عمل المرأة في الميزان
تأليف : الدكتور محمد علي البار
موقع صيد الفوائد
www.saaid.net
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ميَّز الذكر عن الأنثى فقال تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }والصلاة والسلام على رسوله المجتبى وآله النجباء ، الذي أمر ابنته فاطمة الزهراء بخدمة البيت وأمر ختنه وأخاه علي المرتضى بالعمل خارجه .(1)
وبعد فهذه هي الطبعة الثانية لكتابنا (( عمل المرأة في الميزان )) . ولا تزال قضية عمل المرأة وخروجها من كِنّها وقرارها هي الشغل الشاغل لأجهزة الأعلام المستجيبة الدعوات يهود وتخطيط يهود .. كما نصت بروتوكولات حكماء صهيون .
والله سبحانه وتعالى يخاطب نساء النبي ونساء المؤمنين بقوله {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } .. وأجهزة الأعلام في البلاد العربية والإسلامية تخاطب النساء صباح مساء أخرجن من بيوتكن واسرحن في الشوارع والمعامل والمصانع والمكاتب والمتاجر .. ونافسن الرجال بالمناكب والأقدام ..واختلطن بهم ما وسعكن الاختلاط.
ومن هؤلاء من يخفي أغراضه الخبيثة تحت شعارات التقدم والحرية ومنهم من يعرضها صريحة فاجرة داعرة .. ومن أمثلة هؤلاء الذين لم يواروا دعوتهم إلى الفجور محرر جريدة النهار البيروتية الذي كتب مقالا تحت عنوان (( امرأة بلادي والعشق والجنس )) . جاء فيه ما يلي : (( لنتحدث عن حرية المرأة .. دعوني أعترف لكم فوراً إن حرية المرأة ليس لها غير معنى واحد إنه المعنى الجنسي .
المرأة في نظري هي مصعب الأشواق والشهوات .. هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس ...(1/1)
(( ما هي حرية المرأة ؟ حريتها الحقيقية هي حرية العلاقة الجنسية مع الجنس الآخر أو حتى مع بنات جنسها أو مع الجنسين معاً .. والرجل ما هو دوره ؟ عليه أن يحرض المرأة على الحرية . إنني أطلب لامرأة بلادي الحق بأن تصادق رجلاً فجأة فإذا اشتهته حققت شهوتها .. إنني أطلب لامرأة بلادي كسر طوق الاضطهاد العائلي والديني والأخلاقي وحريتها في أن تكون حرة بلا حدود ... حرة في اقامة علاقة جنسية قبل الزواج ( ولماذا ليس بعده أيضاً ) .. حرة في تغيير حبيبها متى ضجرت منه .. حرة في التصرف بجسدها دون قيد ولا شرط )) .
نعم هذه هي خلاصة آراء الداعين لحرية المرأة والداعين إلى خروجها للعمل والداعين إلى مساواة المرأة بالرجل ، قد أعرب عنها بصراحة غير معهودة محرر جريدة النهار البيروتية .. ولكنها تمثل آراءهم أصدق تمثيل وأقواه وأصرحه وأفجره .
وقد حصلت المرأة في الغرب على حريتها الجنسية فماذا كانت النتيجة .. دمار ودمار .. مليون حالة إجهاض سنوياً .. ومليون طفل من السفاح في كل عام ومليون حالة طلاق في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية .
كل هذا رغم انتشار وسائل منع الحمل ، وتدريسها في الجامعات والمدارس من الثانوية إلى الابتدائية ...
وصحب هذا كله سعار جنسي محموم وكما تقول الريدرز دايجست في عدد أغسطس 1983 هناك أيضاً مليون حالة اعتداء جنسي على الأطفال في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية .. وانتشرت الأمراض الجنسية .. في الولايات المتحدة عشرين مليون هربس (عام 1983) وفي كل عام تضاف إلى القائمة العتيدة أكثر من نصف مليون حالة هربس .. وأخيراً ظهر مرض الايدز الذي يصيب المخنثين أساساً . وقد بلغ عدد المصابين في الولايات المتحدة 2600 حالة (حتى نهاية أكتوبر 1983) والعدد يتضاعف كل ستة أشهر .. والايدز يقتل المصاب به في خلال عامين أو ثلاثة .. ولا علاج له بل ولا يعرف سببه حتى الآن ..(1/2)
ور غم أن الهربس أيضاً لا علاج قاطع له حتى الآن إلا إن الوفيات منه محدودة ولكنها تصل إلى نسبة 90بالمئة من جميع الحالات التي تصاب بالهربس أثناء الولادة فإذا نزل الوليد من فرج مصابة بالهربس كان خطر الإصابة عظيماً .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الحر ورائدة حرية المرأة أكثر من 17مليون شاذ جنسي !! وهناك كنائس تزوج الرجال على الرجال في أعظم دولة على ظهر الأرض اليوم !! .
إن الإسلام لا يمنع المرأة أن تعمل بل يحثها على العمل في بيتها إذ أن البيت وتربية الأطفال هي وظيفة المرأة الأولى .. والعمل خارج المنزل هو للضرورة فقط .. فإذا انتفت الضرورة كانت القاعدة الأساسية هي قوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى * وَاتَّقِينَ اللَّهَ } .
وإذا اضطرت المرأة للخروج للعمل وغيره كانت في تبرج .. وابتعدت عن الاختلاط بالرجال الأجانب..
وما هكذا يريد دعاة حرية المرأة .. بل يريدونها متبرجة سافرة .. بل يدعونها صراحة كما فعل محرر جريدة النهار إلى مضاجعة أي رجل يعجبها ولو كان في قاعة الطريق .
وشتان ما بين دعوة الإسلام ودعوة الجاهلية ، وشتان مابين الطهر والعفاف الذي يدعو إليه الإسلام وبين العهر والفجور الذي يدعو إليه المحرضين على النساء والذي أوضح دورهم كاتب جريدة النهار بقوله إن دور الرجل هو أن يحرض المرأة على الحرية بدون حدود .. حريتها في أن تسافح من تشاء في أي وقت تشاء .(1/3)
وأي احتقار للمرأة من نظرة هؤلاء الذين لا يرون فيها إلا فرجاً . إنهم ينسون دور المرأة العظيم كربة بيت وأم أولاد .. وعقيلة أسرة . ينسون دورها العظيم الذي وصفه لنا القرآن الكريم حيث قال تعالى {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان: من الآية14) { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}(الاحقاف: من الآية15) وقال نبي الرحمة (( الجنة تحت أقدام الأمهات )) .
وينسون أن المرأة في العالم الإسلامي تعمل ليل نهار00وأنها ليست فارغة كما يزعمون 0حتى أن تقرير الأمم المتحدة قال أن المرأة في دول العالم الثالث وخاصة في البلاد الإسلامية وفي الأرياف منها بصورة خاصة تعمل عملاً شاقاً .. فهي تطبخ في البيت وهي تربي الأطفال وهي تجمع الحطب من الوديان .. وهي تحمل جرار الماء على كتفها كل صباح .. ثم هي تذهب بعد ذلك إلى الحقل تحمل الطعام لزوجها وبنيها وتساعدهم ما استطاعت في عملهم .. وهي راعية ترعى الأغنام .. وهي تعلف الأبقار .. وهي تغذي الصغار والكبار .. وهي تغزل وتنسج .. وهي تداوي وتمرض .. وهي .. وهي ...
ومع هذا فلا يرتاح المنادون بعمل المرأة وحرية المرأة لكل هذه الأعمال الجليلة التي تقوم بها المرأة فعلاً .. لأن غرضهم الحقيقي ليس عمل المرأة ولا إنتاجها .. بل غرضهم الحقيقي هو فرجها .. وطهرها .. غرضهم الحقيقي هو عفافها ودينها ..
أنهم لا يرون في المرأة سوى فرج .. لا يرون في المرأة سوى معنى واحد كما قال محرر جريدة النهار البيروتية (( هي مصعب الأشواق والشهوات .. هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس )) ..
(( The Sexual Harrasment Of Women On the job))(1/4)
وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى في الولايات المتحدة حين ظهوره عام 1978 والذي كتبت عنه معظم الصحف والمجلات الأمريكية المشهورة .
وقد نقلنا فصولاً كاملة منه كتابنا الذي بين يديك وفيه أدلة دامغة قاطعة على أن عمل المرأة في المصانع والمكاتب والمتاجر بل وفي دائرة البوليس والقضاء بل وفي الكونجرس الأمريكي وفي الأمم المتحدة . وفي الجامعات الكبرى ليس إلا استدراجاً لها إلى الفراش .. وفي كثير من الأحيان لا تجد المرأة العمل إلا بشرط تأجير فرجها لصاحب العمل أو مديره .
إنها مأساة عظيمة .. بدأ الغرب يصحو على آثارها المديرة ..ونحن وراءهم لاهثون .. وخلفهم راكضون حتى لو دخلوا جحر ضب جرينا خلفهم ندخله .. وصدق الرسول الكريم يقول : ((لتتبعن سنن الذين من قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتوه وراءهم )) قالوا من يا رسول الله قال اليهود والنصارى وفي رواية أخرى قالوا : اليهود والنصارى قال فمن إذن ؟
نعم صدق المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ... ما فعل اليهود والنصارى قبيحاً إلا فعلناه ولا دخلوا جحر ضب إلا دخلناه .
فإلى المفتونين والمخدوعين بدعوة حرية المرأة وعمل المرأة ومساواة المرأة أقدم هذا الكتاب سائلاً المولى تعالى أن ينفع به . وهو ولي التوفيق ، لا معبود سواه ولا رب غيره . والله الهادي إلى سواء السبيل .
****************************************************
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم(1/5)
الحمد لله وحده القائل {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(2)والقائل {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا }(3)وهو سبحانه وتعالى الذي جعل الزوجية أساساً لنظام هذا الكون وعمارته .. فجعل البروتون الموجب في الذرة يختلف في سلوكه وحركته عن الإليكترون السالب .. وجعل هذا الاختلاف سبباً للتجاذب والترابط .. ولولا ذلك لا نفرط عقد الذرة وتفكك كيانها . وفي الكهرباء سالب وموجب .. والشحنة السالبة لا تلتقي إلا بشحنة موجبة حتى ينطلق التيار لأن الشحنات المتشابهة المتماثلة تتنافر ولا تتجاذب .. فإذا ارتفعنا إلى النبات وجدنا الأنثى تميل إلى الذكر .. سواء كان جهاز الذكورة والأنوثة مستقلين تمام الاستقلال كما في النخلة أو موجودين في نفس الشجرة كما في كثير من النباتات والأعشاب . ولابد من إيجاد الثمرة من أن يلقح الطلع ( وهو جهاز الذكورة في النبات ) متاع الزهرة ( وهو جهاز الأنوثة في النبات ) بواسطة حبوب اللقاح .
وكذلك في الحيوانات والحشرات يلتقي الذكر بالأنثى مع اختلاف التكوين ولا يلتقي الذكر بالذكر ولا الأنثى بالأنثى لقاءاً مثمراً مفيداً .. بل إن اختلاف الذكورة عن الأنوثة هو الباعث على الجاذبية بينهما .. و { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ }(4).
والصلاة والسلام على رسوله الأمين المبعوث رحمة للعالمين ... وآله وصحبه الغر الميامين والقائل (( النساء شقائق الرجال ))(5) والقائل (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ))(6) والقائل (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله )) .(1/6)
وبعد فإن موضوع عمل المرأة ومشاركتها للرجل في حياته العامة موضوع أثار كثيراً من الجدل ولا يزال . والدعاة إلى خروج المرأة من بيتها ومشاطرتها للرجل في أعماله ينظرون في ذلك ما حققه الغرب في هذا المجال ويريدون تقليده ويزعمون أن ذلك ضرورة من ضرورات الحضارة ولازمة من لوازم التمدين..
وقد خرجت المرأة بالفعل سافرة متبرجة في كثير من البلاد العربية والإسلامية ابتداء بتركيا حيث قام أتاتورك وهو من يهود الدونمة بسالونيك بالقضاء على ما تبقى من الخلافة العثمانية ثم أكمل ذلك بالقضاء على كل مظاهر الإسلام حتى أيا صوفيا المسجد الشهير حوّله إلى متحف ... ولا تزال تركيا العلمانية تفرض قوانينها الكافرة على الشعب التركي المسلم وتفرض عليه السفور والتبرج عنوة ... وقد نشرت المجلات مؤخراً صوراً لاحتفالات تركيا بذكرى أتاتورك ... فنشرت صوراً لفتيات المدارس - الصغيرات وهن يجبن المدن وإحداهن مسلسلة بالقيد والحديد وعليها الحجاب ثم يتقدم منها أحد الفتيان فينزع عنها حجابها ويفك عنها أسرها ويصفق الجميع .
وانتشرت الموجة من تركيا إلى مصر حيث قامت الأميرة نازلي صديقة اللورد كرومر حاكم مصر حينئذٍ بالدعوة إلى السفور .. وكان من التمرددين على صالونها الفخم قاسم أمين فدفعته إلى أن يكتب كتابه الداعي فيه إلى نبذ الحجاب وإلى خروج المرأة .. وأقام الاستعمار البريطاني وأذنابه ضجة كبرى لهذا الكتاب وحالوا استغلاله أبشع استغلال .... وروجوا له أعظم ترويج حتى أدرك قاسم أمين نفسه خطورة ما دعي إليه فحاول جاهداً أن يوقف هذا التيار فلم يفلح لأن الاستعمار وتلاميذه وأجهزة أعلامه تجاهلت كل ما قاله قاسم أمين عندما ندم على دعوته المزعومة إلى تحرير المرأة .. وقد قال قاسم أمين وفاته بعام ونصف ما يلي(7):(1/7)
(( لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب .. وإلى اشتراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم .. ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس .. فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن .. وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذّل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي )) .
وقال زعيم مصر محمد فريد وجدي : (( إن دعوة قاسم أمين أحدثت تدهوراً سريعاً في الآداب العامة وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة .. وأصبحت ساحات المحاكم غاصة بقضايا هتك الأعراض وهروب الشابات من دور أهلهن ))(8) .
ولم ينفع قاسم أمين ندمه فقد انتشرت دعوته رغماً عنه بواسطة الاستعمار الغربي وأجهزة أعلامه الضخمة . والجدير بالذكر أن زوجة قاسم أمين لم تترك نقابها ولم تتنازل عن حجابها فقد كانت امرأة فاضلة ... وكتبت تعارض دعوة زوجها وخطورتها .. ولكن سبق السيف العذل .... وأطبقت أجهزة الأعلام ستار الصمت الكثيف على مواقف قاسم أمين الأخيرة وعلى مواقف زوجته ولم يعرف الناس إلا دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة .. التي رفضها قاسم أمين نفسه في أخريات حياته .
وأقام الاستعمار البريطاني في مصر داعيات لتحرير المرأة كما يزعمن وأولهن وأشهرهن هدى شعراوي .. التي تُسمّى باسمها الشوارع والميادين في مصر ووالدها محمد سلطان كان أحد الذين خانوا الثورة العربية وتحولوا إلى صف الانجليز وهو الذي خذل البدو عن عرابي ودفع لهم الرشوات والأموال التي تلقاها من الانجليز ... ودخل محمد سلطان القاهرة مع القوات الانجليزية وانعم عليه الإنجليز بلقب سر وأعطوه نيشان ميشيل وسانت جورج كما أعطاه الخديوي النيشان المجيدي الرفيع وقلده له بنفسه .(1/8)
وزوّجها والدها لعلي شعراوي باشا وهو أحد الخونة الذين كانت تعتمد عليهم بريطانيا في تثبيت استعمارها لمصر .. وتركت اسم أبيها وتسمت باسم زوجها كما تفعل الغربيات(9).....
ونتيجة لصلات والدها وزوجها بالمجتمعات الغربية اتصالاً وثيقاً فقد تأثرت بذلك ودفعتها الجمعيات الماسونية التي اشتركت فيها إلى أن تتزعم حركة تحرير المرأة .. وكانت امرأة ذكية طموحة وثرية .. وتتطلع إلى منافسة صفية زوجة سعد زغلول ( التي كانت تسمى أم المصريين ) في زعامتها .. فما كان من الاستعمار البريطاني إلا أن هيأ لها وسائل الزعامة بدعوتها إلى تحرير المرأة .
وكان من نتيجة هذه الدعوات أن خرجت المرأة في مصر ثم تبعتها بعد ذلك كثير من الدول العربية .. وها هي الدعوة تنتشر لتصل إلى الجزيرة العربية ذاتها .. واختلط الرجال بالنساء في المدارس والجامعات .. ولم يبق مكان لم تختلط فيه النساء بالرجال وكان من نتيجة ذلك ما قالته الدكتورة بنت الشاطئ(10):
(( إن المرأة دفعت ضريبة فادحة ثمناً للتطور .. ويكفي أن أشير في إيجاز إلى الخطأ الأكبر الذي شوه نهضتنا .. وأعني أنه انحراف المرأة الجديدة عن طريقها الطبيعي وترفعها عن التفرغ لما نسميه : خدمة البيوت وتربية الأولاد .. ونحن نرى البيوت أصبحت مقفرة منهن .. أما الأبناء فتركوا للخدم .. وقد نشأ هذا الانحراف الضال نتيجة لخطأ كبير في فهم روح النهضة .. وبلغ من سوء ما وصلت إليه أن نادت مناديات بحذف نون النسوة ( وتاء التأنيث في اللغة ) كأنما الأنوثة نقص ومذلة وعار وأهدر الاعتراف بالأمومة كعمل من الأعمال الأصلية لنا حتى سمعنا من يسأل : كيف تعيش أمة برئة معطلة .. يقصد بالرئة المعطلة هؤلاء الباقيات في بيوتهن يرعين الأولاد .. وزعموا أن المرأة تستطيع أن تجمع بين عملها في البيت ووظيفتها في الخارج )) .(1/9)
وفي هذا الكتاب الذي بين يديك تعرضنا في الفصل الأول إلى مكانة المرأة في الجاهلية القديمة والحديثة ثم إلى مكانة المرأة الرفيعة في الإسلام كأم وكزوجة وكابنة وكأخت وفي كل تلك المقامات لها مكانتها واحترامها ... ولها حقوقها كما أن عليها واجبات {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }(البقرة: من الآية228) وفي الفصل الثالث أوضحنا تركيب جسم المرأة وفسيوليجيته .. وكيف أن علم وظائف الأعضاء ( الفسيوليجي ) وعلم التشريح يؤكدان أن الفروق هائلة بين الجنسين وأن لكل منهما وظيفته المنوطة به .. وكيف أوضحت العلوم الحديثة أن كيان المرأة قد بني وصمم ليكون أماً وربة أسرة .. وأن كيان الرجل قد صمم وبني لمعترك الحياة ... ولا يمنع هذا أن تزاول بعض الأعمال خارج منزلها لكن هو الاستثناء أما الأساس والأصل فهو الأمومة وتربية الصغار ورعايتهم .. وفي الفصل الذي يليه مزيد من الشرح للفروق الفسيوليجية والتشريحية والنفسية والعقلية بين الرجل والمرأة منذ أن كانت بويضة وكان حيواناً منوياً إلى مرحلة الطفولة وانتهاء بتمام بلوغهما واكتسابهما صفات الذكورة والأنوثة .
وفي الفصل الخامس تحدثنا عن الجدوى الاقتصادية لخروج المرأة حيث أن أكثر الدعاة لخروجها يزعمون أن ذلك ضرورة اقتصادية ... وأن بقاءها في البيت هو خسارة اقتصادية فادحة للأمة .. وأن ذلك يشبه أن تتنفس برئة واحدة .. أو تمشي مشلولاً بنصف الجسم فقط .. وقد أوضحنا في ذلك الأسباب التي أدت إلى خروج المرأة في الغرب ثم أوضحنا بعد ذلك أن خروج المرأة ليس إلا خسارة اقتصادية فادحة .(1/10)
وفي الفصل السادس ذكرنا بعض نتائج خروج المرأة إلى ميدان العمل في أوروبا وأمريكا وما صحب ذلك من هبوط أخلاقي .. وفي الفصل السابع والثامن والتاسع تحدثنا طويلاً عما نشرته المجلات الغربية عن امتهان المرأة العاملة هناك وابتزازها جنسياً كما وقفنا وقفة طويلة عند كتاب لين فارلي : ابتزاز المرأة العاملة جنسياً واقتبسنا منه عدة اقتباسات وهو كتاب ظهر عام 1978 وأثار ضجة كبرى في الولايات المتحدة ولا يزال .
وفي الفصل الأخير تحدثنا عن فهمنا لحكم الإسلام في خروج المرأة وختمناه بفتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارة الدعوة والإرشاد والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن خروج المرأة إلى ميدان العمل .
وأنا أعلم أن هذا الكتاب سيثير ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض ولا أزعم أنني قد جئت بالقول الفصل ولكني أرجو أن أكون قد وفقت في أثارة الاهتمام بإبعاد القضية الشائكة ونبهت إلى خطورة دعوة المرأة للنزول إلى ميدان الرجال ومنافستهم فيه بالمناكب والأقدام ... وخطورة الاختلاط وما يجر إليه من مفاسد ... وكيف أن الغرب بدأ يدرك مخاطر ما انزلق إليه ... وكيف أصبحت المرأة تتوق إلى العودة إلى منزلها ... وأني لها أن تعود فقد تحطم نظام الأسرة ... وأصبحت تواجه الموت جوعاً أن لم تعمل فليس للمرأة من كافل يكفلها ... حتى أبواها يقومان بطردها إذا بلغت سناً تتراوح ما بين السادسة عشر والثامنة عشر ... وليس في نظام الغرب ما يفرض على الزوج النفقة على زوجته بل عليها أن تساهم بعملها في كفالة نفسها حتى مع وجود الزوج ...(1/11)
وما هو أدهى وأمر أن ليس في النظام الغربي ما يفرض على الابن أن يقوم بأود أمه ولو كان له مال قارون ... وكانت هي فقيرة معدمة ... فإن عليها أن تعمل لتسد رمقها فإن لم تستطع لعجز أو شيخوخة أو مرض فإن في صدقات الضمان الاجتماعي ما يسد بعض الرمق .... وفي ملاجئ العجزة والشيوخ شيء من الدفء وبعض الرعاية .... وإلا فالموت من الجوع والبرد في وحدة قاسية راحة وأي راحة لعجوز إنفضّ عنها بنوها وانغمسوا في ملذاتهم غير آبهين لما تقاسيه في وحدتها وعزلتها وفقرها .
ولقد أدرك هذه الحقائق اليوم كل من له أدنى اتصال بالغرب وثقافته وكل من عاش هناك فترة تكفي ليفهم حقائق الحياة في واقعها المر ... وما أقسى الشيخوخة في الغرب ، والشيخوخة في ذاتها قاسية ، فإذا اجتمع معها عقوق الأولاد وخلو ذات اليد وعضال الداء كانت حياة تعيسة حقاً ...
والله أسأل أن يجنبنا هذه المزالق ...وأن يهدينا إلى طريقه القويم وصراطه المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }(الأنعام: من الآية153) . والله الهادي إلى سواء السبيل .
وأخيراً أود أن أشكر كل من ساعدني في بحثي هذا بإعارة كتاب أو توجيه رأي أو تصحيح ملازم الكتاب وعلى رأسهم الداعية إلى الله السيد الحبيب أحمد مشهور الحداد الذي أمدني بنصائحه وتوجيهاته ودعواته في كتبي كلها . والعلامة الداعية إلى الله السيد الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف الذي أمدني أيضاً بتوجيهاته ودعواته فجزاهم الله عني خير الجزاء وأطال في عمرهما وزاد في الانتفاع بهما ..
الفصل الأولى
مَكانةُ المرْأةِ
قبْل الإسلام
وفي الجاهليةَّ
القِديمة والحديثةِ
كان وضع المرأة لدى أغلب الأمم قبل الإسلام وضعاً مهيناً قاسياً مذلاً .. فلم يكونوا يعتبرونها إنساناً ذا روح بل كانوا يعتقدون أنها من روح وضيعة .. وهي عندهم أصل الشرور ومنبع الآثام ..(1/12)
ولم يكن للمرأة عند الهنود في شريعة مانو أي حق من الحقوق وهي خادمة فقط لزوجها أو أبيها ... ولا تملك الأهلية للتصرف في ما لها بل لم يكن لها حق الملكية ذاته إذ كل ما تملكه يعود إلى زوجها أو إلى أبيها أو إلى ولدها .. وكانت إذا مات زوجها أحرقوها حية ودفنوها معه .. وبقيت هذه الجريمة النكراء حتى بعد أن دخل الاستعمار البريطاني إلى الهند وفرض قانوناً يمنع إحراقها حية .. ومع ذلك فقد استمر إحراق الزوجة من حين لآخر حتى في هذا القرن العشرين .
وفي شريعة حمورابي كانت تعتبر المرأة مثل السائمة وليست لها الأهلية للملكية ولا للتصرف .... وإذا قتل رجل ابنة رجل آخر فعليه أن يسلمه ابنته ليقتلها أو يسترقها حسبما يشاء .
وكذلك كانت المرأة عند اليونان وعند الرومان لا تملك لنفسها أمراً ولا نهياً ... ولا يزيد وضعها عن وضع السلعة ... وليس لها حق في الميراث ولا في الملكية ولا في التصرف ... يقول الدكتور مصطفي السباعي رحمه الله في كتابه المرأة بين الفقه والقانون (( أما الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك وإذا اكتسبت مالاً أضيف إلى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها )) .
ويقول مشرع الرومان المشهور كانو : (( إن قيد المرأة لا ينزع ونيرها لا يخلع )) .
وفي اليهودية كانوا يضعون المرأة في مرتبة الخادم ولأبيها الحق في بيعها وهي قاصرة .. ولا ترث شيئاً إلا إذا لم يكن لأبيها ذرية من الذكور .. وفي العهد القديم ( التوراة المحرفة ) أن المرأة لا ترث ما دام في الأسرة رجال بل أنها هي نفسها تورث كمتاع إذا مات زوجها ويرثها أقرب ولي لزوجها .(1/13)
وكانت المرأة عند اليهود والنصارى تعتبر أصل الشرور ومنبع الخطيئة ومصدر الآثام .. وهي نجسة وخاصة في أيام حيضها ومن لامسها يكون نجساً سبعة أيام .. وهي عندهم سبب خروج آدم من الجنة فهي التي أغرته بأكل التفاحة ( الشجرة المحرمة ). وهي سبب اللعنة الأبدية التي نزلت بآدم وذريته .. فيولد كل ذريتها ملطخين بعار الخطيئة .. ولا يخلصهم منها إلا إذا آمنوا بعيسى المسيح المخلص والإله . ( أو ابن الله ) تعالى الله عن ذلك علو كبيراً .
ونظرة إلى قصة الشجرة كما هي في التوراة المحرفة ( العهد القديم ) الذي يتعبد بها اليهود والنصارى ترينا أي حيف وظلم أنزلوه بحواء .
ففي الإصحاح الثالث من سفر التكوين ما يلي :
(( وكانت الحية أصل الحيوانات البرية فقالت للمرأة : أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة ؟ فقالت المرأة للحية : من ثمر شجر الجنة نأكل 00أما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة منها ولاتمساها لئلا فقالت الحية للمرأة :لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونا كالله عارفين الخير والشر . فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر . وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت ؟ فقال له : سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان واختبأت ؟ فقال من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها ؟ فقال آدم : المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة .(1/14)
فقال الرب الإله للمرأة : ما هذا الذي فعلت فقالت المرأة : الحية غرتني فأكلت فقال الرب الإله للحية لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع الوحوش البرية .. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك .. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها .. هو يستحق رأسك وأنت تستحقين عقبه .
وقال للمرأة : تكثيراً أكثر أتعاب حبلك . بالوضع تلدين أولاداً وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك . وقال لآدم : لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لا تأكل منها (( ملعونة الأرض بسببك )) .
وترد قصة الشجرة في القرآن مخالفة لما هو في العهد القديم ففي القرآن الكريم لا وجود ولا ذكر للحية .. وفي القرآن الشيطان يوسوس لآدم مباشرة فيأكل آدم وتأكل زوجته معه على عكس ما هو في العهد القديم .. والمسؤولية في القرآن تقع أولاً على آدم ثم على زوجته ... وفي القرآن الكريم يغفر الله لآدم ويتوب عليه ويجتبيه ... ويولد المرء بريئاً من كل ذنب .. وفي النصرانية يولد المرء بجريرة أبيه آدم لا يمحوها عنه إلا التعميد ...
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً** وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى** فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى** إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى** وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى** فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى** فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى** )ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } (طه: 115- 122)(1/15)
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ** فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ( أي : آدم والشيطان ) وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ** فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:35- 37) .
ففي القرآن الكريم التبعة أولاً تقع على آدم ثم بعد ذلك على حواء .. وفي العهد القديم والجديد يقع الأثم كله على حواء ثم ينتقل بعد ذلك إلى ذريتها أبد الأبدين .
وفي العهد القديم يمنع الله آدم وزوجته من أكل الشجرة حتى لا يصيرا عارفين كالله: ( لعنة الله على اليهود ) وفي باب آخر تتحدث التوراة المحرفة عن الإنسان عندما بنى مدينة بابل فقال الرب لملائكته ها هو الإنسان صار عارفاً مثلي فلننزل نبلبل مدينته فنزل الإله وحطم المدينة وفرق الإنسان في الأرض حتى لا يجتمع البشر وتصير لهم معرفة مثل معرفة الرب ومقدرة مثل مقدرة الرب ... وفي سفر اللاويين من الإصحاح الخامسة عشر من التوراة المحرفة : إذا كانت امرأة ولها سيل وكان سيلها دماً . فسبعة أيام تكون في طمثها . وكل من مسها يكون نجساً وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء . وأن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه نجساً سبعة أيام وكل فرش يضطجع عليه يكون نجساً )) .
ويقول المصطفى صلوات الله عليه : إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يجامعوها (( فقال صحابة رسول الله ما نصنع يا رسول الله . قال اصنعوا كل شيء إلا النكاح )) رواه مسلم .(1/16)
وهكذا كانت المرأة تعامل عند اليهود والنصارى (( فهي أصل كل شر ومنبع كل رذيلة وهي نجسة في طمثها وكل من مسها يكون نجساً ))(11) .
أما نبي الإسلام صلوات الله عليه فقد كان يضطجع مع نسائه وهن حيض وإذا انسلت أحداهن دعاها إلى خميلته لتنام معه . وكان يباشرهن فوق الإزار .. وكانت عائشة تسرح شعره وهي حائض وكان يقرأ القرآن وهو في حجرها وهي حائض .
وشتان بين القرآن الكريم والتوراة المحرفة والإنجيل المزيف .. فهذا من عند الله وهذا من تحريف اليهود والنصارى .
وانتشر في النصرانية الاعتقاد بأن المرأة ليس لها روح وفي عام 586 ( أي قبل ظهور الإسلام ) قرر مجمع نيكون بأن المرأة جسد به روح دنيئة .. وخالية من الروح الناجية واستثنوا من ذلك مريم العذراء فقط لأنها أم المسيح عليه السلام .
وصرح بولس بأن المرأة منبع الخطيئة وأصل كل شر ووراء كل إثم ومصدر كل قبيح .. وكان القديس بونا فنتور يقول لتلاميذه : (( إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم رأيتم كائناً بشرياً بل ولا كائناً وحشياً . إنما الذي ترون هو الشيطان بذاته )) .
وأما العرب في جاهليتهم فكانوا يرون المرأة كالمتاع أو سقط المتاع وكان إذا مات أحدهم جاء وليه فوضع عليها ثوبه فلا تستطيع أن تتزوج حتى يوافق هو على ذلك أو تفتدي نفسها منه بمال .. وكانوا يحبسونها على الصبي حتى يكبر ، إذا شاء تزوجها وإذا شاء زوجها من يشاء وأخذ صداقها ما لم تكن أمه فلم يكن ينكحها .
ولم تكن للمرأة حقوق .. ولم تكن ترث شيئاً .. بل كانت المرأة مصدر ذل وعار .. وللأسف نجد اليوم بعض القبائل البدوية في الجزيرة العربية وقد عادت إلى عادات الجاهلية فهم يسمون المرأة العار ويسمى الرجل زوجته المذلولة .. ويمنعونها حقها في الميراث(12).
وقد منع الإسلام ذلك كله وفرض لها نصيباً معلوماً :(1/17)
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} (النساء:7) فجعل لها نصيباً مفروضاً في مال زوجها ( الربع إذا لم يكن لها ولد والثمن إذا كان لها ولد ) وفي ميراث أمها وأبيها {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } ... وفي ميراث ابنها أو ابنتها وهنا تتساوى مع الأب حيث جعل لكل واحد منهما السدس أن كان له ولد وتتساوى المرأة مع الرجل إذا كانت أختاً لأم وانفردت فتأخذ السدس ... وكذلك الأخ لأم إذا انفرد أخذ السدس .. وأن كانوا رجالاً ونساء أي الأخوة لأم فهم شركاء في الثلث كما قال تعالى : { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} يستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم .(1/18)
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً** وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }(النساء: 11-12) .(1/19)
وكانوا في الجاهلية لا يكتفون بأن يحرمون المرأة من الميراث بل أنهم في أحيان كثيرة يحرمونها من الحياة ذاتها .. فكان المرء إذا ولدت له امرأته بنتاً أخذها وحفر لها حفرة فرماها فيها وأهال عليها التراب ... وما هو أشد وأشنع من ذلك أنه قد يكون مسافراً حين تلد امرأته فيتركها حتى تكبر فيأخذها من أمها ويحفر الحفرة وتنفض عنه ابنته التراب فيغافلها ويدفعها فجأة إلى الحفرة ثم يهيل عليها التراب وهي تصرخ ... {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ** بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} .
حتى لقد كانت بعض الأمهات تخشى من هذا المصير الأليم فتحفر بنفسها حفرة قبل أن تلد فإذا وضعت بنتاً ألقتها في تلك الحفرة لتجنب ابنتها المأساة فيما بعد .. وقد تقوم بخنقها بعد ولادتها ..
وكان من شدة كراهيتهم للبنات أن يشتد كرب الأب إذا بشر بالأنثى وأسود وجهه .. واكفهرت الدنيا وأظلمت في عينيه فلا يدري أيدسها في التراب أم يمسكها على هو ن {)وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ** يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل: 58- 59) .
وكانت كراهيتهم للبنات تنبع من شيئين : أولهما أن الفتاة لا تغني شيئاً في الحرب . وثانيهما خوف العار . والغريب حقاً أننا نجد في كثير من قبائل العرب رغم هذه الغيرة تساهلاً شديداً في موضوع النكاح حتى لتصف السيدة عائشة رضي الله عنها أنواع النكاح في الجاهلية فتقول كما يرويه البخاري في كتاب النكاح :(1/20)
(( أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس يوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها . والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ( تماماً مثل ما يفعلون مع الأبقار والأغنام والخيل والبغال ) فكان هذا نكاح الاستبضاع . ونكاح آخر : يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان . تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع عن ذلك . والنكاح الرابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن الرايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت أحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك )) .
وكانوا يكرهون فتياتهم على البغاء حتى نزل قرآن من السماء يمنعهم من ذلك {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي غفور لهن دون المكرهين . وكانوا يتجرون بابضاعهن وأشهر من فعل ذلك عبد الله بن أبي سلول رأس النفاق في المدينة المنورة كانت له فتيات ( جواري ) يجبرهن على البغاء ويتكسب من ذلك . فنزل القرآن ومنعه من ذلك .. وثارة ثائرته عندئذٍ ولكنه رضخ صاغراً .(1/21)
وكانت النساء يتبرجن ويتعرضن للرجال بالإغراء فنزل قرآن كريم من السماء ينهي المؤمنات أن يتشبهن بالكافرات كما نهى المؤمنين من قبل أن يتشبهوا بالكافرين فقال تعالى : {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} . وأمرهن أن يقرن في بيوتهن قائلاً {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } .
ووضع المرأة في الجاهلية الأولى يشبه من نواح التبرج والفجور وضع المرأة اليوم .. إلا أن تبرج الجاهلية الأولى كان ساذجاً وتبرج المرأة اليوم مغلف بالمانكير والبديكير وبالعطور والمساحيق .. وبالثياب الكاسية العارية وبالرؤوس التي تشبه أسنمة البخت العجاب المائلة المميلة .
وأنواع النكاح التي ذكرتها السيدة عائشة رضي الله عنها والتي كانت سائدة في الجاهلية قد عادت في جاهلية القرن العشرين على ما كانت عليه وأصبحوا يفتخرون في حضارة الغرب أن المرأة إذا ولدت سفاحاً تكفلت الدولة بنفقتها ونفقة وليدها .. وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 6/1/1980 أن في الولايات المتحدة أكثر من مليون ولد سفاح في كل عام وأن الدولة تنفق عليهم وعلى أمهاتهم العذارى كما يسمونهن .. وهي أغرب تسمية أن تخطر بالبال لمثل هؤلاء الزانيات ... ولكنها حضارة الغرب تقلب المسميات وتعيث في الأرض فساداً .
بل أن نكاح الجاهلية الذي ذكرته السيدة عائشة أرقى من نكاحهم فقد كان الرهط دون العشرة يجتمعون على المرأة فإذا حملت دعتهم وقالت لهم قد علمتم الذي كان منكم فهو ابنك يا فلان تسمى من شاءت فلا يمتنع عن ذلك .. فيكون له بذلك أب يعرف وأما في حضارة الغرب المنكودة فأبوه مجهول حتى البغايا كن أسعد حظاً في الجاهلية الأولى من البغايا في جاهلية القرن العشرين ....(1/22)
ففي الجاهلية الأولى إذا ولدت البغي وهي التي تنصب الراية ويأتيها من يحب لا تمتنع على أحد .. إذا ولدت البغي دعوا لها القافة وهو الذي يعرف الوراثة وتأثيرها فينظر أيهم أشبه بالمولود فيلحق به المولود فيتبعه ويكون ابنه .
ولم تصل بعد حضارة الغرب المنكودة في جاهليتها إلى ما وصلت إليه جاهلية العرب قبل إسلامهم ...
ولو وصلوا إلى ما قد وصل إليه العرب في جاهليتهم الأولى لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها على هذا التقدم العظيم .. وهذا الإنصاف والتحرر للمرأة .. ولاعتبر ذلك عيداً من الأعياد تحتفل به الأمم ... ولأسموه عيد المرأة ... وأضافوه إلى بقية أعيادهم التي يحتفلون بها في كل عام .
وضع المرأة في الغرب :
لقد ذكرنا وضع المرأة في المسيحية واعتبارها أصل الرذيلة ومنبع الشر فحواء هي التي أغوت آدم ليأكل من شجرة المعرفة ( كما يسمونها ) وهي التي جاءت للبشرية بكل آلامها وهي التي أخرجت آدم من الجنة وصار كل مولود يولد ومعه لعنة الخطيئة الأولى .. فهي الشيطان بذاته .. ( كما يزعمون ) .
حتى في عصر الفروسية الذي اعتبر عصر المرأة .. وهو العصر الذي احتك فيها نصارى أوروبا بالمسلمين في الحروب الصليبية وأخذوا فيه شيئاً يسيراً من أخلاق المسلمين واحترامهم للمرأة ومع هذا العصر كان عصر الحصان لا عصر المرأة كما وصفه جون لانجدن ديفيز في كتابه (( التاريخ الموجز للنساء )) .
وذكر فيه أن الملكة بلانشفلور ذهبت إلى قرينها الملك بيبن تسأله معونة أهل اللورين فاستشاط غضباً لأنها تجرأت وأشارت عليه ولطمها على أنفها بجمع يدع فسقطت منه أربع قطرات من الدم وصاحت تقول : (( شكراً لك . أن أرضاك هذا فأعطني من يدك لطمة أخرى حين تشاء )) .(1/23)
وفي سنة 1790 بيعت امرأة في أسواق إنجلترا بشلنين لأنها ثقلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها .. وبقيت المرأة إلى سنة 1882 محرومة من حقها في الملكية .. وكان تعلم المرأة سبة حتى منتصف القرن التاسع عشر . وفي القرن العشرين كان أجر المرأة في معظم الأعمال نصف أجر الرجل .. وإذا تزوجت المرأة حتى اليوم فقد اسمها واسم أسرتها وأصبحت زوجة فلان فقط ... وفي كثير من البلاد الغربية تفقد أهليتها للتصرف في مالها الخاص إلا بإذن زوجها .
والغريب حقاً أن يأتي اتباع حضارة الغرب هؤلاء فيقلدونهم حتى في انتزاع اسم المرأة وجعلها تبعاً لاسم زوجها .. ولا يرون بذلك باساً بل يتسارعون ويتسابقون في تقليده ... وهم يزعمون أنهم يريدون تحرير المرأة ...
وصدق رسول الله ( حين يقول لتتبعن سنن من كان قبلكم .. حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .. قالوا اليهود والنصارى ؟
قال فمن إذن ؟
وقد نشرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر 26 مايو 1980 تحت عنوان((حركة تعديل..الحقوق المتكافئة للمرأة ))تصاب بخسارة أخرى (E.R.A)Equal Rights Amendment من أن (( حركة حقوق المرأة المتكافئة قد خسرت الأصوات في ولاية النيويس هذا الأسبوع وأن عليها أن تحاول مرة أخرى في العام القادم وربما الذي يليه )) ولا تزال المرأة حتى اليوم لا تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها الرجل ولا تأخذ نفس الأجر الذي يأخذه (( ولا ترث )) قليلاً ولا كثيراً .
***************************************
الفصل الثاني
مَكانةُ المرْأةِ
في الإسلام(1/24)
لقد كرم الإسلام المرأة وأعلى شأنها ورفعها من وهدة الذل ومن مستنقع الرذيلة ومن حفرة الوأد وحقارة الشأن إلى مصاف الكرامة والعزة .. فهي أم .. الجنة تحت أقدامها .. وهي زوجة تعامل بالرفق واللين . (( ورفقاً بالقوارير يا أنجشة )) وهي ابنة وكافل البنت والبنتين والثلاث مع رسول الله ( في الجنة كهاتين .. ويشير المصطفى صلوات الله عليه بأصبعيه كناية عن التلاصق والتلازم .. (( ومن ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )) رواه مسلم .
وهي مؤمنة قانتة قد أعد الله لها مثل ما أعد للمؤمنين والقانتين لافرق في ذلك بين ذكر وأنثى{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}(آل عمران: من الآية195)
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }(النحل: من الآية97)
{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب:35)
والتكاليف العبادية واحدة والطاعة لأمر الله وأمر رسوله واجبة على الذكر والأنثى . {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب:36) .(1/25)
فإذا جاء الأمر من رسول الله خضعت له قلوب المؤمنين والمؤمنات .. وسارعوا لمرضاة الله ومرضاة رسوله ..
وإذا طُلب من زينب بنت جحش أن تتزوج زيداً أذعنت هي وذووها وهي المعتزة بنسبها - لأمر الله وأمر رسوله .. وإذا طلب من قوم أن ينكحوا فلاناً (( وهو جليبيب )) سارعت ابنتهم المخطوبة تقول لذويهم لا تردوا أمر رسول الله ... قد قبلت(13) . وترتفع مكانة المرأة حتى لترد على أبيها نكاحه لأنها لم تأذن فتذهب إلى رسول الله ( وتقول : إن أبي أراد أن ينكحني إلى ابن أخيه ليرفع بي خسيسته .. فيرد الرسول الأمر إليها فتقول أنها قد رضيت وأنها قد فعلت ذلك ليعلم الآباء أنه ليس لهم أن يجبروها على الزواج ( أخرجه أبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجة ) .
وهي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات .. ولها كامل الحرية في التصرف في مالها ...
يقول الأستاذ العقاد في كتابه القيم المرأة في القرآن :
ومعاملة الحقوق دستورها الجامع أن الرجل والمرأة سواء في كل شيء .وأن النساء لهن ما للرجال وعليهن ما عليهم بالمعروف ثم يمتاز الرجال بدرجة هي درجة القوامة التي ثبتت بتكوين الفطرة وتجارب التاريخ وليس في هذا الامتياز خروج على شرعية المساواة حين تقضي المساواة بين الحقوق والواجبات.. وكل زيادة في الحق تقابله زيادة مثلها في الواجب فهي المساواة العادلة في اللباب )) .
(( ومعاملة النسب دستورها في القرآن الكريم إجلال الأمهات وصيانة البنات عن الجناية على حياتهن والكراهية لمولدهن وتربيتهن . وإحلال الزوجات محل الأزواج في السكن والمأوى فلا يعزلن بمكان دون مكانهم ولا يسومهن الرجل أن يقمن حيث يأبى يقيم مع ذويه من الرجال .(1/26)
ومعاملة الأدب تلخصها في القرآن الكريم كلمتان : المعروف والحسنى فليس في هذا الكتاب المبين كلمة تنص على معاملة للمرأة في حالي الرضى والغضب وفي حالي الحب والجفاء وفي حالي الزواج والطلاق لم يصحبها التوكيد بعد التوكيد بوجوب المعروف والحسنى وإنكار الإساءة والإيذاء .
والأساس الذي تبنى عليه هذه المعاملات أهم في الدلالة على روح التشريع من الأحكام والنصوص فهو أساس قوامه الاعتراف بالحق لأنه حق وتقديره ميزان الواجب لمصلحة المرأة ومصلحة الأمة ومصلحة النوع غير منظور فيه إلى قوة الطلب أو قوة الإكراه على قبوله وغير ملحوظ فيه أنه ترويج لدعوة من دعوات السياسة أو ضرورة من ضرورات الإدارة الحكومية في ظرف من ظروف الحرج والمداراة . ودستور المعاملة القرآنية للمرأة هو دستور المرأة الخالدة في وظيفتها النوعية ووظيفتها التي يصلح عليها البيت والمجتمع ما استقام نظام البيت ونظام الاجتماع )) .
حقوق المرأة في الإسلام
حق الأمومة
لقد جعل الإسلام مكانة الأم لا يدانيها شيء فجعل الجنة تحت أقدامها . وعلى الابن أن ينحني إلى ما تحت تلك الأقدام ليصل إلى الجنة إن أراد الوصول إليها ..
وجعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر .. ومن الذنوب التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا مع ما يدخره لفاعلها في الآخرة .. وخص الأم بمزيد عناية .
قال تعالى{ وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } (الاحقاف: من الآية15).(1/27)
وقال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }(لقمان: من الآية14). وقال {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً** وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (الاسراء: 23-24)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال رجل : (( من أحق الناس بحسن الصحبة فقال رسول الله ( : أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك )) .
وعند النسائي وأحمد والحاكم وأبي داود (( بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك )) وللترمذي والحاكم قال : (( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب )) وأخرج البيهقي في شعب الإيمان (( من أصبح مريضاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة ومن أمسى فمثل ذلك . وإن كان واحداً فواحداً وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما .. ومن أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ومن أمسى مثل ذلك وإن كان واحداً فواحداً . وإن ظلما وإن ظلما وإن ظلما )) .
وفي حديث مسلم (( لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه )) .
وقال ( للذي حمل أمه على ظهره وأخذ يطوف بها بالبيت وهي على ظهره وقال : هل قضيت حقها ؟ فقال رسول الله ( (( لا ولا برفسة واحدة )) . وفي رواية لا ولا بزفرة واحدة )) أخرجه البزار .
ولم يكتف الإسلام ببر الوالدين في حياتهما بل أمر ببرهما حتى بعد وفاتهما فقد جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله ( فقال : (( يا رسول الله هل بقي على من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما ؟ قال نعم : الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما )) .(1/28)
أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم .
وأخرجه الإمام مسلم قوله ( : (( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه )) .
وحتى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام لا يقبله الله إلا بعد أن يأذن الأبوان أو أحدهما إذا لم يكن إلا واحداً .. أمّا إذا هجم العدو على ديار المسلمين فيجب القتال على كل أحد رجل وامرأة وحر وعبد بإذن وبدون إذن .
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً هاجر إلى رسول الله من اليمن وأراد الجهاد معه فقال ( : (( هل باليمن أبواك ؟ قال نعم قال : هل أذنا لك قال لا فقال ( : فارجع إلى أبويك فاستأذنهما فإن فعلا فجاهد . وإلا فبرهما )) .
وأخرجه النسائي وابن ماجة والحاكم أن جاهمة أتي النبي ( ليخرج معه في الغزو فقال له المصطفى صلوات الله عليه : ألك والدة ؟ قال نعم قال فألزمها فإن الجنة تحت قدميها .
