المقدمة :
الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى، والذي قدّر فهدى وهو العلي الكبير.
سبحانه لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وهو السميع البصير ،
{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } (الأنعام : 103) .والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد آدم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (آل عمران : 164) .
خص الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم فجعله لهم في دجى الظلم نوراً ساطعاً، وفي سدف (1) الشبه شهاباً لامعاً، وفي مضلة المسالك دليلاً هادياً، وإلى سبيل النجاة والحق حادياً { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (المائدة : 16) .
_________
(1) السّدف : ظلمة الليل . اللسان : 9 146 مادة : سدف .(1/1)
حرسه بعين منه لا تنام، وأحاطه بركن منه لا يضام، لا تهى على مر الأيام دعائمه، ولا تبيد على طول الأزمان معالمه، ولا يجور عن قصد المحجّة تابعه، ولا يضل عن سبيل الهدى مصاحبه .
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء : 88) .
وبعد :
لقد امتن الله عز وجل على هذه البلاد الطيبة المباركة فجعل نزول القرآن أكمل الكتب والمهيمن عليها في ربوعها، وختم الرسالة بأفضل الأنبياء وسيد البشر فكانت نشأته ودعوته فوق ثراها، وسخَّر لحمل كتابه ونشره رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (الأحزاب :23) .
مائة عام تمر على تأسيس هذه المملكة العربية السعودية على التوحيد والبناء، راسخة في توحيدها، ثابتة في بنائها، سائرة على الصراط المستقيم بإذن ربها، ترفع راية التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وتطبق شريعته الغراء، وتنشر العلم وتعلي قدر العلماء، محط أنظار العالم كله ومهوى أفئدة المسلمين جميعاً .(1/2)
لقد أدرك مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله أنه لا عزة ولا منعة ولا بقاء ولا استقرار لبلاد يعمها الجهل، فأرسى قواعد التعليم ونظمه، وبذل في تحقيق نشر ذلك جهده وكرمه .
وكان كتاب الله في مقدمة اهتمامه تعلماً وتعليماً، وتطبيقاً وتحكيماً فقد قرأ القرآن كاملاً على الشيخ محمد بن مصيبيح (1) ، وكان له منه وِردٌ يداوم عليه في الصباح والمساء، وعلّمه أبناءه،
وسعى في نشره في السهل والجبل والحاضرة والبادية، فنشطت كتاتيبه وشيدت مدارسه.
وتابع أبناؤه من بعده تلك العناية ورعوها حق الرعاية فكان موئلهم الذي إليه عند الاختلاف يئلون، ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعتلقون وحصنهم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون، وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون، وفصل قضائه الذي إليه ينتهون، وعن الرضا به يصدرون، وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة يعتصمون .
وسخَّروا في خدمته كل إمكاناتهم، وجعلوا ذلك أسمى غاياتهم والشواهد على ذلك كثيرة .
فهناك الجمعيات الخيرية التي يغدق عليها بسخاء لتواصل رسالتها على أكمل وجه وأحسنه ،
_________
(1) الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية : 4 .(1/3)
وهناك الكليات والمدارس المختصة بالقرآن الكريم وعلومه، والمسابقات المحلية والدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، وإذاعة القرآن الكريم وبرامجها القرآنية التي عمت معظم أرجاء المعمورة .والبعثات التي تقيم الدورات في كثير من أنحاء العالم .
ثم يكتمل وينتظم عقد الخير بإنشاء كلية للقرآن الكريم وعلومه الأولى من نوعها في العالم، تعنى بالقرآن الكريم وقراءاته ورسمه وضبطه تحتضنها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ويعقب ذلك إنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفق أرقى وأحدث ما توصلت إليه وسائل الطباعة الحديثة فطبعت به مصاحف ببعض الروايات المتواترة المقروء بها وسُجّلت ختمات بأصوات بعض القراء المجيدين، وطبعت ترجمات لمعانيه بعدة لغات، كل ذلك تحت مراقبة دقيقة من قبل لجان مختصة .
وتم توزيع إصدارات هذا المجمع المبارك ونشرها في جميع أنحاء العالم فلا تجد بلداً بل ولا مدينة تخلو من نسخة من إصدارات هذا المجمع .(1/4)
أسأل الله عز وجل أن يوفق قادة هذه البلاد وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني .وكل معين لهم ومؤازر على الخير، وأسأله أن يوفق الجميع إلى ما يحبه ويرضاه وأن يستعملهم في طاعته، وينصر بهم الإسلام .
وينصرهم بالإسلام، وأن يجزيهم خير الجزاء يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وحيث إن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة أزمعت على عقد ندوة عن عناية هذه الدولة المباركة بكتاب الله في عصرنا الحاضر بعنوان : " عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه " وذلك وفق محاور وزعت على من اختير للمشاركة.(1/5)
وكان نصيبي من تلك المحاور ( المحور الثاني ) (الموضوع الثالث) وهو: (المدارس الخاصة لتحفيظ القرآن الكريم، والكليات الجامعية للقرآن وعلومه )
ويشتمل على :
مقدمة : عن اهتمام المملكة بالقرآن الكريم في كل ميادين الحياة الخاصة والعامة.
تمهيد : فضل تعلم القرآن الكريم وتعليمه
الفصل الأول : نشأة المدارس الخاصة لتحفيظ القرآن الكريم
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : تلقي القرآن وحفظه قبل إنشاء هذه المدارس وفيه مطلبان :
المطلب الأول : تلقي القرآن بالمساجد .
المطلب الثاني : تلقي القرآن بالكتاتيب .
المبحث الثاني : تلقي القرآن الكريم في المدارس الخاصة به .
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : نشأة هذه المدارس .
المطلب الثاني : كيفية التلقي في هذه المدراس .
المبحث الثالث : خصائص هذه المدارس ومميزاتها .
المبحث الرابع : أهداف مدارس تحفيظ القرآن الكريم .
الفصل الثاني : نظام التعليم في هذه المدراس
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : اختيار المعلم الكفء لهذه المدارس
المبحث الثاني : مراحل التعليم بهذه المدارس
المبحث الثالث : دور القرآن الكريم في تنمية المهارات لحفظته(1/6)
المبحث الرابع : تربية القرآن الكريم لجيل صالح في هذه المدارس قادر على حمل الأمانة .
الفصل الثالث : كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : نشأتها
المبحث الثاني : حاجة العالم الإسلامي إليها
المبحث الثالث : أهدافها
المبحث الرابع : جهودها في خدمة القرآن الكريم وعلومه
الفصل الرابع : نظام التعليم في هذه الكلية
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : طرق الأخذ والتحمل بها.
المبحث الثاني : اختيار المعلم الكفء للتدريس بها
المبحث الثالث : إقبال الطلاب على التعلم بها
المبحث الرابع : إشادة علماء المسلمين بدورها ومكانتها .
الخاتمة(1/7)
تمهيد :
فضل تعلم القرآن وتعليمه
اعلم أرشدني الله وإياك لطاعته أن أحق ما صرفت إلى علمه العناية، وبلغت في معرفته الغاية،
ما كان لله في العلم به رضا، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وأن أجمع ذلك لباغيه، كتاب الله الذي لا ريب فيه،
وتنزيله الذي لا مرية فيه، الفائز بجزيل الذخر وسنى الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
وهذا التمهيد الذي أقدمه بين يدي هذا البحث باب واسع ألف فيه العلماء كتباً كثيرة .
وما أذكره إنما هي نكت تدل على فضله وما أعدَّه الله لأهله إذا أخلصوا الطلب لوجهه وعملوا به، ووقفوا عند حدوده .
1- روى البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خيركم من تعلم القرآن وعلّمه » (1)
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث :
_________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه : 9 / 74 . وأبو داود في كتاب الصلاة باب ثواب قراءة القرآن 2 / 99 رقم : (1452) . والترمذي : كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في تعليم القرآن 5 / 32 رقم (2909 )(1/8)
ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمّل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى الله سبحانه وتعالى بقوله { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (فصلت : 33) . والدعاء إلى الله تعالى يقع بأمور شتى ومن جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع (1) .
قال ابن كثير :"وقد كان أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي أحد أئمة الإسلام ومشايخهم ممن رغب في هذا المقام فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا وكان مقدار ذلك الذي مكث يعلم فيه القرآن سبعين سنة" (2)
2- وروى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :
« خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة (3) فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين من غير إثم ولا قطيعة رحم ؟ قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك قال :
فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الابل » (4) .
_________
(1) فتح الباري كتاب فضائل القرآن : 9 / 76 .
(2) فضائل القرآن لابن كثير :207 .
(3) الصفة : موضع في آخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليه فقراء المهاجرين.
(4) مسلم :6 / 89 ، سنن أبي داود : 2 / 100 (1456) .(1/9)
3- ومن حديث أبي هريرة عند مسلم : « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده » (1)
4- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن لله أهلين من الناس قيل من هم يارسول الله ؟
قال : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته » (2)
5- وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول - يعني القرآن- يا رب حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول يارب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقول له: اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة » (3) .
6- وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها » (4) .
_________
(1) مسلم : 17 / 21 .
(2) رواه الإمام أحمد في المسند : 3 / 127 الحاكم في المستدرك : 1 / 556، سنن ابن ماجه : 1 / 140 (215) سنن الدارمي : 2 / 433
(3) سنن الترمذي : 5 / 36 (2915) سنن الدارمي : 2 / 522 .
(4) سنن أبي داود : 2 / 103 (1464) سنن الترمذي : 5 / 36 (2915) الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي : 1 / 552 .(1/10)
فهذه الأحاديث ونحوها مما ورد في فضل تعلم كتاب الله وتعليمه كانت من أهم الأسباب التي جعلت هذه الدولة تحرص كل الحرص على نشر كتاب الله وتعليمه أبناء المسلمين سواء كانوا على أرضها أو خارج أرضها بما تبعثه إليهم من بعثات ورسل فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ووفاهم بصالح ما عملوا أعلى الدرجات في الحياة وبعد الممات .(1/11)
الفصل الأول : نشأة المدارس الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : تلقي القرآن وحفظه قبل إنشاء هذه المدارس وفيه
المطلب الأول : تلقى القرآن بالمساجد :
المساجد : جمع مسجد وهو اسم مكان مشتق من السجود في الصلاة .
ومنه كان المنطلق لتعليم كتاب الله، فما إن فرغ رسول الله صلى الله وعليه وسلم من بناء مسجده حتى جعله مقراً للصلاة والتعليم والنظر في أمور المسلمين خاصها وعامها، وتبليغ ما أنزل عليه من الوحي .
فكان أصحابه يتحلقون حوله بالمسجد يعلمهم الكتاب والحكمة كما روى أبو واقد الليثي رضي الله عنه قال :
« بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟
أما أحدهما فآوى إلى الله عز وجل فآواه الله، وأما الآخر فاستحى فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه » (1)
_________
(1) فتح الباري : 1 / 156 مسلم بشرح النووي : 14 / 158 جامع الأصول : 8 / 11(1/12)
وكانوا يتدارسون القرآن في المسجد ويتعلمونه .
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن فقال : تعلموا كتاب الله عز وجل واقتنوه، قال : وحسبت أنه قال : واغنوا به فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من المخاض من العُقل » (1) .
وتقدم في التمهيد حضّه صلوات الله وسلامه عليه لهم على تلقي القرآن بالمساجد، فكان المسجد حقاً جامعة كبرى للتعلم والتعليم وفيه تخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خلفوه من بعده على أمانته وأقاموا دولة الإسلام قوية، وكانوا أكفأ الناس للقيادة البشرية، وتبعوه على ذلك فكانوا يعلمون الناس في المسجد فتخرج التابعون على أيديهم . وما من خليفة ولا قاض ولا قارئ ولا أمير ولي أمر المسلمين في العصور الإسلامية الزاهرة إلا كان من خريجي المسجد (2) والمتتبع لتاريخ المساجد
كالمسجد الحرام بمكة شرفها الله تعالى
والمسجد النبوي بدار الهجرة
والمسجد الأموي بدمشق
والجامع الأزهر بالقاهرة
والمسجد الجامع بالقيروان
_________
(1) سنن الدارمي : 2 / 239 ، المسند للإمام أحمد : 4 / 146 فضائل القرآن لأبي عبيد : 70 .
(2) دور المسجد في التربية : 76 .(1/13)
وغيرها من المساجد العظيمة يرى كم نفع الله بها وجعلها حصناً حصيناً لدينه على مر الدهور فكانت مشاعل هداية أخرجت للناس علماء أفذاذا أناروا الدنيا بعلمهم وتركوا للناس تراثاً يسّروا به أمر دينهم .(1/14)
المطلب الثاني : تلقي القرآن بالكتاتيب
الكتاتيب :
جمع كُتَّاب مشتق من التكتيب ، وتعليم الكتابة
فإذا كان المسجد أول معهد للتعليم الشامل فإن التعليم في الكتاب كان قاصراً على تعليم القرآن الكريم مع ما يحتاج إليه المبتدئون من تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الدين على يدي معلم يحفظ القرآن كله أو بعضه .
ويقوم على الكتاب غالباً من اشتهر بالصلاح، والقدرة على التعليم والصبر وسعة البال .
والكتاتيب تكون غالباً ملحقة بالمسجد وخصوصا في البادية أما في المدن فإنها تكون ملحقة وقد تفصل عنه وتستقل .
جاء في نشرة التوثيق التربوي :
الكُتَّاب مؤسسة تعليمية قديمة عرفتها المجتمعات الإسلامية جميعاً، وهناك إشارات كثيرة إلى الكتاتيب في مدينة مكة على وجه الخصوص في مستهل القرن الرابع عشر الهجري .
ولاشك أن الكتاتيب كانت أيضاً في أنحاء الجزيرة العربية في هذه الفترة التي تقاربها ،
وقد قدّر عدد الكتاتيب في مكة المكرمة في هذه الفترة بحوالي : (43) كتابا، يدْرُسُ بها : (1150) دارساً (1)
_________
(1) نشرة التوثيق التربوي : 16 .(1/15)
قلت : وقد حفظ القرآن وتجويده ورسمه وضبطه ما لايحصى من الطلاب تخرجوا في هذه الكتاتيب بل وخرجت علماء يشار إليهم بالبنان تركوا مصنفات تشهد لهم بما بلغوا من العلم وسعة المعرفة، ولا زالت وحتى عصرنا هذا تؤدي دورها في بعض البلدان وإن كان ذلك قد ضاق بسبب إنشاء المدارس النظامية للتعليم .(1/16)
المبحث الثاني : تلقي القرآن الكريم في المدارس الخاصة به وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نشأة المدارس الخاصة لتحفيظ القرآن في المملكة
لقد بدأت المدارس النظامية تتقلص شيئاً فشيئاً من دور الكتاتيب التي كانت تختص بتعليم القرآن .
