً فأبصرني فلان، فدمعت عيني التي تليه، فإذا رقيتها سكنت دمعتها، وإذا تركتها دمعت، قال: ذاك الشيطان إذا أطعته تركك، وإذا عصيته طعن بإصبعه في عينك، ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان خيراً لك وأجدر أن تشفين: تنضحين في عينك الماء وتقولين: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً . ... ... ... ... ... (صححه الألباني – رحمه الله – في صحيح سنن ابن داود)
يقول الشيخ علي بن ناصر الفقيهي – حفظه الله – في التعليق علي كتاب التوحيد للحافظ ابن منده(1/298) عند قوله: " اشف أنت الشافي "
وهو معني قوله تعالي حكاية عن إبراهيم – عليه السلام - :{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
فإن الذي بيده المرض والشفاء هو الإله الواحد الذي يجب علي المسلم الالتجاء إليه والتوكل عليه والاعتماد عليه، وأن لا يطلب شيئاً مما لا يقدر عليه إلا الله من أحد سواه وقوله: "لا شافي إلا أنت" إشارة إلى ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف تقدير الله لم ينفع . أ هـ
ملحوظة:
تستخدم هذه الرقية لمن أصابه حريق
ودليل ذلك ما أخرجه النسائي بسند حسن عن محمد بن حاطب قال:
صنعت أمي مرقة فاهراقت علي يدي، فذهبت بي أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كلاماً: لم أحفظه، فسألتها عنه في إمارة عثمان، ما قال ؟ فقالت: قال: أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي" .(1/30)
4) بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس(1) أو عين حاسد(2)،
الله يشفيك، بسم الله أرقيك .
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن جبريل أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
يا محمد، اشتكيت ؟ فقال: نعم. قال:بسم الله أرقيك....." فذكره ... ... (مسلم)
(1) من شر كل نفس: قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الآدمي، وقيل يحتمل أن المراد بها العين
فإن النفس تطلق علي العين: ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه
(2) أو عين حاسد: من باب التوكيد بلفظ مختلف ... ... ... ... ... (شرح مسلم:14/393)
وفي حديث عائشة – رضي الله عنها- قالت:
كان إذا اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقاه جبريل قال: بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين ". ... ... ... ... ... ... ... (مسلم)
5) يأخذ الراقي من ريق نفسه علي أصبعه ثم يضعها علي التراب، ثم يسمح به علي الموضع العليل، ويقول:
"بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشْفَى به سقيمنا بإذن ربنا ".
عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كان به قرحة أو جرح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ بإصبعه هكذا ـ ووضع سفيان بن عيينة ـ أحد رجال الإسناد ـ سبابته بالأرض ثم رفعها وقال: " بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يُشْفَى به سقيمنا بإذن ربنا" (البخاري ومسلم واللفظ له)
ـ تربة أرضنا: أي تراب أرضنا .
قال النووي – رحمه الله –:
ومعني الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه علي أصبعه السبابة، ثم يضعها علي التراب، فيعلق بهامته شيء، فيمسح به علي الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح، والله أعلم .
(شرح مسلم:14/433)
قال القرطبي - رحمه الله – كما في فتح الباري:(1/31)
فيه دلالة علي جواز الرقى من كل الآلام، وأن ذلك كان أمراً فاشياً معلوماً بينهم، ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبابته بالأرض ووضعها عليه، ويدل علي استحباب ذلك عند الرقية
وزعم بعض علمائنا أن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويُبْسِهِ يبرئ الموضع الذي به الألم ويمنع إنصباب الموارد إليه ليُبْسِهِ مع منفعته في تجفيف الجراح .
6) أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة .
عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الحسن والحسين، ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل واسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة ....." فذكره ... ... ... ... ... ... (البخاري)
قوله: " من كل شيطان " يدخل تحته شياطين الإنس والجن .
" هامَّة " بالتشديد ، واحدة الهوام: ذوات السموم، وقيل: كل نسمة تهمّ بسوء .
" من كل عين لامة " قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وخبل .
" لامّة " قال ابن الأنباري: يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت . ا هـ . (فتح الباري:6/110)
وقال النووي – رحمه الله –: العين اللامة: هي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الأذكار صـ 176)
7) أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارقٍ إلا طارقاًً يطرق بخير يارحمان .
