عوامل الاتفاق والافتراق
في العمل الإسلامي
(عوامل الافتراق)
د. عبد الوهاب بن لطف الديلمي
مدير جامعة الإيمان ـــ صنعاء
وزير العدل السابق بالجمهورية اليمنية
خلاصة البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فإن معرفة الثغرات التي ينفذ منها الشيطان، للتحريش وإفساد ذات البين، في صفوف العلماء والدعاة الذين يحملون جميعاً همّ الدعوة إلى الله سبحانه، ويسعون لتحقيق غاية واحدة، وهي التمكين لدين الله، مع وجود اختلاف في الأساليب والوسائل، أو تحديد الأولويات في الدعوة، دون أن يكون بينهم تباين في معتقد، أو تفريط في شيء من الثوابت، إن معرفة هذه الثغرات وتحديدها وحصرها ييسر لمن يريد السعي إلى رأب الصدع القائم بين الدعاة على مستوى الأفراد أو الجماعات، ويضع لها العلاج المناسب إذا ما صدقت النوايا، ووجدت الرغبة الصادقة في ردم الهوة، وإزالة الجفوة القائمة.
والمتتبع لأسباب الافتراق القائم يجد أنه من السهل معالجته؛ إذا خلت النفوس من الأهواء، وأدركت الخطر المحدق بالإسلام وأهله، وأن الكل مستهدف من قبل الأعداء، وأن الشقاق القائم بين الدعاة لا يثمر سوى توسيع دائرة الخلاف، واستنزاف القوى والجهود والأوقات في معارك جانبية، يقطف ثمارها العدوّ، ويشغل الجماعات، ويصرفها عن أهدافها الحقيقية، ويحدث فتنة بين أفراد الجماعات، كما يحمل عامة المسلمين على الشك في صدق الدعاة، وينفث في صدروهم الحيرة، فلا يدرون مع من الحق، وفي الجو مرتع خصب لغلبة الأهواء، وشيوع البدع.(1/1)
والدعاة هم أولى الناس بمعرفة حرص الإسلام على جمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإزالة كل أسباب الفرقة، وبحسن الظن بالمسلم، وصفاء النفوس، وسلامة الصدر، ومعرفة الطبيعة البشرية في الاختلاف لأسباب كثيرة، يُعذر معها المخالف، طالما والخلاف لا يخرج عن دائرة الاجتهاد فيما لا نص فيه، على أن هناك ضمانات للحافظ على الأخوة الإيمانية عند الاختلاف: مثل الاحتكام إلى نصوص الوحيين، ومعرفة مأخذ كل طرف، وأيهما أقرب إلى الصواب، و مثل فتح باب الحوار بين المختلفين، مع الالتزام بآداب الحوار، ونبذ العصبية والأنانية، والخضوع والاستسلام للحق، إذا جاء على لسان المخالف، وعند تمسك كل طرف برأيه لغلبة ظنه أنه الأرجح والأصوب، فيبقى كلُ على رأيه مع حسن الظن، والحرص التام على حفظ وصيانة الأخوة الإيمانية، وأن ينظر كل طرف إلى ما عند الآخر من الخير، ويتعاون الجميع على ما أمروا أن يتعاونوا عليه: (وتعاونوا على البر والتقوى..) [سورة المائدة: 2]، مع إحياء روح التناصح الذي لا يستغني عنه أحد، وفي هذه الحال تتوحد الجهود والطاقات وتتوجه نحو غاية واحدة، وهو الأليق بمثل هذه الجماعات، وحينئذ يغلقون على الشيطان منافذ الفتنة ويُسقط في أيدي العدوّ المتربص، ويتجه الدعاة بالأمة نحو الأهداف المطلوبة بخطوات متسارعة، ويصبحون قدوة صالحة لغيرهم.
وقد ساهمت ــ بحمد الله ــ مساهمة متواضعة، في محاولة بيان أسباب الاختلاف وآثاره السيئة، وذكر نماذج من تاريخ المسلمين في الماضي والحاضر؛ ليأخذ الدعاة من ذلك العظة و العبرة، وإدراك ما يحدثه الخلاف من ويلات، لا على مستوى الأفراد والجماعات، بل على مستوى المسلمين جميعاً، كما هي سنة الله سبحانه، وقد ذكرت مع ذلك بعض الحلول النظرية التي تحتاج من الجماعات والأفراد إلى مواقف عملية صادقة تدل على حرصهم في الخروج بالأمة من المعاناة التي حلت بها..(1/2)
سائلاً الله تعالى أن يطهر النفوس من كل الأدواء، وأن يرزق الجميع الإخلاص لوجهه.
وفي الختام أشكر القائمين على إدارة جامعة الخرطوم على هذه البادرة الطيبة، والخطوة المباركة، في محاولة إيجاد العلاج للداء المستحكم بكثير من النفوس.
سائلاً الله تعالى أن يجزل لهم المثوبة، وأن يكلل أعمالهم بالنجاح وهو ولي التوفيق والقادر عليه..
والحمد لله رب العالمين
د. عبد الوهاب لطف الديلمي
عوامل الافتراق
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ... أما بعد:
فقد أثرت الكتابة عن عوامل افتراق في العمل الإسلامي، نظراً إلى أن الاهتداء إلى الثغرات ومعرفة جوانب الشر، والسعي إلى إصلاح الخلل، يؤدّي بالتالي إلى إدراك الخير، وتجنّب مواطن السوء. وقد كان من فطنة حذيفة رضي الله عنه حرصه على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه.
والعوامل التي يمكن الحديث عنها، منها ما هي عوامل مباشرة تؤدّي بنفسها إلى الافتراق، ومنها ما هي عوامل غير مباشرة، لكنها تورث هذه النتيجة؛ نظراً لكونها بعيدة عن هدي الشرع. وكل أمر قام على غير الهداية الربانية فهو فائم على هوى.. لا يورث إلا شراً أو فساداً.