مما تعالت معه صيحات الغُيُر على هذا الكتاب الكريم بإقامة مدارس نظامية خاصة به توليه العناية اللائقة به وتحافظ عليه من الضياع وتنشره في صدور أبناء المسلمين. ففي مقال للأستاذ عبد الجليل النمر في مجلة "كنوز الفرقان"
وتحت عنوان : القرآن الكريم والحاجة إلى المدارس التي تقوم على تحفيظه والتلاميذ الذين يقبلون على حفظه .(1/17)
قال : ((كانت الكتاتيب هي المدرسة الأولى لتعليم القرآن الكريم، وعن طريقها كان يلحق الطلاب بالأزهر، ثم جاءت المدارس الأولية وكان في برنامجها تحفيظ القرآن ليكون جواز المرور إلى الالتحاق بمدارس المعلمين الأولية، ولما عمم التعليم الإلزامي لم تجد" الكتاتيب " لها مكاناً بجوار ذلك المنافس الخطر فأغلقت أبوابها وانقرضت، ومن المؤسف أن ما كان يتعلمه التلميذ في تلك المدارس لم يكن يزيد على الثلاثة الأجزاء الأخيرة من القرآن، فكانت بوضعها هذا الحلقة الأولى من السلسلة التي أريد إحكامها حول الجيل الجديد لتطويقه بها ثم الابتعاد به عن حظيرة ذلك الكتاب المقدس،
وعندما أصبح التعليم الابتدائي والثانوي مجاناً دون قيد ولا شرط تهافت عليه الجميع ، وتحولت المدارس الأولية والإلزامية إلى مدارس ابتدائية لتستوعب الجيوش الجرارة من التلاميذ وبتحويلها هذا تمت الحلقة الثانية من السلسلة الرهيبة فقد قُضِي بذلك على تحفيظ القرآن الكريم بالمدارس إذا استثنينا بعض الآيات المتفرقة التي اشتمل عليها المنهج الدراسي، أما قسم الحفظ الموجود في بعض المدارس فالإقبال عليه في حكم المعدوم)) (1) .
_________
(1) مجلة كنوز الفرقان العددان السابع والثامن، رجب وشعبان عام : 1372هـ . انظر ص : 31 .(1/18)
أقول : كان هذا النداء الصادر من هذا الغيور في عام : 1372هـ يهيب فيه بالمسلمين أن يحافظوا على القرآن الكريم حتى لا يندرس بموت كتاتيبه إثر ثورة التعليم العارمة ويطالب فيه بمدارس تُعْنى به وتحافظ عليه من الضياع .
إذا نظرنا إلى بدايات تأسيس مدارس تحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية نجد ولاة الأمر في هذه البلاد وهم الغُيُر على عقيدتهم المتمسكون بكتاب ربهم قد حازوا قصب السبق في إنشاء هذه المدارس فكان الملك عبد العزيز رحمه الله وهو الرجل النقّاب الفطن الذكي الذي يصدق عليه قول القائل :
بصير بأعقاب الأمور إذا التوت ... كأن له في اليوم عينا على غد
ومن حوله الرجال المخلصون قد قدّروا الأمر حق قدره وعرفوا حاجة المسلمين إلى إنشاء مدارس خاصة تعنى بالقرآن وحفظه .
قبل أن تتعالى الصيحات من الغير لإدراك القرآن العظيم ففي عام : 1367هـ تم افتتاح أول مدرسة ابتدائية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تسمّى "مدرسة القراءات" ثم صارت تعرف فيما بعد باسم "مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم" ولا زالت قائمة بهذا المسمى .(1/19)
كما تم في عام 1383هـ افتتاح أول مدرسة متوسطة لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض عاصمة البلاد تعرف باسم : "مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الأولى"ومازالت هذه المدرسة قائمة حتى الآن وبهذا المسمى نفسه وفي عام 1396هـ افتتحت أول مدرسة ثانوية لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة مكة المكرمة مهبط الوحي وتعرف باسم "مدرسة أبي زيد الأنصاري "ومازالت هذه المدرسة قائمة حتى الآن وبهذا المسمى نفسه ونتيجة لزيادة الإقبال على الالتحاق بهذه المدارس فقد نمت وانتشرت في جميع مناطق المملكة حتى بلغ إجمالي عدد مدارس تحفيظ القرآن الكريم التابعة لوزارة المعارف بمراحل التعليم العام في عام 1413 هـ: (341) مدرسة تضم: (36952) طالباً .
يقوم على تعليمهم : (2742) معلماً ويشرف عليهم من الإداريين المساعدين:(95) إدارياً (1) .
وتضم منطقة المدينة المنورة وحدها من هذه المدارس ما يأتي :
1- المرحلة الابتدائية : (8) مدارس .
2- المرحلة المتوسطة : (5) مدارس .
3- المرحلة الثانوية : (1) مدرسة واحدة .
وبلغ عدد الخريجين حتى عام : 1419-1420هـ
من ثانوية الإمام عاصم بالمدينة المنورة : (330) حافظا لكتاب الله بالقراءات السبع من طريق الشاطبية .
_________
(1) التوثيق التربوي : 14 .(1/20)
المطلب الثاني : كيفية أخذ الطلاب القرآن الكريم في هذه المدارس
يتلقى الطلاب في هذه المدارس كتاب الله عز وجل بالطريقة التي تلقاه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام وذلك بطرق :
أ - السماع
ب - العرض
والسماع هو : قراءة الشيخ والطالب يسمع .
فإذا فرغ أعاد الطالب ما سمع وهذا هو ما يعرف بالعرض .
فمن تحصل له الأمران فقد تحصل على أعلى طرق الأخذ والتحمل عند أهل الأداء .
وبكلا الأمرين أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن عن جبريل، فكان جبريل يقرأ أولاً والرسول صلى الله عليه وسلم مُصغٍ يسمع حتى يفرغ جبريل فيعيد الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقرأه جبريل وقد كان يتعجل في أخذ القرآن من جبريل فنهاه الله عن ذلك وأمره بالتأني حتى ينتهي جبريل .
قال تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } (القيامة :17 , 18 , 19 ). وقال تعالى : { وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } (طه : 114) .(1/21)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } (القيامة: 16) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } (القيامة: 16 , 17) قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قال: فاستمع له وأنصت { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثم إن علينا أن تقرأه.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه (1) .
_________
(1) فتح الباري : 1 / 29 .(1/22)
المبحث الثالث : خصائص هذه المدارس وأهم مميزاتها
إن أهم ما تتميز به مدارس تحفيظ القرآن الكريم عنايتها بكتاب الله وتعليمه ونشره بين الناشئة ذكوراً كانوا أو إناثاً فتخرج جيلا سرى حب القرآن في قلوبهم، وأشرق نوره في عقولهم، فهذب أفكارهم، وقوى مداركهم، وحسن أخلاقهم .
لذلك حرصت الدولة ممثلة في وزارة المعارف على الاهتمام البالغ بهذه المدارس فكلأتها برعايتها وحرستها بعينها، وبذلت ما في وسعها للنهوض بها إلى أعلى المستويات واختارت لها أحسن الكفاءات .
جاء في التعميم الصادر من وزارة المعارف إلى جميع المناطق التعليمية بخصوص هذه المدارس ما يأتي :
1- أن ينتقى لمدارس تحفيظ القرآن الكريم أجود العناصر من الإداريين والمعلمين المشهود لهم بالإخلاص والكفاءة والنشاط والابتكار والإيمان برسالة مدارس تحفيظ القرآن الكريم .
2- أن يدعم الجهاز الإداري بالوظائف المساعدة من الكتاب والنساخ والمحاسبين وأمناء المكتبات والمستودعات والمختبرات .(1/23)
3- أن تؤمن كل الوسائل التعليمية السمعية والبصرية بحيث لا تخلو مدرسة من المصاحف المرتلة والمعلمة والمجودة لمشاهير القراء وبمختلف الروايات مع أجهزة العرض والتسجيل وتأمين مختبرات العلوم واللغات للمدارس المتوسطة والثانوية بصفة خاصة .
4- أن تزود إدارة التربية الإسلامية بالوزارة بإحصائية دقيقة عن المعلمين العاملين بالمدارس العامة من المختصين في التجويد والقراءات وعلوم القرآن مع بيانات وافية عن مؤهلاتهم والمدارس التي يعملون بها، ومدى إمكان توجيههم لمدارس تحفيظ القرآن الكريم .
5- أن تستمر زيارات التوجيه التربوي لمدراس تحفيظ القرآن الكريم من إدارة التربية الإسلامية حتى تبلغ مستواها النموذجي وتحافظ عليه على أن يشترك في تلك الزيارات موجهو المناطق لمتابعة التوجيه وتقويم الأداء، وكتابة التقارير الدورية لإدارة التربية الإسلامية (1) .
كما عملت الوزارة على تشجيع الالتحاق بها بما بذلته من حوافز ووفرته من إمكانات، ويسرته من إجراءات .
فاعتمدت لطلابها مكافآت تدرجت منذ إنشائها من (40) ريالاً حتى بلغت الآن :
(600) ريالاً للمرحلة الثانوية .
(500) ريالاً للمرحلة المتوسطة .
(250) ريالاً للمرحلة الابتدائية .
_________
(1) تعميم وزاري رقم :36 / 1 / 11 / 387 / 25 .(1/24)
وذلك على مدار سنة كاملة بما في ذلك أشهر العطلة الصيفية .
* يمنح الطلاب السعوديون المغتربون بدل اغتراب يصرف مدة تسعة أشهر وفق شروط الاغتراب في التعليم العام بشرط عدم توفير السكن الداخلي لهم .
* انتشار مدارس تحفيظ القرآن الكريم في جميع مناطق المملكة وتوزيعها على أحياء المدن توزيعاً مدروساً .
* سهولة انتقال الطالب من مدارس تحفيظ القرآن إلى مدارس التعليم العام دون قيد أو شرط .
* الفرص المتاحة للطالب بعد التخرج من المدارس المتوسطة والثانوية لتحفيظ القرآن الكريم:
1- ثانوية تحفيظ القرآن الكريم .
2- الثانوية العامة بأقسامها .
3- المعاهد والمراكز التجارية .
4- الثانوية التجارية .
5- جميع المجالات الأخرى المفتوحة أمام المتخرج من الكفاءة المتوسطة .
أما الطالب المتخرج في المدارس الثانوية لتحفيظ القرآن الكريم فله الخيار بالالتحاق بالمجالات التالية :
1- الجامعات - ولا سيما أقسام القرآن وعلومه .
2- كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية .
3- كليات المعلمين .
4- الوظائف العامة (1)
_________
(1) التوثيق التربوي : 62،63 .(1/25)
ولم تكتف وزارة المعارف بما قدمته لهذه المدارس وما تقدمه من دعم ورعاية وعطاء بل سعت لدى وزارات وجهات حكومية أخرى للنهوض بمستوى منسوبي هذه المدارس من طلاب وأساتذة ومدراء وعاملين بها .
فَتُرَشح لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعض الأساتذة والطلاب الحفظة لكتاب الله المجيدين لتلاوته للإمامة في شهر رمضان المبارك سواء كان ذلك داخل المملكة أو خارجها وتتولى وزارة الشؤون الإسلامية صرف المكافآت تشجيعاً لذلك التعاون التام بين مدارس تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية للتحفيظ، فتجيز الوزارة لمعلمي القرآن بمدارس التحفيظ التعاون مع الجمعيات الخيرية في إعطاء دروس للقرآن بالمساجد ضمن ما تقوم به الجمعيات الخيرية من نشاط ولا يعد ذلك من قبيل الدروس الخصوصية الممنوعة لشدة الاتصال بين هذه المدارس والجمعيات الخيرية فكثير من طلاب هذه المدارس يؤلفون العمود الفقري لهذه الجمعيات .
يتم ترشيح بعض أساتذة هذه المدارس من المتقنين الضابطين لكتاب الله الحفظة له في تحكيم المسابقات المحلية والدولية.(1/26)
التعاون التام بين وزارة المعارف ووزارة الأعلام في إبراز دور هذه المدارس وإسهامها في نشر كتاب الله بين الناشئة، وبيان ذلك الدور من خلال ما تقدمه وزارة الأعلام من حلق وندوات عن طلاب هذه المدارس عبر الوسائل المسموعة أو المرئية .
وما برنامج (ناشئ في رحاب القرآن) عنا ببعيد فهو وغيره من البرامج التي يكون طلاب هذه المدارس طرفاً فيها من أنجح البرامج وأنفعها .
ولقد رأيت بعض الأطفال عند سماعهم لقراءة قرنائهم في هذا البرنامج يحاولون تقليدهم ومحاكات أصواتهم ونغماتهم واستفادوا من أخطائهم .
وتقوم وزارة الإعلام مشكورة بتسجيل مصاحف مرتله بأصوات بعض الناشئة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ممن حصل على المركز الأول في المسابقات المحلية والدولية مع بذل المكافآت السخية لأولئك الحفظة تكريماً لهم ودعماً للتفوق القرآني .(1/27)
المبحث الرابع : أهداف مدارس تحفيظ القرآن الكريم
تمثل مدارس تحفيظ القرآن الكريم قطاعاً هاماً من قطاعات التعليم في هذه المملكة، ورافداً من أهم روافد العلم والمعرفة، وينبوعاً من ينابيع الخير والبركة، أولاه ولاة الأمر جل الاهتمام، وأغدقوا عليه بكرم وإنعام، لما تشتمل عليه من أهداف سامية وغايات نبيلة تعود بصلتها وعائدها على الفرد والجماعة، فنما نموا مستمراً وسريعاً نتيجة الاهتمام المتزايد به فمن أهدافها :
1- العمل على تقوية الصلة بين الطلاب والقرآن العظيم بترغيبهم في تلاوة كتاب ربهم وترتيله وتدبر معانيه، وما يناله القارئ من ثواب عظيم لا يقتصر نفعه عليه بل يتعداه إلى والديه وخلطائه وجلسائه، وما لمعلم القرآن ومتعلمه من عظيم الدرجات في الحياة وبعد الممات .
2- العمل على إتقان الطلاب لتلاوة القرآن العظيم امتثالاً لأمر ربهم واقتداء بهدي نبيهم قال تعالى : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } (المزمل : 4) .
فيجب حال القراءة مد ما حقه المد وإظهار ما حقه أن يظهر وإخفاء ما حقه أن يخفى وإعطاء الحروف حقها وإخراجها من مخارجها، ولا يحصل ذلك إلا بدربة اللسان، والمران على أهل الضبط والإتقان .(1/28)
وليس بينه وبين تركه إلا رياضة امرئ بفكه (1)
قال الحافظ محمد بن الجزري رحمه الله تعالى مبينا أهمية الأخذ بالتجويد :
ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه، على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم، أو معذور.
فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح، استغناء بنفسه، واستبداداً برأيه وحدسه واتكالا على ما ألفه من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصر بلا شك وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الدين النصيحة، لله ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم »
أما من كان لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد مَن يهديه إلى الصواب بيانه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها (2) .
_________
(1) المقدمة الجزريه : 9 .
(2) النشر : 1 / 210 .(1/29)
3- تعريف الطالب بتفسير كلام ربه من خلال معرفة المعنى الإجمالي لما يتلوه ويحفظه لأن وضوح المعنى يساعد على الحفظ، ويكون أدعى للإقبال فليس المقصود بتلاوة القرآن مجرد النطق بالآيات دون تدبر المعاني ووعي بما تضمنته هذه الآيات من أحكام وهداية ومنافع { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (محمد : 24) .
4- تعويد الطالب على حسن الإنصات والاستماع حال القراءة فتترعرع معه تلك العادة حتى تكون له ملكة يحسن التعامل بها مع الناس ويحسن الأخذ بها عند سماع كلام الله عز وجل فيثمر في قلبه الخشوع الذي هو من أعظم منازل المؤمنين الصادقين { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (الأنفال: 2) .
