المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فإن من السهام القتالة التي مرقت من رمية الحسد، فطاشت نصالها هنا وهناك، حتى طالت الكثير من الناس «الإصابة بالعين» تلك العين التي كان الناس بالأمس القريب يرون فيها سوأة من سوآت النفس، وعورة من عورات الضمير، يحرص العاقل على سترها أكثر من حرصه على ستر عورته الكبرى، أما اليوم فانظر كيف أنهم يتبارون في الإتيان «بعبارات الوصف وكلمات التشبيه» أمام الملأ بل حياء ولا خجل، بل يفتخر – قاتله الله – بأنه سددها إلى كبد أخيه فلم يخطئها.
وقلب ناظريك ترى المآسي
ودع قدميك تنتعل الشجونا
أصيب بها كثير من الناس على حين غفلة من التحصينات والأوراد الشرعية فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس كرام، وسلوا المقابر كم من قبور فيها قد ملئت بسبب هذه العين الخبيثة (1) .
وقد قدر لي في كثير من مراحل عمري أن أستمع إلى أنين بعض هؤلاء المنكوبين في أجسامهم أو أموالهم أو أبنائهم أو أهليهم، فكنت أشعر بمرارة الحياة في أفواههم، وأحس بلذع الجوى في قلوبهم، وأرى مواقع السهام من أكبادهم، فتهيج في نفسي حزنًا شديدًا، كأن ما أصابهم أصابني، وما آذاهم آذاني.
فبات لزامًا علينا جميعًا أن نقوم بواجب النصح لأولئك حتى يكفوا عن إطلاق عبارات الوصف وكلمات التشبيه، وإن لم ينتهوا وجب علينا أن ننبش دفائنهم، وأن نكشف أثوابهم عن أجسامهم، وأجسامهم عن نفوسهم حتى يتكاشفوا ويتراءوا للعيان، فلا يهنأ عائن بعينه، ولا حاسد بنفسه المريضة.
والله المسئول أن يرزقنا الإخلاص في القول والفعل والعمل وأن يوفق الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، هو ولي ذلك القادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________
(1) يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس يعني العين» السلسلة الصحيحة رقم 747.(1/1)
* * *
علام يقتل أحدكم أخاه؟
الحديث:
عن محمد ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف، بالخرار (1) ، فنزع جُبَّةً كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر: أن سهلاً وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت، إن العين حق، توضأ له» فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس.
[موطأ مالك (1746) برواية يحيى بن يحيى ومن طريق مالك أخرجه النسائي في الطب من سننه الكبرى على ما في «تحفة الأشراف (1: 66)].
وفي رواية ابن شهاب الزهري قال: «فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل بن حنيف، والله ما يرفع رأسه، فقال: «هل تتهمون له أحدًا» قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامرًا، فتغيظ عليه، وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت، اغتسل له» فغسل عامر وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره، في قدح، ثم صبَّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
[الموطأ (1747) برواية يحيى بن يحيى وصحيح الجامع (3908) 4/37].
في هذا الحديث:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «علام يقتل أحدكم أخاه؟».
«ألا بركت».
«إن العين حق».
«توضأ له».
وفيه أيضًا: «فتغيّظ عليه».
وفيه قول عامر بن ربيعة: «ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء».
وفيه: «اغتسال عامر بن ربيعة».
فوائد الحديث:
__________
(1) كوضع قرب الجحفة بالمدينة المنورة.(1/2)
1- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «علام يقتل أحدكم أخاه» دليل على أن شرر العين مستطير وضررها حاصل وأنه قد يأتي منها الموت أو القتل إذا دنا الأجل.
2- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألا بركت» دليل على أن من أعجبه شيء فقال: «تبارك الله، اللهم بارك فيه»، ونحو هذا لم يضره شيء إن شاء الله.
3- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن العين حق» دلالة على أن العين حق وتأثيرها صدق، وأنها قد تقتل، وهذا هو مذهب أهل السنة وقول علماء الأمة كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم.
[لزيادة البيان انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 9/221].
4- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «توضأ له»، «اغتسل له» دليل على أن العائن يُؤمر بالوضوء والاغتسال للمعين وأنها من الأسباب التي ينتفع بها بإذن الله.
5- في تغيظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على عامر بن ربيعة دليل على أن من يطلق عبارات الوصف وكلمات التشبيه على وجه الإعجاب، ودون ذكر اسم الله – عز وجل – يجوز عتابه والإنكار عليه وتأديبه بما يردعه ويكف عن المسلمين شره وأذاه.
6- قول عامر بن ربيعة: «ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء» فيه إن إطلاق مثل هذه العبارات – دون ذكر اسم الله تعالى – من التهم التي يتهم بها المرء، وأنها غير جائزة شرعًا إذ قد يحصل به ضرر للمعجب به، والضرر منتفى في الشريعة الغراء إذ «لا ضرر ولا ضرار».
7- يستفاد من الحديث أيضًا أن أحسن كيفية في غسل العائن هو الذي فعله عامر بن ربيعة ووصفه ابن شهاب راوية الحديث.
[انظر بتمامه في صفة الغسل].
خطورة العين
هل أمر العين بهذه الخطورة؟ نعم، وانظر إلى آثارها:
1- أكثر ساكني المقابر منها:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس، يعني بالعين» [انظر السلسلة الصحيحة رقم 747 وصحيح الجامع (1217)].(1/3)
إذا كان أكثر ساكني المقابر منها فكيف بساكني الأسرة البيضاء في المنازل والمستشفيات، وكيف بمن يتألم في صمت!
2- تدخل الرجل القبر، والجمل القدر:
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «العينُ تُدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر».
[انظر صحيح الجامع (4023) 4/64].
قال المناوي: تدخل الرجل: أي تقتله فيدفن في القبر وتدخل الجمل: أي إذا أصابته أو أشرف على الموت ذبحه مالكه وطبخه في القدر.
3- تهوى بالرجل من فوق الجبل:
عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن العين (1) لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا فيتردى منه».
[صحيح الجامع (1677) 2/84].
4- تكاد تسبق القدر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا» [رواه مسلم – باب الطب، والترمذي (3063) وانظر صحيح الجامع (5163)].
5- سرعة النفوذ والقتل:
(وفيه حديث سهل بن حنيف المتقدم).
6- سرعة تأثيرها في أجساد الأطفال:
عن جابر بن عبد الله قال: «رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: مالي أرى أجساد بني أخي ضارعة يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، فقال: ارقيهم، قالت: فعرضت عليه، فقال: ارقيهم» [صحيح مسلم (2198)].
7- وهذا يعقوب - عليه السلام - يخشى العين على أبنائه:
قال تعالى: { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } [يوسف: 67].
__________
(1) لتولع: أي تلازمه فتؤثر فيه.(1/4)
قال القرطبي: «لما عزموا على الخروج خشى عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرجلٍ واحد، وكانوا أهل جمال وكمال وبشطة، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم. [الجامع لأحكام القرآن 9/226].
وقال ابن كثير: قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد، إنه خشي عليهم العين وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر وبهاء فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم فإن العين حق» [تفسير ابن كثير 2/484].
قال الفخر الرازي: «هو قول جمهور المفسرين إنه خاف من العين عليهم» [انظر تفسير الفخر الرازي والقرطبي وغيرهم عند تفسير هذه الآية].
8- والرسول - صلى الله عليه وسلم - يتعرض للإصابة بالعين:
قال تعالى: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } [القلم: 51، 52].
{ لَيُزْلِقُونَكَ } لينفذونك بأبصارهم، أي: يعينونك بأبصارهم قاله بن عباس ومجاهد وغيرهما [انظر تفسير ابن كثير 4/408].