وقبل الدخول في البحث أود أن أقول:
إن وحدة العمل الإسلامي، وتقارب وجهات النظر في السير بالمدعوّين، وردم هوة الخلاف والجفوة القائمة، سواء أكانت بين أفراد أو جماعات، من أهم أسباب وحدة المسلمين وصيانتهم من منزلقات العداوات والفرقة، واستحلال الأعراض ونهشها بغير حق، وكيل الاتهامات التي ينفث بها الشيطان في الصدور، ويسعى إلى الوقيعة من خلالها.(1/3)
ذلك أن الدعاة هم القدوة لعامة الناس، فإن أحسنوا كانوا مصابيح هدى، وإن أساؤا كانوا عامل فتنة للناس. وما من داعية ولا جماعة تنشغل بالدعوة إلى الله تعالى إلا ويوجد في الساحة الإسلامية من يتعلق به، ويقتدي به، ويسمع لرأيه، ويثق به. فإذا كان الداعية لا يتقي الله سبحانه في إخوانه من الأفراد والجماعات، فإن مواقفه تنعكس على أتباعه ومحبيه، مما يشيع بين الناس سوء الظن والشقاق، والجرأة في أطلاق الألسن في الأعراض، والتشكيك في النوايا والأعمال، وبهذا تحدث فتنة عامة عارمة.
على أنه مما لاشك فيه أنّ أحداً لا يسلم من الوقوع في الخطأ ــ إلا من عصم الله سبحانه من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ــ وما دعا الله سبحانه جميع عباده إلى التوبة في قوله: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) [سورة النور: 31]. إلا لعلمه بضعف الإنسان، وأنه لا يسلم من الزلة والهفوة وإن صغرت.
كما أن الخلاف طبيعة بشريّة، وعوامل الخلاف بين البشر كثيرة، ولا يكمن تجاهلها ولا طمس حقيقتها، ولذلك وجدت عند خير القرون، إذاً ليس عيباً أن يحدث الخلاف، ولكن العيب والقبح، أن يجر الخلاف إلى العدواة والفرقة والشتات، وأن يفضي التنازع إلى القطيعة واستباحة الأعراض، وسوء الظن، وأن يُعجب كل ذي رأي برأيه.(1/4)
كما أن من المقت أن لا يرجع المختلفون ــ عند التنازع ــ إلى العاصم من الفرقة والعداوة، وهو ما أرشد الله عز وجل إليه بقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) [سورة النساء: 59]، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [سورة النساء: 65]، وإذا كانت القضايا المتنازع فيها مما لا نص فيه، فالأمر فيه سعة، وليس لأحد أن يحمل الآخر قسراً على اتباع فهمه واستنباطه، وإلا شنّع عليه، وسفه رأيهُ، وأطلق فيه لسانه، فهذا ليس من أخلاق الدعاة إلى الله تعالى، والواجب إحياء معاني الأخوة الإيمانية في النفوس، وإشاعة عواملها، والحرص عليها ،ودوام تذكّر ما أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: ((إن الشيطان قيد يئس أن يعبده المصلون في الجزيرة العربية، ولكن في التحريش بينهم))(1).
والتحريش: الإغراء، وإيقاع الفتن بين الناس، وحمل بعضهم على بعض بإيقاع الفساد بينهم. انتهى من كلام ابن الأثير الجزري.
وينبغي الوقوف عند كلمة (المصلّون) فإن الحديث يعني: أن صلاة المصلين لم تحمل الشيطان على اليأس من الإيقاع بينهم، وحملهم على أن يبغي بعضهم على بعض، وهذا فيه إرشاد واضح لمن هو من أهل الصلاة، أن يحرس نفسه من نزعات الشيطان، وأن يحمي قلبه من مصايد الشيطان وأن يتذكر دائماً قول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10].
ومن أبرز معالم المؤمنين، أنهم يحافظون على الصلوات، وحريٌّ بهم أن يستفيدوا منها في كونها: (تنهى عن الفحشاء والمنكر) [سورة العنكبوت: 45]، ومن أعظم الفحشاء والمنكر الاستطالة في عرض الرجل المسلم، وعند التنبّه إلى مقاصد الشيطان يستيقظ الإيمان في نفس العبد، ويسد منافذ الشيطان إلى نفسه: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [سورة الأعراف: 201].
__________
(1) مسلم برقم 2812.(1/5)
أما عوامل الفُرقة ذات التأثير المباشر، فنذكر منها ما يفتح الله به، فنقول و بالله التوفيق. منها:
(1) الإعجاب بالرأي:
فإنه يحمل على الغرور، واحتقار رأي المخالف، وقد يحمل على رفض الحق إذا جاء على لسان المخالف، وقد ينتقل بصاحبه إلى التشنيع على من لا يوافقه، ولذلك جاء التحذير منه في السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام: عن أبي ثعلبة الخشني يرفعه: ((ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنياً موثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك والعوام))(1).
والمعجب بنفسه وبرأيه لا يرى إلا نفسه، ولا يتهمها بعيب ولا بنقص، بل قد يصرّ على رأيه ولو تبين له وجه الخطأ فيما يذهب إليه، وقد يوالي ويعادي على أساس موافقته ومخالفته، وينسى ما يوصي به الإسلام من لين الجانب ووجوب حسن التعامل وخفض الجناح مع كل مؤمن، وأن الله تعالى قد أرشد إلى ذلك بقوله: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) [سورة المائدة: 54]، (أشداء على الكفار رحماء بينهم) [سورة الفتح: 29].
(2) الحسد والبغي والغيرة:
فقد يرى بعض المنتسبين إلى العلم ما عند غيره من أهل العلم، أو المشتغلين بالدعوة إلى الله عز وجل من حظ إقبال الناس عليه، وحضور مجالسه، والتعلق به، والتلقي عنه، والتأثر به، وفي المقابل يرى عزوف الناس عنه، وقلة حظه ومكانته عندهم فيحمله ذلك على الحسد والغيرة بل على البغي، فلا يتورّع في اللمز والطعن ولو من طرف خفي ويسعى في التشكيك فيه، وفي جهوده ودعوته وعلمه، وقد يحمله ذلك على القطيعة وكل هذا من البغي.