ولذلك أمر الله بالإنصات حال قراءة القرآن وسماعه حتى تحصل هذه الفائدة العظيمة قال تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (الأعراف : 204) .
5- تنبيه الوازع الديني وتنميته:(1/30)
ويتم ذلك على فترات ويستغرق وقتاً فيشمل مراحل التعليم كلها في هذه المدارس ويتحصل منه في كل مرحلة على قدرها وفي كل وقت ينمو ويترعرع حتى يغلب على قلب وجوارح الطالب فلا يصدر إلا بأمر الله ولا ينتهي إلا بنهيه متبعاً قول الله عز وجل { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر : 7) .
ولقد أجملت اللائحة الداخلية لمدارس تحفيظ القرآن تلك الأهداف في المادة الأولى منها وهي :
تؤسس مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية لتحقق إلى جانب أهداف التعليم العام - الأهداف التالية :
1- النصيحة لكتاب الله تعالى بصيانته ورعاية حفظه وتعهد علومه تحقيقاً لمقاصد السياسة التعليمية في هذا المجال وأهدافها .
2- تربية الناشئ تربية إسلامية تهدف إلى رعاية نموه خلقياً وفكرياً واجتماعياً في ضوء العقيدة الإسلامية وتعهد تنشئته ومساعدته على تكوين شخصيته .
3- تزويد الناشئ بما يحتاج إليه من العلوم والآداب والفنون والتدريبات العملية حتى يكون أفراد الجيل مواطنين صالحين مؤمنين بالله مدركين لواجباتهم وحقوقهم معتزين بإسلامهم .(1/31)
4- إعداد الطالب للحياة العامة وإكسابه المهارات العلمية وإعداده للدراسات العلمية في المراحل التعليمية المختلفة (1) .
وقد آتت هذه الأهداف ثمارها فأنبتت غرساً طيباً مباركاً فيه أثبتت الدراسات كلها تفوق طلاب مدارس التحفيظ على زملائهم من غير التحفيظ في الفهم وسعة الإدراك وسلامة التعبير وفصاحة النطق وطلاقة اللسان، ولا غرو ولا عجب في ذلك فبقراءة القرآن تنزل الرحمة ويعم الخير وتحل البركة ويسهل الصعب .
جاء في مجلة التوثيق التربوي الصادرة عن وزارة المعارف :
"أثبتت التجربة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم أسبقية طلابها في التعرف على الحرف والتعامل مع الكلمة قبل زملائهم في التعليم العام بفصل دراسي كامل" (2) .
_________
(1) التوثيق التربوي : 57 .
(2) التوثيق التربوي : 21 .(1/32)
الفصل الثاني: نظام التعليم في هذه المدارس
المبحث الأول : اختيار المعلم الكفء لهذه المدارس .
لما كان المعلم هو العنصر الأساسي في العملية التعليمية كان لا بد من الاهتمام به وإعداده إعداداً يمكنه من أداء رسالته فالمعلم هو حجر الزاوية في العملية التربوية التعليمية فهو يؤثر في التلاميذ بأقواله وأفعاله ومظهره وسائر تصرفاته التي ينقلها التلاميذ عنه بطريقة شعورية أو لاشعورية (1)
وإذا ما نظرنا إلى بعض واجباته التي يقوم بها علمنا مكانته من العملية التربوية .
1- فالمعلم مصدر أساسي يستمد منه التلميذ معلوماته الدراسية وخبراته الثقافية .
2- المعلم يبتكر ويجدد في طرق التدريس وينقد المنهج ويكيفه ويقومه.
3- المعلم رائد التلاميذ وقدوة حسنة لهم في أقواله وتصرفاته وسمته .
4- المعلم أب عطوف بر بتلاميذه يعطف عليهم عطفاً مقروناً بحزم، يعلمهم كيف يحترمون الناس وكيف يحترم بعضهم البعض .
5- المعلم يحمل على توثيق الصلة بين المدرسة والمنزل والمجتمع وهو إلى جانب ذلك رائد اجتماعي .
_________
(1) الكفاية الإنتاجية للمدرس : 46 .(1/33)
ولذلك أولت الدولة المعلم جل اهتمامها، ووضعت الخطط والبرامج الكفيلة بإعداده، وتذليل العقبات في طريقه ومكنته من توسيع ثقافته بمواصلة دراساته، وتوفير ما يحتاج من تقنيات التعليم وأسسه، وأنشأت دورات للرفع من كفاءته، وأغدقت عليه بسخاء .
وأولت معلم القرآن على وجه الخصوص حسن كرم وأوفر رعاية وأكرم رفادة .
فقد اقتفى ولاة الأمر في هذه البلاد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وسنة خلفائه من بعده في إكرام حامل القرآن وإنزاله المنزلة اللائقة به سواءاً كان معلماً أم متعلماً .
فعن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله سبحانه وتعالى جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق، ويبغض - أو قال : ويكره - سفسافها، فإن من تعظيم جلال الله تعالى إكرام ثلاثة : الإمام المقسط، وذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه » (1)
وعن هشام بن عامر الأنصاري رضي الله عنه قال :
_________
(1) أبو داود : 5 / 112 حديث رقم : (4843)، فضائل القرآن لأبي عبيد : 89(1/34)
« شكوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرحَ يوم أحد، وقالوا : كيف تأمر بقتلانا ؟ فقال : (احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا في القبر الاثنين والثلاثة وقدموا أكثرهم قرآنا قال : فقدّم أبي بين يدي ثلاثة » (1) .
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل » (2)
ونقل الهذلي في كامله « أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس في داره مجلسا ليكون له فخر في الدنيا والآخرة، ففعل واجتمع القوم فدخل أربعة من الصحابة آخر المجلس ولم يجدوا موضعا يجلسون فيه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأمر واحدا أن يقوم من مكانه وأجلس موضعه واحدا من الداخلين هكذا حتى أجلس الأربعة .
فعظم المنافقون ذلك وقالوا : ما فعل هذا إلا ليطلب الملك باسم النبوة، فعظم على المسلمين ولم يتهيأ لهم أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أبوحي فعله؟ أم من تلقاء نفسه، فأتوا أبا بكر رضي الله عنه فسألوه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
_________
(1) أبو داود في الجنائز : 3 / 355 رقم : (3215) الترمذي في الجهاد : 3 / 329 رقم :(1713) النسائي في الجنائز : 4 / 385 رقم : (2009) المسند للإمام أحمد 4 / 20 السنن الكبرى للبيهقي : 3 / 413، فضائل القرآن لأبي عبيد : 90
(2) رواه مسلم : 5 / 172 وأبو داود : 1 / 277 رقم : (582) فضائل القرآن لأبي عبيد : 92 .(1/35)
فلما دخل المسجد وخلفه المهاجرون والأنصار، فحين أبصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا هيبة منه فقال لأبي بكر إليّ إليّ يا أبا بكر، ما بال المهاجرين والأنصار تفرقوا فأخبره القصة ،
فقال أبوحي صنعته أم من تلقاء نفسك ؟
قال : من تلقاء نفسي، قال فما الحكمة في ذلك
قال : الداخلون من أهل القرآن فأردت تعظيم القرآن وأهله فأقمت من لم يحمل القرآن وأجلست من حمل القرآن في مكانه تعظيما للقرآن ،
فقال أبو بكر : جزاك الله عن الإسلام خيرا يا رسول الله » (1)
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلون حامل القرآن ويقدمونه
فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن سالما مولى أبي حذيفة كان يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة بن عبد الأسد، وزيد بن حارثة وعامر بن ربيعة (2)
وحدّث الزهري عن عامر بن واثلة : أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي رضي الله عنه تلقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة فسلم على عمر، فقال له : من استخلفت على أهل الوادي - يعني مكة -
فقال نافع : استخلفت عليهم يا أمير المؤمنين ابن أبزى
فقال عمر : وما ابن أبزى ؟ فقال نافع : هو من موالينا
_________
(1) الكامل للهذلي لوحة : 7 / ب
(2) رواه مسلم صلاة المسافرين : 6 / 98 .(1/36)
فقال عمر : استخلفت عليهم مولى ؟ فقال : يا أمير المؤمنين :
إنه قارئ لكتاب الله تعالى، عالم بالفرائض ،
فقال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله سبحانه وتعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين » (1)
قال عمر : وإني لأرجو أن يكون عبد الرحمن بن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن (2)
فإكراماً للقرآن وأهله جاء في نشرة مجلة التوثيق التربوي لدول الخليج ما نصه :
" تصرف مكافأة شهرية زيادة على الراتب للمؤهلين من معلمي القرآن الكريم، تترواح بين (500) و (700) ريال .
ونظراً لاهتمام وزارة المعارف بمادة القرآن الكريم وإعداد القائمين على تدريسها فقد عقدت الدورات التدريبية لمعلمي القرآن الكريم وعلوم التربية الإسلامية في معظم إدارات التعليم وفي أكثر من عشرين مركزاً وتم تدريب ما يزيد على ألف معلم، ولا زالت الدورات التدريبية مستمرة حتى يتم تدريب كل معلمي القرآن الكريم بالمرحلة الابتدائية ورفع كفايتهم العلمية بما يؤهلهم لتدريس القرآن الكريم على الصورة المثلى
وقد وضعت الخطة لتدريب 2134 معلماً في عام 1401هـ كما أن لدى الوزارة اتجاه لعقد دورات مكثفة لمن يثبت تفوقاً وامتيازاً من هؤلاء (3)
_________
(1) رواه مسلم صلاة المسافرين : 6 / 98 .
(2) فضائل القرآن لأبي عبيد : 94 .
(3) مجلة التوثيق : 149، 150 .(1/37)
وإذا كان المعلم يرشح ويختار وفق ضوابط وأسس وضعت لذلك فإن اختيار معلم القرآن يزيد على ذلك دقة واحتياطا لما يقوم به من تعليم كتاب الله عز وجل مما يلزمه أن يكون قادراً على نطق حروف القرآن وإخراجها من مخارجها صحيحة سليمة وأن يكون هديه وسمته موافقاً لهدي الكتاب والسنة بعيداً عن البدع والفسق وخوارم المروءة جليلها وصغيرها .
وإلى هذا نبه الأمين العام للتوعية الإسلامية بوزارة المعارف في مقابلة أجريت معه :
إلى أن الوزارة تبذل قصارى جهدها في اختيار معلم القرآن سواء كان الاختيار من داخل المملكة أو خارجها .
ويراعى فيه أن يكون من خيرة المعلمين، ومن ذوي الخبرة والتقوى، والخلق، والسمت القرآني .
ثم بين أن الاختيار وفق هذه الضوابط عاد بالنفع لا على الطالب فحسب بل وعلى المدرسة القرآنية كلها فألبسها ثوباً من الخشوع والهدوء وحسن التعامل، والشعور بالأبوة والبنوة بين المعلم وطلابه (1) .
قلت : ولقد صدق فإن المعلم أب للروح يغذيها بالعلوم والمعارف النافعة ولذا قدمه البعض على أب النسب.
_________
(1) مجلة الحرس الوطني العدد التاسع والسبعون : عام 1409 هـ تحت مقال : أضواء على مدارس وجماعات تحفيظ القرآن الكريم : ص : 77 .(1/38)
المبحث الثاني : مراحل الدراسة بهذه المدارس
وهي ثلاث مراحل :
1- المرحلة الابتدائية :
ومدتها ست سنوات دراسية :
وقد حدد ولاة الأمر عمراً لبدء الدراسة في هذه المرحلة وهو ست سنين، وهو عمر يميز فيه الطفل السّوي. ولا شك أن تعليم الصبيان كتاب الله وبدأهم به هو منهج الصحابة وسلف هذه الأمة حتى يجري القرآن في دمائهم وتسري بركته عليهم وعلى آبائهم،
فكانوا إذا عقل الصغير بدئ في تعليمه حروف أبي جاد وقصار السور ثم المفصل وهكذا يتدرج به في حفظ كتاب الله شيئا فشيئا بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه حتى يتم حفظه .
والأصل في هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما ففي صحيح البخاري قال : باب تعليم الصبيان القرآن .
ثم ساق بإسناده عن سعيد بن جبير رحمه الله قال : إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم
قال : وقال ابن عباس : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم .
وفي رواية أخرى عنه : جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : وما المحكم ؟ قال : المفصل (1) .
_________
(1) فتح الباري : 9 / 83 .(1/39)
قال ابن كثير : فيه دلالة على جواز تعلم الصبيان القرآن، لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل، وهو من الحجرات وعمره إذ ذاك عشر سنين (1)
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمرو بن شعيب قال : كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبعا: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } (2)
فجزى الله قادة هذه البلاد وكل من وضع لبنة أو شيد صرحا ينشر من خلاله كتاب ربه، ويعلم فيه الناشئة كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
وتعد المرحلة الابتدائية هي القاعدة التي يرتكز عليها إعداد الناشئين للمراحل التالية من حياتهم .
وهي مرحلة عامة يزود فيها الناشئ بالأساسيات من العقيدة الإسلامية، والاتجاهات السليمة، والخبرات والمعلومات والمهارات وإعداد الطالب لما يلي هذه المرحلة من مراحل حياته .
منهج مادة القرآن الكريم بهذه المرحلة :
_________
(1) فضائل القرآن لابن كثير : 225 .
(2) المصنف : 10 / 556، وعمل اليوم والليلة لابن السني : 160 .(1/40)
يبدأ الطلاب في تلاوة وحفظ مادة القرآن الكريم في جميع الصفوف من قصار السور. على النحو التالي :
الصف الأول :
أ- التلاوة : من أول سورة البروج إلى نهاية سورة الناس .
ب- الحفظ : من أول سورة الشمس إلى نهاية سورة الناس . وعدد الساعات المخصصة لهذه المادة في هذه السنة :10 .
الصف الثاني :
أ- التلاوة : من أول سورة المجادلة إلى نهاية سورة الانشقاق .
ب- الحفظ : من أول سورة النبأ إلى نهاية سورة البلد .
عدد الساعات : 15 .
الصف الثالث :
أ- التلاوة : من أول سورة غافر إلى نهاية سورة الحديد .
ب- الحفظ : من أول سورة المجادلة إلى نهاية سورة المرسلات
عدد الساعات : 15.
الصف الرابع :
أ - التلاوة : من أول سورة القصص إلى نهاية سورة الزمر
ب - الحفظ : من أول سورة غافر إلى نهاية سورة الحديد .
عدد الساعات : 13 .
الصف الخامس :
أ - التلاوة : من أول سورة الكهف إلى نهاية سورة النمل .
ب - الحفظ : من أول سورة القصص إلى نهاية سورة الزمر .
عدد الساعات 12 .
الصف السادس :
أ - التلاوة : من أول سورة البقرة إلى نهاية سورة الإسراء .
ب - الحفظ : من أول سورة الكهف إلى نهاية سورة النمل
عدد الساعات :12(1/41)
وقد كان عدد الساعات المخصصة لتدريس القرآن الكريم بهذه المدارس منذ نشأتها وإلى وقت غير بعيد " عشرين ساعة في الأسبوع "
أي ما يمثل : 60 % بالنسبة لبقية المواد
ولذلك كان الطلاب يتمون حفظ القرآن الكريم بالمرحلة الابتدائية، وكنت ولله الحمد ممن حفظه في هذه المرحلة .
ثم قلصت الساعات المخصصة للقرآن الكريم كما هو مبين بما يعادل : 30 % من الحصص المخصصة لبقية المواد، وذلك بسبب إضافة مواد أخرى إلى مناهج هذه المدارس لتواكب التعليم والمقررات في المدارس الأخرى.