وقال القرطبي: { لَيُزْلِقُونَكَ } . أي: يعانونك بأبصارهم، أخبر بشدة عداوتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: «ما رأينا مثله ولا مثله حججه» [الجامع لأحكام القرآن القرطبي 18/254].
والسنة النبوية تدل على أن العين حق وصدق.
9- العين حق:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «العين حق ونهى عن الوشم» [البخاري مع الفتح 10/203، وعند مسلم لم يذكر الوشم].
10- الاستعاذة من العين:
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «استعيذوا بالله من العين فإن العين حق» [ابن ماجه (3508) وصحيح الجامع 951].(1/5)
وقد كانت العين في بني أسد، حتى أن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعانيها ثم يقول: يا جارية.. خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من هذه الناقة فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر. [تفسير القرطبي 18/554].
وكانت العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدًا – يعني في نفسه وماله – تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول: تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله. [المصدر السابق].
قال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئًا يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنمًا أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة. [المصدر السابق].
* * *
وماذا عن العائن؟
قد عرفنا من خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطورة العين وسرعة قتلها، فماذا عن العائن:
العائن – رجل كان أو امرأة – ذا عين حاسدة ونفس خبيثة وله مع الشيء المنظور إليه حالات ثلاث:
الحالة الأولى:
إذا أعجب العائن بشيء فاستحسنه وغلب على قلبه فإذا لم ينطق بشيء وسكت لم يُقدر الله – عز وجل – للمنظور إليه بإذن الله تعالى ضرر.
الحالة الثانية:
إن نطق العائن بكلمة استحسان بدون ذكر الله – جاهلاً كان أو ناسيًا وأشدها متعمدًا – قدَّر الله تعالى في بدن المعين المرض والهلكة على قدر ما يريد الله تعالى.
الحالة الثالثة:
إذا ذكر اسم الله – تعالى – وبرَّك سقط ضرر العين ولم يظهر لها أثر فالله – سبحانه – يرد قضاءه بقضائه والأمر كله لله، وللعائن في ذاته ثلاث حالات:
1- جاهلاً: فيجب أن يُعلم.
2- ناسيًا: فيجب أن يذكر.
3- متعمدًا: وهو مقصودنا في هذا البحث.
أوصاف العائن:(1/6)
1- دائم التسخط على أقدار الله، لذا تجده كثير الشكوى، ظالمًا أشبه بمظلوم، يرى النعمة عليك نقمة عليه، تتحير في رضاه، يقول معاوية - رضي الله عنه - : «كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسدًا على نعمة فلا يرضيه إلا زوالها».
2- البخل والشح: إذ كيف يمنح من ذات يده ما يزيده ألمًا على ألم وحسرة فوق حسرة، وهو لو استطاع أن يكف عن الناس سارية السماء ويعترض دونهم نابتة الأرض لفعل، وقد قيل: البخيل يبخل بماله، والشحيح يبخل بمال غيره، أما الحسود فيبخل بنعم الله على عباده.
3- اللؤم والخسة: فإن النفس إذا خبثت طينتها، ولؤم طبعها، كان من أخص صفاتها الحقد والحسد على الوجود كله، وبغض الخير للناس قاطبة.
4- وأخيرًا العائن رجل يجيد عبارات الوصف وكلمات التشبيه لذا تجد على لسانه دائمًا كأنه كذا، وكأنها كذا وغيره من هذه العبارات.
* * *
والجن يعينون أيضًا
لا تكاد تسلم من عين الإنسان، فتتعرض لأعين هي أنفذ من أسنة الرماح وهي عين الجآن:
فعن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: «استرقوا لها، فإن بها النظرة».
[البخاري مع الفتح 11/372].
و «السفعة» أي: نظرة يعني من الجن، يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح [زاد المعاد 3/117].
قال ابن القيم – رحمه الله -: «العين عينان، عين إنسيه، وعين جنية» [زاد المعاد 3/117].