(3) التعصب لرأي أو عالم أو جماعة أو مذهب أو غير ذلك:
__________
(1) رواه أبو داود برقم 4341، والترمذي 3085، وهو صحيح لغيره.(1/6)
فقد يصل التعصب بالمرء إلى حد العَمَى عن إدراك الحق، وكم أحدث التعصب من فتن ووقيعة بين الذين ابتُلُوا به، حتى غلب عليهم التعامل بالظلم، وفقدان العدل والإنصاف أو ــ على الأقل ــ حسن الظن.
والمتعصب ينسى أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويُرد، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأن أحداً من أئمة الهدى لم يدَّعِ لنفسه العصمة من الزلل، وأقوالهم في ذلك مشهورة، ولم يلزموا أحداً بما أوصله إليه اجتهادهم، إذا خالف الحق، وإذا كان الشخص قد تعلق بفرد أو جماعة أو مذهب، فإن من لازم الصدق والمحبة، أن يقف عند حدود العدل والحق، وأن يقول للصواب: هذا صواب، وللخطأ: هذه خطأ، وأن لا يقر باطلاً، ولا ينتصر له، ولا يدعو إليه، فقد عمل الإسلام على تغيير المفاهيم الخاطئة، التي سادت في الجاهلية ،ومنها علي سبيل المثال النصرة على سبيل العصبية، لا على سبيل الحق ،حيث غيّر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: ((تحجزه، أن تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره))(1).
والمخالفة في قول أو فعل لا تعني الانتقاص، ولا الاحتقار، لمن خالفته إذا كان الصواب لم يحالفه وإذ الحق أحق أن يتبع، وقد كان بعض علماء السلف إذا خالف شيخه في شيء يقول: ومع حبّي لشيخي فإني لا أوافقه في هذا الأمر، فإن الحق أحب إلي أو نحوها.
(4) شهوة الزعامة وحب الصدارة والجاه والمنصب:
__________
(1) البخاري 8/59.(1/7)
بحيث يصل صاحب هذا المرض إلى حد أنه يسعى إلى أن يكون متبوعاً لا تابعاً، وآمراً لا مأموراً، وأن يشار إليه بالبنان أينما حل وأينما ارتحل، وقد يكون هذا المرض عند كثير ممن ابتلوا به خفياً يحرص أن يستره بشعار أو دثار من التدين المفتعل، وإظهار الحرص على الإسلام، ويفضي على نفسه هالة بأساليب معينة تفرض على الآخرين الالتفاف حوله، والقداسة له، حتى يشعروه بأنه لو لا هو للإسلام لضاع، ويغيب عن نفسه واجبه نحو نفسه من مجاهدتها، واتهامها، والتفتيش عن عيوبها، والعمل على تنقيتها مما علق بها مما قد يُرْديْها، بل تراه يعمل جاهداً على أن يبرر كل أعماله وفتاواه، ومواقفه، ويبحث في كل شاردة عن مستند يؤيّد كل تصرفاته، حتى كأنه ذلك الرجل الذي لا تزل قدمه، ولا يخطئ لسانه، حتى يصبح الشرع أحياناً تابعاً لهواه.
وهذا الداء من أعظم عوامل التمزيق لصف العاملين للإسلام، عندما يصبح الانصياع للحق مفقوداً، وتصبح شهوة العظمة هي الطاغية على المبتلى بها، ولا يرى إلا نفسه، ولا يدعوا إلا إلى نفسه.
(5) تغليب جانب التشاؤم من الآخرين:
وحمل أعمالهم وتصرفاتهم على محامل سيئة، حتى يصير الأصل عنده هو سوء الظن في الأفراد والجماعات، فكل الأفراد والجماعات في نظرِهِ فاقد الرشد، بعيدة عن الصواب، ساذجة في تفكيرها وتصرفاتها.(1/8)
وكان الأفضل بالمختلفين في اجتهاد أو فهم، أو وسيلة، أو هدف أن يلتقوا، وأن يكون حسن الظن هو الغالب عليهم، وأن يتحاوروا في جوانب الافتراق، مع تجردهم للحق ونزاهة تامة من الهوى، ورغبة صادقة في الحرص على الوصول إلى الحق، وأن يتهم كل واحد من المفترقين رأيه، ويحتمل الحق عند غيره، وأن يتواضع لقبول الحق إذا جاء على لسان غيره، وأن يعرف أن الإسلام لا يصان حماه، ولا تحمى بيضته إلا بالتعاون على البر والتقوى، وأن عند كل إنسان وجماعة من الإمكانات والقدرات ما ليس عند الآخرين، وأن الإسلام هو الإطار الجامع للجميع، كما ينبغي أن يعي كل فرد، وكل جماعة أن عند غيره مثل ما عنده ــ أو أكثر ــ من الغيرة على دين الل، والحرص على الدفاع عن حياضه والذود عنه. وإذا كان هناك وجهات نظر أدت إلى شيء من الاختلاف؛ فلا ينبغي أن يكون ذلك حاملاً على القطيعة وكيل الاتهامات بدون حق، والله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [سورة المائدة: 8].
والأصل ــ عند وجود جهود تبذل في خدمة الإسلام ــ أن يبتعد الدعاة عن أسلوب النقد والتجريح، وأن يقدّر كلٌ منهم جهد الآخر، سعيه في خدمة الإسلام، وأن يكمل بعضهم بعضاً، لا أن يضادّه، ويسفهه، ويشتغل بتجريحه ونشر معايبه ويسئ الظن به.