وجاء رجل إلى رسول الله ( يبايعه على الهجرة قائلاً ما جئتك حتى أبكيت والدي فقال الرسول الكريم : (( ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما )) أخرجه أبو داود والنساء وابن ماجه والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
وخلاصة القول أن مكانة الأم في الإسلام عالية الذرى رفيعة المقام لا يطاولها فيها زوجة ولا ولد (( ويجب على المسلم أن يخفض جناحه لها ويتحمل منها ما قد يبدو منها في حالة من حالات الغضب ... وإن كان ذلك نادر الحدث لرقة الأم وشدة عاطفتها وحبها لبنيها وهي التي غالباً ما تحتمل منهم الجفوة وخشونة القول وتعفو قبل أن يطلب منها العفو .. وتغفر حتى قبل أن يطلب منها الغفران )) .(1/29)
وانظر إلى الحالة البائسة التي يعيشها الوالدان في الغرب حيث ما يسمى بالحضارة وتباً لها من حضارة .. فإن الولد لا يسأل عن أبيه ولا عن أمه .. ولا ينفق عليهما ولو كانت حاجتهما شديدة .. وفقرهما مدقعاً .. فهو ليس مسؤولاً عن نفقتها ولو كان لديه الملايين .. وقوانين الغرب النكرة لا تلزمه حتى بمجرد الإنفاق عليهما.. ويذهب الأبوان أو أحدهما يتكفف الضمان الاجتماعي .. وكم من رجل مسن أو امرأة مسنة يموت في أوروبا وأمريكا في كل عام من البرد والجوع .. نعم إن هناك آلاف الأشخاص من الطاعنين من السن يموتون من البرد والجوع في بلاد الحضارة .. ولا يسأل عنهم أحد وقد تبقى الجثة في البيت أو الشقة أياماً دون أن يحس بها إنسان إذ يعيش معظم هؤلاء الشيوخ بمفردهم ولا يزورهم أحد إلا نادراً .. فأولادهم مشغولون بنزواتهم وحياتهم .. وهم لا يرون إلا مندوب الضمان الاجتماعي في كل شهر مرة .. ومن عاش هناك في الغرب يعرف المرارة التي يحسها الشيوخ هناك .. ويعرف كيف يمكن أن يموت جاره العجوز دون أن يحس به أحد .. حتى إذا تراكمت قوارير اللبن أمام الباب لعدة أيام عندئذٍ يبدأ الشك ويطلب البوليس فإذا الجثة بالداخل متخشبة .
وقد كنت أعجب من أحد الشيوخ المرضى الذين كنت أقوم بعلاجهم في أحد المستشفيات التي كنت أعمل بها في أحد ضواحي لندن فقد كان الرجل لا يمل من الكلام عن ابنه البار الذي لم يعد له نظير في العالم اليوم ..(1/30)
وانتظرت أن أرى ابنه فلم أره فسألت الرجل أين ابنك هذا الذي حدثتني عنه لم أره يزورك ؟ هل هو مسافر ؟ فأجاب الرجل لا أنه موجود ولكنه لا يأتي لزيارتي إلا يوم الأحد فقد عودني ذلك منذ سنين .. تصور يأتي كل أحد ويحمل باقة من الورد ونذهب سوياً لنضعها على قبر أمه .. وترقرقت عينا الرجل .. فسألته هل ينفق عليك ؟ ولم يبدُ على الرجل أنه فهم السؤال فأعدت عليه السؤال فقال : لا أحد ينفق على أحد في هذه البلاد .. أنني أستلم كذا من الجنيهات من الضمان الاجتماعي وهي لا تكاد تكفيني للقوت وللتدفئة ولكن هل هناك أحد في الدنيا مثل ولدي الذي يزورني كل أحد منذ سنوات .
ولم أشأ أن أصدمه لأقول له أن الإسلام يعتبر ولده عاقاً .. فهو لا يرى أباه إلا مرة في الأسبوع ... ولا يساعده مادياً قط .. ونتيجة للمستوى الهابط من الأخلاق وانتشار عقوق الوالدين فإن مجرد زيارته لأبيه مرة في الأسبوع تعتبر هناك قمة البر والصلة .
وقد نشرت الصحف قريباً قصة الشاب الذي قبل أن يؤوي أمه العجوز إلى بيته مقابل أن تقوم بخدمته وخدمة زوجته وأولاده وتنظيف بيته .. وهذا على أي حال يعتبر كرمً من هذا الولد البار بأمه !!
حق الزوجة
إن المرأة إما أن تكون أماً أو زوجة أو ابنة أو أختاً ولها في ذلك كله حقوق وعليها واجبات .
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } (البقرة: من الآية228) وليست المرأة كما يصورها دعاة الفساد والرذيلة وكأنها عدوة للرجل وبينها وبينه حرب فهي تكافح من أجل حريتها وتكافح من أجل حقوقها .. وليس بينها وبين الرجل في الإسلام حرب ولا عداء وإنما هي المحبة والوئام والسلام يشع أول ما يشع في البيت ثم ينطلق بعد ذاك من البيت إلى المجتمع ومن المجتمع إلى العالم أجمع..
فالمرأة أم لها أعظم مكانة وأرفع منزلة .. وهي زوجة قد جعلها الله آية من آيات خلقه حيث جعلها سكناً ومودة ورحمة .(1/31)
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21)
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } (لأعراف: من الآية189)
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } (الزمر: من الآية6)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } (النساء: من الآية1)
وجعل الإسلام طريق الالتقاء بين الرجل والمرأة هو الزواج .. ونظام الزوجية ظاهر في الكون كله من الذرة إلى المجرة .. فالإليكترون السالب يقابله البروتون الموجب والشحنات الموجبة تقابله في الكهرباء الشحنات السالبة ...
وفي النباتات الزهرة المؤنثة تقابلها المذكرة .. ويختلف التركيب والصفات والوظيفة ولكن وجودهما معاً هو أس الحياة للنبات وبدونهما معا تفقد وظائف الحياة .. ويؤدي ذلك إلى العدم ..
وفي الحيوان ابتداء من الديدان وانتهاء بالإنسان نجد الذكورة والأنوثة تختلف في الصفات والسمات .. وبدون هذا الاختلاف والتباين بين الذكورة والأنوثة لا يمكن أن تقوم الحياة .
ولابد من التقاء الذكر بالأنثى حتى تبقى الحياة .. فالزوجية هي أحد أسس نظام هذا الكون {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} (يّس:36)
{ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} (الرعد: من الآية3)
{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} (طه: من الآية53)(1/32)
فنظام الزوجية مبثوث في الكون كله .. ما علمنا منه وما لم نعلم .. ولابد من التجاذب والترابط بين ذرة سالبة وذرة موجبة .. وبين زهرة سالبة وزهرة موجبة وبين حيوان منوي وبويضة ... وبين ذكر وأنثى .. وبين رجل وامرأة .
ولكن في هذا النظام البديع المتقن لا تلتقي أي أنثى بأي ذكر فهناك دوائر مقفلة حتى على الزهرة .. فالزهرة الخنثى التي تحمل أعضاء الذكورة والأنوثة معاً لا تلقح نفسها ولا يلتقي طلعها بمتاعها .. إنما تختلف الأوقات التي تنضج فيها أعضاء الذكورة عن أعضاء الأنوثة فلا يكون اللقاء إلا بين زهرتين مختلفتين تجمع بينهما الرياح أو الحشرات أو الطيور ..
وكذلك الدودة الشريطية التي تجمع في كل حلقة من حلقاتها التي تبلغ الألف أو تزيد أعضاء الذكورة والأنوثة .. لا تلقح نفسها وإنما يقوم جهاز الذكورة في حلقة ما بتلقيح جهاز الأنوثة في حلقة أخرى تبعد عنها .
وقس على ذلك طحلب الأسبيروجيرا التي تحمل في طياتها جهازي الذكورة والأنوثة فإنها لا تلقح نفسها وإنما يلقح الأنثى طحلب آخر من طحالب الأسبيروجيرا ..
وهكذا لا يشذ الإنسان عن هذه القاعدة فلا يلتقي الأخ بأخته ولا الولد بأمه ولا الأب بابنته لأن هناك دائرة مقفلة حتى على طحلب الأسبيروجيرا .. وحتى على الدودة الشريطية .. فكيف يهبط الإنسان فيكون أقل من طحلب الأسبيرجيرا أو أقل من الدودة الشريطية ..(1/33)
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً** حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} (النساء:22- 23) .
ومن قول عمر رضي الله عنه : (( لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً )) أي ضعيف البنية كثير الأمراض .. ويعرف الأطباء كيف تزداد الأمراض الوراثية زيادة كبيرة كلما كان الزواج بين الأقارب .. وكلما ازدادت درجة القرابة .. (14)
ثم أن علاقة الأمومة أو الأخوة أو البنوة تمنع أن يتصل أحدهما بالآخر صلة جنسية ..
وزوجة الأب في مقام الأم .. وكذلك أم الزوجة .. وزوجة الابن في مقام البنت .. والجمع بين الأختين يولد الشقاق بينهما .. مما يعكر صفو الأخوة ومودتها ..
وما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع .
وما عدا ذلك مما حرمه الإسلام قرآناً وسنه فإن فيه فسحة ..
{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا** وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}(النساء: من الآية3- 4) .( أي فريضة وواجباً ..) ذكره ابن كثير وابن جرير في تفسيريهما .(1/34)
{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء:24) .
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (النساء: من الآية25)
والإسلام ينهى عن التبتل ويأمر بالزواج .. ويعرف أن في الإنسان جوعاً إلى الجنس كما أن به جوعة إلى الطعام .. وكان الجنيد شيخ الطائفة رحمه الله يقول : إنني لأشتهي النكاح كما أشتهي الطعام .. ولهذا فإن الإسلام لا يلغي الفطرة ولكنه ينظمها ويفسح لها الطريق في مجالها الصحيح .. (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ( أي الزواج ) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء )) أخرجه الستة : البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك .
والوجاء هو عبارة عن رضّ الخصيتين للفحل حتى تزول فحولته .. (( والنكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي )) ( أخرجه أبو يعلى ) .
(( ومن رغب عن سنتي فليس مني )) ( متفق عليه أي أخرجه البخاري ومسلم ) .
(( ومن قدر على أن ينكح فلم ينكح فليس منا )) ( أخرجه الدارمي وأبو داود والديلمي في الفردوس ).
(( وإذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير )) ( أبو داود والترمذي ) .
و (( تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم )) ( البيهقي وابن مردويه ) .
(( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة )) ( مسلم والنسائي ) .
و (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )) . ( أبو داود والنسائي ) .(1/35)
وقال ابن عباس لابن جبير : هل تزوجت قال لا قال : تزوج فإن خير هذه الأمة كان أكثرهم نساء يعني النبي ( ( البخاري )
ودخل عكاف بن بشر التميمي على النبي ( فقال له : يا عكاف هل لك من زوجة ؟ قال لا قال ولا جارية قال عكاف : ولا جارية فقال النبي ( وأنت موسر بخير قال : وأنا موسر بخير . قال : أنت إذاً من أخوان الشياطين . لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم إن سنتنا النكاح شراركم عزابكم أبالشيطان تمرسون ؟ ما للشيطان سلاح أبلغ في الصالحين من النساء .. إلا المتزوجون أولئك المبرؤون من الخنا ( أخرجه أحمد ) .
(( ولا رهبانية في الإسلام )) .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (( لولا أن رسول الله ( رد على عثمان بن مظعون التبتل لأختصينا )) ( أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي ) .
لهذا كله اهتم الإسلام ونبي الإسلام صلوات الله عليه بالبحث على الزواج ومنع التبتل الذي كان النصارى يفخرون به . لأن الإسلام دين الفطرة .. ورب العباد أعلم بفطرة عبادة فكما خلق فيهم جوعة الطعام جعل فيهم شهوة النكاح .. وكما جعل بقاء الفرد مرتبطاً بشهوة البطن جعل بقاء النوع مرتبطاً بشهوة الفرج .. ولكنه لم يجعل هذه الشهوة طليقة بدون قيود تخرب وتدمر بدل أن تبني وتعمر فجعل كل طريق سوى الزواج لاغياً .. وكل فج سوى فج النكاح قبيحاً .. فحرم الزنا والعهر والخنا .. وجعل الطريق المحمود طريق النكاح الصحيح على الهدى النبوي والسنة المحمدية التي سنها لنا وأوضح طريقها وأبان مسالكها ودروبها ..
الخطبة
أمر رسول الله ( أن لا يخطب أحد على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذن (( نهى رسول الله ( أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له )) .
وحث عليه الصلاة والسلام على الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته فإنه أحرى أن يؤدم بينهما (( إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه لنكاحها فليفعل )) ( أبو داود ) .(1/36)
وخطب رجل امرأة من الأنصار فقال له النبي ( : (( هل نظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً )) .. ( مسلم والنسائي ) .
ذات الدين : وحث على أن يطلب الرجل ذات الدين أولاً فإن اجتمع لها بعد ذاك الجمال فهو من كمال سعادته .. (( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها . فاظفر بذات الدين تربت يداك)) .( أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ) .
(( ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على آخرته )) ( أخرجه الترمذي وابن ماجه ) .
(( ولا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن .. ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن . ولكن تزوجوهن على الدين )) ( أخرجه القزويني وابن ماجه ) .
(( وتخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )) ( رواه ابن ماجه والديلمي في مسند الفردوس ) .
(( وإياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن. قال المرأة الحسناء في المنبت السوء)) .(الدار قطني ).
فإذا كان المتزوج شاباً وخاصة إذا لم يسبق له الزواج فيندب له أن يتزوج البكر قال جابر رضي الله عنه سألني رسول الله ( ما تزوجت؟ قلت تزوجت ثيباً قال: هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها((للستة إلا مالكاً))
الولي : ولابد في الزواج من ولي(15) (( لا نكاح إلا بولي )) ( أخرجه أبو داود والترمذي ) .
(( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل . فإن دخل بها فالمهر لها بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له )) ( أبو داود والترمذي ) .
(( ولا تزوج المرأة المرأة .. ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها )) ( للقزويني ) .
ومع هذا فلا بد من إذن المخطوبة سواء كانت بكراً أم ثيباً(16).
(( الثيّب أحق بنفسها من وليها . والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها . وفي رواية والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وأذنها صماتها )) ( للستة إلا البخاري ) .(1/37)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكراً أتت النبي ( فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ( ( لأبي داود ) .
الصداق والمهر : (( خير النساء أحسنهن وجوهاً وأرخصهن مهوراً )) ( ابن حبان ) .
(( إن أعظم النساء بركة أصبحهن وجوهاً وأقلهن مهوراً )) ( أبو عمر .. التوقاني في كتاب معاشرة الأهلين ) . (( إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها )) ( لأحمد ) .
وكان مهر فاطمة بنت محمد ( درعاً للإمام علي رضي الله عنه .. لم يجد غيرها فباعها وقدمها مهراً لسيدة نساء العالمين ..
وكان مهر بعض الصحابيات خاتماً من حديد.. وكان مهر بعضهن آيات من القرآن يعلمها إياها الزوج.
فأين نحن اليوم مما نراه من المغالاة في المهور والتجارة في الإبضاع .. والإسراف في إقامة الحفلات والتبذير في الزينات .. والإسلام قد حارب التبذير والإسراف .. وجعل المبذرين إخوان الشياطين {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}(الاسراء: من الآية27) {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}(الاسراء: من الآية26) {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} (الاسراء: من الآية29).
ونتيجة هذه المغالاة وهذا السرف عضلت فتيات كثيرات عن الزواج ومنع شباب كثير من النكاح .. ولم يبق أمامهم من طريق سوى طريق المخادنة والمخادعة ..
والله يقول : { فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ }(البقرة: من الآية232) ، والعضل هو المنع بأي وسيلة من الوسائل ..
إعلان الزواج : ومع هذا فلا ينبغي أن يكون الزواج سراً وإنما ينبغي إعلانه .. (( أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف )) ( البخاري ) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت زففنا امرأة إلى رجل من الأنصار فقال ( (( أما يكون معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو )) ( البخاري ).(1/38)
وهو لهو بريء لا يعدو الضرب بالدفوف والغناء بالأهازيج .
فإذا ما تم عقد القرآن قال له الحاضرون : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير ( ابن ماجه وأبو داود والترمذي ) .
الوقاع : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ }(البقرة: من الآية223) . فإذا ما أراد الزوج أن يأتي أهله فليجعل بينه وبينها رسولاً .. ولا يأتيها مثل البهيمة وإنما هي الكلمة والقبلة .. ومقدمات النكاح من المداعبة والملاعبة (( ولا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول .. قيل وما الرسول يا رسول الله قال القبلة والكلام .. )) ( رواه أبو منصور الديلمي في الفردوس ) وروي أيضاً قوله ( : ثلاثة من العجز وعد منها : (( أن يقارب الرجل زوجته أو جاريته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها )) .
وإذا أراد الوقاع قال : (( بسم الله .. اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا )) . فإنه لو قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان . ( أخرجه الشيخان والترمذي ) .
الوليمة : والوليمة في الزواج مستحبة فقد أولم ( عندما بنى بزوجاته والوليمة تكون بما تيسر والإسراف فيها مكروه .. وقد قال ( (( أولم ولو بشاة )) متفق عليه .
آداب المعاشرة وحقوق الزوجية :
جعل الله الزواج سكناً ومودة ورحمة .
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }(الروم: من الآية21) {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } (البقرة: من الآية187) .(1/39)
هذه هي القاعدة في الزواج والنكاح أن تكون المرأة سكناً لزوجها ...ويكون الرجل سكناً لامرأته .. وجعل بينهما المودة والرحمة .. وجعلها لباساً للرجل وجعل الرجل لباساً لها .. وجعل الرجل يفضي إليها بمكنونات قلبه وعاطفته وجمام قوته وجعلها تفضي إليه .. حتى إذا ما حصل بينهما شقاق وأراد الرجل أن يأخذ من امرأته شيئاً مما أعطاها ولو كان قنطاراً منعه الله سبحانه وتعالى من ذلك وذكره بما كان بينهما من إفضاء بعضهم لبعض {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} .
وهي ألفاظ كلها تشيع الدفء والمحبة والصفاء .. فليس بينهما هذا الصراع المقيت الذي لا تمل أجهزة الأعلام المختلفة من إذاعة وتليفزيون وصحافة ووسائل الإفساد من سينما ومسرح وقصة .. من تصويره وإعلانه بكافة الوسائل إذ المرأة حسب تصوير هذه الأجهزة في صراع مرير من أجل حقوقها المهضومة مع زوجها وبنيها وأبيها .. حتى تبذر بذور العداوة والبغضاء والشحناء في أقدس علاقة وأطهر صلة .. فإذا فسدت فقد سهل بعدها إفساد كل شيء .. وإذا انهارت فقد سهل بعدها أن ينهار كل شيء .
وهذه معاول الهدم تعمل أول ما تعمل في البيت المسلم الذي يشع فيه الدف والمحبة والحنان فإذا ما امتلأ هذا البيت بالشجار والنقار .. وإذا ما أثيرت المرأة على زوجها والبنت على أبيها والولد على أبويه .. سهل بعد ذلك تحطيم المجتمع بأسره .(1/40)
وقد جهد الصليبيون واليهود وعملاؤهم في إفساد البيت المسلم ووجهوا جهودهم الهائلة الضخمة لإفساد المرأة على وجه الخصوص .. منذ دخل الاستعمار إلى بلاد المسلمين واحتلها عنوة .. ووصلوا جهودهم منذ افتتح ذويمر المؤتمر التبشيري عام 1908 وحث فيه زملاءه وتلامذته من القساوسة والمبشرين على أن يعلموا على إخراج المرأة المسلمة من بيتها وإفساد علاقتها بزوجها وعلاقتها بأبيها وبنيها .. وأوضح لهم أن أقصر السبل لابعاد المسلمين عن إسلامهم هو إفساد المرأة .. وشرح لهم فوائد المدارس والكليات التي يفتتحونها وخاصة مدارس البنات التي يشرف عليها القساوسة .. وضرب لذلك مثلاً بكلية البنات الأمريكية في القاهرة واسطنبول والجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة .. والليسيه والبون باستير والمارديرديه وغيرها من المدارس التي انتشرت في بلاد المسلمين منذ أوائل القرن العشرين وآتت أكلها بعد بضعة أجيال فأخرجت الآلاف من الفتيات اللائي يجهلن دينهن وينهجن في حياتهن منهج حياة المرأة الغربية ...
وتحولت خريجات هذه المدارس أو بعضهن على الأقل إلى أمثلة حية في محاربة الإسلام .. ووضعت لهن هالات البطولة .. حتى يصبحن مثلاً أعلى يقتدى به ..
وتحولت أجهزة التعليم بعد الاستقلال إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الاستقلال حيث قام تلامذة المبشرين من أبناء المسلمين بمحاربة الإسلام بأكثر مما فعل أساتذتهم من الصليبيين .. وأنتج ذلك كله جيلاً من ذراري المسلمين يتنكرون لإسلامهم .. ويأنفون من دينهم .. ويتبعون سنن الذين من قبلهم ( اليهود والنصارى ) حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلوه وراءهم ..(1/41)
ولكن الله غالب على أمره فبعد أن رأينا الجامعات والمدارس تخرج أجيال الضياع نرى اليوم الجامعات وهي تزخر بآلاف الطلبة والطالبات يعودون إلى الإسلام ويدخلون في دين الله أفواجاً .. ويواجهون الطغاة البغاة من حكام المسلمين ويبذلون في ذلك مهجهم وأرواحهم رخيصة في سبيل الله .. ونرى الفتيان والفتيات يثوبون إلى دينهم ويتمسكون بعقيدتهم ويبحثون عمن يوجههم ويرشدهم إلى الصراط المستقيم .. وعادت فتيات الإسلام إلى الزي الإسلامي بعد تبرج الجاهلية .. وواجهن السخرية من أجهزة الأعلام التي يسيطر عليها تلامذة المبشرين ونغول الصليبيين وعملاء اليهود وملاحدة الشيوعيين بل لقد واجهن الحكام في بعض البلاد العربية التي تحكمها الشيوعية .. وأصررن على زيهن الإسلامي حتى ولو أدى إلى طردهن وإبعادهن من مدارسهن ..
ولذا فإن الشباب المسلم مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى أن يظفر بذات الدين ويقيم معها المحضن الإسلامي المبني على المودة والرحمة .. فإذا رأى من زوجته بعض ما يكره فليحتمل ذلك {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} (النساء: من الآية19) .
(( استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج .. وأن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً )) ( أخرجه الشيخان والترمذي ) .
(( وعاشروهن بالمعروف )) (( وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بنسائه )) .
(( خياركم .. خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي )) وفي رواية (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) ( أخرجه الترمذي ) .
((الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )) ( رواه مسلم والنسائي وابن ماجة ) .
(( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله )) ( الترمذي والنسائي والحاكم ) .(1/42)
وقد كان رسول الله ( أرحم الناس بالنساء والصبيان ( رواه مسلم والبغوي ) .
(( وكان( من أفكه الناس مع نسائه )) ( رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط ) وكان يشاطرهن في تحمل بعض الأعباء المنزلية ويساعدهن في ذلك (( وكان ( في مهنة أهله يقمُّ ويرفو ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته )) ( رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده ) .
وكان ( يقف مع عائشة لتتفرج على لعب الحبشة في المسجد حتى تكتفي وتنصرف بنفسها ( متفق عليه ) وكان أزواجه ( يراجعنه الحديث وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل ( متفق عليه ) .
وكان يحتمل منهن ما لا يخطر ببال أحدنا فقد دفعت إليه إحداهن في صدره فثارة أمها وزبرتها فقال لها مصطفى ( (( دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك )) ( ذكره الغزالي في الإحياء ) وجرى بينه ( وبين عائشة رضي الله عنها كلام حتى أدخلا أبا بكر رضي الله عنه حكماً فقال لها رسول الله ( : تتكلمين أو أتكلم . فقالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقاً فلطمها أبو بكر وقال يا عدوة نفسها أويقول غير الحق فاستجارت برسول الله ( وقعدت خلف ظهره فقال له النبي ( : لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا )) ( أخرجه الطبراني في الأوسط ) .(1/43)
وكنّ يثقلن عليه في طلب النفقة وخاصة بعد أن أغنى الله المسلمين وتوسعت دار الإسلام وامتلأت أكف الممحلين من أهل المدينة فأردن التوسع قليلاً في النفقة فأبى عليهن إلا أن يرتفعن إلى مقام النبوة السامق الذرى ويصبرن معه على شظف العيش .. وعلى الجوع والعطش .. أو يخترن الدنيا ونزل بذلك قرآن من السماء {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} . فخيرهن رسول الله ( فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة . (الأحزاب:28-29) .
ومع هذا فإن حسن الخلق مع الزوجة والتفكه معها وخفض الجناح لا يعني أن يتساهل المرء في حق من حقوق الله .. وعليه أن لا يوافق هواها إذا جمح بها عن دائرة المعروف وأخرجها إلى دائرة المكروه والمحرم .. بل عليه أن يقفل باب المنكرات في بيته فإنه مسؤول عن ذلك .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } (التحريم: من الآية6) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ** إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (التغابن:14-15)
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } (النساء: من الآية34) .(1/44)
(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .. والأمير راع .. والرجل راع على أهل بيته .. والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها .. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) متفق عليه .
القوامة : ورغم أن الإسلام يقرر أن عش الزوجية إنما يقوم على المحبة والمودة والسكن إلا أنه لا يهمل الأمور إذ لابد لهذه السفينة من قائد وربان ..
وقاعدة الإسلام أنه إذا كان ثلاثة في سفر فلابد أن يؤمروا عليهم واحداً والأمير فيهم أكثرهم تبعة ومسؤولية وأقلهم استفادة بإمارته .. ولا يصلح لإمرة البيت وقيادة إلا الرجل .. فهو أقل الاثنين اندفاعاً وأكثرهم تحملاً .. فعليه يقع عبء المسؤولية في القوامة - والنفقة .
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }(النساء: من الآية34) فمسؤولية القوامة مردها إلى التكليف .. والتكليف لا يناط إلا بأكثرهما تحملاً للمشاق وأقدرهما على التصرف في المآزق .. وأحزمهما في الأمور إذا اضطربت .. وأصبرهما على الأذى إذا نزل .. وأقلهما اتباعاً للعواطف وأكثرهما انقياداً للعقل .
وليس في ذلك إلا تمام العدل فليس من العدل أن تحمل المرأة ما لا تطيق .. وليس من الحكمة أن يكون للسفينة قائدان في وقت واحد .. فإن أدعى لوقوعها في مهب الرياح ..
والقوامة زيادة في المسؤولية .. على الرجل أن يتحملها بما آتاه الله من تركيب جسدي ونفسي يجعله أهلاً لها ...(17) والمرأة قد كانت ولا تزال لا تحترم ولا تحب الرجل الإمعة في يدها .. بل تحب وتحترم تلك الشخصية القوية التي تحتويها وتحنو عليها ..(1/45)
ولا تنهدم هذه القاعدة بحالة أو عدة حالات تشذ من حين لآخر .. فما يقول بناء الإنسانية على حالة أو حالات تشذ من حين إلى حين .. فتسيطر فيها المرأة على الرجل سيطرة تامة .. وتقوم فيها بالقوامة بدلاً عنه .. ولا يبقى ذلك البناء إلا ريثما تهدمه المرأة المسيطرة بنفسها .. لأنها تفقد في رجلها ما تريده المرأة من الرجل أولا وأخيراً .. وإذا لم تهدمه فإنها تعيش تعيسة ما عاشت لأنها بذلك تناقض فطرتها وتكوينها البيوليجي الذي خلقت عليه .. يقول البروفسور طلعت في كتابه علم الفسيوليجيا :
(( إن الرجل قد خلق وصمم ليحتوي المرأة )) وما هذا الاحتواء إلا القوامة ....
(( Man is made to possess woman))
النفقة : إن واجب النفقة على الزوجة والأولاد يقع في الإسلام أولاً وأخيراً على كاهل الزوج .. وعليه النفقة حسب المقدرة {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق:7) .
ويظل هذا الواجب على الزوج حتى لو كانت الزوجة غنية موسرة والزوج فقيراً معسراً .. فإذا أنفقت الزوجة من مالها على نفسها وأولادها كان ذلك صدقة لها .. أو كانت ديناً على زوجها إلى حين زوال اعساره إذا أنفقت ذلك بطلب أو إذن منه .
ولست أدري إن دعاة المساواة بين الرجل والمرأة يعلمون هذا ويعلمون أن المرأة في الغرب مسؤولة عن النفقة مع زوجها سواء كان زوجها غنياً أو فقيراً معسراً أو موسراً .. وأن عليها أن تشارك في هذه النفقة بعرق جبينها وكد يدها ..(1/46)
وليس على الزوج من مسؤولية في النفقة إلا بالشطر فقط بينما قد قرر الإسلام لها حق النفقة في جميع أحوالها حتى في أثناء عدتها في طلاقها الرجعي فإذا أرضعت وليدها كان أجرة تلك الرضاعة زيادة على النفقة ولو كانت مطلقة .. بينما هي في الغرب حيث يدعون أن المرأة مساوية للرجل لا تجد لها حقاً في نفقة .. لا لنفسها ولا لوليدها {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة:233) .
وللمرأة حقوق على زوجها ولزوجها عليها حقوق .
عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في المبيت ( أبو داود )
ومن حقها أن تعاملها بالمعروف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (النساء: من الآية19) {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } (البقرة: من الآية229) {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } (البقرة: من الآية231) .(1/47)
ومن حقها أن تعفها(18) فإذا كان الزوج عنيناً ولا يستطيع أن يعفها فمن حقها أن تتركها وتخالعه .. ومن حقها إذا غاب عنها مدة ( واختلف في هذه المدة ) أن تطلب حضوره معها أو تسافر هي إليه أو تخالعه إذا أرادت ذلك .. ومن حقها إذا آلي منها أن تتربص بنفسها أربعة أشهر فإما عود إلى الحياة الزوجية أو الطلاق ولا يجوز إمساكها إضراراً بها .. {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ** وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 226- 227) .
ومن حق الزوج على الزوجة أن تطيعه في المعروف وأن لا توطئ فراشه من يكره ولا تدخل بيته من يبغض .. ولا تخرج إلا بإذنه ولا تمتنع عنه إذا أرادها في أي وقت من الأوقات ما لم يكن لها في ذلك عذر مثل حيض أو نفاس أو مرض أو صوم واجب .
وفي الحديث : (( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها )) ( الشيخان) .
(( ألا أن لكم على نسائكم حقاً . ولنسائكم عليكم حقاً . عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون . وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن))( الترمذي).
وقيل لرسول الله ( أي النساء خير . قال الذي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره ( النسائي ) .
وقال ( (( لا تصوم المرأة [ صيام تطوع ] إلا بإذن زوجها )) ( أبو داود ) .
(( والمرأة راعية في بيت زوجها .. ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) متفق عليه . فإذا تفرغت المرأة لزوجها ولأطفالها وبيتها فقد أدت ما عليها : وفي الحديث الشريف : (( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت )) . ( أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط ) .(1/48)
(( وأيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة )) ( للترمذي )
عمل المرأة في بيتها :
ومع هذا فالفقهاء يقولون بأن عمل الزوجة في بيت زوجها ليس فرضاً وحتماً عليها ولكنه مندوب لها وصدقة منها على زوجها وبنيها .. وأما الواجب المحتم عليها فهو أن تمتنع منه إذا أرادها إلا بعذر شرعي من حيض أو نفاس أو مرض أو صيام فرضي .. وأن لا توطئ فراشه من يكره ولا تخرج إلا بإذنه .. وأن تحفظه في نفسها وماله .
وأما عملها في بيتها فهو لها أجر وصدقة وتكفير عن الذنوب والموبقات ورفع للدرجات .. فقد كانت سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد أكثر النساء عملاً في بيتها وخدمة لزوجها وبنيها . قال علي رضي الله عنه لابن أعبد :
(( ألا أحدثك عني وعن فاطمة . قلت بلى قال : إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها فأتى النبي ( خدم فقلت لو أتيت أباك فسألِتهِ خادماً فأتته فوجدت عنده حداثاً فرجعت فأتاها من الغد فقال ( : ما كان حاجتك ؟ وسكتت فقلت أنا أحدثك يا رسول الله جرت بالرحى حتى أثرت في يدها وحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها حرما هي فيه .فقال ( : اتقي الله يا فاطمة . وأدي فريضة ربك واعملي عمل أهلك . وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين واحمدي ثلاثاً وثلاثين وكبري أربعاً وثلاثين فتلك مائة فهي خير لك من خادم فقالت رضيت عن الله وعن رسوله . ولم يخدمها . وفي رواية أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها )) ( أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي ) .
وهكذا أبى المصطفى صلوات الله عليه على فاطمة التي لم يكن يحب أحداً مثلها والتي هي بضعة منه يريبه ما رابها ويغضبه ما أغضبها أبى عليها الخادم ووزع أولئك الخدم الذين جاؤوه على نساء المهاجرين والأنصار .. حرصاً منه على أن تزداد ابنته من الأجر كلما عملت في خدمة زوجها وبنيها .(1/49)
وقد كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تعمل في خدمة بيتها وزوجها لزبير بن العوام حتى طلبت من أبيها الصديق خادماً كفتها سياسة فرس الزبير أحست وكأنه أعتقها .
قالت رضي الله عنها : (( تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء .. غير ناضج(19) وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى لناضحه فأعلفه وأسقي الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن الخبز .. فكان يخبز لي جارات من الأنصار وكن نسوة صدق .. وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول ( على رأسي وهي على ثلثي فرسخ . قالت فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت النبي ( ومعه نفر من أصحابه فدعاني وقال : أخ أخ ليحملني خلفه فاستحييت وعرفت غيرته ( أي الزبير ) فعرف رسول ( أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله ( وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك . فقال : والله لحملك النوى على رأسك أشد على من ركوبك معه . حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقني )) ( لأخرجه الشيخان البخاري ومسلم ) .
ولم يكن ذلك العمل المجهد الذي تقوم به الزوجة قاصراً على فاطمة بنت محمد صلوات الله عليه ولا على أسماء بنت أبي بكر . وإنما كانت نساء النبي وبناته ونساء المهاجرين والأنصار وأكثر المسلمين يعملن ذلك العمل الشاق ..وأن تفاوتت الدرجة والشدة . فلم تكن المرأة عاطلة خاملة .. وأنى لها أن تكون وهي ربة البيت وسيدة الأسرة وأمامها أعمال جليلة من حمل وولادة وإرضاع وتغذية للزوج وللأطفال .. وعناية بالأولاد وخدمة في المنزل .. ومساهمة في تحمل بعض تبعات الزوج من سقي الماء وحمل القرب على الأعناق .. وإدارة الرحى على الأيدي وسياسة الفرس وعلفه .. وحمل النوى من أرض الزوج ..(1/50)
أنه ليس عملاً وأحداً ولكنها أعمال تنوء بحملها الجبال .. وقد حملنها صابرات شاكرات حتى إذا منّ الله على المسلمين بالفتوحات خفف أهلوهن وأزواجهن عنهن بعض ما يجدن والحقن بهن خادمات يساعدنهن على تلك الأعمال ..
أما القمة التي لا يصل إليها إلا محمد وبنوه فقد بقيت سامقة عالية الذرى تكابد مشاق الأعمال وتجاهد بالليل وبالنهار حتى مع وفرة الخدم وكثرة المال .. لأن مقام النبوّة لا يصل إليه أحد ولا يطاوله إنسان .
ويكفي المرأة بعد ذلك أن يعتبر حملها وولادتها رباطاً في سبيل الله .
(( المرأة في حملها إلى وضعها إلى فصالها كالمرابط في سبيل الله . فإن ماتت فيما بين ذلك فلها أجر الشهيد )) ( للطبراني في الكبير ) .
واستمع إلى وافدة النساء إلى النبي ( أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها وهي تلخص موقف المرأة المسلمة ووظيفتها ومع ذلك فهي ترنو إلى أجر الجهاد في سبيل الله والمشاركة فيه . فتقول :
(( بأبي أنت وأمي يا رسول الله . أنا وافدة النساء إليك . وإن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة .. وأنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم . وأنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وشهود الجنائز والحج بعد الحج . وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل . وأن أحدكم إذا خرج في سبيل الله حاجاً أو معتمراً حفظنا لكم أولادكم وأموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا أولادكم أنشارككم في هذا الأجر والخير ؟ (( فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله وقال : هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها )) . قالوا : يا رسول الله ما ظننا امرأة تهتدي إلى مثل هذا (( فالتفت إليها النبي ( وقال : افهمي أيتها المرأة واعملي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله )) ..(1/51)
الله أكبر .. الله أكبر .. وأي بشارة للمرأة أكبر من ذلك . أن حسن تبعلها وتزينها لزوجها يعدل الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله ... لا كما نراها اليوم تتزين إذا خرجت إلى الأسواق وتكون في هيئة رثة في بيتها مع زوجها .. وتتبرج تبرج الجاهلية الأولى وأشد وإذا خرجت معطرة تتمخطر بين الرجال حتى تلعنها الملائكة .. بينما هي في بيتها وأمام زوجها في حالة رثة وهيئة مزرية .
وقد أحسنت أسماء بنت خارجة الفزاري النصيحة لابنتها عندما زفت إلى زوجها فقالت : أي بنية .. أنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أرضاً يكن لك سماء . كوني له مهاداً يكن لك عماداً وكوني له أمة يكن لك عبداً . لا تلحفي به فيقلاك ولا تباعدي عنه فينساك أن دنا فاقربي منه . وأن نأى فأبعدي عنه واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا طيباً ولا يسمع إلا حسناً ولا ينظر إلا جميلاً )) .
ولعمري تلك نصيحة تبقي أبد الدهر لكل عروس تزف إلى زوجها ..
وقد أدركتها المرأة المسلمة فكانت خير زوجة عرفتها الإنسانية وأنتجت تلك الأمة الفريدة في التاريخ التي وصفها الله بخير أمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } .
وكان للمرأة دور عظيم في إبراز خير أمة ظهرت على وجه البسيطة .. فقد كانت المرأة نعم الزوجة ونعم الأم ونعم المدرسة .. وكم من أفذاذ في تاريخ هذه الأمة أبرزتهم إلى الوجود جهود أمهات مبرقعات .. قمن بتربيتهم وتعليمهم وتأديبهم .
ولا ريب في أنه لو أريد لهذه الأمة أن تنهض كما نهضت من قبل وأن تحتل مكانها المنوط بها والذي شرفها الله به .. لا ريب أن عليها أولاً أن تحسن تربية المحاضن الأولى وتهذبهن بآداب الإسلام وتعلمهن بعلومه .. حتى تتحول فعلاً إلى مدرسة كما قال حافظ إبراهيم رحمه الله ...
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق(1/52)
الفصل الثالث
خروج المرأة للعمل
وتركيب المرأة الجسدي
أثبتت الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله تعالى على هيئة تخالف تكوين الرجل ، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة ، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة وسيدة البيت ، وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادحة في كل مجال . ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي نشر في العام الماضي أن كل طفل مولود يحتاج إلى رعاية أمه المتواصلة لمدة ثلاث سنوات على الأقل . وأن فقدان هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لدى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العنف الذي انتشر بصورة مريعة في المجتمعات الغربية وطالبت هذه الهيئة الموقرة بتفريغ المرأة للمنزل وطلبت من جميع حكومات العالم أن تفرغ المرأة وتدفع لها راتباً شهرياً إذا لم يكن لها من يعولها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها .
وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المحاضن وروضات الأطفال لا تستطيع القيام بدور الأم في التربية ولا في أعطاء الطفل الحنان الدافق الذي تغذيه به .
الأختلاف على مستوى الخلايا :
إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل ، بل أن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل . وإذا دققنا النظر في المجهر لهالنا أن نجد الفروق واضحة بين خلية الرجل وخلية المرأة .. ستون مليون مليون خلية في جسم الإنسان ومع هذا فإن نظرة فاحصة في المجهر تنبئك الخبر اليقين : هذه خلية رجل وهذه خلية امرأة ، كل خلية فيها موسومة بميسم الذكورة أو مطبوعة بطابع الأنوثة .(1/53)
وفي الصورة التالية نرى الفروق واضحة بين خلية دم بيضاء لرجل وأخرى لامرأة كما نرى الفرق جلياً بين خلية من فم امرأة وخلية من فم رجل ، ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من مستوى الخلايا إلى مستوى الجسيمات الملونة ( الصبغيات أو الكروموسومات ) . هذه الجسيمات الملونة موجودة في كل خلية وتقاس بالانجستروم ( واحد على بليون من المليليمتر ) في ثخانتها وهي موجودة على هيئة أزواج منها زوج واحد مسؤول عن الذكورة والأنوثة .
ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو موضح في الصورة على هيئة XY بينما هو في خلية المرأة على هيئة XX والصورة التالية توضح هذه الفروق الثلاثة .
إن الجسيم الملون ( صبغ ) للذكورة يختلف في شكله المميز عن صبغ الأنوثة ، بل ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والمظهر إنما يتعداه إلى الحقيقة والمخبر فصبغ الذكورة قصير سميك بالنسبة لصبغ الأنوثة ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطاً وأقوى شكيمة وأكثر أقداماً من شقيقتها الأنثوية .
الاختلاف على مستوى النطفة :
وإذا سرنا في سلم الفروق وارتفعنا إلى مستوى الخلايا التناسلية سنجد الفرق شاسعاً والبون هائلاً بين الحيوانات المنوية ( نطفة الرجل ) وبين البويضة ( نطفة المرأة ) .(1/54)
تفرز الخصية مئات الملايين من الحيوانات المنوية في كل قذفة مني بينما يفرز المبيض بويضة واحدة في الشهر . فاحصة لخصائص الحيوان المنوي الذي يقاس بالميكرون ( واحد على مليون من المليمتر ) تجعلنا نوقن بأنه يجسد خصائص الرجولة . بينما نرى البويضة تجسد خصائص الأنوثة فالحيوان المنوي له رأس مدبب وعليه قلنسوة مصفحة وله ذيل طويل وهو سريع الحركة قوي الشكيمة لا يقر له قرار حتى يصل إلى هدفه أو يموت . بينما البويضة كبيرة الحجم ( 5/1 ميليمتر ) وتعتبر أكبر خلية في جسم الإنسان الذي يحتوي على ستين مليون مليون خلية . وهي هادئة ساكنة تسير بدلال وتتهادى باختيار وعليها تاج مشع يدعو الراغبين إليها وهي في مكانها لا تبرحه ولا تفارقه ، فإن أتاها زوجها وإلا ماتت في مكانها ثم قذفها الرحم مع دم الطمث . وإذا دققنا النظر في الفطرة في قطرة صغيرة من مني الرجل تحت المجهر لهالنا ما نرى .. مئات الملايين من الحيوانات المنوية تمخر عباب بحر المني المتلاطم وهي تضرب بأذيالها لتجري في طريقها الشاق الطويل الوعر المحفوف بالمفاوز والمخاطر حتى تصل إلى البويضة ، وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهادرة تموت ملايين الحيوانات المنوية ولا يصل إلى البويضة إلا بضع مئات .
وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن يؤذن لها بالدخول وتتحرك يد القدرة الآلهية المبدعة فتبرز كوة في جدار البويضة أمام حيوان منوي قد اختارته الإرادة الآلهية ليلقح تلك الدرة المكنونة .. ويلج الحيوان المنوي سريعاً إلى هذه الكوة والفرجة ليقف وجهاً لوجه أمام البويضة .. وهناك يفضي لها بمكنون سره ويعطيها أسرار الوراثة وتعطيه . ويتحدان ليكوِّنا النطفة الأمشاج التي يخلق الله سبحانه وتعالى منها الإنسان كاملاً .
الاختلاف على مستوى الأنسجة والأعضاء :(1/55)
وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات ( الكروموسومات ) والخلايا إلى مستوى الأنسجة والأعضاء وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل ذي عينين بين الذكورة والأنوثة .. فعضلات الفتى مشدودة قوية وهو عريض المنكبين واسع الصدر ضيق البطن صغير الحوض نسبياً لا أرداف له ولا عجز كبير .. يتوزع الدهن جسمه توزيعاً عادلاً وطبقة الدهن في الغالب الأعم محدودة بسيطة .. وينمو شعر العانة متجهاً نحو السرة كما ينمو شعر عذاريه وينمو شعر ذقنه وشاربه ويغلظ صوته ويصبح أجش .. بينما نجد عضلات الفتاة (( رقيقة ومكسوة بطبقة دهنية تكسب الجسم استدارة وامتلاء مرغوب فيه خالياً من الحفر والنتوءات الواضحة المتعاقبة التي لا ترتاح العين لرؤيتها )) كما يقول أستاذ علم التشريح الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء ويواصل الدكتور شفيق كلامه فيقول:
(( ولا تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم وستر ما يعتوره من حفر أو نتوءات بل أن بعض المناطق الخاصة تحظى بنصيب وافر منها مثل الثديين اللذين يكبران ويستديران ويتخذ كل منهما شكل نصف كرة ، وكذلك منطقة الزهرة والاليتان وكما يستدير الفخذان وغيرهما من مواضع خاصة . ويتسع الحوض متخذاً شكلاً مناسباً يتفق مع العمل الذي خصص له ويكتمل نمو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمبيض الذي يقوم بعملية الابياض السابقة للطمث وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة كالشفرين الكبيرين ويتخذ كل منهما شكله وحجمه وقوامه وبنيانه وموضعه في البالغ ويظهر الشعر في منطقة الزهرة والإبطين وينعم الصوت بعد أن كان مصبوغاً بصبغة الطفولة .
وغرض كل هذه التغييرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر ورشاقة القوام ونضارة الطلعة مما يتفق مع حسن ونعومة ونضارة الأنوثة وكلها عوامل قوية للإغراء )) .(1/56)
وتختلف الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلافاً يعرفه كل إنسان فللمرأة رحم منوط به الحمل فإن لم يكن حمل فدورة شهرية وطمث ( حيض ) حتى تحمل أو تتوقف الحياة الجنسية للمرأة . وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية كما لها وظيفة تغذية الطفل منذ ولادته إلى فطامه بأحسن وأنظف وأليق غذاء .. ليس هذا فحسب ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة في القوة والمتانة وفي الضيق والسعة وفي الشكل والزاوية .
وإذا نظرنا لحوض المرأة مثلاً وجدناه يختلف عن حوض الرجل اختلافاً كبيراً يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما يلي :
(( يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لقيامه بوظيفة هامة إضافية تتطلب منه بعض الضروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل .. فنمو الجنين في الحوض وطرق تغذيته وحفظه ثم مروره بتجويف الحوض ومن مخرجه وقت الولادة مما يستلزم بعض التغييرات والتعديلات التي يسهل معها إتمام الولادة بالنسبة للأم والطفل وتنحصر كل هذه التغييرات في أن يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقصر ، وأن تكون عظامه أرق وأقل خشونة وأبسط تضاريساً ثم يذكر الدكتور 19 فرقاً بين حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها ويعيها ، ويختم ذلك بقوله :
(( وأن تكن رقة العظام ونعومتها وبساطة تضاريسها وصغر شوكاتها وقلة غور حفرها ظاهرة جلية في أكثر عظام الهيكل في المرأة غير أنها تتجلى بأوضح شكل في عظام الحوض للأنثى التي بلا نزاع تشارك صفات عظام الهيكل الأخرى بقسط وافر في صفاتها المميزة للأنوثة زيادة على تكيفها النوعي الخاص بما يناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل )) .
وخلاصة القول أن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلاتها وعظامها تختلف إلى حد كبير عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية كما تختلف عضلاته وعظامه في شدتها وقوة تحملها .(1/57)
وليس هذا البناء الهيكلي والعضوي المختلف عبثاً إذ ليس في جسم الإنسان ولا في الكون شيء إلا وله حكمة سواء علمناها أم جهلناها ، وما أكثر ما نجهل وأقل ما نعلم .
والحكمة في الاختلاف البين في التركيب التشريحي والوظيفي ( الفسيولوجي ) بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد بني ليخرج إلى ميدان العمل ليكدح ويكافح وتبقى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها العظيمة التي أناطها الله بها وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال وتهيئة عش الزوجية حتى يسكن إليها الرجل عند عودته من خارج المنزل . {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } .
والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في الحيوان المنوي والبويضة . البويضة ساكنة هادئة لا تتحرك إلا بمقدار وعليها التاج المشع ، والحيوان المنوي صاروخ مصفح وقذيفة تنطلق عبر المخاطر والمفاوز لتفوز بغرضها وغايتها أو تموت .. ليس ذلك فحسب بل ترى الفرق في كل خلية من خلايا المرأة وفي كل خلية من خلايا الرجل .. تراه في الدم والعظام ، تراه في الجهاز التناسلي ، تراه في الجهاز العضلي وتراه في اختلاف الهرمونات هرمونات الذكورة وهرمونات الأنوثة وتراه بعد هذا وذاك في الاختلاف النفسي بين إقدام الرجل وصلابته وخفر المرأة ودلالها .
وإذا أردنا أن نقلب الموازين ، وكم من موازين قد قلبناها ، فإننا نصادم بذاك الفطرة التي فطرنا الله عليها ونصادم التكوين البيولوجي والنفسي الذي خلقنا الله عليه ...
وتكون نتيجة مصادمة الفطرة وتجاهل التكوين النفسي والجسدي للمرأة وبالاً على المرأة وعلى المجتمع وسنة الله ماضية {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} .
الفصل الرابع
فروق أخرى
جسدية ونفسية
بين الذكر والأنثى
وللرجال عليهن درجة :(1/58)
إن الفروق الفسيولوجية ( الوظيفية ) والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تحصى وتعد .. فهي تبتدئ بالفروق على مستوى الصبغيات ( الجسيمات الملونة أو الكروموسومات ) التي تتحكم في الوراثة .. والتي تدق وتدق حتى أن ثخانتها تقاس بالأنجستروم ( واحد على بليون من الملميتر ) .. وترتفع إلى مستوى الخلايا وكل خلية في جسم الإنسان توضح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة .. تتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نطفة الذكر ( الحيوانات المنوية ) ونطفة المرأة ( البويضة ) .. ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العضلات ... وتتجلى بوضوح في اختلاف الأجهزة المختلفة من العظام إلى العضلات ... وتتجلى بوضوح في اختلاف الأجهزة التناسلية بين الذكر والأنثى ... ولا تقتصر الفروق على الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم .. ولكنها تدق وتدق في بعض الأجهزة وتتضح وتَتضح في أخرى .. وجهاز الغدد الصماء هو أحد الأجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون ... فهرمونات الذكورة تختلف عن هرمونات الأنوثة في تأثيرها اختلافاً كبيراً رغم أن الفرق الكيماوي بسيط ويتمثل في زيادة ذرة من الكربون وثلاثة ذرات من الهيدروجين CH3 إلى التركيب الجزئي Molecular Structure في هرمون الأنوثة ...