وتم هذا التحول عام : 1395 هـ
فالمناهج التي تدرس في مدارس تحفيظ القرآن الكريم صارت هي نفس المناهج التي تدرس في مدارس التعليم العام فيما عدا مادة القرآن الكريم والتجويد والقراءات وعلوم القرآن وأصول الفقه وعلوم الحديث فلها منهج خاص بها .(1/42)
2- المرحلة المتوسطة
ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات
وتعد هذه المرحلة إعداداً لمرحلة تأتي بعدها، ولذا كان من أول أهدافها الكشف عن المواهب وتنميتها وتوجيهها والإعداد للحياة بحيث يمكن لمن تساعدهم قدراتهم وظروفهم مواصلة التعليم في مراحله التالية، ويتمكن الذين تقف بهم الدراسة مِن شق طريقهم وخوض معترك الحياة بما استفادوه من ثقافة وتوجيه وما اكتسبوه من تربية إسلامية وفكرية وعقلية وعملية .
منهج مادة القرآن الكريم بهذه المرحلة :
الصف الأول :
أ- التلاوة : الأجزاء العشرة الأولى من القرآن الكريم .ب- الحفظ: من أول سورة الإسراء إلى نهاية سورة يونس
عدد الساعات : 10
الصف الثاني :
أ- التلاوة : الأجزاء العشرة الثانية من القرآن الكريم .
ب- الحفظ : من أول سورة التوبة إلى نهاية سورة المائدة
عدد الساعات : 10
الصف الثالث :
أ- التلاوة : الأجزاء العشرة الأخيرة من القرآن الكريم .
ب - الحفظ : من أول سورة النساء إلى نهاية سورة البقرة .
عدد الساعات : 10(1/43)
3- المرحلة الثانوية :
ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات
وتعد هذه المرحلة مرحلة مهيئة لما يليها من دراسات أعلى جامعية أو غيرها، ونهائية لبعض الطلاب الذين تقف بهم دراستهم عند نهايتها
ومن أهدافها :
أ- تهيئة الطلاب للتعليم الاختصاصي العالي .
ب- توفير الفرص أمام الطلاب للتدريب على العمل في الحياة العامة ومواجهتها مزودين بخبرات عملية ومهارات نافعة وإعداد سابق لمواجهة الحياة.
منهج مادة القرآن الكريم بهذه المرحلة :
الصف الأول :
أ - التلاوة : الأجزاء العشرون الأخيرة من القرآن الكريم .
ب- الحفظ : الأجزاء العشرة من القرآن الكريم
عدد الساعات : 5
الصف الثاني :
أ- التلاوة : الأجزاء العشرة الأولى والعشرة الأخيرة من القرآن الكريم.
ب- الحفظ : الأجزاء العشرة الوسطى من القرآن الكريم .
عدد الساعات : 5
الصف الثالث :
أ- التلاوة : الأجزاء العشرة الأولى من القرآن الكريم .
ب- الحفظ : الأجزاء العشرة الأخيرة من القرآن الكريم .
عدد الساعات : 5(1/44)
المبحث الثالث : دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية
يقصد بالمهارات الأساسية مهارة القراءة والكتابة واستخدام التفكير العلمي السليم، والربط بين الكلمات ومعانيها، والاستفادة من الحسيات ومعرفة مبانيها .يتبين دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى التلاميذ في كل مراحلهم العلمية ويستفيد منه كلٌّ بحسب قدراته العقلية :
1- فهم يدركون سهولة حفظه ويسره كما قال تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } ( القمر : 17)
فإنك ترى التلميذ في الصف الأول الابتدائي قبل أن يعرف القراءة والكتابة يحفظ سوراً من القرآن الكريم بسهولة وطلاقة ويسر، ويؤدي ذلك الأسلوب الذي أعجز الجن والإنس أن يأتوا بمثله، يؤديه بحفظ وإتقان ودقة .
2- إن مادة القرآن الكريم تشارك باقي مواد التربية الإسلامية في تنمية مهارة القراءة والكتابة وتقويم اللسان،
وبناء الثروة اللغوية عند التلميذ، ولا سيما أن القرآن نزل بأفصح اللغات وأعذبها، ويتضح ذلك جلياً في طلاقة الحديث بالعربية الفصحى وحضور الذهن عند حافظ القرآن الكريم أكثر من غيره .(1/45)
3- صقل القدرات العقلية والفكرية لدى حفظة كتاب الله فيتحقق لهم الاستقرار والثبات والصمود في وجه التحديات الفكرية المنحرفة، والشبهات العقدية الباطلة التي يثيرها أعداء الإسلام في القديم والحديث .
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (المؤمنون:91 ،92)
4- زرع القناعة التامة الواضحة عند التلاميذ بضرورة الدين الإسلامي وأخذه منهج حياة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (المائدة:3)
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (آل عمران:85) وترسيخ المفاهيم والتصورات الحقيقية لهذا الدين بعيداً عن الشبهات والشهوات ومن ثم العمل على تطبيقها في واقع الحياة.(1/46)
المبحث الرابع : تربية القرآن الكريم لجيل صالح متميز من خلال هذه المدارس
لقد سبق القول إن هذه المدارس تتعاهد الطفل منذ نعومة أظفاره في سن السادسة من عمره لتلقنه كتاب الله عز وجل، فيجري في عروقه ودمه ويتغذى منه لحمه ويتقوى به عظمه، ويستمر ذلك التعاهد والعناية والرعاية حتى يشب وينشأ على تلاوة كتاب الله ويحفظه في المرحلة المحددة لحفظه فيتلوه في خلوته وجلوته ويكون مسلاته عن غيره.
إنا نأمل وبعد الدراسة في هذه المراحل الثلاث أن يخرج الله لنا من أدبه القرآن فأحسن تأديبه، ومن تخلق بخلق القرآن الكريم، ومن يعبد الله ويدعو إليه على بينة وبصيرة، إن الله عز وجل بعلمه وحكمته ما كان ليضع هذا القرآن في أوعية ثم لا يكون من بينها وعاء يفيض نوراً واستقامة وهدى وتقوى، بأمر الله يهتدي وبسنة رسوله يقتدي.
يراقب الله عز وجل في السر والعلانية(1/47)
لأنه حفظ قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }{ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } (الملك :12 , 13 , 14 ) .
يخلص العمل لله فلا يشوبه شرك أو رياء لأنه حفظ قول الله عز وجل : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (الأنعام: 162 , 163).(1/48)
يحاسب نفسه فلا يتركها تسيّره حسب شهواتها وأهوائها فإنها أمارة بالسوء لأنه قرأ قول الله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا }{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا }{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (الشمس : 7 , 8 ، 9 ،10) . يتوب إلى الله ويؤوب إليه ويستغفره من ذنوبه في كل وقت وحين لأنه تلا قول الباري جل وعلا : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (آل عمران : 135) . وقرأ: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } (الأعراف: 201) .(1/49)
يتوجه بالدعاء في السر والعلانية إلى خالقه لا إلى غيره لا نافع ولا ضار إلا هو، لا مانع ولا معطٍ إلا هو لأنه تلا قول الله عز وجل : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة :186) .
وقرأ قوله تعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (يونس : 107) .
يستحي من الله حتى كأنه يراه لأنه قرأ قوله تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } (النساء : 108) .(1/50)
وقرأ قوله تعالى : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ } ( المجادلة : 7) .
إن كتاب الله له تأثير عظيم في هذه النفوس متى امتلأت به كفاها، ومتى استغنت به أغناها، ومتى حفظته حفظها وحرسها وسما بها إلى منازل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
ومتى خلت منه النفوس صارت مثل البيت الخرب تعيث فيه الوساوس والشياطين ولا يبالي الله سبحانه وتعالى بأصحاب هذه النفوس الخبيثة المريضة في أي واد هلكت .
لقد رفع كتاب الله أقواماً قرأوه وفهموه وعملوا بما فيه فجعلهم الله به خير أمة أخرجت للناس .
سادوا به العالم عدلا، وأخرجوهم به من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، فدانت لهم البلاد ورضيت بحكمهم الشعوب والبلاد .
ولما كان آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها أزجي إلى حملة كتاب الله معلما كان أو متعلماً نصيحة ناصح يخاف على نفسه وعليهم يوم التناد.(1/51)
قال بعض العلماء فيما يجب أن يتصف به حامل القرآن :(1/52)
ينبغي له أن يستعمل تقوى الله عز وجل في السر والعلانية باستعماله الورع في مطعمه ومشربه، وملبسه ، ومسكنه وأن يكون بصيرا بأمور زمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف لسانه أشد مما يخاف من عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه ليأمن من شره وسوء عاقبته، قليل الضحك فيما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سر بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن فرح قال حقاً باسط الوجه طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه فكيف بما ليس فيه يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى فيما يسخط مولاه، لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد ، ولا يحسده ، ولا يسيء الظن بأحد إلا بمن يستحق، فحينئذ يظن بعلم، ويتكلم بما في الإنسان من عيب بعلم، ويسكت عن حقيقة ما فيه بعلم، قد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل حافظاً لجميع جوارحه عما نُهي عنه، إن مشى مشى بعلم وإن قعد قعد بعلم،(1/53)
يجتهد ليسلم الناس من لسانه ويده، لا يجهل وإن جُهِل عليه حَلِمَ، لا يظلم وإن ظُلِم عفا، لا يبغي وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضى ربه، ويغيظ عدوه، متواضع في نفسه، إذ قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله عز وجل لا من المخلوقين، ماقت للكبر، خائف على نفسه ودينه، لا يتأكل بالقرآن ولا يحب أن تقضى له به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبواب الملوك، ولا يجالس به الأغنياء ليكرموه .(1/54)
إن كسب الناس من الدنيا الكثير بلا فقه، كسب هو القليل بفقه وعلم، إن لبس الناس اللين للتفاخر لبس هو من الحلال ما يستر عورته، إن وُسّع عليه وَسّع على نفسه، وإن أُمسك عليه أَمسك ، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتّبع واجبات القرآن والسنة، يأكل بعلم، ويشرب بعلم ويلبس بعلم، وينام بعلم، ويأتي أهله بعلم، ويصحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويسلم عليهم بعلم، ويجاور جاره بعلم، ويلزم نفسه بر والديه فيخفض لهما جناحه، يخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، وينظر إليهما بعين الوقار والرحمة، ويدعو لهما بالبقاء، ويرفق بهما عند الكبر، لا يضجر برهما ولا يحقرهما، إن استعانا به على طاعة أعانهما،
وإن استعانا به على معصية لم يعنهما عليها ورفق بهما في معصيته إياهما بحسن الأدب، ليرجعا عن قبيح ما أرادا فيما لا يحسن بهما فعله.(1/55)
يصل الرحم ويكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، من عصى الله فيه أطاع الله الكريم فيه، يصحب المؤمنين بعلم ويجالسهم بعلم، من صحبه نفعه، يحسن المجالسة لمن جالسه، إن علّم غيره رفق به، ولا يعنّف من أخطأ ولا يخجله، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً، يؤدب من جالسه بأدب القرآن والسنة ، إن أصيب بمصيبة فالقرآن والسنة له مؤدبان، يحزن بعلم، ويبكي بعلم، ويصبر بعلم، ويتطهر بعلم، ويصلي بعلم، ويزكي بعلم، ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم، ويكسب بعلم، وينفق بعلم ، وينبسط في الأمور بعلم، وينقبض فيها بعلم، يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه، ولا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عز وجل عليه بجهل، قد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خير .
إن درس القرآن فبحضور فهم وعقل، همته إيقاع الفهم لما ألزمه الله عز وجل من اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، ليس همته متى أختم السورة .(1/56)
همته متى استغنى بالله عن غيره، متى أكون من المتقين، متى أكون من المحسنين، متى أكون من المتوكلين، متى أكون من الخاشعين، متى أكون من الصابرين، متى أكون من الصادقين، متى أكون من الخائفين، متى أكون من الراجين، متى أزهد في الدنيا، متى أرغب في الآخرة، متى أتوب من الذنوب، متى أعرف النعم المتواترة، متى أشكره عليها، متى أعقل عن الله عز وجل الخطاب، متى أفقه ما أتلو، متى أغلب نفسي على ما تهوى، متى أجاهد في الله حق جهاده، متى أحفظ لساني، متى أغض طرفي، متى أحفظ فرجي متى استحي من الله حق الحياء، متى أشتغل بعيبي، متى أصلح ما فسد من أمري، متى أتزود ليوم ميعادي، متى أكون عن الله راضياً، متى أكون بالله واثقاً، متى أكون بزجر القرآن متعظاً، متى أكون بذكره عن ذكر غيره مشتغلاً، متى أحبُّ ما أحبَّ، متى أبغضُ ما أبغضَ، متى أنصح لله، متى أخلص له عملي، متى أقصر أملي، متى أتأهب ليوم موتي، وقد غيب عني أجلي، متى أعمر قبري، متى أفكر في الموقف وشدته، متى أفكر في خلوتي مع ربي، متى أحذر ما حذرني ربي عز وجل من نار، حرها شديد، وقعرها بعيد، وعمقها طويل، لا يموت أهلها فيستريحوا، ولا تقال عثرتهم، ولا ترحم لهم عبرة، طعامهم(1/57)
الزقوم، وشرابهم الحميم .
{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } (النساء: 56)، ندموا حيث لا ينفعهم الندم، وعضوا على الأيدي أسفاً على تقصيرهم في طاعته، وركوبهم لمعاصي الله عز وجل فقال منهم قائل :
{ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } (الفجر: 24) وقال قائل : { رَبِّ ارْجِعُونِ }{ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } (المؤمنون: 99، 100)
وقال قائل : { يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } (الكهف: 49)
وقال قائل : { يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } (الفرقان: 28) وقالت فرقة منهم ووجوههم تتقلب في أنواع من العذاب :
{ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ } (الأحزاب : 66)(1/58)
فهذه النار يا معشر المسلمين، يا حملة القرآن، حذرها الله عز وجل المؤمنين في غير موضع من كتابه، رحمة من الله لهم فقال عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (1) (التحريم:6)
إن دولة المملكة العربية السعودية وفقها الله لكل خير لم تبخل في الإنفاق على هذه المدارس، بل كانت السبّاقة في إنشائها، ولم تأل جهداً في رعايتها فقد رعتها حق الرعاية ودعمتها كل الدعم . وعمت بنفعها الذكور والإناث من أبناء المسلمين ممن هم على أرضها لا فرق بين سعودي وغير سعودي، واختارت معلميها من ذوي الكفاءات العالية كل ذلك ابتغاء رضوان الله وأجره وثوابه، ورجاء أن يخرج الله من هذه المدارس من يتصف بصفات حامل القرآن التي سبق ذكرها . أسأل الله عز وجل أن يجزيهم بكل حرف من القرآن حفظ في هذه المدارس حلاوة إيمان، وأن يرزقهم بكل سورة تعلمت فيها سلامة من كل سوء ، وبكل جزء قرئ فيها جزاءً أوفى، إنه قريب سميع مجيب الدعاء.
_________
(1) جمال القراء : 1 / 115-118 .(1/59)
الفصل الثالث : كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية
المبحث الأول : نشأتها
منذ نزل القرآن وهو محاط برعاية الله وعنايته حتى أكمله الله لهذه الأمة ورضيه لها دنيا
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } (المائدة : 3) .