(6) إقامة مبدأ الولاء والبراء على أساس الاختلاف في القضايا الجزئية:
وهذا مبدأ قائم على الهوى، وهو مبدأ مجانب للحق، يجر بأفراد الجماعة التي تبنت هذا المبدأ إلى أن يغرس في نفوسهم الغلّ، والشحناء، والبغضاء لإخوانهم المسلمين، الذين يخالفونهم في جزئية معينة، مما يؤدي إلى فساد ذات البين، ويورث القطيعة والهجر، وعدم المناصحة، وقد يؤدي إلى إطلاق الألسن في الأعراض، واستحلال الغيبة، وهذه فتنة كبيرة، لا يمكن تداركها، إذا شاعت، ولا القضاء عليها إذا تأصلت، إلا أن يشاء الله تعالى.
((1/9)
7) الخلط بين الثوابت وبين القضايا الفرعية:
الخلط بين الثوابت التي لا يجوز لأحد تجاوزها أو التهاون فيها، والتفريط في الحفاظ عليها، والإلتزام بها، وبين القضايا الفرعية التي يسع الناس الخلاف فيها، وأن لا تكون سبباً للمفاصلة، وهذه من القضايا التي تدخل في باب الاجتهاد، والاجتهاد إذا ما حدث من أهله في أي قضية من القضايا المستجدة التي لا نص فيها؛ فإن المجتهد لا يفوته حظ الأجر عند الاجتهاد، سواء أصاب، فله أجران أو أخطأ فله أجر، كما صح ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
والذي يصيب الأجر الواحد عند خطئه، لا يُجَرّم على خطئه، ولا يقاطع ويفاصل في شأن قضية أو قضايا فرعية اجتهادية، وعندما يحدث الخلط بين هاتين القضيتين، تحدث الخصومة التي لا يوجد لها مبرر شرعي، والرسول عليه الصلاة والسلام أجاز يوم بني قريظة الذين بادروا بصلاة العصر عند دخول وقتها، وقبل وصولهم إلى بني قريظة، كما أجاز الذين لم يُصلّوا إلا بعد وصولهم، بل الله سبحانه أجاز يوم بني النضير، الذين قطعوا النخل والذين لم يقطعوه، إذ كل منهما رأى في فعله المصلحة: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) [سورة الحشر: 5].
وإذا لم تتسع الصدور لمثل هذا الخلاف، بل ضاقت به، فإنها تحمل أصحابها على اتهام الآخرين بالسعي لهدم الإسلام، وتشويه حقائقه ،والتحلل من واجباته، وانتهاك حرماته، إلى غير ذلك من العبارات التي تتجاوز حد الأدب الواجب في التعامل مع العاملين في الحقل الإسلامي ،وفي أمور لا تستوجب كل ذلك. وهذه المعركة بطبيعتها تستنزف الجهود، وتبدد الطاقات، وتشغل الأفراد والحركات بمعارك جانبية، تبعدها عن معركة الساعة، وتحمل العاملين للإسلام على الانشغال بالقضايا المصيرية، وهذا كله ضرب من البغي الذي ذمه الله سبحانه في كتابه العزيز.
(8) الانشغال بتتبع عثرات وسقطات الآخرين:(1/10)
وغضّ الطرف عن المحاسن مهما كثرت، وجعل الاهتمام منُصبّاً على الأخطاء التي لا يسلم منها بشر، وعندما يمتلئ القلب غيظاً وحقداً على فرد أو جماعة، لا يبقى أمام الإنسان سوى التفتيش عن عيوب الآخرين، والتنقيب عنها، وبل قد يحمل الأقوال والأفعال الحسنة على محامل سيئة، ويحكم على النوايا بالسوء، والأصل فيمن حسن قصده ،ونبل هدفه، وصحت غايته أن يغتفر له ما قد يقع منه من زلات، وأن ينظر إلى كثرة محاسنه، التي يغتفر في جانبها بعض هفواته وعثراته، فقد عفى النبي صلى الله عليه وسلم عن حاطب زلته لسابقته وجهاده، وكونه من أهل بدر، بل قال عليه الصلاة والسلام فيه وفي أمثاله من أهل بدر ــ لعمر ــ: ((وما يدريك لعل الله اطلع عليهم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة))(1).
(9) وجماَعُ ذلك كله في الهوى:
فإنه مصدر كل بلية، ومنبع كل فتنة وانحراف، وأصل كل عدول عن الحق والعدل، فإنه ما استحكم في نفس أي شخص إلا أرداه، وربما زين له الحق باطلاً ،والباطل حقاً، والله سبحانه لم يجعل بين الحق والهوى واسطة، بل حصر الاتباع بين اتباع الحق، أو اتباع الهوى، فقال سبحانه: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله..) [سورة القصص: 50]. وقد ورد في القرآن الكريم آيات متعددة في ذم الهوى، وبيان موارده الوخيمة:
- قال تعالى: (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا..) [سورة النساء: 135].
- (قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين) [سورة الأنعام: 56].
- (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) [سورة ص: 26].
- (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن) [سورة المؤمنون: 77].
وأما أسباب الافتراق غير المباشرة التي تؤول بأصحابها إلى الافتراق فمن أهمها :
(
__________
(1) البخاري 8/55، في الاستتابة.(1/11)
أ) الوقوع في المعاصي، وتجاوز حدود الشرع في الأمر والنهي، مع السكوت وعدم إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ورد التحذير من العواقب الوخيمة التي يجر إليها الانغماس في المعاصي، وأنها تورث العداوة والبغضاء، وذلك أن أهم عوامل الأخوة الإيمانية هو الاستقامة على دين الله سبحانه، والذي على أساسه يقوم الولاء والبراء الذي يعني: المحبة، والنصرة، و المعونة، فإذا انحرف الناس عن منهج الله اختل دافع الأخوة، ومما ورد من النصوص الدالة على ذلك قوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) [سورة المائدة: 14]. فقد أخبر الحق سبحانه في هذه الآية، أن نسيان النصارى حظاً مما ذكروا به أورثهم العداوة والبغضاء فيما بينهم، ولم يذكر الله سبحانه ذلك لنا إلا ليحذرنا من الوقوع فيما وقع فيه من قبلنا.