وهذه ملاحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريم { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }.
فهرمون الذكورة يساوي هرمون الأنوثة + ( مجموعة مثيلية ) وكذلك الجهاز التناسلي للرجل يساوي الجهاز التناسلي للمرأة + أعضاء إضافية .(1/59)
وفي أثناء تكوين الجنين في مراحله الأولى يكون جنين الذكر مشابهاً في أول الأمر لجنين الأنثى ويصعب التفريق بينهما إلا على مستوى الصبغيات ( الكروموسومات ) .. ولكن سرعان ما تتميز منطقة في المخ تدعى تحت المهاد Hypothalamus لدى الجنين الذكر عن مثيله الجنين الأنثى .. وهذه الإضافة والزيادة في مخ جنين الذكر تؤدي إلى الفروق الهائلة فيما بعد بين الجهاز التناسلي للذكر والجهاز التناسلي للأنثى .. كما يؤدي إلى الفروق الهائلة بين غدد الذكر الصماء وغدد الأنثى .. وتؤثر هذه الغدد على مختلف أنشطة الجسم وعلى هيكله أيضاً .. ومن ثم يختلف بناء هيكل الذكر عن بناء هيكل الأنثى كما تختلف الوظائف تبعاً لذلك .. والسبب في تمايز منطقة تحت المهاد من المخ بين جنين الذكر وجنين الأنثى هو هرمون التستسرون الذي تفرزه مشيمة الجنين الذكر .. ثم تنمو الغدة التناسلية وتؤثر بالتالي على المنطقة المخية تحت المهاد ))(20) .
ومن الغريب حقاً أن هيكل البناء يصمم أساساً على هيكل الأنثى فإذا وجد صبغ الذكورة ( كروموسوم الذكورة ) فإنه يضيف إلى ذلك الكيان إضافات تجعل النهاية ذكراً . أما إذا اختفى هذا الكروموسوم الهام من تركيب البويضة الملقحة كما يحصل في بعض الحالات النادرة التي ترينا قدرة المولى عز وجل فإن النتيجة النهائية هي جسم امرأة وإن كانت ناقصة التكوين ففي حالة ترنر Turner Syndrome فإن البويضة الملقحة تحتوي فقط على كروموسوم X فلا هي أنثى محتوية على XX ولا ذكر محتوية على XY .. فماذا تكون النتيجة ؟
تكون النتيجة أنثى غير أنها لا تحيض ولا تحبل ولا تلد ... أما إذا كانت نتيجة التلقيح مثلاً XXY كما يحصل في حالة كلينفلتر Kleinfelter Syndrome فإن الطفل المولود يكون ذكراً رغم وجود صبغيات الأنوثة بصورة كاملة .. وإن كان ذكراً ضعيف الهمة بارد الشهوة خائر العزيمة ... وذلك لتراكم صبغ الأنوثة فيه ..(1/60)
أما إذا زاد صبغ الذكورة في البويضة الملقحة وصار حاصلها الكروموسومي XYY أي أن بها صبغين ( كروموسومين ) كاملين من أصباغ الذكورة فإن النتيجة تكون ذكراً قوي الشكيمة شديد البأس كثير العدوان .. حتى أن الفحوصات التي أجريت لأعتى المجرمين في السجون وأشدهم بأساً وإقداماً أظهرت أن كثيراً منهم كانوا ممن لديهم زيادة في صبغ ( كروموسوم ) الذكورة !! .
ولعله لو فحص الرجال المشهورون في التاريخ بزيادة الشجاعة والإقدام والرجولة والخشونة لربما وجدنا أن ذلك مرجعه في كثير من الحالات إلى زيادة صبغ الذكورة Y لدى هؤلاء الموصوفين بزيادة جرأتهم وإقدامهم سواء كان ذلك في مجال الخير أو في مجال الشر .
والفرق بين رجل وآخر من حيث الإقدام وصفات الرجولة يرجع في بعض الأحيان إلى زيادة هرمون الرجولة لدى هذا وقلته النسبية لدى ذاك .
ونظرة إلى المخصيين الذين تم خصيهم قبل البلوغ ترينا كيف تتحول رجولتهم إلى الأنوثة .... ولا ينبت شعر عذارى المخصي وذقنه وشاربه ... ويتوزع الدهن بنفس الطريقة التي يتوزع فيها في الأنثى .. أي في الأرداف والعجز ... وتلين عظامه وترق .. ويبقى صوته رخيماً على نبرة الطفولة دون أن تصيبه غلظة الرجولة وخشونتها .
أما أولئك الذين أخصوا بعد البلوغ فإن علامات الرجولة سرعان ما تندثر ويسقط شعر الذقن والشارب ولا يعود إلى النمو ثانية . وتبدأ العضلات في الترهل .. كما تبدأ الصفات الأنثوية البدنية والنفسية في الظهور لأول مرة ..
الأبحاث العلمية الحديثة تفضح دعوى التماثل الفكري بين الجنسين :
وفي مقال نشرته مجلة الريدرز دايجست الواسعة الانتشار في عدد ديسمبر 1979 تحت عنوان (( لماذا يفكر الأولاد تفكيراً مختلفاً عن البنات )) وهو ملخص لكتاب (( الدماغ : آخر الحدود )) للدكتور ريتشارد ديستاك The Brain :The Last Frontier جاء ما يلي :(1/61)
(( إن الصبيان يفكرون بطريقة مغايرة لتفكير البنات رغم أن هذه الحقيقة الناصعة ستصدم أنصار المرأة والداعين إلى المساواة التامة بين الجنسين .. ولكن المساواة الاجتماعية في رأينا تعتمد على معرفة الفروق في كيفية السلوك ومعرفة الفروق بين مخ الفتى ومخ الفتاة .
وفي الوقت الحاضر فإن الفروق بين الأولاد والبنات التي لاحظها الآباء والمعلمون والباحثون على مدار السنين تتجاهل تجاهلاً تاماً ويقدم للطلبة والطالبات منهج دارسي متماثل .
إن طرق التدريس في المدارس الابتدائية تلائم البنات أكثر مما تلائم الأولاد ولذا فهم يعانون في هذه المرحلة .. أما في المراحل التي تليها حتى الجامعة فهي تلائم الفتيان أكثر مما تلائم الفتيات ...
ويعتقد الباحثون الاجتماعيون أن الاختلاف في سلوك الأولاد عن البنات راجع إلى التوجيه والتربية في البيت والمدرسة والمجتمع التي ترى أن الولد يجب أن يكون مقداماً كثير الحركة بل وتقبل منه أي سلوك عدواني بهز الكتفين بينما ترى في الفتاة أن تكون رقيقة هادئة لطيفة .
ولكن الأبحاث العلمية تبين أن الاختلاف بين الجنسين ليس عائداً فحسب إلى النشأة والتربية وإنما يعود أيضاً إلى اختلاف التركيب البيوليجي وإلى اختلاف تكوين المخ لدى الفتى عن الفتاة .
وحتى لو حاول الداعون إلى المساواة المطلقة بين الفتى والفتاة أن ينشئوهما على نفس المنهج حتى لتعطى لعب المسدسات وآلات الحرب للفتيات وتعطى العرائس للأولاد فإن الفروق البيولوجية العميقة الجذور ستقرض نفسها وتؤدي إلى السلوك المغاير بين الفتى والفتاة .
ولقد أدرك العلماء والباحثون عمق هذه الفروق فوجدوا أن الطفل الرضيع يختلف في سلوكه على حسب جنسه .. فالبنت بعد ولادتها بأيام تنتبه إلى الأصوات وخاصة صوت الأم بينما الولد لا يكترث لذلك .. ولهذا فإن الرضيعة يمكن إخافتها بإحداث صوت مفاجئ بأكثر مما يمكن إخافة أخيها ..(1/62)
وتقول الدراسة أن الطفلة تستطيع في الشهر الخامس أن تميز بسهولة بين الصور المعهودة لديها .. وتبدأ الطفلة محاولة الكلام والمناغاة من الشهر الخامس إلى الثامن بينما يفشل أخوها في التفريق بين وجه إنسان ووجه لعبة .. وتبدأ الطفلة في الحديث عادة قبل أخيها .. وتتمكن من تعلم اللغات في الغالب أكثر من أخيها .
ويظهر الأولاد تفوقاً كبيراً على البنات في الأمور البصرية وفي الأشياء التي تتطلب توازناً كاملاً في الجسم .. ويقوم الطفل الذكر بالاستجابة السريعة لأي جسم متحرك أو لأي ضوء غماز كما أنه ينتبه إلى الأشكال الهندسية بسرعة أكبر من أخته وله قدرة فائقة على محاولة التعرف عليها وتفكيكها ..
وفي سن الصبا فإن الأولاد يتوقون إلى التعرف على بيئاتهم وينتقلون بكثرة من مكان إلى آخر لاكتشافها بينما تميل البنات إلى البقاء في أماكنهن ..
ويستطيع الأولاد التصرف بمهارة أكبر في كل ما يتعلق بالأشكال الهندسية وفي كل ماله اتجاهات ثلاثية ((Three Dimensional objects)) وعندما يطلب من الولد أن يكون شكلاً معيناً من ورق مقوى مثلاً فإنه يتفوق على أخته في ذلك تفوقاً كبيراً .
وما يعتبر اكتشافاً مذهلاً هو أن تخزين القدرات والمعلومات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت .. ففي الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكان مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتاة ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تخصصاً من مخ أخته .
ولعل هذه الحقائق المكتشفة حديثاً تفسر ولو جزئياً لماذا نرى أغلب المهندسين المعماريين من الذكور دون الأناث .. وقد كان أول من اكتشف هذه الحقيقة الباحث النفسي لانسدل من المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة عام 1962 ثم أكد هذه الأبحاث كثيرون منهم أستاذة علم النفس في جامعة مكماستر بكندا الدكتورة ساندرا ويلسون .(1/63)
ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء ترينا تساوياً بين الفتى والفتاة ما عدا فحصين منهما .. وهما فحص ترتيب الصور والفراغات بين الأصابع Picture arrang- ment and digital span فإنهما يريانا تفوقاً كبيراً في صالح الأولاد على البنات . ولهذا فإن فحص الذكاء في مجموعة يؤدي دائماً إلى تفوق الأولاد على البنات .
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا البروفسور توراناس (( إن المساواة بين الجنسين تشكل عقبة كأداء في القدرات الخلاقة . فالقدرات الخلاقة لدى الفتاة تحتاج إلى الحساسية والصفات الأنثوية بينما تحتاج في الفتى إلى الاستقلالية وصفات الرجولة )) .
وتقول الدراسة أن أغلب الأولاد يميلون إلى كثرة الحركة وشيء من العنف بينما تميل أكثر الفتيات إلى السكينة والهدوء وقلة الحركة .
إن هذه الدراسات إحصائية وتتحدث عن الجنسين على صورة العموم ولكنها ليست شخصية أي أنها لا تتحدث عن هذا الشخص أو ذاك وإنما تتحدث عن المجموع والصبغة الغالبة ..
وإمكان أن يشذ فرد من هذا الجنس أو ذاك عن القاعدة أمر لا يلغي القاعدة في ذاتها .
وعلينا أن لا نتجاهل الحقائق العلمية البيولجية فنحاول أن نجعل تربية الفتى مماثلة لتربية الفتاة ودور الفتى في الحياة مماثلاً لدور الفتاة لأننا فقط نرغب في ذلك .. فهذا التفكير المبني على الرغبات Wishful Thinking يصادم الحقائق العلمية )) .
أ.هـ مقال الريدرز دايجست
وقد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة وأن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة .
وتقول الأبحاث أن المقدرة العقلية والذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ووزن المخ وعدد التلافيف الموجودة فيه .
فالإنسان يعتبر صاحب أكبر دماغ بين جميع الحيوانات بالمقارنة مع حجم ووزن جسمه .. وتلافيف مخه أكثر بكثير مما هي عليه في أي من الحيوانات الدنيا أو العليا .(1/64)
وقد يقال إن وزن وحجم المخ يعتمد على وزن وحجم الشخص وهذا صحيح فإن مخ الفيل أكبر من مخ الإنسان ولكن مخ الفيل بالنسبة لوزنه وحجمه ضئيل جداً .. وأما مخ الإنسان فإنه كبير بالقياس إلى جسمه ومقارنته ببقية الحيوانات .
وحتى لو أخذنا هذه الحقيقة في الحسبان فإن دماغ الرجل سيظل أكبر وأثقل وأكثر تلافيفاً من دماغ المرأة .
ويزيد مخ الرجل في المتوسط عن المرأة بمقدار مائة جرام .. كما يزيد حجمه بمعدل مائتي سنتيمتر مكعب . ونسبة وزن مخ الرجل إلى جسمه هي 40/1 بينما نسبة مخ المرأة إلى جسمها تبلغ 44/1 فحسب .
ولعل في هذا دليلاً على ما ورد في الحديث النبوي الشريف من نقصان عقل المرأة بالنسبة للرجل .
وجعل الله سبحانه شهادة المرأتين مساوية لشهادة رجل واحد {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (البقرة: من الآية282)
هذه الفروق كلها تؤكد إعجاز الآية {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } وليست الدرجة مقتصرة فقط على التركيب البيولوجي ولكنها أيضاً تشمل التركيب النفسي.. والقدرات العقلية والكلامية.. والفنية{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} .(1/65)
فإذا نظرت في التاريخ وجدت النابغين في كل فرع من فروع المعرفة والاختراع والحياة من الرجال لا يكاد يحصيهم محصي .. بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالات المعرفة أو الاختراع محدودات معدودات وتستطيع أن تذكر المئات من الرجال في كل فن من فنون المعرفة .. وفي قيادة الجيوش وفي الاختراعات وفي الصناعة وفي المال والاقتصاد .. ولكنه سيعسر عليك أن تعد العشرات من النساء في أي فن من هذه الفنون المختلفة من المعارف الإنسانية والصناعات والاختراعات .. وتستطيع أن تعد عشرات الأنبياء والمرسلين وهم صفوة البشر .. ولكنك لا تستطيع أن تجد واحدة تتصف بصفات النبوة والرسالة .. رغم عظم بعض هؤلاء النساء من أمهات الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم ... فمريم العذراء سيدة النساء في زمانها ... وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين .. لا يضارعهن أحد من النساء .. ونعال الواحدة منهن خير من آلاف الرجال .. لكن الحقيقة تبقى بعد ذلك أنه لم ترق واحدة منهن إلى مصاف النبوة ...
وليس هذا قدحاً في المرأة ... فإن أعظم العباقرة يتصاغر أمام أبسط الأمهات .. ولا يستطيع أعظم قادة الدنيا من الرجال أن يفعل ما تفعله أبسط النساء وأجهلهن .. أنه لا يستطيع أن ينجب طفلاً ويحمله في بطنه تسعة أشهر كما أنه لا يمكنه إرضاعه وتربيته مهما كان له من العبقرية والنبوغ !!
فوظيفة الأمومة لا يستطيع أن يقوم بها أي رجل مهما كان حظه عظيماً من النبوغ .. ووظيفة الأمومة تتصاغر أمامها كل الوظائف الأخرى .. حتى يجعل الرسول الكريم الجنة تحت أقدامها (( الجنة تحت أقدام الأمهات )) ويوصي أصحابه وأمته برعاية الأم بأضعاف أضعاف ما يوجبه للأب .. فعندما سئل المصطفى صلوات الله عليه من أحد أصحابه : من أحق الناس بحسن صحبني وبري قال المصطفى (( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك فأدناك )) .(1/66)
وركز القرآن الكريم على بر الوالدين وحث عليهما أيما حث وخص الأم بزيادة ذكر ليبين مزيد فضلها .
قال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } (لقمان: من الآية14) .
وقال عز وجل من قائل {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } (الاحقاف: من الآية15) .
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً** وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (الاسراء:24) .
ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل (( وللرجال عليهن درجة )) (( فليست شواهد التاريخ الحاضر المستفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تقيم الفارق بين الجنسين . إذ لا شك أن طبيعة الجنس أدل من الشواهد التاريخية والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اختص بها الذكور من نوع الإنسان إن لم نقل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القوامة .. فكل ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل التركيب يدل على أنه علاقة بين جنس يريد وجنس يتقبل وبين رغبة داعية ورغبة مستجيبة تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوانات التي تملك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتاً من الأوقات .
وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والأناث لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة ولا بالعراك للغلبة على الجنس الآخر ..(1/67)
وليس هذا مما يرجع في أصوله إلى الحياء الذي تفرضه المجتمعات الدينية ويزكيه واجب الدين والأخلاق بل يشاهد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثه حيث لا يعرف حياء الأدب والدين . فلا تقدم الأناث على طلب الذكور بل تتعرض لها لتراها وتتبعها وتسيطر عليها باختيارها ولا تزال الأنثى بموقف المنتظر لنتيجة العراك عليها بين الذكور ليظفر بها أقدرها على انتزاعها .
وأدل من ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أن الاغتصاب إذا حصل إنما يحصل من الذكور للأنثى ولا يتأتى أن يكون هناك اغتصاب جسدي من أنثى لذكر .. وأن غلبة الشهوة الجنسية تنتهي بالرجل إلى الضراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغشية ... وأعمق من ذلك في الإبانة عن طبيعة الجنس أن عوارض الأنوثة تكاد تكون سلبية متلقية في العلامات التي يسمونها بالعلامات الثانوية فإذا ضعفت هرمونات الذكورة وقلت إفرازاتها بقيت بعدها صفات الأنوثة غالبة على الكائن الحي كائناً ما كان جنسه ( وذلك ما هو مشاهد عند اخصاء الذكور فتظهر الصفات الأنثوية وتضمحل صفات الذكورة ) .. ولكن صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعفت هرمونات الأنوثة .. إنما يظهر منها ما كان يعوقه عائق عن الظهور .
ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد لا تنتهي بمناولته الثدي وإرضاعه .. ولابد معها من تعهد دائم ومجاوبة شعورية تستدعي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه ..وبين فهمها وفهمه ومدارج حسه وعطفه .. وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيراً في أطوار حياتها من صباها الباكر إلى شيخوختها العالية فلا تخلو من مشابهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل والمجافاة وفي حب الولاية والحدب ممن يعاملها ولو كان في مثل سنها أو سن أبنائها ..(1/68)
وليس هذا الخلق مما تصطنعه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت حضانة الأطفال تتمة للرضاع تقترن فيها أدواته النفسية بأدواته الجسدية ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتعهد الأطفال الصغار أصل من أصول اللين الأنثوي الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحس والاستجابة للعاطفة .. ويصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكيم العقل وتقليب الرأي وصلابة العزيمة ... فهما ولا شك مختلفان في هذا المزاج اختلافاً لا سبيل إلى الممارة فيه )) .
تتعرض المرأة وتنتظر والرجل يطلب ويسعى والتعرض هو الخطوة الأولى في طريق الإغراء فإن لم يكف فوراءه الإغواء بالتنبيه والحلية والتوسل بالزينة والإيماء . وكل أولئك معناه تحريك إرادة الآخرين والانتظار )) .
((فإرادة المرأة تتحقق بأمرين : النجاح في أن تراد والقدرة على الانتظار . ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية على الأقل إن لم نقل في جميع الشؤون )) .
(( فالإغواء كاف للأنثى ولا حاجة بها إلى الإرادة القاسرة بل من العبث تزويدها بالإرادة التي تغلب بها الذكر عنوة لأنها متى حملت كانت هذه الإرادة مضيعة طوال فترة الحمل بغير جدوى على حين أن الذكور قادرون إذا أدوا مطلب النوع مرة أن يؤدوه مرات بلا عائق من التركيب والتكوين .. وليس هذا في حالة الأنثى بميسور على وجه من الوجوه )) .
(( وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ولا تعتز المرأة بأن تريده لأن الإغواء هو محور المحاسن في النساء والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال . ولذا زودت الطبيعة المرأة بعدة الإغواء وعوضتها عن عدة الغلبة والعزيمة . بل جعلتها حين تُغلب هي الغالبة في تحقيق مشيئة الجنسين على السواء )) .
أ.هـ . كلام الأستاذ العقاد .(1/69)
والفروق بين الذكر والأنثى تتجلى في الجنين من الشهر الرابع حيث تتميز أعضاء الذكورة وأعضاء الأنوثة .. وحيث يكون المخ ومنطقة (( تحت المهاد )) قد تميزت كاملاً بين الجنين الذكر والجنين الأنثى.
وقد لاحظ العلماء والأطباء والمربون الاختلاف الشاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك شقيقته الأنثى ولو كانا توأمين .. فالصبي عادة أكثر عنفاً ونشاطاً وإدراكاً من أخته .
وتشكو الأمهات في العادة من نشاط أولادهن الزائدة وما يسببونه لهن من متاعب وتحطيم في أثاث المنزل بينما البنات في العادة هادئات ...
وتميل الصغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تسريحهن والعناية بهن ويقمن تلقائياً بدور الأم بينما يصعب على الصبي فعل ذلك وسرعان ما يلوي رقبة العروسة إن أعطيت له ويمزقها لينظر ما في أحشائها ؟
ويعرف الآباء والأمهات الذين رزقهم الله ذرية من الأولاد والبنات الفروق الشاسعة بين أطفالهم .. وتقف البنت الصغيرة أمام المرآة وتتدلل تلقائياً .. وكثيراً ما كنت أسمع من بناتي وهن لم يجاوزن بعد سن الثالثة عند لبسها ثوباً جديداً واستعدادها للخروج مع أمها : يا بابا شوف الجمال !! .. أو يا بابا إيه رأيك في الفستان الجميل ده (( أو بابا شوف التسريحة الحلوة دي )) .
ولم يخطر ببال الصبي أن يفعل مثل ذلك بل هو مشغول منذ طفولته الباكرة باللعب بالكرة أو بتفكيك الألعاب التي تهدى له ليعرف ما بداخلها .(1/70)
وتستمر الفروق تنمو يوماً بعد يوم حتى تبلغ أوج اختلافها عند البلوغ عندما تستيقظ الغدد التناسلية من هجعتها الطويلة وتنشط فترسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليصبح رجلاً فينمو شعر عذاريه وذقنه وشاربه ويصبح صوته أجش غليظاً .. وتنمو عضلاته وعظامه وتقوى .. ويتوزع الدهن في جسمه توزيعاً عادلاً .. ويكون عريض المنكبين قوي الساعدين مفتول الذراعين .. أما الفتاة فتنهمر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو اثداؤها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض .. ويتوزع الدهن في جسمها بحيث يخفي أي نتوء أو حفرة لا ترتاح لها العين .. ويزداد الدهن في اردافها وعجزها .. وينعم صوتها ويصير رخيماً .. ليس هذا فحسب ولكن الهرمونات تؤثر في السلوك كما تؤثر في القوام والمشية فتجعل الفتى مقداماً محباً للمغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخفر والحياء ميالة إلى الدلال والتغنج .
وهي فروق تظهر في الحيوان المنوي والبويضة كما تظهر في الفتاة اليافعة والشاب الذي طر شاربه .
وظائف المرأة الفيسيولوجية تعوقها عن العمل خارج المنزل :
وإذا نظرنا فقط إلى ما يعتري المرأة في الحيض والحمل والولادة لعرفنا أن خروجها إلى مجال العمل إنما هو تعطيل للعمل ذاته .. كما أنه مصادم لفطرتها وتكوينها البيولوجي الذي لا مندوحة عنه ..
(أ) المحيض :
إن أنثى الإنسان .. والثدييات العليا مثل القردة والأورانج والشمبانزي هي التي تحيض ولها دورة رحمية كاملة .. أما بقية الحيوانات فلا تحيض إناثها رغم ما يشاع عن حيض الأرنب والضبع والخفاش .. فهذه جميعاً لا تحيض وإن كانت تنزل دماً من أرحامهاً عند اهتياجها الجنسي الشديد .(1/71)
وللحيوانات جميعها فترة محدودة للنشاط الجنسي وعادة ما يكون في فصل الربيع بينما النشاط الجنسي للإنسان متصل على مدار العام .. ولا تفرز الأناث من هذه الحيوانات بويضاتها إلا في فترة محدودة من العام بينما تفرز المرأة بويضة مرة في كل شهر منذ البلوغ إلى سن اليأس .. أي خلال ما يزيد عن ثلاثين عاماً كاملة .. وهي طوال هذه المدة معرضة للحيض في كل شهر إلا إذا وقع الحمل وتتعرض المرأة في أثناء الحيض لآلام ومعانات نلخصها فيما يلي :
1) تصاب أكثر النساء بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن .. وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يستدعي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المسكنة للألم .
2) تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته .. وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة الاحتمال .. كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها .
3) تصاب بعض النساء بالصداع النصفي ( الشقيقة ) قرب بداية الحيض .. وتكون الآلام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء .
4) تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض .. وتميل كثير من النساء في فترة الحيض إلى العزلة والسكينة . وهذا أمر طبيعي وفسيولوجي إذ أن فترة الحيض هي فترة نزيف دموي من قعر الرحم .. وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالة شبه مرضية .
5) فقر الدم (الأنيميا ) الذي ينتج عن النزيف الشهري إذ تفقد المرأة كمية من الدم في أثناء حيضها .. وتختلف الكمية من امرأة إلى أخرى وقد قيست كمية الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فوجد ما بين أوقتين (60ميليليتر ) وثمان أوقيات ( مائتين وأربعين ميليلتر )
6) تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجة مئوية كاملة .. وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تكف في جسم الكائن الحي تكون في أدنى مستوياتها أثناء الحيض .(1/72)
وتسمى هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب Metabolism ويقل إنتاج الطاقة كما تقل عمليات التمثيل الغذائي .. وتقل كمية استقلاب المواد النشوية والدهون والبروتين ..
7) تصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض .
8) نتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض وينخفض ضغط الدم وتصاب كثير من النساء بالشعور بالدوخة والكسل والفتور أثناء فترة الحيض ..
ومن المعلوم أن الأعمال المجهدة والخروج خارج المنزل ومواجهة صعاب الحياة تحتاج إلى أعلى قدر من القوة والنشاط والطاقة .. فكيف يتأتى للمرأة ذلك وهي تواجه كل شهر هذه التغييرات الفيسيولوجية الطبيعية التي تجعلها شبه مريضة .. وفي أدنى حالاتها الجسدية والفكرية ..
ولو أصيب رجل بنزف يفقد فيه ربع لتر من دمه لولول ودعا بالويل والثبور وعظائم الأمور وطلب إجازة من عمله .. فكيف بالمسكينة التي تنزف كل شهر ولا يتلفت إليها أحد ..
وانظر إلى أثار رحمة الله بالمرأة ... كيف خفف عنها واجباتها أثناء الحيض فأعفاها من الصلاة ولم يطالبها بقضائها.. وأعفاها من الصوم وطالبها القضاء في أيام آخر وأعفاها من الاتصال جنسياً بزوجها واخبرها وأخبر زوجها بأن الحيض أذى وطلب منهما أن يعتزل كل منهما الآخر في الحيض قال تعالى : {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.. (21)
(ب) الحمل :
لا تكاد الفتاة تتزوج حتى تنتظر اليوم الذي تحمل فيه بفارغ الصبر وتكاد تطير فرحاً عندما تعلم بأنها حامل لأول مرة ومع هذه السعادة الغامرة تبدأ الآلام والأوجاع والوهن ..(1/73)
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14) .
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} (الاحقاف: من الآية15) .
ينقلب كيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الحمل بالغثيان والقيء .. وكثيراً ما يكون ذلك شديداً وخاصة في الأشهر الأولى من الحمل .. وتعطي الأم جنينها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهضومة جاهزة حتى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها .. بل أن الأمر أبعد من ذلك .. فإن الجنين يحصل على حاجاته من دم الأم ولو اضطرت الأم المسكينة أن تعطيه ما يحتاج إليه من عظامها .. حتى لتصاب بلين العظام وتسوس الأسنان من جراء سحب الجنين للكالسيوم وفيتامين (( د )) من دم الأم وعظامها .
كما أن معظم الأمهات يصبن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النصف الثاني من مدة الحمل .. وذلك لانتقال المواد الهامة لصنع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكن خزنها في جسم الأم .
وفقر الدم ( الأنيميا ) ينهك الأم وإذا زادت درجته فإنه يؤدي إلى هبوط القلب .
ليس هذا فحسب ولكن الجنين يسحب كل ما يحتاج إليه من مواد لبناء جسمه ونموه حتى ولو ترك الأم شبحاً هزيلاً .. يعاني من لين العظام ونقص الفيتامينات الدم .. وهي تفعل ذلك راضية مختارة .. كما تقوم الأم بأخذ جميع المواد السامة التي يفرزها جسم الجنين وتطردها بدلاً عنه ..
ولا تكتفي الأم بكل هذا بل تعطي جنينها مواد المناعة ضد الأمراض وتمنع عنه المشيمة كل ما يضره من مواد موجودة في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما إنها تصد عنه دخول الميكروبات إلا فيما ندر .(1/74)
وفي الحمل يتحمل القلب أضعاف أًضعاف ما يتحمله قبيل الحمل .. فإن عليه أن يقوم بدورتين دمويتين كاملتين . دورة للأم ودورة للجنين ويتحمل تبعات هاتين الدورتين .. وتزداد كمية الدم التي يضخها قلب الأم إلى ما يزيد عن ضعفي ما يضخه يومياً ( يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً .أما في أثناء الحمل وخاصة قرب نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15,000لتر يومياً ) .
وتزداد سرعة القلب ونبضاته .. ويكبر حجمه قليلاً .. وبامتلاء البطن ونمو الجنين يضغط الحجاب الحاجز على القلب والرئتين فيصبح التنفس أكثر صعوبة وتشكو الحامل من ضيق التنفس والنهجان(22) وخاصة عندما تستلقي على ظهرها ..
ويضغط الرحم على الأوردة العائدة من الساقين فتمتلئ هذه الأخيرة بالدماء وتنتفخ مسببة دوالي الساقين .. كما تتورم القدمان قليلاً في أواخر الحمل ..
ويصاب الجهاز الهضمي من أول الحمل فيكثر القيء وقلة الشهية والغثيان .. ثم بعد ذلك تزداد الحرقة واللذع والتهابات المعدة .. كما تصاب الحامل في العادة بالإمساك وتضطرب الغدد الصماء في وظائفها .. وتصاب بعض النساء بتورم الغدد الدرقية أثناء الحمل نتيجة نقص اليود .
كل هذه التغييرات وأكثر منها تحصل في الحمل الطبيعي ..
وفي كثير من الأحيان يضاف إلى هذه المتاعب التهابات المجاري البولية التي تزداد زيادة كبيرة أثناء الحمل ..مما يؤدي إلى فقدان البروتين (الزلال) من البول وتورم الأرجل والأقدام والوجه وارتفاع ضغط الدم ..
وهذا الأخير يعتبر أهم عامل في حدوث حالات تسمم الحمل الخطيرة .. لذا فإن على الحامل أن تعرض نفسها على الطبيب مرة كل شهر لمتابعة حالتها وفي أشهر الحمل الأخيرة ينبغي أن يراها الطبيب مرة كل أسبوعين ..(1/75)
ولن نتحدث عن الحمل التوائم ومضاعفاته ولا عن الحمل خارج الرحم وخطورته على حياة الأم .. ولا عن أمراض القلب وأمراض الكلى وتسمم الحمل فكل هذه لها مجال آخر .. ولكننا نشير فقط إلى ما تكابده الأم من مشاق أثناء الحمل الطبيعي .
وفي أثنا الحمل يزداد وزن الأم بمعدل كيلو جرام وربع كل شهر حتى إذا بلغ الحمل نهايته كانت الزيادة عشرة كيلو جرامات سبعة منها للجنين وأغشيته والمشيمة .. وثلاثة منها زيادة فعلية في وزن الحامل ..
ويقول مجموعة من أساتذة طب النساء والولادة في كتاب (( الحمل والولادة . والعقم عند الجنسين )) (( والطفل يعتبر كالنبات الطفيلي الذي يستمد كل ما يحتاج إليه من الشجرة التي يتعلق بها فهو يعيش ويأخذ غذاءه من الأم كاملاً مهما كانت حالتها أو ظروفها حتى لو تركها شبحاً )) .
وفي موضع آخر يقول (( يعتبر معظم الأطباء - وهذا صحيح- أن الجنين داخل الرحم متطفل على أمه لأن المواد الغذائية كالأحماض الأمينية والجلوكوز وكذا الفيتامينات والأملاح كالحديد والكالسيوم والفسفور وغيرها تنتقل من الأم إلى الجنين خلال المشيمة .. والمعروف إن طلبات الجنين تلبى بصفة الزامية حتى وأن كان هناك نقص في كل أو بعض هذه المواد الحيوية عند الأم )) .(1/76)
ولا تعاني الأم من كل هذه المصاعب الجسدية فحسب ولكن حالتها النفسية كذلك تضطرب أيما اضطراب فهي بين الخوف والرجاء .. الخوف من الحمل ومصاعبه والولادة ومتاعبها والرجاء والفرح بالمولود الجديد .. وتضطرب نفسيتها وتصاب في كثير من الأحيان بالقلق والكآبة .. وتقلب المزاج .. ويقول كتاب (( الحمل والولادة )) المشار إليه آنفاً (( تحتاج (الحامل ) إلى عناية شديدة من المحيطين بها في هذه الفترة بالذات . إذ تكون أكثر حساسية من أي فترة مضت سريعة التأثر والانفعال والميل إلى الهموم والحزن لأتفه الأسباب .. وذلك بسبب التغير الفيسيولوجي في كل أجزاء الجسم .. لذا يجب أن تحاط بجو من الحنان والبعد عن الأسباب التي تؤدي إلى تأثرها وانفعالها وخاصة من ناحية الزوج أو الذين يعيشون ويتعاملون معها )) ..
وقل لي بالله هل يمكن أن تحاط بجو من الحنان في المصنع أو المتجر أو في المكتب .. وصاحب العمل لا تهمه حالتها الفيسيولوجية ولا يعرف حاجتها البيولوجية إلى الحنان .. أنه يعرف فقط أن عليها أن تؤدي عملاً تأخذ مقابله راتباً مهما كانت ظروفها ..
وليس هو مسؤولا عن حملها .. ( وحتى لو كان هو المسؤول عن حملها فإنه لا يهتم لذلك في الغالب )، كما أنه لم يكن مسؤول عن حالتها أثناء الحيض ..
لا شك أن حالة الحيض المتكررة وحالات الحمل والولادة تتناقض ومصلحة العمل وخروجها إلى العمل لتنافس الرجال يصادم الفطرة .. ويسبب زيادة ملحوظة في أمراض الحيض .. كما يسبب زيادة ملحوظة في مضاعفات الحمل والولادة .. ودائما ما ينصح الأطباء الحوامل بالراحة واجتناب الإرهاق الجسدي والنفسي .. كما ينصحون زوج الحامل وأفراد أسرتها بأن يخففوا عنها ما استطاعوا وأن يعاملوها بالرفق والحنان وأن يحتملوا ما قد يبدر منها من جفاء أو سوء معاملة أو غلظة .. أو سوء خلق على غير عادتها وطبيعتها ..(1/77)
وفي الحديث أن المرأة قد خلقت من ضلع أعوج فإذا أردت أن تقيمها كسرتها .. ولكن عليك أن تستمتع بها على ما فيها من عوج ..(( وخيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) .
وصدق الله العظيم حيث يقول : {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ }.
وحيث يقول {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } .
فهي في وهن من أول الحمل إلى آخره .. وهي في الآم وأوجاع ومصاعب واوصاب من أول حمله إلى أن تضعه .. ثم تواجه بعد ذلك مشقة الرضاعة ومشقة التربية أفلا تكون بعد هذا كله جديرة بالتكريم والتوقير والاحترام .. وتوفير التفرغ الكامل لها لتؤدي هذه الوظائف العظيمة المنوطة بها .
ألا أنه الجهل المحض والكفر المقيت لدور الأم العظيم حينما يطلب منها أن تخرج من بيتها لتنافس الرجال بالمناكب والأقدام .
(ج) آلام الولادة :
أن آلام الطلق تفوق أي ألم آخر .. ومع هذا فلا تكاد المرأة تنتهي من ولادة حتى تستعد لولادة أخرى .. ولا يكاد الطفل يخرج إلى الدنيا ويلامس جسمه جسمها حتى يفتر ثغرها عن ابتسامة متعبة وهي تعطيه أول رضعة له من ثديها .
وفي الماضي كانت الولادة عملية شديدة الخطورة وتنتهي كثير من حالاتها بوفاة الأم أو وفاة الجنين أو وفاتهما معاً ..
كما كانت حمى النفاس منتشرة بين الوالدات .. والحمد لله فقد أمكن في العصور الحديثة خفض مضاعفات الولادة على الأم والجنين ولكن الطب لم يتمكن ولن يتمكن من إزالة جميع مخاطر الولادة .. ولا تزال مجموعة من النساء يلدن بالعملية القيصرية .. ومجموعة أخرى يلدن بالجفت .. كما أن مجموعة قليلة تفقد حياتها أثنا الولادة أو بسبب حمى النفاس أو تمزق الرحم ..(1/78)
أما الأمراض المزمنة الناتجة عن الحمل والولادة فلا تزال رغم التقدم الطبي الهائل ليست بالقليلة . وأمها أمراض الكلى وضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الجهاز التناسلي وأمراض الكبد .. كما أن الأمراض النفسية وحالات الكآبة تكثر أثناء الحمل وفي فترة النفاس ..
(د) فترة النفاس :
تبقى الأم في فترة النفاس أشبه بالمريضة .. وتعاني من الإرهاق بعد المجهود الشاق الذي بذلته أثناء الحمل والولادة .
ومن رحمة الله أن الرحم الذي كان يملأ تجويف البطن من عظم العانة إلى القص ينزل مباشرة بعد الولادة إلى مستوى السرة وينخفض مستواه تدريجياً بمعدل سنتيمترين يومياً .. وفي خلال ستة أسابيع يعود أدراجه إلى ما كان عليه قبل الحمل ....
ولك أن تتخيل حالة الرحم في نهاية الحمل وهو يتسع لأكثر من سبعة آلاف ميليلتر ليعود بعد نهاية النفاس إلى عضو لا يتسع لأكثر من ميليلترين فقط .. كما أن وزنه عند نهاية الحمل بمحتوياته تبلغ ستة آلاف جرام منها :
1000 جرام وزن الرحم ذاته .
3500 جرام وزن الجنين .
1000 جرام وزن السائل الامينوس المحيط بالجنين .
500 جرام وزن المشيمة .
أما في نهاية فترة النفاس فيعود الرحم إلى وزنه الطبيعي وهو خمسون جراماً وتعاني النفساء من صعوبة أثناء التبول وخاصة في الأيام الأولى عقب الولادة نتيجة لتسلخات جدار المهبل وفتحة الفرج ومجرى البول أثناء الولادة .. ولكن سرعان ما تزول هذه الآلام ..
وتنصح النفساء بعدم الإجهاد لأن عضلة القلب لا تتحمل أي مجهود شديد .. ولكن ليس معنى ذلك أن لا تتحرك النفساء بل أن حركتها الخفيفة مطلوبة لتنشيط الدورة الدموية وخاصة في الساقين .. ولكن الإجهاد ضار بالأم وقد تحصل حالات هبوط مفاجئ نتيجة استعجال الأم في الحركة الشديدة .(1/79)
والغريب حقاً أن الجيل السابق من الأمهات كن يحرصن على الراحة التامة أثناء فترة النفاس بدرجة مبالغ فيها .. أما الجيل الحالي فعلى نقيض ذلك يحرص على الحركة والإجهاد بصورة مزعجة .. ولا شك أن المغالاة في أحد الجانبين ليس في مصلحة النفساء .. وأن خير الأمور أوسطها .
وأخشى ما تخشاه النفساء هو حمى النفاس .. والحمد لله بفضل الله ثم بفضل التعقيم والمحافظة التامة على النظافة أثنا الولادة وقبلها وبعدها فإن حدوث هذه الحالات أصبح نادراً .. وكم من حياة يانعة أودت بها حمى النفاس في الماضي فقد كانت غولا بشعاً يغتال الوالدات .. وييتم الأطفال الرضع الذين هم أكثر ما يكونون حاجة لأمهاتهم .
(هـ) الرضاعة :
قرر الإسلام حق الطفل المولود في الرضاعة فقال تعالى :
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } .
كما قرر حق أمه في النفقة حتى ولو طلقت في أثناء الحمل فجعل نهاية عدتها أن تضع حملها {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وقال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى** لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} .(1/80)
في هذه الآيات الكريمة يقرر المولى تعالى حق الطفل في الرضاعة كما يقرر حق أمه في النفقة إذا أرضعته .. ويوجه الوالدين كليهما إلى أن يأتمرا ويتشاورا في أمر وليدهما .. رغم الجفوة والطلاق .. ويربط ذلك كله بتقوى الله ويرقق مشاعرهما .. ويطلب من الأب أن ينفق من سعته دون عنت ولا إرهاق ودون تقتير ولا بخل .. وإنما هي السماحة واليسر الندي في أمر هذا الدين كله ..
وبعد مضي أربعة عشر قرناً من نزول هذه الآيات الكريمة فإن الإنسانية لا تزال تخبط في الدياجير حتى اليوم .. ولا يزال الوليد والأم يعلنون أشد المعاناة حتى في عامنا هذا الذي أسموه عام الطفل (1979) .. ولا تزال المنظمات الدولية وهيئة الصحة العالمية تصدر البيان تلو البيان تنادي الأمهات أن يرضعن أولادهن .. ولا تزال الهيئات الطبية تصدر النشرات والمقالات حول جدوى الرضاعة من الأم وفوائدها التي لا تكاد تحصر(23) ..أما أن يفرض القانون الدولي للأم المرضع نفقة كاملة فأمر لم تصل إليه بعد حضارة القرن العشرين التعيسة .. بينما قد أمر الإسلام بذلك منذ أربعة عشر قرناً من الزمان . وفوائد الرضاعة للطفل والأم أكثر من أن تحصى ولكنا نوجزها هنا فيما يلي :
فوائد الرضاعة للوليد :
1. لبن الأم معقم جاهز .. وتقل بذلك النزلات المعوية المتكررة والالتهابات التي تصيب الأطفال الذين يرضعون من القارورة . وكذلك تقل الالتهابات التي تصيب الجهاز التنفسي وذلك بسبب وجود مواد مضادة للميكروبات في لبن الأم .(1/81)
2. لبن الأم لا يماثله أي لبن أخر محضر من الجاموس أو الأبقار أو الأغنام فهو قد صمم وركب ليفي بحاجات الطفل يوماً بيوم منذ ولادته وحتى يكبر إلى سن الفطام .. فتركيب اللبا وهو السائل الأصفر الذي يفرزه الثدي بعد الولادة مباشرة ولمدة ثلاثة أو أربعة أيام يحتوي على كميات مركزة من البروتينات المهضومة والمواد المحتوية على المضادات للميكروبات والجراثيم(24).. كما أنها تنقل جهاز المناعة ضد الأمراض من الأم إلى الطفل ..
3. يحتوي لبن الأم على كمية كافية من البروتين والسكر وبنسب تناسب الطفل تماماً .. بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنساني كما أن نوعية البروتينات والسكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضماً من تلك الموجودة في الألبان الأخرى .
4. تكثر لدى الأطفال الذين يرضعون من القارورة الوفيات المفاجئة التي تدعى ((Cot Death موت المهاد )) وهذا النوع من الوفيات لا يعرف لدى الأطفال الذين يلتقمون أثداء أمهاتهم .
5. نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة .
6. ينمو الطفل الذي يرضع من أمه نفسياً نمواً سليماً بينما تكثر الأمراض والعلل النفسية لدى أولئك الذين يرضعون من القارورة .
7. يتعرض الأطفال الذين يُرضعون بالألبان المجففة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجلدية بأنواع والربو وحساسية الجهاز الهضمي بالإضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يرضعون من الثدي لا يعانون من هذه الأمراض إلا نادراً .
الفوائد للأم :
1. الارتباط النفسي بين الأم وطفلها أثنا الرضاعة عامل مهم لنفسية الأم والطفل .
2. يعود جسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعة إذا قامت الأم بإرضاع وليدها .(1/82)
3. يعود الرحم بسرعة إلى حجمه ووضعه الطبيعي أثناء الرضاعة .. وذلك لأن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون الاكسوتوسن Oxytocine الذي يسرع بعودة الرحم إلى حالته الطبيعية ..
ولو ذلك لأصيب الرحم بالإنتان Sepsis والالتهابات المتكررة . كما أن ذلك مما يساعد على حصول حمى النفاس ..
مدة الرضاعة :
قرر الإسلام حق الوليد في الرضاعة وذكر أن كمال الرضاعة حولين كاملين قال تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } وقال تعالى :{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
وقال في موضع آخر {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } . ومنها استدل الأمام علي رضي الله عنه على أن أقل الحمل ستة أشهر . وهذا أيضاً ما يقرره الطب اليوم ..
وتطالب هيئة الصحة العالمية أن تتفرغ الأم لكل مولود ثلاثة أعوام كاملة لأهمية الأم في نموه النفسي والجسدي السليم .
وقد وجدت هيئة الصحة العالمية واليونيسف أن العالم الثالث يواجه أزمة حقيقية حيث أن الأمهات اتجهن نحو إلقام أطفالهن القارورة بدلاً من الثدي . ففي البرازيل كانت نسبة الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم 96 بالمئة سنة 1940 . وقد انخفضت إلى 40 بالمئة عام 1974 وفي تشيلي كانت النسبة 95 بالمئة سنة 1955 وقد انخفضت إلى 20 بالمئة فقط عام 82 . ونفس الظاهرة موجودة في بقية دول أمريكا اللاتينية وبقية دول العالم الثالث .. والغريب حقاً أن كلفة اللبن الصناعي لمدة أسبوع تستهلك أكثر من نصف دخل العامل في أوغندا ونيجيريا وجامايكا أو نصف أجر موظف صغير في إندونيسيا أو سيريلانكا ، والكاسب الوحيد هو الشركات الاحتكارية الغربية التي تكسب في عام آلفي مليون دولار من بيع الأغذية المصنعة للأطفال في دول العالم الثالث ..
وحقاً يبدو أن اسم (( قاتل الأطفال )) الذي أطلقته الصحة العالمية على هذه الشركات هو الاسم المناسب لها .(1/83)
ويحث الأطباء في كافة أصقاع الأرض الأمهات على أن يرضعن أولادهن لأطول مدة ممكنة .. وفي أغلب الأحوال لا تزيد هذه المدة عن ستة أشهر نتيجة للحياة النكدة التي يعيشها الإنسان في القرن العشرين .. بل لا تزال كثير من الأمهات يلقمن أولادهن القارورة بدلاً من إلقامهم أثداءهن .
والآن بعد أن رأيت الفروق الفيسيولوجية والتشريحية بين الرجل والمرأة وكيف أن المرأة مضطرة للبقاء في البيت وخاصة في فترة الحمل والولادة والرضاعة سيتأكد لك بما يدع مجالاً للشك بأن الدعوة إلى خروج المرأة إلى معترك الحياة وترك بيتها وأولادها وزوجها هي دعوة جاهلية وبعيدة كل البعد عمّا تقرره علوم البيولوجيا والطب .. وهي دعوة تصادم الفطرة مصادمة واضحة .. وتكون نتائجها وخيمة على الأم والطفل والأب والأسرة بل والمجتمع بأسره .
******************************************
الفصل الخامس
الجدوى الإقتصادية
لخروج المرأة
يؤكد المناصرون لخروج المرأة دعاواهم على الجدوى الاقتصادية لخروج المرأة من بيتها ومساهمتها كما يزعمون في رفع إنتاجية الوطن .. ويكثرون من السخرية والتشنيع بالمجتمعات الرجعية كما يسمونها حيث تبقى المرأة حبيسة بيتها .
وإذا بعدنا عن أسلوب المهاترات والدعاوى وكان بحثنا موضوعياً فإن علينا أولا أن نعرف كيف خرجت المرأة الأوروبية إلى ميدان العمل ؟ وما هي الدوافع لذلك ؟ ثم ننظر بعد ذلك في الجدوى الاقتصادية لخروج المرأة من بيتها إلى المكتب أو المصنع .
الخلفية التاريخية لخروج المرأة :
سنعرض هنا لخروج المرأة الأوروبية في العصور الحديثة ولن نتحدث عن أوضاع المرأة في الأمم الغابرة مثل اليونان والرومان والعرب والهنود وغيرهم من الأمم . ذلك لأن دعاة خروج المرأة إنما يتشبثون بما عليه المرأة الأوروبية اليوم ويريدون تقليدها ومحاكاتها ..(1/84)
ويعرف المثقفون عموماً والمؤمنون بنظرية التفسير المادي للتاريخ على وجه الخصوص أن المرأة الأوروبية قد خرجت إلى ميدان العمل عند تكون المجتمعات البورجوازية والرأسمالية وانهيار النظام الإقطاعي السائد آنذاك .