فشاءت عناية الله عز وجل أن لا يَكِلَ حفظ هذا الكتاب إلى عباده حتى لا يضيع كما أضاع أهل التوراة كتابهم حينما وكل حفظه إليهم في قوله تعالى : { بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ } (المائدة : 44) . وقال في شأن القرآن { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر : 9) .
وهذا الحفظ باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فلا تزال طائفة من هذه الأمة حاملة للواء الحق ظاهرة به لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وإن من وسائل حفظ الله لهذا الكتاب ما سخره له في كل عصر ومصر من علماء عاملين، وقراء مجودين، وحفظة مسندين، وأئمة قائمين به، داعين إليه، محكّمين له .
فلقد اختار الله هذه الدولة راعية لكتابه، قائمة به حاكمة بما فيه، وكانت سبّاقة إلى كل ما فيه خير للإسلام والمسلمين .(1/60)
ففي الوقت الذي بدأ فيه كثير من حروف القراءات المتواترة يقل دوره واستعماله، بل وهجره، ويعزّ فيه وجود العالم بقراءاته ورسمه وضبطه .
كان قادة هذه البلاد ومن ورائهم العلماء المخلصون يضعون حجر الأساس لإنشاء كلية هي الأولى من نوعها في العالم الإسلامي، تُعنى بكتاب الله من حيث قراءاته ورسمه وضبطه وعدّ آيه وتفسيره وسائر علومه المتنوعة .
فصدرت الموافقة السامية من جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله على إنشاء الكلية .
في شهر رمضان شهر القرآن وذلك بموجب الأمر السامي رقم : (26511) في 6 / 9 / 1394هـ
بناء على توصية المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة المنعقد في الفترة من يوم السبت : 12 / 4 / 1394هـ إلى يوم الأحد : 20 / 4 / 1394هـ
وجاء في هذه التوصية :(1/61)
لمّا كانت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أسست لغاية سامية، وهدف نبيل هما تثقيف من يلتحق بها من الطلبة المسلمين، ثقافة إسلامية نقية، مستمدة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولما كان كتاب الله هو أساس كل خير، وهو كلام الله الذي تعبّد الخلق بتلاوته، وأوجب عليهم التمسك به، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل الله بحفظه فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
فقد حرصت الجامعة على أن تساهم بما يمكنها من بذل الوسع والعناية التامة بكتاب الله عز وجل، وذلك بإيجاد كلية تُضَم إلى كليات الجامعة باسم ( كلية القرآن الكريم )
وتم إعداد مشروع لهذه الكلية، وجرى عرضه على المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة فأقره، بعد إدخال تعديلات عليه، واستحسن فكرة إنشاء هذه
الكلية، وشكر الجامعة على اهتمامها بالقرآن الكريم وعنايتها بعلومه وأوصى بما يلي :
تنشأ في الجامعة كلية لخدمة كتاب الله عز وجل باسم كلية القرآن الكريم (1) .
_________
(1) الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية : 323 .(1/62)
المبحث الثاني : حاجة العالم الإسلامي إلى إنشائها
اختار الله سبحانه وتعالى مدينة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث مأرز الإيمان لتقام على أرضها أول جامعة إسلامية عالمية الرسالة، وأول كلية متخصصة بالقرآن وعلومه .
وكان لولاة الأمر في هذه البلاد المملكة العربية السعودية السبق في كل ذلك، فهم الذين يسعون دائماً في تلمس حاجات المسلمين ويعملون على قضائها، ويبذلون وسعهم لإعلاء كلمة الله والحفاظ على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مستمسكين من ذلك بالعروة الوثقى .
لقد نشأت هذه الكلية في وقت اشرأبت فيه أعناق الحاقدين للنيل من كتاب الله وحَمَلَتِه، وشُرعت فيه أقلام وشهرت معاول لغرض هدمه ، فظهر من يشكك في صحة قراءاته وحروفه المتواترة، يدعو إلى تركها بدعوى أنها نزلت للتخفيف على أمة أمية وقد انتهى دورها فلا داعي لتعلّمها وقراءتها ويكتفى برواية واحدة من كل تلك الروايات والقراءات وتجمع الأمة عليها .(1/63)
وارتفع صوت من يطعن في رسم القرآن وضبطه ويرمي كتبة المصاحف العثمانية بالغفلة وعدم إجادة قواعد الكتابة داعياً إلى ترك ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم .والقرون المفضلة من بعدهم بدعوى أنه مما يعسر فهمه على المبتدئين وأن السبيل الأمثل هو كتابة المصاحف بحسب القواعد الإملائية المتعارف عليها الآن .
ثم تأتي الطامة الكبرى حين يعمل بعض طلبة العلم على الصد عن تجويد القرآن والتقليل من أهمية الأخذ به، وأن المرء متى استطاع فك الحرف وقراءته فلا تثريب عليه أن يقرأ القرآن غير مراع لأحكام القراءة التي أجمع عليها علماء القراءات والتجويد خلفاً عن سلف والتي جاء الأمر بها في قول الله تعالى { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } المزمل : 4) .(1/64)
يقول الدكتور عبد العزيز القاري :"كان إنشاء هذه الكلية فكرة رائدة في هذا المجال إذ إن كل غيور على كتاب الله مشفق على حماه كان يعلم مدى انصراف الناس منذ عقد من الزمن عن علومه وفنونه خاصة علم القراءات وعلم الرسم والضبط والفواصل، فعزّ وجود العالم بهذه العلوم المتضلّع بها، فضلا عن وجود المحقق المتبحّر، وأصبح الحال حينذاك باعثا على القلق والخوف على كتاب الله كما خاف الصحابة الكرام عليه لمّا رأوا القتل استحر في القراء في الغزوات، وخاصة في وقعة اليمامة ، وكان القراء من الصحابة في مقدمة صفوف الجهاد دائماً، ولكن مع الفارق بين الحالين، إذ كان حال الصحابة كما وصفت بينما حالنا أن الخوف وقع على القرآن وعلومه .لمّا تمادى الناس في الغفلة عن كتاب الله وانصرفوا عنه إلى ظاهر من الحياة الدنيا (1) .
فيشاء الله لهذه الكلية أن تبرز إلى النور لتبدد ظلمات الشك باليقين، ولتقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
_________
(1) مجلة كلية القرآن الكريم : 306 .(1/65)
وإني أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعظم الأجر ويجزل المثوبة لفضيلة العالم الرباني سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المتوفى في 27 من شهر الله المحرم من عام 1420 هـ .وأن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته، فقد كانت هذه الكلية من ثمار غرسه وجهود سعيه .
وذلك أن قصة إنشاء هذه الكلية ترجع إلى أنه رحمه الله تعالى كان في ندوة علمية بالمدينة المنورة، وافتتح أحد القراء الندوة بآي من كتاب الله برواية عن الإمام نافع إمام أهل المدينة في القراءة .
فلما فرغ القارئ حصل في المجلس لغط حول هذه القراءة فما كان من الشيخ رحمه الله إلا أن انبرى كعادته . يوجه ويبين صحة القراءات المتواترة، وألقى محاضرة لم تكن مدرجة على جدول هذه الندوة عن القراءات المتواترة وما يقرأ به وما لا تصح القراءة به .
ومن تلك اللحظة أخذ الشيخ على عاتقه مهمة إنشاء هذه الكلية فسعى عند ولاة الأمر فكان له ما طلب .(1/66)
وهذه الحادثة التي كانت السبب في إنشاء هذه الكلية تذكرني بسبب جمع عثمان للقرآن حيث اختلف الصحابة عنده فمنهم من يقرأ بحرف ابن مسعود ومنهم من يقرأ بحرف أبيّ ومنهم من يقرأ بغير ذلك مما لم يثبت في العرضة الأخيرة .
فقال رضي الله عنه: أنتم عندي تختلفون فمن نأى عنّى من الأمصار كان أشد اختلافاً، ثم شرع في ذلك الجمع الذي جمع الله به الأمة وعصمها به من الفرقة والاختلاف .
فكأني بالشيخ رحمه الله قد انقدح في ذهنه ذلك وهو صاحب البصيرة النيّرة، فإن ذلك اللغط الذي حصل بحضرته في تلك القراءة منذر بما لا تحمد عقباه .
فكان أن سارع رحمه الله إلى بيان الحق والسعي في إنشاء هذه الكلية فكان سعيه مشكوراً وجزاؤه موفورا .(1/67)
المبحث الثالث : أهدافها
إن من أهم الأهداف التي توخاها ولاة الأمر في هذه الكلية عند قيامها وأداء رسالتها ما يأتي :
أولاً : أن تكون نبعاً صافياً يرد إليه أبناء المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها فينهلون منه وردا عذباً سائغاً شرابه، فهم يتعلمون كتاب الله ويتلونه بقراءاته التي نزل عليها واستقرت في العرضة الأخيرة وكتبها عثمان في المصاحف التي اختارها وجمع عليها الأمة، ويدرسون علومه ويفهمون معانيه من خلال تفسيره الذي يبين لهم، ويستقون عقيدة صافية سليمة من الشوائب والخرافات، وينالون ثقافة إسلامية نقية تعينهم على أمور دينهم ودنياهم .
ثانياً : أن تكون قلعة حصينة ترد سهام المغرضين والمشككين إلى نحورهم، وتثنى رؤوس الحاقدين على صدورهم وذلك بما تخرجه من طلبة متمكنين من القرآن وعلومه عارفين بتفسيره ومعانيه، قادرين على رد الشبه بأدلة واضحة، وحجج دامغة وبراهين ساطعة .(1/68)
قال معالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد في افتتاحية مجلة كلية القرآن الكريم:(( وفي هذا العصر الذي تكالبت فيه الأعداء على الإسلام والمسلمين من كل جانب، تعرّض هذا الكتاب لحرب شعواء حيث أدرك الأعداء أن هذا الكتاب سِرُّ وحدة المسلمين والتقائهم على اختلاف شعوبهم ولغاتهم وبلدانهم فحاربوه سراً وجهاراً وليلاً ونهاراً، بأيدي الكفار مرة وأيدي بعض أعوانهم من أبناء المسلمين مرة أخرى، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وفي هذه الحقبة من الزمن تقع على طلبة العلم ومؤسسات النشر والتعليم مسؤولية كبيرة في حماية كتاب الله تعلماً وتعليماً، واهتماماً بالدراسات المتعلقة به وبعلومه تحقيقاً وتوثيقاً، وصيانة وحماية ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ويرد الله الذين كفروا بغيظهم .
وقد بدأت بحمد الله بوادر جيدة للاهتمام بهذا القرآن في مناطق كثيرة من بلدان المسلمين .
وإدراكاً من الجامعة الإسلامية لهذه المهمة وإسهاما منها في هذا المجال قامت كلية القرآن الكريم (1) )).
_________
(1) مجلة كلية القرآن الكريم :12 .(1/69)
ثالثاً : إخراج معلمين أكفاء قادرين على حمل قراءات القرآن عارفين برسمه وضبطه عالمين بعدّ آيه وفواصله، وعلومه المختلفة الأخرى، حتى يكونوا خلفاً لخير سلف، وحتى لا يندرس هذا لعلم بموت علمائه وجهابذته .
جاء في الكتاب الوثائقي عن الجامعة : أهداف الكلية :
كان الهدف من إنشاء هذه الكلية هو العناية بكتاب الله عز وجل حفظاً وتفسيراً وإعدادِ العلماء المتمكنين في علوم القرآن الكريم وتأهيل القراء لاستيعاب القراءات المتواترة عرضاً وتوجيهاً، ومعرفة رسم المصحف وضبطه وعدّ آيه مع الإلمام بالعلوم التي تساعد على ذلك (1)
_________
(1) الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية : 325 . .(1/70)
ومن تلك الجهود التي قدمتها وتقدمها في سبيل نشر القرآن والاهتمام به.
أولاً : مراجعة المصاحف
إذا كان الغرض من إنشاء الكلية هو الحفاظ على جمع القرآن في الصدور بحروفه وقراءاته المتواترة التي نزل عليها ،
والاهتمام بعلومه المتصلة به من رسم وضبط وتوجيه وعدّ آي وتفسير وغير ذلك.
فإن الكلية ومنذ الوهلة الأولى لإنشائها لم تغفل جانباً آخر من العناية بكتاب الله وهو جمعه في السطور .
فأمام سيل هائل من المطابع ومئات من دور النشر كانت كلية القرآن الكريم تقف شامخة تستقبل عشرات المصاحف مطبوعة كانت أو مسموعة لمراجعتها وإبداء الملحوظات عليها دقيقة كانت أو جليلة، جوهرية كانت أو فنية .
فلا يتم الفسح لتلك المصاحف ونشرها داخل المملكة إلا بعد الأخذ بتلك الملحوظات وتأكد الجهات الرسمية من ذلك .
وقد أعدّ قسم القراءات وهو الجهة المعنية في كلية القرآن الكريم تقريراً عن دور الكلية في هذا المجال ونشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المتضمنة للعددين : 67، 68 ص : 189 وذلك عن عام 1405 هـ .
وإليك بعض ما ورد في ذلك التقرير، مع نماذج مما لوحظ على بعض تلك المصاحف .(1/71)
لقد دأبت كلية القرآن الكريم منذ إنشائها على مراجعة الكثير من طبعات المصاحف، وتصويب الأخطاء المطبعية التي ظهرت في تلك الطبعات، وذلك بإرسال تقارير مفصلة إلى دور النشر التي لوحظ على طبعاتها بعض الملاحظات، سواء أكانت هذه الملاحظات جوهرية أم فنية، أم كانت من جهة المخالفة لقواعد الرسم العثماني وقواعد الضبط، وإيماناً بواجب الحفاظ على كتاب الله تبارك وتعالى، نرجو من كل مسلم أن يتعاون معنا ويوافينا بأي ملاحظة يقع عليها بصره أثناء تلاوته كتاب ربه سبحانه مبينا نوع الخطأ المطبعي الذي رآه، ورقم الصفحة، واسم السورة وعنوان الناشر، حتى يتسنى لنا القيام بواجب التناصح نحو كتاب الله رب العالمين .
ولنذكر نموذجاً من الملاحظات التي وردت إلى كلية القرآن الكريم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر :
1- ورد إلينا نسخة من مصحف الحرمين الشريفين المطبوع بدار الفكر ببيروت سنة 1399 هـ (1979م )
وبعد المراجعة لاحظنا وقوع عدّة أخطاء في طبع هذا المصحف الشريف وأن منها ما هو متعلق بالنص القرآني، ومنها ما هو متعلق بالرسم العثماني ومنها ما هو متعلق بالضبط .(1/72)
وقد أعددنا تقريراً مفصلاً وشاملاً لكل هذه الأخطاء، حتى يتسنى للمسؤولين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مخاطبة الجهات المختصة لاتخاذ اللازم نحو الاتصال بدار الفكر ببيروت، ولوجوب تصحيح هذه الأخطاء. حفاظا على كتاب الله تعالى، وعدم السماح لأي دار من دور الطباعة بطبع مصحف من المصاحف إلا بعد عرضه على لجنة مراجعة المصاحف صوناً له من الخطأ.