قال الخطابي: (عيون الجن أنفذ من الأسنة).
[عمدة القارئ 17/404].
لذلك كان من حكمة الشارع الحكيم أن شرع للمسلم ذكر الله في كثير من المواطن ليتقى بها شر أعين الجان وأذاهم، ومن ذلك المواطن التي تنزع فيها الثياب كدخول الخلاء قد قال عليه الصلاة والسلام: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول (بسم الله) اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» [متفق عليه].(1/7)
وعند إتيان الزوجة (الجماع) فقد شرع للمسلم أن يقول: «بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا» [البخاري 6/141].
وعند دخول المنزل والخروج منه وعند الطعام وغيرها من الأذكار كما هو مبسوط في مظانها من كتب أهل العلم، أو ما أفرده المتأخرون في أجزاء صغيرة يسهل حملها، وبهذا يتبين لك مدى أهمية المحافظة على الأذكار والأوراد في الصباح والمساء.
أسباب الوقاية من شر العين
أولاً: حسن التوكل على الله – عز وجل - «وهو صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأن لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه» (1) ، وقد قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطلاق: 3].
ثانيًا: من أعظم الأسباب التي يُتقى بها شر العين المحافظة على الأذكار والأوراد اليومية وخصوصًا قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من عين الجآن وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما».
[الترمذي والنسائي].
ثالثًا: الدعاء بالبركة إذا رأى المرء ما يعجبه كقوله: «اللهم بارك له، ما شاء الله تبارك الله، وما أشبهها، ويجب على المسلم أن يعود لسانه عليها.
رابعًا: ستر محاسن من يُخشى عليه الإصابة بالعين: وفيه قول عثمان - رضي الله عنه - لما رأى صبيًا مليحًا، فقال: «دسموا نونته لئلا تصيبه العين» [انظر شرح السنة للبغوي 12/166].
ودسموا: أي سودوا.
والمراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد عنه العين فما بال بعض أخواتنا يخرجن متزينات متعطرات ويبرزن للرجال والنساء ويعرضن أنفسهن لأمرين:
الأول: معصية الله عز وجل.
الثاني: التعرض للإصابة بالعين.
__________
(1) «جامع العلوم والحكم» لابن رجب: (409).(1/8)
خامسًا: فراغ القلب من الاشتغال بهذا الأمر والفكر فيه، وأن يتقصّد المرء أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالتفكر فيه، وهذا من أقوى الأسباب المعينة على دفع شر العين.
سادسًا: وجماع الأمر كله تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم الذي قال: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِه } [يونس: 107].
رد العين على العائن
ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه زاد المعاد قصة في رد العين على العائن نفسه فقال: عن أبي عبد الله الساجي أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة وكان في الرفقة رجلٌ عائن، قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله احفظ ناقتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخبر العائن بقوله فتحين غيبة أبي عبد الله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت فجاء أبو عبد الله، فأُخبر أن العائن قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلوني عليه فدُل فوقف عليه وقال: «بسم الله، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: 3، 4]. فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا بأس بها. [زاد المعاد 4/174].
* * *
علاج العين بعد إصابتها
إذا عرفت العائن فمره بالاغتسال وصفته:
صفة الاغتسال:
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله:(1/9)
يؤتى للرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على كفه اليسرى صبة واحدة، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه الأيسر ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها ركبته اليسرى، كل ذلك في القدح، ثم يدخل داخلة إزاره في القدح ولا يوضع القدح في الأرض، فيصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة (1) .
* * *
علاج العين بالرقية
إذا لم تعرف العائن فأقرأ وانفث على نفسك بهذه الرقى ولا بأس أن تنفث بها على قدح من الماء وتغتسل به:
أولاً: من القرآن الكريم:
* { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 1-7].
* { اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255].
__________
(1) انظر سنن البيهقي: (9/352).(1/10)
* بسم الله الرحمن الرحيم: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 1-4].