وقد ساعد على انهيار النظام الإقطاعي السائد آنذاك فساده وطغيانه حيث كان الإقطاعي يمتلك الأرض ومن عليها .. كما مهد لانهيار هذا النظام قيام الملكيات القوية في مختلف الأقاليم الأوروبية .. وبدأت معالم التغيير القوية تظهر عند اكتشاف الآلة البخارية وقيام الثورة الصناعية الكبرى ..
عندئذ هاجر آلاف بل ملايين القرويين والفلاحين من قراهم فارين من ملاكهم الإقطاعيين الذين كانوا يسيمونهم الخسف والهوان إلى المدن الكبرى حيث تلقفتهم المصانع الجديدة الباحثة عن العمال بواسطة السماسرة الذين كانوا يجلبونهم إلى الرأسماليين لقاء أجر خاص .. ( أطلق على هذه الفئة من السماسرة اسم الطبقة الكومبرادورية ) .
ولم تكن نتيجة هروب الفلاحين والقرويين إلى المصانع نعمة على أولئك البسطاء فقد فروا من عذاب الإقطاعي الظالم الغاشم ليقعوا في براثن الرأسمالي الجشع الذين يعطيهم الفتات مقابل ساعات طويلة من العمل .. كما أن أولئك السماسرة يقتطعون من ذلك الفتات عمولتهم .
وكانت حالة هؤلاء العمال بالغة السوء .. فهم يتكدسون في أماكن مدقعة الفقر سيئة التهوية بالغة القذارة .. وما يتلقونه من السيد الجديد لا يكاد يفي بحاجات الطعام البسيطة .. وانتشرت بينهم الأمراض الفتاكة .. وخاصة السل الرئوي .. الذي فتك بإعداد كبيرة منهم .. كما انتشر الطاعون على هيئة وباء فتاك عدة مرات .. وبلغ عدد ضحاياه في أوروبا في القرن الرابع عشر أكثر من خمسة وعشرين مليون .. كما انتشر مرة أخرى في القرن الثامن عشر .. وكان اسمه يثير الرعب في المدن الأوروبية وأطلقوا عليه اسم ( الموت الأسود ) ..(1/85)
ليس هذا فحسب ولكن هؤلاء القرويين السذج انقطعوا عن أسرهم في الأرياف ولم يستطيعوا أن يرسلوا لهم ما يكفل لهم العيش .. كما أنهم لم يستطيعوا إحضارهم ليعيشوا معهم في تلك المناطق البالغة السوء من حيث القذارة وعدم ملاءمتها للسكن .
وبقي النساء والأطفال ينتظرون أوبة رب الأسرة الذي ذهب إلى المدينة ليعولهم ويعود لهم بالرغد والعيش الوفير .. فلا الأب عاد ولا دريهماته وصلت .. وكثيراً ما كانت الأمراض الفتاكة تغتال رب الأسرة فإن لم يقع فريسة لها .. فإنه معرض للهلاك بالآلات الحديثة أو في مناجم الفحم .. فإن لم يكن هذا ولا ذاك فهو حبيس فقره لا يستطيع إلا أن يدور في دولاب الآلة تطحنه طحناً لقاء سد الرمق ..
ويوماً بعد يوم اضطر النساء والأطفال القابعون في الأرياف إلى الزحف على المدن بحثاً عن لقمة العيش بأي وسيلة وأي ثمن ..
ومرة أخرى تلقفتهم أيدي سماسرة الرأسماليين ليدفعوا بهم إلى أتون المصانع وبأقل من ربع أجر الرجل في بعض الأحيان .
كما راجت تجارة البغاء لعدة أسباب :
وأولها : العوز والفقر الشديد الذي حل بالأسر القادمة من الريف والتي أصبحت دون عائل .
وثانيها : بقاء آلاف بل ملايين العمال من الرجال دون زوجات ولابد من الاستجابة لنداء الغريزة الجنسية .. فإن لم يكن بالزواج فبالبغاء ..
وثالثها : وجود السماسرة المستفيدين من هذه التجارة الرابحة ..
واستفاد الرأسماليون فائدة هائلة من خروج المرأة للعمل حيث أنهم استطاعوا أن يواجهوا تجمعات العمال المطالبة بالنصفة ورفع الأجور .. واستغلوا خروج المرأة والأطفال من بيوتهم أبشع استغلال .. واضطروهم إلى العمل بابخس الأجور وكثيراً ما كانت المرأة تعمل بربع أجر الرجل .. وحتى يومنا هذا المسمى بعصر التحرر فإن المرأة لا تزال تقنع بنصف أجر الرجل رغم الدعاوى العريضة عن المساواة بين المرأة والرجل .(1/86)
وقد أثار استغلال المرأة والطفولة المشاعر الإنسانية لدى طائفة من المفكرين والأدباء فتكونت عندئذ الحركة الإنسانية Humanitarian Movement التي سعت بكل ثقلها الاجتماعي إلى إيقاف استغلال الرأسماليين للطبقة العاملة وعلى وجه الخصوص إلى إيقاف استغلال الطفولة .. وكان من أعلام هذه المدرسة الفكرية كتاب بارزون من أمثال تشارلز ديكنز الذي فضح في قصته المشهورة دافيد كوبرفيلد بشاعة النظام الرأسمالي الذي كان يستغل الأطفال استغلالاً بشعاً للعمل في مصانعة بأجر رمزي فقط .
ووجدت هذه الحركة تعاطفاً من مختلف قطاعات المجتمع واستطاعت أن تفرض القوانين التي تمنع تشغيل الأطفال(25).
ولم يبق حينئذ في الميدان إلا المرأة يمتص دماءها الرأسمالي بعد أن تحطم نظام الأسرة الذي كانت تتمتع فيه بالحماية والرعاية من زوجها رغم الظلم الذي كان يقع على كاهل الأسرة بكاملها من سادتها الإقطاعيين .
ونتيجة لتحطم نظام الأسرة .. وبقاء الرجل دون زوجة أو أطفال .. وخروج المرأة للعمل حتى تكسب لقمة عيشها وبقاءها دون زوج أو أطفال .. وعدم قدرتها على تكوين أسر جديدة نتيجة للفقر المدقع والتمزق الاجتماعي الرهيب فإن الرغبات الجنسية الطبيعية لدى كل من الرجل والمرأة واجهت كبتا شديداً في أول الأمر وخاصة أن المعتقدات الدينية لدى العامة لم تزل قوية حتى ذلك العهد .(1/87)
وما كان من الفلاسفة والمنظرين اليهود إلا أن قاموا بحل هذه المعضلة .. واعتبار العلاقات الجنسية خارج نطاق الزوج أمراً لا غبار عليه .. بل هو أمر مرغوب فيه لأنه يزيل الكبت والعقد النفسية .. ولقد جاء في البروتوكول الثاني عشر من بروتوكولات حكماء صهيون : (( الأدب والصحافة هي أعظم قوتين تعليميتين خطيرتين . ولقد نشرنا في كل الدول الكبرى ذوات الزعامة أدبا مريضاً قذراً يقذي النفوس )) وجاء في موضع آخر من البروتوكلات (( لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء .. لاحظوا أن نجاح دارون وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل والأثر الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكرة الأممي الجوييم ( أي غير اليهودي ) سيكون واضحاً لنا على التأكيد )) .
وأقيم من أجل الوصول إلى هذه الغاية ثورة ثقافية كبرى .. اشترك فيها آلاف الكتاب والأدباء والفنانين .. ومجدوا الانحدار نحو مستنقع الرذيلة .. وألفت آلاف القصص وأقيمت آلاف المسرحيات والتمثيليات التي تشجع الرجال والنساء على البغاء .. واعتباره عملاً بطولياً رائعاً .. وخاصة أولئك النساء اللائي تبرعن بفروجهن للجنود في زمن الحرب .. وأقيمت لهم حفلات التكريم التي كان يحضرها رئيس الدولة .. كما أقيمت لهن التماثيل .
يقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتاب الحجاب :(1/88)
(( وجاءت الحرب العالمية الأولى فابتدعت بدعة البغاء المتطوع علاوة على البغاء التجاري المعروف وبلغ هذا النوع المبتكر للفحشاء من عظم الشأن أن أكرمت النساء المحبات للوطن اللاتي كن خدمن الأبطال المدافعين عن أرض فرنسا وولدن من جراء تلك الخدمة أولاداً لا يعرف أباؤهم . قلقين بلقب أمهات زمان الحرب War bad Mothers وأصبح تشجيعهن وأعالتهن فضيلة خلقية عند أولي الدعارة والفجور وعنيت الجرائد اليومية الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال الأعمال إليهن . وقامت بهذه الخدمة أكثر من غيرها الجريدتان المصورتان السيارتان فنتاسيو ((Fantasio)) ولا في باريزيان ((La Vie Parisenne)) حتى جاء عدد واحد من هذه الأخيرة يشتمل على 199 إعلاناً عن أمرهن )) .
وغلفت هذه القاذورات بورق السولفان والورق المذهب .. وأعطيت أريج الحب ونكهته : وتحدث فرويد عن العقد النفيسة الناتجة عن الكبت والحرمان واستمر الهراء حتى بلغ بفرويد أن يقول أن حب الفتى لأمه أنما هو حب جنسي بحت وحقيقته عقدة أوديب وأن حب الفتاة لأبيها ليس إلا حباً جنسياً محضاً وحقيقته عقدة اليكترا ..
ووجد هؤلاء المتفلسفون والمنظرون في الأساطير الإغريقية ملاذهم فكسوها ثوباً فضفاضاً كثير البريق واللمعان تحت مسميات ضخمة حتى يوهموا العوام وأنصاف المثقفين بأن تحت ذلك الهراء السخيف علم غزير .
ومُجّد هؤلاء الفساق ودعاة الرذيلة وأعطيت لهم أضخم الجوائز التشجيعية ليواصلوا إفساد الأخلاق .. وصورت المومسات على أنهن نجوم وكواكب يهتدى بها ويقتدى بأعمالها وفعالها ..(1/89)
ولهواة علم النفس الفرويدي نقول قد انكشف الزيف على لسان من تؤلهونهم وتتبعونهم فقد نشرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر 9 إبريل سنة 1979 تحقيقاً طويلاً عن علم النفس جاء فيه أن علم النفس الحديث وخاصة مدرسة فرويد الجنسية .. مدرسة صممها وروج لها اليهود في العالم أجمع وفي أمريكا على وجه الخصوص وأنها ليس لها أي مستند علمي حقيقي .. وأن تمسك الناس بها في الولايات المتحدة ليس إلا من قبيل التمسك بالعادات الضارة كالتدخين وشرب الخمور .. رغم أن الجميع يدركون الآن مضار هاتين العادتين .. وهكذا أصبح الحال بالنسبة لمدرسة فرويد وخاصة من يسمون بعلماء النفس فرغم أنهم يدركون زيفها وبطلانها إلا أن كثيراً منهم يستمر في اجترار هذا الزيف بحكم العادة حيناً وحكم المصلحة حيناً آخر !!
وخلاصة القول في خروج المرأة للعمل في أوروبا أنه جاء نتيجة لمخططات الرأسماليين اليهود الذين قاموا بتحطيم نظام الأسرة .. واستغلال الرجال أولاً فلما بدأ هؤلاء يتجمعون لأخذ بعض حقوقهم لجأوا إلى استغلال النساء والأطفال الذين دفع بهم العوز والمسغبة على براثن الرأسماليين .
ومنذ خروج المرأة في أوروبا . وهي تدور في الدوامة الرهيبة تلهث وراء لقمة العيش .. وتجتذب الجميلات منهن لتجارة الرقيق الأبيض الذي يعتبر من أكثر المهن تنظيماً .. ويقول مسيو فردينان دريفوس عضو البرلمان الفرنسي : (( أن حرفة البغاء لم تعد الآن عملاً شخصياً بل لقد أصبحت تجارة واسعة وحرفة منظمة بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح )) ويقول مسيو بول بيورو (( أن احتراف البغاء قد أصبح في زماننا نظاماً محكم التركيب يجري بما شئت من التنظيم على أيدي الموظفين والعاملين المأجورين . ويخدمه ويعمل فيه أرباب القلم وناشرو الكتب والخطباء والمحاضرون والأطباء والقابلات والشركات السياحية .. ويستعمل له كل جديد من فنون النشر والعرض والإعلان ))(26).(1/90)
وهكذا تتسع تجارة الجنس والأفلام والقصص والخمور والمخدرات لتعود بالبلايين إلى العقول الخبيثة الماكرة التي تستخدم هذه الجيوش كلها بدهاء نادر لا يملكه في العادة إلا اليهود0
ومن هذه الدوائر القذرة تتسع رقعة للنفوذ اليهودي الأخطبوطي لتشمل رجال السياسة والفكر والأعلام .. وتسيطر بالتالي على معتقدات وأفكار العامة واستمع إلى زعيم الحزب الديمقراطي الألماني يتحدث للتأكد مما قلناه في الأسطر السابقة .. يقول الزعيم بيبل (( وهل الرجل والمرأة إلا نوع من الحيوان ؟ وهل يكون بين أزواج الحيوانات شيء من قبيل الزواج .. فكيف بالزواج الأبدي ؟ ))(27).
ويكتب الدكتور دريسدل قائلاً : (( أن العلاقة المطلقة من قيد الزواج مظهر للخلق العلي لأنها أدنى إلى نواميس الفطرة .. ولأنها تنشأ من العواطف والأحاسيس والحب المحض مباشرة وأن الشوق والنزوع التي تتولد منه هذه العلاقة شيء عظيم القدر غالي القيمة في الأخلاق ))(28).
ويقول في موضع آخر (( الحاجة ماسة إلى اتخاذ التدابير التي تجعل الحب بغير قيد الزواج شيئاً يجل ويكرم .. ومما يسر أن سهولة الطلاق في هذا الزمان لا تزال تمحق طريق الزواج رويداً رويدا ))(29).
ويقول بول روبين الزعيم الفرنسي :
(( من المغانم الحقيقية أننا قد بلغنا من النجاح في مساعينا لمدة ربع القرن الماضي أنه قد أصبح ولد الزنا في منزلة أولاد الحلال .. فلا يبقى بعد هذا إلا أن يكون أولادنا جميعاً من هذا النوع الأول فقط حتى نستريح من هذه الموازنة بين النوعين من الأولاد ))(30) .
ويلخص الأستاذ أبو الأعلى المودودي موقف المرأة في أوروبا اليوم بأصدق عبارة في كتابه القيم (( الحجاب )) حيث يقول :(1/91)
(( كان من نتائج ( النظام الرأسمالي ) أن أصبحت المرأة كلا على زوجها وأصبح الولد عبئاً على أبيه . وتعذر على كل فرد أن يقيم أود نفسه فضلاً عن أن يعول غيره من المتعلقين به . وقضت الأحوال الاقتصادية أن يكون كل واحد من أفراد المجتمع عاملاً مكتسباً . فاضطرت جميع طبقات النساء من الأبكار والأيامى والثيبات أن يخرجن من بيوتهن لكسب الرزق رويداً ولما كثر بذلك اختلاط الجنسين واحتكاك الذكور بالأناث . وأخذت تظهر عواقبه الطبيعية في المجتمع تقدم هذا التصور للحرية الشخصية وهذه الفلسفة الجديدة للأخلاق فهدأ من قلق الاباء والأخوة والأخوات والبعولة والزوجات .. وجعل نفوسهم المضطربة تطمئن إلى أن الذي هو واقع أمام أعينهم لا بأس به . فلا يوجد منه خيفة إذ ليس هبوطاً ولا تردياً بل هو نهضة وارتقاء ، وليس فساداً خلقياً بل هو عين اللذة والمتعة التي يجب أن يقتنيها المرء في حياته .. وأن هذه الهاوية التي يدفع بهم إليها الرأسمالي ليست بهاوية النار بل هي جنة تجري من تحتها الأنهار )) .
وضع المرأة الأوروبية اليوم :
رغم التحسن في الأوضاع الاقتصادية للعمال في أوروبا إلا أن وضع المرأة الاقتصادي والاجتماعي لا يزال حرجاً . فالمرأة لا تزال تجد نصف أجر الرجل في أغلب مجالات العمل أن لم نقل كلها .. كما أن على المرأة إذا أرادت الزواج أن تتنازل عن اسمها واسم أبيها لتصبح تابعة لزوجها حتى في الاسم .. كما أنها تفقد في كثير من الأحيان حقها في التصرف في أموالها إلا بعد إذن زوجها .. ولعل كثيراً من القراء سيدهشون عندما يعلمون أن المرأة في أوروبا هي التي تدفع المهر للرجل لا بالعكس ويسمى(( الدوطة )) Dowery وقد أهمله اليوم كثير من الغربيين .. وأن الرجل غير مسؤول عن نفقة الزوجة ..(1/92)
بينما نرى الإسلام قد منح المرأة شخصيتها وذاتيتها فلا تتزوج إلا بعد إذنها ورضاها كما أنها تحتفظ باسمها واسم أبيها وعائلتها بعد الزواج .. وتبقى لها الأهلية الكاملة في التصرف في أموالهم دون مراجعة زوجها .. وليس عليها أن تنفق على نفسها وأولادها حتى ولو كانت غنية موسرة وكان زوجها فقيراً معسراً ..فإذا أنفقت شيئاً فهي صدقة منها على زوجها . أو يعتبر ذلك ديناً عليه يجب قضاؤه عند الايسار .
وسنعرض لحكم الإسلام في خروج المرأة في فصل (( خروج المرأة )) أن شاء الله . أما الآن فسنركز الحديث على وضع المرأة الغربية التي لا تزال تلهث وراء لقمة العيش .. ولقاء أجر زهيد لا يقبله الرجل في العادة .
ونتيجة لتردي وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي فإن المرأة تصبح فريسة سهلة لسماسرة تجارة البغاء الدولية .. كما تستخدم المرأة لترويج البضائع ودائماً أبدا ترى صورة امرأة فاتنة للإعلان عن أي شيء حتى ولو لم يكن له أي علاقة بالمرأة(31).
وينشط العقل التجاري اليهودي فلا يستخدم إلا المرأة في أغلب المتاجر والمكاتب ويهيمن على هذا الفريق من النساء العاملات رجل أو رجلان لضبط العمل .. والسيطرة على المرأة فكرياً وجسدياً وجنسياً ( انظر باب استغلال المرأة العاملة جنسياً صفحة 147)
ونتيجة لهذه الأوضاع المتردية .. فإن المرأة تعاني من الوحدة فتهرب منها إلى أحضان أي رجل الذي سرعان ما يملها ويأخذ غيرها .. وتضطر المسكينة إلى استخدام حبوب منع الحمل مبكراً حتى لقد وصل الأمر بالمسؤولين أن يلقنوا الطالبات في المدارس وسائل منع الحمل ..(1/93)
ورغم هذا فإن هناك الآلاف من الفتيات الصغيرات اللائي يعانين من الحمل سنوياً نتيجة لعدم معرفتهن بوسائل منع الحمل معرفة جيدة .. ولذا قام كبار المربين والمسؤولين بوضع برامج منع الحمل في المدارس الثانوية ثم قاموا بعد ذلك بتدريسها لطلبة الإعدادي .. وأخيراً توصلوا إلى قرار تدريسها في المدارس الابتدائية بعد أن وجدوا أن الطالبات الصغيرات جداً هن اللائي يقعن بالدرجة الأولى فريسة لهذا الحمل .. ولم يعد يهم المسؤولين أن يعم البغاء ولكن همهم منصب فقط على نشر وسائل منع الحمل بين الأطفال .
واضطرت القوانين الغربية إلى أباحة الإجهاض ولو على مضض .. وانتشرت حالات الاجهاض حيث يتم في أمريكا إجهاض مليون امرأة سنوياً(32).. ويتم ما يقارب هذا العدد في أوروبا ..
وتقول الإحصائيات أن أغلب حالات الانتحار هي من الفتيات الصغيرات اللائي يعشن حياة قلقة ويائسة . وكما ظهرت ولأول مرة في تاريخ الطب حالات جماعية لضرب الأطفال الصغار ضرباً وحشياً يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة أو إلى تشوهات جسدية وعقلية .
وقد تحدثت المجلات الطبية بإسهاب عن هذا المرض الجديد الذي لم يكن معهوداً من قبل وأسمته (( مرض الطفل المضروب ) Battered Baby Syn-drome الذي اكتشفه الدكتور كيمب منذ خمسة وعشرين عاماً فقط .
وتقول مجلة هيكساجين الطبية Hexagon Vol .6 No . 5,1978 أنه لا يكاد يوجد مستشفى للأطفال في أوروبا وأمريكا إلا وبه عدة حالات من هؤلاء الأطفال المضروبين ضرباً مبرحاً من أمهاتهم وأحياناً من آبائهم .
وفي عام 1967 دخل إلى المستشفيات البريطانية أكثر من 6500 طفل مضروب ضرباً مبرحاً أدى إلى وفاة ما يقرب من 20% منهم وأصيب الباقون بعاهات جسدية وعقلية مزمنة . وقد أصيب المئات بالعمى كما أصيب مئات آخرون بالصمم .. وفي كل عام يصاب المئات من هؤلاء الأطفال بالعته والتخلف العقلي الشديد والشلل نتيجة الضرب المبرح ..(1/94)
ويتساءل الدكتور آبلي رئيس أقسام الأطفال في مستشفيات بريستول المتحدة في مدينة بريستول ببريطانيا هل هؤلاء الآباء والأمهات وحوش ؟ وينتهي في مقاله إلى أن هؤلاء الأمهات يواجهن أزمات نفسية خطيرة أدت بهن إلى ضرب أطفالهن ضرباً مميتاً .. أو مؤدياً إلى عاهات مستديمة .. ويقول أن أغلب هؤلاء الأمهات لسن مجرمات بطبيعتهن ولكن وجود الأم بدون زوج واضطرارها للعمل والخروج ثم عودتها مرهقة إلى المنزل لتواجه الطفل الذي لا يكف عن الصراخ يفقدها اتزانها وعواطفها .. وقد لوحظ أن كثيراً من هؤلاء الأمهات يكرهن أولادهن كرهاً شديداً حيث ينغص هؤلاء الأطفال على أمهاتهن حياتهن وقد نشرت الصحف قصة الشاب والشابة اللذين قاما ببيع طفلتهما البالغة من العمر ستة أشهر في أمريكا بثمانين دولاراً . وقد أجاب الأبوان عندما سئلا لماذا يقومان ببيع طفلتهما بأنهما لا يجدان من المال ما يكفي لإعاشتهما فكيف بهما مع الطفلة وأنه من الخير لطفلتهما أن تجد من يعولها بدلاً منهما رغم أنهما يحبان الطفلة ولكنهما مضطران لبيعها ! نشرت ذلك صحيفة (( السعودي جازيت )) مع نشر صورة الأبوين الشابين في 22/1/1977 الموافق 3/2/97 .
ونشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر 15/9/1400 الموافق 27/7/1980 خبراً مفاده أن مطلقة بريطانية اسمها مانيس جاكسون عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه والمبلغ يشمل ملابس الطفل وألعابه . وقد قالت بأنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الأنفاق عليه وليس لديها دخل لإعاشته(33)..
والأكثر فظاعة وبشاعة من كل هذا أن يرتكب الأب الفاحشة بطفلته وتقول مجلة هيكسا جون الطبية أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال من آبائهم أكثر بكثير مما هو معروف ومدون .. كما أن كثيراً من الأمهات والآباء يقومون بتسميم أطفالهم بإعطائهم السموم والعقاقير الخطيرة .
وكل هذه الفواجع والكوارث حصلت عليها المرأة بفضل خروجها من بيتها إلى المكاتب والمصانع ..(1/95)
والواقع أننا نظلم المرأة الأوروبية .. فهي لم تخرج مختارة طائعة وإنما خرجت مكرهة مجبرة سداً للرمق بعد أن قام الرأسمالي اليهودي بتحطيم الأسرة وأخذ رجلها إلى أتون المصانع .. وإلى أقبية المناجم . فاضطرت المسكينة للخروج بحثاً عن لقمة العيش(34). وهناك تلقفتها الأيدي وتلاعبت بها الشهوات .. واستخدمت لتحقيق مآرب هؤلاء اليهود كل وسائل الختل والمخادعة .. كما استخدمت جميع الوسائل الإجرامية الظاهرة والخفية لتحطيم القيم والأخلاق .. وزيادة دخل اليهود الجشع باستمرار .
المكاسب الاقتصادية المزعومة لخروج المرأة في البلاد النامية :
بعد أن عرفنا أبعاد المؤامرة وأسبابها في خروج المرأة في أوروبا نجد أن تيار الفكر اليهودي الرأسمالي والشيوعي الذي استولى على أوروبا وأمريكا يزحف بصور ملتوية إلى البلاد النامية بواسطة تلامذة الاستعمار .. والشباب المثقف الذي درس في جامعات أوروبا وعاد منها لتسلم مقاليد السلطة والتوجيه في وطنه .
والمضحك المبكي أن البلاد المتخلفة تعاني من بطالة حقيقية ومقنعة .. وهناك الملايين من الرجال الذين يبحثون عن عمل فلا يجدونه .. ومع هذا تقام حملات إعلامية ضخمة تتحدث عن نصف الأمة المشلول .. ونصف الأمة المسجون .. ونصف الأمة المعطل عن الإنتاج .. ويطالبون بإخراج المرأة إلى ميادين العمل والإنتاج !! ولا إنتاج هناك .
وتخرج المرأة ويتوقف عمل المرأة في بيتها وفي حقلها وتتوقف الصناعات المنزلية الإنتاجية ويتحطم نظام الأسرة وينتشر الزنا نتيجة للاختلاط .. وتقام له نفس الحملات الإعلامية الضخمة التي تمجد الحب والزنا وتسخر من الزواج وقيوده .. وتسمى المومسات كواكب ونجوماً يقتدى بها ويهتدى بعديها .. وتخرج مجلات وصحف بهذا الاسم وتنتشر الأفلام والقصص والمسرحيات والأغاني والتمثيليات التي تمجد الزنا وتغلفه باسم الحب وتسخر من الزواج وقيوده البغيضة .(1/96)
وتخرج المرأة في بعض البلاد لتنحشر في الأتوبيسات العامة المزدحمة ازدحاماً شديداً بالركاب .. حيث تمارس العملية الجنسية بالإكراه .. وبصورة تثير التقزز حتى لأولئك الكتاب والأدباء (المتحررين ) الذين لا يهتمون بالتدين مثل الأستاذ أنيس منصور والدكتور يوسف إدريس وغيرهم .. الذين قاموا بنشر مقالاتهم في الأهرام والأخبار وغيرها من الصحف المصرية يعلنون منها اشمئزازهم واحتقارهم لهذا الوضع المهين والمشين الذي بلغته المرأة في مصر بخروجها .
وكان الأستاذ أنيس منصور ( وهو كاتب وجودي مشهور ) أكثرهم تشنيعاً وسخرية من عمل المرأة في الدواوين والمكاتب .. حيث ينخفض الإنتاج بوجود المرأة .. ودلل على ذلك بالأرقام التي حصل عليها من الإدارات الحكومية وقام بتحقيقات صحفية بارعة أثبت فيها أن المرأة في المكتب تقوم بإضاعة الوقت بالثرثرة ووضع المساحيق والنظر في المرآة .. وما زاد عن ذلك من وقت تزجيه في أعمال التريكو .
وما تأخذه من دراهم قليلة تنفقها وأكثر منها في الواصلات وفي أدارت الزينة واللبس المناسب للخروج .. وفي أجر الخادمة .. والمربية للأطفال .. وتكون النتيجة النهائية خسارة اقتصادية فادحة ..
أما الخسارة الاجتماعية فأشد واعتى .ز يتحطم نظام الأسرة .ز تزداد جريمة الزنا وتعتبر شيئاً عادياً لا غبار عليه .. حتى أن القوانين التي تحكم شعوباً مسلمة تسمح بممارسة الزنا طالما كان بين عاقلين بالغين دون إكراه .
يقول الشهيد عبد القادر عودة في كتابه المرجع (التشريع الجنائي ) (( ولا يعاقب القانون المصري على الوقاع إلا في حالة الاغتصاب فإن كان بالتراضي فلا عقاب عليه ما لم يكن الرضا معيباً ويعتبر القانون المصري الرضا معيباً إذا لم يبلغ المفعول به ثمانية عشر عاماً كاملة ولو وقعت الجريمة بناء على طلبه هو - فإن بلغها اعتبر رضاه صحيحاً .. والعقوبة في حالة الرضا المعيب بسيطة لأن الفعل يعتبر جنحة ( غرامة مالية ) )) .(1/97)
بل أن القانون المصري(35) يسمح للزوج أن يزني بشرط أن يكون ذلك خارج منزل الزوجية .. أما إذا زنى الزوج في منزل الزوجية فيحق عندئذ للزوجة أن تزني ولا عقوبة عليها في ذلك .
وليس الأمر مقصوراً على القانون المصري .. وإنما هو أمر شائع وعام في معظم البلاد الإسلامية ( أي أن أغلبية الشعب فيها مسلم ) ابتداء بتركيا العلمانية إلى أفغانستان الشيوعية مروراً بتونس والجزائر والمغرب ولبنان وسوريا وحتى باكستان الدولة التي قامت باسم الإسلام واستمرت في تنفيذ هذه القوانين إلى نهاية عهد بوتو وكذلك النظام الشاهنشاهي في إيران حتى سقوطه .. ولا يزال الزنا مباحاً في اندونيسيا حيث التأثير الصليبي الحاقد يوجه الحاكم حيث يريد(36).
وتواجه هذه الحكومات شعوبها المسلمة المطالبة بتغيير هذه القوانين الغربية التي تشجع الزنا والربا والقمار وشرب الخمور وتطالب بالعودة إلى الشريعة الإسلامية .. بالمشانق حيناً .. والتحايل حيناً آخر .
خروج المرأة إلى العمل في البلاد البترولية الغنية :
ربما اعترض معترض وقال لنا : لو وافقناكم على ما قلتموه بالنسبة للبلاد الأوروبية والبلاد النامية إلا إننا سنختلف معكم حول خروج المرأة في البلاد البترولية الغنية .. فالأموال متوفرة والعمالة قليلة .. والأيدي المحلية غير متوفرة بصورة كافية مما يستدعي جلب كثير من الأيدي العاملة من الخرج مما يؤدي إلى تغييرات اجتماعية غير مرغوب فيها .. ويؤدي ذلك إلى تغيير البنية الديموغرافية للسكان بحيث يصبح العنصر الأجنبي يشكل خطراً حقيقياً على السكان الأصليين لهذا البلاد .
وليس هناك من حل في تخفيف هذه الأزمة سوى إخراج نصف الأمة المعطل حالياً عن العمل والإنتاج إلى ميدان العمل والإنتاج .
هذه هو ملخص لآراء من يقولون بإخراج المرأة إلى ميدان العمل في البلاد البترولية الغنية .. ومنهم مثقفون وموظفون رسميون .(1/98)
وعلى ما يبدو من وجاهة هذا المنطق لأول وهلة إلا أننا إذا تعمقنا النظر فيه وجدناه لا يحل أي مشكلة بل على العكس يوجد مشاكل جديدة .. بل وينسف جذور المجتمع المتماسك القائم الآن فعلاً .
نحن نعرف نقص اليد العاملة المحلية وخاصة في المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات ولكن هل خروج المرأة من بيتها سيحل هذا الأشكال ؟
إلا تحتاج المرأة التي تخرج من بيتها إلى العمل إلى خادمة لتنظيف بيتها .. ثم إلا تحتاج إلى مربية لتربية أطفالها ؟ وأين هي الخادمة .. وأين هي المربية .. وقد بلغ أجر الخادمة أكثر من ألف ريال في الشهر ومع هذا لا تجدها .. أما المربية وخاصة التي تجلب من أوروبا كما تفعل بعض العائلات السعودية الغنية فإنه يكلف عدة آلاف كل شهر مع تذاكر السفر والعودة إلى بلادها كل عام مرة أو مرتين ..
فما هو الدخل الذي ستحصل عليه المرأة بخروجها إلى العمل ليعوض هذه المصاريف الجديدة ، ثم إلا تحتاج في خروجها للعمل يومياً للمواصلات .. والتاكسي هنا قد بلغ منتهى الفحش في الغلاء .. إلا تحتاج بعد ذلك إلى ثياب تناسب العمل وإلى أدوات الزينة حتى تظهر بالمظهر اللائق بها ، أليست تلك كلها مصاريف !!
ومن الناحية الاجتماعية إلا يتهدم كيان الأسرة عندما تعود مكدودة سيئة الخلق إلى منزلها .. وتجد زوجها في مثل وضعها. والأطفال أشبه بالأيتام وهي مضطرة لأخذ حبوب منع الحمل حتى لا تضطر إلى البقاء في المنزل لتواجه أعباء الحمل والرضاعة ..
وللحبوب مضارها الطبية وأهونها النرفزة وحالات الكآبة والقلق وأخطرها زيادة الجلطات في الساقين والرئتين ..
بقاء المرأة في المنزل زيادة في الإنتاج :
أن البلاد البترولية الغنية تعاني من نقص في عدد السكان .(1/99)
فعدد سكان المملكة العربية السعودية يتراوح ما بين 7إلى 8 ملايين نصفهم تقريباً من الأجانب ( ويدخل في تعريف الأجنبي اليمني والحضرمي والمصري والسوري واللبناني والفلسطيني والأردني والباكستاني والهندي والكوري والأوروبي والأمريكي ) ..
وقد أصدرت وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية إحصائية بعدد المواليد عام 1398 (1978) جاء فيه : أن عدد المواليد في هذا العام بلغ 95 ألفاً بلغ عدد الأجانب منهم عشرون ألفاً .. ويكون بذلك عدد المواليد السعوديين خمسة وسبعون ألفاً فقط .. ولم تنشر إحصائية بعدد الوفيات في العام نفسه .. ولربما وجدنا عدد الوفيات أكثر من عدد المواليد !! والحل الواقعي والعملي هو زيادة عدد السكان .. وتشجيع الزواج والتناسل ..
(( تناكحوا وتناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم )) .
وتيسير الزواج بخفض المهور والحفلات والتكاليف الباهظة للظهور بمظهر اجتماعي مرموق أمر ينبغي الإسراع فيه لحل هذه المشكلة .. كما أن توفير السكن بثمن رمزي للراغبين في الزواج أمر ينبغي تنفيذه على وجه السرعة ..
وفي مقال للكاتبة السعودية سهيلة زين العابدين التي نشرته جريدة المدينة على حلقات جاء في العدد 4883 الصادر في 29/5/1400 بعد أن ذكرت مشكلة نقص السكان في المملكة وكيف أن ذلك يعوق التنمية - ما يلي :
(( وأنا في نظري أنه لا يمكن حل مشكلة نقص العمالة إلا عن طريق الآتي :
أولاً : التشجيع على زيادة النسل .. ولكي يرتفع معدل زيادة السكان بشكل سريع ، وملموس علينا أن نقدم معونات مالية سخية لوالد كل طفل حتى يستطيع الفرد العادي تربية أبنائه وتعليمهم على أحسن ما يكون لنضمن الكم والكيف معاً . أن أنسب وقت للتشجيع على النسل هو الآن لأن جميع الظروف مهيأة لذلك فعلينا أن نحسن استغلالها ( قبل أن تنضب الثروة البترولية ) .(1/100)
ثانياً : اتباع سياسة ( مص الأدمغة ) التي تتبعها الآن الولايات المتحدة الأمريكية فمعروف لدى الجميع أن الولايات المتحدة تمنح الجنسية لكل من يظهر تفوقاً في أي مجال من المجالات بدون أي قيد أو شرط فيصبح عندئذ من رعاياها ويصير ارتباطه بها أشد وأوثق . ونحن لو طبقنا هذه السياسة في بلادنا ومنحنا الجنسية السعودية لكل مسلم يظهر تفوقاً في أي مجال من المجالات بعد أن يثبت لدينا حسن سيره وسلوكه وسلامة عقيدته من أية انحرافات سيساعدنا على حل مشكلة العمالة .. ومواجهة الزيادة السكانية المترتبة على سياسة التشجيع على النسل كما سيساهم في نمو المملكة وتقدمها وازدهارها من جهة أخرى كما أنه سيحقق لاقتصادنا رصيداً ادخارياً جيداً )) ..
وتواصل الكاتبة المسلمة كلامها فتقول :
(( لماذا لا نسهل منح الجنسية السعودية للمهارات المسلمة وضمهم إلى الأسرة السعودية الكبيرة ؟ نحن أخوة في الدين والعقيدة .. والدولة الإسلامية قد بلغت أوج مجدها بسواعد المسلمين وتكاتفهم على اختلاف جنسياتهم وألوانهم فالناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى .. وما من مسلم إلا ويفخر بالانتماء إلى هذا البلد الكريم المعطاء بلد الأمن والاستقرار ومهبط الوحي والرسالة المحمدية فأراد الله له أن يكون بلد العقيدة والإيمان ..
(( هذه في رأيي هي الحلول الجذرية لمشكلة العمالة في بلادنا ولنصرف النظر عن تحميل المرأة عبء نقص العمالة ولنقصر أعمالها على ما تقتضيه الضرورة الملحة كتعليم بنات جنسها وتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية لهن )) .(1/101)
وإذا علمنا أن فرنسا وألمانيا وروسيا تقدم الحوافز المادية وتخفف الضرائب إلى أقصى حد عن الأسر التي تنجب أطفالاً كثيرين . لتشجيع النسل وكذلك تفعل إسرائيل وبصورة أشد بلغت بها أن تشجع أي يهودية أن تنجب ولو بطريق الزنا واعتبار ذلك إنجازاً قومياً عظيماً .. وهذه طريقة اليهود المعهودة في الانحراف والفساد .. فإن واجب البلاد البترولية الغنية ذات الأراضي الشاسعة والسكان القليلين أن تبادر إلى دعم سياسة زيادة السكان ..
وإذا عرفنا حسب قرارات هيئة الصحة العالمية أن كل طفل يحتاج إلى رعاية متواصلة من أمه لمدة ثلاث سنوات .. فإننا سنجد أن الأمهات مشغولات باستمرار ولا وقت لديهن للخروج فيه إلى الشوارع والمكاتب ..
وفي خلال فترة زمنية معقولة نستطيع أن نضاعف من عدد السكان في الجزيرة العربية .. أما إذا أخرجنا المرأة إلى العمل فإن النتيجة الحتمية هي أن عدد السكان سيتناقص بدلاً من أن يزيد .. لأن المرأة العاملة لا تريد أن تتحمل مسؤولية الحمل والرضاعة وتربية الأطفال.. بل ولا يمكنها أن تتحمل ذلك لو أرادت.
والغريب حقاً أن نجد أن استعمال حبوب منع الحمل ينتشر انتشاراً كبيراً في الجزيرة العربية الخالية من السكان تقريباً .. ذلك لأن الأمهات لا يستطعن أن يقمن بتربية أعداد كبيرة من الأطفال .. نتيجة للأوضاع الاجتماعية الراهنة وقلة عدد الخادمات .. وضيق المساكن .. فكيف بالأمر لو خرجت المرأة إلى المكتب والمصنع ..
ليس هذا فحسب ولكن هناك عدداً من الأمهات يقمن بإجهاض أنفسهن وإسقاط أجنتهن لأنهن لا يستطعن أن يواجهن مشكلة زيادة الأطفال ورعايتهم في الأوضاع الراهنة .. وتصور كيف يكون الوضع عندما تخرج المرأة أيضاً إلى العمل !!(1/102)
وسيصحب خروج المرأة تغييرات اجتماعية جذرية مهما ادعينا عكس ذلك . ولابد أن يزداد الزنا وبالتدريج سيسمح به وسيغلف النتن والقذر بعبارات الحب الجوفاء وعبارات التحرر والتقدم .. إلى آخر المعزوفة الممجوجة التي لا تمل أجهزة الأعلام عن أسماعنا إياها صباح مساء وسيزداد الزواج صعوبة .. وستقل الرغبة في إنجاب الأطفال حتى لو أمكن الزواج وسيقل عدد السكان وسيصبح المتنفس الوحيد للرغبات الجنسية الجامحة هو العلاقات الجنسية المحرمة .. والتي سيسهل تنفيذها نتيجة لخروج المرأة واستعمال حبوب منع الحمل .
وتكون النتيجة الحتمية زيادة الحاجة للعمالة الأجنبية بدلاً من خفض تلك الحاجة .. وسننتهي حتماً إلى حالة من الفوضى الاجتماعية والخلقية كالتي عانى منها الغرب .. وستكثر الجرائم بمختلف أنواع ويزداد العنف وإدمان المخدرات بين الشباب الذي فقد حنان الأمومة ودفء الأسرة لأن الأمهات كن مشغولات عنه في المصانع والمتاجر والمكاتب ..
وهكذا يكون خروج المرأة للعمل وبالاً على المرأة وعلى المجتمع وخسارة اقتصادية واجتماعية فادحة ..
*******************************************************
الفصل السادس
نتائج خروج المرأة
إلى العمل
الجنس الثالث :
أن هناك أبحاث طبية تدل على وجود تغييرات فسيوليجية في جسم المرأة العاملة تجعلها تفقد أنوثتها تدريجياً كما أنها في نفس الوقت لا يمكن أن تصبح رجلاً .. وأطلق على هذه المرأة المسترجلة اسم الجنس الثالث .. تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ ) في مقال نشرته جريدة الأهرام في حديث لها مع صديقتها الطبيبة النمساوية ( حسبما نقله الشيخ سعيد حوى في كتابه الإسلام الجزء الرابع ) .(1/103)
(( ولما سألتها عن سر هذا القلق - مع استقرار الوضع الاجتماعي للمرأة الغربية أجابت بأن ذلك القلق لا صلة له بمتاعب الانتقال المفروضة على جيل الطليعة من نساء الشرق وأنما هو صدى شعور ببدء تطور جديد يتوقع حدوثه علماء الاجتماع والفيسيولوجيا والبيولوجي في المرأة العاملة .. وذلك لما لحظوا من تغير بطيء في كيانها لم يثر الانتباه أول الأمر ما سجلته الاحصاءات من اطراد النقص في المواليد بين العاملات .. وكان المظنون أن هذا النقص اختياري محض وذلك لحرص المرأة العاملة على التخفف من أعباء الحمل والوضع والأرضاع تحت ضغط الحاجة والاستقرار في العمل .. ولكن ظهر من استقرار الاحصاءات أن نقص المواليد للزوجات العاملات لم يكن أكثره عن اختيار بل عن عقم استعصى علاجه .. وبفحص نماذج شتى منوعة من حالات العقم اتضح أنه في الغالب لا يرجع إلى عيب عضوي ظاهر .. مما دعا العلماء إلى افتراض تغير طارئ على كيان الأنثى العاملة نتيجة لانصرافها المادي والذهني والعصبي عن قصد أو غير قصد عن مشاغل الأمومة ودنيا حواء وتشبتها بمساواة الرجل ومشاركته في ميدان عمله
واستند علماء الأحياء في هذا الفرض - نظرياً - إلى قانون طبيعي معروف ( إن الوظيفة تخلق العضو ) ومعناها فيما نحن فيه أن وظيفة الأمومة هي التي خلقت في حواء خصائص مميزة للأنوثة لابد أن تضمر تدريجياً بانصراف المرأة عن وظيفة الأمومة واندماجها فيما نسميه عالم الرجال .
ثم تابع العلماء هذا الفرض فإذا التجارب تؤيده إلى أبعد مما كان منتظراً . وإذا بهم يعلنون في اطمئنان - مقرون بشيء من التحفظ - عن قرب ظهور جنس ثالث تضمر فيه خصائص الأنوثة التي رسختها الممارسة الطويلة لوظيفة حواء )) .(1/104)
وما يزال المهتمون بهذا الموضوع يرصدون التغيرات الطارئة على كيان الأنثى ويستقرون في أهتمام بالغ دلالات الأرقام الاحصائية لمجالات العقم بين العاملات .. والعجز عن الأرضاع لنضوب اللبن وضمور الأعضاء المخصصة لوظيفة الأمومة .
ويقول الدكتور الكسي كاريل وهو يتحدث عن تأثير خروج المرأة إلى العمل وأهمالها لوظيفتها الاساسية وهي أن تكون أماً ومحضناً للأجيال القادمة :
(( لقد كانت استجابة النساء للتعديلات التي ادخلتها الحضارة الصناعية على عادات الأسلاف سريعة قاطعة إذ نقص معدل المواليد فوراً . وقد تبين أثر ذلك بوضوح .. كما لمست نتائجه الخطيرة في الطبقات الاجتماعية وفي الأمم التي سبقت غيرها في الانتفاع بالتقدم الذي حققته - أما مباشرة أو بطريق غير مباشر - بتطبيق الاكتشافات العلمية . فالتعقيم الاختياري ليس جديداً في تاريخ العالم .. فقد عرف في مرحلة معينة من مراحل المدينة السابقة أنه ظاهرة علمية نعرف دلالتها )) .
ويتحدث الدكتور كاريل عن الاختلافات بين الرجل والمرأة فيقول :(1/105)
(( أن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا يأتي من الشكل الخاص للأعضاء التاسلية ومن وجود الرحم والحمل أو من طريقة التعليم .. أنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك .. أنها تنشأ من تكون الانسجة ذاتها .. ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيمياوية محددة يفررزها المبيض ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً وأحداً وأن يمنحا سلطات واحدة .. ومسؤوليات متشابهة والحقيقة أن المرأة تختلف أختلافاً كبيراً عن الرجل.. فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها وفوق كل شيء جهازها العصبي .. فالقوانين الفيسيولوجية غير قابلة للين شأنها شأن قوانين الأفلاك والنجوم .. فليس في الأمكان أحلال الرغبات الأنسانية محلها . ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي . فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور . فإن دورهن في تقدم الحضارة اسمى من دور الرجال .. فعليهن إلا يتخلين عن وظائفهن المحدودة )) .
(( أن دور الأب والأم يساهم بقدر متساو في تكوين نواة البويضة (الملقحة) التي تولّد كل خلية من خلايا الجسم الجديد . ولكن الأم تهب علاوة على نصف المادة المنوية كل البروتوبلازم المحيط بالنواة .. وهكذا تلعب دوراً أهم من دور الأب في تكوين الجنين .
(( أن دور الرجل في التناسل قصير الأمد .. أما دور المرأة فيطول إلى تسعة أشهر .. وفي خلال هذه الفترة يغذى الجنين بمواد كيماوية ترشح من دم الأم من خلال أغشية المشيمة )) .(1/106)
(( أن أهمية ووظيفة الحمل والوضع بالنسبة للأم لم تفهم حتى الآن إلى درجة كافية .. مع أن هذه الوظيفة لأزمة لاكتمال نمو المرأة . ومن ثم فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة ولذا يجب إلا تلقن الفتاة التدريب العقلي والمادي ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم ويجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى ووظائفها الطبيعية . فهناك اختلافات لا تنقض بين الجنسين . ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدين )) .
ويقول : (( أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفيسيولوجية والعقلية ؟ يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط . بل أيضاً على رعاية صغارها )) .
ويقول الكاتب والفيلسوف المشهور (( ول ديوارنت ))في كتابه (( مباهج الفلسفة )) .
(( واختراع موانع الحمل وذيوعها هو السبب المباشر في تغير أخلاقنا(37) فقد كان القانون الأخلاقي قديماً يقيد الصلة الجنسية بالزواج لأن النكاح كان يؤدي إلى الأبوة بحيث لا يمكن الفصل بينهما .. ولم يكن الوالد مسؤولاً عن ولده إلا بطريق الزواج .. أما اليوم فقد انحلت الرابطة بين الصلة الجنسية وبين التناسل وخلقت موقفاً لم يكن آباؤنا يتوقعونه لأن جميع العلاقات بين الرجال والنساء آخذة في التغير نتيجة هذا العامل )) .
(( فحياة المدينة تفضي إلى كل مثبط على الزواج في الوقت الذي تقدم فيه إلى الناس كل باعث على الصلة الجنسية .. وكل سبيل يسهل أداءها .... )) .
واقع الحال في الغرب اليوم :(1/107)
وقد بلغ الأمر اليوم أفظع بكثير مما تصوره ول ديوارنت والكسي كاريل وغيرهم من الفلاسفة والمصلحين الاجتماعيين . فقد نشرت الصحف في بريطانيا عام 1970 ( عندما كنت أدرس هناك )قصة مدرسة شابة في الخامسة والعشرين كانت تدرّس لمجموعة من الأولاد المراهقين .. وكانت تقوم بتدريسهم الجنس عملياً في الفصل وتخلع ثيابها قطعة قطعة أمامهم .. فما كان من إدارة المدرسة إلا أن أبلغت وزارة التربية والتعليم .. واتفقت الإدارة والوزارة على إيقاف هذه المدرسة الشابة وطلب منها أن تكف عن عرض دروسها المثيرة على الطلبة المراهقين .. وفي اليوم التالي نشرت جريدة الديلي ميرور DAILY MIRROR صورة هذه المدرسة الجميلة عارية في صفحتها الأولى .. وقامت بحملة ضخمة ضد إدارة المدرسة ووزارة التربية والتعليم الرجعية التي تمنع هذه الشابة العبقرية من مواصلة دروسها المهمة لتعليم الشاب المراهق الجنس !! ودعت الصحيفة إلى قيام مظاهرات تأييداً للمدرسة الشابة وحريتها في التعبير ودعوتها إلى مواصلة جهودها العظيمة في تربية النشء تربية جنسية سليمة خالية من العقد !! وبالفعل قامت في الأيام التي تلت نشر هذه المقالات مظاهرات ضخمة تؤيد المرسة الشابة فيما فعلته وتطالب بإعادتها فوراً إلى حقل التدريس .. الذي خسر خسارة هائلة بإيقافها !