وفي هذه الأيام جاءتنا نسخة أخرى من مصحف الحرمين الشريفين طبعت بدار الفكر ببيروت سنة : 1403هـ (1983م) فقمنا بمراجعتها، فاتضح لنا الأخطاء التي لاحظناها على النسخة الأولى المطبوعة سنة : 1399هـ (1979م) والصادر من نفس دار الفكر ببيروت لم تصوب وهاهي ذي الأخطاء التي لم تصوب وظهرت في الطبعة الثانية :
سورة آل عمران
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
لِّلعَلَمِينَ 63 96 تضبط بإلحاق ألف صغيرة بعد العين مكان الألف المحذوفة رسما هكذا : (لِّلعلَمِينَ)
سورة الأعراف
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها(1/73)
بِسِيمَهُم معا 157 46،48 ترسم الألف ياء في هذين الموضعين الواقعين في هذه السورة مع وضع ألف صغيرة فوق الياء هكذا (بِسِمَيهُم) .
العَلَمِينَ 159 67 توضع ألف ملحقة صغيرة بعد العين للدلالة على الألف المحذوفة هكذا : (العَلَمِينَ)
سورة يونس
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
وما تغن الأَيَتُ 221 101 ترسم ياء بعد النون هكذا : ( تُغْنِى ) فقد اتفقوا على إثبات ياء هذا الفعل رسما واتفق القراء أيضا على إثبات يائه وقفا اتباعا للرسم، وأما في حالة الوصل فإنها تحذف تخلصاً من الساكنين . هذا، ولم تحذف ياء الفعل إلا في قوله تعالى : (فَمَا تُغنِ النُّذُر). بالقمر (5) .وبالنظر إلى هذا الموضع وجدناه صحيحاً رسماً.
سورة هود
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
وَلاَتُخَاطِبنِى 226 37 ترسم بحذف الألف عند أبي داود وعلى ذلك العمل هكذا : (تُخَطبنِى) .هذا وقد نظرنا إلى موضع (المؤمنون) الآية 27 فوجدنا رسمه صحيحا .
سورة يوسف
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها(1/74)
قرءَانًا عَرَ بيًّا 236 2 تحذف الألف التي بعد الهمزة هكذا : (قُرءَنًا) هذا وموضع الزخرف الآية (3) صحيح رسما .
مَاَلَكَ لاَتأمَنَّا 237 11 تضبط بوضع العلامة المعينة الشكل الآتية فوق آخر الميم قبيل النون المشددة للدلالة على الإشمام وهو ضم الشفتين مقارنا لسكون الحرف المدغم ( أعنى النون) فتكتب هكذا: (لا تَأمَنَّا) وضم الشفتين هنا كمن يريد النطق بضمة إشارة إلى أن الحركة المحذوفة ضمة، لأن هذا الفعل مرفوع وأصله تأمننا . و(لا) هنا نافية وليست ناهية ويجوز للقراء العشرة ما عدا أبا جعفر اختلاس حركة النون الأولى كما يجوز لهم الإدغام مع الإشمام، أما أبو جعفر فإنه يقرأ بالإدغام المحض.
رُؤيَىَ 248 100 تحذف الواو التي هي صورة للهمزة اتفاقا هكذا: (رُءيَيَ)
سورة النحل
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
مُّطمَئنَّةً 281 112 تجعل صورة للهمزة هكذا :( مطمَئنَّةً)
سورة الكهف
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
لأَدَمَ 300 50 الصواب وضع كسرة تحت اللام هكذا : (لأَدَمَ)
سورة الحج(1/75)
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
وَالصَّبِئينَ 335 17 ترسم بحذف صورة الهمزة وتجعل الهمزة فوق المتسع الذي بين الباء وبين ياء الإعراب من هذا الجمع هكذا : (وَالصَّبِئِينَ) هذا وقد اطلعنا على موضع البقرة فوجدناه صحيح الرسم وذلك في الآية رقم (62) وإنما لم تصور الهمزة لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع الصورتين، وهذه قاعدة عامة .
سورة النور
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
أُولُوا الفَضلِ 353 22 تكتب ألف قبل لام التعريف وتضبط بوضع علامة همزة الوصل فوقها هكذا: (أولُوا الفَضلِ) أما الألف التي بعد الواو التي هي علامة للرفع فهي زائدة رسما ساقطة لفظا فقد اتفق علماء الرسم على زيادة الألف بعد الواو المتطرفة سواء أكانت للجمع أم للفرد، أم صورة للهمزة على تفصيل مذكور في كتب الرسم إلا كلمات معينة خرجت عن هذه القاعدة .
سورة الفرقان
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها(1/76)
وَعُميَناً 367 73 تثبت الألف التي بعد الياء رسماً عند الشيخين هكذا : (وَعُميَانًا) والعمل على ذلك وحذفها انفرادة .
سورة القمر
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
ءَأُلقِىَ 530 25 تجعل الألف صورة للهمزة الأولى لا للثانية هكذا: (أَءُلِقىَ) . هذا وقد راجعنا موضع سورة ص وهو : (أَءُنزِلَ) فوجدناه موافقا لما عليه علماء الرسم، فإنهم يجعلون الصورة للأولى إذا كانت الثانية مضمومة أو مكسورة إلا ما استثنى وللثانية إذا كانت أخراهما مفتوحة مثل : (ءَأَنذَرتَهُم) على تفصيل مذكور في كتب الرسم . وإنما لم يصوروا كلا من الهمزتين لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع الألفين .
سورة القلم
الكلمة كما وردت في المصحف المراجع رقم الصفحة رقم الآية حكم الكلمة وكيفية كتابتها
فَاجتَبَه 567 50 تحذف الألف التي بعد الباء ولا ترسم ياء وتضبط الكلمة بإلحاق ألف صغيرة للدلالة على الألف المحذوفة هكذا : (فَاجتَبَه)(1/77)
2- ورد إلينا نسخة من المصحف الذي عنيت بطبعه شركة الشمرلي بالقاهرة بخط محمد سعد إبراهيم الشهير بحداد والذي طبع بتصريح من مشيخة الأزهر ومراقبة البحوث والثقافة الإسلامية، وتقرير اللجنة المختصة .
الصادر في : 15 / 7 / 1979م
وباطلاعنا على قدر منه تبين لنا أن هناك خطأ جوهرياً في لفظ (فطرت) في قوله تعالى { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } (الروم : 30).
فقد جاء هذا اللفظ في المصحف المذكور مضبوطا بوضع كسرة تحت التاء، والصواب وضع فتحة فوقها هكذا (فطرتَ) .
3- ورد في تفسير الإمامين الجلالين طبعة شركة الشمرلي بالقاهرة تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل المدرس بجامعة الأزهر والذي طبع بتصريح من مشيخة الأزهر.
ومراقبة البحوث والثقافة الإسلامية وتقرير اللجنة المختصة الصادر برقم (297) بتاريخ 5 / 5 / 1977م
ورد في تفسير سورة يونس صفحة رقم (173) قوله تعالى : " أولئك أَصحب النار هم فيها خلدون " الآية رقم: (26) والصواب : { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }(1/78)
وغير ذلك مما ورد في التقرير المنوه عنه آنفاً مما يوضح مكانة هذه الكلية ودورها في صون كتاب الله من أن يمتد إليه جهل الجاهلين وتحريف المتساهلين، فهي حقاً وسيلة من وسائل حفظ الله لكتابه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر : 9) .
ثم يتوج ذلك الجهد بتكريم ولاة الأمر لهذه الكلية وتقديرهم لدورها الرائد في هذا المجال .
فيوكل إليها بمهمة الإشراف العلمي على مراجعة ( مصحف المدينة النبوية ) الذي تشرف خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بنشره .
وقد أمر بطباعته في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة وتعميمه على المسلمين .
جاء في دليل كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية لعام 1404 -1405 ما نصه:(1/79)
انطلاقاً من التعاون بين الجامعة وبين وزارة الحج والأوقاف بالمملكة العربية السعودية تم تشكيل لجنة مراجعة مصحف المدينة النبوية برئاسة عميد كلية القرآن الكريم وعضوية عدد من العلماء المتخصصين، منهم (ثمانية ) من كلية القرآن الكريم، ورئيس قسم اللغويات بالجامعة، وأربعة من رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض، ومستشار من المجمع .
وقد قامت هذه اللجنة بمراجعة وتصحيح النسخة التي بدأ العمل في طباعتها، وبلغ عدد الختمات التي تمت لهذه النسخة مائة وثمانين ختمة مع الفحص الدقيق والعناية اللازمة، حتى توصلت اللجنة إلى تصحيح شامل دقيق
للنسخة لايظن أنه توفر لأي مصحف مطبوع قبل ذلك وهذا من فضل الله وإعانته وتوفيقه (1)
_________
(1) دليل كلية القرآن الكريم : 34،35 . .(1/80)
ثانياَ : تم التعاون بين كلية القرآن الكريم ووزارة الحج على تسجيل مصاحف مرتلة بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف بأصوات بعض المقرئين السعوديين ببعض القراءات المتواترة المقروء بها في بعض بلدان العالم الإسلامي كقراءة نافع ورواية الدوري عن أبي عمرو وحفص عن عاصم . جاء في دليل كلية القرآن الكريم الصادر عام 1405هـ تم تشكيل لجنة علمية من العلماء المتخصصين بالقراءات في الكلية وذلك للإشراف على التسجيل والمصاحف المذكورة : منها ثلاثة مصاحف برواية حفص عن عاصم ومصحف برواية ورش عن نافع، ومصحف برواية الدوري عن أبي عمرو (1) .ولا يخفى ما في هذا العمل من نشر لكتاب الله ومؤازرة المسموع للمطبوع، وإني لأرجو أن يتواصل العطاء ويمتد التعاون بين هذه الكلية ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وأرى في هذه المناسبة فرصة لأتقدم باقتراح أضعه بين يدي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد سليل بيت العلم والمعرفة ألا وهو : أن يتبنى المجمع طباعة مصاحف مقروءة وأخرى مسموعة بكل القراءات العشر المتواترة (صغرى) و (كبرى) فكما أن كلية القرآن قد تبنت مشروع الجمع الصوتي لهذه القراءات فأتمنى أن يتبنى المجمع مشروع إفراد كل راو
_________
(1) دليل كلية القرآن الكريم : 35 .(1/81)
بختمة مقروءة وأخرى مسموعة.(1/82)
ثالثاً :نشر أسانيد القراءات " نظام الإجازة " إن مما خص الله تعالى به هذه الأمة الإسناد، وليس ذلك لغيرها من الأمم .
فأخذ به القراء، والمحدّثون، والمؤرخون، واعتنى به المسلمون عناية فائقة، إذ به يُمَيّزُ بين الصحيح والضعيف، والمتواتر والشاذ، والمقبول الذي يؤخذ به من المردود المختلق المكذوب وقد حث الله رسوله على التثبت في الأخبار والتأكد منها ونقلها من مصادرها .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (الحجرات : 6) .
وجاء عن أئمة السلف الحض على الأخذ به
قال الإمام أحمد بن حنبل :"طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف" (1)
وقال عبد الله بن المبارك : "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" (2)
ولعلماء القراءات اهتمام بالغ ودقة متناهية في الأخذ بالأسانيد وتنقيحها والتمسك بها.
_________
(1) مقدمة ابن الصلاح : 130 .
(2) مقدمة صحيح مسلم : 1 / 87، المحدث الفاصل : 209 الضعفاء والمجروحين : 1 / 26 .(1/83)
قال الحافظ ابن الجزري : ومن نظر أسانيد كتب القراءات وأحاط بتراجم الرواة عرف قدر ما سبرنا، ونقحنا، واعتبرنا وصححنا، وهذا علم أهمل وباب أغلق، وهو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات والله تعالى يحفظ ما بقي" (1)
من هنا حرصت الكلية على أن يتلقى بعض طلابها النابهين هذه الأسانيد من المقرئين الذين يتولون تدريسهم حتى تظل سلسلة الإسناد متصلة على مر العصور .
جاء في دليل كلية القرآن الكريم : نظام الإجازة ( الإسناد) لا زال الاعتناء بالإسناد لدى القراء حتى اليوم، فالمقرئون المعتبرون لهم أسانيد متصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل إلى رب العزة والجلال .
وهناك شروط مرعية عند منح الإسناد لمن تلقى القراءة على الشيخ، تدور حول الإتقان، والحفظ، والعدالة، ونحو ذلك ولما كان الطلاب المتفوقون حريصين على التحاقهم بهذا الإسناد المبارك، ولمست الكلية أن بعضهم يحرص على متابعة التلقي على شيوخه خارج الكلية ليحصل منهم على الإجازة ويندرج اسمه ضمن السند وتشجيعا لهؤلاء المتفوقين وإحياء لسنة الإسناد تولت الكلية ترتيب هذا الأمر وإتاحة الفرصة لمن يريد من الطلاب أن يحصل على ذلك (2) .
_________
(1) النشر : 1 / 193 .
(2) دليل كلية القرآن الكريم : ص 24 .(1/84)
رابعاً : الجمع الصوتي للقراءات المتواترة
إن مما آثر الله به هذه الكلية وادخره لها في خدمة كتابه العزيز ما فتحه عليها من مشروعات الخير التي لم يهتد إليها أحد قبلها ولم يشاركها أحد فيها.
فشروعها منذ فترة في برنامج تسجيل مصحف كامل بالقراءات السبع وآخر بالقراءات العشر ( صغرى) و (كبرى) بأصوات طلابها المهرة وتحت إشراف نخبة من أساتذتها الخيرة. عمل لم تسبق إليه جهة كائنة من كانت ويتم ذلك العمل داخل استوديو كلية القرآن الكريم، وبعد الفراغ من التسجيل يتم سماع الأشرطة وتصحيحها من قبل الأساتذة المختصين، وبعد التأكد من سلامتها وصحتها ترسل إلى إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية لتبث من خلالها تحت مسمى : "دروس من القرآن الكريم ".
وقد بلغ عدد الحلقات المسجلة حتى إداد هذا البحث : (810) حلقة، وعدد الساعات : (270 ) ساعة .(1/85)
وهو برنامج سامٍ في أهدافه، عظيم في منافعه، كثير في فوائده. فمن فوائده : أنه برنامج تعليمي لكتاب الله وقواعد تجويده التي لايستغنى عن معرفتها قارئ القرآن بل هو مطالب بالأخذ بها حتى يستقيم لسانه، وينجو من اللحن جليه وخفيه فتكرار الآيات لأداء تلك الوجوه والروايات فيه أعظم المنافع للتدريب والمتابعة والاستفادة من النطق الصحيح ولا سيما أن أستاذ الحلقة يوجه ويرشد ويصحح .
ومنها : أنه يعين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ممن يقرأ ببعض تلك الروايات على إتقان قواعدها ومعرفة وجوهها وتوجيهها، فقراءة الطالب ومتابعة الشيخ وتصحيحه وشرحه لقواعد تلك القراءات، كل ذلك يجعل المستمع حاضرا لدرس الشيخ وإن بعدت دياره .
ومنها : نشر الوعي بين الناس عامهم وخاصهم بهذه القراءات فلا يحصل بينهم اختلاف وفرقة حين سماعهم من يقرأ بحرف منها وفي ذلك حفظ لهذه القراءات من النسيان والضياع؛ وهذا ما جعل البعض يصف هذا العمل بأنه الجمع الرابع للمصحف في تاريخ المصحف الشريف .
بعد الجمعة الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والجمعتين التاليتين في عهد الخلفاء الراشدين، جمعة أبي بكر الصديق وجمعة عثمان بن عفان رضي الله عنهما (1) .