وقال تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم الله عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم) [سورة التوبة: 39]، والوعيد بالعذاب في هذه الأمة يشمل العذاب في الدنيا والآخرة، وقد يكون من العذاب العاجل، أن يجعل الله بأس الأمة بينها إذا هي أضاعت فريضة الجهاد، لأنها إذا أمسكت عن بذل طاقاتها وإمكاناتها في سبيل الله سبحانه، عادت عليها بالوبال، وبددتها في الحروب الداخلية التي قد تنشب فيما بينها عقوبة لها.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على الخلل اليسير الذي قد يحدث أثناء الصلاة، في عدم رصّ الصفوف وتسويتها على ما هو فوقه من الذنوب، وأخبر أن هذه الذنوب من شأنها أن تؤدي إلى اختلاف الوجوه والقلوب، والتي تعني العداوة والبغضاء، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ــ وفي رواية "وجوهكم"))(1).
__________
(1) رواه مسلم وغيره.(1/12)
فإذا شاعت المعاصي، وأضاع الناس معها إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت العاقبة الحتمية هي هذه، أعني انحراف القلوب عن بعضها، وفقدان المحبة الإيمانية، وإذا كان هذا أمراً مشيناً في حق أي مسلم، فهو في حق الدعاة أعظم قبحاً، وأكثر زراية بهم.
(ب) الجدل بالباطل، بحيث يكون غاية المحاور، هو مجرد السعي إلى التغلب على الآخرين طلباً للعلو والفخر، والتعالي عليهم، والظهور بمظهر العالم المتبحر، وليس الغرض إظهار الحق، وتحرير مكان الخلاف، وجمع الأدلة وتمحيصها ومعرفة ما قد يكون منها متعارضاً أو ضعيفاً أو منسوخاً، إلى غير ذلك من طرق الاستدلال، بحيث ينتهي الأمر بالمتحاورين إلى رأي موحد في القضية، وقد يتمسك كل طرف برأيه عند الاختلاف في مأخذ الاستدلال أو الاختلاف في الفهم، ومع بقاء حسن الظن، وسلامة الصدور، والإعذار، والحرص على أن لا يُخدش حمى المحبة بسوء يكدره. ولكن عند غلبة الهوى وحب الظهور وتأثير نزع الشيطان يتحول الأمر معه إلى عداوة وافتراق وتبادل الاتهامات بما يوغر الصدور، ويفتح أبواب شر يصعب إغلاقها ،وينهار بسببها بنيان المحبة والمودة. وقد وردت نصوص في الكتاب والسنة تحذر من الجدال الباطل، ومن ذلك قوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) [سورة الكهف: 56].
(الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا) [سورة غافر: 35]
(وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم إذا لمشركون) [سورة الإنعام: 121].
(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلى كبر ما هم ببالغيه) [سورة غافر: 56].(1/13)
ولما للجدل والمراء من آثار سيئة على النفوس، فإن النبي عليه الصلاة والسلام، رغب في تركه، ففي الحديث: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً))(1)، وروى الدارمي في مقدمة سننه آثاراً في التحذير من الجدال والمراء منها:
(1) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ".. وكفى بك إثماً أن لا تزال مماريا..".
(2) عن ميمون بن مهران رضي الله عنه أنه قال: "إياك والخصومة والجدال في الدين ..".
(3) عن مسلم بن يسار قال: "إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته".
وأما الآثار المترتبة على الافتراق فمن أهمها :
(1) تصدّع صف المسلمين، وضياع قوتهم، الذي يؤول بهم إلى الفشل، الذي حذر منه القرآن الكريم، في قوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [سورة الأنفال: 46].
(2) تسلط الأعداء على المسلمين: فالأعداء لا يتمكنون من استباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم والاستيلاء على ديارهم، إلا إذا وهنوا عن مقاومته، وضعفوا عن مواجهته ،ومن أعظم عوامل الضعف: الفرقة والشتات الناتج عن الاختلاف.
(3) الهلاك الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأخبر أنه سبب هلاك الأمم قبلنا، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ((أنه سمع رجلاً يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم قرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلاكما محسن، فاقرآ، فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم))(2).
__________
(1) أبو داود:4800. قال بن الأثير الجزري: ربض المدينة ما حولها من العمارة.
(2) رواه البخاري: 6/16، وأحمد2: /419.(1/14)
وعند أحمد من حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة..))(1)، وهناك أحاديث أخرى تحض على لزوم الجماعة وتحذر من الفرقة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعَدُ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة))(2).
ومنها حديث النعمان بن بشير ــ من حديث طويل ــ: ((والجماعة رحمة والفرقة عذاب..))(3). ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم))(4).
(4) كون الأمة تصبح بسبب الاختلاف فرقاً فتتبدد قوتها في الفرق المتناحرة، وتفقد بسبب ذلك واجب التناصر فيما بينها، بحيث لو اعتدى العدوّ على فرقة لوقفت الأخرى موقف المتفرج، بل قد تتشفى بما ينزل بغيرها، وهذا من أعظم الكوارث التي تحل بالأمة.
(5) تبديد الطاقات والجهود، فيما يعود بالضرر على المسلمين، ولا يجلب لهم أي نفع في وقت هم أحوج ما يكونون إلى توفير هذه الأوقات والجهود لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضدهم، وهم على علم أن هناك من يستهدفهم جميعاً، ويعتبرهم خطراً عليه وعلى مصالحه.
(6) فقدان ثقة العامة بالدعاة، لأن الفرقة والشتات تحمل كل فئة وكل طائفة من المختلفين على التشكيك في الآخر، والتنفير منه، واتهامه بأسوأ الاتهامات، مما يجعل العامة في حيرة، بل وينفرهم من الأخذ بآرائهم ونصائهم وتوجيهاتهم، والعودة إليهم عند النوازل.
(
__________
(1) 1/178.
(2) رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه: رقم 2165، وأحمد: 1/18،26.
(3) أخرجه أحمد: 4/238، 375.