ولم تجد إدارة المدرسة الموقرة ووزارة التربية والتعليم بداً من أعادة المدرسة الشابة إلى ممارسة وظيفتها الحيوية مع الشباب المراهق وانصاعت صاغرة للرأي العام الذي هيجته الجرائد الواسعة الانتشار ( الديلي ميل والديلي ميرو ) .. وهكذا كسبت حرية المرأة وحرية الجنس قضيتها ضد إدارة المدرسة ووزارة التربية الرجعية !!
هل تصدق أن هذا قد حدث! أنه أمر أشبه بالأسطورة والخيال ..(1/108)
دولة تدعي أنها في قمة الحضارة .. وما أتعسها من حضارة - تقوم فيها مدرسة شابة بتلقين طلبتها المراهقين الجنس عملياً في المدرسة .. وضمن برامج التعليم ! ولا تستطيع إدارة المدرسة ووزارة التربية حتى أن توقفها عن إسداء دروسها ونصائحها العملية في هذا المجال ! وتقوم حملة صحفية ضخمة تأييداً للمدرسة التي تبذل جسمها لتعليم الطلبة الجنس على الأسس العلمية الصحيحة !!
نعم .. نعم هل تصدق أن هذا يمكن أن يحصل .. وباسم التقدم والعلم والحرية والمساواة .. الخ .. الخ .. وفي بلد محافظ بطبيعته كما يقولون في بريطانيا !!
أنها بشارة لنا ونذير لهم بقرب نهاية هذه الحضارة النكدة والتعيسة ونهاية هذه الأمم التي فجرت وتجبرت وطغت ..
ولا أظن أن مدعي التقدم والحضارة الموجودين بين أظهرنا يجرأون على أن يطالبونا بأن نقتدي بأوروبا وأمريكا وفي هذا المجال على وجه الخصوص ..
فالنهاية معلومة معروفة .. وخروج المرأة ودعوى المساواة وحريتها ستؤدي دون ريب إلى أن تقف مدرسة شابة عارية تماماً في الفصل أمام طلبتها لتدريسهم على الطبيعة الجهاز التناسلي للمرأة ثم تدعو أحد الشبان لتشرح لبقية زملائه الجهاز التناسلي للرجل .. ثم تقوم بعد ذلك عملياً بشرح وسائل منع الحمل .. وتشرح لهم عملية الجماع الفيسيولوجية عملياً .. وإذا اعترضت إدارة المدرسة أو وزارة التربية على هذه الدروس المفيدة فإن الصحافة والرأي العام سيقيمان حملة ضخمة ضد الآراء الرجعية العتيقة التي تقف أمام تيار التقدم والعلم !!
وستخفت عندئذ الأصوات الرجعية وتنطوي على نفسها متململة من هذه الإباحية التي لم تخطر لها من قبل على بال .(1/109)
ويقرر في المدارس كما هو مقرر الآن في أوروبا وأمريكا تدريس الجنس ووسائل منع الحمل ليس للشباب والمراهقين فحسب .. ولكن للأطفال في مدارسهم الابتدائية .. ذلك لأن الإحصائيات تقول أن أكثر حالات الحمل تقع للفتيات الصغيرات اللائي لم يتجاوزن الرابعة عشر وكثير منهن في الثانية عشر فقط .
وبما أن الحمل للصغيرات متعب ومعطل لهن عن الدراسة ويضطرهن إلى الإجهاض .. والإجهاض في حد ذاته يعرض الفتيات الصغيرات لكثير من المخاطر وإلى أمراض الجهاز التناسلي كما أنه يؤدي أحياناً إلى تولد العقد النفسية وكراهية الجنس !! فإن على المربين أن يتحاشوا هذه الأخطار وخاصة العقد النفسية التي تؤدي بالفتاة الصغيرة إلى كراهية الزنا !! .. ولذا فهم يسارعون بتلقين الأطفال في المدارس الابتدائية كيفية منع الحمل كما يشرحون لهم بالصور الجهاز التناسلي للرجل والمرأة .. فإن هذه الدراسة تكسبهم خبرة في شؤون الجنس وتمنع عنهم العقد النفسية المستقبلية !!
وليس على الأطفال من بأس أن يجربوا الجنس حتى قبل البلوغ .. فالأمر طبيعي وفيسيولوجي .. والآباء والأمهات هناك مدعوون باستمرار من بعض علماء النفس والاجتماع والبيولوجيا إلى أن يمارسوا الجنس أمام أطفالهم حتى يشب الأطفال ولديهم معرفة كاملة بشؤون الجنس ..
وليس من المهم بعد ذلك أن يمارس الأب الجنس مع طفلته أو تمارس الأم الجنس مع أبنها .. بل لعل ذلك مما يزيد خبرة الأطفال بالشؤون الجنسية !!(1/110)
وربما يظن القارئ أننا نبالغ كثيراً في هذا الوصف .. وله الحق في ذلك .. ولكن مثقفينا الذين عاشوا في أوروبا وأمريكا فترة كافية من الزمان يعرفون هذه الحقائق معرفة جيدة ولا يستطيعون إنكارها وربما يقولون ليس كل الناس في أوروبا على هذه الشاكلة .. ونقول لهم نعم .. صدقتم ولا يمكن أن يكون الناس جميعاً على هذا المستوى المنحط من البهيمية والحيوانية ولكن يكفي أن توجد هذه الحالات ويسكت عنها المجتمع .. فكيف وأنت ترى من واقعة المدرسة الشابة أن أجهزة الأعلام وجزءاً كبيراً من الرأي العام يؤيد تدريس الجنس عملياً للفتيان والفتيات .. كما يقر الرأي العام بأغلبيته تدريس الجنس حتى للأطفال وهو أمر واقع ومقرر . ونحن نتحدى من ينكر هذا الواقع ..
وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط الصادرة في 6/1/1980 مقالاً تحت عنوان (( شيء للتفكير )) بأن أعظم خطر يتهدد المجتمعات الغربية هو التدهور الأخلاقي وليس خطر التضخم أو التسلح أو حتى نشوب حرب عالمية ثالثة ..ونقل ذلك عن عدد من كبار المفكرين الغربيين قائلاً (( ويتفق عدد منهم على أن أعظم تلك الأخطار هو الخطر الكامن في التدهور الأخلاقي الذي يتمثل في فوضى الجنس وانحلال بناء الأسرة التقليدي )) .
مليون طفل من الزنا كل عام في أمريكا ومليون حالة إجهاض :(1/111)
(( ومن أبلغ ما كتب بهذا الصدد مقال لكاتب أمريكي نشره قبل أيام في صدر أحدى المجلات الفكرية الكبرى ويحذر فيه الغرب من عواقب ذلك التدهور الذي سيحول الدول الغربية - في رأيه - إلى دوائر إغاثة وإعاشة (( لضحايا الجنس والطلاق . ويستهل مقاله بقوله : أن إحصائيات عام 1979 تدق ناقوس الخطر .. فعدد اللواتي يلدن سنوياً من دون زواج شرعي وفي سن المراهقة لا يقل عن ستمائة ألف فتاة بينهن لا أقل من عشرة آلاف فتاة دون سن الرابعة عشرة من العمر . وإذا أضيف إلى ذلك عدد اللواتي يلدن بدون زواج بعد سن المراهقة فإن العدد الإجمالي يتجاوز المليون .. ومعنى هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستقبل مليون طفل سنوياً ( من الزنا والسفاح ) وأن على الدولة أن تقوم بإعالتهم وأمهاتهم مما يشكل كارثة اقتصادية لأن كل طفل يكلف الدولة ما يقرب من 18 ألف دولار .. ومما يزيد في حجم الكارثة ارتفاع نسبة الطلاق فقد بلغت في عام 1979 ما يقرب من 40 بالمئة من جميع حالات الزواج .. ومعنى هذا أن على الدولة أن تقوم بإعالة المطلقات اللائي لا يعملن )) .
ويعلق الدكتور محمود زائد كاتب المقال في الشرق الأوسط قائلاً : (( والكارثة في الواقع ليست اقتصادية فحسب .. فهي اجتماعية قبل كل شيء وقد تزلزل بنيان الأسرة التقليدي وتهدم .
وفي هذا عبرة وأي عبرة للدولة النامية )) .أ.هـ .
وإذا علمنا أن هناك ما يزيد عن مليون حالة إجهاض تجري في الولايات المتحدة سنوياً(39).. وأن وسائل منع الحمل منتشرة بل وتقوم المدارس بتدريسها للطلبة والطالبات منذ المراحل الابتدائية لأن تدريسها في المراحل الثانوية والجامعية أصبح بدون جدوى وذلك لأن معظم حالات الحمل تقع في سن المراهقة ..(1/112)
إذا علمنا ذلك وعلمنا أن سبب ارتفاع الطلاق هو الاتهام المتبادل بالخيانة الزوجية .. لهالنا أن نعرف أن الزنا أمر شائع جداً .. وأنه من النادر جداً أن تجد إنساناً ما في تلك المجتمعات لم يمارس الزنا ..
بل لقد وصل الأمر إلى السخرية من العذرية .. وأن وجود فتاة عذراء في المجتمعات الغربية يعتبر مجلبة للعار والخزي لأنها رجعية وبالية الأفكار(40).
ولم يكتف أهل الغرب بذلك فإن السعار الجنسي الذي لا يريد أن يشبع .. ينتقل من نوع من السلوك الجنسي إلى نوع آخر ومن جريمة إلى أبشع ..
انتشار الشذوذ الجنسي في الغرب :
ورغم وفرة النساء وسهولة العثور عليهن .. ورغم شيوع الزنا لدرجة مخيفة في المجتمعات الغربية فإننا نجد كثير من الظواهر التي لا يمكن تفسيرها بسهولة .. مثل انتشار حالات الاغتصاب الجنسي .. وانتشار الشذوذ الجنسي وانتشار نكاح المحرمات .. وانتشار الاعتداء الجنسي على العاملات والموظفات .. فقد كان يقال قديماً أن الكبت الجنسي وعدم تفريغ هذه الطاقة الضخمة يؤدي إلى هذا الشذوذ .. ولكن الغربي لا يعاني من الكبت الجنسي والحرمان ومع ذلك فإننا نرى زيادة مرعبة في الشذوذ الجنسي واكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء .. ونرى زيادة مخيفة في حالات الاغتصاب .. وظهرت في الفترة الأخيرة إلى السطح موضة نكاح المحرمات من الأخوات والبنات .. ونكاح الابن لأمه والأخ لأخته والوالد لابنته .. مما يثير التقزز في أكثر الناس ولوغا في الجريمة .(1/113)
وقد بلغ من انتشار الشذوذ الجنسي في الحضارة الغربية اليوم أن قنّنت القوانين بباحته واعتباره أمراً طبيعياً لا غبار عليه إذا ما كان بين بالغين بدون أكراه .. وتكونت آلاف الجمعيات التي ترعى شؤون الشاذين جنسياً .. وقد بلغ عدد هؤلاء الشاذين في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب سبعة عشر مليوناً .. وهناك معابد وكنائس في الولايات المتحدة تزوج الرجال على الرجال والنساء على النساء في احتفالات خاصة !!(41).
وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط نقلاً عن وكالات الأنباء في عددها الصادر 13/7/1400 الموافق 27/5/1980 أن السناتور كيندي اجتمع بممثلي الشاذين جنسياً وتعهد لهم بأنه سيدافع عن حقوقهم وسينفذ تعهداته إذا ما انتخب رئيساً للجمهورية .
وقد خصصت بعض الجامعات في الولايات المتحدة منحاً دراسية للشاذين جنسياً ومن تلك الجامعات جامعة سير جورج وليامز التي تخصص كثيراً من منحها الدراسية للمصابين بالشذوذ الجنسي .. ولا يمكن الحصول على تلك المنحة إلا إذا كان المتقدم مصاباً بالشذوذ الجنسي ..
وفي مدينة لوس انجلوس فقط يتجمع ثلاثمائة ألف شاذ جنسي .. ومن أغرب الأنباء أن مجلة اللوطية في بريطانيا نشرت هجوماً على الدين لأنه يحرم الشذوذ الجنسي(42) وأن الدين لذلك هو سبب لكل المشاكل في الدنيا فما كان إلا أن رد عليه أحد كبار القساوسة قائلاً : (( أن الكنيسة في حالة مخاض الآن . وأنه عما قريب ستعترف الكنيسة بالشذوذ الجنسي وأن الشاذ جنسياً إنسان عادي وله الحق إذا أراد أن يصبح قسيساً أو أي شيء آخر )) والجدير بالذكر أن الكنيسة سبق لها أن اعترفت بأن المخاللة والمخادنة أمر لا اعتراض عليه وإنما تعترض الكنيسة إلى الآن على البغاء والعهر وهي التجارة :. أما أن يعيش رجل وامرأة كزوجين بدون عقد زواج فهو أمر طبيعي ولا تعترض عليه الكنيسة ..(1/114)
وكانت المجلات والصحف البريطانية وخاصة الديلي اكسبريس والديلي ميل قد قامت عام 1970 بحملة واسعة ضد الرهبنة والكنيسة .. وقد ذكرت في إحصائيات - نتيجة تحقيقات بارعة - أن ما يقرب من ثمانين بالمائة من الرهبان والراهبات والقسس قد مارسوا الجنس ( أي أنهم من الزناة ) وأن ما يقرب من أربعين بالمائة منهم أيضاً قد مارسوا الشذوذ الجنسي .. ولذا فقد ركزت هاتان الصحيفتان حملتاهما على نظام الرهبنة الذي يمنع الرهبان والراهبات والقسس من الزواج .. ونادت بأن يلغى هذا النظام المبني على الخداع والكذب فيحاول أن يلغي الفطرة ويمنع الزواج فتكون النتيجة هي هذه النسبة العالية من الزنا والشذوذ الجنسي ونشرت مذكرات أحدى العاهرات في فرنسا فجاء فيها أسماء ثلاثة من البابوات وأحد عشر كردينالا . ونشرت مجلة النيوزويك في 1/8/1974 أن أحد كبار كرادلة فرنسا مات وهو في أحضان أحدى العاهرات في باريس ، وبعد عدة أشهر مات كردينال آخر بنفس الطريقة .
وقد كانت جمعيات الشاذين جنسياً تمارس نشاطها بشيء من السرية والكتمان وفي دورات المياه القذرة Dirty Closet Practice حتى قام أحد ضباط الصف اليهودي في الجيش الأمريكي بوضع لوحة كبيرة خلف مكتبة كتب فيها (( أنا شاذ جنسياً ))فقام الجيش عندئذ بطرده .. ونشرت التايمز الأمريكية صورته على غلاف الصفحة الأولى ودعي هذا إلى عدد كبير من المؤتمرات ليلقي فيها محاضراته الداعية إلى حرية الإنسان !! ( مسكينة تلك الحرية التي ترتكب كل الجرائم باسمها ) وضد التفرقة والاضطهاد في العمل على أساس السلوك الجنسي للشخص ..
ونجحت تلك الحملة وظهرت بعدها جمعيات الشاذين جنسياً إلى السطح وأخذت تمارس نشاطاتها في العلن وظهرت لها المجلات والصحف والكتب والأفلام.. ووضعت لها البرامج والتنظيمات.. وتكونت لها الكنائس والمعابد الخاصة .. وتنافس المرشحون - لرئاسة الجمهورية في زيارتها وإرضاء قادتها وأعضائها.(1/115)
وانتشرت تلك الجمعيات في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا - انتشاراً واسعاً حتى أن أعضاء هذه الجمعيات أصبحوا من الوزراء والشخصيات البارزة وفي مقاطعة كويبك بكندا وحدها ثلاثة وزراء يفتخرون بالإعلان أنهم شاذون جنسياً .. ورئيس حزب الأحرار في بريطانيا أيضاً مصاب بالشذوذ الجنسي .. وقد أثيرت فضيحة ضخمة عندما أتهم بقتل شريكه في الشذوذ قبل بضعة أعوام ..
ونتيجة لانتشار البغاء والزنا والشذوذ الجنسي فقد انتشرت الأمراض التناسلية انتشاراً ذريعاً في المجتمعات الغربية .. ويعتبر السيلان ( الجونوريا ) أحد أكثر الأمراض انتشاراً في العالم وهناك مئات الملايين الذين يصابون به في كل عام .. وقد كان هذا المرض من أسهل الأمراض علاجاً ولكنه اليوم لم يعد كذلك فقد تعودت البكتريا المسببة له على مختلف المضادات الحيوية وأصبح من العسير القضاء عليها .. وجاء في مرجع مرك الطبي (عام 1977 الطبعة الثالثة عشر ) أن عدد المصابين بالسيلان في الولايات المتحدة عام 1976 كانوا ثلاثة ملايين نسمة .. وأن عددهم في العالم بلغ أكثر من 250 مليون نسمة حسب إحصاءات هيئة الصحة العالمية وكذلك عاد إلى الظهور مرض الزهري بعد أن كاد يندثر ويختفي بعد ظهور البنسلين .. ولكنه الآن عاد بمناعة ضد البنسلين .. وفي الولايات المتحدة سجلت 400،00 حالة عام 1976 .. وذكرت هيئة الصحة العالمية أن عدد المصابين بالزهري جاوزوا الخمسين مليوناً عام 1976 م) (43).
ليس ذلك فحسب ولكن ظهرت أمراض تناسلية لم تكن معروفة من قبل وخاصة بين الشاذين جنسياً .. فقد انتشر بين هؤلاء الشاذين التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة (ب) فإن الفيروس ينتقل مع إفرازات الجهاز الهضمي من الشرح وينتقل إلى القضيب ومنه إلى جسم الشاذ والعكس صحيح ينتقل مع المني إلى القناة الشرجية ومنه إلى بقية الجسم .(1/116)
وكذلك دلت الأبحاث على زيادة كبيرة في سرطان القناة الشرجية والمستقيم لدى - المخنثين . وانتشر مرض هربس التناسل في أمريكا وأوروبا . وقد بلغ عدد حالات الهربس عام 1982 في الولايات المتحدة ، عشرين مليون حالة . وفي بريطانيا مائة ألف حالة . كما ظهرت مرض الايدز أي مرض فقدان المناعة المكتسب وهو مرض مميت خلال عامين أو ثلاثة من بداية ظهور الأعراض . ويصيب أساساً المخنثين (70%من مجموع الحالات ) وقد بلغ عدد الحالات المسجلة في الولايات المتحدة 2600 ( حتى نوفمبر 83) وفي العالم 5000 حالة .. أما العدد الحقيقي فيقدر بعشرة أضعاف هذا الرقم .
أما الآن فسنعود إلى انتشار الزنا والطلاق والإجهاض ففي بريطانيا تقوم الإحصائيات الحديثة أن هناك حالة طلاق من بين كل حالتي زواج كما ذكرته جريدة المدينة في عددها الصادر 27/5/1400 .. وتقول الإحصائيات أن هناك الجنس (الزنا) ويكاد جميعهن يعرفن وسائل منع الحمل .. ومع هذا فقد أجريت مائة وعشرون ألف حالة إجهاض عام 1973 نصفهن تقريباً دون العشرين .. ولا يزال هذا العدد في ارتفاع .. وفي الولايات المتحدة تقع حالة طلاق كل 27 ثانية أو مليون حالة طلاق سنوياً ( أنظر مجلة U.S. News عدد 21 نوفمبر 1983 ) .
ولقد اضطّرت كثير من المجتمعات الغربية إلى سن قوانين تبيح الإجهاض بعد أن وجد أن المنع القانوني لا ينفذ بل العكس من ذلك يؤدي إلى الإجهاض السري الذي تكثر فيه الأضرار ..
ولا تزال بعض البلاد الكاثوليكية تمنع الإجهاض مثل أسبانيا والبرتغال ومع ذلك فإن معدل الإجهاض سنوياً في شبه الجزيرة الايبرية ( أسبانيا والبرتغال ) يزيد عن مليون حالة إجهاض .(1/117)
وهذا رغم شيوع وسائل منع الحمل .. والسبب في كثرة الإجهاض في أسبانيا والبرتغال ( مليون حالة في كل عام ) وقلته النسبية في بريطانيا ( مائة وعشرين ألف حالة في العام ) لا يرجع إلى أن الأسبانيات أكثر إقبالاً على الزنا من البريطانيات بل لأنهن أقل إدراكاً ومعرفة بوسائل منع الحمل .. ففي بريطانيا تدرس وسائل منع الحمل منذ المرحلة الابتدائية بينما لا تدرس وسائل منع الحمل في المدارس الإسبانية والبرتغالية إلى الآن .
ولعل هذا يعتبر أحد ظواهر تخلف المجتمع الأسباني والبرتغالي عن بقية المجتمعات الأوروبية !! ومن هنا ندرك لماذا يصر الأسبانيون إلى الآن إلى النظر إلى الزنا واللواط والسحاق بشيء من الازدراء والاحتقار بينما قد تجاوزت المجتمعات الأوروبية هذه النظرة ووصل بها التقدم (!!) إلى اعتبارها أمراً لا غبار عليه بل أمراً مطلوباً لاكتمال الصحة النفسية وربما كان هذا العدد الضخم من حالات الإجهاض ناتج عن السياسة السياحية الناجحة فأسبانيا تعتبر البلد السياحي الأول في العالم فقد زارها 8مليون سائح عام 1979 وهو أعلى رقم للسياحة لأي دولة من دول العالم ..
وقد حصلت بموجب ذلك على دخل جيد وعلى مليون حالة إجهاض وليس لدينا إحصائيات عن عدد اللقطاء في ذلك العام ونرجو لمن لديه معلومات موافاتنا بذلك حتى تكتمل لدينا الإحصائيات .(1/118)
وبهذه المناسبة أذكر حادثة طريفة وقعت لأحد الشباب المثقف الذي كان يحضر للدراسات العليا في لندن .. في أوائل السبعينات.. ولم يكن ملتزماً بالدين بل كان كغيره من الشباب المبتعث يتمتع بشبابه وحياته دون قيود .. وفي أحدى الأجازات القصيرة ذهب إلى البلاد الاسكندنافية وإلى الدينمارك .. وفي أحد المسارح هناك فوجئ بالفنانة ( هكذا يسمونها بدلاً من لفظ العاهرة ) وهي تخلع ثيابها قطعة قطعة حتى وقفت عارية تماماً في وسط المسرح .. ولم يكن هذا غريباً فقد شاهد ذلك في لندن المحافظة !! ويسمون ذلك عرض الاستربتيز .. ويعرفه كثير من السياح العرب إلى أوروبا .. ولكن ما أدهشه وأثار مكامن التقزز فيه وقلب كيان حياته بعد ذلك .. أن قامت تلك الداعرة بمقارفة الفاحشة مع كلبها الضخم أمام الناس ثم لم تلبث بعد ذلك أن طلبت من الحاضرين متحدية أن يفعلوا بها مثل ما فعل الكلب أمام الأضواء الباهرة والموسيقى الصاخبة الملعلعة .. ووجم صاحبنا وأحس بالغثيان والميل إلى القيء .. ورأى أحد الأفارقة المخمورين وهو يصعد إلى خشبة المسرح ويحاول دون جدوى أن يقلد الكلب فلم يفلح .. منذ تلك اللحظة انقلبت الموازين المهزوزة في عين صاحبنا وأصابه شرخ كبير في إيمانه بالحضارة الغربية .. وبعدها تولدت لديه القناعة الكاملة بأن هذه الألفاظ البراقة مثل الحرية والمساواة والتقدم ليست إلا سراباً خادعاً تخفي تحته النتن والقذر ..(1/119)
وعاد صاحبنا التقدمي بعد الصدمة العنيفة ليتزوج فتاة من وطنه بعد فترة طويلة من العزوبة .. وكان شرطه الوحيد أن تكون تلك الفتاة من أسرة متدينة طيبة وأن تكون محجبة وأن تكون ربة بيت ممتازة .. لم يسأل عن مالها .. لم يسأل إلا عن شيء واحد سأل فقط عن تدينها .. وعجبت له أيما عجب وسررت منه أيما سرور فقد تحول تحولاً جذرياً هائلاً بعد ما صدم برؤية تلك البغي على خشبة . المسرح وهي تسافح الكلب علناً .. وتتحدى الموجودين أيهم يصل إلى مستوى ذلك الكلب !!
نعم لقد تحول ذلك التحول الجذري الذي جعله يبحث عن ذات الدين وفي الحديث الشريف :
(( تنكح المرأة لدينها ومالها وجمالها .. فظفر بذات الدين تربت يداك )) .
(( وتخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ))(44). وقد أحسن صديقنا الاختيار وكان السبب في ذلك تلك الصدمة التي روعته ومزقت تلك الأغلفة الكاذبة البراقة عن زيف الحضارة الغربية وولوغها في الوحل .
نكاح المحرمات :
وفي السويد التي تعتبر قمة في الحضارة .. حيث أعلى مستوى للمعيشة فإن الدولة تدرس هناك قانوناً يبيح العلاقة الجنسية بين الأخ وأخته !! نعم لقد انتهوا من أباحة الزنا ثم أباحة اللواط .. ثم أباح الإجهاض .. وتوصلوا إلى احترام الأمهات العذارى كما يسمونهن !! ويالها من تسمية تناقض الواقع مناقضة تامة !! وأخيراً بعد كل هذا وصلوا إلى أباحة الزنا بالأخت .. وقريباً سيصدر تشريع باباحته مع البنت والأم !!
ولذلك فإن السويد تتمتع بأعلى معدلات الانتحار في العالم ! كما تتمتع بأعلى معدلات الطلاق وهكذا السويد دائماً سباقة في كل ميدان من ميادين التقدم !!(1/120)
وقد نشرت صحيفة الهيرالدتريبيون في عددها الصادر في 29/6/1979 ملخصاً لأبحاث قام بها مجموعة من الأخصائيين من القضاة والأطباء الأمريكيين حول ظاهرة غريبة ابتدأت في الانتشار في المجتمع الأمريكي وفي المجتمعات الغربية بصورة عامة .. وهي ظاهرة نكاح المحرمات ويقول الباحثون أن هذا الأمر لم يعد نادر الحدوث وإنما هو منتشر لدرجة يصعب تصديقها فهناك عائلة من كل عشر عائلات أمريكية يمارس فيها هذا الشذوذ والأغرب من هذا أن الغالبية العظمى (85%) من الذين يمارسون هذه العلاقات الشاذة مع بناتهم وأولادهم أو بين الأخ وأخته أو الابن وأمه هم من العائلات المحترمة في المجتمع .. والناجحة في أعمالها والتي لا تعاني من أي مرض نفسي وليسوا من المجرمين ولا من العتاة وإنما هم في الغالب من رجال الأعمال أو الفنيين الناجحين في أعمالهم وحياتهم ..
ويذكر التقرير أن حالة واحدة من بين عشرين حالة هي التي تصل إلى القضاء أو إلى الدوائر الطبية .. ومعظم هذه الحالات هي حالات اعتداء من الأب على أبنته ولا يقتصر الاعتداء على الابنة البالغة .. وإنما قد حصلت حالات كثيرة من اعتداء الأب على طفلته الصغيرة وسجلت حالات من الاعتداء ابتداء من سن ثلاثة أشهر إلى سن البلوغ ..
وينتج عن ذلك الاعتداء أمراض تناسلية وتهتكات في الجهاز التناسلي للطفلة بالإضافة إلى الإصابات النفسية البالغة للطفلة .
كما أن عدة حالات حمل قد سجلت نتيجة اعتداء الأب على ابنته . وفي كثير من هذه الحالات كانت العلاقة بين الأب وابنته تمتد إلى سنوات عديدة .
أما العلاقة بين الأخ وأخته فيعتبرها الباحثون علاقة شاذة ولكنها ليست بذات ضرر وينبغي أن لا يهتم بها الوالدان إذا لاحظوها بل يتركوها للزمن فهو كفيل - بمعالجتها !! ولا يعتبرون أن في ذلك أي إساءة .. ويستحسن أن تترك بدون علاج .(1/121)
وأما العلاج الوقائي فيقترحون : أن لا ينام الأطفال مع والديهم في نفس السرير وكذلك ينبغي عزل الأولاد عن البنات(45).. كما أن على الوالدين أن يتجنبا العلاقات الجنسية أمام أطفالهم ( وهذا شبه شائع في أوروبا وأمريكا الآن ) كما أن عليهما أن يمنعا عن الأطفال المناظر الجنسية المثيرة سواء كانت على هيئة أفلام أو مجلات أو قصص .
ويحتار الباحثون في علاج الحالات الموجودة فوصولها إلى القضاء يعني سجن الوالد وتحطيم الأسرة ولكنهم يقترحون أبعاد الطفل المعتدى عليه إلى مصحة نفسية . وإذا كانت الفتاة بالغة تغير بيئتها وتخرج إلى ميدان العمل وتبتعد عن جو الأسرة .. وهذا ما يحصل في الواقع في كثير من الحالات تلقائياً ..
ولا تقتصر حوادث العدوان على الآباء .. وإنما هناك حالات من اتصال الأم بابنها جنسياً ويعتبر التقرير هذه الحالات أشدها خطراً على حياة الأسرة .. كما أن هناك حالات من اتصال الجد أو العم أو الخال بحفيدته أو ابنة أخيه أو ابنة أخته يقف الباحثون أمام هذه الظاهرة قلقين لكن دون أن يدركوا العلاج الحقيقي !!
وأخيراً نشرت التايم الأمريكية في عددها الصادر 14 أبريل سنة 1980 تحت عنوان (( مهاجمة التابو ( المحرم المقدس ) الأخير)) Attacking the Last Taboo وتحته مباشرة بعنوان فرعي : الباحثون يعملون لإباحة المحرمات .. وإليك نص الترجمة :
(( يحب علماء الجنس أن يصدموا الجمهور من حين لآخر .. ولكن يبدو أنه أصبح من العسير عليهم أن يفعلوا ذلك فقد تعودت الجماهير في الغرب أن تنظر إلى العلاقات الجنسية حتى الشاذة منها نظرة باردة .. ولكن الباحثين يعملون الآن بجد يساندهم في ذلك بعض الأكاديميين لإزاحة آخر صنم في المجال الجنسي وهو منع نكاح المحرمات من الأمهات والأخوات والبنات .(1/122)
ويقول الباحث جون موني من جامعة جون هوبكنز وأحد أشهر الباحثين في الأمة الأمريكية(( أن تجارب الطفل الجنسية مع أحد أقاربه الكبار أو غيرهم من البالغين لا يشكل بالضرورة ضرراً على حياة الطفل))
ويشكو الباحث وزميلته جيرترود وليامز في كتابهما (( الأفعال الجنسية الضارة وإهمال الأطفال )) .. يشكو المؤلفان من أن الجهور لا يزال يعتبر أن أي اتصال جنسي بالطفل مهما كان حميداً فإنه اتصال ضار ومحطم للطفل ..
ويواصل الباحثان فيقولان : (( إن المجتمع يعتبر من يمارس الجنس مع المحرمات مثل الأمهات والأخوات والبنات وكأنه مارق على الدين في مجتمع متدين )) .
ويقولان بينما قد استطاع المجتمع الأمريكي التغلب على مشكلة الدين فلا يُنظر إلى الإنسان بأنه مارق إذا خالف دين المجتمع فإنه للأسف حتى الآن لم ينظر المجتمع بنفس التسامح لمن يقوم بنكاح أخته أو أمه أو أبنته .
ويقول الباحث واردل بومري بصراحة أكثر :
لقد آن الأوان لكي نعترف بأن نكاح المحرمات ليس شذوذاً ولا دليلا على الاضطراب العقلي ... نعم في الواقع قد يكون نكاح المحرمات وخاصة بين الأطفال وذويهم أمراً مفيداً لكليهما !!
ويقول العالم الانثروبولجي سيمور باركر من جامعة يوتاوه بحذر ..
(( أنه من المشكوك فيه أن يكون الثمن الذي يدفعه من يقوم بنكاح المحرمات من الشعور بالذنب والجفوة بين أفراد الأسرة الواحدة أمر ضروري أو حتى مرغوب فيه وعليه فينبغي إزاحة هذه الشعور بالذنب عندما يقوم شخص بنكاح ابنته أو أخته أو أمه : وما هي الجدوى التي ستعود من ربط نكاح المحرمات بهذا الشعور من عدم الارتياح بدلاً من المحبة والدفء الذي يشعه نكاح المحرمات )) .
ولقد نشر تقرير سيكسي وهو النشرة الرسمية لمجلس المعلومات والتثقيف الجنسي في الولايات المتحدة هجوماً حاداً على منع نكاح المحرمات وطالب باباحته واعتبره (( تابو )) مقيت يجب إزاحته !!(1/123)
وقال المؤلف جيمس رامزي : (( إننا نقف اليوم نفس الموقف المتأخر الذي كنا نقفه منذ مائة عام من العادة السرية )) .
ومعلوم أن الاستمناء باليد ( العادة السرية ) يعتبر أمراً لا غبار عليه ولا يؤثر صحياً على من يقوم به باعتدال الآن أما في الماضي فقد كان يعتبر جريمة تسبب الشعور بالذنب والقلق لمرتكبها )) .
ويواصل الباحث المشهور جيمس رامزي حديثه فيقول : أن مزيداً من الاتصال الجسدي بين أفراد الأسرة سيحقق الدفء وسيخفف من هذا السعار الجنسي المحموم في سن المراهقة !! )) .
ويقول الانثروبولوجي يهودي كوهين ( دائماً ترى كوهين خلف هذه المصائب ) :
(( أن منع نكاح المحرمات ليس إلا من مخلفات الإنسان البدائي الذي احتاج لإجراء معاهدات واتفاقات تجارية خارج نطاق الأسرة فقام عند ذاك بمنع نكاح المحارم وبما أن ذلك لم يعد له أي أهمية فإن هذا المنع يصبح أمراً قد عفى عليه الزمن )) .
وقد قامت الباحثة جوان نيلسون وهي تحمل درجة الماجستير في علم النفس بإنشاء معهد لدراسة السلوك الجنسي وقد قامت ببحث ميداني للتفريق بين نكاح المحرمات المفيد ونكاح المحرمات الضار .
ويبدو أن الجمهور قد بدأ يهتم بموضوع نكاح المحرمات ومما يدل على ذلك أن هوليود قد أنتجت 6 أفلام فقط عن نكاح المحرمات عام 1920 بينما هي أنتجت عام 1979 ستين فيلماً .. والمزيد في الطريق ..
وقد تكونت جماعة تطالب بحقوق الأطفال الجنسية وأن من حق الطفل أن يكون له نشاط جنسي مع أي فرد من أفراد العائلة أو حتى خارج نطاقها !!
ويقول لأري قسطنطين الأستاذ المساعد في قسم الأمراض النفسية في جامعة تفتس (( أن للأطفال الحق في أن يعبروا عن أنفسهم جنسياً مع أي فرد حتى ولو كان أحد أفراد عائلته )) .(1/124)
ويقول الباحثون الجنسيون : أن جميع أنواع الاتصالات الجنسية مفيدة ولو كانت بين الأب وابنته أو أبنه .. وبين الأم وابنها .. وبين الأخ وأخته .. نعم كلها مفيدة ولكن الضار فقط هو الشعور بالذنب .. والإحساس بالخوف .. وأخطر شيء هو الكبت !! نعم هو الكبت الجنسي !
أن مثل هذا الاتجاه سيقود معتنقيه حتماً إلى أقامة حملات صليبية ضد جميع أنواع المنع الجنسي شاملاً بذلك نكاح المحرمات )) .
انتهى مقال التايمز بدون تعليق ...
الخيانة الزوجية والخليلات :
وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن في عددها الصادر 15/7/1400 هـ الموافق 29/5/1980 م أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته ..وفي كثير من هذه الحالات يعلم الزوج بخيانة زوجته وتعلم الزوجة بخيانة زوجها ومع هذا قد تستمر العلاقات الزوجية الشكلية دون أن يطرأ عليها أي انفصام .. أما العلاقات قبل الزواج فإن 80% إلى 85% من الرجال البالغين لهم خليلات .. وأن لكل واحد منهم خليلة واحدة فقط وأن خيانة المخاللين للخليلات أقل من خيانتهم للزوجات واكتشفت الدراسة أن خيانة الخليلات لأخلائهن هي أكثر من خيانة الزوجات لأزواجهن .. وتقول الدراسة أن ما بقي من أفراد المجتمع غير المتزوجين والذين ليس لهم خليلات هم من الزناة الذين يتنقلون من امرأة إلى أخرى وليست لهم علاقة دائمة .
وتشيد الدراسة بالأخلاق العالية للمجتمع الأوروبي الذي ارتفعت فيه نسبة العشاق والمتخذين أخداناً بحيث أنها وصلت إلى 85% من مجموعة غير المتزوجين وأن الخيانة بين المتخاللين والمتخذين أخداناً هي أقل منها بين المتزوجين ..
وتذكر الدراسة أن الرجل الفرنسي يأتي في المرتبة الأولى من حيث اتخاذ الخليلات وعدم خيانتهن يليه الألماني ثم يليه البريطاني ثم يأتي في آخر القائمة الإيطالي والأسباني ..(1/125)
وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر 12/7/1400 الموافق 26/5/1980 تحت عنوان : بريطانيا الجديدة : أزمات زوجية وعائلية وارتفاع حالات الخيانات .. على أنواعها (( بريطانية مقبلة على أزمة اجتماعية كبيرة .. وتتحدث أرقام رسمية نشرت أمس في لندن عن تزايد المخاوف من زيادة نسبة الطلاق وانخفاض نسبة الزواج وارتفاع نسبة الخيانة الزوجية بين الطرفين وتقول الأرقام ما يلي :
1. 30 بالمائة من الأزواج الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاماً عليهم أن يتوقعوا سلسلة عمليات طلاق خلال 15 عاماً الآتية .
2. ارتفع عدد الأمهات المطلقات إلى مليون وربع المليون أم . والرقم مرشح للزيادة .
3. 50 بالمئة من الأزواج الجدد يرفضون الإنجاب خلال السنوات الثلاث الأولى من زواجهم .
4. 90 بالمئة من المراهقين بين سن 13 و16 يقبلون على شرب الخمور بصورة مزعجة . وقد أدخل كثير منهم إلى المستشفات بسبب انغماسهم في الشراب .
5. ارتفاع نسبة الذين يتعاطون المخدرات من الشباب والمراهقين .
وفي بحث عن الطلاق نشرته مجلة U.S. News of World Report الصادرة في 21 نوفمبر 1983 جاء فيه أن الطلاق في الولايات المتحدة يزداد بسرعة رهيبة فهناك مليون حالة طلاق في كل عام في الولايات المتحدة أي بمعدل طلاق واحد كل 27 ثانية .. والغريب حقاً أنهم اتجهوا إلى إجراء الطلاق بدون إثبات أو اتهام الخيانة الزوجية الذي كانت المحاكم تطالب به لتحكم بالطلاق .. وبينما نرى الغرب يتجه رويداً رويداً إلى ما يقارب التشريع الإسلامي في الطلاق نرى الدول العربية مثل تونس واليمن الجنوبية ومصر وغيرها تتجه إلى القوانين الغربية التي عفا عليها الزمن .
***********************************************
الفصل السابع
الإبتزاز الجنسي
للمرأة العاملة
في الغرب
استغلال المرأة العاملة جنسياً :(1/126)
نشرت مجلة النيوزويك الأمريكية في عددها الصادر في 17 مارس 1980 تحقيقاً هاماً بعنوان ((Abusing sex at the office)) (( سوء استخدام الجنس في المكاتب )) وبعنوان فرعي Sexual Harrassment, the boss dirty little fringe benefit, is out of the closet and it's illegal .
(( أن مضايقة الرئيس لمرؤوسيه جنسياً أمر قد خرج عن ( دورة المياه ، أي عن السرية ) وأصبح غير قانوني )) .
(( يمكن أن يكون الاعتداء الجنسي في المكتب خفيا على هيئة نكت بذيئة أو صريحاً كالقبض على أثداء الموظفة .. ويمكن أن نرى ذلك في الموظفات العاملات على الآلة الكاتبة أو السكرتيرات أو في المعارض أو حتى في مكاتب المحامين وثكنات الجيش وقاعات المحاضرات بالجامعات .. أنها في الواقع مشكلة الذي يستخدم نفوذه وقوته للاعتداء على المرأة وأنه لشبيه بالاغتصاب .. وعلى المرأة أن تدفع ذلك لقاء وظيفتها وأحياناً من صحتها ... أن هذا الأمر ليس جديداً على الإطلاق بل هو قديم قدم دخول المرأة إلى العمل مع الرجل .. وقد عدم مساواتها معه في الأجر .. ولكنه كان أمراً مسكوتاً عليه والآن بدأ يخرج من طي الكتمان ومن دورة المياه القذرة .
وليست لدى السلطات أي أرقام حقيقية لأن المرأة لا تستطيع أن تشكو رئيسها في أغلب الأحيان لأسباب عديدة منها أنها ستفقد مصدر دخلها الوحيد إذا هي أقدمت وتجرأت بالشكوى إلى المسؤولين.. ومع هذا فإن السلطات المختصة تقدر أن هذا الأمر واسع الانتشار جداً نتيجة للملاحظات والشكاوى المقدمة ..(1/127)
ومثالاً على ذلك تقدمت الموظفة هالي اديواردس في (( سوبر ماركت )) لوس أنجلس بشكوى أن رئيسها دعاها إلى المخازن وهناك وجدته قد أظهر أعضاءه التناسلية وأمسك بها .. وكانت نتيجة الشكوى أن رقي رئيسها على فعلته تلك وأبعدت هي من وظيفتها وفي كلية ماساشوستس ذهبت الطالبة هيلين ساهدي إلى أستاذها الكبير خريج هارفارد لتسأله مساعدتها في بحثها فأمسكها في مكتبه يقبلها ويحتضنها عنوة .. أما في نيويورك فقد تعرضت الضاربة على الآلة الكاتبة دورين رومانو إلى إغراء رئيسها بأن تشاطره الفراش لقاء زيادة مرتبها ورفع درجتها فلما رفضت ذلك العرض السخي كان نصيبها الطرد من العمل وحرمانها من مصدر معيشتها .
وعندما وصل أمر رومانو إلى المحكمة حصلت على تعويض ويقول محاميها :
((أن النساء لم يعدن يحتملن هذا السلوك ولديهن الآن الجرأة على الشكوى وإيصال الأمر إلى المحكمة)).
(( نعم لقد تحررت المرأة أخيراً ضد هذا العدوان الجسدي والنفسي عليها فرفعت ذلك إلى القضاء .. وأقامت مراكز للاستشارة حول هذه القضايا .. كما ظهرت المرأة في التلفزيون الأمريكي تتحدث بصراحة عن مشكلتها تلك )) .(1/128)
(( وتقول المحامية جوديت كيرتز من فرانسسكو : أن النساء بدأن يدركن أن هذه المضايقات الجنسية نوع من التفرقة بين الجنسين وليست أمراً يسيراً (and it's not O.K.) إن الزيادة في الشكاوى من المضايقات الجنسية في العمل توازي الزيادة في عدد العاملات في الولايات المتحدة .. ومع هذا فلا تزال المرأة في مجال العمل مرؤوسه برجل في أغلب الحالات .. وأكثر العاملات هن سكرتيرات أو كاتبات على الآلة الكاتبة أو بائعات في المتاجر والحوانيت والمراكز التجارية ( السوبر ماركت ) أو نادلات ( جرسونات ) وفي كل تلك الأحوال يكون رئيسها المباشر رجلاً تعمل من أجله ولحسابه .. وله سلطة عليها .. ويملك أن يرفع أجرها أو يخفضه ويمكن أن يرقيها في وظيفتها أو يطردها منها وعليها أن ترضيه لتبقى في وظيفتها ولتترقى فيها وليزداد أجرها ومن ضمن تلك الترضية السكوت على اعتداءاته الجنسية أو موافقته عليها ..
وتقول الأستاذة جاكلين بولس من جامعة جورجيا : ليس الدافع إلى هذه المضايقات هو الرغبة الجنسية الجامحة لدى الرجل فإنه يستطيع بكل سهولة ويسر قضاءها كيفما أراد .. ولكنها الرغبة العارمة في إظهار القوة .. نعم أن هذه المضايقات الجنسية تشبه إلى حد كبير حالات الاغتصاب التي انتشرت في الولايات المتحدة انتشاراً ذريعاً .. والتي ليس دافعها الرغبة الجنسية إذ الجنس متوفر لمن أراد وبدون أي كلفة ولكن دافعها الحقيقي هو حب السيطرة وإظهار القوة .(1/129)
وتقول كيرين سويفيجن رئيسة معهد النساء العاملات في نيويورك : أن المضايقات الجنسية لا تقتصر على الاعتداء الجسدي . بل أن الكلام البذيء والنكت الفاضحة تشكل نوعاً من الاعتداء على المرأة الحساسة وليس كل النساء يستطعن تحمل هذا الكلام البذيء والنكت الفاضحة فكم من واحدة أصيبت بالأمراض الجسدية مثل الصداع والقيء وعدم النوم وفقدان الشهية نتيجة لهذا الوضع السيء التي تضطر فيه المرأة العاملة إلى سماع هذه الاعتداءات الجنسية الكلامية .
(( وكم من واحدة اضطرت إلى أخذ الحبوب المهدئة لتستطيع الذهاب إلى العمل كل صباح وسماع تلك الأسطوانات الممجوجة من الغزل البذيء)) .
(( ولقد اضطر بعض النساء الحساسات إلى ترك أعمالهن بسبب هذا الاعتداء الكلامي وقالت أحدى السكرتيرات اللائي اضطررن للاستقالة من وظيفتها في أتلانتا بالولايات المتحدة نتيجة لهذه البذاءة الكلامية : (( أنهم يعرونك من كرامتك )) .
وتعلق المجلة أخيراً .. أن القانون لا يستطيع بأي عمل إزاء هذا العدوان الكلامي بل لا يوجد قانون فيدرالي حتى الآن يمنع المضايقات الجنسية البدنية فضلاً عن الكلامية وولاية ويسكنسون هي الوحيدة حتى الآن التي تعتبر المضايقات الجنسية نوعاً من التفرقة بين الجنسين . وتستمر المجلة في تعليقها قائلة :
(( وحتى لو صدر قانون بمنع المضايقات الجنسية في العمل فإنه من الصعب إثباته قانونياً .. ولابد من البراهين والأدلة وحتى البراهين المكتوبة قد لا تعتبر دليلاً على المضايقات الجنسية فقد حدث أن السكرتيرة كاتي بيتر في مدرسة نيوجرسي احتملت كثيراً - مضايقات رئيسها الجنسية لأنها لا تستطيع أن تقدم دليلاً مادياً على شكواها .. وفي ذات مرة ترك رئيسها ورقة بخط يده كاتباً عليها صفات السكرتيرة الجيدة :(1/130)
(( يجب أن يكون مظهرها جميلاً وجسمها رشيقاً ومستعدة للذهاب إلى الفراش مع رئيسها ورضاؤها أكيد )) وعندما اشتكت إلى إدارة التعليم رئيسها المحترم مدير المدرسة أهملت شكواها .. وأخيراً قدمت شكوها إلى المحكمة فكسبت القضية وحكمت لها المحكمة بتعويض قدره 14,000 دولار وتوبيخ المدير ( نعم توبيخ المدير فقط ) .
وأخيراً أصدر المجلس الفيدرالي قراراً يمنع الترقية في العمل على أساس الخدمات الجنسية التي تقدمها الموظفات لرؤسائهم وينبغي أن تكون الترقية على أساس العمل وجده ولا يدخل في العمل أي خدمات جنسية سواء كانت في محل العمل أم في خارجه !!
وأخيراً ظهر كتاب الابتزاز الجنسي Sexual Shakedown تأليف لين فارليي عام 1978 The Sexual Harrassment of Women the Job by Lin Farley 1978.(Warner Books). طبعة نيويورك وظهرت طبعة لندن عام 1980 .
وأثار هذا الكتاب ضجة كبرى في الولايات المتحدة لأنه أخرج هذه القضية من طي الكتمان ( دورة المياه السرية القذرة) إلى تحت الأضواء الكاشفة للصحافة والإذاعة والتلفزيون وقد تحدثت عن الكتاب كبريات الصحف الأمريكية واعتبرته أهم ما صدر في هذا الباب مطلقاً وقد قالت عنه النيويورك تايمز (( لقد حطم هذا الكتاب جدار الصمت وفتح الباب على مصراعيه للانتباه لهذه المشكلة ومحاولة حلها .. لقد فضحت المؤلفة استغلال الرجل للمرأة جنسياً في العمل .. وأدلتها دامغة .. وما قالته المؤلفة مهم جداً )) .
وقالت السنداي تايمز شيكاجو ( أن هذا الكتاب دراسة واقعية لمشكلة تثير الانزعاج )) وقالت مجلة (( نظرات في الكتب )) (( إن هذا الكتاب ثورة .. وفيه من الشجاعة ما يمكن أن يغير سوق العمالة في الولايات المتحدة ))(1/131)
وقالت الواشنطن بوست (( أنه مساهمة هامة لمعرفة العوامل التي تتحكم في المرأة )) وقالت دينفربوست (( أنه خطوة هائلة إلى الأمام .. وهو أول كتاب يعالج بجد واهتمام قضية استغلال المرأة جنسياً في العمل .. وهو أمر أكثر شيوعاً من الاغتصاب في الولايات المتحدة )) .