* بسم الله الرحمن الرحيم: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق: 1-5].
* بسم الله الرحمن الرحيم: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } [الناس: 1-6].
* وإن شئت فزد: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 109].
* { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النساء: 54].
* { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } [القلم: 51، 52].
ثانيًا: من السنة النبوية:
* «بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك» [مسلم 4/1718].
* «بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يؤذيك من حسد حاسد ومن كل ذي عين الله يشفيك» [صحيح ابن خزيمة 2/268].
* «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» [البخاري 6/408].
زاد ابن القيم – رحمه الله -:(1/11)
* «اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك».
* «أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وأسماء الله الحسنى، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل شر لا أطيق شره، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، إن ربي على كل شيء قدير».
* اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم».
* «تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإله كل شيءٍ، واعتصمت بربي ورب كل شيءٍ، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المروزق، حسبي الذي هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» [زاد المعاد 4/169-170].
لماذا نرفض الاغتسال
إن الحديث عن أمر العين والعائن والمعيون يجرنا جرًا إلى هذا السؤال لماذا نرفض الاغتسال؟ ندع أخانا يتجرع آلام الإصابة بالعين ومقاومة غصصها؟ لماذا نُلجئ أهله وذويه إلى التحايل في أخذ شيء من أثر من يظنون منه العين كبقايا مطعومه أو مشروبه أو شيء من ملبوسه؟ لماذا لا نبادر نحن وبنفس راضية فنقدم لهم ماء وضوئنا؟ وهذا الأمر على ما فيه من رفع الحرج عنهم ففيه أيضًا من الفوائد ما يلي:(1/12)
1- الأجر والمثوبة لامتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - : فقد قال عليه الصلاة والسلام: «وإذا استغسلتم فاغسلوا» [رواه مسلم في باب الطب].
2- فيه إبراء للذمة إذ قد يجوز أنك أعنته دون تقصد منك ودون أن تدري فإن رفضت الاغتسال فستبوء بذنبه على قدر هلكته يوم القيامة.
3- فيه تطييب نفس أخيك المسلم وجبر لخاطره.
4- فيه جب للغيبة عن نفسك ودرء للشبه عن عرضك كما أن فيه دحر للشيطان وقطع لأسباب الضغينة.
5- فيه ترابط المجتمع وشعوره بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر المجتمع بالسهر والحمى.
6- هل تعلم أن من أهل العلم من يرى أنه يجبر العائن على الاغتسال إذا أشرف المعيون على الهلاك. [انظر صحيح مسلم بشرح النووي 5/37].
7- هل تعلم أنه ورد في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد جابر بن عبد الله وهو مريض فتوضأ له ثم صب وضوءه عليه (1) ، وإن كان فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جابر من باب البركة بوضوئه عليه الصلاة والسلام.
* * *
بأي ذنب قتلت
بأي ذنب يُقتلُ الصغير، ويُوَعك الكبير، بأي ذنب يُخفت الآذان ويُحبس صوت الإمام، بأي ذنب تفكك الأسر، وتهدم المنازل، ويهلك الحرث والنسل، ويسعى في ألأرض بالفساد.
لم التسخط على أقدار الله، ولم الكفر بنعم الله، هل في الدنيا أحد نال الخير كله حتى ما زاد عليه أحد؟ هل فيها من حاز المناصب أجمعها؟ لماذا أنظر إلى من هم فوقي في العلم والدين لأزاحمهم؟ لماذا المزاحمة على زيادة درجة في دار تزول غدًا، ولا أزاحم درجات في دار لا تزول ولا تبيد؟ لماذا أنقم على هذا أن صار ماله أكثر من مالي، أو منصبه أعلى من منصبي، ولا أنظر إلى من صلى أكثر من صلاتي، وصام أكثر من صيامي، ونال أكثر من ثوابي.