(4) الترمذي: رقم 2658، وابن ماجة في المقدمة، باب 18، وفي المناسك، باب 76، وأحمد: 3/225 و4/80، 82 .(1/15)
7) تغليب الهوى عند التنازع على تحكيم الدليل، فإن القلوب إذا ملئت غيظا ًوعداوة لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يودي بصاحبها إلى تجاوز الحد في الخصومة، ولا يحتكم حينئذ إلى عقل أو دليل، بل يتحكم الهوى فيه فيورد صاحبه موارد الهلاك، وتستباح الأعراض وتنشأ القطيعة والهجر، والتدابر الذي حرّمه الإسلام على المسلمين، والتي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحالقة).
(8) تغّلب أصحاب الأهواء: فعند وجود الخلاف بين أصحاب الحق من أهل السنة والجماعة وتمزقهم، قد يحمل أصحاب البدع والأهواء على التضافر والتعاون للسعي في توسيع هوة الخلاف، والتشكيك في نوايا وأهداف ومنهج وسلوك هؤلاء المتناحرين، واهتبال الفرصة في نشر أهوائهم وبدعهم، وبالتالي يجدون لهم موضع قدم في التأثير على العامة، وإقصاء أصحاب الحق عن مواقعهم في مجال الدعوة إلى الله سبحانه، وقيادة الأمة والأخذ بأيديها إلى مواطن الصواب والرشاد والهدى.
(9) إتاحة الفرصة للأعداء ــ الذين يتربصون بالدعاة الدوائر ــ بتشويه سمعتهم، والعمل على توسيع دائرة الخلاف، وإشعال نار الفتنة بين المختلفين، حتى يصعب بعد ذلك الوئام والوفاق وحسن التفاهم، وردم الهوة، وتسود العداوة والبغضاء بين الأخوة بسبب أوهام، أو قضايا جزئية لا تستحق كل ذلك، وهناك يدرك الجميع الندامة عند مآل الأمور إلى هذه الحال، والتي لا يحمد عقباها.
(10) وأخيراً الوزر الذي يتحمله كل من كان سبباً في وقوع الفتن، والشقاق والقطيعة، وفساد ذات البين في صف أهل السنة والجماعة، و كذا حدوث ما سبق ذكره من الآثار السلبية التي تجر على المسلمين بلاءً وشؤماً.
نماذج تاريخية ومعاصرة لمآسي الافتراق(1/16)
وأما الأمثلة على ما حل بالمسلمين من الكوارث والمآسي بسبب الاختلاف سواء في أعصُرِ خلت، أو في تاريخنا المعاصر فأكثر من أن تحصى، والذي يعود إلى صفحات التاريخ تتمزق أحشاؤه، ويمتلئ قلبه أسىً وحزناً، على ما حلّ بالمسلمين من الفتن، والحروب الداخلية التي أوهنت قوى المسلمين ومزقت صفوفهم، وجعلتهم شيعاً وأحزاباً.
ومن أبرز هذه الآثار: وقعة الجمل ، والحرب في صفين، ومقتل الحسين، ووقعة الحرة والاضطراب الذي أصاب البلاد الإسلامية بعد موت يزيد بن معاوية، ومقتل عبد الله بن الزبير، وكانت هذه الفتن وغيرها في ذلك الحين والإسلام غضاً طرياً، ولكنه الخلاف الذي يهلك الحرث والنسل، والتاريخ مليء بالمآسي التي حدثت في شرق البلاد وغربها، وقد استغل الأعداء فترات الضعف والتمزق والحروب التي مُني بها المسلمون فنفذوا من خلالها.
وأما مآسي الافتراق وآثاره السيئة على المسلمين، في التاريخ المعاصر القريب، فمن أبرز ذلك: الآثار السيئة التي تركها الخلاف بين قادة الجهاد الأفغاني، وما تزال المعاناة قائمة يجني ويلاتها الشعب الأفغاني. وكذا الخلاف الذي ظل فترة طويلة لدى الفصائل الفلسطينية؛ وما يزال حال أبناء فلسطين الذين لم تجمعهم كلهم راية واحدة، يقاسون من ويلات هذا التمزق، ويوجد في صفوفهم المندسون الذين لا يألونهم خبالاً. وكذا الحروب التي نشبت بين الفصائل المتناحرة من أبناء الصومال لفترة طويلة، سفكت فيها الدماء، وفُقد فيها الأمن وانتشرت المجاعة، وخربت البلاد، وشرد الكثير منهم إلى دول كثيرة، إلى غير ذلك من الويلات التي لحقت بهم. وما مآسي الجزائر بخافية على أحد.
وهذه سنة ماضية في كل أمة نَخَر في جسمها داء الخلاف، وأنها تؤول إلى الذوبان والتآكل والضعف، إلا أن يتداركها الله سبحانه برحمته فتعود إلى صوابها وتحتكم إلى شرع ربها سبحانه .(1/17)
وبعد الحديث عن بعض الأدواء الموجبة للفرقة والآثار السلبية المترتبة عليها، أود أن أشير إلى حرص الإسلام على سلامة الصدور، والحفاظ على أخوة الإيمان، واجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والتحذير مما يضادها. وفيما يلي عرض بعض نصوص الوحيين الدالة على ذلك، فمما جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصحبتم بنعمته إخواناً) [سورة آل عمران: 103].
(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) [سورة الحجرات: 10].
(هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنون وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) [سورة الأنفال: 62ــ63].
وهذه الآية فيها إشارة إلى أن المؤمنون الذين نصر بهم رسوله وأعز بهم دينه، ما كان لهم ليفعلوا ذلك وهم على حالهم التي كانوا عليها في الجاهلية من التناحر، والتباغض و العداوات المتناهية، فإن الفرقة والشتات والتنازع ذريعة الفشل والخذلان وذهاب القوة.
وقال تعالى:
(وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) [سورة المؤمنون: 52].
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [سورة الأنبياء: 92].
(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) [سورة الصف: 4].
ومما ورد في السنة:
قول النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ــ ذلك من آخر ما أوصى به أمته ــ: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم آلا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))(1).