وقد ظهر الكتاب نتيجة لدراسة ميدانية مكثفة قامت بها المؤلفة مع طالباتها في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة ابتداء من 1974 إلى نهاية 1976 وبعد ذلك تعاونت مع كثير من الهيئات والجماعات النسائية على امتداد الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من العاملات والصحفيات والكاتبات والمهتمات بوضع المرأة في العمل ..
ورغم إن القوانين في الولايات المتحدة تمنع التفرقة في الأجر على أساس الدين أو اللون أو الجنس ( أي الذكورة والأنوثة ) إلا أن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات أثبتت وجود التفرقة العنصرية المبنية على اللون والجنس .. فالأبيض يأخذ أجراً أعلى من الأسود حتى ولو كان عملهما واحداً .. وكذلك المرأة تأخذ أجراً أقل من الرجل(46). وهناك سياسة غير معلنة متفق عليها لمنع السود والمرأة من كثير من الأعمال المجزية وتعمل هذه السياسة على حصر الوظائف التي يسمح بها للسود وللنساء العمل بها ، وهي في الغالب وظائف مرهقة جسدياً ونفسياً وفي نفس الوقت قليلة الأجر وتقوم المؤلفة أن من وظائف الاعتداء الجنسي على المرأة العاملة هو جعلها تنتقل من وظيفة إلى أخرى نتيجة استقالتها وهروبها من الوظائف التي تمارس فيها الاعتداءات الجنسية .. ويزداد بذلك العرض على الطلب وتخفض بذلك أجرة العاملة ..
الفصل الثامن
تاريخ إبتزاز
المرأة العاملة
جنسياً
إن الاعتداء الجنسي والمضايقات والمعاكسات الجنسية على المرأة العاملة ليس وليد الساعة بل هو قديم قدم دخول المرأة إلى ميدان العمل .(1/132)
ونحن نعرف إن المرأة الأوروبية والغربية لم تدخل إلى ميدان العمل إلا بعد الثورة الصناعية الكبرى عندما فر آلاف بل ملايين الرجال من القرويين والفلاحين السذج من ملاكهم الإقطاعيين الذين كانوا يسومونهم الخسف والعذاب إلى المصانع التي ابتدأت تنتشر في المدن ولكن عذاب هؤلاء القرويين السذج لم ينته بفرارهم من قبضة الأقطاعي الظالم الطاغي الذي كان يملك الأرض ومن عليها من إنسان وحيوان ... بل لقد واجه هؤلاء الفلاحون نوعاً جديداً من السخرية والامتهان والاستغلال . فقد تلقفتهم أيدي سماسرة الرأسماليين ودفعت بهم إلى أتون المصانع لقاء أجر زهيد لا يفي بالقوت ..
وكانت حالة هؤلاء العمال شديدة البؤس وتفشت فيهم كثير من الأمراض .. وكان السل أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال وخاصة عمال مناجم الفحم .. وكانت الأوبئة الفتاكة تنتشر من حين لآخر فتقتل الملايين وكان أكثرها إثارة للرعب (( الموت الأسود )) Black Death وهو الطاعون وقد بلغ ضحاياه في القرن الرابع عشر خمسة وعشرين مليوناً.. وبلغ ما يقرب من هذا العدد في القرن الثامن عشر
ليس هذا فحسب ولكن هؤلاء الفلاحين والقرويين السذج انقطعوا عن أسرهم في الأرياف ولم يستطيعوا العودة إلى أسرهم أبداً .. بل ولم يستطيعوا أن يرسلوا لهم بما يقوم بأودهم .. فرب الأسرة الذي نزح إلى المدينة هرباً من طغيان الإقطاعي وقع في برثن الرأسمالي ( اليهودي في أغلب الأحيان ) ونتيجة للفقر المدقع الذي يعيش فيه لم يتمكن من إرسال شيء من دريهماته إلى أسرته التي يعولها .. ولم يبق أمامه إلا أن يدور كالثور في دولاب الآلة ليواصل الإنتاج للرأسمالي الجشع.. وليبقى على قيد الحياة..(1/133)
ولكن الأوبئة وأخطار العمل كثيراً ما كانت تقضي على حياة هؤلاء العمال فكم مات منهم نتيجة السل والطاعون .. وكم مات منهم نتيجة سوء التغذية .. وكم من آلاف ماتوا تحت الأقبية في المناجم.. وكم منهم أصيب بعاهات مستديمة تمنعهم من العمل أثناء استخدامهم للآلات والمخترعات الحديثة .
ونتيجة لهذه الظروف القاهرة والعوز الشديد اضطر النساء والأطفال إلى أن يهجروا القرى وانضموا إلى طوابير العمال التي تقف مستجدية على أعتاب سماسرة الرأسمالي الجشع كي يضمن لها أي عمل وبأي أجر .
وسر الرأسمالي بذلك وسماسرته لأن ذلك يزيد من العرض على الطلب ويقف في وجه النقابات العمالية التي ابتدأت تتكون وتتجمع وراجت تجارة البغاء رواجاً كبيراً للأسباب التالية :
1. الفقر والعوز الشديد الذي حل بالأسرة القادمة من الريف .
2. تحطم كيان الأسرة وبقاء النساء بدون عائل يعولهن .
3. بقاء آلاف بل ملايين العمال دون زواج وحتى المتزوجين منهم فقد كانوا بعيدين عن زوجاتهم.. وكانوا في حالة من العزوبة .
ولابد من الاستجابة لنداء الغريزة المغروزة في الفطرة .. فإن لم تتح الفرصة لإروائها وإشباعها بالزواج فبالزنا .
واستفاد السماسرة والقوادون من ذلك وكونوا عصابات للتحكم في سوق النخاسة .. وراجت تجارة الابضاع والفروج أيما رواج وقام الرأسماليون بالاستفادة من هذه التجارة وانشأوا لها المسارح والملاهي وعلب الليل.. والكابريهات وأندية القمار.. وتجارة الخمور .. وكلها جميعاً تدر الملايين لجيوب اليهودي الرأسمالي القابع في قصره يفرك يديه فرحاً وسروراً بهذا النجاح .. جاء في البروتوكول التاسع من بروتوكولات حكماء صهيون:((لقد خدعنا الجيل الناشئ من الجوييم (أي غير اليهود من الأمم) وجعلناه فاسداً متعفناً بما علمناه من مبادئ ونظريات معروف لدينا زيفها التام.. ولكنا نحن أنفسنا الملقنون لها )).(1/134)
وحتى لا تقوم العوائق الأخلاقية بمحاربة هذا التيار فقد أوجد اليهودي الرأسمالي فلسفة متكاملة تنادي بالحرية الجنسية ونادي بذلك آلاف الكتاب والأدباء والصحفيون .. والمربون والفلاسفة والمنظرون .. وظهرت آلاف القصص والمسرحيات والكتب التي تمجد العهر وترفع من شأن الزناة سواء كان ذلك بالمخاللة والعشق أو عن طريق التجارة(47)
وبقيت المرأة سلعة رخيصة في يدي الرأسمالي وجعل منها أداة التهديد العمال من الرجال إذا طالبوا بالمزيد من الأجر .. فقد كانت المرأة ترضى في كثير من الأحيان بربع أجر الرجل لتقوم بنفس عمله .. ولا يزال معدل دخل المرأة العاملة أقل من نصف أجر الرجل .. حسب إحصائيات عام 1978 م .
وكان من نتيجة الاختلاف في المصانع وأماكن العمل وعدم وجود عائل للمرأة أن انتشر الزنا انتشاراً ذريعاً .. ولم تكن أغلب النساء الواقعات في هذه المصيدة راضيات عن أحوالهن بل كان أغلبهن يتقززن من ذلك ولكن لم يكن أمام المرأة من وسيلة للبقاء على قيد الحياة إلا السكوت على هذه الحالة المخزية .
وكان رئيس المرأة في أي عمل من الأعمال لا يكف عن مطالبتها بالنوم معه وإلا كان مصيرها الطرد .. لتأتي غيرها ..
تقول لين فارلي في كتابها (( الابتزاز الجنسي Sexual Shakedown )) إن تاريخ ابتزاز المرأة العاملة جنسياً قد بدأ منذ ظهور الرأسمالية ومنذ التحاق المرأة بالعمل ..
ولقد ساهم ابتزاز المرأة جنسياً أثناء العمل في قتل إعداد لا تقدر من النساء العاملات في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين .. وذلك عن طريق انتشار الزهري والأمراض - التناسلية . وعن طريق طرد المرأة إلى قارعة الطريق إذا رفضت الاستجابة لرغبات رئيسها في العمل .. وبالتالي التعرض لإمراض سوء التغذية والأمراض المعدية .(1/135)
وكانت المرأة تستجيب وترضخ تحت التهديد المستمر بالفصل من العمل إذا هي لم تستجب لرغبات رئيسها الجنسية .. وليس هذا فحسب ولكن بإمكانه أن يشوه سمعتها ويتهمها باللاأخلاقية ويكون بذلك قد منعها فعلاً من الحصول على أي عمل آخر نظيف .. ويدفعها دفعاً إلى تجار الدعارة والبغاء أو إلى الهروب خارج المدينة .
وبما أن أجر المرأة العاملة كان تافها ولا يكاد يفي بحاجاتها الضرورية لإبقائها على قيد الحياة فإنها كانت مضطرة للاستجابة والرضوخ لرغبات رئيسها الجنسية لأن الرفض معناه أما الطرد وحرمانها من مصدر دخلها الوحيد أو إذا كانت محظوظة أن يخفض رئيسها أجرها فتزداد فقراً على فقر .. وفي نفس الوقت إذا قبلت ورضخت لرغبات رئيسها الجنسية فإنها تقع في اللعنة ذاتها فسمعتها تتمرغ في الوحل ويزداد عدد المطالبين لها بالرضوخ والاستجابة مثلما فعلت لرئيسها .. وإذا اكتفى منها رئيسها فإنه يقوم بطردها واستبدالها بغيرها من المترددات على المصنع أو المتجر والطالبات للعمل . وفي تلك الحالة فإن العثور على عمل آخر يكون أكثر صعوبة ولا يبقى أمالها إلا تجارة البغاء حيث يتلقفها السماسرة وخاصة إذا كانت جميلة ..
(( ونتيجة لهذه المضايقات الجنسية في العمل فإن آلاف العاملات تحولن إلى مومسات مما جعل هذه الفترة في حياة الأمة الأمريكية ( القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ) تشهد أضخم عدد من المومسات في التاريخ .. مما أثار الرأي العام والصحافة آنذاك .. ومع هذا فقد سكتت الصحافة عن آلاف النساء والضحايا اللائي كان يقتلهن الزهري والأمراض التناسلية في كل عام ... ))(1/136)
وكان الرأسماليون يحرصون على وفرة وجود المرأة في سوق العمالة لأن ذلك يرخص من أجر العمال عموماً رجالاً ونساء .. وفي نفس الوقت يجعل أجر المرأة العاملة رخيصاً جداً .. ولذا فقد بدأ هؤلاء الرأسماليون يقلقون من خروج هذه الأعداد الهائلة من النساء من سوق العمالة إلى سوق النخاسة .. ولكن من حسن حظهم أن وصلت إلى الولايات المتحدة جموع غفيرة من المهاجرين فزادت بذلك من سوق العمالة الرخيصة .. وأدى ذلك مرة أخرى إلى مزيد من الابتزاز الجنسي للمرأة العاملة .
وفي عام 1905 نشر ابتون سنكلير كتابه ( الغابة ) الذي أثار ضجة كبرى وفيه ذكر قصة الفلاح اللتواني جورجيس رودكس وزوجته أونا اللذين كان يعملان في مصنع لتعليب اللحوم في شيكاغو .. وقد ذكر سنكير أن أونا كانت تتعرض للابتزاز الجنسي من رئيسها في المصنع .. وأنها لم تكن لتبقى يوماً واحداً لولا أنها تخشى أن تموت جوعاً إذا هي رفضت الانصياع لأوامره .. ومع هذا فقد كان القلق يساورها دائماً خوفاً من طردها بعد أن يشبع رغباته الجنسية منها .(1/137)
ويقول سنكلير في كتابه : لا يوجد مكان في المدينة تستطيع أن تذهب إليه أي فتاة لتعمل إذا هي اهتمت لمثل هذه الأمور فعليها أن تتجاهل قيمها الأخلاقية وعفتها إذا هي أرادت البقاء .. فإن أي عاهرة تستطيع أن تحتل مكانها بسهولة إذا هي رفضت الانصياع لرغبات رئيسها الجنسية وهنا في هذه المدينة فإننا نرى أغلب سكانها من الأغراب المهاجرين الذين يعيشون على شفا جرف فإما الموت جوعاً وأما الانصياع الكامل لرغبات رجال غلاظ الأكباد فاقدين لكل شعور إنساني نبيل وفي هذه الظروف الحرجة فإنه لابد من التضحية بالأخلاق والعفة .. وفي تلك المصانع كانت تدور قصص لا يمكن روايتها لبشاعتها وخستها ودناءتها .. وفي نفس الوقت كان الجميع يأخذونها على أنها أمر عادي ولابد منه .. ولم يكن هناك من فرق بينها وبين أيام العبودية والرق التي كانت تسود الولايات المتحدة حيث كان الرقيق يعاملون بخسة ووحشية بالغة وتستخدم نساءهم جنسياً ثم يرمون للكلاب )) .
(( وأن الاستغلال الجنسي البشع الذي وصفه كتاب الغاية ليس إلا تقريراً دقيقاً لواقع الحال آنذاك .. والذي لم يكن يثير أي اهتمام في المجتمع . ونتيجة لذلك نرى آثاره المدمرة مستمرة إلى يومنا هذا .. )).
(( وفي عام 1913 كتب كولي إلى زوجة حاكم نيويورك الذي انتخب حديثاً ما يلي : أنني لا أفهم لماذا الرجل الذي اعتدى على زوجتي لا يزال حراً طليقاً .. لقد قام باستدعائها إلى مكتبه للحصول على وظيفة في الإدارة الصحية وهناك أقفل رتاج الأبواب وقام بالاعتداء الجنسي عليها .. وليس ذلك صواباً في نظري .. أن زوجتي حامل ولدينا طفلة أخرى وأنا عاطل بدون عمل .. ولا يليق أن تبقى زوجتي المعتدى عليها في السجن بينما الرجل الذي اعتدى عليها حر طليق .. أنني أرجوك يا سيدتي أن تسعي لدى زوجك لإطلاق سراح زوجتي المسكينة .. فنحن أسرة فقيرة محطمة بائسة فأشفقي علينا )) .(1/138)
وتقول المؤلفة لا أحد يدري أن كانت زوجة الحاكم قد توسطت للإفراج عن الزوجة المسكينة المعتدى عليها والتي سجنت لأنها تجرأت واشتكت رئيس الدائرة الذي كان سيستخدمها ..
وهكذا ترى أن مجرد الشكوى على حادث اغتصاب بشع يؤدي إلى أن يسجن البريء والمشتكي بدلاً من معاقبة المجرم..أنها ولا شك حضارة القرن العشرين متمثلة في أكثر دول العالم اليوم تقدماً وحضارة!!
تاريخ الاعتداء الجنسي على المرأة البيضاء في العمل :
وتحت هذا الفصل كتبت لين فارلي : أن تاريخ ابتزاز المرأة البيضاء جنسياً في الولايات المتحدة قديم واستشهدت بكتاب جيد الفته صحيفة تدعى هيلين كامبل وأسمته (( سجناء الفقر )) الذي صدر عام 1887 ذكرت فيه مشاهد حياتية يومية في حياة العاملة في الولايات المتحدة وذكرت فيه صوراً دقيقة في حياة العمال ومستخدميهم وجاء في الكتاب ما يلي :
أن كثرة الأعداد الهائلة من المتقدمين للعمل يجعلهم تحت رحمة صاحب العمل أو مديره أو حتى الرؤساء الفرعيين . الذين يختارون من بين الأعداد الغفيرة من الطالبات المتقدمات للعمل الجميلات الشابات المرغوبات .. وكل ذلك على حسب ذوق وميول الشخص المنوط به اختيار العاملة .. وفي كثير من الأحيان يشترط ذلك الشخص على المتقدمة أن تدخل معه الغرفة الخاصة لمزيد من الاستجواب والفحص .. وهناك يتم له ما يريد إذا كان لدى المتقدمة أي رغبة في الحصول على العمل ..
أما إذا رفضت فمصيرها معروف وهو الحرمان من العمل والمزيد من الفقر والحرمان بل واحتمال الموت جوعاً .. وغيرها في الطابور كثير .. وهن مستعدات للرضوخ لرغبات ذلك الشخص الذي بيده أن يمنحها عملاً تجد من ورائه أجراً تستطيع به أن تبقى وتعيش وأن كانت عيشة ضنكة تعيسة ..(1/139)
ولم يكن الأمر على هذا المنوال في المصانع والمتاجر فحسب بل حتى في الأعمال المنزلية والفنادق والموتيلات .. بل أن الأمر في هذه الموتيلات والفنادق والمطاعم أكبر وأخطر .. فليس على المرأة أن ترضي رئيسها ولكن عليها أيضاً أن ترضي الزبائن بمختلف أذواقهم ومشاربهم .. ويعني هذا ببساطة أن تتحول إلى بغي ومومس .. ولا يوجد أي مجال لها للرفض فإذا رفضت الانصياع لطلبات الزبائن فإن صاحب العمل سيطردها في أغلب الأحيان لأنها بذلك تفقده زبائنه ...
وتذكر المؤلفة أغرب من ذلك قصة القسيس الأب جوزيف الأعزب الذي يبلغ من العمر 35 عاماً والذي كان يطلب من خادمة الغرفة باستمرار أن تنام معه في الفراش فلما رفضت كال لها الشتائم والصق بها التهم .
وانتهت المؤلفة كامبل إلى القول بأن الأعمال المنزلية في الفنادق والموتيلات هي أخطر الأماكن التي تتعرض فيها المرأة العاملة للابتزاز الجنسي ..وأن هذه الأعمال ليست إلا غطاء لنوع واسع من البغاء السري )) .
أما وظيفة فتاة المتجر أو المطعم فإنها تتعرض لمخاطر أكبر وأعظم .. وتقول كامبل بأن كثير من الفتيات الحساسات الرقيقات قد أصبن بأمراض جسدية ونفسية بالغة نتيجة لتعرضهن لمحنة العمل في المتاجر والمعارض والمطاعم وتقول مودينجر العاملة في أحد المطاعم كنادلة ( جرسون ) (( إن رئيسي يطلب مني باستمرار أن أرضي الزبائن وأن أتقبل معاكساتهم ونزواتهم الجنسية .. بل أن على إن أبادلهم بمثلها !! )).
ابتزاز المرأة السوداء جنسياً :(1/140)
أن ابتزاز النساء السود يبدأ في الولايات المتحدة منذ أن جلب الرجل الأبيض ملايين السود من أفريقيا وجعلهم عبيداً له ليعملوا في مزارعه وحقوله ومصانعه وتقول جردا ليونر في كتابها (( النساء السود في أمريكا البيضاء Women in White America Black أن وفرة النساء السود كمواد للاستخدام الجنسي للرجل الأبيض أمر قد قدسته التقاليد وفرضه الرعب المثار ضد الرجل الأسود وأكدته القوانين التي تمنع الزواج بين البيض والسود وسمح به الرأي العام الأبيض في جميع أشكاله السرية والعلنية .. وبعد أن انتهى عهد الرقيق تحول كل ذلك إلى الاستغلال الجنسي إلى المرأة السوداء في ميدان العمل )) .
وكتبت ممرضة سوداء في مجلة الاستغلال عام 1912 تحت عنوان (( مزيد من الاسترقاق في الجنوب )) أنني أذكر آخر عمل طردت منه .. لقد طردت لأني رفضت السماح لزوج السيدة أن يقبلني ويبدو أن ذلك أمر قد تعود عليه مع جميع الخادمات في المنزل فبمجرد أن قبلت كطاهية ودخلت إلى المطبخ أقبل علّى وأراد أن يحتضني ويقبلني فلما دفعته وامتنعت عليه طردني فذهبت إلى زوجي وكنت قريبة عهد بالزواج وأخبرته بما حدث فذهب زوجي إلى الرجل الأبيض الذي حاول أن يغتصبني .. فما كان من الرجل الأبيض إلا أن صفع زوجي على وجهه وألقى القبض على زوجي بتهمة أثارة الشغب وقام القاضي بتغريم زوجي 25 دولاراً على جرأته في مخاطبة السيد الرجل الأبيض .. ورغم أنني أقسمت أمام القاضي بما حدث إلا أنه رفض أن يصدقني قائلاً : (( إن هذه المحكمة لا يمكن أن تصدق أسود مهما كان الأمر وتكذب رجلاً أبيض )) .(1/141)
ولم يكن الأمر في الولايات الشمالية أقل سوءاً مما عليه في الولايات الجنوبية فقد كانت وكالات العمل تدفع بالمرأة السوداء إلى مزيد من الأعمال القذرة الشائنة وبأجور أقل وساعات عمل أطول .. وكانت كثير من هذه المهن ليست إلا نوعاً من الدعارة السرية .. وفي عام 1905 كتب فرانس كيلر المدير العام للجنة المختصة بانتقال العمال ووكالات تشغيلهم التابعة لمجلس البلديات ما يلي : (( إن هؤلاء الفتيات السود يجمعن رجال وكالات العمل التي يملكها البيض فيرسلونهن من الجنوب إلى الشمال لقاء ( تسعة عشر دولاراً ونصف ) ( لا تكلف أجرة النقل أكثر من سبعة دولارات ) وتتعهد الفتيات بأنهن سيعملن شهرين كاملين بدون أجر .. وتحتفظ الوكالة بعفشهن لمدة شهرين حتى لا يهربن وبمجرد وصولهن إلى المواني الشمالية يستقبلهن رجال يسرقون أي شيء يحملنه معهن .. ويبقوهن في بيوت سيئة وبإعداد كبيرة يختلط فيها الرجال بالنساء .. ويبقى فيها هؤلاء الفتيات بدون أثاثهن وعفشهن ويعملن بدون أجر لمدة شهرين وتحت تهديد بالطرد في أي لحظة فهل يمكن أن تعتبر هذه الفتاة أكثر من جارية .. ولهذا فإن أي واحدة منهن لا تستطيع في مثل هذه الظروف القاسية أن تحافظ على عفتها )) .
وتقول جين آدمز في كتابها (( ضمير جديد وشيطان قديم )) ((Anew Conscience and an Ancient Evil)).
إن هذه البيوت التي توضع فيها الفتيات المجلوبات للعمل لا تعدو أن تكون بيوتاً للدعارة وتملكها في الواقع عاهرات يقمن بدفع هؤلاء الفتيات إلى تجارة البغاء التي يسيطر عليها الرجل الأبيض باسم وكالات العمل .(1/142)
وتقول أول امرأة وصلت إلى الهيئة الإدارية النقابة عاملات الملابس العالمية بولين نيومان بأنها استقالت لأنهم أعطوها أجر أقل من زملائها الرجال ولأن جون ديشي الأمين العام للنقاب كانت له طلبات جنسية أخرى .. وكتبت لصديقتها تشكو لها هذا الوضع وتوضح أنهم اختاروا بدلاً منها واحدة ذات قدر أكبر من الجمال وأكثر منها تحرراً في الشؤون الجنسية .. وهذا بالضبط ما يرضي ديشي )) .
وتقول روز شنيدرمان المسؤولة عن اتحاد النقابات العمالية للنساء : لا يوجد مصنع واحد اليوم لا تحدث فيه حوادث الاعتداء الجنسي بشكل من الأشكال . وفي رأيي ذلك يمكن القضاء عليه أو على الأقل التخفيف منه بتثقيف الفتيات العاملات بدلاً من مهاجمة الشركات !! وتختلف معها في هذا الرأي صديقتها بولين نيومان .. ولين فارلي مؤلفة كتاب Sexual Shakedown ذلك لأن الفتيات المثقفات أنفسهن يعانين من أنواع مختلفة من الاعتداءات الجنسية المتكررة ولم تكن الثقافة رادعاً لمثل هذا السلوك العدواني من الرجل .
وكانت أول امرأة تنذر حياتها لمحاربة الاستغلال والابتزاز الجنسي للمرأة في مجال العمل هي إيما جولدمان .. ولقد جابت الولايات المتحدة من أقصاها إلى أقصاها داعية ومحاضرة لتحرير المرأة من نير ابتزاز الرجال لحاجتها للعمل واستغلالها جنسياً فدعت إلى التحرير من رق الجنس في العمل .(1/143)
وقدمت نظريتها المعروفة باسم التحرر الجنسي Sexual Emancipation والمقصود بذلك أن المرأة حرة في صيانة عرضها وفرجها وأن لا تواجه لها أي ضغوط نظراً لفقرها وعوزها وحاجتها إلى العمل .. وابتزاز تلك الحاجة للحصول منها على مالا ترغب فيه من نوم معها في الفراش بالإكراه .. ونتيجة لهذه الحملة التي قامت بها اعتقلتها السلطات وأودعتها السجن ولكن ذلك لم يفت في عضدها واستمرت في دعوتها القائلة بأن تحرير المرأة لن يتم إلا بإيقاف الابتزاز الجنسي لها في العمل .. وقد كتبت في - رسالتها (( التجارة في النساء )) والمقصود تجارة الابضاع (( لا يوجد مكان اليوم تعامل فيه المرأة العاملة على أساس عملها بل على أساس الجنس .. ولهذا فإنها لكي تحتفظ بحقها في البقاء والعيش .. وبحقها في الاحتفاظ بعملها ومصدر دخلها فإن عليها أن تقدم مقابل ذلك جسمها وفرجها .. )) .
ولقد هوجمت أيما جولدمان من المجتمع الأمريكي الذي يسيطر عليه الرأسماليون وأصحاب الأعمال .. وحاولوا أن يشوهوا سمعتها .. ولما لم يجد ذلك اعتقلوها وأودعوها السجن فلما لم يفلح ذلك حاولوا أن يسدلوا عليها ستار النسيان.. والتعتيم .. وتجاهلتها أجهزة الأعلام الضخمة التي يملكها أولئك الرأسماليون .. والذين هم في غالبيتهم من اليهود ...(1/144)
وتقول لين فارلي (( أن الوضع لا يزال كما تركته أيما جولدمان وأن هناك أعداداً لا يمكن إحصاؤها من النساء اللائي اضطررن لبيع أجسادهن في مقابل الاحتفاظ بالعمل .. وأن ذلك القسر والإجبار على الزنا قد أدى إلى تعاسة وشقاء لا يمكن تصوره لتلك النسوة وأهليهن .. ليس ذلك فحسب ولكن أعداداً كبيرة منهن قد أصبن بالأمراض الجنسية الخطيرة مثل الزهري والسيلان والقرحة الأكالة وجرب التناسل وهريس التناسل وسنط التناسل والقرحة الرخوة وماتت الكثيرات منهن نتيجة لهذه الأمراض الوبيلة .. كما ماتت الكثيرات نتيجة للقهر والإذلال وحياة التعاسة والشقاء والفقر في حالتي الرفض والاستجابة لرغبات الرجال في المصانع والمتاجر والمكاتب )) .
وتقول لين فارلي في موضع آخر :
إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً ذريعاً في الولايات المتحدة وأوروبا .. وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجال .. وترى لين فارلي أن ذلك يخدم رجال الأعمال والرأسماليين لأنه يجعل المرأة التي تتعرض لهذه الضغوط الجنسية قلقة ومتوترة وسرعان ما تترك عملها إلى عمل آخر .. فيجعلها تبحث عن أي عمل آخر ولو بأجر أقل .. ونتيجة لذلك يظل أجر المرأة العاملة منخفضا . وتبقى حاجتها إلى العمل وبأي أجر دائمة ..
كما تجعل مجموعة منهن يعانين من البطالة .. وبذلك تتوفر الأيدي العاملة باستمرار وبأجر زهيد .. وبما أن العمال من الرجال قد ضمنوا إلى حد ما وضعاً جيداً فإن النساء هن اللائي يقعن فريسة لهذا الاستغلال البشع ..
ونتيجة للمضايقات الجنسية المستمرة فإن المرأة تضطر إلى ترك عملها وتعاني في تلك الحالة من البؤس وشظف العيش ما لا يخطر ببال . وتضطر بعد ذلك أن تقبل أعمالاً أقل من مستواها وكفاءتها وأقل مما كانت تتقاضاه من أجر في عملها السابق ..(1/145)
وتقول المؤلفة : أنه لا يكاد يوجد بين النساء العاملات في الولايات المتحدة من تعمل إلا وهي مضطرة للعمل لسد الرمق .. وهذه الحقيقة صحيحة في جميع الأوقات والأزمنة بالنسبة للنساء العازبات واللائي يبلغ تعدادهن 23 بالمائة من تعداد العاملات وبالنسبة للثكالى والمطلقات والمفترقات عن أزواجهن واللائي يبلغ تعدادهن 19 بالمائة من مجموع العاملات .. وهي كذلك حقيقة بالنسبة لأغلب المتزوجات والأمهات العاملات وخاصة في السبعينات .. ومنذ عام 1972 يشكل دخل الزوجة البيضاء العاملة ربع دخل الأسرة ويشكل دخل الزوجة السوداء العاملة ثلث دخل الأسرة .. وبما أن معظم دخول الأزواج لا تكفي حتى للضرورات فإن عمل الزوجة أصبح في السبعينات ضرورة قصوى .
وتقول إحصائيات عام 1973 أن 12 بالمائة من الأسر الأمريكية لا عائل لها نتيجة لوفاة العائل أو نتيجة للطلاق أو نتيجة للافتراق .. وتبقى المرأة لذلك هي العائل الوحيد للأسرة .. وإذا علمنا أن إحصائيات 1973 و 1974 تقول أن ربع مليون امرأة من هؤلاء المسؤولات عن أسرهن كن عاطلات عن العمل لأدركنا فداحة الوضع بالنسبة لربع مليون أسرة أمريكية بدون عائل وبدون عمل للمرأة العاملة والعائل الوحيد لتلك الأسر .
والسبب الرئيسي في بطالة هؤلاء العاملات هو الاعتداءات والمضايقات الجنسية في مجال أعمالهن .
ورغم دعاوى المساواة العريضة في الولايات المتحدة فإن معدل أجر المرأة العاملة في الولايات المتحدة كان ثلث معدل أجر الرجل حسب إحصائيات عام 1973 .. ولا يبدو المستقبل أكثر إشراقاً فمعدلات الطلاق في زيادة مستمرة حتى وصلت إلى ما يقرب من خمسين بالمائة من جميع الزيجات عام 1979 ولذلك فإن أعداداً أكبر من النساء يدخلن إلى سوق العمالة .. بحثاً عن لقمة العيش .
ويقترب عدد العاملات أو الباحثات عن عمل في الولايات المتحدة الآن نحو من خمسين مليون امرأة.(1/146)
وتقول إحصائيات عام 1974 أن أسرة واحدة من كل ثماني أسر في الولايات المتحدة ترأسها امرأة لعدم وجود رجل للعائلة ( أما مطلقة أو ثكلى أو من الأمهات العذارى كما يسمونهم هناك ) وتعيش ثلث هذه العائلات في فقر مدقع .
وحتى العائلات التي يرأسها رجل فإن دخل الزوجة أصبح ضروريا للوفاء بالتزامات الأسرة المالية وفي كثير من الأحيان للحصول على الضروريات الأساسية للبقاء .
ونتيجة لوفرة الأيدي العاملة الناعمة فإن أصحاب العمل والمدراء أمامهم مجال واسع للاختيار من بين هذه الأيدي العاملة الناعمة أصبحها وجوها وأكثرها أناقة .. وأقربها إلى مزاج صاحب العمل أو مديره .. ومن الخصائص الهامة للحصول على العمل أو الاستمرار فيه هوان تكون المرأة العاملة سواء كانت زوجة أو أما من الأيامى ( غير متزوجة ) مستعدة دائماً لتلبية طلبات رئيسها المباشر وإرضائه جنسياً ..
ويخلق هذا الوضع بالتالي صعوبات جمة لمن لا يملكن أي قدر من الجمال والأنوثة إذ ليس المطلوب فحسب الكفاءة في العمل والإخلاص فيه بل أن المطلوب أولا هو إرضاء ذوق رئيس العمل .
وقد ذكرت المؤلفة مئات الأمثلة من آلاف الوقائع التي سجلتها هي وتلميذتها من جامعة كورنل .. وتمثل تلك الأمثلة مختلف قطاعات المجتمع الأمريكي ابتداء من طالبات الجامعة اللائي يتعرضن للضغط الجنسي من رؤساء الأقسام الرجال والمشرفين على رسالاتهن الجامعية حتى ليصل الأمر أن يطلب المشرف على الرسالة من طالبته أن تنام معه في الفراش مقابل نجاحها وحصولها على درجة (( A !! )) إلى الموظفات في الأمم المتحدة اللائي يتعرضن للابتزاز الجنسي من رؤسائهن .. إلى العاملات في المصانع إلى الموظفات في المكاتب الخاصة والعامة .. وإلى العاملات في المتاجر وإلى عارضات الأزياء .. بل وإلى ضابطات البوليس حيث يطلب من الضابطة أن ترضي رؤساءها من الضباط جنسياً لتحوز على رضاهم وإلا مصيرها الطرد ..(1/147)
*********************************************
الفصل التاسع
أمثلة من الاعتداءات
الجنسية في العمل
يروي المفتش السري ريتشارد هاملتون هذه الواقعة :
(( لقد اتصلت الضحية بقسم البوليس في مدينة ريدوود عام 1972 بعد أن حاول رئيسها في العمل الاعتداء عليها . كانت تبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً وهي أم لطفل بلا أب لقد كانت تعمل في عيادة طبيب الأسنان في كاليفورنيا الشمالية .. وبعد مضي شهرين على استلامها العمل لديه هجم عليها ذات يوم والجأها إلى الجوار وحاول الايلاج ولكنها رفضت فالقاها على الأرض وفتح سوستة الثوب وحاول الايلاج وأدماها .. وهي تقاوم وتقول لا إريد هذا لا أريد هذا .. ولم يزد على أن يقول لها أنني لم أعطك الوظيفة إلا من أجل هذا ! أتعلمين ؟ وفجأة رن جرس التليفون فتركها وذهب كلا منهما إلى الغذاء .. وفكرت ملياً هل تبلغ البوليس ؟ .. وهل تعود إلى العمل ؟ أنها ستموت جوعاً هي وطفلها إذا لم تعمل ؟ وكيف العثور على عمل آخر أنها لم تحصل على هذا العمل إلا بمشقة .. نعم عليها أن تعود إلى العمل لعله يكتفي بما حصل وفعلاً عادت إلى العمل بعد الغذاء .. وهناك حاول مرة أخرى وكان له ما أراد قسراً واغتصاباً .. وأبلغت الشرطة .. ويواصل المفتش حديثه (( بما أن المعتدي كان طبيب أسنان محترم وبما أنه لم يكن هناك شهود ولا براهين فإن الشرطة لم تلق القبض على الطبيب واكتفت بأقواله التي أنكر فيها ادعاءات تلك الموظفة )) .. واكتفت الشرطة بتحذيره وانذاره بخطورة تلك الفعلة وأن عليه أن لا يكررها مرة أخرى مع امرأة أخرى .(1/148)
ويقول المفتش هاملتون بعد خبرة طويلة في مثل تلك الحالات : (( أنها حالات يصعب أثباتها ورغم أنها تشبه الاغتصاب إلا أن الشرطة ورجال القانون لا يلقون إليها بالا في الولايات المتحدة !! وتكون النتيجة أن الضحية تقع تحت طائلة الاستجواب بتهمة قذف إنسان شريف .. ولذلك لا أستغرب أن تمتنع أغلب الضحايا من تبليغ الشرطة )) .
ومع هذا فقد استطاع هاملتون أن يلقي القبض على مدير أحد المطاعم في مدينة ريدوود بتهمة اشتراطه على المتقدمات إلى العمل أن يوافقن مسبقاً على النوم معه كشرط للحصول على الوظيفة في ذلك المطعم
ويقول أن هناك العديد من الفتيات الصغيرات المضطرات إلى قبول أي شرط مهما كان للحصول على أي عمل .
وقد لا يدرك القارئ أن على الفتاة إذا بلغت سن السادسة عشرة أن تغادر منزل والديها وتبحث لها عن عمل لأن الوالدين لا يستطيعون الأنفاق عليها بعد هذه السن..وأن عليها أن تعيش من دخلها.. وهذه أحدى دلائل المساواة في المجتمع - الأمريكي والأوربي حيث تطرد الفتاة من منزل أمها وأبيها بعد سن تتراوح ما بين الخامسة عشر والثامنة عشر تماماً كما يطرد الفتى .. ويقال لكليهما .. الآن انتهى دورنا .. عليكما أن تبحثا عن عمل تعيشان منه .. ولا شأن لنا بكما .. تفضلا أخرجا من المنزل .. أو يمكنكما بالبقاء بشرط دفع أجرة السكن والأكل !! ولا غرابة بعد ذلك أن نرى الأولاد عندما يكبرون يكيلون لآبائهم وأمهاتهم الصاع صاعين .. فيموت الأب أو الأم دون أن يدري عنه أحد في غرفة باردة .. حتى يبدأ الجيران في الشك فيطلبون الشرطة التي تفتح الباب عنوة لتجد العجوز قد توفي منذ أيام .
ويروي المفتش هاملتون حادثة أخرى بعد أن أبلغ بأن أحد مدراء المطاعم لا يعطي الوظيفة للفتيات إلا بعد موافقتهن على اقتسام الفراش معه . فقام بإعطاء أحدى المتقدمات للعمل مسجلاً صغيراً .. وطلب منها أن تتقدم إليه طالبة العمل وإليك مقتطفات مما دار بينهما من حديث ..(1/149)
المدير : هل تركت المدرسة لتوك ؟
المتقدمة :نعم أنهيت الفصل الصيفي .
المدير : ستذهبين مرة أخرى في الخريف .
المتقدمة : لست واثقة من ذلك .. لأن على أن انتقل من منزلي ( نتيجة لطرد أبويها لها ) .
المدير : هل أنت مضطرة للعمل .
المتقدمة : نعم .
المدير : سأعطيك نموذج الطلبات لتملأينه فيما بعد والآن هل تسمحين لي ببعض الأسئلة الشخصية .
المتقدمة : تفضل ما بدا لك .
المدير : ما هو هدفك في الحياة ؟
المتقدمة : في الحقيقة ليس لي هدف .
المدير : هل تريدين أن تعملي طوال حياتك أم أنك تريدين الزواج ؟
المتقدمة : لا .. أفضل أن اعمل طوال حياتي واستمتع بحياتي .
المدير : أنت رومانسية إذن .
المتقدمة : نعم .
المدير : هل لك مجموعة من العشاق ( البوي فريندز ) أم عشيق واحد مستمر .
المتقدمة : لا ليس لي عشاق .. وإنما عندما أشعر بالحاجة إلى الذهاب مع أحدهم أذهب معه !
المدير : أنني أفكر ! أنني أفكر !
المتقدمة : أنني مضطربة وقلقة .
المدير : لا تكوني مضطربة ولا قلقة .. ولكني رجل قذر (( نعم )) إن عليك أن تساعديني في الطبخ وسأتركك لوحدك بدون معونة .. ولا تجعلي الزيت يحرق جلدك .
المتقدمة : أنا مستعدة لعمل أي شيء .. أعطني فرصة .
المدير : وعليك التنظيف وغسل الأطباق .. وأحياناً تكونين على الصندوق وأحياناً تنظفين المراحيض .. هل تعترضين على ذلك ..
المتقدمة : لا .. سأفترض أنني في منزل والدتي .
المدير : يبدو أن عليك أن تقومي بأود نفسك .
المتقدمة : نعم لقد تركت منزل والدتي وسأعيش مع بعض صديقاتي .
المدير : هل تحبين الحفلات .
المتقدمة : نعم .
المدير : ما رأيك في الحشيش ( الماريوانا ) .
المتقدمة :له حسناته وسيئاته .. في الواقع لا أعرف .
المدير : إذا رأيت هنا واحداً يدخن الحشيش هل يضايقك ذلك ؟
المتقدمة : لا يضايقني ! .. إنه أمر لا يخصني .. أنه أمر تراه في كل مكان .
المدير : هل ستعترضين إذا كنت قذراً معك ؟
المتقدمة : يعتمد .(1/150)
المدير : يعتمد على ماذا ؟
المتقدمة : يعتمد إلى ماذا تلمح ؟
المدير : ماذا تقولين إذا قلت لك سأعطيك الوظيفة بشرط أن تنامي معي ؟
المتقدمة : أن ذلك يعتمد هل ذلك بصورة دائمة أم مرة واحدة كل يوم فقط ؟
المدير : لا أعرف؟ لكن ما أهمية ذلك ؟ أنني لا أقول كل يوم..يكفيني مرة واحدة في الأسبوع ما رأيك؟
المتقدمة : لا بأس بذلك .
المدير : هل نقفل الباب ونتكلم في هذا الموضوع بالتفصيل ؟
المتقدمة : لا يهم .
المدير : تعالي إذن .. أنك حقاً لجميلة .
المتقدمة : شكراً .
المدير : ولديك ساقان جميلتان .
المتقدمة : شكراً .
المدير : أنني سأستأجرك للعمل هنا ولن تمانعي طبعاً في الخدمات الجانبية إلا يضايقك ذلك ؟
المتقدمة : لا
المدير : ما رأيك في قبلة الآن ؟
المتقدمة : أنني مضطربة الآن .
المدير : لا بأس .. متى نجتمع ؟
المتقدمة : متى ما تريد ؟
المدير : بأسرع وقت ما رأيك الساعة الثانية بعد الظهر .
وعندما القي القبض على هذا المدير بتهمة الابتزاز الجنسي أطلق صاحب العمل سراحه بكفالة .. والغريب حقاً أن لا أحد يرى فيما فعل أي جريمة .. حتى الشرطة ورجال القانون .. لم يروا في ذلك ابتزازاً .. أن الجميع يرون ذلك أمراً روتينياً لا غبار عليه .. وعندما قدم للمحكمة حكم عليه بغرامة مالية قدرها 125 دولاراً فقط !..! وأطلق سراحه على الفور .
وتقول لين فارلي : إذا كانت المرأة تقبل من نفسها أن تكون صيداً جنسياً فإن حق الرجال أن يصادوا ..
(( ولكن المرأة العاملة تجد نفسها مضطرة إلى الرضوخ لرغبات رئيسها الجنسية لأنها لا تجد العمل ابتداء إلا بالموافقة على نزواته .. ولا يمكنها الاستمرار في العمل إلا بالاستمرار في الرضوخ حتى يكون هو الذي ملها فعندئذ يختلق أي عذر ليستبدلها بغيرها ..(1/151)
أن هذه الاعتداءات الجنسية مصدرها قوة الرجل وضعف المرأة وليس الدافع الجنسي هو الذي يحرك هؤلاء الرجال بل حب السيطرة ... إن ذلك يشبه الاغتصاب فالدافع للاغتصاب ليس الجنس فالجنس سهل ميسور .. بدون اغتصاب .. ولكنها الرغبة الجامحة في حب السيطرة .. ولذا فإن معظم هذه الحوادث التي تدور في أماكن العمل لا تكون متبادلة وإنما هي من جانب واحد فقط .. أي من جانب الرجل الذي يقسر المرأة ويهينها ويبتذلها .. ويستغل حاجتها إلى العمل .. أنه لا يبدي نحوها أي شعور بالمحبة أو المودة .. أنه فظ معها حتى وهو يمارس الجنس ليذلها ويشعرها بالمهانة والحقارة .. وفي معظم تلك الحالات تستجيب المرأة وترضخ وهي مليئة بالشعور بالامتهان والغيظ من وضعها الذي يفرض عليها هذا الإذلال المقيت .
مدى انتشار الاعتداء الجنسي في العمل :
(( أن الاعتداء والمضايقات الجنسية في العمل واسعة الانتشار بصورة لا تصدق . إن دراسة ألفي مؤسسة ومصنع تظهر بوضوح أن الجاذبية الجنسية في المرأة ( سكس أبيل ) هي أحد الشروط الهامة للحصول على الوظيفة وخاصة في عاملات التليفون والاستقبال والسكرتيرات والضاربات على الآلة الكاتبة .
وحتى في وظائف الحكومة الفيدرالية فإن هذه الشروط تبقى ثابتة وغير معلنة .
(( وما هو أخطر من ذلك هو الهيئات التي تحارب التفرقة على أساس الذكورة والأنوثة فإنها هي ذاتها تقوم بابتزاز المرأة العاملة جنسياً وقد نشرت ذلك صحيفة وال ستريت جورنال )) .(1/152)
ويقول مكتب المرأة في لجنة الحقوق المدينة للولايات المتحدة أن هذا الابتزاز الجنسي للمرأة العاملة واسع الانتشار جداً .. ويمثل مشكلة عويصة الحل )) بل إن إدارات القضاء والمحاكم نفسها تعاني من هذه الاعتداءات الجنسية وتقول ديانا وليمز عضوة مجلس العلاقات الاجتماعية في إدارة القضاء إن هذه الاعتداءات منتشرة جداً وقد قامت بنفسها برفع دعوى على أحد القضاة الذين قاموا بالاعتداء عليها وحكمت لها المحكمة بتعويض مالي !! وكذلك كسبت مادلين ليون سالاس قضيتها ضد ثلاثة من كبار الموظفين في وكالة التنمية التعاونية Cooperative Development Agency .
كما كسبت بوليت بارنس تعويضا مقداره 18,000 دولار نتيجة لاعتداءات رؤسائها الجنسية عليها في وكالة حماية البيئة .. وفي الوقت الحالي تنظر المحاكم في قضايا العدوان الجنسي أثناء العمل من موظفات في وزارة الصحة والمعارف والرعاية الاجتماعية وتقول مجلة الأخبار ( النيوز ) (( أن هناك مائة من كبار الموظفين يتعرضون للاستجواب حول ممارساتهم الجنسية الابتزازية أثناء العمل في الوقت الراهن )) .
وفي استفتاء قدمته مؤسسة هوج عن آراء النساء العاملات في دنيا العمل عام 1963 يظهر من الاستفتاء أن أكثر ما يقلق المرأة العاملة هو الاعتداء والابتزاز الجنسي أثناء العمل .. والطريف أن التقرير يقول أن المرأة إذا كانت رئيسة للرجال فإنها لا تبتزهم جنسياً ويقول بالحرف الواحد لا يمكن أن تقوم بدور الذئب .. بل هي في الواقع الحمل الذي يفترسه الذئاب .
وقد قامت جامعة كورنل عام 1975 باستفتاء عن رأي المرأة العاملة في الاعتداء والمضايقات الجنسية أثناء العمل .. وقد اشتركت في الاستفتاء نسوة عاملات في مختلف القطاعات وفي الخدمة المدنية .. وقد أجابت 70 بالمائة منهن أنهن قد تعرضن لهذه المضايقات والاعتداءات أثناء العمل ووصفت 56 بالمائة منهن هذه الاعتداءات بأنها كانت جسمانية وخطيرة .(1/153)
وفي يناير 1976 نشرت مجلة (( ردبوك )) Red Book Magazine استفتاء شمل تسعة آلاف عاملة فأجابت 92 بالمائة منهن أن الاعتداء والمضايقة الجنسية تشكل مشكلة صعبة .. وقالت الأغلبية أنها مشكلة خطيرة .. كما وأجابت 90 بالمائة منهن بأنهن قد وقعن ضحية لهذا الابتزاز الجنسي وقد جربنه بالفعل !!
وقدم استفتاء إلى السكرتيرات في الأمم المتحدة حول الابتزاز الجنسي لهن أثناء العمل وقد تم استجواب 875 قبل مصادرة الاستفتاء من قبل المسؤولين .. وكان جواب خمسين بالمائة منهن قد وقعن تحت تأثير هذه المضايقات والاعتداءات الجنسية شخصياً .
ومع هذا فإن المرأة لا تجرؤ أن تشكو هذا الابتزاز لأن ذلك يعني ببساطة فقدانها عملها .. وبدون أدلة دامغة فإنها لا تستطيع حتى أن ترفع أمرها إلى القضاء وإلا واجهت هي نفسها تهمة تشويه سمعة الرجل المسكين !!
وتقول الإحصائيات أن 70 بالمائة من النساء يضطرون إلى ترك العمل والاستقالة نتيجة الاعتداءات الجنسية .. ولكن الإحصاءات تقول أن 9 بالمائة فقط من النساء العاملات هن اللائي ينسحبن فوراً من العمل بمجرد الاعتداء الجنسي أما الباقيات فإنهن يحاولن أن يكتمن هذا الموضوع ويتجاهلنه .. وعددهن يبلغ 36 بالمائة .. واثنين بالمائة فقط يطلبن الانتقال إلى محل آخر .. ولكن في النهاية عندما تزداد حدة الاعتداء الجنسي شراسة تضطر المرأة إلى الاستقالة والانسحاب من العمل لتبحث عن عمل آخر .
وكثيراً ما كانت المرأة التي ترفض الاستجابة تجد عقوبات كثيرة من رئيسها ويضاعف عليها العمل .. ويقلل لها الأجر .. ويخصم من راتبها بتهمة التقصير في العمل وفي النهاية تضطر إلى الاستقالة نتيجة للمعاملة المهنية .
وتقول إحصائية جامعة كورنيل أن أغلب النساء كن عازفات عن الشكوى لأنهن يرين أن لا جدوى من الشكوى وأنها لن تجد إلا مزيداً من العنت والاضطهاد ..(1/154)
وأن الجاني لا يعاقب أبداً بل يسلط عليها ليعاقبها كيفما يشاء .. وفي أغلب الأحيان تكون نتيجة الشكوى الطرد من العمل .