_________
(1) دليل كلية القرآن الكريم : 32 .(1/86)
والحق أن ما تبذله الكلية لخدمة كتاب الله وعلومه لا يقف عند ما ذكرت فكم أشرفت على دورات للقرآن الكريم استفاد منها خلق كثير سواء كانوا من طلاب الجامعة ومدرسيها أو الأئمة بوزارة الشؤون الإسلامية ومنسوبيها، أو التعاون مع وزارة المعارف لتدريب معلميها .
وكم أجابت عن الأسئلة والاستفسارات الواردة إليها عن القرآن الكريم وعلومه .
سواء كانت الجهة المستفيدة أفراداً أو مؤسسات علمية أو حكومية .
وكم راجعت من كتب وبحوث ذات صلة بالقرآن وعلومه استفاد أصحابها من تلك الملحوظات واستناروا بتلك التوجيهات . وتفصيل ذلك بالأرقام تنوء بحمله هذه الورقات ولا يزال هذا دأب الكلية ومنهجها .
أسأل الله عز وجل أن يجزل الأجر للجامعة التي ترعاها ويثيب القائمين عليها والعاملين بها إنه سميع مجيب .(1/87)
الفصل الرابع : نظام التعليم في هذه الكلية
المبحث الأول : طرق الأخذ والتحمل بها
تولى كلية القرآن الكريم جل اهتمامها للدراسات القرآنية فما من خطة تضعها الكلية لبرامجها الدراسية إلا وكان جانب العناية بكتاب الله وعلومه له الحظ الأوفر والنصيب الأكثر .
ففي منهج الكلية المعتمد عام 1405 هـ جاء فيه :
تنقسم المواد في هذا المنهج إلى ما يأتي :
أ- مواد التخصص ( العلوم القرآنية ) ولها نسبة : 58% من ساعات الخطة الدراسية.
ب- المواد الأساسية لها نسبة : 40% منها مادة التفسير تعد من المواد الأساسية ومواد التخصص في آن واحد .
جـ - المواد المساعدة :وهي مواد اللغة العربية، والمواد التربوية لها نسبة: 16%.
ويتلقى طلاب الكلية القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وهو ما يعرف بالعشر الصغرى وذلك عن طريق :
أ- الدراسة ( نظري )
ب- العرض ( تطبيق عملي )
والحق أن جانب العرض المأخوذ به في تلقى القراءات بالكلية هو ما تتميز به الكلية عن كليات الجامعات الأخرى وهو مصدر فخرها واعتزازها .(1/88)
حيث يعرض الطالب القرآن الكريم كله بقراءاته العشر على شيوخه وما لم يتمكن من عرضه سمعه من زملائه حال عرضهم وكل ذلك من طرق الأخذ والتحمل المعتبرة عند علماء القراءات، وعرض القرآن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد تلقى به كتاب ربه كما ثبت في الصحيح « أنه صلى الله عليه وسلم كان يعارض جبريل بالقرآن فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين » (1) .
وقد أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرض على الصحابي الجليل أبيّ بن كعب كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ « إن الله يأمرني أن أعرض القرآن عليك)
فقال : أسماني لك ربك ؟ قال نعم :
فقال أبيّ : بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون » (2)
وعرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه ذلك
فقرأ عليه من أول سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى :
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } (النساء : 41) .
_________
(1) فتح الباري : 1 / 30 .
(2) فتح الباري : 7 / 126 .(1/89)
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان) (1) والعرض مقدم عند القراء على السماع من لفظ الشيخ وإنما كان كذلك لأن المقصود فيه مراعاة كيفية الأداء وهو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته .
وقد حض علماء السلف على وجوب عرض القرآن على الأئمة ذوي الضبط والإتقان قال الداني رحمه الله تعالى :
واعلم بأن العرض للقرآن ... على الإمام الفاضل الديان
من سنة النبي والصحابة ... ذوى المحل وذوى القرابة
والتابعون بعد لم يعْدُوه ... بل من وكيد الأمر قد عَدّوه
إذْ كان قد صح عن الرسول ... بأنه قرأ على جبريل
وقد قرأ بالوحي إذ أتاه ... على أبيّ ثم قد أقراه
(2) وما ظهر من ضعف في أداء كثير من الناس اليوم سببه البعد عن عرض القرآن الكريم على الأستاذ الماهر به المتقن الضابط لأحكام تلاوته وقد يكون مرد ذلك إلى الاستحياء من طلب العلم أو الكبر من أخذه ممن هو دونه سنا أو منزلة نسأل الله السلامة والعافية .
_________
(1) فتح الباري : 8 / 250، مسلم بشرح النووي : 6 / 87 .
(2) الأرجوزة المنبهة : 166 .(1/90)
المبحث الثاني : اختيار المعلمين الأكفاء للتدريس بالكلية
لقد كانت الدولة وفقها الله حريصة كل الحرص على التمسك بكتاب ربها والعمل على كل ما من شأنه رفعته وإعلاؤه والأخذ به في كل شؤونها الخاصة والعامة وترسيخ هذا المبدأ في كل صروحها العلمية في جميع مراحلها ومستوياتها .
فما إنشاء هذه الكلية إلا دليل واضح على ذلك الاهتمام الذي لا يتطرق إليه شك ولا يعتريه خور أو فتور فقد حظيت من لدن المسؤولين بأوفر رعاية وأتم عناية منذ تأسيسها وسخر الله لها علماء عاملين وأئمة مجتهدين كان لهم دور بارز في التوجيه والإرشاد.
وكان من أولئك سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله تعالى وأسكنه جنة الخلد لقاء ما قدم للإسلام والمسلمين من خلالها ومن خلال غيرها من أعمال البر والخير فكان رحمة الله تعالى بعد موافقة ولاة الأمر على قيامها يتفقدها ويسأل عن حالها ويوجه طلابها ومدرسيها ولا أنسى لسماحته تلك المحاضرة القيمة التي سمعتها منه في العام الثاني لإنشاء الكلية وكانت الدراسة بفصول كلية الشريعة ريثما يتم تخصيص مكان للكلية .(1/91)
فقد كنت من الدفعة الثانية لهذه الكلية ولله الحمد فجمع كلا السنتين الأولى والثانية ولم يكن ثمة غيرهما وألقى محاضرته القيمة رغّب فيها سماحته في تعلم القرآن وحض على تعاهده وبين منزلة أهله في الدنيا ويوم يلقون ربهم وما أُعد لهم من رفيع الدرجات، وحذر وأنذر من هجره والبعد عنه ومافي ذلك من سوء العاقبة والخسران .
ولقد حرص فضيلته على إحضار نخبة من أساتذة القراءات ممن لهم قدرة وكفاءة في تسيير دفة التعليم بها على أكمل وجه والنهوض بمستواها على أحسن حال.
وكان في طليعتهم شيخنا وشيخ مشايخنا فضيلة الشيخ عبد الفتاح بن عبد الغني القاضي رحمه الله تعالى المتوفى سنة : (1403هـ)
قال عنه الدكتور القاري في ترجمته له بعد ذكره لنشأته وبيان شيء من حياته العلمية:
ثم رحل إلى المدينة المنورة سنة : 1394هـ حيث عين رئيسا لقسم القراءات بكلية القرآن الكريم التي أنشئت في العام المذكور، وكان سماحة(1/92)
العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حينذاك حريصاً على حضور الشيخ القاضي رحمه الله تعالى ليشارك في بناء صرح الكلية المذكورة، لما يعرفه سماحته في الشيخ من رسوخ في علوم القرآن، ودور كبير في خدمة كتاب الله .
ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل (1) .
وقد أعانه على حمل تلك الرسالة وصحبه في أدائها أساتذة فضلاء أرجو الله عز وجل أن يعفو ويتجاوز عمن قضى نحبه منهم وأن يمن بالصحة والعافية على من ينتظر وقد حظي هؤلاء الأساتذة المؤسسون والذين جاءوا من بعدهم بكل احترام وتقدير وتكريم فتلقوا المعاملة التي تناسب أهل القرآن وحملته، ومنحوا من المميزات ما لم يمنحه غيرهم
فإلى جانب ما خصص لهم من مرتبات كانوا يتقاضون نسبة 30 % من راتبهم بدل ندرة لقاء تدريسهم مادة القراءات، والرسم والضبط، وعد الآي، حيث عُدَّت هذه المواد مواد ندرة يستحق من يقوم بتدريسها هذا البدل.
وليس ذلك لشيء من المواد الشرعية الأخرى التي تدرس بالكلية بل هذا التكريم والاهتمام والرعاية خاص بالقرآن وعلومه وأساتذة القرآن وحملته .
_________
(1) مجلة كلية القرآن الكريم : 300 .(1/93)
جاء في المادة السادسة عشرة من لائحة توظيف غير السعوديين الصادرة بقرار مجلس التعليم العالي
رقم : 3 / 4 / 1417 هـ تاريخ : 7 / 2 / 1417هـ
1- يجوز لمجلس الجامعة صرف بدل ندرة للتخصصات النادرة بحد أعلى 30 % من أول مربوط الوظيفة لمن يعمل في مجال تخصصه من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، ويحدد مجلس الجامعة هذه التخصصات وبدل الندرة لكل تخصص .(1/94)
المبحث الثالث : إقبال الطلاب على علومها واستفادتهم منها
لقد جعل الله هذه البلاد مهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل قادتها خدما للحرمين الشريفين، يهمهم ما أهم المسلمين فيفرحون لفرحهم ويحزنون لمصابهم ويسارعون لمواساتهم والتخفيف من آلامهم والطموح بآمالهم إلى كل خير يصبون إليه ورفع الحرج والمشقة عنهم ويرون ذلك حقاً عليهم فكان إنشاء كلية القرآن الكريم نابعاً من ذلك الاهتمام وسد حاجة المسلمين في تعليمهم أمور دينهم وفي مقدمتها تعليم كتاب الله وتفسيره وبعث الحياة في بعض علومه التي أوشكت أن تندرس كعلم القراءات، والرسم والضبط، وعدّ الآي فإن إجماع الأمة على إهمال هذه العلوم وتركها فيه تأثيم لها .
فأقبل الطلاب ينهلون من معين صاف لا تكدره الدلاء ويتزودون بعلوم ومعارف ما كان لهم أن يعرفوها لندرتها وعزتها وتنافسوا في الطلب والتحصيل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
واستقبلتهم الكلية برحابة صدر، وعطاء غير مجذوذ وانتقت لهم خيرة الأساتذة .
جاء في التقرير الوارد في دليل كلية القرآن الصادر سنة :1405هـ الميزات التي تقدمها الجامعة لطلاب الكلية .(1/95)
1- إعانة شهرية تتراوح بين (775) ريال و(1100) ريال شهرياً .
2- إعانة سنوية للملابس لكل طالب (1500) ريال .
3- بدل تجهيز يصرف لكل عند قدومه ولأول مرة (625) ريال
4- بدل سكن سنوي يمنح للطالب المتزوج الذي تقيم عائلته معه بإذن من الجامعة (12000) ريال .
5- استقدام الطالب من بلده جوا على حساب الجامعة عند قبوله بها وترحيله عند تخرجه .
6- تأمين السكن المؤثث دون مقابل للطلاب عدا ذوي العائلات منهم، مع توفير وسائل راحتهم .
7- تقديم وجبات الطعام عن طريق مطعم الجامعة مقابل اشتراك رمزي قدره 20% من إعانة الطالب المستفيد .
8- تأمين الكتب المقررة والمراجع لكل طالب بالمجان .
9- تأمين المواصلات بسيارات الجامعة بين مقر الجامعة والمسجد النبوي الشريف .
10- صرف (1000) ريال لكل طالب ينجح بتقدير (ممتاز) في جميع سنوات الدراسة بالكلية .
11- ترحيل من يرغب من الطلاب إلى بلادهم ذهاباً وإياباً على حساب الجامعة كل عام تيسيراً لعودة الطالب إلى بلده والالتقاء بأهله وقومه .
12- منح كل متخرج (1000) ريال بمناسبة تخرجه وعودته إلى بلاده، كما يمنح ما يعادل قيمة تذكرة سفر إلى بلده لنقل كتبه معه .(1/96)
قلت : ومما لم يرد في هذا التقرير مما خص به طالب كلية القرآن الكريم على غيره مما عشته واستفدت منه حيث كان يصرف مبلغ (250) ريال زيادة على المكافأة المقررة كل شهر لكل طالب من طلاب هذه الكلية
تكريماً لهم وليس ذلك لغيرهم وظل ذلك معمولا به حتى صدور اللائحة الموحدة للجامعات في 7 / 2 / 1417هـ .
كما أن من تكريم الكلية لطلابها ترشيح بعضهم لإمامة المسلمين في رمضان في بلدان إسلامية وبين أقليات مسلمة والتعاون بين الجامعة الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي في هذا المجال وثيق .
فيذهب هؤلاء الطلاب حاملين معهم كتاب الله يشنفون به الآذان قراءة وتلاوة .ويعلّمونه في حلق يعقدونها لذلك طوال ذلك الشهر المبارك وهنا يتحقق الهدف الذي ترمي إليه المملكة من إنشاء هذه الكلية حيث ينطلق من رحابها من ينشر كتاب الله ويعلّمه لأقوام وشعوب هم في أمس الحاجة إلى حلق القرآن ودروسه مما لا يتأتى لهم في بلدانهم .(1/97)
وقد بلغ الدارسون بها منذ إنشائها وحتى عام : 1418هـ 1419هـ ثلاثة آلاف ومئتين وثلاثة وخمسين طالباً :(3253) طالباً (1) من جنسيات مختلفة، تلقوا كتاب الله ودرسوا علومه وتزودوا من هذه الكلية بما يؤهلهم للقيام بالدعوة ونشر كتاب الله في بلدانهم على بصيرة وعلم، فكانوا رسلاً إلى قومهم مبشرين ومنذرين، وتحقق قول الله تعالى فيهم : { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (التوبة : 122) .
ولقد التقيت ببعضهم وعلمت منهم الجهد الطيب المبارك الذي يبذلونه في نشر القرآن وعلومه سواء كان ذلك عن طريق التعليم العام ببلدانهم أو بجهودهم الخاصة عبر كتاتيب ومدارس أنشأوها لذلك .
وهذا الهدف من أسمى الأهداف التي أنشئت من أجلها الجامعة الإسلامية أجزل الله الأجر والثواب للقائمين عليها، ومكن ونصر ولاة الأمر الداعمين لها.
_________
(1) الكتاب الوثائقي : 329 .(1/98)
المبحث الرابع : إشادة علماء المسلمين ومفكريهم بهذه الكلية
أمام هذا الصرح القرآني العظيم الذي كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في أمس الحاجة إليه لتعليم الناس كتاب ربهم بحروفه التي نزل عليها ويبصرهم بقواعده التي رسم بها ويكشف عنهم الشبه التي غشيت أبصارهم ولسد ثغرة كان أعداء الإسلام ينفثون سمومهم من خلالها فمرة يشككون في قيمة تعلم هذه القراءات والفائدة التي تعود على المسلمين من تعلّمها .
ومرة يطعنون في القراءات المتواترة ويرون أن اختلافها ناتج عن اختلاط وعدم ضبط.
ومرة يرمون الصحابة بالغفلة في الكتابة ويدعون إلى نبذ عملهم ورسم المصاحف على قواعد الإملاء المتعارف عليها، وغير ذلك مما أثاروه ويثيرونه ليطفئوا به نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .
فيشاء الله تعالى أن تقوم هذه الكلية على يد ولاة أمر هذه البلاد "المملكة العربية السعودية" وهم دائماً إلى الخيرات سابقون فتكون درعا يرتد به كيد المغرضين في نحورهم ومشعل هداية يبصر المسلمين بكتاب ربهم ويعلمهم أمور دينهم ومن هنا أشاد العلماء والمفكرون وحملة الأقلام بهذا الإنجاز العظيم .
ومن هؤلاء(1/99)
فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد نائب رئيس الجامعة، حيث كتب فضيلته مقالا عن إنشاء هذه الكلية في مجلة الدعوة قال فيه :
تلقت الجامعة كتاب المقام السامي رقم : 26511 وتاريخ 6 / 9 / 94هـ يحمل البشرى بالموافقة على إنشاء كلية جديدة في الجامعة الإسلامية باسم كلية القرآن الكريم تضم إلى الكليتين القائمتين في الجامعة وهما كلية الشريعة والتي أنشئت منذ تأسيس الجامعة، وكلية الدعوة وأصول الدين التي أنشئت في عام 1386هـ .
وقد تمت الموافقة على إنشاء كلية القرآن الكريم في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .(1/100)
ومن الجدير بالذكر أن هذه الكلية هي أول كلية من نوعها في العالم الإسلامي، فلم يسبق أحد حكومة المملكة العربية السعودية إلى إنشاء مثل هذه الكلية، ولا غرو فإن هذه الحكومة أيدها الله سباقة إلى كل خير، وقد شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، والمحافظة على مقدسات الإسلام، وقد حظيت بتوفيق الله تعالى بتحكيم القرآن والسنة المطهرة ، فمبادرتها إلى إنشاء هذه الكلية في الجامعة الإسلامية محافظة منها على دستورها الذي شرفها الله بالانتماء إليه والسير على نهجه وهو من الحفظ الذي تكفل الله به لكتابه العزيز (1) حيث قال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ( الحجر : 9) .
وقال فضيلة معالي مدير الجامعة الدكتور عبد الله بن صالح العبيد في افتتاحية دليل كلية القرآن الكريم في مقال طويل نجتزئ منه ما يأتي :
قال حفظه الله : ويشاء حكمك وقدرك فيبدأ المسلمون صحوة جديدة في كافة بقاع الأرض وتهيأ بلاد الحرمين ومهبط الوحي وأرض المقدسات للإسهام بنصيب وافر في هذا المجال وتحمل مسؤولية كبرى تجاه هذا الإرث العظيم .
_________
(1) الكتاب الوثائقي عن الجامعة : 324 .(1/101)
فكان إنشاء أول كلية للقرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1394هـ (1) ويقول الدكتور عبد العزيز القاري في مجلة كلية القرآن الكريم كان إنشاء هذه الكلية فكرة رائدة في هذا المجال، إذ إن كل غيور على كتاب الله مشفق على حماه كان يعلم مدى انصراف الناس منذ عقد من الزمن عن علومه وفنونه خاصة علم القراءات وعلم الرسم والضبط والفواصل فعزّ وجود العالم بهذه العلوم المتضلع بها، فضلاً عن وجود المحقق المتبحر ...
إلى أن قال : فقد كان في إنشائها إثراء واسع لمجال الدراسات القرآنية، إذ كانت أول مؤسسة تعليمية تخصص لهذا المجال على مستوى الدراسات الجامعية وفي ذلك من التقدم والارتقاء بهذه الدراسات ما لا يخفى" (2) .
وقال السيد عبد الحافظ عبد ربه أحد علماء الأزهر في كتابه فيصل في قمة التاريخ ص:76 :
_________
(1) دليل كلية القرآن الكريم عام 1405، ص : 6 . .
(2) مجلة كلية القرآن الكريم : 306،307 .(1/102)
"وما دمنا في معرض الحديث عن الجامعة الإسلامية عبر مسيرة الفيصل المعظم في رحلات الخير وتحركات البر، فإننا نسجل لجلالته بالفخر والإعزاز تلك الخطوات الواسعة التي مشاها جلالته على الدرب الإسلامي في كل أبعاده وأعماقه وحجومه، فلأول مرة في التاريخ وفي شهر رمضان الكريم، تصدر الموافقة الفيصلية السامية على تأسيس أول كلية من نوعها في العالم ضمن كليات الجامعة الإسلامية .
ألا وهي كلية القرآن الكريم" التي ستقوم بتدريس علوم القرآن وإعجازه وبلاغته، وأنواع القراءات، وآداب التلاوة، ورسم المصحف وضبطه، وما يتعلق بالقرآن من أحكام وعقائد، وما يتصل به من التفسير والحديث، وسائر العلوم المساعدة والمعاونة من النحو والصرف والبلاغة وشتى البحوث والمراجع (1) .
ويقول الأستاذ الكبير والمربي الفاضل الأستاذ عثمان الصالح : إن القرآن الكريم ينبغي أن يأخذ حظه الموفور من كافة الجامعات وفي مختلف التخصصات، وهناك كلية خاصة بالقرآن وعلومه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
ويدعو حفظه الله الجامعات الأخرى إلى أن تحذو حذو الجامعة في إنشائها كلية تعنى بالقرآن الكريم حق العناية" (2) .
_________
(1) الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية : 325 .
(2) المجتمع العدد : 339 .(1/103)
الخاتمة
أخبر الله عز وجل بأنه تكفل بحفظ كتابه ووعد بذلك ووعده حق لا يتخلف { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وسخر لذلك أئمة يحفظونه ورسلا يؤدونه في كل زمان ومكان حتى وصل إلينا محاطا بالرعاية والعناية، مصوناً عن التحريف بالضبط والاتقان . وسخر لحمله وخدمته من اصطفاه واختاره من عباده { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } (فاطر: 32)
ولقد شاء الله عز وجل وهو العليم أين يضع رسالته، ويجعل تمكينه، أن تقوم دولة المملكة العربية السعودية في وقت عادت فيه الجاهلية، وانتكست فيه البشرية والإنسانية، وغاب العلم وانتشر الجهل، وفشت الأمية .
واستشرت العصبية الجاهلية، وتغيرت الموازين فأصبح المنكر معروفا، والمعروف منكراً .(1/104)
من بين دياجير هذه الظلم تخرج هذه الدولة حاملة مشعل النور والهداية للبشرية كافة وليشع على أهل الجزيرة خاصة تنادي بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .والرجوع إليهما ونبذ ما سواهما، وفي زمن لا يقاس بعمر الأمم يشاء الله عز وجل أن يوحد الكلمة ويجمع الصف على يد موحد وباني هذه الجزيرة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه فعلم علم اليقين أنه لا عزة ولا منعة ولا تمكين إلا بتطبيق الكتاب والسنة فجعلهما دستور البلاد، وعمل بهما في خاصة نفسه، وغرس حبهما في الأبناء والأحفاد وفهم قول الله عز وجل { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج : 40 ،41).(1/105)
فلا تمر به مناسبة إلا ووجه بالأخذ بكتاب الله والتمسك بالعقيدة الصحيحة ونبذ الفرقة واجتماع الأمة على كلمة سواء، والحض على تعلم كتاب الله وتعليمه، فانتشرت كتاتيب تعليم القرآن في الحاضرة والبادية، وعنيت المساجد بحلق القرآن، وظهرت في عهده نواة مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وبذل في سبيل نشر ذلك وتعاهده واستمراره الشيء الكثير بسخاء ووفاء .
وتابع أبناؤه من بعده حمل تلك الرسالة فما فرّطوا وما وهنوا فعمت حلق التحفيظ كل الحواضر والهجرْ ، وانتشرت المدارس الخاصة بالتحفيظ تبارك الله كم فيها من بَشَرْ.
وأسست بالجامعات أقسام تعني بكتاب الله وعلومه ثم توج ذلك بتأسيس وإنشاء كلية خاصة بالقرآن وعلومه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشاد بها العلماء والمفكرون في كل مكان وعم نفعها القاصي والداني .
ويأتي ختام المسك في عهد خادم الحرمين الشريفين حين يأمر حفظه الله بإنشاء مجمع طباعة المصحف الشريف في مدينة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه لتعم إصداراته العالم الإسلامي أجمع في دقة متناهية، وجودة طباعة لا تضاهى .
والحق أن عناية هذه الدولة بكتاب الله لا حد له وما ينفق في سبيل ذلك لا عدّ له.(1/106)
أجزل الله لولاة الأمر بها أعظم المثوبة، وألبسهم ببركة القرآن تاج الكرامة، ووفّق المسلمين جميعاً للأخذ بالكتاب والسنة إنه سميع مجيب .(1/107)
فهرس المصادر والمراجع
* القرآن الكريم - مصحف المدينة النبوية - طباعة مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد .
* الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة للداني .
تحقيق محمد الجزائري، نشر دار المغني، الرياض، 1420ه.
* أدب الدنيا والدين
أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفى سنة : (450هـ)
مطبعة دار الفكر - بيروت - ط2 - 1403هـ
* جمال القراء وكمال الإقراء
علي بن محمد السخاوي المتوفى سنة : (643هـ)
تحقيق الدكتور علي حسين البواب - مطبعة المدني - القاهرة ط1 - 1408هـ
* دور المسجد في التربية
دكتور عبد الله بن أحمد قادري
دار المجتمع للنشر - جدة - ط 1 - 1407هـ
* دليل كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية
للعام 1404-1405ه، مطابع الجامعة الإسلامية.
* سنن أبي داود
أبو سليمان بن الأشعث المتوفى سنة : (275هـ)
تعليق عزت عبيد . نشر دار ابن حزم - ط 1 - 1418هـ
* سنن الترمذي
محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة : (279هـ)
مطبعة الحلبي مصر .
* سنن النسائي
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
المتوفى سنة (303هـ) دار المعرفة بيروت - ط4 - 1418هـ
* سنن ابن ماجه(1/108)
أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه المتوفى سنة : (273هـ)
نشر دار المعرفة بيروت - ط2 - 1418هـ
* سنن الدارمي
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى سنة : (255هـ) تحقيق عبد الله هاشم يماني - نشر - حديث آكادمي - باكستان - سنة : 1404هـ.
* السنن الكبرى
أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة : (458هـ) تحقيق محمد عبد القادر عطا - دار الكتب العلمية بيروت - ط1-1414هـ
* صحيح مسلم بشرح النووي
مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة : (261هـ)، المطبعة المصرية
* الضعفاء والمجروحين من المحدِّثين لابن حبان
تحقيق محمود إبراهيم، مطبعة دار الوعي، حلب، 1396، حلب- ط1 .
* عمل اليوم والليلة
أحمد بن شعيب النسائي - نشر مؤسسة الكتب الثقافية
* فتح الباري شرح صحيح البخاري
أحمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة : ( 852هـ)
نشر المكتبة السلفية
* فضائل القرآن
أبي الفدا عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى سنة : (774هـ) تحقيق أبو اسحاق الحويني .
نشر مكتبة ابن تيمية القاهرة - ط1-1416هـ
* فصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري
تحقيق: إحسان عباس وعبد المجيد عابدين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1403ه.(1/109)
* فضائل القرآن أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة : (224هـ) تحقيق مروان العطية، محسن خرابة
نشر دار ابن كثير - ط1 - 1415هـ
* الكامل في القراءات الخمسين
يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المتوفى سنة : (465هـ)
مخطوط - عن المكتبة الأزهرية .
* الكتاب الوثائقي عن الجامعة الإسلامية
نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ط1 -1419هـ
مطابع مؤسسة المدينة للصحافة
* الكفاية الإنتاجية للمدرس
دكتور محمد مصطفى زيدان، نشر دار الشروق - جدة-ط1 - 1401هـ
* لسان العرب
لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور - المتوفى سنة:(711هـ)
نشر دار صادر بيروت .
* مجلة كنوز الفرقان - العدد السابع والثامن
سنة : 1372هـ
* مجلة الحرس الوطني - العدد التاسع والسبعون، سنة : 1409هـ
* المستدرك على الصحيحين
لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة: (405ه) مطبعة دار الكتاب العربي - بيروت
* مجلة الجامعة الإسلامية، 1405ه، مطابع الجامعة.
* مجلة كلية القرآن والدراسات الإسلامية
مطابع الجامعة، ط1، 1402-1403ه
* مجلة المجتمع، العدد 339 .
* المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي(1/110)
تحقيق د. محمد عجاج الخطيب، نشر دار الفكر، بيروت، ط1،1391
* المقدمة الجزرية
محمد بن محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة : (833هـ)
نشر دار المطبوعات الحديثة - جدة .
* المقدمة في علوم الحديث لابن الصلاح
نشر دار الفكر، بيروت، 1398
* المسند
للإمام أحمد بن حنبل - المتوفى سنة : (241هـ)
شرح أحمد شاكر - دار المعرفة بمصر -ط4 - 1373هـ
* المصنف في الأحاديث والآثار
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة :(235هـ)
تحقيق مختار أحمد الندوى - نشر الدار السلفية الهند
سنة : 1402هـ
* نشرة التوثيق التربوي - عن وزارة المعارف
العدد : 33-34 سنة : 1413هـ
* النشر في القراءات العشر لابن الجزري
طبعة مصطفى البابي، القاهرة.
* الوجيز في فضائل الكتاب العزيز للقرطبي .
تحقيق علاء الدين علي رضا، نشر دار الحديث، القاهرة.
فهرس الموضوعات
المقدمة : 1
تمهيد : 9
فضل تعلم القرآن وتعليمه 9
الفصل الأول : نشأة المدارس الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم 12
المبحث الأول : تلقي القرآن وحفظه قبل إنشاء هذه المدارس وفيه 12
المطلب الأول : تلقي القرآن بالمساجد : 12
المطلب الثاني : تلقي القرآن بالكتاتيب 14(1/111)
المبحث الثاني : تلقي القرآن الكريم في المدارس الخاصة به وفيه مطلبان: 17
المطلب الأول: نشأة المدارس الخاصة لتحفيظ القرآن في المملكة 17
المطلب الثاني : كيفية أخذ الطلاب القرآن الكريم في هذه المدارس 20
المبحث الثالث : خصائص هذه المدارس وأهم مميزاتها 22
المبحث الرابع : أهداف مدارس تحفيظ القرآن الكريم 26
الفصل الثاني: نظام التعليم في هذه المدارس 30
المبحث الأول : اختيار المعلم الكفء لهذه المدارس . 30
المبحث الثاني : مراحل الدراسة بهذه المدارس 36
المبحث الثالث : دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية 44
المبحث الرابع : تربية القرآن الكريم لجيل صالح متميز من خلال هذه المدارس 47
الفصل الثالث : كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية 56
المبحث الأول : نشأتها 56
المبحث الثاني : حاجة العالم الإسلامي إلى إنشائها 60
المبحث الثالث : أهدافها 63
المبحث الرابع : جهودها في خدمة القرآن الكريم وعلومه 65
الفصل الرابع : نظام التعليم في هذه الكلية 82
المبحث الأول : طرق الأخذ والتحمل بها 82
المبحث الثاني : اختيار المعلمين الأكفاء للتدريس بالكلية 84
المبحث الثالث : إقبال الطلاب على علومها واستفادتهم منها 88(1/112)
المبحث الرابع : إشادة علماء المسلمين ومفكريهم بهذه الكلية 93
الخاتمة 97
فهرس المصادر والمراجع 100
فهرس الموضوعات 108
?? ?? ?? ?? 1(1/113)