ومما ورد في السنة أيضاً، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا))(2).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.(1/18)
وقوله: ((على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة))(1).
وقوله: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، و لا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً؛ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، والتقوى ههنا ــ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ــ بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه))(2).
وقوله: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا))(3).
وقوله: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))(4).
وقوله" ((ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً عند موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امراءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(5).
وقوله: ((يامعشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))، ونظر ابن عمر يوماً إلى بيت ــ أو إلى الكعبة ــ فقال: ((ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك))(6).
وقوله" ((..وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم))(7).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) متفق عليه.
(5) رواه أحمد وأبو داود.
(6) رواه الترمذي.
(7) رواه البخاري ومسلم.(1/19)
وقوله: ((دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين))(1).
وقوله: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة))، قالوا بلى يا رسول الله، قال: ((إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة))(2).
ومن ذا الذي لا تسعه نصوص الكتاب والسنة؟ و لا يقف عند حدودها؟ ولا يهتدي بهديها؟ وأيّ جماعة أو دعوة قامت على غير هذا البنيان وهي تدّعي لنفسها السير في الطريق إلى الله تعالى في حين أنها لا تقول في شأن هذه النصوص وأمثالها: سمعنا وأطعنا؟ ومتى تترفع النفوس عن دنايا الأمور وسفاسفها؟ ومتى تدرك بعين البصيرة إلى واقع المسلمين اليوم؟ وتحمل همّ الخروج بها من المآزق والمحن التي تمر بها، بدلاً من تعميق الجراح ،وتوسيع الهوّة بين العاملين لدين الله سبحانه، والتي تصرف الجهود إلى ساحات بعيدة عن ساحة المعركة؟
إن المتأمل في التشريعات الربانية على اختلاف أنواعها، وسواء في مجال الإيمان أو العبادات أو المعاملات، يجد أن من أهم مقاصد الشريعة فيها هو تقوية روح الأخوة الإيمانية والحفاظ عليها، والتحذير من كل ما يؤثر فيها سلباً.
فالأمة الإسلامية تحمل عقيدة واحدة، وتمارس عبادات يستوي فيها جميع الأفراد، ومنها ما تمارس جماعة للرمز إلى وحدة الأمة، ولتذكير الأمة دائماً بما ينبغي أن تكون عليه من ألفة القلوب، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة.
كما أبطلت الشريعة كل معاملة تؤدي إلى البغضاء والشحناء، بل حرّمتها وحذرت منها، مثل الغش، والجهالة، والغرر، والنجش، وبيع الرجل على بيع أخيه، وتلقي الركبان، إلى غير ذلك مما قد يؤدي إلى النزاع والخلاف المفضي إلى العداوة وهدم بنيان الأخوة الإيمانية.
__________
(1) رواه أحمد والترمذي.
(2) رواه أبو داود والترمذي.(1/20)
وهذه المعاني التي راعاها الإسلام في مقاصده، لم تعد على ذكر دائم عند كثير من المسلمين، وهم يمارسون العبادات والمعاملات في حياتهم اليومية، مما جعل سلوكهم في معاملاتهم وعلاقاتهم لا تنعكس عليه آثار هذه العبادات والمعاملات.
ولم يكتف الإسلام بهذا، بل أقام روابط المحبة، والاحترام المتبادل، بين أفراد المجتمع المسلم بصور كثيرة، ورتب على إهمالها العقوبة، كما رتب على القيام بها أجراً عظيماً، وذلك من خلال الحقوق والواجبات التي فرضها بين الأب وابنه، وبين الزوج والزوجة، وبين ذوي الأرحام، وبين الجار وجاره، وبين الحاكم والمحكوم، وبين المترافقين في سفر وغيره، وبين الغني والفقير، وبين المسلم وأخيه المسلم عموماً، كل ذلك من أجل أن تظل روابط الأخوة الإيمانية، مع روابط القرابة في غاية المتانة، بحيث لا يتطرق إليها خلل، ولا بشوبها كدر .
والعاملون في مجال التعليم والدعوة إلى الله سبحانه، هم أكثر الناس حاجة إلى إدراك هذه المعاني وتطبيقها في واقع حياتهم، حتى تتلاشى كل أسباب الفرقة والنزاع، وتتمثل فيهم القدوة الحسنة لسائر المسلمين.
ويمكن الإشارة هنا إلى بعض المقترحات التي يمكن الالتقاء عليها لردم الفجوة القائمة بين العاملين، غير أن هذه المقترحات وغيرها مما قد يتقدم به بعض المصلحين لا يمكن لها أن تكون ذات تأثير لمعالجة المشكلات القائمة إلا إذا صدقت النوايا، وصلحت المقاصد، وتجردت النفوس من الحظوظ الشخصية، وقدمت المصلحة العامة على المصالح الخاصة والنزعات الفردية.
ومن هذه المقترحات ما يأتي:
((1/21)
1) تطهير الأفراد والجماعات من التلوّث بروح الحزبية الضيقة، وتعميق مفهوم عالمية الدعوة الإسلامية، وأن الإسلام يسع كل من دخله من بابه الواسع، وأن الذين يحصرون أنفسهم في إطارات ضيقة، هم أصحاب المصالح الدنيوية، الذين يبحثون لأنفسهم عن موضع قدم فيما يتكالب عليه الناس من المصالح العاجلة، والدعاة إلى الله عز وجل هم أصحاب الوراثة النبوية ــ على صاحبها الصلاة والسلام.
الله عز وجل خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) [سورة الأعراف: 158].
والأصل في الداعية المسلم أنه يريد الخير لكل أبناء المعمورة، كما أن دعوته لا تنحصر في طائفة أو زاوية معينة، تبعاً لنظرة الإسلام الشاملة إلى الكون والإنسان، والحياة، والربط بين الدنيا والآخرة، ولذلك فالداعية لا تؤثر فيه العوامل المحيطة به، ولا يجعل وزناً لِلَون ولا لغة، ولا جنس، ولا غيرها، بل المعيار الصحيح عنده هو معيار التقوى (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: 13].