عن أبي التياح قال:
سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كادته الشياطين ؟(1/32)
قال: جاءت الشياطين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأودية، وتحدرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فرعب . وجاء جبريل- عليه السلام – فقال: يا محمد قل، قال: ما أقول ؟ قل: أعوذ بكلمات الله التامات ...) فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله - عز وجل - . ... (أحمد وصححه الألباني في تخريج شرح الطحاوية صـ 191)
مسائل متعلقة بالرقية الشرعية
1ـ لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال:
كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال: أعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ".
قال النووي – رحمه الله – كما في شرح مسلم (14/392) قال المازري:
جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لايدري معناه، لجواز أن يكون فيه كفر .
وقال ابن حجر – رحمه الله – في الفتح (10/26):
... وقد اجمع العلماء علي جواز الرقي عند اجتماع ثلاثة شروط :-
أن تكون بكلام الله تعالي أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره
وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالي .
يقول حافظ بن أحمد الحكمي – رحمه الله – كما في معارج القبول (2/637):
إن الرقى لا تجوز إلا باجتماع ثلاثة شروط، فإذا اجتمعت فيها كانت رقية شرعية، وإن اختل منها شيء كان بضد ذلك .
الشرط الأول: أن تكون من الكتاب والسنة الصحيحة فلا تجوز من غيرهما .
الشرط الثاني: أن تكون باللغة العربية، محفوظة ألفاظها، مفهومة معانيها، فلا يجوز تغييرها إلى لسان أخر .
الشرط الثالث: أن يعتقد أنها سبب من الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله - عز وجل - فلا يعتقد النفع فيها لذاتها، بل فعل الراقي السبب والله المسبب إذا شاء .
وقال في منظومة سلم الوصول:(1/33)
ثم الرقى من حمة أو عين ... فإن تكن من خالص الوَحْيَيْنِ
فذاك من هدي النبي وشرعته ... وذاك لا اختلاف في سُنيته
أما الرقي المجهولةُ المعاني ... فذاك وسواس من الشيطان
وفيه قد جاء الحديث أنه ... شرك بلا مرية فا حذرنه
إذ كل من يقوله لا يدري ... لعله يكون محض الكفر
أو هو من سحر اليهود مقتبسٌ ... على العوام لبسُّوه فالتبس
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وقد نص الأئمة كأحمد وغيره علي أنه لا يجوز الاستعاذة بمخلوق، ولهذا نهي العلماء عن التعازيم والتعاويذ التي لا يُعرف معناها خشية أن يكون فيها استعاذة بمخلوق وذلك شرك . أهـ
2ـ مشروعية أخذ الأجرة علي التطيب والرقية .
فقد أخرج البخاري عن أنس - رضي الله عنه - :
أنه سئل عن أجر الحجام فقال: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلهم مواليه، فخففوا عنه وقال: إن أمثل ما تداويتم به: الحجامة والقسط البحري، وقال: لاتعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط " .
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما-
... أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطي الحجام أجره، واستعط (1)"
(1) واستعط: أي استعمل السعوط، وهو أن يستلقي علي ظهره، ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه، ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء أو مركب؛ ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس .
وأخرج البخاري ومسلم عن عمرو بن عمار قال:سمعت أنساً - رضي الله عنه - يقول:
" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتجم ولم يكن يظلم أحداً أجره ".
وأخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطي الحجّام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه .
أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - :(1/34)
أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا علي حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ ؟
فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء
فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم" .
3ـ التداوي بالرقية الشرعية لدفع البلاء هي من باب دفع قدر الله بقدر الله:
فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه وابن ماجة بسند حسن عن الزهري:
قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أرأيت أدوية نتداوي بها ورقي نسترقي بها وتُقي نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال: هي من قدر الله .
وعند الحاكم من حديث حكيم بن حزام قال:
قلت يا رسول الله: رقي كنا نسترقي بها وأدوية كنا نتداوي بها، هل ترد من قدر الله تعالي ؟ قال: هو من قدر الله .
4ـ يستحب النفث في الرقية:
فقد أخرج ابن ماجة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث في الرقية .
ويشهد لذلك ما أخرجه البخاري عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
" الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه، فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها فإنها لا تضره ".
5 ـ يجوز رقية المريض حتى ولو كان في مرض الموت:
فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أُعَوِّذُهُ فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلي .(1/35)
ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة "رطبة" فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستناً ثم ناولنيها فسقطعت يده ـ أو سقطت من يده ـ فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة .
وأخرج النسائي بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
كنت امسح صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي – وفي رواية: علي صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقول "اكشف البأس رب الناس أنت الطبيب وأنت الشافي: قالت وهو يقول: ألحقني بالرفيق ألحقني بالرفيق" .
- ما يستحب في حق أقارب المريض -
1ـ توفير الهدوء عند المريض:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
لما حُضِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده". فقال عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلب عليه الوجع. وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت. فاختصموا. فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا ".
قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم.
ويقول الحافظ في الفتح (10/132) في قوله: " قوموا ": أي إذا وقع من الحاضرين عنده ما يقتضي ذلك، ويؤخذ من هذا الحديث أن الأدب في العيادة أن لا يطيل العائد عند المريض حتى يضجره، وأن لا يتكلم عنده بما يزعجه، وجملة آداب العيادة عشرة أشياء، ومنها ما لا يختص بالعيادة:(1/36)
o أن لا يقابل الباب عند الاستئذان .
o أن يدق الباب برفق .
o وأن لا يبهم نفسه كأن يقول: أنا .
o وأن لا يحضر في وقت يكون غير لائق بالعيادة، كوقت شرب المريض الدواء .
o وأن يخفف من الجلوس إلا إذا عُلِم من المريض أنه يحب ذلك .
o وأن يغض البصر .
o وأن يقلل من السؤال .
o وأن يظهر الرقة .
o وأن يخلص في الدعاء .
o وأن يوسع للمريض في الأمل (1) ، ويشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر .
2ـ الرفق به واحتماله والصبر عليه:
قال النووي – رحمه الله – كما في المجموع (5/117):
ويستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتماله، والصبر علي ما يشق من أمره، وكذلك من قرب موته بسبب حد أو قصاص .
3ـ عدم إكراه المريض علي طعام أو شراب:
فقد أخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"لا تكرهوا مرضاكم علي الطعام، فإن الله يطعمهم ويسقيهم"
4ـ أن يحموه من الطعام الذي يضره:
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن محمود بين لبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافون عليه " .
وعند الترمذي بسند صحيح من حديث محمود بن لبيد عن قتادة بن النعمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء " .
وعند الترمذي أيضاً بسند حسن من حديث أم المنذر – رضي الله عنها – قالت:
__________
(1) )) هذا في حال من يُرجى له الشفاء، أما من عُلِم من حاله أنه مشرف على الموت، فلا يوسع له في الأمل، لعله يحدث توبة أو يتحلل من مظالم عليه أو يوصي، كما طُلِب من عمر أن يوصي لما طُعِنَ، وعلموا أنه لا ينجو منها.(1/37)
دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه عليٌّ ولنا دوالٍ معلقة، قالت: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل وعليّ معه يأكل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ: مَهْ مَهْ يا عليّ فإنك ناقِهٌ، فجلس علىٌّ والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل، قالت: فجعلت لهم سلقاً وشعيراً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا علي من هذا فأَصِبْ فإنه أوفق لك ".
وفي رواية عند الترمذي أيضاً: "فإنه أنفع لك"
تنبيه:
ليحرص أهل المريض أن يطعموه من الحلال الطيب فهذا يعجل الشفاء بإذن الله .
يقول يونس بن عبيد: لو أعلم موضع درهم من حلال من تجارة لاشتريت به دقيقاً ثم عجنته ثم دققته ثم أداوي به المرضي .
5 ـ استدعاء الطبيب للمريض:
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه.
فوائد:
ـ العلاج بالكي يكون حيث لا يوجد دواء سواه، فهو جائز للحديث السابق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الكي فدل علي أن النهي للتنزيه، أو أن الكي لا يكون إلا عند فقدان سائر الأدوية التي تؤدي الغرض.
ـ أن يستدعوا له طبيب رجل إذا كان المريض رجل، ويستدعوا طبيبة إذا كانت المريضة أنثى؛ لأن في الأصل أن يداوي الرجلَ رجلٌ، والنساء امرأة، لكن عند الضرورة يجوز أن يداوي الرجل المرأة، والمرأة الرجل .
فقد ذكر البخاري باب "هل يداوي الرجل المرأة، والمرأة الرجل" ثم ساق بسنده عن ربيع بنت معوذ بن عفراء قالت:
كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة .
6ـ الذهاب بالمريض إلى المعالج:
أخرج البخاري ومسلم عن السائب قال:(1/38)
ذهبت بي خالتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع. فمسح رأسي ودعا بالبركة. ثم توضأ فشربت من وَضوئه. ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة.
7ـ التصدق طلباً لشفاء المريض:
وعليك أن تحرص علي كثرة التصدق على الفقراء
فقد أخرج الطبراني في الكبير بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"داووا مرضاكم بالصدقة" ... ... ... (رواه أبو الشيخ في الثواب وحسنه الألباني في صحيح الجامع:3358)
ـ كان هناك رجل ثري قد مرض ابنه الوحيد مرضاً عجز الأطباء عن علاجه، وفي يوم من الأيام سمع هذا الرجل أحد الدعاة وهو يذكر هذا الحديث: "داووا مرضاكم بالصدقة" فخرج الرجل يبحث عن الفقراء واليتامى والأرامل وأخذ يتصدق عليهم، وبعد أيام كان شفاء ابنه – بإذن الله – بغير دواء.
8ـ أن يدعوا للمريض ولا يقولوا إلا خيراً:
فقد أخرج الإمام مسلم عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" .
9ـ أن يذكروه بحسن الظن بالله:
قال أبو المعتمر بن سليمان كما في حلية الأولياء (3/31):
قال أبي لما حضرته الوفاة يا معتمر حدثني بالرخص حتى ألقي ربي وأنا أحسن الظن به
لأن المريض ـ خصوصاً المحتضرـ ربما غلب عليه الخوف فيدفعه هذا إلى القنوط من رحمة الله وينقطع قلبه ولا يحب لقاء الله تعالي؛ فلهذا يجب علي من يحضره أن يذكره دائماً برحمة الله وعفوه ومغفرته حتى يبعث في قلبه الرجاء والشوق للقاء الله .
أخرج الترمذي بسند جيد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:(1/39)
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شابٍّ وهو في الموت، فقال: كيف تجدك ؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وأَمَّنَهُ مما يخاف" . ...
10ـ أن يلقونه كلمة التوحيد إذا أشرف علي الموت:
فقد أخرج الإمام أحمد عن أنس - رضي الله عنه - قال:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من الأنصار فقال: يا خال قل: لا إله إلا الله ، فقال: أخال أم عم ؟ فقال النبي: بل خال، فقال: فخير لي أن أقول: لا إله إلا الله ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : نعم .
... وأخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
... ـ والمراد بالموتي: من حضرتهم الوفاة، فالمعني ذَكِّرُوا من حضره الموت: لا إله إلا الله، فتكون آخر كلامه.
... قال القرطبي – رحمه الله -:
... قال علماؤنا: تلقين الموتي هذه الكلمة (لا إله إلا الله) سنة مأثورة عمل بها المسلمون؛ وذلك ليكون آخر كلامهم: لا اله الا الله ؛ فيختم لهم بخاتمة السعادة؛ وليدخل في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
الثابت في سنن أبي داود وعند الحاكم من حديث معاذ:
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة . ... ... (صحيح الجامع:6479)
- فوائد وتنبيهات -
1ـ ليس التلقين ذكر الشهادة عند المحتضر فقط، إنما أمره بالنطق بها عند موته حتى يختم له بها وتكون آخر كلامه عند الموت ودليل ذلك حديث الأعرابي السابق .
2ـ التلقين إنما يكون في حاضر العقل القادر علي الكلام، فالمغمي عليه أو شارد العقل لا يمكن تلقينه .
3ـ التلقين إنما يكون في حالة ما إذا كان لا ينطق بلفظ الشهادة فإذا كان ينطق بها فلا معني لتلقينه .(1/40)
4ـ ينبغي أن يكون التلقين في لطف، وإذا قالها لا يكرر عليه لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق، وإذا قالها مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعدها بشيء آخر، فيعاد تلقينه بلا إله إلا الله حتى تكون آخر كلامه . (شرح مسلم للنووي 2/500، المجموع 5/110، المغني 2/450)
5ـ هل يلقن الكافر؟
الكافر المحتضر يعرض عليه الإسلام للحديث الذي أخرجه أحمد عن أنس - رضي الله عنه - :
أن غلاماً يهودياً كان يضع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه ويناوله نعليه، فمرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا فلان قل: لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه، فأعاد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطع أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجه بي من النار .
وبعد...
فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها ......إنه ولي ذلك والقادر عليه .
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك(1/41)