ومع هذا فتقول الدراسة التي نشرتها جامعة كورنيل ليس كل النساء العاملات يستأن من هذه المضايقات الجنسية فقد أجابت عشرة بالمائة منهن أنهن لم يشعرن - بالمضايقة من هذه الاعتداءات بل على العكس شعرن بإرضاء أنوثتهن وأنهن قد اجتذبن رؤساءهن لجمالهن .. ولكن الأغلبية وهي تسعون بالمائة قالوا أن هذه - المضايقات والاعتداءات مهينة .. وأنهن شعرن بالتعاسة والحنق والغيظ من هذه الاعتداءات الجنسية التي تمارس ضدهن في محل العمل ..
وتعلل الدراسة عدم الشكوى ضد هذه الاعتداءات بالحاجة إلى العمل والفقر وبإن المرأة دائماً مرؤوسه بأحد الرجال .. وبأن المجتمع لا ينظر شزراً إلى هذه الاعتداءات بل يباركها سراً وبأن المجتمع يربي المرأة على أن تكون مطيعة ومهذبة ولا تقول لا أبداً .
وتطالب الدراسة بأن تعطي المرأة كامل الحرية لتقول لا لرئيسها عندما يريدها جنسياً إذا كانت لا تشعر نحوه بالرغبة .. وأن لا يفرض عليها العمل وأن تستجيب وترضخ له لمجرد أنه رئيسها .. وأن من حقها أيضاً أن توقف تلك العلاقة إذا نشئت دون أن تواجه عقوبات في العمل . فإن من حقها أن تخلل من تشاء !! وكم كان رئيس المرأة في العمل يستشيط غضباً عندما يأتي صديقها ( البوي فريند ) إلى محل العمل ليأخذها عند انتهاء العمل .. فإن من حق المرأة أن تخلل من تشاء !! وليس لرئيسها الحق أن يفرض عليها أن تخالله وتزني معه .. فالعمل له أما فرجها فهي حرة فيه !! وليس من شأنه أن يستولي عليه في مقابل العمل .(1/155)
وليست الثقافة بمانعة المرأة من الوقوع في براثن الرجل المعتدي .. لا ولا حتى الجامعات .. وفي استفتاء في جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1977 ظهر أن خُمس الطالبات قد تعرضن لنوع من الاعتداء الجنسي من الأساتذة والمشرفين على الدراسات العليا . وفي عام 1977 رفعت طالبات جامعة ييل (Yale ) ومعهم بروفسير من الجامعات ذاتها قضية على إدارة الجامعة إلى المحكمة لأن إدارة الجامعة ترفض أن تستمع إلى شكوى الطالبات من الاعتداءات الجنسية المتكررة التي يواجهنها من الأساتذة والمدرسين . وفي عام 1976 واجهت جامعة ديلاوير Delaware نفس المشكلة ..واعترفت بأن هذه المشكلة موجودة في جميع الجامعات والمعاهد التعليمية في الولايات المتحدة .. ليس هذا فحسب بل أن المدرسات في هذه الجامعات يتعرضن لهذه الاعتداءات وتقول إحدى الجامعيات الحاصلات على درجة الدكتوراه في الفلسفة PH. D . (( لقد قبل العميد تعييني مدرسة .. وقد كنت سمعت بشهرته في مطاردة ومعاكسة أي مدرسة جميلة ولم يكن يهتم كثيراً بالعمر طالما كانت المدرسة جميلة .. نعم لقد قضيت وقتاً تعيساً وأنا أحاول التهرب والتملص من مطارداته .. وأخيراً تخلص مني بعد أن يئس من إجباري وقسري على النوم معه )) .(1/156)
والواقع أن هذه المعاكسات والمضايقات والاعتداءات الجنسية ليست قاصرة على جامعة دون جامعة ولا معهد دون آخر .. ولكنها تشمل جميع جامعات ومعاهد الولايات المتحدة الأمريكية ... وهناك العديد من الحالات في كل جامعة من هذه الجامعات ولا يقتصر الأمر على الطالبات قبل التخرج بل يتعداه إلى طالبات الدراسات العليا واللائي يحضرن للماجستير والدكتوراه .. فإن المشرف على الدراسة غالباً ما يكون رجلاً .. ونادراً ما يكون قانعاً بهذه المهمة فقط .. ولكنه يطلب مقابلها قبلات ونزهات ونوم في الفراش .. ولكي تحصل الطالبة على درجة ((A)) لابد من إرضائه جنسياً أولاً .. ثم بعد ذلك إرضائه دراسياً .. ولهذا فإن كثيراً من هؤلاء الطالبات اللائي يرفضن الابتزاز الجنسي ينقطعن عن سير الدراسة وهذا في رأي المؤلفة ما يفسر العدد الضئيل من الحاصلات على الشهادات العليا من النساء بالمقارنة بالرجال ..(1/157)
ليس ذلك فحسب ولكن تلك الفتيات اللائي ثابرن ووصلن إلى الشهادات العليا بعد تضحيات جسيمة ( نفسية وجسدية في مواجهة ابتزاز الأساتذة الجنسي ) فإنهن يتعرضن مرة أخرى للاعتداء والابتزاز الجنسي حتى بعد أن يصلن على مرتبة التدريس في الجامعة . وعادة ما يكون ذلك من رئيس القسم أو العميد الذي دائماً ما يكون رجلاً إلا فيما ندر .. ومثال ذلك ما حدث لديانا الأستاذة المساعدة لعلم النفس في ولاية نيويورك والبالغة من العمر 28 عاماً والحاصلة على شهادة الدكتوراه .Ph. D في علم النفس .. ورغم أن زوجها كان يعمل معها في نفس الجامعة إلا أن رئيسها المباشر ابتدأ في معاكستها وابتدأ يروي لها تعاسته مع زوجته .. ثم ابتدأ يغازلها ويقبلها .. وفكرت ملياً هل تستطيع أن ترفض ؟ أن مستقبلها الأكاديمي مرهون بين يديه .. ولا يمكنها أن تضحي بمستقبلها بعد هذا الكفاح المرير .. فما كان منها إلا أن رضخت لرغباته والتحفت معه في لحاف واحد ونامت معه في فراشه في سبيل الحفاظ على مستقبلها !!! وقالت (( وقد كنت أول امرأة تدخل إلى هذه الوظيفة .. ولولا رضوخي ذلك لما كانت هناك امرأة في هذه الدرجة !! ))
واستمرت في علاقتها معه لمدة عامين حتى انتهت من تقديم رسالتها وعند ذلك قطعت تلك العلاقة الجنسية إذ لم تعد في حاجة ماسة لإرضائه .. ورغم شعورها بأنها أخطأت بالاستجابة له إلا أنها تعرف أنها لم تكن لتستطيع الحصول على شهادتها العليا إلا بذلك الثمن ويا له من ثمن !!(1/158)
وذكرت أحدى المدرسات في جامعة ديلاوير (( Delaware )) تجربتها بعد أن عينت مدرسة في أحدى الجامعات ( قبل أن تلتحق بجامعة ديلاوير ) : لقد جاء إلي العميد يطلب مني أن أنام معه في الفراش ورفضت .. وبمجرد أن رفضت أصدر أمراً بإيقافي من التدريس ورفعت الأمر إلى الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات وبعد معركة ضارية استطعت العودة إلى وظيفتي ولكن بعد أن كاد ذلك النغل أن يحطم أعصابي .. وبطبيعة الحال لم يذكر أحد لا أنا ولا العميد قصة اعتداءاته الجنسية لأنها نقطة سوداء في حياتي ولا أحد سيصدقها )) .
وذكرت إحدى الإداريات في جامعة ديلاوير والحاملة لدرجة الدكتوراه قصتها .. فقد كانت ذات كفاءة عالية وللأسف شديدة الجاذبية والجمال.. وكان جمالها مصدر تعاستها في العمل فبمجرد أن يراها أي من زملائها أو رؤسائها يعتقد أنها لم تحصل على تلك الوظيفة إلا لجمالها .. وأنها لينبغي أن تكون خليلته وعشيقته .. وقد قال لها يوماً أحد زملائها : (( أنك هنا فقط من أجل الجنس )) وأجابت : (( أن هذا ليس صحيحاً فأجاب إنك أنت التي دفعتنا إلى هذا الاعتقاد .. أنك جذابة وتلبسين بأناقة ... وصوتك آه .. صوتك يدعو إلى الجنس )) .
هذا يذكرنا بالآية الكريمة { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } .
وبعض الأصوات فيها من الأنوثة والأغراء مالا يمكن مقاومته .
وحتى في أقسام البوليس تتعرض المرأة للاعتداءات الجنسية .. وقد قامت شرطة واشنطن بتعيين مائتي امرأة في أوائل السبعينات .. واستخدمت المرأة كشرطية تعمل ليل نهار وصاحب ذلك حمله دعائية ضخمة لإثبات مساواة المرأة بالرجل تحت برنامج مارشال .(1/159)
وبعد ثلاث سنوات بدأت فضائح هذا البرنامج ففي أكتوبر 1975 نشرت الوشنطن بوست مجموعة مقالات تفضح فيها استغلال ضباط البوليس للمرأة العاملة في الشرط جنسياً وبدأت تذكر أمثلة كثيرة منها ما قاله الضابط بيجي جاكسون لمرؤوسته (( يجب أن تسمحي لي بمضاجعتك في مقابل إجازة يوم واحد )) وذكرت المجلة أن اثنتي عشرة شرطية قلن أنهن تعرضن للابتزاز الجنسي ... ولكنهن طلبن أن لا تنشر أسماءهن .. واعترف ضابطان بأنهما قد سمعا شرطيتين تشتكيان من الابتزاز الجنسي الذي يواجهنه من رؤسائهن ولكنهما لا يستطيعان أن يفعلا أي شيء طالما أن المشتكيات يرفضن التوقيع على الشكاوى وهن يرفضن ذلك خوفاً من انتقام رؤسائهن .
وذكرت الضابطة بيني لولدن أن زميلها الضابط أوقف السيارة بجانب حديقة واشنطن وطلب منها أن تسافده ولكنها رفضت . فطلب منها أن تكتم الأمر وإلا انتقم منها .
وفي استفتاء لـ 333 شرطية قالت نصفهن بأنهن تعرضن للاعتداء الجنسي من رؤسائهن وأن اللائي لا يستجبن ولا يرضخن بهذه الرغبات يلاقين عقوبات مختلفة من رؤسائهن بينما أولئك اللائي يستجبن ويرضخن يعاملن معاملة طيبة وتخفف عنهن الواجبات الثقيلة .
ويقول أحد كبار الضباط في ( وكالة التحقيقات الفيدرالية ) F.B.I. بعد أن أدخلوا النساء في تدريبات الضباط :
(( إذا وضعت ضابطتين تحت التدريب في سيارة واحدة تعاركتا وإذا وضعت ضابطاً تسافداً )) .
ويقول ضابط كبير آخر (( إن أكثر شيء محطم في قوة البوليس هو مزاملة ضابط لضابطة وكذلك تؤدي تلك الزمالة إلى تحطيم أسرتيهما )) ( لأن الضابط أو الضابطة في الغالب متزوجان فإذا ما تخاللا وخانا العلاقة الزوجية أدى ذلك إلى فصم عرى الزواج ) .
وتقول لين فارلي : أن المتدربة في أقسام البوليس والمخابرات تتحول بسرعة من زميل في العمل إلى فرج تدور حوله النكت البذيئة والتعليقات الجارحة .. بل والاعتداءات الجسمانية )) .(1/160)
وتقول الضابطة السابقة في بوليس واشنطن J.J. والبالغة من العمر 21 عاماً أنها قد طردت من البوليس عام 1976 لأنها قدمت شكوى باغتصابها من قبل أحد الضباط ، وقد قيل أن تلك الدعوى لا دليل لها وكاذبة وتسيء إلى سمعة البوليس .. هذا بالرغم من أنها قد حصلت من قبل على ثلاث ميداليات لإخلاصها وتفانيها في العمل .. لقد كانت تحلم بأن تكون ضابطة بوليس ورغم أنها لم تقبل في ستة مراكز شرطة إلا أنها أخيراً قبلت في مركز واشنطن . وبمجرد أن ابتدأت التدريب بدأ الضباط يعتدون عليها .. وفي أحد المرأة اضطرت لاستخدام السلاح لإبعاد أحد الضباط من فوقها .
ولكنها نتيجة للضغط المتواصل وافقت أحد الضباط على أن تسافده .. وهذا ما زاد من هياج الضباط الآخرين وطلبوا جميعاً المساواة في المعاملة !! ولم يحترموا زميلهم !! وبعد مضى شهرين اختلفت مع هذا الضابط وذهبت مع ضابط آخر برتبة ليفتاننت وعندئذ لم تتوقف الألسنة عن الكلام والنهش في عرضها .. وأصبح الجميع يطالبون بالمساواة وكلهم يطلب موعدا ..
لقد لامت نفسها وسذاجتها فهي لم تعرف الجنس في المدرسة .. وكانت أول تجربتها مع الرجال وهي في أقسام الشرطة ..وها هي الآن تصبح فريسة سهلة لجميع ضباط القسم بل أن الضباط من الأقسام الأخرى قد تسامعوا بها وها هم يطلبون منها ما أخذه زملاؤهم وفي نفس الوقت بدأت تمنع عنها الترقيات ... والعلاوات إلا بالاستجابة .. وكلما استجابت لواحد أزداد طابور المنتظرين لدورهم حتى أصبحت كالعاهرة ..
وكانت تظن أنها بمجرد أن تتخرج من دورة التدريب وتصبح ضابطة فعلاً فإنها تستطيع أن تقول ((لا)) كفى ما قد أعطيته (( ولكن ظنها ذلك خاب وبدأت العقوبات تنهال عليها لأنها ترفض المسافدة .. وأخيراً طلبت الانتقال إلى قسم آخر .. ولكنها هناك أيضاً تواجه نفس المشكلة .. وتعامل كعاهرة )) .(1/161)
ومرة أخرى أعادوا نقلها إلى القسم الأول وهناك وجدت رئيسها يطلب منها المجامعة .. فلما رفضت قائلة ((لا)) لا أريد مسافدتك أوقفوها عن العمل وحولوها إلى أمراض نفسية !! واستمرت أشهراً وهي موقوفة عن العمل .. وكانت تلك فترة عصيبة ضغطت على أعصابها كأنها أفعى تلتف حول عنقها وصدرها وتضغط عليها تكتم أنفاسها .. وعندئذ بدأت في الهروب إلى الخمر وبدأت تتحول إلى الإدمان وفي تلك الحالة النفسية السيئة تقدم لها أحد الضباط وطلب منها أن تشرب معه وكان لطيفاً معها أول الأمر .. ولكن سرعان ما تحول ذلك إلى حالة اغتصاب فكتبت شكوى ضده ولكن عندما أفاقت من سكرتها عرفت أن لا فائدة من الشكوى فسحبتها .. عندئذ وقعت الطامة الكبرى .. وطردت من البوليس لأنها اتهمت ضابطاً بالاغتصاب بدون دليل ومما يؤكد بطلان الشكوى أنها قامت بنفسها بسحبها .
وعندما سمعت بنبأ طردها بلعت مجموعة من الحبوب المنومة تريد الانتحار ولكنها أنقذت وها هي تعيش تعيسة بدون عمل )) .
(( إن هذه الوقائع غيض من فيض ... وابتزاز العاملة جنسياً وخضوعها للقسر والإكراه والإجبار أمر شائع في جميع أنواع العمل ابتداء من الجامعات وانتهاء بالموتيلات والمطاعم ولا يكاد يوجد اليوم أي عمل من الأعمال لا تتعرض فيه المرأة العاملة إلى الابتزاز جنسياً ... )) .
ونتيجة لخروج المرأة إلى العمل في المكتب والمصنع والمتجر .. ومصادمتها لتكوينها البيولوجي والنفسي فإن المرأة في الغرب تعاني من قلق نفسي وكآبة شديدة .. مما أدى إلى زيادة الأمراض النفسية وزيادة استعمال الحبوب المهدئة والحبوب المضادة للكآبة بشكل ملفت للنظر .. كما زادت حالات الانتحار أو محاولات الانتحار زيادة مرعبة ..
وقد كتبت مارلين مونرو الممثلة المشهورة قبل انتحارها ترد على فتاة سألتها عن كيفية الوصول إلى الشهرة والمجد ..(1/162)
(( أحذري المجد .. أحذري كل من يخدعك بالأضواء .. أني أتعس امرأة في هذه الأرض لأني لم أستطع أن أكون أماً .
(( إني امرأة أفضل البيت .. أفضل الحياة العائلية الشريفة على كل شيء .. أن سعادة المرأة الحقيقية هي في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة.. بل إن هذه الحياة العائلية الشريفة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية..
إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة )) .
ولم تلبث مارلين مونرو بعد أن كتبت هذه الرسالة إلا قليلاً حتى أقدمت على الانتحار لفرط ما عانته وقاسته من تعاسة وألم بسبب فقدانها لدور المرأة الطبيعي . دور الأم وربة البيت والحياة العائلية النظيفة الشريفة الطاهرة ..
وقد أجريت استفتاءات في فرنسا وفي بريطانيا وفي أمريكا للنساء العاملات فوجد أن أغلبهن يفضلن العودة إلى المنزل والقيام بدور الأم وربة الأسرة .. ولكنهن مضطرات إلى البقاء في العمل لأنهن لا يجدن من يعولهن ..
ويقول المؤرخ المشهور توينبي تحت عنوان درس من التاريخ للإنسان المعاصر : لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة .. وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية !! أننا ندعي إننا خطونا خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة ولكن أحدى النتائج الغربية لهذا التقدم تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل . وهذا ما لم نشهده من قبل فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب .
إن امرأة اليوم لها عملان : العمل الأول من حيث هي أم وزوجة والثاني من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع .. وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي فلم تر الخير من وراء عملها المرهق .. إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة بيتها )) .(1/163)
ويتحدث الأطباء في الغرب عن الطوابير الطويلة من النساء اللائي يذهبن إلى العيادات ويشكون من صداع وغثيان والآم وأوجاع في الجسم .. مع أرق في كثير من الأحيان .. وبفحص هذه الحالات فحصاً جيداً تبين أنهن يعانين من الإرهاق الجسدي والنفسي نتيجة لخروج المرأة إلى العمل .
ونتيجة لهذا القلق النفسي انغمست كثير من النساء في شرب الخمور والمخدرات والمقامرة .
وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر 27/6/1400هـ الموافق 12/5/1980 ما يلي:
70% من البريطانيات يقامرن باستمرار .
919 مليون جنيه إسترليني دفعت نقداً وعداً على طاولات الكازينوهات في لندن خلال العام الماضي (79) ( على طاولات الروليت فقط ).
وملايين ( أكثر وأكبر) تدفع كل عام على مراهنات كرة القدم وسباق الخيل والبينجو وغيرها ولا أحد قادر على إيقاف هذا المد الطويل وتشير التقارير الرسمية إلى أن عدد المقامرين في ارتفاع مستمر كل عام.
والمفاجأة الكبيرة حسب التقارير الرسمية هو دخول المرأة هذا العالم من بابه الواسع حتى أصبح عدد المقامرات خلال العامين الماضيين أكثر من عدد المقامرين الرجال واللعبة المفضلة عند النساء البريطانيات هي البينجو ثم الروليت .
وتذكر الإحصائيات الرسمية أن 70% من البريطانيات يلعبن باستمرار .. ويصرفن حوالي نصف مصروف العائلة الأسبوعي على هذه اللعبة بالذات .
وتشير الإحصائيات أيضاً إلى زيادة عدد المراهنات على الخيل .. وهذه الزيادة مرشحة لزيادة أخرى في حال المزيد من كازينوهات القمار ويعتقد أحد علماء النفس أن تحول المرأة إلى المقامرة دليل عدم استقرار عائلي من الدرجة الأولى .
وتتوقع الدوائر المسؤولة أن يبقى عدد المقامرين والمقامرات في ارتفاع مستمر .ا.هـ .(1/164)
وتقول أحدى الدراسات الهامة التي نشرت في بريطانيا مؤخراً أن الشعب البريطاني يصرف على شرب الخمور ولعب الميسر أكثر مما يصرفه على الأكل واللباس والسكن(48). وقد أثار هذا الأمر كثير من الجدل في الصحف البريطانية لأنه يشكل ظاهرة خطيرة تدل على أن مرحلة العد التنازلي للحضارة الغربية قد بدأ فعلاً .. وأن هذه الحضارة آخذة في الأفول السريع ..(49).
ومالنا نذهب بعيداً وأمامنا التجربة في بلد عربي مسلم وهو مصر التي كانت الرائدة في خروج المرأة وعملها فأدى ذلك إلى هبوط المستوى الأخلاقي وانتشار الزنا والبغاء حتى بين الطالبات .
ويقول الأستاذ حسين نعمان مدير النيابة في القاهرة :(50)
أن نسبة طالبات الثانوي المتهمات في جرائم الآداب (البغاء) في ارتفاع .. وهذا مرجعة في الأصل كما أسفرت التحقيقات إلى تفكك أسر هؤلاء الطالبات وانشغال رب الأسرة وانصرافه عن رعاية بناته .. حيث لوحظ أن الطالبات يخرجن في أوقات متأخرة دون أن يتعرضن للسؤال عن كيفية قضاء هذا الوقت بعيداً عن منازلهن وعند حضور ولي الأمر لاستلام ابنته من النيابة يصاب بالذهول عندما يجد ابنته في مثل هذا الموقف ويعلل ذلك بانشغاله طوال الوقت ويتعهد أن يتعهدها بعد ذلك بالإشراف والقسوة!
يضاف إلى ذلك عدم إشراف المدرسة على تلميذاتها الإشراف الكافي من حيث أخبار أهلهن بغيابهن وانقطاعهن عن المدرسة .(1/165)
وهناك نوع من الطالبات ابتعدن عن تعاليم الدين وقيم المجتمع الشرقي حيث يعتبرن قضاءهن الوقت مع بعض الشباب داخل مساكنهم ( أي مساكن الشباب ) نوعاً من الحرية الشخصية تتطلبه المدينة والحضارة . وللأسف يجدن استجابة من أسرهن .. وهؤلاء أكثر انتشاراً في الأوساط الاجتماعية الراقية! ( هكذا يسمونها ) وحتى نحد هذه - الظاهرة يجب تعديل قانون الأحداث بإرجاع سن الحدث كما كان 15 سنة بدلاً من 18 سنة لأن معظم الطالبات بالثانوية يعتبرن أحداثاً طبقاً للقانون الجديد مما تضطر معه النيابة إلى تسليمهن لأهلهن أو أحالتهن لنيابة الأحداث لعدم الاختصاص وتخرج الفتاة بدون عقاب . والطباخات والعاملات في الشقق المفروشة يلعبن الدور الرئيسي في التغرير بالطالبات .. ويحلل د . عاطف وصفي أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة ظاهرة انتشار المعاكسات والمضايقات والاعتداءات الجنسية وخطف الفتيات ويرجع ذلك إلى عدة عوامل وأهمها أجهزة الأعلام التي تحث على مثل هذه العلاقات بالأفلام والتمثيليات والأغاني .. وكذلك موضات الثياب القصيرة التي تبدي من مفاتن المرأة أكثر مما تخفي وتغري أكثر مما تحمي .. ويرى الدكتور عاطف أن هذه العوامل مع تهور الشخصية وحب المغامرة يؤدي إلى تلك الحوادث المتكررة ويرجع ذلك كله إلى عوامل التطور الحضاري السريع الذي يسير في نفس الخط مع التطور الاجتماعي ويرى أن القانون الجنائي المصري يحتاج إلى تعديل شامل نظر لظهور أنماط اجتماعية ناشئة عنه التطورات الاجتماعية الاقتصادية التي أصابت المجتمع .. وأن أحكام جرائم الخطف والاغتصاب الموجودة الآن غير رادعة وغير كفيلة بإصلاح المجتمع .
ويخالفه في هذا الرأي الأستاذ أنور الجندي الذي يرى أن أس المشكلة هي القوانين الوضعية والمناهج التربوية التي انحرفت عن خط الإسلام ومنهجه فكان لابد وأن تؤتي ثمارها في انتشار هذه الجرائم ..(1/166)
والواقع أنه لولا روح التدين المنتشرة في الشعب المصري لكانت نتيجة هذه القوانين الوضعية والمناهج التربوية .. والإفساد الإعلامي الرهيب أشد بكثير مما نراه الآن .
والقارئ للصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ينزعج لكثرة الحوادث الإجرامية .. ففي عدد الأهرام 20/2/1976 جاء ما يلي :
طباخة بالشقق المفروشة استدرجت جارتها التلميذة بالثانوية فجرت خلفها طابوراً من التلميذات تحت إغراء المال والملابس .
وفي أخبار اليوم 8/2/1976 :
- طالب يقتل فتاة في الشارع بقليوب .
- شابان يحاولان خطف فتاة بشارع مجلس الأمة .
- عصابة لتجارة الرقيق الأبيض تتزعمها صاحبة محل كوافير .
وتحدثت الصحف عما يجري في الشقق المفروشة من دعارة .
ورغم عدم وجود دراسات عن المرأة العاملة في البلاد العربية والإسلامية ( حسب علمي ) وخاصة حول موضوع المعاكسات والمضايقات الجنسية التي تتعرض لها المرأة العاملة في البلاد العربية .. أقول رغم عدم وجود مثل هذه الدراسات إلا أن من له أي اتصال بالمرأة العاملة في هذه البلاد يدرك مدى الأخطار التي تحيق بها .. من زملائها ورؤسائها الرجال ..
بل أن المرأة في مصر خاصة تواجه معاكسات ومضايقات جنسية منذ لحظة خروجها من منزلها والأسف فإن المجتمع كاد أن يعتبر هذه المضايقات والمعاكسات الجنسية شيئاً عادياً مما لا يوجد له مثيل حتى في البلاد الغربية الموغلة في الدعارة والزنا وقد كتب كثير من الكتاب والصحفيين المصريين من أمثال الدكتور يوسف إدريس وأنيس منصور عن ابتزاز المرأة جنسياً في الأتوبيسات العامة .. ونتيجة الزحام الشديد الذي يفوق التصور فإن الأجسام تلتصق التصاقاً كاملاً في الأتوبيسات ويكون نتيجة هذا الالتصاق الشديد أن يبرز العضو التناسلي للرجل من خلف البنطلون ليلتصق بجسد المرأة ويلتصق صدره بصدرها .. حتى أن من يركب الأتوبيسات هناك يدرك بدون ريب ما يحدث ..(1/167)
وقد لا يكون ذلك الالتصاق متعمداً في أول الأمر ولكن ما أن يحس الفتى بجسم الفتاة حتى تزداد درجة الالتصاق لحد القذف والإنزال ..
وفي أثناء العمل تتعرض العاملة والموظفة للإغراءات الجنسية المتكررة ، وإن لم ترضخ فإنها تقع تحت طائلة الانتقام من رئيسها المباشر .. بل أن الأمر ليتعدى أماكن العمل المختلفة من مكاتب ومصانع ومتاجر ليصل إلى الجامعات نفسها ... وكثيراً ما يكون المشرف على رسالة الطالبة رجلاً ... وله لا شك ميول جنسية وخاصة إذا كانت الطالبة جميلة وجذابة .. وتنتهي تلك العلاقات في أغلب الأحيان بالمخاللة والمخادنة .
ويعرف الجميع مدى انهيار سمعة بعض الممرضات في البلاد العربية وخاصة في مصر ولا أضع اللوم على الممرضات ولكن أضع اللوم على الأنظمة التي تفرض على فتاة صغيرة يافعة أن تبقى طول الليل مع طبيب شاب حديث التخرج وبدون زواج .. أن أقسام المستشفيات وعنابرها تعرف بعض الحوادث التي تقع بين طبيب الامتياز أو الطبيب النوبتجي والممرضة المناوبة حيث يبقيان طوال الليل في مكان واحد .. وما هي إلا سويعات منذ بدء النوبة إلا وتوزع الممرضة الأقراص المنومة على المرضى حتى يتم الهدوء المطلوب ..
وما بالك بشاب وشابة محرومين من الزواج لصعوبته البالغة يجمعهما الليل والوحدة ويرخي عليهما سدوله ويكتنفهما في طياته .. والشيطان ثالثهما .. ألا يحتاج ذلك إلى قوة إيمان مثل يوسف عليه السلام ليمتنع ويتحرج ومع هذا {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .(1/168)
وكم يا ترى في هؤلاء الشباب من يقتدي بيوسف عليه السلام ! واحد .. اثنان ... ثلاثة ... عشرة .. ولكن آلاف الشباب يقعون في حبال الشيطان أسرى .. فإذا ما حدث ما يفرضه نداء الغريزة ودافع الفطرة في حنايا الليل البهيم .. يذهب أحدهم إذا ما طلع النهار يقص مغامرته لزملائه فما يكون من صاحب النوبة الجديدة إلا أن يحاول أن يفعل كما فعل صاحبه وقد يبتز تلك المسكينة إذا كانت رافضة .. ويهددها بفضحها .. وهكذا تلوكها الألسنة وتهبط سمعتها .. أما الشباب فلا أحد يلومهم وغاية ما يقابلون به هز الأكتاف .. أنها مرحلة لابد أن يمرون بها ..
وكم من حوادث قد حدثت يعرفها ويلمسها كل من كان له أدنى اتصال بالمرأة العاملة في البلاد العربية.. حيث تبتز المرأة العاملة جنسياً في مقابل العمل .. وحيث يعتدي على شرفها بالتهديد والإكراه حيناً.. وبالأغراء والوعود المعسولة حيناً آخر وبكلمات الحب الجوفاء حيناً.. وبالهدايا التافهة حيناً آخر..
وما أن تستسلم لواحد منهم حتى تجد الطابور طويلاً خلفه.. كلّ منهم يطالب بالمساواة في المعاملة وإلا.
نعم أن هذه الحوادث رغم كثرتها وبشاعتها لا تزال طي الكتمان ولم تبلغ بعد إلى الصحافة .. وإلى الأعلام كما هو في الغرب .. وما ينشر من حين لآخر من حوادث اعتداء هو ما يفلت من دورة المياه القذرة ويخرج منها إلى الهواء الطلق ...
وإلى الآن لا توجد دراسات عن المرأة العاملة في البلاد العربية والإسلامية مثل الدراسات التي نشرت عن المرأة العاملة في الغرب والتي سبق أن أشرنا إليها (مثل مجلة النيوزويك وكتاب ثورة على ممارسة الجنس).
ويطفو أحياناً على السطح فضائح تزكم الأنوف وتخرج من الدورات السرية القذرة لتصل إلى الصفحات الأولى من الجرائد .. ولكنها لا تمثل إلا قمة رأس الجبل الثلجي المغمور تحت سطح الماء ..(1/169)
وأخيراً نقول لدعاة التقدم ودعاة حرية المرأة إلى أي مستنقع قذر تريدوننا أن نصل وإلى أي هاوية ليس لها قرار تريدون أن تدفعونا يا من تدعون المرأة للخروج للعمل ؟
هل تعلمون أبعاد ما تدعون إليه ؟
أما نحن فنقرأ عليكم قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ** وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (النور:19-21) .
ونرجو صادقين أن لا تكونوا من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وندعوكم للعودة إلى صف الإسلام الذي أنقذ الرجل والمرأة من حبائل الشيطان والله الهادي إلى سواء السبيل .
****************************************
الفصل العاشر
حُكم الإسلام
في خروج المرأة(1/170)
حرص الإسلام على أن يجفف منابع الشهوات والزنا ويصبها جميعاً في الطريق الصحيح الوحيد وهو الزواج وجعل لذلك الوسائل العديدة وأهمها ربط المؤمن ربطاً كاملاً بعقيدة اليوم الآخر وخشية الله سبحانه وتعالى المطلع على سريرته وعلانيته وجعل هذه الخشية من الله رقيباً دائماً على تصرفاته وحركاته وسكناته ثم أتت الأحكام المتتالية التي تنهى عن الزنا والفاحشة وتقبح سبيلها {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} كما أتت الأحكام التي تمنع الوصول إلى هذه الفاحشة وأهم هذه الوسائل هي أثارة التقوى في القلوب .. وغض البصر وعدم الخضوع بالقول وعدم اختلاط الرجال بالنساء ومنعت تلك الأحكام خروج المرأة إلا لضرورة كما أمرتها عند الخروج أن تخفي زينتها ولا تبدي منها إلا ما ظهر منها .. وأمرت الرجال والنساء بغض البصر وحفظ الفرج .. وعدم التغنج في القول والتكسر في المشية حتى وسوسة الخلخال منعتها أن تسمع . قال تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ** وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ(1/171)
زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:30 - 31)
وقال في سورة الأحزاب مخاطباً نساء النبي وهن القمة في الطهر والعفة :
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ** وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .
وإذا وصل الأمر بأن يخاطب الله سبحانه وتعالى نساء النبي بهذا الخطاب الذي ينهاهن فيه عن الخضوع بالقول حتى لا يطمع فيهن الذي في قلبه مرض وهن من هن قمة في الطهارة والعفة فكيف بغيرهن من النساء ..
وإذا كان في قلبه مرض سيطمع في أمهات المؤمنين فكيف به لا يطمع في غيرهن من النساء الجميلات المائلات المميلات .. الكاسيات العاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت (الإبل ) العجاب .. كما وصفهن الرسول الكريم ...(51).(1/172)
وإذا أتي الأمر الرباني لنساء النبي وبناته اللائي لا يشبههن أحد من النساء بل ولا يمكن الوصول إلى مستواهن بأن لا يخضعن بالقول وأن يقرن في بيوتهن فغيرهن من النساء لاشك أحوج إلى ذلك .. وعلى المرأة أن تبقى في بيتها لتربي أطفالها وتقوم بشؤون زوجها وأولادها .. فهم أحق الناس بخدمتها كما أن عليهم أن يقوموا برعايتها وخدمتها وتوفير حاجاتها .. وليس معنى قرارها في بيتها إلا تخرج منه أبداً فقد قال ( للنساء (( أذن لكن في الخروج لحاجتكن )) رواه البخاري ولكن عليها إذا خرجت أن تلتزم الزي الإسلامي المحتشم وعليها أن لا تبدي زينتها إلا ما ظهر منها .. ولا تتعطر عند خروجها .. ولا تتثنى في مشيتها ولا تتغنج في حديثها .. كما أن عليها إذا سافرت أن لا تسافر إلا مع ذي محرم .. ولو إلى الحج الواجب (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسير مسافة يوم وليلة إلا مع ذي محرم )) متفق عليه وأن عليها إذا خرجت إلى المسجد لتشهد الصلاة وأماكن العلم أن لا تتزين ولا تتطيب لقول المصطفى صلوات الله عليه (( يا أيها الناس أنهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد )) ويقول (( إذا شهدت احداكن العشاء فلا تتطيب تلك الليلة وإيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء)) .
كما أن عليها أن تمشي بوقار وسكينة وأن تكون صفوف النساء في المسجد خلف صفوف الرجال .. كما أن عليها إذا صلت أن لا ترفع صوتها .. حتى إذا أخطأ الأمام فليس عليها أن تنبهه بقول سبحان الله كما يفعل الرجال بل عليها أن تصفق .(1/173)
وقد إذن للنساء بشهود الجمعة والجماعة فقد قال رسول الله ( (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وإذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها )) رواه البخاري ومسلم .. وقال ( (( لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن )) أخرجه أبو داود ومع هذا فقد صرح المصطفى صلوات الله عليه وسلم (( بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها ..(52) وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها )) . روى الطبراني وأحمد أن أم حميد الساعدية قالت يا رسول أني أحب الصلاة معك قال : قد علمت . صلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك . وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك . وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة .
فإذا كان شهود الجمعة والجماعة على ما له من عظيم الأهمية في الإسلام أمراً لا يشجع عليه كثيراً .. بل يرغب عنه .. ويقال للمرأة أن صلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في المسجد .. فكيف بخروجها متزينة متبرجة للاختلاط بالرجال .. ومنافستهم بالمناكب والأقدام ..
ومع كل هذا فإن الإسلام لم يمنع المرأة من الخروج لقضاء حوائجها الضرورية بشرط أن تلتزم بالزي الإسلامي والسلوك الإسلامي وأن تغض الطرف وترخي الثوب وتضرب بخمارها على صدرها وعنقها وأن تمشي مشية الوقار والسكينة .. وأن لا تخضع بالقول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض ..
طلب العلم :(1/174)
(( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) والعلم المطلوب هو العلم الذي يقرب المسلم والمسلمة إلى الله .. لا العلم الكاذب الذي يبعده عنه .. وقد فجر أقوام اليوم حتى ليسموا الرقص علماً ويسموا دراسة الموسيقى والغناء علماً .. ويسموا دراسة التمثيل والسينما والمسرح علماً .. ويسموا دراسة القصص الفاجرة والداعرة علماً .. ويسموا كل ما وصلت إليه وسائل الفجور والكفر علماً . ودراسة وسائل الربا علماً ودراسة نظريات فرويد الجنسية علماً .. نعم قد بلغت القحة والفجور بهؤلاء الأقوام أن يدعوا أن العلم الذي جعله الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة .. هو هذا - الفجور المبهرج والمغطى بشعارات العلم ..
وحتى لا يلتبس الأمر على أحد فالعلم المفروض على كل مسلم ومسلمة هو الضرورة من علم الدين ..
كمعرفة الشهادتين ومعناهما .. والصلاة والصيام والزكاة لمن يملك النصاب والحج لمن يقدر عليه .. وعلم أحكام المعاملة والتجارة لمن يريد التجارة .. وعلم المزارعة والمزابنة لمن يريد المزارعة والمزابنة .. وهكذا سائر الأعمال التي تفتقر إلى معرفة ما يتعلق بها من الأحكام الشرعية .
هذا هو ما يسمى بفرض العين الذي يجب على المسلم تعلمه .. وما زاد عن ذلك في أي علم من علوم الدين أو الدنيا فهو فرض كفاية ..(53) إذا قام به البعض سقط الآثم عن الكل فإذا نكصت عنه جماعة المسلمين عمهم الآثم .. ما دام المسلمون في حاجة إلى ذلك العلم .
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة:122)(1/175)
فإذا ما علمنا الأطفال من أبناء وبنات علوم الدين الضرورية فإن علينا بعد ذلك أن ننشئ كل واحد منهما حسب حاجاته الفطرية .. ولا يمكن أن تكون برامج تعليم الأولاد والبنات واحدة . وإلا لكان الأمر أشبه بمصانع الأحذية التي تخرج شكلاً واحداً من الأحذية بالآلات ..
أن توحيد برامج التربية والتعليم بالنسبة للأولاد والبنات هو الغباء والسذاجة والجهل في أقبح صوره .. فلابد أن تختلف برامج التعليم والتربية حتى نستطيع أن نحصل في النهاية على أمهات عالمات يعرفن أساساً كيف يربين أطفالهن ويقمن بشؤون بيوتهن وأسرهن .. كما ينبغي أن تلم الواحدة منهن الماماً بشؤون التمريض ويتخصص في ذلك مجموعة منهن لتمريض النساء ولطب الأطفال وطب أمراض النساء والولادة كما أن على الفتاة أن تلم بشؤون التدبير المنزلي والخياطة وأشغال الإبرة والطبخ .. وقد كان المغزل في يد المرأة المسلمة أداة إنتاج هامة .. كما أن عليها معرفة كيفية تربية الأطفال وتنشئتهم نشأة صالحة ..
هذه هي الأسس التي ينبغي على كل فتاة أن تتقنها أولاً بعد معرفة ما هو ضروري من أمر الدين .. وليس عليها حرج بعد ذلك أن تعرف فنوناً شتى من ألوان المعرفة ولا أن تتخصص فيها إذا كانت لديها المقدرة والرغبة فميدان ذلك واسع وأمره مباح ما دام في الحدود الشرعية وما دام لا يصحبه اختلاط ولا تبرج ولا إشاعة الفساد والفاحشة .
ويقول الدكتور الكسي كاريل :(1/176)
(( ومن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة ولذا يجب إلا تلقن الفتاة التدريب العقلي والمادي ولا أن تبث في نفسها المطامع التي يتلقاها الفتيان وتبث فيهم . ويجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى ووظائفها الطبيعية فهناك اختلافات لا تنقض بين الجنسين .. ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدين )) . ثم يقول أليس من العجيب إن برامج تعليم البنات لا تشتمل بصفة عامة على أية دراسة مستفيضة للصغار والأطفال وصفاتهم الفيسيولوجية والعقلية ؟ ..
يجب أن تعاد للمرأة وظيفتها الطبيعية التي لا تشتمل على الحمل فقط بل أيضاً على رعاية صغارها .. ))
وللأسف فإن برامج التعليم للأولاد والبنات متماثلة في معظم أنحاء العالم حتى البلاد العربية والإسلامية .. وهي للأسف تنحو منحى الغرب في ذلك وتقلده تقليداً أعمى ..
وما ذكره الدكتور الكسي كاريل حول مماثلة برامج التعليم للفتى والفتاة وخطورة ذلك على المجتمع مهم لأنه يؤدي إلى محاولة طمس الفروق الطبيعية والبيولوجية بين الفتى والفتاة .. ويؤدي كذلك إلى أن يجهل كل من الفتى والفتاة دوره في الحياة .
ولهذا فإننا مطالبون بإعادة النظر في هذا الوضع الخطر الذي نعيشه اليوم حيث أن المناهج الدراسية للأولاد والبنات متماثلة .. من الابتدائي إلى الجامعة ولا توجد هناك دراسة لدور الفتاة كأم وربة بيت .. وإنما تعطى الفتاة ما يعطى الفتى .
وليس هذا مما يؤهلها للقيام بدورها الفيسيولوجي والبيولوجي والاجتماعي فهي أولاً أم وربة بيت ومسؤولة عن بيتها وزوجها وأولادها ..
فلابد أن تكون المناهج التعليمية مصاغة للوصول إلى هذا الهدف .
واكتفي هنا بنقل ما كتبته الكاتبة المسلمة سهيلة زين العابدين في المسلسل الذي نشرته جريدة المدينة تحت عنوان (( مسيرة المرأة السعودية إلى أين ؟ )) في عددها الصادر في 14/6/1400 هـ .(1/177)
(( قد تعلمت هنا غي بلادي ودرست هذه المناهج ابتداء من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية ولكن لم يمر علّى خلال دراستي مواصفات الزي الإسلامي وأهمية الحجاب .. لقد مرت على آية الحجاب أثناء دراستي في مادة التفسير .. ولكن لم يركز عليها التركيز اللازم ... لم أدرس في هذه المناهج حقوق المرأة في الأديان والقوانين الوضعية ومقارنتها بمكانة المرأة في الإسلام .. لم أدرس لماذا يرث الرجل ضعف ما يرث المرأة ولماذا تعتبر شهادة اثنتين بشهادة رجل ؟ ... والحكمة في تعدد الزوجات إلى آخر ما يتخذه الأعداء من هذه الأحكام ليوهم المرأة المسلمة أن دينها لم ينصفها فتثير حوله الشبهات لم أدرس في هذه المناهج سير كثير من السيدات المسلمات الخالدات .. لم أدرس أشياء كثيرة مستجدة تتعلق بي كأنثى وموقف الدين منها .. وكذلك الفتى لم يدرس أهمية الحجاب ومكانته .. ولهذا فإنه يشجع أخته أو زوجته أو ابنته على السفور والتبرج والاختلاط بل كذلك يجبر زوجته على مجالسة أصدقائه سافرة متبرجة ويهددها بالطلاق أن لم تفعل ذلك )) .
(( كما أن هذه المناهج لم تفرق بين الرجولة والأنوثة .. فما يدرّس للفتى يدرّس للفتاة وهذا من الأخطار الجسيمة التي وقعنا فيها عند وضعنا لهذه المناهج فالتكوين النفسي والفكري والروحي يختلف بالنسبة للأنثى عن الذكر إذ يجب أن يكون تكةين كل منهما نفساً وروحاً وعقلاً وفق وظائفة التي أعده الخالق لها فالمرأة مكلفة بالإنتاج البشري والرجل مكلف بالإنتاج المادي .. وعلى هذا الأساس تكون تربية كل منهما وتعليمه ولكننا نحن ابتعدنا عن هذا .. وكانت النتيجة أنها تجهل خطورة وظيفتي الزوجة والأمومة .. وتحسب أنها بكل سهولة تستطيع التوفيق بينهما وبين عملها التكسبي وأن خادمة أو مربية يمكن أن تحل محلها في هاتين الوظيفتين .(1/178)
( والغرض من هذا البحث هو معالجة هذا العدد من أمراضه قبل أن يستفحل أمرها ويتفشى ضررها ويعجز عن مقاومتها والوقاية خير من العلاج ..
ولكي نتقي شر هذه الأمراض علينا أن نغيّر مناهج التعليم ولاسيما مناهج تعليم البنات لتتضمن الآتي :
أولاً : تعميق الصلة بين المرأة وبين بيتها وتوضيح مكانتها في الإسلام ومقارنة وضع المرأة في الإسلام ووضعها في الديانات الأخرى وفي القوانين الوضعية والرد على الشبهات التي يثيرها الأعداء حول نظرة الإسلام إلى المرأة مع التركيز على أهمية الحجاب وضرورته كضابط اجتماعي وتنمية الوعي لديها بالزي الإسلامي وتدريبها على تعميمه وتفصيله وحياكته كما يجب تدريسها سير النساء المسلمات الخالدات .
ثانياً : التركيز على واجبات الزوجية والأمومة وإعدادها لتكون زوجة صالحة وأماً فاضلة وربة بيت مدبرة وممتازة وذلك عن طريق الآتي :
أ- أن المرأة مكلفة بالتعامل مع الإنسان كأم وكزوجة وكمعلمة وكطبيبة وكممرضة وكأخصائية اجتماعية .. وعليه يجب أن تدرس الطرق السليمة للتعامل معه .
ب- إن المرأة مكلفة بغذاء الإنسان وإعداد طعامه .. ولهذا يجب إن تدرس علم التغذية .
ج- تدريس علم التمريض كعلم أساسي يجب أن تتعلمه الفتاة بتعليمه لها في المرحلة الإعدادية فعلم التمريض يجب أن تلم به كل فتاة لاتصاله الوثيق بوظيفتيها الأساسيتين كما يجب إن نعد المرأة السعودية لمواجهة الطوارئ فيما تعرض وطننا - لا قدر الله - لأي عدوان ..
د- يجب حث الطالبة على القراءة والإطلاع .. ( في الكتب النافعة الهادفة ) كما يجب الاهتمام بعوامل التشويق للدراسة ومن هذه العوامل :
* إن تكون المباني المدرسية نموذجية بها أفنية واسعة وحدائق جميلة وفصول واسعة جيدة التهوية لا كما هو الحال بالنسبة لمعظم مباني مدارس البنات حيث تجد فصولها ضيقة ومظلمة ومعتمة ولا توجد بها أفنية ومياهها غير نقية وقد يكون بعض مبانيها آيلا للسقوط .(1/179)
* تخصيص برامج للرحلات والحفلات المدرسية ..
* وكما يجب أن تتوفر القدوة في البيت يجب أن تتوفر أيضاً في المدرسة والمعلمة هي القدرة الحسنة لتلميذاتها فيجب الاهتمام بإعدادها .
المرأة في ميدان القتال :
أن الإسلام قد سمح للمرأة أن تشهد المعارك لتداوي الجرحى وتسقي العطشى وتطبخ الطعام وتحفظ الرجال .. بل أن عليها أن تتعلم كيف تدافع عن نفسها .. وقد روى لنا التاريخ أسماء نساء الأنصار والمهاجرين اللاتي وقفن مع المجاهدين في ميادين القتال .. حتى نساء النبي اشتركن في مداواة الجرحى وسقي العطشى من المجاهدين فقد أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وأنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان .. )) وروى عمر بن الخطاب قول النبي ( (( ما التفت يميناً ولا شمالاً يوم أحد إلا رأيت أم سليط تقاتل دوني )) .
وروى البخاري أن عمر بن الخطاب قسم مروطاً بين نساء المدينة فبقي مرط جيد فقال له بعض من عنده : يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله ( التي عندك - يريدون أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء - فقال عمر : أم سليط أحق فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد . وتزفر أي تحمل الحمل الثقيل .
وأم سليط هي أم قيس بنت عبد من بني مازن تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة من بني النجار من الأنصار فولدت له سليطاً وفاطمة . وكانت من أوائل من بايع النبي ( بالمدينة وشهدت أحداً وخيبر وحنينا .
وفي غزوة حنين رأى النبي ( أم سليم ومعها الخنجر فقال لها ما هذا قالت اتخذته أن دنا منى أحد المشركين بقرت بطنه (( فجعل رسول الله ( يضحك )) .( أخرجه مسلم ) وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله ( يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى . ( أخرجه مسلم والترمذي ) .(1/180)
وغزت أم عطية رضي الله عنها مع رسول الله ( سبع غزوات كانت تخلفهم في رحالهم وتصنع لهم طعامهم وتداوي الجرحى وتقوم على المرضى ( أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه ) .
وقامت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها إلى اليهودي الذي تسلل إلى بيوت المسلمين أثناء انشغال المسلمين في موقعة الخندق . قامت إليه بعمود فقتلته .