((1/22)
2) التعلق بالمبادئ والمثل التي يدعو إليها الإسلام، لا الأفراد، مهما كانت مكانتهم العلمية أو الاجتماعية، وهذا الاتجاه هو الذي يجعل العمل الإسلامي، والأخوة الإيمانية في مأمن من الانحراف، والميل عن الجادة، فإن الأفراد إلى انقراض، كما أنهم معرضون للوقع في الخطأ، ولا توجد عوامل البقاء إلا في مبادئ الإسلام، والتي تكفل الله تعالى بحفظها وصيانتها: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [سورة الحجر: 9]، وهذا لا يعني عدم الولاء الذي دعا إليه الإسلام للجماعات أو الأفراد بقدر ما عندهم من الصلاح والتقوى، إلا أنه ولاء في حدود المشروع، الذي لا يوصل إلى مرحلة القداسة أو اعتقاد العصمة أو إلغاء موالاة الآخرين. وعند الانتماء إلى فرد أو جماعة، فإن المنتمي في هذه الحال إذا دعا إلى ما ينتمي إليه، فالواجب أن يدعو إلى ما عليه الجماعة من الهدى الذي لا يخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والحذر من الدعوة إلى أفراد أو جماعات دعوة مجردة عن المبادئ، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ: "وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها، غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي عليه، غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يرقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام، أو تلك النسبة ويعادون"(1).
(3) حمل المسلمين على السلامة عند صدور زلة، والتماس العذر لهم، خاصة من عرف ورعه وحرصه على التزام الحق، من أهل العلم والدعاة إلى الله تعالى، فإن سوء الظن يوغر الصدور، ويحمل على الجفاء، و الله عز وجل يقول في كتابه الكريم :(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) [سورة الحجرات: 12].
__________
(1) الفتاوى20/164.(1/23)
وفي الحديث: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث))(1).
وقد نال رجل من الصحابة الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، ولم يكن لكثير عمل كان يعمله، غير أنه لما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص عن سر هذه الشهادة قال: ((إني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه))(2).
فسلامة الصدر، بلّغته هذه المنزلة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون عليه حال كل مسلم، وإن كان هذا مرتقاً صعباً، فلعل العبد يبلغ ذلك بمجاهدته نفسه.
(4) قد يكون الخلاف والجفاء والتعصب الممقوت ناشئاً عن تعدد الجماعات، وعلاج ذلك أن يوجد الوعي عند جميع الجماعات، وجميع أفرادها، إن الجماعات أصبحت واقعاً، لا يمكن تجاهله ولا إلغاؤه، وأن كل جماعة لها وسائلها وغاياتها، ومناهجها، في خدمة الإسلام، وهو اختلاف عند إدراك الحقيقة لا يضر ما دامت جهود الجميع تصب في الدعوة إلى الإسلام، والذود عنه، ورعاية شباب المسلمين وحسن تربيتهم وتنشئتهم، ولم يكن هناك ضرر من تعدد المذاهب الفقهية إلا فيما حدث عند المتأخرين من التعصب الذي كان منشؤه الجهل، وهذه ما يخشى من حدوثه عند أتباع الجماعات إذا طال بهم الزمن، وفقدوا إدراك حقيقة منشأ كل جماعة وأهدافها، وأن الإسلام يسع الجميع، وأن العدو الذي من أجله قامت الجماعة ليس جماعة أخرى أو فراداً من المسلمين، وهذا المرض قد يسري في الأفراد إذا لم يتداركه قادة الجماعات من وقت مبكر بحسن التوعية، ووجود التنسيق بين القادة، والتعاون على البر والتقوى، والتحذير من أي مظهر من مظاهر الشقاق، هذا كله إذا تعذر الوصول إلى وحدة تجمع العاملين للإسلام في إطار واحد يتدارسه العاملون ويصلون فيه إلى تصور موحد يجمعهم على قيادة موحدة، وهو الأمثل.
(
__________
(1) متفق عليه.
(2) الحديث رواه أحمد 3/166.(1/24)
5) الواجب على قادة كل جماعة أن تبذل أقصى جهدها في التربية الجادة لأفرادها على منهاج النبوة، فالعلماء العاملون هم حملة الوراثة النبوية، لحديث: ((العلماء ورثة الأنبياء))(1).
والواجب في حقهم أن تتمثل فيهم القدوة الحسنة لأتباعهم، وأن يأخدوا بأيدي أتباعهم إلى أقصى ما يمكن من الكمالات البشرية، وأن يجعلوا أسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من إحياء السلوك الإسلامي في أفرادهم، وإبراز أخلاق السلف الصالح في حياتهم الخاصة والعامة، والعمل على اجتثاث رواسب الأخلاق الذميمة.
وإذا ما نجح الدعاة في الوصول بأفرادهم إلى هذا المستوى، فإن الإيمان إذا وقر في القلوب، وغمرتها التقوى، وتطهرت النفوس من الرذائل، فإن ذلك كفيل بأن يثمر صدق المودة للمؤمنين، ووضع قاعدة الولاء والبراء في مكانها الصحيح، فقد أخبر الله سبحانه في كتابه أن الإيمان يورث الأخوة، وذلك في قوله سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) [سورة الحجرات: 10]، وهذا إخبار منه سبحانه عن طبيعة الإيمان الصادق، ومعنى ذلك، أن هذه الأمراض التي نشكو منها، لا يمكن أن يصاب بها إلا من ضعف إيمانه، فلم يعرف حق أخوة الإيمان، ولا يمكن التخلي عنها إلا بصدق الإيمان، ومعرفة حقوق الأخوة الإيمانية، وإحيائها والقيام بها، والدعوة إليها، ونبذ كل مظهر من مظاهر الجاهلية.
سائلاً الله تعالى التوفيق والسداد وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
__________
(1) رواه البخاري تعليقاً في كتاب العلم، ورواه أبو داود والترمذي وأحمد.(1/25)