__________
(1) البخاري: (651).(1/13)
يا هذا، دونك أسباب الأرض المشروعة فاغترف منها ما تشاء، ودونك أبواب السماء، فارفع إليها أكف الضراعة بمفاتيح التوبة والاستغفار، والإنابة والدعاء، فما خاب من دعاه { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه: 131، 132]، { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء: 32، 33].
وإليك ما تستعين به على ترك هذا الداء:
1- أن تعلم أن ما فُضِّل عليك غيرك به إنما هو لحكمة يعلمها الله – سبحانه وتعالى – فلو أغنى خلقه جميعًا لأفقرهم جميعًا { ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [الجمعة: 4].
2- أن تعلم أنك قد غششت المسلمين، وتركت نصيحتهم وشاركت إبليس والكفار في تمني زوال النعمة عنهم { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة: 109].
3- إنك بهذا قد سخطت على قضاء الله وقدره الذي قسمه بين عباده، قال تعالى: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف: 32].(1/14)
4- أن تعلم أن من كانت هذه صفته ممقوت عند الله ومنبوذ عند الناس فهو لا يُحَبْ ولا يسود ولا يرأس أبدًا.
5- أن تعلم أنه زيادة آثام وسيئات خاصة ممن يتعمد هذا بعد أن علم الأمر وقامت عليه الحجة وليعلم أنه سوف يجد غب فعله هذا { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر: 52].
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
فتاوى
حكم طلب غسول العائن والتوجيه لمن يطلب منه ذلك
سؤال: جاء في الحديث الذي رواه مسلم «العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا» فهل معنى هذا أنه لا حرج في طلب غسول العائن لمن ورد في الحديث وما هي نصيحتكم لمن يطلب منه ذلك حيث إن البعض يغضب إذا طُلب منه ذلك؟
الجواب: إذا عرف العائن وتحقق أنه هو الذي أصاب المعين فإنه يطلب منه غسل يديه أو شيء من بدنه ليصب على المعين أو يشرب منه وهكذا إذا عرف العائن نفسه أنه يصيب من عانه فعليه أن يبرك على المعين بقوله: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وعليه بعد الإصابة بالعين أن ينفث عليه أو يغسل بعض جسده ويصبه عليه.
ولا يجوز له الامتناع عن الغسل إذا طلب منه ذلك سواء كان متهمًا لكلمة قالها أو متيقنًا أن نفسه الذي أصاب المعين.
ولا يجوز أن يغضب من ذلك ولو عرف من نفسه أنه لا يعين فإن العين قد تسبق صاحبها وكثيرًا ما تقع الإصابة بدون إرادة العائن حتى قد يصيب بعض أولاده أو بعض ماله ثم يندم على كلمة صدرت منه. والله أعلم.
[الفتاوى الذهبية والفتوى للشيخ عبد الله الجبرين]
من الناس من يقدر أن يصيب من أراد بالعين ومتى أرادوا سؤال سمعنا أن هناك بعض الأشخاص لهم قدرة الإصابة لمن أرادوا ومتى أرادوا فهل هذا صحيح؟(1/15)
الجواب: لا شك أن العين حق كما هو الواقع وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «العين حق ولو كان شيء سابق للقدر لسبقته العين»، وفي حديث آخر: «إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر»، أي يحصل بها الموت أما حقيقتها فالله أعلم بذلك.
ولا شك أنها تكون في بعض الناس دون بعض، وأن العائن قد يتعمد الإصابة فيحصل الضرر، وقد لا يتعمد الإصابة فتقع منه بغير قصد ضرر، وهناك من يحاول الإصابة ولا يقدر عليها.
وقد أمر الله بالاستعاذة من العائن، فهو داخل في قوله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، وبالاستعاذة من شره يحصل الحفظ والحماية، والله أعلم.
[الفتاوى الذهبية: ص118 والفتوى للشيخ عبد الله الجبرين].
* * *(1/16)