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : دخل رسول الله ( على ابنة ملحان ( وهي أم حرام ) فاتكأ عندها ثم ضحك فقالت : لم تضحك يا رسول الله . فقال : ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله مثلهم مثل الملوك على الاسرة . فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم فقال : اللهم اجعلها منهم . قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر معه ومعها بنت قرظة .. وهناك عثرت بها دابتها فوقعت فماتت رضي الله عنها وقبرها معروف مشهود في قبرص .
وكان رسول الله ( إذا أراد أن يخرج للغزو أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها النبي ( ( أخرجه البخاري ) وقد حضرت عائشة رضي الله عنها غزوة أحد وكانت تحمل قرب الماء على متنها وتفرغه في أفواه القوم .. وحضرت غزوة بني المصطلق .
وأخرج البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت : (( كنا مع النبي ( نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة )) وفي رواية له أيضاً (( كنا نغزو مع النبي ( نسقى القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة )) ولم تكتف أم عمارة الأنصارية بإسعاف الجرحى وسقاية الجيش بل حملت السيف وقاتلت . وقتلت أم حكيم يوم اليرموك سبعة من الروم بعمود الفسطاط لما هجم الروم علة مواقع المسلمين الخلفية.
وأخرج مسلم أن نجده الخارجي كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن غزو النساء مع النبي فكتب إليه إنه كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحُذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن )) .(1/181)
ومع هذا أخرج البخاري في باب جهاد النساء أن عائشة رضي الله عنها استأذنت النبي ( في الجهاد فقال : جهادكن الحج وعنها أيضاً أن نساء النبي سألنه الجهاد فقال : نعم الجهاد والحج . وقال ابن بطال كما ذكره فتح الباري أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله : جهادكن الحج أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجباً لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد )) .
ولا يجب الجهاد على النساء إلا في حالة واحدة وهي عندما يهجم العدو على ديار المسلمين ولا يوجد من الرجال ما يكفي لصده فعندئذ يجب على العبد بدون إذن وليه وعلى الصبي وعلى المرأة .. ودور المرأة في مداواة الجرحى والمرضى وخدمة المجاهدين وسقايتهم وإعداد طعامهم لاشك دور عظيم ومهم في ميادين القتال وقد أثبتت الصحابيات الجليلات ومعهن أمهات المؤمنين دورهن الرائد في هذا الباب .(1/182)
وقد تقدم أمثلة لذلك ويذكر لنا التاريخ أيضاً كيف قامت رفيدة الأسلمية بتمريض سعد بن معاذ عندما أصيب بسهم غرب في موقعة الأحزاب فأقام له رسول ( خيمة في مسجده حتى يشرف بنفسه على حالته .. وأوكل تمريضه إلى رفيدة . من كل ما تقدم يتبين حكم الإسلام في خروج المرأة وكيفيته وآدابه . وكيف أن الإسلام لم يمنع المرأة منعاً باتاً من الخروج من دارها .. وإنما سمح لها بالخروج لأغراض كثيرة منها ما هو تعبدي محض كالصلاة والحج .. ومنها ما هو من شؤونها الخاصة كشراء لوازمها وقضاء حاجاتها .. ومنها ما هو لنفع نفسها ونفع المجتمع كالتعليم والتعليم .. وقد اشتهرت من أمهات المؤمنين عائشة رضي الله عنها بسعة علمها ورجاحة عقلها .. قال عروة بن الزبير (( ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطلب ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها )) كذلك أم سلمة رضي الله عنها فقد كان النبي ( يشاورها في مهام الأمور وقد أشارت عليه يوم صلح الحديبية عندما اغتم المسلمون بذلك الصلح وأبوا إن يحلقوا أو أن ينحروا هديهم لشدة غمهم فأصاب رسول ( من ذلك هم وغم ودخل على أم المؤمنين أم سلمة يخبرها بذلك فأشارت عليه بأن يأمر الحلاق فيحتلق أمامهم ويأمر بهديه فينحره أمامهم .. فلما رأى المسلمون النبي ( يفعل ذلك تدافعوا يحلق بعضهم لبعض حتى كادوا يقتلون أنفسهم وقاموا إلى هديهم ينحرونه .
ويذكر التاريخ لنا أمثلة كثيرة من هؤلاء الفقيهات العالمات الأديبات .. ومنهن سكينة بنت الحسين .. ومنهن السيدة نفيسة من نسل الحسن بن علي رضي الله عنهما .. وغيرهن كثيرات واشتهرت بالطب من النساء في زمن بني أمية زينب طبيبة بني أود كانت طبيبة عيون ناجحة حتى تمثل بها الشعراء . وذكر ابن عساكر أن عدد شيوخه من النساء كان بضعاً وثمانين امرأة وكانت كريمة المروزية من شيوخ البخاري .(1/183)
واشتهر من نساء الأندلس في الطب من عائلة زهر الطبية أخت أبي بكر بن زهر ( الحفيد ) وبنتها .. ولم يكن المنصور يسمح لأحد بمعالجة نسائه وأهله إلا أخت الحفيد أو ابنتها . واشتهرت أم الحسن بنت القاضي أحمد بن عبد الله الطنجالي بالشعر وحفظ القرآن الكريم والطب .
وأعطى الإسلام المرأة من الحقوق ما لا يخطر ببال النسوة اللائي يلهثن وراء حقوقهن .. حيث لا تزال المرأة سلعة تباع وتشترى ومادة لترويج البضائع والسلع .. وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر 29/5/1980 م الموافق 15/7/1400 هـ وعددها الصادر 31/5/1980 الموافق 17/7/1400 أن جمعيات حقوق المرأة في بريطانيا نظمن مظاهرات صاخبة احتجاجاً على استعمال المرأة في ترويج البضائع .. ومن ذلك إعلان يقول السيارة السبور مثل العشيقة أما السيارة الصالون فهي مثل الزوجة .
ولا تكاد تجد إعلاناً عن أي مادة من المواد إلا وتطالعك صورة حسناء شبه عارية تدعوك لشراء تلك السلعة .
ولا تزال المرأة في الغرب إذا عملت أعطيت نصف أجر الرجل ... وإذا تزوجت كانت هي التي تدفع المهر للرجل ( الدوطة ) بدلاً من أن يدفعه هو كما هو مقرر في الإسلام .
وفي الزواج عليها أن تنفق على نفسها وعلى بيتها أو على الأقل عليها أن تساهم في هذه النفقات فلابد إذن من خروجها إلى ميدان العمل حتى في أثناء حيضها وجملها وإرضاعها .. وليس لها إلا إجازة وضع لا تزيد عن شهرين في أغلب الأحيان وقد تقل عن ذلك ..(1/184)
وقد وصل الأمر بهيئة الصحة العالمية أن تطالب الدول بتفريغ الأمهات ثلاث سنوات لكل طفل وأن تعطي لهن أجراً في أثناء ذلك .. ولم يستجب بعد لذلك النداء أحد بينما هو أمر قد كفله الإسلام من قديم للمرأة {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: من الآية233) حتى في حالة الطلاق .. فحقها مكفول في أرضاع وليدها مع نفقتها وكسوتها وسكنها .. وكل ما يلزم لوليدها .. على حسب مقدرة الزوج ويسره .{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} (الطلاق: من الآية7) .
وإذا تزوجت المرأة احتفظت باسمها واسم أبيها في النظام الإسلامي بينما هي تفقد اسمها في النظام الغربي وتصبح تابعة لزوجها حتى في اسمها .
وفي الإسلام للمرأة حق التصرف في مالها ولها حق تنميته وليس لزوجها في ذلك من حق .. أما في الغرب فليس للمرأة أن تتصرف بمالها إلا من بعد أذن منه حتى عهد قريب .
وفي الغرب لا ترث المرأة شيئاً مع وجود الولد .. وفي الإسلام للمرأة نصيبها كامل في الميراث..{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }(54)مع جعل كل المسؤوليات المالية على الذكر وإعفاءها من كل مسؤولية .
وفي الغرب يملك الزوج أن يوصي بماله كله للكلاب ويحرم أن شاء ذريته وزوجته من ماله ولو كان مثل مال قارون .
وفي الإسلام ليس له في الوصية إلا الثلث والثلث كثير وما بقي فهو مال ورثته ليس له أن يتصرف فيه .. وكل وارث قد حدد الله له نصيبه من الميراث سواء كان أباً أم ابناً أم أماً أم زوجة أم بنتاً أو أحد الوارثين..وليس له أن يوصي بماله للكلاب أو لأي غرض غير شرعي..فإن فعل فإن وصيته باطلة لأنه لو كان حياً لوجب الحجر عليه لسفهه{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً}(النساء:من الآية5)(1/185)
ويبقى الإسلام هو النظام الوحيد الذي أعطى المرأة جميع حقوقها .. وجعلها تفرغا تاماً لوظيفتها المنوطة بها كأم وربة بيت . وجعل الجنة تحت أقدامها وأمر ببرها أماً وزوجة وابنة وأختاً .. وحث على ذلك إيما حث وجعل من يعول بنتين أو أختين ويربيهن تربية إسلامية في الجنة مع الرسول الكريم صلوات الله عليه (( من عال ابنتين أو أختين كنت أنا وهو في الجنة كهاتين )) ( وأشار ( إلى سبابته والوسطى ) .
(( ومن عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة )) .
(( وما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة )) .. (( وأن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى فِيّ امرأته )) .
(( ودينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به ودينار أنفقته على أهلك . أعظمها أجر الدينار الذي أنفقته على أهلك )) . ( أخرجه مسلم ) .
وخلاصة القول أن الإسلام نظر إلى وظيفة المرأة الطبيعية والفطرة التي فطرها الله عليها فجعل لها المقام الأول حيث مقام الأمومة أعلى مقام .. وجعل مكانة المرأة كأم لا تعدلها في المجتمع أي مكانة .. وهيأ لها كل الوسائل للتفرغ لهذه الوظيفة العظيمة .. وجعل لها من الحقوق ما يكفل لها القيام بهذه الوظيفة على أحسن وجه وأكمل صورة ..
ومع هذا فقد سمح لها بالخروج من منزلها لأي ضرورة تعرض لها .. ولطلب العلم وللعبادة ولمساعدة المجاهدين ..
وكل هذا في أطار النظام الإسلامي والآداب الإسلامية أما خروجها واختلاطها بالرجال ومزاحمتها لهم بالمناكب والأقدام فأمر قد نهى عنه وأمر بالابتعاد منه لأنه يؤدي إلى شيوع الفاحشة ..
وقد هدد سبحانه وتعالى أولئك الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أعظم تهديد وأبلغه {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النور:19)(1/186)
ونختم هذا الفصل بفتوى أصدرها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارة الدعوة والإرشاد والإفتاء في المملكة العربية السعودية والتي نشرت في مجلة المجمع الكويتية في 27/5/1399هـ الموافق 24/4/1979م .
فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في خروج المرأة للعمل :
(( أن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه .
(( ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى لينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختياراً أو اضطراراً بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر - على مستوى الفردي - والجماعي والتحسر على انقلاب المرأة من بيتها وتفكك الأسر ، ونجد ذلك واضحاً على لسان الكثير من الكتاب بل في جميع وسائل الأعلام وما ذلك إلا أن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه .
(( والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
(( واخرج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة أخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها .
(( فالدعوة إلى نزول المرأة إلى الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي بفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه .(1/187)
(( ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيباً خاصاً يختلف تماماً عن تركيب الرجل هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها ..
(( ومعنى هذا أن اقتحام المرأة لميدان الخاص بهم يعتبر أخراجاً لها عن تركيبها وطبيعتها . وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم لشخصيتها ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث الأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف . فالذي يقوم بهذا الدور وهو الأم قد فصلت منه وعزلت تماماً عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول .
(( والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما وأن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت ، وفي خارجه فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم الصغار وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء .
(( فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه . ويترتب عليه تفكك الأسرة حسياً ومعنوياً وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة لا حقيقية ومعنى .(1/188)
(( قال الله جل وعلا {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة وللرجل فضل عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك . وأمر الله سبحانه وتعالى للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه : النهي عن الاختلاط وهو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك ، لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضيع لحقوق الله المطلوب شرعاً من المسلمة أن تقوم بها .
(( والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال الله جل وعلا {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً **وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} . فأمر الله أمهات المؤمنين - وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك - بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وأبعادهن عن وسائل الفساد لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما يفضي إلى شرور أخرى ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله ( .... ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب .(1/189)
(( وقال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وهو المبلغ عن ربه - أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عيهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب .فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة .
(( قال الله جل وعلا {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ**وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } الخ الآية .
(( يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم . ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة أنما يكون باجتناب وسائلها ولاشك أن أطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة . وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه هو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له . فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لاشك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها .(1/190)
(( وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها لأن الجيب محل الرأس والوجه . فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير .. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به .
(( والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة . وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } يعني مرض الشهوة . فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط .(1/191)
(( من البدهي أنها إذا نزلت إلى الميدان الرجال لابد أن تكلمهم وأن يكلموها ولابد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له . والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب وما ذلك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر فالحجاب يمنع - بإذن الله - عن مظان التهمة . قال الله عز وجل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } الآية . وخير حجاب المرأة بعد الحجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر . وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قراراً وهذا المعنى من اسمي المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه . ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم سداً لذريعة الفساد وإغلاقاً لباب الآثم وحسماً لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان ولهذا صح عن رسول الله ( أنه قال (( ما نزلت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) وصح عنه ( أنه قال (( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) .
******************************************************
(1) في كتاب عشرة النساء الجزء السابع من كتاب المغني لابن قدامه المقدسي .
(2) الذريات:49
(3) الروم: من الآية21
(4) يّس:36
(5) أبو داود والترمذي والدارمي وأحمد .
(6) أخرجه الترمذي
(7) شرت ذلك مجلة الاعتصام عدد رمضان 1399 أغسطس 1979 م .
(8) شرت ذلك مجلة الاعتصام عدد رمضان 1399 أغسطس 1979 م .(1/192)
(9) نشرت ذلك مجلة الاعتصام في عددها الصادر في رمضان 1399 أغسطس 1979 م .
(10) نشرت ذلك مجلة الاعتصام في عددها الصادر في رمضان 1399 أغسطس 1979 م .
(11) يراجع هذا الباب بتوسع في فصل المحيض من كتاب دورة الأرحام للمؤلف .
(12) هذه العادات الجاهلية موجودة في بعض قبائل البادية في حضرموت واليمن .
(13) الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ 1/242 ومسند الأمام أحمد جـ4/ 422.
(14) إن الزواج بين الأقارب Consanguinityمن الدرجة الثانية أي أولاد العم والخال والعمة والخالة يظهر الأمراض النادرة في المجتمع لأنها منتحية Recessive وتكون كثيرة من هذه الأمراض موجودة في المجتمع بنسبة واحد إلى الألف أو أقل .. ولكنها تزيد في زواج الأقارب كثيراً حتى لتصل في بعض الأحيان إلى نسبة 35 بالمائة .
(15) ويصح عقد الزواج عند الأحناف بدون ولي . جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة جـ 4/ ص42 (( على أن للمرأة العاقلة البالغة أن تباشر عقد زواجها بنفسها ثيباً كانت أو بكراً . فلا يتوقف عقد زواجها على ولي ولا وكيل . وللصبي الذي يعقل أن يباشر عقد زواجه على امرأة له في زواجها مصلحة وله أن يوكل عنه في ذلك ما دام يعقل المصلحة .
(16) للولي المجبر مثل الأب أن يزوج البكر وفاقدة العقل دون إذنها بشروط منها أن لا تكون بينه وبين وليته عداوة ظاهرة . وأن لا يكون بين المخطوبة والزوج عداوة كذلك . وأن يكون الزوج كفؤا . وقادراً على الصداق . أما الثيب فلا بد من استئذانها سواء كانت صغيرة أم بالغة .. ولا يكفي سكوتها فلابد من إعلان موافقتها على الزواج . وللصغيرة البكر أن تعلن رفضها للزواج بعد بلوغها مباشرة وكراهتها له فيكون لها الحق عندئذ في فسخ الزواج . ( انظر كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الجزء الرابع ) .
(17) انظر فصل وللرجال عليهن درجة .
(18) قال الفقهاء إن يجامعها في كل طهر ولو مرة واحدة . ( ذكره ابن حزم في المحلي ) .(1/193)
(19) الناضج هو الجمل .
(20) من كتاب علم الفيسيولوجيا للدكتورة فلور ستراند طبعة 1978 .
Physiology : A Regulatory Systems Approach by Fleur Strand 1978
(21) انظر المزيد من التفصيل في فصل (( المحيض )) من كتاب (( دورة الأرحام )) للمؤلف .
(22) هذا التعبير شائع ولعل الصواب نهج ويعني ذلك صعوبة في التنفس .
(23) نشرت صحيفة Arab News في عددها الصادر في 10 فبراير 1981 تقريراً جديداً عن هيئة الصحة العالمية يهاجم فيه أغذية الأطفال المصنعة ويتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل عام بما قيمته آلفي مليون دولار من أغذية الأطفال بأنها تساهم في قتل الأطفال في البلاد النامية .. وذلك لأن الأغذية المصنعة والألبان المجففة تمنع الأم من الرضاعة .. واستعمال القارورة يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلاد النامية إلى محاربة هذه الأغذية المصنعة .
وتقول الأبحاث الطبية الحديثة أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم نتيجة استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنوياً .. وذلك نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية وسوء التغذية التي تصاحب استخدام القارورة . وفي تقرير لليونيسف نشرته جريدة المدينة في 10 ديسمبر 1983 جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة لسوء التغذية بثلاثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم وفي مصر أظهرت دراسات مماثلة أن نسبة الوفيات هي خمس أضعاف ما هي عليه عند الأطفال الذين يرضعون الأثداء . ونفس النسبة وجدت في الهند وتشيلي والبرازيل والفيليبين .(1/194)
(24) يحتوي اللبا بصورة خاصة على كميات كبيرة من البروتيين الواقي ضد الهجوم الميكروبي والذي تصنعه بأمر الله الخلايا اللمفاوية الموجودة أصلاً في أمعاء الأم . ثم تهاجر هذه الخلايا إلى الثدي ومن هناك تفرز مع اللبا ، وأهم هذه البروتينات هو : IgA وهذا البروتين متخصص في الدفاع عن الجسم في الأمعاء والجهاز التنفسي .. وهذان الجهازان هما اللذان يتعرضان للهجوم الميكروبي في الأطفال .. بل وهما السبب الرئيسي في وفيات الأطفال وخاصة في دول العالم الثالث .
(25) ) لا يزال الأطفال يعلمون أعمال مضنية وبأجور رمزية في أمريكا اللاتينية وكثير من دول العالم الثالث . وقد قام ميلتون فريدمان ( أستاذ ريجان وبيجين ومارجريت تااتشر ) بزيارة لبعض المناجم في أمريكا اللاتينية ورأى الأطفال يعملون في ظروف شديدة القسوة وبأجور تافهة .. فأقرّ ذلك وقال لو لم يعملوا لماتوا جوعاً .. وهكذا الغرب يستغل الشعوب وحتى الأطفال دون رحمة .
(26) نقلاً عن كتاب الحجاب لمولانا أبو الأعلى المودودي رحمه الله .
(27) نقلاً عن كتاب الحجاب لمولانا أبو الأعلى المودودي رحمه الله .
(28) نقلاً عن كتاب الحجاب لمولانا أبو الأعلى المودودي رحمه الله .
(29) من كتاب الحجاب لأبي الأعلى المودودي رحمه الله .
(30) من كتاب الحجاب لأبي الأعلى المودودي رحمه الله .
(31) وقد نشرت الصحف مظاهرات واحتجاجات لمنظمات نسائية في بريطانيا احتجاجاً على استخدام المرأة بأسلوب رخيص في الإعلانات.
(32) كتاب مرك الطبي العلمي طبعة 1972 الطبعة الثانية عشرة MERK MANYUAL 1972
(33) إن بيع الأطفال ليس مقتصراً على الغرب ففي تايلاند يباع في الأسبوع الواحد 500 طفل ويتراوح سعر الطفل ما بين 7 و 50 دولاراً للطفل .. ويباع هؤلاء إلى أماكن الدعارة والتدليك والمصانع .. ذكرت ذلك لجنة العبودية التابعة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ونشرته صحيفة الأخبار القاهرية في 19/8/1980 .(1/195)
(34) ونشرت ((المدينة)) في 14/10/1400 نقلاً عن كريستيان سانيس مونيتور : (( إن المرأة في الغرب تجد نفسها مجبرة على العمل خارج البيت لتحقق ما يطلبه منها المجتمع )) وتقول نفس المجلة على لسان الدكتورة ميخائيل : (( إن حال المرأة الأمريكية مخيب للآمال )) وتنقل المجلة المذكورة رأي الدكتورة آمال رسام وهو أن دور المرأة مختلف عن دور الرجل وإن ذلك مشاهد على مدى التاريخ وفي كل مكان وزمان حتى في أمريكا اليوم .
(35) تنص المادة 273 من قانون العقوبات المصرية على الآتي : (( لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها إلا أنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة277 لا تسمع دعواه عليها )) وقد نصت المادة 277 على ((أن كل زوج زنا في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازي بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر )) . وتنص المادة 273 على أن الزوج متى حكم عليه بالعقوبة بارتكابه الزنا يفقد حقه في التبليغ عن زنا زوجته . وكذلك إذا عفا الزوج عن زوجته الزانية ولو مرة واحدة حتى ولو كان عفوه في طي الكتمان فإن القانون يعطيها الحق في الزنا كما تشاء .
(36) نشرت جريدة عكاظ في عددها الصادر 2/11/99 هـ الموافق 23/9 / 79 م خبراً تحت عنوان (( الكنيسة المسيحية تمارس تجارة شراء الأطفال في اندونيسيا نقلاً عن الصحف الاندونيسية )) ومجلة نانجي مشركة في 8/9/99 أن الكنائس تمارس شراء الأطفال الرضع من دويهم الفقراء وترسلهم إلى أوروبا لينشأوا على النصرانية . ثم يعودوا لتنصير المسلمين في بلادهم .
(37) أن هناك أسباب أعمق من ذلك بكثير ولكن موانع الحمل أحد هذه الأسباب الظاهرة فقط .
(39) كتاب مرك الطبي العملي MERK MANUAL الطبعة الثانية عشرة 1972 .(1/196)
(40) وقد عرض في التلفزيون البريطاني ITV في 5/9/80 برنامجاً عن المراهقة تحدثت فيه فتاة في الرابعة عشر من عمرها فقالت : إن الأولاد في سنها ليست لديهم خبرة جنسية..وتحدث فتى في السادسة عشر فقال أنه بدأ يعرف عن الجنس في سن الحادية عشرة عندما عرض عليهم في المدرسة فيلم عن الجنس ولكنه لم يكن لديه اهتمام بالجنس الآخر إلا في سن الرابعة عشر عندما ابتدأ بتقبيل الفتيات ثم النزول إلى ما هو أسفل وضحك الفتى ثم قال وهكذا تتعلم الجنس وتجده (( ثم عرض البرنامج بعد ذلك أطفالاً في سن الحادية عشرة وهم في الديسكو يرقصون ويدخنون ويشربون الخمور ثم تحدث مقدم البرنامج قائلاً : إن الأجيال السابقة لم يكن يسمح لها بالولوغ في الجنس قبل سن الثامنة عشر للفتيان وسن السادس عشرة للفتيات .. ولكن الاتجاه الآن إلى سن مبكرة ابتداء من الحادية عشر !! ))
(41) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول : (( إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء )) رواه الطبراني عن ابن مسعود وحيث يقول عليه الصلاة والسلام (( إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال فبشرهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فتمسخ بعضهم ويخسف ببعض ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )) رواه الديلمي عن أنس . ورواه الحاكم قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تنقضي الدنيا حتى يقع بهم الخسف والمسخ والقذف قالوا : متى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا رأيت النساء قدر ركبن السروح واستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ))(1/197)
(42) وقد نشرت الصحف الغربية وكافة أجهزة الأعلام التي تتبعها هجوماً عنيفاً على الأمام الخميني لأنه أمر بتنفيذ حكم الله في من ثبت عليه تهمة اللواط فأمر بإعدام بضعة نفر منهم .. وعندئذ قامت قيامة أجهزة الأعلام الغربي القذر تهاجم الإسلام الوحشي الذي يأمر بإعدام اللوطية ورجم الزاني المحصن وقطع يد السارق .. ونذر رئيس اللوطية في إيطاليا أن يدفع مليون دولار لمن يقتل الأمام الخميني . وكذلك فعلت والدة الرئيس كارتر
(43) انظر كتابنا الأمراض الجنسية وباء العصر .
(44) أخرجه الديلمي وابن ماجه .
(45) ) أخرج الحاكم وأبو داود قوله صلى الله عليه وسلم : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر . وفرقوا بينهم في المضاجع )) فلابد من التفريق بين الأولاد والبنات في المضاجع إذا بلغوا سن العاشرة - وهذا من التدابير الوقائية المهمة التي أرشد إليها المصطفى صلوات الله عليه .
(46) لا تزال المرأة العاملة في أوروبا وأمريكا تأخذ أجراً أقل من الرجل رغم القوانين التي تدعي المساواة وقد نشرت (( عكاظ)) في عددها الصادر 15/3/1400 الموافق 2/2/1980 تحت عنوان (( أعمال محظورة على المرأة )) أن المرأة النمساوية لا يسمح لها إلا بالأعمال التي لا تحتاج إلى مؤهلات عالية (( ويمكن القول أن مجالات الصعود في الحياة العملية غير متوفرة لها مثل الرجل وكثيراً ما تحصل المرأة النمساوية على أجر ضئيل حتى ولو كانت تقوم بنفس العمل الذي يقوم به الرجل )) .
وليس هذا الأمر مقتصراً على المرأة النمساوية وإنما هو منتشر في أوروبا والولايات المتحدة ومعظم بلاد العالم .(1/198)
(47) جاء في جريدة النهار البيروتية ما يؤكد هذه الفلسفة التي يبثها اليهود حتى في بلاد المسلمين ، كتبت النهار تحت عنوان امرأة بلادي للوجود والعشق والجنس كما نقلها الأستاذ سعد جمعة في كتابه (( مجتمع الكراهية )) لنتحدث عن حرية المرأة .. دعوني أعترف لكم فوراً أن حرية المرأة ليس لها غير معنى واحد إنه المعنى الجنسي !! المرأة في نظري هي مصب الأشواق والشهوات .. هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس .
ما هي حرية المرأة ؟ حريتها الحقيقية هي حرية العلاقة الجنسية مع الجنس الآخر أو حتى مع بنات جنسها أو مع الجنسين معاً .
والرجل ما هو دوره ؟ عليه أن يحرض المرأة على الحرية . أنني أطلب لامرأة بلادي الحق بأن تصادق رجلاً فجأة فإذا اشتهته حققت شهوتها !!
إنني أطلب لامرأة بلادي كسر طوق الاضطهاد العائلي والدين والأخلاق . حريتها في أن تكون حرة بلا حدود . حرة في إقامة علاقة جنسية قبل الزواج .. حرة في تغيير حبيبها متى ضجرت منه .. حرة في التصرف بجسدها دون قيد ولا شرط )) وهذا هو ملخص فلسفتهم بوضوح ودون مواربة .
(48) صحيفة الديلي اكسبريس في عددها الصادر في 3 فبراير 1973 .
(49) صحيفة الديلي اكسبريس في عددها الصادر في 3 فبراير 1973 .
(50) من كتاب المرأة المسلمة في وجه التحديات - لأنور الجندي .
(51) صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس . ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كاسنمة البخت المائلة لا يدخلون الجنة ولا يجدن ريحها . ( رواه مسلم وأحمد والحاكم عن أبي عمر ) .
(52) وهذا من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .(1/199)
(53) يدخل في فروض الكفاية علم الطب وعلم الهندسة والزراعة والصناعة والحياكة .. وكل ما كان ضرورياً لجماعة المسلمين فهو من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط الواجب والتكليف عن الكل .. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجنازة وطلب العلم في مختلف فروعه سواء كانت دينية أو دنيوية .
(54) للمرأة نصف ميراث الرجل إذا كانت بنتاً مع وجود الابن وكذلك الأخوة والأخوات - لأب وأم أو لأب فقط .. أما الأم فهي تتساوى مع الأب مع عدم وجود الولد .. وكذلك الأخت أو الأخوات لأم يتساوين مع الأخ أو الأخوات لأم .. والزوجة نصيبها الربع إذا لم يكن للزوج ولد فإن كان له ولد فلها الثمن .
??
??
??
??(1/200)
عمل المرأة
إعداد موقع المنبر
http://www.alminbar.net/
نشره موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/
أولاً: مفهوم عمل المرأة:
العمل لغة: مصدر مأخوذ من عَمِلَ يعمَل عملاً، والعَمَل: المِهْنَة والفِعْل[1].
وعمل المرأة: هو تلك الجهود البدنيّة والفكريّة التي تبذلها المرأة في الميدان العملّي لتحقيق منفعة[2].
[1] لسان العرب (مادة عمل 9/400).
[2] انظر: أصول التربية الإسلامية لخالد الحازمي (ص: 172).
ثانياً: أهمية العمل وفضله في الإسلام:
1- ثناء الشريعة على العمل:
عن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده))[1].
قال ابن حجر: "وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم مباشرة الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره"[2].
2- أن أطيب ما يأكله الرجل من كسبه:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أطيب ما يأكله الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه))[3].
3- أن الأنبياء كلهم كانوا يعملون في التجارة والتكسب:
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ?لْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ?لطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ?لأسْوَاقِ} [الفرقان:20].
قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق للتكّسب والتجارة"[4].
4- الساعي لكسب الرزق كالمجاهد في سبيل الله:
قال تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى? وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ?لأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ?للَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـ?تِلُونَ فِى سَبِيلِ ?للَّهِ فَ?قْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20].(2/1)
قال القرطبي: "سوّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله... فكان هذا دليلاً على أنّ كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنّه جمعه مع الجهاد في سبيل الله"[5].
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَدِه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان))[6].
5- العمل وسيلة لدفع الفقر وإعفاف النفس عن المسألة:
فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يأخذ أحدكم أحبلاً، فيأخذ حزمة من الحطب، فيبيع، فيكفّ الله بها وجهَه خير من أن يسأل الناس أعطي أو منع))[7].
قال العيني: "والمعنى: إنّ لمَّ الاحتطاب من الحرف مع ما فيه من امتهان المرء نفسَه ومع المشقة خير له من المسألة"[8].
6- أن إتقان العمل من الأعمال المحبَّبة إلى الله عز وجل:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))[9].
[1] رواه البخاري: كتاب البيوع، باب الحث على الكسب (7/241).
[2] فتح الباري (4/306).
[3] رواه النسائي: البيوع، باب الحث على الكسب (7/241)، وابن ماجه: التجارات، باب الحث على المكاسب برقم (2137)، وصححه الشيخ الألباني (مشكاة المصابيح 5/844).
[4] تفسير القرآن العظيم (3/317).
[5] الجامع لأحكام القرآن (19/55).
[6] رواه الطبراني في الكبير (19/129)، قال المنذري في الترغيب (2/688): "رجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1692).(2/2)
[7] رواه البخاري في المساقاة، باب: بيع الحطب والكلأ (2373).
[8] عمدة القاري (9/51).
[9] رواه أبو يعلى في مسنده (4386)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1113).
ثالثاً: موقف الإسلام من عمل المرأة:
لا تمنع الشريعة الإسلامية المرأةَ من العمل إن هي احتاجَت إلى ذلك أو فرضت ظروفُ المجتمع ومصالحه عمَلَها، على أن يكونَ في إطارٍ شرعيّ وضوابطَ شرعية[1]، وهي كالآتي:
1- أن لا تعمل في المجالاتِ التي تفرِض الاختلاطَ أو السفور أو الخلوة، قال تعالى: {ي?أَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لأِزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59].
قال قتادة: "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنِّعن على الحواجب"[2].
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[3].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم))، فقال رجل: يا رسول الله، امرأتي خرجَت حاجّة واكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا؟ قال: ((ارجع فحجَّ مع امرأتك))[4].
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "الدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمرٌ خطير على المجتمع الإسلاميّ، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع"[5].
2- أن تكون المرأة محتاجة أو تفرض ظروف المجتمع ومصالحه عملَها:
قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ ?لأولَى?} [الأحزاب: 32].(2/3)
قال القرطبي: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهنّ فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل [يعمّ] جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[6].
وقال ابن كثير: "الزَمنَ بيوتكن فلا تخرجنَ لغير حاجة"[7].
وعن جابر رضي الله عنه قال: طُلِّقَت خالتي، فأرادت أن تجذَّ نخلها ـ أي: تقطع ثمرها ـ فزجرها رجل، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((بلى، جذّي نخلك، فإنك عسى أن تصَّدَّقي أو تفعلي معروفًا))[8].
قال النووي: "هذا الحديث دليل لخروج المعتدّة البائن للحاجة"[9].
3- أن تأمنَ الفتنة:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء))[10].
قال ابن حجر: "ويدلّ الحديث على أن الفتنة بالنساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ?لشَّهَو?تِ مِنَ ?لنّسَاء وَ?لْبَنِينَ وَ?لْقَنَـ?طِيرِ ?لْمُقَنطَرَةِ}
[آل عمران:74]، فجعلهنّ من حبّ الشهوات، وبدأ بهنّ إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"[11].
قال الشيخ ابن باز: "فعمل المرأة بين الرجال من غير المحارم فتنة تضعها على الطريق الموصل إلى ما لا تحمَد عقباه مما حرّم الله، وما يؤدّي إلى الحرام حرام"[12].
4- أن يأذنَ لها وليّها بالعمل خارجَ البيت:
قال ابن العربي في توضيح معنى الدرجة التي للرجال في قوله تعالى: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:288]: "حجرت التصرف إلا بإذنه، وأن تقدّم طاعتَه ـ أي: الزوج ـ على طاعة الله في النوافل"[13].
وقال الكاساني: "فالمرأة محبوسة بحبس النّكاح، وهو حقٌّ للزوج، وتصير بمقتضاه ممنوعة من الاكتساب، ولما كان نفع حبسها عائدًا إليه كانت كفايتها عليه"[14].(2/4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن))[15].
قال النوويّ: "استُدلّ به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجُّه الأمر إلى الأزواج بالإذن"[16].
5- أن لا يستغرقَ العمل جهدَها، بحيث يؤدي إلى ضياع الأسرة، أو يتنافى العمل مع طبيعتها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))[17].
قال الشيخ ابن باز: "إنّ عملَ المرأة بعيدًا عن الرّجال إن كان فيه مضيَعة للأولاد وتقصيرٌ بحقّ الزوج من غير اضطِرار شرعيّ لذلك يكون محرَّمًا؛ لأنّ ذلك خروج على الوظيفة الطبيعية وتعطيل للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها، مما ينتج عنه سوء بناء الأجيال، وتفكّك عُرى الأسرة التي تقوم على التعاون والتكافل"[18].
وقال الله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ?للَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى? بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ?كْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ?كْتَسَبْنَ} [النساء:32].
قال أبو السعود: "لكلٍّ من الفريقين نصيب خاصّ به من الأجر يترتّب على عمله، فللرجال أجر بمقابلة ما يليق بهم من الأعمال كالجهاد ونحوه، وللنساء أجر بمقابلة ما يليق بهن من الأعمال كحفظ حقوق الأزواج ونحوه، فلا تتمنى النساء خصوصية أجر الرجال، وليسألنّ من خزائن رحمته تعالى ما يليق بحالهنّ من الأجر"[19].
وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام أن يبعدَ المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها... فالإسلام يمنع تجنيدَ المرأة في غير ميدانها الأصيل"[20].
6- أن لا يكونَ عملها تسلّطًا على الرجال:
قال الله تعالى: {?لرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ?لنّسَاء} [النساء:34].(2/5)
قال ابن العربي: "فرَضَ عليها السّكون والقرار في البيت، وحبّبه إليها، وأمرها بعدم الخضوع في القول، ولا يتأتى ذلك منها حين تتسلط على الرجال وتديرهم؛ إذ ذلك يقتضي مخالطتهم ومخاطبتهم بمختلف ضروب الكلام وبشتى الأساليب"[21].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامَ الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة))[22].
قال الخطابي: "فيه من العلم أنّ النساء لا تلي الإمارة ولا القضاء"[23].
وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام على أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسؤوليات عامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))"[24].
[1] ينظر: التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي لفضل إلهي ظهير (ص:725)، ومشكلات المرأة المسلمة المعاصرة لمكية مرزا (ص: 282-290)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب نواب الدين (ص:174-199)، والمرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله (ص:349).
[2] انظر: تفسير الطبري (4/22).
[3] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (523)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (1341).
[4] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (5233)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (1341).
[5] التبرج وخطورته (ص:22).
[6] الجامع لأحكام القرآن (14/174).
[7] تفسير القرآن العظيم (3/486).
[8] رواه مسلم في الطلاق، باب: جواز خروج المعتدة البائن (1483).
[9] شرح مسلم (6/301).(2/6)
[10] رواه البخاري في النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة (5096)، ومسلم في الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء (2741).
[11] فتح الباري (9/138).
[12] انظر: رأي الشرع في المرأة للحصين (ص:20).
[13] أحكام القرآن (1/188).
[14] بدائع الصنائع (5/2196).
[15] رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: استئذان المرأة زوجها (865)، ومسلم: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد (442)، واللفظ لمسلم.
[16] شرح صحيح مسلم (3/83).
[17] رواه البخاري في الوصايا (2751)، ومسلم في الإمارة، باب: فضل الإمام العادل (1829).
[18] التبرج وخطورته (ص:30-31).
[19] تفسير أبي السعود (2/173).
[20] التبرج وخطورته (ص:30-31).
[21] أحكام القرآن لابن العربي (4/1457).
[22] رواه البخاري في المغازي، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر (4425).
[23] إعلام الحديث (3/1787).
[24] التبرج وخطورته (ص: 30 - 31).
رابعاً: مجالات عمل المرأة في الإسلام ونماذجها:
قال الشيخ ابن باز: "المرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها كتعليم الصغار وإدارة مدارسهم والتطبيب والتمريض ونحو ذلك من الأعمال المختصّة بالنساء"[1].
النَّماذج:
1- مجال العلم والتعليم:
وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ((ألا تعلّمين هذه رقيةَ النملة كما علّمتيها الكتابة))[2].
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يلجأ إليها كبارُ الصحابة يسألونها عن الفرائض[3].
2- مجال الدعوة إلى الله:
كانت أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية بعد أن أسلمت وهي بمكة جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن وترغّبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فاضطهدوها وعذّبوها[4].
3- مجال الجهاد والغزوات:(2/7)
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى[5].
4- مجال الحِرَف اليدوية:
فعن سهل بن سعد أن امرأة جاءت ببردة ـ وهي الشملة منسوج في حاشيتها ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره[6].
5- مجال التطبيب:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى[7].
6- مجال الشؤون البيتية:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أكرم أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرّت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها، وأسقت بالقربة حتى أثّرت القربة بنحرها، وقمّت ـ أي: كنست ـ البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر[8].
[1] رأي الشرع في عمل المرأة (ص:21).
[2] رواه أبو داود في الطب، باب: ما جاء في الرقى (3887)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2647).
[3] الطبقات الكبرى (8/66 - 73).
[4] صفة الصفوة (2/53).
[5] رواه مسلم في الجهاد، باب: النساء الغازيات (1812).
[6] رواه البخاري في اللباس، باب: البرود والمحبرة والشملة (5810).
[7] رواه مسلم في الجهاد (1810).
[8] رواه بهذا اللفظ عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/153)، وأصل القصة في الصحيحين.
خامساً: الآثار السلبية من عمل المرأة بدون الضوابط الشرعية:
1- ظهور تغيّرات في جسم المرأة تفقدها أنوثتها:(2/8)
قالت طبيبة نمساوية: "ظهر من استقراء الإحصاءات أن نقصَ المواليد للزوجات العاملات لم يكن أكثره عن اختيار، بل عن عقم استعصَى علاجه... وبفحصِ نماذج شتى منوّعة من حالات العقم اتّضح أنه في الغالب يرجع إلى عيبٍ عضويّ ظاهر... ممّا دعا العلماءَ إلى افتراض تغيّر طارئ على كيان الأنثى العاملة نتيجةً لانصرافها المادّي والذّهني والعصبي عن قصد أو غير قصد عن مشاغل الأمومة ودنيا حواء وتشبّثها بمساواة الرجل ومشاركته في ميدان عمله"[1].
2- انتشار التحرّش على النساء:
يقول لين فارلي: "إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشارًا ذريعًا في الولايات المتّحدة وأوربا... وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوعٍ من الأعمال تمارسه مع الرجال"[2].
3- كثرة الجرائم وفساد الأخلاق:
قالت الدكتورة إيدابلين: "إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسرّ كثرة الجرائم في المجتمع هو الزوجة، تركت بيتها لتضاعِف دخلِ الأسرة، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق"[3].
4- كثرة عدد أولاد الزنا:
تقول الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا"[4].
5- تحطّم سعادة الأسرة:
يقول سامويل سمايلس: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية"[5].
[1] عمل المرأة في الميزان (ص: 124).
[2] عمل المرأة في الميزان (ص: 167).
[3] قضايا تهم المرأة (65 - 66).
[4] قضايا تهم المرأة (ص: 94).
[5] قضايا تهم المرأة (ص: 239).
سادساً: شبهات وردود:(2/9)
الشبهة الأولى: "إن منعَ المرأة من العمل مطلقًا هو تعطيل لقوّة نصف المجتمع، ومن الظلم أن تبقى الإناث فارغات اليد من العمل، عاطلات عن الكسب، وإن البلدان الإسلامية اليوم في جملتها متخلّفة، وهذا يعني أنها تحتاج لبنائها إلى تجنيد كل الطاقات رجالاً ونساءً"[1].
والجواب:
1- إن المرأة إن أدّت واجباتها الأساسية كزوجة وأم وفرد له مسؤولياته في الأسرة على الوجه المطلوب الذي رسمه الإسلام لا تكون امرأةً عاطلة عن العمل بحال.
يقول برناردشو: "إن العمل الذي تنهض به النساء هو العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه، هو حمل الأجنة وولادتها... لكنهنّ لا يؤجرون على ذلك بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق".
2- من الشطط أن يمجَّد عمل المرأة خارج البيت مقابل تركها لمهمّتها البيتية الجسيمة، وعلى حساب أمومتِها وأنوثتها، وإنّ المتتبّع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلّقة بنظام الأسرة يحسّ بعِظَم الدور المنوط بالمرأة وضخامة المسؤولية الملقاة على كاهلها.
3- إنّ مقوّمات مجد الأمة وتقدّمها ضربان: ضرب روحي يتمثل في قوة عقائدها واعتزازها بثروتها من القيم والمثل العليا، وضرب حسّي يتمثّل في قوة جيشها ونظامها واقتصادها، وكلما كان حظ الأمة من كلا هذين الضربين أوفر كان حظها من مجد الأمة وتقدمها أعلى وأبين، والإسلام جاء بتحقيق هذين الضربين، فأوكل المهمّة الأولى للمرأة بالقيام على تربية الأولاد وإنتاج ثمرات قرائحهم وغرس القيم المثلى في نفوسهم، كما أوكل المهمة الثانية للرجال بالقيام على الإنتاج وتنمية الثروة وكسب الرزق.
4- ليس بخاف أنّ التحسّر على بقاء المرأة في البيت دون مشاركتها في الأعمال الحرة نظرة غربية المولِد والمنشأ، والتي تدعو إلى تدنيس المحصَنات الغافلات المؤمنات تقليدًا للغرب[2].(2/10)
الشبهة الثانية: إنّ من حقّ المرأة أن تعمل وتتكسّب من أيّ مهنة شاءت كما يفعل الرجل طالما أن ذلك نابع من رغبتها، ولها قدرات على العطاء والإنتاج والإبداع لا تقل عن الرجل، كما أن منعها من العمل لا يتمشّى مع روح العصر ومتطلباته، حيث تقضي ظروف المعيشة الراقية أن يتاح للمرأة صنوف الأعمال التي ترغب فيها[3].
والجواب:
1- إننا في هذا العصر نشهد على ملأ من الناس مشاركةَ النساء للرجال في كثير من الأعمال، فماذا حققت المرأة من وراء ذلك غير خراب البيوت الآمنة وانحلال الأخلاق وفساد المجتمع وتشرّد الأطفال وظهور البطالة في صفوف الرجال؟!
2- وإذا كانت المرأة نجحت في بعض الأعمال الحرة فلا يعني ذلك أن المرأة أثبتت كفاءتها في هذا المجال أو ذلك؛ لأن الحالات الفردية لا يمكن تعميم الحكم على ضوئها، وهب أن المرأةَ بالفعل برزت في عمل ما وفاقت فيه الرجال، فهل يعتدّ به وقد أخفقت في الأمومة وأضعفت الثروة الحقيقية للأمة، ألا وهي إنتاج القرائح النيّرة بتربية الأجيال؟!
3- بالاطلاع على معطَيات العلوم الحديثة الكاشفة عن مختلف حالات المرأة النفسية يتضح أن هناك عوائق ذاتية تؤثر على عمل المرأة وتخفق من أداء واجباتها المهنية، منها:
أ- أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة وسيدة البيت.
ب- يعتري النساء بحكم الأنوثة جملة من الحالات تمنعها قهريًا من العمل، كإصابتها بآلام الحيض والحمل والولادة ومتاعب الرضاع بعد ذلك، وصدق الله تعالى إذ يقول: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى? وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ} [لقمان:14].(2/11)
ج- تمتاز المرأة بعاطفتها الجياشة، فمن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل، وعليه فإن إقحامها في الأعمال الرجالية الشاقة بَدَنيًا أو التي تحتاج إلى مجهود متواصل ظلم لها وإجحاف في حق المجتمع؛ لأنه صرف للقوة النافعة عن وظيفتها الأساسية وتعطيل للكفاءات والقدرات كذلك[4].
[1] تنظر الشبهات بتوسّع في: المرأة العصرية بين الماضي والحاضر لأحمد طه (ص: 75 - 76)، والإسلام وقضايا المرأة (ص: 221 - 222)، وبحوث المؤتمر الإقليمي الثاني للمرأة في الخليج (1/97)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب (ص: 205 - 207).
[2] ينظر الرد بتوسع في: الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة (ص: 230)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب (ص: 208 - 213).
[3] ينظر: المرأة العصرية بين الماضي والحاضر (ص: 76)، وبحوث المؤتمر الإقليمي الثاني للمرأة (1/23)، والإسلام وقضايا المرأة المعاصرة (ص: 252 - 256)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب (228 - 230).
[4] ينظر بتوسع: الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة للخولي (ص: 252 - 254)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه (ص: 230 - 232).
سابعاً: ملحقات البحث:
1- قصص:
1. قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضحٍ وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدقّ النوى لناضحه فأعلفه، وأستقي الماء، وأخزر غرْبه، وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبر جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صِدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثُلْثَي فرسخ.(2/12)
فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: ((إخ، إخ)) ليحملني خلفه، فاستحيَيت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، قال: والله لحملُك النوى كان أشدَّ عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني[1].
2. حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حربَ القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بَنِيّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم لبنو امرأة واحدة، ما خُنت أباكم، ولا فضحْت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم.
فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، فبلغها خبرهم، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته[2].
2- أبيات شعرية:
قال حافظ إبراهيم:
أنا لا أقول دعوا النساءَ سواحر
يدرجن حيث أردْن لا من وازع
يفعلن أفعال الرجال لواهيًا
في دورهن شؤونهن كثيرة
بين الرجال يَجُلْن في الأسواق
يحذرن رِقبته ولا من واقي
عن واجبات نواعس الأحداقِ
كشؤون ربّ السيف والمرزاقِ[3]
3- محمدة مناسبة:
الحمد لله الذي حفظ حق المرأة وأعلى قدرَها، وأمر المرأة أن تلْزم خِدْرها، وجعل الحياء شعارًا لشرفها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأدب الشرعي عنوان الفلاح، وهدى من شاء بحكمته من خلقه لطريق الصلاح، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى صراط مستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله ومن تبعهم في كل أمر قويم.
4- مراجع للتوسع:(2/13)
· عمل المرأة في الميزان، لمحمد علي البار.
· عمل المرأة وموقف الإسلام منه، لعبد الرب نواب الدين.
· رأي الشرع في المرأة، لأحمد عبد العزيز الحصين.
· الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، للبهي الخولي.
· مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة، لمكية مرزا.
· المرأة في الإسلام، لأحمد زكي تفاحة.
· المرأة العصرية بين الماضي والحاضر، لأحمد طه محمد.
· قضايا تهمّ المرأة، لعبد الله الجار الله.
· المرأة: تعليمها وعملها في الشريعة الإسلامية، لعلي بن محمد الأنصاري.
· أدب المرأة في الإسلام، لعبد غالب أحمد عيسى.
· خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله، للشيخ عبد العزيز بن باز.
· المرأة في الإسلام، لصبحي الصالح.
· إعداد المرأة المسلمة، لمحمد علي نمر.
[1] رواه البخاري في النكاح، باب: الغيرة، (5224)، ومسلم في السلام، باب: جواز إرداف المرأة الأجنبية (2182).
[2] الاستيعاب (4/296).
[3] ديوان حافظ إبراهيم (1/25).(2/14)